اﻟﻐﺮب واﻟﻌﺎﻟﻢ - elibrary

587
ABCDEFG 90 اﻟﻐﺮب واﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺎرﻳﺦ اﳊﻀﺎرة ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﺗــــﺄﻟـــــﻴـﻒ: ﻛـﺎﻓــﲔ راﻳﻠﻲ ﺗــﺮﺟــﻤــﺔ: د. ﻋﺒﺪاﻟﻮﻫﺎب ﻣﺤﻤﺪ اﳌﺴﻴﺮي د. ﻫﺪى ﻋﺒﺪاﻟﺴﻤﻴﻊ ﺣﺠﺎزي ﻣﺮاﺟﻌﺔ: د. ﻓﺆاد زﻛﺮﻳﺎX¹uJ« ‡ »«œü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ a c b (اﻟﻘﺴﻢ اﻷول)

Upload: khangminh22

Post on 11-May-2023

0 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

ABCDEFG 90

الغرب والعالم

تاريخ احلضارة من خالل موضوعات

كـافــني رايليتــــألـــــيـف: د. عبدالوهاب محمد املسيريتــرجــمــة:

د. هدى عبدالسميع حجازيد. فؤاد زكريامراجعة: X¹u

J�« ‡ »

«œü«Ë Ê

uMH�«Ë

W�UI¦K�

wMÞu�

« fK:

« U¼—bB

¹ W¹dNý

WO�UIŁ

V²� WK�

acb(القسم األول)

MMMM

٥مقدمة ا,ترجم

٢٥مقدمة ا,ؤلف

الفصل األول:٣١الذكر واألنثى: الطبيعة والتاريخ

الفصل الثاني:٥١النظام األمومي

الفصل الثالث:٧٣ا,دن وا,دنية: التمدين والطبقة

الفصل الرابع:١٠١ا,دينة - الدولة والعاصمة

الفصل اخلامس:١٢٣احلرب والسالم

الفصل السادس:١٥١التفرد والثقافة

الفصل السابع:١٧٥العنف واالنتقام

الفصل الثامن:٢١٣ا,واطن والرعية

الفصل التاسع:٢٤٩علم البيئة احليوية (احليابيئة) والالهوت

MMMM

الباب الرابع:١٨٠٠٦-١٥٠٠بدايات العالم احلديث

الفصل الثالث عشر:٧السياسة وا,ثل العليا

الفصل الرابع عشر:٤٧العمل والتبادل االقتصادي

الفصل اخلامس عشر:٨١قالعنصرية واللون: االستعمار والر

الفصل السادس عشر:١١٥الطاقة والبيئة: الصناعة والرأسمالية

الباب اخلامس:١٤٠ إلى الوقت احلاضر١٨٠٠العالم احلديث من عام

الفصل السابع عشر:١٤١االقتصاد وا,دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

الفصل الثامن عشر:١٩١العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

الفصل التاسع عشر:٢١١الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

الفصل العشرون:٢٥٥ا,وارد والتلوث: أمريكا ا,عاصرة

الفصل احلادي والعشرون:٢٧٩الثقافة والتغير: ما وراء اليقX والنسبية

ABCDEFG 90

الغرب والعالم

تاريخ احلضارة من خالل موضوعات

كـافــني رايليتــــألـــــيـف: د. عبدالوهاب محمد املسيريتــرجــمــة:

د. هدى عبدالسميع حجازيد. فؤاد زكريامراجعة: X¹u

J�« ‡ »

«œü«Ë Ê

uMH�«Ë

W�UI¦K�

wMÞu�

« fK:

« U¼—bB

¹ W¹dNý

WO�UIŁ

V²� WK�

acb(القسم األول)

ABCDEFG

acbالغرب والعالم

كاڤني رايليتـــألـــيـف: د. عبدالوهاب محمد املسيريترجـمــة:

د. هدى عبدالسميع حجازيد. فؤاد زكريامراجعة:

X¹uJ�« ‡ »«œü«Ë ÊuMH�«Ë W�UI¦K� wMÞu�« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WO�UIŁ V²� WK�KÝ

90

صدرت السلسلة في يناير ١٩٧٨ بإشراف أحمد مشاري العدواني ١٩٢٣ ـ ١٩٩٠

تاريخ احلضارة من خالل موضوعاتتاريخ احلضارة من خالل موضوعات

uO½u¹

1985

(القسم األول)

ا,واد ا,نشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبهاوال تعبر بالضرورة عن رأي اجمللس

5

مقدمة ا�ترجم�

Cكننا القول-بكثير من االطمـئـنـان-إن احلـركـةالتاريخية احلضارية السائدة اآلن في آسيا وإفريقياوأمريكا الالتينية هي حركة التحديثK فمجتمعاتالعالم الثالثS Kا في ذلك اجملتمع العربيK نحاولأن تعيد تنظيم نفسها على أسس حديثة تستند إلىالعلم والتكنولوجياK وأن تتبنى أشـكـاال اجـتـمـاعـيـةتتناسب مع هذا الوضع اجلديد لتحل محل األشكالاالجتماعية التقليدية (زراعية-رعوية-قبلية). ونتيجةلهذا االنتقال الفجائي/ التدريجيK تبدأ التساؤالتاfلحة عن التراث وعن اfاضيK وعـن الـذات وعـناآلخرينK وعما هو iكن وعما ينبغي أن يكون. هلتراثنا العـربـيK هـل هـذه «األمـجـاد» الـعـربـيـةK هـيمصـدر عـزتـنـاK أم أنـهـا فـي الـواقـع سـبـب نـكـبـتـنـااحلالية? هل ذاكرتنا التاريخية هـي الـنـقـطـة الـتـيسننطلق منهاK أم هي العبء الذي يجب عـلـيـنـا أننطرحه جانبا حتى ندخل العصر احلديث? هل نحنأمة عربية واحدة حقاK أم أننا أمة عربية في طورالتكوينK أم مجموعة شعوب تتحدث العربيـة? هـلKكننا أن نبعث من جديد ونستعيد بعض أمجادناCأم أن وضع النكسة احلالي أمر نهـائـي? وعـادة مـايشعر اإلنسان باإلحباط الشديد بسبب عدم حتدد

د اfرءالواقعK وبسبب تعدد األسئلة وتنوعها فيفـقاالجتاه ويتـذبـذب بـ} احلـمـاس الـشـديـد والـيـأس

القاتل.وعلى الرغم من أن التاريخ ودراسته قد هوجما

مقدمة ا�ترجم�

6

الغرب والعالم

بشدة في كل العصورK وفي العصر احلديث على وجه اخلصوص بعد ظهوراليقينية العلمية ومفاهيم العلية العلميةK فقد وصف نابليون الـتـاريـخ بـأنـه«قصة خيالية � االتفاق عليها»K كما قال فيلسوف التاريخ هيجلKفي إحدىحلظات حياته احلالكةK إن الشيء الوحيد الذي تتعلمه الشعوب واحلكوماتمن دراسة التاريخK انهم ال يتعلمون شيئا البتة من هذه الدراسةK على الرغممن كل هذا تظل دراسة التاريخ-تاريخنا وتاريخ اآلخرين-مـن أجنـع الـطـرقالتي يتوسل بها اإلنسان ليحدد عالقته مع اfاضي وليتـعـرف عـلـى هـويـتـهوليتحرر من قبضة احلاضر وليعرف حدود ما هو iكن وما هو مستحيل.ففي دراستنا للماضي نعرف كيف تعامل العرب القدامى مع اfعارف والعلوماجلديدة التي قابلوها بعد فتوحاتهم العديدةK وكيف جنحوا في استـيـعـاب

فشلوا حينما كان الفشل نصيبهم. كما نعرف كيف جنحت بعضبعضها ولماأل� األخرىK مثل اليابانK وهي أمة لها تراث تاريخي ثريK في أن تدخلالعصر احلديث وحتقق معدالت تنمية تـذهـل الـغـربـيـ} أنـفـسـهـمK دون أنتطرح تراثها أو هويتها اخلاصة جانـبـا. بـل إنـه لـيـمـكـن الـقـول أن الـيـابـاناستخدمت بعض العناصر اإليجابية في تراثها كي جتند اجلماهير وتسهللها عملية االنتقال. إن دراسة مثل هذا النموذج لقمينة بشحذ الهمم وإدخالالعزاء ورSا األمل على قلب اإلنسان العربي في حلظات ضياعه احلاضرة.لكل هذا جند أنه من األهمية Sكان أن نقدم لقراء العربية دراسات في

نسانية كي يصبح الوجدان العربي أكثر إحـاطـة بـتـاريـختاريخ احلضـارة اإلاإلنسانK وبذا يصبح وجدانا مركباK قادرا على التعامل مع الواقع اfتغـيـر.

كن من اfدهش حقا أن األمة صاحبة الذاكرة التاريخيـة الـقـويـةK والـتـيولأجنبت الكثير من اfؤرخ} في عصـر نـهـضـتـهـا األولـىK والـتـي وضـع أحـدعلمائها أسس علم التاريخ منذ عدة قرونK أقول من اfدهـش أن جنـد أنـهKوهي حتاول أن تنهض من كبوتها وتخرج من حيرتها Kفي عصرنا احلديث

نسانية يبـرزلم تتوفر مجموعة من علمائها على كتابة تـاريـخ احلـضـارة اإلاإلجنازات العربية ويحدد عالقتها بإجنازات اآلخرينK ويدرس هذا التاريخمن وجهة نظر التساؤالت التي تواجه اإلنسان العربي. وإلى أن يكتب مثـل

اريخ احلضارة اإلنسانيةK يصبـحهذا التاريخK وإلى أن نقدم رؤية عربية لـت الغربيونالبديل الوحيد اfتاح أمامنا هو أن ننقل إلى العربية ما كتبه العلماء

7

مقدمة ا�ترجم�

ال هذا اfضمار.والكتاب الذي ب} أيدينا هو تاريخ للحضارة يتسم باجلدة والعمقK فهولم يقدم تاريخا تقليديا تتعاقب فيه األحداث تعاقبا زمنيـا وإ�ـا حـاول أنيستخدم بعض مقوالت علم اجتماع اfعرفة في الدراسة التاريخية وحـاولأن ينظر للتاريخ باعتباره أ�اطا وتشكيالت متكاملة. ولذا ففي هذا الكتابال تظهر اfدن ثم تختفيK وال تنمو احلضارات ثم تذبل و�ـوتK وال تـسـيـراجليوش ثم تعود أو قد ال تعودK وإ�ا جند تاريخا للحضارة يتجاوز العالقةالزمنية التقليدية. فاfؤلف قد تناول مادته-أي تاريـخ احلـضـارة-مـن خـاللموضوعات وقضايا مثل نشأة اfدن في الشرق والغربK وظهور الفردية «أوالتفرد» في العالم الغربيK وغيابها النسبي في سائر أنحاء العالمK وما شابه

نسان احلديث في الشرق والغرب.من قضايا كلها على عالقة مباشرة باإلKكن القول إن التركيز على موضوعات وقضايا محددة دون غيـرهـاCونظرا ألهميتهاK وإغفال عنصر التعاقب قد ينجح في تزويدنا برؤية بانوراميةمتداخلة مركبةK وقد يجعلنا نعايش التاريخ كتجربةK ال أن نتأمله ونـدرسـهKكشيء خارج عنا. ولكنه مع هذا سيضفي عنصرا ال زمـنـيـا عـلـى الـتـاريـخباعتبار أن األحداث داخل البانوراما الواحدة ستتجاور وال تتعاقبK وباعتبارأن تناول تاريخ احلضارة من خالل موضـوعـات يـفـتـرض وجـود وحـدة بـ}األحداث تتجاوز مجرد التعاقب وتربط بيـنـهـاK بـغـض الـنـظـر عـن احلـقـبـة

التاريخية التي وقعت فيها.وقد يكون في هذا شيء من الصحةK ولكن يبدو أن الكاتب قد تنبه إلىذلك القصور اfنهجي من البداية. ولذا فعلى الرغم من أنه قد صنف مادته

) إال أنه حاول أيضا أنThemeداخل أنساق «موضوعية»(نسبة إلى موضوع يرتب األنساق ذاتها داخل أنساق تاريخية فأخـضـعـهـا لـقـدر مـن الـتـعـاقـبالزمنيK ولذا فالكتاب مقسم إلى خمسة أبواب يغطي كل منها حقبة تاريخيةKبكرfوالعالم احلديث ا Kوالعالم التقليدي Kوالعالم الكالسيكي Kالعالم القد�)والعالم احلديث) ويضم عدة فصـول تـسـتـمـد مـعـظـم مـادتـهـا مـن احلـقـبـةالتاريخية التي تشكل إطارها الزمني (فالفصل الذي يتناول اfدينة/ الدولةوالعاصمةK والذي يقع في الباب الثاني-العالم الكالسيكي-يركز أساسا علىأثينا وروماK أما الفصل الذي يتناول االقتصاد واfدينة الفاضلـة أو أصـول

8

الغرب والعالم

االشتراكية فيقع في الباب اخلامس-العالم احلديث-ويركز على ظاهرة الفكراالشتراكي في العصر احلديث). كما أن الكاتب ال يني يذكرنا في كل فصلبأن الظاهرة آلتي يتناولها موجودة في مكان وزمان محددين وأنها مرتبطة

ارتباطا كامالK ال فكاك لها منهما.بل إنه Cكن القول أن اfنهج الذي يتبعه اfؤلف والفلسفة الـتـي يـصـدر

Historicismعنها تؤكد هذا اجلانب من الظواهر واألحداث. فالنزعة التاريخية

التي ينتمي إليها مؤلفنا ترى أن كل حقبة تـاريـخـيـة لـهـا فـراديـتـهـا وأن كـلاألمور تتغيرK وأن الظواهر إن هي إال إمكانات في حالة حركة مستمرة مننقطة زمنية إلى أخرى. ويب} اfؤلفK في الفصل األخيرK أنه كـان يـحـاولعبر الكتاب ككل أن ينبه القار� إلى أن ثـقـافـات الـشـعـوب وطـرق حـيـاتـهـااخملتلفة تنتج عن اجتماع عدة عناصر حضارية وتاريخية وماديةK وأن هذهالعناصر مرتبطة الواحد منها باآلخر. فالزمانK إذنK بعد أساسي في كل ماهو إنسانيK فنحنK على حد قولهK في أقصى تفردنا ال �لك إن نعبر عـنأنفسنا بغير ألفاظ تاريخنا الثقافي وعالماته. ويتلخص إجناز الكتاب فيKعرفة أو في دراسة التاريخ وحـسـبfأنه لم يقدم منهجا في علم اجتماع اوإ�ا قدم دراسات تطبيقية لهذا اfنهج. بل انه في الواقع لـم يـفـصـح عـنمنهجه إال في نهاية الكتاب حتى ال يقابل القار� اfادة التاريخيـة مـسـلـحـابقواعد محددة صارمةK وإ�ا ليقابلها بقلب رحب وعقل مفتوحK قادر علىاالستجابة fا أمامه من وقائع وشواهد دون التقيد بقـواعـد سـابـقـة-�ـامـا

مثلما فعل اfؤلف نفسه حينما ألف كتابه.ومن مزايا الكتاب األخرى إن اختيار اfؤلف للموضوعات التي تناولـهـالم يكن أكادCيا مجرداS Kعنى أنه لم يختر اfوضوعات التي ينبغـي عـلـيـهKية احملايدةCأو التي � االتفاق على أهميتها في األوساط األكاد Kاختيارهاوإ�ا اختار اfوضوعات التي لها عالقة بحياة اإلنسان في العصر احلديث.وحينما يختار موضوعات ذات أهمية إنسانية عامةK فانه يطرحها من وجهةنظر اإلنسان اfعاصر. فالفصل الثانيK على سبيل اfثالK يبدأ بطرح سؤالعن دور اfرأة في العصر احلديث. أما الفصل الثالث فيناقش مشكلة اfدناfعاصرةK وهو بهذا يجعل من دراسة العصر احلجري أو تـطـور احلـضـارة

نسان القرن العشرين.في الص} أمر له مغزاه بالنسبة إل

9

مقدمة ا�ترجم�

وثمة ميزة ثالثة لهذا الكتاب وهو انه ال يعاني من نقطة القصور األساسيةالتي تعاني منها تواريخ احلضارة اfكتوبة في الغرب والـتـي عـادة مـا تـركـزعلى العالم الغربي وحده وعلـى إجنـازاتـه احلـضـاريـةK كـمـا لـو كـان الـعـالـمالغربي هو مركز العالم. ويحاول اfؤرخون الغربيون أحيانا أن ينظروا إلـىتاريخ العالم نظرة تطورية عاfـيـةK إال أنـهـم كـثـيـرا مـا يـنـظـرون إلـى تـاريـخاإلنسانية ككل على أنه ليس سوى إعداد و�هيد لظهور اإلنسان احلـديـثKوان احلضارات غير الغربية ليست سوى حلقات في سلم التطور Kفي الغربليس لها قيمة في حد ذاتهاK وإ�ا تستمد قيمتها Sقدار مساهـمـتـهـا فـيالعملية التطورية الدائمة التي أدت في نـهـايـة األمـر إلـى ظـهـور احلـضـارةالغربية احلديثة. على العكس من هذا جند أن رؤية كاتبنـا عـاfـيـة SـعـنـىالكلمةK فهو يستشهد بأمثلة من اليابان والـصـ} ومـصـر الـقـدCـة وأمـثـلـةمستقاة من روما وأثينا ولندن. ففي طـي دراسـتـه لـلـمـدن ال يـدرس ظـهـوراfدينة في الغرب وحسب وإ�ا يتتبع ظهورها في بابل ومصر وأثينا وروماوالهند والص}. وإذا كان عنوان الكتاب هو الغرب والعالمK فاfقصود هـنـاهو أن كاتب هذا التاريخ ينتمي إلى العالم الغربي وانه يطرح أسـئـلـة تـهـم-بالدرجة األولى-اإلنسان في الغرب وفي الـعـصـر احلـديـثK ولـكـن اإلجـابـة

على هذه األسئلة تستند إلى جتربة اجلنس البشري بأسره.ولكن إجناز الكتاب األساسي كما أتصوره هو الرؤية اfركبة التي يطرحهاللتاريخ والتي Cكن أن نستفيد منها كعرب. فالنسق التاريخي-حسـب هـذهالرؤية-ال يتكون من بناء حتتي(أو أدوات إنتاج)كما يدعـي الـبـعـضK وال هـوKجتل» جملموعة من األفكار األساسية أو اجلوهرية كما يحلو للبعض القول»Kوإ�ا هو بناء كامل يحوي داخله أدوات إنتاج مثل احملراث واألدوات احلجريةوأدوات تفكير وتأمل (إن صح التعبير) مثل اللغة والرموز الدينيـةK وأدواتحرب وقتال مثل السيف والرمح والدرع. وبالتالي فإن تفسير سلوك اإلنسانوأفكاره يصبح أمرا صعبا يتطلب إعمال الفكر و�حيص عدد ال نهايـة لـهمن التفاصيل التي تنتمي للبناء التحتي والفوقي والوسطى (وقد اقترحـتفي مقدمة مـوسـوعـة اfـفـاهـيـم واfـصـطـلـحـات الـصـهـيـونـيـة أن نـسـتـخـدماصطالح} آخرين: البناء: «فوق الفوقي»و«حتت التحتي» لنشير إلى تـلـكالعناصر الثابتة غير االجتماعية التي تؤثر في سلوك اإلنسان االجتماعـي

10

الغرب والعالم

مثل العناصر اجلغرافية ورهبة اfوت. وحتى إن أخذنا بالثنائية التي تقولإن ثمة بناء حتتيا(مادي واقعي)وآخر فوقي(فكري وروحي)وقبلناها كتاكتيكأو تكنيك حتليليK فان العالقة ب} البنائـ} لـيـسـت بـسـيـطـة وإ�ـا مـركـبـةألقصى حدK وهي لذلك ليست عالقة سببية وإ�ا احتمالية. ولذا ال Cكنناالقول إن (أ(تؤدي إلى(ب)K وإ�ا يوجد احتماالت عديدة داخل أي نسق(وجودبالقوة)فتتحقق بعض هذه االحتـمـاالت وال يـتـحـقـق الـبـعـض اآلخـرK بـل إن

بعض االحتماالت ونقيضها قد يتحقق داخل النسق الواحد. ما قد يؤدي إلى نتيجة أو اختراعاوعلىK سبيل اfثال جند أن اكتشافا

وعكسها في ذات الوقت. فاستخدام احلديد قد أدى إلى دعم التشكيالتاجلماعية العسكرية وبالتالي إلى دعم االجتاه نحو اجلمعية في اجملتمعاتاإلنسان. ولكنه في مرحلة الحقة أدى إلى ظهور الفردية البطولة اfتـمـثـلـةفي أبطال مثل أخيل وهكتور (وال ندري هل ينطبق األمر على أبطال السيرواfالحم العربية أم ال?). وقد أدت الثورة الصناعية في الغرب إلـى ظـهـورالتفرد في بداية األمر وإلى سيطرة اإلنسان على الطبيعة وعلى جانب أكبرمن مصيرهK ولكن الثورة الصناعية ذاتها قد أدت إلى ظهور الشمولية وترويضاجملتمعات واألفراد وتدمير الطبيعة في مرحلة الحقة-أي إلى فقدان سيطرة

اإلنسان على مصيره �اما.ويب} الكاتب أيضا أن اجملتمع الصناعي في البداية-حينما لم يكن قداكتمل تطوره بعد-كان يسمح Sجال أكبر للتعبير الفردي. أي أن االقتصاداخملتلط الـصـنـاعـي/ الـزراعـي (والـذي يـشـبـه فـي بـعـض الـوجـوه األ�ـاطاالقتصادية السائدة و العالم العربي)أكثر إنسانية من االقتصاد الصناعـياfكتمل النمو. فاfصنع احلديث-على عكس الورشة «اfتخلفة» يتطـلـب مـنالعامل سلوكا ميكانيكيا منضبطا تتحكم فيه اآلالت حتكما كامالK وهذا ما

أو العقلنة-إن تدرس كل احلركـاتRationalizationيد يسمونه بعملية التـرشاإلنسانية دراسة كاملة ثم نقسمها تقسيما دقيقا حتى Cكن توظيفها بطريقةكفء خلدمة اآللة-أي أن يصبح اإلنسان واآللة مثل العاشق واfعشوقK العياذ

ه.باللبل إن ظاهرة ضخمة تلقي بظاللها الرهيبة علينا جميعاK وهي ظاهرةالتصنيع الرأسمالي في الغربK ليست بظاهرة حتمـيـةK وأسـبـابـهـا لـيـسـت

11

مقدمة ا�ترجم�

(×) هذه اfقدمة هي تلخيص لدراسة مطولة بعنوان «العرب والتاريخ» كتبها الدكتور عبد الوهاباfسيريK وستصدر في «اfستقبل العربي».

ببسيطة أو واضحة أو عاfية. والثورة الصناعية-أهم حدث في تاريخ اإلنسانرSا منذ الثورة الزراعيةK ح} توصل اإلنسان لفنون الزراعة في عصور ماقبل التاريخ-لم حتدث في إجنلترا ثم في بقية العالم الغربي بسـبـب تـفـوقاإلجنليز األخالقي أو احلضاريK وال بسبب تخليهم عن األخالقيات اfسيحيةوتبنيهم لفلسفات نفعية ماديةK كما يدعي بعض دعاة التحديث على الطريقةالغربيةK وال بسبب التنظيم االجتماعي اfتفوق جملتمعهمK وال بسبب قوان}عامة تخضع لها جميع اجملتمعات في كل زمان ومكانK فإن تكررت األسبابحدثت الظاهرةK وإ�ـا بـسـبـب مـركـب مـن الـظـروف واألسـبـاب اfـتـداخـلـة

.والدراسات احلديثة لظاهرة الثورة(×)(وعرضنا له بالدراسة في مكان آخر). مادية)جغرافية واقتصادية(وأخرى معـنـويـةالصناعية تب} أن ثمة أسـبـابـا

(تاريخية واجتماعية وحضارية) بعضها خاص بإجنلترا قاصر عليهاK وبعضهاقد تزامن مع البعض اآلخر رSا Sحض الصدفةK هي التي أدت إلى حدوثهذه الثورة في ذلك الزمان وذلك اfكان دون غيرهماK وانه لذلك ال Cكن أنتتكرر هذه الظاهرة على هذا النحو في مكان وزمان آخـريـنK وبـالـتـالـي اليوجد مجال لتكرارها أو «نسخها» بحذافيرها (وان كان هذا ال Cنع إمكانية

االستفادة من ثمرتها و «محاكاتها»).وCكن أن نستخلص النتائج التالية-كعرب-من منهج اfؤلف:

- إن الوصول إلى «حقيقة أمورنا» ال Cكن أن يتم عـن طـريـق الـتـأمـل١والتعميم وتبني القوان} اجلاهزة واfصطلحات اfسـتـوردة وإ�ـا بـالـغـوص

في التفاصيل وما سميته في مكان آخر «باfنحنى اخلاص للظاهرة».- ضرورة االبتعاد عن الثنائيات اfيكانـيـكـيـة والـتـركـيـز عـلـى الـكـلـيـات٢

الدينامية التي حتتوي على عناصر عدة-ليست بالضرورة مرتبة ترتيبا هرميا-تكتسب بعضها أهمية خاصة في ظروف تاريخية محددة.

- وإذا كـانـت الظواهر التاريخية مركبـا تـدخـل فـي تـركـيـبـة الـعـنـاصـر٣الثقافية وحتدد مسارهK فإن هذا يعني أن كل نسق تاريخي له خصوصيتـهالتي يكتسبها من خصوصية العناصر الثقافية التي يتضمنهK كما يعني أنمسار هذا النسق وحركته ال يخضع بالضرورة لقوان} صارمة عامةK وإ�ا

12

الغرب والعالم

Kيولد قوان} احلركة اخلاصة به. ونحن ال ننكر وجود تاريـخ إنـسـانـي عـامفاستخدامنا fصطلحات مثل «التحديث» و «التصنيع» هو اعتراف ضمنـيبهذا اfستوى التاريخي العامK وهو اعتراف صريح بوحدة احلضارة اإلنسانيةوأن ما نسميه باحلضارة هو جماع ما أنتجته يد اإلنسان على هذا الكوكب.ولكن ما نحاول أن نبنيه هو أن هذا اfستوى العام من التاريخ ال Cـكـن أنيزودنا بقوان} fعرفة حركة اإلنسان اfتنوعة وال يفسر لنا كثيرا من الظواهر

حدث ذاكK إال في نطـاق حدث هذا ولـمإذ ال Cكن فهم أي ظـاهـرةK ولـمخصوصيتها.

- ويب} منهج الكتاب كذلك أنه ال يوجد سيناريو وحيد للتطور والتغير٤التاريخيK وإ�ا يوجد عدة سيناريوهات. فتطور اfدينة في الشرق يختلفعنه في الغربK بل ويوجد سيناريوهات عديـدة داخـل كـل نـسـق حـضـاري:Kفثمة مدن بالط ومدن/ دول ومدن أباطرة ومدن الكوميونات وهكذا. واحلبهذه الرغبة اإلنسانية العامةK يتم اإلفصاح عنها بطـرق مـخـتـلـفـة تـخـتـلـف

باختالف احلضارات.وفكرة تعدد السيناريوهات الظاهرة والكامنة هـي فـكـرة هـامـة لـلـغـايـة

إمكانات فائقة للحرية ألننا سنواجه عملـيـةبالنسبة لنا كعربK فهي تعـنـيK وإ�ا باعتبارها سينـاريـوهـات محددا نهائيـاالتحديث ال باعتبـارهـا أمـرا

Kـيـكـانـيـكـيـةfكما أننا سندرس تراثنا وواقعنا ال في إطار الـثـنـائـيـة ا Kبديلةثنائية القبول الكاملK أو الرفض التامK وإ�ا في إطار من احلرية النسبية.وقد يساعدنا هذا التصور لسيناريوهات التحديث العديدة والبـديـلـة عـلـى

التـي٦٧التخلص من بعض اfفاهيم اfيتافيزيقية التـي سـادت بـعـد نـكـسـة ترتدي مسوح العلمية واfوضوعية مثل مفهوم «الشخصية القومية» باعتبارهامسئولة عن هذا االنتصار أو ذاك االنكسار. وقد زاد احلديـث كـمـا اآلونـة

K عن «العقلية العربية» بجماعيتها وفرديتها١٩٦٧األخيرةK خاصة بعد نكسة أو بحماسها وصبرها (وكـتـالـوج الـصـفـات الـسـلـبـيـة يـحـوي دائـمـا صـفـاتمتناقضة) باعتبارها هي اfسئولة عن كل اfصائب. ولعل فكرة السيناريوهاتالظاهرة والكامنة واألنساق الفكرية التي حتتوي على توجهات سلوكية عديدة

Cان بأن هذه «العقلية العربية»(أن(جنحنا فعال في تعريفهايؤدي بنا إلى اإلوالتعرف عليها) هي مجموعة من الصفات اخلاصةK وأنها في حد ذاتها ال

13

مقدمة ا�ترجم�

تؤدي إلى شيء محدد على اإلطالق فهي إمكانية حيادية (أو فلنقل سماتية) ليس لها بالضرورة أبعاد أخالقية: Cكنبنيوية أي لصيقة ببناء الشخص

توظيفها للخير أو للشرK لإلنتاج أو للتبديدK للتشييد أو التخريب. ولننظـرماذا فعلت الصهيونية بواحدة من أكثر الـسـمـات سـلـبـيـة فـي تـكـويـن يـهـودأوروبا احلضاريK أعني االنغالق اجليتوي (نسبة إلى اجليتوKأي حارة اليهودفي شرق أوروبا) وكيف وظفت هذه السمة في تأسيس الكيان الصهـيـونـياجليتوي اfنغلقK والذي يستمد كل هويته وشيئا من قوته من هذا االنغالق.ولننظر ماذا فعل اليابانيون باالنتحار? وإذا كنا-نحـن الـعـرب-مـحـبـ} لـلـغـةوالكلمات واألشعار واخلطبK كما يقـولـونK فـلـم لـم يـوظـف هـذاK إذنK فـيمحو األمية وفي إشاعة حب القراءة واحترام التراث ب} جماهيرنا العربيةالتي وقعت صريعة األمية والتي أخذ البالستيك ومسلسالت داالس وأفالم

هوليود تغرقها.وقد ذكرنا من قبل أن كتاب الغرب والعالم ليس متمركزا على احلضارةالغربية وحدهاK بل يطرح رؤية تكاد تكون عاfية بالفعل وأن مؤلف الكتابفي موقفه من احلضارة الغربية ال يقف موقف اfعجب اfـدلـه بـهـا-كـل هـواحلال مـع بـعـض مـثـقـفـيـنـا «الـعـرب»-وإ�ـا يـدرك أن لـهـذه احلـضـارة ذاتاإلجنازات اfذهلة جوانب مظلمة مدمرة عديدة. ولذا فهو يبشر Sجموعةمن القيم اإليجابية التي طرحتها هذه احلضارة (مثل التفرد والفردية النسبية)ويحذر من مجموعة من اآلفات والقيم السلبية التي أفرزتها هذه احلضارةمثل االستهالكية والتبديد والشمولية. وهو في هذأ يتحلى بكثير من احليادKوضوعية وينبهنا إلى مخاطر احلضارة الغربية وسلبياتها. ولكننا نكتشفfوا

يجابية التي يبشر بهـا لـصـيـقـة �ـامـابعد شيء من الدراسةK أن الـقـيـم اإلبالقيم السلبية التي يحذر منها.

فهو في حديثه عن العلم في الغرب يب} بعض مواطن قصوره اخلطيرةل االنتباه عن كل السمات الذاتية لألشياء واجتـه نـحـوفيقول إن العلم حـو

دراسة السمات اfوضوعية وحسب-أي تلك الصفات التي Cكـن قـيـاسـهـا.ولكن قياس صفات الشيء يعني في واقع األمر فصلها عن السياق العضويالكلي للشيء. ثم يذكر اfؤلف أن طرد العنصر اإلنساني من عالـم الـزمـانواfكان قد صاحب ظهور العلم. فالساعة أدخلت الزمان اfيكانـيـكـي الـذي

14

الغرب والعالم

Cكن قياسه بالدقائق والثواني بدال من الزمان اإلنساني أو الطبيعي الذي اfكان اfيكانيكي أيضـايقاس بنبضات القلب أو دورات الطبيعة. ثـم ظـهـر

في شكل اfساحات اfوحدة وأدوات القياس الدقيقة واآلالت الـتـي تـصـنـعوفق مقياس موحد. ثم بعد قتل الطبيعة اجته العالم الغربي نحـو مـصـادر

الطاقة التي ال Cكن تعويضها.وعرض الكاتب يدل على أن منطق العلم الداخليK منفصال عن اإلطاراإلنسانيK هو نقطة قصوره. فالعلم الغربي الذي يصدر عن فكرة انفصالاإلنسان عـن الـطـبـيـعـة يـهـدف إلـى �ـكـ} اإلنـسـان مـن الـسـيـطـرة عـلـيـهـاوتسخيرهـا لصاحلهK ولكن هذا العلم ذاته قد يؤدي اآلن إلى تبديد الطبيعةوتدميرها. ولذا يقترح اfؤلف ضرورة إكمـال الـنـسـق الـعـلـمـي الـذي يـجـزءالعالم وقد يدمره بالنسق احليابيئـي االيـكـولـوجـي الـذي يـنـبـع مـن احـتـرامعميق لها ككل متكاملK ويؤكد اfؤلف أن كل احملاوالت التكنولوجية والعلميةسواء في العالم االشتراكي أم الرأسمالي تتوجه إلى اجلزء وحسب (حتقيقالربح اخلاص-زيادة اإلنتاج بأي ثمن-قياس حجم الفراشة ولونها-استخراجالطاقة دون التفكير في طريقة الـتـخـلـص مـن الـنـفـايـات الـنـوويـة-الـقـيـاساfيكانيكي للزمان دون التفكير في اإلنسان العضوي احلي) أما علم احليابيئة

ن اfؤلف هنا قد انتقل مـن عـالـمفهو ال يتعامل إال مع احمليط الكـلـي. ولـكالوصف والتأريخ وعلم اجتماع اfعرفة إلى عالم إسداء النصائح واألخالقKوهو ال يب} لنا«األسس العلمية» التي يستند إليها هذا االنتقال KوااللتزامKمثل هذه األسس Kكن أن توجدC وال Kوهو لو حاول الكتشف أنه ال توجدفالعلمK كما قال هوK وكما يعرف أي دارس للعلوم الطبيعيةK خال من القيمة.ولذا حينما انتقل كاتبنا من الوصف إلى النصح إ�ا كان يـصـدر عـن قـيـم

فلسفية وأخالقيةK لم يشأ أن يفصح عنها.ولكن على الرغم من أن اfؤلف يدرك أن «الـعـلـم اfـنـفـصـل»هـو جـوهـراfشكلة إال انه يرصد عدة قيم أساسية في احلضارة الغربية ويبشـر بـهـا-قيم ال تضيع حدودا للعلم وإ�ا تخلق اجملـال األخـالقـي (أو الـالأخـالقـي)والعاطفي الذي يسمح للعلم أن يتمدد حسب مشيئته. وأول هذه العناصـرهو ظهور الفرد الكامل الذي ال ينضوي حتت أي أنسـاق أخـالقـيـة-واألدبالغربي منذ عصر النهضة يذخر بأفراد أبطال يودون التهام العالم: فاوست

15

مقدمة ا�ترجم�

الذي يود التهام كل اfعرفةK ودون جوان الذي يود التهام كل النساءK وهيثكليفالذي ال يقنع إال بالوحدة الكاملة مع من يحبK ودراكيوال الذي يلـعـق دمـاءمعشوقاته ويتغذين هن على دمه (أما دون كيشوت الذي ال يزال يبحث عنالفضيلة ويتحرك في عالم من القيم التقليدية فقـد حتـول إلـى شـخـصـيـةمأساوية/ ملهاويةK وسانخو بانزا االمبريقي على حماره يبـ} لـه «حـقـائـق

األمور»).وإذا كان اfؤلف يرى اجلوانب اfشرقة فـي هـذه احلـريـة وهـذا الـتـفـردفإنه ال يربط بينهما من ناحية وب} االستهالك والتبديد الناجم} عنها منKناحية أخرى. فانفصال اإلنسان عن الطبيعة قد يفجر طاقاته اإلبداعـيـةولكن هذه الطاقة اإلبداعية إن لم حتدها حدود تتحول إلى طاقة تدميريةال عقل لها. وبدال من أن ينفصل اإلنسان عن الطبيعة وحسب (كما حـدثفي اإلسالم) فإنه ينفصل عن أخيه اإلنسان ثم عن نفسه وإنسانيته ليصبحجزءا من عملية كمية مستمرة ال يتحكم هو فيها بالضـرورة يـطـلـق عـلـيـهـاأحيانا «مسار التقدم» أو«التغيير اfستمر» أو «التطور العلمي» دون أي حتديدللغاية من التقدم أو التغير أو التطـور ودون أي تـعـريـف لـلـهـدف اإلنـسـانـي

منها.ولكن من يدقق النظر يجد أن هذا الفرد اfستقل اfنفصل الفاقد االجتاهال يختلف كثيرا عن العلم اfنفصل الذي يشكو منه اfؤلف-فالعلـم أيـضـا الحدود له وهو يحاول التحكم في اfصـائـرK وهـو مـوضـوعـي قـائـم بـذاتـه الCكن احلكم عليه بقيم خارجة عنه-أي أن قـيـمـة الـتـفـرد الـتـي يـبـشـر بـهـااfؤلف.K وبالشكل الذي يطرحه تشكل هي نفسها اجملال الذي يتحرك فيه

العلم الغربي اfنفصل الذي يحذرنا منه.ومن السمات األساسية لإلنسان الفرد احلديث انه إنسان مرن متكيفيعدل من قيمه بعد إشعار قصير للغاية (وهذا تعـريـف لـإلنـسـان احلـديـثواحلداثة وجدته في كتاب يتحدث عن «فشل» العرب في اللحاق بهذا العالماحلديث الرائع). بل إن حداثة هذا اإلنسان احلديث تكمن في مقدرته علىالتغير بسرعة وانه يعيش في بيئة كل ما فيها يتغير. ويبدو أن عبادة التغيير(إن صح التعبير)K هي البديل الغربي اجلديد لعبادة التقدمK إذ إن احلديثعن التقدم الدائم واfستمر واحلتمي-بعد نشوب حرب} عاfيت} وبعد حروب

16

الغرب والعالم

محدودة عديدة في أنحاء العالم ظهرت بها قدرات اإلنسان علـى اخلـرابوالتدمير وعلى الفتك بأخيه اإلنسان-أصبح أمرا صعباK إن لم يكن مستحيال.واfؤلف الذي ب} أيدينا يؤكد لنا-عن حق-إن التغير هو اfفـتـاح األكـيـدلفهم العصر الذي نعيش فيهK فنحن نعيش في عصر الشك والقلق والنسبيةوالسخرية من كل شيء. لقد ترسخت فكرة التغير في الوجدان الغربيK إذأصبح اإلنسان الغربي مؤمنا بأن «التغير هو أحد مـقـومـات احلـيـاة أو هـواfقوم الوحيد في احلقيقةK وأن التغير هو اليق} الوحيـد». إن اإلحـسـاسبنسبية كل الظواهر أصبح أمرا مقبوال بشكل يكاد يكون مطلـقـا. وتـتـضـحالنسبية في كل مجاالت التفكير والتعبيرK فظواهر فنية مثل اختفاء اfنظورواألبعاد الثالثة وحتطم الشكل وظهور التجريب في الفن هي كلها ظواهـرتعبر عن هذه النسبية اجلديدةK وكأن الفنان ينكر وجود أي عالم موضوعي

من حوله.ويؤكد اfؤلف في نهاية األمر أن «كل ثقافة منفردةK وأن احلياة ليـسـتسوى التغير» (وهذا هو اfوقف الفلسفي للنزعة التأريخية التي يصدر عنها

على حد قـولrelated (أو«متصلـة» relativeالكتاب) وأن كل اfعرفة نـسـبـيـة مانها�). لذا ينبغي على اإلنسان احلديـث «أن يـتـنـاول كـل احلـقـائـق الـتـيتواجهه بوصفها حقائق ظهرت تدريجيا وتطورت تطورا ديناميا» وأنها خاضعة

دائما لقانون التغير.ولكن هل كل األخالق بالفعل «متصلة»? وهل كل اfعرفة نسبية? إن فكرةالضمير عند سقراط ال Cكن ردها ألساسها اfاديK فنحن كمسلمـ} فـيالقرن العشرين ال نزال نؤمن بها. وفكرة التـوحـيـد عـنـد الـفـراعـنـة وفـكـرةالعدالة عند البابلي} وفكرة اfساواة ب} البشر التي تـبـشـر بـهـا كـثـيـر مـناألديان وفكرة فناء اجلسد وخلود الروح التي توجد في كثير من العبـاداتالبدائية والديانات اfركبة قد Cكن تفسير بعض جوانبها عن طريق العودةللظروف التاريخية واالقتصادية اfصاحبة لظهورها. ولكـن ال Cـكـن ردهـاكلية إلى هذه الظروفK ألنها لو ردت لها الختفت األفكار باختفاء الظروف.وجمال األعمال الفنية ال Cكن رده للمـادة اfـتـشـكـلـة مـنـهـا أو إلـى أوضـاعالفنان االقتصاديةK فنحن في القرن العشرين ال نزال نتمتع بأعمال إنسانالكهف. إن فكرة الضميرK رغم أن لها أساسا مادياK وفكرة اجلمـالK عـلـى

17

مقدمة ا�ترجم�

الرغم من أنها تعبر عن نفسها من خالل اfادةK تتخطيان اfـادةK وبـالـتـالـيتكتسبان استقالال بل وتصبحان Sرور الزمن قيما عاfية مطلقـة لـصـيـقـة

نسان.بظاهرة اإلإن هذا اإلCان بالتغير كمطلق وكيق} أوحد وكـغـايـة وكـهـدفK الـتـغـيـرالكامل دائما وأبداK قد يؤدي إلى ال شيء أو لعلة قد يؤدي إلى دمار اإلنسان

وح: أيوالكون إن لم تتم عملية التغير داخل حدودK وان لم يكن لها عقل ورKوإن لم نعتبر اإلنسان هو الغاية Kإن لم نفترض مركزية اإلنسان في الكون

وهو أمر مستحيل من منطلقات نسبية.ويحق لنا أن نتساءل عن إمكانية قيام حـضـارة إنـسـانـيـة فـي إطـار مـنKـقـبـولـةfحسب معظم التعريـفـات ا Kفاحلضارة اإلنسانية Kالنسبية الكاملة

اله عن احلالة احليوانيةK فكيف Cكنناتعني ظهور اإلنسان التدريجي وانفصالة اإلنسانية إن لم يكن لدينا مؤشرات متفق عليها?التعرف على هذه احل

واحلضارة اإلنسانية-كما نعرف-هي نتاج جهد جماعي بذلته اإلنسانية جمعاءولذا فهي تتطلب أن يعيش البشر سوياK ولكن كيف يتأتى لنا أن نعيش سويادون أن يكون هناك قيم عامة نستند إليها ح} نحكم على أنـفـسـنـا وعـلـىاآلخرينK قيم Cكننا االحتكام إليها إن اختلفنا وان رأينا البشر يتصـرفـون

مثل القرودK قيم � كننا أن نسمي اإلنسان إنسانا والقرد قرداKمرة أخرىعلى الرغم من عمومية وغموض مفهوم اإلنسان والقرد?.

وانطالقا من هذه النسبية اfطلقة يؤكد اfؤلف أن كل شيء يـتـغـيـر (أويتقدم أو يتطور) Sا في ذلك الطبيعة البشريةK «هذا الشيء اfصنوع» علىحد قولهK فما نسميه الطبيعة البشرية هو«فكرة ناقصة» وما هي «إال �وذجثقافي خاص من التاريخ البشري»K إذ إن الرجال والنساء يغيرون «طبائعهم»Kهمfفي عملية تاريخية لها صلة وثيقة باألدوات التي يشكلونها لصياغة عاأي أن الطبيعة البشرية في واقع األمر ليست سوى إحدى السينـاريـوهـاتالبديلة وليس لها إال في مخيلتناK �اما مثل اfاضي والتاريخ. وهذا االفتراضالفلسفي شائع في الغربK وقد بدأ يأخذ طريقه إلينا (مثل كثير من اfنتجاتاحلضارية األخرى وأدوات التأمل والتفكيرK التي ال ندرك أحيانا دالالتـهـا

الكاملة).وأعتقد أن رفض اfؤلفK على اfستوى الفلسفي الواعيK لفكرة الطبيعة

18

الغرب والعالم

البشرية هو في جوهره هرب من فكرة األخالق. فالطـبـيـعـة الـبـشـريـةK إنكانت ثابتة فإنها تفرض أعباء أخالقيةK أما التغير كمطلق فال يحمل معـهأي أعباء-�اما مثل الفرق ب} اإلCان باألطباق الطائرةK وهو إCان شائع

ه. فالضرب األول من اإلCان هوب} األمريكي} رغم غيبيتهK واإلCان باللر داخلي يبحث عن بؤرة وهو ضـرب مـنعملية تفريغ لشحنة نفسيـةK وتـوت

ضروب حتقيق الذات يصلح كميتافيزيقا لـإلنـسـان االقـتـصـادي واإلنـسـانالنفعي الذي ال يؤمن إال باfادة ويجد صعـوبـة حـقـة فـي الـتـسـامـي عـلـيـهـاوجتاوزها. أما الضرب الثاني فهو ال بد أن يترجم نفسه إلى أفعال فاضلةإن كان إCانا حقاK أي أنه حتد للذات ومحاولة فرض حدود عليها. لـو أنهناك طبيعة بشريةK ولو أن هناك جوهرا إنسانيا ماK ألصبح من احملتم أنيتحول ذلك إلى نقطة ارتكاز فلسفية ثابتة (كما فعل اfؤلف عن غير وعي)Kينبع عنها نسق خلقي بحيث إن كل ما يحقق هذه الطبيعة ويثريها يعد خيرا

وكل ما يبتعد عنها فهو شر.نساني» الهيوماني ال بـد أن يـؤديولكن مثل هذا اfوقف الفلـسـفـي «اإل

ه. فإذا كانت الطبيعة البشريةبالضرورة إلى ضرب من ضروب اإلCان باللتتسم بشيء من الثبات والتماسكK وفي نهاية األمر التسامي عـلـى الـواقـعاfتغيرK فإن هذا التغير شاهد علـى وجـود كـيـان مـنـفـصـل عـن اfـادة لـيـسخاضعا لقوانينها الصارمة اآللية. ولذلك فإن أي إنسانية مادية (أي أCان

ه) كما هو احلال مع اإلنسانية اfاركسية أو الليبراليةباإلنسان ينكر وجود اللفي الغربK ال Cكن أن يتسق مع نفسه وال بد أن يتحول في نهاية األمر إماإلى األCان بالله أو إلى عدمية كاملةK ألن اfفكر اإلنساني حـيـنـمـا يـواجـهظاهرة اإلنسان السامي اfتميز الذي تفترض اfاركسية واإلنسانية الليبراليةوجوده فهو إما أن يأخذه دليال على شيء أكبر منه خارج اfادة-ويـؤمـنK أو

يرده إلى اfادة كلية ويصبح عدميا تتساوى عنده األمور.ولعل هذا التناقض الذي وقع فيه اfؤلف (رفض فكرة الطبيعة البشريةواستناده لها في احلكم) مرده السياق الغربي الذي يكتب فيه. فقد صادرالفكر البورجوازي في الغرب فكرة الطبيعة البشرية حلسـابـه حـتـى يـخـلـعضربا من ضروب السرمدية على النظام الرأسمـالـي «فـمـنـظـروا اجملـتـمـعالرأسمالي الناشئ (كما يخبرنا اfؤلف في الفصل الرابع عشر)كانوا يتصورون

19

مقدمة ا�ترجم�

K«لكية اخلاصة من السمات األزلية البشريةfساومة واfنافسة واfأن األنانية وابل إنهم زعموا فطرية األفكار وأشكال السلوك الرأسماليـة. كـمـا جلـأ آدمسميث لنفس األسلوب في التسويغKإذ كان ينادي بأن إنسانه االقتصادي هوإنسان الطبيعة والفطرةK وأن احلاجة الرأسمالية هي حاجة غريزيةK وقـدقام من قبل اfدافعون عن مجتمع السوق احلديثة مثل هوبز ولوك بتسويغرؤيتهم من منظور «الطبيعة اإلنسانية والقانون الطبيعي». وحالة الطبيـعـةأو الفطرة عند هوبز هي حالة أشبه بالسوق/ الغاية. حيث حتل عـالقـاتالصيد واالفتراس محل اfعامـالت اإلجـمـاعـيـة الـتـي تـسـتـنـد إلـى الـتـقـوىوالرحمة. وذهب أصحاب مذهب اfنفعة أيضا إلى أن فلسفتهم أمر كامـن

في الطبيعة البشرية لصيق بهاK خالد خلودهاK ثابت ثباتها.هذا االرتباط ب} الفكر البورجوازي في مجاالته االقتصادية (االقتصادالتنافسي) والسياسية (العقد االجتماعي) واألخالقية (اfنـفـعـة) هـو الـذيحدا Sؤلفنا أن يعلن عن رفضهK ال لهذا اجلانب السلبي وحسبK أي خلـعKضرب من السرمدية على الرأسمالية باعتبارها تعبيرا عن الطبيعة البشرية

وإ�ا fفهوم الطبيعة البشرية ذاته.ويصل االجتاه نحو التفرد ونحو إنكار الطبيعة البشريـة ونـحـو اإلCـانبالتغير إلى قمته فيما يسمى بأخالق الصيرورة التي تنطلق من أن األخالق

ت مجموعة من اfباد� التي يلتزم بها الفردK رغم وجودها خارج نطاقليسرغباته ونزواتهK وإ�ا هي عملية ال تنتهي وصيرورة دائمة.وبالتالي يصبـحالشيء الوحيد الثابت واfتفق عليه هو إجراءات احلكم األخالقي وطريقتهوليس األساس الذي يرتكز إليه: «فعملية صنع القرار في الدولة العلمانيةأكثر قيمة من األهداف احملددة. ويرجع هذا إلى أن كثيرين يشاركـون فـيKالسلطة. إن العملية أو اإلجراءات السياسية نفسها ينبغي أن تكون مقدسة

جراءات». واfصـطـلـح ذاتـه فـيوال يوجد شيء أخطـر مـن الـعـبـث بـهـذه اإلتصوري غريب يحتوي داخله على تناقض جوهوي إذ إنه يشبه قولنا «جوعالشبع» أو «عطش االرتواء». فاألخالق تتسم بحد أدنى من الثبات واالنفصالعن الواقع اليومي ألنها لو أصبحت جزءا ال يتجزأ من العملية أو الصيرورةأو الواقع اليومي يصبح من العسيرK بل ومن اfستحيل أن نصدر أحكـامـا.فأخالقيات الصيرورة تعنيK في نهاية األمرK التسليم Sا هو قائم والرضوخ

20

الغرب والعالم

له على أن يتم ذلك حسب القواعد اfتفق عليها! ولعل تاريخ أخالق الصيرورةهذه وجذورهاK اللذين يعرض لهما اfؤلف في الفصل الثالث عشرK يوضحان

ذلك).وتعود أخالق الصيرورة لفلسفة مكيافلي الذي ينطلق مـن اإلCـان بـأن

عرفهالبون شاسع ب} احلياة كما هي واحلياة كما ينبغي أن تكونK وهذا ما تأي عجوز قروية. ولكن مكيافلى يحدد والءاته بوضوحK وبطريقة ال Cكن أنتعجب هذه العجوز االفتراضية. فهو يؤيد ما هو قائم وال يعني على اإلطالقSا ينبغي أن يكون. ولذا فهو يخبرنا أن من يفعل اخلير فسيعود عليه ذلكبالوبال وسيورده موارد التهلكة أما من يتبع الشر ويجيد استخدام وسائلـهفسيكون من الناجح}. ويذكر مكيافلي بعض الشخصيات التي يعدها مثلهاألعلى)أو رSا األدنى باعتبار أن التسامي لـيـس هـو الـغـايـة(مـثـل الـسـفـاحسيزار بورجيا الذي كان يستخدم اآلخرين ليحقق مآربه ثم يفتك بهمK ومثل

أغاثوكليس طاغية صقلية القد�.ويعترض اfؤلف على فلسفة الصيرورة البورجوازية هذهK ولكن اعتراضهKال ينصب على أخالق الصيرورة ذاتها وإ�ا على إحدى سـمـاتـهـا وحـسـبوهي عدم انفتاحها Sا فيه الكفاية للجميع. ولذا يقبل اfؤلف قبوال كاماللالجتاه العام للمجتمع الغربي حيث بدأت تسود «األخالقيات النسبية وضربمن السياسة أقل أخالقية». وبـدأت سـيـاسـة الـصـيـرورة واإلجـراءات حتـلمحل سياسة األهداف بحيث أصبح الهدف الوحيد هو التمسك باإلجراءات.وهو يقبل أيضا االستعارة الكامنة للسياسة اجلديدة وهـي الـسـوقK ولـكـنـه

-وعن حق-يود أن يرى سوقا عادالK أي سوقا Sعنى الكلمة. وهو بهذا يرىأن الفكر االشتراكي الغربي هو االمتداد اfنطقي الوحيد للفكر البورجوازي(الفكر اfادي اfيكانيكي بعد تعديله) وليس انقالبا كامال عليه. وعلى حـدقوله: «كل ما يطلبه االشتراكيونS Kعنى من اfعانيK هو أن يسمح للعمليـةالسياسية أن تسير Sزيد من العدالةK فهجومهم كان كامنا في مـسـوغـاتثورة الطبقة الوسطى». واعتقد أن اfؤلف صادق فيمـا يـقـولK وقـد الحـظ

Convergenceعلماء االجتماع الغربيون ما يسـمـونـه بـنـظـريـة االلـتـقـاء أو ال

Theoryأي التقاء اجملتمعات الرأسمالية واالشتراكية فـي �ـط اجـتـمـاعـي واحد-مادي استهالكي.

21

مقدمة ا�ترجم�

هذه هي بعض القيم األساسية التي يبشر بها الكاتب ويحذر منها. ولكنينبغي أن نطبق عليها بعض منطلقات الكاتب التي استقاها من علم اجتماعاfعرفة ودراسة التاريخ. فتبني قيم التفرد والنفعية وأخالقيات الصـيـرورة(والعلمانية ككل) ليست أمورا ضرورية لعمليات التحديث والتـصـنـيـع رغـمتالزمها وترابطها داخل النسق احلضاري الغربي. فدولة كاثولـيـكـيـة قـويـةكان بوسعها أن تقوم بعمـلـيـة الـتـصـنـيـع عـلـى أكـمـل وجـه دون أن تـضـحـي-بالضرورة-بالقيم الدينية أو اإلنسانية. واالحتاد السوفيـتـي بـرهـان سـاطـععلى ذلكK فقد قامت الدولة اfركزية القوية بعملية التصنيع والتحديث فيواحدة من أكبر دول العالم تضم مئات القوميـاتK وقـد � ذلـك فـي «إطـارشبه ديني» يسمونه اfاركسية/ اللينينية له مطلقه الذي يدعى بالبروليتارياأو روح التاريخ. ولعله لو لم يجتح اfغول بغداد أو لو لم تتآمر الدول الغربيةعلى اخلالفة العثمانية ثم على محمد عليK لقامت الدولة اإلسالمية اfركزيةبتمويل عملية تصنيع كبرى ال تتخلى بالضرورة عن القيم الدينية اإلنسانية.وهذا ليس من قبيل البكاء على األطالل-رغم إدراكي للمضمون اإلنـسـانـيلهذا التقليد الشعري الرائع-و إ�ا هو من قبيل تأكيد إمكانية حرية احلركة

نريد.في االجتاه الذيKولذا فالقول بأن نسق احلضارة الغربية إما أن يؤخذ كله أو يترك كلهكما ينادي البعضK وانه ال بد من إعادة صياغة اإلنسان العربي ليتفـق مـعمقتضيات العصر احلديث كما نشأ الغربK ليس قوال علميا ألنه مـحـاولـةتعميم ما هو خاص. ال بد من إعادة صياغةK واإلنسان العربي قد أعيـدتصياغته ح} خرج من اجلاهلية إلى اإلسالمK وهو كمسلم قد أعاد صياغةنفسه دون أن يفقدهـا حـ} خـرج مـن اجلـزيـرة الـعـربـيـة وواجـه حـضـاراتجديدة ألقت عليه بتحدياتها. وعبر التاريخ العربي قامت مناقشات فلسفيةودينية عديدة هي في جوهرها تعبير عن �اذج مختلـفـة لـإلنـسـان. ولـكـناfهم أن نعيد الصياغة داخل إطار نضمن أنه سيحقق إنسانـيـتـنـا ويـحـقـقعروبتناK ألن إنسانيتنا لصيقة بعروبتنا ال Cكن فصل الواحدة عن األخرى.ونحن في إعادة صياغة أنفسنا لندخل العصر احلديثK أو لنستوعب العلمKيجب أن نضع نصب أعيننا الـنـكـبـة احلـضـاريـة فـي الـغـرب Kوالتكنولوجياحضارة اإلجراءات التي ال تكترث باألهداف: احلضارة التي أفرزت النازية

22

الغرب والعالم

(×١) شكا لي اfؤلف من نقص اfراجع الصادرة باللغة اإلجنليزية والتي تتناول احلضارة العربيـةواإلسالميةK ولكنه في سبيله إلى إصدار طبعة ثانية من كتابه وقد وعد أن يسد هذا النقص.

ومن بعدها الصهيونيةK والتي تتحدث عن فصل الدين عن الدولة وهي فيواقع األمر تتحدث عن فصل األخالق عن الدولة وعن كل شيء.

وCكننا أن نتفق أو نختلف مع الكاتبK كما Cكننا أن نأخذ عليه بعضالهنات مثل التناقض الفكري الذي وقع فيه والذي أشرنا إليه (هو تناقضناجت عن انتمائه احلضاري وليس عن قصوره الشخصـي) ومـثـل مـحـاولـتـهأحيانا أن يفرض رؤيته-كانسان من القرن العشرين-على اfاضي ومثل إهماله-غير اfتعمد-إلجنازات احلضارة العربية اإلسالمية في عـرضـه لـلـحـضـارة

.قول Cكننا أن نؤاخذه على كل هذا. ورغم ذلك يظل كتابه محاولة(×١)العاfيةرائدة رائعة شجاعةK ويظل كتابه الغرب والعالم من أمتع الكتب التي ترويتاريخ احلضارة بأسلوب شيق يجعل من دراسة التاريخ متعة ثقـافـيـة حـقـة

دون تبسيط أو تسطيح للواقع التاريخي.والكتاب الذي ب} يدي القار� هو ترجمة للنص الكامل لكتـاب الـغـربوالعالم وقد رأينا حذف ثالثة فصول منه)اخلامس والـثـامـن والـتـاسـع(إمـاألنها تطرح قضايا رأينا أنها قد ال تهم القار� العربيK أو ألن طريقة تناولهاKا كان يقتضي إيضاحات وتفسيرات وردود ال حصر لهاi لم تكن مالئمةكان على القار� أن يخوض خاللهاK وهو جهد-في تصورنا-ال يتناسب بـأي

شكل مع العائد اfعرفي.وفي اخلتام نحب أن نتوجه بالشكر للدكتور فؤاد زكريا لقراءته اخملطوطةوfراجعته إياها وfناقشته معنا بعض األفكار التي أتت في اfقدمة ولبعضاfصطلحات واالشتقاقات التي استخدمناها في الترجمةK فقد كان احلوارمعه iتعا ومفيداK وللصديق األستاذ سعـيـد الـبـسـيـونـي (بـالـبـنـك األهـلـيباإلسكندرية) الذي قرأ الترجمة كلها ثم تعامل فيها ثم أمطر علينا أفكارهوافتراضاته كسحابة سخية كعادته دائما مع كثير من اfثقف} من اإلسكندريةودمنهور الذين يعدون هذا اجلندي اجملهول أستاذا لهمK وقد قام األسـتـاذإبراهيم الشرقاوي بتحـويـل الـطـالسـم إلـى كـلـمـات واألسـهـم واأللـغـاز إلـى

صفحات مكتوبة فله منا الشكر.ونتقدم بالشكر fركز البحوث بكلية اآلدابK بجامعة اfلك سعود (التـي

23

مقدمة ا�ترجم�

ينتمي لها اfترجمان في الوقت احلاضر) لتصوير اخملطوطة ولقيام أعضاءندوة األدب اfقارن Sناقشة الدراسة الطويلة التي تشكل هذه اfقدمة ملخصا

لها.ا,ترجمان

24

الغرب والعالم

25

مقدمة ا�ؤلف

أعد هذا الكـتـاب-الـذي صـدرت لـه طـبـعـة فـيمجلد واحد وأخرى في مجلدين-ليلبي احتيـاجـاتمقررات احلضارة الغربية واحلضارة العـاfـيـة(فـياجلامعات)K كما أن تنظيمه حسب موضوعات هـونتيجة فروض مختلفة عن الـفـهـم الـتـاريـخـي وعـنعملية التعليم. فمعظم الكتب اfدرسية التقـلـيـديـةعن تاريخ الغرب أو العالم تستند إلى الفرض القائلإن الفهم التاريخي يعني امتالك اfعلومات (احلقائقواألفكار) وأن عملية التعليم تعني نقل هذه اfعلومات

للطالب.لقد كان اليونانيون القدماء يتحدثون عن التاريخ

historiaباعتباره عملية بحث وحتقيق. فـقـد كـانـوا يكتبون لفظ التاريخ بصيغة الفعل: أي أنه طريـقـةللتفكير وللبحث في التغيـر اإلنـسـانـي. أمـا الـيـوم-حينما أصبح التغيير يلح علينا من أجل فهمه-فـإنالتاريخ أصبح موضوعا دراسيا. وهكذا أصبح اfرءيتعلم التاريخ بدال من أن يتعلم كيف يـفـكـر بـشـكـلتاريخيK وأصبح يحفظه عن ظهر قلب بدال من أنيفهمهK وهكذا فقدنا قدرتنا على التفكير في التغير.وهكذا الكتاب يبدأ بتلك االفتراضات التي تقوم

لقعليها الثورة الفكرية للقرن العشرين: فاfعرفة تخوال تعطىK واfصلحة أو اfنظور اخلاص أو القيم أواالرتباطات هي التي تخلق كل واقعة (من ب} عددال نهائي من اfمكنات األخرى)K كما أنـنـا ال �ـلـكقط كل الوقائع اfتعلقة بأتفه حدثK كما أن الوقائع

مقدمة ا�ؤلف

26

الغرب والعالم

احملددة ليس لها قيمة في ذاتها وليس لها أهمية أساسيةK وإ�ا يكون لهامعنى في إطار األسئلة التي تطرحها وحسب. أما التعليم فهو معرفة كيفنخلق احلقائق والتفسيراتK وكيف نختبرها للتحقـق مـن صـحـتـهـاK وكـيـف

م مدى الـدقـةKنطرح أسئلة مفيدة وجنيب عليهـاK ونـخـلـق مـعـنـى مـاK ونـقـيونفكر بشكل نقدي وواضح.

وإذا كان التعليم هو تدريب على التفكيرK فإن تعلم التاريـخ هـو تـدريـبعلى التفكير في اfاضيK وفي عالقة اfاضي باحلاضر. وهذا هدف كتابناهذا: أن يشجع الطالب على مزيد من التفكير بشكل نقدي وحاد وواضـحKفي كيفية تغير األشياء. ويتبنى الكتاب طريقت} لتحقيق هذا الهدف: األولىأنه يطرح أسئلة تاريخية تتعلق باfوضوعات اجلارية التي تلقى اهتماما منجانب الطالب واجملتمع. فكل فصلK وكل مجـمـوعـة مـن الـفـصـول تـتـنـاولKدنfوا Kوالعنصرية Kنستكشف قضية مطروحة-اجلنسية Kموضوعا واحداوعلم االيكولوجيا أو احلجابيئية وغيرها-مـن أجـل تـشـجـيـع الـطـالب عـلـىالتفكير بشكل أكثر تاريخية في تلك القضية. أما الطريقة الثانية فمؤداهاأن كل تفسير تاريخي مع} ألي قضية هو قطعا رأي جزئي ولـيـس إجـابـةنهائية. ولذلك فإن تفسيرات اfؤلف تتعمد اخلروج أحيانا على التفسيراتالسائدة لتدفع الطالب إلى حتديها وإلى ابتكار بدائل لها. وهكذا يتم جتنبالنقص في الكتب اfدرسية التقليدية-Sا تتضمنه من ادعاء بأنهـا احلـجـةالنهائية-وبدال من ذلك يشترك الطالب بأنفسهم في التفكير في القضايـا

التي تهمهم.إن تناول اfادة من خالل موضوعات ال ينمي االهتمام ومهارات التفكيرفحسبK ولكنه يقترح أيضا إجابة fسألة تدريس احلضارة الغربية مـقـابـلحضارة العالم. فنحن نهتم Sشاكل العالم الغربي (العالم األوروبي األمريكي)ألنها مشاكلنا نحن. ولهذا فقد �ت صياغة اfوضوعات اخملتارة في هـذاالكتاب Sفردات غربية. إننا نتساءل على سبيل اfثال عن «احلب واجلنس»ألن العالقة ب} االثن} هي مشكلـة غـربـيـة راهـنـةK بـيـنـمـا ال نـتـسـاءل عـنمشكلة «النساء والقانون اإلسالمي»أو عن قضية «الطائفة اfغلقة والطهارةالطقوسية». ولكن معظم اfشاكل الغربية من ناحية أخرىK وبالتأكيد احلبواجلنسK ليست مقتصرة علينا وحدنا. وإذا أهمـلـنـا الـتـجـارب الـتـاريـخـيـة

27

مقدمة ا�ؤلف

لبقية العالم بشكل كاملK فسنكون في حماقة ذلك الذي ال يقرأ سوى الكتباخلضراء في اfكتبة. إن تاريخ احلضارة الغربية قد يخبـرنـا عـن اfـشـاكـلالغربية بقدر أكبر iا قد تتيحه دراسة احلضارات األخرىK إال أن تـاريـخالعالم بأسره سوف يخبرنا أكثر وأكثر عمن نكون وعن كيفية تغير األشياء.وهكذا فإن تناول تاريخ احلضارة من خالل موضوعاتK بإمكانه أن يجـعـل

هذا االكتشاف iكنا وiتعا وذا معنى.

شكر وعرفانيتذكر اfرء بعض األساتذة واألصدقاء األعزاء الذين علموه كيف يفكر.

K أتذكر يوج} ميهانRutgersومن األيام األولى لدراستي بالكلية في رجترزEugene Meehan حاليا في جامعة ميسوري) Univ.of Missouriووارن ساسمان (

وصديقي روبرتTraian Stoianovich وترايان ستويانوفيتشWarren Susmanل)UCLA (حاليا في جامعة كاليـفـورنـيـا بـلـوس اجنـلـوس Robert Rosenروزن

فكل هؤالء جعلوا من الدراسة العليـا مـرحـلـة نـادرة لـالكـتـشـاف. ولـم يـكـنباfستطاع تأليف هذا الكتاب بدونـهـم وبـدون إرشـادات دونـالـد وايـنـشـتـ}

Donald Weinstein القيمة (في جامعة أريزونا Univ of Arizonaوصداقة K(حاليا عـبـد الـوهـاب اfـسـيـري الفكرية اfثيرة. وأيضا حـب ومـسـاعـدة فـيـلـيـبـس

Phyllis Reillyرايلي

إن ما أشعر به من دين جتاه علمائي اfفضـلـ} يـتـضـاعـف بـاسـتـخـدامأعمالهم في النص. والبد هنا من ذكر مساعدة األصدقاء والزمالء. فـقـد

» فكرة الكتاب وقدمت مشروعي إلىEmily Berlethاقترحت «إميلي بيرليث K ورعته. ومنذ البداية قام كل مـن روجـرHarper & Rowدار نشر هاربـر ورو

التعليمي-وبروك هـوسـامـنVermont من قسم فيرمـونـتRoger CranseكرانزBrock Haussamenتوسطة لfمن كلية مقاطعة سومرست ا Somereset County

Collegeكما ساعداني في حترير الكتاب. وقد قام كل من روبرت Kبتشجيعي -وستيفنIndiana State Univ-من جامعة والية انديانا.Robert G. Clouseج. كالوز

Univ of Wisconsin at-من جامعة ويسكنسون في أوكـلـيـرSteven Goschجوش

Eau Claireوآالن كيرشنر-Alan Kirshner من كلية أوهلون-Ohlon Collegeوفريد-Danville Community-من كلية دانفيل اfتوسطة Fred A.LLoyd IIIأ. لويد الثالث

28

الغرب والعالم

College وجون ماكفـارالنـد K-John Mcfarland من كلية سـيـرا-Sierra CollgeK-Gulf Coast-كلية جلف كوست اfتوسطـةHerbert Mcguireوهيربرت ماكجويـر

Community وأندرو مـيـكـيـس-Andrew Mikusـتـوسـطـةfمن كـلـيـة جـلـنـديـل ا-Glendale Community Collegeوفرا نسيس ج. موريارتـى-Francis J. Moriarty-

thomas-وتوهـاس ن. باباس لFranklin Pierce Collegeمن كلية فرانكل} بيرس

N. Pappas من كلية اندرسـون-Anderson College والري ستوري Larry Story--قاموا بقراءةTarrant County junior Collegeمن كلية مقاطعة بارانت اfتوسطة

كل مخطوطة الكتاب أو أجزاء منها وأبدوا مالحظات قيمة. وقد قام ستيفن بـتـصـحـيـح مـعـظــم مــفــاهــيــمــي اخلــاطــئــة فــيSteven Kaufmanكـوفــمــان

Dave Fowler وداف فولرDennisاألنثروبولوجيا. وساهم كل من دينيس رايلي

Markفـي إعـداد الـرسـوم. واسـتـمـع أصـدقـائـي األعـزاء مـارك بـيـزانـسـون

Bezanson ودافيـد مـاسـي David Massie وجيرالد سـتـيـرن Gerald Sternإلـى أفكاري حتى عندما كانت هي نفسها أفكارهم. وساعدني تـالمـيـذي عـلـىاالستمرارK كما منحتني كلية مقاطعة سومرست اfتوسطة سنة تفرغ للسفر

Harperفي رحلة حول العالم. وكان كل من تعاملت معه في دار نشرهاربر ورو

Rowمكن توقعه. وحوfا كان من اi لت & أكثر تعاونا واستبصارا لألمور الكتابة على اآللة الكاتبة إلى شكل فني جديد.Linda Edwardsلندا ادواردز

Marjorie and Charles Colvinكما أعطاني كل من مارجوري وشارلز كولفـ}

«كاتبـاجناز اfراحل الصعبة األخيرة بـاعـتـبـاريالوقت واfكان الـالزمـ} إلمقيما» عندهم.

كافQ رايلى

29

مقدمة ا�ؤلف

الباب األولالعالم القدمي

حتى سنة ١٠٠٠ ق.م

30

الغرب والعالم

31

الذكر واألنثى

كر واألنثىالذالطبيعة والتاريخ

Kوتـلـعـب هـي دور األنـثـى Kيلعب هو دور الذكر»وهو يلعب دور الذكر ألنها تلعب دور األنثـى. وهـيتلعب دور األنثى ألنه يلعب دور الـذكـر. وهـو يـقـومبدور ذلك النوع من الرجل الذي تعتقد هي أن نوعاfرأةK الذي تقوم بلعب دورهK ال بد أن تـعـجـب بـه.وهي تقوم بدور ذلك النوع من اfرأةK الذي يعـتـقـدهو أن الرجل الذي يقوم بلعب دورهK البد أن يرغبفيهK ولو لم يكن يلعب دور الذكرK لكان على األرجحأشد منها أنوثة-اللهم إال في احلـاالت الـتـي تـكـونفيها مسرفة في لعبة األنوثة. ولو لم تكن تلعب دوراألنثى لكانت على األرجح أشد منـه ذكـورة-إال فـياحلاالت التي يكون فيها مسرفا في لعبة الذكورة.

)١(وهكذا يزداد لعبه شدةK ويزداد لعبها نعومة..»

كلنا يلعب لعبة الذكر واألنثى. لقد تعلمناها مناfهد. ولكننا لم نفطـن إال مـؤخـرا إلـى أنـهـا قـد التكون إال مباراة. فاحلركات النسائية مثال قد دفعتالكثير مناK في السنوات القليلة اfاضيةK إلى مراجعةأفكارنا التقليدية عما هوK «طبيعي» بالنسبة للرجالوالنساء بعد أن جرينا على االعتقاد بأن من طبيعة

1

32

الغرب والعالم

الرجال شدة البأس والتفكير اfنطقي واخلشونة والطموح والعزمK وان منطبيعة اfرأة التقلب واfقدرة على احلدس والسلبية واالنفعال.

واحدة من علماء األنثروبولوجيا (علم اإلنسان) تكتشف الثقافة:هذه التوقعات تتغلغل فينا إلى حد أن عاfة األنثروبولوجيـا األمـريـكـيـةKوضوع في الثالثينـاتfمرجريت ميد ح} أخذت على عاتقها بحث هذا الم حتاول أن تبـحـث عـمـا إذا كـان هـنـاك اخـتـالف فـي اfـزاج بـ} الـرجـالوالنساءK وإ�ا تصدت للبحث في كنه هذه االختالفات. فحطت عصا الترحالحب غينيا اجلديدة وعاشرت ثالث جماعات بدائية اختارتها كيفما اتفق.وقد أدهشها ما اكتشفتهK ولم تزل الدروس التي استخلصتـهـا مـفـيـدة إلـى

اليوم مثل ما كانت منذ أربع} عاما خلت.كان أول مجتمع حلت به يطلق على نفسه اسم األرابيش. وقد اتضح لهاأن وجوب االختالف ب} شخصيتي الرجل واfرأة فـكـرة ال تـدور فـي خـلـدهذه القبيلة اجلبلية اfنزويةK ومن ثم فال وجود fثل هـذا االخـتـالفK لـقـدأظهر رجال األرابيش ونساؤها ما يـطـلـق عـلـيـه سـمـات األنـوثـة واألمـومـة.

و «تربيـة»فغاية احلياة في نظر الرجال والنساء علـى الـسـواء هـي احلـمـل» قد ينصرف إلىاألوالد. والفعل في لغة األرابيش الذي يعني «يحمل طفال

األب أو األم. وهم يـعـتـقـدون أن الـرجـل يـعـانـي آالم اخملـاض كـاfـرأة سـواءبسواء. وإذا كان الولد يخلق مـن نـطـفـة الـرجـل وعـلـقـة اfـرأة فـان «نـسـمـةاحلياة» تأتي من أحد الوالدين. وما أن يولد الطفل حتى يشارك األب فيجميع واجبات رعاية الوليد. بل إنه ليضطجع بجوار زوجـتـه ويـضـع رأسـه

فيها.على وسادة خشبية حرصا على تسريحة شعره التي بذل وقتا طويال.(٢)ويقول عنه بنو عشيرته إنه «في فراشه في حالة وضع»

وأثناء �و الطفل يساعد األب أم الطفل في كل التفاصيل اfتعبة:فاآلباء كاألمهات يبدون القليل من الضيق فـي الـتـخـلـص مـن فـضـالتالرضيعK كما يظهرن الكثير من الصبر مثل زوجاتهم في حث الطفل الصغيرعلى تناول احلساء من اfالعق الساذجة اfصنوعـة مـن جـوز الـهـنـد والـتـيتكون دائما أكبر من فمهK والعناية اليومية الدقيقة باألطفال Sا فيـهـا مـنرتابة ومنغصات وصرخات البؤس التي ال سـبـيـل إلـى تـفـسـيـرهـا تـفـسـيـرا

33

الذكر واألنثى

(*) Mundugumor

صحيحا-هذه كلها أمور تالئم رجال األرابيش كما تالئم نساءها. وإذا علقأحدهم على رجل في منتصـف الـعـمـر ووصـفـه بـأنـه وسـيـمK جتـد الـنـاس-

عن اعترافهم بدور الرجل منذ البداية- منهم بهذه الرعايةK فضالاعترافا.(٣)يقولون: «وسيم? نعم! ولكن ليتك رأيته قبل أن ينجب كل هؤالء األطفال»

إن رجال األرابيش من وجهة نـظـرنـا اشـد «أنـوثـة» حـتـى مـن نـسـائـهـم.فالرجالK كما أfعنا من قبلK هم الـذيـن يـقـضـون الـسـاعـات فـي تـصـفـيـفالشعور وهم أيضا الذين يتزينون ويلبسون األزياء اخلاصة في اfـنـاسـبـاتويرقصون. والرجال وحدهم هم اfشهود لهم بالكفاية في الرسم باأللوان.

فرجال األرابيش يعدون أكثر إحساسا بالفن من نسائهم.بيد أن نساء األرابيش ال يجدن في أنفسهن ما يحملهن علـى أن يـكـونلهن شخصيات مغايرة. ذلك أن الرجال والـنـسـاء جـمـيـعـا قـد ثـقـفـوا عـلـى«التعاون واfساfة واالستجابة الحتياجات الغير ومطالبه. ولم جند لديـهـم

.(٤)ما يدل على أن اجلنس قوة دافعة بالنسبة للرجال أو النساء»(×)أما القبيلة الثانية التي زارتها مرجريت ميد فهي قبيلة مندوجومـور

وتقع على بعد أقل من مائة ميلK ولكـن فـي غـور أحـد األنـهـار. وأهـل هـذهالقبيلة يشبهون األرابيش في شيء واحد فقط فهم أيضا يتوقعون التماثلفي شخصيات الرجال والنساءK ولكن توقعاتهم على النقيض مـن تـوقـعـات

ونساءK ينشئون على القسـوةاألرابيش: «وجدنا أفراد اfندوجومـورK رجـاالوألعداوات واإليجابية اجلنسية. وتنطوي شخصياتهم على احلد األدنى منجوانب األمومة احملبة. ورجالهم ونساؤهم أدنى الى �ط الشخصية الذيال جنده في ثقافتنا إال في شخصية الرجل الفوضوي الذي يتسم بالشراسةالبالغة... فاfثل األعلى عند قبيلة مندوجومور هو الرجل العدواني العنيف

.(٥)الذي يتزوج من اfرأة العدوانية العنيفة»ويتضايق رجال قبيلة مندوجومور ونساؤها على السواء من تربية األطفالKلل منها. وهم يعاملونهم معاملة سيئة أو بدون اكتراث وهم صغارfوينتابهم ا

شباع وهـمويعاملونهم كمنافس} لهم في األمور اجلنسية أو كـمـوضـوع لـإلكبار.

ولنا أن نتصور دهشة مرجريت ميد وسرورها عندما وصلت إلى القبيلة

34

الغرب والعالم

(*1) Tchambuli

الثالثة التي اختيرت أيضا كيفما اتفق وتقع بالقرب من بحيرة ب} األرابيشواfندوجومور. فهنا أخيرا جند قبيلة تصر-كما نفعل نحن-على أن الرجالوالنساء لهم شخصيات مخـتـلـفـة بـل ومـتـعـارضـة. هـذه الـقـبـيـلـةK واسـمـهـاتشامبوليK تتوقع مثلنا أن يكون الرجال رجاال والنساء نساء دون أية ظالل

رمادية مزعجة غير محددة اfعالم.(×١)لك أن تتصور دهشتهاK إذنK ح} اكتشفت أن رجال قبيلة تشامبولي

هم �اذج حية من األنوثة األمريكيةK وأن النساء يتعلمن جميعا أن ينـشـأنعلى غرار ما نسميها«الذكورة».

«في القبيلة الثالثةK قبيلة تشامبوليKوقعنا على عكس اfواقف السائدة الطرف السائد اfتجرد من العاطفةفي حضارتنا جتاه اجلنسK فاfرأة هي

باfسئوليةK الذي يعتمدوهي اآلمرة الناهيةK أما الرجل فهو األقل إحساسا.(٦)على غيره من الناحية العاطفية»

فنساء تشامبولي يقمن بصيد السمك وجمـع الـطـعـامK فـي حـ} يـرتـبالرجال خصل شعرهم ويحملون أقنعتهم أو يتدربون على نـفـخ الـنـاي. أمـاالفنون-الرقص واحلفر والتصوير-فهي غير هامة بالنسبة للنساءK ولـكـنـهـاأهم أوجه النشاط اfتاحة للرجال. وهكذا يتـدرب رجـال تـشـامـبـولـي عـلـىالسيرالهوينى ويحاولون اكتساب الرقة اfتوترة الساحرة للممثالت. فمعظمKسرحfثلونه بشكل واع على خشبه اC حياتهم يقضونها كأنها دور مسرحيعلى أمل أن تستمتع النساء بهذا الدور. وعلى ح} أن نساء الـتـشـامـبـولـي

حساس الزائد باألنسK فـإنيعملن سويا في جو يسوده الشعور باfـودة واإلKهـي دائـمـا مـشـوبـة بـالـتـوتـر والـتـرقـب Kالعالقات التي تسـود بـ} الـرجـالومالحظاتهم تتسم عادة باخلبث. وتصنع نساء التشامبولـي ثـروة الـقـبـيـلـةبنسج وبيع شباك لصيد البعوض. أما الرجال لم يقومون بالتسوق وهم فيأبهى الرياش ومحارات للزينةK يساومون في سعر كل سلعة يشترونهاK ومنهم

يشعرون دائما أنهم إ�ا ينفقون من ثروة اfرأة:«إن األمالك احلقيقيةK التي يقتنيها اfرء بالفعلK تأتيه مـن اfـرأةK فـيمقابل نظرات حاfة وكلمات رقيقة... أما موقف النساء جتاه الرجال فيتسمبالتسامح والتقدير. إنهن يستمتعن باأللعاب التي يلعبها الرجالK كما يستمتعن

35

الذكر واألنثى

(*2) Manus (*3) Toda

(٧)بصفة خاصة باحلركات اfسرحية التي يقوم بها الرجال من أجلهن»

ويتوقع اجملتمع من النساء أن يأخذن بزمام اfبادرة في النشاط اجلنسي.بينما يترقب الرجال مبادرات النساء في استحياء حيناK وفي خجل وخوفحينا آخر وإذا لم تبادر األرملة باتخاذ خليـل آخـرK دهـش الـقـوم لـتـعـفـفـهـا

الزائد.«إنهم يتساءلون: هل النساء مخلوقات سلبية باردة جنسيا يتوقع منـهـن

(٨)أن يصبرن على دالل (الرجال) وتلكئهم»

واجلواب الضمني في قبيلة تشامبولي هو «كالKإذا كن سويات».وقد ال تكون معتقدات هذه القبائل الـثـالثـة وسـلـوكـهـا �ـوذجـا fـعـظـمالشعوب البدائيةK ولكن فيها من التنوع ما يوحي بأن السوى أو ما يقال له«الطبيعي» ال وجود له البتة بالنسبة للرجال أو النساء. إن إحدى الـقـبـائـل

K(×٢)في الفليب} مقتنعة بأنه «ال Cكن ائتمان رجل على سر». وقبيلة مانوسوهي قبيلة أخرى في احمليط الهاديK تعتقد أن «الرجال وحدهم هم الذين

أن «جل العمل اfنزلي(×٣) يستمتعون Sالعبة األطفال» وتعتقد قبيـلـة تـودا(٩)أقدس من أن �ارسه النساء»

واألمثلة على التنوع اإلنساني جمة. فالرجال والنساء يـولـدون ولـديـهـمإمكان الشدة أو الل}K والعدوانية أو السلبيةK بل «الذكورة» أو «األنوثة» والمناص من تعليمهم أن يكونوا مثل هذا اجلنس أو ذاك. وهكذا فإن اجملتمعات

اخملتلفة تعلم أشياء مختلفة.وتكشف بحوث مرجريت ميد وغيرها من عـلـمـاء األنـثـروبـولـوجـيـا فـيأساليب حياة القلة القليلة الباقية في العالم من القبائل البدائيةK عن إمكانية

تعديل أ�اطنا اجلنسية بل واستئصال شأفتها.ننا نكون حينئذ أحرارا فيفإذا ما عرفنا أن مثل ذلك التغيير iكنK فإ

أن نسأل إن كان هذا أمرا مرغوبا أو محتمال. ومن ثم يجدر بنا أن نعرفكيف تقع التغيرات في األ�اط اجلنسية. ولكي نعرف مدى مرونة عاداتنااالجتماعية أو جمودهاK فعلينا أن نتساءل كيف ظهرت ومتى. وإذا شئنا أننعرف كيف Cكن تغييرهاK فإن علينا أن نعرف ما الذي جعلـهـا عـلـى هـذا

? وإذا كنا قد اخترنـا أسـلـوبـا فـيالنحوK وما أفضى بنـا إلـى هـذه الـنـقـطـة

36

الغرب والعالم

احلياة من ب} عدة أساليبK فمتى قمنا بذلك االختيار? وfاذا? وماذا كانتالبدائل? وfاذا لم يقع عليها االختيار?

ومعظم هذه التساؤالت يطرحها اfؤرخ. فليس التـاريـخ دراسـة اfـاضـيلذاتهK وإ�ا هو دراسة التغيرK دراسة كيف صار-أولم يصر-اfاضي حاضرا.وفيما بقى من هذا الباب سنبحث في كيفية اختالف العالقة ب} الرجـالوالنساء على مر الزمن. وبوسع عالم األنثروبولوجيا أن يب} لنا أن ال شيء«طبيعي» في الطريقة التي نتصرف بهاK ولكنه ال يفسر fاذا نتصرف بهذه

نساني.الطريقة. فواجبنا أن ندرس اfاضي لنفهم االجتاه العام للغير اإل

علماء اآلثار يكتشفون التغيرKعندما نتساءل كيف تغيرت وتبدلت أدوار الرجال والنساء وعالقاتـهـميتحتم علينا أن ندرس التغيرات اجلوهرية في التاريخ اإلنساني. وعلينا أننحاول أن نحدد التغيرات التي طرأت على دوري الذكر واألنثى خالل أطولفترة زمنية iكنةK وهو ما يعد أشق من التساؤل عن عالقة أهل اfدن بأهلالريف مثالK ذلك ألن اإلجابة عن هذا السؤال األخير ال تكلفنـا إال مـؤونـةالنظر في خمسة آالف سنة خلتK هي عمر اfدن. وعلى عكس هذا بالنسبة

للتساؤل األول فقد عمر الرجال والنساء ما عمرته البشرية.نسـانـيوfا كنا نحاول أن نكتشف أعرض اخلطـوط الـعـامـة لـلـتـغـيـر اإل

فعلينا أن نستع} بعلماء اآلثار كما نستع} باfؤرخ}. فاfؤرخون ال يدرسون-عادة-التغير البشري إال في السجالت اfدونة. ولكن الكتابة لم تـخـتـرع إال

نهم يقومونمنذ نحو خمسة آالف سنة في اfدن األولى. أما علماء اآلثار فإبالتنقيب حتت هذه اfدن القدCة بحثا عن السجالت الصامتة-قطع اخلزفKوقطع من العظام اإلنسانية Kتفحمةfوبقايا احليوانات ا Kكسورة واألكواخfاوالقواقع اfطليةK والفؤوس احلجرية وعصي احلفر-وهي تكشف عن جانبمن أقدم اجملتمعات البشرية قبل اختراع الكتابة وحياة اfدن. ولم يـتـمـكـنعلماء اآلثار من نبش آثار اجلماعات اإلنسانية السابقة فحسبK بل �كنواأيضا من رسم معالم تطور ماضي اإلنسان وأخطر التحوالت التي حـدثـت

فيهK ولذا كان علينا أن نظر في مناهج هؤالء األثري} ونتائجهم.وfا كان مستحيال أن يدفن أي مجتمع قمامته فوق رأسـهK فـإن عـلـمـاء

37

الذكر واألنثى

اآلثار يستطيعون أن يرسموا مراحل التطور اإلنساني بكل بساطة عن طريقاحلفر.

وكلما ازداد عمق احلفر ازداد التوغل في الزمان اfاضي. وبهذه الطريقةنساني على وجه التقريب:اكتشف علماء اآلثار ثالث مراحل من التاريخ اإل

مرحلة الصيد وجمع الثمارK ومرحلة الزراعةK ومرحـلـة احلـيـاة فـي اfـدن.وحينما يقومون باحلفر فإنهم يجدون بقايا هذه اfـراحـل الـثـالث بـتـرتـيـبمعكوسK فقد عثروا حتت أقدم اfدن مباشرة على أدوات الفالح}K وحتتمخلفات الفالح} كانوا يعثرون دائما على أدوات أقدم جمـاعـات الـصـيـدوجمع الثمار. بل استطاعوا أن يحددوا تواريخ تقريبيـة لـألدوات والـعـظـامالتي اكتشفوهاK ألنهم يعلمون أن اfادة العضوية (البشرية والنباتية واحليوانية)تفقد نصف إشعاعها الكربوني كل خمسـة آالف أو سـتـة آالف سـنـة. وقـددلتهم طريقة التأريخ عن طريق اإلشعاع الكربوني هذه على أن أقدم اfدن

آالف سنةK وأن أقدم القـرى الـتـياإلنسانية قد شيدت منـذ زهـاء خـمـسـةلى الزراعة تعود إلى حوالي عشرة آالف سنة.تعتمد ع

نساني بطريقة شديدة العمومية.نستطيع-إذن-أن نلخص كل التاريخ اإلفقد كان الناس جميع في بداية األمر صيادي وحـوش أو جـامـعـي نـبـاتـاتبرية وحشرات. ولم تكن حياتهم التي اعتمدوا فيهـا عـلـى األغـذيـة الـبـريـة

ق. م.٨٠٠٠تختلف كثيرا عن حياة القرود. ثم بدأ الناس تدريجيا بعد عام يتعلمون كيف يزرعون غذاءهـم ويـروضـون حـيـوانـاتـهـم. وال جنـد الـيـوم إال

% من سكان العالم لم يدخلوا بعد هذه اfرحلة٠٬٠١نسبة تصل إلى حوالي الثانية من التاريخ-«مرحلة الزراعة». وسرعان ما بدأت «مرحلة اfدينة» في

ق.م. (على األقل في مناطق الـشـرق األوسـط الـتـي٣٠٠٠التاريخ بعـد عـام اكتشفت الزراعة ألول مرة). وبفضل اختراع احملـراث الـثـقـيـل الـذي جتـرهالدواب أصبحت الزراعة في هذه اجملتمعات على درجة من الكفاءة أتاحتألعداد كبيرة من الناس أن تعيش وأن تعمل دون أن تشتغل بالزراعة بنفسها.

طار العام مرحلة «رابعة» حديـثـة سـوفبل وCكننا أن نضيف إلـى هـذا اإلنسميها «باfرحلة الصناعية». فقد مرت أوروبا وأمريكا الشمالية في مائتي

% من السكان أن٨٠السنة األخيرة بثورة صناعية ذات ناجت يكفي ألن يتيح ل يعيشوا دون أن يعملوا بالزراعة.

38

الغرب والعالم

وCكننا أن نقول باطمئنان أن هذه هي أهم التغيرات التي مر بها التاريخالبشري فلم يكن الصيادون أو كل الفالح} سواء بطبيعة احلال. غـيـر أنالفروق ب} الصيادين والفالح} أوسع بكثير من الفروق ب} أي مجموعت}تنتميان إلى اfرحلة نفسها. وبالرغـم مـن أنـه ال يـزال هـنـاك فـالحـون بـ}Kثـلfبا K{دن (إذ البد أن يأكل الناس) فان حياة هؤالء الفالحfجماعات اKواصالتfدن واحلكومات واألدوات والثقافة واfتتبدل عادة بسبب أسواق ا

ق. م.. فلو٣٠٠٠وهي أمور جتعلهم مختلف} �اما عن فالحي ما قبل عام كان ثمة شيء طبيعي في أدوار الرجال والنساء وعالقاتهم فيجب أن نتوقعأال يتغير هذا الشيء إال قليال خالل انتقال البـشـريـة مـن مـرحـلـة الـصـيـد

وجمع الثمار إلى مرحلة الزراعة ثم إلى مرحلة العيش في اfدن.

الصيادون وجامعو الثمار: العصر احلجري القدميلم تكن أقدم اجملتمعات البشرية تشبه قبائـل األرابـاش واfـنـدوجـومـوروالتشامبوليK وكلهم من الفالح}. فقبل أن يتـعـلـم طـالئـع الـبـشـر عـمـلـيـةاالستنبات اfعقدة منذ نحو عشرة آالف سنةK كان الناس جميعـا صـيـاديـن

نسانية األولىKوجامعي ثمار.ومن احملتمل أن الرجالK في هذه اجملتمعات اإلكانوا هم الذين يقومون Sعظم الصيـد. وكـانـت الـنـسـاء عـلـى األرجـح أقـلحركة من الرجال النشغالهن موسميا بوضع األوالد وحضانتهم. ففي ح}كان الرجال يخرجون في جماعات صغيـرة فـي اثـر احلـيـوانـات الـوحـشـيـةالكبيرةK كان النساء يجمـعـن احلـبـوب والـبـذور واجلـوز والـفـواكـه واجلـذوروالبيض واليرقات واحليوانات الصغيرة واحلشرات. فعمل النساء كان مطرداومنتظماK وكان هذا العمل يزود اجلماعة بالقوت الضروري ويجنبها اfغبةحتى ولو عاد الرجال بأيد خاوية فيما عـدا فـتـرات األزمـة الـشـديـدة. أمـاعمل الرجال فكان أكثر إثارةK ولكن عائده كان أقل انتظاما. وiا له أهميةأن اجملتمع الذي ال Cلك القدرة على توفير طعامه أو تنقصه اfعرفة بسبلاالحتفاظ به كان في حاجة إلى االنتظام الـيـومـي لـعـمـل الـنـسـاء أكـثـر مـن

حاجته إلى الترف العرضي الذي �ثله اfؤن التي قد يأتي بها الرجال.ولم تقتصر مهمة النساء بطبيعة احلالK على ضمـان اسـتـمـرار احلـيـاةعن طريق جمع الطعام بشكل منتظم وكاف يضمن البقاءK وإ�ا كن أيـضـا

39

الذكر واألنثى

(*4) Venvs of Willendorf

االجنليزية حتمل معنى «مخاض» و «عمل»labour(×٥) كلمة

يخـرجـن احلـيـاة مـن أحـشـائـهـن. والبـد أن سـحـر الـوالدة قـد مـس شـغـافالبدائي}K إذ تشهد أقدم الفنون البشرية على األهمية التي شكلتها خصوبة

ع}. فأقدم ما اكتشفـه عـلـمـاءاألنثى في نفوس هؤالء الصـيـاديـن واجلـمـااآلثار من �اثيل هي �اثيل نساء أو-على وجه الدقة حيث أنها ال تنم عنمالمح فردية-�اثيل اfرأة احلامل الولود. ومن �اذجها �ثال فينوس من

اfمتلئة الثدي} والبطن والردف} والفخذين. ويـبـدوا أن هـذا(×٤)ولندورفالتمثال (الذي صنع من خمس عشرة ألف سنة) والتماثيل األخرى الكثيرةاfماثلة كانت أصناما معبودة. ويدل على هذا بعض الصفات اfشتركة فـيمعظم هذه التماثيل األنثويةK فهي مطلية بطمي أحمر يبدو أنه كان مخصصاللمقدساتK وكثير منها وجد قريبا iا يبدو وأنه نيران مذبح بجانب عظام

ن هذه التماثيل تؤكد جميعامتفحمة (لعلها بقايا قراب} حيوانية).وأخيرا فإوظائف إخراج احلياة ورعايتهاK وهي وظائف تقترن عادة بالتقديس. وبرغموجود �اثيل نادرة للرجال في نهاية العصر احلجري القد�K فليس بينهـا

�ثال واحد يظهر أيا من هذه اخلصائص اخلارقة للطبيعة.ومن اجلائز جدا أن اآللهة في أقدم اجملتمعات البشرية لم تكن أربـابـابل كانت ربات. وذلك ألن أشد التجارب البشرية سحرا وغموضاK وهو منحاحلياةK كان من عمل النساء. وهكذا أضفت ربـه اخلـصـب الـقـداسـة عـلـى

» اfرأة وعلى عملها اليومي الذي ال يتغير: خلق احلياة ورعايتها.(×٥) «مخاض

نظام أمومي في العصر احلجري القدمياستنتج البعض-أنه طاfا كانت األرباب البدائية نساء فال بد أن النساءفي اجملتمع البدائي كنK إذنK أشبه باألرباب. ودفاعا عن هذا الرأي يصعبأن نتخيل مجتمعا يسوده الرجال وتعـبـد فـيـه اfـرأة. والبـد أنـه كـان هـنـاكتشابه ما ب} صورة اfرأة في نظر بدائيي العصر احلجري القد� والدور

الذي كانت تلعبه بالفعل في مجتمع ذلك العصر.ولكن علينا أن نحترز من االعتقاد بأن ديانة أهل العصر احلجري القد�كانت مجرد مرآة جملتمعهم. ولنتخيل علماء اآلثار بعد عشرة آالف سنة من

40

الغرب والعالم

اآلن منقب} عن بقايا مجتمعنا ويحاولون تفسير فكرنا ومشاعرنا بناء علىفنوننا. فلنتصور أولئك العلماء اfتخصـصـ} فـي اآلثـار وقـد تـوصـلـوا إلـىبقايا كشك من أكشاك بيع الصحف وهم يهنئـون أنـفـسـهـم عـلـى قـيـمـة مـااكتشفوه. أال تكون دهشتهمK على األرجحKكبيرة ح} يكتـشـفـون أن مـعـظـم«فنوننا» مكرسة لتصوير األنثى العاريةK وال سيما ذوات الصدور اfمتـلـئـة.وقد ال يكون من اخلطأ بالنسبة لعلماء اfستقبـل هـؤالء أن يـسـتـنـتـجـوا أناألمريكي} في القرن العشرين كانوا يعبدون شكل األنثى. لكنهم يخطـئـونخطأ فاحشا إذا استنتجوا أن هؤالء األمريكي} كانوا يعيشون في مجتـمـعتسوده النساء. فوجود هذا العدد الضخم من اجملالت اإلباحيةK واجلاذبيةالتي �ارسها «ربات» السينما في اجملالت السينمائيةK وصحف الفضائـحبل والصحف اليوميةK لن تزود علماء اآلثار إال بالقليل من اfـعـلـومـات عـن

سلطة النساء احلقيقية ومكانتهن في مجتمعنا.لهذا يجب أن نكون حذرين من افتراض أن النساء كن ربات في مجتمعالعصر احلجري القد�K بسبب األدلة القليلة اfتفرقة الـتـي لـديـنـاK والـتـيتشير إلى أن األرباب كانوا من النساءK وينبغي أن نفطـن إلـى أن االهـتـمـاماfفرط باألنوثة)على طريقة مجلة بالي بوي(قد ال يكون إال وجها آخر منأوجه استغالل النساء عموما وضعفهن الفعلي في اجملتمعK وأن ندرك قدرةالرجال على إضفاء غاللة من اfثالية على النساء لكي يبقوهن خارج العالم

احلقيقي.والسؤال الذي ينبغـي أن نـطـرحـه هـو: إلـى أي مـدى تـظـهـر اfـؤسـسـاتواألنظمـة فـي الـعـصـر احلـجـري الـقـد� هـيـمـنـة الـنـسـاء? يـتـحـدث عـلـمـاءاألنثروبولوجيا احملدثون عن النظام «األمومي النـسـب» والـنـظـام «األمـومـياfركز» فاجلماعة األمومية النسب هي جماعة يتقرر فيها النسب(واfيراث)عنطريق العالقة باألم وليس باألب كما هو احلال في مجتمعنا. أما اجلماعـةاألمومية اfركز فهي جماعة ينتقل فيها الزوج ليعيش مع أهل زوجته بدل أنتـنـتـقـل الـزوجـة لـتـعـيـش مـع أهـل زوجـهـا أو فــي داره)كــمــا هــو احلــال فــيمجتمعنا(ويذهب بعض علماء اإلنسان إلى أن «النظام األمومي» (ويعنون به

نسانية.ها) هو الوضع األصلي لإلاالنتساب لألم أو احللول في دار أهلولكننا في احلقيقة ال نستطيع أن نقرر ما هو األصلK إذ ال توجد سوى

41

الذكر واألنثى

شواهد قليلة عن طريق حياة تلك اجملتمعات التي تعيش على الصيد وجمعالثمار منذ آالف السن}. وزاد الط} بلة أن عبارة «النظام األمومي» الـتـيتشير إلى اجملتمعات التي تسيطر عليها اfرأةK وعبارة «النظام األبوي» التيتشير إلى اجملتمعات التي يسيطر عليها الرجل? هي عبارات غامضةK فمامن مجتمع يحكمه �اما الرجال أو النسـاء. والشـك أن لـكـل مـن األمـهـاتواآلباء بعض النفوذ في كل مجتمعK داخل األسرة وخارجهاK وما من جماعةتستطيع أن حترم نصف اجملتمع (اجلنس اآلخر) من السلطان واfكـانـة أو

. بل إن تأثير النساء عـلـى األطـفـال واألسـرة واحلـيـاةالتأثير حرمـانـا تـامـااfنزلية في اجملتمعات التي ال تسمح لهن بالعمل خارج البيت البد أن يكون

كبيرا. ولقد وصف بعض الكتاب اجملتمـع األمـريـكـي احلـديـث بـأنـهتأثيـرا ألن الناس فيه يكتسبون قيمهم وأفكارهم المجتمع «أمومي التوجه» نظرا

طفولتهمK في الوقت الذي يقضى فيه اآلباء معظم وقتهم خارج اfنزل فـيعالم العمل «احلقيقي»

بيد أن قيام الرجال بأداء معظم األعمال الهامة في اجملتمع األمريكـيومجرد شعور النساء باضطرارهن إلى اfطالبة باfساواة مـع الـرجـال إ�ـايدل على أن هذا مجتمع أبوي أكثر منه مجتمعا أمومـيـا. وال يـزال مـعـظـمالناس يؤثرون إجناب الصبيان على البنات. والسواد األعظم (حتى النساء)يفضلون أن يكون الرجل هو رب األسرة وأن يتخذ هو أهم القرارات اخلاصةبعالم السياسة والعمل واجملتمع. وقد كان من عالئم اضطهاد النساء (منذعشرين عاما فحسب) ما استخلصه محررو اجملالت النسائية من أن السواد

مع ضحايا العمـى كامـالاألعظم من النساء يستطعن أن «يتوحـدن تـوحـداوالصمم والتشوه اجلسماني والـشـلـل اخملـي والـشـلـل والـسـرطـان أو اfـوتالوشيك» ولكنهن يجدن صعوبة في التوحد مع النساء الطموحـات الـالئـى

.(١١)يشغلن وظائف هامةفنحن نعـيـش إذن فـي مـجـتـمـع يـسـوده الـنـظـام األبـوي إلـى حـد كـبـيـر.

لقب آبائهن أو أزواجهنK وقـلـمـاواالنتساب لألب(إذ تتخذ النـسـاء عـمـومـاقامة في منزل األب) فجميعيتخذ الرجال اسم أمهاتهم أو زوجاتهم)K أو اإل

الزوجات تقريبا يعشن بالقرب من عمل الزوج إن لم يكن مع أسرته). هاتانالعادتان من إمارات سيطرة الذكر في اجملتمـع احلـديـث. وكـلـتـاهـمـا عـادة

42

الغرب والعالم

(*6) Joseph Campbell

قدCة جداK ولكنهما ليستا أزليت}.

بعض الشواهدكانت بعض مجتمعات الصيد-على األقل-قوم على نظام االنتساب لألموالنزول في ديارها. ولعل هذا كان من مستلزمـات الـصـيـدK ألن جـمـاعـاتالرجال دأبت على مطاردة احليوانات الوحشية ورSا كانت حيـاة الـنـسـاء-الالئي يجمعن األطعمة البرية-هي حلقة الوصل الوحيدة بالبـقـعـة الـثـابـتـة

والتراث اfتصل.ورSا �كن الصيادون من الذكور-في بعض احلاالت األخرى-أن يفرضواسيطرتهم حينما كانوا ينجحون في تزويد اجملتمع Sصدر الطعام. وتذهباألديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار اfدافعة عن حقـوق اfـرأة فـي كـتـابـهـااجلنس اآلخرK إلى أن أهم قيمة في مجتمع الصيد البد أنها كـانـت سـلـباحلياة)عمل الرجال(بدال من منحها)عمل النساء(ومعظم هـذه اجلـمـاعـاتمن الصيادين كونت منتديات ذكرية عدوانية (ال تختلف كثيرا عن اجلمعيات

دينية استبـعـدتأو احملافل اخلاصة احلديثة) خلقت معـتـقـدات وطـقـوسـاالنساء وسيطرت على اجملتمع كله. ولكن من الطريـف أن نـالحـظ إلـى أيKحتى في هذه احلالة Kمدى اتخذت هذه اجلمعيات السرية اخلاصة بالرجال

K وهـو بـاحـث فـي اfـيـثـولـوجـيـا(×٦). إذ يقول جوزيف كـامـبـلموقعا دفـاعـيـاالبدائية:

«من اfلفت للنظر كثرة عدد أجناس الصيد البدائية التي حتتفظ بقصةأسطورية عن عهد اشد من عهدهم بدائية كانت النساء يحتكـرن فـيـه فـنالسحر. وهذه الفكرة هي أساس أسطورة األصل اخلاصة Sحفل أو «هاين»

hain«(١٢) جمعية الرجال السرية ب} هنود أونا في تييرادل فوريجو.وCكن تلخيص أسطورة األصل اخلاصة بهنود قبـيـلـة أونـا فـي أقـصـىجنوب أمريكا اجلنوبية اfعزول على النحو التالي: في سالف األيام وقبل أنيصبغ الببغاء الغابات بألوانهK وحينما كانت اجلبال ال تزال عمالقة غافيةفي ذلك العهد السحيقK كان النساء ينفردن بأسرار السحر والعرافة. ولقداحتفظن Sحفلهن اخلاص; حيث كن يعلمن بناتهن كيف يستحضرن اfرض

43

الذكر واألنثى

Kا اشتدت سطوة النساءfوت. كان الرجال في هلع ال حول لهم وال قوة. وfواجتمع الرجال وأثخنوا في النساء حتى أبادوهن عن آخرهن. ولم يتركوا إالالصبايا الالئي لم يبدأن بعد دراسة السـحـر. وفـي حـ} انـتـظـروا الـبـنـاتليكبرن فيحللن محل زوجاتهمK تساءلوا كيف يحولون دون قيامهـن بـتـكـرار

طغيان أمهاتهن.فأنشأوا محفلهم اخلاص (الهاين) ليحل محل محفل النسـاءK وحـرمـواالنساء جميعا من iارسة نشاطاتهن السرية وإال تعرضن لعقوبة اإلعدام.

واثم اخترعوا جماعة جديدة من الشياط} قيل إنها �قت النساءK واتخذ.(١٣)هيئة هذه اخمللوقات لتخويف النساء واستبعادهن

ومن ب} قبائل الصيد األسترالية-وهي اليوم قبائل أبويـة فـي الـغـالـب-توجد دالئل على وجود عهد غابر كانت الغلبة فيه للنساء. وبعض اfواضعالتي يعدها السكان األصوليون من أكثر البقاع قداسة يقـولـون عـنـهـا إنـهـااfواقع التي كانت النساء Cارسن فيها السحر في األزمنة األسطوريةK وكلرسومات الكهوف تقريبا عن النساء. وحتى في بعض محافل الرجال التيتعد اليوم مركز قوة الذكر في اجملتمعK جند أن أكثر اآللهة أهمية معظمهامن النساءK كما أنهم يؤمنون بأن الكائن األسمى نفسه هو األرض األم. وإذاما دققنا النظر في جماعات الرجال السرية هذهK وهي التي تهيئ الصبيةللرجولةK فإنه سيتضح لنا إحساس الرجال بالدونيةK وهو إحساس يحاولون

أن يعوضوه في«أن اfوضوع األساسي لطقوس التكر�... هو أن النساء بفضل قدرتهنعلى إجناب األطفال قابضات على أسرار احلياةK أما دور الرجال فهو غيرمؤكد وغير محددK ورSا غير ضروري. وقد عثر الرجل بجهد مضن علىطريقة يعوض بها دونيته األساسية. إذ تزود بأدوات مختلفة غامضة حتدثضجةK وتستند قدرتها إلى أن شكلها الفعلي مجهول بالنسبة fن يسمـعـوناألصوات-أي أنه ال يجوز للنساء واألطفال أن يعرفوا أن هذه اآلالت هي فيالواقع من نبات البوص أو جذع شجرة مجوفة أو قطع من خشب مجوف أوأوتار-فينزعون الصبيان من النساء ويسمونـهـم بـالـنـقـصK ثـم يـقـومـون هـمأنفسهم بتحويلهم إلى رجال. إن النساء ينج± األطفال فـي الـواقـعK ولـكـن

. وتستـمـرالرجال وحدهم هم الذين يستطيعـون أن يـصـنـعـوا مـنـهـم رجـاال

44

الغرب والعالم

K وبدرجة أقل وضوحـاأشكال محاكاة اfيالد هذه في جالء شديـد أحـيـانـا أخرى. فالتمساح الذي Cثل جماعة الرجال يبتلـع أولـئـك الـفـتـيـانأحيانـا

الذين يتم تكريسهم ثم يولدون من جديد في الطرف اآلخرK وتقوم «أمهات»من الذكور بإيوائهم في أرحام (صناعية) وتغذيتهم بالدم وتسمينهم وإطعامهمباليد ورعايتهم. وتكمن وراء هذه الطقوس أسطورة تقول إن كل هذه الشعائرقد سرقت من النساء بشكل ماK وإن النساء كن يقتلن للحصول عليـهـا. إنالرجال يدينون برجولتهم إلى سرقة وإلى محاكاة مسرحـيـة صـامـتـهK وقـد

.(١٤)يتحول هذا كله إلى مجرد تراب ورماد لو عرفت مكوناته احلقيقية»Kا تتجه للشمـسi وتتجه جماعات الصيد أيضا إلى القمر عادة أكثرإذ يعتقد أن أرواح القمر تتسم بحاسة خاصة إزاء احتياجات األنثى (فمنالواضح أنها تتناغم مع إيقاعات اfرأة البيولوجية) لقد عول صيادوا العصراحلجري القد� على القمر من أجل ضوء اfساء ولقياس الزمنK ولم يروافيه مصدرا للنشاط اجلنسي عند اfرأة وحسب وإ�ا مصدرا لقوى الساحرة

الغامضة أيضا.ليس من احملتمل بطبيعة احلال أن كل اجملتمعات اإلنسانية قد تطورت

% من سكان عالم الـيـوم٠٬٠١Kبهذه الطريقة عينها. فإذا نظرنا إلى نـسـبـة Kوهي نسبة السكان الذين ال يزالون يعيشون حياة اجملتمع احلجري القد�سنجد أن أكثرهم ينتمون إلى مجتمعات أبـويـة الـنـسـب والـدار ولـيـس إلـىمجتمعات أمومية النسب أو الدار. والرأي القائل بأن القرائن الدالة عـلـىسيادة النظام األبوي تفوق القرائن الدينية التي تشير إلى وجود نظام أموميسابق هو من قبيل التخم} أساسا. ومن قبيل التخم} أيضا الرأي القائلبأن مجتمعات العصر احلجري القد� الراهنة قد سبقتها مجتمعات أموميةأخرىK كما توحي بهذا بعض األساطير. ويذهب بعض علماء األنثروبولوجيا

ألف سنة)١٢ أو ١٥إلى أنه مع تراجع العصر اجلليدي األخير (منذ حوالي حل محل عالم العصر احلجري القد� األولK الذي صاغ �اثـيـل فـيـنـوسKشبعة بروح الذكورة العدوانيةfزيد من رسوم الكهوف اfعالم أنتج ا Kالصغيرةوأن هذه الرسوم توحي بنظام أبوي محدد. غير أن هذه النظريات تشـجـععلى مزيد من الدراسة أكثر iا تشجع على استخالص نتـائـجK فـال تـزال

الشواهد محدودة.

45

الذكر واألنثى

(*7) V. Gordon Childe

نساني:الطبيعة اإلنسانية والتاريخ اإلإن كاريكاتير إنسان الكهفK القوي العضالتK الـذي يـجـذب امـرأة مـنشعرها إلى كهفه لتسليه ليلة تقضيها معهK إ�ا هو صورة تعبر عن حاجة

نسانية نشأت في العصر احلديث. ففي مثل مجتمعناCان بالطبيعة اإللإلالذي يتغير كل شيء فيه باستـمـرار نـتـوق إلـى تـكـويـن صـور عـن الـطـبـيـعـةاإلنسانية العامة التي ال تتغير. ولكن خبرتنا احلديـثـة بـالـتـغـيـر قـد دفـعـتعلماء األنثروبولوجيا إلى اكتشاف أن الناس يتصرفون في إطار «ثقافتهم»اخلاصةK وأن في العالم عددا كبيرا من الثقافات اخملتـلـفـةK وأن كـل شـيءيكاد يكون «طبيعيا» بالنسبة ألهل إحدى الثقافات في مكـان مـا فـي عـالـماfاضي أو احلاضـر. إن دراسـة اآلثـار (وهـي دراسـة غـذاهـا أيـضـا الـعـالـماحلديث اfتغير) قد علمتنا أن نرى أن ثمة تغيرات أساسيـة (بـل لـقـد قـالبعضهم إنها «مراحل» أساسية) طرأت على التاريخ اإلنساني. فإذا جمعـنـاKوالتغيرات األساسية في التجربـة اإلنـسـانـيـة Kب} اكتشاف أهمية الثقافةكان معنى ذلك اكتشافا للتغير الثقافي في التاريخ اإلنسانيK وهو تغير يصلمداه من حقبة إلى أخرىK إلى حد تبدو معه فكرة الطبيعة البشرية فـكـرةغير صحيحة. وهكذا بدأنا مائة السنة األخيرة أو حوالي ذلك نرى أن مـانريد أن نسميه «الطبيعة البشرية» ما هو إال �وذج ثقافي خاص من التاريخ

البشري. منذ خمس} عاما عن فكرة(×٧)ولقد عبر عالم اآلثار. جوردون تشايلد

عدم وجود طبيعة بشرية سوى تلك الطبائع التي صيغت تدريجيا في داخلنسانيK ح} جعل عنوان دراسته الـكـالسـيـكـيـة عـن احلـيـاة فـيالتـاريـخ اإل

العصر احلجري القد� والعصر احلجري احلديث واحلياة احلضرية األولى:نسان يصنع نفـسـه. والـيـوم Cـكـنـنـا أن نـقـولS Kـسـاعـدة حـس صـقـلـتـهاإل

الدراسات األخيرةK إن التاريخ هو سرد للطريقة التي يصوغ الرجال والنساءبها أنفسهمK مرة بعد مرة.

Kكما يشير تشايلد K«والعملية التي يصنع بها الرجال والنساء «طبائعهملها صلة وثيقة باألدوات التي يشكلونها لصياغة عواfـهـم. فـاألدوات تـغـيـرKوكل عالم جديـد يـتـطـلـب أنـاسـا مـخـتـلـفـ} ذوي Kصانعها كما تغير العالم

46

الغرب والعالم

قدرات مختلفة وإمكانات مختلفة. فالنظام التكنولوجي في العصر احلجريKالقد� لم يقتصر على خلق نظام اجتماعي يقوم على الصيد وجمع الثماربل ابتكر أيضا من اfعرفة العمـلـيـة ومـن األحـاسـيـس واخلـرافـات واألدواراجلنسيةK ما يسند حركة ذلك اجملتمع. ومعرفتنا بتلك الطبيعة البشرية فيالعصر احلجري القد� هي أداة من األدوات الكثيرة احلديثة الـتـي لـديـنـا

لتشكيل أنفسنا.طالع:ملزيد من اإل

إن أدبيات علم األنثروبولوجيا التي تناولت موضوع الرجال والنساء ثرية نقطة مناسبة نبدأ منهـا.Margaret Meadللغاية. وتعد جهود مرجريت مـيـد

Sex andلقد اعتمدنا على كتابها اجلنس واfزاج في ثالث مجتمعات بدائية

Temperament in Three Primitive Societiesكن للدارس أن يرجع أيضاC ولكن على أن يضع فـي حـسـبـانـه أنMale and Femaleإلى كتابها الـذكـر واألنـثـى

في كتابهاBetty Friedmanبعض اfنادين بتحرير اfرأة (مثل بيتي فريدمـان ) يجدون في هذا الكتاب وفي كتـابـاتThe Feminine Mystiqueالسر األنثوي

ميد اfتأخرة األخرى ميال إلى التحيز اجلنسي وتفضيل جنس على آخر.وكالسيكيات علم األنثروبولوجيا الـتـي أfـعـت إلـى وجـود نـظـام أمـومـيقد� قد أصبحت قدCةK وإن كانت ال تزال جديرة بالقراءة. فإذا لـم يـعـد

Mother حـق األم J.J. Bachofenالقارىء إلى الوراء إلـى كـتـاب ج.ج بـاخـوفـن

Right ـفـيـد أن يـلـقـى نـظـرة عـلـى١٨٦١ الـذي صـدر عـامfفقد يـكـون مـن ا KLewisاالفتراضات األولى التي قدمها العالم األمريكي لويس هنري مورجان

Henry Morgan ١٨٧٧ في كتابه اجملتمع القد�) Ancient Societyإن لم يكن K( قـد تـبـنـاهـا عـلـى األقـلK وكـذلــكMarxألهـمـيـتـهـا الـذاتـيـة فـألن مــاركــس

١٨٨٤K(The في كتابه أصل العائلة واfلكيـة اخلـاصـة والـدولـة (Engelsاجنلـز

Origin of the Family Private Property and the Stateومـن ثـم فـقـد أثــرت فــي أجيال من اfاركسي} والشيوعي}. أما األكثر أهـمـيـة وإمـتـاعـا فـهـو كـتـاب

أو اجمللد اخملتصرThe Mothers) ١٩٢٧ ا ألمهات (Robert Briffauttروبرت بريفو.Gordon Rattray Taylorللمجلدات الثالث الذي أعده جوردون راتراي تيلور

وبالنسبة للنقد احلديث لهذا االجتاه في مجال علم االنثروبولوجيا فيمكنLionel Tiger أو ليونيل تـيـجـر Robin Foxالرجوع الى كتابات روبـ} فـوكـس

47

الذكر واألنثى

. وهناك أيضا مجموعةMen in Groupsوخاصة كتابه األخير جماعات الرجال Michelleحديثة من اfقاالت التي كتبتها نساء جمعتها ميشيل زCباليـسـت

Zimbalistولـويــز ال مــفــيــر Louise Lampherــرأة والــثــقــافــةfحتـت عـنــوان ا KواجملتمعWoman Culture and Societyتعترض على فكرة وجود نظام أمومي

قد� لكنها تؤيد بصفة عامة وجهة نظر إجنلز واآلخرين في أن قوة النساءفي اجملتمع ترتبط عادة باسهاماتهن في العمل الهام للمجتمع. ويبدو لي أنهذا هو اfقصود بالنظام األمومي في مجتمع العصر احلجري احلديث.

ومن أفضل الدراسات عن العصر احلجري القد� في مجال علم اآلثار. ولكـنPre history ما قبل التـاريـخ Jacquetta Hawkesدراسة جاكيتا هـوكـس

باسـتـثـنـاء دراسـاتـهـا فـإن عـلـمـاء اآلثـار قـد أظـهـروا مـيـال أقـل مـن عـلـمـاءاألثروبولوجيا إلصدار التعميمات عن النشاط اجلنسي في العصر احلجريالقد�K ويرجع هذا إلى أن طبيعة «األدلة اfؤكدة» التي لديهم ليست حاسمة.وعلى أي حال فإن اfتخصص} في اجملاالت األخرى قد قدموا تفسيراتمهمة الكتشافات علماء اآلثار التي ترتبط بدراستنا عن الرجال والـنـسـاء.

مثال فـي دراسـتـه احلـاضـر األبـدي:S. Gideon فمؤرخ الـفـن س. جـيـديـون لـديـه الـكـثـيـر مـنThe Eternal Present: The Beginnings of Artبـدايـات الـفـن

األشياء اfثيرة ليقوله عن رسوم الكهوف في العصر احلجري القد� ورموزJosephاخلصوبة و�اثيل فينوس الصغيرة. وباfثل جند كتاب جوزيف كامبل

Campbell ـيـثـولـوجـيـا الـبـدائـيـةfأقنعة الرب: ا The Masks of God: Primitive

Mythologyمليئا باآلراء الثاقبة بصدد الرموز اجلنسية في العصر احلجريالقد�.

ولسوء احلظ جند أن معظم األدبيات اجلديدة النابعة من حركة حتريراfرأة إما أنها ال تعني بالتاريخ أو تهتم بالتاريخ احلـديـث وحـسـبK وهـنـاك

. ففي معظـم كـتـبEvelyn Reedاستثناء واحد بارز هـو مـؤلـف ايـفـلـ} ريـد التاريخ عن اfرأة ال يخصص أصحابها سوى فصل استهاللي عن الـعـصـراحلجري القد�. وهناك إستثناءات ذات طابع إشكالي أكثر من كونها دراساتتاريخيةK إذ يصعب على كثير من الرجال تصديق ما جـاء فـي كـتـاب ايـلـ}

وكتابThe Descent of Women التسلسل الهابط للمرأة Elaine Morganمورجان.The First Sex اجلـنـس األول Elizabeth Gould Davisاليزابيث جـولـد دافـيـز

48

الغرب والعالم

Sex اجلنس والسلطة عبر الـتـاريـخ Riencourtكما سيسبب كتاب رينـكـورت

and Power in history ـكـن أن يـجـدCحنق معظم النساء بالدرجة نفسهـا. و السياسـات Kate Millett القار� في الفصول التمهيدية لكتاب كيت ميلـلـيـت

اfدينة عبـر Lewis Mumford وكتاب لويس iـفـورد Sexual Politics اجلنسيـةمناقشات ثاقبة مختصرة للمشكلة. وقد ظهرت The City in History التاريخ

دراسة واعمدة وإضافة جديدة إلى أدبيات القضية أثناء كتابة هذا الكتابThe History تاريخ النشاط اجلنسي Michael Foucault وهي كتاب ميشيل فوكوه

of Sexuality الذي صدر في عدة مجلدات.

49

الذكر واألنثى

الهوامش

(1) Betty Roszak and Theodore Roszak,Masculine/ Feminine (New York: Harper & row, 1969,P..vii

(2) Margaret Mead, Sex and Temperament inThree Primitive Socities (New York: Dell, 1950, 1963),P.50.

(3) Ibid., P. 25.

(4) Ibid., P.259.

(5) Ibid

(6) Ibid

(7) Ibid.p.239

(8) Ibid., P. 243.

(9) Ibid., P. 16

(10) Betty Frieden,The feminine Mystique (New York: Dell. 46. 1970), P 46

(11) Joseph Campbell, The Masks of God: Primitive Mythology (New York: Viking Press, 1959)

P.315

(12) Ibid. PP. 315- 316.

(13) Mead, Male and Female(New York: Morrow, 1949) PP 102- 103.

Ibidاfرجع السابق

50

الغرب والعالم

51

النظام األمومي والنظام األبوي

النظام األمومي والنظاماألبوي

ة الزراعية والقوة احلضريةالقولم تقتصر احلركات الـنـسـائـيـةK فـي الـسـنـواتاألخيرة على تنبيهنـا إلـى تـلـك األ�ـاط اجلـنـسـيـةالثابتةK لشخصيتي الذكر واألنثىK التي تفرض علىالصبية والفتياتK بل أبصرتنا أيضا بعدم التكافـؤفي السلطة ب} الرجال والنساء في مجتمع البالغ}.إن الـسـلـطـة االقـتـصـاديـة فـي الـعـمـلK والـســلــطــةالسياسية في اfناصب العامةK والسلطة االجتماعيةداخل اجلماعة يتولى الرجال مقاليدها بنسبة تفوق

ما يسمح به عددهم.فمتى تكون «عالم الرجل» هذا? وهل أتى علـىالنساء ح} من الدهر كن فيه زعيمات اجملتمع? أمأن مقاليد األمور كانت دائما بأيدي الرجال? ومنأين استمد الرجال سلطانهم? و إذا كنا نعيش فـيكنف النظام األبويK فمتى كانت نشأته? وما أسبابه

التاريخية?هـذه بـعـض األسـئـلـة الـتـي نـطـرحـهـا فــي هــذاKوإن كنا ال نستطيع أن جنيب عليها جميعا Kالفصلولكننا مع هذا نسـتـطـيـع أن نـضـعـهـا فـي سـيـاقـهـا

2

52

الغرب والعالم

التاريخي ثم نطرح بعض النظريات.وتذهب إحدى نظرياتنا إلى أن النظام األبويK كما نعرفهK لم يكن موجودامنذ بدء الزمانK وأن مجتمـع الـعـصـر احلـجـري الـقـد� إذا كـان أبـويـا فـيالغالب فإن مجتمع العصر احلجري احلديث لم يكن كذلك. وهذا ال يعنيأن مجتمع العصر احلجري احلديث كان مجتمعا أمومياK وإن كنا سنفحصبعض الشواهد الدالة على ذلك الزعم. والظاهر أن مجتمع العصر احلجرياحلديث قد عكس-على األقل-بعض مؤسسـات الـعـصـر احلـجـري األبـويـة.وعلى أية حالK فإن مجتمع العصر احلجري احلديث قد زود النساء فيمـايبدو Sكانة ومركز هام} في كثير من النواحي. والنظرية التـي تـعـتـنـقـهـاتذهب إلى أن نظامنا األبوي احلديث قـد بـدأ تـطـوره فـي أعـقـاب الـعـصـراحلجري احلديث في أول حـضـارات مـدن الـعـالـم الـقـد�. وسـوف نـسـوق

بعض البراه} على هذه النظريةK ثم نترك للدارس أمر البت فيها.

املزارعون والرعاة: العصر احلجري احلديث:إن ابتكار الزراعة هو أهم طفرة في التاريخ البشري (حتى مائتي العاماألخيرة على األقل)وهي من ابتكار النساء. واألرجح أنها رفعت مقام النساء

في كثير من اجملتمعات التي حدثت فيها.فقد كان الصيادون وجامعو الثمار في العصر احلجري القد� مضطرينإلى االعتماد على ما قد تزودهم به الطبيعة. فلما اخترعت الزراعة خطاالبشر أول خطواتهم اجلبارة نحو السيطرة على الطبيعة. فالنساء اللواتيكن يقض} أيامهن في التقاط الفواكه واجلوز واحلبوب البرية تعلمن غرسبعض هذه «البذور» في التربة وبذلك حصلن على أكـثـر iـا قـد جتـود بـهالطبيعة. وحوالي ذلك الوقت الذي تعلمت فيه النساء «تدج}» عالم النباتالطبيعي والتحكم فيه تعلم الرجال وسائل استئناس احليـوانـات والـتـحـكـم

فيها والسيطرة عليها بعد أن كانوا يطاردونها من قبل.وقع هذان احلادثان-تدج} النباتات واسـتـئـنـاس احلـيـوانـات-ألول مـرةمنذ نحو عشرة آالف سنة في أنحاء من الشرق األوسط والهند والص}K ثم

ق. م. حتى١٥٠٠في أنحاء أخرى من العالم بعد ذلك بقليل. وما وافى عام % من سكان العالم يعيشون في هـذا الـعـصـر الـنـيـولـيـثـيK أي حـيـاة٩٩كـان

53

النظام األمومي والنظام األبوي

العصر احلجري احلديث.وكان ابتكار الزراعة في اfراحل األولى من احلقبة النيوليثي أخطر مناستئناس احليوان. واألرجح أن النساء لم يتراجعن إلى مـرتـبـة ثـانـويـة فـياجملمع إال بعد أن �كن الرجال «مستعين} بحيواناتهم» من القيام Sعظم

األعمال الزراعية.

عمل النساء:لقد كانت النساء هن الالئى ابتكرن الزراعة. فقد كن-نظـرا لـقـيـامـهـنبجمع الثمار-أكثر شعورا بعالم النباتاتK فعرفن السائغ من السامK وأسهـلKالنباتات زراعة وأوفرها غلة. ولقد كن مزودات أيضا بأقدم أداة إنسانيـةوهي عصا احلفرK التي Cكن استخدامها في غـرس الـبـذور ثـم فـي جـنـياحملصول واجتثاث اجلذور. كذلك كان العمل في الزراعة يشبه في رتابتـهجمع الثمارK فهو ثابت ومنتظم ومرهق تنقصه اجلوانب اfثيرةK ولكنه كـان

كفيال بتوفي الرزق الضروري اfضمون. فهي أول اقتصـاد:لقد خلقت الزراعة أول شكل من «اقتصـاد الـوفـرة»

يتوفر فيه للناس من الطعام ما يفيض عن حاجتهم. وما كان هذا ليتحقـقلوال االدخار والتدبير. ولعله في اfراحل األولى كان على النساء أن يحتفظنببعض احلبوب والبذور التي يجمعنها بعيدا عن متناول الرجال. ومن اجلديربالذكر أن ابتكار الفالحة قد استلزم أول توفير وتخطيط منـظـم مـن أجـلاfستقبل. وقد بلغ من جناحه أن تضاعفت كثافة الـسـكـان Sـضـي الـوقـت

مئات اfرات عما كانت عليه أيام جمع الثمار.غير أن ثورة العصر احلجـري احلـديـث كـانـت أكـثـر مـن مـجـرد ابـتـكـارالفالحةK فقد كانت نظاما شامال من االختراعات اfتداخـلـة الـتـي جـعـلـتالفالحة على مستوى عال من الكفاءةK وزادت من منـافـع احملـصـول; وكـان

جناز علىمعظم هذا من عمل النساء. ويلخص أحد اfتخصـصـ} هـذا اإلالنحو التالي:

«كـان عـلـى اجلـنـس الـبـشـريK أو بـاألحـرى اجلـنـس الـنـسـويK إلحـداثاالنقالب النيوليثيK أال يكتشف أوفق النباتات وأنسب الوسـائـل لـزراعـتـهـاوحسبK وإ�ا كان عليـه اخـتـراع اآلالت حلـرث الـتـربـة وحـصـد احملـصـول

54

الغرب والعالم

وتخزينه وحتويله إلى أقوات... فكان جمع القوت الـكـافـي فـي كـل حـصـادوتخزينهK إلى أن يحل أوان نضج احملصول الالحقK وهو iا يستغرق حوالفي اfعتادK من أركان االقتصاد النيوليثي األساسية. ولـهـذا كـانـت االهـراءوالصوامع من القسمات البارزة... و يحتاج القمح والشعير إلى فصلهما عنالقشور بالدرس والتذرية ثم طحنهما دقيقاK وكان الطحن يتم بـاسـتـخـدام

جراء اfعتاد كان عن طريق الرحى (عن طريق حك احلـبـوبهاونK لكن اإلبشدة بيد حجرية على هيئة رغيف مستدير أو على هيئـة قـطـعـة الـسـجـق

الطويلة أو على قطعة من احلجر على شكل فنجان أو سرح.).K فإن حتويلهوإذا كان حتويل الدقيق إلى عصيدة أو رقاق أمرا ميسورا

fام بالكيمياء احليوية-استخدام اخلميرة-كما ا يتطلبإلى خبز يحتاج إلى اإلتنورا مشيدا على نحو خاص. وفوق ذلك كله فإن العملية الكيميائية احليويةنفسها اfستخدمة في صناعة اخلبز جلعله ينتفخK قد فتحت للبشرية عاfا

.)١(جديدا من السحر الرائع»ومصدر السحر الذي يشير إليه اfؤلف هو اختراع اfرأة للجعة والنبيذواخلمر التي صنعتها بإضافة اخلميرة إلى عصير احلبوب والعنـب-وال بـدأن اfشروبات الروحية كانت برهانا مقنعا عل القوة السحرية جلهود اfرأةفي مجال الزراعة. وكان أقدم الكهنة والكاهنات في أرض الرافدين ومصرالقدCة يشربونها ويقدمونها قراب} إلى أربابهم ورباتهم لزيادة حتـكـمـهـمفي احملصوالت. وكان اكتشاف اfشروبات الروحية اfتخمرة يعني اخـتـراع

األواني الدائمة والتي كانت تتسم بشيء من التركيب في الغالب. ق.م.أصبحت اfسكرات بالنسبة fعظم اجملتـمـعـات٣٠٠٠«وبحلول عـام

في أوربا وآسيا الصغرى من الضرورياتK وظـهـر طـاقـم كـامـل مـن الـدنـانوالزقاق والكاسات والصفايات والشفاطات الستخدامها في االحتفاالت.وقد كانت جميع اخملترعات واالكتشافات اآلنفـة... مـن عـمـل الـنـسـاء.وCكننا أن ننسب إلى هذا اجلنس كيمياء صناعة األوانـي وفـيـزيـاء الـغـزل

.)٢(وميكانيك ألنول وعلم نبات الكتان والقطن»

األدوات وارتباطها بالنشاط اجلنسي:Kفوردi ذهب لويسLewis Mumfordدينة في التاريخ الى انfفي كتابه ا

55

النظام األمومي والنظام األبوي

خصوصية اجلنس ظاهرة في اختراعات النساء فـي أرجـاء قـريـة الـعـصـراحلجري احلديث:

«كان وجود اfرأة ماثال في كل جانب من جوانب القريـة: فـلـم يـقـتـصـرعلى أبنية القرية اfادية بأسوجتها الواقيةK التي لم يبرز التحليل النـفـسـيمعانيها الرمزية األخرى إال مؤخرا; فإن األمان والتفهم واإلحاطة واحلضانة

انب منكلها من وظائف اfرأةK ويجري التعبير عنها تعبيرا بنائيا في كل ججوانب القريةK في البيت والفرنK وفي احلظيرة وصندوق اfؤنK في الصهريج

الغاللK ثم انتقل منها إلى اfدينة في السور واخلندقوفي اخملزن وصومعهوكل الساحات الداخلية للمباني-من الردهة إلـى الـرواق اfـنـعـزل. فـالـبـيـتوالقريةK بل اfدينة ذاتهاK في نهاية اfطافK صورة مـكـبـرة مـن اfـرأة. وإذاكان هذا يبدو من شطحات التحليل النـفـسـي فـإن قـدمـاء اfـصـريـ} عـلـىاستعداد fساندة وجهة النـظـر هـذه; «فـالـبـيـت»K أو «اfـديـنـة» فـي الـكـتـابـةالتصويرية اfصرية (الهيروغليفية) يرمز لهما باألمK فيؤكد بذلك التشـابـهب} وظيفة احلضانة الفردية واجلماعية. وتتفق مع هذا األبنية األكثر بدائية-البيوت واحلجرات واfقابر-وهي عـادة مـسـتـديـرة الـشـكـل: أشـبـه بـالـكـأساfستديرة األصلية التي تصفها األسطورة اليونانية بأنها صيغت على هيئة

.)٣(ثدي أفروديت»وليس هناك ما يحتم علينـا أن نـتـفـق مـع مـا ذهـب إلـيـه فـرويـد مـن أن«اخلصائص التشريحية قدر»K وال حتى أن نتقبل التسليم بـالـنـتـيـجـة الـتـيخلص إليها iفورد وهي أن «األمان والتـفـهـم واإلحـاطـة واحلـضـانـة» هـيالوظائف الطبيعية للمرأة. فإن النساء كالرجال يدركن أنفـسـهـن بـالـدرجـةاألولى في إطار خصائصـهـن اجلـنـسـيـة أو فـي أي إطـار آخـر (كـالـعـمـل أواfواهب اخلاصة أو الشخصية أو القومية أو ما إلى ذلك).ولكن األرجح أنالنساء والرجال منذ خمسة آالف سنة أو عشرة آالف سنة أو خمس عشرةألف سنة كانوا يرون أنفسهم وغيرهم في إطـار اجلـنـس فـي احملـل األول.فقد خلف لنا فنانو العصر احلجـري الـقـد� �ـاثـيـل نـسـاء ذوات أعـضـاءجنسية مبالغ فيها ثم تركوا لناK في مـرحـلـة الحـقـةK رسـوم الـكـهـوف وبـهـا

ناهدة تـدلاألشخاص على هيئة عصى لهم أعضاء تذكير مـنـتـصـبـة وأثـدبوضوح على اجلنس دون سواه. وإذا كنا األن نفضـل عـاfـا ال يـتـحـدد فـيـه

56

الغرب والعالم

االنسان بجنسه قبل كل شيءK فإن اfرأة في العصر احلجري احلديـث لـميتح لها هذا اخليار. وبالتالي فقد-يكون تفسير iفورد القائم على التحليل

دراك اfتعمق لذلـكالنفسي حلقبة العصر احلجري احلديث أقدر على اإلالعصر منه لعصرنا فيما لو طبق عليه.

وإذا كانت مرجريت ميد قد ذكرتنا بأنه ال يوجد ما يدعـى بـاfـقـومـات«الطبيعية» في شخصيات الرجال والنساء فإن iفورد يذكرنا بأن معظـم

الناس كانوا يعتقدون بوجود مثل هذه اfقومات.وقد أطلق علماء اآلثار على هذا العصر اسم النيوليثي (Sعنى احلجرياجلديد) ليس بسبب ما الحظوه من أن بقايا آثار هذه اfستوطنات الزراعيةاألولى تشتمل على أول أمارات بشرية من خزف ونسيج وقرى ومبان دائمةفحسبK وإ�ا الشتمالها أيضا على أدوات حجرية مصقولة صقال iتازاأكثر إرهافا من أدوات الشعـوب الـبـالـيـولـيـثـيـة (Sـعـنـى احلـجـري الـقـد�)اfشطوفة. وهو أمر لم يقع بالصدفة; ألن احلجر اfصقول أجنح في اقتالعاألشجار لتطوير الفالحة في اfناطق اخلصبة (أي تلك اfنـاطـق اخلـصـبـة

لدرجةK تسمح بأن تنبت فيها األشجار).ويرى iفورد أنه حتى اختراع األدوات احلجرية اfصقولةK وهو السمةKهو إما اختراع نسائي أو إجناز ثقافة اصطبغت Kميزة لالنقالب النيوليثيfافي ظل سيطرة النساءK بصبغة أنثوية. وfا كانت أطروحته مدهشة بقدر ما

هي غريبةK فاألجدر أن نتركه يسرد لنا اfسألة:«مع القرية ظهرت تكنولوجيا جديدة; فاألسلحة ذات الطابع الرجـولـيواألدوات التي كان يستخدمها الرجل في الصيد وقطع األحجـارK كـالـرمـحوالقوس واfطرقة والفأس والسك}K قد أضـيـفـت إلـيـهـا أدوات ذات أصـلأنثوي تتسم أشكالها بطراز العصر احلجري احلديث: بل إن نعومة أدوات

ن أن تعد ذات طابع أنثوي....الطحنK بعكس األشكال اfشطوفةC Kكوقد كانت األدوات واألسلحة في العصر احلجري القد�K كأدوات القطعوالشق واحلفر والنقب والفصل والتـقـطـيـعK تـتـفـق مـع احلـركـات واجلـهـودالعضلية. وتتطلب استخدام القوة بسرعة ومن بعدK وباختصار كانت األدواتتتطلب كل وجوه النشاط العدواني. فعظـام الـذكـر وعـضـالتـه تـتـحـكـم فـيإسهاماته التقنيةK في ح} جند أن أعضاء اfـرأة الـداخـلـيـة الـلـيـنـة مـنـاط

57

النظام األمومي والنظام األبوي

(*) Tiamat (*1) Ninhursag (*2) Demeter

حياتها: أما ذراعاها وساقاها فهي تـفـيـد فـي احلـركـة عـلـى نـحـو أقـل مـنفائدتها في القبض والضم.

كان العصر احلجري احلديث و ظـل سـيـادة اfـرأة هـو عـصـر األوعـيـة: الطـاسـات والـقـدور والـدنـانعصـر األوانـي احلـجـريـة والـفـخـاريـةK عـصـر

والصناديق ومخازن احلبوب والصوامع واfنازلK وأخيرا وليس آخراK األواني.)٤(اجلمعية الضخمة مثل الترع والقرى»

أفول اآللهةوالشواهد كثيرة على أن العصر احلجري احلديث غلبت عليه الثقـافـةالنسويةK بل واخلصائص اجلنسية النسوية. مثال ذلك أن ربات األمومة أو«فينوس» في العصر احلجري القد�K الالئي أخنى عليهن الدهر في الفترةاfتأخرة من العمر احلجري القد� قد رجعن بكل قوة مع اكتشاف الزراعة.Kولقد كانت النساء في العصر احلجري احلديث هن بال شك مصدر احلياةليس فقط الستحواذهن على خصائص القمر السحرية التي مكنـتـهـن مـنوالدة البشرK بل الكتسابهن السيطرة على األرض والشمس حتى يستطعـنإقامة أود احلياة التي قدمنها. فالنساء في العصر احلجـري احلـديـث كـنيبدون وكأنهن مصدر اخلصب كله ومصدر احلياة كلها. وكانت اآللهة الكبرىعند الشعوب الزراعيةK أي ربات األرضK هن اللـواتـي يـحـيـ} األرض بـعـدموتها فتزهر وتثمرK وهكذا اتخذ القدماء في بالد ما ب} النهرين الربـات

وعشتارK واتخـذ قـدمـاء الـهـنـود مـن(×١) ونـنـــهـــور سـاج(×)األمهات تـيـامـاتالهندوس الربة كالي كما اتخذ اfصريون ايزيس.

وكثيرا ما عبدت في مجتمعات العصر احلـجـري احلـديـث األم األرضواالبنة الشابة العذراء (كانت كلمة «عذراء» في تلك األيام تعني «اfستقلة»أكثر iا تعني «التي لم تلد» أو «الغريزة»).والصورة اليونانية القدCة لهذا

األم الكبرى لألرضK وبرسيفوني االبنة التـي تـبـعـث(×٢)النمط هي دCيـتـرحية من اfوتى في كل ربيع مثمر. وقد كانت األم األرضK دCيتر أو ملـيـنـا

حسب األسطورة اليونانية «ربة األرض واليم».«سمراء في لون الثرى... تلـبـس ثـيـاب احلـداد ورأس حـصـان... (وقـد

58

الغرب والعالم

اعتصمت بأحد الكهوف(... تبكي حزنا على غياب ابنتها برسيفوني. فتهلكثمار األرضK× وتهدد اجملاعة الـنـاسK ثـم تـقـع اfـعـجـزة. فـإذا بـرب الـعـالـمالسفلي يرد برسيفوتي إلى مستقرها علـى األرض مـقـابـل وعـد مـنـهـا بـأنتوافيه كل عام. وبعودتها تكتسي األرض حلة سندسية وتنمو الثمرات ويطيب

.)٥(العيش» وما زالت خصوبة األرض في اجملتمعات الزراعية إلى يومنا هذا مقترنة

بخصوبة النساء.فينبغي أن تقوم النساء بزراعة (القمح) ألن النساء يعرفن كيف ينجـ±األطفال. والزوجة العاقر... مؤذية للحديقة. وهناك كثير من العادات تربطالعروسة بالقمحK فهم يذرونها بالقمح أو يكللونها به. وفي نيوزيلندة تطبقعلى اfرأة احلبلى نفس الشعائر التي تنطبق على من تقوم بزراعة رقعة مناألرض بالبطاطا. ويعتقد كثير من الشعوب أن البذور تصيب حظا أوفر من

.)٦(النمو إذا تولت غرسها امرأة حبلى» وفي مجتمعات أخرى يقتصر جـنـي احملـصـول عـلـى الـنـسـاء الـعـاريـاتالصدورK زعما منهم أن هذا سوف يضمن غلة أوفر. وما زلنا بطبيعة احلالننثر األرز على العرائس جريا على عادة أجدادنا الذين كانوا يعتـقـدون أن

هذا يكفل اخلصوبة.

العصر احلجري احلديث: هل هو عصر أمومي؟هل كان العصر احلجري احلديث عصر النظام األمومي? وهل ترجمتاألهمية االقتصادية والدينية للنساء في العصر احلجري احلديث إلى سلطانسياسي على العشيرة أو القبيلة أو القرية? هذا ما ال نعلمه. وخيـر إجـابـةهي ترجيح أن هذه األهمية قد عبرت عـن نـفـسـهـا فـي اجملـال الـسـيـاسـيبشكل جزئي في بعض مجتمعات العصر احلجري احلديثK وان كان القولبأن النظام كان أموميا ينطوي بوجه عامK على مبالغة في سلطان اfرأة في

العصر احلجري احلديث.وال بد من أن يكون اجتماع عناصر مختلفة مثل قيام النساء باألعـمـالالهامةK. وعبادة الربات بوصفهن أهم اآللهـةK وسـيـادة مـؤسـسـات الـقـرابـةاfبنية على أمومية النسب والدارK قد أضعف شوكة الرجل في عالم العمر

59

النظام األمومي والنظام األبوي

(*3) Navho

احلجري احلديث إلى حد كبير. وقد كان هذا اfزيج على سبيل اfثال قائما ففي ح} كان رجال النافاهو يعملون بالفالحةK كانت(×٣)ب} هنود النافاهو

ج البسط والبطاط}K وهي مهنة أربحKنساؤهم يعملن بصناعة الفخار ونسب»K وهابة القمح اخليرة ومنجـبـةـلوأهم معبودات النافاهو هي «اfـرأة الـق

البطل} التوءم}. وكان مجتمع النافاهو أمومي النسب والدارK وكانت األسماءواfمتلكات تخص اfرأة وتورث من األم إلى ابنتهاK وكان الرجال ينزلون علىعشائر زوجاتهم كاألغراب وقد اضمحلت سلطة الرجال في مثل هذا اجملتمعاضمحالال شديدا. وتستطيع أن تتخيل مدى ارتباك احلكـومـة األمـيـركـيـةواfسئول} العسكري} في القرن التاسع عشـر الـذيـن كـانـوا يـصـرون عـلـىعقد اتفاقيات إقليمية مع رجال النـافـاهـوK وإذا بـهـم يـكـتـشـفـون إن هـؤالء

الرجال ليس لهم مثل هذه السلطة.إن أمومية النسب والدار ازدادتا دون شك في عالـم الـعـصـر احلـجـرياحلديث. ولكن اجملتمعات األبوية النسب والدار قد بدأت تفـوق مـثـل هـذهاجملتمعات األمومية عدداK أو هذا ما يوحي به-على أقل تقدير-توزيع أ�اطالنسب في العالم اfعاصر. فب} القبائل التي تعتـمـد عـلـى الـصـيـد وجـمـع

% منها تنتسب لألب٢٠K% منها تنتسب لألم و ١٠الثمار في عالم اليوم جند ومعظم النسبة الباقية مختلطة النسب. وب} القبائل الزراعية الـيـوم جنـد

% منها تنسب لألب? والنسبة الباقية٤٠ %منها تنسب لألم وحوالي ٢٥حوالي تنسب للطرف}. وال �لك وسيلة نعلم عن طريقها كيفية �ثيل قبائل اليومجملتمعات العصر احلجري احلديثK ولكنها توحي بأن ما استحدثـتـه ثـورةالعصر احلجري القد� واحلجري احلديث في أ�اط العمـل والـديـن كـان

أكبر iا استحدثته في أ�اط النسب والتوريث.ثم إن اقتران نظام االنتساب لـألم ونـزول الـزوج فـي قـبـيـلـة الـزوجـة اليتحول إلى سلطان نسوي دائماK كما أشار إلى ذلـك الـذيـن انـتـقـدوا فـكـرةالنظام األمومي في العصر احلجري احلديث. فالـرجـال فـيـمـا يـنـيـف عـنKـنـازلـهـاS نصف القبائل التي يسود فيهـا نـظـام االنـتـسـاب لـألم واإلقـامـة

ية»K ح} يبنونيحتفظون بسلطتهم عن طريق نظام «اfصاهرة من أهل القربنساء نصف القرية الثاني)وليس قرية غريبة.(فيحـتـفـظـون بـنـفـوذهـم فـي

60

الغرب والعالم

نشاطات القرية برمتها رغم نزوحهم إلى نصفها اآلخر عنـد الـزواج. وفـيهذه اجملتمعات تظل احليازة للنساء ولكن يغلب أن يديرها الرجال. وعلـىكل حال فقد كان الفصل ب} السلطة االقتصادية والسلطة السياسية متاحابشكل أكبر في اجملتمعات القدCة التي أخذت بالتقسيم اجلنسـي لـلـعـمـل

ولم تقم كبير وزن للملكية.ومع أخذ هذه التحفظات في احلسبان فإننا «أميل إلـى االعـتـقـاد» مـعجاكيتا هوكسK وهي من علماء العصر احلجري احلديثK بأن أقدم اجملتمعاتفي ذلك العصرK طوال امتدادها في الزمان واfكان قد بـوأت اfـرأة أعـلـى

. فال بد أن ابتكاريه العمل النسائيK وهيبة)٧(مكانة أدركتها طوال التاريخ اfعبودات اإلناث ورهبة سحر النساءK قد منحهـن شـأن وحـفـاوة جـاوزا مـا

صر احلجري القد�. فالعصر احلجري احلديثK حتى لو لمأدركته في العيقم على النظام األموميK كانت أهمية اfرأة فيه كبيرةK حتى ليمكننا القولأن ظهور حكمنا األبوي كان مـع أفـول الـعـصـر احلـجـري احلـديـث أو بـزوغ

حضارة اfدن.

مكانة الرجل:لم نذكر إلى اآلن إال النزر اليسير عن إسهام الذكر في العصر احلجرياحلديث. لقد قام الرجال باستئناس احليوان الوحشيK إال أن هذا الـعـمـلكان أقل خطرا من قيام اfرأة باستئناس النبات. فقد كانت الزراعة اfصدراألساسي لألقواتK فهي مصدر منتظم Cكن التعويل عليه. ثم أنها أفضت(في أول األمر على األقل) إلى ابتكارات أخرى أكـثـر أهـمـيـة كـاجلـمـاعـاتاfترابطة اfستقرة أو القرى واfساكن الدائمة واألدوات اfصقولةK واألوعيةواfشروبات الروحية والنسيجK وصناعة الفخار... الخ. ثم إن الثورة الزراعيةالتي قامت بها النساء أحدثت أخطر التحوالت في اجملمع والثقـافـةK مـثـلديانات اخلصوبة التي تدور حول اfرأةK وزيادة النظم االجتماعية القائـمـةعلى نسق االنتساب لألمK ونزول الزوج على أهل زوجتهK واهتمام عام بالوالدةوالنمو واحلضانة والنكاح والتوالد-أي (ما كان يرى آنذاك على أنه) وظيفة

ق. م.٨٠٠٠اfرأة. وفي ح} كانت النساء يرتق} بفن زراعة العزق بعد عام في أودية أنهار الشرق األوسط وشمال أفريقيا وفي أنحاء من الهند والص}

61

النظام األمومي والنظام األبوي

بعد هذا بقليلK كان الرجال يزدادون دراية باحلـيـوان الـوحـشـي. فـقـد بـدأالرجال يتعلمون تدريجيا أن يحتفظوا باحليوانات في قـطـعـان يـسـيـطـرونعليهاK ومن ثم Cكنها أن تتكاثر وهي أسيـرة اfـرعـى. وهـكـذا جنـحـوا فـي

ق. م.٣٠٠٠ترويض األغنام واfـاعـز واألبـقـار واخلـيـل والـثـيـران. ومـع عـام كانت هذه القطعان تقدم ما يكفي من الطعام لسد حاجة جماعات سكانيةأكثر كثافة iا كان في القرى القدCة في العصر احلجري احلديث. وأخطرمن هذا اهتداء الرجال إلى تسخير بعض هذه الدواب (وال سيما الثيران)في حرث حقول شاسعةK في ح} كانت النساء من قبل يزرعن بقعا صغيرة

باليد.وما إن اخترع الرجال احملراث الثقيلK وربطوا عاfهم احليوانـي بـعـالـم

ق. م.)٣٠٠٠Kالفالحة النسائي (وكالهما حدث في أقـدم األمـاكـن حـوالـي Kا حتتاج إليهS دن وتزويدهاfحتى صار في طوق البشر ألول مرة إنشاء اوقد كانت هذه اfدن أشد اصطباغا بـالـنـظـام األبـويK مـن اصـطـبـاغ قـرى

العصر احلجري احلديث بالنظام األمومي.

احملراث الثقيل واملدن: أصول نظامنا األبوي:اشتملت أولى قرى العصر احلجري احلديث على نسـب مـتـسـاويـة مـنالرجال والنساء. ونظرا الضطـالع الـنـسـاء بـاألعـمـال الـرئـيـسـيـة فـي هـذهالتجمعاتK فقد كان دور الرجال ثانويا في الغالـب. ومـن جـهـة أخـرى كـانالرعاة في اfراعى احمليطة بهذه القرى األولى يعيشون بطريقة جد مختلفة.Kتلكات ثابتة إال فيما ندرi ولم تكن لهم Kفهم أكثر ترحاال من أهل القرىKكما كانت حياتهم أشق وأقسى. كانت النساء بطبيعة احلال يعشن مع الرعاةولكن في هذه اجلماعات البدوية كانت النساء تـابـعـات. إن ثـلـثـي الـقـبـائـل

% تنسب لألم.١٠الرعوية اليوم تقوم على نظام االنتساب لألبK وأقل من واfدن ثمرة اقتران هات} الثقافت} اfتـبـايـنـتـ} فـي الـعـصـر احلـجـري

احلديث:اجلماعات الزراعية اfتأثرة بالروح األنثوية; جحافل الرعاة التي هيمنعليها الذكور. وكانت ثقافة اfزرعة أكثر ابتكارا وأشد تـعـقـيـدا مـن ثـقـافـةاfرعى. بل إن حياة الرعاة لم تتقدم كثيرا عن ثقافة الصيادين في العصر

62

الغرب والعالم

احلجري القد�. فلما اضطرت هاتان الثقافتـان إلـى الـتـعـايـش فـي سـالمواحتدتا إلى درجة أصبح من اfمكن معها نقل الرعاة ومواشيهم إلى الفالحة-وهي اfصدر احلقيقي fكانة النساء-أصبح الرجال هم الـذيـن يـتـولـون فـي

العادة مقاليد األمور.ولم يكن من اfمكن أن تصبح القرى مدنا إال بعد أن بلغت الزراعة درجةمن الكفاية تفي بسد حاجة أعداد كثيفة من السكان ال يضطر معظمهم إلىقضاء حياتهم في احلقول. ومن هنا فليس من قبيـل اfـصـادفـات أن يـعـثـراألثريون على بقايا أول احملاريث الثقيلة التي جترها الثيران جنبا إلى جنبمع أطالل اfدن األولى في كثير من اfناطق التـي نـشـأت فـيـهـا أولـى قـرى

العصر احلجري احلديثK ولكن بعد حوالي خمسة آالف سنة.وقد استغرق اقتران هات} الثقافت} آالفا من السن} في هذه اfناطقاألولى. ولكنه لم يقع في أنحاء أخرى من العالم إال منذ عهـد قـريـب. وإنأفالم رعاة البقر األمريكية لتذكرنا بأن الصراع ب} اfزارع} والرعاة كانأحد اfوضوعات الرئيسية في تاريـخـنـا إلـى مـائـة سـنـة خـلـت. ولـعـل هـذهالعملية لم تختلف كثيرا في بالد ما ب} النهرين أو مصر أو الص} أو الهندقدCا. ونرجح أنهK في بعض احلاالتK قامت جماعـات صـغـيـرة مـن رعـاةالقطعان باالستيالء على اجلماعات الـزراعـيـة اfـتـنـاثـرة بـالـقـوةK واهـتـدتبالصدفة إلى طريقة الستخدام الدواب في حـرث احلـقـول حـرثـا أكـفـأ. وKساعدة زوجاتهم في الفـالحـةS-يجوز أن األزواج قاموا-في حاالت أخرىفبدءوا بتمهيد األرض فحسبK ثم قاموا فيما بـعـد بـجـر احملـراث الـثـقـيـلالذي ال تقوى نساؤهم على جرهK وأخيرا استخدموا الثيران أو اخليـل فـياألعمال الشاقة. وفي هذه احلاالت الثالث � إدماج الرجال وأسلوب احلياة

القد�K بحيث أصبحوا جزءا ال يتجزأ من اجلماعات الزراعية.رىكالذ

آباء السماءKفرضوا أنفسهم في اجملتمع Kوإذ توسع الرجال في القيام باألعمال الهامة

لوا الثقافة على صورتهمK فقـام األربـابوهيمنوا على اfدن اfتناميـةK وعـدمقام الربات.بل إن اآللهة اfقترنة بالزراعة صارت مذكرةK كأوزوريـس فـيمصر وباخوس في اليونان على سبيل اfثال. بل لقد حلت اآللهة محل ربات

63

النظام األمومي والنظام األبوي

(*4) Atum

األرض األم كمصدر للحياة والتكاثر. وأصبح أب الـسـمـاء فـي أهـمـيـة األماألرض. وغالبا ما أصبح الناس يتصورون اfطر في الغالب على أنـه اfـنـىاخلصب ألب السماء. وتنكر إحدى األساطير اfصرية دور األنثى في احلمل

خلق الكون من جسـمـه(×٤)�اماK إذ كانوا يعتقدون أن اإللـه اfـصـري آتـومباالستمناء. وكما أشار iفورد: «لم يـكـن فـي اسـتـطـاعـة الـذكـر اfـتـبـاهـياستخدام كلمات أكثر وضوحا كي يدلل على أن النساء لم تعد لهن أهمـيـة

(٨)في النظام اجلديد للحياة»

ظالل حدود املدينةاكتشف iفورد أن اfدينة نفسها هي النتاج اfميز للخصائص اجلنسيةالذكوريةK كما كانت القرية في العصر احلجري احلديث تعكس اخلصائص

اجلنسية األنثوية.«كثير من الرموز والتجريدات الذكـريـة قـد أصـبـحـت اآلن جـلـيـة: إنـهـاتتبدى في تكرار اخلط اfستقيم واfستطيلK والتصميم الـهـنـدسـي احملـددبوضوحK والبرج اfنتصبK واfسلة القـائـمـةK وأخـيـرا فـي بـواكـيـر الـريـاضـةوالفلك... ورSا كان iا له داللته إن اfدن األولى تبدو دائرية الشكل إلىحد كبيرK في ح} إن قمر احلاكـم واحلـرم اfـقـدس كـانـا مـحـصـوريـن فـي

مستطيل.Kقاسية في الغالب Kصارمة فعالة Kدينة أساليب جديدةfلقد حلت في ابل وحتى صاديةK محل العادات القدCة والنظام اليومي ذي اإليقاع اله}.

ل»وانفصل العمل نفسه عن أوجه النشاط األخرىK وإنحبس فـي «يـوم عـمكله جهد ال يتوقف حتت إشراف رئيس العمل... إن الصراع والهيمنة والتسيدوالغزو هي احملاور اجلديدة: وليس احلماية واحلصافةK واجلـلـد والـصـبـرالذي تتسم به القرية. والقرية اfنـعـزلـة-بـل حـتـى آالف الـقـرى اfـنـعـزلـة-التستطيع أن جتاري كل هذا التوسع الوافر الشامل لقوة اfدن. فقـد قـامـت

.)٩(إطارا لوظائف محدودة واالهتمامات أمومية عضوية خالصة» نعم إن اخلطوط اfستقيمةK واألشكال اfستطيلة تغلب على اfدينةK كماأن األشكال اfستديرة من سمات الـقـرى األولـى. وهـي قـد ال تـكـون دائـمـا

64

الغرب والعالم

رموزا لألنوثة والذكورة على التعاقبK إال أنه يظل احتماال خالبا. ونستطيعأن نالحظ تغيرا iاثال في رمزية اليم} واليسار. لقد كان الناس في كلمكان تقريبا يعدون اجلانب األCن مذكرا واجلانب األيسر مؤنثاK ولكن لميحدث أن آمنوا بأن اليسار أقل مرتبة من اليم} إال مع نشأة اfدن األولى.

Sinisterفسكان مدينة روما قد أعطوا معنى احلديث عن اليسار بوصفه نحسا

. وعلىSinisterألنه مشتق من كلمة التينية تعني الشر واليسار في آن واحدعكس هذا فإن كهنة ايزيسK الربة األم الكبرى اfصرية في العصر احلجرياحلديثK وكاهناتها اعتادوا أن يحمـلـوا أيـادي يـسـرى كـبـيـرة مـنـحـوتـة فـياحتفاالتهم الدينية. وباfثل فإن األختام الدينيةK التي يبدو أن سكان بالد ماب} النهرين في العصر احلجري احلديث قد عبدوهاK حتمل نقوشا لألرباب

وألياد يسرى.

آباء املدنكان ظهور الرموز الذكرية انعكاسا لسلطان الرجال. وiا لـه داللـة أناfدن قد أعطتنا ملوكنا األوائل. لقد كان رجال هذه اfدن في احلقيقة همالذين خلقوا النظام اfلكي. أما القرى في العصـر احلـجـري احلـديـث فـلـميكن لها قادة ثابتون دائمون. وبالرغم من أنه في حالة الظروف الطارئة كانيع} بعض الرجال أو ينتخبون لفترة مؤقتة لشغل اfـنـاصـب الـكـبـرىK فـإن

هذه القرى كانت عادة دCقراطية للغاية.ويبدو أن تأثير احملراث لم يقتصر على �ك} اfلوك من الـتـحـكـم فـياfدنK بل امتد تأثيره إلى نطاق األسرةK حيث فرض اآلباء هيمنتهم. فثقافاتاحملراث في عاfنا اfعاصرK والتي لم تنشئ أي مدنK ال تزال ثقافات أبويةKإذ إن ثلثي هذه الثقافات أبوية النسب Kالنسب شأنها شأن الثقافات الرعوية

% فقط أمومية النسبK وهكذا كان تطور نظام االنتساب لألب١٠وأقل من ق. م. يعني٣٠٠٠واالستقرار في داره في ثقافات اfدن التي ظهرت بعد عام

تدهورا ملحوظا في مكانة اfرأة.والسبب في هذه التغيرات يرجع إلى أن الرجـال قـد اقـتـلـعـوا األسـاسKرأة. فلم يقتصر األمر على جعل الفالحة عمل الرجالfكانة اf االقتصاديبل � أيضا حرمان النساء مـن دورهـن فـي احلـرف األخـرى. فـقـد اخـتـرع

65

النظام األمومي والنظام األبوي

رجال اfدن مثال عجلة كانت وسيلة أكثر فاعلية لصناعة القدورK وأصبحواKهم (في جميع احلاالت تقريبا) صناع الفخار واخلزف. وقد حصل الرجالعالوة على ذلكK عـلـى مـزيـد مـن أدوات احلـرف ذات الـفـائـدة والـفـاعـلـيـةالكبيرة)مثل عجلة صناعة اخلزف(مكنتهم من أن ينتقلوا من مكان إلى آخروأن يبدءوا حياتهم األسرية حيثما شاءوا. فهم لم يعودوا مقيدين بعـشـيـرةاfرأةK ومن ثم كانوا قادرين على جعل األسرة (ال العشيرة(األساس اجلديد

للتنظيم االجتماعي.وفي الوقت الذي زاد فيه الرجال من سلطانهم على النساء بدءوا يسنون

ضفاء الشرعية عليه. ومن أقدم اfدوناتالقوان} لتأكيد هذا السلطان وإلالقانونية التي وصلت إلينا من هذه اfدن األولى قوان} اfلك حمورابي ملك

ق.١٧٥٠بابل في بالد ما ب} النهرين. فقانون حمورابي-الذي دون حوالـي م. والذي هو عبارة عن مركب من العادات القدCة واألفكار اجلديدة-يظهرلنا كيف كانت أقدم اfدن تعامل النساء. فالنساءK حسب تلك القوان}K كنKلء حريـتـهS لك أن يطلق زوجتهC ملكا ألزواجهن أو آبائهن. إذ إن الزوجأو-إذا شاء-يعدها أمة له. والقانون يرغمها-بحـكـم كـونـهـا أمـة-عـلـى طـاعـةزوجها. وال يقتصر األمر على هذاK بل يرغمهـا أيـضـا عـلـى طـاعـة أي مـناخلدم األحرار في اfنزل. كما Cلك الزوج أن يقدم زوجته لدائنيه ضمانالديونه. ولم يكن القانون ليقتضيه أن يسدد ديونهK طاfا كانت زوجته ضمانالهذه الديون fدة حددت بثالث سنوات في بداية األمرK ثم امتدت إلى أجلغير مسمى. وقد أصبح نظام االستدانة بضمـانـة الـزوجـة نـظـامـا مـربـحـاللغاية في جتارة الرقيق. وكانت احلرائر يواجهن اfوت عقابا على خيانتهنلبعولتهنK بينما كان في وسع األزواج iارسة الزنا دون التعرض ألي عقاب.

النظام األبوي الرومانيKـة والـيـونـانCاثلة كثيرة في مصـر الـقـدi ارساتi وعلى ح} جندفاألرجح أن الرومان هم الذين طوروا نظام الدولة األبوية تطويرا كامال. إنالقانون الروماني مهم بالنسبة لناK ألنه قدم الصيغة النهائية لألسرة األبويةالتي ال نزال نعيش فيهاK وألن قوان} تلك األسرة)أكثر من قوان} أي مجتمع

آخر(أصبحت هي أساس قوانيننا.

66

الغرب والعالم

كان أهالي إيطاليا األقدمون في العصر احلجري احلديث يعيشون فيعشائر كانت تقوم في العادة على النظام األمومي. فلما غدت مدينة روماإمبراطورية متسعة األرجاء صارت األسرة التي يهيمن عليـهـا األب أسـاس

عند الرومان تعني أمالك األب ومقتنياتهFamiliaاحلياة الرومانية. وكلمة والناس الذين يسوسهم. فهي لم تكن مجرد نظام للعالقات البيولوجية كما

في العشيرة في العصر احلجري احلديث. إذ إن الشخصK في هذه احلالةK كان عضوا في عشيرة خاصة بسببصلة الرحم باآلخرينK الذين كانوا في العادة نساء. أما األسرة الرومـانـيـةفكانت تشمل أغرابا قرر الرجل أن يتبناهمK واخلدم الذين يستخدمهمK بلوحتى اfمتلكات التي Cلكها. وال مناص من أن نصل إلى نتيجة مفادها أناآلباء الرومان كانوا كثيرا ما ينظرون إلى زوجاتـهـم وبـنـاتـهـم نـظـرهـم إلـىKبعض هذه األمالك. لقد كانت النساء دائما حتت هيمنة آبائهن أو أزواجهنوهي هيمنة كانت مطلقة في العادة. ولقد أطلق اإلمبراطور قسطنط} في

ق احلياة واfوت». لقد كانأواخر القرن الرابع اfيالدي على هذا الوضع «حاألب هو الكيان الشرعي الوحيد لألسـرةK وكـل أعـضـاء األسـرة يـسـتـنـدون

هويتهم منه.وعلى هذا النحو تخلت اfرأة الرومانية عن الدور الذي لعبته في العصراحلجري احلديث رمزا للعشيرة. فهي لم تقتصر على أن تنظر إلى نفسهابوصفها ملكا للرجلK وإ�ا أصبح هذا الوضع هو هويتها الوحيدة. فلم يكنلها اسم مفرد ومستقلK إذ كانت تعرف ببساطة بـالـصـيـغـة األنـثـويـة السـمأسرتها (أو أبوها (فابنة جوليو كلوديوس على سبيل اfثال تسـمـى كـلـوديـا;وكذلك كل أخواتها. وقد كانت عبارات عامة مثل» كلوديا الكبرى أو «كلودياالرابعة» تستخدم للتمييز بينهن. ولكنهن لم يحملن أسمـاء شـخـصـيـة مـثـلأسمائنا. ولم يكن هذا مجرد شىء نسى الرجال الرومان أن يطوروهK فهـملم يكونوا أغبياءK إذ كانوا يسمون كل ابن من أبنائهم باسم مفرد منـفـصـلCيزهK بجانب اسم األسرة. ومن الواضح أن الـنـسـاء الـرومـانـيـات لـم يـكـن

Kتلكات أبيهـن األسـريـةi أمامهن إال أن يرين أنفسهن جزءا منFamiliaال .)١٠(Cكن �ييزه عن اجلوانب األخرى

لقد هيمن الرجال بشكل يكاد يكون مطلقا على مجتمعات اfدن األولى

67

النظام األمومي والنظام األبوي

الالتينية SعنىCivitas (مدنية) و Civilization(×٥) االشارة هنا الى التداخل االشتقاقي ب} كلمتي «مدينة»K وهو تداخل له نظير في اللغة العربية ب} «اfدنية» و «اfدنية» (اfترجم).

»باfعنى العلمي وليس باfعنى األخالقي). وقد حرمت(×٥)(أو على«اfدنيات النساء في الص} والهندK كما في الشرق األدنى واليونان وروماK من اfكانةالتي �تعن بها في مجتمع العصر احلجري احلديثK وانحطت مكانتهن إلىمرتبة اfمتلكات أو اخلدم أو اfعاونات. وشواهد القبور التي كان يشيـدهـابعض األزواج الرومان الورع} لزوجاتهم تظهر كيف كان الرجال ينـظـرونإليهن: «كانت حتب زوجها... أجنبت ولدين... لـقـد حـافـظـت عـلـى الـبـيـت

. هكذا كانت تذكر النساء.)١١(ورعته ونسجت الصوف»

النظم األبوية الشرقيةأضافت احلضارات القدCة بضعة أنظمة حتط من وضع اfرأةK وهـينظم كانتK على األقلK غير شائعة في الغرب بالدرجة نفسها. ولكن الهدف

من مثل هذه النظم كان واحدا ال يتغير.فكان اfنتظر من النساء في احلضارة الهندية القدCة أن ينتحرن عند

). ولم تكتف ديانة الهند (الهندوكية) باتـخـاذSuteeوفاة أزواجهن (السوتـى موقف متسامح من هذه العادةK بل ظلت تشجعها حتى عهد قريب.

في الهند القدCة كان يعامل النساء على أنهن<Purdahونظام «احلر� iتلكات ألزواجهن. وقد أدى هذا النظام إلى عزل النساء في غرف خانقةال يدخلها هواءK غرف مزدحمةK مؤثثة تأثيثا بـسـيـطـا فـي مـؤخـرة اfـنـزل.وكانت النوافذ تغلق Sصاريع حتى ال يتمكن رجل آخر من رؤية الزوجة أوالبنات الهنديات اfغلق عليهن. وقد أصبحت مخاوف الرجال (من أن يتعرضإلغراء العالم اخلارجي) جزءا من التكوين الداخلي لهؤالء النسوةK لدرجـة

أن اfرأة الهندية كانت تفاخر بأن ع} الشمس لم تطلع على وجهها.والنساء الصينيات كن أيضا حبيسات مساكنهنK ولكن بدال من إغـالقاألبواب وجد الصينيون حال أكثر خياالK إذ شـلـوا أقـدام الـبـنـات بـربـطـهـنبإحكام في سن مبكرةK فيلف شريط طويل من القماش حول القدم بحيث التظهر األطرافK ثم تقيد القدم بكاملها بإحكـام فـتـتـوقـف الـدورة الـدمـويـةويتأخر النمو. والنتيجة هي كتلة من اللحم اfشوه والعظام اfكـسـورة. كـان

68

الغرب والعالم

الصينيون والصينيات على السواء يعدونها مـن األشـيـاء اجلـمـيـلـةK وكـانـتاألقدام اfقيدة بشكل جيد في حجم حذاء طوله ثالث بوصات يشار إليهابإعجاب على أنها «زنابق ذهبية «رائعة. واfبدأ الكامن هنا يكاد يـكـون هـونفسه اfبدأ الكامن في أسلوب األحذية العالية الكعوب في الغرب: فاfفروضفيها أنها تؤكد جاذبية النساء اجلنسية. لكن الصيني} كانوا أحيانا صرحاءللغاية في إفصاحهم عن السبب احلقيقي لهذه العادة. وكما جاء في الكتاب

الكالسيكي للبنات وهو كتاب صيني شهير:«أعرفت السببلربط قدميك?

خشية أن يسهل عليك.)١٢(االنطالق في الطريق»

إن ربط القدم من التقالـيـد الـنـادرة الـتـي لـم يـأخـذهـا الـيـابـانـيـون عـنالصيني}K غير أن الياباني} كانوا يفرضون على زوجاتهم غالبـا نـوعـا مـن

قامة اجلبرية» في غرف اfنزل اخللفية. والكلمة اليابانية اfهذبة اfعبرة«اإل تعني «ربة اخلدر». وكان خدم الزوج الياباني يشغلونOkusamaعن الزوجة

الغرف األماميةK األمر الذي كان يحجب الزوجة �اما عن الشارع والعالماخلارجي.

هذه العادات األبوية اfتطرفة في الشرق-االنتحار (السوتي) وحياة احلر�وتقييد القدم وأشكال العزلة األخرى-تطورت للغاية في اfدن وب} الطبقاتالعليا. فالطبقات العليا األبوية (التي أعطتنا مدننا األولى والتي استفادتللغاية من حياة اfدينة �اما) حاولت أن تفرض أفكارها إزاء النسـاء عـلـىالفالح} الفقراء في الريفK ولكن دون جدوى. لقد كان ثمة حاجة ماسـةألن تقوم الفالحات Sساعدة أزواجهن في احلقول حتى بعد أن تولى الرجالإدارة الزراعة. ولم يكن في مقدور فقراء الفالح} عزل زوجاتهم في الغرفاخللفية أو جعلهن عاجزات عن السير ورفع األثقال. وقد استفادت الفالحاتفي حاالت كثيرة من النشاط الزائد الذي كانت تسمح به احلياة الريـفـيـة.ولكن من اجلائز أن بعض زوجات الفالح} الفقراء كن يحسدن أخواتـهـنفي اfدينة على العجز اfؤلم الذي ألم بهن. فقد رأى أحد اfبشرين اجلزويتفي الص}K قبل الثورة الشيوعيةK فالحا فقيرا يقود محراثا جتـره زوجـتـه

69

النظام األمومي والنظام األبوي

خرن بعدمع حمار. وباfثل سمع زائر أمريكي لليابان عن فتيات ريفيات سالزواج في جر احملراث مع ثور. هذا هو معنى احملراث الثقيل واfدن بالنسبة

للنساء-اfعنى اfباشر واألقل رمزية.

ملزيد من االطالعتتسم الدراسات التي تتناول دور النساء في العصر احلجري احلـديـثواجملتمع احلضري اfبكر بأنها أكثر ثراء من تلك التي ظهرت عن اجملتمع«البدائي» أو مجتمع العصر احلجري القد�. وال يزال كتاب لويس iفورد

Lewis Mumford دينة عبر التاريخfا The City in Historyدراسة رائدة تفسيرية Josephباهرة. كما ال يزال القارىء يجد متعة كبرى في كتب جوزيف كامبل

Campbell «ـيـثـولـوجـيـا الـشـرقـيـةfأقنعة الله: و«أقنعة الله» «ا The Masks of

God: Oriental Mythologyوأقنعـة الـل :Kيثولوجيـا الـغـربـيـةfه: اThe Masks of

God Occidental Mythology أما كتاب جاكيـتـا هـوكـس .Jacquetta Hawkesما فهو أيضا كتاب شامل بوصفه مدخال جملتمع العصرPre historyقبل التاريخ

احلجري احلديث والعصر احلجري القد�. ودراستها عن كريت القـدCـة لها قيمة خاصة لفهم دور اfرأة في حضـارةDawn of the Godsفجر اآللهة

رSا تعد أكثر احلضارات القدCة اقترابا من النظام األمومي. ويعد كتاب وكتاب سـيـر جـيـمـسThe Mothers األمهـات Robert Briffoultروبرت بـريـفـو

الذي خلـصـهThe Golden Bough الغـصـن الـذهـبـي Sir James Frazerفـريـزر The New بعنوان الغصن الذهبـي اجلـديـد Theodor Gasterتيودور جاسـتـرم

Golden Boughمجموعت} مدهشت} للمعلومات األنثروبولوجية من الـقـرن ثارةاfاضي. وهذا التراث األنثروبولوجي أصبح موضع مزيد من اجلدل واإلJungفي التفسيرات السيكولوجية احلدسية التي تستند إلى نظريات يوجن

في اخلمسينيات وخاصة كتـابErich Neumannوالتي قدمها إريك نيومـان The Great Mother: An Analysis of theاألم الكبرى: حتليل النمـوذخ األصـلـي

archetype وكتاب احلب والنفس: التطور النفسي لألنثـى Amor and Psyche:

The Psychic development of the feminineكن أن جند نظرية نيومان عنCو سيكولوجية األنثى الفريدة (على الرغم iا جاء في كتاب مرجـريـت مـيـد

Margaret Mead زاجfاجلنس وا Sex and Temperamentفي شكل أكثر رزانة (

70

الغرب والعالم

The Second اجلنس اآلخـرSimon de Beauvoirفي كتاب سيمون دي بـوفـوار

Sexوكتاب أمـوري دي ريـنـكـور Amaury de Riencourtاجلنس والسـلـطـة عـبـر وتعد دراسات علم اآلثار عن هذه الفترةSex and power in Historyالتاريخ

أكثر نفعا على وجه العموم من الدراسات األنثروبولوجية. ولقد ذكرنـا مـنقبل كتاب جاكيتا هوكس مدخال عاما. ولكن لعل أفضل دراسة آلثار األرباب

األخيـر أربـاب أوربـاMaria Gimbutasوالربات هو كتاب مـاريـا جـيـمـبـوتـاس ق. م.: األساطـيـر واخلـرافـات٣٥ ٠ ق. م. إلـى ٧٠٠٠القـدCـة وربـاتـهـا مـن

:.The Gods and Goddesses of Old Europe 7000 to 3500 B.Cوصــور الــعــبــادة

Myths, Legends and Cult Imagesوهو دراسة رائعة عن منطقة البلقان الكبرى من كريت الى اfنطقة التي أصبحت جـنـوب روسـيـا (فـي الـشـرق) وجـنـوب

عصر ما قبلJ. Boardmanإيطاليا (في الغرب)س. ويعد كتاب ج. بوردمان Pre-classical, From Crete to Archiacالكالسيكية من كريت إلى اليونان القدCة

Creece وكذلك كتاب ستيوارت بيجوت Kمن الدراسات القيمة األخرى Stuart

PiggottKةCة من بدايات الزراعة إلى العصور الكالسيكية القدCأوربا القد Ancient Europe, From the Beginnings Agriculture to Classical Antiquityوكتاب

وكتابMycenaeans and Minoans اfيسنيون واfينويون L.R. Palmarل. ر. باfر كاتال هيووك: مدينة من العـصـر احلـجـريJames Mellartجيمس مـيـالرت

.Catal Huyuk: a Neolithic Town in anatoliaاحلديث في األناضولكما أن هناك أيضا عددا من الدراسات اfمتازة عن الدين في العصور

Mircea EliadeالقدCة له عالقة مباشرة Sوضوعنـا. فـكـتـب مـرسـيـا الـيـاد

اfتعددة مليئة باfعلومات واإلCاءات التي تساعد على الفهم الشامل للدينKا يعد كتابه األرباب والربات وأساطير اخللقSة. ورCفي العصور القدGods

Goddesses, and Myths of Creationداخل. أما الكتب األكثر حتدياfهو أيسر ا Images والصور والرمـوز Birth and Rebirthللفكر فهي اfيالد وعودة اfيالد

and Symbols وأســــطــــورة الــــعـــــود األبـــــدي The Myth of the Eternal Rerurn

وأ�ـاط فـيMyths, Dreams and Mysteriesواألسـاطـيـر واألحـالم واألسـرار . وتشمل الدراسات عن رباتPatterns in comparative Religionالدين اfقارن

J.N. Goldstreamاليونان القدCة وعالم البلقان كتـاب ج. ن. جـولـد سـتـر�

The ربة الع} O.G.S. Crawford وكتاب أو. ج. اس. كروفوردDemeterدCيتر

71

النظام األمومي والنظام األبوي

Eye Goddessوكتـاب و. ك. س. جـوثـريW. K.C. Guthrieالـديـن واألسـطـورة وكتـاب ايـسـتـر هـاردجنThe Religion and Myth of the Greeksعـنـد األغـريـق

Ester Harding ة واحلديثةCرأة في العصور القدfأسرار ا Woman‘s Mysteries:

Ancieng and Modernوكتـاب جـ} أهـاريـسـون الـكـالسـيـكـي Jane E. Harison:

Themis: A study of theثيميس دراسة في األصول اإلجماعية للدين اليوناني

Social Origins of Greek Religionوكـتـاب راشـيـل ج. لـيـفـي ل Rachel G. Levy

Religiousالتصورات الدينية في العصر احلجري وتأثيرها على الفكر األوربي

Conceptions of the Stone Age and Their Influence upon European Thought

وكتاب دونـالـدThe Gate of Hornوقد نشر أصال حتت عنوان بـوابـة الـقـرن Myths أساطير كريت واو ربا قبل العصر الهلينى Donald Mackenzieماكنزي

of Grete and pre-Hellenic Europe وكتاب جرانت شويرمان Grant Showerman

Donald وكتاب دونالدج سوبل The Great Mother of the Godsأم األرباب الكبرى

J. Sobol األمازونات في األساطير اليونانية Amazons of Greek Mythology.وأخيرا Cكن الرجوع لدراسة رائعة عن ظهور النظام اfـلـكـي واألربـاب

Henri Frankfortالذكور في احلضارات األولى هي كتاب هنري فرانـكـفـورت

.Kingship and the Godsالنظام اfلكي واألرباب

72

الغرب والعالم

الهوامش

1- V.G. Childe, What Happend in History (Baltimore : Penguin, 1942) P.65.

2- Ibid., P.66.

3- Lews Mumford, The City in History (New York: Harcourt Brace Jovanoviche, 1961), pp. 12-13.

4- Ibid., pp. 15-16.

5- Traian Stoianovich, A Study in Balkan Civilization (New York - Knopf, 1967), pp.7 -8.

6- Robert Briffault, The Mothers, abridged by C.R. Taylor (London: Allen & Unwin, 1927, 1959)

p.363.

7- Jacquetta Hawkes., Prehistory (New York: New American Library, 1963), pp.356-357.

8- Mumford, op.cit., p.25.

ووجهة النظر اfطروحة هنا مستمد معظمها من كتابات iفورد.9- Ibid., p.27.

10- M.I.Finley. “The Silent Women of Rome”, Horizons 7, no.1 (Winter 1965):

pp. 56-64. Reprinted in M.I. Finely, Aspects of Antiquity (New York: Viking, 1969) as ch. 10.

11- Horizons, p.64.

12- Trans. Isaac T. Headland, Home Life in China (New York: Macmillan, 1914), p.77. Quoted in

David and Vera Mace, Marriage: East & West (New York: Doubleday, 1959, 1960), p.70

73

دن وا�دنيةا�

دن واملدنيةامل

التمدين والطبقةال تقع لفظتا «مدينة» و«حضارة» موقعا حسنـا

نسـان احلـديـثK فـاfـدن تـبـدو أمـاكـنفـي سـمـع اإليستحـيـل الـسـكـن فـيـهـا إال ألهـل الـثـراء. وصـارتاألحياء الشعبـيـة احلـضـريـة سـجـنـا لـلـفـقـراء. أمـاأعضاء الطبقة الوسطى فيعملون من أجل احلصولK(ـديـنــةfبـعـيـدا عـن ا) عـلـى مـنـزل فـي الـضـواحـيويلتمـس الـشـبـاب اخلـالص فـي الـريـف. ولـم تـعـداحلضارة مثال أعلى; إذ جتلب هـذه لـألذهـان اآلنصور التكنولوجيا الضيقة األفـق والـطـبـقـة الـعـلـيـا

بعنجهيتها.Kويـتـصـدى هـذا الـفـصـل لـبـعـض تـلـك األفـكـارمدافعا عن اfدن واfـدنـيـةK مـع الـتـسـلـيـم بـاألصـلاالشتقاقي اfشترك ب} الكلـمـتـ}. فـهـذا الـفـصـليذهب إلى أن حياة اfدينة كانت هي اfسئولة إلـىحد كبير عن إجنازات اfدنيةK وأن تلك اإلجنازاترفعت من شأن احلياة اإلنسانية على نـحـو هـائـل.

اfدن مـصـابـة بـالـفـروقوال ينـكـر هـذا الـفـصـل أنما ال ينكر أن اfدنية كانت إلى حد كبيرالطبقيةK ك

من نتاج مصالح الطبقة العليا. بل إن هذا الفصلليذهب-في احلقيقة-إلى أن الفروق الـطـبـقـيـة مـن

3

74

الغرب والعالم

األسباب اجلذرية التي أدت إلى عملية التحضر والتمدن.ولكن بحثنا أصول اfدنية القدCة يزعم أن من إجنازات الطبقات احلاكمةأنها جعلت من نفسها زائدة عن احلاجةK وبذلك أتاحت لنا جميعا إمكانات

جديدة.

قبل ظهور املدنلم تبدأ «الثورة احلضرية» إال منذ خمسة آالف سنةK ولم تنتشر انتشاراكبيرا إال في القرون القليلة األخيرة. وقد عاش معظم سكان العـالـم آالفالسن} قبل تطور اfدن في مستوطنات قروية صغيرةK بل إن بعض الشعوبعاشت حياة تعتمد على الصيد وجمع الطعام لفترة طويلة سبقت الـعـصـر

احلجري احلديث (قبل الرعي والزراعة).وقد سلمنا آنفا Sا ارتآه لويس iفورد من أن اfدن األولى كانت ثمرة

الذي يسوده الرجلK ومجتمع القرية من«زواج» ب} اجملتمع الرعوي الفظالفالح}K حيث حتتل اfرأة مركز الصدارة. والبد أن هذا الزواج كـان فـي

بعض األحيان زواج مصلحةK إال أنه كان في معظم األحوال زواج إكراه.فالقوة وحدها هي التي تفسر السبب الذي حدا ببعض القرى الزراعيةاfكتفية بنفسها إلى تقد� قدر أكبر من محاصيلها لتدعيم الطبقات اجلديدةمن اfتخصص}-الرؤساء واfـلـوك والـكـهـنـة واجلـنـود واfـوظـفـ} اإلداريـ}واحلرفي}-iن ال يزرعون طعامهم بأنفسهم. ومن العسير أن نـتـصـور أن

اعات الـزرعالقروي} اfزارع} احملافظ} الذين تتفـق إيـقـاعـاتـهـم مـع إيـقواحلصاد األزلية قد عزموا فجأة على أن تصير حياتـهـم الـطـبـيـعـيـة أشـد

تعقيدا.ولئن لم تكن حياة القرية هي العصر الذهبي على نحو ما تصور الشعراءاfتأخر ون الذين عاشوا في اfـدنK فـقـد كـانـت أكـثـر دعـة وسـواسـيـة iـاأصبحت عليه حياة اfدينة. وقد كتب أحـد شـعـراء سـومـر يـقـول إنـه حـتـىالذئب واألسد ال خطر منهما في القرية. وهو قول يبدو بعيد االحتمال إذا

Sعناه احلرفي. ولكن الظاهر أن احلرب اfنظمة لم يكن لها وجود فيذخأحياة القرية. وكثيرا ما وضع كتاب الدراما القدماء آراءهم في السالم على

ألسنة القروي}:

75

دن وا�دنيةا�

أتلفت إلى حقول فتهفو نفسي إلى السالم...وأبغض اfدنية الضنينة اجلشعةK وأتوق

Kوقريتي الهنية Kإلى الريف الرضيوطني ذي القلب اfفتوحK وطني الطيبK الذي ال يصح في:

«ابتع لي فحما! ابتع لي زيتا! ابتع لي خال! فهو Cنحني كـل شـيء دونمقابلK ويقضي حاجاتي غير ضن}K أما تلك اfدنية اfدوية بكلمة «فلنشتري»

.)١(فهأنا أودعهافالقرية ال تعبئ اجليوش وال حتشد اجلندK كما أنـهـا ال حتـمـل الـنـاسعلى شراء اfتاع. ذلك ألن النقود والثراء والبيع والسوق من ابتكارات اfدينة.أما القرية فتعنى باحتياجات أعضائها دون مقابلK ألن كل قروي يساهم فيمخزون اجلماعة. والقرويون في العادة ال يحـاولـون جتـنـب الـعـمـل الن كـلمنهم يجني حصة متساوية من عوائد العمل. فالعمل هو احلـيـاة-حـيـاة كـلإنسان. ولم يكن في طاقة الـقـرويـ} أن يـتـيـحـوا لـبـعـضـهـم احـتـكـار مـوارداجلماعة. فلم تقم طبقات أو أسر مترفة تعيش على كد اآلخرين. ويبدو أنالنزوع إلى الفراغ واجلدة أو االمتياز اخلاص أو اfلكية اخلاصة أو احلصولعلى مزيد من السلطة لم يكن له وجود. وكانت محاصيل القـريـة مـتـنـوعـةKوافية. صحيح أنه لم يكن هناك فائض كاف يسمح بوجود حكام ومديرينال يعملون بالزراعةK يشكلون طبقة خاصة-لكن كان هناك في الغالب فائض

غراء الرعاة البدوي}. ورSا كان النجاح الشديد الذي حققـه �ـطكاف إلاحلياة القروي هو الذي أدى إلى هالكه.

وليس من احملتمل أن يكون القرويون قد اختاروا بحرية أن يخلقوا طبقةاfتخصص} واحلكام واجلباة واجلنود التي جعلت قيام اfدن iكنا. وليسمن احملتمل أيضا أن القوة التي فرضت مثل هـذا الـتـحـول قـد نـشـأت فـيالقرية اfستقرة احلانية نفسهاK ألن بواعث التملك والقوة والغزو أقرب إلى

طابع الرعاة منها إلى طابع القروي}.وال يحتمل أيضا أن تكون جميع الـقـرى قـد �ـت بـقـدر يـسـمـح لـهـا أنتصبح مدناK ونخطئ إذا حسبنا اfدينة مجرد قرية متضخـمـة أو مـكـتـظـةبالسكانK فقد كان في العالم القد� قرى ضخمة جدا لم تتحول قط إلـىمدن. ففي بعض اfواضع ذات التربة اخلصبة كانـت الـقـريـة تـفـي بـحـاجـة

76

الغرب والعالم

ألف} من أهلهاK معظمهم من الفالح}.فالقرى لم تتحول شيئا فشيئا إلى مدن. ولكن قليال من القرى تشكلتوأصبحت أوائل اfدن على األرجـح عـلـى أيـدي الـرعـاة الـغـزاة مـن أراضـيالكأل احمليطة. ويفسر هذا التغـيـر اfـبـاغـت طـابـع اfـدن األولـى. وال تـزال

اfدينة حتمل طابع هذا التشكيل من عدة أوجه.من القرية إلى اfدينة

كانت أقدم اfدن-بطبيعة احلال-بلدانـا احـتـفـظـت بـالـكـثـيـر مـن احلـيـاةالقروية. فظلت صغيرة احلجم والعددK ولم يقم فـيـهـا سـوى عـدد مـحـدودللغاية من األعمال التي ال تهدف إلى إقامة األود. ولذا كانت مجتمعات غيرطبيعية ودCقراطية إلى حد كبير. وكانت القبور على األقل متماثلة. ومـنأقدم ما اكتشفه علماء اآلثار من هـذه اfـدنK أريـحـا الـتـي أتـى ذكـرهـا فـيالعهد القد�. وإذا كان السور هو الفارق ب} الـقـريـة واfـديـنـة فـإن أريـحـاكانت مدينة منذ حوالي عشرة آالف سنة-في بداية العصر احلجري احلديث.

ق. م.K والذي قد يكون أول٨٠٠٠ويبدو أن سور أريحا الذي يرجع إلى عام سور يقام fدينةK قد بني بحجارة جلبت من حوض النهر علـى بـعـد نـصـفميل حلماية واحة صحراوية بلغت مساحتها نحو عشرة أفدنة وعدد سكانهاKعـابـد الـسـومـريـةfنحو ألف}. ولعل الثورة احلضرية التي بدأت قبل بناء ا

سنة من تدميـر٦٥٠٠األهرامات اfصرية بحوالي خمسة آالف سنـة)وقـبـل سرائيلي وأحد جدران أريحا الذي بـنـي فـي تـاريـخجيش يوشع بـن نـون اإل

الحق-(وإذا آثرنا أن نأخذ بالتمييز الذي قال به لويس iفـورد بـ} أكـواخالقرية اfستديرة ومباني اfدينة اfستطيلة لقلنا إن أريحا كانت تعد مدينة

ق. م.. فبعد هذا التاريخ اتخذت منازلها فجأة الشكل الذي٧٠٠٠بعد عام ساد فيها بعد ذلك.

واألرجح أن أريحا لم تكن فريدة في نوعها. ولكنها حظيت باfزيـد مـنجهد علماء اآلثار بسب ورود قصتها في اإلجنيـل. فـقـد أجـريـت عـمـلـيـات

العراق وإيران كشفـتتنقيب أخرى في فلسط} القدCة وتركيا وسـوريـا وفعالK أو ستكشف دون شكK عن بقايا أثرية fستوطنات محصنة ثابتة في

ق. م.٣٠٠٠ ق. م. و ٨٠٠٠الفترة ما ب} على أنه قد يستحسن قصر كلمة «مدينة» على بعض اfستوطنات التي

77

دن وا�دنيةا�

(*) Eridu-Erech-Lagash-Kish-ur

ق. م.. فاfستوطـنـات الـسـومـريـة فـي هـذه٣٠٠٠حققت نـضـجـا قـرب عـام الفترة تظهر تطورا أكبر في تكنولوجيا العصر احلجري احلديـث. (أريـحـا

ق. م. لم تكن تعرف حتى الفخار). وأهم من ذلك أن مستوطنات٨٠٠٠في عام ق. م. عملية الثورة التكنولوجية٣٠٠٠-٤٠٠٠سومر كانت قد بدأت في فترة

احلضرية التي فاقـت ثـورة الـعـصـر احلـجـري احلـديـث. وتـشـمـل إجنـازات ق. م.K مخترعات٤٠٠٠ ق. م. و ٦٠٠٠تكنولوجيا العصر احلجري احلديثK ب}

مثل احملراث الذي جتره الثيران والعربة ذات العجالت واfركب الشراعـيوالتعدين والري وتدج}-نباتات جديدةK األمر الذي جعل اإلنتاج الـزراعـي

ن السكانوافيا يسد احتياجات اfستوطنات التي تضـم عـشـرات اآلالف مفي منطقة محددة.

وهكذا فـإن اfـدن «احلـقـيـقـيـة» أصـبـحـت iـكـنـة عـنـدمـا اسـتـخـدمـتمستوطنات العصر احلجري احلديث اfتقدمة إنتاجيتها الزراعية اfتزايدةفـي خـلـق الـفـنـانـ} وعـمـال الـتـعـديـن واfـهـنـدسـ} والـكـتـاب واحملــاســبــ}البيروقراطيـ} واألطـبـاء والـعـلـمـاء اfـتـخـصـصـ} وفـي تـنـظـيـم مـهـاراتـهـموإجنازاتهم. وهذا هو ما حدث على طول نهر الفرات في عدد من اfواضع

ق. م. بفترة وجيزة.٣٠٠٠قبل عام

الثورة احلضرية: احلضارة والطبقةإن الثورة احلضرية الكاملة لم تقع في األراضي التي تروى Sياه اfطر

٣٥٠٠والتي كانت أول من حول بعض القرى إلى مدنK بل وقعت حوالي عام ق. م. في وديان بالد ما ب} النهرين ذات اإلمكـانـات اإلنـتـاجـيـة الـكـبـيـرة.

والفراتK ومنها أريدوفأقامت القرى الواسعة الواقعة على طول نهري دجلةوبابلK فيما بعدK التي أقامت أنظمة للري(×) واريتش والجاش وكيش ثم أور

نتاج الزراعي زيادة هائلة. وقد �كنت أمثال هذه اfستوطناتزادت من اإلمن سد حاجة خمسة آالفK بل عشرة آالف مواطنK كما أتاحت في الوقت

% من السكان العمل طوال اليوم في غير األعمال١٠نفسه لنسبة بلغت إلى الزراعية.

وتغير على هذا اfستوى هو ثورة أو انقالبK بل لعله كان أهم انقالب في

78

الغرب والعالم

احلياة البشرية منذ اختراع الزراعة قبل ذلـك بـخـمـسـة آالف سـنـة. ولـقـدمهدت سلسلة كاملة من االختراعات التكنولوجية في اجملتمع الزراعي الطريق

ق.٣٠٠٠ ق. م. و ٦٠٠٠للثورة احلضرية. فلم تقتصر معرفة الناس ب} عامي م. على كيفية تسخير قوة الثيران والريح واحملراث والعربة ذات العجـالتوالزورقK بل اكتشفوا أيضا خصائص اfعادن اfاديةK وتعلموا صهر النحاسوالبرونزK وشرعوا في عمل تقو� قائم على حركات الشمسK وكانت ودياناألنهارK كنهري دجلة والفرات مستنقعات طينية ال بد من جتفيفها ثم ريهالالنتفاع بطينها اخلصيب. وكان البد من استخدام فرق من العمال اfنظم}

لبناء األرض التي � جتفيفها.ومن ثم تطلبت اfدن ثورة تنظيمية في مثل أهمية الثورة التكنولوجيـة.وهذا ما � إجنازه من طبقة احلكام واإلداري} اجلديدة القادمة على األرجح

اfدن الناشئة معاملـة اإلقـلـيـممن أراضي العشبK والتي كثيرا مـا عـامـلـتناخلاضع للغزو. وأتاحت أعمال الري للحكام فرصة إكراه أهالي هذه اfد

اجلديدة. فإذا كان اfطر ال يعرف الفروق االجتماعيةK فإن مياه الري حتتاجإلى التحكم فيها وتوجيهها في قنوات.

الغرو إذن أن اfدن األولى قد منحتنا ملوكنا األوائل ومجتمعاتنا الطبقية ق. م.-في٣٠٠٠األولى. وأينما انتشرت هذه اfدن (أو � إيجادها) بعد عام

وادي نهر النيل ونهر السند في الباكستان وفي تركيا والص}K ثم بعد ذلكفي أمريكا الوسطى-جرت العادة على وصف اfلك بأنه مؤسس اfدن. و�كنهؤالء اfلوك-في كل مكان تقريبا-من إسباغ قداسة دينية على سلطانهم فيكل مكان بسطوا فيه سيطرتهم تقريباK ففي مصر وأمريكـا كـان اfـلـك هـوالرب. وفي بالد ما ب} النهرين كانت هناك طبقة جديدة من الكهنة تقـوم

بتأدية الفروض اخلاصة بديانة اfلك التي تهدف إلى السيطرة.كانت طبقة الكهنة اجلديدة هي التي تع} اfلك في بعض اfدنK بينمـاكانوا في اfدن األخرى يعملون بوصفهم مندوبيه وحسب. وكانـت ديـانـتـهـمتؤله اfلك عندما كانوا يشعرون باإلخالص العميق نحوه. وعلى سبيل اfثال

الد ما ب} النهرين إلى أن إلههـمتذهب تعاليم الطبقة اجلديدة من كهنـة بقد خلق الناس ال لشيء سوى العمل من أجل اfلك وجعل حياته أكثر يسرا.ولكن حتى عندما كانت طبقة الكهنة حتاول أن تسلب اfلك بعض سلطاتـه

79

دن وا�دنيةا�

فإنهم كانوا يعلمون الناس أن يسلموا باجملتمع اfنقسم الذي يفيد منـه كـلمن اfلك وطبقة الكهنة بوصفهم نتاجا لنظام طبيـعـي خـلـقـه الـلـه-فـطـبـقـةالكهنة كانت مسئولة عن قياس الزمـن وحتـديـد اfـكـان والـتـكـهـن بـأحـداث

بالنسبة fن يسيطر علـىالفصول. وكانت الهيمنة على الناس أمرا يسـيـراالزمان واfكان.

وكانت طبقة الكهنة هي الطبقة الوحيدة من ب} الطبقات اجلديدة التيكانت تضمن أن يحتفظ الرئيس احملارب-الذي حتـول إلـى مـلـك-Sـكـانـتـه.وكان اfثقفون اآلخرون في البالط-الكتبة واألطبـاء والـسـحـرة والـعـرافـون-يناضلون أيضا للحفاظ على مكانة اfلـك وتـدبـيـر iـلـكـتـه. وكـوفـئـت هـذهالطبقة-مثل الكهنة-بالدعة واfكانة واfبانـي الـرائـعـةK األمـر الـذي رفـع مـن

شأن جاللة اfلك وشأن مدينته.وتلي اfلك والكهنة وطبقة اfثقف}/ اإلداري} اجلديـدة-طـبـقـة جـديـدة

يذ وعن احلـفـاظ عـلـىأخرى مسئولة عن وضع قانون اfـلـك مـوضـع الـتـنـفالنظام. فكان اجلنود والشرطة أيضا من اختراع اfدن األولىK وكان حرساfلكK شأنهم في هذا شأن السور الذي يحيط باfدينةK يقـومـون بـوظـيـفـةمزدوجة: الدفاع عن اfدينة ضد الغزو اخلارجي وإعاقة التمرد الداخلي.وCكننا أن نتب} أن هذه هي أهم طبقات مجتمـع اfـديـنـة مـن الـبـقـايـااfادية للمدن األولى. فمعول عالم اآلثار كـشـف عـن اfـبـانـي الـهـائـلـة لـهـذهالطبقات في كل اfدن األولى تقريبا. فالقصر واfعبد والقلعة (أو احلصن)هي في احلقيقة الصروح التي �يز اfدن عن القرى. زيادة على ذلك فـإنحجم هذه اfباني وتشييدها كي تظل قائمة عبر السن} (باfقارنة مع بيوتالفالح} الصغيرة اfتواضعة) شاهد على التقسيمات الطبقية األسـاسـيـة

جملتمع اfدينة.

احلضارة: األمن والتنوعإن أوضح إجنازات احلضارات القدCة هي الصروح الضخمة-األهراماتواfعابد والتماثيل والتحف الثمينة التي شيدت من أجل الطبـقـة احلـاكـمـةاجلديدةK من اfلوك والنبالء والكهنة وموظفيهم. غير أن احلياة اfدنية هي

أكثر من مجرد القدرة على تشييد الصروح.

80

الغرب والعالم

فاحلياة اfدنية حياة مأمونةK وهذا يعني-على مستوى مـبـدئـي لـلـغـايـة-األمان من التدمير الفجائي الذي قد يلحق Sجتمعات القـريـة. إن احلـيـاةفي اfدينة تعطي الشعور بالدوام واالستمرارK وهي توفر االنتظام والثباتوالنظامK بل حتى الروت}. ففيها Cكن للمرء أن يضع خططهK وأن يـحـقـقتوقعاته. كما Cكن أن نتوقع من الناس أن يتصرفوا حسب قواعد معينة.وقد توفر االستقرار للمدن األولى بفضل األسوار التي عملت على حمايةأهلها من البدو واجليوش اfغيرةK وبفضل القوان} األولى التي عينت حدودKوظـفـ} الـذيـن طـبـقـوا الـقـانـونfوبفضل ا Kالعالقات ب} الناس والشرطةواfؤسسات التي كانت تؤدي وظيفـتـهـا بـعـد زوال أفـرادهـا. إن احلـيـاة فـياfدينة كانت توفر دواما وثبـاتـا وأمـانـا أكـثـر iـا كـانـت تـوفـره احلـيـاة فـي

القرية.ولكن اfدنية تتضمن شيئا أكثر من مجرد األمنK فاfدينة التي تضـمـناستتباب النظام وحسب هي أقرب إلى السجن منها إلى اfدينة. وقد وفرتاfدن األولى شيئا تفتقر إليه أحكام القرى نظاماK فقد وفرت تنوعا أكبر: إذكان هناك عدد أكبر من األجناس واجلماعات العرقية التي تتحدث بشتىاللغات وتعمل في شتى اfهن وتتبع عددا أكبر من أساليب احلياة اfتنوعة.لقد كانت هناك وفرة في االختباراتK كما أتيحت الفرصة أمام مزيـد مـناألحاسيس والتجارب واfعارف اجلديدةK وهذه هي مصدر جاذبية احليـاةاfدنية. إن فرص النمو والتجارب الثرية التي تتيحها اfديـنـة لـلـفـرد تـفـوق

Sراحل تلك التي تتيحها حياة احملراث واfرعى.بداع. فإمكان قيام حياة توفرK على األقلKواألمان مع التنوع يساوي اإل

فرصة أكبر للخلق والتعبير هو أمر متاح داخل أسوار اfدينـة اآلمـنـة الـتـيKغناطيسfوكأنها ا Kوالتي كانت جتتذب Kكانت تتمتع بقدر من االستمراريةالتجار األجانب والدبلوماسي} وأفكارا جديدة عن اآللهة والطبيعة وغرائباألطعمة والعادات والسحرة والوزراء ومرتزقة احلاشية اfلـكـيـة. ولـم تـكـناfدينة إال تلك احلياة الثرية التي أتاحها الوسط احلضري الديناميKوهـي

نساني وتعدد الفرص التي شجعهـا هـذا الـوسـط. فـاfـدنK عـلـىاإلبداع اإلKجعلت حتى أقل العبيد شأنا يفكر ويحس بأشياء أكثر اتساعا وتنوعااألقل

iا تتيحه القرية الزراعية القبلية اfغلقة. وكان هذا(وال يزال) أصل االبتكار

81

دن وا�دنيةا�

(*1) Ralph W aldo Emerson

بداع بل اfدينة ذاتها.واإلوقد تطلب تنوع الناس وتعقد احلياة اfدنية وسيلة جديدة أكثر عموميةللتفاهم. فالقروي كان يعرف كل فرد معرفة شـخـصـيـةK أمـا اfـديـنـة فـهـيتضم أناسا ال يتحدثون في الغالب اللغة نفسها. ولم يكن تشريع الـقـوانـ}

نسانـيKهو الطريقة الوحيدة لسد الفجوات الكثيرة الناجمة عن التنـوع اإلوإ�ا قامت اللغة اfكتوبة باfهمة نفسهـا. فـاخـتـرعـت اfـدن الـكـتـابـة حـتـىCكن لألجانب أن يتفاهمواK وحتى Cكن ألساليب التفاهم هذه أن تصبـحدائمة-أي محفوظة في الذاكرة العامة ومسجلة بشكل رسمي. وقد أصـاب

في قوله إن اfدينة تعيش على الذاكرةK بيد أن الذاكرة الرسمية(×١)إمرسونهي التي مكنت اfدينة من مواصلة عملها واالحتفاظ بديانتها بعد انقضاءحياة شيوخ القرية. وأصبحت الرموز اfكتوبة التي يستطيع أي إنسان إدراكهاأسـاسـا لـلـقـوانـ} واالخـتـراع والـتـربـيـة والـضـرائـب واحملــاســبــة والــعــقــود

وااللتزامات.فالكتابة والسجالت باختصار جعلتا من اfمكن لكل جـيـل أن يـبـدأ مـنحيث انتهى أسالفهK أما احلياة واfعرفة في القرية فكانتا تبدأن من نقطةKاضي وحسبfدن لم تعمل على صقل الذاكرة واfالصفر دائما. وهكذا فإن اوإ�ا غدت األمل واfستقبل كذلك. فـحـضـارات اfـدن لـم تـخـتـرع الـتـاريـخواالحتفاظ بالسـجـالت وحـسـبK بـل اخـتـرعـت أيـضـا الـتـنـبـؤ والـتـخـطـيـط

االجتماعي.إن الكتابة اختراع من اختراعات اfدينة جعل التفاهم األوسع نطاقا ب}الناس iكنا وكانت النقود اختراعا آخر جعل من اfمكـن الـتـعـامـل مـع أيإنسان وكأن هذه النقود لغة عامة متفق عليها. فالنقود كانت غير ضروريةفي جو القرية حيث تسود االلتزامات اfتبادلةK ولكنها أصبحت أساسية في

مجتمع اfدينة الذي يتكون من أغراب. ووسائل االتصال العامةK مثل الكتابة والنقودK زادت من عدد األشـيـاءالتي Cكن أن تقال وأن يجري التفكير فـيـهـاK والـتـي تـشـتـرى وتـبـاعK زيـادةهائلة. ونتيجة لهذا أصبحت احلياة في اfدينة أبعد عن الطابع الشخصي

من حياة القريةK لكنها أكثر دينامية وإثارة منها.

82

الغرب والعالم

العني والتعني (األنا)مارشال ماكلوهان يقول: إن «احلضارة منحت الهمجـي عـيـنـا بـدال مـناألذن» وCكننا أن نضيف أن احلـضـارة مـنـحـتـه «األنـا» بـدال مـن «الـنـحـن»فاحلياة في اfدينة جعلت «الع}» و «األنا» أكثر أهمية عما كانتا عليه فـيالقرية. ذلك ألن اختراع الكتابة جعل اfعرفة أقـرب لـلـطـابـع الـبـصـري. إذينبغي تدريب الع} على �ييز الفـروق الـدقـيـقـة فـي األحـرف والـكـلـمـات.والعيون تستوعب عددا أكبر من التفاصيل: القوان} واألسعار وعباءة األجنبيالغربية وأنواع األحذية الغربية التي يصنعها احلرفي اجلديد الذي ال نعرفمن أين أتىK وألوان الفاكهة وسوق اخلضار والصور اfركبة في اfعبد وكذلكالكلمة اfكتوبة. يتعلم اإلنسـان فـي الـقـريـة عـن طـريـق االسـتـمـاعK أمـا فـياfدينة فال يؤمن إال Sا يراه. وكان االعتقاد السائد في محاكم اfدن اجلديدةأن شهادة العيان أوثق من الشهادة التي تعتمد على الروايات اfـنـقـولـة عـنآخرين. ويسود االعتقادK في بعض القرى حتى أيامنا هذهK أنه Cكن التعويلعلى الكالم اfسموع أو اfنطوق أكثر من اfكتوب واfشاهدة. وقد أخذت لغةاحلديث ذاتها شكال موحدا واتسمت بغياب العاطفـةK وهـي سـمـات الزمـةفي لغة الكتابة. بل لعل االنفعاالت نفسها أصبحت أقل عنفا. إذ تستـعـمـلكلمة «متمدين» دائما Sعنى ضبط االنفعال والتحكم في األهواء واfزيد من

التفهمK بل التسامح مع ما هو مختلف أو أجنبي.ورSا كان النقص الوجداني (اfقدرة على أن تضع نفـسـك فـي مـوضـعاآلخرين) قد زاد في اfدينة احلافلة بأغـيـار مـخـتـلـفـ} البـد مـن فـهـمـهـم.فعندما سئل قروي تركي أخيرا: «ماذا تفعل لو كنت رئيس جمهورية بلدك?»

«يا إلهي! كيف تسألني هذا السؤال? كـيـف أسـتـطـيـع أنـا... رئـيـس:غمغـمتركيا.. سيد العالم أجمع.. ال أستطيع?» كان القروي عاجزا عجزا كليا عنتصور نفسه رئيسا للجمهورية ألن األمر كان بعيدا كل البـعـد عـن جتـربـتـهوكأنه سيصبح سيد العالم حقا. وباfثل ح} سئل قروي لبناني ماذا يفعل لوكان رئيس حترير صحيفة اتهم سائله بأنه يسخر منهK وطلب منه في عنفأن ينتقل إلى سؤال آخر. إن مثل هذه احلياة تقع خارج نطاق فهمه واستيعابه.فهي حياة بعيدة كل البعد عن خياله. وفي مقابل ذلك فإن التنوع الشـديـدفي حياة اfدينة قد زاد من قدرة أدنى العوام على التخيل والتقمص الوجداني

83

دن وا�دنيةا�

والتعاطف واالنتقاد.إن ثقافة القرية الشفوية. قوت من دعائم األمور اfتعارف عليها بترديدهاوغنائها على نحو يكاد يكون رتيبا. والبد أن الشيوخ واحلكاءون ورواة الشعركانوا يتمتعون بذاكرة عجيبةK إال أن قصصهم لم تتغير إال تدريجيا وبشكلبسيط. فالكلمة اfنطوقة كانت مقدسةK ونطقها بشكل مغاير يعني تـغـيـيـراحلقيقة. أما ثقافة اfدن اfكتوبة فقد علمت اإلنسان «وجهة النظـر»K ولـميكن من الالزم على احلضري أن يحتفظ بكل شئ في ذاكرته إذ كان الورقيقوم بهذه اfهمة دائما. وأصبحت اfعرفة دراية بالتفسيرات اخملتلفةK وقدرةعلى التوصل fعنى األشياء. وكان إدراك التنوع يعني إمكان النقد والتحليلوالتأليف اfتجدد دوما. فال غرو أن معرفة اfدن التقـنـيـة والـعـلـمـيـة زادتSتوالية هندسية باfقارنة Sعرفة القرى. إن تزايد اfعرفة أمر كـامـن فـيحاجة اfدينة إلدراك الفروق والتنوعK إذ أصبحت احلضارة تعنـي كـمـا مـناfعرفة واfهارات ال تكف حدوده عن االتساعK وأعظم إجنازاتـهـا هـي تـلـكاfعرفة وكتابتها وفنها التصويري. إن اfدينة واfدنية (مثل الطفل) يـنـبـغـي

رؤيتهما السماعهما.وقد يبدو غريبا أن نقول إن حياة اfدن اfتجردة من العاطفة الشخصيةساهمت مساهمة كبيرة في تطور الشخصية-الع} والتع}K أو «الع}» و«األنا»على السواء. Cكن القول Sعنى من اfعاني إن احلياة في القرية ذات طابعشخصي أكبرK إذ يفهم كل شيء على نحو شخصي. فالقرويون ال يتـعـامـلالواحد منهم مع اآلخر بوصفـه «احلـداد»أو«اخلـبـاز» أو«ذلـك الـفـتـى الـذييدين لي Sعزة» أو ذلك «السكير الطالح» بل إنهم «ال يتعامل» بعضهـم مـع

طالقK فالواحد منهم يعرف اآلخر باالسـم واألسـرة.البعض اآلخر على اإلفهم يحبون ويكرهون ويع} بعضهم البعض اآلخر ويقتل الواحد منهم اآلخربسبب شخوصهم ويدافع من اfشاعر الشخصية ومن اfسئولية الشخصيةKواألسرية. وعالقة الواحد منهم مع كل فرد في القرية عالقة كاملة متنوعةألنهم ال يشترون اfلح من هذا الشخص وحسب وال يتحدثون عن الطقـسمع هذا الشخص اآلخر وال يبحثون أمورهم الشخصية مع ذاك الشـخـصوحدهK وإ�ا يشتركون معا في أشياء كثيرة لدرجة ال تسمح لـهـم بـتـقـسـيـم

عالقاتهم على هذا النحو.

84

الغرب والعالم

إن احلياة في اfدينة هي حياة العالقات اجلزئية اfنفصلة. فنحـن فـياfدينة ال نعرف شيئا عن حياة القصاب وزوجته وأوالده ومشاكله وال نعبـأKألنك في عجلة من أمرك وفي شغل بأمورك. قد تناقش معه الطقس Kبهاولكنك تفعل هذا أثناء قيامه بالتقطيعK ألنك إ�ا قصدتـه لـشـراء الـلـحـم.والكثير من العالقات احلضرية يجري على هذا النحو. فعالقات العمل أوالتجارة أو «اfعاملة» كثيرةK ال لشيءK إال ألن كثرة الناس جتعل من اfستحيل

معرفتهم بوصفهم أهال.إن انعدام الطابع الشخصي في حياة اfدينة أمر سيئ إلـى حـد مـا (إذيجعل من اليسير على شخص ال يكن لك أي كره أن يسرقك). ولكن التنوعالثري في تلك العالقات الالشخصية (على األقـل لـبـعـض الـوقـت) يـسـمـحبظهور الشخصية الفردية. ورSا كان هذا هو الـسـبـب الـذي حـدا بـبـعـضالناس أن يحلموا بترك األسرة واألصدقاء (إلى اfدينةK في العادة)K عسىأن «يجدوا ذواتهم». ومن اfؤكد أن طابع الزمالة واfشاركة الذي تتـسـم بـهKرء وسكناتهfظلم. إذ تراقب)حتصى(حركات اfاحلياة في القرية له جانبه اويكون عليه أن Cتثل للعرف. وعندما تصـبـح أمـور كـل فـرد مـعـروفـة لـدىاجلميع يصعب عليه أن يجد شخصيته الفردية. فالروابط األسرية والعاداتالقروية غالبا ما تشكل عقبة في وجه تأكيد الشخصية الذاتية. أما اfدينةفتتيح لسكانها تنوعا هائال في العالقات والشخصيات اfـنـفـردة اfـمـكـنـة.فساكن اfدينة يتمتع بحرية أكبر من ابن عمه القروي في اختيار األصدقاءواألحباب والرفاق والعمل والسكن وأسلوب احلياة. ذلك ألن اfدينة حافلةباالختيارات التي ال Cكن للقرية أن توفرها أو تتقبلـهـا. ولـعـل الـقـريـة قـدوفرت للمرء قسطا أكبر من األمن نظرا ألنه يتساوى مع اجلميع ويفعل مايتوقعه اآلخرون. غير أن اfدينة تقدم اإلمكانات اfتنوعة التي Cكن أن تتيح

دائقه «الداخلية».للفرد أن يتبع «ذاته الباطنة» وأن يزرع حعلى أن االنقسامات الطبقية في مجتمع اfدينةK جعلت من الصعب علىعامة الناس إحراز تفرد فعـال أو مـبـدع. أمـا األثـريـاء واألقـويـاء-وبـخـاصـةاfلك-فكانوا قادرين على تطوير أ�اط ثورية من الفردية والشخصية. ولميحدث من قبل أن حتقق إلنسان هذا القـدر مـن الـشـعـور بـالـذاتK بـحـيـث

وذجا يحتذيه سائر اجملتمعK فترف اfـلـكأصبحت سلطة اfلك وحريـتـه �

85

دن وا�دنيةا�

وفراغه والفرص اfتاحة أمامه كانت قوة ثوريةK ألن اfلك-على عكس شيوخالقرية-يستطع أن يفعل ما يشاءK فلما أدرك السكان ذلك تزايد عدد السكانالذين يسألون: «لم ال نفعل ذلك»? ومنذ ذلك الوقت أصبحت الثورات التيتنشب في اfدينة تعمل على توسيع نطاق االمتياز الطبقي والفرص اfتاحة.وعندما يحقق مجتمع من اجملتمعات مستوى من الوفرةK ويوفر الوسائلالتكنولوجية والفرص التعليمية وسبل التعبير اخلالق الالزمة لكل فرد لكييحيا حياة حافلة باfعنى والسعادة والصحة-عنـدئـذ قـد تـصـبـح الـطـبـقـات

نتاجية واإلبداع فيعائقا. غير أن التقسيمات الطبقية هي دافع لتأكيد اإلنحضارات اfدن القدCة. فالـقـرويـون الـذيـن يـسـود مـجـتـمـعـهـم ضـرب م

الدCقراطية يفضلون الثبات واالستقرار على التغيير إلـى األحـسـنK ولـذاأضحت حدود آفاقهم ضيقة إلى حد كبير. كانوا Cـوتـون فـي سـن مـبـكـرةويعيشون حياة حتفها اخملاطر ويعانون دون أمل كبير. أما حكام اfدن األولى

بـداع وطـيـب الـعيش فـاخـتـرعـوا اجلـنـةفقد اكتشفوا إمكـانـات الـفـراغ واإلواfدينة الفاضلة ألنفسهم في بادى األمر. ولم يتسرب اكتشاف احلـضـارةواإلمكانية البشرية إلى الطبقات الدنيا إال ببطء شديد. وكان الترف والفراغ

الفرص اfتاحةK في كثير من احلاالتK حكرا على الصفوة. ولكنواحلرية وما إن استغل األقوياء الفقراء بقدر كاف لتشييد جنتهم على األرض وخلودهم

بعد اfوت حتى اتسعت آفاق الفقراء وخططهم.

حضارتا بالد ما بني النهرين ومصر: قصة نهرينيختلف اخلبراء حول حضارتي بالد ما ب} النهرين ومصرK أيهما أقدم.Kولقد كان لبالد ما ب} النهرين في مصر تأثير كبير يوحي بأنها أقدم قليال

ق. م.. إن الفرق ب}٣٠٠٠لكن كال منهما أصبحت حضارة متميزة مع عام احلضارت} لشاهد عـلـى وجـود طـرق شـتـى لـلـحـيـاة اfـتـمـدنـة. فـفـي كـلـتـااحلضارت} وفرت وديان األنهار اfاء والغرين الالزم إلنتـاج فـائـض زراعـي

رض بأنفسهم. بيديفي بحاجة طبقات من اخملتص} ال يقومون بفالحة األأن اختالف طبيعة النهرين كان لها شأن كبير في اختالف األ�اط احلضارية

الناشئة عنهما.وقد نعم اfصريون بأسهل النهرين وأوثقهما. فالنيل يفيض على األرض

86

الغرب والعالم

العطشى في وقت معلوم بعد اخلامس عشر من أغسطسK من خريـف كـلعامK عقب جني احملصول; فيرسب غرينه اخلصب عليها ثم يـنـحـسـر فـيأوائل أكتوبر مخلفا وراءه شيئا من اfلح أو الطميK ويكون ذلك في أوان بذرKاحملاصيل الشتوية. وال يتطلب بذر محاصيل الصيف إال قنـوات بـسـيـطـةتتفرع من مجرى النهر ومصارف وادي النيل الطبيعية. زيادة على ذلك فإنالنقل عبر نهر النيل كان سهال نظرا الن الرياح السائدة تهب من الشـمـالبينما يتدفق النهر من اجلنوبi Kا يجعل اfالحـة تـسـتـنـد إلـى اسـتـخـدام

األشرعة على عكس التيار واالستغناء عنها مع التيار.أما الفرات فال يوفر شيئا من هذه اfزايا وهو يخترق أرض الرافدين.إن نهر الفرات يتدفق فوق السهل (على عكـس نـهـر دجـلـة اجملـاور) وبـهـذاKولكنه كان يفيض فجأة دون إنذار في أواخر الربيع Kكن استخدام مياههCبعد بذر محاصيل الصيف وقبل جمع محاصيل الشتاء. ففيضان الفرات اليسمح بالري الطبيعيK ومياهه مطلوبة في أوقات أخرى وفيضانه مـدمـر.وكانت القنوات ضرورية لتجري فيها اfياه للري عنـدمـا تـكـون مـيـاه الـنـهـرمنخفضةK وكان من الضروري سدها بشكل مناسب وتدعيم اجلسور عندمايفيض النهر. زيادة على ذلك فاfالحة في نهر الفرات لم تكن سهلةK مـثـلالنيلK لذا كان من الضروري استخدام القنوات الرئيـسـيـة طـرقـا رئـيـسـيـة

للنقل.كان الفيضان في بالد ما ب} النهرين هو العدوK ولذا كان الناس يخافونن}/ جرشو وتيامان إلهي بالد ما ب} النهرين فـهـمـا كـانـا يـحـكـمـان اfـاء.وغالبا ما كانت قوى الطبيعة تعد قوى شريـرة. فـاحلـيـاة كـفـاح. ولـكـن فـيمصر كانت احلياة تصور على أنها تعاون مع الطـبـيـعـة. وحـتـى حـابـيK إلـهالفيضان اfصريK كان إلها يعاون الـسـكـان ويـزودهـم بـخـبـز يـومـهـم. وكـانالكهنة والفالسفة اfصريون يشعرون باالستقرار في عاfهم على نحو أكبرمن نظرائهم في بالد ما ب} النهرين. ونظرا ألن جتربة سكان بالد ما ب}النهرين مع نهريهم مختلفة عن جتربة اfصري} مع نهـرهـمK فـقـد أسـسـواحضارة قائمة على اfدن على خالف اfصري}. وكانت احلضارة اfمتدة منالدول/ اfدن السومرية األولى في أدنى نهر الفرات إلى بابل عاصمة بالدما ب} النهرين في الشمالK والتي ظهرت في تاريخ الحقK كانت هذه احلضارة

87

دن وا�دنيةا�

نتاجا للحياة في اfدينة وتعبيرا عنها. وعـلـى عـكـس هـذا كـانـت احلـضـارةاfصرية من إبداع بالط الفرعون ال من إبداع اfـدن. فـظـلـت مـصـر-خـارجنطاق البالط الذي كان ينتقل من مكان إلى آخر-وطنا يضم قرى الفالح}.والسبب األول في افتقار مصر إلى العمران احلضري هو سهولة الزراعةعلى ضفتي النيل. فكان ري القنوات عملية سهلة نسبيا ال تقتضي الكثيـرمن التنظيم. وكانت أسواق البلدان الصغيرة كافية لتفي باحتياجات الريف.Kعبد احمللى ووكالء الفرعونfفهي تضم احلرفي} وأصحاب احلوانيت وكهنة اولكن حجمها لم يتضخم قط نتيجة ظهور طبقة وسطى كبيرةK ولـم تـطـور

قط صناعة أو جتارة على نطاق واسع.وفي سومرK ثم بعد هذا في بالد ما ب} النهرينK تطلب اجلهد الهائـلللكفاح ضد نهر الفرات تنظيما إجماعيا مرتبا ليلبي االحتياجات احملـلـيـةاfباشرة. وكان العمل اجلماعي وحده هو الذي يستطيع شق شبكة قنـواتالري والصرف الفرعية وصيانتهاK كما كان اإلشراف الدائم ضروريا لتطهيرالقنوات من الطمي وإزالة الرواسب اfلحية وصـيـانـة ضـفـاف الـنـهـر وقـتالفيضان واحليلولة دون احتكار أحد الفالح} للمياه وقـت الـتـحـاريـق. إناfياه على شاطئ الفرات كانت تتطلب عمال تعاونيا ومسئولية ال تـنـقـطـع-األمر الذي شجع على بسط السيطرة اإلدارية اfطلقة على مسـاحـة أكـبـرKساحة من األرضf شاركة والوالءfكما ولد اإلحساس با Kمن مساحة القرية

مبراطورية. فاfدينة/ الدولة كانتيغطيها نظام للريK أصغر من الدولة اإلحال سياسيا للمشاكل االقتصادية في سومر وبالد ما ب} النهرين.

وكانت الطقوس والعادات الدينية في وادي الفرات تعكس نظام اfدينةها احمللي الذي كن عـضـوا فـيوتعززه. فكانت كل منطقة محليـة تـعـبـد إلـه

مجمع آلهة سومرى أكبرK وأصبح هذا في نهاية األمر مجمعا لكل آلهة بالدما ب} النهرين. وكان كهنة اfعبد احمللي يشرفون على إنشاء القنوات وجبايةالضرائب وتخزين السجالت اfكتوبةK وكذلك إقامة الشعائر الدينيـة عـلـىالوجـه األكـمـل. ومـن ثـم فـإن الـوالء الـديـنـي دعـم مـن الـوالء اfـدنـي. وكـانالسومريونK من الفالح} وأعضاء الطبقة الوسطىK ال ينظرون إلى أنفسهمبوصفهم مواطني سومر بأسرهاK وإ�ا بوصفهـم مـواطـنـ} فـي مـديـنـتـهـم

لههمK اخلاص.اخلاصةK يعبدون إله مدينتهم اخلاص ورعايا اfمثل الدنيوي إل

88

الغرب والعالم

(*2) Temenos

أما الفالح اfصري فكان على العكس من ذلك مصريا أبدا ورعية من رعاياالفرعونK ولكنه لم يكن قط مواطنا.

ويتضح التوجه اfدني احمللي fدن بالد ما ب} النهرين في البناء اfاديfدينة أور عاصمة سومرK التي كان يحيط بها سور-شأنها شأن اfدن األخرىعلى شاطئ نهر الفرات. وكان يشرف على اfدينة معبد نـانـارK إلـه الـقـمـرالذي Cلك اfدينة. وكانت اfناطق السكنية ومجمع القصر الذي يقع أسفل

اfقدس أو مجمع اfعبدK ولكن داخل األسوار(×٢)اfعبد قائمة خارج تيمينوسب} النهر والقناة الرئيسية. وتب} االكتشافات األثريـةK الـتـي �ـت بـعـنـايـةفائقةf Kدينة أور في القرن السابع عشر قبل اfيالد عن شارع سكني يشبهالكثير من شوارع الشرق األوسط اليوم. فثمـة مـنـطـقـة مـكـونـة مـن األزقـةاfلتوية اfزدحمةK وثمة شوارع رأسية تضم بيوتا من طابق وطابق} خاصةبالتجار وأصحاب احلوانيت والتجار والكهنة اfؤقت} والكتبةK األمـر الـذييوحي بوجود طبقة وسطى كبيرة وغنية نسبيا. وشيدت معظم البيوت حولفناء رئيسيي يوفر الظل طوال النهارK وحتيط بها حوائط خارجية بنيت منالل± بل يكسوها اfالطK تغطي عددا مـن الـغـرف الـداخـلـيـة مـن الـشـمـس

وعيون جابي الضرائب.ر آثار أور في القرن السابع عـشـر قـبـل اfـيـالد تـنـوع احلـيـاة فـيهـظوت

اfدينة احلديثة وكثافتها في الوقت ذاته. فقد كان ثمـة أحـيـاء خـاصـة فـيKوكان لبعض احلرف أحياؤها اخلاصة بها. حي اخلبازين Kدينةfجميع أنحاء اورSا أماكن خاصة للصباغ} والدباغ} وعمـال الـفـخـار واfـعـادن. ولـكـنKاحلياة كانت مختلطة كذلك; فكان لآللهة الثانوية معابد خارج التيمينوسوالبيوت الصغيرة والواسعة تختلط إحداها باألخرى. ويبدو أن حيا شعبياكان موجودا قرب تيمينوسK ولكن كانت هناك بيوت صغيرة للعمال والفالح}واألجراء والفقراء منتشرة في جميع أنحاء اfدينة. وCكن الوصول إلى أيحانوت أو حرفي في اfدينة بعد مسيرة قصيرة. وحجم اfدينة التي حتيطهااألسوار بأسرها كان عبارة عن مساحة طولها ثالثـة أربـاع مـيـل وعـرضـهـا

نصف ميل.وثـمــة مـديـنـة مـصـرية تــم اكـتـشافها بالكـامـل حـوالـي الـفـتـرة نـفـسـهـا

89

دن وا�دنيةا�

(*3) Akhetaton (*4) Harappa (*5) Mehenjo-daro

(القرن الرابــع عـشـر قـبـل اfـيـالد) تـقـدم نـقـيـضـا الفـتـا لـلـنـظـر. فـمـديـنـة أو تل العمارنةK وهي عاصمة الفرعون إخناتون التي تقع علـى(×٣)أختاتون

النيلK لم تكن مسيجة باالسوار أو القنواتK وإ�ا كانت �تد على الـضـفـةالشرقية للنيل خمسة أميال ثم تتالشى في الصحراء. وSا أن تل العمارنةلم تكن في حاجة إلى ري شامل أو حماية كبيرة فلم يظهر فـيـهـا إال شـيءقليل من كثافة مدينة أور وحيويتها. وال يتسم تصميم اfدينة بأي إحساسبالضرورة. فقصر الفرعون الشمالي يبعد مـيـال ونـصـف مـيـل عـن مـجـمـعاfعبد وعن اfكاتب التي تبعد بدورها ثالثة أميال عن احلـدائـق الـرسـمـيـةاخملصصة للمتعة. وقصور نبالء البالط اfلكي واfنازل الواسعة اخملصصةKوزي} للنيلfهم} اfوظفي البالط تقع على واجهة شارع من الشارع} اfأو تقوم كيفما اتفق. وكانت هناك مسافة مادية (واجتماعية) كبيرة ب} هذهالبيوت وبيوت العمال التي تشبه قرية تالصقت منازلهـا. وال تـوحـي اآلثـاربوجود طبقة وسطى من التجار أو احلرفي} خارج نطاق عـمـال الـفـرعـوناخملصص} أو أتباعه. فإذا استندنا في حكمنا على شكل اfنازل لقلـنـا إنحياة األثرياء كانت أكثر ترفا من احلياة في أورK أما حياة غالبية الـسـكـانفكانت أقل ثراء. وهكذا لم يكن بالط الفرعون في تل العمارنة مدينة على

طالقK من عدة وجوه.اإل

تنوع احلضارة وانتشارها وتطورهابعد فترة وجيزة من قيام حضارة بالد ما ب} الـنـهـريـن ومـصـر نـشـأتحضارات أخرى في الشرق األوسط وفي حوض السند في الـهـنـد والـنـهـراألصغر في الص}. ونحن ال نعلم إال النزر اليسير عن بواكير احلضارت}

الهنديتان قد ازدهرتا(×٥) ومهنجو داروو(×٤)الهندية والصينية. فمدينتا هارابا ق. م. عندما قامت بعض القبائل الناطـقـة بـالـلـسـان١٥٠٠ق..م. و٢٥٠٠ب}

اآلري والقادمة من الشمال بحرقهما وتدميرهما ثم تركتهما خرابا. وتشيرآثارهما الباقية إلى مجتمع على درجة عاليـة مـن الـتـنـظـيـم ومـنـقـسـم إلـىطبقات ويتولى أمره الكهنة: تشقه الشوارع اfتقاطعة وفق خطة مـحـكـمـة.ومعظم البيوت صغيرةK وتشرف بقايا حي اfعبد والبيوت الكبيرة التابعة له

90

الغرب والعالم

(*6) Minos

على بقية اfدينة. للحياة أكثر جماال قد ظهر في حضارة جزيرة كريـتوال بد أن أسلوبا

التي نشأت في حضن البحر و�ركزت حول البالط اfلكي. وتشير اللوحاتق..م.١٩٠٠١ بني ألول مرة حوالي الـعـام(×٦)التي وجدت في قصر مـيـنـوس)

(إلى تلقائية رائعة وأزياء متطورة وغرام بالطبيعة واحلياة يذكرنا Sجتمـعالبالط اfصري الذي عرفه سكان كريت من خالل التجارة. ولكن كريت فيعهد مينوس تذكرناK على نحو أكبرS Kجتمع العصر احلجري احلديثK إذيبدو أن اإلله األكبر كان األم الكبرى. ويبدو أن النساءK في أرديتهن اfفتوحة

fزينةK كن يلعـ± أدوارا بـارزة. ويـظـهـر نـوع مـن اfـرح واجلـاذبـيـةالصـدور اوالدعة (فال جند ال أسوار اfدينة وال الصور العسكرية) وهي أمور بعـيـدة

كل البعد عن الصراعات الدائرة في سائر حضارات الشرق األوسط.وصعدت حضارة سومر مع النهر حيث تصبح تربـة الـدلـتـا مـلـحـيـةK أوحيث حترز اجليوش األقل �دينا النصر العسكري عن طريق التحكـم فـي

ق. م.K ثم استولـت٢٢٥٠إمدادات اfياه. فتغلبت أكاد على سومر بـعـد عـام بابل عليها في عهد حمورابي في القرن الثامن عشر قـبـل اfـيـالد. وحـلـتلغتاهما الساميتان الشماليتان محل اللغة السومريةK لكنهما مع هذا احتفظتابالكثير من جوانب الثقافة السومريةK ولذا أطلق عليهما ثقافة بالد ما ب}

النهرين. ق. م. كانت حضارة بالد ما ب} النهرين محاطة بعدد من٢٠٠٠وفي عام

احلضارات التابعةK حضارة الكاشيـ} واحلـثـيـ} والـكـنـعـانـيـ} واحلـوريـ}واآلشوري}-وقد جعل تنظيمها الرعوي/ العسكري من الغزو واحملاكاة أمراأيسر من احلكم الدائمK ولكن هذه احلضارات �دنت أثناء هذه العمـلـيـة.ولم تؤد الغزوات اfتتالية لهذه القبائل ذات احلضارة البدائية األولية)وخاصة

ق. م.(إلـى تـدمـيــر طــرق احلــيــاة١٢٠٠ ق. م. و١٥٠٠ ق. م. و ١٧٠٠حـوالــي اfتمدينة بقدر ما أدت إلى انتشار احلضارة ب} الغزاة اجلددK وإلى تطورحياة مدنية في تلك األراضي اfروية Sياه األمطار التي جاءوا منها. وحتىعندما استعاد السكان األصليون أراضيهم-كما فعل اfصريون مع الهكسوسفي القرن السادس عشر قبل اfيالد-فإن األسر احلاكمة احمللية التي اعتلت

91

دن وا�دنيةا�

العرش بعد الغزو (مثل األسر احلاكمة في اfملكة اجلديدة أو اإلمبراطوريةالنزعة العسكرية ق. م) اتسمت في الغالب ب١٢٠٠ ق. م. و ١٦٠٠في مصر ب}

وبعدم االبتكارK كما كان احلال مع غزاتهم الـسـابـقـ}. ومـع مـسـتـهـل أولـى ق. م. لم تعد حضارة اfدن-البرونز١٢٠٠غزوات العصر احلديدي بعد عام

احملاريث والكتابة-احتكارا مقتصرا على وديان األنهار غير احلصينة القليلة.فكان انتشارها-آخر األمر-يعني بقاءها حتى بعد اندثار مدن أو شعـوب أو

أنظمة كتابية بعينها. ق. م.٢٥٠٠ ق. م. و ٣٥٠٠ولئن كانت األلف األولى في بناء احلضارة (ب}

(قد أنتجت-في تواتر سريع-معظم إجنازات العصر البرونزي التكنولوجـيـةوالتنظيميةK فإن األلف الثانيـة ضـمـنـت اسـتـمـرار ذلـك اإلجنـاز مـن خـالل

د أبطأت بخطىاالنتشار. ولعل البيروقراطية والنزعة العسكرية واحلرب ق ق. م.K أو لعل إمكانـات١٢٠٠ ق. م. و ٢٥٠٠التطور التكنولوجي بـ} عـامـي

العصر البرونزي وحدوده القصوى. قد حتققتK واستنفدت في فترة مبكرة.ق. م.(لم١٧٥٠ ق. م.-٢٠٥٠ومهما يكن من أمر فإن اfملكة الوسطى اfصرية (

٣٠٠٠تقم إال Sحاكاة بناء األهرام واfؤسسات اfلكية في اfملكة القدCة (مـبـراطـوريـات الـسـامـيـة فـي شـمـال بـالد مـا بــ} ق. م.). أمـا اإل٢٢٥٠ق.م-

النهرين)مثل بابل(فقد وسعت من نطاق إجنازات السومري} األوائل وأضفتعليها طابعا عسكريا.

ق. م. وتطور تكنولوجيا العصر احلديدي٢٥٠٠Kولكن الفترة الواقعة ب} ق.م.K كانت أكثر إبداعا. وفي هذا الصدد Cكن أن نشيرK على١٢٠٠حوالي

سبيل اfثالK إلى التطورات التي دخلت على القانون والدين والكتابة والتيجناز الثقافي حتى داخـل حـدود حـضـارة بـالد مـا بـ}فتحت إمكـانـات لـإل

ق. م.) قد قوت شوكة النظام١٧٥٠النهرين ومصر. فمواد قانون حمورابي (األبوي واحلكم الطبقيK ولكنها بذلك وفرت قدرا من اليق} والعدالة افتقرتأليهما اجملتمعات القبلية التقليدية. زيادة على ذلك فإن كفاءة اإلمبراطورية

وبهذاالبيروقراطية اقتضت وجود طبقة حاكمة مسئولة وقوية على السواء.فرضت قانون حمورابي عقابا أشد وطأة على النبالء الذين يرتكبون جرائممعينةK كما فرض عقابا أشد على اجلرائم التي ترتكب ضد النبالء. إذ كان

من اfفروض أن يسلك أعضاء طبقة النبالء سلوكا أفضل من الرعايا.

92

الغرب والعالم

وفي مصر تسلل التعبير اfشخص)أو احلجري(عن اخللود الـشـخـصـي ق. م.(K إلى سـائـر٢٥٠٠ ق. م.-٧٠٠الذي ظهر خـالل عـصـر بـنـاء األهـرام (

ر أوزوريسو ق. م. فقد ص٢٠٠٠اجملتمع في عبادات الرب أوزوريس في عام عث حيا بفضل زوجته احملبة إيزيس بعد أن قطع أخوه الشرير ستالذي ب

أوصاله إرباK صور على أنه إله العالم السفلي الذي يزن نفوس كـل أمـواتKصري} بالريشة رمز العدالة. وهكذا انفتح باب اخللود لغير أسرة الفرعونfاولم تعد قيمة الشخص تقاس بثروته أو مكانته اإلجماعية. وقد عمت عبادة

ق. م.(حتى أن الكهنة حاولوا١٢٠٠ ق. م-١٦٠٠أوزوريس في اfملكة القدCة (أن يزيلوا تأثير مضمونها الدCقراطي بفرض رسوم تضمن للمرء قلبا غير

١٣٧٥مثقل (أو ريشة ثقيلة)K وهي من اfفاسد التي سعى أخناتون (حوالـي ق. م) إلى إصالحها بدعوته لـعـبـادة إلـه واحـد هـو آتـون الـذي١٣٥٨ق. م.-

يطلب من عباده اخلير األخالقي. ورSا كان مذهـب أخـنـاتـون الـتـوحـيـديمصدرا للفكرة اليهودية/ اfسيحية عن رب عظيم واحدK ألن عهده هو عهدالوجود العبري في مصر. فإذا كان األمر كذلك فـقـد انـتـقـل الـتـوحـيـد مـعخروج اليهود. ولكن توت عنخ آمونK خليفة أخناتون الشابK سمح للـكـهـنـة

بنبذ العقيدة الثورية وعاصمتها في تل العمارنة.وحقق فن الكتابة أيضا-مثل القانون والدين-قدرا أكبر من اfرونة بـعـد

ق. م.. فكانت الكتابة اfصرية التصويرية وكتابة بالد الـرافـديـن٢٠٠٠عام اfسمارية ال تزاالن اfعيار الذي يتبع في التـجـارة الـدولـيـة والـنـمـاذج الـتـيحتتذى في األسلوب التقليدي. وقد نسخ احليثيون وسكان كريت في عصرمينوس األسلوب التصويريK بحيث حتدث نقوشهم نفس التأثير الذي حتدثه

ق. م. وبالتدريج حل محل الـكـتـابـة١٦٠٠نقوش اfصري}. ولكـن بـعـد عـام التصويرية في األعمال اليومـيـة نـظـام الـنـطـق الـصـوتـي بـدال مـن الـصـور.واألنظمة الصوتية في الكتابة أبسط بكثير ألن األصوات التي يحدثها النطقاإلنساني أقل من الصور التي يخلقها اخليال البشري. وهذا يعني مجموعة

من الرموز. إن الكتابة التصويرية قد تسبب اإلرهاق برسم كل شيءKأصغرماذا يعني-مـثـال-كما أنها قد تسبب االرتباك إن حذف أحد التـفـاصـيـل. ف

شكل رجل متوكئ على عصا? هل يفيد «االستناد» أو «اfشي» أو «اجلندي»أو «كبر السن»? إن االنتقال من الكتابة التصويرية إلى الكتابة الصوتية كان

93

دن وا�دنيةا�

انتقاال تدريجيا للغاية. ففي البداية كانت الكلمات التصويرية تؤدي مهـمـةمزدوجة بوصفها أصواتا وصورا على السواء.

وقد أفضى هذا إلى نظام متطور من التوريات البصرية. ويقـابـل ذلـكفي لغتنا تلك احلالة التي نريد فيها كتابة كلمة «فردوس» فترسم رجال يفر(فر) وآخر يدوس شيئا حتت قدميه (دوس.(وبـالـتـدريـج أصـبـحـت الـرمـوزمعيار األصوات اfعينة. وفي بداية األمر كانت الرموز تقوم مقام اfقاطع ثممقام األحرف الساكنة. وأخيرا ظهرت أبجدية الرموز اfنفصلة التي تقابل

األحرف الساكنة واألحرف اfتحركة. ق. م; وهي ال تستخدم١٠٠٠ولم يكتمل تطور الكتابة الصوتية حتى عام

ق. م. في الـشـرق األوسـط بـدأت١٠٠٠في الـصـ} حـتـى الـيـوم. ومـع عـام تستخدم الرموز الدالة على اfقاطع بدل الصور والتوريات)البصـريـة(عـلـىنحو متزايد. ولكن حتى هذا التحول احملـدود فـتـح الـبـاب لـتـمـلـك نـاصـيـةالكتابة أمام عدد أكبر من السكان خارج نطاق الكهنـة والـكـتـبـة. وكـمـا هـوالشأن مع فكرة العدالة القانونية وفكرة اfسئولية اخللقية الفردية ابتكرتالطبقة احلاكمة في العالم القد� اfزيد من األدوات الفعالة حلكم الرعاياواإلمبراطوريات. ولكن هذه األدوات-شأنها شأن أدوات أخرى-ما إن ابتكرت

لم يعد امتالكها حكرا لربة أسرة حاكمة أو حضارة أو طبقة.

ملزيد من االطالعهناك عديد من الكتب الهامة عن تطور مجتمعـات اfـدن واحلـضـارات

V. Gordonاألولى كتبها علماء اآلثار واfؤرخون. فكتاب ف. جوردون تشايلد

Childeنسان يصنع نفـسـه اإلMan Makes Himselfحدد اخلطوط العريضـة ألهمية ثورات العصر احلـجـري احلـديـثK والـثـورات احلـضـريـة. ورغـم أنالكتاب قد نشر منذ مدة طويلةK فإنه ال يزال قادرا على استيعاب اهتـمـام

ومحررو سلسلة كتبDora Jane Hamblinالقار�. وقامت دورا ج} هامل} تا� الين بإضافة ما استجد من معلومات إلى التفسير القد�K وذلـك فـيمجموعة مصورة جميلة من اfقاالت عن عدة مدن محددة باسم أوائل اfدن

The First Citiesتع مصوi ر هو كتاب جل} دانيـال . وثمة مدخل عامGlyn

Daniel :احلضارات األولى: الدراسات األثرية ألصولها The First Civilization

94

الغرب والعالم

(×٧) ترجمة إلى العربية جبرا إبراهيم جبرا (اfترجم).

The Archaeology of Their Originsكن للقـار� أن يـجـد تـاريـخـا مـقـارنـاCو . أصل اجملتمعاتRushton Coulbornمختصرا بليغاK هو كتاب رشتون كولبرون

والكتاب يصدر عن رؤية دائريةThe Origin of Civilized Societiesاfتحضرة Jacquettaللتاريخ. وهناك معاجلة مقارنة أوفىK في كتاب جـاكـيـتـا هـوكـس

Hawkes احلضارات الكبرى األولـى The First Great Civilizationsوفي كتـاب The Beginnings of بدايات احلضـارة Sir Leonard Wolleyسير ليونارد وولى

Civilizationوقد نشر الكتابان حتت عنوان ما قبل التاريخ و بدايات احلضارة .Prehistory and the Beginnings of Civilizationوإن أراد القار� أن يطالع تواريخ

KةCنابضة باحلياة لالكتشافات األثرية التي هي أيضا دراسات للحضارة القد عن مصر بعنوان الفراعنةLeonard Cottrellفعليه Sولفات ليونارد كوتريـل

وكتابه<The Bull of Minos وعن كريت «ثور مينوسThe Lost Pharaohsاfفقودون فهي كلها مثيرة. وهناك سلسلة مثيرة عن حضاراتLost Citiesاfدن اfفقودة

التاريخ يبدأSamuel Noah Kramerاfدن األولى في كتاب صمويل نواكرامر أكثر عمقا لفلسفة وأساطير. وجند حتليالHistory Begins at Sumerفي سومر

Henryاحلضارات القدCة في الشرق األوسط في كتاب هنري فرانكفورت

Frankfort(×٧) وآخرين ما قبل الفلسفة Before Philosophyوفي كتاب أس. هـ .Middle Eastern Mythology أساطير الشرق األوسط S.H. Hookeهوك

ومن يريد من الدارس} استكشاف تاريخ حضارة قدCة بعينها فهناكمجال واسع من القراءات اfمكنة. فبالنسبة لبـالد مـابـ} الـنـهـريـن قـدCـا.CJكن الرجوع لبعض العناوين السابق ذكرهاK كما يوجد كتـاب. مـيـالرت

Millaart اقدم احلضارات في الشرق األدنى Earliest Civilizations in the Near

East وكتاب و. و. هاللو .W.W.Hallo و و.ك سمبسون KW.K.Simpsonالشرق KMilton وكـتـاب مـيـلـتـون كـوفـنـسـكــي The Ancient Near Eastاألدنـى الـقـد�

Covensky تراث الشرق األدنى القد� The Ancient Near East Traditionوكتاب The Ancient الشرق األدنـى الـقـد� Cyrus H. Gordonسيـروس هــ جـوردون

Near East {وكتاب سر ليونادرد وولى أور: مدينة الكلدان Ur of the Chaldees

Theوكتاب صمويل نواكرامر «السومريون تـاريـخـهـم وثـقـافـتـهـم وطـابـعـهـم»

Sumerians: Their History, Culture and Characterوكتاب أ. ليو أوبنها� A. Leo

95

دن وا�دنيةا�

(×٨) ترجمة إلى العربية جنيب ميخائيل إبراهيم (اfترجم).(×٩) ترجم إلى العربية بعنوان حضارة مصر الفرعونية (اfترجم)

Oppenheim ـة: صـورة حلـضـارة مـيـتـةCبالد ما ب} النهـريـن الـقـد Ancient

Mesopotamia: A Portrait of a Dead Civilizationوكتاب هنري فرانكفورت مولد وكتاب هــThe Birth of Civilization in the Nearاحلضارة في الشـرق األدنـى

العظمة التي كانت بابل.H. W. F. Sagg وكتاب هـ ود ساجH.W. Eastوف ساجThe. Greatness that Was BabylonـةCـصـريـة الـقـدfأما بالنسبة للحـضـارة ا

فيمكن الرجوع لبعض الفصول في الكتب السابق ذكرهاK كما يوجد كـتـابThe اfـصـريـون الـشـعـب الـقـد� واألمـكـنـة الــقــدCــة C. Aldredس. ألـدرد

Egyptians, Ancient People and Places وكتاب اليزابيـث رايـفـسـتـال Elizabeth

Riefstahl طيبة في عصر امنحتب الثالث Thebes in the Time of Amunhotep

Ill :وكتاب سير آالن جـاردنـر Sir Alan Gardiner(×٨) مصر الفراعـنـة× Egypt

for the Pharaohsوكـتـاب بــاربــرا مــيــرتــيــز Barbara Mertzــقــابــرfـعــابــد واfا :Temples, Tombs and Hieroglyphsوالهيروكليفية: قصة علم اآلثار اfصريـة

The Story of Egyptology وكـتـاب تـورجــنــي ســيــف ســودربــرج Torgny Save-

Soderbergh فراعنة وفانون Pharaohs and Mortals وكتاب جون أولسوز sonإ John A. Wi(×٩) عبء مصر The Burden of EgyptةCوكتابه ثقافة مصر القد

The Culture of Ancient Egyptوال تزال الكتب الكالسيكية التي وضعها جيمس تطور الدين والفكر في مصر القدCةJames Henry Breastedهنري برستد

The Development of Religion and Thought in Ancient Egyptوالسفر الـهـائـل كتبا عظيمة حتى بعـد خـمـسـ} عـامـا مـنA History of Egyptتاريخ مـصـر

كتابتها. وCكننا أن جند مجموعة من اfصادر األولية في كتاب أدب مصر Kة مختارات من القصص التعاليم والشعـرCالقدThe Literature of Ancient

Egypt An Anthology of Stories, Instructions and Poetry.بــــــــإشــــــــراف و. ك سمبسون. وبالنسبة للمغرم} باألهرام Cكن الرجوع لكتاب أحمد فخري ا

.The Pyramidsألهرامات

96

الغرب والعالم

وقد تناولت الكـتـب الـتـالـيـة احلـضـارات الـقـدCـة األخـرى فـي الـشـرق وكتاب د. بThe Hittites احليثيون R. Gurney .0األوسط. كتاب او. ر جورني

.R. W وكتاب ر. و هتشنود. The Phoenicians الفينيقيون D. B. Hardenهاردن

Hutchinson كريت قبل التاريـخ Prehistoric Crete وكتاب و. أ ماكدنـالـد W A

Mcdonald سـيـنـيـةfاضي: إعادة اكتشاف احلضارة اfالتقدم في ا Progress

into the Past: The Rediscovery of Mycenaean Civilizatiorستيدfوكتاب أ. ت او A. T. Olmstead تاريخ اإلمبراطورية الفارسية History of the Persian.

الهند قبل التاريخStuart Piygottوعن الهند يوجد كتاب ستيوارت بيجوت Prehistoric India وكتاب سير مـور�ـيـر ويـلـر Sir Mortimer Wheelerحضـارة

مصادرKW. T. De Bray وكتاب و. ت د يبـراي The Indus Civilizationالسند RomilaThapar وكتاب روميال ثايار Sources of Indian Traditionالتراث الهندي

وكــــــــــــــتـــــــــــاب او. اي شـــــافـــــيـــــرا/A History of Indiaتــــاريــــخ الـــــهـــــنـــــد .Traditional Indian الهند التقليديةI. Chavarria-Aguilar .٠أجويالر

W. A. Fairservis, Jrوعن الـصـ} يـوجـد كـتـاب و. أ. فـيـرسـرفـيـس االبـن

س. ب فتز وكتاب Origins of Oriental Civilzationأصول احلضارة الشرقية China A short Cultural الص}: موجز التاريخ الثقافي C. P. Fitzgeraldجيرالد

History وكتاب و. اتشـورن W. Eichhornاحلضارة الصينية: مـدخـل Chinese

Civilization: introduction وكتاب جيصرت. سر ليو JamesT. C. Liuوي/ منج .W وكتاب و. واطسـون Traditional China الص} التقـلـيـديـة Wei-mingTuتو

Watson الص} قبل أسرة هان احلاكمة China Bofore the Han Dynastyوالكتاب he Making تكوين الص} Chun-Shu Changالذي اشرف عليه تشون-شوشاجن

of China وكتاب هفلي. ج. كـريـل Hefflee G. Greel{مولد الصـ The Birth of

China.

97

دن وا�دنيةا�

الهوامش

(1) Aristophanes, The Archarnians, trans. Douglass Parker) New York: New American Libray, 1961)

pp. 16- 17.K

98

الغرب والعالم

السياق التاريخي ق. م.١٠٠٠للعالم القدمي: حتى

ق. م.: العصر احلجري القد� (البوليوليحـى): الـصـيـد٨٠٠٠قبل عـام وجمع الثمار

ق.م: بداية العصر احلجري احلديث: الزراعة والرعي.٨٠٠٠%من٩٩ق.م: انتشار ثورة العصر احلجري احلديث ب} ١٥٠٠ق.م.-٨٠٠٠

سكان العالم. اختراعات العصر احلجري احلديث: األدوات احلـجـريـةKخميرة اخلبز Kالفخار Kاألواني Kعزقةfا Kاستخدام البذور Kالزراعة KصقولةfاKالقرىKستقرةfاحلياة ا Kالغزل والنسج Kمعرفة النبات Kشروبات الروحيةfا

ربات األرض األمهاتK تدج} احليوانات.ق.م: تكنولوجيا العصر احلجري احلديث تصل إلى٤٠٠٠ق. م.:-٦٠٠٠

Kالـري Kالـزوارق Kالعـربـات ذات الـعـجـالت Kعادنfدرجة الكمال. صهر ااحملاريثK اfدن الصغيرة.

ق.م الثورة احلضرية في سومر. بداية حضارتي بالد٣٠٠٠ ق. م.: ٣٥٠٠Kـلـكـيـة والـكـهـنـةfما ب} النهرين ومصر. تطور الري والتقاو� والـكـتـابـة واوالطبقات والوظائف احلضرية والرياضة وعلم الفلك األولى وألبيروقراطيات

والثقافة اfلكيةK واfؤسسات األبوية والدين.٣٠٠٠ KةCملكة القدfق.م.٢٢٥٠ ق. م.- ٣٠٠٠ ق. م.: توحيد مصر ا:-بناء الهرم في مصر. بداية حضارة كريت في عهد٢٥٠٠-ق. م٢٧٠٠

مينوس وحضارة السنـد. الـزراعـة فـي الـعـصـر احلـجـري احلـديـث فـيالص}. ق. م.: بداية إمبراطورية سارجون األكادي في بالد ما ب} النهرين.٢٥٠٠ق.م: ظهور كوكبة من احلضارات في البالد التي تعتمـد عـلـى مـيـاه٢٠٠

ق.١٧٥٠ ق. م.-٢٠٥٠اfطر في الشرق األوسط. اfملكة الوسطى في مـصـرق.م.: إمبراطورية حمورابي في بالد ما ب} النهرين وشريعته.١٧٥٠م.

99

دن وا�دنيةا�

الباب الثانيالعالم الكالسيكي

١٠٠٠ ق.م - ٥٠٠

100

الغرب والعالم

101

ا�دينة - الدولة والعاصمة

مة مناصولة والعاملدينة-الدأثينا إلى روما

اعتدنا التفكير في اfدن بلـغـة األرقـامK فـنـحـنف اfدينة بأنها مساحة يقطنها كذا نسمةK ونع}نعر

مشاكل اfدن بكثرة السـكـان واالخـتـنـاق واfـعـيـشـةالرأسية. ويبدو أن اfدن فيها وفرة فـي كـل شـيء:كثرة في السكان وكثرة في حركة اfواصالت وكثرةفي التلوث. ولعل ثقل األرقام وحده هو الذي يجعل

احلياة في اfدينة سريعة محمومة.ولكننا نحتاج أحيانا إلى من يذكرنا بأن ما يحدداfدينة ويسبب مشاكلها هو كثافـة الـسـكـان ولـيـسحجمهم. ومشكلة الكثـافـة أكـبـر مـن مـجـرد حـجـمالسكان أو عددهم. ولكن خفض الكثافة السكانيةفي ذاتهK مثل خفض عدد السكانK ال يجعل اfدينة

ن الكثافة السـكـانـيـة فـي مـدنأصلح للـسـكـنـى. فـإحديثة كنيويورك وطوكيو مثال تبلـغ خـمـس كـثـافـةالسـكـان فـي اfـدن الـصـغـيـرة اfـضـغـوطـة اfـسـورة

القدCة.وإذا كانت اfدن قد أصبحت أكثر سكانا وأقـلكثافة وزادت مع ذلك مشكالتهاK فعلـيـنـا أن نـتـجـهوجهة أخرىK بحثا عن األسباب. ويستـعـرض هـذا

4

102

الغرب والعالم

الفصل تاريخ اfدن القدCة كي نكتشف �يزا من نوع آخر-أال وهو الوظيفةبدال من األرقام. وقد كـان الـعـالـم الـقـد� يـفـرق بـ} اfـدن-الـدول واfـدن-

العواصم اإلمبراطوريةK وهي تفرقة ال تزال مفيدة لنا اليوم.إن اfدينة-الدولة تختلف عن العاصمة فيـمـا تـؤديـه مـن وظـائـفK فـهـيتلبي احتياجات السكان في احلضر والريف. وهي غالبا ما تسير شئونـهـابتلقائية بل بدCوقراطية (فيما يتعلق Sواطنيها على األقـل)K ومـن نـاحـيـةأخرى فإن وظيفة العاصمة هي في العادة تعـظـيـم سـلـطـة لـلـحـاكـم ولـيـس

ان. فهما �وذجان متباينان في الغالب من جهة احلجمخدمة مصالح السكوالكثافةK ولكن تباينهما في الوظيفة هو الذي كان له التأثير األكـبـر فـيـمـا

يوفرانه من فرص احلياة.لقد كانت أثينا هي أشهر اfدن-الدول في العالم القد�. واإلسكندريـةوروما هما افضل مثل} للعاصمة اخلارجية واحملـلـيـةK وال زلـنـا إلـى الـيـومنواجه االختبار نفسه. فهل ترانا في طريقنا إلى اختيار روما واإلسكندرية?

أثينا: املدينة-الدولة واحلياة الطبيةيقول أرسطو: «يجتمع الناس في اfدينة لكي يقيموا بها ولكـي يـنـعـمـوابطيب العيش». ومع أنه كان هنا يتكلم عن اfدينة في عمومهاK فـال بـد أنوطنه أثينا كان في خاطره. والبد أن أرسطو لـم يـقـصـد بـتـعـبـيـره «احلـيـاة

الطيبة» الراحة اجلسمانية واfتاع اfادي فقد الحظ زائر يوناني:«أن الطريق إلى أثينا طريق يدخل الـسـرور عـلـى الـقـلـبK فـهـو يـخـتـرقKدينة فال تسقط عليـهـا األمـطـارfحقوال مزروعة من أوله إلى آخره. أما اوتعاني من نقص اfياه. والشوارع ليست إال أزقة عتيقة يـائـسـةK ومـنـازلـهـامتواضعة قليلها حسن. وح} يصل الغريب إليها ألول مرة ال يكاد يصدق أن

.)١(هذه هي أثينا التي طاfا سمع عنهاالواقع أن أثينا كانت جتهل اfرافق الصحية التي �تعت بها مدينة أورالسومرية أو مدينة هارابا الهندية قبلها بألفي عام. وكـانـت بـيـوتـهـا تـشـادبالل± مع أسقف من القرميد أو حتى من الط} والقش. ولم تكن الشوارعمرصوفة فكان الضيق منها يتحول إلى ط} في الربيع وتراب في الصيف.ولم تكن نيران الفحم النباتي بقادرة على محو لسعة الشتاء �اماK وكانـت

103

ا�دينة - الدولة والعاصمة

البيوت الصغيرة اfشيدة من طابق واحد تصبح أشبه باألفران في الصيف.كانت أثينا تنقصها وسائل الراحة اfتوفرة في حياة اfدينة الكبير. وهيمثل اfدن/ الدول القدCة كانت أشبه ببلـدة صـغـيـرة فـي الـواقـعK. إذ كـانCكن قطع اfسافة من وسطها إلى أطرافها في خمس عشرة دقيقة. لقـدكانت مدينة من اfزارع} الفالح} الذين كان ال يزال على الكثيرين منهمأن يتوجهوا إلى احلقول اجملاورة لالعتناء بأراضيهمK فلم تكن أثينا تختلفكثيرا عن قرية ريفية من حيث التكنولوجـيـا ووسـائـل الـراحـة والـتـخـطـيـط

اfادي ومعيشة السكان. ورSا كان ذلك-ال احلقيقة-هو سر قوتها.وقد ظلت األساليب الدCقراطية القروية متبعة في معظم اfدن-الدولفي الزمن اfبكرK ولكن أثينا تناولتها بجدية فريدة. فكانت نسبة من يباشرونالسلطة فيها إلى عدد السكان تفوق كثيرا غيرها من اfدن. وقد بلغ أكـبـر

ألفـا مـن١٥٠ ألفا من اfواطنـ} الـذكـورK وحـوالـي ٤٠تعداد لسكـانـهـا نـحـو حرائر النساء واألطفال واألجانبK ومائة ألف من الرقيق. نعم إن حـرمـانالنساء من حقوق اfواطنةK وخلق طبقة من الرقيق هو انتقاص من دCقراطيةKدن كانت تستعبد النساء مثلما تستعبد الرقيقfولكن جميع ا Kاحلياة القرويةإال أن طابع أثينا الدCقراطي الفريد إ�ا يكمن فـي اfـسـاواة الـعـامـة بـ}

مواطنيها الذكور وفي درجة مشاركتهم في احلياة السياسية.ذا ركزنا على اfواطن} األثيني}K الذين تبلغ نسـبـتـهـم سـبـع مـجـمـوعفإ

السكانK وهي نسبة كبيرة بشكل غير عاديK لتبدى لنا الـنـظـام الـسـيـاسـياألثيني دCقراطيا للغاية-ورSا اشد دCقراطية من نظامنا. فهؤالء اfواطنونكانوا يختارون بالقرعة للعمل في جميع أجهزة احلكم باfدينة. وقد جنبهمهذا بعض مزالق االنتخاباتK إذ قلل إلى أقصى حد من أهـمـيـة «األسـمـاءKوأبطأ من �و األجهزة السياسية Kالالمعة» ألعضاء األرستقراطية التقليديةوأتاح الفرص واخلبرة لعدد جم من اfواطن} ألداء اخلدمة العامة على نحوأفضل من نظام االنتخابS Kرونة أكبر في تغيير سياسـة احلـكـومـة بـدونمواجهة أعضاء البيروقراطية اجلاهدة اfتشبثة SراكزهاK أو خدش كرامةرجال السياسة القدCةK كما حث اfواطن} على مواكبـة األحـداث الـعـامـةألنهم قد يجدون أنفسهم فجأة أعضاء في مجلس اfدينة. فالنظام األثينيالقائم على االختيار بالقرعةK فاق الدCقراطية النيابية في جعل اخلدمـة

104

الغرب والعالم

العامةK مدرسة للتربية ووسيلة لتكوين اfواطن}.و مهارة ما (فيوعندما كانت تنشأ احلاجة اfاسة إلى علم متخصص أ

اإلدارة اfالية أو بناء أحواض السفن) كان يتم تعي} مجالس من «احملترف}».ر أن األثيني} أدركوا (ولعلهم فاقونا في هذا(أن إدارة دفة احلكم أحوجغي

إلى اfواطن} اfستنيرين النشط} منها إلى اخلبرة.أمـا الـقـرارات الـكـبـرى (الـقـوانـ} وقـرارات احلــرب والــســالم وفــرض

أو(×)الضرائب الواجب جبايتها وأوجه إنفاقها) فكان يتخذها «اإلكليسـيـا»«مجلس اجلماهير». وهذه الهيئة التشريعية-بعكس الكوجنرس األمريـكـي-مؤلفة من كافة اfواطن} الذين يتمتعون جميعا بـحـق الـكـالم والـتـصـويـت.Kسائل التي تطرح على هذه اجلمعيةfدينة بإعداد معظم اfويقوم مجلس ا

أما القول الفصل فيما يجب عمله فكان من حق جماعة اfواطن}. Sعنى «اfدينة-الدولة» هي جذر الكلمةPollisإن الكلمة اليونانية بوليس

. وهذا أمر طبيعي ومعقولPoliticsالتي اشتقت منها كلمة السياسة بوليتيكس ن أثينا هي التي دلتنا على إمكانات اfدينة الدCقراطية. غيرفي لغتنا. فإ

أن األمر اجلوهري هو أنها أطلعتنا على إمكان قيام مدينة اfشاركةK واfدينةاfبدعة. وهذا ما كان يرمى إليه بركليزK رجل الدولة األثيني الكبيـر الـذي

ق. م.K ح} قال إن أثينا هي «معلمة٤٣٠ ق. م. إلى ٤٤٣اختير رئيسا لها من Acropolisاليونان». وينبغي لنا أن نضيف «ومعلمة الدنيا». أثينا: االكروبول)

(اfسرح).Amphitheatre)الساحة (واألمفيثيتر) Agora(اfعبد) (واألجورالم تكن األكليسيا إال أحد أركان احلياة اإلجماعية األثـيـنـيـة. فـقـد قـام

ثراء احلياة العامـة. واالكـروبـول أو إلى جانبهـا بـإاfعبد والساحـة واfـسـرح يشرف على أثينا اليوم يقع على ربوة عالية في قلب اfدينةله الذيبيت اإل

كما كان في عهد بركليز عندما بنيت اfعابد القائمة. والبد ان التقابل ب}اfعبد واfدينة كان أكثر مدعاة للدهشةK حينئذK من التقابل القائم اآلن ب}اfباني اجلليلة اfلونة اجلديدة على الربوة بينما تـتـرامـى أسـفـلـهـا الـبـيـوتاfتكومة. فقد كان االكروبولK قبل أن يصبح متحفا لفن الرخام (وهو أجملمتحف من نوعه في العالم)K مصدرا حلياة األثيني ومصدر خصوصية هذه

كان األثينيـون(×١)احلياة ومعناها. ففي أهم مهرجانات اfدينة البانـاثـيـنـيـايتوجهون في موكب يصعد متعرجا على منحدرات االكـروبـول حـيـث كـانـوا

105

ا�دينة - الدولة والعاصمة

يتجمعون لتقد� هداياهم للربة أثينا. وهذا االحتفالK شأنه شأن احتفاالتأخرى كثيرةK كان يتكرر في اfدينة-الدولة القدCة. وأفلحت مواسم االبتهاجوالسرور واfهرجانات اجلماعية في جعل الناس يتعلقون Sدينتهم ويتعـلـقبعضهم ببعضهم اآلخر Sثل ما شحذت فيهما إلكليـسـيـا حـاسـة اfـشـاركـة

السياسية.فاآللهة واجلبل اfقدس والكهوف والينابيع واfزارات ربطت األكـروبـولبسحر اfاضي النيوليثي وشعائره. وكذلك فإن الساحة حيث السوق وحيث

ة» واستمرارهK أو إذا توخيـنـايتجمع الناسK هي توكيد لبقاء «ميـدان الـقـريالدقة فهي بقاء لتلك الساحة الدائرية اfكشـوفـة الـتـي كـان يـتـالقـى فـيـهـاالقرويونK يعرض البعض منهم سلعهم. إن السوق يأتي في اfرتبة الـثـانـيـةبالنسبة للمهمة التي يقوم بها مكان التجمع. وتصف إلياذة هوميروس الساحةبأنها في اfقام األول «مكان التجمع» حيث «يلتقي سكان البلدة»K في حـ}يجلس اfسنون «على األحجار اfصقولة في وسط الدائرة اfقدسة» للقضاءفي أمر قروي مذنب مثال. ثم غلب السوق على ملتقى اfدينة. وiا ال شكفيه أن تداول األفكار والشائعات قد سار جنبا إلى جنب مع تبادل السلـع.فقد كانت الساحة أشد عناصر اfدينة حيويةK وكان اfيـدان اfـتـسـع Cـوجباحلركة. فب} النافورة واfقاعد الطويلة اfغطاة بالسيراميك يتنافس بائعالسجق وصانع الفضة على موضع. وعلى الدرجات ب} سوق السمك واfعبد

ليتحدثا عن «األشكال اخملتلفة للفضيلة»-ولكي(×٢)أوقف سقراط القبيادسيهرب من زوجته أيضا. ويعلو صوت شرذمة تتجـادل فـي أمـر احلـريـة فـياسبرطة مع اقتراب صبي} يعزفان على الناي. وهذا فالح وحماره يزاحمانأفالطون الذي تريث يتأمل جنارا يقوم بعمله اfعقد في دكانه اfكشوف.

ولقد كان اfسرح األثينـيK وهـو شـبـه دائـرة هـائـلـة مـن الـدرجـات الـتـينحتت في جبل منحدرK متنفسا آخر لالختالط اإلجماعي الذي يصل شئوناfدينة العامة بطقـوس الـديـانـة الـقـدCـة. وفـي الـقـرن الـسـابـق عـلـى وفـاة

مسرحيةK مـنـهـا مـائـة١٢٠٠ ق. م.K كتبت ومثـلـت ٤٠٦ عـام (×٣)سوفوكلـيـس مسرحية من تأليف سوفوكليـس نـفـسـه. وهـي مـثـل كـثـيـر مـن مـسـرحـيـات

(ونحن هنا نذكر قلة منهم) ال تزال(×٤)إيوربييديس وأسخيلوس وأريستوفانمحتفظة بسرها حتى اليـوم. فـقـد عـرضـت الـتـراجـيـديـات والـكـومـيـديـات

106

الغرب والعالم

اليونانيةK في الهواء الطلقK جوانب الضعـف الـبـشـري واألمـور الـسـيـاسـيـةوالصراعات األزلية في حياة اإلنسان ليشهدها اجلميع. وكان العرض فرصة

لسبر أغوار الذات في الوقت نفسـه.للتفاعل االجتماعي مثلما كان دافعـاوكان اfسرح مثل اfعبد والساحةK تصب فيه طاقة اجلمهور بقـوة وغـزارة.فقد كان عدد كبير من األثيني} يقومون بالتمثيل بـ} احلـ} واآلخـر. ولـميكن هناك إال فرق بسيط ب} اfؤدي واجلمهور. وكثيرا ما عبر اfؤلف عنالشعور العام من خالل األجزاء اخملصصة «للـجـوقـة». وكـانـت اfـسـابـقـاتتقام و�نح اجلوائز لبعض اfسرحيات. كما كانت بعض اfسرحيات تقابـلبسخط اجلماهير واستهزائها أثناء التمثيل. إال أن الدراما ظلتK رغم االتفاقالعام عليها وحماس اجلماهيرK أقرب إلى أصولها اfقدسة البدائية. ومـنثم كانت محل تقدير مهما اشتد اخلالف حولها. ففي أثـنـاء حـرب الـبـيـلـوبولنيز وأثناء الغزو اإلسـبـرطـي ألثـيـنـا قـدم أريـسـتـوفـانـس مـسـرحـيـة أهـل

الم خاص» مع العدو. فاألثينيون قـد التي قام بطلها بعقـد «س(×٥)أرخارينااستغلوا اfكان والزمان العام لتعميق الوعي اخلاص والتعبير احلر.

ولكن اfشاركة الشعبية على هذا اfستوى الرفيع كانت تتطلب بطبيـعـةاحلال قسطا معينا من وقت الفراغ. ولقد قال أرسطو إن اfدينة «يجب أنتكون على نحو Cكن سكانها من العيش مع االستمتاع بوقت الفراغ باعتدالوحرية» والشك أن اجلانب األكبـر مـن وقـت فـراغ اfـواطـن قـد وفـره جـهـداألرقاء الذين عملوا في اfناجم والسفن أو خدموا في شرطة اfدينة أو فيبيوت األغنياء. ولكن الفالح أو احلرفي العادي لم يكن يقتنـي رقـيـقـاK ولـميكن متوسطو الثراء Cلكون إال نحو دستة مـن الـعـبـيـد; بـل إن أهـل الـثـراءالفاحش لم يكونوا يقتنون أكثر من خمس} عبـدا. فـوقـت الـفـراغ لـم يـكـنراجعا كله إلى وجود العبيـدK بـل كـان راجـعـا إلـى الـقـنـاعـة Sـسـتـوى حـيـاةتكنولوجي معتدل مكن اfواطن} من أن يعيشوا «احلياة الفاضلة» أو الطيبةالتي تشتمل على «قسط وافر» من اfشاركة العامة واحلوار الفكري والتعبيرالفني بقدر أكبر من احلرية. فوقت الفراغ هو من قيم القرية أساساK ومناألرجح أن الفالح} كان لديهم دائما من الوقت احلر ما يزيـد عـلـى وقـتسكان اfدينة. ولقد أصر األثينيون على استخدام وقت الفراغ ذاك للتوسع

نسانيةK وكان هذا على حساب الرقيق. ولكن علينـافي إمكانات احليـاة اإل

107

ا�دينة - الدولة والعاصمة

قبل أن نوجه لهم النقد من وجهة نظـر األخـالق الـعـصـريـةK أن نـذكـر أنـنـانستخدم آالتنا اكثر إنتاجا لزيادة العمل ولتـوفـيـر الـوقـتK وأنـنـا نـسـتـخـدممدننا لالستغالل الفردي اخلاص. فعلى األقل كان هدف احلياة بالـنـسـبـة

للمواطن} األثيني} هو إثراؤهاK وقد يسرت لهم اfدينة ذلك.

مبراطورية اليونانية: عواصم الثقافة السكندريةاملدينة اإلكان أرسطو-في دراسـتـه لـلـمـدن اfـثـلـى-أشـد تـقـديـرا لـلـتـنـوع والـتـعـددواالحتياجات احمللية اخلاصة من أستاذه أفالطون. إن دولة أفالطون اfثالية

قطعـة٥٠٤٠ مواطنا و ٥٠٤٠هي Sثابة اfطلق الهندسي. قوامها بـالـضـبـط أرضK وثالث طبقات من الناس تتعلم وتعيش منفصلةK واfدينة مقسمة إلى

لهه ومعبده.وCتد كل بيت منها كالسـوراثني عشر قسما ينفرد كل منها بـإKسكن الواحد». كل ما فيها-باختصار-منتظم موحدfدينة هيئة اfوتتخذ ا»

سبرطي.ألن أفالطون كان معجبا باالنضباط والتنظيم العسكري اإلأما أرسطو فكان أقل انبهارا باألشكال اfثالية وأشد اهتمـامـا بـاfـسـاروالهدف والوظيفة والنمو واإلمكان-أيK باختصارK بأنواع احلياةK التي تتولدعن العيش في مدن بعينهاK بدال من اإلطار اخلارجي «اfثالي». ولعـل هـذا

راجع إلى دراسته اfستفيضة للكائنات العضوية احلية).وقد كان اإلسكندر األكبرK أشهر تالميذ ارسطو وهو الذي رسم معالماfستقبلK بيد أن التخطيط الذي وضعه اإلسكندر كان أقرب إلى تخطيط

٣٣نة التي مات فيها اإلسكندر عن ق. م.K وهي الس٣٢٣افالطون. وفي سنة درية. وفيعاماK كان قد أنشأ سبع} مدينة أطلق على معظمها اسم اإلسكن

وريته في شمالح} باد معظمهاK كتب البقاء لإلسكندرية عاصمة إمبراط كانت عليها سائر اfدن في هذا العصرأفريقياK لتشهدنا على الصورة التي

الهلينيK ثم لتؤدي وظيفة اكـثـر قـيـمـة: إذ حـافـظـت عـلـى مـعـارف الـثـقـافـةاإلغريقية السابقة عليها في دويالت اfدن اليونانية. وقد كان تـصـمـيـمـهـا�وذجا لتخطيط اfدن الذي سار على نهجه الرومانK حكام البحر اfتوسطالالحقون. وفي الوقت نفسه استعادت تصميم وأسلوب مدن الشرق األوسط

مبراطورية القدCة في بابل وآشور وكريت ومصر.اإلسكندرية تذكر ما رواه هوميروسسكندرية مثالياK ولعل اإلوكان موقع اإل

108

الغرب والعالم

في األوديسة عن «جزيرة في البحر اللجي بازاء مصر يقال لها فاروسK بهامرفأ ذو مرسى رائع يجري منه القوم السفـائـن إلـى الـيـم». هـذه اجلـزيـرة(وقد يكون اسمها تصحيفا لكلمة «فرعون» اfصرية) تشـكـل درعـا يـحـمـىلسانا ضيقا من األرض ب} البحر األبيض اfتوسط وبحيرة مصرية واسعة.ولقد صمم اإلسكندر على بناء مدينته على هذا اللسانK وكانت هناك قناة

اfتوسط بالبحيرةK وأخرى موصلة للنيل. وشقت الطرقتربط البحر األبيضالعريضة على شكل مستطيل متشابكK �تد الطرق الطويـلـة مـنـهـا شـرقـاوغربا بحذاء اللسان. أما الطرق القصيرة فتمتد شماال وجنوبا من البحر

١٩ و ١٨إلى البحيرة. ويصل اتساع معظم الـشـوارع إلـى مـا يـتـراوح مـا بـ}قدماK أما الشارع الرئيسي اfمتد شرقا وغرباK وهو شارع كانويوسK فلعلهكان يصل في اتساعه إلى مائة قدم. وهكذا جند أن كل شيء صمم لضماناحلركة اfنسابة اfباشرة. لقد كان الهدف أن تكون اإلسكندرية مثال يحتذىفي الفاعلية والبساطة الواضحة. فكانت حلما fؤسس مدينة ال يتسع وقتهKثل األعلى حلاكم سيـطـر عـلـى الـعـالـمfلدراسة معالم األرض وكانت هي اويريد أن يظهر اتساع سلطاته وانتظامهK و�وذجا لـقـائـد أجـنـبـي يـخـشـىالتهديد احملتمل من جانب أحياء وطنيه حتميها شوارع ملتفة ضيقةK وكانتمصدرا النبهار التجار والزوار األجانب الذين كان بوسعهم أن يعملواK وأن

يتفرجوا على كل اfناظر دون أن يضلوا طريقهم.

اإلسكندرية:املناظر والنظر واملواكب(×٦)ويالها من مناظر! إن أحد زوارهاK وهو الروائي اليوناني أخيل تاتيوس

يذكرنا بأن اfدينة الرائعة كانت بهجة للناظرين:«بلغنا اإلسكندرية بعد رحلة استغرقت ثالثة أيـامK ودخـلـتـهـا مـن بـوابـةيقال لها بوابة الشمس وبهرني على التـو جـمـال اfـديـنـة األخـاذ الـذي مـألعيني بالبهجة. فقد كان هناك صفان متـوازيـان مـن األعـمـدة Cـتـدان فـيخط مستقيمK من بوابة الشمس إلى بوابة القمر (وهـمـا اfـعـبـودان الـلـذانيقومان على حراسة اfداخل)K وقرب منتصفهـا يـقـع اجلـزء اfـكـشـوف مـنKويتفرع منه عدد من الشوارع يبلغ من الكثرة حدا يجعـلـك تـتـخـيـل KالبلدةKا تقدمت قليالfمع أنك مازلت فيها. و Kأنك في بالد أخرى Kحينما �ر بها

109

ا�دينة - الدولة والعاصمة

سكندرKبضعة مئات من اليارداتK وجدتني في احلي الذي أطلق عليه اسم اإلفإذا بي أمام بلدة أخرىK وقد قسمت هذه اfدينة الرائعة إلى مربعات صف

له في الطول بزاوية قائمة. وحاولت أنمن األعمدة يقطعه صف آخر مساوأجول ببصري في كل شارع فارتد مني الطرف وهو حسيرK ولم أستطيع أنأ�لى جمال كل بقعة في التوK فمنها ما أدركته ومنها ما حملتـهK ومـنـهـا مـاKومنها ما لم أستطع إغفاله. فأما الذي رأيته فشد بصري Kتقت إلى رؤيته

ت في شوارعهالوأما الذي تطلعت إليه فكان يجر بصري إلى ما يتلوه. وقد جفلم يشبع مني النظر أيضا. «قصاراكK يا نواظري»!.! لقد راعنـي شـيـئـانغريبان شاذان بصفة خاصة-وكان يستحيل على أن أحدد أيهـمـا األعـظـم.حجم اfكان أم جمالهK اfدينة نفسها أم سكانهاK فاfـديـنـة كـانـت أكـبـر مـنقارةK والسكان يفوقون األمة عددا. وfا تطلعت إلى اfدينة شكـكـت فـي أنيتمكن أي جنس من األجناس من أن CألهاK وfا نظرت إلى أهلها سـألـتنفسي إن كان Cكن ألي مدينة أن تتسع فتستوعب هؤالء جميعا. ومع ذلك

.)٢(فقد بدا التوازن تاما في كل شيء» رSا كان من السهل على زوار اإلسكندرية االستغـراق فـي اfـبـالـغـةK إذ

واحد من تأسيس اإلسكنـدرإنها أصبحت أكبر مدينة في العالم بعد قـرن مدينة ق. م.. وما وافى القرن الثاني قبل اfيالد حتى كانت أول٣٣١لها عام

ألف نسـمـة١٥٠ ألف و ١٠٠في التاريخ البشري يتـراوح عـدد سـكـانـهـا بـ} وفدوا عليها من الهند وشبه جزيرة أيبريا واشتمـلـوا عـلـى عـرب وبـابـلـيـ}وأشوري} وميدي} وفرس وقرطاجني} وإيطالـيـ} وغـالـيـ}. وإلـى جـانـبسكان العاصمة الوافدين من ثالث قارات كانت تقوم أحياء أهلية متميزة-Kصري الوطني في الغربfواحلي ا Kيناءfلكي اليوناني ويقع على اfاحلي اواحلي اليهودي في الشرق. وكانت هذه األحياء مدنا قائمة بذاتها. وكانتزيارة اإلسكندرية Sثابة زيارة ثالثة أمصار أجنبية وزيارة «مدينة العالـم».

سكندرية حتفة فريدة من الناحية اfعمارية. فحتى اfـسـاكـنولقد كانت اإلالعادية كانت مبنية-شأن اfساكن األفخم-من احلجرK وأساسها من احلجرأيضاK داخلها أقواس مقنطرةK وصهاريج متصلة بالنيل. ونظرا لعدم وجوداخلشب (حتى بالنسبة لألرضية والقوائم) فقد كانت اإلسكندرية أكثر مقاومة

يثة. ومـع هـذاللحرائق من اfدن القدCة األخرى والعديـد مـن اfـدن احلـد

110

الغرب والعالم

كلهK فأغلب الظن أن اfباني الضخمة هي التي شدت أنظار الزوار.لقد بنى اإلسكندر وكل من تبعه من احلكام (البطاfة) قصورهم اخلاصةكوسيلة لزيادة فخمامة اfدينة بشكل مستمر. فكانت القصور وحدها حتتلما ب} ربع اfدينة برمتها وثلثهـا. وكـان بـهـا أيـضـا إسـتـاد ضـخـمK ومـسـرحمدرجK وحدائق عامة غناءK ومسلتان (أطلق عليهما اسم مسلتي كليـوبـتـرا-تيمنا باسم آخر البطاfة-وهما اآلن في لندن ونيويورك)K وفنار عده القدماءإحدى عجائب الدنيا السبعK وكثير من البوابات واfعابد العظيمة. وعندما

ق. مK وهو الذي شهد٢٤زار اجلغرافي اليوناني سترابون اإلسكندرية سنة طK أخذ مع هذا بروعـتـهـاK فـكـتـبالكثير من عالم الـبـحـر األبـيـض اfـتـوس

قائال:«إن اfدينة مليئة باfباني العامة واfقدسةK غدا أن الساحة الـريـاضـيـة

أجملهاK وبها من األروقة التي حتيطها األعـمـدةGymnasium«اجلمنازيوم» ياردة. وفي قلب (اfدينة) تقـع٢٠٠أكثر iا في االستاد من ناحية الطول ( وهي ربوة من صنع اإلنسانPaneumKاحملكمة والبسات}. وبها أيضا البانيوم

لها شكل مخروط شجر التنوب وتشبه الـتـل الـصـخـريK وCـكـن صـعـودهـابطريق حلزونيK ومن القمة بوسع اإلنسان أن يرى اfدينة كلها حتته من كل

.)٣(صوب» وأكبر إسهامات اإلسكندرية فـي احلـضـارة �ـثـلـت فـي صـرح آخـر هـو

الواقع جامعة للبحث مزودة بأكبر مكتبة في كان فيمتحف القصرK الذي عاfا٧٢ ألف كتاب). ففي هذه اجلامعة عكف ٧٠٠العالم القد� (أكثر من

وفدوا من أورشليم بدعوة من بطليموس علـى تـرجـمـة الـعـهـد الـقـد� إلـىاليونانيةK وهي الترجمة التي نشرتها اfسيحية على نطاق واسـع. وضـمـتاfكتبة أدق طبعات األدب الكالسيكي وجمعتها فحفظت بذلك الكثير iـا

بقي إلى اليوم.«وفيهما جمع أراتوستينيس اfعلومات التي عاد بها اfستكشفون اfوفدونإلى أفريقيا واجلزيرة العربيةK ثم قام بإعداد خريطة العالمK التي استخدمهابطليموص أساسا خلريطته وفيها أيضا وضع إقليدس الهندسة على شكلنظرياتK وخاطر أرستارخوسK من بلدة ساموسK بفرضية أن األرض تدورحول الشمس. وتوصل هيروفيلوس وأراستراتوس إلى معرفة دقيقة بتشريح

111

ا�دينة - الدولة والعاصمة

.)٤(الدماغ والقلب والع} iا فتح مجاالت أوسع لعمليات جراحية أجنح»

سكندرية: مواكب ومتفرجوناإلK(بعد كليوباترا) بل وفي ظل الرومان Kةfظلت اإلسكندرية في ظل البطاKفهي التي حفظت الـتـراث الـقـد� Kتوسط الثقافيةfعاصمة عالم البحر اووسعت نطاق اfعرفة اإلنسانيةK وخاصة في العلمK إلـى حـد يـفـوق كـل مـا

سكندريةK فـي نـواحاستطاعت حتقيقه اfدينـة-الـدولـة. وهـكـذا حـقـقـت اإلمتعددةK مستوى من الرقي الثقافي لم يظهر له نظير على مـدى ألـف عـام

أخرى. اإلسكندرية ما تستطيع اfدينة الهلينستية أو اfدينة العاصمة أنوتب}

تفعله في سبيل جتميل احلياة باعتبارها أثرا تالدا أو فنـا أو فـكـرا أو قـوة(قدرة) إال أنها تشترك أيضا مع اfدن األخرى الـتـي بـنـاهـا اإلسـكـنـدر (أو

ور)غيره) واfدن الكبيرة األخرى في العصر الهلينستي (أو غيره من العصنسانية.في إحداث تأثير iيت على الروح اإل

Kستطيلة فقدت شيئا من التفاعل اإلنساني والتلقائيةfدن اfإن جميع امة استطاعتوذلك في سبيل حتقيق اطراد ونظام مصطنع}. وما من عاص

أن تسمح بإدارة ذاتية إلى درجة قد تهدد حكم القصر أو اfصالح الراسخةاألوسع نطاقا. وقد قامت جميع اfدن الفخمة باالستعاضـة (إلـى حـد مـا)عن البشر بالصروحK وعن ربات الفن باfتاحف وعـن الـشـعـراء بـالـقـصـور.وح} أصبحت اfدينة نفسها عمال فنياK استحـال الـنـاس إلـى مـتـفـرجـ}.

ولقد الحظ لويس iفورد:«تأمل «اfسرح» احلضري الضروري لتتويج فيالدلفوس البطلميK وهو

fلوك هذا العصر في أحسن حاالته. لقد اقتضى إخراج هذا اfوكب�وذج ألفا مـن اخلـيـالـة وعـددا ال يـحـصـى مـن٢٣ ألفا مـن اfـشـاة و ٥٧اشـتـراك

مليئة بالعطـورK وعـربـة٨٠٠ حتمل أواني من الفـضـة و ٤٠٠العرباتK بينـهـا رجلK تتلوها عـربـات٣٠٠سيلينوس)أبو ديونييوس اله اخلمر(التي يـجـرهـا

جترها األيائل واجلاموس والنعام واحلمر الوحشية. فهل ثمة سيرك حديثCكن أن يطاول هذا السيرك األقدم? إن مثل هذا اfوكب ما كان ليستطيع

.)٥(أن يشق طريقه حتى بنظام مختلK عبر شوارع أثينا في القرن اخلامس»

112

الغرب والعالم

غير أن األثيني} ما كانوا ليقبلوا هذه البهـرجـة. إذ يـرى iـفـورد: «أنالنظم الدCقراطية تضن بإنفاق اfال على األغراض العامةK ألن مواطنيهايشعرون بأن اfال مالهم. أما اfلوك والطغاة فيبسطون أيديهم كل البسـط

.)٦(ألنهم يدسونها بحرية في جيوب غيرهم»زيادة على ذلك لم يكن التتويج هو اfشهد الـوحـيـد الـرائـع فـي اfـديـنـةالرائعةK وإ�ا كانت احلياة بأسرها مشهدا من هـذا الـنـوع. ونـحـن مـازلـنـانعيش في مثل هذه األمكنة منذ انهيار اfدينة-الدولة. ولنقتبس من iفورد

ثانية:«وهكذا لم تعد اfدينة ساحة لدراما ذات مغزىK لكل إنسان فـيـهـا دوريقوم به وأبيات يقولهاK بل أصبحت مكانا مبهرجا الستـعـراض الـقـوةK ولـمتقدم شوارعها إال واجهات ذات بعدين فقطK لكي تكون Sثابة قناع إلخفاء

خضاع واالستغالل الشامل. وما يبدو كأنه مجرد تخطيط مدن فينظام اإلعصر الهلينستي لم يكن منقطع الصلة بذلك النوع من األكاذيب اfصقولةال

عالن فـيوالتحريفات اfاكرة التي يطلق عليها اسم الـعـالقـات الـعـامـة واإل.)٧(االقتصاد األمريكي اليوم»

مبراطورية الرومانية: عاصمة السلطة القيصرية:املدينة اإللئن كانت اإلسكندرية �ثل �وذج اfدينة العاصـمـة أو مـديـنـة الـعـصـرالهلينستي في أحسن حاالتهاK فإن روما �ثل هذا النموذج في أسوأ حاالته.لقد كانت روما «مسرحا الستعراض القوة» أكثر من أية مدينة هلـيـنـسـتـيـةمنضبطة. ولم تكن روما-على عكس اإلسكندريـة-تـسـتـطـيـع أن تـبـرر األمـربأنها ولدت هكذا. فقد كانت روما القدCة قرية اترسكانـيـة ثـم أصـبـحـتمدينة-دولةK وقد احتفظت بكثير من معالم اfدينة-الدولـة حـتـى فـي األيـاماألولى للجمهورية الرومانية قبل التوسع اإلمبراطوري في القرن الثاني قبلاfيالد. إن اإلمبراطورية هي التي غيرت هذا كله. فلنلق نـظـرة عـلـى رومـا

مبراطورية في حوض البحر األبيض اfتوسط.اصمة اإلالقياصرة بوصفها عليست لدينا فسحة من الوقت لكي نبحث بدقة في روما اإلمبراطورية

عام منذ يوليوس قيصر. ولذا فسوف٥٠٠ أو. ٤٠٠عبر تطورها على مدى وهو هنا دقـيـق(×٧)نكتفي Sعالم قليلة ذات داللـة. فـقـد الحـظ سـتـرابـون-

113

ا�دينة - الدولة والعاصمة

اfالحظة شأنه دائما-أن اليوناني} شيدوا مدنهم وهم متنبهون لطابع اfوانيوخصوبة التربةK واهتموا باجلمال والتحص}K على ح} ركز الرومان علىتزويد مدنهم باfياه الضرورية والشوارع واجملاري. وفي احلقيـقـة جنـد أنأقدم صرح في الهندسة الرومانية هو صرح اجملاري الكبير الذي شيد فيالقرن السادس قبل اfيالد «على مستوى بلغ من الضخامة حدا يدل على أنبناءيه إما أنهم أتوا منذ البداية ببصيرة تنبئية أن هـذا اجلـمـع مـن الـقـرىسوف يصبح احلاضرة (اfتروبوليس) األم fليون ساكنK أو أنـهـم ال بـد قـدسلموا بأن اfهمة الرئيسية والغاية القصـوى لـلـحـيـاة هـي عـمـلـيـة اإلخـراج

ا. لقد شيدت اجملاري الكبرى بشكل بلغ من الروعة حد)٨(الفسيولوجية×» عامK وال تزال مستخدمة حتى اليوم. إال٢٥٠٠جعلها تظل تستخدم ألكثر من

أن احلجم الضخم والكفاءة الهندسية لم يكن لها غير صلة ضئيلة باحتياجاتاجلماهير احلضريةK إذ ينتهي خط اجملاري عند الطابق األول خليرة اfبانيKـزدحـمـة. ونـتـيـجـة لـهـذاfألحياء الفقـراء ا Kقط Kولم يكن يصل KالرومانيةKعرفة التكنولوجية الالزمة لبناء اجملاريfوعلى الرغم من �لكهم لناصية افإن الروماني العادي كان يضطر إلى التخلص من الغائط بإلقائه (في بعضاحلاالت) من الدور التاسع. وكان يضطر إلى العيش بجوار ما تبقى من نزحالغائط والنفاية واجلثث اfلقى بها في حفر وخنادق مكشوفـة. ولـيـس أدلعلى فداحة الكارثة الصحية الناجمة عن هذا الوضع من ذلك العدد الكبيرمن معابد اfدينة اخلاصة «بربة احلمى». وحينما كانت أوبئة الطاعون (كما

) تضيف آالف اfوتى في يوم واحدK وحينما كانت٬٧٩ ٦٥ ق. م.K ٢٣في سنة مسابقات اfصارع} حتتم التخلص من خمسة آالف حيوان ورجل في يوم

واحدK فال بد أن التنفس كان من «أخطار اfهنة» بالنسبة إلى األحياء.وكانت قنوات اfياه واألرصفة فخمة بالدرجة نفسهاKلكنـهـا تـدل أيـضـا

تقريبا من الكوارث كان iاثالعلى غياب الوعي اجلماعيK وعلى أن عدداKينجم عنها. لقد كانت هناك مياه أكثر من الالزم للحمامات العامة الضخمةولكن األغنياء وحدهم هم الذين كانوا يستمتعون باحلمامات اخلاصة. وال

ى من الطابـقيوجد (مرة أخرى) ما يدل على أن اfياه كانت تصل إلـى أعـلK ولكناألول. ومن جهة أخرى فإن كل الطرق كانت تفضـي إلـى رومـا حـقـا

Sجرد أن يصل الناس إلى هناك تصبح الطرق مكانا لـلـوقـوف. فـقـد كـان

114

الغرب والعالم

االزدحام شديدا إلى حد أن يوليوس قيصر منع دخول العربات ذات العجالتوسط اfدينة بالنهار. وكان الضجيج والفوضى بالليل يحرم اجلميـع نـعـمـة

النوم.

روما: الشوارع والنوم واألرق االجتماعي يقول: «إن األمر يتطلب منك الكثير من النقود(×٨)كتب الشاعر جوفينال

كي حتظى بالنوم في روما». فقد كان هناك كثير من األغنياء يعيشون فـياع تكتنفها احلدائق على تل من التالل أعلى اfدينة. وح} كانوا يجازفونيض

كان في مقدورهم أن يأتوا بالعـبـيـد كـيبالسير في الشوارع اfظلـمـة لـيـاليضيئوا لهم الطريق باfشاعل وباحلرس حلمايتهم. أما الفقراء فكان عليهمأن يغلقوا األبواب على أنفسهم بإحكام طول الليل وحتى الفجر. ويـخـبـرنـاجوفينال: «أن حرية الفقير بعد أن يضرب وCزق أربا هي أن يرجو ويتضرع

سمح له بالعودة إلى منزله دون أن تتهشم كل أسنانه».أن يوكانت الشوارع أكثر أمانا خالل النهارK حتى بعد إنارة الشوارع ليال فيالقرن الرابع اfيالديK ولكنها كانت مـزدحـمـة ازدحـامـا ال مـثـيـل لـه. ولـقـد

ألف نسمة في القرن الثاني قبل اfيالد إلى أكثر١٠٠ارتفع عدد السكان من من نصف مليون في القرن الثاني اfيالدي. والغالبية الكبرى مـن الـسـكـان((الذين كانوا ال يقدرون على العيش في التالل أو الضواحي)كانوا يتزاحمونفي ستة أميال مربعةK كانت اfباني العامة والطرقات تشغل معظمهـا. ولـم

بناية. وكان معظـم الـنـاس٢٦يكن يوجد سوى مسكن خاص واحـد فـي كـل يعيشون في مبان مزدحمة ترتفع ما ب} خمـسـة وسـبـعـة طـوابـق. وبـصـفـةعامة كانت األسرة تعيش بكاملها في غرفة واحدة قذرة تطل عـلـى شـرفـةمشتركة ودرج منحدر بشدة. وقد جعل البناء باخلشب والرخام من احلرائق

رر)iن كانواكارثة متكررةK رغم وجود فرقة إطفاء قوامها سبعة آالف محرقيقا(أنشأها أوغسـطـوس. وiـا عـقـد مـكـافـحـة احلـريـق ودور الـشـرطـة

ق علىطلواألعمال العادية أن الشوارع لم يكن لها أسماء (غير تلك التـي تاألعمال التي �ارس فيهاK مثل «شارع اfقايضة» وال توجد بها الفتات والأرقام للمـبـانـي. وقـد حتـول ازدحـام حـركـة اfـرور مـن سـيـئ إلـى أسـوأKألناfشكالت لم تكن حتل من جذورها-أي معـاجلـة شـدة االزدحـام فـي وسـط

115

ا�دينة - الدولة والعاصمة

اfدينة. فقد ألقى احلبل على الغارب للـمـضـاربـ} واfـقـاولـ} فـي الـشـراءوالبناء واألجير في وسط اfدينةK حيـث كـان Cـكـنـهـم أن يـحـقـقـوا أقـصـى

األرباح:«لقد كان اfقاولون اللصوص يجنون أقصى األرباح من مشروع مضاربةلتشييد اfباني التي ال تقوى على التماسك? وكذلك اfالك اfستغلون الذينيعرفون كيف يقسمون األحياء القدCة إلى خاليا أضيق كي يشغلها احلرفيون

ن يبتسمالفقراء نظير إيجار شهري أعلى لكل وحده. (وال Cلك اfـرء إال أبسخرية ح} يالحظ أن النوع الوحيد من العربـات ذات الـعـجـالتK الـذي

كان مسموحا له باfرور في روما أثناء النهار كان عربات اfقاول}.وقد تباهى كراسوس الذي جنى ثروة طائلة من تأجير العمائرK بأنه لمينفق درهما على البناء: إذ كان من األربح له أن يشتري اfباني التي أصابهابعض التلف نظير أسعار منخفضة للغاية ويؤجرها بعد إجـراء إصـالحـات

طفيفة.أما بيوت األشراف فكانت رحبةK حسنة التهويةK صحيةK مجهزة بحماماتومراحيض ونظام للتدفئة في الشتاء يتكون من غرفة سفلية يتسرب إليهاالهواء الساخن من الفرن فتوزعه في أرجاء اfبنى. هذه الدور كانت أعظمالدور التي أقيمت وتـوافـرت فـيـهـا أسـبـاب الـراحـة واالتـسـاع حـتـى الـقـرنالعشرينK وهو ما يعتبر انتصارا في عمارة اfنازل أما البيوت السكنية فيروما فتحرز قصب السبقK في يسر وسهولةK بوصفها أشد البيوت ازدحاماوأقلها استكماال للشروط الصحية من أي مبان أنشئت فـي أوربـا الـغـربـيـة

فراط في شغل اfـبـانـي وفـيحتى القرن السادس عـثـرK حـيـنـمـا أصـبـح اإل.)٩(ازدحام احلجرات بالسكان أمرا عاما من نابولي إلى إدنبره»

ولئن لم تكن منازل أثينا أحسن بناء فإنها عـلـى األقـل لـم تـتـكـدس إلـىدرجة أن تندلع فيها احلرائق من تلقاء نفسها وتنتشر فيها األوبـئـة بـشـكـلدائم. واالهم من ذلك أن بيوت أثينا كانت كلها خشنةK سـواء أكـانـت بـيـوتKاألغنياء أم بيوت الفقراء. إن التقسيمات الطبقية ب} الفـقـراء واألغـنـيـاءواألقوياءK والضعفاءK زادت زيادة حادة في اfدينة العاصمةK وخاصة رومـا.وبناء اfنازل كان وسيلة أخرى لتوسيع الهوة:لقد كان في مقدور اfقاول} أن

سوا الفقراء في مساكن رخيـصـة وهـبـطـوا بـأسـلـوبيشيدوا الـقـصـورK كـد

116

الغرب والعالم

حياتهم. إن اfعاملة الوحشية قد آتت ثمارها.إن روما اإلمبراطورية لم يكن في مقدورها أن تقدم جلماهيرها احلضريةفرصة اfشاركة الفعالة في الشئون العامة كما فعلت أثينا fواطنيها. كما لمتستطع روما أن تعطي سكانـهـا ذلـك الـشـعـور الـذي كـان Cـارسـه اfـواطـناألثينى-لشعور بالذاتية اfستقلة التي كان ينميها من خـالل الـتـجـمـع الـعـاموالساحة واfعبد واfسرح اfدرج. أما في روما فكانت األبنية العامة الضخمة-مثل احلمامات العامة وساحات االحتفـاالت-تـقـوم بـدور الـتـلـهـيـة بـدال مـن

اfشاركة.

روما:العمارة الضخمة وتلهية اجلماهيرمام».كتب iفورد يقول إن تاريخ روما كله Cكن قراءته في تطور «احل

لقد كان احلمام في أيام اجلمهورية األولى «بركة من اfاء في مكان فسيح ق.م.٣٣يستطيع الفالح الذي غطاه العرق أن ينظف نفسه فيها». ومع عام

ظهر أول حمام عام للجمهورK وظل هذا األسلوب في االستـحـمـام تـقـلـيـداKومطاعم كبيرة Kتأخرة: قاعات ضخمةfرومانيا حتى عهود اإلمبراطورية اوأماكن لالسترخاءK وساحات للرياضة ومالعبK وخلوات للحمامات الساخنةKديانة اجلسد Kأو الدافئة أو الباردة-باالختصار كل ما يخدم الديانة اجلديدةويصرف عقول الناس عن العالـم اخلـارجـي. إن اتـسـاع هـذه اfـبـانـي يـروعاخليال. واليوم)خالل أشهر الصيف(�تلئ أوبرا روما Sئات مـن اfـمـثـلـ}

.وآالف من اfشاهدين في بقعة صغيرة من أطالل حمامات كارا كاالكان احلجم هو كل شيء بالنسبة للمهندس الروماني. فلقـد احـتـفـظـتجماهير الناس-بهويتها اجلماهيرية في حمامات وأسواق ومسارح مدرجـة

سهاموحلبات سباق وساحات هائلة احلجم. ويرى iفورد أن «اfقيأه» هي اإلالذي قدمه الرومان في ميدان التعامل مع اجلمهور.وهذا التعبير كان يستخدمفي األصل للداللة على غرفة ملحقة بغرفة الطعام (في بيوت األثرياء) كانالشرهون الذين التهموا أكثر iا ينبغـي مـن األطـعـمـة الـدسـمـة والـغـريـبـةKيستطيعون أن يفرغوا فيها ما احتوته معداتهم لكـي يـعـودوا إلـى أرائـكـهـموقد تخففوا إلى احلد الذي يسمح لهم باالستمتاع باfزيد مـن الـطـعـام.ثـماستخدمها الرومان للتعبير عن اخملارج الهائلة التي أنشئوها في الساحات

117

ا�دينة - الدولة والعاصمة

العامة. فاfقيأةK كمجرى الصرفK رمز iتاز حلضارة كان «هضمها عسراوصرفها يسرا».

وعندما يفقد األهالي السيطرة على حياة مدينتهمK فال بد من تسليتهم.وقد أدت احلمامات وساحات الصراعK بالنسبة إلى الرومانK نفس اfهـمـةالتي تؤديها اليوم رياضات اfالعب والتليـفـزيـون. فـقـد كـانـت الـسـاحـةKوالسيما حينما كانت تعرض فيها مشاهد اfصارع} اجلالدين اfثيرةKجتـمـعبشكل يفوق التليفزيون في العصر احلديثK ب} اfنافسة في الرياضة واإلثارة

يونمن خالل العنف الذي يراه اfرء وال Cارسه. غير أن الساحات والتليفزقد مسخا اإلسهام األصيل حلياة اfدنK الذي يتمثل في اfشاركة الوجدانية

ادلKفحولته إلى عجز iـيـت عـن الـعـيـش إال مـن خـالل حـيـاةوالفهـم اfـتـباآلخرين. وحينما تصطبغ احلياة بأقصى صبـغـة مـن الـوحـشـيـة فـإن أكـثـر

نسان نفسه وهو يشوه اآلخرينK أو يقتلهم.ذلكاألمور إثارة هو أن يتخيل اإلألن اإلنسان الذي يقع ضحية وحشية اآلخرين ال Cلك إال األمل في iارسة

على اآلخرين وساحة اfصارع} اجلالدين كانت حتقق ذلك احللم.الوحشيةلقد كان إعدام اfسجون} ينفذ علنا في «مبـاريـات» اfـصـارعـة األولـى

ق. م..٢٦٥عام «ولسوء احلظK فإن احملنة التي كان السج} يكابدها سرعان ما أصبحتاfلهاة التي يرحب بها اfتفرجK إلى حد أن إخالء السجون من شاغليها كانال يوفر من الضحايا عددا يكفي لتلبية طلب اجلماهير. وعلى مثال ما كانيحدث لدى األزتيك بشأن القراب} الدينيةK كانت توجه حمالت عسكـريـةجللب عدد كاف من الضحايا البشرية واحليوانية. وهنا في ساحة اfصارع}اجلالدين كان كال الفريق} من احملترف} اfنحط} الذين دربوا تدريبا تاماKومن الرجال والنساء الذين ال ذنب لهم وال جريرة على اإلطالق Kعلى حرفتهم

شاعةيعذبون بكل ما يخطر باخليال من وسائل تشويه األبدان وبث الرعب إلذبح والالبهجة في نفوس اجلماهير. وهنـا كـانـت احلـيـوانـات اfـتـوحـشـة ت

.)١٠(K كما لو كانت قد هبطت إلى مرتبة بني اإلنسان»تؤكل) بلغ عدد األيام اخملصصة٥٤- ٤١ ((×٩)وخالل حكم اإلمبراطور كلوديوس

يوما في السنة ينفق عليها من اfال العام.وبحلول٩٣يات إلقامة األلعاب واfبار يوما.في١٧٥ م بلغ عدد األيام اخملصصة إلقامة حفالت األلعـاب ٣٥٤ام ع

118

الغرب والعالم

ارح ما يتسع ألكـثـر مـن نـصـفذلك الوقت كان هناك مـن الـسـاحـات واfـسسكان روما في وقت واحـد.وكـان يـوجـد حـوالـي ربـع مـلـيـون شـخـص iـنأخفقوا في العثور على عمل كاف كانوا يحصـلـون عـلـى جـرايـة يـومـيـة مـناخلبزK ولديهم احلرية الكاملة في أن يحلموا باالنتقام أو النسيان في سركماكسيموس. وعـلـى حـد تـعـبـيـر «iـفـورد» الـبـالـغ الـداللـة صـارت اfـديـنـة

Polis(البوليس) .

ال تزال رومـاK مـن:(Necropolis«في هذا الوقت قـرافـة (نـيـكـروبـولـيـس زاوية كل من السياسة والتحضر (نسبـة إلـى احلـضـر) درسـا لـه داللـتـه fـايجب اجتنابه. فتاريخها يقدم سلسلة من عالمات اخلطر اfعروفة لتحذيراإلنسان ح} تكون احلياة ماضية في السبيل اخلاطئ. فـحـيـنـمـا حتـتـشـد

انقةK وحيثما ترتفع أجور اfساكن ارتفاعا باهظا وتتدهوراجلموع بأعداد خظروف اإلسكانK وحيثما تستغل األقاليم القاصية من جانب واحد من أجلإزالة الضغوط وحتقيق التوازنK والتناسق في اfناطق الدانيةK عندئذ يكونمن الضروري أن تعود إلى الظهور منشآت على نحو ما يحدث هذه األيام:اfالعب الرياضية والعمائر الشاهقة وخلع اfالبس قطعة فقطعةK وهو ماجعلته اإلعالنات أمرا شائعا يجري في كل مكانK واإلثارة اfتواصلة للحواس

ك بأسلوب رومانـيعن طريق اجلنس واfشروبات الروحية والـعـنـف-كـل ذلقح.

فراط في اإلنفاق علىوينطبق ذلك أيضا على اإلكثار من احلمامات واإل السفاسف. وفوق كل شئ على شتى أنواع.الطرق العريضة اfعبدة للسيارات

ارس Sنتهى الوقاحة التقنية. وهذه هـي أعـراض الـنـهـايـة:الزائلة التـي �«تضخيم قوة أصابها االنحالل والتهوين من شأن احلياة. وعندما تتضاعفهذه اإلمارات فان مدينة اfوتى قد قربتK حتى لو لم يتداع حجر واحد.ذلكأن البرابرة قد وضعوا يدهم بالفعل على اfدينة من الداخلK فأدركنا أيهـا

.)١١(اجلالدK تعال أيها الصقر اجلارح!»

ملزيد من االطالعThe City in اfدينة عبر التاريخ Lewis Mumfordيعد كتاب لويس iفورد

Historyويـحـوي Kفهو يقدم تفسيرا متكـامـال لـلـمـوضـوع Kمن أمهات الكتب

119

ا�دينة - الدولة والعاصمة

تفاصيل عنه ذات معنىK وقد كتب بأسلوب أخاذ. والكتاب غريـب ذو رؤيـةمتشائمة بشكل يكاد يكون شاذا ومثيرا للجدل. وحتى Cكننا توصيل وجهةنظر iفورد للقار� فقد تابعنا حججه بعناية في النص. غير أن اfقصود

هو شحذ الذهن وليس تقد� إجابة شافية.وإذا كان الدارس يريد كتابا شامال يطرق اfألوف وحسب عن التـاريـخاحلضري الغربي فعليه أن يرجع إلى احلضارة الغـربـيـة: مـنـظـور حـضـري

Western Civilization: An Urban Perspective مـن تـألـيـف ف. روى ويـلـيـس F.

Roy Willisأما إذا كان يود أن يطـالـع كـتـابـا مـصـورا رائـعـا يـضـم مـقـاالت .متعمقة عن العواصم الثقافية والسياسية اخملتلفة فإنه لن يجد أفضل من

بعنوان مدن اfصيرArnold Toynbeeالكتاب الذي أشرف عليه أرنولد توينبي Cities of Destiny.

وهناك دراسة موجزة لكنها موسوعية عن اfدن اليونانية Cكن أن جندهاHow the كيف بنى اليـونـان اfـدن R.F. Wycherleyفي كتاب ر. أ. ويتشـرلـى

Greeks BuiIt Citiesوهو كتاب كالسيكي في اآلثار يبحث الساحة واألضرحة والساحات الرياضية واfسارح والتحصينات والتخطيط احلضري اليونانيبشيء من التفصيل. وهناك عدة كتب تقدم نظـرة واسـعـة جملـتـمـع اfـديـنـة

اجملتمع اليونانيFrank J. Frostاليونانية من أفضلها كتاب فرانك ج. فروست Greek Society وكتاب ه.ف. كيتو H. D. F. Kitto اليونانيون The Greeksوكتاب K

The Ancient Greeks اليونانيون القـدامـى Moses I. Finleyموسى أ. فنـيـالى

والكتاب اfصور بشكل مثير موحى كتاب هورايـزون عـن الـيـونـان الـقـدCـةHorizon Book of Ancient Greece.

ومن أفضل الدراسات اfستقلة الكثيرة عن أثينا كتاب أجنلو بروكوبـيـوAngelo Procopiou الذي تزينه صور جميلة أثينا مدينة اآللهة Athens: City of

the Gods وكتاب شارلس أ. روبـنـسـون Charles A. Robinsonأثينا في عـصـر Robert Flaceliere وكتاب روبرت فالسليير Athens in the Age of Periclesبركليز

.Daily Life in the Athens of Periclesاحلياة اليومية في أثينا بركليز اإلسكندرية:E. M. Forsterوجند دراسة لإلسكندرية في كتاب أ. م فورستر

ومدخل إلى علم الفلك فـيAlexandria: A History and a Guideتاريخ ودليـل مدينة راصدي النـجـومKenneth Heuerاإلسكندرية في كتاب كينـيـث هـويـر

120

الغرب والعالم

Cityof the Stargazersـصـيـرfوهناك فصل أيضا فـي كـتـاب تـويـنـبـي مـدن ا Kأشرنا إليه في النص. وسيجد الدارس الطموح حاجته في كتاب أ. هـ. م.

The Greek اfدينة اليونانية من االسكندر إلى جستينيان A.H.M. Jonesجونز

City from Alexander to Justinian

وإذا أردنا مزيدا من الدراسة عن اfدينة الرومانـيـة فـيـمـكـنـنـا أن نـبـدأ اfدن-الـدولKathleen Freemanبتأثير اليونان. ويبحث كتاب كاثل} فرCان

اfدن اليونانية في إيطالياK ويدرس كتاب ليديـاGreek City-Statesاليونانية فكرة اfدينة في الفكر الرومانيLidia Storoni Massolaniستوروني ماسوالني

The Idea of the City in Roman Thoughtلم استـهـوت الـفـكـرة الـيـونـانـيـة عـن اfدينة الرومان. وقد وصفت اfدينة الرومانية بشيء من التفصيل في كتاب

Daily احلياة اليومية في روما القدCة Jerome Carcopinoجيروم كاركوبينو

Life in Ancient Rome وكتاب هارولد ماتنجلى Harold Mattinglyاإلنسان في وكتاب ج. ب. ف. د. بالسدونin the Roman Street úthe Manالشارع الروماني J.P.V.D. Balsdon الرومـان The Romansباإلضافة إلـى الـتـواريـخ الـرومـانـيـة

في خلفية الدراسة). وCكناحلديثة العديدة (ومعظمها يكتفي بوضع اfدينةللدارس أن يرجع أيضا إلى الكتاب الكالسيكي الصادر في القرن الـتـاسـععشر عن دور الدين فـي الـيـونـان ورومـاK وهـمـا بـعـد فـي حـالـة قـريـبـة مـن

من تأليف فوستلThe Ancient City (×٨)البدائيةK وهو كتاب اfدينة العتيقـةدي كوالجن

واfصادر األولية التي تتناول طابع اfدن اليونانية والرومانيـة الـقـدCـةHerodotusصى. وCكن أن نكتفي بـذكـر تـواريـخ هـيـرودوت أكثر مـن أن حت

Laws والنواميس Republic ومحاورتي اجلمهورية Thucydidesوثيوسيديدس

ومسرحية مثلAristotle ألرسطو KPolitics وكتاب السياسة Platoألفالطون (وخـصـوصـا تـرجـمـةAristophanes ألريـسـتـفـانـسArcharniansاألرخـارنـيـ}

وتاسيتوسLivyدوجالس باركر إلى اإلجنليزية) والتواريخ الرومانية لليفى Tacitus وسويتونيوس Suetonius.

121

ا�دينة - الدولة والعاصمة

احلواشي

(*) Ecclesia

(1*) panathenea

(2*) Alcibiades

(3*) Sophocles

(4*) Aristophanes

(5*) The Archarnians

(6*) Achilles Tatius

(7*) Strabo

(8*) Juvenal

(9*) Claudius

(×١٠) ترجمة الى العربية .. (اfترجم).

122

الغرب والعالم

الهوامش

1- Dicaearchus, quoted by Mumford, The City in History (New York: Harcourt Brace Jovanovich,

1961), P.163.

2- Achilles. Tatius, Clitophon and Leucippe, trans. S. Gaselee (London: L. C.I., 1971), bk. V-1-2.

Quoted in Edward Alexander Parsons, The Alezanderian Library (New York: American Elsevier,

1952), p.61.

3- Strabo, cited in Claire Preaux, Alexandria Under the Ptolemies in Cities of Destiny, ed. Arnold

Toynbee (New York: McGraw-Hill, 1967), pp.112-113.

4- Toynbee, Cities of Destiny, p.114.

5- Lewis Mumford, op, cit., p.201.

6- Ibid., p.197.

7- Ibid., p.196.

8- Ibid., p.214.

9- Ibid., pp. 219-221.

10- Ibid., p.232.

11- Ibid., p.242.

123

احلرب والسالم

المالساحلرب و

مانيةية الرواإلمبراطورد وق احلدومناطمن اآلراء الشائعة للغاية عن احلرب أنـهـا أمـرطبيعي ال مفر منه. سل من شئت من الناسK وسوفجتد اجلواب ذاته: «كـانـت-وسـتـظـل-هـنـاك حـروبدائماK فاحلرب جزء من الطبيعة الـبـشـريـة». وقـديكون هذا اfوقف الشائع صحيـحـاK لـكـنـه طـريـقـةمتشائمة أيضا في النظر إلى الطبيعة اإلنسانـيـة.إذ بوسعنا القول أيضا إنه كانت وستظل هناك دائمافترات مـن الـسـالمK فـالـسـالم جـزء مـن الـطـبـيـعـة

نسانية. فالناس متعاونون ومتنافسون في الوقتاإلذاتهK ودودون وعدوانيونK محبون وعنيفونK مساfونومحبون للحرب على السواءK فالسؤال عما إذا كانالناس بطبيعتهم محب} للسالم أو احلرب هو أشبهبالسؤال عما إذا كانوا بطبيعتهم أغبياء أو أذكياء.وحـتـى لـو عـرفــنــا بــالــضــبــط مــا نــقــصــده بــهــذه

ننا سنجد أمثلة تثبت النقـيـضـ}KاfصطلحاتK فـإكما سنجد قدرا كبيرا من السلوك الذي يقع بينهما.وحتى لو استطعنا أن نتوصل إلى ماهية الطـبـيـعـةاإلنسانيةK فسيبقى أمامنا أن نحدد fاذا هذا التنوع

كن علم النفس ذاتفي السلوك اإلنساني. وقد يتمظـليوم من تفسير الطبيعـة اإلنـسـانـيـةK ولـكـن سـي

5

124

الغرب والعالم

أمامنا أن ندرس التاريخ لنصل إلى أسباب تنوعاتها اخملتلفة الهائلة.وقد تساعدنا دراسة التاريخ على فهم التـغـيـرات واألسـبـاب أو الـعـلـل.وسنركز في هذا الفصل على بعض اجملتمعات احملاربة أو العـسـكـريـة فـيالعالم القد� كأمثلةK حتى يتسنى لـنـا أن نـتـنـاول ونـحـن مـزودون Sـعـرفـةأعمق-تلك العلل االجتماعية اخلاصة اfؤدية إلى احلربK وتلـك الـتـغـيـراتالعامة التي طرأت على اجملتمعات فتحولت من مـجـتـمـعـات «بـدائـيـة» إلـىمجتمعات «متحضرة»-وسوف نطرح في هذا الفصل أسئلة مثل: ما الظروفاالجتماعية التي جتعل مجتمعا ما محاربا أو عدوانـيـا بـشـكـل خـاص? هـل

نـسـانـيـة أكـثـر مـسـاfـة بـازديـاد حتــضــرهــا? هــلأصـبـحـت اجملـتـمــعــات اإلاإلمبراطورية أقل عنفا من القبائل? هل «جتربة مناطق احلـدود»K وإحـرازمكانة القوة العاfية (واألمران لهما أهمية خاصـة فـي الـتـاريـخ األمـريـكـي)يفضيان بصفة خاصة إلى احلرب والعنف? وسوف نستـعـمـل الـفـصـل بـأننضع التاريخ الروماني في سياق أوسع: حروب مناطق احلدود. ثم نـبـحـثبعد ذلك تطور اإلمبراطورية الرومانية من بدايتها األولى ح} كانت مدينة-

روحتنا إلى-أن اجلمهورية الرومانية (القرن السادس قبلدولة. وتذهب أط ق. م). كانـت قـد أصـبـحـت إمـبـراطـوريـة (فـي كـل شـيء إال٢٧اfـيـالد الـى

ق.٢٧االسم) قبل أن يقوم أوغسطس بتأسيس اإلمبراطورية القدCة عام سع الرومـانـي إبـان عـهـدم. بزمن طويل. فاآلثـار الـسـيـاسـيـة احملـلـيـة لـلـتـو

مبراطورية في أوائلاجلمهورية هي التي خلقت اfشكالت التي واجهتها اإل). إن حروب٤٧٦إلى٢٨٤) واإلمبراطورية اfتأخرة (١٨٤ ق. م. إلى ٢٧عهدها (

جمهورية خلقت مجتمعا إمبراطوريا في الداخلمناطق احلدود وغزوات المبراطورية وسقوطها أمرا يكاد يكون محتوما.جعل ظهور مؤسسات اإل

مناطق احلدود واfستوطنات والرعاة: أطول حربمنذ ثالثة آالف سنة عندما كان العبرانيون يتأملون في أصول احلـربحكوا قصة عن أخوين: قابيل وهابيل.وحـتـى يـدلـلـوا عـلـى اعـتـقـادهـم بـأناحلرب كانت معروفة منذ زمن سحيقK جعلوا هذين األخويـن ابـنـي أبـويـنـاKـقـدس (سـفـر الـتـكـويـنfاألول}. وحسب القصة التي نعرفها في الكتاب ا

تاإلصحاح الرابع)ولدت حواء قابيل الذي أصبح «حارثا لألرض»K ثم ولدهابيل «راعيا للغنم» «.وحدث من بعد أيام أن قابيل قدم من أثمـار األرض

125

احلرب والسالم

قربانا للرب وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمنهاK فنظر الرب إلىهابيل وقربانه ولكن إلى قابيل وقربانه لم ينظر». وfا استولت الغيرة علىقلب قابيلK ألن الرب تقبل احليوان الذي قدمه هابيل قربانا ورفض-عطيته

الزراعيةK قتل قابيل الفالح أخاه هابيل راعي الغنم.والقصة التوراتية بوصفها سردا رمزيا ألصول احلرب هي قصة مليئةبالعبرK فقابيل وهابيل رمزان لنمط} من أساليب احلياة ظهـر قـبـل نـشـأةKدن. فبعد تدج} احليوانات على يد القبائل التي تعـتـمـد عـلـى الـصـيـدfاوبعد تدج} النبـاتـات عـلـى يـد جـامـعـي الـثـمـار)مـنـذ حـوالـي عـشـرة آالفسنة(ازداد أسلوب احلياة-الفالحة والرعي-�ايزا بالتدريج. وكانت اجلماعةنفسها �ارس الصيد وجمع الثمارK وغالبا ما كان يتم تقسيم العمـل عـلـىأساس جنسي; إال أن الفالحة والرعيK مع هذاK أصبحا طريق} منفصل}للحياة. فالرعاة يطلبون مراعي واسعة من الكأل لقطعانهمK في ح} يحتاجالفالحون إلى وديان من أجل الري أو مناطق بها أمطار غزيرة أكثر من تلكالتي تسقط على أرض الكأل. ويتحرك الرعاة دائما بحثا عن مراع جديدة.أما الفالحون فعليهم اfكث مع محاصيلهم. والرعاة ال Cلكون سوى حيواناتهموخيامهم وما يستطيعون حملهK أما الفالحون فيبنون مستـوطـنـات دائـمـة-

دارة والتجارة ومهن أخرىقرى تتحول بعد ح} إلى مدن تصبح مراكز لإلكثيرة.

وال بد أن بعض التوترات التي تكاد تكون محتمة ب} الفالح} والرعاةقد نشبت-توترات لم تكن توجد في مجتمعات الصيد وجـمـع الـثـمـار اكـثـربدائية. إذ استطاعت القرى الزراعية تكديس فائض الطعامK كما تكدستلديها Sضي الوقت تلك الكماليات التي كانت موضع حسد الرعاة اfتجول}في أرض الكأل. وفي الوقت ذاته أصبـح الـفـالحـون أكـثـر ضـعـفـا وعـرضـةللغزو ألنهم أصبحوا أكثر «حتضرا» ورخاء نتيجة للحياة اfستقرة جلماعاتالقرى اfترابطة. إن حياة الرعاة الفظة في األرض اfنبسطة لم تكن مختلفة�اما عن حياة الصيادين البدائية Sا فيها من مشقات. وكان الرعاة يقدرونصفات العدوان والقوة واجللدK وكانت قبائلهم Sثابة فرقة عسكرية دائمةتدين بالـوالء لـزعـمـائـهـمK وعـلـى أهـبـة االسـتـعـداد لـلـسـيـر فـي أي حلـظـة.واخلالصة أن جماعات الفالح} كانت فريسة سهلة �لك غنائم جتتـذب

126

الغرب والعالم

القبائل اfتنقلة في اfراعي.وتذهب القصة التوراتية إلى أن الفالح} اfزارع} والرعاة اfتجولـ}كانوا أخوة وأعداء في الوقت ذاته. ففي كل خريف حينما يقل عشب اfرعىوتكون محاصيل احلقول قد � حصدهاK البد أن الرعاة كانوا يأتون بأغنامهملتتغذى على بقايا الزرع. فيتم مقايضة اfاشية بثمار الكرمة وأشجار الزيتونوثمار احلقول اfزروعة. ويقدم الـبـدو أيـضـا األحـجـار الـكـرCـة والـفـؤوسوأصداف الزيـنـة الـتـي حـصـلـوا عـلـيـهـا أثـنـاء جتـوالـهـم فـي مـقـابـل الـسـلـع

االستهالكية واfنتجات اfصنعة في اfستوطنات اfتحضرة.إن التفاعل ب} الفالح} والرعاةK ب} اfستوطن} اfسـتـقـريـن والـبـدوالرحلK وب} القرى والقبائـلK بـ} اfـزرعـة واfـرعـىK بـ} حـضـارات اfـدنKعنيفا في أغلب األحيان Kتفاعال سليما أحيانا Kفي نهاية األمر Kوالبرابرة كانوكان القوة احملركة الرئيسية في تاريخ العالمK إلى بضـع مـئـات قـلـيـلـة مـنالسن}. ولقد بدأت احلرب اfنظمة اfستمـرة نـتـيـجـة الـصـراع بـ} هـاتـ}اجلماعت}. فقد غزا الرعاة الرحل مستوطنات الـقـرى زهـاء عـشـرة آالفسنة; وحاربت جيوش اfدينة ضد الغزاة البرابرة نحو خمـسـة آالف سـنـة.وfا كان البدو قد تعلموا امتطاء اجلياد بشكل دائم منذ حوالي ثالثة آالفسنةK فإن اfواجهات التي �ت ب} اجلماعت} أصبحـت وحـشـيـة وكـثـيـرة.

fاضية ح} � استيعابوإذا استبعدنا اfأي القرون القليلة ا Kاضي القريبآخر القبائل البدوية داخل إطار قوان} اfدن واألقطار وأعرافهاK فإن تاريخ

احلدود.احلرب كان تاريخ الصراع ب} اfستوطن} اfستقرين وسكان مناطقوCكن فهم كثير من نواحي القد� في إطار ذلك الصراع. فحضـاراتاfدن القدCة في بالد ما ب} النهرين ومصر والهندK التي ظهرت تدريجيا

ق. م. على يد البرابرة١٧٠٠ ق. م.K � اكتساحها كلها بعد عام ٣٠٠٠بعد عام من ركاب العربات احلربية (الذين جمعوا ب} اختراع اfدينةK العربات ذاتالعجالت من جهةK وب} جتربتهم في استئناس اجليادK مـن جـهـة أخـرى).وكان أحفاد هؤالء الغزاة قد أسسوا إمبراطوريات جديدة في مصر وبـالد

ق. م). عندما ظهرت موجة جديدة١٢٠٠ما ب} النهرين والص} (بعد عام من القبائل اfتجولة التي أثبتت أسلحتها احلديدية وتشكيالت مشاتها أنهاأكثر بأسا من األرستقراطية احلاكمة وعرباتها احلربية القليلة. وهذه القبائل

127

احلرب والسالم

(مثل الدوري} في اليونان واليهود) استقرت ومارست الزراعة وعاشت في٩٠٠اfدينةK ولكنها اكتسحت هي األخرى على يد بدو غزاة جدد (بعد عام

ق. م.). وكان هؤالء الغزاة اجلدد مهرة في امـتـطـاء صـهـوة اجلـيـادK األمـرالذي جعل خيالتهم أقوى من فرق اfشاة القدCة.

وقامت موجات متتالية من البدوK تـدفـعـهـا اخلـيـالـة اfـزودون بـالـسـهـم ق. م.K كمـا٩٠٠والقوسK بشن غـارات عـلـى إمـبـراطـوريـات اfـدن مـن عـام

قامت أحيانا بتدميرها وغزوها. وقد استمر ذلك حتى الغزو اfغولي الضخمفي القرن الثالث عشر اfيالدي. وقد جاء معظم البدو من اfراعي الواسعةألراضي االستبس في اورآسيا اfمتدة من أوربا إلى الص}. وهذه اجليوشKأو احتاد القبائـل Kمتطية صهوة اجلياد لم تكن حقا سوى رجال القبائلfاالذين يتحركون كعادتهمK بدون الزوجات أو األطفـالK ولـكـنـهـم فـي فـتـراتالزيادة السكانية أو الضغط السكاني من القبـائـل األخـرى يـضـطـرون إلـى

اغتصاب أراض جديدة للرعي.واضطرت هذه احلضارات القدCة إلى إرغام مشاتهـا الـذيـن يـتـبـعـونأسلوب العصر احلديدي على التكيف مع حرب اخليالـة اجلـديـدةK أو إلـىاستئجار البدو مرتزقة حلماية جوانب جيوشهمK أو إلى االستسالم للهزCة.وقد دفعت اإلمبراطورية اآلشورية ثمنا باهـظـا لـفـهـم الـوضـع اجلـديـدK إذ

ق. م. واستأجرت اإلمبراطورية الفارسية في إيران٦١٢اكتسحها البدو عام البدو مرتزقة وكان حكام اfملكة اآلسيوية (ش}) من القلة الذين �كنوا منتبني أسلوب حرب اخليالة من تلقاء أنفسهمK ولذا لم يتمكنوا فقط من صدKنافسةfبل استطاعوا اكتساح الدول اآلسيوية ا Kالغزو القادم من وسط آسيا

ق. م. غير أن غزوات البدو٢٢١وأطلقوا اسم (ش}) على ص} موحدة عام للص} التي �ت بعد ذلـكK أثـبـتـت أنـهـا أكـثـر جنـاحـا. ومـع الـقـرن الـرابـع

عامK وأصبحت٦٠٠اfيالدي �ت اإلطاحة بأسرة هان القدCة التي حكمت الص} سلسلة من الدول القبلية مرة أخرى.

ولقيت اإلمبراطورية الرومانية الغربية اfصير نفسه الذي لقيته الص}قد �كن الرومان من إنشاء إمبراطورية في حـوضفي عهد أسرة هـان. ف

عام. وفي ذات الوقت جنـحـوا فـي صـد٦٠٠البحر األبيـض اfـتـوسـط fـدة السيثي} واحتادات القبائل األخرى. ومع هذا أرغم الرومان بالتدريج على

128

الغرب والعالم

استخدام البدو جنودا مرتزقة. لـكـن ضـبـاط اfـشـاة الـرومـان-عـلـى عـكـسالصيني}-رفضوا أن يتعلموا تقنيات الفروسية أو القوس والسهم. وما وافىالـقـرن اخلـامـس اfـيـالدي حـتـى كـانـت الـهـجـرات الـقـبـلـيــة قــد اجــتــاحــت

مبراطورية الرومانية الغربية. أما الرومان الشرقيون-الذين مـزجـوا بـ}اإلمبراطـورالثقافت} الالتينية واليونانية في القسطنطينية (التي أسسـهـا اإل

قسطنط} مستقلة عن روما التي أنهكتها احلروب في أوائل القرن الرابـعاfيالدي) فقد استطاعوا البقاء fدة ألف سنة أخرى. وجنحت اإلمبراطوريةالبيزنطية الشرقية في البقاء طوال هذه اfدة ألنها أساسـا تـبـنـت أسـلـوبـاجديدا في نزال الفرسان-كانت إيران قد توصلت إليه-fواجهة التهديد الذيكان يأتي من أقاليم األستبس. وفي نهاية األمر قدر لهذا األسلوب اجلديدفي الفروسية-الذي نعرفه باسم الفارس اfدرع-أن يؤدي إلى إنقاذ القبائلنفسها التي اجتاحت اإلمبراطورية الرومانية الغربية حينمـا تـهـددتـهـا هـي

القرن التاسع اfيالدي.نفسها غزوات البدو اجلديدة فيواfثل احلي على إمكانيات حرب البدو الرحل هو أيضا آخر هذه احلروب-تلك احلرب التي أدت إلى توسيع رقعة إمبراطورية اfغول حتت قيادة جنكيز

حول استخدام البارود وتكنولوجيا١٥٠٠خان في القرن الثالث عشر. فبعد عاماألسلحة النارية اfعقدة ميزان القوى لصالح احلضارات اfركبة التي تستند

K بزمام١٥٠٠إلى اfدن إلى حد أكبر. وقد أخذت هذه احلضاراتK بعد عامدخال «احلضارة»اfبادرة في الهجوم على القبائل الرحل. فقام األوربيون بإ

في األركان الرعوية من قارتهمK كما أدخلوها على البدو الرحل «الهنود» فيKاالمريكت}; في ح} قامت الدولة الروسية اجلديدة بغزو حدودها الشرقية

جنيل والقانون إلى صميم االستبس األوراس.وادخلت اإللن نكون مبالغ}-إذن-إذا قلنا إن األسباب اfؤدية إلى احلرب عبر معظمالتاريخ اإلنساني (على األقل في اخلمسة واألربع} قرنا األولى من اخلمسة

خيرة) هي االختالف ب} أسلوب} في احلياة: حياة االستقرارآالف سنة األوحياة الترحال. فمظاهر الترف في اfديـنـة واألرض اfـتـاحـة كـانـت تـغـريالقواد احلربي} الرحل وسكان اجملتمع الرعوي وتغذي طموحاتها وجتتذبهمإليها جذبا ال سبيل إلى مقاومتـه. وهـنـاك بـعـض األمـل فـي أن يـكـون هـذاالسبب الرئيسي للحرب قد تالشى اآلن. فلم يعد هناك برابرة على األبواب.

129

احلرب والسالم

Kاشيةfوحتى صراعات احلدود األمريكية ب} الفالح} ورعاة القطعان من اأو بينهما وب} القبائل األصليةK قد انتهت منذ مائة سنة.

لكن ال احلرب وال العنف انتهيا من حياتنا. ولعـل الـنـظـارة اfـتـفـحـصـةمبراطورية الرومانية تساعدنا على بيان السبب.لإل

احلقبة الرومانية ألطول حرب: بعض التساؤالت(×) ق. م. أحلقت جماعة من البدو الرحل تسمى الـغـالـيـ}٣٩١في عام

K الهزCة بجيش صغير من األشرافK أعضـاء(×١)بقيادة زعيمهم برينـوس عام)أي٨٠٠األرستقراطية الرومانيةK وشرعت في حرق مدينة روما. وبعد

حتت قيادة(×٢)K إن شئنا الدقة(قامت قبيلة iاثلة من القـوط٤١٠في عام بتدمير مدينة روما مرة أخرى. وهذه التواريخ عالمات مناسبـة(×٣)أالريك

لبداية التاريخ الروماني ونهايته. وتكمن عظمة روما فـي إجنـازاتـهـا خـاللثما�ائة السنة هذه: إذ أصبحت اfدينة إمبراطورية قامت بنشر قوانينـهـاوثقافتها وبسطت «سالمها» من شمال أفريقيا إلى إجنلترا; كانت عاصمةهذه اإلمبراطورية آمنة; في الوقت نفسه لم تتغير حياة البدو الرحل الوحشية

عام من اإلجنـازات كـانـت٨٠٠. وتكمن اfـأسـاة فـي أن رومـا بـعـد إال قلـيـالعرضة لالنكسار كما كانت من قبلK بل لقد ازدادت ضعفا في واقع األمر.

ق. م. إلى بعث احلياة في أوصال اإلمبراطورية٣٩١ففي ح} أدت هزCة عام ينة مرة اfدVandlization تخريـب ٤١٠وإلى تنمية هائلةK أعقب هزCة عـام

) واغتيالVandals على يد قبيلة أخرى (وهي قبيلة الواندال ٤٥٥أخرى عام K وحتويل اfدينة اإلمبراطورية نهائيا إلى مرعـى٤٧٦اإلمبراطور وابنه عام

زوة قائمة.نام أية قبيلة غازية. ولم تقم لروما بعد هذه الغألغ ق. م.? وما سر٣٩١ جنحت روما في طرد البرابرة بعد هزCة مولكنK ل

عام من الـغـزو ونـشـر٨٠٠عجزها الشـديـد عـن أن تـقـوم مـن كـبـوتـهـا بـعـد مبراطورية في القرن اخلامس اfيـالدياحلضارة? لم أخفقت اجليـوش اإل

عام ألنفسهـم?٨٠٠في توفير األمان الذي حققه سكان مدينة صغيرة منذ جابة عن هذا السؤال. فمن احملتملإن البرابرة أنفسهم يقدمون جزءا من اإل

أن غزوات القرن اخلامس اfيالدي كانت أكـثـر ضـراوة مـن غـزوات الـقـرنالرابع قبل اfيالد. لكن هذا من قبل التكهن وحسبK فنحن ال نعرف سوى

130

الغرب والعالم

القليل عن القبائل البدوية األولىK ألنـهـم لـم يـتـركـوا وراءهـم أيـة سـجـالتجلهلهم بالكتابة. ولذا فمعظم نشاطهم ال يزال سرا مغلقا بالنسبة لنا.

وقد يبدو من األجدى أن ننظر إلى ما قد تغير في اجلانب الروماني مناfعادلة. فالبرابرة كانوا دائما على احلدود. وقد تصدت اجليوش الرومانية

عام. لكن اإلخفاق٨٠٠دائما لهذا التهديدK وكلل هذا التصدي بالنجاح طوال خفاق?حلق به بعد ذلكK فماذا حدث في روما وأدى إلى هذا اإل

األشراف الرومان: الدستور اجلمهوري واجليش ق. م? أدى الغـزو الـذي قـام بـه٣٩١أوالK مـاذا حـدث بـعـد هـزCـة عـام

الغاليون إلى اقتناع من جنا من الرومان بضرورة إحداث تغيرات جوهـريـةفي تنظيمهم العسكري. فجيش األشراف األرستقراطي لم يكن كفئا للقبائلالبربريةK حيث كل الناس محاربون. وكان الرد اfناسب الوحيد على للقبائلاحملاربة هو إنشاء جيش اfواطن} القومي الذي يضم عامة النـاس الـذيـناستبعدوا من قبل من السلك العسكري ألنهم لم يكونوا مواطـنـ} بـاfـعـنـىالكامل للكلمة. وليس اfتوقع لهم أن يبذلوا حياتهم في سبيل اfديـنـة وهـممجردون من احلقوق السياسية. غير أن هؤالء الـعـامـة قـد اسـتـبـعـدوا مـناfواطنة الكاملة ألنهم ال Cلكون إال القليل من األرض أو ال شئ منها على

طالق. ولم يكن األشراف الرومان على استعداد ألن يعـهـدوا إلـى هـؤالءاإلالذين ليست لهم مصلحة اقتصادية باتخاذ قرارات سياسيةK كما كان احلال

في اfدن-الدول القدCة األخرى.ولقد كان نشوب أزمة-وأزمة عسكرية على وجه الـتـحـديـد-هـي الـشـيءالوحيد الذي في مقدوره أن يرغم األشراف الرومان على السماح للـعـامـة

باالنخراط في اجليش.وكان من الضروري أن Cنح هؤالء اجلنود اجلدد بعض القوة السياسيةواالقتصادية أيضا لضمان والء اجليش. ولقد كانت هزCـة رومـا الـكـامـلـةهي تلك األزمة. فجيوش البرابرةK التي تطبق مباد� اfساواةK أرغمت الرومانعلى إدخال الدCقراطية على جيوشهمK وإنشاء جيش أكثر دCقراطية-أي

إدارة اجملتمع ذاته على أساس دCقراطي كذلك.كانت التغييرات تدريجيةK ولم تكن كاملة بأي حال من األحوال. فأصبح

131

احلرب والسالم

العامة مواطن} كامل}K وكان على كل مالك األرض (من األشراف أو العامة)ب} السابعة عشرة واخلامسة والست} تلبية االستدعاء للخدمة العسكرية

هو الكلمة الالتينية التي اشتقت منهاClassis(ويالحظ أن لفظ االستدعاء أي طبقة) وحتى اfعدمون (ويسمون البروليتـاريـا)Classالكلمة اإلجنليزيـة

كان مطلوبا منهم أن يعززوا اجليشK وبذلت محاولة لتوزيع األراضي الـتـييتم غزوها على هؤالء اfعدم} الذين ال Cلكون أرضا وعلى عامـة الـنـاس

من الفقراء.وSقتضى الدستور اجلديد كان من حق اجلمعية الشعبية إجازة القوان}باتخاذ القرارات اخلاصة باحلرب والسلم وانتخاب القناصل (وهم اfوظفونالتنفيذيون الذين يعادلون على وجه التقريب رؤساء اجلمـهـوريـة أو رؤسـاءالوزراء فيما بعد). وأصبح من اfمكن حتى لعامة الشعب أن يصبحوا قناصل.وعالوة على هذا حصل موظفو اجمللس الشعبي القد�K اfسمون بالتربيون

Tribuneoعلى حق االعتراض (الفيتو) على بعض قرارات اجمللس الشعبي Kبأسره أو قرارات قناصله.

بقاء على الطبقاتK ووجود بروليتاريا معدمةK فإن الدستوروبالرغم من اإل ق. م. كان يعني مجتمعا أكثر مساواةK له جيش أكثر٣٩٠الذي ظهر بعد عام

�ثيال iا كان األمر عليه من قبل عبر مئات السن} التي حكم األشرافأثناءها روما. ويقول أحد اfؤرخ}: «من اfؤكد أن التنظيم اجلديد للمواطن}

حساس باfصلحة اfشتركـة إلـىقد بث قوة جديدة في اجلماعـةK وعـاد اإلقلب كل مواطن: إذ شعر بنفسه مسئوال عن الدولة ورخائها».

لقد أصبح اجليش هو الناس أساسا. وSا أن استدعاء اجلميع للخدمةالعسكرية كان يتم عند إعالن احلربK وكانوا جمـيـعـا يـشـتـركـون فـي قـرارالذهاب إلى احلربK فقد خلقوا بذلك إمكانية مجتمع مسالم. لقد أصبحواقادرين على الدفاع عن أنفسهم في حالة الطوار� حتى آخـر رجـل. ولـكـنKشأنها شأن البرابرة (الذين اقتبس الرومان ذلك احلل منهم K{أمة احملاربقد تعتاد نظام احلرب أكثر من اعتيادها فراغ الـسـلـم. وحـيـنـمـا أصـبـحـتالدولة هي اجليشK كان من اfمكن أن تصبـح األمـة مـكـونـة مـن اfـواطـنـ}الذين يعملون جنودا في حالة الطوار�K أو أمة اجلنود الذيـن يـلـعـبـون دوراfواطن بعض الوقت. وكان الرومانK شأنهم شـأن الـبـرابـرةK يـسـلـكـون فـي

132

الغرب والعالم

الغالب سلوك أمة من اجلنود.

احلفاظ على التفاوت وعلى األرض األجنبيةثمة أسباب عدة أدت إلى احتالل اجليـش مـكـان الـصـدارة فـي الـدولـةKفليس من احملتمل أن الناس بكل بساطة كانوا يفضلون احلرب على السالمولكن عدم استعداد األشراف لتوزيع أرضهم على العامةK جعل الغزو العسكريأيسر السبل وأقلها إيالما لزيادة قاعدة اجليش ب} اfواطن}. ولعل الفقراءأدركـوا أن حتـسـن حـالـهـم يـتـوقـف عـلـى غــنــائــم احلــرب. فــكــان اجلــيــشالدCوقراطي جيشا إمبرياليا بالضرورة. وقد طرحت اfساواة االقتصاديةاحلقيقية ب} اfواطن} نفسها بديال حتميا إبان األيام احلالكة بعـد غـزوةالغالي}K لكن ال بد أن طبقة األشراف سرعان ما أدركت إمكانية قيام دولة

إمبريالية عسكرية كبديل.زيـادة عـلـى ذلـكK ظـلـت طـبـقـة األشـراف-عـلـى الـرغـم مـن الـتـغـيـيــراتالدستورية-مهيمنة على احلكومة إلى حد كبير. فمع أن اجملـلـس الـشـعـبـيكان مفتوحا للعامةK فإن كفة األشراف كانت أرجحK ويرجع هذا إلى عمليةاالقتراع اfعقدةKحيث كان التصويت يتم من خالل اجلماعات ال من خاللاألفراد. وكان األثرياء يؤلفون غالبـيـة هـذه اجلـمـاعـات الـتـي كـانـت تـدعـىمجموعات اfائةK والتي كان لكل منهـا صوت. وحتـى هـذه الـطـريـقـة ذاتـهـاكانت عادة غير ضروريةK إذ كان العامـة يـدلـون بـأصـواتـهـم دائـمـا لـصـالـحاألشرافK ألنهم كانوا ينتخبون قناصلهم من ب} أعضاء تلك الطبقة. ولعلهذا راجع إلى أنهم تعودوا اخلضوع للسلطةK أو ألنهم شعروا بقدر أكبر مناألمن مع «ذوي األسماء الالمعة»K أو لعلهم تعلموا «تسلسل القـيـادة» أثـنـاء

له أهمية خاصةK ألن القناصل ازدادواتدريبهم العسكري. وكان هذا أمراأهمية (وCكن القول على سبيل التهكمK إنهم ازدادوا أهمية ألنه لم ينتخبلهذا اfنصب سوى األشراف). وكان القناصل يـشـغـلـون اfـنـصـب fـدة عـامواحدK ولكن أصبح من الشائع أن ينضموا إلى جماعة من القناصل مهمتها

تقد� االستشارة للقناصل التال}.وتسمى هذه اجلماعة مجلس الشيوخ. ولهذا اجمللس بوصفه جلنة مكونةKشورة للملوك القدماءfفقد سبق له تقد� ا Kمن األسر النبيلة تاريخ طويل

133

احلرب والسالم

صالحاتكما قدمها لقناصل اجلمهورية احلديثـة. وكـان اfـفـروض فـي اإل ق. م. أن ترغم مجـلـس الـشـيـوخ عـلـى أن يـشـرك٣٩٠التـي �ـت بـعـد عـام

اجمللس الشعبي في سلطاته. ولكن من الناحية الفعلية ازداد نفوذ اجمللسرسوخا بوصفه حكومة الدولة الرومانية. وتغير دوره من مجرد كيان استشاريتقليدي غير رسمي إلى الكيان التشريعي الرسمي لروما. أما اجمللس الشعبيفلم يكن يصوت إال على مشاريع القرارات التي تقدم بها القناصلK ولم يكنالقناصل يقدمون سوى تلك اfشاريـع الـتـي سـبـق أن وافـق عـلـيـهـا مـجـلـس

الشيوخ. ق. م. التي انعكست٣٩١واخلالصة أن االستجابة الرومانية لغزو عـام

على التطورات الدستورية في القـرن الـرابـع قـبـل اfـيـالد-كـانـت اسـتـجـابـةمختلطة. فقد بذلت محاولة جلعل نـظـام مـلـكـيـة األرض والـسـيـاسـة أكـثـردCوقراطيةK وازداد هذا االجتاه في اجليش. ولكن التـغـيـرات مـع هـذا لـمتشكل ثورة. فقد حاول األشراف أن يضموا عددا كـافـيـا مـن الـسـكـان فـيإطار اfواطنة حتى يصبح اجليش شعبيا بدرجة �كنه من الدفاع عن روماوزيادة رقعتها. غير أن طبقة األشراف احتفظت بسلطـتـهـا. وكـان الـتـوسـعالروماني خالل القرون التالية هو التعبير عن ذلك الوضـع. ومـع هـذا كـانثمة تفاهم ضمني على أن العامة Cكنهم أن يقوموا بإضراب ضد اخلدمةالعسكرية إذا لم يرضوا عن الدور الذي يلعبونه في السياسة. وقد وقع مثل

ق. م.K وحصل العامة آنذاك على تنازل مهم:٢٨٧هذا اإلضراب حقيقة عام اfوافقة على السماح للمجلس الشعبيK الذي كان يسيطر عـلـيـه األشـرافSواصلة اتخاذ القرارات بـشـأن مـسـائـل احلـرب والـسـالمK فـي مـقـابـل أنحتصل اجملالس التي تسيطر عليها العامة سيطرة كاملة على سلطة إصدار

القوان} التي لها قوة قوان} اجمللس الشعبي نفسها.

سالم روماني لكل إيطالياغزا الرومان معظم إيطاليا في الفترة الواقعة ب} هزCتهم على أيديالغالي} في بداية القرن الرابع قبل اfيالد ومنـتـصـف الـقـرن الـثـالـث قـبـلاfـيـالد. وبـالـرغـم مـن أن غـزواتـهـم لـم تـكـن دفـاعـيـة بـالـقـدر الـذي كــانــوايؤكدونه)فأية غزوات هي حقا دفاعية?(فغالبا ما كان ينظر إليهم بوصفهم

134

الغرب والعالم

حماة نظام اfدينة وحياتها. وكانوا عادة يدافعون عن اfدن األكثر استقراراضد القبائل األكثر بداوة وشراسة. ولقد قدر لروما أن تـكـون هـي اfـديـنـةالتي تقوم بتنظيم اfدن اإليطالية األخرى وسكانهاK ويعود هذا إلى وضعها

يعود أيضا إلى تفوقها العسكري.اfركزي إلى حد ماK ولكنهوقد قبل اجلنود الرومان اخلضوع لتدريب عسكري أكثر صرامة ولنظامأكثر قسوة من تدريب جيرانهم ونظامهم. فكانت سلطة القائـدK اإلمـبـريـوم

Imperiumسلطة مطلقة أثناء احلمالت العسكرية. وكان اجلنو Kد الذين يفرونعدام.أو ينامون أثناء نوبة احلراسة يقدمون للمحاكمة وينفذ فيهم حكم اإل

وإذا ما اتهمت وحدة بكاملها باإلخالل بالنظام على نحو خطيـر كـان يـنـفـذل واحد من كل عشرة رجال. فـلـم أي قتDecimationأحيانا عقاب التعشـيـر

تكن احلرب للرومان رياضةK كما كان احلال بالنسبة للجيوش األرستقراطيةفي اfدن األخرىK وإ�ا كانت عمال يستنفد موارد اجملتمع بأسرها.

نوا الدفاع عن مدينتهموقبل أن يغزو الرومان كل إيطاليا بفترة طويلة أم ق. م. (أي بعد أن انتهى إضراب العـامـة الـذي٢ ٨٧بشكل كاف. بعـد عـام

أعطى األشراف السلطة احلقيقية في أمور احلرب والسالم مقابل إشراكالعامة في السلطة التشريعية في األمور األخرى(أصبحـت احلـروب تـوجـه

ه ضـدمبراطوريات األخرى أكثر iا كـانـت تـوجعلى نحو متـزايـد ضـد اإل ق. م.٢٧٢ ق. م. إلى ٢٨١قبائل البدو. وقد انتهت روما من غزو إيطاليا من

مع االنتصار على حلفاء اإلمبراطورية الهيلينية في جنوب إيطـالـيـا. ولـكـنفتح نابولي وتارنتوم في جنوب إيطاليا وضع الرومان أمام القرطاجني} فيشمال أفريقياK فروما ورثت خالفات اfدن التي فتحتها كـمـا ورثـت صـراعجنوب إيطاليا بأكمله مع القرطاجني}. وحينما كـانـت احلـدود الـرومـانـيـةعلى بعد عدة أميال من اfدينةK كان من الضروري الدفاع عن اfدينة ضدالسلت والغالي} وقبائل وسط إيطاليا األخرى فقطK ولكن حينما أصبحتاحلدود الرومانية هي األلب والبحر األبيض اfتوسطK اصبح من الضروري

أن تدافع عن نفسها ضد اليونان وقرطاجنة وقبائل شمال أوربا.

احلدود اجلديدة تخلق أعداء جددا: قرطاجنة واليونان ق. م. منهمكـة فـي حـروب١٤٦ ق. م. إلى عـام ٢٦٢كانت روما مـن عـام

135

احلرب والسالم

مستمرة مع القرطاجني} واإلمبراطورية اليونانية. وكان اfؤرخون الرومانيون أوائل هذه احلروب خارج إيطاليا على أنـهـااfتأخر ون مشغوف} بتصـويـر

عبء ثقيل حتتمه اfسؤولية الرومانية وعلى أنها حروب دفاعية أساسا. بللقد رأى اfؤرخ بولـيـبـيـوس الـتـاريـخ الـرومـانـي كـلـه عـلـى أنـه تـوسـع مـحـتـملإلمبراطورية الرومانية التي نشأت Sشيئة الله (وهي تشبه �طا آخر من

إللهيةK أي فكرة «القدر اfؤكد»K التي كان األمريكيون يهيبون بهـااحلتمية ا (والرومان اآلخرين) كانوا يرغبون(×٤)اتهم). غير أن بوليبيوستسويغا لتوسع

في أمرين متناقض}. لقد أرادوا االعتقاد بأن توسعهـم كـان أمـرا مـحـتـمـاiا يعني أن الرومان لم يرتكبوا جرماK ولكنهـم أرادوا االعـتـقـاد أيـضـا أنأسالفهم الرومان لم يكونوا مجرد أدوات سلبية في يد القدر. ولذا قالوا إنكل خطوة من خطوات التوسع هي ثمرة «قرارات صعبة»اتخذوهاK ولكـنـهـاخطوات أمالها القدر في الوقت ذاته. وبينوا أن كل توسع حمل روما علىاالتصال بأعـداء جـددK وافـتـرضـوا كـذلـك أن هـؤالء األعـداء اجلـدد كـانـواراغب} في قهر روما (أو إقليم روماني ما) وقـادريـن عـلـى ذلـك. وكـان مـنالضروري-بالتالي-أن تسدد روما الضربة األولى ألسباب دفاعيةK أو أينمـاحانت الفرصة اfواتية. ولذا فال تثريب على هذه «احلروب الدفاعية»; ألنكل ما تفعله هو توظيف «ما هو حتمي» لصالح روما الذي هو أيضا صالح

احلضارة (كما كان كل مواطن روماني يعرق).وبدأت أول حرب مع قرطاجنة (وتسمى باحلرب القرطاجنـيـة األولـى)

ق. م. ألن روما كانت قد فتحت إيطاليا بأسرها مؤخرا. وكانت في٢٦٤عام وضع يجعلها تهتم بقرطاجنة في شمال أفريقـيـا وبـأسـبـانـيـا وبـجـانـب مـنصقلية. وكان الرومانK بحسب ما ذهب إليه اfؤرخ بوليبيوسK يـخـشـون أنيقوم القرطاجنيون بتطويق روما عن طريق تهديدهم صقلية و «كل سواحلإيطاليا». ولم يالحظ سوى قلة من الرومان أن قرطاجنة كانت عاجزة عن

ن احتمال قيام قرطاجـنـةقهر صقلية بعد مائتي عام من احلـرب. ولـذا فـإبغزو كل إيطاليا كان ضعيفا. ورSا ارتـأت قـلـة أخـرى اتـخـاذ اسـتـعـداداتدفاعية ضد هجوم قرطاجني محتمل من صقلية. غير أن السـيـاسـة الـتـي

انتصرت آنذاك هي غزو اجلزيرة اfسلح. ق.٢٤١ ق. م. إلى٢٦٢ عاماK من عـام ٢٣دامت احلرب من أجل صقليـة

136

الغرب والعالم

م.. فشيد الرومان أول أسطول كبير لهم وغزوا عددا من اfدن القرطاجنيةفي صقليةK وأسكرهم الفوز فعـقـدوا عـزمـهـم عـلـى إنـهـاء احلـرب بـضـربـةقاصمة. فقرروا غزو قرطاجنة نفسها. وزاد النجاح في صقلية من طموحالرومان ووسع من آفاقهم وشجعهم على شن «حرب وقائية». ولكن كما أنالنجاح يغذي اfزيد من احلروبK كذلك تفعل الهزCة; فلم يتمكن الرومانمن االستيالء على قرطاجنةK ومن ثم ظلوا يـحـاولـون. وفـي الـوقـت نـفـسـهأدرك القرطاجنيون أن روما هي عدوهم اللدود. فإذا لم يكن القرطاجنيون

صبح عليهم اآلنقد أعاروا مسألة غزو روما اهتماما كبيرا من قبلK فقد أأن يعبئوا قواتهم لشن مثل هذه احلرب الوقائية. فاستمرت االستـعـدادات

ق. م. وأعطـت٢٤١للحرب بعد معاهدة السالم اfـؤقـتـة الـتـي أبـرمـت عـام صقلية لروما. وعمل القائد القرطاجني هاميلكار على إحكام قبضة مدينته

ق. م. من أن يقودK٢١٨ بحلول عـام (×٦)على أسبانياK و�كن ابنه هـانـيـبـال ق. م.٢٠١حملة على إيطاليا. وقد ثبت أن ذلك الغزو الذي استمر حتى عام

لم يكن حاسماK شأنه شأن الغزو الروماني لقرطاجنة. فقد كان من اfمكنإحلاق الدمار بالريفK ولكن كان من اfستحيل االستيالء على العاصمة.وقدأخفق هانيبال في واقع األمر ألن اجليوش الرومانية أخذت تناوشه دون أنتواجههK وأخيرا نال اإلعياء من القوات القرطاجنية والقبائل اfتحالفة معها.

ق.٢٠١ ق. م. إلى ٢٦٤وجنم عن احلرب} الطويلت} مع قرطاجنة (مـن Kواطن} الروماني أصبح جـهـازا مـحـتـرفـا حـسـن الـتـدريـبfم.) أن جيش اوأصبحت روما تشكل تهديدا لإلمبراطوريات األخرىK وارتفع شأو مجلس

ن الشعب. والنتـائـج الـثـالث األولـى هـيالشيوخ الرومانـيK ونـال اإلعـيـاء مالنتائج اfهمة. ق. م. وجد مجلس الشيوخ-الذي كان يحكم بشكل دكتاتوري٢٠٠وفي عام

مبراطوريةكامل تقريبا خالل احلرب ضد هانيبال-فرصه إلحلاق الهزCة بإ حلفاء ملك مقدونيـاK وألنمقدونيا اليونانية. وبدا الوقت مالئما النشغـال

آلة احلرب الرومانية كانت على أهبة االستعداد. ولم يعبأ مجلس الشـيـوخجماعبأن األعضاء اfسم} «باfائة» في اجمللس الشـعـبـي قـد رفـضـوا بـاإل

تـقـريـبـا إعـالن احلـرب. وقـد اتـهـم مـحـامـي (تـربـيـون) الـشـعــب الــعــام ك. أعضاء مجلس الشيوخ «بإثارة احلرب تلو األخرى fنع الشعب(×٧)بايبيوس

137

احلرب والسالم

شيوخ أصر على موقفـهK ووضـعمن جني ثمار السالم». غير أن مـجـلـس الاfسألة مرة أخرى في جدول األعمال في النهاية فاز في االقتراح.

ولئن عدت احلروب السابقة حروبا «دفاعـيـة» Sـعـنـى مـاK فـإن حـروب أيالقرن الثاني كانت حروبا إمبريالية سافرة. فلم تـكـن مـقـدونـيـا تـشـكـل

ق. م.). صحيح أن البعض حتدث قبل١٤٦ ق. م. و. ٢٠٠تهديد لروما (عام ق. م.K عن الدفاع عن حريات اfدن-الدول اليونانية٢٠٠إعالن احلرب عام

مكانية قد تتحققالصغيرة ضد مقدونيا; ولكن حتى هذا كان مجرد تنبؤ بإفي اfستقبل أكثر من كونه تهديدا مباشرا. كل ما في األمر أن روما أصبحتبكل بساطة على عالقة وثيقة بالشئون اليونانيةK وأرادت أن �نع ظهور أيةسلطة قوية على جناحها الشرقـي. وهـكـذا مـهـدت حـروب الـقـرن الـسـابـقالساحة fزيد من التدخل من جانب الرومان. فب} احلرب} األولى والثانيةمع القرطاجني} اندفعت اجليوش الرومانية شرقا واشتركت في حرب} معالليريا األمر الذي أدى إلى وصول القوة الرومانية إلى مشارف مـقـدونـيـا.وكانت الغزوة تفضي إلى األخرىK وكانت تسمى أحيانا غزوة دفاعية. ولكن

بعد فترة لم يعد التبرير مهما.وبعد أن غزت روما مقدونيا ازداد تدخل روما في السياسـة الـيـونـانـيـةعمقا. و�كن الرومانK طوال معظم النصف األول من الـقـرن الـثـانـي قـبـلاfيالدK من مؤازرة الطبقة العليا اfقدونية ضد ثورات الطبقة الدنيـا الـتـيكانت دCقراطية ومعادية للرومان في الوقت ذاته. وأخيرا أدت الثورة التيقامت بها «قوى التحرر» في مقـدونـيـا والـتـي أحلـق الـرومـان بـهـا الـهـزCـة

ق. م. إلى أن حتكم روما اfستعمرة عن طريق حكـامـهـا١٤٦الساحقة عـام وجيشها النظامي. وطبق القانون العسكري في اليـونـان بـأسـرهـاK ودمـرتمدينة كورنثة التجارية الغنيةK وأصبحت أراضيها ملكا للشعب الروماني.

ق. م. برغم أنها لم تقم١٤٦كذلك دمرت مدينة قرطاجنة القدCة عام بأي عمل استفزازي.وCكن أن نوضح األمر بشكل مختلفK فنقول إن مزارعالنبيذ والزيتون والت} الغنية في قرطاجنةK في أحسن تقديرK كانت تشكلإمكانية تهديد اقتصادي للمالك الرومان الذين كانوا قد اخذوا في تطويرمزارع iاثلة في إيطاليا. ولقد وجد اfؤرخون الرومان تفسيرا شافيا لتدمير

K زعيم احلزب القومي الذي Cثل(×٨)قرطاجنة في قصة يروونها عن كاتـو

138

الغرب والعالم

اfالكK وكان قافال من رحلة إلى قرطاجنة. فقد لوح كاتو بحزمة تـ} فـيمجلس الشيوخ الرومانيK وعدد التـحـسـيـنـات الـتـي أدخـلـت عـلـى الـزراعـة

ق. م. وأعلن أنه٢٠١القرطاجنية منذ الهزCة التي أحلقها بهم الرومان عام البد من إجهاض محاولة بعث هذه الدولة اfزدهرة.

كانت طبقة اfالك هي التي تسيطر على مجلس الشيوخK وكانت مكانةعدام قرطاجنـةKمجلس الشيوخ ال تضاهىK فاقترعوا وأصـدروا احلـكـم بـإ

K القائد الذي كان قد انتهى لتوه من تـدمـيـر(×٩)وأرسلوا سكبيو أميليانـوسنومانتيا كي ينفذ احلكم. و� تدمير قرطاجنةK وذبح معظم السكانK وأصبحتقرطاجنة إقليما أفريقيا تابعـا لـرومـا وأجـرت األراضـي لـلـمـالك األغـنـيـاء

الرومان.

مبراطورية في الداخلثمار اإلاتسعت روماK فيما ال يزيد عن نصف قرن إال قليالK بحيث حتولت منحتالف للمدن اإليطالية إلى إمبراطورية تطل على البحر األبيض اfتوسط.

مال أفريقيا واfستعمرات القرطاجنية السابقة في أسبانياوشملت أقاليمها ش) إمبراطورية١٣٣وجميع الدول-اfدن واfمالك اليونانية السابقةK ثمK (بعد عام

مبراطورية إلى وباءK األسيوية (تركيا اليوم). وحتولت حمى اإل(×١٠)برجاموموتدفقت على روما ثروات اإلمبراطوريات السابقة. وكانت هذه الكنوز التي

ه األراضي اfتسعة اfتاحة للزراعـة الـرومـانـيـةKتراكمت عبر الـقـرونK وهـذوالفرص االستثمارية اfتاحة لألعمال التجارية الرومانـيـةK والـرشـوة الـتـيتقاضاها احلكام الرومانK والغنائم التي استولت عليها القوات الرومانيـة-كل هذا كان كافيا ألن يشغل الشعب الروماني fدة مائتي عام أخرى. ولذادفع من أجل اfزيد من احلروب الرومانية واfزيد من األقاليمK ومول حضارةمادية متطورة في روما. غير أن مثل هذه اللصوصية الكاملـة تـتـسـم عـادةبقصر النظرK فتدهورت العالقات مع األقاليم اfستنزفةK وتعلم الرومان أنيعتمدوا على األسالب أكثر من اعتمادهم على إنتاجهم. وأصبحت احلربهي القوى اfتحكمة في السياسة الرومانيةK وأصبح اجليش محركها. ولعلمن األمور التي لها أعمق داللة أن الشعب الرومانيK اضطر إلى مقايـضـةاfشاركة السياسية بأشياء صغيرة تافهة: ففقد العامة مزارعهـم وقـادتـهـم

139

احلرب والسالم

وسلطانهم السياسي وجيشهم الوطنيK واهتمامهم.وقد يبدو أن هناك شيئا من التناقضK علـى األقـلK فـي حتـديـد تـاريـختدهور اإلمبراطورية الرومانية ابتداء من نصف القرن الذي � فيه التوسع

ق. م.) نظرا ألن اإلمبراطورية لم حتل محل اجلمهورية١٤٦. م. إلى ق٢٠١(من fدة قرن ونصف قرن آخرK وألن اإلمبراطورية ظلت قائمة fدة أربعة قرون

يرة بدأت األحداث التي حـتـمـت أنبعد هذا. ولكن في هذه الـفـتـرة الـقـصيعتلي إمبراطور العرشK والتي أدت إلى عدم استقرار اإلمبراطورية بشكلأساسي. ولكن اإلمبراطورية مع هذا أنشئت في هذه الفترةK ولم تتوسع بعدذلك إال في األراضي البربرية في شمال أوربا-وكانت هذه العملية باهـظـةالتكاليف. وقد تسببت اإلمبراطورية نفسها في سقوط روما. وكان من ب}

الداخل في مائة السنة التاليةK فاحلروبآثارها اfباشرة نشوب حرب فيالطبقية واحلروب األهلية واحلروب ب} الرومان واإليطالي} كانت من ثماراإلمبراطورية. وقد أمكن السيطرة على العنف (واستعادة شئ من السالم)

افة أباطرة حقيقي}K لكن اfشكالت اجلـذريـة لـم حتـل عـلـى اإلطـالقضبإر فيماولكنK بدال من أن نسهب في وصف اآلالم اfبرحةK فلنكتفK بـالـنـظ

مبراطورية باجلمهورية الرومانية.أحلقته اإللقد أfعت من قبل إلى بعـض اfـفـاتـيـح الـتـي تـوضـح األمـور: غـيـاب أي

ق. م.K وزيادة نفوذ مالك األراضي٢٠٠تظاهر بأن احلروب «دفاعية» بعد عام ومجلس الشيوخK وكاتوا الذي لوح بحزمة الت}K كما أن هناك مفاتيح أخرى

ق. م. زاد تعداد١٣٠ ق. م. و ٢٣٠تدل على ما كان يحدث في روما. فب} عام ألف نسمة٣١٧الف نسمة إلى ٢٧٠السكان من اfواطن} الذكور البالغ} من

فقط-وهي زيادة طفيفة بالنسبة إلى اتساع األراضي الرومانية (قارن ذلكبزيادة السكان األمريكي} في قرن من التوسع اfماثل. بل األفضل أن تتخيلالفرق الصغيرة التابعة جليش مثل «جيش الشعب السويسري» وقد استولتعلى كل أوربا واحتلت كل مدينة من لندن إلى روما. ثم فلنتخيل أنها أخذتبعد ذلك تبحث عن قوات لترسلها إلى سويسرا)K. إن زيادة الشعب الرومانيلم تكن بأية حال باfعدل الضروري الالزم للحفاظ على جيش اfواطن} أوحتى على واجهتهK فلم يكن هناك بكل بـسـاطـة مـا يـكـفـي مـن الـرومـانـيـ}

رسالهم للغزوات.إل

140

الغرب والعالم

وزاد األمر سوءا أن أعضاء مجلس الـشـيـوخ األغـنـيـاء لـم يـكـونـوا عـلـىاستعداد لفتح أبواب اجليش الروماني والسماح Sمارسة السياسة للحلفاءاخمللص} حتى من كانوا يقيمون منهم في إيـطـالـيـا مـن مـواطـنـي اfـدن أو

القبائل غير الرومانية.وكان من اfتوقع من هؤالء احللفاء اإليطالي}K كشأنهم في اfاضيK أنيقاتلوا إذا استدعتهم احلكومة الرومانية. ولكن Sا أنهـم لـم يـكـن لـهـم أيسلطة في إعالن احلرب أو السلم فانهم لم يهتموا باحلمالت العسكرية إالقليال. وهكذا لم تكن اجليوش اإليطالية أكثر رومانية من جيـوش اfـمـالـك

اليونانية التي ساعدت الفرق الرومانية في حمالتها اآلسيوية.ولم يقتصر األمر على أن تزايد اfواطنة الرومانية-وهي أسـاس جـيـشاfواطن}-كان أبطأ من أن يسمح بحكم إمبراطورية بأسرهاK بـل إن طـابـعاfواطنة ذاته قد تغير أيضا. فقد � استبعاد الفقراء وعامة الناسK وذهبت

K فذهباألموال التي تدفقت من األقاليم اfفتوحة إلى من كانوا أغنياء أصالبعضها إلى القواد واfواطن} من طبقة الشيوخK وذهب البعـض اآلخـر إلـىطبقة أصحاب األعمال الصاعدة التي استفـادت مـن الـعـقـود الـعـسـكـريـة.وكان أضمن استثمار لهذه األموال اجلديدة هو شراء قطع األرض الضخمةالتي آلت إلى الشعب الروماني وتطويرهاK وإذ كان موظفو مجلس الشيـوخ

هم الذين كانوا يقومون بإدارتها وتأجيرها وبيعها.وكان بوسع أثرياء الرومان شراء مقاطعات-بل وحتى بالد بأسرها-باألثماناfعقولة التي يحددها أصدقاؤهم ال مجلس الشيوخ. وأمكن للخزانة الرومانيةأن حتول iتلكاتها اجلديدة إلى أموال فورية ضرورية للحكومة و«للدفاع»وللمزيد من احلروب. كانت السعادة تغمر اجلميعK فيما عدا الفقراء الرومان

يطالي} والرعايا األجانب.واحللفاء اإلتدفق األجانب على روما في شكل عبيد مغلوب} أو معدم} ليس لـهـمحق اfواطنة. ونظرا الحتياجهم الشديد إلى العمل فقد كانوا Cثلون مصدراللعمالة الرخيصة في اfزارع التي اشتراها اfالك الرومان األثرياء. وحتىاfواطنون الرومان السابقون أرغموا على بيع مزارعهم الصغيرة (التي كانتقد أهملت بعد سنوات طويلة من احلرب) وعملوا مستأجرين في الضيـاعالواسعة اجلديدة. وتخلى اآلخرون عن مزارعهم اآلخذة في التدهور بأمل

141

احلرب والسالم

احلصول على عمل في اfدينة. وبتخليهم عن مزارعهم تخلوا عن مواطنتهم(التي أصبحت بال قيمة على أية حال) وعن حقهم في اخلدمة العسكـريـة

(التي أصبحت عبئا باهظا). ق. م. أكثر شبهاK من عدة نواح١٥٠Kكانت اجلمهورية الرومانية في عام

مبراطورية اfنهارة التي ستظهر بعد مئات السن}K منـهـا بـاجلـمـهـوريـةباإلاألولىK جمهورية مالك األرض الصغار التي ظهـرت مـنـذ مـائـة عـام. لـقـدازداد تخصيص الضياع الواسعة للمحاصيل التجـاريـةK وحتـولـت األراضـي

احلبوب بينما حول الرومان أراضيهم إلى إنتاج النـبـيـذاألجنبية إلى إنتـاجوالزيتون والت} اكثر ربحا. (وهذه هي خلفية مطالبة كاتو بتدمير قرطاجنة)

في اجليش. كانت أسر الـشـيـوخ الوكان تغيير ملكية األرض يعنـي تـغـيـيـراتزال تزود روما بالقواد اfتلهف} على احلصول على مظاهر التكر� ووظائفاحلكام واألتباع اfسلح}K فقاموا بتجنيد األفراد جليوشهم من ب} صفوفالفقراء والصعاليك ووعدوهم بالغنائم من احلروب األجنبية. وما دام هؤالء

٨٨القواد يصيبون جناحاK فإن جيوشهم كانت تدين لهم بالوالء. وفي عـام ق. م. زحفت أولى هذه اجليوش عـلـى رومـا ذاتـهـا واسـتـولـت عـلـى احلـكـم

لصالح قائدها العسكري.

صالح اجلذري:رفض اإلقامت بضع محاوالت لوقف االجتاه نحو جتهيز اجليوش اخلاصة اfكونة

لغاء نظام ملكية األرض غـيـر اfـتـكـافـئمن اجلنود احملترفـ} اfـرتـزقـة وإل. وقد حاول تـايـبـريـوس ضـروريـاالذي جعـل هـذه اجلـيـوش اخلـاصـة أمـرا

-وهو مصلح ثوريK من أصل أرستقراطي خالصK وكان يعمل(×١١)جراكوس ق. م.-أن يحصل على تأييد مجلس الشيوخ١٣٣محاميا عاما (تربيون) عام

لفكرة اإلصالح العسكري. وساعد �رد العبيد على التـنـبـيـه إلـى مـشـكـلـةن العبيد في الضياعK وكان من الواضح للكثيرين أن جيشوجود عدد كبير م

اfواطن} أفضل من القوات اfأجورة. وحاول تايبريوس أن يعيد إحياء جيشاfواطن} فأقترح خطة لتوزيع األراضي على الفالح} الذين فقدوا أرضهموأصبحوا يعملون كمستأجرين في الضياع أو كبيروليتاريـا فـي اfـدن. كـمـااقترح مدة خدمة عسكرية قصيرة حتى يتسنـى لـلـنـاس أن يـعـمـلـوا جـنـودا

142

الغرب والعالم

للدفاع عن الوطن دون أن يرتبطوا بشكل متطرف باحلرب ودون أن يغيبوا نادى بأن Cنح احللفاء في إيطاليـا حـقعن مزارعهم fدد طويلةK وأخـيـرا

اfواطنة. ولم يلق أي من هذه االقتراحات قبوال لدى مجلس الشيوخK بل لقدبلغ من عدم شعبيتها أن اغتيل تايبريوس. وبرر مجلس الشيوخ هذا العمل

K(×١٢)بأنه قضاء على التمرد. وبعد عشر سنـوات وضـع جـايـوس جـراكـوسأخو تايبريس األصغرK خطة iاثلة لتوسع ملكية األرض واfواطنة Sـزيـد

حلاح والتأييد. وفي هذه اfرة وجد مجلس الشيوخ أن من الضروريمن اإلتبرير ذبح أكثر من ثالثة آالف من أتباع األخوة جراكوس كجزء من «حـالـةاحلرب». وقد وافق اجمللس على سلسلة أخرى من احلروب األجنبية لتحويلاالنتباه الشعبي عن اfسائل الـشـائـكـة احلـرجـة الـتـي أثـارهـا أتـبـاع األخـوة

جراكسوس. في٩ولم يؤد غزو أراض جديدة في شمال إفريقيا وبالد الغال (فرنسا

Kـشـاكـل تـفـاقـمـاfيالد إال إلـى زيـادة اfالربع األخير من القرن الثاني قبل ا ودكتاتوريةK وزادت الطبقة احلاكمة من مالكفازداد مجلس الشيوخ فسادا

األراضي من iتلكاتها على حساب الفقراء. واستنزف رجال األعمال وجباةالضرائب واfقاولون واحلكام والقادة األقاليم. وفقد اجليش أي آثار متبقيةلقاعدة شعبيةK وانطلق اجلميـع وراء الـغـنـائـمK إال أن الـعـامـة واحلـلـفـاء لـم

يحصلوا منها إال على أقل القليل.ووسط هذه احلروب تدهورت معنويات احللفاء والفالح} الذين كانواال يزالون يستدعون للخدمة العسكريةK حتى أنهم أخذوا في الهرب منهـا.

K ليقوم(×١٣)واضطر مجلس الشيوخ إلى استدعاء قائد شعبي-هو مـاريـوسبوضع النهاية األخيرة ألسطورة ميليشيا اfواطن}K وليقوم صراحة بتجنيدجيش نظامي من صفوف الفقراء الرومان. فأنشأ ماريوس جيشه احملترفبعد أن بذل الوعود باfال واألرض. ولوضـع هـذه الـوعـود مـوضـع الـتـنـفـيـذحاول أن يحيى برنامج األخوين جراكـوسK ولـكـن مـجـلـس الـشـيـوخ رفـض.وكان هذا الرفض يعني أن مرتبات اجليش النظامي اfطلوب ستدفع (مثلكل شئ آخر) على «أساس العمولة» من خالل الغزو. واألمر نفسه ينطـبـق

وهو قائد يؤيد مصالح مـالك(×١٤)على جيش لوشيوس كورنيليوس سـولـالاألراضي.

143

احلرب والسالم

اجليوش اخلاصة واحلرب األهلية:ح} رفض مجلس الشـيـوخ خـطـط األخـويـن جـراكـوس أعـلـن احلـلـفـاءاإليطاليون احلرب على روما-أوال من أجل احلصول على اfواطنةK ثـم مـن

fساواة. فأرسل مجلس الشيوخ جيوش سولال ضدهم (كان ماريـوسأجل ا ق. م. وصلت احلرب الـتـي٨٨مواليا ولكنه كان موضع شك) و بحـلـول عـام

دامت ثالث سنوات إلى تعادل مدمر ب} الطرف} فمنح احللفـاء اfـواطـنـة األمل في االستيالء علـى×١٤)نظير إلقائهم السالح. وفقدت قوات سولـال(

أراضي احللفاء في جنوب إيطاليا. ولكنهم كانوا في حاجة إلى أرضK فبدايراني في شمـال اإل(×١٦) ملك بونتـوس(×١٥)لهم أن احلرب مع ميثرا داتيـس

آسيا الصغرى هي فرصتهم اfواتيةK غير أن اجمللس الشعبي عهد باحلملةإلى ماريوس فزحف سولال على روما ودمرت احلرب األهلـيـة الـتـي دامـت

بعد ذلك كل شئ تبقى من جمهورية اfواطن}.قرناوعمل سولالK مثل ماريوس قبله لفترة وجيزةK على استتباب النظام فيروما بدرجة متطرفة. فعذب اآلالف وأعدمواK وسويت مدن بكاملها باآلرض.وكتب شيشرون فيما بعـد يـقـول إنـه «رأى رءوس أعـضـاء مـجـلـس الـشـيـوخ

اfقطوعة معروضة في شوارع روما».واستمر الصراع بعد موت ماريوس وسولال. فجيوشهما لـم تـعـد تـضـم

من الفالح} احملتاج} لألرضK بل إن هؤالء �رسـوافي صفوفها جنودافي احلرب مدة طويلة حتى نسفوا كيفية إدارة مزرعة. وكانت رومـا تـضـمجيش} كالهما في حاجة إلى عمل. والعمل الوحيد الذي يعرفه أفرادهماهو القتال. لذا كان من الضروري إرسال اجليش} في حمالت طويلة إلـىبالد الغال أو أسبانيا أو أفريقيا أو الشرقK حتى Cكن اإلبقاء على القتال

مجلس الشيـوخKخارج إيطاليا. وقد كان بومبيK على الرغم من خالفه معأكثر القادة العسكري} والء لهذا اجمللس العاجـز الـذي لـم يـتـوقـع والء مـنغيره. ولقد وثق بهم Sا يكفي)كما كان يكره احلرب األهلية Sا يكفي(لتسريحقواته عند دخوله روما. وانتهز مجلس الشيوخ فرصة ضعف بومبي ونسواضعفهم همK فرفضوا دفع أجور قواته. وكان هذا في احلقيقة Sثابة دعوةللقادة العسكري} أن يقوموا في اfستقبل بتشكيل مجالس الشيوخ اخلاصةبهم حينما يتوفر لهم اجليش الالزم للقيام بهذه اfهمة. ولقد فهم يوليوس

144

الغرب والعالم

K فزحف على روما بعد حملة في بالد الغال وركزقيصر هذا الدرس جيداالسلطة في يده.

ولم يعد مجلس الشيوخ هو احلاكم إذ انه فقد السيطرة علـى احلـلـفـاء بعد أن حتول إلى منتدى(×١٧)وعلى جمهور اfواطن} الرومان والبروليتاري}

لألشراف الرومان األثرياء. ولم يكن أمام اجمللس بارقة أمل في أن يتحكمفي اجليش ما دام لم يعد يتمتع بتأييد كـل هـذه اجملـمـوعـات. وقـد تـصـور

أنهم قد يستـعـيـدون اfـبـادرة(×١٨)بعض الشيوخK مـثـل كـاسـيـوس وبـروتـوسللمجلس إن هم قتلوا قيصر. ولكن قيصر كان قد جعل احلكومة تابعـة لـهإلى درجة أن اغتياله أفضى إلى سلسلة من احلروب األهلية بـ} أتـبـاعـه:

Octavianب} نائبه أنطوني وابنه بالتبني أو كتافيان. وقد ع} قيصر أوكتافيان

وريثا له في احلكمi Kا يدل على احتقاره جمللس الشيوخ وللدستور. وقـداكتسب هذا األخير لنفسه اللقب بإحلاق الهزCة بجيوش انطونيK ولـكـنـه

K ظهر أن احتقار قيصر جمللس(×١٩) باسم اوغسطوسعندما نصب إمبراطوراالشيوخ كان في محله.

اإلمبراطورية وشاهد القبر:٤٧٦ ق. م. إلى �٢٧يزت الفترة اإلمبراطورية من التاريخ الرومانيK من

بتتابع إيقاعات الفوضى والقمع وقد بلـغـت هـذه الـفـتـرة ذروتـهـا فـي حـكـماإلمبراطور األول أوكتافيان الذي يسمـى بـاسـم أوغـسـطـوس. لـقـد أصـاب

ابق من احلرب األهلية روما بـالـشـلـل حـتـى أن مـعـظـم الـرومـانالقـرن الـسواحللفاء تخلوا عن احلرية Sحض إرادتهم فـي نـظـيـر اسـتـتـبـاب الـنـظـام.و�كن أوغسطوس من نشر السالم في معظم ربوع اإلمبراطوريةK بل �كن

صبح ملكية شخصيةمن إنقاص حجم اجليش إلى النصف. غير أن اجليش ألإلمبراطورK ومنح أفراده أرضا من iتلكاته الشخصية (ومن بينها مصر)

ى أوغسطوس بالزخارف واحللي التي كان يرتديها اfلوك الشرقيون.وقد حتلوأخذت التقسيمات الطبقية-التي أصبحت كبيرة للغاية في القرون السابقة-

ترمز إليه رموز خاصة يرتديها أعضاء مجلس الشيوخ. محدداشكال (على(×٢٠) م ابن زوجته تايبـريـوس١٤خلف أغسطوس عند وفاتـه عـام

الطريقة اfلكية احلقة) ثم اندلعت موجة من العنف واالغتياالت مات بعدها

145

احلرب والسالم

وقوبل موته بارتياح من معظم رعـايـاه. وقـد٣٧تايبريوس مجنونا فـي عـام K إما عن طـريـق٣٩ إلـى ٣٧لقي األباطرة الستة التالـون نـهـايـتـهـمK مـن عـام

وحده.٦٩- ٦٨االغتيال أو االنتحارK ومات األربعة اآلخرون منهم عام مجموعة جديدة من األباطرة-الذين لم(×٢١) بدأ فسباسيان٦٩وفي عام

. واستطاع أن٩٦يكونوا من روما بل من إيطاليا-وظل في احلكم حتى عـام يستعيد بعضا من النظام الذي فرضه أوغسطوس دون أن يلجأ إلى دكتاتورية

«األباطرة الطيبون١٨٠ حتى عام.٩٦عسكرية صريحة. وجاء من بعده من عام اخلمسة» الذين جنحوا في توسيع حدود اإلمبراطورية قـلـيـالK وفـي وضـع

ابقK وفي استعادة جانب منحد ألقبح اfساو� التي ارتكبت في القرن الس(×٢٢)الثقة من خالل فترة من السالم اfستمـر. غـي أن مـاركـوس أورلـيـوس

Kوهو وآخرهمK واجه حـرب حـدود جـديـدة)جـنـبـا إلـى جـنـب مـع الـطـاعـونواجملاعة(األمر الذي استنفد قواه.

K أربعة أباطرة. وكان أحدهم ألعوبةK٦٩ شأنه شأن عام ١٩٢وشهد عام في أيدي حرس القصر الذين أطاحوا برأسه ح} خرج عن احلدود اfرسومةله. أما اآلخرK فكان عضوا غنيا في مجلس الشيوخ أبدى استعداده لـدفـعأكبر مبلغ للحصول على التاجK وأصبح التاجK ابتداء من هذه الفترةK الغنيمة

التي حتصل عليها اجليوش. (أصبـح٢١١Septimius Severus- ١٩٣ومع حكم سبتيميـوس سـيـفـيـروس (

مبراطور)صراحة(القائد العسكري احلاكـم. كـان يـقـول البـنـه: «فـلـنـدلـلاإلاجليش ولنحتقر الباق}». وقد أضفى سبتيميوس شرعية على الـتـغـيـراتالعسكرية التي حدثت في القرون السابقة. فتغلب على منافسيه احملتمل}من الرومان عن طريق استدعاء اجلـيـش مـن األقـالـيـمK وعـمـل عـلـى زيـادةحجم اجليش والرواتب اfمنوحة له إلى حد كبيـرK وبـذا جـعـل الـدفـاع عـنروما iكناK غير أنه زاد من عبء الضرائب الثقيل سوءا. وأخيرا منح ابنه

) اfواطنة لكل األشخاص األحرار في اإلمبراطورية٢١٧- ٢١١ ((×٢٣)كارا كالالK بعد أن أصبحت اfواطنة ال تعني شيئا.٢١٢في عام

٢٨٥ إلى ٢٣٥وأصبحت اإلمبراطورية خرابا بقية الـقـرن الـثـالـث. فـمـن ) إمبراطورا ثم أطاحت بهمK ولم تعد٢٦تي تقوم بالنهب (عينت اجليوش ال

احلدود تصد البدو الرحل اfغيرينK واستنفدت ثروات احلمالت السابـقـة

146

الغرب والعالم

وأعلنت أقاليم بكاملها استقاللها. وتعرضت روما نفسها للخطر والتهديد.) أن من الضروري بناء سور حول اfدينة.٢٧٥- ٢٧٠ ((×٢٤)ولذا وجد أوريليان

(إقليم إليـريـا الـرومـانـي هـو اآلنIllyriaو�كن إمبـراطـوران مـن إلـيـريـا٣٠٦- ٣٣٧) وقسطنـطـ} Diocletan (٣٠٥- ٢٨٤يوغسالفيا) هما ديوكليـتـيـان

)Constantineمـن تـأجـيـل الـكـارثـة احملـتـمـة. فـقـسـمـا اإلمـبـراطـوريـة إلـى K(إمبراطوريت}: اإلمبراطورية الغربية واإلمـبـراطـوريـة الـشـرقـيـة-واحـتـفـظـا

ى اجليوش البـربـريـةن لنفسيهمـاK واعـتـمـدا عـلبالنصف الشـرقـي احلـصـياعتمادا يكاد يكون كليا لصد البرابرةK وزادا من البيروقراطية جلمع الضرائب

ودفع رواتب اجليش.�كنت اإلمبراطورية الشرقية من البقاء وأصبحت العاصـمـة بـيـزنـطـة

بالقسطنطينية)مدينة حصينة ال يكاد يقوى أحد٣٣٠(التي سميت بعد عام على اقتحامها. أما روماK عاصمة اإلمبراطورية الغربيةK فلم تعد أكثر حصانه

ن البرابرة. لقد نضب سكانهاK وفسدتمن منطقة احلدود التي تفصلها ععملتهاK وحتولت ثرواتها إلى مزارع ضخمة وحشود من العبيد وقوات مـنالبرابرةK ولم يعد هناك أحد يعبأ Sا إذا كانت ستبقى أم ال وأحسن أوغسط}

Augustineبالصدمة حـ} نـهـب أالريـك Kأحد آباء الكنيسة K(٢٥×)روما عـام . ولكن أوغسط} كان في شمال أفريقيا وكان اهتمامه منحصرا أساسا٤١٠

في «مدينة الله».ولعل اfشكلة األساسية هي أن احلـكـومـة فـي رومـا لـم تـعـط جـمـاهـيـرالناس سببا يدفعهم إلى الوالء. فبعد مرور مئات الـسـنـ}K وبـعـد أن نـسـيالرومان أن الشعب كان هو صاحب اجلمهورية الرومانية وجيـشـهـاK حـاولقسطنط} بكل ما أوتي من قوة أن يقدم اfسيحية أساسـا جـديـدا لـلـوالء.غير أن الدين اجلديد كان اعترافا بيأس الناس أسـاسـا. وكـانـت شـعـبـيـتـه

نسان».لة أهمية «مدينة اإلعالمة على شعور الناس بضاوبعد غزوة أالريكK فكر قليل من الرومان بجدية في إعادة بناء مدينتهمكما فعل من قبلهم اfواطنون الرومان منذ ثمانية قرون. لقد أصبحت اfدينة

مبراطورية Sثابة أحد مكاتب جباة الضرائبK وكـانـت تـقـف رمـزا عـلـىاإلمبراطورية. ويقال إن البابا ليـونالقمع بقدر ما كانت ترمز إلى عظـمـة اإل

بأن يتركوا اfدينة وشأنهـاHunsK وقبائل الهان Attila أقنع أتيال (×٢٦)األول

147

احلرب والسالم

ولكن األكثر احتماال أنها كانت أقل إغراء ألتيال من الريف اجملاور (وبخاصةJustinianKمبراطور العظيم جستينيان بعد غزوة أالريك). وبعد قرن حاول اإل

إمبراطور اإلمبراطورية الشرقيةK (وهو من إليريا أيضا) أن يـعـيـد تـنـظـيـممبراطورية الغربيةK ولكنه وجد مدينة رافينا في شمال إيطاليا أكثربقايا اإل

اصمة القدCة. وبحلول الوقت الذي لم تعد روما فيه جديرةمالءمة من العبأن يخبرها أتيال أو يستردها جستينيانK أصبحـت مـديـنـة ال تـسـتـحـق أن

ينقذها أو يعيد بناءها أحد.

ملزيد من االطالعPaul بإشراف بول بوهانان Law and War Farيضم كتاب القانون واحلرب

Bohannain سلح والـعـدوانfوكتاب احلرب: أنثربولوجيا الصراع ا War: The

Anthropology of Armed Conflict and Aggresionبـإشـراف مـورتــتــون فــرايــد Morton Friedمارفن هـاريـس Marvin Harris وروبرت ميرفـى Robert Murphy

دراسات أنثرويولوجية عن احلرب. وقد � تلخيصه في كتاب قـصـيـر عـن من تأليفWarfareK«اfفاهيهم األساسية في علم اإلنسـان» بـاسـم احلـرب

.Robert Harrisonروبرت هاريسون. وهناك دراسات أخرى من وجهة نظر علم اإلنسـان مـن بـيـنـهـا طـبـيـعـة

e .B بإشراف أب ماكنيلThe Nature of Human Conflict Kالصراع اإلنساني McNeil وكـتـاب روبــرت اردراي Robert Arderey األرض واقـعـا حـتـمــيــا The

Territorial Imperative وكتاب كونراد لورينز Konrad Lorenz حول العدوان On

Aggression وكـتـاب ديـز مـونـد مــوريــس Desmond Morrisحـديـقـة احلـيــوان -H.H Theo Turneny وكتاب هــ. هــ تـورنـي هـاي.The Human Zooاإلنسـانـيـة

High احلرب البـدائـيـة: شـنـهـا ومـفـاهـيـمـهـا Primitive War: Its-Practice and

Concepts

ومن خير ما كتب عن تاريخ العالم الـقـد� مـن وجـهـة نـظـر احلـرب مـا نشـأةWilliam H. McNeilجنده في النصف األول مـن كـتـاب ولـيـم مـاكـنـيـل

وهو كتاب مفيد ومثير حول موضوعات وحقبThe rise of the Westالغرب كثيرة كذلك. والنسخة اخملتصرة من هذا الكتاب أيضا رائعة وإن كانت أقل

.A warld Historyتفصيال بخصوص تاريخ احلرب وهي بعنوان تاريخ العالم

148

الغرب والعالم

وهناك ببساطة كتب ال تعد وال حتصى عن التاريخ السياسي واالجتماعيواحلربي بحيث يصبح من العسير اختيار أي منها. وال تزال الصورة الـتـي

صورة جيدةRome (×٢٧) روماM. Rostovtzeffيف يقدمها كتاب م. روستوفترلتأثيرات االجتماعية االقتصادية التي تركتها التغيرات العسكرية (رغم أنه

اجلنديG. R. Watsonكتب منذ خمس} عاما). ويبحث كتاب ج. ر. واطسون E هذا اfوضوع بالتفـصـيـل وكـتـاب أ. بـاديـان The Roman Soldierالرومانـي

Badian تأخرةfاإلمبريالية الرومانية في اجلمهورية ا Roman Imperialism in

the Late Republic .كتاب جيد عن تلـك الـفـتـرة فـي حـ} يـسـتـكـشـف ت. أ مرحلة حاسمة في اإلمبرياليةD. R. Dudley و د. ر. ددلي T. A. Doreyدوراي

ويؤكد كتابRome Against Carthageالرومانية في كتاب روما ضد قرطاجنة The Man in اإلنسان في الشارع الروماني Harold Mattinglyهارولد ماتنجلي

the Roman Streelعنوان «احلرب والسالم: إجنازات السالم وخاصة فصل بTenny Frankفـي اإلمـبـراطـوريـة الـرومـانـيـة» وال يـزال كـتـاب تــنــي فــرانــك

مناقشة مختارة للتوسع الرومانىRoman ImperialismKمانية االمبريالية الرو وكتاب دونالدThe Rise of Rome نشأة رومـا David Hoodوكتاب ديفد هوك

End of the Roman Empire نهاية اإلمبراطورية الرومانية Donald Kaganكاجان

هما مجموعتان مفيدتان تضمنان التفسيرات اfعروفة.أما الدارس الذي يريد أن يتجاوز بعض القضايا التي أثيـرت فـي هـذاالفصل عن التاريخ الروماني فيجب أن يكـون عـلـى عـلـم بـالـكـتـاب اfـتـعـدد

Cambridge Ancient Historyاألجـزاء كـتـاب كـامــبــرج عــن الــتــاريــخ الــقــد�

The History of Romeوالكالسيكيات القدCة اfتعـددة األجـزاء تـاريـخ رومـا

وكتـاب تـاريـخ انـهـيـار اإلمـبـراطـوريـةT. Mommsenمن تـألـيـف ت. مـومـسـنThe History of the Decline and Fall of the Roman Empireالرومانية وسقوطها

. وهناك أيضا بعض الـدراسـات الـقـصـيـرةEdward Gibbonإلدوارد جيـبـون .H.Hصة اfمتازة عن التاريـخ الـرومـانـيK وكـتـاب هــ. هــ سـكـوالرد اfتـخـص

Scullard ٦٨ق. م. إلى ١٣٣ من األخوين جراكوس إلى نيرون: تاريخ روما منFrom the Gracchi To Nero: A History of Rome From 133 b 68. C. to A. dKم..

وكتابThe World of Rome عالم روماMicheal Grantوكتاب ميشيل جـرانـت Party السياسة احلزبية في عصر القيصر Lily Ross Taylorليللي روس تيلو

149

احلرب والسالم

Politics in The Age of Caesar وكتاب رونالد سيم Ronald Symeالثورة الرومانية The Roman Revolutionوالكتاب الذي ينحو منحى تفسيريا بالدرجة األولى

R.H.Barrow من تأليف ر-هـ باروThe Romansهو الرومان

150

الغرب والعالم

احلواشي

(*) Gauls

(1*) Brennus

(2*) Goths

(3*) Alaric

(4*) Polybius

(5*) Hamilcar

(6*) Hannibal

(7*) Q. baebivs

(8*) Cato

(9*) Scipio Aemilinus

(10*) Pergamum

(11*) Tiberius Gracchus

(12*) Gaius Gracchus

(13*) Marius

(14*) Lvcius Cornelius Sulla

(15*) Mithradates

(16*) Pontus

(×١٧) ال بد ان تفهم هذه الكلمة في سياقها التاريخيK فهي تعني الفقراء أو الذين ال Cلكونشيئا.

(18*) Cassius—, Brutus

(19*) Augustus

(20*) tiberius

(21*) Vespasion

(22*) Marcu Aurelius

(23*) Caracalla

(24*) Aurelian

(25*) Alaric

(26*) Leo I

(×٢٧) ترجم الى العربية (اfترجم)

151

التفرد والثقافة

لتفرد والثقافةا

ة والذات املسيحيةالسيكيات الكالذإننا لم نألف النظر إلى ظهور الفردية على إنهعملية تاريخيـةK بـل إنـنـا جنـنـح إلـى االعـتـقـاد بـأنKاألفراد كانوا منذ كان النـاس عـلـى األرض. وهـذابالطبعK صحيح Sعنى ما. فكـل إنـسـان عـاش فـيأي وقتK كان فردا. لكن الشيء الالفت للنظر هوأن غالبـة الـنـاس فـي مـعـظـم الـتـاريـخ الـبـشـري لـميخامرهم إال أدنى شعور بفرديتهـم. فـقـد تـطـورتفكرة الفردية التي ال تتكرر (بوصفها حـقـيـقـة مـن

نسان)حقائق احلياة أو مثال أعلى يحيا من أجله اإلخالل التاريخ البشري.وقد شهدنا بشائـر الـتـطـوراfبكر لفكرة الفردية في اfدنيات األولى منذ خمسةآالف سنة.غير أن هذه الفكرة كانت في أول أمرها

على الفراعنة والكهنة وطبقة األشراف وقلـةوقفامن اfتعلم}.بل إن مقابر الفـراعـنـة ذاتـهـا حـافـلـةبأشكال مجردة ال تعكس مـن الـتـفـرد إال بـقـدر مـاKتعكسه رسوم الكهوف في العصر احلجري القد�فضال عن أن �اثيل الفراعنة أنـفـسـهـم ال تـتـمـيـزكثيرا بعضها عن البـعـض. وأشـد األشـكـال فـرديـةوتـفـردا فـي الـعـالـم الـقــد� هــي أشــكــال األربــابوالربات. وهكذا لم يتوسم البشر في أنفسهم صفات

6

152

الغرب والعالم

التفرد ولم يعملوا على تصويرها إال ببطء شديد.وسوف نلقى في هذا الفصل نظرة متفحـصـة عـلـى اكـتـشـاف الـفـرديـةبوصفه عملية تاريخية. فسوف نبحث أوال غياب أفكار التفرد في قبيلة منالهنود األمريكي} في أوائل القرن العشرينK وسيكون هذا البـحـث Sـثـابـةاستعراض للماضي القبلي لكل اجلماعات البشريةK وتذكير ألنفسنا بأنـنـا

بها. ثم نقارن بعدنأخذ كثيرا من تصوراتنا اخلاصة بالفردية قضية مسلماهذا ب} ظهور الفرد البطـولـي األرسـتـقـراطـي فـي الـعـصـر الـبـرونـزي فـياحلضارات القدCةK وب} اإلمكانية الكامنة في العصر احلديدي النتشـار

ن ننوه بالصلة ب} التطور التكنولوجيحساس بالتفرد. وغرضنا من هذا أاإلوالفردية.

ويركز اجلزء األساسي من هذا الفصل على �و الفردية فكـرا وعـمـالفي اليونان وروما في العصر الكالسيكـي. فـقـد كـانـت الـثـقـافـة الـيـونـانـيـةالكالسيكية أول الثقافات في التاريخ اإلنساني التي طورت مـجـمـوعـة مـن

fتعلقةالقيم الفردية.بينما قام اجملتمعان الروماني واfسيحي بتطوير األفكار اسهامات الكالسيـكـيـةبالفردية بطرق مختلفة.وسوف نـركـز عـلـى تـفـرد اإل

واfسيحية. ولكن سنالحظ أيضا مواطن القصور االجتماعية في األفـكـاراليونانية والرومانية عن الفرديةK وهي األفكار التي كانت تعني-في الغالب-

شيئا مختلفا �اما بالنسبة لهما.وعندما نتكلم عن التفرد أو النزعة الفردية في اجملتمع احلديـث فـمـناfهم أن نعرف اfقصود بهذه اfصطلحاتK ومن اfهم أن ندرك أننا نتنـاولأفكارا لها. تاريخ محدود ومحدد من اfعانيK ألننا حتى في أقصى حاالت«تفردنا» ال �لك أن نعبر عن أنفسنا بغير األلفاظ والعالمات التي أخذناها

عن تاريخنا الثقافي».

في البدءبوسع عالم اإلنسان أن Cدنا باfزيد مـن الـتـفـاصـيـل عـن حـيـاة قـبـائـلالصيد والزراعة التي تعيش بيننا اليوم (أو خالل اfائـة سـنـة األخـيـرة مـنالبحث في ميدان علم اإلنسان)K ولكننا ال نـسـتـطـع أن نـتـأكـد إطـالقـا مـن

الذين كانوا يعيشون منذ خمسة آالفمقدار تشابه هذه القبائل مع الناس

153

التفرد والثقافة

سنة أو عشرة آالف سنة أو عـشـريـن ألـف سـنـة. ومـع هـذاK فـمـن األشـيـاءالالفتة للنظر التي � اكتشافها عن مجتمعات الصيـد واجلـمـع والـفـالحـة«الـبـدائـيـة» فـي مـائـة الـسـنـة األخـيـرة افـتـقـارهـمـا الـنـسـبـي إلـى الـفــرديــة

واخلصوصية والتعبير الذاتي. في كارولينا الشماليةK على سبيل اfثالK ليست عندهم(×)فهنود الونتو

شارة للضمير اfتكلم «أنا» أو «ذاتـي». فـالـهـنـدي مـنـهـم حـ}حتى كلـمـة اإليصف رحلة مع صديقهK اfسمى بالسحابة البيضاءK فإنه يقول ««السحابةالبيضاء-نحن» بدال من القول «أنا والسحابة الـبـيـضـاء». فـهـذا الـهـنـدي اليجد ما يحمله على التفرقة ب} نفسه وسائر أعضـاء الـقـبـيـلـةK وبـاfـثـل الKيوجد سوى تفرقة بسيطة ب} الذات وب} أسالفه. فإذا وصفوا قتـاال مـا

نسان ال يعرف إنه كان اfقصود صراعـا شـخـصـيـا أم مـعـركـةفإن عالـم اإلذلك ألن السؤال الذي يخطر لنا فيقبلية أو حربا قدCة خاضها األسالف.

التو-من اشترك في القتال?-هو سؤال ال يعني هذا الهندي في قليل أو كثير.ويبدو أن شعور الهندي-من قبيلة الونتو-بالذات أقل تطورا من إحساسنا

عـةبذاتنا. فالذاتK بالنسبة لناK مقياس كل شيء. إننا نعيـد تـوجـيـه الـطـبـيلتتفق مع ذواتناK ويظهر هذا حتى في الطريقة التي نستخـدم بـهـا كـلـمـات

K وهي عاfة من علماء(×١)مثـل «الشمال» و«اليم}». لقد الحظت دوروثي لينسان عاشت ب} قبيلة الونتوK هذا الفرق في التوجه:علم اإل

«عندما كنا ننطلق في نزهة فإن اجلبال كانت تقع على Cينـنـا والـنـهـرعلى يسارناK وعندما نعود تتغير اجلبال والنهرK بينما نظل نحن دون تغييرنظرا ألننا احملور والبؤرة. فنقول إن اجلبال (انتقلت) إلـى يـسـاري. وظـلـت

جنليزية لعدة سنواتK منذ القرن الرابعهذه هي طريقة التعبير في اللغة اإلعشر على األقل. أما بالنسبة للهنديK من قبيلـة الـونـتـوK فـإن مـصـطـلـحـياليسار والـيـمـ} يـشـيـران إلـى جـانـبـ} ال يـتـجـزآن مـن جـسـمـهK ونـادرا مـايستخدمان... وعندما يسير الهنـدي مـع الـنـهـر تـكـون اجلـبـال إلـى الـغـربوالنهر إلى الشرقK وتقرصه البعوضة في ذراعه الغربي.وعندما يعود تظلاجلبال كما هي جهة الغربK ولكن عندما يحك عضة البعوضة فإنه يحـكذراعه الشرقي. إن اجلغرافيا تظل دون تغيرK أما الذات فال بد من إعـادة

.)١(توجيهها بالنسبة لها»

154

الغرب والعالم

كذلك درست دوروثي لي القصص التي يحكيها هنود الونـتـو والحـظـتأنهم قلما يصفون اfشاعر الشخصية. فـقـصـص الـونـتـو حـافـلـة بـأوصـاف

الفعل واحلدثK ولكن.«مـن الـنـادر لـلـغـايـة أن تـوجـد عـبـارة تـصـف مـا يـدور داخـل اfـرء مـثــل

» أو«كان سعيدا» وحتى إن وجدت فـأنـا لـسـت مـتـأكـدة«استشاطت غـضـبـا�اما من أن العبارة ليست مجرد وصف يقدمه مشاهد من اخلارج فاألغنياتالتي يصفها هنود الونتو بأنها أغنيات احلب ال تشير إطالقا إلى أحاسيس

.)٢(أو انفعاالت احلبK وإن كانت تنقل معنى احلب لنا» وقد اكتشفت دوروثي لي أنه ليس من عادة هنود الونتو مناقشة حياتهم

الشخصية:«عندما طلبت من سادى مارش سيرتـهـا الـذاتـيـة حـكـت لـي قـصـة عـنزوجها األول قائمة على ما سمعته من اآلخرين.وعندما أصررت على تاريخحياتها هي حكت لي قصة سمتها «قصتي». وثالثة أرباع هذه القصة تقريباعن حياة جدها وعمها وأمها قبل مولدهاK وأخيرا وصلت إلى النقطة التيكانت فيها «ذلك الشيء الذي وجد في رحم أمي». ومن هذه النقطة وبعدها

.)٣(حتدثت عن نفسها أيضا» رSا لم تكن سادي مارش حتاول أن تخفي «قصتها» «عن عاfة اإلنسان»Kفالهنود من أمثال سادي إما أنهم لم يعتادوا التفكير في حياتهم اخلاصـة

وإما أن جتاربهم اfستقلة قليلة للغاية بحيث ال تقتضي التفكير فيها.ويبدو أن هنود الونتو هم النمط الشائع للشعوب التي ال تعرف الكتابة.

في نيوزيلندا على سبـيـل اfـثـال لـيـس(×٢)إذ جند أن أعضاء قبيـلـة اfـاورىلديهم كلمة للتعبير عن اfلكية للمتكلم اfفردK ولكن عـنـدمـا يـقـول أحـدهـم«هذه أرضي» ملوحا بيده إلى عشرة آالف فدانK فإن هذه العبارة تعني أنهذه أرض القبيلة واألسالف. وال بد أن تنتابهم حيرة شديدة إن ظن أحـدأنهم Cلكون األرض ملكية فرديةK فهم ال يدركون معنى اfلكيةK ناهيك عناfلكية اخلاصة أو الفردية. إن كل عضو في قبيلة اfاوري يستخدم ما هـومتاح (سواء كان أرضا أو أدوات أو أسلحة أو مالبس) ولكن ليس لعضو من

القبيلة حق احتكار شيء أو إتالفه من هذه اfلكية العامة.ولعل السبب الرئيسي في ضآلة الشعور باخلصوصـيـة والـفـرديـة لـدى

155

التفرد والثقافة

الشعوب البدائية هو أن حياتهم متشابهة إلى حد كبير. فال يوجد سوى قلةقليلة من اfتخصص} في اجملتمع البـدائـيK رSـا طـبـيـب سـاحـر أو زعـيـمKبينما يشترك كل اآلخرين في العمل اجلماعي اخلاص بتوفير الطعام Kواحدوإرضاء اآللهة. وfا كانوا يحيون حياة عـامـة مـشـتـركـة فـرأيـهـم فـي األمـورواحد تقريبا. قد جندهم يختلفون حول أفضل مكـان لـلـتـربـص بـاخلـنـزيـرالوحشي (إذا كانوا هم أو أسالفهم يقومون باصطياد اخلنزير دائما) ولكنك

لم جتد منهم من يقترح صيد السمك بدل اخلنزير.إن احلياة القبيلة عامةK وليست خاصة.وكل أوجه النشاط فـي الـقـريـةKعامة وشعائرية.فالصيد والعيد والزواج واحلرب كلها تتم بصورة مشتركةوحسب تقاليد األسالف.وترك احلبل علـى الـغـارب لـلـفـرد تـرف ال �ـلـكـهالشعوب القبلية. ومن ثم فلم يحلم أي منهم بهذا. وحتى اfساكـن هـي فـيالعادة عامةK فالشخص الذي يريد أن يكون وحده قد يجلس في مـواجـهـة

اجلدارK وهذا هو مدى اخلصوصية اfتاحة.وهكذاK فإن فكرة «الذات» أو «الشخصية» الفردية إ�ا تقوم على تدهوراحلياة القبلية.وفي اخلمسة آالف سنة األخيرة حلت األسرة والفرد مـحـلالقبيلة تدريجياK ولم يحدث هذا إال مع ظهور اfدنK وهي في الواقع مجتمعاتاfتخصص}.أي Cكننا القول إن الناس لم يفكروا في أنفـسـهـم بـوصـفـهـم

لهم خصوصيتهم وتفردهم إال عـنـدمـا عـاش كـل مـنـهـمK عـلـى نـحـوأفـرادامتزايدK حياته اfتخصصة.

املعادن واألوسمة: عصر البرونز البطولي واحلديد الدميوقراطيلئن كـان صـقـل احلـجـر هـو آيـة الـعـصـر احلـجـري اجلـديـد فـإن صـهـرالبرونز)من القصدير والنحاس) هو آية اfدن األولى. وصهر اfعادن يقتضياستثمارا في العمل وتخصصا في احليـاة ال طـاقـة لـلـقـرى بـهK لـكـنـه خـلـقأسلحة للحربK واكتسب للمدن حقا دائما في محاصيل الريف. لقد شجعالبرونز جنوح اfدن األولى نحو خلق الطبقـات واجلـيـوش; ولـكـن fـا كـانـتالتكنولوجيا اجلديدة غير متاحة إال للقلةK فإن جيش العصر البرونزي هو

ق. م.) يسمى فـي٣٠٠٠جيش الطبقة العليا. والعصر البرونزي (بـعـد عـام الغالب عصر الفردية البطولية العسكرية.

156

الغرب والعالم

فاحلروب األرستقراطية كانت في جانب كبير منها نـزاال فـرديـا أشـبـهبسلسلة مبارزات.ويحكي هوميروسK أبو الشعر اليونانيK في إلـيـاذتـه عـنبطوالت محاربي العصر البرونزي في اليونان القدCة. وذروة القصة هـي

مقتل هكتور بطل طروادة على يد البطل اليوناني أخيل:«فلما التقيا وجها لوجه بادر هكتور العظيم ذو اخلوذة الالمعة مخاطباأخيل: (إنني لن أهرب منك يا بن بليوس كما فعلت من قـبـلK فـدرت ثـالثـاحول مدينة بريام األمة فلم أثبت للقائك. واآلن يهيب بـي قـلـبـي أن أنـبـريلكK فأكون قاتال أو مقتوال. وبعد أن قال كلماته استل سـيـفـه احلـاد الـذييتدلى من خاصرته رائعا وقوياK وجمع شتات نـفـسـه وانـقـض مـثـل الـنـسـراحمللق الذي يندفع كالسهم إلى السهل من خالل السحب الدكناء ليختطفحـمـال وديـعـا أو أرنـبـا رابـضـا.وهـكـذا انـقـض هـكـتـور وهـو يــشــرع ســيــفــهاحلاد.واندفع أخيل نحوه ألن قلبه كان iتلئا شراسة وهو يدرأ عن صدره

ربع طبقاتK فاهـتـزتبدرع منقوش جميلK ورد خوذته الالمعة اfصـفـحـة أKريشاتها الذهبية حولها. وكما يندفع جنم وسط النـجـوم فـي ظـالم الـلـيـلتألق هسبيروسK أجمل جنوم السماء قاطبةK تألق وميض منبعث من حربةأخيل احلادةK وقد أمسكها بيده اليمنى يفكر كيـف يـلـحـق بـهـكـتـور الـنـبـيـلاألذىK ويجيل النظر في جسده ليجد خير اfواضع. وكـان جـسـمـه مـغـطـىبدرع برونزي جميل استلبه من باتروكلوس العظيم عندما ذبحه. كان جسمهكله مغطى إال ثغرةK هي تلك التي تلتقي فيها العظام الـبـارزة مـن األكـتـافبالعنق عند احلنجرةK حيث Cكن أن تنتهي احلياة في fح البصر. وهنالكوهو يتقدم اندفع أخيل النبيل نحوه برمحه وأنفذ سنه في العنق الـرقـيـق.ومع هذا فإن الرمح الرمادي اfثقل بالبرونز لم يشق القصبة الهوائيةK حتى

Cكنه أن يجيب على خصمه..ثم حتدث إليه هكتور بنفس خافت من وراء اخلوذة الالمعة: أستحلفكKبحياتك وبركبتيك وأبويك آال تتركني لكالب اآلخايي} تلتهمني بجوار السفنولكن لتفكر في البرونز والذهبK تلك الهدايا التي سوف يقدمهـا لـك أبـيوالسيدة والدتيK وارجع لهـمـا جـسـدي حـتـى Cـكـن لـلـطـراوديـ} وزوجـات

.)٤(الطروادي} أن يقيموا الشعائرK ويحرقوا جسدي بعد موتي» إن األبطال احملارب} في العصر البرونزيK من أمـثـال أخـيـلK وهـكـتـور

157

التفرد والثقافة

همK أول أفراد في التاريخK وهم يتيهون بقوتهـم الـذاتـيـة وبـسـالـتـهـم ألنـهـميواجهون اfعركة بل الردى Sفردهم. وفوزهم أو إخفاقهم رهن بقوتهم التيآتية أو نفوذهم عند اآللهة. ولكنهم يظلون مع ذلك أبطاال شعبي}. والبطولةالشعبية أساس واه لإلCان الشعبي بالفردية. ففي مجتمع العصر البرونزي

رستقراطي} التمتع بالتفرد األصيل.ال يتسنى لغير حفنة من األوقد كان احلديد أوفر من البرونزK فلما توصل الناس إلى طريقة صهره

ق. م. انتشر العصر احلديدي في أرجاء الـعـالـم إلـى أن١٢٠٠حوالي سنـة . وقد أتيح للحديد أن يجعـل مـن١٨٠٠ظهر الصلب والصناعة حوالـي عـام

عامة الفـالحـ}-فـضـال عـن األرسـتـقـراطـيـ}-أفـرادا. فـقـد كـانـت األدواتاحلديدية على درجة من الكفاءة أتاحت للفالح اfتوسط أن يـفـلـح فـرديـتـهكما يفلح أرضه. فاحملاريث احلديدية جعلت الفالحة أقل جهداK ولم تـكـنهناك حاجة إال لعدد أقل من الناس لتزويد اجملتمع بالطعام الذي يحتاجه.إن مجتمعات العصر احلديدي أكثر تخصصا من مجتمعات العصر البرونزي:هناك اfزيد من الفروق الفردية في اfهن التي يؤديها الـنـاس وفـي احلـيـاة

التي يحيونها.وإذن فقد وسع العصر احلديدي من نطاق الفرديةK بصفـة عـامـةK فـياجتاه}. فازداد الناس اختالفا فيما بينهمK كما ازدادوا وعيـا بـأنـفـسـهـم-بشخصياتهم وأفكارهم ومشاعرهم. لقد أضفى احلديد طابعا دCقراطياعلى الفردية بإعطاء الكثيرين من عامة الناس شعورا بهويتـهـم. لـكـن هـذه

العملية استغرقت ثالثة آالف سنة.أما على اfدى القصير فكان التأثير الذي أحدثته تكنولـوجـيـا احلـديـدعكسيا على طول اخلط. ففي البداية قضى احلديد على النزعة الفـرديـةالبطولية لدى األرستقراطي} من أمثال هـكـتـور وأخـيـلK ولـم يـتـرك شـيـئـامكانها. واحلقيقة أن معظم آثار الفردية تقلصت بعد إدخال احلـديـد fـدةألفا عام. فمعظم جيوش العصر احلديدي األولى كانت من اfشاةK واكتسبالفالح العامي أهمية بوصـفـه جـنـديـا عـنـدمـا أخـذت اجلـيـوش بـاألسـلـحـةاحلديدية. ولكنه كان مهما بوصفه جزءا من التشكيل القائم على احلشودوليست بوصفه فردا. ولقد وصف مؤرخ حديث الـشـكـل الـذي ظـهـر عـلـيـهمشاة العصر احلديدي في اليونانK وب}-بشكل واضـح-مـدى ضـيـق حـدود

158

الغرب والعالم

الفردية اليونانية. ق.٦٥«إن التغير اخلطير الذي طرأ على التكتيك العسكري حوالي عام

م. وضع أساسا آمنا fشاركة الفالح العادي في احلياة السياسية. وكان هذاهو ابتكار الكتيبة وهي تشكيل كثيف من اfشاة احملتشدين عـمـقـه ثـمـانـيـةصفوفK تقف أفرادها على الكر والهجوم سويا-والهجمة البارعة التي يقومبها عدة آالف من الرجال اfدرع} الذين يتحركون حركة رجل واحد أثبتتقدرتها على اكتساح اخليالة أو أي نوع آخر مـن الـقـوة اfـعـاديـة إلـى خـارجاfيدان. وfا صار هذا واضحا أصبح من احلتمي على كل مدينة أن تنـظـمكتيبة بأكبر حجم من ب} اfواطن} وتدربهـا. وكـل شـيء كـان يـتـعـارض مـع

تقوية كتائب اfشاة كان Sثابة تهديد للمدينة.وكان كل شاب قادر على شراء الدرع واألسلحة الالزمةC Kضي ساعاتطويلة مع رفاقه من الشباب وهو يتدرب في كتائب اfشاة على اإليقـاعـات

شدةواfهارات الالزمة للقتال بفاعلية. فلم يكن اfطلوب هو توافر السرعة والواإلقدام فحسبK بل كان على كل رجل باإلضافة إلى ذلكK أن يتعلم كـيـف

روع عندما تندفعيقاع أنشودة احلرب حتى ال ينهار حائط الـديسير على إكتائب اfشاة عبر ميدان اfعركة. وتتوقف سالمة كل نفر علـى ثـبـات جـارهفي مكانه في الصفوفK ألن درع كل إنسان يساعد في ستر جانب من يليهجهة اليم}. وفي مثل هذا الوضع ال مجال لألعمال العسكرية البـطـولـيـةالشخصية �اما مثل النكوص أو العجز عن اتـبـاع إيـقـاع الـهـجـومK ألن أي

شيء يخرق الصف يهدد بكارثة مباشرة.إن كل جندي مواطن من اليونان قد عانـى سـاعـات الـتـدريـب الـطـويـلـةالالزمة ألداء اخلدمة العسكرية في كـتـائـب اfـشـاة Sـهـارة. هـذا اجلـنـديالذي حتمل اfتاعب وخاض أخطار احلملة وعرف أفراح اfعارك الشديدة

رهاق الفجائي الناجم عنهاK خرج من مثل هذه اfـغـامـرات وهـو يـحـسواإلبشعور عميق يدوم مدى احلياةK بالتضامن مع كل أولئك الذين اشتركوا في

حساس اجلمعيهذه التجارب معه. وهذا الشعور العميق يشكل أساس اإلبعظمة ومجد اfدينة التي ينتمون إليها جـمـيـعـاK والـتـي يـجـد اجلـمـيـع فـيخدمتها حتققا شخصيا لذواتهم وشعورا قويا غامرا باحلرية الـشـخـصـيـة

يقاع عام مشترك ونظام صارم.عن طريق اخلضوع إل

159

التفرد والثقافة

ولهذا الندهش إذا وجدنا أنه عندما أدخل اليونان نظام كتائـب اfـشـاةغيروا مثلهم األعلى في السلوك الشخصي. فـفـي الـعـصـر األرسـتـقـراطـيالقد� كان تأكيد الذات الفردية واالستهالك الترفي الظاهر محل إعجاباجلميع. وكانت األعمال البطولية التي يقوم بها فرد شجاعK مثل تلك التياحتفل بها هوميروسK ومظاهر الترف الشخصي توجـد جـنـبـا إلـى جـنـب.ولكن الكتيبة جعلت من االمتثال الصارم للمعيار اfتعارف عليه فـي األمـوراحلربية أمرا ضروريا بشكل مطلق. وسرعان ما امتد هذا اfبدأ إلى اfدنيةأيضاK حتى لقد أصبحت احلياة اfترفة أو مجرد االختـالف عـن اآلخـريـن

بأي شكل ملحوظ تعد مسلكا مشينا غير يوناني وغير الئق.إن اهتمامات اfدينة اجلمعية أصبحت هي اجملال لتأكيد الذات وأصبحت

.)٥(اfدينة هي البطل وليس الفرد»

سقراط والنفسسواء أكنا ننقب في اآلثار أو نتصفح كتابا في تاريخ الفنK فإننا عندمانصل إلى �اثيل اليونان القدماء (منذ حوالي خمسة وعشرين قرنـا) نـرىألول مرة عددا كبيرا من األفراد احلقيقي}. والتغيير مذهـل: فـهـنـا أنـاسنشعر بأننا نعرفهمK أفراد حقيقيون لهم مشاعر خاصةK وهم «شخصيات»Cكن �ييزهم. فنحن ال نرى اfلوك واألربـاب والـربـات فـحـسـبK بـل نـرى

أيضا السماك} واألرامل واجلنود والسكارى والفالح} العادي}.لقد قال البعض إن اليونانيـ} «اخـتـرعـوا» اإلنـسـان الـفـردK وفـنـانـوهـم

نسانيةوشعراؤهم وفالسفتهم على األقل قد احتفلوا بالفردية والشخصية اإل ق. م.٤٠٠ ق. م. و ٤٥٠على نحو أكبر من أي إنسان سبقهم. وب} عـامـي.

م الفيلسوف اليوناني سقراط أبناء أثينا-Sا في ذلك أفالطون-أن احلكمةعلتبدأ بفهم اإلنسان لنفـسـه. وكـان سـقـراط يـوجـه نـقـده احلـاد إلـى مـا كـان

ئعةK وكان يطرح على الدوام أسئلة ثاقبة تعد حتديايعتبره الناس معرفة شالألفكار التقليديةK متسائال عن الطـريـقـة الـتـي � بـهـا الـتـوصـل إلـى هـذهKـعـرفـةfوما الذي تعنيه. وسمى سقراط نفسه «قابلـة» ا Kاألفكار التقليديةألنه كان يرغم الناس عن طريق التساؤل اfتواصل على إدراك أن معرفتهم

ال تصل إلى احلد الذي كانوا يظنونه.

160

الغرب والعالم

وهذا الشك كان على األقل بداية اfعرفة احلقيقة أو احلكمة. وبـاfـثـلآمن سقراط بأن اfعرفة بأسرها أصيلة وفطرية في اإلنسانK وCكن توليدها

تالمذته بقولـه «اعـرفعن طريق التساؤل وحسب. وعندما حـث سـقـراطنفسك» كان يطلب إليهم أن ينقبوا عمـيـقـا فـي عـقـولـهـمK حـيـث تـكـمـن كـل

احلقائق آخر األمر.كانت تعاليم سقراط دواء مرا fعظم االثيني} ذوي اجلاهK فهو لم يطلبإلى أبنائهم أن يشكوا في اآلراء التقليدية وحسبK بل أخبرهم أن احلقيقة«داخلهم» وكل ما عليه هو أن يحاولوا استخالصها. وهذا يـعـنـي أنـه حـتـىالعبد اجلاهل لديه نفس القدرة الكامنة على بلوغ احلكمةK التي توجد لدىالفيلسوف أو اfلك. وعلى الرغم من أن أثينا هي التي أجنبت فيلسوفا مثلسقراطK نادى بضرورة أن نتبع «الرب الصغير» «أو الضمير» داخلنـاK فـاناجملتمع االثيني كان عاجزا عن التسامح مع مثل هذه النزعة الفردية. فقدماالثينيون ذوو اجلاه سقراط إلى احملاكمة بتهمة اإلحلاد و «إفساد الشباب».وقد كان جواب سقراط على احلكم الذي صدر عليه يخبرنا بالكـثـيـر عـناحلدود التي لم تكن تتعداها النزعة الفرديـة مـنـذ أربـعـة وعـشـريـن قـرنـا.

سقراط ب} اfوت والنفيK اختار اfوت. فاحلـيـاة بـالـنـسـبـة لـهيـر فحـ} خثيني}K هيبعيدا عن بلدته احملبوبة أثيناK خارج نطاق القانون والعـرف اال

مصير أسوأ من اfوت..إن أي أثيني-Sا في ذلك سقراط-لم يـكـن بـوسـعـه أن يـتـصـور احلـريـةالفردية خارج نطاق اجملتمع أو التقاليد أو اجلماعة. فاحلرية إ�ا تعني نوعاحلياة اfمكنة في اجملتمع السياسيK وخاصة في اfدينة الـيـونـانـيـة. فـقـدجرى االعتقاد أن اجلماعة هي مصدر الفضيلة كلهاK وال Cـكـن أن تـوجـدأخالقيات خارج تلك اجللسة. والكلمة اليونانية التي تفيد «االشتـراك فـيحياة اجلماعة»)أو العمران) هي أيضا الكلمة التي تعني «احلياة». فاحلياةاإلنسانية خارج اجلماعة كانت أمرا ال Cكن تصوره. وقـد وضـح أرسـطـو-

نسان بـأنـه حـيـوانأشهر تالمذة أفالطون-هـذه الـقـضـيـة عـنـدمـا عـرف اإلسياسي. فالفرق ب} البشر واحليـوانـات-كـمـا يـرى أرسـطـو-هـو أن الـبـشـر

يعيشون في مجتمع.إن اليوناني} في زمن أرسطو (القرن الرابع قبل اfيالد) كانوا مهتمـ}

161

التفرد والثقافة

بالفردية إلى درجة أنهم اخترعوا �طا جديدا من األدب أطلقوا عليه اسم«أدب السير». ولكن نظرا ألنهم كانوا أكثر اهتـمـامـا بـاجملـتـمـع الـعـام فـقـددونوا سير الشخصيات العامة: الساسة واfشرع} والقواد واحلكام. كانتالفردية إذن فضيلة بالنسبة للبعض في أثينا القدCةK لكن هذه كانت فضيلة

عامة.بل إن بعض اfدن-الدول اليونانية األخرى لم تـعـرف أيـة ثـقـافـة فـرديـة

طالق. فاالسبارطيون-على سبيل اfثال-بنوا دولة بولـيـسـيـة قـدCـةعلى اإلتعتمد على اجلواسيسK وكانـت األرسـتـقـراطـيـة احلـاكـمـة تـتـسـم بـالـنـزعـةالعسكرية الشاملة. وحسبما يرى اfؤرخ اليوناني بلوتارك: «لم يولد القانونKواطن} الرغبة أو القدرة على أن يحيوا احلياة اخلاصةfاالسبرطي عند ابل إنهم كانوا دائما-مثل النحل-أجزاء عضوية في جماعتهمK يتجمعون حولالقائدK و ينتمون لبالدهم بشكل كامل في نشوة احلمـاس والـطـمـوح الـذي

ينكر الذات».وعندما غزا االسبارطيون جيرانهم حولوهم إلى عبيد للدولة االسبرطية.فلم يكن في مقدور االسبارطي} السيطرة عـلـى هـؤالء الـسـكـان الـذيـن �إخضاعهم إال بتحويل مجتمعهم إلى ثكنة مسلحة وبتحويل كل مواطن إلى

إلى٢٠جندي محترف. فقد كان العبيد يفوقون السكان األصلي} بـنـسـبـة سبرطى من كل اfواطن} الذكور ب} سن العشرينواحد. واقتضى القانون اإل

والثالث} أن يعيشوا ويأكلوا في ثكنات عسكرية. وكان األوالد االسبارطيونمن سن السابعة يتلقون تعليما يعدهم للنظام العسكري الـصـارم والـطـاعـةاfطلقة للدولة. لقد انتزعوا من حياتهم العائليةK وعلمتهم الدولة السـرقـةوالتجسس على العبيد وقبول التدريب الـشـاق والـطـعـام الـهـزيـل والـضـرب

اfبرح.

(×٣)افتتان الرومان بأنفسهم: ترميا لكيو

سمح الرومان بقدر من الفردية واخلصوصية يفوق ما سمح به اليونانيون. تعني نقصPrivatusوالكلمة الرومانية (الالتينية) الدالة على اخلصوصيـة

Privateرومان بأن اfواطن الفرد أو غياب مزايا احلياة العامة. فقد شعر ال

) نفسه من قيم اجملتمعK فـاخلـصـوصـيـة خـطـأK ومـنdeprivedكان «يحـرم»(

162

الغرب والعالم

حرم شيئا ال Cكنه أن يحيا حيـاة كـامـلـة. غـيـر أن الـيـونـانـيـ} كـانـوا أكـثـر. الدالةIdiotesهجوما على احلياة اخلاصة من الرومان. فالكلمة اليونانية

على اخلصوصية تعني غير اfاهر أو اجلاهل أو حتـى «األبـلـه»K إذ اعـتـقـداليونانيون أن الشخص الفردي ال يحرم نفسه من اجملتمع فحسبK بل إنهيصبح أبله نظرا ألن كل اfعرفة والذكاء ينبعان من اجملتمع. إن الفرد الروماني

كان ينقصه شئ ماK أما الفرد اليوناني فكان ينقصه كل شئ.كان هناك أفراد في روما القدCة متمركزون حول ذاتهم وأنانيون إلـى

(×٤)درجة لم يبلغها أي يوناني قط. وقد وصف الكاتب الروماني بترونيوس

هذا النوع من األفراد الذي ال Cارس أي إحساس باfسئولية االجتمـاعـيـةK الذي يسخر فيـه مـن تـرCـالـكـيـوK وهـو �ـوذج(×٥)في كتابه سـاتـــيـريـكـون

للعصامي الروماني. ولد ترCالكيو عبدا أجنـبـيـاK لـكـنـه ارتـفـع فـي الـسـلـماإلجماعي ليصبح مليونيرا بفضل دهائه وطموحه. ويترك بترونيوس بطله

ترCالكيو يصف ارتفاعه من األسمال إلى الثراء:«استريحوا أيها األصدقاء. فقد كنت مثلكم و اfاضيK ولكنني ارتفعـتإلى القمة بفضل مقدرتي. اجلسارة هي التي تصنع اإلنسانK وال يهم سوى

ي التجارية صعدتذلكK فأنا اشترى وأبيع كما ينبغي... ومن خالل حاستإلى أعلى. عندما أتيت إلى هنا من آسيا لم تكن قامتي أطول من شمعدان...وظللت طوال أربع عشرة سنة حيوان سيدي اfدلـل... ومـن ثـم أورثـنـي أنـاواإلمبراطور كل شئ CتلكهK ولذا وجدت نفسـي أمـتـلـك ثـروة تـعـادل ثـروةعضو في مجلس الشيوخ. ولكنني لم أشبع قطK وأردت أن أجرب حظي فيالعمل التجاري. وباالختصار ابتنيت خمس سفائن ومألتهـا بـالـنـبـيـذ-وكـانثمنها يعادل وزنها ذهبا ذياك الوقت-وشحنتها إلى رومـا; وكـأنـنـي أخـبـرتالسفن أن تغرق نفسها ألن هذا هو ما حدث بالضبط. نعم لقـد حتـطـمـتالسفن اخلمس. ليست هذه مزحة. وفي ذلك اليوم ابـتـلـع الـبـحـر مـلـيـونـا.أغلبت على أمري? كال بحق اجلحيم فقد أثارت هذه اخلسارة شهوتي وكأنشيئا لم يحدث على اإلطالق. وهكذا بنيت اfزيد من الـسـفـن-سـفـنـا أكـبـر

مخلوق أن يزعم أنني لم أكن جسورا. غيروأفضل وأوفر حظا. وال يستطيعأن السفن الكبيرة جتعل اإلنسان يشعر أنه هو نفسه كبير. وشحنت حمولة

ر والعبيد. وحينئذ جاءتني الثروةمن النبيذ وحلم اخلنزير والبقول والعطو

163

التفرد والثقافة

ألف.٥٠في اللحظة اfناسبة... ففي هذه الرحلة وحدها كسـبـت حـوالـي. فاشتريت كل أمالك سيدي القد�K وبنيت منزال واشتغلت بتجارة الـعـبـيـدوشراء قطعان اfاشية. ولم تالمس يدي شيئا إال أخذ في النمو وكأنه عشالنحل. وما إن أصبحت أكثر ثراء من كل الناس في بلدي مجتمع}K حـتـىأخذت أرباحي وانسحبت. وتركت التجارة وبدأت إقراض العبيد السابق}...لقد بنيت هذا اfنزل. وكما تعرفون كان كوخا فأصبح اآلن مزارا يشتملعلى أربع حجرات طعامK وعشرين حجرة نومK وبهوين من الرخامK وحجرةKومسكن جميل للبواب Kوحجرة رب البيت حيث أنام Kطعام في الدور العلوي

نسان.وحجرات للضيوف كافية لكل ضيوفي... صدقوني: النقود تصنع اإلإن لم يكن معك مال فأنت ال شئ. ولكن الثروة الكبيرة هي اإلنسان الكبير.

.)٦(هذا ما حدث لصديقكم: من اfالليم إلى اfالي}» لم يكن هناك مثيل (نظير) لترCالكيو عند اليونان القدماء إطالقا. فلميكن هناك يوناني Sثل هذه اfاديةK ولم يكن هناك يـونـانـي يـتـبـاهـى بـهـذهالطريقة. كيف فعلت «أنا» ذلكK وكيف لم أفعل «أنا» ذاك. ما من شخصيةفي الرواية اليونانية يتركز تفكيرها حول نفسها. كما فعل ترCالكيـو. أمـاالرومان فقد تقبلوا األفراد األناني} الفارغ} من أمثال ترCالـكـيـو ألنـهـمكانوا يعيشون في عالم مختلف عن اليونان. كـان اجملـتـمـع الـرومـانـي أكـثـرتدفقا ودينامية من اجملتمع اليوناني. كما كانت روما أكثر وعيا باfال وتوجهانحو التجارةK فكان بوسع الروماني الطموح أن يرتفع بسهولة من «اfالليـمإلى اfالي}» ألن اجملتمع الروماني كان يتغير بسرعة كبيرة. كما أن اجملتمعالروماني كان يتيح للفرد الطموح اfزيـد مـن الـفـرص «لـلـنـجـاح» Sـجـهـودهاخلاص ألنه كان مجتمعا أكبر من مجتمع اfدينة-الدولة اليونانية. لقد حكمالرومان إمبراطورية متسعة قدمت فرصا ال حتصى لـالسـتـغـالل وإلحـرازالشهرة الشخصية كرجل أعمال أو جندي أو موظف فـي احلـكـومـة. وكـانمجال اfناورة أمام الروماني الطموح أوسع. لم يكن عالم البحـر اfـتـوسـطفي متناول يده فحسبK بل كان يستطـيـع أن يـسـتـغـل الـهـوة اfـتـسـعـة الـتـيتفصله عن احلكومة. وبينما كان اليوناني يشعر دائما بتأثير اfدينة-الدولة

لم يكن على الروماني أن يطيع سوى قوان} إمبراطور بعيد.إن هذا النوع من الفردية العدوانية األنانية التي كان Cارسها ترCالكيو

164

الغرب والعالم

ويدعو إليها يبدو عصريا جدا بالنسبة لنا. ويرجع هذا إلى أن روما القدCةكانت قد شرعت في تطوير العقلية التوسعية اfادية واجملتمع اfتوجه نحواfال والعمل التجاريK الذي شكل جزءا كبيرا من أسلوبنا في احلياة. غيرأن التطور اfبكر للمجتمع التجاري في روما القدCة توقف فجأةK ولم يبعثمن جديد ليصل إلى أقصى قدراته إال في القرون األخيرة فـحـسـب. لـقـدكان الرومان هم أكثر الشعوب القدCة قربا من تطوير الفردية العـدوانـيـةالتي توجد في عالم أصحاب األعمال التجارية. غير أن روما القـدCـة لـمتصبح إطالقا حضارة جتارية على نحو كاملK أما ترCالكيو فلم يكن أكثر

من مبالغة من مبالغات األدباء.

الروح املسيحية من خالل االعتراف: أوغسطنيثمة نوع آخر من األفراد خلقته روما القدCةK وهو نوع نختلف �اما عنأولئك الذين Cثلهم ترCالكيو. أعطتنا روما الفـرد الـروحـي كـمـا أعـطـتـنـاالفرد اfادي. صحيح أنه كانت ثـمـة إشـارات لـلـمـواطـن اfـتـفـرد فـي الـروحوالوجدان والفكر في اليونان القدCةK وأن سقـراط كـان يـشـيـر إلـى فـكـرةمشابهة عن النفس عندما حتدث عن ضميره أو«الرب الصغير» في داخله.

مبراطوريةولكن لم يأخذ العديد من الناس هذا اfثل األعلى بجدية إال مع اإلالرومانية.

مـبـراطـوريـةوهنـاك أ�ـاط عـديـدة مـن هـذه الـفـرديـة الـروحـيـة فـي اإلمبراطورية الرومانية)الرواقيون واألبيقوريون(علمواالرومانية. ففالسفة اإل

تالمذتهم أن يحققوا «السكينة الداخلية» و «ضبط النفس» و «العقل الذيحقق السكينة»K وأحيانا كانوا يذهبون (كـمـا فـعـل سـقـراط) إلـى أن هـنـاكقبسا إلهيا في كل إنسان. وفي الوقت نفسه حتول كثير من الرومانK الذينلم ينالوا حظا كبيرا من التعليمK عن االحتفاالت الدينية الرسمية الشكليةإلى ديانات جديدة وعدتهم بتجربة شخصية وحياة فردية بعد اfوت. وكانتاfسيحية بطبيعة احلالK هي أجنح الديانات اجلديدة التي بشرت باخلالصالشخصي. وتكمن جاذبيتها (مثل عديد من ديانات اإلمبراطورية وفلسفاتها)في أنها كانت تقدم األمان الشخصي في عالم مضطرب يزداد جتردا مـن

العاطفة.

165

التفرد والثقافة

لقد نبعت اfسيحية من ديانة العهد القد�K ديانة اليهـود القدماءK ولكن على األقل. فقد كان اليهود القدماء يتطلعون إلى واحداثمة اختالفا هاما

Kكن أن يعودوا همC وحلموا باليوم الذي Kخالص اجتماعي للقبيلة بأسرهاKوعودة»-أرض أسالفهم. ولكن بعض اليهودfشعب الله اخملتار»إلى «األرض ا»مثل يسوعK قد بدءوا (على األقل في زمن االحتالل الروماني) يعتقدون أناخلالص Cكن أن يكون شخصيا ال اجتماعياK وأن iلكة اfستقبل قد «التكون في هذا العالم». وجاب أتباع يسوع جميع أنحاء اإلمبراطورية الرومانيةونادوا بأن كل فرد قد ولد ومعه «روحه» اfقدسة اخلاصةK وأنه شخـصـيـامسئول أمام الله عن رعاية هذه النفس. ولقد أصر هؤالء اfسيحيون علىأن الشخص يعيش بعد اfوتK لكن هذه احلياة اآلجلة تتوقف على ما فعله

هو نفسهK وليس على ما فعله له غيره.إن الفكرة القائلة إن الله مهتم بسلوك كل فـرد ومـعـتـقـداتـه ال بـد أنـهـااستهوت أولئك الذين شعروا بالضياع وسط اتساع اإلمبراطورية وضخامتها.غير أن اfسئولية الهائلة أمام اللهK التي تضمنتها هذه الفـكـرةK ال بـد أنـهـاكانت عبئا رهيبا على أولـئـك الـرومـان الـذيـن آمـنـوا بـهـا بـعـمـق. ولـذا كـاناfسيحيون يتسمون عادة باإلغراق في االستبطان. فكانوا يطرحون األسئلةعن أنفسهم وعن عقيدتهم وعن سلوكهمK وهي أسئلة لم تطرأ fعظم الناسالعادي} على بال. وسعوا إلى معرفة أنفسه كي يعـرفـوا الـلـه. ودرسـوا كـلجتاربهم اfاضية في بحثهم عن التجارب الشخصية التي تنشد األلوهية.ولقد كان أوغسط}K أب الكنيسةK يهدف من مؤلفه االعترافاتK الذي

إلى معرفة الذات. وهذه السيرة الذاتية الروحية مثال٤٠٠كتبه حوالي عامKتكررة للوصول إلى فهم تفصيلي للحياة الباطنيةfسيحية اfرائع للمحاولة اوخاصة اخلطيئة. ورSا لم يحاول أي إنسان قبل أوغسط} أن يفهم نفسه

على نحو كامل مثله:«إني أود أن استرجع دنس روحي وآثامها اجلسدية. وإني ألفعل هذا الألني أحبهـاK بل ألني أود أن أقع يا إلهي في حبك. وإني ألفعل هذا بدافـعمن حبي لك. ووسط مرارة ذكرياتيK هأنذا أطأ ثانية أشد طرقي إثما حتى

.)٧(يعم خيرك على» اعترف أوغسط} بأفكاره اخلاصة («مرض النفس») كما اعترف بأفعاله.

166

الغرب والعالم

وقد طلب من الله اfغفرة الدعائهK وهو بعد في السادسة عشرةK بأنه Cاثل في األمور اجلنسية.خالنه خبرة

«خجلت من أن أكون أقل من خالني في ارتكاب الرذيـلـةK إذ سـمـعـتـهـميتباهون بأفعالهم اfشينة ويتفاخرون بها كلـمـا ازدادت انـحـطـاطـا. وجـدنـااfتعة في ارتكاب الرذيلةK ال من أجل لذة الفعل فحسبK بل أيضا fا حتمله

.)٨(من ثناء... لقد ازددت من انحطاطي حتى ال يستهزئوا بي» نقب أوغسط} في ذاكرته ليتذكر كل شئK حتى أكثر األفـعـال ثـانـويـة-

مثل سرقة كمثرى من شجرة أحد اجليران:«لقد أردت ارتكاب السرقةK وارتكبتهاK ال تدفعني في ذلك احلاجةK ما

منه الكثيـرK بـل· سرقت شيئـا لـدي(×٦)لم تكن الرغبة في العدالـة واخلـيـر.ولدي أفضل منه. كما أنني لم أرغب في أن استمتع بهذا الشيء الذي أردتأن أناله بالسرقةK وإ�ا أردت أن أستمتع بالسرقة ذاتها وبخطيئة السرقة.كانت هناك شجرة كمثرى محملة بالثمار في حديقة مجاورة حلقلناK لميكن مظهرها أو مذاقها مغريا. وفي ساعة متأخرة ذات ليلة واصلنا ألعابنافي الطريقK وانطلقت جماعة من أسوأ الشباب لـهـز الـشـجـرة وسـرقـتـهـا.أخذنا أحماال كبيرة من الثمار منها ال لنأكلها بل لنلقي بها للخنازيرK وحتى

دخال السرور على نفوسنـا ألنـهلو أكلنا القليل منها فإننا كنا نفـعـل هـذا إل.)٩(أمر محرم»

fاذا يرغم رجل في منتصف األربعيناتK أسقف في كنيسة كاثـولـيـكـيـةرومانيةf Kاذا يرغم نفسه على تذكر شقاوات عادية لصبـي فـي الـسـادسـةعشرة من عمره? كان اfسيحيون يشعرون بأنهم مسئولون عن خطايا الطفولةSقدار مسئوليتهم عن اخلطايا التي ارتكبوها في اليوم السابـق. إذ كـانـوايؤمنون بأنه يجب احلكم على الفرد كشخص كاملK على أساس ما كان عليهKسيحيةfقبل ا Kوما هو عليه في احلاضر. إن معظم الديانات Kاضيfفي ا

نسانية باعتبارها أخطاء أو زالت خاصة Cكن «التكفيركانت تنظر للخطايا اإلعنها» بالقربان اfناسب. أما اfسيحيون فقد آمنوا بأن اخلطيئة هي عالمةعلى الشخصية الفاسدة التي يجب أن تهتدي للمسيح قبل أن يتوقف ارتكاب

اخلطايا.وiا ال شك فيه أن كل فرد في روما القدCة لم يكن واعيا بذاته ولـم

167

التفرد والثقافة

يكن فرديا مثل أوغسط} أوترCالكيو. ولعل نسبة اfسـيـحـيـ} مـن سـكـان% قـبـل أن تـصـبـح اfـسـيـحـيـة ديـن١٠اإلمبـراطـوريـة الـرومـانـيـة لـم تـزد عـن

الدولة)إبان حياة أوغسط}). وما أن أصبحت اfسيحية دين اإلمبراطوريةالرسمي حتى أصبح كثير مـن الـنـاس مـسـيـحـيـ} لـدواع سـيـاسـيـةK ولـيـس

بالضرورة ألنهم كانوا يبحثون عن اخلالص الفردي.ومع هذا كان هناك كثير من الرومان أكثر وعيا بفرديتهم من أية جماعةمن الناس سبقتهم. فقد كان اجملتمع الروماني أكثر تخصصا من أي مجتمعسابق. وهذا يعني أنه كانت هناك فروق فردية ب} الرومان أكثر iـا كـاناألمر عليه في السابق: كان هناك تنوع أكثر في األعمال وأحوال اfـعـيـشـةKوأساليب احلياة وطرق التفكير. وهكذا شهدت روما قدرا من الفردية يفوق

باfعنى احلقيقيK ما شهدته اليونان واحلضارات السابقة عليها.

ملزيد من االطالعFreedom and Culture احلرية والثقافة Dorothy Leeيعد كتاب دوروثي لي

نقطة بداية طيبة لالطالع على تفسيرات علم اإلنسان للفرد البدائي. وعلىPrimitive اإلنسان البدائي فيلسوفا Paul Radinأية حال يعد كتاب بول رادين

Man as Philosopherتازا لالفتراض السائد بأنـه لـم يـكـن هـنـاكi تصويبا مفكرون في اجملتمعات البدائية.

وCكن للدارس الـذي يـود أن يـعـرف عـن الـفـرد الـبـطـولـي فـي الـعـصـر من تأليفOdyssey واألوديسة IIiadالبرونزي أن يرجع مباشرة إلى اإللياذة

.M. I. Finley (في طبعات عديدة). ويعد كتاب م. أ. فنالي Homerهوميروس مرجعا iتازا. ويقدم كتابا وليم هـThe World of Ulysseysعالم يوليسيس

World وتاريخ العالم rise of the West ظهور الغرب William H. McNeillماكينل

History تفسيرات توحي بالكثير من األفكار عن عالقة احلرب في العصـر.البرونزي والعصر احلديدي بالفردية في اليونان القدCة العالم بأسره

ويحكي كل نص تقريبا يكتب في ذلك العصر كما حتكي تواريخه قصةاليونان القدCة كعصر ذهبي للفرديـة. وقـد أوردنـا اfـداخـل اfـعـروفـة فـينهاية الفصل السابق. وإذا أراد القار� أن يستكـشـف اfـزيـد عـن اfـوضـوع

Paideia الصعب واfفيد بيدياWerner Jaegerفأننا ننبهه إلى كتاب ورنر جاريجر

168

الغرب والعالم

The اليونانيون والنزعة الالعقلية E. R. Doddsوكتاب من تأليف أ. ر. دودز

Greeks and the Irrationalوكتـاب م. أ. فـيـنـلـي M. I. Finly :اليـونـان الـقـدمـاء The Ancient Greeks: An Introduction to Theirمدخل إلى حيـاتـهـم وفـكـرهـم

Life and Thought وكـتـاب بـرونــو ســنــل Bruno Snell اكـتـشـاف الـعــقــول The

Discovery-of Mindكن فهم التفرد اليوناني بدون دراسة �اذجC ولكن ال .من أفراد العصر الكالسيكي. وهناك طبعات متعددة ترضى جميع األذواق

وثيوسيدسHerodotus وهيرودوت Aristotle وارسطو Platoلكتابات أفالطون Thucydides و يـوربـيـدس Euripidesوسـوفـوكـلـيــس Sophoclesواسـخـيـلـيــوس

Aeschylus وأرسطوفانيس Aristophanes.وما هذا إال قليل من كثير .Satyriconولقد دخلنا إلى عالم الفردية الروماني من خالل ساتيريكون

K وكالهماAugustines Confessions , واعترافات اوغسط}Petroniusلبترونيوس جدير بالقراءة كامال. ولفهم الفرد الروماني الكالسيكي Cـكـن لـلـدارسـ}

Suetonius وسوتونوس Tacitus وتاسيتون Caesar وقيصر Ciceroقراءة شيشرون

وهم قليل مـنOvid وأوفيد Juvenal وجوفينـا Horace وهوراس Livyوليفـى كثير. وقد أسلفنا ذكر جميع اfراجع الثانوية العديدةK ولـعـل أهـمـهـا كـتـاب

Daily احلياة اليومية في روما القدCة Jerome Carcopinoجيروم كاركوبينو

Life in Ancient Romeوبالنسبة للمسيحية الرومانية جند أن رسائل بولس .Paul أوجيروم Jeromeشأنها شأن رسائل أوغسط} تخبرنا بالكثير. ويضيف

اfسيحية في اإلمبراطورية الرومانيةHarold Mattinglyكتاب هارولد ماتنجلي Christianity in the Roman Empireنـــوك وكــتـــاب أ. د .A.D. Nockالــهــدايـــة

Conversion.سيحية على الفردfلفهمنا لقضية تركيز ا

169

التفرد والثقافة

احلواشي(*) Wintu

(1*) Dorothy Lee

(2*) Maori

(3*) Trimalchio

(4*) Petronius

(5*) Satricon

(×٦) هكذا في األصلK ولكن اfعنى ال يستقيم إال إذا عكست القضية فأصبحت القضية: «مالمتكن الرغبة في االبتعاد عن العدالة واخلير». (اfترجم)

170

الغرب والعالم

الهوامش

1- Dorothy Lee, “The Conception of Self Among the †Wintu Indians” in Dorothy Lee, Freedom and

Culture†

(Engewood Cliffs, N.J.: Prentice - Hall, 1959) p. 139.

2- Ibid.

3- Ibid., p. 140.

4- Horner, Iliad, Bk. XXII, translated by Andrew Lang, Walter Leaf, and Ernest Myers (New York:

Grolier, 1969), pp. 340

5- William H. McNeill, A World History (New York: Oxford University Press, 1967), pp.90-91.

6- Petronius, The Satyricon, trans . William Arrowsmith (New York: New American Library, 1959),

pp. 81-83.

7- Augustine, The Confessions of St. Augustine, trans, John K. Ryan (Garden City, New York:

Doubleday, 1960). bk.2, ch.I, p.65.

8- Ibid., bk. 2, ch.3 p.68.

9- Ibid., bk.2, ch.4. pp.69-70.

171

التفرد والثقافة

����������� � �������������

�������

����� �������!�� �"�

.#.� 1200 $���#.�500%#.�850

&'��(�)��*�+,��-)

.#.� 700 $���%600 $���600 $���

.#.� 300.#.�

�/�*&��4�"��9

.#.� 50 $���%.#.� 551

.#.� 479

<����.#.�479 �-)��

.#.�399%#.�469.#.�381%

���=�>

.#.�347%#.�427

��?�!@� �����@��

��

.#.� 391

�A�>B��4 ��-��

#.�322%#.�384.#.�338 C��

D9E� ����F�G�����F����� H��>

.#.�323%#.�356.#.� 331 I-�J)%.#.� 322

.#.�185

$��� ��K�)�9

.#.� 300

G�L���M ���

NE��9�4>O�� ��(

.#.�241%#.�264.#.� 273.#.� 233 C��

.#.� 232

������� ����

500�.�.� 1000 � �� �� �����

172

الغرب والعالم

����������� � �������������

�������

������� ������� �����! "��#

.$.� 201%$.� 218%.$.� 221

.$.� 207

������� ������� �����& "��#

.$.� 146%$.� 149%$.� 202

220

���� '�����

.$.� 44%$.� 102

'�()*#+�)�

14%$.� 27 �&,-�30%$.� 3 /���

���#

17%$.� 43

'����5:

66 $�; <��

=�>:

113 % 61

?������

138 % 55

�����>A ��,

305 % 284

�(�()�

337 % 306

�� $BC� D� #

410

�()*#

430 % 354

173

التفرد والثقافة

الباب الثالثالعالم التقليدي

٥٠٠-١٥٠٠

174

الغرب والعالم

175

العنف واالنتقام

نف واالنتقامالع

نوان وصليبيرابرة وفرسبسواء أكانت الواليات اfتحـدة األمـريـكـيـة بـلـدايتسم Sيل خاص إلى العنـف واحلـرب أم لـم تـكـنلها مواقف من احلرب والعنف تطورت من التاريخالغربي بشكل فريدK فأمريكا توسـم أحـيـانـا بـأنـهـاالنمو األشد تطرفا للحضارة الغربية األوربيةK وقدكانت أمريكا بالفعل-من بعـض األوجـه-هـي األقـدرعلى تنمية إمكانات أوروبا التي تشكلت في العصورالوسطى. وfـا كـانـت أمـريـكـا أقـل مـن بـالد أوروبـاالتصاقا بالثقافة الكالسيكيةK فقد استطـاعـت أن

مكانات الكامنـة فـيحتقق على اكمل نحـو تـلـك اإلالبدايات األوربية اfسيحية الديناميكية التوسعية.

ذا كانت أوربا الغربية-في األلف سنة األخيرة-منفإأكثر مجتمعات التاريخ البشري نزوعا إلى العدوانوالتنافس واالستعمار والغزوK فلعـل أشـد فـروعـهـاجناحا و�تعا باالستقالل (أعني أمريكا) كان أقلها

كبحا جلماح هذه النوازع.وسـنـبـحـث فـي هـذا الــفــصــل جــذور اfــواقــفاألمريكية من العنف واحلرب بالـبـحـث عـن جـذورأوربا. والواقع أنه قد ظهر تراث حربي متميز منذبواكير التاريخ األوربيK واتضحت معاfه فـي غـزاة

7

176

الغرب والعالم

روما البرابرةK والصليبي} اfسيحيـ} فـي األراضـي اfـقـدسـة. وفـيـمـا بـ}Kهؤالء وأولئك مجال للتأمل في «أساليب العنف» وانبثاق العدالة من االنتقام

غارةK وب} الصلوات والصوالت.والعالقة ب} التجارة واإلذرية أتيال: البرابرة

لقد انحدر جميع األمريكي} البيض (في جانب كبيـر عـلـى األقـل) مـنالقبائل البربرية التي اجتاحت روما وأوربا من سهوب آسيا. وقد كان أسالفنا

يقول(×)هؤالء جحافل جامحة. فاfواطن الروماني سيدونيوس أبوليناريسإنه يؤثر أن يواجه اإلمالق أو احلـرق أو الـسـيـف أو الـوبـاء عـلـى اخلـضـوع

فلما حتركت هذه القبائل إلى إيطاليا راض نفسهللقوط الغربي} أو الغال. على االختالط برؤسائهم الغالظ الذين كان يتضوع شعرهم بالدهن الزنخ

وتفوح من أفواههم رائحة البصل والثوم واألدوات اجلرمانية الغريبة.K زعيم الفرجنة (الذين استقروا في(×١)ترامنوقد كان اfلك الصالح جن

فرنسا احلالية) من أفضل هؤالء الزعماءK حسب أقوال رواتهم. صحيح أنهكان عربيدا فاسقاK كأي فرد من بني جلدتهK «ولكنه ح} يكون في صحبة

مته الكنيسة القدCة قديسا. وال يؤخـذأساقفته يتصرف مثلهم». وقد رسعليه إال تلذذه بسفك الدماء. وقد كان من ب} ضحاياه الكثيريـن طـبـيـبـان

أخفقا في مداواة زوجته.K ملك اللمباردK الذي جاء بالقبيلة من الدانوب إلى(×٢)ولعل اfلك ألبوان

وتزوج بابنتهK كان يستطيع أن ينشئ دولةGepidإيطالياK فقتل ملك اجليبيد لومباردية موحدة في شمـال إيـطـالـيـا (فـي الـقـرن الـسـادس) لـو كـان أكـثـر

أن ألبوان سقى زوجتهPaul the Deaconحساسية. إذ يذكر بولس الشماس Kنبيذا في طاس اتخذه من جمجمة أبيها. والظاهر أنها لم تستمر� النكتة

فأمرت «اfرأة اخلرقاء» باغتيال هذا الكهل اfهذارK كما يذكر بولس.واألرجح أن جنترامن وألبوان لم يكونا نسيج وحدهما. فإن أحد مؤرخي

اfلوك البرابـرةالغزوات القبليةK في القرن السابعK يذكر نصيـحـة أم أحـدلولدها: «إذا رمت عمال يرفع ذكركK فعليك بهدم كل ما شاده غيرك والفتك

نك لن تشيد خيرا iـا شـاد سـابـقـوك. ولـيـس فـيبكل من ظـفـرت بـهK فـإمقدورك حتقيق إجناز أنبل ليذيع صيتك». وسواء أكان هناك ابن يسـتـمـعfثل تلك الكلمات من أمه-حقا أم الK فإنها تـعـبـر-دون شـك-عـن جـانـب مـن

177

العنف واالنتقام

حل كانوا حساس} بـصـفـة خـاصـةعماء القبـائـل الـرالوعي البـربـري. إن زبالنسبة fسألة التدليل على قدراتهم في احلرب. فالشجاعة والـبـأسK بـلالقسوةK كلها لها مكانتها العالية ب} القيم القبلية. وقد كانت حظوظ هذهالقبائلK وال سيما في األوقات العصيبةK تتوقف مباشرة على قدراتهم علىالتدمير والسلب. وطوال حياتهم كانوا يتدربون على القنص وتقلد السيفوالقيام بغارات خاطفة على ظهور اخليل والرجوع باألسالب والعـبـيـد إلـى

اfعسكر.ورSا كانت القبائل التي تغلغلت في أعماق اإلمبراطورية الرومانية أقلشراسة من تلك التي كانت تدفعها من السهوب (كان أقدم الغزاة القريب}إلى روما(-في األغلب-قبائل شبه متحضرة عبرت األلـب «مـنـسـحـبـة»(وقـدذكر البرابرة أنفسهم قصصا عما القوه من قسوة أشد على يد قبائل أبعد

K أقلها حتضرا(×٣)عن اfدينة. فكانت قبائل الهانK كما ذكر أميان مارسيل}وأبعثها على الرهبة:

«إن عنفهم ال يعرف حدودا. فكانوا يكوون وجنات أطفالهم حتى ال تنموKمتلئة األجسام الغالظ األعناقfحلاهم. وهذه اخمللوقات القصيرة القوية اال يطهون الطعامK ولكنهم يلتهمون اجلذور البرية واللحم النيئ ألول حيوانيصادفهم. وليس لهم مأوى وال مدافنK وليس عندهم سوى مالبس من جلدالفئران يرتدونها إلى أن تتهلهل. ويقال إنهم مقيدون بجيادهمK ال يترجلون

)١(ليأكلوا أو يشربوا بل غالبا يظلون Cتطون اجلياد في نومهم وأحالمهم»

إن األسالف القبلي} لألمريكي} كانوا-دون شك-«برابرة». وهذه الكلمةمالئمةK فقد كانوا همجا باfعنى الذي يستعمله اليونان والرومانK إذ كانواينطقون بأصوات تشبه «بار بار». ولكن الـشـيء األكـثـر أهـمـيـة أنـهـم كـانـواهمجا باfعني} احملدث} للكلمةK فقد كانوا عنـيـفـ} وبـدائـيـ} (أو SـعـنـىKكانوا ال يزالون بعدها مرحلة ما قبل احلضرية). فحياتهم الوحشيـة Kأدقوافتقارهم إلى أدوات أو معارف أو وسائل الراحة اfوجودة في اfدن اكـثـر

تقدماK كافية لتبرير وصفهم بأنهم «برابرة.»صدار حكم أخالقي عليهمK وهو مـاونحن ال نستخدم كلمة «برابـرة» إل

K{ـتـعـلـمـfسيحي} والرومان. فحسب بـعـض الـشـهـود اfفعله بعض أوائل اiن شهدوا الغزواتK كانت اإلشارة أن هذه القبائل وثنية أو جرمانيـة هـو

178

الغرب والعالم

مثل قولك إن الغزاة ليسوا من بني البشرK من الناحية اfعنويـة. وقـد شـاعهذا الرأيK بصفة خاصةK ب} األرستقراطية الرومانية وأساقفة الكنيسة.

أطلق على٤٤٠إال أن راهبا واحدا على األقل كان في مارسيليا حوالي عام نفسه اسم سالف} ساق لنا رأيا آخر.

في كتاب ظل باقيا بطريقة ماK أن من احلق أن الشعب(×٤)كتب سالف}Kوأن الفرجنة غير جديرين بالثقة بهم Kالساكسوني شعب ال يعرف الرحمةوأن الهان على جانب كبير من العجرفة. ولكنه يطرح سؤاال خطابيا: «هـلكانت رذائلهم أشد إثما من رذائلنا? وهل كانت خالعة الهان أكـثـر إجـرامـامن فسقنا? وهل كان غدر الفرجنة أدعى للوم من غدرنا? وهل يكون األfانيالسكير أحق باللوم من اfسيحي السكير? وهل يكون البربري اجلشع أسوأ

من اfسيحي اجلشع? وهل مكر الهان أو اجليبيد أمر شاذ للغاية?».ويذكرنا سالف} بأن البرابرة ال يحتكرون القسوة أو اخلطيئةK وأنهم فياحلقيقة يختلفون كثيرا عن السلطات الرومانيـة الـتـي حـلـوا مـحـلـهـا. لـقـدأفلحوا في غزوتهم ألن اجملتمع الروماني كان قد أصبح شـبـيـهـا Sـجـتـمـعالبدو في عنفه وعدم استقراره. وكان الفقراء في اجملتمع الروماني يفضلون

البرابرة أحيانا على ساداتهم:«إن الفقراء الرومان اfنبوذيـنK واأليـامـى اfـنـكـوبـاتK والـيـتـامـى الـذيـنتدوسهم األقدامK وحتى الكثيرين من الرومان اfتعلم} وأوالد الناس الذوابأعدائهم. لقد كانوا يبحثون عن اإلنسانية الرومانية ب} البرابرةK حتى ال

. لقد كانوا مختلف} عن البـرابـرةيهلكوا من القسوة البربرية ب} الـرومـانفي عاداتهم ولغتهم ورائحة مالبسهمK إال أنهم فضلوا هذه االختالفات علىحتمل اجلور والقسوة. لقد انطلقوا ليعيشوا ب} الهمج في جميـع األنـحـاءولم يندموا على فعلتهم قطK وفضلوا أن يعيشوا أحرارا حتت مظهر العبوديةعلى أن يعيشوا عبيدا حتت قناع احلرية. ذلك ألن اfواطنة الرومانية التيكانت تلقى تقديرا وتشتري بثمن باهظ لم تعد جديرة بالتقديرK بل أصبحتموضع االحتقار. ومن لم يهرب اضطر إلـى أن يـصـبـح هـمـجـيـا Sـقـتـضـىالقانون الرومانيK أو بسبب الفوضى الناجمة عن خروج الرومان على القانون.إننا نسميهم عصاة ضال}K ولكننا نحن الذين أجبرناهم على أن يصبحـوا

.)٢(مجرم}»

179

العنف واالنتقام

إن سالف} يقول الكثير. لقد أصبحت روما عنيفة مثل العالم الهمجي.واقترنت الغزوات بتمرد اfـظـلـومـ} واfـعـدمـ} الـرومـان. فـاإلمـبـراطـوريـةالرومانية لم �ت غيلةK بل انتحرت. إن مالك روما قد تركوا iـتـلـكـاتـهـم

تتدهور إلى درجة ال يجدي معها أي إصالح.فأوربا هي وليد اقتران البربري الفار بفقير روما اfتـبـربـر. وقـد تـعـلـمالبربري أن اfرء ال ينال من احلياة إال ما يـنـتـزعـه مـن الـغـيـر. ولـقـد تـعـلـمالفقراء الرومان أنه ال يوجد سالم أو أمان عندما تأخذ أسر ثرية قليلة كلشئ من كل إنسان آخر. فالبرابرة والرومان جميـعـا لـم يـعـرفـوا شـيـئـا عـناحلرية أو حياة السلم. ولم يتيسر لهم إال عالم عنيف مضطرب-وحتى هذا

يجب أن يؤخذ عنوة.فاحلياة كانت تافهة اfعنى في اجملتمع األوربي الباكر. وقد عنى القليلKنضربها كيفما اتفـق Kولكن أمثلة قليلة Kصاعب عامة الناسS من الكتابمن شأنها أن تعبر عن مجريات األحوال فـي الـقـرون الـقـلـيـلـة األولـى بـعـد

الهجرة البربرية. حكاية عن قيام أهالـي أورلـيـان وبـلـوا(×٥)فقد روى جريجـوري مـن تـور

Blois(×٦) بنهب بيوت شاتودون وشار ترK{وحرقها والفتك بكثير من اآلهل Kولكنهم شربوا من الكأس نفسها على يد من جنا منهم. وكتب مؤلف آخرهو جريجوري األولK عن سطوة اجلباة الذين أرغموا سكان كورسيكا علىبيع أوالدهم فبحثوا عن ملجأ لهم بـ} «الـلـومـبـارديـ} اfـقـيـتـ}». ووصـف

K كيف أن جمـاعـة مـكـونـة مـنVenesable Bedeمؤلف آخرK هو بـيـد اfـبـجـل أربع} أو خمس} نفساK بعد ثالث سنوات من القحط واجملاعةK «أنهكهـم

; ورموا أنفسهـم وهـم iـسـكـون٣اجلوع فانطلقوا إلـى جـرف فـوق الـبـحـر بأيديهم معا».

وتعبر اfدونات القانونيةK بلغتها احملايدةK عن رخص احلياة: «من قطع سو٦٣يدا أو قدما أو سمل عينا أوجدع أنفا فغرامته مائة سوK تخفض إلى

سو تخفض إلى٥٠إذا لم تفصم اليد عن اfعصمK ومن قطع إبهاما فغرامته سو ومـن قـطـع٣٥ سو ما لم يفصمK ومـن قـطـع الـسـبـابـة يـدفـع غـرامـة ٣٠

سو».٥٠ سوK وثالثة أصابع ٣٥إصبع} معا على أن القانون اfدون (مثل اجلزء السابق الذي اقتبسناه من القـانـون

180

الغرب والعالم

اخلاص بقبيلة الصالي} من الفرجنة) ليس له أي معنى إذا ما وقع اfرء فيأيدي األعداء. فعندما وقع سانت ليجيرK أسقف أوتونK في قبضة يد عمدة

- قطعوا لسانهK ثم أرغموه على اfشي٦٧٧من عمد القصر اfعادين له عام حافيا في بركة بها صخور مدببة منحوته أشبه بالرماحK ثم سملوا عينيه.ومثل هذه القصص ال نهاية لها. ويحكي آخر عن شخص تعس عذب fـدةثالثة أيامK ثم ربط Sؤخرة جواد جامح ضرب بالسياط حتى انطلق. وقتلآخرون بربطهم إلى حصان} يسيران في اجتاه} متقابل}. إن القسوة لم

تكن تعرف أي حدود.

البرابرة يتبنون احلضارة بأنفسهمشان الغزوات البربرية انخفض تدريجيـا. ومـعيiا ال جدال فيه أن ج

حلول القرن} السادس والسابعK انخـفـض عـدد الـغـزوات واسـتـقـرت نـظـمي حتيا حياة زراعية. وبحلول القرن السادس كان القوطKالقبائل الرحل لك

الذين أرهبوا الفيالق الرومانيةK قد أنتجوا ثقافة متطورة إلى حد معقول.فكان بوسع أحد مؤرخيهم-جوردانز-أن يتباهى بأن على رأس القوط ملـكـافيلسوفا وعاfاK وأنه كان لديهم عدد من أساتذة الفلسفة يفوق عددهم فياليونان القدCة. لقد كان مبالغا بال ريبK ولكن مبالغته ليست iا يدخـل

السرور على نفس البربري األصيل.وبحلول القرن الثامن كان الرعب اfباغت الذي يسم احلياة البربرية قداختفى وحل محله نظام مقر مستند إلى الزراعة وجبايـة الـضـرائـب وسـنالقوان}. وكان الفرجنة قد أسسوا iلكة ذات حدود وقوان} ثابتة نسبيـا�كنت بفضل قوتها من صد جيش مسلم أتى من أسبانيا غازيا. وحتى حل

كان البابا قد توج شارfان «إمبـراطـورا لـلـرومـان»K واfـقـارنـة هـنـا٨٠٠عـام ليست خاطئة خطأ كامال: فقد اشتملت إمبراطـوريـتـه عـلـى فـرنـسـا كـلـهـاوجانب كبير من أfانيا احلالية والنمسا وإيطاليا (Sا في ذلـك رومـا(.ومـعأنه كان أميا فقد جمع كثيرا من كبار اfثقف} األوربي} (الرهبان) وضمهم

K أن يقول لشارfان: «إذاAlcuinإلى بالطه. واستطاع أحدهمK وهو ألكوين نفذت مقاصدكK فقد تنشأ أثينا جديدة في بالد الفرجنة».

ولكن الصيف الكارولينجيK هذه الفترة التي ظهرت فيها ثقافة عـالـيـة

181

العنف واالنتقام

وقانون مستقرK اعترض سبيلها سـلـسـلـة جـديـدة مـن الـغـزوات قـادمـة مـنالشمال)سوف نعود إليها حاال.(ولكن الثبات والرخاء جعال الفالح الـعـاديينشد «العدالة» حيثما كان سلفه يحتاج إلى «سفك الدماء» لالنتقام. وهكذا

لم تعد عادات الشعب هي عادات البرابرة.لقد قامت األخالق البربرية على ضرورة األخذ بالثأر. وكثيرا ما كانتاألسر القبيلية �زقها اfنازعات التي ال تقف عند حد. فكان الشرف يقتضياألخذ بالثأرK عندما تلحق إهانة بأسرة اfرء أو قبيلته. وكان النوم مستحيالإلى أن يغسل الظلم بالدم. وشيئا فشيئا �كن زعماء البـرابـرة (ثـم اfـلـوك

صرار على إحاللK تسوية قانونية للمنازعات القبليةK وأصبحبعدهم) من اإلاfال أو شيء له قيمة بديال رمزيا عن االنتقام بالدم. واجلزء الذي اقتبسناهمن قانون الصالي} (الذي أوردناه من قبل بطريقة توحي بازدرائنا له) كانحقا خطوة نحو مجتمع أقل عنفا. صحيح أن األخـذ بـالـثـأر يـرضـي أحـطالعواطف اإلنسانية لالنتقام. ولكن دوافع اfهاجم (كمـا جـاء فـي الـتـعـالـيـم

بان اfسيحيون) لها أهميتها أيضا. فما جدوى سـمـلالتي كان يلقنها الـرهع} اآلخر لتسوية احلساب? إن القتل لن يرجع حياة أخرى فقدتK واحلسابلم يكن يسوى بهذه الطريقة قط (كما يعرف أكبر رجال القبائل سنا أو اfلكأو مدبر األمور). فاfنازعات أو االنتقام يعني استمرار احلرب ومـنـع قـيـام

دولة منظمة.وهكذا حل نظام «الدية» عن ألوان البتر والقـتـل اخملـتـلـفـة مـحـل الـثـأرتدريجيا. وهذه الغرامات تتوقف على مدى الضرر الـذي حلـق بـالـضـحـيـةوقيمته. والنتيجة كما ب} روثباري ملك لومبارد في ذيل قائـمـة الـغـرامـاتالتي استنهاK هي «أنه بالنسبة للجروح السابق ذكرها فرضنا تعويضا أعلىمن التعويض الذي فرضه أجدادناK ولذا يكون دفع هذا التـعـويـض قـاطـعـا

لكل عداوة.يجب أن ننظر إلى الدية بوصفها خطوة تتجـاوز الـبـربـريـةK حـيـث إنـهـاجعلت اfنازعات األسرية أقل عدداK نظرا لزيادة الغرامة. ولكن حتى فكرةالدية هي فكرة بربرية من منظور الكنيسة اfسيحية. لقد حدت من العنفلكنها منعت اللوم. وطاfا أن الثمن قد دفعK فيكون األمر قد سوى كلية. وقد

حالل الدية محل الثأرK لكنها أصرت على أن األمر يتضمنرحبت الكنيسة بإ

182

الغرب والعالم

قضية أخالقية. وألف رجال الكنيسة الكتب عن العقاب الذي سينزله اللهSن يقومون بأعمال العنف. وعدت هذه األفعال خطاياK ال مجرد حلظاتعدم استقرار مؤقتة في النظام االجتماعي. وفي نهاية األمر عد اللومبارديونوالقبائل األخرى إراقة الدماء والقتل أعماال خاطئة من الناحـيـة اخلـلـقـيـةينبغي أال يرتكبها اfرء-حتى لو كان التعويض iكنا. وهذا اfـوقـف األكـثـر«أخالقية» جتاه العنف لم يكن مستندا بعد إلى أي إCـان إنـسـانـي حـديـثبقداسة احلياةK إذا كان يستند إلى اخلوف من القصاص اإللهـي وحـسـب.

مجتمـع مـحـلوبالتدريج حل الشعور «بالعار» الرتكـاب األعـمـال اfـعـاديـة لـلعدم االكتراث الهمجي باfوت. وقد حتول العار بدورهK الذي لم يأت إال من

ن تاريخ الضميرالضغط االجتماعيK إلى شعور مسيحي بالذنب الفردي. إالبشري لم يكف بعد (ولعله لن يكتب)K لكن يبدو أن البرابرةK وقد أصبحوامستقرين ومتحضرين ومسيحي}K اكتسبوا استعدادا أكبر للشعور بالعار ثمبالذنب. بل إن الشعور بالذنب � استبطانه بشكل متزايـد. إن الـذنـب فـيأوربا العصور الوسطى لم يكن أكثر مـن حـكـم يـصـدره اfـلـك اfـسـيـحـي أوالقاضي الذي يعينهK وال يزال الذنب في اجملتمع احلديث هو احلكم الذييصدره احمللفونK ولكنه شئ أكبر من هذا: إنه اfنظم الداخلي الهائل الذي

يستجيب لكثير iا نفعل.وهكذا أخذ اجملتمع األوروبي يصبح أقل عنفا مع حتوله من الالمباالةإلى الشعور بالعارK ثم بالذنبK ومن الثأر إلى الديةK ثم إلى اfسئوليةK وذلكبعد أن أصبح اجملتمع البربري أشد استقراراK وأصبح الفرد أكثر إحساسا

القانون واإلجراءات محـل احلـاجـة الـعـمـيـاءباfسئولـيـة عـن سـلـوكـهK وحـل العصور الوسطى.لالنتقام. ونحن ماضون بالتأكيد في هذا االجتاه منذ

ولكننا لم نتخل �اما عن األساليب القدCة? إذا كان التحول يتم أحياناببطء مضنK وفي أمور كثيرة لم نكد نبدأ في التخلص من ماضينا البربري.إن األحقاد العائلية كانت أسلوبا للحـيـاة فـي مـنـطـقـة جـبـال االبـااللـيـا فـيأميركا منذ عشرات السن} وحسبK وال يزال الثأر قائما في إيطاليا وأوروباالشرقية واfناطق الفقيرة األخرى من العالم النامي. ولم تـزل الـعـصـابـاتواجلمعيات السرية(مثل عصابة اfافية) وجلان األمن األهلية أهم من القانونوالقضاة في مناطق «حديثة»نسبيا من العالم. والى جانب هذه البقايا مـن

183

العنف واالنتقام

العالم القد� في العالم اجلديدK فإن البالد األعظم تقدما واحلديثة للغاية(كالواليات اfتحدة األمريكية) غالبا ما تظهر شهوة كبيرة للعنـف. والـواقـعأنه من السهل أن نفهم استمرار تلك البقايا التـي خـلـفـتـهـا بـربـريـة الـعـالـمالقد�. فصقليةK بيت عصابة اfافياK لم تتغير كثيرا عما كانـت عـلـيـه فـياأللف سنة األخيرة. والقول نفسه ينطبق على مناخ ثورات أمريكا الالتينيةواfذابح الهندية وعلى كافة ألوان االضطهاد االجتماعي والكوارث الطبيعيةفي كثير من العالم النامي. وهذه األمثلة تذكرنا بأن هذا النوع من العنف-

حتى في الفترة الهمجية-هو احلياة الطبيعية في «مجتمعات العسر».والواقع أن إمبراطورية شارfان لم تتمكن إطالقا من التغلب علـى هـذاالعسر. وثقافتها اfزدهرة وقانونها لم يكونا سوى إشارة إلى ما كان Cكـنأن يحدث. وهذا اإلمكان قد حطمته سلسلة جديدة من الغـزوات قـام بـهـاالبدو الرحل اجملريون من مناطق االستبس)الهنغار) وقراصنة الفايكنج من

الشمال والفرسان اfسلمون من اجلنوب.

قطاعالنزعة العسكرية املتحضرة: الفروسية واإلكان األسلوب الذي ووجه به عنف غزوات القرن التاسع هو صبغ اجملتمعاألوروبي بالصبغة العسكرية وهو ما نسمـيـه «الـنـظـام اإلقـطـاعـي». ونـحـن

ألقة على جيـادنتذكر صورة الفرسان الذين يرتدون احللل العـسـكـريـة اfـتكبيرةK ويتقارعون في اfسابقات (اfباريات) بالرماح الطويـلـة. ولـكـنـنـا فـيالعادة ال نرى فروسية العصور الوسطى علـى أنـهـا عـمـلـيـة صـبـغ اجملـتـمـعبصبغة عسكريةK كما ال ننظر إليها على أنها مواجهة لتهديد مع} في فترةمعينة. ولعـل الـفـضـل فـي شـيـوع صـورة اfـلـك آرثـر والنـسـلـوت وكـامـيـلـوتKوالفروسية األوربية يعود لهوليود التي تؤكد ما فيها من رومانسية وظرفوتتجاهل الضرورة العسكرية اfلحة التي أدت إلى ظهورها. ولكن يجب أنيكون من الواضح اآلن أن األوربي} في العصور الوسطى لم يخلقوا مؤسساتاجتماعية باهظة التكلفة من باب الـظـرف. فـالـفـروسـيـةK أو وجـود خـيـالـة

ةK كان من أبهظ اfؤسسات االجتماعية تكلفة. لقدأرستقراطية ثقيلة الشككانت الدروع واخليل استثمارات مكلفة بالنسبة لألرستقراطية. وكان تطويرهذا اجليش عبئا باهظا على طبقة الفالح} (التي كان عليها أن تضاعف

184

الغرب والعالم

نفاق على هؤالء اfدافع}.(فالفروسية تطورت fواجهة الغزواتإنتاجها لإلاجلديدة التي قام بها الهنغار واfسلمون والفايكنج.

وقد كان أقدم مؤشر على هذه اfؤسسـة الـعـسـكـريـة اجلـديـدة هـو أولدفاع عن iلكة الفرجنة في القرن السادس ضد اfوجة األولى من اfسلم}.وكان على الفرجنة أن يواجهوا اخليالة باخليالة لضمان بقائهمK فـتـحـولـواإلى فروسية الدروع الثقيلةK وهي �ط من الفروسية أخذته إلمبراطـوريـة

س قبل اfيالدالبيزنطية عن الفرس)البارثيون(الذين �كنوا)من القرن السادإلى القرن الثالث اfيالدي(هم والرومان الشرقيون)من الـقـرن الـثـالـث إلـىالثامن اfيالدي}(من وقف زحف البرابرة من االستبس fئـات الـسـنـ} عـنطريق احملارب} اfدرع} الذين Cتـطـون صـهـوة اجلـيـاد الـضـخـمـة. وكـانالبرابرة يشنون الهجمات iتط} ظهور ما نسميه اجلياد الصغيـرة. لـقـدكانوا سريعي احلركة; وfا كان البدو الرحل ال Cلكون الثروات وال الـقـدرةعلى صنع الدروعK فإن هذه احليوانات اخلفيفة كانت كافية. بـجـانـب هـذافإنها ال حتتاج إلى كمية مـن الـعـشـب تـزيـد عـمـا Cـكـن أن تـهـيـئـه مـراعـي

االستبس.ولكن الفرس) الذين أخذ عنهم البيزنطيون(�كنوا من توفيـر اfـصـادرالالزمة من األرض واfرعى تربية اجلياد الفخمة التي تستطـيـع أن حتـمـلالرجال اfثقل} بالدروع. و�كنوا أيضا من صهر اfعدن لتزويد قوة كبـيـرةإلى حد ما باحللل اfدرعة. وكان من اfستحيل على سهام البرابرة الغزاة أنتصب فرق الفرسان هذه ألنها مدرعة بدروع ثقيلة. فقد كانت السهام تأتيمندفعة من أي مسافةK ولكن احللل اfدرعة كانـت تـصـدهـا بـكـل بـسـاطـة.وصحيح أن الفرسان اإلمبراطوري} في كل من فارس وبيزنطة لم يكن في

ابرة في أراضيهم مهما تكن سرعتـهـمK ولـكـنمقدورهم أن يقتفوا أثر الـبـرKالبرابرة بدورهم لم يستطيعوا البقاء أو احـتـالل األراضـي االمـبـراطـوريـة

فاعتدل اfيزان.كانت اfشكلة هي أن الثروات الضرورية لتربية مثل هذه اجليادK وتسليحمثل هذه اخليالةK واالحتفاظ بها على أهبة االستعدادK أمر مكلف للغايـة.وكانت الضرائب اfفروضة علـى الـفـالحـ} الـفـرس بـاهـظـة إلـى درجـة أن

مبراطورية البيزنطـيـة م). وكانـت اإل٢٢٦اإلمبراطورية انهارت)بحلـول عـام

185

العنف واالنتقام

ثر جناحا بسبب ثرائها الطائلK ولكن جناحها يعود أيضا إلى تأسيـسـهـاأكدولة عسكرية كاملة: فالكنيسة والدولة واجليش كانوا كيانا واحدا.

وعلى أية حال ورث البرابرة الغربيون إمبراطورية مفلسـةK األرض هـيكل ثروتها. ومعظم األرض الصاحلة كانت �لكها األسر الرومانيـة الـغـنـيـةورؤساء البربرK وانتقلت ملكيتها قي نهاية األمر إلى الكنيسة. تلـك األرضكانت الثروة الوحيدة التي Cكن أن تتـحـول إلـى جـيـاد كـبـيـرة ودورع وفـرقفرسان محترفة (كما كان احلال في بيزنطة(. ولقد كان أول اfلوك وأسهلها

K جد شرfان: ذلك أن مارتل قـامK عـنـد غـزو(×٧)هو استجابة شـارل مـارتـلاfسلم} fملكة الفرجنة من األندلسK باالستيـالء عـلـى أراضـى الـكـنـيـسـةوأقطعها خليرة محاربيه على أساس أنهم سيزودون مليكهم Sا يلزمه مـناخليالة اfدرعة. وقد بروا بوعدهم بأن وهبوا fواليـهـم حـصـة فـي األرضمقابل اخلدمة العسكرية. وقد �كن شارل مارتل من هزCة اfسلم} في

قطاع كان السبيل القامة خيالة Sساعدة هؤالء الفرسان. فاإل٧٣٣تور عام مدرعةK ويتضمن مقايضة األرض نظير اخلدمـة الـعـسـكـريـة الـتـي يـؤديـهـا

الفرسان.فاإلقطاع كان السبيل القامة خيالة مدرعةK ويتضمن مقايـضـة االرضنظير اخلدمة العسكرية التي يؤديها الفرسان.وفي نهاية األمر اضطر معظمكبار الفرسان واfلوك وكـبـار اfـالك فـي أوربـا إلـى اسـتـبـدال حـصـص مـنKأراضيهم مقابل هذه اخلدمة العسكرية. ولم تكن أراضى الكنيسة كـافـيـةفكانت الـعـالقـات اإلقـطـاعـيـة اجلـديـدة بـعـد الـغـزوات اfـدمـرة عـلـى نـحـوخاص)كبعض غارات الفايكنج(هي السبيل الوحيـد لـلـدفـاع والـطـعـام عـلـىالسواء. وCكن لكثير من أعضاء األرستقراطية األوربية في الوقت احلاليأن يعودوا بأصولـهـم إلـى هـبـات األراضـي فـي تـلـك الـفـتـرةK فـي حـ} ظـلالفالحون-كما كانوا-يسيرون حفاةK ولكنهـم هـم أنـهـم اسـتـفـادوا أيـضـا مـن

احلماية التي وفرتها األرستقراطية اfدرعة.ولقد كان جناح الفرسان في اfعـركـة جنـاحـا لـلـطـبـقـة األرسـتـقـراطـيـةKعركة بسبب أخذهم بالنظام البيزنطيfاجلديدة. فقد أحرزوا النجاح في ا

الةK وهو الركاب البسيطKوكذلك إلضافتهم عنصرا جديدا إلى حرب اخليا في أوروبا في عهد شـارل مـارتـل تـقـريـبـاK وأصـبـح ركـنـاالذي ظـهـر أيـض

186

الغرب والعالم

أساسيا في عدة اخليالة اfدرعة اجلديدة. بل إن استخدام الرماح الطويلةوالسيوف الثقيلة في الغرب يستند إلى هذا الركاب ذاته. ولسبب ال نعرفه�اما لم يت± أهل الغرب القوس والسهمK ولكن لم تكن نتائج ذلك سلـبـيـة�اما. فضربة السيف أو الرمح التي يسددها فارس مدرع Cتطي صـهـوةKجواده ويعدو بأقصى سرعة مستخدما كل قوته هي ضربة ال تخيب تقريباحينما تسدد بدقة. وما كان في مقدور الفرسان األوربي} أن يكونوا أحسنحاال من أي فرسان آخرين بـدون الـركـاب الـذي يـثـبـت احملـارب إلـى ظـهـر

جواده حتى يتمكن من الهجوم واحلركة بسهولة.ولقد كان التدريب الضروري fثل هذا النزال تدريبا طـويـالK ومـن هـنـاكانت اfباريات واfسابقات الكثيرةK ومن هنا أيضا ظهرت ثقافة «الفروسيةالشجاعة» اfركبة. وقد أصبح الفرسان طبقة مقاتلة مفردة fا يتطلبه ذلكمنهم من تدريب مستمر. أدى انعزالهم عن سائر أعضـاء اجملـتـمـع (الـذيـنيعملون في فالحة األرض ليقيموا أودهم) إلى قيام ثقافة فروسية رومانسيةارتكزت إليها الصورة التي رسمتها هوليود للعصور الوسطى. وبغض النظرعن الرومانيK ظل الفرسان هم الطبقة احملاربة احلاكمة في أوربا ما بـ}

سنة بعد أولى غزوات أسالفهم البرابرة. وما زالت اfثل العليا١٠٠٠ و ٥٠٠لألرستقراطية العسكرية-من-بساطة وشجاعة وجسارة ورجولة في القتال-

من مهماوكذلك الصورة الرومانسية للمرأة والشهامة وعشق اخليلK جزءاالثقافة الغربية اليوم.

قطاعK تقبـلـت فـكـرة من البرابـرة ومـرورا بـاإلإن الثقافـة األوربـيـة بـدءااحلرب بأن أعلت من شأن احملاربK ووضعته في مكانة خاصة. فأرستقراطيةاحملارب} احلاكمة وسمت الثقافة األوربية الالحقة Sيسمهـا الـذي شـجـع

ر قيمتها تبعا fدى يالئمها في حومـة الـوغـىKاألجيال التالية على إن تـقـدوعلى استعراض شجاعتها في استعراضـات وطـنـيـةK وعـلـى رفـع أبـطـالـهـاالعسكري} (نابليونK وديجولK وجـرانـتK وأيـزنـهـاور) إلـى مـراكـز الـسـلـطـة

السياسية.إن أوربا الغربية وامتداداتها لم تكن الثقافة الوحيدة التي حتول القادةالعسكري} إلى حكام. فلقد رأينا كيف حدث هذا في روما وبيزنطـةK كـمـاحدث في حضارات أخرى. ولكن األمر لم يكن كذلك في كل مـكـان. فـفـي

187

العنف واالنتقام

الص}K على سبيل اfثال كان اجلندي-عبر كل التاريخ الصيني تقريبا-يعـد�طا من األ�اط االجتماعية الدنيا من زاوية اfكانة االجـتـمـاعـيـة. ولـعـلأقرب مثل مشابه لظاهرة األرستقراطية التي نشأت في أوروبا والتي استندتمكانتها إلى البسالة العسكرية هو ظهور طبقة الساموراي في اليابان. فمنالقرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر تفككت السلطة اfركـزيـة فـياليابان (كما في أوربا) وانقسمت إلى مالك أراض متناحرين كل واحد منهمله جيشه اخلاص من حملة السيوف احملترف} يسمون بالساموراي. وبحلولالقرن الثامن عشرK مع انهيار النـظـام اإلقـطـاعـيK حتـول الـسـامـوراي إلـى

العسكري إلى أنواع هامشيةقراصنة وجتار في اfدن النامية. وحتول نشاطهممقبولة من التجارة والبحث عن الربح.

وقد حدث تطور iاثل تقريبا في الغرب. فبالـرغـم مـن أن مـهـنـة شـنKفإن عدوانية اجملتمع األوربي قد حتولت أيضا Kاحلرب احتفظت بأهميتهاعن طريق إحراز الثروة والسلطة بطرق أكثر سلميةK فـبـعـد أن اسـتـنـفـدتالفروسية أغراضهاK وبعد أن عجل �و اfدن واfمالك بانهيار نظام اإلقطاعالالمركزي الذي يستند إلى ملـكـيـة األرض حتـولـت األجـيـال الـتـي خـلـفـت

رستقراطية القائمة على الفروسية إلى أنواع أخرى من العدوان-وبصفةاألخاصة االستكشاف والتجارة.

والواقع أن األرستقراطية األوروبية حتى قبل أن تنخرط في االستكشافعلى نطاق العالم وفي اfغامرات التجاريـة عـلـى نـطـاق واسـع فـي الـقـرنـ}اخلامس عشر والسادس عشرK قامت ببعض احملاوالت التجريبية األولى.ففي القرن العاشر أثبت الفيكنج كيف Cكن أن تتحول الغارات البربرية إلىاالستكشاف والتجارة. وبحلول القرن الثاني عشر كان األوربـيـون يـحـولـون

الدينية إلى مصدر للربح واالستعمار أثناء احلروب الصليبية. لقداحلربكانت هذه هي القنوات «احملترمة» التي وجدتها الثقافة العدوانية األوربية.فهنا أصبحت ثقافة احملارب} «مقدسة» ومريحـة ومـحـفـوفـة بـاfـغـامـرات.Kوقد مهدت ثقافات احملارب} ب} الفايكنج والصليبي} الطريق اخلاص بناالذي أفضى بنا إلى حروبنا من أجل «إدخال اfدنية» وإلى العدوانية الـتـيتتسم بها ثقافتنا.وهذان مثالن فقط من ب} عديد األمثلة الكثيرةK لكنهما

سيعمقان من فهمنا fا أصبحنا عليه.

188

الغرب والعالم

التجارة والغارة:الفايكنج:تعد جماعة الفايكنج واحدة من أكثر «مجتمعات احملارب}» حيويـة فـيالتاريخ األوربي. فقد بثت سفن الفايكنج وجنودهK ب} القرن الثامن والقرناحلادي عشرK الرعب في أوصال اجملتمعات القرويةK من أيرلندة إلى روسيا.وحاربوا وتاجروا مع مدن اإلمبراطوريت} البيزنطية واإلسالميـةK وأقـامـوا

الكثيـر عـنألطلسي. ولم يكـن يـعـرفمخافر أمامية أوربية عـبـر احملـيـط اأصول هؤالء االسكندنافي} عندما اندفعوا من اسكندنـافـيـا لـغـزو جـزيـرة

. ولعل أسالفهم هم القبيلة «اجلرمانية»٧٩٣ اإلجنليزية سنة (×٨)لينديسفارنSuiones اسم قبيلة سيونس (×٩)رخ الروماني تاسيتوسالتي أطلق عليها اfؤ

في القرن األول. ويذكر تاسيتوس أن قوة السيونس ال تقتصر على «السالحوالرجال بل لهم أساطيلهم أيضا» وأن سفنـهـم الـغـربـيـة «ذات مـقـدمـة فـيطرفيها» ولكنها بدون شراع. وهم يبحرون مع عبيدهم في احمليط واألنهاربحثا عن الثروة. ويبدو أن أفراد هذه القبيلة كانوا أشد استقرارا من القبائلالرحل التي وصفها تاسيتوسK ولم نسمع لهم ذكرا بعد تاسـيـتـوس إلـى أنكان القرن السادس ح} ذكر اfؤرخ القوطي جوردانز أن أهالي اسكندنافياKفرط}. ولكن القبائل األوربية وذراري الرومانfيتسمون بالشراسة والطول الم يتهيأ لهم االحتكاك اfباشر باالسكندنافي} إال في أواخر القرن الثامن.وبحلول هذه احلقبة كان االسكندنافيون قد أدخلوا التحسينات على سفنهموأضافوا إليها الشراع وقاموا بتحقيق مطامعهم في نهب الثروات الكامـنـة

في مناطق أوربا اكثر استقرارا منهم.والبد أن نبوءة النبي آرميا القائلة:«من الشمال سوف ينبثق الشـر» قـددوت في آذان الرهبان اfسيحيـ} فـي جـزيـرة لـيـنـديـسـفـارن عـنـدمـا دخـل

على م¹ اليم. وقـد عـبـر٧٩٢االسكندنافيون وأهل الشمـال الـتـاريـخ سـنـة ألكوينK الذي كان مقيما في بالط شارfانK عن الصدمةجنليزيالعالقة اإل

Kـبـاغـتـةfسيحي} األوروبي} من جـراء الـهـجـمـة «الـوثـنـيـة» اfالتي انتابت افقال:«لم تشعر بريطانيا من قبل برعب يعادل رعبها» مـن غـزو الـفـايـكـنـج

جردت من ذخـائـرهـاCuthbert<للينديسفارنK فـكـنـيـسـة الـقـديـس «كـثـبـرت«وتضرجت بدماء كهنة الرب»

ولم �ض بضع عشرات من السن} حتى كان الفايكنج قد فتحوا معظم

189

العنف واالنتقام

إجنلترا واسكتلندا وأيرلندة. وقد أقبلوا في هيئة قراصنةK فقتلوا الرهبانالعزلK وسلبوا احملاريب اfقدسةK ونهبوا اfكتبات التي حافظت على تراثالعالم القد�K وأحرقوا ما ثقل حمله. وكانت الغنائم التي بحثوا عنها أعزعليهم من مآثر حضارة شارfان لقد أخذوا الذهب واجملوهرات والنفائسلالجتار فيها. واغتصبوا زوجات ضحاياهم وبناتهم واسترقوهن. إن هؤالءالقراصنة أقلعوا أوال من النرويج ثم من الدا�ارك والسويد فروعوا سكان

اجلزر البريطانية طوال القرن التاسع بخاصة.� أتى ح} من الدهـر اعتدل فيه اإلرهاب االسكندنافي أوقº-. ففي

جنليز في دفع جزية سنوية لسادتهم االسكندنافي}K كانت شرع اإل٨٦٥عام (أي نقود للد�ركـيـ}». آل(×١٠)Sثابة ضريبة «احلماية» تسمى الـداجنـلـد

حكم معظم إجنلترا الوسطى إلى ملك الدا�ارك وأطلق عليها إداريا اسم وأقام االسكندنافيون ألنفسهـم فـي األراضـي احملـتـلـةDanelawالدانيـالف

قرى خاصة (كدبلن) أو أنشئوا مستعمرات في اfدن القائمة. وكـانـت هـذهاfستوطنات Sثابة معسكرات محصـنـة أحـيـانـاK اسـتـخـدمـت فـي حـمـالت

دارية والتجارية.قرصنة أخرىK ثم أصبحت شيئا فشيئا أشبه باfراكز اإلKب} اإلغارة والتجارة Kعالمfلعله كان هناك دائما حد فاصل غير محدد ا

مرK فثمـةولعل أبناء اfغيرين هم أقدر الناس على التجارة. ومـهـمـا كـان األKمتزجة بالتجارةfشواهد في تاريخ الفايكنج تشير إلى استمرار القرصنة اكما تشير إلى تركيز تدريجي على التجارة بدال من الغارات. ومن اfؤكد أنالقرصنة استمرت طوال عهد الفايكنجK ولكن غارات القرن} العاشر واحلاديKتوسطfفي أنهار فرنسا وعلى طول الساحل األسباني وفي البحر ا Kعشرحتولت غالبا إلى بعثات جتارية. ولقد كان هذا هو الوضع بـصـفـة خـاصـةعندما أسس الفايكنج مستعمـرات دائـمـةK كـمـا فـي نـورمـانـدي فـي شـمـالفرنساK وفي جزيرة صقلية في البحر األبيض اfتوسط. فنهب الثغور النائية

أسلم من سرقة اجلار.ولم يكن توسع الفايكنج قرصنة وجتارة كلهK حتى في غرب أورباK كـمـاتدل أمثلة االستيطان. ولكن االستيطان ظل نشاطا ثانويا في أوربا الغربيةاآلهلةK في ح} كان طرازا رئيسيا للتوسع االسكندنافي شرقا عـلـى طـول

األنهار الروسية الطويلة وغربا وراء الطرف البعيد للدنيا.

190

الغرب والعالم

والروس هـمRusإن روسيا هي بطـبـيـعـة احلـال بـالد جـمـاعـات الـروساfستوطنون السويديون الذين بدءوا يستقرون في القرن التاسع على طرقالتجارة النهرية ما ب} اسكندنافيا والقسطنطينية حاضرة بيزنطة. وهناكتالقى السويديون ببعض السكان القدماء من السالف (ويذكرنا هذا االسم

) ومن اآلسيوي}. والبد أن الـلـقـاءاتslavesبأن الفايكنج اتخذوهـم رقـيـقـا كانت عنيفة في الغالبK غير أن اfدن السويدية في نوفجورد وكييف فقدت-في نهاية األمر-نكهة الفايكنجK وصارت Sثابة اfراكز التجارية للدولة الروسية

مبراطورية البيزنطية. لقدالناشئة. ومن هذه اfدن تعلم الروس عظمـة اإلKكان الروس أضعف من أن يشكلوا أي خطر حقيقي على القسـطـنـطـيـنـيـةولكن شجاعة الفايكنج وقدرتهم القتالية كانتا شهيرت} لدرجة أن األباطرةالبيزنطي} جندوا هؤالء الروس ليعملوا في حرس القصر اخلاص وكمرتزقةفي جيش بيزنطة. وفي الوقت نفسه تاجر الروس في فـراء بـالد الـشـمـالوالعسل والعنبر والشمع والعبيد األسرى مقابل اfنسوجات الفاخرة والتوابلوالنبيذ والسلع الترفيهية الـتـي كـانـت تـنـتـجـهـا اإلمـبـراطـوريـة الـبـيـزنـطـيـة

لى حد قول زائرواإلسالمية في القسطنطينية وبغداد. والتجـار الـروس-عمسلم-يتلون هذه الصلوات: «يا ربK لـقـد أتـيـت مـن بـالد نـائـيـة ومـعـي مـناجلواري وفرو السمور شئ كثير.... فارزقني تاجرا معه ديـنـارات ودراهـم

».كثيرة يتاجر معي ويربحني دون أن يساوم كثيرال فايكنج السويد القرصنة إلى استيطانK واالسـتـيـطـانوعلى ح} حـو

إلى نشاط جتاري في بالد الشرق الشاسعة التي عرفت فـيـمـا بـعـد بـاسـمروسياK فإن فايكنج النرويج استكشفوا احمليط األطلسي. ذلك ألنه fا كانمجتمع الفايكنج قد اعترف بالقرصنة فإن مجرميه واخلارج} على القانونفيه لم يسمح لهم Sمارسة مثل هذه اfهنة «احملترمة» فاضـطـرواK كـإريـك

K إلى االستعاضة عنها باستكشاف اfناطق غير اآلهلـة نـسـبـيـا(×١١)األحمريك األحمر أن يترك النرويج في عجلة «بسببواالستقرار فيها. وكان على إر

ويتوجه إلى إيسلنده التي كان الفايكنج٩٧٠بعض اجلنايات» في أواخر سنوات قد استولوا عليها من القساوسة األيرلندي}K قبل نحو مائة عام. وهنا وقع-

فأقلع في اجتاه٩٨٠ خارجا على القانون حوالي دمرة أخرى-في مشاكل وعالغرب بصحبة أحد أهالي أيسلنده حتى بلغ أرضا جبلية مظلمة أسماها-

191

العنف واالنتقام

Kـتـاعـب أكـبـرf اخلضراء-جرينالند وفي طريق عودته إلى أيسلنده تـعـرضفحط رحاله في جريتالند وجعلها موطنه الدائم. وسـرعـان مـا أسـس فـيمزرعة إريك مستوطنةK رSا كانت مأوى للمنبوذين من مجتمع ا لفـايـكـنـج

«اfهذب». وكان اآلسيويـون٩٨٥ أمريكا حـوالـي (×١٢)واكتشف بيارني هريولـفـسـون

بطبيعة احلال قد سبقوه إليها قبل ألف سنةK عن طريق بحر يـهـرجنK كـمـايجوز أن يكون القساوسة األيرلنديون الذين استقروا في آيسلندة قد سبقوابيارني أيضا إلى «اكتشاف»أمريكا. وعلى أية حالK فقد كانت اfسألة مسألةصدفة (وإن كان عنصر الصدفة فيها أقل منه ورحلة كوfبوس فيما بعد).وقد عاد بيارني إلى موطنه في آيسلنده بعد زيارة للنرويج ليجد أن والديهنزحا إلى مستعمرة إريك األحمر في جرينالندK فانطلق في أثرهما. وبعدرحلة طالت أكثر من اfتوقع شاهد هو وبحارته في النهاية األرض ولكن كان

ينقصها جبال جرينالند.وأدرك بيارني وبحارته أنهم توغلوا بعيداK فلم ينزلوا إلى البر وأقـلـعـواعائدين حتى عثروا Sسـتـعـمـرة إريـك فـي جـريـنـالنـد. فـلـمـا أخـبـروا أهـل

K ابنا إريكK بجـمـع الـبـحـارة(×١٣)اfستعمرة بكـشـوفـهـم قـام لـيـف وثـورفـالـدالستكشاف األرض اجلديدة. وقد أطلقوا على جانب منها أسم هـلـيـوالنـد

) وقد ورد أنvineوعلى جانب آخر اسم فنلند بسبب غابات الكروم فيهـا (ثروفالد عاش فيها عام} إلى أن قتله أهالي البالد. وموقع الفايكنج الوحيداfـؤكـد الـذي � الـكـشـف عـنـه هـو اfـوقـع اfـوجـود فـي الـطـرف الـشـمـالــي.لنيوفوندالندK والراجح أن تسفر الكشوف األثرية اfتزايدة عن مواقع أخرى

ولكن اfهم بطبيعة احلال أن اfستعمرة لم يكتب لها البقاء وهي حقيقةتنبئ عن مجتمع الفايكنج بأكثر iا تنبئ عنه أسـتـكـشـافـاتـهـم. فـمـجـتـمـعالفايكنج استطاع القيام بكشوف شاسعة عبر احمليطات. ولكن لم تكن لديهاإلرادة وال اfقدرة على االحتفاظ بكل تلك اfستعمرات اfتباعدة طويالK بل

كنج لم يظلوا حتى في جرينالندK وإذا كانوا قد مكثوا في آيسلندهإن الفايفذلك ألن مناخها ونباتاتها وحياتها احليوانية كانت مشجعة لـلـغـايـةK وألناfسافة بينها وب} النرويج لم تكن طويلة إلى درجة تعوق نقل التموين إليهاوقد لبثوا في روسيا ألن مستوطناتـهـم كـانـت مـراكـز جتـاريـة زاهـرةK عـلـى

192

الغرب والعالم

مقربة من نقطة االلتقاء ب} ثالث ثقافات مزدهرة: البيزنطية واإلسالمية اإلغارةواfسيحية األوربية. واألرجح أن ثقافة الفايكنج ظلت أكثر نزوعا إلى

والتجارة منها إلى االستيطان السلمي اfنعزل.ويرجع إخفاق الفايكنج-وجناحهم على السـواء-إلـى الـطـابـع الـعـسـكـريلثقافتهمK وهي ثقافة اجته فيها العدوان في قنوات التجارة البعيدة والبحثعن األرباح أو احلرب. أما جناحهم طويل اfدى فيكمن في إحياء التـجـارةوتنمية اfؤسسات اإلقطاعية والرأسماليـة فـي أوروبـا. عـلـى حـ} أن ذلـك

اfتمثل في جـمـاعـات احملـاربـ} الـذيـن لـمالعنصر من مـجـتـمـع الـفـايـكـنـجرون عن عدوانيتهم بشكل اقتصاديK فقد هزموا فـي«يتمدينوا» بحيث يعب

K وهو العام الـذي قـتـل فـيـه١٠٦٦اfعركة. وتاريخ النـهـايـة اfـألـوف هـو عـام جنليز. ويعد قتل اfلك احلاكم القاسيK ملك النرويجK على يد اإل(×١٤)هارالد

هارالد خا�ة رمزية مالئمة لصعود جنم الفايكنجK فهو Cثل توسعية الفايكنجفي ذروتها. فقد هرب في صباه من النرويج إلى كييفK وأعد العدة الستردادتاج أبيه النرويجي فعمل في حرس قصر إمبراطور بيزنطـة ثـم قـائـدا لـه.وحارب في صف اليونان في آسيا الصغرى وجبال القوقاز وبيت اfقـدس.وعاد إلى كييف ظافرا ومحنـكـاK فـتـزوج أمـيـرة روسـيـة وعـاش حـتـى حـكـمالنرويجK مرة أخرىK واستكشف احمليط األطلسيK وفتح إجنلترا مرة أخرى.ولكن «صاعقة الشمال» هذاK وهو النموذج الكامل حلكام الـفـايـكـنـجK هـزم

سبتـمـبـر٢٥ في(×١٥)Sحض الصدفة على يـد إيـرل هـارولـد جـود ويـنـسـونوخسر الفايكنج إجنلترا إمبراطوريتهم فيما وراء البحار تدريجيا.١٠٦٦

إن موت ملك عاfي من ملـوك الـفـايـكـنـج مـثـل اfـلـك هـارالد يـعـد رمـزا لنهاية عصرهم. فهذا احلدثK لوال مصادفة الهزCةK له كل السماتمالئما

الدرامية للمأساة اخلتاميةK بل يكاد يكون هو األفول النهائي لآللـهـة الـتـيتصورها أسطورة الفايكنج. إال أن موت فرد واحد مع هذاK على الرغم منكل آمال الثقافة البطوليةK ال يعني ألبته نهاية عصر. فقد قتل جودوينسونبعد أيام معدودات على يد وليم النورمانديK وهو من نسل الفايكنج الذين

هو-Sعنى ما-Sثابة نصر نهائي لثقافة١٠٦٦غزوا فرنسا. وهكذا فإن عام الفايكنج ال هزCة لها. وفي الوقت نفسه تفككت أوصال اسكندنافيا وصارتاجليوش األوربية أقدر على التصدي لغارات القراصنـة. ولـم Cـض مـائـتـا

193

العنف واالنتقام

عام حتى أدت التقنيات العسكرية والبارود إلى جعل تـكـتـيـكـات الـفـايـكـنـجالعسكرية شيئا عفا عليه الزمن.

وقد كان اإلخفاق حتما من نصيب ثقافة الفايكنج العـسـكـريـةK حـيـنـمـا عن أنفسهم. ولكن ضعف ثقافة الفايكنج يكـمـن فـيتعلم ضحاياها الـذود

أنها ظلت إلى حد كبير ثقافة عسكريةK ولم يبق منها غير عناصر اإلغـارةهاالتي اجتهت إلى التجارة. أما معظم عقائد الفايكنج وسلوكهم فلم يكتب ل

البقاء. وإذا كانت اfراكز التجارية األمامية في نورماندي وفرنسا هي التيKمكنت أبناء الفايكنج من غزو الفايكنج من غزو إجنلترا وأجزاء من إيطاليافإنها قد دخلتK بحلول القرن الثاني عشرK في عصر التوسع األوربي الذي

عرف باحلمالت الصليبية.

الصلوات والوصالت: احلمالت الصليبيةلقد ظلت النزعة العدوانية الغربية مقبولة ثقافيا fدة بلغت من الطولحدا ال يسمح لها باالختفاء. ولكن �و احلضارة الغربية خفـف مـن بـعـض

الصور اfتطرقة للعدوان البربري واإلقطاعي.غير أن حضارتنا كانت أشد حرصا على إعادة توجـيـه عـدوانـيـتـنـا فـيأنواع من النشاط االجتماعي اfفيـدة. فـكـنـاK كـلـمـا سـمـحـت لـنـا الـظـروفنستعيض عن احلرب بالتجارة واالستكشاف والتنافس. وقد حقق التنافساالقتصادي وتسخير الطبيعة وغزوهاK بل الرياضةK حاجتنا الثقافية القدCةإلى إثبات «الرجولة» واليأس والنزال «والـتـفـوق» وfـا أصـبـح الـغـزاة جتـاراأصبحت ثقافتنا أقل نزوعا نحو العـسـكـريـة غـيـر أن حـيـاتـنـا االقـتـصـاديـة

واالجتماعية أصبحت عدوانية وتنافسية بصورة غير عادية. يستحق االحترام بأن أضفينا عليها هـدفـاكما أننا جعلنا احلرب أمـرا

. وقد تصدينا للحرب بدرجة من «الـتـحـضـر» جتـعـلـنـا فـيأخالقيا سـامـيـاحاجة إلى االهابة باfثل العليا من أجل تبرير عملياتنا العسكرية. وال يطيبلنا أن نعترف بحاجتنا إلى إمبراطورية أو عبيد كما كان يفعل الرومان «واليوجد في مجلس الشيوخ األمريكي عضو Cكنه أن يقول (كما قال كاتو) إنتفوقنا االقتصادي يقتضي تدمير مدينة أجنبية. وال نستطيع إن نبرر غزوا(كما فعل البرابرة األوائل والفايكنج فيما بعد) بالغنائم التي سنحصل عليها.

194

الغرب والعالم

إننا يجب أن نلجأ إلى مزيد من اfبررات اfثالية حلروبنا. ويجب (على نحوأشد حتى من الرومان) أن جند طريقة جتعلنا نطـلـق عـلـيـهـا اسـم احلـربالدفاعية. والبد لنا من االقتناع بأننا نضحي في سبيل غيرنا. وهذا يقتضياالقتناع بأن اآلخرين مهددون بقوة خطيرة تكاد تكون شيطانيةK وأننا احلماة

فون للتهذيب والفضيلة واخلير. وقد تعلمناK كما توحي الكلمات الدينيةاfصط مسيحي}.في العبارة السابقةK أن جنعل حروبنا مقدسة بأن نصبح جنودا

والواقع أن األفكار البربرية اإلقطاعية قد انحدرت إلينا بتوسط الكنيـسـةfسيحية. وقد اتضح لنا أن التدخل اfسيحي كان يؤدي أحيانا إلى تهدئـةا

األهالي ال إلى تهييجهم. وكثير من العادات الـبـربـريـة األكـثـر هـمـجـيـة قـدهذبت بتدخل الكنيسة. ولكن إصرار الكنيسة على �سكنا بأهداب األخالق

جملرد أننـا ذا حدينK إذ أن أي شيء قد يصبـح أخـالقـيـاقد يكون سـالحـانطلق عليه هذا االسم. زيادة على ذلك فإن االقتناع بأننا األكثر أخالقية أو

للرءوس. مديرا مسكرا Cكن أن يولد تعصبااكثر صوابالقد اكتسبنا القدرة قبل احلروب الصليبية بعهد طويل على تبرير أشد

ه أو باسم احلضارة اfسيـحـيـةK أو بـاسـم «الـعـالـمأفعالنا بربـريـة بـاسـم الـلاحلر» وهو الصورة العلمانية لهذه احلضارة. فالثورة العبرانية حافلة بالفظائع

ه اخملتار» على أنها ترتكـب بـاسـم الـرب. وقـلـمـا جنـاالتي أصر «شـعـب الـلاfصريون أو القبائل الكافرة من انتقام «الرب الغيور». وقد ظل اfسيحيونعلى إCانهم بهذا اإلله اfنتقم. وفي نهاية القرن الرابع ردد كثير من اfسيحي}

نسانيةفاع عن «بلدهم» ضد البرابرة منعدمي اإلفي روما دعوة أمبروز للدالذين لم يكونوا سوى «كالب ملعونة» (على حد قول أسقف آخر) غـيـر أناحلرب األوربية والثقافة األوربية لم تستكمل مسيحيتها إال بـعـد الـغـزواتالبربرية. فلم يكن حتالف شارfان مع البابوية إال بدايةK ولم تقو الكنـيـسـةعلى توجيه أعمال األمراء أو تشكيل أخالق النـاس إال فـي الـقـرن احلـاديعشر أو الثاني عشر ح} استوفى اإلقطاع �وه. فاحلمالت الصليبية-في

نيسة لالستحواذ على البنية واجليوشهذا اإلطار-هي محاولة ناجحة من الكاإلقطاعيةK واستعمالها في أغراضهاK وتكشف وثائق القرن احلادي عشـر

عن زيادة كبيرة في أدعية النصرK وتقع في القرن نفسه على أولفي الغربسجالت fباركة السيف. وشيئا فشيئا أصبح منتظرا من الفارس أن يعيش

195

العنف واالنتقام

Sقتضى معايير الكنيسة الدينيةK وصارت عبارة بولس «القتال في سبـيـلKسيح» (والتي كان يقصد منها وظلت الكنسية البيـزنـطـيـة تـقـصـد مـنـهـاfا

«بأسلحة اfسيح» وبغير سالح البتة) مرادفة في الغرب للخدمةقتاال روحياالعسكرية التي يؤديها الفرسان.

ومن اfتناقضات أن احلملة الصـلـيـبـيـة األولـى قـد بـدأت بـعـد سـلـسـلـةمحاوالت من البابا ومـجـالـسـه لـفـرض «هـدنـة الـرب»عـلـى أمـراء اإلقـطـاع

ملةاfتنابذين وجيوشهم. وقد ادرج البابا أوريان الثاني في قائمة أسباب احلالصليبية األمل في أن يحارب الفرسان اfسيحيون «حروبا صاحلة بدال مناfنازعات اخلاطئة» ب} الرفاق اfـسـيـحـيـ}. وأدرج أوريـان أسـبـابـا أخـرىبشيء من التفصيل لشن حرب مـقـدسـة فـي خـطـابـه الـذي وجـهـه جملـلـس

: إذ إن إمبراطور بيزنطة طلب مساعدته١٠٩٥ نوفمبر عام ٢٧كليرمونت يوم ضد اfسلم} الذين لم يهددوا القسطنطينية فحـسـب بـل احـتـلـوا الـقـدسواألرض اfقدسةK ومن شأن انتصار اfسيحية على اfسلـمـ} أن يـرد بـيـتاfقدس إلى احلكم اfسيحيK ولعله يعيد توحيد الكنيسة الشرقية والغربية

.١٠٥٤اfنشق} منذ عام قد طلب اfساعدة بالفعل(×١٦)وقد يكون اإلمبراطور البيزنطي الكسيوس

من البابا ضد اfسلم}. ولكنه إذا كان قد فعل ذلكK فال بد أنه وضع نصبعينيه الفائدة التي جتنى من جيش الـفـرسـان األرسـتـقـراطـي. فـقـد شـكـلالفرسان (وال سيما ثواني أبناء النورماندي} والفرجنة الذين ال يرثون أراضىالعائلة) جيوشا حسنة التنظيم إلى حد كبير فاقترن تطلـعـهـم إلـى اجلـهـادبتـطـلـعـهـم إلـى جـنـي الـثـروات مـن اfـسـلـمـ} «الـكـفـرة» (بـل والـبـيـزنـطـيـ}

«الزنادقة»).وقد صادفت دعوة البابا أوريان هوي في نفس الطرف اآلخر من سلماجملتمع األوربي. فحينما قام الوعاظ اfتجولون احلفاة من أمـثـال بـطـرسالناسكK بنشر دعوة الباباK سارعت أفواج الفقـراء مـن اfـنـاطـق اfـزدحـمـةلتضفي معنى على حياتها في احلرب اfقدسةK وانضمت إلى جيوش الفرسانفي زحفها من أوربا إلى القسطنطينية «جيوش صليبية شعبية» غير مدربةوغير منظمة. وقبل أن تخرج هذه اجليوش األفاقة الستئصال شأفة «أبناءالعاهراتK ذرية قابيل»K كما كانوا يسمون اfـسـلـمـ}K اسـتـولـت عـلـى اfـدن

196

الغرب والعالم

األوروبية باسم اfسيح. وبدأت احلمالت الصليبية بأول مذبحة كبيرة لليهود.فقد أعلن أحد الصليبي}: «لقد خرجنا في زحف طويل لقتال أعدائنا في

ربالشرق وأمام أعيننا أسوأ أعدائهK اليهود. فعلينا بهم أوال». وفي فرنسا عنهر الراين (حيث جتمعت اجلاليات اليهودية طيلة قرون في رعاية األساقفةاfسيحي}) طالب الغوغاء اليهود بالتحول إلى اfسيحـيـة أو الـهـالكK وقـد

وحدهما ما ب} أربعة آالف وثمانية آالف١٠٩٦هلك في شهري مايو ويونيو يهودي.

ولم تكن مذبحة اليهود إال �رينـا عـلـى اfـهـمـة احلـقـيـقـيـة الـتـي كـانـوابصددهاK ذلك ألن اجليوش الشاردةK التـي كـتـب لـهـا الـبـقـاء بـعـد الـزحـفالطويل إلى القسطنطينيةK قد بثت الرعب في نفوس اإلمبراطور البيزنطيوأهل اfدينة العريقة. ونظرا إلى افتقارهم إلى أية خطة أو تنظيمK فقد كانيتساوى عندهم أن ينهبوا القسطنطينية أو القدس. ولكن الطبقة احلاكمةالبيزنطية جنحت بشيء من احلظ وكثير من السياسة في توجـيـه جـيـوشاfعدم} إلى القدس. وfا كان اfسلمون غير منظم} ولم يتوقعوا هجـومـابهذا القدر من العنف والتصميم فقد �كن الصليبيون من اfدينة العتيـقـة

:١٠٩٩التي عاش بها يسوعK ولقي حتفه. وقد ظفروا بها في سنة «بعد أن سقطت اfدينة وقعت اfذبحةK إذ ذبح كل اfسلم}-رجاال ونساءوأطفاال-فيما عدا احلاكم وحرسه الذين �كنوا من افتداء أنفسهـم بـاfـالو� اصطحابهم إلى خارج اfدينة. وفي معبد سلمان وحوله» خاضت اجلياد

ه كان عادال ورائعـا. إنفي الدم حتى الركب بل وحتى اللجام. إن حـكـم الـلهذا اfكان نفسهK الذي ارتفعت من خالله هرطقـات هـؤالء اجملـدفـ} فـيحق اللهK هو الذي يتلقى الله دماءهم فيه اآلن».أما بالنسبة ليهود القـدسفح} اجتمعوا في معبدهم الرئيسي أضرمت فيه النيران وحرقوا جميـعـا

أحياء.وقد سار الصليبيون في مواكب النصر إلى كنيسة القبر اfـقـدس وهـمKأيها اليوم اجلديد Kيبكون فرحا ويغنون أغاني الشكر لله: «أيها اليوم اجلديدأيتها البهجةK أيها الفرح اجلديد الدائم... ذلك اليومK خالـدة ذكـراه طـوال

ل كل عذابنا ومصاعبنـا إلـى فـرح وبـهـجـةK ذلـك الـيـوم:القرون اآلتـيـةK حـو.)٣(Cاننا!» تثبيت أكيد للمسيحية ومحق للوثنية وجتديد إل

197

العنف واالنتقام

وتقدر اfصادر األوربية أن حوالي عشرة آالف مسلم ذبحوا في أعقابسالمية فتقدر عدد من قتلوااالستيالء األول على القدس. أما اfصادر اإل

ام الدم علم اfسلم} (والبيزنطي})Sائة ألف قتيل. وأيا كان العددK فإن حمأن يكرهوا الغرب كما لم يكرهوه من قبل. وقد خلص دبلوماسي بيـزنـطـيإلى أن «الغرب يعني احلرب واالستغالل. وروما الغربية هـي.... «أم الشرور

ر اfسلمون عن حزنهم على الذين فقدوهم على يد «الكالبكلها». لقد عباfسيحية» وأقسموا على مقابلة النار بالنار. وقد عبر الشاعر العربي عمربن مظفر الوردي تعبيرا حادا عن ألم اfسلم} وعن اfرارة التي أحسوا بها

بشكل حاد: الـــــســـــواحــــــم بـــــالـــــدمــــــوع مـــــزجـــــنــــــا دمــــــاء

لـــــلـــــمـــــراحــــــم مـــــنـــــا عـــــرضـــــةفـــــلـــــم يـــــبــــــق دمـــــــع يــــــــفــــــــيــــــــضــــــــه ا,ــــــــرء ســــــــالح وشــــــــر

رهــــــا بـــــــالـــــــصـــــــوارمــــــت نـــــــا شـــــــبإذا احلـــــــربــــــــــــم فــــــــــــيــــــــــــا بــــــــــــنــــــــــــي اإلســـــــــــــالم إن وراك

ا بـــــا,ــــــنــــــاســــــمرـــــن الــــــذــــــقــــــحــــــل وقـــــائــــــع يلـــــعـــــQ مـــــلء جـــــفـــــونـــــهــــــا وكـــــيـــــف تـــــنـــــام ا

عــــــلــــــى هــــــفــــــوات أيــــــقــــــظــــــت كــــــل نـــــــائـــــــمـــهــــمـــل وإخـــوانـــكـــم بـــالـــشـــام يـــضـــحـــى مــــقــــي

الـــــقـــــشـــــاعــــــم ا,ـــــذاكـــــي أو بـــــطــــــونظـــــهــــــورn وأنـــــــتـــــــمم الــــــهـــــــوان تـــــــســـــــومـــــــهـــــــم الـــــــروـــــملــــــاـــــس ا, فـــــعــــــل اخلـــــفــــــضون ذيــــــلجتـــــر

مـــــــىبــــــيـــــــحـــــــت ومـــــــن د وكــــــم مـــــــن دمـــــــاء أ حـــــســـــنـــــهـــــا بــــــا,ــــــعــــــاصــــــمي حـــــيــــــاءنــــــوار

ــبــىــرة الــظ الـبــيــض مــحــم بــحــيــث الــســيــوف الــــــلــــــهــــــاذم الــــــعــــــوالــــــي دامــــــيــــــاتــــــرــــــموس

وبــــQ اخــــتــــالف الــــطــــعــــن والــــضــــرب وقــــفــــةتــــظــــهـــــــــل لــــهــــا الــــولــــدان شـــــيـــــب الـــــقـــــوادم

سرعان ما قامت اجليوش اإلسالمية٦٣٢ عام ٭فبعد موت النبي الكر�)٦٣٢من اخليالة العربية بإحلاق الهزCة «بالكفار» في اجلـزيـرة الـعـربـيـة (

198

الغرب والعالم

) وبكل من iلكة فارس القدCة٦٤ ٠) ومصر (٦٣٧) والقدس (٦٣٥وسوريا (K وما وافى عام٦٥٠في الشرقK وقبائل شمال أفريقيا في الغرب بحلول عام

حتى كان اfسلمون قد بسطوا دينهم إلى حدود الهند وما أصبح فيما٧٥٠بعد جنوب روسيا وغزوا شمال الصحراء اإلفريقـيـة وشـبـه جـزيـرة أيـبـريـا

التي تضم كال من أسبانيا والبرتغال.سالمي قد أصـبـح أشـدوبنهاية القـرن احلـادي عـشـر كـان اجملـتـمـع اإل

استقرارا وحتضرا من أوروبا. وأخرج فالسفة ورياضي} وفلكي} وأطـبـاءوفنان} بنفس احلماس الذي كانت أوربا الغـربـيـة تـخـرج بـه اجلـنـود. وكـلخيالة الصحراء إلى أسبانيا تقنية زراعية جعلت األرض تزدهر على نحو لمنر مثله من قبلK بل (رSا)-حتى اليوم. وأصبح نسل اخليالـة أسـاتـذة طـبفي أولى كليات الطب في أوربا. وعلم فالسفتهم الغرب أفالطون وأرسطووعلم جتارهم وبحارتهم األوربي} الرياضة ومسك الدفاتر والسفر بالبحر.

سالمية التي دمرها الصليبيـون فـي بـيـتباالختصار جند أن احلـضـارة اإلاfقدس كانت أرقى وأجنح للسلم من غزاتها.

ولكن تراث احلرب اfقدسة جزء من الثقافة اإلسالميةK وهـم يـسـمـوناحلرب التي يشنونها ضد الوثني} «جهادا». ولهذه الكلمة معنى قريب منمعنى «احلرب الـصـلـيـبـيـة» فـي الـغـرب. ويـؤمـن كـثـيـر مـن اfـسـلـمـ}K مـثـلاfسيحي}K بأن من يقتل في احلـرب وهـو يـجـاهـد فـسـوف يـدخـل اجلـنـة.فاfسلمونK كاليهود واfسيحي}K يؤمنون بإله مـنـتـقـم غـيـور. ولـكـن fـا كـان

هو خا� سلسلة طويلة من األنبياء الـيـهـود واfـسـيـحـيـ} مـثـل٭ مـحــمـدإبراهيم وموسى وعيسى فقد كان احلكام اfسلـمـون مـتـسـامـحـ} مـع أهـل

الكتاب (التوراة واإلجنيل).K(الـذيـن ال يـعـتـرفـون بـنـبـوة عـيـسـى) سـلـمـون يـعـتـقـدون أن الـيـهـودfفاواfسيحي} (الذين حملوا اليهود وزر صلب اfسيح) إ�ا يعبدون آلها واحدا.وأهم ما كان اfسلمون يشترطونه في الشعوب التي يفتحون بالدها هو أنتكون iن يعبدون إله األنبياء مثلهمK ال أن تكون مؤمنة بألوهية عند اfسلم}هو عبادة آله األنبياءK بغض النظر عن االعتقاد في ألوهية هـذا الـنـبـي أوذاك أو إنسانية نبي مع} أو بشريته. وكان احلكام اfسلمون متسامح} مع

«أهل الكتاب» أي التوارة واإلجنيل.

199

العنف واالنتقام

١١٨٥ إلى ١٠٩٩وال شك أن الفرجنة اfسيحي} الذين حكموا القدس من أدركوا أن اfسلم} أشد منهم تسامحا بكثير. لقد كانوا يعرفون أن اfسيحي}قد شغلوا مناصب عالية في بالطات اfسلم} في الشرق األوسطK ووجدوامسيحي} سوري} يعملون أطباء وعلماء فلك عند األمراء اfسلم}. ورووااحلكايات عن كرم اfسلم}K حتى في اfعركة. فحكى مسيحيK هو أوليفروساfدرسيK عن السلطان اfلك الكامل الذي هزم جيشا من جيوش الصليبي}الغازية اfتأخرةK ثم أعطى الناج} منهم الطعام: «من Cكن أن يشك في أن

ه? إن الرجالمثل هذا العمل الطيب والصداقة واألريحية هو من عـنـد الـلالذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم واخـوتـهـم وأخـواتـهـم وقـضـوا نـحـبـهـمKوالذين سقناهم عرايا من بيوتهم Kوالذين استولينا على أراضيهم Kيتعذبونأعطونا من طعامهم وأبقوا على حياتنا عندما كنا نتضور جوعاK وغمرونـابعطفهم حتى ونحن حتت رحمتهم». وهناك بعض اfسيحي}K مثل أرنـولـد

سالمية عن األخوة أكثر تسامحا من النظرةأوف لوبيكK أدركوا أن الفكرة اإلاfسيحية إلى اليهود واfسلم} بوصفهم أعداء اfسيح. وقال أرنولد الكلماتالتالية على لسان أحد اfسلم}: «فلئن اختلفت عقائدنا فإن خالقنا واحدوأبانا واحد. يجب أن نتآخىK ال بسبب عقيدتنا ولكن ألننا كلنا بشر. فلنتذكرKسلمون من تـسـامـحfمهما بلغ ا Kشترك ولنطعم اخوتنا». ولكنfإذن أبانا افلم يكن من اfتوقع منهم التقاعس بعد اfذبحة اfسيحية للقدس. لقد كانوامفكك} ح} � الغزو اfسيحيK ولكنهم �كنوا من اسـتـعـادة الـقـدس عـام

بقيادة السلطان صالح الدين الذي وحد سوريا ومصر. وبالرغم مـن١١٨٧ (بـدأت١١٤٩ إلى ١١٤٧أن اfسيحي} قاموا بشن حملة صلـيـبـيـة ثـانـيـة مـن

Sذبحة أخرى لليهود األوربي}) فإن صالح الدين عامل ذراري الصليبي}Kفسمح للقادرين منهم بشراء حـريـاتـهـم Kاألوائل في القدس بسخاء عظيموأعتق فقراءهم بدون مقابل. بل إن صالح الدين أمر بعد ذلك بتوزيع تركته

ب} فقراء اfسلم} واليهود واfسيحي} على السواء.وقد ردت أوربا على ذلك بحملة صليبية. فأقنع البابا هذه اfـرة ثـالثـةمن كبار اfلوك في العالم اfسيحيK وهم فريدريك باربـروسـا االمـبـراطـورالروماني اfقدسK وفيليب أوحستوس ملك فرنساK وريتـشـارد األول (قـلـباألسد) ملك إجنلترا بأن يقودوا اجليوش ضد اfسلم}. ولكنهم جلبوا معهم

200

الغرب والعالم

منازعاتهم الشخصية وصراعاتهم القومية. وكان ريتشارد (الذي يستطيباحلرب) هو وحده الذي وصل بالفعل إلى األرض اfقدسة fواجـهـة صـالحالدين. فاستولى على عكا (شمال القدس) وأسس موقعا مسيحيا اسـتـمـر

)K لكنـه عـجـز عـن االسـتـيـالء عـلـى الـقـدس.١٢٩١ ١١٨٩مائـة سـنـة أخـرى (Kـا يـتـحـمـلـه ريـتـشـاردi دة أطولf فاوضات مع صالح الدينfواستمرت اوكان صاحب مزاج حاد. وحتى يظهر تصميمه أمر Sذبحة قتل فيها ما ب}ألف} وثالثة آالف من أسرى اfسلم}K ثم بقر أجسامهم بحثا عن الذهبالذي ابتلعه بعضهم. وأخيرا وليس أخرا أمر بحرق جثثهم وحتليل رمادهاحتى Cكن التنقيب عما حتتويه من ذهب لم يتم العثور عـلـيـه. ومـثـل هـذهاألعمال الوحشية جعلت من العسير على اfسلم}K لبعض الوقتK االحتفاظ

بسماحتهم.وإذا كان اfسلمون قد احتاجوا احلملة الصليبية الـثـالـثـة حـتـى يـدركـواطبيعة احلضارة الغربيةK فلعل اليوناني} البيزنطي} كانوا بحاجة إلى احلملة

أمر البابا أنوسنت الثالث ملوك أوربا-للمرة األخيرة-١٢٠٢الرابعة. ففي سنة باالستيالء على بيت اfقدس. ولكن فيليب أوغسطوس وجون أوف إجنالند(كان ريتشارد قد اختطف مقابل فدية في أfانيا) كانا مـشـغـولـ} بـالـقـتـالفيما بينهمK واعتذر من هم دونهم مـن األمـراء مـتـذرعـ} بـفـقـرهـم. إال أنالبابا أنوسنت جنح في إقناعهمK وتكفلت مدينة البـنـدقـيـة بـالـنـقـل مـقـابـلحصة من الغنائمK وما إن أقلعت السفن بـالـصـلـيـبـيـ} حـتـى أصـبـحـوا فـيقبضة التجار ورجال األعمال الـبـنـادقـة. فـأقـنـع الـدوج (أو زعـيـم) اfـديـنـة

عت من البندقيةز (معلنا أنها كانت قد انتZaraالصليبي} بالتوقف في زارا على يد ملك الهنغار) وشرع الصليبـيـون فـي سـلـب هـذه اfـدنK اfـسـيـحـيـةاخلالصة ونهبها وهدمها. فارتاع البابا أنوسنتK وأصدر مرسـومـا كـنـسـيـابحرمان اجليش بكاملهK أعاد النظر فـي مـرسـوم احلـرمـان الـذي أصـدره.

وأخيرا رفع احلظر حتى يستطيعوا أن يواصلوا زحفهم إلى القدس.ثم توقف الصليبيون مرة أخـرى حتـت إغـراء أحـد اfـطـالـبـ} بـالـعـرشالبيزنطيK إذ عرض عليه أن يتكفل هو بالدفع ألهل البندقية مقابل مساعدةجيوشهم له في االستيالء على القسطنطينية. وكانت اfقاومة ضعيفة ألقصىحد-(وكتب للصليبي} النجاح. غير أن اfطالب بالعرش كـان مـتـبـاطـئـا فـي

201

العنف واالنتقام

الدفعK أو أن البنادقة استولوا على معظم اfبلغ. فقامت اجليوش الساخطةبفتح القسطنطينية حلسابها. وهكذا استولى جيش من أخالط الـغـربـيـ}على اfدينة التي وقفت في وجه غزوات البرابرة والهنغار واألتراك فسقطت

(بعد حوالي ألف عام من سقوط روما) وانتهت احلروب من أجل١٢٠٤عام اfسيح بتدمير أكبر مدينة مسيحية في العالم. ونهبـت اfـذابـح والـكـنـائـسوصهرت التحف الفنية التي ال تـقـدر بـثـمـن مـن أجـل مـا فـيـهـا مـن مـعـادن

Kوكسرت الفسيفساء من أجل ما فيـهـانفيسة. وحطمت احملاريب وحملـت من جواهرK وضاعت مخطوطات للكنيسة والعالم القد� إلى األبد.

وكان تدمير القسطنطينية خا�ة احلملة الصليبـيـة فـي سـبـيـل األرضاfقدسةK ولم تغادرها اجليوش إلى بيت اfقدس ألبتة. لكن الروح الصليبيةأصبحت أسلوبا في احلياة. وسعى البابا أنوسنت نفسه إلى تنظيـم حـمـلـة

K غير أن معظم احلمالت الصليبية حتولـت إلـى الـداخـل.١٢١٥أخرى عـام فأرسلت احلمالت ضد احلضارة اإلسالمية في األندلس وضد الهراطقـة

اK وضد القوميات األجنبية وضدمن اfسيحي} الروماني} في جنوبي فرنساليهود (كما هو احلال دائما)K وبانقضاء القرن الثالث عشر أصـبـح هـنـاكارتباط وثيق ب} احلملة الصليبية وب} العظمة الوطنـيـة والـربـح واإلبـادة.أما عالقتها بالتعبد فأصبحت واهية للغاية. وiا ال شك فيـه أن أهـداف

رأسا على عقبK غير أن الـتـحـول مـن الـصـلـوات إلـىـتباfسيحـيـة قـد قـلالصوالت كان أمرا طبيعياK وما زال قائمـا.

احلرب والعنف: في املاضي واحلاضركنا قد أfعنا وأشرنا بشكل ضمني فـي الـتـاريـخ الـسـابـق إلـى عـدد مـناألمور التي يجب أن تذكر بشكل مبـاشـر. لـقـد حتـولـت احلـروب اfـقـدسـةاfسيحية إلى مغامرات وحشية للغزو والنص واإلبادةK ولكن يجب أال نعزل

عت منذ حوالي ألف عامعملية التحول هذه عن سياقهاK فهذه األحداث وقعلى وجه التقريب. غير أن مثل هذه احلروب كانت إمكانا كامنا في الثقافةاليهودية-اfسيحية التي أكدت في غطرسة إCانها بإله ونبي يجب أن يعترفبهما العالم كله. فاحلمالت الصليبية ما كانت لـتـخـطـر بـالـبـال فـي إحـدى

ب} عدة.ثقافات العالم الكثيرة التي تؤمن بأن إلهها أو نبيها ليس إال واحدا

202

الغرب والعالم

وقد كان التعصب سمة قوية مـن سـمـات الـثـقـافـة الـغـربـيـة. ولـم تـشـن كـلاجملتمعات اليهودية-اfسيحية حربا مقدسة بالضرورةK فقد ظل نظم اليهودواfسلم} وعدد كبير من اfسيحي} ال يعانون نسبيا من مثل هذه الغطرسة.ولكن بذرتها أينعت في التراث اليهودي-اfسيـحـي أكـثـر مـن غـيـره. فـحـتـىالقرن الثالث عشر ذهل الزائرون الغربيون إلمبراطورية خانات اfغول عندما

العالم اfسيـحـي لـكـيوجدوا مسيحي} أوربي} لـم يـخـفـوا أنـهـم فـروا مـنيتجنبوا االضطهاد. وبالرغم من أن جنكيز خان كان مؤمنا بالطاويةK فقـدتسامحت إمبراطوريته مع البوذي} والكنفوشيوسي} واfسلم} وأتباع اfانويةواليهود والنساطرة واfسيحي}. وقد أصابوا جميعا في إمبراطورية اfغول

من احلريات الدينية ما لم يكونوا يصيبوه في الغرب.ومن ثمK فإن احلروب الصليبية لم تكن مجرد حوادث وقعت فيمـا بـ}القرن} احلادي عشر والرابع عشرK فـالـبـذور قـد زرعـت مـنـذ أمـد طـويـلKاضي يقدم لنا �اذج يجتذبها احلاضر دائماfونبتت منذ ذياك الوقت. إن اواحلرب اfقدسة من أقوى موروثات ماضينا اfسيحي الغربي. إننا نحب أننرى حروبنا كمغامرات مقدسة. وزيادة على ذلك فإن تاريخ احلروب الصليبيةيجب أن يظهر لنا أننا قادرون على تبرير أية درجة من درجات الوحشية أو

ه. إن كلماتناالفسادK إذا ما خلعنا عليها قداسة يوصفها جزءا من مشيئة اللال عالقة لها بأفعالنا في أمور احلرب واحلب.

وليس ثمة أسباب حتمل على االعتقاد بأن فريقا من الناس أجنح إلـىالعدوان أو احلرب أو العنفK من فريـق آخـر ألسـبـاب بـيـولـوجـيـة. فـتـوزيـعاجلينات ال يتغير من جماعة إنسانية ألخرى تقريبا. ولكن ثقافة اجملتمع(أيمعتقداته وأديانه وسننه) هي التي �جد العدوان أو تكبتهK والثقافة دائماهي التي توجه العدوانية في أشكال شتى. وقد عمد مجتمعنا الغربي إلـىتوجيه عدوانيتنا إلى وجهات دينية وجتارية. وما أسهل أن تتحول من الصلواتالى الصوالت واالفتراسK أو من الغارة إلى التجارةK ولـذا فـإن مـنـاقـشـتـنـاللحمالت الصليبـيـة والـفـايـكـنـج تـقـدم لـنـا Sـعـنـى مـن اfـعـانـي رؤيـة ألحـد

االجتاهات في ثقافتنا.أما احملور الذي دارت حوله األجزاء األولى من هذا الفصل فمـخـتـلـفنوعا ما. إننا نستطيع أن نتب} جانبا من جذورنا في اإلقطاع في العصور

203

العنف واالنتقام

الوسطى. فإليه يرجع-عـلـى األقـل-إعـالؤنـا مـن شـأن الـبـسـالـة الـعـسـكـريـةوالشجاعة وفضائل «الفروسية». ومن حسن الـطـالـعK أن مـا نـقـتـسـمـه مـع

أسالفنا البرابرة أقل iا نقتسمه مع «زهرة الفروسية األوربية».لقد بدأنا بالتساؤل عن احلرب والعنف في أمريكـا احلـديـثـةK ودرسـنـابعض «مجتمعات احملارب}» إللقاء الضوء على مواقفنا نحن جتـاه احلـرب

واالختالف ب} موقفنا وموقف اآلخرين.والعنفK وللبحث عن وجوه التشابهوبصفة عامةK سواء بحثنا عن األصول أو أوجه اfقارنةK فإننـا نـبـحـث عـناألشياء اfتشابهةK وهذا مفيد للغاية. فقد تكون العبرة في أوجه الشبهK كما

تكون في أوجه اخلالف.Kومدنية احلاضر Kاضيfولعل النظر إلى الفروق الشاسعة ب} بربرية اأن تكون مسك اخلتام لهذا الفصل اخملصص للحرب والعنف. فلـنـعـد إلـىأوروبا في القرن} الرابع عشر واخلامس عشر-أي في نهاية احلقبة الـتـيبحثناها. وأمثلتنا مستمدة من كتـاب أفـول الـعـصـور الـوسـطـى مـن تـألـيـف

:Johan Huizingaيوهان هويزجنا

«دفع مواطنو مدينة مونس ثمنا باهظا (في قاطع طـريـق) لـالسـتـمـتـاع(وتقاطر الناس حول موضع التنفيذ للتفرح مبتهج}S٠نظر �زيقه إربا إربا

كما لو كانوا ذاهب} إلى اfهرجـان. وكـان مـنـظـر اfـوت iـتـازا)K إن بـهـجـة بعث من بـنالناس Sا يرون كانت أعمق iا لو أن جسدا مقدسا جـديـدا

اfوتى.... لم يكونوا يشبعون قـط مـن مـنـظـر١٤٨٨إن أهل مدينـة بـروج و عـام

التعذيب الذي ينزل بالقضاة اfتهم} باخليانةK والذي يتم فوق منصة عاليةKفي وسط السوق. وحينما يطلب تعساء احلظ إنزال الضربة القاضية بهم

يرفض طلبهم حتى يتاح للقوم االستمتاع بعذابهم. شنق «قاطع طريقK من طبقة الـنـبـالء فـي بـاريـس «وفـي١٤٢٧في عـام

اللحظة التي كان سيتم تنفيذ حكم اإلعدام ظهر في الساحـة كـبـيـر خـزنـة بالرغم من تضرعـاتـهKاحلاكم وصب كراهيته عليهK ومنـعـه مـن االعـتـراف

هانات وضربه بعصاK وأعطى اجلالدوارتقى السلم من خلفه وصب عليه اإلضربة ألنه من الضحية أن يفكر في خالصه. وازداد اجلالد عصبية وأختلفي عمله وانقطع احلبل فسقط اجلاني اfـسـكـ} عـلـى األرض وانـكـسـرت

204

الغرب والعالم

ساقه وبعض ضلوعهK ولكنه مع ذلك كان عليه ارتقاء السلم وهو على هذه. في بروكسل وضع قاتل شاب مثير للف¹ في وسط حلقة احلطب)٥(احلالة

والقش اfشتعلK وشد وثاقه في عمود بسلسلة ملفوفة حول حلقة من احلديد.Kتفرج} بعبارات مؤثرة حتى النت قلوبهم وأجهشوا جميعا بالبكاءfفخاطب ا

.)٦(طالق» وامتدح موته بأنه أبدع ما شاهدته الع} على اإلفإلى عهد غير بعيد كان الناس يذهبون إلى مكان تنفيـذ اإلعـدام كـمـانذهب نحن إلى السينما. ويعايشون التعـذيـب بـصـورة إلنـتـاج لـنـا إال أثـنـاءمشاهدة األفالم. وإلى عهد قريب كان الناس يعيشون في عالقة حميمة مع

اfوت.وكان الشيء اfرعب واfروع والعنيف أمرا مألوفا للغاية. ويذكر هويزجنااfدفن اfوجود في فناء كنيسة األنوسان كان ملتقى الباريسي} اfفضل في

القرن اخلامس عشر.«لم جتتمع في مكان آخر صور بثت الرعب من اfوت كما جتمعت علىهذا النحو األخاذ في فناء كنيسة اإلنوسان في باريس. فهناك تستطيع روح

K أن تعب iا هو مرعـب... كـانالعصور الوسطى اfولعة بالرعدة الديـنـيـةهذا اfدفن مفضال عن كل اfدافن األخرىK فالفقراء واألغنياء يدفنون فيهبدون �ييزK وكانوا ال يخلدون للراحة هناك طويالK إذ إنـه كـان يـسـتـخـدمكثيراK ألن عشرين أبرشية كان لها حق الدفن هناكK فكان إخالؤها يتطلبنبش العظام وبيع الشواهد على آجال قصيرة.... وكانت اجلماجم والعظاممكدسة باآلالفK في مخازن للعظام iتدة بطول األروقة التي حتيط باfكانمن ثالث جهاتK مكشوفة ألنظار اآلالفK تلقن اجلميع موعـظـة اfـسـاواة.ويوما بعد يوم �ر مواكب الناس حتت األروقة تتطلـع إلـى الـهـيـاكـل وتـقـرأاآليات البسيطة فتتذكر قرب اخلتام. وعلى الرغم من عدم انقطاع الدفنوتواصل استخراج ما في القبورK فان اfكان كان منقلب اfتسكع} وملتقىاحملب}. وأنشئت الدكاك} أمام مخازن العظام وكانت العاهرات يتـسـكـعـن

.)٧(حتت األروقة... وبلغ األمر بالقوم أن كانوا يقيمون الوالئم هناك» ولكننا لم نعد نألف اfوت إلى حد أن نتخذ مـن مـدفـن مـكـتـظ بـالـر�البالية والعظام النخرة مكانا للتنزه أو التسوق أو الطعام أو التسكع. بل إناfستشفيات احلديثة حتجب احملتضرين عن أنضارنا وكـأنـهـا تـعـفـيـنـا مـن

205

العنف واالنتقام

فكرة اfوت.وقد يكون جزعنا من اfوت عالمة خير. فمن اجلائز أن فقـدنـا األلـفـةباfوت قد أضعف قدرتنا على احتمال العنف واحلرب والقسوة. ولكن اfوتفي اجملتمع التقليدي (كأوربا العصور الوسطى)كان حقيقة يومية ال Cكـن

من أن يفني ما ب} ثلث سكان١٣٤٨جتاهلها. وحلت �كن طاعون في عام اfدن األوربية وثلثيهاK كانت احلياة بخسة الثمن بشكل واضح.وفي إجنلترا

قد١٤٨٠ و ١٣٣٠جند أن حوالي نصف أبناء الدوقات الذين ولدوا ما بـ}. ماتوا في ظروف عنيفةK وكان متوسط عمر النصف الباقي «األكثر حـظـا»

عاما.٣١هو وقد �كنت بعض أجزاء اجملتمع اfتحضر احلديث من اfضي قدما فيالقضاء على شبح اfوت العنيف. فإجنلترا بأسرها قد أصابها الـذعـر فـي

عندما أطلق شـرطـي الـرصـاص عـلـى أحـد١٩٧٢األسبوع األخيـر مـن عـام لصوص البنوك في لندن فأرداه قتيال. وقد أصرت أسكتلنديارد على أنهاحادثة شاذةK وبينت أنه قد تصادف وجود مسدس مع الشرطي إثناء وقوعالسرقة ألنه كان متجها حلراسة السفارة األردنية. وأعلن اfتحدث الرسمي

لنجد حـادثـة١٩٠٩باسم اسكتلنديارد: أعتقد أن عـلـيـنـا أن نـعـود إلـى عـام iاثلة قتل فيها شرطي شخصا ماK ولـم تـكـن حـادثـة سـطـو عـلـى بـنـك «.وأصدر احتاد بوليس لندن بيانا قال فيه: «إن معظم رجال الشرطة يؤثروناالستقالة على حمل السالح بشكل منتظم». ونشرت إحدى الصحف اللندنيةااليفنج سناندرد مقابلة مع أحد اجملرم}K أكد فيها أن السبب الذي يدفع

لى حمل السالح هو «إطالق الرصـاص فـي الـهـواءK لـتـفـريـق شـمـلاللـص إ شرطيا ومعه مسدس فإنـك ال بـداجلمهور». إال أنه أضاف: «عندمـا تـرى

وأن تطلق الرصاص عليه». ثم قال: «إننا ال نريد الطريقة األمريكيةK أليسكذلك». وأضاف: «نحن ال نريد حكاية «قف عندك إنه القانونK وإال أطلقناالرصاص». فهذا هو اخلطر احلقيقي. فإن جرى لص في الزقـاقK وصـاحأحدهما مرت} لقي اللص حتفه. ولعله سرق جهاز راديو غالي الثمن أو لعلهسرق عشرين جنيهاK ولكن هل حياة إنسان تساوي عشرين جنيها فقط?».وحينما تضطر الشرطة إلى االعتذار عن قتـل لـص مـسـلـح ويـسـتـطـيـعمجرم يحمل سالحا أن يدلي بآرائه من خالل منبر عام بشـأن ضـرورة أن

206

الغرب والعالم

يظل البوليس مجردا من سالحهK وعندما يـسـتـاء الـنـاس ويـغـضـبـون fـوتشخص واحد-حتى لو كان لص بنوك-فإن احلياة اإلنسانية تكون قد أصبحت-

الشعبيK ورفض االشـتـراكإذن-مقدسة. فاحترام احلياةK وانعـدام الـعـنـففي احلربK كلها مسائل متداخلة. ولهذا السبب كانت «الطريقة األمريكية»وعنف مجتمع العسر األيرلنـدي فـي نـظـر سـاكـن لـنـدن اfـتـوسـط ردة إلـى

بربرية اfاضي.ولكن أمريكا احلديثة �وذج آخر للمستقبلK فالواليات اfتحدة وإجنلتراقد خلقت التكنولوجيا التي جتعل احلياة أجدر بالعيش. ولكنها-على عكسإجنلترا-لم تقلل من شأن احلرب أو العنف. لقد استأصلنا شأفة التحمسللهمجية التي كانت من سمات اfتجمع التقليديK وقضينا على قدر كبير منعنف الضغائن واحلزازات الشـخـصـيـةK الـتـي كـانـت تـثـقـل كـاهـل اجملـتـمـعالتقليدي. ولكننا استعضنا عن العنف الـشـخـصـي بـالـعـنـف الـالشـخـصـي.

عد Sا يعجز معظمنافتكنولوجيا-البندقية أو القنبلة-تتيح لنا أن نأتي عن بعن إتيانه بأيدينا. فنحن لم نستخدم التكنولوجيا دائما لـتـحـسـ} حـيـاتـنـا

نسانيةK بل حرمنا الكثيرين في مجتمعنا من الثمرات السلمية للتكنولوجيا.اإلونحن نحزن لزيادة العنف احمللي في ح} أننا نسكتK بل نشجع على الفقر

عدامK وكلها تكذب مزاعمـنـاوالظلم والتفاوت واحلرب والتسـلـح وحـكـم اإلعن قداسة احلياة اإلنسانية. وفي الوقت الذي يـتـيـح لـنـا تـراثـنـا الـثـقـافـيالتنصل مـن نـبـعـة الـعـنـفK نـكـافـئ الـعـسـكـريـ} أبـطـال احلـروب اfـقـدسـةوالسماسرة الذين «يفتكون باآلخرين». لقد خلقنا تكنولوجيا Cكننا بواسطتهاالقضاء على مجتمع العسر واfوت والعنف والفتك إذا شئناK ولكننا ال زلنا

وفايكنج وصليبي}.في جانب منا رواد احلدودK وفي اجلانب اآلخرK رومانا

ملزيد من االطالعمن أحسن اfداخل لدراسة أوربا البربرية وأوجزها كتاب ج. م واالسـر

.وله كتابThe Barbrian West الغرب البربري J.M. Wallace Handrillهاندريل وهـوكـتـاب فــي.The Long-Haired Kingsأحـدث هـو مـلـوك بـشـعـور طـويــلــة

والدراسات الكالسيكية (التي كتبت منذ حوالي خمس} عاما) هي كتاب ج.The Invasion of Europe by the غزو أوربا على يد البرابرة J.B. Buryب. بورى

207

العنف واالنتقام

Barbarians وكتاب صـمـويـل ديـل Samuel Dillاجملتمع الـرومـانـي فـي الـقـرن Roman Society in the Last Century of theاألخير من اإلمبراطورية الغـربـيـة

Western Empire وكتاب فرديناند لوت Ferdinand Lot نهاية العالم القد� وبدايةThe End of the Ancient World and Beginning of the Middle العصور الوسطى

Ages .وكلها ال تزال جديرة بالقراءة. ومن أهم الدراسات األحدث كتاب بأما كتاب The End of Antiquity نهاية العالم القد� P.R.L Brown ر. ل. براون

فيضم مـقـاالت D. Talbot Riceالعصور اfظلمـة بـأشـراف د. تـالـبـوت رايـسiتازة. وإذا أراد الدارس معلومـات عـن الـبـرابـرة مـصـدرهـا شـهـود عـيـان

حول Tacitus فيمكنه أن يستفيد من مصدرين iـتـازيـن. كـتـاب تـاسـيـتـوسGregory وكتاب جريجوري أوف تورز (On Britain and Germany بريطانيا وأfانيا

of Tours تاريخ الفرجنة History of the Franks.

Davidوهناك مدخل مصور iتاز عن الفايكنج هو كتاب ديفيد ويلسون

Wilsonالفايكنج وأصولهم: اسكـنـدنـافـيـا فـي األلـف األولـى The Viking and

their Origins: Scandinavia in the First Milleniumوجند تاريخا طيـبـا لـلـغـايـة Johannes Brondsted في كتاب جوهانز بروند ستد ١١٠٠-٨٠٠عن ثقافته من

. وهناك كتب حديثة أخرى مفيـدة هـي كـتـاب ب. ج.The Vikingsالفايكنـج The Viking إجناز الفـايـكـنـج D. M. Wilson و د. م. ويلـسـون B.G.Footفـوت

Achievement وكتـاب ج. جـونـز Jones كل تاريـخ الـفـايـكـنـج .A History of the

Viking وكتاب ب. سوير P. Sawyer عصر الفايكنج The Age of the Vikings.وهناك تفسيرات كثيرة للحروب الصليبية جمعت في كتاب ج. أ. برونداج.

The Crusades Motives احلروب الصليبية: الدوافع واإلجنازات: A. Brundageله

and Achievernents.وهناك معلومات مصدرها شهود عيان في كتابه ف. ت Memories of the ذكـريـات احلـروب الـصـلــيــبــيــة F. T. Morzialisمـورزيـالـيــر

Crusadesؤرخون العـرب لـلـحـروبfأما الرؤية العربية فنجدها في كتاب ا . بإشراف فرنـسـيـسـكـو جـبـريـلـىArab Historians of the Crusadesالصلـيـبـيـة

Francesco Gabrieli.وأكثر الدراسات التـاريـخـيـة شـيـوعـا هـي كـتـاب ك. م .A History of the Crusades كل تاريخ احلروب الصليبـيـة K.M. Settonسيتـون

تاريخSteven Runcimanوالذي يقع في عدة أجزاءK وكتاب ستيف} رانسيمان K وقد صدر في تاريـخ سـابـق.A History of the Crusadesاحلروب الصليبـيـة

208

الغرب والعالم

The Crusades احلروب الـصـلـيـبـيـة R. A. Newhallويعد كـتـاب ر. أ نـيـوهـول

في كتابهR.V. Smailوصفا موجزا يصلح مقدمة. وقد قـام ر. س. سـمـيـل بوصف حروبCrusading 1193- 1097 Warfare ١١٩٣- ١٠٩٧احلروب الصليبية

اfمتازK البحثNorman Cohnهذه الفترة. وأخيرا جند كتاب نورمان كوهن الذي يضع احلروب الصليبيةThe Pursuit of the Millenniumعن احلقبة األلفية

في اfنظور األكبر للهستيـريـا فـي الـعـصـور الـوسـطـىK ويـربـط بـ} بـعـدهـاالسيكولوجي الشعبي والنزعة الشمولية احلديثة.

وهناك دراسات iتازة عن النبي محمد عليه الصالة والسالم Cكن أن محمد الـنـبـيW. Montgomery Wattجندها في كتـاب و. مـونـتـجـمـري وات

K وكتاب مكسيم رودنسـونMuhammad, Prophet and Statesmanورجل الدولة Maxime Rodinson محمـد Muhammadوهناك دراسات أكثر عمـومـيـة عـن .

Theاإلسالم جندها في كتاب مونتجمري وات اجلالل الـذي كـان اإلسـالم

Majesty that Was Islamوكتـاب ب. لـويـس B. Lewis العـرب فـي الـتـاريـخThe

Arabs in History.أما بالنسبة للدراسات التاريخية العـامـة عـن أوربـا الـعـصـور الـوسـطـى

Henri PirenneفرSا كان أفضل ما Cكن البدء به هو كـتـاب هـنـري بـيـريـن

اجمللد األول. وهو كتاب ألف دون مساعـدةA History of Europeتاريخ أوربامن اfكتباتK وكتبه الباحث الفرنسي وهو في مـعـتـقـل أfـانـي إبـان احلـربالعاfية األولى. وهناك دراسة فرنسية كالسيكية أخرى وهي دراسة مارك

وتعـد دراسـة روبـرتFeudal Society اجملتمـع اإلقـطـاعـي Marc Blochبلـوك من الكـتـب الـتـي تـقـدمThe Birth of Europe مولـد أوربـا Robert Lopezلوبـيـز

Norman Cantorتناوال جريئا iتعا للموضوع. ويـعـد كـتـاب نـورمـان كـانـتـور

دراسة قوية في اجلانب التفسيريMedieval Historyتاريخ العصور الوسطى ومفيدة بصفة خاصة عن كنيسة العصور الوسطى. ومن ب} كتب الـتـاريـخ

أوربا فـي الـعـصـورC. Warren Hollisterاألخرى كـتـاب س. وارن هـولـيـسـتـر K وكتاب دينز هايMedieval Europe: A Short Historyالوسطى: تاريخ موجز

Denys Hay وجز قرون العصـور الـوسـطـىfا The Medieval Centuries) وكتـابأوربا الغربية في العصور الـوسـطـى R. Strayer Joseph جوزيف ر. ستـرايـر

Western Europe in the Middle Ages وكلها كتب سهلة إلى حد كـبـيـر. وكـتـاب

209

العنف واالنتقام

The Making of Europe تكويـن أوربـا Christopher Dawson كريستـوفـر دوسـون

Early Medieval Society وكتاب مجتمع العصور الوسطى في اfرحلة األولـى

من أكثر الكتب عمقـا. أمـا كـتـب Sylvia L.Thrupp بإشراف سيلفيـال. ثـروبThe Rise of نشـأة أوربـا اfـسـيـحـيـة Hugh Trevor-Roper هيـو تـريـفـور/ روبـر

Christian Europeوكتاب جـاك بـوسـارد K. Jacques Boussard ـانfحضـارة شـارThe Civilization of Charlemagne صـورهـا جـيـدة بـصـفـة Kفهي كتب مـصـوره

.خاصة

ذات قيمة عالية بصفة خاصة للـحـكـم عـلـىوهناك بضعة كتـب أخـرىالنزوع للعنف في أوربا في العصور الوسطى. فهناك كتاب ت. س. ر. بواد.

T.S.R Boas وت في العصور الوسطىfا Death in the Middle Agesوهو كتاب الكالسيكيHuizingaثري ومقلقK حافل باالستشهادات. أما كتاب هويزجنا

فهو كتاب ال CكـنThe Waning of the Middle Agesأفول العصور الوسطـى تكنولوجيا العصورLynn White, Jrاالستغناء عنه. وكتاب لست هوايت االبن

وصفMedieval Technology and Social Changeالوسطى والتغيير االجتماعي كالسيكي لعالقة التكنولوجيا في العـصـور الـوسـطـى Sـجـتـمـع الـفـروسـيـة

تواريخJohn Froissartالعسكري. وال يوجد أفضل من كتاب جون فرويسارت الذي كانChronicles of Eugland France and Spain ,إجنلترا وفرنسا واسبانيا

. فهو كتاب حافل بكثير من التفاصيل اfعاصرة.١٤٠٠االنتهاء منه عام وبالنسبة للمقارنات مع العالم خارج أوربا فهناك مداخل iتازة قليلة.

«فرسان» العصورSamurai السامـوراي Paul Varleyويقدم كتاب بول فارلي األرض الوسطىStuart Leggالوسطى في اليابان. أما كتاب ستيوارت ليـج

The Heartland وكتاب ميشـيـل بـرودن KMichael Prawdinـغـولfإمبراطوريـة ا The Mongol Empire وكتاب ر. جروسيت KR. Grousset :إمبراطورية االستبس

The Empire of the Steppe: A History of Central Asiaتـاريـخ آسـيـا الـوســطــى

فتقدم اfوطن األوراسي fعظم احلركات القبلية البربرية التي قامت بتهديدأوربا وآسيا من آونة ألخرى.

وهناك أخيرا بضع دراسات خاصة جملتمعات خارج حـقـبـتـنـا الـزمـنـيـة قطاع الطرقErich Hobsbawmتستحق التنويه بها مثل كتاب اريك هوبسبوم

Bandits تمردون البدائـيـونfعنون اfوكتابه ا Primitive Rebelsوهما درامتان

210

الغرب والعالم

رائعتان في ثقافة العنف في اجملتمعات التقليدية. وتقرير اللجنة القومـيـةلدراسة أسباب العنف والطرق الالزمة fنعه الذي كتبه هيو ديفيس جراهام

Hugh Davis Graham وتيـد روبـرت جـور Ted Robert Gunبعنوان الـعـنـف فـي به عدة مقاالت جـيـدة عـن تـاريـخ الـعـنـف فـيViolence in Americaأمريـكـا

الواليات اfتحدة.

211

العنف واالنتقام

احلواشي

(*) Sidonius

(1*) Guntramn

(2*) Alboin

(3*) Ammien Marcellin

(4*) Salvien

(5*) gregory of Tours

(6*) Chateaudun - chartres

(7*) Charles Martel

(8*) lindis frane

(9*) Tecitus

(10*) Danegeld

(11*) Eric the Red

(12*) Biarni Heriolfsson

(13*) Leif and Thorvald

(14*) Harlad

(15*) Earl Harold Godwinson

(16*) Alexius

212

الغرب والعالم

الهوامش

(١) ترجمتها بتصرف عن كتاب جاك لوجوف:Jacques Le Goff s L La Civilization de L’Occident Medieval (Paris: Atrhaud, 1964) pp. 31-32.

,Salvien -2†ترجمتها بتصرف عن جاك لوجوف في كتاب حضارة الـغـرب فـي الـعـصـر الـوسـيـط:

Jacques Le Goff, Civilisation, p.36.

3- Norman Chon, The Pursuit of the Millenium (New York: Harper & Row, 1961). pp. 48-49.

4- Friedrich Heer, The Medieval World (New York: New American Library, 1961), pp.135-136.

5- J.Huizinga, The Waning of the Middle Ages (New York: St. Martins Press, 1967), p.15-16.

6- Ibid., 3.

7- Ibid., pp. 133-134.

213

ا�واطن والرعية

هالرعين واطاملو

ن الغربيةن اآلسيوية واملداملدماذا يحدث للمـديـنـة األمـريـكـيـة احلـديـثـة? إناfتفائل} يتحدثون عن أحياء حشرى بسبب عـودةاألثرياء إلى داخل اfدينة. واfتشائمون ينبهون إلىاألحياء الرثة التي ال يـهـتـم بـهـا أحـدK والـتـكـالـيـفKدن الكبيرةfتزايدة للرعاية واخلدمات وتعرض اfا

د اfاضي.قفالس في العكنيويورك وكليفالندK لإلوالفريقان على حقK فاfدينة األمريكية أصبحتمالذ األغنياء وسجن الفقراء. أما أواسـط الـنـاسفال Cلكون ترف البقاء فيها. فاألغـنـيـاء يـشـتـرونالشقق التي تساوي أكثر iا يكسبه الفقير طـوالحياته. والضخم والبطالة ونزوح الطبقات الوسطىخلق مدنا منقسمة ب} أهل الثراء الفاحـش وأهـلالفقر اfدقعK ولم تعد اfدينةK كما كانتK مجتـمـعـا

يضم أناسا متساوين.ولكن هل كانت اfدينة بالفعلK في أي وقت مناألوقات مجتمعا يضم أناسـا مـتـسـاويـن? إن عـالـماالجتماع األfاني الكبير ماكس فيـبـر لـفـت نـظـرنـاإلى أن اfدينة األوربية ظهرت بوصفها مجتمع الناساfتساوين منذ حوالي ألف سنة. بل إن فيبر يذهبإلى أن اfناطق احلضرية القدCة وغير الغربية ال

8

214

الغرب والعالم

ينبغي أن تعد «مدنا»K ألنها لم تطور مؤسساتها احمللية اخلاصة بها. فاfركباfـؤلـف مـن مـؤسـسـات وأفـكـار دCـقـراطـيـةK واfـشـتـق عـن الـكـلـمـة اجلـذر

»City واطنةfمدينة ا«Citizenrship مهذب أو مدني KCivil مدني Civilمواطن KCivilian كـيـاسـة KCivility ـدن أو حتـضـر� KCivilizationهو فـي رأي فـيـبـر

ابتكار فريد من صنع اfدينة الغربية التي كانت مجمتعا للناس اfتسـاويـن.وfا كانت اfدينة الغربية قد تطورت بوصفها جماعة مترابـطـة فـإن أهـلـهـاعدوا أنفسه «مدني}» (مواطن}) في ح} ظل من يعيشون خارج الغرب من

أهل احلضر«رعايا».وقد حتاشت مدينة نيويورك اإلفالس حينـمـا أسـنـد الـعـمـدة اfـنـتـخـب

ن غير منتخب} للمـصـارفومجلس اfدينة أمر اإلشراف اfالي إلى iـثـلـيوحملة األسهم والسنداتK على ح} أن عمدة كليفالند آثر عدم دفع الديونعلى أن تستولي الشركات على iتلكات البلدية. فإذا انقسمـت اfـدن بـ}األغنياء والفقراءK وكان الفقراء يشكلون غالبيتـهـا (كـمـا هـو احلـال دائـمـا)فهل تكون اfؤسسات الدCـقـراطـيـة قـادرة عـلـى أن تـواجـه األزمـات? وهـلحتولنا إلى رعايا بعد أن كنا مواطن}? وهل هذا هو معنى فقدان اجلماعةاfترابطة? في هذا الفصل سنبحث تاريخ اfدن في ضوء بعض هذه اfسائل

التي يثيرها حتليل ماكس فيبر.

املدينة الصينية: رعايا ال مواطنونلقد كانت الهوة ب} اfدينة والقريـة هـائـلـة فـي الـشـرقK وال سـيـمـا فـي

اfتخصص الكبيرMarcel Graneالص}. وقد عبر عن ذلك مارسيل جرانيه في الشئون الصينيةK قبل نيف وخمس} عاما:

«إن أكبر فارق هو الفارق ب} أهل اfدينة وأهل القرىK فهؤالء أجـالفوأولئك أشراف. وأشراف اfدينة يتيهون بحياتهم التي يعيشونها وفق طقوسال تنتقل إلى العوام. وأهل الريف-من جهة أخرى-يتنصلون من األمور العامة.فبحث هذه األمور-كما يقولون-هو من شأن «آكلي اللحم». والفريقان ليـسلهما اfصالح نفسهاK وال يتناوالن الطعام نفسه. واالختالف بينهـمـا يـصـلKإلى درجة أن لكل منهما نظام التوجه اخلاص به: إذ يفضل النبالء اليساروالفالحون اليم}. وأقصى ما تصل إليه مرتبة من يتولى شئون القرية هو

215

ا�واطن والرعية

كبيرا هو سيد اfديـنـة.أن يكون كبير السن. أما األشراف فيتبـعـون سـيـداوهم يعيشون حياة مستغرقة �اما في القيام Sراسم البالط. إنهم يكونونجـمـاعـة نـواتـهـا الـسـيـد الـكـبـيـرK ويـعـبـرون عـن احـتـقــارهــم ألهــل الــريــف

.)١(األجالف»داري لكل زعيم بربري يستوليفاfدينة في الص} كانت Sثابة اfركز اإل

على البالد بأسرهاK وكانت أظهر مجال لسيادته وسطوته. وكل فاحت جديديستهل عهد أسرته بتأسيس حاضرةK يجمع فيها أشرافه وعلماءه وحشمه.فال مشاحة في أن تبدو اfدينة دائما في نظر القروي} غريبة وطـفـيـلـيـة.

دارية ومراكزها دائما في نظر القرويـ}وكذلك كانت عاصمة األقالـيـم اإلالفالح}K فهي مكتظة باfسئول} وحشمهمK وكلهم يعيشون في سؤدد بفرض

الضرائب على الريف.ونحن ال نعلم الكثير عن حياة اfدينة في عهد أسبق األسر الـصـيـنـيـة.

وكانت على األرجحAn Yangفأقدم مدينة كشف عنها هي مدينـة آن يـاجن ق. م.) ولـقـد خـلـفـت بـعـض١٠٢٨ ق. م.-١٥٢٥Shangعـاصـمـة أسـرة شـاجن (

اآلثار الفنية اجلميلة اfصنوعة من البرونز واليشم وبضعة نقـوش بـاخلـطالصيني القد�K ولكنها لم تخلف سوى القليل iـا قـد يـخـبـرنـا عـن حـيـاة

K األسرة التي حكمتChooاfدينة. وكانت األسرة التاليةK وهي أسرة تـشـو ق. م) وإن كان حكم أسـرة٢٥٦الص} ألطول مدة في تاريخهـا (حـتـى عـام

تشو حكما باالسم فقط. فقد قسمت الص} في واقع األمر ب} عـدد مـناألسر النبيلة اfتطاحنةK ولم تكن لها عاصمـة ضـخـمـة. ومـعـظـم إجنـازاتعهد أسرة تشو لها طابع ريفي: صهـر احلـديـدK وفـلـسـفـات كـونـفـوشـيـوس

Confucius ومينشـيـوس Menciusوعبادة الطبيعة حسـب الـعـقـيـدة الـطـاويـة Taoism {واسرة تش .Chin) ق. م.)٢٠٧ ق. م.-٢٢١ التي حكمت فترة قصيرة

م) التـي٢٢٠ ق. م.-Han ٢٠٢ووحدت الص} في إمبراطـوريـةK وأسـرة هـان(أسست إدارة حكومية كان يتم اختيار اfوظف} فيها عن طريق امتحان يعقد

لهذا الغرضK أي أنها كانت Sثابة روما الشرق األقصى.وأطاحت بأسرة هان الغزوات البربرية نفسها التي اندفعت خارجة منKدنية في عهد أسرة هان تختفيfوكادت احلياة ا Kوسط آسيا ودمرت روما�اما كما حدث في روما. ولكن األمور عادت إلى ما كانت عليه فـي وقـت

216

الغرب والعالم

Tang)٩٠٧- ٦١٨ وأسرة تـاجن(Sui) ٦١٨- ٥٨٩قصيـر. فـفـي ظـل أسـرة سـوى(

نشأت ثقافة حضرية راقية لم تبـلـغ شـأوهـا إال الـقـسـطـنـطـيـنـيـة عـاصـمـةChanganاإلمبراطورية الشرقية (هذا إذا كانت بلغته حقا). وكانت شاجنان

عاصمة أسرتي سوى ثم تاجن.

املدينة الصينية: شاجنانمبراطور وين تيK مؤسس أسرة سوىK موقع مـديـنـة شـاجنـاناختـار اإل

بعناية شديدة. وكان قربها من مدن أسرة هان اإلمبراطورية يـذكـر الـنـاسباألمجاد السالفةK لكنها كانت بعيدة إلى احلد الذي يكفيها لـكـي حتـتـفـظKإذ أقيـمـت عـلـى هـيـئـة مـسـتـطـيـل Kدينة من ال شيءfبتميزها. لقد بنيت اوالشوارع �تد بدقة من الشمال إلى اجلنوب ومن الشرق إلى الغرب. إنهابقعة تليق Sركز األرض بالنسبة البن السماء هذا. كانت اfدينة تضمK فيأوج ازدهارهاK في عهد أسرة تاجن في القرن الـثـامـنK نـحـو مـلـيـون نـسـمـةداخل أسوارهاK ومليون نسمة خارجها. وكانت احلياة في اfدينة-كـمـا كـانسكانها-يتميزون بالتنوعK شأن أي مدينة في العالـم. ولـكـن كـل شـيء-حـتـىالعمل الذي يقوم به أفقر كناسي الشوارع أو التجار األجانـب-كـان الـهـدف

منه حتقيق متعة اإلمبراطور وحاشيته:«لم يقم بناء في شاجنان بدافع iا نسميه «بالعزة اfدنية» أو االعتزاز

مبراطورية التي كانت تتحكم في الثرواتK وتستـطـيـعباfدينة. فاألسـرة اإلمصادرة اfلكيات ونقلها على هواهاK هي التي بادرت بالبناء والتعمير.....فاfسئولون الذين يلعبون دورا عاما كانـوا يـلـتـمـسـون االعـتـمـادات الـالزمـةإلقامة أحد الدواوين أو إصالحه أو حلفر إحدى الترع. إال أنهم لم يطالبوابهذه اfشروعات من منظور «العزة اfدنية» أو «اإلصالح اfدني» (أي االعتزازباfدينة واصالحها)K وإ�ا من منظور حتس} اإلدارة اإلمبراطورية للمدينة».وبرغم كثرة ما نطالعه عن اfتنزهات وأماكن الترويح لعلية القوم ومالعـبالكرة وصاالت الرمايةK ال جند ذكرا ألية مرافق iاثلة لعامة الشعب. وقدعبر حب اخلير عن نفسه من خالل اfـعـابـد الـبـوذيـة Sـا تـضـطـلـع بـه مـنوظائف البر واإلحسانK إال أن «اخلبز والسيرك» لم يتوفرا كما كان األمـر

K كما لم يتوفر شئ يشبه السـاحـات واحلـمـامـاتفي روما والقسطنطيـنـيـة

217

ا�واطن والرعية

العامة واألبنية ذات األعمدة اfقنطرة التي بناهـا األبـاطـرة الـرومـان fـتـعـةاfواطن} وراحتهم. فأهالي اfدينة لم يكونوا «مواطن}» وإ�ا كانوا رعايـا

مبراطور. وانعكس هذا في تخطيط اfدينةK و في إدارتها و في أدائها....لإلفلم يكن هناك عمدة أو مجلس مدينةK ولم يكن هناك ميثاق. وكان العرش

».)٢(مبراطورية»يتحكم في اfدينة وسكانها من خالل موظفي البيروقراطية اإلوبدال من اجليرات اfترابطةK كانت توجد أحياء يديرها مـوظـف مـعـ}من قبل اإلمبراطورK وحرمـت الـقـوانـ} بـنـاء مـسـاكـن تـطـل عـلـى الـشـوارع

بات اfناطق تغلق كل غروب شمسK فال يسمح خمللوقالرئيسية. وكانت بواباخلروج إلى الشوارع الرئيسية حتى تقرع الطبول في الغداة. وكـان جـزاءمن يعبر سور اfنطقة من األهالي أو يدخل ديوانا حكوميا بدون تصريحK أنيجلد سبع} جلدة. ووضعت مناطق األسواق الشرقية والـغـربـيـة الـواسـعـةحتت اإلشراف والرقابة الصارمةK فهي تفتح ظهرا وتغلق عند غروب الشمس.

نشاط واfعامالت واسعار خاضعة للفحص والتنظيم.والوكانت اfدينة اإلمبراطـوريـة الـصـيـنـيـة تـعـد «بـيـت اإلمـبـراطـور» وذلـك

قل صدر في شاجنان. ولم تكـن الـقـصـورSقتضى مرسـوم واحـد عـلـى األوالدواوين واحلـدائـق اإلمـبـراطـوريـة وحـدهـاK بـل اfـديـنـة بـأسـرهـاK تـابـعـةلإلمبراطور. وهكذا فإن روما تبدو كأنها مدينة-دولة تتمتع بقسط كبير من

احلرية باfقارنة بشاجنان.

Hangchowاملدينة الصينية: هاجنشو

)١٢٧٩K- ٩٠٦كان الصينيون في عهد األسرة التاليةK وهي أسرة سـوجن (ينظرون إلى أيام أسرة تاجن في شاجنان بالطريقة التي ينظر بها األمريكيونإلى مدينة بوسطن في عصر اfتطهرين (البيوريتان). فاحلياة قي عاصمةأسرة تاجن كانت تبدو صارمة وعقيمة بالـنـسـبـة fـثـقـفـي أسـرة سـوجن ذويKية. ولعلهم كانوا على حق من عدة نواح. فهاجنشوfالذوق الرفيع والرؤية العا

K أكبر وأغنى مدينة في العالم.١٢٧٥عاصمة أسرة سوجن كانتK بحلول عام ثارةK مليئة بالثقافة والرفاهية واجلمالK بل كانتكانت نابضة باحلياة واإل

فاسدة.K وهي السنة الـسـابـقـة عـلـى حتـرك١٢٧٥ولقد زارها مـاركـو بـولـو عـام

218

الغرب والعالم

قبالى خان لضم عاصمة سوجن إلى إمبـراطـوريـتـه الـشـمـالـيـة اآلخـذة فـياالتساع. وكف الزائر الوافد من البندقية يقول إن هاجنشو «قد تكون أعظممدينة في العالمK حتى أن اfرء من كثرة مباهجها ليخال نفسه في اجلنة».وقد وفرت هاجنشو لصغار اfوظف} والتجار األجانب والشعب العاملألوانا من مرافق التسلية واfتعة لم تكن متاحة في شاجنان احلريصة. فكانفيها كثير من اfطاعم اfتخصصة: منها ما يقدم كل شيء مـثـلـجـا Sـا فـيذلك السمك وألوان احلساءK وبعضها يقدم فطـيـر دود الـقـز أو اجلـمـبـريونبيذ البرقوقK حتى بيوت الشاي اfزينة من الداخل بأفخر الزينات كانتتقدم الفتيات الراقصات والدروس اfوسيـقـيـة مـن كـل األنـواع. وكـان عـلـىالبحيرة مئات الزوارق Cكن تأجير معظمها «لطالب اfتعة»K على حد تعبير

ماركو بولو:«هذه العوامات تتسع لعشـرة أو خـمـسـة عـشـر أو عـشـريـن شـخـصـا أويزيدK ويبلغ طولها ما ب} خمس عشرة وعشرين خطوة..ومن يروم الـتـنـزهمع النساء أو مع رهط من بني جنسه يستأجر إحدى هذه العواماتK وهي

قامة حفلة. وسفنهـا Sـثـابـة سـطـح Sوائد وكراسي وكـل مـا يـلـزم إلمزودهمستقر يصطف عليه البحارة ويوجهون الزورق حسب الرغبة. فعمق البحيرةال يزيد على خطوت}K واجلزء الداخلي من هذا السقف وبقية اجلزء الداخليتغطيه تصاوير زخرفية زاهية األلوانK وله نوافذ من جميع اجلهات Cـكـنإغالقها أو فتحها حتى يكون بوسع اجلماعة اfلتفة حول اfائدة أن تستمتعبجمال اfناظر على اجلانب} وتنوعها حينما Cرون بها. واحلق أن الرحلةعلى هذه البحيرة أكثر متعة وسحرا من أي شئ يجده اfرء في البر. فعلىجانب من البحيرة تقع اfدينة برمتهاK حتى أن اfشـاهـديـن و الـزوارقK مـنمواقعهم البعيدة التي يقفون فيهاK يشاهدون اfنظر بالكاملK بـكـل جـمـالـهوعظمته وSبانيه التي ال حصر لهـا: قـصـوره ومـعـابـده وأديـرتـه وحـدائـقـهاfمتلئة باألشجار اfنحدرة أو الشاطئ. وال تكاد البحيـرة تـخـلـو مـن بـعـضهذه العوامات احململة بجماعات الباحث} عن البهجةK فمن أعظم السرور....قضاء فترة العصر مستمتعا بصحبة النساء أو عائالتهنK أو رSا مع من هم

.)٣(دونهم مستوىK سواء في هذه الزوارق أو في عربات تسير بهم في اfدينة»» نيفت على العشرين. وكل منهاوحتى اجلنود والفقراء كانت لهم «ماله

219

ا�واطن والرعية

موسيقية ودروسا للعزف والرقص و�ثيليات وفرقاأرض واسعة تضم أسواقاوعروض باليهK وفيها مشعوذون وبهلوانات ورواة القصص وألعاب األسماكوعروض القوس والسهام ودروس فيهاK ومروضو األفاعي ومباريات اfالكمةواحلواة والعبو الشطرجن والسحرةK واfقلدون لصيحات الشوارعK واfقلدونألحاديث الفالح}K واfتخصصون في رسم زهور األقحوان ورواة القصصاfاجنة والفوازير والذين يطلقون الطائرات الورقية; والقمار والسكر. والبغاءهو أيضا من األجزاء األساسية هناK كما هو احلال في كل مكان في اfدينة.ولقد كانت ساحات األسواق-باfثل-أماكن ترفيه وجتارة. فقد رأى ماركوبولو في سوق واحد كمية من األسماك بلغت من الضخامة حـدا ظـن مـعـهأن-من اfستحيل أن تؤكل كلهاK فإذا بها تبـاع فـي سـاعـات قـالئـل. وهـنـاكأسواق مخصصة ألنواع معينة من السلع واfصنوعات قلـمـا تـوجـد فـي أيمكان آخر في الص}. وحلسن احلظ وصل إلينا كتاب هو «دليل السائح}»يخبرنا أين Cكن أن نحصل على خير جلود اخلرتيت واألمشاط العـاجـيـة

والعمائم واألقفاص واfراوح اfلونة وكتب الفلسفة ونوع مع} من األرز.ومن اجلائز أن اختراع القالب اfطبعي اfتحرك في القرن العاشر (قبلأوربا بخمسمائة عام) لم يزد من عدد الكتب اfتاحة بالفعل نـظـرا لـوجـود

حرفا في اللغات األوربية) كما٢٦أكثر من سبعة آالف حرف صيني (مقابل ر في حد ذاته. ومـع هـذا فـإنأن الطباعة باليد أصبحت عـمـال فـنـيـا يـقـد

ساكن هاجنشو كان في مقدوره أن يجد كتبا (مطبوعة باليد أو بالطريـقـةاآللية) في موضوعات كثيرة كثرة مذهلة: عن الصخور الغريبة وحجر اليشموالعمالت والبوص وأشجار البرقوق واجلوانب اخملتلفة للرسم والـتـصـويـروالبالد األجنبية والشعر والفلسفة وكونفوشيوس والفطر وموسوعـات فـي

كل موضوع.ولم يعرف ماركو بولو مدينة شاجنان بطبيعة احلالK ولكنه ذكر قصت}توحيان بأن العاصمة اإلمبراطورية هاجنشوK برغم ترفها وتنوعهاK لم تختلف

جن القدCة:كثيرا عن عاصمة أسرة تا«وكان هذا اfلك إذا طاف بأحد شـوارع اfـديـنـة... ووجـد بـ} مـنـزلـ}كبيرين منزال صغيرا... فإنه كان يسأل عن تفسير لصغر حجم هذا البيتالصغير.... فإذا قيل له إن صاحبه فقير وال Cلك أن يجـعـلـه كـبـيـراK فـإن

220

الغرب والعالم

اfلك يأمر بأن يكون هذا اfنزل جميال وعاليا كالبيت} اجملاورين لهK وذلكعلى نفقته. أما إذا كان اfنزل الصغير لغنيK فإنه يأمر بانتـزاعـه مـنـه فـيالتو. فإن أوامره تقضي بأال يقوم في عاصمة ملكهK هاجنشوK بجوار القصورالكبيرة واfنازل الرائعة التي حتفل بها اfدينة أي بيت إال كان جميال كبيرا».

مبراطور أومبراطور. وكان اإللقد كانت هاجنشو مثل شاجنان مدينة اإلموظفوه اfسئولون على علم بكل شيء.

«ثمة شيء آخر يجب أن أحكيه». فمن عادة كل مواطن في هذه اfدينةأو أي شخص فيها أن يكتب فوق بابه اسمه واسم زوجته وأسمـاء أطـفـالـهوأسماء عبيده وكل اfقيم} في منزلهK وكذلك عدد احليوانات التي يحتفظبها. وإذا مات أحد في اfنزل يشطب اسمهK وإذا ولد طفل يضاف اسمـه.وبهذه الطريقة يتمكن احلاكم من أن يعرف-بالضبط-عدد سكان مدينته»

إن مالحظات ماركو بولو التفصيلية ال تقدر بثمنK ولكن يبدو أحيانا أنهKدرك} لوسائل الدولة الشمولية احلديثةfا Kال يتب} معنى ما رآه. أما نحنفإن إدراج األسماء على كل باب ليس الهدف منه إشباع رغبة اإلمبـراطـورفي معرفة تعداد السكان وحسب. وفضال عن ذلك فإن السكان اfتيسـرياحلال لم يكونوا مواطن} لهم iثلون في البـرfـانK أو مـواطـنـ} فـي مـدنتتمتع باحلكم الذاتيK وال بورجوازي} (أي مواطنـ}) سـكـان مـدن بـاfـعـنـى

األوربي)كلمة «بورج» تعني «مدينة»).وهذه بالضبط هي النقطة التي حاول ماكس فيبر أن يبينهاK فلم يـكـنسكان اfدينة الصينية مواطن} يشاركون في حياة عامة مشتركةK ولم تكناfدينة موضع اهتمام مشترك. بل إن السكان احملتشدين فـي مـجـمـوعـاتالبيوت التي تشبه رقعة الشطرجنK والتي تشكل تـلـك الـرقـعـة الـتـي تـدعـى

مبراطور. كما كانواK من الناحيةباfدينةK كانوا من الناحية القانونية رعايا اإلالقانونية أيضاK أعضاء في أسرهمK وأعضاء في قرى أسرهم الـتـي يـقـومبـهـا مـعـبـد أسالفهم. هكذا كانـوا يـدركـون هـويـاتـهـم. وعـنـدمـا جـاءوا إلـىاfـديـنـة جـاءوا بـوصـفـهـم أعـضـاء أسـرة أو عشيرة أو قريـة. ثـم أصـبـحـوافـي الـمـديـنـة رعايا باfثل. ونادرا ما نظروا إلى أنفسهم بوصفهـم أعـضـاءفي مـديـنـة. فاfدينة لم تـكـن وطـنـهـم أو«مـكـانـهـم»K ولـم يـكـن لـهـم دور فـي

إدارتها.

221

ا�واطن والرعية

مدن الطوائف املغلقة والقبائل وأعضاء اجلماعات الدينيةfا كانت الهوية األساسية للساكن احلضري الصيني هي أنه رعيةK فإناfدينة كانت دائما غريبة. وبينما كانت السلطة اإلمبراطورية وعضوية األسرة

لى جماعات السكانقد بلغتا ما بلغتاه من قوة في الص}K فقد استحال عاحلضرية أن يروا أنفسهم مواطن} مستقل} لهم عـزتـهـم أو مـسـئـولـيـتـهـمجتاه مدينتهم. ولم يكن في اfدينة الصينيةK بصرف النظر عن حجمهاK أيأساس لظهور هوية مستقلةK أو نوع من أنواع اfشاركة مثل ذلك الذي ظهرفي داخل اfدينة-الدولة. فطبقة التجار التي كانت أكثر الطبقات حتررا من

ها أن تعلن أعضاءهـاالقيود األسرية والقرويةK كانت في افضل وضع Cكنمواطن} ولكن أعضاءها لم يفعلواK وإ�ا اكتفوا بأن يصبحـوا رعـايـا اكـثـر

ثراء ومجدا.وعلى هذا النحو نفسه حالت الوشائج الطائفية أو القبليـة أو الـديـنـيـةفي معظم اfدن غير الغربية األخرىK دون ظهور جماعـة اfـواطـنـ}. فـفـياfدن الهندية خنقت الفروق الطائفية كل شعور بالهوية اfدنيـة اfـشـتـركـة.وفي أفريقيا واألمريكت} كان للهوية القبلية أو الدينية الغـلـبـة عـلـى مـكـاناإلقامة أو موضعه. وفضال عن ذلك فـإن أهـالـي مـعـظـم هـذه اfـدن كـانـوا

ل أو إمبراطور أو رئيس. وكانت الهوية القبلية على وجه العمومرعايا لعاهأقوى في أفريقيا غير اfسلمة وب} األنكا واألزتيك في أمريكا. أما الهويةالدCية فكانت أغلب في إفريقيا اإلسالمية وعند اfايا في أمريكا. وكانت

مبراطوريةبعض اfدن مدن رعايا في اfقام األول. فالقسطنطينيةK حاضرة اإلالبيزنطيةK كانت شديدة الشبه Sدينة الرعايا الصينية. غير أن قوة الكنيسة

مبراطورK وكان لالنتماءفي القسطنطينية كانت في غالب األمر �اثل قوة اإلالديني نفس أهمية االنتماء السياسي.

وقد ذهب ماكس فيبر إلى أن االنتماء القبلي سد الطريـق أمـام ظـهـوراfواطنة اfستقلة حتى في أثينا وروما. ورSا أمكن القول بصفـة عـامـة أنالهوية القبلية (أو العشيرة-األسرة) كانت دائما أشد العقبات في وجه تطوراإلحساس باالستقالل الذاتي للمواطن الفرد. وقد درجنا على ربط التنظيمالقبلي باألفارقة أو هنود أمريكاK وهذا غير صحيح. فكل اجملتمعات السابقةعلى ظهور اfدن كانت قبلية. وهذا هو السبب في أن هوية قـبـلـيـة مـعـدلـة

222

الغرب والعالم

احتفظت بأهميتها في كثير من اfدن القدCة كروما. وكانت اfدينة تعمـدفي بعض األحيان إلى تقن} النظام القبلي (ومن هذا القبيل تنظيم جماهيرالرومان للتصويت في «قبائل» إلى جانب زعماء «التربيون» اfنتخب} للدفاععن احلقوق العامة). وكثيرا ما أدى هذا إلى تعطيل االنتـمـاء الـفـردي إلـىاfدينة أو عرقلته. ولكن القبائل أنشأت-في بعض احلاالت-مدنا أقرب إلىاfدينة-الدولة الدCقراطية منها إلى الطائفة اfغلقة أو مجتمعات الرعايا.إذ كانت مدينة �بكتو األفريقية ومدينة اfكسيك األزتـيـكـيـة األولـىK عـلـىسبيل اfثالK مدينتي قبائل ظهرت فيها مشاركة السكان الكبيرة في شئوناfدينت}. ولكن حتى في هات} اfدينت} كان حكم الزعيم أو اfلك القبـلـي

هو األكثر شيوعا. إلىوقد كان fعظم الديانات دور في خلق الطوائف اfغلقةi Kا يـؤدي

التفرقة ب} أعضاء اfدينة اfتعددة األديان بدال من تعزيز هويتهم اfشتركة.فالهندوكية في اfدن الهندية القدCةK على سبيل اfثالK كرست الفروق ب}الطوائف اfغلقة التي تفصل ب} سكان اfدينة. إذ كان الهندوكيون قي دلهيمن البراهمة أو الكشاتريا والفاشيا أو الـسـودرا ولـيـسـوا «دلـهـيـ}». ويـعـدغيرهم من السكان أنفسهم مسلم} أو فارسي}. ولكنهمK مرة أخرىK ليسوابالدلهي}. وكما كان يهود بابل أو اإلسكندرية أو دلهي يعدون أنفسهم يهودا.Kشاركة اجلماعيةfشعورا با Kإلى حد ما Kسيحية والبوذية فقد غرستاfأما اأتاح لسكان اfدن فرصة التركيز على األهداف واحلاجات اجلمعيـة. وقـدكانت مدن الهند البوذية أقل انقساما عـلـى أسـاس طـائـفـيK وكـانـت تـفـوقاfدن الهندوكية أو اfدن التي أسسها الفاحتون اfسلمون في درجة قـربـهـامن �ط اfدينة-الدولة. غير أن البوذية أصبحت أكثر أهـمـيـة فـي الـصـ}منها في موطنها الهند. وقد وضعت الـصـ} عـقـبـات أخـرى فـي وجـه �ـوجماعة اfدينة اfترابطة. أما تلك اfدنK التي كانت مراكز دينية أساسا مثلمكة ومـدن اfـايـا فـي أمـريـكـاK فـقـد كـانـت تـشـجـع نـشـوء نـوع مـن جـمـاعـةاfؤمن};غير أن هذه اfدن كانت في الغالب «عواصم» للعقيـدة الـديـنـيـة الCكن أن تترك للسكان احمللي}. وقد أدار حكام اfسلم} وكهنة اfايا هذهاfدن إدارة مباشرة. بل إن الكهنة كانوا في بعـض مـدن اfـايـا هـم الـسـكـانالوحيدون-وكانت اجلماعة اfترابطة التي يشكلونها أشبه بسكان األديرة.

223

ا�واطن والرعية

ويبدو ماكس فيبر على حق في النهايةK فقد كان ثمة حـواجـز خـطـيـرةمبراطوريـةKحتول دون تطور اجلماعة احلضرية في معظم اجملتـمـعـات اإل

والطائفية اfغلقةK والقبلية في العالم الوسيط. لـقـد كـانـت هـذه اfـدن-فـيالغالب-رائعة متألقة وافرة اإلنتاجK ولكنها قلما أتاحت الفرصة للمـشـاركـة

ن سكانية على مستوى أكبر. ولم يـكالدCقراطية التي كانت توفرها القـرهذه اfدن يعدون أنفسهم مواطن}K ولم يشاركوا في تسيير شئون مدنهم.

جراءات الدCقراطية التيولم تعمل هذه اfدن على مواصلة التوسع في اإلKوإ�ا حدث ذلك في أوربا الغربية Kدن-الدول األولىfظهرت ألول مرة في ا

فلنعد إلى هناك.

إحياء املدن في الغرب: الكوميونةرSا كان الدمار الذي أحدثته الغزوات البربـريـة فـي الـغـرب هـو الـذي

. وإذا كانـتجعل إحياء روما أو أية حاضرة إمـبـراطـوريـة أمـرا مـسـتـحـيـالاحلياة اfدنية لم تتالش �اما بسقوط روماK فقد تالشت بظهور اإلسـالمفي القرن السابع على األقل. فلم يظـهـر حـيـنـذاك مـن Cـلـك سـلـطـة مـثـل

لطة وين تي فيعيد تنظيم اإلمبراطوريةK أو لم يبق منها مـا Cـكـن إعـادةسيزنطي جستينيان (القرن السادس) على تدوينتنظيمه. وعمل اإلمبراطور الب

Kوسعى إلى إعادة تنظيم إمبراطورية القياصرة الغربـيـة Kالقانون الرومانيجنازاتولكنها كانت قد �زقت بال رجاء. ثم تخلف الغرب بعد ذلك عن اإل

الرائعة التي أزجاها االستمرار للحضارة الصينية. لكن الغرب سنـحـت لـهفرصة االنطالق من جديدK وهي نعمـة نـادرة. فـقـد عـادت الـقـريـة مـركـزاللحياة الغربيةK وتسنى للغرب من جديد االعتبار بدروس اجلماعة القرويةاfترابطة. ومن تربة اfؤسسات القرويةK �ت احلياة اfدنيةK �وا تدريجيامستقال (بل Cكن القول: عضويا.(لـم يـكـن هـنـاك إمـبـراطـور يـضـع خـطـةدقيقة إلنشاء حاضرة جديدة متسامقةK ثم يستجلب لها الرعية. كان هناك

بعض األباطرة الروماني} اfقدس} الذين استطاعوا أحيانابطبيعة احلالأن يبسطوا حكمهم على فالحي إحدى الدويالت األfانيةK إال أنـه لـم يـكـن

قطاعي} من Cلك ثروات «وين تي». وكان هناك ملوكب} هؤالء السادة اإلآخرون يحسب حسابهمK وهم أكثر من أن نحصيـهـم بـاالسـم. وكـان هـنـاك

224

الغرب والعالم

أمراء وبارونات أقل مرتبة بسط كل مـنـهـم سـلـطـانـه عـلـى عـدة أمـيـال مـناحلقول وبضعة قرى. وبطبيعة احلال كان هناك البابـا. وهـكـذا اسـتـفـادت

قطاعي} وأخذتاfدن الغربية في العصور الوسطى من منازعات السادة اإلزمام اfبادرة في استخالص استقاللها القانوني.

KـةCـدن الـقـدfنـحـون اC وبعد القرن العاشر أخذ النبالء اإلقطاعيونن علىعلى نحو متزايدK استقالال وحكما ذاتيا كان في كثير من األحيان يدو

Kشكل ميثاق مكتوب. واكتسبت الـبـلـدان الـصـغـيـرة حـق إقـامـة سـوق دوريوسك العملةK وضبط اfوازين واfقاييسK ومحاكمة أبنائها من اfواطن} فيمـحـاكـمـهـا اخلـاصــةK وســن قــوانــيــنــهــا والــدفــاع عــن نــفــســهــا بــقــواتــهــا

أو اfدينة) burg (أي أهل البورج Burghers اخلاصة)اfليشيا). وكان اfواطنونيقدمون لرب اإلقطاع لقاء هذه احلقوق خدمة اfليشيا (العسكرية(في حالة

fكما كانت ا Kصنوعةالغزوfدينة توفر ألوانا من الصناعات اليدوية والسلع امحلياK بل السلع اfستوردة التي Cكنها أن ترتفع Sستوى أسلوب حياة رب

قطاع في ضيعته. وكثيرا ما كان األمراء ينشئون بلدانا صـغـيـرة جـديـدةاإلللحصول على هذه اfزاياK فضال عن الريع الذي يعود عليهم نتيجة لتأجيراألرضي التي Cلكونها. وخالصة القول: إن أرباب اإلقطاع كثيرا ما منحوااfدن الصغيرة احلرية السياسيـة مـقـابـل اfـسـاعـدة الـعـسـكـريـة واالزدهـاراالقتصادي والزيادة السكانية والثروات الثقافية التي ال تستطيع أن تقدمها

.أعظم القالع

وتاريخ نشأة اfدينة في العصور الوسطى حافل بقـصـص الـصـراع بـ}رب اإلقطاع ومواطني اfدنK فاfدن كانت دائما تطالب بحقوق تشكل تهديدا

قطاعي} البعيدي النظر. وقد ثبت في نهاية األمر أن القوةادة اإلحتى للسالعسكرية واالقتصادية للمدن كانت أخطر على النظام اإلقطاعي من البارود.غير أن النزاع كان يدور في الغالب علـى الـتـفـاصـيـلK فـقـد بـنـى كـثـيـر مـنالسادة مدنا جديدة وساعدوهاK ولكن ضعف النظام اإلقطاعي وفقـره والمركزيته هي التي مكنت من قيام اfـدن احلـرة. فـلـم يـكـن لـدى الـسـادة مـا

Cنحونه سوى األرض واحلقوق.كانت احلرية في الهواء الذي تتنفسه اfدينةK فالقن الذي كـان Cـضـيفي اfدينة فترة تزيد على السنة بيوم واحدK يصبح حرا بحكم القانون. ولم

225

ا�واطن والرعية

يكن على مواطن اfدينة أداء الرسوم واخلدمات اإلقطاعية. وكانت اfواطنةالعملK وحرية االتفاقذاتها تعني حرية التعاقدK وحرية احلركة واحليـازة و

والزواج دون احلصول على موافقة السيد ودون دفع رسوم. لقد حلت اfواطنةمحل روابط الدم واألرض واألسرة والتحالفات اإلقطاعية القدCة. وأصبح

نشاء حكوماتهم بحرية إلاfواطنون أفرادا لهم استقاللهم الذاتي يتجمعون معاوسن قوانينهمK ويتحدون في جهد مشترك ويتحالفون في روابط مشتركة

لصالح الكوميونه أو اجلماعة احمللية.يقول فيبر: «كانت مدينة العصور الوسطى «كوميونه منذ البداية»-وكان

ع مشترك أو جماعي بيت أشخاص متساوينK ال يقومميعني بذلك أنها جتعلى الوشائح األسرية أو العشيرية أو القبلية. وكلمة «الكوميونه» هي الكلمةاfناسبة للتعبير عن اfواطنة اfشتركة. فـمـعـنـى اfـدن األقـدم عـهـدا كـانـتتسمى نفسها «كوميونة فلورنسا»)أو كوميونة بيزا أو ميالنو أو أي بلد آخر).وiا له داللته أننا في أمريكا احلديثة ننظر إلى الكوميونة عـلـى أنـهـانقيض لالستقرار احلضري فمدننا تتسم بقـدر مـن الـطـابـع الـالشـخـصـيومن روح التنافس يجعلنا عاجزين عن تصور الكوميونة أو اجلماعة اfترابطةبعيدا عن الريف. وiا له داللة أيضا أن علماء االجتماع األمريكي}K حينماسألوا فيبرK في اجتماع في سنت لويس في أوائل هذا القرنK أن يحدثهمعن «اجلماعة الريفية» اfترابطةK أجاب بأن مثل هذه العبارة متناقضة معنفسها. فقد تبحر فيبر في دراسة تاريخ اfدينة إلى احلد الذي أدرك معه

أنها اfوضع الوحيد الذي جعل اجلماعة اfترابطة احلقيقية iكنة.مدن العصور الوسطى اfتأخرة وعصر النهضة: اfهرجانات واfشاركةأوجدت مدن العصور الوسطى وعصر النهضة اfتأخرة وبلدانها حـيـاةجماعية تنافس أفضل اfدن-الدول الـقـدCـة. عـاد اfـعـبـد أو اكـروبـول فـيهيئة كنيسة األبرشية التي لم تشيد Sرسوم إمبراطوريK وإ�ا بناها أهلاfدينة بأنفسهم. وكثير من األبراشيات في القرية أو اfدينة التي تضم أقلمن مائة أسرة كان لها كنيستها اخلاصة. وكانت الكنائس تسمى في الغالببأسماء القديس} احمللي} (وهي في الغالب أضرحة لهم). وكان بناء الكنائسوصيانتها مصدر إحساس بالعزة اfدنيةK حفز الناس على القيـام بـأعـمـالمشتركة. وكانت كنيسة القرية أو الكاتدرائية توفر الرعاية اجملانية واfلجأ

226

الغرب والعالم

وتتيح الفـرص لـلـتـأمـل ولـإلفـصـاح عـن الـروح االجـتـمـاعـيـة واالحـتـفـاالت.راء وبيوت اfسن} واfصحاتK التي كانتوأصبحت اfستشفيات وبيوت الفق

متاحة من قبل لألغنياء وحسبK أو لم تكن توجد إال في األديرةK أصبحتمن اfعالم اfتكررة في البيئة احلضرية اجلديدة-وهـي تـشـكـل فـي الـغـالـبجيرات مترابطة أحلقت بها كنيستها الصغيرة وحدائقها ونوافيرها. ويب}iفورد أن «كل ما تريد الدولة ذات السـيـادة أن حتـقـقـه اآلن عـلـى مـجـالواسعK سبق أن � إجنازه بشكل ودي وبإحساس أعمق باللحظة اإلنسانيـة

في مدينة العصور الوسطى».ولو نظرنا إلى مدن العصور الوسطى والدويالت (أول الدول-اfدنK (فيعصر النهضة لوجدنا أنها جماعات مترابـطـة أكـثـر أصـالـة iـا وجـد مـنقبل-حتى في أثينا القدCة. فقد كانت غالبية سكانها من اfواطن} األحرارالذين كانوا يعملون جنبـا إلـى جـنـب دون وجـود عـدد مـن الـسـكـان الـعـبـيـديقومون على خدمتهم. فقد جعلت اfسيحية للعمـل حـرمـة لـم تـكـن لـه مـن

عن موقف اfسيحيةBenedictine Orderقبل. وعبر رهبان الطريقة البندكتية بقولهم «إن العمل عبادة»K فكانت جمـاعـات الـعـمـال فـي أهـمـيـة جـمـاعـاتاfؤمن}. والواقع أن النقابات كانت في أول أمرها أخويات دينيةK وهي لـمتفقد صبغتها الدينية البتة. فكانت نقابات التجار واfنتج} تقوم على خدمةمصالح أعضائها ومصالح اfستهلك} بضمان جودة الصنعة واألسعار العادلةورخاء اfدينة االقتصاديK ولكنها أولت اهتماما iاثال إلعداد اfسرحياتالدينيةK وأدائها لسكان اfدينة وبناء اfدارس والكـنـائـس وقـاعـات اجـتـمـاع

اfواطن} وتزويد أعضائها بالتأم} واحلفالت واfهرجانات.Kدينة اجلمعية وإكسيرهاfهرجانات هي دراما حياة اfكانت االحتفاالت وافكانت اfناسبات الدينية واالحتفاالت بالسالم وحفالت الرقص التي تشرفعليها النقاباتK و إ�ام احلصادK وعودة إحدى السـفـن سـاfـة-كـانـت كـلـهـامناسبات للبهجة اجلماعية. وكانت اfسرحيات واfهـرجـانـات واfـسـابـقـاتالرياضية وحتى االستعراض تقوم جميعا على اfشاركةK ال عـلـى الـفـرجـة.

عرضا بأنتويرب فيAlbrecht Durerوقد وصف لنا اfصور ألبريشـت دورر القرن السادس عشر فقال:

«ويوم األحد الذي أعقب عيد رفـع الـسـيـدة الـعـذراءK شـاهـدت اfـوكـب

227

ا�واطن والرعية

احلافل ينطلق من كنيسة السيدة مر� في أنتويرب حيث اجتمع أهل اfدينةعن بكرة أبيهم من كل حرفة ورتبة وكلهم يلبسون أفخر ثـيـابـهـم ومـا يـلـيـقSقامهم. وكان لكل حرفة ونقابة شعاراتها التي تعرف بهاK وتخللت اfوكبالشمعدانات الضخمة الفخمة اfرفوعة وثـالثـة أبـواق فـضـيـة مـن الـطـرازالفرجني القد�. كما كان هناك أيضا كثير من الطبال} والـزمـاريـن عـلـى

الطراز األfانيK وكانت اآلالت تنفخ وتقرع بطريقة عالية صاخبة.ولقد شاهدت اfوكب Cر في الشارع والناس منتظمون في صفوفK كلواحد منهم على مسافة من جارهK ولكن في صفوف مـتـقـاربـة. كـان هـنـاكالصاغة والنقاشون والبناءون والنحاتون والنجارون واfالحون والصـيـادونواجلـزارون والـدبـاغـون والـقـمـاشـون واخلـبـازون واخلـيـاطـون واحلــذاءون.واحلقيقة كل أنواع الصناعK وكثيرون من أربـاب احلـرف والـصـنـائـع الـذيـنيعملون ليقيموا أودهم. وكذلك أصحاب احلوانيت والتـجـار وأعـوانـهـم مـنكافة األنواع. ويأتي بعدهم القناصة ببنادقهم وأقواسهم وسهامهمK واخليالةوالرجالة اجلند أيضا. ثم يأتي مشهد قاضي القضاة. ثم أتت فرقة ترتديالزي األحمر واfالبس اجلميلة الرائعة. ولكن كانت تتقدمهم الطوائف الدينيةوأعضاء بعض اfؤسسات (الدينية)K كل يرتـدي زيـه اخلـاصK وقـد ظـهـرتعليهم التقوى. كما اشترك في اfوكب جمع غفير مـن األيـامـى.... وجـاءتعربات يقوم فيها اfمثلون بتقد� االستعراضات على �اذج لسفن ومنشآتأخرىK ووراءها رهط Cثل جماعة األنبياء بترتيبهـم ومـشـاهـد مـن الـعـهـداجلديد.... واستغرق اfوكب من أوله إلى آخره ما ينيف على الساعت} قبل

.)٤(أن Cر على منزلنا ويجتازه»وعلى غرار العرض العسكري كان «الغناء والـتـمـثـيـل والـرقـص نـشـاطـايبتدعه الناس ويؤدونه بأنفسهم» وكان يتم تأليف اfوسيقى أساسا لصوتمع}-أي من أجل اfغن} ال من أجل السامع}. وكان لكل نقابة فرقة الكورالاخلاصة بها. وحتى األغنياء كانوا يصرون على أن من الشروط األساسيـةالالزم توافرها في أية وصيفة شـابـة أن تـكـون قـادرة عـلـى االشـتـراك فـي

الغناء العائلي; وأن تقوم بدور فيه.ورSا بدا ألول وهلة أن كوميونة اfدينة قد صممت من أجـل الـتـفـاعـلاالجتماعي ولـكـن الـواقـع أن الـروح االجـتـمـاعـيـة كـانـت تـرجـع إلـى انـعـدام

228

الغرب والعالم

التخطيط على نطاق واسعK بقدر ما ترجع إلى إنشاء اfياديـن والـسـاحـاتواألفنية واحلدائق العامة وترك مساحات من األرض خالية مفتوحـة. ولـمتنشأ تلك اfساحات الواسعة اخملصصة لالجتماعات واfشي �جيدا لهيلماناألمير أو تيسيرا حلركة اfرور (كمـا كـان احلـال فـي مـدن عـصـر الـبـاروكاfتأخرة) بل جاءت على شكل حتسينات متدرجة أجراها اfواطـنـون وأدتإلى زيادة ترابط اجليرات ال إلى إلغائها. بل إن شوارع العـصـور الـوسـطـىاfتعوجة ذاتها أدت إلى توثيق عرى اجليران وجتديد اfنظر عند كل انعطاف.ولقد ذكر أحد اfؤلف} في القرن الرابع عشر وهـو يـثـنـي عـلـى مـديـنـةبافيا (وهذا أسلوب أدبي جديد اكتسب شعبـيـة يـشـهـد عـلـى مـدى اعـتـزاز

يطالية البالغ عددهم خمس} ألفـاالناس Sدنهم) «إن أهل هذه اfدينة اإلKأجيب لتـوه Kيعرف بعضهم بعضا معرفة وثيقة. فإذا سأل أحد عن عنوانولو كان اfسئول يقطن في أقصى أرجـاء اfـديـنـةK وذلـك ألنـهـم يـجـتـمـعـونمـرتـ} فـي الـيـومK إمـا فـي حـوش الـكـومـيـونـه أو فـي مـيـدان الـكـاتـدرائـيــة

.)٥(اجملاورة»وفي بعض اfدن (وهي في العادة أصغر من بافيا) كان األهالي يعقدونجمعية عمومية لسن القوان} على نـحـو مـا كـان يـفـعـل مـواطـنـو أثـيـنـا فـيااليكليزياK وان كان يغلب أن ينتخب اfـواطـنـون فـي اfـدن الـتـي يـزيـد عـددسكانها عن عشرين ألف نسمة iثليهم (fـدة ال تـزيـد عـن سـتـة شـهـور أوسنة) للقيام بدور اجمللس التشريعي. وقد تعهد إحدى النقـابـات أو إحـدىاجليرات اfترابطة إلى أحد أفرادها (تختاره باالنتخاب أو بالقرعة) بالقيامبهذا العمل أو تنتخب آخرين لهذا الغرض. وكانت عملية االختيـار تـتـبـايـن

يطاليةتباينا شاسعاK كما كان يختلف حجم اجملالس. فكان لدويالت اfدن اإل أو ألف مواطن (كان مجلس مدينة٤٠٠في الغالب «مجلس كبير» مكون من

K٤٠ مواطن) ومجلس داخلي مكون من نحو ١٦٠٠ مكونا من Modenaمودينا مواطنا. ولم تكن اجتماعات اجملالس الكبرى مقتصرة على الـشـكـلـيـات أو

٦٠٠التصديق السلبي على القرارات. فقد اجتمع مجلس مكون من حوالي لبحث العالقات اfتدهورة مع فرنسا خطب فـيـه١٢٩٢عضو في جنوا عام

أكثر من مائة من أعضاء اجمللس أثناء جلسات دامت سبعة أيام.KـةCشاركة السياسية فاقت مثيلتها في أثينا القـدfوال شك أن درجة ا

229

ا�واطن والرعية

إذا نحن وضعنا في احلسبان اتساع عضوية الكوميونـة والـغـيـاب الـنـسـبـيللعبيد. وقد ذهبت بعض التقديرات إلى أن فلورنسا كانت جتتـذب سـنـويـا

ألف نسمةK ألفا للمنـاصـب الـعـامـة. وال٩٠من ب} سكانها البالـغ عـددهـم شك في أن اfدن األصغر كانت تتطلب نسبة أكبر للخدمة العامة. وقد ورد

وظيفة عامة من بينهـا٨٦٠ ذكـر ١٢٥٧ لعام Sienaفي ميزانية مدينة سييـنـا من العسسK وغيرهم iن Cكن أن نطـلـق عـلـيـه اسـم «الـشـرطـة» وال١٧١

يتضمن العسكري}-وهذا في مدينة ال يتجاوز عدد البالغ} من الذكور فيهاخمسة آالف.

Kوظفون الذين يتقاضون أجوراfا يقدمه اi غير أن هناك دليال أقوىعلى حيوية احلياة اfدنية هم أولئك اfواطنون الذين لم يكونـوا يـتـقـاضـونأجراK وكانوا يلقون بخطبهم في اجمللس ويقترعون على كل ما يخطر بالبالمن شئون اfصلحة العامة. وانه ليتعذر علينا أن نتخيل كيف أمـكـن لـهـؤالءاfواطن} أن يجدوا الوقت الكافي وسط مشاغلهمf Kعاجلة كل اfـشـكـالتاحمليرة اfتعلقة بالسياسة العامة. واجلواب هو أن حياة الـكـومـيـونـة كـانـتجزءا مهما للغاية من عملهم. فاألخذ والـرد فـي اfـنـاقـشـةK وأعـبـاء اتـخـاذ

من التدريب اfدني الالزم حلياتهم في اfدينة.القرارK كانت كلها جزءاوبالنظر إلى أن اfدنية-الدولة كانت جتمع إلى كونها مديـنـة أنـهـا دولـةمستقلة (مع وجود ريف يكتنفها وقرى وبلدان صغيرةK إما متحالفة معها أوخاضعة لها) فقد كانت أمور احلرب والسالم ذات خطر بالغ. بيد أن مضابطمناقشات اجمللس (وكانت تسجل بعناية على يد أحد موثقي اfدينة الذيـنيبلغون العشرات وأحيانا اfئات) تشهد باالتساع اfذهل لنطاق االهتماماتوالقوان}. ورSا يلي ذلك االهتمام بالصحة والنظافة. فلم يكن في مقدور

دون احلصول على إذن خاص بذلك.١٣٠٩أحد أن يبني في سيينا في عام «ال يستطيع إنسان أن يهدم بيته إال بهدف بناءCremonaوفي مدينة كرCونا

. وأصدرت معظم الكوميونات أوامر تنص على ضرورة تنظيف)٦(بيت أفضل»الشوارع بشكل دوريK و�نع التخلص من الفضالت كيفما اتفقK أو تلويـث

باغ} من تلويث مصادر اfياه العامة أو تعليقاغ} والداألنهارK و�نع الصباألقمشة واجللود في الشوارع.

وانطالقا من االفتراض القائل إن بذخ الثرى اfـتـالف يـلـحـق اخلـسـارة

230

الغرب والعالم

ما صدرت تشريعات ضد األكل بشراهة في احلاناتبالشعب الفقير فكثيراأو ارتداء تيجان مطعمة بالآللئ بشكل مبالغ فيه. وعندما أصبحت الفروقKثلي أحزاب الشعب عـن أصـوات الـنـبـالءi الطبقية حادة وزادت أصواتKوازنة القوة االقتصادية لألثرياء. وهكذاf بذلت محاوالت الستخدام التشريعKكنهم دائما البحث عن طريقة لشراء حريتـهـمC فانطالقا من أن األثرياءفإن احلزب الشعبي جعل الغرامات اfفروضة على األغنياء ضعف أو ثالثة

أضعاف الغرامات اfفروضة على الفقراء عن اخملالفة نفسها.

مدينة عصر النهضة: مدرسة للفنلم تكن الكوميونة تربية في السياسة واحلكم والعـالقـات االجـتـمـاعـيـة

من «شغل»وحسبK وإ�ا كانت مدرسة للفن أيضا. وكان جمال اfدينة جزءات مواطنو فلورنسا ليقرروا نوع العامود الذي يجب تشييدهاfواطن. فقد صو

في كاتدرائيتهم. وال شك أن هذا النوع من اfسئولية التي اضطلع بها أهلفلورنسا لم يحولهم جميعا إلى نقاد فنK لكن ال بد أنه ارتفع بنفوس الكثيرينومشاعرهم اجلمالية. وما كان أسهل أن تلجأ مدينة ليوناردو دافنشي وميكلأجنلو إلى «اخلبراء» لكن اfدينة التي حتيل كافة مسائل الذوق إلى مسائلخبرةK وتؤجر احملترف} للبت في شأنهاK تنتهي بأهلها إلى بالدة الشعور.وقد كانت اfدنK مثل فلورنساK تستأجر الفنان} مثلما تستأجر مـدنـنـااfهندس}. فقد كلفت فلورنسا جيوتوK مصور عصر النهضة العظيمK الذييقول عنه الكثيرون اليوم بأنه مؤسس األسلوب احلديث في التصويرK بعمارةكثير من الكنائس واألسوار واجلسور. فعمل على تنفيـذ رغـبـات اجلـمـهـوركما وسع مداركه. واعتمدت فلورنسا على حرفييها وفنانيها احمللي} لعمارة

شراف على اfباني العامةK فقد كان الفنان حرفيا من احلرفي}الكنائس أو اإلاآلخرين اfتوقع منهمK كسائر اfواطن}K أن يبذل بعض جهده للوفاء بحاجاتKدن التي كانت تستقدم الفنان} لهذا الغرض من خارجهاfاجلماعة. وفي اكمدينة اوفيينواK كان اfواطنون يرحبون بالوافد بإعفائه من الضرائب fدةتتراوح ما ب} خمس سنوات وخمس عشرة سنة-على نحو ما جتذب مدننا

رجال األعمال.وحتى اfدن-الدول التي كان اهتمامها موجها إلى االقتصاد كفـلـورنـسـا

231

ا�واطن والرعية

والبندقية كانت حتفا فنية. صحيح أن كبار الـتـجـار ورجـال اfـال والـبـنـوك(كآل مديتشي بفلورنسا) رSا كانوا يديرون ويوجهون األعمال اfالية fلوكوأ� في أماكن نائية. ولكن جمال الساحات واfباني العامة في مدنهم كانفي كثير من األحيان أهم من جدواها التـجـاريـة وقـد قـرر مـجـلـس مـديـنـةسيينا إنشاء حديقة كبيرة عامة في وسط اfدينة بحماس ال يعـادلـه سـوىحماس مجلس بلدية مدينة حديثة حصل على صفقة رابحة لـبـنـاء مـوقـفللسيارات في وسط اfدينة أو عمارة شاهقة للمكـاتـب أو مـركـز لـلـتـسـوق.

ويعود هذا احلماس:«إلى أن جمال اfدينة هو أهم األمور التي يجب أن يهتم بها الـقـائـمـونعلى حكمها ومن ثم فإن وجود حديقة عامة أو ساحة مفتوحة لتدخل الفرحوالسرور على قلب القريب والغريب هو من أهم أشكال اجلمال التي تسـر

. وفي رأي مجلس مدينة سيينا أن اجلمال كان ضـروريـا)٧(الع} في اfـدنلبيوت اfسئول} في الدولة ضرورته لألماكن العامة.

«انه fن أعظم دواعي الشرف للكوميونات اخملتلفة أن يسكن كبار موظفيهافي مساكن جميلة مشرفة وذلك من أجل صالح الكوميونةK من جـهـة وألناألجانب يزورونهم لقضاء أعمالهم من جهة أخرى. وتولى الكوميونة (سيينا)

)٨(هذه األمور من االهتمام ما يتفق مع مكانتها»

إن حالة سيينا وفلورنسا لتثبت لنا قدرة اfدن-الدول الصغيرة اfستقلةعلى أن حتتفظ بالروح اجلماعية والدCـقـراطـيـة لـلـقـريـة دون أن تـخـضـعبالضرورة للضجر والركود الذي تتسم به احلياة في القرية غالبا. فكـانـتهاتان اfدينتانK من النواحي الثقافية والفنية والفكريةK أكثر دينامية وإبداعيةمن معظم اfدن السابقة أو الالحقة أيا كان حجمها. فاجلماعة اfترابطة ال

تعني اfسايرة واخلضوع بالضرورة.والشيء الرائع هو أن سيينا أو فلورنسا لم تكتفيا بإنتاج عمـالـقـة مـثـل

وميكيافللي ولـيـونـاردوBotticelli ودانتي وبترارك وبوتشيلـلـي Giottcجيوتـو دافنشي وميكل أجنلو وهم قليل من كثير-بل خلفت أيضا بيئة أصبحت فيهاالعبقرية أشبه بالنظام الراسخ اfستتبK وأصـبـحـت فـيـهـا شـيـئـا مـتـوقـعـا.فاخلدمة العامة اfطلوبة من الفنانK وتشجيع آل مديـشـي الـشـخـصـي فـيالقرن اخلامس عشر للفنان} والفالسفةK جعلت الفن والعقل مصدر الهام

232

الغرب والعالم

للجميع. فاfدارس (التي يحتمل أن يكون نصف سكان فلورنسا من الذكورقد التحقوا بها) واfكتبات (التي كان من بينهـا أول مـكـتـبـة عـامـة) ومـعـهـد

الفني (حيث تعلم الفتى ليونـاردو اfـيـكـانـيـكـاVerrocchicوستوديو فيـركـيـو والرياضة واfوسيقى. كما تعلم العـمـارة وصـب الـبـرونـز وصـيـاغـة الـذهـبوالتصوير والنحت)K ومدرسة لورنز ومديتشي العـلـيـا لـلـنـحـت (الـتـي درسفيها ميكل أجنلو) واfدينة ذاتها كل هذه كانت دروسا حية fثل أعلى جديد:

هو اجلمال والتعبير اخلالق بوصفها غاية حياة اإلنسان واجلماعة.بداع ال يزال iكنا في مدينة تقوم على احلياة اجلماعية اfشتركةKإن اإل

وحتتل فيها الثقافة نفس أهمية األعمال التجارية. فماذا بشأن اfدن الكبرى?هل قيام اجلماعات احمللية اfترابطةK واحليـاة عـلـى نـحـو إنـسـانـيK أمـران

مستحيالن في اfدن الكبيرة?

مدينة عصر النهضة: دروس البندقيةإن واحدة على األقل من اfدن-الدول في عصر النهضةK ولعلها أجملهاجميعاK تستطيع أن جتيب عن السؤال السابق بالنفي. فجمهورية البندقيةوجدت طريقا للحفاظ على األبعاد اإلنسانية للمجتمع احمللي اfترابط فيمدينة كبيرة مزدهرة. وقد � هذا ال بحكم الضـرورة وحـسـبK بـل بـفـضـلالبصيرة اإلنسانية. فكل جزيرة من اجلزر التي تشكل مدينة البندقية تفصلهاالقنوات ومياه البحيرات التي تكتنفها. وفي كل جزيرة مجموعة من الناستشكل جيرة مترابطة لها أبرشية وميدان ومدرسة ودار للحرفي}K إذ كانتكل جزيرة في األصل مقرا إلحدى نقابات اfدينة السـت. ومـع �ـو سـكـان

يل إلغاء األحياء األصلية بتجفيف اfياهالبندقية وازدهارها كان من اfستحالتي تفصل بينها. وبالتالي كان البنـادقـة مـن الـذكـاء بـحـيـث سـمـحـوا لـكـلجزيرة بأداء الوظيفة التي جتيدها. فأصبحت إحدى اجلـزر مـركـزا لـبـنـاءالسفنK وكانت تبنى السفن التجارية واحلربية باستخدام نظـام «لـرصـيـفالعمل اfتحرك»K في القنوات كان مثار دهشة الزوار. وكانت هذه اجلزيرةتسمى بالترسانةK وتـضـم مـأوى لـلـعـمـال فـي حـوض الـسـفـن والـقـضـاة (أواfسئول} اfنتخب}) وطبقة اfواطن} األثرياء التابعة للمدينة. وفي جزيرةأخرىK هي جزيرة مورانوK تأسست صناعة الزجاج البندقـي Sـرسـوم مـن

233

ا�واطن والرعية

. واستوطن فيها العمال والتجار والفنانون العاملون١٢٥٥اجمللس األعلى عام في هذه الصناعة. ومرة أخـرى كـانـت لـهـم تـنـظـيـمـاتـهـم احملـلـيـة اخلـاصـةوأسواقهم ومرافقهم. وبهذا فإن حي األعمال التجارية واحلي اإلداري اfركزيلم يزدحما لدرجة االختناق. وأصبح هـذا احلـيK الـذي يـضـم أكـبـر اجلـزرK{مـركـز الـتـجـار الـدولـيـ Kوالذي يقع حول كـنـيـسـة سـانـت مـارك Kمساحةواحلوانيت واfطاعم اfتخصصة والفنادق والسياحة وأمور اfدينة السياسيةبأسرها. كما أصبح اfيدان األكبر أمام كنيسة سانت مارك وقـصـر الـدوق

داري مسرح احتفاالت تضم اfدينة بأسرها. فكان كافة األهالي يتمتعوناإلبه دون أن يضطروا إلى االنتقال إليه يوميا للعمل أو التسوق. أخيرا كانـتاألحياء التي تضمها اجلزر األخرى تتجمع وفقا لالهتمامـات الـتـي تـشـغـلالناسK كالدين (دير سان جيوروجيو)K أو اfدفن (مقبرة تورسيللو)K أو حتى

«البالج» (الليدو) كما حدث فما بعد في القرن التاسع عشر. البندقيةLe Courbusierلقد وصف اfعماري احلديث العظيم لي كوربوزيه

بأنها «درس واضح خملططي اfدن»K فهي تب}K حتى في يومنا هـذاK كـيـفCكن احلفاظ على اجملتمعات احمللية اfترابطةK وكيف أن تقسيـم اfـديـنـةإلى مناطق على أساس الوظيفة Cكن أن ينـظـم أشـغـال اfـديـنـة اخملـتـلـفـةوكيف Cكن فصل الطرق الكبرى عن الشوارع احملليةK وكف Cكن fنطـقـةحفرية كبيرة أن تتجنب �و اfناطق الشديدة الكثافة والتي �تد عشوائيا.فقلما زاد عدد سكان البندقية عن ذروة العدد الذي وصلوا إليه في عصر

ألف نسمة. وال تزال العربات iنوعة من جتاوز مـدخـل١٩٠النهضة وهـو اfدينة. وبوسع ساكن اfدينة أو السائح أن يستقل عوامة سريعة مخصصةللجمهورK لتمخر به القناة الكبرى أو تخرج به إلى إحدى اجلزر الصغرى أوأن يكترى جندوال يتجول به. وبوسعه ح} يكون في اجلزيـرة أن يـسـيـر إن

ما يعادل مترو األنفاق أو األتوبيـس أو مـوقـفشاء. ويوجد في اfاء دائـمـاالتاكسي. ثمة مواضع للمشيK ومواضع للركوب; فالبحـر قـد اضـطـر أهـلالبندقية إلى التفرقة ب} الوصول إلى مكان ما واجلود فيه. ومن ثم احتفظ

«كل موضع قائم» بهويته اfميزة وطابعه احملليK وحياته اfشتركة.إن البندقية تقدم النموذج الذي Cكن أن تقتدى به أية مدينة كبيرة. وإنلم تكن ملزمة باتباعه حرفيا. و�وذج البندقية قد يالئم مدينة يبلغ حجمها

234

الغرب والعالم

Kواصالت العامة السريعةfحتى بعد أن أدخلنا نظام ا Kعشرة أو عشرين ضعفاوحتى بعد أن أدخلنا الطرق السريعة ذات التكلفة االجتماعية العالية. وبوسعنااليوم أن نضع fدننا تصميمات حتقق ما أجنزته البندقية بطريقة طبيعية.فاfتنزهـات الـواسـعـة أو الـغـابـات أو الـبـحـيـرات أو األنـهـار (بـدل الـقـنـواتوالبحيرات) Cكن أن تريحنا من االمتداد العشوائي وأن تصبح مالذا للسكاناحمللي}. وCكن للوظائف اخملتلفة أن تفصل ب} األماكن اخملتلفة دون أنترغم الناسK في الوقت نفسهK على قطع مسافات طـويـلـة إلـى أعـمـالـهـم.وCكن تصميم اfناطق الفضاء بحيث تصلح للتفاعل االجتماعي والنشـاطالعام والسير والتجوال. غير أننا اليوم نحول كل زقاق إلى شارع وكل شارعإلى طريق رئيسيK وكل منطقة محلية إلى مجموعة مبان. وقد نسينا اfشيوأصبحنا جنهل جيراننا ونهتدي إلى طريقنا بأن نعد الشوارع اfرقمة. وكل

K وCتد اfلل ألميال عدة. لقـد فـقـدتجزء في اfدينة يشـبـه اجلـزء اآلخـراfدينة بعدها اإلنسانيK ولم تعد مدينتنا.

املدينة منذ عصر اجملتمعات احمللية: عصر الباروك والتفتيتأصاب جماعة اfدينة-الدولة في القرون القليلة اfاضيـة شـيـئـان. لـقـدفقدت استقاللهاK وفـتـتـهـا-جـزأهـا حـكـامـهـا اجلـدد الـوافـدون مـن اخلـارجبالشوارع والطرق والشوارع العريضة لتسهيل الدخول والتحكـم واخلـروج.والتطوران مرتبطان على نحو واضح: لقد ضاع االستقالل في الطرقات.وال تزال هناك بضعة مدن-دول باقيةK إذ احتفظت أماكن مثـل مـونـاكـو

على األقل بالكثير من استقاللAndorraU واندوراLichtensteinوليختنشتاين اfدن-الدول. وال تزال كثير من اfدن السويسرية حرة تتمتع باحلكم الذاتيإلى حد ما. ولكن اfدينة-الدولة بصفة عامة قد ذوت وصلت محلها األمة-الدولة. فاfدن حتكم من اخلارج-أوال من جانب األمراء واfلوك الذين قاموابدمجها وحولوها إلى عواصم وحولوا مواطنيها إلى رعايا في األ�-الدولاجلديدةK ثم من جانب احلكومات الوطنية. وأخـيـرا مـن جـانـب الـشـركـاتاحمللية أو اfتعددة اجلنسية. إن اصطالح «اجلماعة احمللية اfشتركة» يشيراآلن إلى شيء مختلف �اما عن جتمع اfواطن} في مجلس اfدينةK فبوسعاجلماعة اfشتركة اfترابطة أن حتكم عدة مدنK ولكنها ال تدين بوالء خاص

235

ا�واطن والرعية

ألي منها على وجه التحديد.على أن مدينة اجلماعة اfترابطة قد هزمت قبل نشأة رأسمالية الشركاتأو الثورة الصناعية بفترة طويلة. إذ ضحى بها ملوك األمة-الدولة ووزراؤهاإبان محاولة عصر الباروك الوصول للسلطـة والـثـراءK وبـشـكـل مـا هـزمـتاfدن-الدول نفسهاK فقد جربتK مثل اfدن-الـدول الـيـونـانـيـةK الـتـحـالـفـاتواالحتادات. وكان يلوح أن تنظيما كبيرا للمدن مثل هـذا أصـبـح ضـروريـا.

كانت توجد في نصف مساحة إيطاليا واليات حتكم نفسها١٣٠٠ففي عام . وكثيرا١٩٣٣ذاتيا يفوق عددها عدد كل اfدن-الدول في العالم بأسره عام

ما أفضى التنافس ب} تلك الواليات إلـى احلـرب. ولـكـن حـتـى فـي أوقـاتالسلم كانت هذه الدويالت عاجزة في الغالب عن احلفاظ على السالم فيالريف أو إبرام اتفاق بـشـأن تـوحـيـد الـقـوانـ} أو الـنـقـد أو وحـدات الـوزنوالقياس. وكان استقالل اfدن مصدر إحباط بصفة خاصة للطبقة الناشئةمن التجار احمللي} والعاfي}: وعلى سبيل اfثالK ازداد عدد اfكوس الـتـي

١٩كان يدفعها التجار ألرباب اإلقطاع والبلديات على طول نهر الراين من ضريبة في نهاية القرن الرابع٦٤ضريبة في نهاية القرن الثاني عشر إلى

عشر.لم يكن االحتاد الكونفدرالي-مستحيال بل إنه أحرز جناحا ملحوظا فيسويسرا وهولنداK وإن لم يكن بديال مطروحا أينما كانت هناك ملكية قويةموجودة من قبل كما هو احلال في إجنلترا. ولكن حتى في إيطالياK حـيـثكان اخليار اfطروح هو التحالف مع اإلمبراطور أfاني أو ملك فرنسي من

يطاليون في الـغـالـبجهةK أو االستقالل اfدني-من جـهـة أخـرىK اخـتـار اإلاfلك األجنبي. ورSا يعود هذا االختيار إلى االنقسامات فيـمـا بـ} اfـدن-الدول اإليطالية. وكانت الفروق الطبقية واالقتصادية آخذة في التزايد إبان

ضةK األمر الذي كان يرغم النبيل أو التاجر أو احلزب الشعـبـيعصر النـهمن الدخالء «غير اfنتم}» على الدخول في مساومـات مـن أجـل الـتـدخـلاخلارجي. وقد ظلت البندقيةK وهـي واحـدة مـن أكـثـر اfـدن-اجلـمـهـوريـات

.١٧٩٧ثباتا وأقلها دCقراطية في إيطالياK مستقلة حتى غزو نابليون لها عاموفي بعض اfدن دخل التجار وأصحاب احلوانيت والصناعات الوطنيةوالصيارفة في حتالف مع اfلوك حتى يصبح االقتصاد القومي أكثر كفاءة.

236

الغرب والعالم

صالح البروتستنتي مصالح اfلوك واألمراء القومية على حسابوقد خدم اإلاستقالل اfدن في أfانيا واسكندنافيا وإجنلترا (وإن لم يكن في سويسرا أواfستعمرات البريطانية). ولكن لعل أكثر الدول القومية مـركـزيـة هـي تـلـكالتي أقيمت في الفترة من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر في

ت عاصمةفرنسا وأسبانيا والنمسا الكاثوليكية وروسيا. وعلى كلK فقد حلاfلك محل الكوميونة عندما أصبحت األمة-الدولة الشكل السائد للتنظيـمالسياسي. وأصبحت العاصمة أيضا قادرة على توحيد الدولة بتحكمها فيالطرق الرئيسية للتجارة والبيروقراطية واجليوش احملترفة. لقد احتكرتالعواصم وتوابعها (حيث يحكم بالط اfلك) كل الزيادة الـسـكـانـيـة تـقـريـبـالنفسها في الفترة من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر. فـبـلـغسكان العواصم مئات األلوف (وكاد العدد يصل إلى اfليونK في لندن وباريس)في ح} اضمحلت اfدن العريقةK ولم تنشأ إال مدن جديدة معدودة (خارج

اfستعمرات).وكثيرا ما كانت اfدن القدCة تتغير واfدن اجلديدة تنشأ على يد ملكواحدK كما فعل هنري الرابع فـي حـالـة بـاريـسK ولـويـس الـرابـع عـشـر فـيKوبطرس األكـبـر فـي سـان بـطـرسـبـرج Kوايفان الثالث في موسكو Kفرسايوفيليب الثاني في مدريدK وهانيويل في لشبونة. وبنيت القصور الفخمة أوأعيد تصميمها وتوسيعها حسب طراز الباروك وطموحاته: الثراء والعظمةواإلسراف والنظام والسلطة لترويض النبالء ولتخويف الشعب. فتجمـعـت

لقصر في وسط اfدينة البيوت اجلديدة الكبيرة اخلاصة بـالـطـبـقـةحول ااألرستقراطية (حتت رقابة اfلك)K واfباني البيروقراطية الرسميةK وقلـعـةاجليش. وصمم كل شيء-عن عمد-Sقياس يجاوز مقاييس احلياة اإلنسانية:فكانت النتيجة مباني ضخمة ال Cكن للبشر العادي} االقتراب منها. ومازالKجتانس األقواس واألعمدة وشكل احلوائط والنوافذ التي تبدو بال نـهـايـةKدينـة احلـديـثـةfمازال ذلك منظرا يبعث على اجلزع أو الرهبة. إن رتابة اوقسوتها وانعدام هويتهاK ليست أمورا عارضة وال تلقائية. فلقد طلب بطرساألكبر أن تكون االثنتا عشرة بناية الضخمة الـتـي تـضـم اfـكـاتـب فـي سـانبطرسبرج متماثلة �اما. وقد أعطى هنري الرابع وزيره اfسئول عـن شـقشارع في باريسK التوجيه التالي: «سأكون في غاية السرور إن أوليت اهتماما

237

ا�واطن والرعية

خاصا لهؤالء الذين سيشرعون في بناء منازلهم على هـذا الـشـارع بـحـيـثيجعلون واجهاتها متماثلة. فإن هذا الشارع سيسر ع} الناظر حينما تكون

ية اجلسر. إن ما يهم هو اfنظر الذيله واجهة واحدة iاثلة iتدة من نهايراه اfلك. وما يفضله Cتد من اfباني اfنتظمة اfتماثلة إلى اfباني اfماثلة

اfفرطة في الضخامة.لقد كان بناء اfدينة على طراز الباروك أشبه بتصميم خشبه اfـسـرح.وفي احلقيقة كانت نقطة البداية لدى الكثيرين من اfصممـ} اجلـدد هـيKكـمـا قـال أحـدهـم Kـلـكfسرحية. إن مدينة اfناظر والدعامات اfتصميم ايجب أن تكون «أشبه ببناية واحدة»K ولـعـلـهـا اfـسـرح. وكـل شـئ كـان يـبـنـىإلحداث تأثير ما. فالبانوراما العريضة من األعمـدة اfـمـتـدة دون انـقـطـاع

لع} إلى القصر بوصفه النقطة اfركزية البعيدة. والتصميم اfثاليجتذب اللشارع الذي يرضي ذوق عصر الباروك كان دائريا (وهو تصميم اقـتـرحـهKسرحي اليوناني أريستوفانس منذ حوالي ألفي عام تقريبا كنكتةfالكاتب اإذ كان يظن أن الفكرة التي ترمي إلى توجيه حركة اfرور كلها إلى النقطةنفسها حتى تتصادم العربات هو سخرية واضحة للغاية من جنون العظمةالذي يعاني منه اخملططون القدماء). إن الشوارع الواسعة التي تلتقي كلهاعند القصر أو القلعة أو األقواس التذكارية الضخمة هي طريقة مسرحيةجلذب االنتباه إلى سلطة اfلكK ولكنها كانت أيضا طريقة عملية للحـفـاظعلى تلك السلطةK إذ Cكن للقوات أن تسير من اfنطقة الرئيسـيـة فـي أياجتاه لتقوم بعرض عسكري أو لتشن هجوما. وقد فرق اfهندس اfعمـاريألبرتي ب} الشوارع الثانوية والشوارع العريضة الرئيسيةK وأطلق على اآلخرين

. ونصح مهندس معماري آخـر بـأنـه Viae militaresاسم «الشوارع احلربـيـة»تكون كل الشوارع واسعة إلى احلد الذي يضمـن «إال يـكـون فـيـهـا مـكـان ال

تبلغه اجليوش بسهولة ويسر».إن الطريق الواسع يفيد أيضا في إزالة شبكة الشوارع اfلتوية التي تعودإلى العصور الوسطىK والتي Cكن أن يقيم فيها بقايا اfدافع} عن احلريةاfدنية متاريسهم. وكما ب} iفورد: «ال يستطيع اجلنود أن يطلقـوا الـنـارعند اfنحنياتK كما ال يستطيعون أن يحموا أنفسهم من الطوب الذي يلقىعلى رءوسهم مباشرة بقوة من قمم اfداخن: فهم يحتاجون إلى فراغ ليتحركوا

238

الغرب والعالم

.)٩(فيه»فـإذا كـان أسـلــوب الــبــاروك فــي تــخــطــيــط اfــدن يــذكــرنــا بــعــواصــم

دCةK فما ذلك إال ألن حكامه عملوا على محاكاة الفراعنةاإلمبراطوريات القfلك الشمس»والبطاfلك لويس الرابع عشر نفسه «اfة والقياصرة. لقد عد ا

وجعل منظريه وكتابهK شأنه في هذا شأن اfلوك األقل شأنا في تلك احلقبةيلفقون نظريات جديدة عن احلكم اfطلق و «احلق اإللهي» وهي أفكـار لـم

بالرغـم مـن أنيجرؤ أوربي على طرحها منـذ عـهـد الـقـيـاصـرة الـرومـان. وبعض كوميونات العصور الوسطى قد أدارت شئونها دون حاكم مـحـدد (أوسلطة نهائية)K وأن كثيرا غيرها عد الشعب أو القانون السيد الوحيدK فقد

بأن الدولة احلقةJean Bodinاحتج اfنظرون اجلددK من أمثال جان بودين ال تقوم لها قائمة دون وجود حاكم يباشر «سلطانا على اfواطن} والرعايا

ال يحده القانون». سنـهK وحـلـت الـبـرfـانـات٣٠٠وقد اندثـر الـبـاروك كـأسـلـوب فـنـي مـنـذ

والكوجنرسات ورؤساء اجلمهوريات ورؤساء الوزارات محل اfلكيات اfطلقةفي القرن} األخيرينK وأصبح رؤسـاء الـدول الـذيـن يـعـدون أنـفـسـهـم فـوقالقانون معدودين. غير أن معظم مدننا تنحدر مباشرة من عصب عواصمالباروك. كما أن الدولـة ذات الـسـيـادة هـي فـي الـغـالـب مـسـتـبـدة كـاfـلـوك

اfستبدينK وال زالت احلياة في اfدينة تعني اخلضوع للدخالء:«إن عبادة السـلـطـة فـي عـصـر الـبـاروك كـانـت أكـثـر صـالبـة حـتـى مـنأيديولوجية العصور الوسطى. فقد ظلت هذه العبادة قائمة وامتد تأثيرهاإلى جوانب أخرى للحياةK وخلقت أكثر من نابليونK ال في حقـل الـسـيـاسـةفحسب بل أيضا في األعمال التجـاريـة واألمـور اfـالـيـة.... وقـد اكـتـسـبـتاجليوش واحلكومات واfشروعات الرأسمالية الروح والشكـل اfـمـيـز لـهـذأالنسق في كل أبعاده اfتضخمة.... وظل التخطيط احلفري ذاته حتى القرنالعشرينK في العواصم واحلواضر الكبرى على األقلK يعني أساسا التخطيط

(×١٠)بأسلوب الباروك: من طوكيو ونيودلهي الى سان فرنسيسكو»

لقد كانت اfـديـنـة مـن طـراز الـبـاروكK وال تـزال إحـدى الـوسـائـل الـتـييستعرض بها احلاكم سلطانهK وكانت بالنسبة للملـوك اfـسـتـبـديـن Sـثـابـةاfسرح الرئيسي الذي يقدم عليه هذا االستـعـراض. ولـعـل احلـكـام اجلـدد

239

ا�واطن والرعية

والدولة الوطنية ذات السيادة والشركات الدولية لم يعودوا في حاجـة إلـىاfدينة كساحة لالستعراض. فبوسع الشركات أن تبني فرساي اخلاصة بهاعلى غرار لويس الرابع عشر في الضواحيK وبوسعهاK هي واحلكـومـةK أنتعلن عما تريده بكفاءة وتروج له في التليفزيون. وقد يستطيع التلـيـفـزيـونواfؤسسات الثقافية في الضواحي أن يوفر لألغنياء «اfدينـة» الـتـي كـانـت

تستمد في السابق من اfدن.وثمة اقتراحات حديثة لتجديد احلياة في اfدينة حددت اfشكلة بأنها«تضييق القاعدة الضريبية» في اfناطق احلضرية. فالـشـركـات واألغـنـيـاءالذين كونوا ثرواتهم في اfدن ينزحون عنها حينما يطالبون بسداد فواتيـرالضرائب. وترتب على ذلك أن أصبح سكان اfدن من الفقراء العاجزين عنالوفاء بنفقات احملافظة على هذه القشرة اخلارجية اfكلفة. ومن هنا كانتاالقتراحات الرامية إلى أن تقوم الدولة أو احلكومة االحتادية بتحمل بعض

قرار بأن استقاللنفقات إدارة اfدينة. ومثل هذه االقتراحات لها ميـزة اإلاfدينة خرافة خبيثة في عصر أصبحت القوى احلقيقية فيه قومية ودولية.غير أن الدعوات لنشر عبء الضرائب على الضواحي عن طريق ضم اfدينةإلى إقليم كبيرK أو إلى الريف عن طريق نوع من التأميمK ليست إال شهادةبوفاة اfدينة. وإذا حدث هذا فقد تصبح اfدن أصلح للعيشK لكنها ستكون

دارية التابعة للدولة ذات السيادة (مثل هاجنشو) منهاأقرب إلى اfناطق اإلإلى اجلماعات اfترابطة.

املثل العليا الرفيعة واملشاعر الهابطة: الصني والبندقية اليوملقد جرب أحفاد هاجنشو حال أكثر راديكالية وخياالK من شأنه القضاءعلى أصل اfشكلة (وهو التفاوت االقتصادي)K واستعادة اجلماعة احلضريةاfترابطة (بل اجلماعة احلضرية-الريفية اfترابطة على نطاق محلي). ولعلالصيني} أشد استعدادا لتجربة التحوالت الثوريةK لطول عهدهم باستغاللالطبقات احلاكمة احلضرية. أو لعل بقاءهم على صلة بجـذورهـم اfـمـتـدةفي جماعتهم األسرية والريفية اfترابطة قد جعل اfدن الطفيلية مرفوضة

نزع إلى احلضريةK فلديـنـا تـراثمن جانبهم. أما الواليات اfـتـحـدة فـهـي أمنحدر من العصور الوسطىK هو تراث اجلماعة احلفرية اfتـرابـطـة الـتـي

240

الغرب والعالم

يفتقر إليها الصينيونK ولكن هذا التراث تبدد سريعا.لقد أجرى الشيوعيون الصينيون جتربت} هامت} في اfدن لغرس شعور

(بعد عام} فقط من الثورة)١٩٥١أكبر باجلماعة اfترابطة. ففي أوائل عام بدءوا يجربون «عمدة الـشـارع» (شـيـخ احلـارة) و «جلـان سـكـان الـشـوارع».وهذه اللجان األخيرة أشبه «بروابط اfستأجرين» في الواليات اfتحدةK إالأن اللجان الصينية كانت جلانا معترفا بها رسميا وليست مجرد جماعـاتضغط. ومن ثم فقد خولت السكان سلطة إرغام اfالك على إضافة حماموقبول األسر احملتاجة وتنظيم إزالة القمامةK فضال عن حل اfنازعات فيما

صالحاتجراء اإلبينهم (بوصفها محكمة حي شبة رسمية) أو تكوين فرق إلأو للرعاية أو لرعاية األطفال.

ولكن ألن الصيني} اشتراكيونK فقد كانوا أشد اهتماما «بوحدة العملوالعيش»K أي بجماعات الناس اfترابطة الذين يـعـيـشـون ويـعـمـلـون مـعـا الباجلماعات السكنية وحسب. وقد اتخذت هذه اجلماعات صورا شتى تقتربأو تبعد من نسق الكوميونات الزراعية في الريف. فتارة تكون اfدينة بكاملها

فتكون الصناعات واfتاجر والدواوين وغيـرهـا مـن اfـرافـق مـلـكـاكوميـونـةجماعيا للكوميونةK ويساهم الفرد أو األسرة في العمـل ويـتـلـقـى أجـره مـناخلزانة اجلماعية. وتارة أخرى يقيم أهالـي األحـيـاء مـرافـق جـديـدة تـدارإدارة جماعية لكي تدر عليه عائدا إضافيا. فعلى سبيل اfثال قامت كوميونة

نشاء خمسة مصانع شخصاK بإ١٩٢٠ وهو حي مكون من Kweiyangكويياجن وخمسة محالت جتارية وبنك ادخار ورياض أطفال ومطاعم عامة ومكتبات.وأبدت النسوةK الالئي لم يتعودن العمل خارج البيتK همة ملموسة في هذااfشروع. «وقد شغل بعضهن العمل حتى ألهاهن عن الطعام والنوم والعودةإلى بيوتهن.... وأصبحت ربات األسر iن كن ال يعبأن بغير بيوتهن يعبأن

.)١١(Sنازل األخريات ومساعدتهن»ولكن اهتمام الص} في الستينات والسبعينات ازداد بتجربة الكوميوناتاحلضرية-الزراعية وكأنهم وجدوا أن وحدة العمل واحلياة تقصر عن الوضع

د ب} احلياة احلفرية والريفيـة.األمثلK فعملوا على حتقيقها في بيئة توحKوقد تشكلت هذه الكوميونات من مدن صغيرة ذات صناعة ثقيلة وخفيفةوأراض زراعية تفي بسد حاجات اfنطقـة. وجـمـيـع اfـرافـقS Kـا فـي ذلـك

241

ا�واطن والرعية

اfدارس واfستشفيات واfصانع واآلالتi Kلوكة ملكية جماعية وتدار جماعياكما هو احلال في الكـومـيـونـات احلـضـريـة الـبـحـتـة الـسـابـقـة. ولـكـن هـذهالكوميونات قد صممتK فضال غن ذلكK بغرض جعل سكان اfدينة يلمونبالزراعة للعمل عند احلاجة في وقت احلصاد على األقل. ولهذه الكوميوناتميزة إضافية أخرى واضحةK هي توفير بيئة أقرب إلى الطبيعة من اإلسفلت

والصلب.وإذا كان الصينيون قد أحيوا فكرة كوميونة اfـديـنـة (وهـي غـريـبـة عـنخبرتهمK حتى أنهم استعاروا كلمات يابانية للتعبير عن روابط سكان اfدنواألحياءK واأليديولوجيا اfاركسية الغربية) فإن مدن الغرب أصبحت رعايا

غاية أحيانا: فمدينة ديترويت للإلمبراطوريات جديدة. ويكون اخلضوع جليامبراطورية الصـلـبKخاضعة إلمبراطورية السياراتK وبتسبـرج خـاضـعـة إل

اضعة إلمبراطورية اfالK وباريس خاضعة إلمبراطورية فرنسا.ونيويورك خا تقع فريـسـةبية احلديثة-في معظم األحـيـان-كـثـيـرا مغير أن اfدينة الـغـر

لكثير من القوى اخلارجية. وإذا أردنا مثاال حيا على ما يحـدث فـلـنـخـتـتـمقولنا برجعة خاطفة إلى البندقية. وذلك قبل فوات األوان.

% من تراثها الفني٤% و ٣يقدر اخلبراء أن التلوث يفقد البندقية ما ب} كل عام. فالتماثيل تتآكل من «سرطان البرونز» الذي ال يسببه تلوث اfدينةالطبيعي من عادم السياراتK فالبندقية ليس فيها سياراتK والزوارق التيتعمل باحملركات في القنوات ال ترسل إال عادما بسيطا. ولكن عندما تهب

في الوطنPorto Margheraالريح من معامل تكرير البترول في بورتو مارجيرا األم تتحد الغازات الكبريتية بالهواء اfشبع باfلح فتكون مزاجا ساما.

واألخطر من هذا أن البندقية تغرقK فاfياه في الواقع ارتفعت من حولهابحوالي بوصت} في السنوات العشر األخيرة. ويبدوا أن معظم اfسـؤولـيـةيقع على عاتق الصناعات الـتـي حـفـرت اآلبـار فـي بـورتـو مـارجـيـراK خـارجالبندقيةK ولم تغلقها. وهذه اآلبار تقذف باfياه العذبة اجلوفية في البحيرة.وتبدو بعض اfقترحات الراميـة إلـى خـفـض مـنـسـوب اfـيـاهK وبـخـاصـةالفيضانات العالية التي تسببها العواصف الشديدةK مـقـتـرحـات بـسـيـطـة:فاآلبار Cكن تزويدها بغطاءK ومياه اfصرف Cكن جتفيفها وحتويلها إلـىسماد بدال من صرفها في اfياه. كما Cكن بناء أهوسة ضخمة عند الفتحات

242

الغرب والعالم

الثالث ب} البحيرة والبحر األدرياتيكـي ومـثـل هـذه األهـوسـة يـتـحـكـم فـيإغالقها آليا كومـبـيـوتـر يـسـتـشـعـر أي زيـادة فـيـعـطـي إنـذارا بـأي فـيـضـان

ساعة فـي٢٠٠وشيك)بينت إحدى الدراسات أن األهوسة سـتـغـلـق حـوالـي العام).

ومع ذلك لم يتم عمل شئK فصناعة البتروكيماويات في بورتو مارجيرامسئولة عن احللول مسئوليتها عن اfـشـكـالت. ولـكـنـهـم وجـدوا أن تـكـلـفـةتغطية اآلبار مرتفعةK وهم ينتجون السماد الكيماوي ال العضويK ويعارضونبناء األهوسة خشية حتول حركة الناقالت إلى ميناء آخر. وهم أقوياء فيروما وكذلك في البندقيةK ومن ثم فان احلكومة االحتادية تتباطأ في اتخاذ

أي إجراءات.Kـوت مـديـنـتـهـمS وقد اضطر حتى بعض أهالي البندقية إلى التسلـيـمفالوظائف بأيدي القوى الصناعية في بورتومـارجـيـرا. ولـم يـعـد الـبـنـادقـةقادرين على العيش والعمل SدينتهمK فانخفض عدد سكان البندقيـةK فـي

ألف نسمةK ومعظم٩٠ ألف نسمة إلى ٢٠٠السنوات العشرين اfاضيةK من الباق} يضطر إلى التوجه إلى البر الرئيسيK شبه اجلزيرة اإليطاليةK بحثا

أنعن العمل. إن اجملمع الـصـنـاعـي الـهـائـل فـي بـورتـو مـارجـيـرا ال Cـكـنتتحمله مدينة واحدة-حتى تلك التي كانت «أزهى اfدن التي رأتـهـا عـيـنـي»

).١٤٩٥(على حد قول السفير الفرنسي اجلديد عام

طالعملزيد من اإل من الدراسات التيThe City اfدينة Max Weberيعد كتاب ماكس فيبـر

تتناول اfوضوع بشكل عام. والكتابK برغم صعوبتهK يعد نقـطـة االنـطـالق بجمع كتابات فـيـبـرRichard Sennetالكالسيكية. وقد قام ريتشـارد سـنـيـت

وعدد من التفسيرات اإلجماعية للمدينة في كتاب مقاالت كالسيكـيـة عـن. ويقدم جيديون سيوبرجClassical Essays on the Culture of Citiesثقافة اfدن

Gideon Sjoberg دينة قبـل الـعـصـر الـصـنـاعـيfفي كتابه ا The Preindustrial

Cityمسحا شامال من منظور علم االجتماع التاريـخـي احلـديـث. وال يـزال The City-in History اfدينة في التاريخ Lewis Mumfordكتاب لويس iفور.

Cities of Destinyأهم تاريخ تفسيري للمدينة الغربية. ويقدم كتاب مدن اfصير

243

ا�واطن والرعية

مقاالت مزينة بصور جميلةArnold Toynbeeالذي اشرف عليه آرنولد توينبي عن بعض اfدن الهامة في تاريخ العالم كتبهـا أخـصـائـيـون بـارزون. وكـتـاب

-١٤٠٠ الرائع: الرأسمالـيـة واحلـيـاة اfـاديـة Fernand Braudelفرنانـد بـرودل ١٤٠٠-١٨٠٠ ١٨٠٠ Capitalism and Material Lifeيضم فصال ختاميا باهرا عن

كتابا عاما عن احلضارةF. Roy Willis«مدن» العالم. ويقدم ف. روى ويليس الغربية من منظور حضاري في كتابه اfنشور في جزئ}: احلضارة الغربية:

وهـنـاك أيـضـاWestern Civilization: An Urban Prespectiveمنـظـور حـضـري كتـبScientific Americanمجموعة من اfقاالت من مجلة أمريـكـا الـعـلـمـيـة

بعنوان: اfدن: أصلـهـا و�ـوهـاKingsley Davisمقدمتها كنجسـلـي ديـفـيـس وهي بحثCities: Their Origin Growth and Human Impct ,وأثرها اإلنسانـي

مفيد خصوصا لدراسة اfدن القدCة والهندية األمريكية واحلديثة. وأخيراجند كتابا يتجاوز احلقبة التي ندرسها هناK لكنه جدير بالتنويهK هي دراسة

عن اfدينة في األدب اإلجنليزي احلديثRaymond WilliamsKراCوند وليامز .The Country and the Cityالريف واfدينة

Kدينة األوربيةfداخل لدراسة اfفورد وويليس خير اiوتعد كتابات فيبر ولكن هناك عدة كتب أخرى مفيدة. ومن أقصر الدراسات وأفضلـهـا كـتـاب

. ويكتشفMedieval Cities مدن العصور الوسطى Henri Pirenneهنري بيرن احلياة اليـومـيـة إلحـدىJoseph and Frances Giesجوزيف وفرانسـيـس جـيـز

) في الـكـتـاب اfـمـتـع: احلـيـاة فـي إحـدى مـدن١٢٥٠هذه اfـدن (تـروا عـام. وهناك مجموعة من التفسـيـراتLife in a Medieval Cityالعصور الوسطـى

التاريخية قام بها iفورد وبيرن وغيرهما تتعلق بالعالقة ب} التجارة واصول.John Fاfدن في إجنلترا في العـصـور الـوسـطـىK جـمـعـهـا جـون ف بـنـتـون

Benton ـديـنـةfفي أصول ا Town Originsأما عن فترة الـعـصـور الـوسـطـى . اfدن اجلديدة فـيMaurice Bresfordفهناك أيضا كتاب موريـس بـرسـفـور.

.M وكتاب م. ف. كالرك New Towns of the Middle Agesالعصور الوسطـى

V. Clarke دينة-الدولة في العصور الوسطىfا The Medieval City-Stateوكتاب K مدينة العصرPeter Rissenberg وبيتر رايسنبرج J. H. Mundyج. هـ. مونداي

مدينة العصر Fritz Roring وكتاب فريتز رورينج The Medieval Townالوسيط وهناك عدد من الدراسات اfهمة عـن اfـدن-The Medieval Town الوسيـط

244

الغرب والعالم

اجلمهوريات اإليطالية في أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة. ويـعـدThe Italian اجلمهوريات-اfـدن اإليـطـالـيـة Daniel Waleyكتاب دانيـال ويـلـي

City Republic تازا. أما كـتـاب د. س. تـشـيـمـبـرزi مدخال D. S. Chambers

The Imperial Age of ١٣٨٠-١٥٨٠ ١٥٨٠-١٣٨٠عصر الـبـنـدقـيـة اإلمـبـراطـوري

Venice.فهو أيضا مدخل مزود بصور لدراسة البندقية. وكتاب ويـلـيـام هــ أكثر شموال. وهناك أيضا كتابVenice البندقية William H McNeilماكنيل.

بـيزا في أوائل عـصـر الـنـهـضـة: دراسـة فـي الـنـمـوD Hirlihyد. هيـرلـهـى. مــديــنـــةPisa in the Early Renaissance: A study of Urban Growthاحلــضــري

بستوا في العصر الوسيط وعصر النهضة: تاريخ اجتماعى fدينة ايطاليـةMedieval and Renaissance Pistois: The Social History of an Italian Townوكتاب

١٣٥٥- ١٢٨٧ مالية كومـيـونـه سـيـيـنـا William K.Bowskyويليـام ك. بـوسـكـى ١٢٨٧- ١٣٥٥ The Finance of the Commune of Siennaوكتاب ج. ك. هايد KJ. K.

Hyde بادوا في عصر دانتي Padua in the Age of Dante.وهناك مكتبات كاملة عن فلورنساK وCكننا أن نبدأ بكتاب} من تأليف

تاريخFrancesco Guieciardiniاثن} كانا هناك: فرنشيسكو جوينشيـارديـنـي وكتاب نيـقـوالHistory of Florence وتاريخ فلورنـسـا History of Italyإيطالـيـا History of Italy تاريخ فلورنسا وشئون إيطاليا Niccolo Machiavelliمكيافلي

and of the Affairs of Italyومن أفضل الدراسات احلديثة كتاب ج} بوركر .Gene Burcker فلورنسا عصر النهضة Renaissance Florence-وكتاب خ. لوكاس

احلياة اليومية في فلورنسا في زمن آل مديتشيJ. Lucas-Dubretonديوبريتون Daily Life in Florence in the Time of the Medici وكتاب جون جاج KJohn Gage

Life in Italy at the Time of the Mediciاحلياة في إيطاليا في زمن آل مديتشي

فلورنسا فـي مـرحـلـة االنـتـقـالMarvin B. Beckeiوكتاب مارفـن. ب. بـيـكـي Florence in Transition وكـتـاب سـيـسـلـيـا م. آدي Cecilia M. Adyلـورنـزو دي

.Lorenzo de Medici and Renaissance Italyمديتشي وإيطاليا عصر النهضة وإذا كانت آسيا تبدأ في بيزنطةK فإن مدينة القسطنطينية تصلح اختباراطيبا ألفكار ماكس فيبر. وجند الصورة والشعر والوثائق مجتـمـعـة بـشـكـل

القسطنطينية: بحث أيقوناتPhillip Sherrardموح في كتاب فيليب شيرارد وكتاب جالنفيلConstantino Pie: Iconography of a Sacred Cityمدينة مقدسة

245

ا�واطن والرعية

Constantinople القسطنطينية في عصر جسيتينيان Glanvill Downeyدواني

in the Age of Justinian .يعيد خـلـق الـعـصـر. وكـتـاب ديـن. أ. مـيـلـر Dean A:

Miller القسطنطينية االمبراطورية Imperial Constantinopleيدرس االقتصاد Michaelوالبيروقراطية واحلياة العامة للمدينـة. وقـام مـيـشـيـل مـاكـالجـان

Maclagan في كتابه مدينة القسطنطينيـة The City of Constantinopleوجون -١٤٥٣- ٣٢٤ في كتابه مدينة القسطنطينية JohnE. N. Hearseyأ. ن. هيرلي

٣٢٤- ١٤٥٣ City of Constantine.عماري للمدينةfبدراسة التاريخ السياسي وا وإذا أراد القار� مزيدا من الدراسات العامة عن اإلمبراصلورية البيزنطية

:Byzantium بيزنطة: العظمة والتدهور Charles Diehiفعليه بكتاب شارلز دييل

Greatness and DeclineKوإن كان قد عفا عليها الزمن Kوهو دراسة كالسيكية وهناك.Peter Charanisلكن به قائمة مراجع ضخمة أعدها بيتر شارانيس

Rene من تأليف رينيه جويردان Byzantiumكتاب مختصر جيد هو بيزنطة

Guerdan.Hangchowأما عن اfدينة الصينيةK فإن مصادر معرفتنا Sدينة هاجنشو

Theباللغة اإلجنليزية هو كتاب السيد ماركو بولو عن iالك الشرق وعجائبه

Book of Sir Marco Polo Concerning the kingdom and Marvels of the East. K واجمللد األول مـنـه صـدرSir Henry Yuleترجمة وحترير سيـر هـنـري يـول Marco Polo: The Description of the Worldباسم ماركو بولـو: وصـف الـعـالـم

. وهناك صيغة موجزةPaul Pellio وبول بليو A. C. Mouleحترير أ. س. مول وقد استخدمMarco Polo: Travelsمن الكتاب بعنوان ماركو بولو: الرحالت

هذه اfصادرK واfصادر الصينيةK في دراستـهJacques Gernetجاك جارنيه التي تستوعب انتباه القار�: احلياة اليومية في الص} عشية الغزو اfغولي

١٢٧٦- ١٢٥٠ Daily Life in China 1276- 1250 on the Eve of the Mongol InvasionKQuin والكتاب الذي صدر قبله كوينساي ومالحظات أخرى عن ماركو بولو

Sai With other Notes on Marco Pole من تأليف أ. س. مول A. C. Moul. ومدينةLin بك} هي األخرى تعود إلى احلياة بكل تفاصيلها في كتاب لـ} يـوتـاجن

Yatang {بك} اإلمبراطورية: سبعة قرون في الـصـ Imperial Peking: Seven

Centuries of Chine. ديـنـة فـي الـصـ} اإلfمبراطـوريـةأما كتاب ا The City in

Imperial China بإشراف ج. وليم سكينر G. William Skinner فيقدم عددا من

246

الغرب والعالم

رموز احلياة في Paul Wheatley الدراسات الهامةK في ح} يدرس بول ويتلىاfدينة الصينية في كتاب محور ألربعة أحياءK بحث أولى في أصول اfدينة

The Pivot of the Four Quarters, A Preliminary الـصـيـنـيـة الـقـدCـة وطـابـعـهـا

Enquiry into the Onign and Character of the Ancient Chinese City. ويقدم كتاب.توينبي مدن اfصير السابق ذكره مقاالت عن بعض اfدن اآلسيوية األخرى

اfدينة في الهند وجنوب آسيا فـيRichard Foxوتناول ريتشارد فوكـس Uraban India: Society, Speceكتابه الهند احلضرية: اجملتمع واfكان والصورة

and Image وكذلك كتاب كليفورد جيرتز Clifford Greetzالتاريخ االجتماعي وكتاب كنيث جيليونfThe Social Histony of an Indonesin Townدينة اندونيسية Kenneth Gillion أحمد آباد: دراسة في التار يخ احلضري الـهـنـدي Ahmed

Abad: A Study in Indian Urban Historyدينة في إطار الثقافة الهنديةfوتقدم ا األعجـوبـة الـتـي كـانـت الـهـنـد:Arther L. Bashamفي كـتـاب آرثـر ل. بـاشـام

Theدراسة عامة لتاريخ شبه جزيرة الهند وثقافتها قبل مـجـيء اfـسـلـمـ}

Wonder that was India: A Survey of the History and Culture. of the Indian

Subcontinent Before the Coming of the Muslims وكتاب ميلتون سنجر Milton

Singer ح} يجري حتديث تراث عظيم When a Great Tradition Modernizes.ولقد ذكرنا القليل نسبيا عن اfدينة اإلفريقية القـدCـةK لـكـن الـدارساfهتم Cكنه أن يفيد من الدراسة الشاملة القصيرة اfصورة تصويرا جيدا

بعنوان اfدن والبلدان اإلفريقيةRicherd W. Hullالتي كتبها ريتشارد و. هل .African Cites and Towns Before the European Conquestقبل الغـزو األوربـي

وهو يضم قائمة مراجع حديثة جيدة. ومن الكتب اجلديرة بالقـراءة كـتـابThe Lost Cities of مدن أفريـقـيـا اfـفـقـودة Basil Davidsonبازل ديفـيـدسـون

Africaراجعfحتتوي على قائمة ا Kتعة للقار�i وهو دراسة عامة استهاللية . وCكن للدارس أن يتعمق في دراسـة١٩٦٠واfقاالت التي نشرت قبل عام

بعض اfدن اإلفريقية بالذات أو في وجهة نظر ماكس فيبر في كتاب اfدينة بــــــــإشــــــــراف حـــــــــورانـــــــــي و. س. م.The Islamic Cityاإلســــــــالمــــــــيـــــــــة

تأليف زافييـهKThe Worls of Islam وكتاب عالم اإلسالم S. M Sternستيـرن.K وكتاب اfدن اإلسالمية في العصور الوسطىXavier de Planholدي بالنول

Ira من تأليف ايرا البيدوس Muslim Cities in the Later Middle Agesاfتأخرة

247

ا�واطن والرعية

Lapidus وكتاب فاس في عصر ملوك الطوائف Fez in the Age of the Marinides

وكتاب مدينة تومبوكتـو الـبـدائـيـةRoger Le Tourneauتأليف روجر لوتـورنـو The Primitive City of Timbucto تأليـف هـوراس مـيـنـر Horace Minerوكـتـاب

وكتابDavid Grove من تأليف ديفيد جروف The Towns of Ghanaمدن غانا وآخرين.B. C. Loyd بإشراف ب. س. لويدThe City of Ibadanمدينة ابيدجان

مدنAkin L. Mabogunjeوعن نيجريا وحدها يوجد كتاب آك} مابوجوجني وكتابYoruba Town and Urbanization in Nigeriaاليوريا والتحضر في نيجريا

Yoruba Towns بلدان اليوربا ومدنها Eva Krapf Askariإيفا كرابف آسكارى

and Cities.وما هذه إال بعض من عناوين كثيرة Kوأخيرا هناك سلسلة من اfقاالت عن اfدن في العصور الـوسـطـى فـيأوربا ومصر وبيزنطة والدول الصليبية في كتاب مدينة العصور الـوسـطـى

The Medieval City بإشراف ديفيد هيرلهي David Herlihly.و أ. ل اودوفيتش A L. Udovitch.

248

الغرب والعالم

الهوامش

بتصرف عن:Marcel Granet, Chinese Civilization, trans. Kathleen E. Innes and Mabel R. Brailsford (New York:

New American Library. 1964), pp. 175-176.

2- Arnold F. Wright, (Changan) in Cities of Destiny, ed Arnold Toynbee (New York: McGraw -

Hill, 1967), P.146.-٣هذه الفقرة وغيرها من ماركوبولو اقتبست من جاك جيرنيه

Jacques Gernet, Daily Life in China; On the Eve of the Mongol Invasion, 1250-1276 (Standford

Uiversity Press, 1970), pp. 28-32.وفي أماكن متفرقة من هذه الصفحات.

4- Lewis Mumford, The City in History (New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1961), pp.279-280.ومعظم مادة هذا الفصل من كتاب iفورد.

5- Cited in Daniel Waley, The Italian City - Repubics (New York: McGraw - Hill, 1969). p.53.

6- Ibid., p.99.

7- Ibid., 147-148.

8- Cited in Helene Wieruszowski, Art and the Commune in the Time of Dante, Speculum 19, no I

(January 1944): 31.

9- Mumford, op. cit., p.369.

10- Ibid., pp. 399-401.

11- Cited in Franz Schurmann, Ideology and Organization in Communist China, 2d ed (Berkeley:

University of Califonia Press, 1968), pp.396-397.

249

علم البيئة احليوية

علم البيئة احليويةوت(احليائبية) والاله

ين والعلم فى العصور الوسطىالدإن مشكلة األيكولوجيا (عالقة البيئة بالكائناتاحليةK) ترتبط في أذهاننا عادة باجملتمع الصناعياحلديث. ونحن لم نعتـقـد الـتـفـكـيـر فـي وجـود أيارتباط ب} البيئة احليوية والالهوت أو في البنيـةاحليوية خالل تاريخ العصور الوسطى. غير أن هذاالفصل يقـوم بـعـمـلـيـة الـربـط هـذهK لـيـنـبـه إلـى أنمشكالتنا البيئية بعيدة الغور. وإذا كان جيـلـنـا قـد

ن أسبابها ترجعK فإ١٩٧٠«اكتشف أزمة البيئة عام إلى الثورة الصناعية الغربية فـي الـقـرون الـقـلـيـلـةاfاضية على األقل. وبيت القصيد في هذا الفصلهو أن الـثـورة الـصـنـاعـيـة نـفـسـهـاK وتـبـدل عـالقـةاإلنسان مع الطبيعة الذي تسببت فيهK ذات جذورسابقة في الفكر واfمارسة في الغرب. وإال فلماذاكانت أوربا الغربيةK دون غيرها من األصقاعK هـيالبادئة بالثورة الصناعيـة? إن هـذا الـفـصـل سـوفيستكشف بعض اfوروثـات الـثـقـافـيـة الـتـي مـهـدت

الطريق.وسـوف نـبـحـث عـلـى وجـه الـتـحـديـد مـوروثــ}

9

250

الغرب والعالم

ثقافي} غربي} قرنهما بعض الدارس} Sشكالتنا البيئـيـة واحلـيـابـيـئـيـة:وهما اfوروث الديني الغربيK أو اليهودي-اfسيحيK وتطور العلم. فاfسيحيةوالعلم احلديث هما اfعلمان الكبيران في الثقافة الغربيةK وبالرغم مـن أنمعظم التاريخ الغربي يأخذ شكل الصراع ب} هذين الشكل} الثقافي} فإنبينهما كثيرا من اfشابهة. وسوف نبحث مظاهر االستمرار ب} اfسيـحـيـة

والعلم الستكشاف أصول السيطرة الغربية على الطبيعة والعلم.وعلى ذلك فنحن نطرح عددا من اfـسـائـل الـتـي يـنـبـغـي أال تـغـرب عـنالبال: فنحن نطرح تساؤال عن العالقة ب} الدين والعلـمK وبـ} اfـسـيـحـيـةبالذات وتطور العلم احلديثK وتساؤال آخر عن مدى صحة العودة بقضيـة

حديثةK إلى العصور الوسطى عندما كانت القضايااحليابيئية وهي قضيهاحليابيئية ضئيلة أو معدومة.

كما نطرح تساؤال عن «الرؤى اخملتلفة للطبيعة» اfوجودة فـي مـخـتـلـفاfوروثات الدينية وعن مدى أهمية مثل هذه األفكار فـي تـعـامـالت الـنـاس

اليومية مع البيئة الطبيعية.ونستهل بتمحيص الرأي الذي يذهب إلى أن التراث الدينـي الـيـهـودي-اfسيحي شكل أفكارنا الغربية عن الطبيعة تشكيال جعل من اfمكن تسخيرالعالم الطبيعي على نحو أكبر. ثم نتساءل عما إذا كانـت األفـكـار الـديـنـيـةمهمة حقا إلى هذه الدرجة بأن نفحص مظاهر التناقض ب} الدين والسلوكفي التراث الديني الشرقي. ثم نقدم بعد ذلك عرضا شامال للـعـالقـة بـ}الدين الغربي والعلمK ونبحث بعض اfسلمات اfتعلقة بالطبيعةK والتي توجد

ضمنا في الثورة العلمية الغربية.

مسئولية التراث اليهودي-املسيحيإن الدارس} الذين ذهبوا إلى أن جذور مشكالتنا احليابيئية تكمن فيالنظرة اليهودية-اfسيحية إلى الطبيعة يـؤكـدون تـفـرد فـكـرة الـتـوحـيـد فـياليهودية واfسيحية في مقابل الديانات «الـبـدائـيـة» اfـؤمـنـة بـتـعـدد اآللـهـة

وبحيوية اfادة وعبادة الطبيعة.ولقد طرح أرنولد توينبي اfسألة على النحو التالي:

«وفحوى هذه اfقالة أن بعض أمراض عالم اليوم الكبـرى-مـثـل الـسـفـه

251

علم البيئة احليوية

واستهالك كنوز الطبيعة التي ال تعوضK وتلويث ما لم يتبدد منها-إ�ا يرجع.)١(في خا�ة اfطاف إلى سبب دينيK وهذا السبب هو ظهور التوحيد»

فما شأن التوحيد بهذا? وما عالقة إصرار الـعـبـرانـيـ} الـقـدمـاء عـلـىوحدانية الله Sشكالتنا احليابيئية اfعاصرة? كانت إجابة تويـنـبـي هـي أنيذكرنا بأن توحيد التوراة العبرانية كان نهيا عن األشكال القدCـة لـعـبـادةالطبيعة وأن التسليم بالتوحيد في الثقافة اليهودية اfسيحـيـة كـان Sـثـابـةحتول عن عبادة اإلنسان للطبيعة إلى تسخيره واستغالله لها. وأشار توينبي

إلى اإلنسان السابق على التوحيدK فقال إن الطبيعة بالنسبة له:Kوإ�ـا كـانـت إلـهـة K«لم تكن مجرد كنز نفيس من «الثروات الطبيـعـيـة»«األرض األم». وكل النباتات التي انبثقت من األرضK واحليوانات التي �شي

نسان نفسهK واfعادن اfطمورة في األرض كلها تشاركفي مناكبهاK مثل اإل.)٢(في ألوهية الطبيعة»

فاإلجنيل لم يسلب الطبيعة قداستها ورهبتها القـدCـة فـحـسـبK لـكـيقا أسمىK بل إنه نصح البشر بصفة خاصة أن يقهروا العالمينصب إلها خال

صحاحالطبيعي. وهنا يشير توينبي وآخرون إلى ما جاء في سفر التكوين-اإل ونصها:٢٨األول-اآلية

«وباركهم الله وقال لهم: أثمـروا وأكـثـروا وامـألوا األرض وأخـضـعـوهـا;وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يـدب عـلـى

األرض».ومن الصعب معرفة ما Cكن استخالصه من تلك العالقة اfنطقية ب}التوحيد ونزع القداسة عن الطبيعةK أو من أية عبارات أخرى محـددة فـياإلجنيل. ولكن يود اfرء أن يعرف ما إذا كان اليهود واfسيحيون قد تصرفواحقا على نحو أكثر غطرسة جتاه الطبيعة بسبب هـذه األفـكـار. وفـي هـذاالصدد يعد عمل ل} وايت األصغرK أحد مؤرخي اfسيحية والتكـنـولـوجـيـاوالعلم في العصور الوسطىK دفاعا قويا عن الرأي القائل Sسؤولية التراث

اليهودي-اfسيحي.إن مقالة وايت «اجلذور التاريخية ألزمتـنـا احلـيـابـيـئـيـة» أصـبـحـت مـنالدراسات الكالسيكيةK وأعيد طبعها عدة مرات منذ أن نـشـرت ألول مـرة

. ويخبرنا اfؤلف أن فكرة اfقال جاءته وهو يرقب١٩٦٧في مجلة العلم عام

252

الغرب والعالم

البوذي} في سيالن يشقون طريقا:«اكتشف ثقوبا في أرض الطريق اfطلوب شقه تركت وشأنهاK ثم اكتشفأنها أوكار ثعاب}. وقد امتنع البوذيون عن تدميرها حتى تغادر الثعاب} منتلقاء نفسها مكان العمل. ولم يكن في وسع وايت إال أن يالحظ عدة أشياءمن بينها أن الذين يشيدون الطريق لو كانوا من اfسـيـحـيـ} لـكـان مـصـيـر

.)٣(الثعاب} مختلفا»إن مقالة وايت تبدأ بنقطت} تستحقان التكرار:

«ثمة شيء يصل في يقينه إلى حد يصبح من الغباء معه أن نؤكد بالكلماتوأعني به أن التكنولوجيا والعلم احلديث غربيان �اما. لقد استوعبت فيتكنولوجيتنا عناصر من كل أنحاء العالمK وخاصة من الص}. ومع هذا فإنالتكنولوجيا الناجحة سواء في اليابان أو نيجريا غريبة.... وثمة حقيقتـانأخريان ال حتظيان بالشيوع نفسه ألن الدراسات التاريخية لم تتوصل إليهماإال مؤخرا. إن زعامة الغرب في التكنولوجيا والعلم معا أقـدم iـا يـسـمـىبالثورة العلمية و القرن السابع عشرK أو الثورة الصناعية في القرن الثامن

.)٤(عشر»وقد ساهم ل} وايت نفسه مساهمة كبيرة في الترويج للرأي القائل بأنإبداع التكنولوجيا الغربية وهيمنتها Cكن إرجاعهما إلى العصور الوسطى.وكتابه التكنولوجيا والتغير االجتماعي في العصور الوسطـى يـبـ} (ضـمـنأشياء أخرى) اآلثار الثورية الختراع بسيط ظاهريا مثل «مقالب التربة» فيمجتمع العصور الوسطى. فقد سبق اآلخرين (انظر iـفـورد عـلـى سـبـيـلاfثال) أن اهتدوا إلى أصول األفكار احلديـثـة عـن الـعـمـل ومـنـاهـج الـعـمـلاحلديثة في أديرة العصور الوسطى. ولكن وايت يلفت أنظارنا و هذا اfقالإلى االنقالب الذي حدث في الزراعة في أوروبا اfسيـحـيـة حـوالـي عـصـر

). ويحكى وايت أن فالحي أوربا الشمالية بدءوا٨٠٠شارfان (الذي توج عام في هذه الفترة في استخدام احملراث الذي يقلب األرض بشدة أكثر من أيشيء عرف من قبلK فاحملاريث السابقة ال تفعل شيئا سوى خـدش سـطـحالتربة. أما احملاريث اجلديدة فلم تكتف بشـق الـتـربـة بـسـكـ} رأسـيـةK بـلكانت تشق التربة بسك} أفقية فكانـت تـقـلـب األرض كـلـيـة بـالـدجـر (وهـوحديدة عقفاء في احملراث تقلب التربة بعـد رفـعـهـا). ونـظـام احلـرث هـذا

253

علم البيئة احليوية

(الذي ال يزال متبعا في اجلرارات احلديثة) كان يسبب احتكاكا قويا بالتربةإلى درجة أنه كان يقتضي ثمانية ثيران بدال من ثورين كما كان جاريا.

لقد تسبب احملراث اجلديد في ظهور اجتاه عدواني شديد جتاه الطبيعةبسبب نوع اجملتمع الذي كان يقتضيه:

«في أيام احملراث البدائي الذي يشدخ سطح التربة كانت احلقول توزعبصفة عامة على شكل وحدات قادرة على كفاية أسرة واحدة وحسب. وكاناالفتراض األساسي هو فالحة اإلعاشة (أي أن تقيم الفالحـة أود األسـرة

وهي تسمى أيضا اإلنتاج الطبيعي).لم يكن هنالك فالح Cلك ثمانية ثيران. وعلى ذلكK فحتى Cكن استخداماحملراث اجلديد األكثر كفاءة كان على الفالح} أن يضموا ثيرانهم لتشكيلمجموعات من احملاريث الكبيرة ويحصلوا (كما يبدو) على أراض محروثةتتناسب مع ما ساهموا به. وهـكـذا كـان تـوزيـع األرض ال يـتـم عـلـى أسـاساحتياجات األسرة وإ�ا على أساس مقدرة اآللة على حرث األرض. وطرأ

نسان بالتربةK ففي اfاضي كان اإلنسان جزءا منتغير عميق على عالقة اإلي مكانالطبيعةK أما اآلن فقد أصبح مستغال لها. ولم يطور الفالحون في أ

آخر من العالم آلـة زراعـيـة مـشـابـهـة. فـهـل مـن قـبـيـل الـصـدفـة أن تـظـهـرالتكنولوجيا احلديثة-بنظرتها القاسية جتاه الطبيعة-أساسا على أيدي سالله

هؤالء الفالح} من شمال أوربا? فـي٨٣٠هذه النظرة االستغاللية ذاتها ظـهـرت بـشـكـل واهـن قـبـل عـام

التقاو� اfصورة الغربية. فالشهور في التقاو� القدCة كالت تظهـر عـلـىشكل شخصيات مساfةK أما التـقـاو� اإلفـرجنـيـة اجلـديـدةK الـتـي حـددتأسلوب العصور الوسطىK فهي جد مختلفة: إذ يظـهـر فـيـهـا الـرجـال وهـميقهرون العالم من حولهم-فيحرثون ويحصدون ويقتلعون األشجار وينحرون

.)٥(نسان هو السيد»نسان والطبيعة مختلف}K وأصبح اإلاخلنازير. أصبح اإل

الرؤى البديلة: تعدد اآللهة والديانات الشرقيةإن االنفصال ب} اإلنسان والطبيعة الذي الحظه وايت في تقاو� العصورالوسطى لم يكن بالتأكيد قد اكتمل مع حلول القرن التاسع عشر في أشدأجزاء أوربا مسيحية. فقد ظلت فكرة الفالح} عن الطبيعـة احلـيـةK كـمـا

254

الغرب والعالم

. بـل ال١٥٠٠سنرى بعد قليلK عقبة في وجه الثورة العلمية او ما بـعـد عـام يزال الفالحون اليونانيون حتى اليوم يغنون ألمهم األرض وابنتهم الزيتونة.ولكن السؤال الذي يطرحه وايت: هو هل لعب التوحيد اليهودي-اfسيـحـي

جابة عن هذا السؤالK دعونا نتجه إلـىدورا في خلق هذا االنفصال? ولـإلبعض الرؤى البديلةK إلى الطبيعة التي تطرحها الديانات البدائيـة اfـؤمـنـة

بتعدد اآللهة واألديان الشرقية.Kة الصالت ب} البشر والطبيعة كمـا رأيـنـاCأكدت معظم األديان القد

نسان والطبيعة أو ب} احلـيـوان واجلـمـاد.ولم �يز �ييزا شـديـدا بـ} اإلوكانت ترى إن كل شيءK حتى الصخور واألحجار تسري فيه احلياة. وكانتالكائنات احليوانية والنباتية تعد على وجه التأكـيـد «حـيـة» كـالـبـشـر سـواءبسواء. وكانت قبائل الصيد تطلق على نفسها اسم «الدب» أو «اجلاموسة»شعورا منها بأن ما يربطها بحيوانها الطوطم أقوى iا يربطها باألغراب.ولعلمهم كانوا يقولون «إن قومناK على كل حالK ينامون في الشتاء كالـدب»

ن إCانهم بأن حيوانهمأو«نحن كاجلاموس ال نقول لغوا». زيادة على ذلك فإالطوطمي هو سلفهم أو «عصبهم» جعلهم يعمدون إلى مـحـاكـاة عـاداتـه أوحركاته وال سيما في اfناسبات الـديـنـيـةK فـيـصـبـحـون حـقـا مـثـل الـدب أو

اجلاموسة أو طوطمهم كائنا ما كان.وتقص قبيلة في غينيا اجلديدة حكاية تفسر كيف ارتبطت بالطيور. إذيبدو أن الطيور والثعاب} أرادت أن تكون أسالف القبيلـةK فـتـسـابـق طـائـروثعبان فكسب الطائر السباق. ومنذ هذه اللحظة غدت القبيلة منحدرة منالطير. حقا إنهم ال يطيرون مثلها ولكنهم ورثوا عنها مزية مهمة-فهم Cوتونكما �وت الطير. ذلك ألن الثعاب}-إن كنت ال تعلم-ال �وتK وهذه حقيقةيدركها كل من يعيش في الغابات فبسط احل} واحل} يجد اإلنسان جلـدثعبان قام الثعبان نفسه بتغييـرهK وخـلـفـه وراءه. ولـكـنـك ال جتـد قـط جـلـدالطيرK ومن ثم فالبد أن الثعاب} تتخذ بدنا بعد بدن. وتؤمن القبيلة بأنهاكانت ستتخذ بدورها بدنا لو أن الثعـبـان هـو الـذي فـاز فـي الـسـبـاقK لـكـنأعضاء القبيلة مثل الطيور يخلفون أجسادهم كلها وراءهمK فهم Cوتون.

إن وراء هذا اfنطق الشاعري الذي تبنته هذه القبيلة من غينيا اجلديدةبال من طينة واحدة.اعتقادا ال يتطرق إليه الشك بيان اإلنسان واحليوان ج

255

علم البيئة احليوية

ن احليوان الـذي وجـد قـبـل اإلنـسـان هـو الـذي يـقـرروعالوة عـلـى ذلـك فـإمصير الناسK وليس العكس.

والواقع أن ثقافات الشرق األقصى لم تفقد قطK من بعض الوجوهK ذلكالشعور البدائي بأن الطبيعة تسبق اإلنـسـان. وحـتـى بـعـد تـطـور اfـدن فـي

أن العلم اإلنساني والـعـالـمالهند القدCةK ال يزال الهندوك يـصـرون عـلـىKالطبيعي واحد. إن البعض ال يأكل البقر والبعض اآلخر ال يأكل اخلنازيروذلك ألنهم يشعرون بوجود عالقة قوية بوجه خاص. ولكن كهنة الهنـدوككثيرا ما يحثون الناس على أن يعاملوا كل األشياء احلية بالطريقة نفسـهـاالتي يعاملون بها «أبقارهم اfقدسة». إن الهندوكية تنادي بأن كل النباتـاتواحليوانات احلية جزء من حلقة تناسخ األرواحK فالثعبان اخلير قد يصبح

فراشة في احلياة القادمةK واجلحش اخلير قد يصبح إنسانا.وعندما فكر الهندوك في البدايات األولى لألشياءK كان تفكيرهم يدورعلى أصل البشرية جمعاء ال قبيلتهم وحدها. ومع هذا فإن قصصهـم عـناخللق ال تبعد كثيرا عن تفسير الصيادين البدائي} فـي غـيـنـيـا اجلـديـدة.وهذه هي إحـدى الـروايـات مـن كـتـاب هـنـدوكـي مـقـدس يـعـود إلـى حـوالـي

ق. م.:٧٠٠عام«في البدء كان هذا الكون عدما فيما عدا «النفس»

على هيئة إنسان. فتطلعت حولها ورأت أنال شيء عداهاK فكانت صيحتها األولى:

إنه أنا....ثم أدركها اخلوف من الوحشةK لكنها فكرت:

إذا لم يكن ثمة غيريK ففيم خوفي?ومن ثم رحل اخلوف.

لكنها كانت مع هذا ال تزال مفتقدة البهجة(�اما كما نفتقد البهجة في وحدتنا)

ومن ثم احتاجت إلى رفيق.Kهذه النفس Kهذا الكون Kحسنا

كان في حجم رجل وامرأة متعانق}K ومن ثم قسمت النفسذاتها إلى شطرينK اجلزء الذكرK واجلزء األنثى

256

الغرب والعالم

من النفس أو من الكونثم عانق الذكر األنثىK ومن هذا العناق ظهر

اجلنس البشري.غير أن األنثى قالت: «كيف يتحد بي

وقد جئت منه? فال توارى».K وأصبحفتوارت بأن أصبحت بقره

هو ثورا واحتد معهاK ومن تلك الوحدةظهرت اfاشية.

ثم توارت بأن أصبحت فرسةK فأصبح هو حصاناKفجامعها Kفصار حمارا Kوصارت أتانا

ومن اجتماعهما ظهرت احليوانات ذات احلوافر.ثم أصبحت عنزة فأصبح هو تيساK وأصبحت

شاة فأصبح كبشاK واحتد معهاK ومن ذلكظهرت الكباش واألغنام.

وهكذا أفاض من كل زوج} اثن} حتى النمل.ثم أدرك األمر فقال: «أنا اخللق في حقيقة األمر

ألن كل هذا مر فيضي»..)٦(وكل من يفهم هذا يصبح هو نفسه خالقا ب} خلقه»

إن أفكار الناس عن اخللق أمر مهم للغاية بالنسبة لهم. فهـم يـرجـعـونإليها اfرة تلو األخرى كي يفهموا طبيعة األشياء وكيف كانت وكيف ينبغي أنتكونK وكيف ستكون. وهذه الفكرة الهندوكية القدCة القائلة إن الكون كانالنفسK وأنها شطرت نفسها إلى حيوانات العالم اخملتلفة تعد نظرة ملحدة

نسان واحليوان. واإللهمن وجهة نظرنا. لم ال يؤمنون بوجود قوة خالقة لإلاألوحد هو كل احلياة. واحليوانK �اما كاإلنسانK جزء من هذا الكل. وfـاكان اfعبود الهندوكي هو كل الطبيعة وكل األشياء احليةK فان مغالبة الطبيعةغير ميسورة fن شب على الثقافة الهندوكية. وهكذا تكاد الهندوكية تكون

دينا طبيعيا للبيئة احليوية.إن بعض كهنة الهندوك كانوا ينطلقون للعيش في الـغـابـة وال يـرافـقـونسوى احليوانات واحلشرات والنباتاتK فهم يبحثون عن التواصل اfستـمـر

257

علم البيئة احليوية

مع ألوهية الطبيعية. ومنهم من ذهب إلـى أبـعـد iـا ذهـب إلـيـه اfـعـلـمـون ق. م.)٥٠٠الهندوك في عبادة الطبيعـةK كـجـوانـامـا سـد ضـازطـا (حـوالـي

اfسمى بالبوذا (اfستنير). تخيل كيفHermann Hesseوهناك روائي حديث عظيم هو هرمان هسه

أصر بوذا على ضرورة محبة الطبيعة ولو كانت حجراK ال ألن احلجر سيصبحتربة أو نباتا أو حيوانا أو إنساناK بل ألن احلجر كان بالفعل كل األشياء معا.«إن هذا احلجر حجرK وهو أيضا حيوان ورب وبوذا. فـحـرمـتـه عـنـديومحبتي له ال ترجع إلى أنه كان شيئا وسيصبح شيئا آخرK بل ألنه كان معاKوسيظل دائما وأبدا كل شيء. أحبه ألنه حجر وحسب Kوألمد طويل كل شيءألنه يبدو لي اآلن وهنـا حـجـرا. فـي كـل عـالمـة وجتـويـف فـيـه أجـد قـيـمـةومعنى-في صفرته وفي رماديتهK وفي صالبتهK وفي الصوت الذي ينـطـلـقمنه عندما اطرقهK وفي جفاف سطحه أو رطـوبـتـه ثـمـة حـجـارة تـبـدو فـيملمسها أشبه بالزيت أو الصابـونK وأخـرى أشـبـه بـاألوراق أو الـرمـال; كـل

بطريقته; كل حجرOmحجر منها مختلف عن اآلخر وكل منها يعبد «أوم» هو البراهما (إله). وهو في الوقت ذاته حجرK سواء أكان له ملمس الزيت أم

.)٧(الصابونK وهذا كل ما يبهجنيK ويبدو لي مدهشا وجدير بالعبادة»من الواضح أن معظم الناس ال يجدون هذه النشوة في حجرK فقد كانتعبادة البوذا فذة. غير أن محبته لكل جانب من جوانب الطبيعة واهتمامهبها صارت مثاال ألتباعه البوذي}. ولك أن تتصور العراقيل التي قامت في

نسان للطبيعةK في مجتمعوجه قطع األحجار من أحد اجلبال أو تسخير اإلكاجملتمع الصيني الذي لم يواف القرن السابع اfيالدي حتى كان قد اعتنق

البوذية.وال يستطيع فرد واحد بطبيعة احلال أن يغير ثقافة برمتها. ولذا فقدجلب الصينيون البوذية من الهند. ألنها تتفق مع بعض مواقفهم اfوغلة فيالقدم. ففي نفس الوقت الذي كان فيه بوذا يـحـاول أن يـجـعـل الـهـنـدوكـيـةالهندية أشد تعاطفا مع الطبيعة من ذي قبلK كان فالسفة الص} يرددون

أقواال iاثلة.ولقد كانت «الطاوية» من أكثر «أديان الطبيعة» الصينية القدCة تأثيرا.فقد اشتقت اسمها من الطاو «الطريق الطبيعي» الذي دعا الشاعر الوتسو

258

الغرب والعالم

Laotzu ق. م. إلى اتباعه. إذ يوجـه كـتـاب طـاوتـي شـنـج٦٠٠ الناس حـوالـي النصح التالي للناس:

«وال تأتوا عمال (معاديا للطبيعة) فليس ثمة ما ال Cكن تنظيمه تنظيماCان بأنه «ينبغيحسنا». وهناك نص طاوي آخرK له تأثير كبيرK يعبر عن اإل

أال تـلـحـق األذى حـتـى بــاحلــشــرات واخملــلــوقــات الــزاحــفــة أو األعــشــاب.)٨(واألشجار»

املثل العليا في مقابل السلوكال ينبغي أن نتصور أن الصيني} كافتهم (بل حتى الطاوي} أو البوذي}بأكملهم) كانوا يولون الطبيعة هذه الرعاية. فدارس تاريخ الص} التقليديةيقرأ عن مفتش} رسمي} على اجلبال والغاباتK وعن خطر قطع األشجارإال في أوقات معينةK وعن بعض الـقـوانـ} الـتـي تـرمـي إلـى احلـفـاظ عـلـىالطبيعةK ولكننا نسمع أيضا عن أسبـاب فـرض هـذه األحـكـام. يـقـول أحـد

«في بداية حكم شيا-شنج:Mingالعلماء الذين عاشوا في عهد أسرة مينج Chia-Ching) فكانت األخشاب١٥٦٦- ١٥٢٢ Kتبارى الناس في تشييد البيوت

. وهناك أنباء كثيرة عن)٩(تقطع من جنوبي اجلبال دون توقف طوال السنة»اقتالع الغابات وتعرية التربة وإغراق األراضي. وبعد القرن العاشر استخدمتKالصناعات الصينية األشجار بكثرة إلى درجة أجهدت اخملزون من اخلشباألمر الذي دعا إلى اتخاذ الفحم وقودا بديال عن اخلشب بشكل متزايد.وال بد أيضا من التوفيق ب} اfثل العليا الصينية احليابيئيـة وبـ} بـنـاءمدن عمالقة مثل مدينة شاجنان ومدينة هاجنشو. فقد كانت الطرق الريفية

أي تفضيل اتبـاع تـعـرجـات:Feng-Shuiتشق عادة وفق مباد� الـفـنـج-شـوي Kـسـتـقـيـمـةfواسـتـهـجـان اخلـطـوط ا Kنحـنـيـاتfاألرض والتالل الطبيعية واوالشبكات الهندسيةK أو احلمارات التي يبدو كأنها تهيمن على الـطـبـيـعـة.غير أن مباد� الفنج-شوى جرى جتاهلها تقريبا في بناء شاجنان. فالفلكيون

ميال مربعا كانوا يحاولون٣١الذين حددوا اfوقع الذي تصل مساحته إلى أن تكون اfدينة متـسـقـة مـع الـسـمـاء ال مـع األرضK إذ قـامـوا بـقـيـاس ظـلالشمس ظهرا وموضع جنم الشمال بعناية لكي يبـنـوا مـديـنـة ابـن الـسـمـاءبحيث تكون أسوارها وبواباتها متفقة مع اجلهات األربعة األصلية. وخالل

259

علم البيئة احليوية

هذه العملـيـة سـويـت الـقـرى بـاألرض واقـتـلـعـت كـل أشـجـارهـا (كـمـا تـقـولاألسطورة) إال من شجرة خروب عتيقة كان كبير اfهندس} اfعماري} يستظل

.)١٠(بها وإذا كانت شاجنان-بشوارعها الكبيرة اfستقيمة العريضة-قـد تـشـكـلـتوفق فكرة عالم الفلك عن الطبيعةK فإن مدينة هافجشـو قـد شـيـدت وفـقاfثل العليا للفنان الرومانتيكيK فلم يجر اتباع الطبيعةK وا�ا أعيد تشييدها.فاfتنزهات واحلدائق الكثيرة شيدت وزرعت وشذبت بعناية شديدة. وحتىالبحيرة الغربية كانت بحيرة صناعية. و� احلفاظ بعناية على اإليهام بأناfنظر طبيعي عن طريق جتنيد الفالح} في القرن الثالث عشر لتطـهـيـرالبحيرة وتوسيعها عن طريق احلرس اfسلح اfكلف بتنفيذ قوان} احلظـر

.)١١(اخملتلفة ضد إلقاء القمامة وزراعة اللوتس أو قسطل اfاءفما القول في أمثلة كهذه تدل على عدم االكتراث بالطبيعة في الص}

يسميها «تناقضات ب} اfوقفyi-futuanالتقليدية? إن اfؤلف يي / فوتوان من البيئة والسلوك جتاهها» وإنها لكذلك. غير أن القول بأن النظـر شـيءوالعمل شيء آخر (أو على نحو أعم إن الناس ال يرتفعون إلى مستوى مثلهمالعليا قط) يتحاشى مواجهة عدد من اfسائل. فإذا كان سلوك بناة شاجنانوهاجنشو ال يتطابق مع مواقف البوذية والطاويةK فهل كان من اfـمـكـن أنتتفق مع آراء تراث آخر? لقد سبق أن أحملنا إلى ذلك التفسير ح} ذكرنـاموقف علماء الفلك والفنان} جتاه الطبيعة. وهذا التفسير يترك بناء مثل

مكانيات السلوكيةهذه اfدن داخل التراث الديني البوذيK لكنه يقوم بتوسيع اإللذلك التراث إن يي/ فوتوان نفسه يستخدم التفرقة الصينية التقليدية ب}

(الفاعل واالصطناعي واfذكـر)(×)ال} (القابل والطبيعي واfؤنث) والـيـاجنليفسر بناء اfدينة بوصفه تأكيدا آلراء الـيـاجن وافـكـاره ومـثـلـه. وإذا كـانـتالبوذية والطاوية تراثا دينيا من طابع ال}K فإن عبادة اإلمبراطـور وعـبـادةاألسالف والكونفوشوسية ورSا حتى علم الفلك والطقوس العسكرية Cكنرؤيتها على أنها تراث ديني من طابع الياجن. وإذا سرنا في هذا الطريق فلن

مبراطور والقيام بنقـليكون هناك أي «تناقض» ب} ديانة الياجن لعـبـادة اإلاجلبال أو حفر البحيرات لبناء مدينة اإلمبراطور.

(*) Yin and Yang

260

الغرب والعالم

(*1) Saint Francis of Assisi

ولعل عبادة إمبراطور الص} قد لعبت دورا iاثال للمسيحية األوربيةفي إضفاء الشرعية على تسخير الطبيعة. كما أن التفسيرات الفلكية والفنيةللبوذية والطاوية Cكن أن تفيد في تفسير قضية إعادة تصميم الطبـيـعـة.وما من تراث ثقافي Cكنه أن يكون طبيعيا خالصا أو معاديا �اما للطبيعة.إال أنه يبدو أن الصيني} فـي نـهـايـة اfـطـاف كـانـوا عـلـى وفـاق مـع الـعـالـمالطبيعي (في الفكر والسلوك) أكثر من معاصريهم األوربي}. وأنه fن الصعب

غربيا إلمبراطور أسرة تاجن الصـيـنـيـةأن نتصور على سبيل اfثـال نـظـيـرا«الذي انطلق في وقت الربيع مع موسيقى البالط ليبهج الزهور باfوسيقى

.)١٢(الهادئة» ومن اfستحيل أن نتصور اfقابل الغربي لنقش في دير ياباني يثني علىبراعم شجرة برقوق جميلة ويحذر: «كل من يقطع سعـفـة واحـدة مـن هـذه

نسان والطبيعة عند الشرقي}. فاfساواة ب} اإل)١٣(الشجرة سيبتر له إصبع» Cكن أن يكون مردودها سلبيا بالنسبة للبشرK إيجابيا بالنسبة للطبيعة.

والواقع أن اfسيحية في العصور الـوسـطـى لـم تـقـدم رجـاال مـنـاظـريـنK رSا١٢٠٠لكهنة الشرقK ولكن القصة التي تروى عن رجل ظهر حوالي عام

كانت تكشف عن الفوارق ب} الشرق والغرب أكثر iا تكشف عن مواطـنK وكأنه بوذا مسيحيK(×١)الشبه بينهما. فقد عمد القديس فرانسيس االسيزي

إلى قيادة جماعة من الرهبان الذين لم يـكـتـفـوا Sـمـارسـة الـتـواضـع عـلـىأنفسهم بالتنازل عن أمالكهم ليعـيـشـوا مـع الـفـقـراءK بـل حـاولـوا أيـضـا أنيجعلوا البشرية تشعر بالتواضع بأن تنبذ الهيمنة اإلنسانية على الطبيعـة.وتصف األسطورة القديس فرنسيس وهو يعظ الطيور ويثني ذئبا عن مهاجمةمدينة إيطالية. لقد اعتقد القديس فـرنـسـيـس بـان احلـيـوانـات لـهـا أيـضـاأرواحK فالطبيعة بأسرها كانت عنده مقدسة. فكـان يـقـول: أخـتـنـا الـنـمـلـةوأخونا الليثK وحث مستمعيه على أن يبجلوا كل مخلوقات الله. بل لعله كانيؤمن بتناسخ األرواحK فقد كان بعض اfسيحي} واليهود في جنوب فرنسا

يؤمن بتلك العقيدة آنذاك.على أن التحدي الذي ألقى به سانت فرنسيس واآلخرون على التـراثاليهودي-اfسيحي اخلاص بالسيطرة على الطبيعة كان أشـد ثـوريـة مـن أن

261

علم البيئة احليوية

يقدر له النجاح. وهكذا قمعت اجلماعة بعنف في جنوب فرنساK واستطاعالبابا إنوسنت الثالث أن يعيد القديس فـرنـسـيـس وحـواريـيـه إلـى حـظـيـرةالكنيسة (بالرغم من أنه رأى في اfنام انهـم قـد يـسـتـولـون عـلـيـهـا) وCـيـعرسالتهم. وفي النهاية مات فرنسيسK ومنح الفرنسيسكان مبلغا طائال من

اfالK وحتولوا إلى رفقاء بالفقراء واحليوانات بعد أن كانوا رفاقا لهم.وCثل سانت فرانسيس النقطة التي اقتربت فيها اfسيحية مـن عـبـادةالطبيعة إلى أقصى مدى. ولكن لم يكن Sقدور سانت فرانسيس أن يكونبوذا على اإلطالقK ألن اfسيحية لم تعطه حتى اللـغـة الـتـي يـسـتـطـيـع بـهـاالتعبير عن مثل هذا اfوقف اfتطرف. وقد خطا القديس فرنسيس خطوةكبرى بقوله إن للحيوانات أرواحاK على ح} ان هذا األمر لم يـكـن مـوضـعشك عند الهندوكي}. فقد كانوا دائما يؤمنون بأن احليوانات مقدسة شأنهافي ذلك شأن البشر. أما بوذا فقد جتاوز هذه النقطـة عـنـدمـا جـاهـد مـعمسألة حب األحجار. ويظـهـر لـنـا الـقـديـس فـرنـسـيـس مـدى ضـيـق حـدوداfسيحية بطريقت}: فآراؤه كانت أكثر اعتداال من آراء أولياء الشرقK كمـالم تكن لديه أية فرصة حقيقية لكي يغير اجتاه الثقافة اfسيحية. فقد كان

تطرفه أقوى iا Cكن أن حتتمله الكنيسة.نناوإذا كنا نؤكد أهمية التوجهات الفلسفية اخملتلفة للشرق والغربK فإ

ال نقصد بذلك أن نتجاهل مسألة السلوك. والواقع أن وجهة نظر ل} وايتتستند إلى االختالف ب} سلوك الشرق والغرب جتاه البيئة احليوية. ولقدالحظنا أمثلة تعمير البيئة احليوية أو جتنبـهـا فـي الـصـ} الـقـدCـةK فـهـل

تدحض هذه األمثلة حجة وايت?ال نعتقد. فالدمارK أوالK ال يبدو كبيراK وثانيا ال يقول وايت أن التوحيدهو السبب الوحيد للسلوك الضار بالبيئةK فلعل عبادة اإلمبراطور قد تركتتأثيرا iاثال. لكن األكثر أهمية هو أن وايت يذهب إلى أن الفصل اليهودي-اfسيحي ب} اإلنسان والطبيعة قد أدى إلى ظهور لون من احللـم أدى إلـىتغيير شكل العالم. وعلى ذلك فعلينا أن نعود إلى مسألة ظهور العلم الغربي.

مسئولية الثورة العلمية الغربيةال شك أن العلم قد وجد قبل اfسيحية بفترة طويلة. بل لـقـد اقـتـضـى

262

الغرب والعالم

األمر من اfسيحية أكثر من ألف عام الستعادة علم اليونان األقدم} الذيأحرز درجة عالية من التقدم. وقد حافظ علماء اإلمبراطورية البيـزنـطـيـة

لى هـذهفي أوربا الشرقية والعلماء العرب في شمال أفريقـيـا وأسـبـانـيـا عاfعرفة دون أن يدخلوا عليها أي تغيير تقريبا. ولكن عندما استعاد مسيحيو

K تناولوه تـنـاوال١٢٠٠أوربا العلم اليوناني وترجموه إلى الالتيـنـيـة بـعـد عـام مختلفا للغاية عن تناول اليونان في بيزنطة وعن تناول اfسلم} في العالمالعربي. لقد نظر اليونانيون البيزنطيون إلى العلم على أنه بالغ رمزي منالله. فرأوا في النملة رسالة الله للكسالـىK وكـانـت الـنـار فـي نـظـرهـم هـي

ها الله الطالع اfسيحي على كيفية التسامي إلى السماءKالطريقة التي ارتاوقوس قزح هو رمز الرجاء-أي العالمة التي أرسلها الله لنوح بـعـد أربـعـ}

يوما من اfطر والفيضان:«ولكن ما وافى القرن الثالث عشرK حتى كـان الـالهـوت الـطـبـيـعـي فـيالغرب الالتيني يسير في اجتاه مختلف. فهو لم يعد يهدف إلى التوصل إلى

نسانK وإ�افك معنى الرموز اfادية التي يستخدمها الله ليتـواصـل مـع اإلأصبح جهدا يهدف إلى فهم العقل اإللهي باكتشاف كيف يعمـل خـلـقـه. لـميعد قوس قزح مجرد رمز علـى األمـل الـذي أرسـل لـنـوح فـي الـبـدايـة بـعـدالطوفان: إذ قدم روبرت جورسنست والراهب روبرت بيكون وثيودوريك منفرايبورج أعماال متعمقة مدهشة في بصريات قوس قزحK لكنهم قاموا بهذاكاجتهاد في الفهم الديني. والـواقـع أن كـل عـالـم كـبـيـرK ابـتـداء مـن الـقـرنالثالث عشر حتى اليبنتز ونيوتنK كان يفسر دوافعه في إطار ديني. بـل إنجاليليو لو لم يكن عالم الهوت هاويا على هذا القدر الكبير من اخلبرة fاتعرض لكل هذه اfتاعب: فاحملترفون استاءوا من تطفله. ويبدو أن نـيـوتـنكان يعد نفسه عالم الهوت أكثر منه عاfا (طبيعيا)K ولم يحدث أن أصبـحاإلCان باأللوهية أمرا غيرا ضروري لكثير من العلماء إال في أواخر القرن

.)١٤(الثامن عشر»وهكذا بدا العلم احلديث بوصفه محاولة قام بها فالسفة شديدو التدينلفهم العالم الطبيعي الذي خلقه الله ومنحهم إياه. لقد آمنوا بأن الله كشفعن مقاصده بعدة طرقK فقد كشف عن كلمته في الكتاب اfقدس-تـعـالـيـمالعهد القد� وعيسىK وأظهر صنع يديه ال الكواكب والبيئة الطبيعية التي

263

علم البيئة احليوية

نسان.سخرها لإلوهكذا كان الدافع وراء الفكر العلمي في أوله هو األمـل فـي فـهـم الـلـهوليس تسخير الطبيعة. فلقد أعلن القديس توما االكويني على سبيل اfثال:«إن اخمللوقات على األرض لم تخلق كلهاK وال حـتـى غـالـبـيـتـهـاK لـتـكـون

.)١٥(طعاما وشراب لإلنسانK وا�ا لتسبح بحمد الله وخيره وقوته بتأملها» ولكن ما وافى القرن السابع عشر حتى كانت أعمال العلمـاء احملـدثـ}األوائل-مثل كوبرنيكوس وجاليليو وسير فرنسيس بيكون وديكارت والسـيـر

(×٣) قد أفضت بطريقت} إلى نتائج ما كان لتوما اإلكوينـي(×٢)إسحق نيوتن

وسائر علماء الالهوت في العـصـور الـوسـطـى أن يـسـلـمـوا بـهـا. فـقـد أدتدراك اfتزايد للفرق ب} العالم الطبيعي والبشر.دراسة الطبيعةK أوالK إلى اإل

مكانيات تسخيروثانيا: أصبح األوربيون الذين أدركوا ذلك االختالف واع} بإالطبيعة أو التحكم فيها.

ولعله يبدو غريبا بالنسبة لنا أن الناس لـم يـدركـوا دائـمـا أن الـطـبـيـعـةنسان. فنحن مقتنعون �اما بأن العشب أو القمر أو اfنضدةمنفصلة عن اإل

اخلشبية مختلفة عنا إلى درجة يصعب معها أن نتخيل كيف Cكن للناس أنيفكروا على نحو آخر. ومع هذا تبقى حقيقة أننا في العالم الغربـي نـفـرق

نسان والطبيعةK وب} أنفسنا واألشياء احمليطةب} الناس واألشياءK وب} اإلبنا بشكل يفوق في حدته التفرقة التي قام بها أي امر� من قبل. ويبدو كأنجلودنا قد ازدادت صالبة في مائتي السنة األخيرة. وهذا لم يحدث جللودنا

منفصل}K نعملبطبيعة احلالK لكننا طورنا وعيا بأنفسنا بوصفنـا أفـرادافي عالم مليء باألشياءK وهو وعي لم يظهر إال مؤخرا للغاية.

ولعل العلم احلديثK أكثر من أي شيء آخرK هو الذي عمل على فصـلأجسادنا عن الطبيعة. فلقد سبق لنا أن رأينا كيف أن بوسع القبائل القدCةأن ترى نفسها منحدرة عن احليواناتK وكـيـف أن الـديـانـات الـشـرقـيـة قـدأكدت أن العاf} اإلنساني واحليوانيK يشكالن وحدة مترابطة. ومن اfؤكدأن دين اليهود واfسيحي} قد بدأ عملية فصل الفرد اإلنسـانـي عـن عـالـماحليوان. غير أن العلماء من القرن اخلامس عشر حتى القرن الثامن عشر(*2) Copenicus—Galileo—Sir Francis Bacon—Descartes—Sir Isaac Newton

(*3) Thomas Aquinas.

264

الغرب والعالم

قد وصلوا بعملية الفصل هذه الى حد أبعد بكثير. فحتى العلماء اfتوفـونكانوا يرون أنفسهم مالحظ} حلقيقة منفصلة. أما في اfاضيK في القروناخلمسة أو الستة أو السبعة األخيرةK فكان جميع الناس تقريبـا يـرون فـي

أنفسهم مشارك} في الطبيعةK ال مالحظ} لها.إن شعور اfشاركة في الطبيعةK بدال من التطلع إليهاK كان شائعا بصفةخاصة ب} الطبقات الدنيا في العصور الوسطىK فالفالحون واألقنان والتجاركانوا غير مدرك} في العادة للعقائد اfسيحيـة الـتـي تـصـر عـلـى انـفـصـالالعاf} اإلنساني واحليواني. لقد كانوا أميل إلى التفكير على طريقة القديسفرنسيسK أو كانوا مستغرق} في iارسة الفالحة إلى حد أنهم كـانـوا اليزالون يسلمون بأفكار العصر احلجري احلـديـث اfـوغـلـة فـي الـقـدمK عـنتشابه التربية باألمهاتK وكانوا ينظرون إلى اfطر والريح واحلصاد بطريقة

مشخصة.وحتى خيرة اfتعلم} اfسيحي} في العصور الوسطى كانت تؤمـن بـأنالعناصر الرئيسية في الطبيعة-الهواء والتراب والنار واfاء-موجودة بنسـبمتفاوتة في البشرK كما توجد في عالم الطبيعة. فكما أن وجود مقدار كبير

نه Cكن أن يشخـصمن عنصر التراب يفسر ثبات اجلبل أو الـكـرسـيK فـإأيضا على أنه علة الكآبة اإلنسانية أو الكسل. والشيء نفسه الذي يـجـعـلالسحب تطفو-أعني وجود جرعة زائدة من الهواء-يجعل بعض الناس-حسبظنهم-سعداء أو طائرين من الفرح. والنار قد تشعل الروح اإلنسانية �امامثلما تشعل حزمة ت±. فالعناصر نفسها توجد في اإلنسان والوحوشK بلوحتى في األحجار واحملاريث. وقد سلم مسيحيو العصور الوسطى أيـضـابالفروض اخلاصة بالتنجيم التي قد يكون لها أصول محلية أو لعلها جاءتKة. «فالنجوم» األخرى-حسب ظنهم-تتحكم في حياة البشرCمن الهند القد

�اما مثل حتكم الفصول وفترات اجلفاف وحالة احملاصيل.باالختصارK كان الناس في أوربا في العـصـور الـوسـطـى مـؤمـنـ} بـقـوةKان جميع الناس من قبلهم. وقد تصـورواCالطبيعة في احلياة اإلنسانية إشأنهم في هذا شأن احلضارات السابقةK أن أشياء العالم تعيش مثل الناس.فاألحجار تسقط ألنها تريد ذلك? فـهـي تـنـجـذب لـألرض أو «تـرغـب» فـياستعادة الوحدة مع األحجار األخرى. كان العالم مليئا بالسحرK وكل األشياء

265

علم البيئة احليوية

(Sا في ذلك البشر) تشارك في ذلك.

العالم رداء أو خشبه مسرح: جاليليونستطيع أن نتب} مدى ثورية العلم احلديث بالنسبة لـهـؤالء الـنـاس إذاألقينا نظرة على اللوحات التي رسموها ألنـفـسـهـم بـدال مـن قـراءة الـكـتـبالعلمية اجلديدة. فلم تكن لوحات العصور الوسطى تعرف اfنظور ذا األبعادالثالثةK وإ�ا كانت حشود الناس ترسم بعضها فوق بـعـضK كـمـا لـو كـانـتKشأنها شأن الناس Kالئكة والشياط} حقيقةfتشغل احليز نفسه. وكانت اوالهاالت حقيقية شأنها شأن الرؤوس التي حتيط بـهـا. وفـجـأة فـي بـدايـة

في إيطاليا. وبعد هذا في أماكن أخرى بدأ الفنانون يرسمون١٣٠٠سنوات الناس واfباني من خالل ثالثة أبعادK إذ يبدو أنهم أدركوا فجأة أن األشياءتشغل حيزاK وأن الناس في مقدمة الصورة تبدو أكبر من الناس في خلفيةالصورة ألن مسافة ما تفصل بينهمK وحتى الشكل اfستطيل اللوحات (الذينسلم به اآلن) أخذ في تلك اآلونة يزداد شيوعا: فأصبحت الـلـوحـة أشـبـهبنافذة تطل على العالم. والذي حدث هو أن الفنان قد بدأ ينظر إلى العالمبوصفه مالحظاK وفصل نفسه عن محيطه وحاول أن يكرر ما يراه. وهـذابالضبط ما حاول العلمـاء احملـدثـون األوائـل أن يـفـعـلـوهK إذ رجـعـوا لـلـوراءخطوات لينظروا إلى العالم-إلى النجوم أو الفراشات-بوصفهم مـالحـظـ}محايدين ال مشارك}. لقد أخذوا يقيسون األشياء بدل أن يتناغموا معها-

أصبح العالم-على حد تعبير شكسبير-١٦٠٠وكانت هذه ثورة. وبحلول سنوات خشبه مسرح: فهو لم يعد رداء يلتف به اإلنسانK وإ�ا مشهدا يالحظه.

وقد ساعدت كل «اكتشافات» العلم احلديث على حدوث ذلك. ولعلها لمتكن «اكتشافات» بقدر ما كانت إبـداعـات جـديـدة أو طـرقـا جـديـدة لـرؤيـةاألشياء. وCكن أن نعبر عن القضية بطريقة أخرى فنقول: لعل اكتشافاتمختلف العلماء لم تكن في أهمية النظرة اجلديدة إلى العالمK التي أفضتبهم إلى هذه االكتشافات. ولقد كانت هذه النظرة التي بـنـي عـلـيـهـا الـعـلـماجلديد-أي االفتراض القائل بأن الناس والطبيعة مختلفون بشكل جوهري-

تنطوي على نتائج هائلة بالنسبة إلى البيئة احليوية.) هو حتـسـ}١٦٤٢- ١٥٦٤ان الفضل الذي ينسـب عـادة إلـى جـالـيـلـيـو (

266

الغرب والعالم

)١٥٤٣- ١٤٧٣التليسكوب وتوجيهه نحو السماء وتدعيم نظرية كوبرنيكوس (القائلة إن األرض تدور حول الشمس وليس العكس. وكل هذا حقيقيK ولكنالسبب الذي دفع جاليليو إلى استخدام التليسكوب أصال هو أنه آمن بأنالكواكب ليست مصادر حية للضوء (كما كان يعتقد معظم مـعـاصـريـه) بـل

هي باألحرى كرات ميتة من اfادة مثل األرض والقمر.والواقع أن اإلجناز الكبير الذي حققه علم الفيزياء األوربي (من حوالي

) هو تطوير منهج لوصف العالم الفيزيائي اfنفصل في إطار ال Cكن١٥٠٠تفنيده. ويرجع ذلك إلى أن العلماءK من أمثال جاليليوK حولوا انتباههم عنكل السمات «الذاتية» للعالمK واجتهوا إلى السمات «اfـوضـوعـيـة»-أي تـلـكالصفات التي Cكن قياسها. فبدال من التساؤل عن صفات ذاتية مثل «األمل»في سقوط اfطرK قاموا بقياسه. وبدال من التـسـاؤل عـن مـذاق الـشـيء أوصوته أو رائحتهK تساءلوا عن حجمه أو شكله أو معدل حركته. لقد ركزواباختصار على تلك الصفات في الشيء التي Cكن قياسهـاK ألن اfـقـايـيـسغير قابلة للتأويل والتفسير. وإذا كان من اfمـكـن أن تـظـهـر وجـهـات نـظـرمتضاربة بخصوص «معنى» شيء يسقط من علK أو حتى تفسيرات مختلفةبخصوص الصوت الذي يحدثه ذلك الـشـيء عـنـد ارتـطـامـه بـاألرضK فـالنCكن أن يختلف اثنان حول سرعة حركتهK عندما يتم حسابها. وهكذا فإ

قيمة العلم تكمن في أن نتائجه ال Cكن اجلدال بشأنها ولكن مشكلة العلممن وجهة نظر البنية احليـويـة هـي أنـه كـان مـن الـضـروري الـتـغـاضـي عـنالعنصر اإلنساني أو «الذاتي» حتى Cكن لم الصفات اfوضوعية; ومن ثـمفإن نتيجة النظرة العلمية هي رؤية موضوعات العالم الطبيعي كما لو كانت

ميتة. استمع إلى جاليليو وهو يشرح منهجه:ن تصورا عن شيء ماK أشعر على التو بأن من الضروري«Sجرد أن أكو

أن أنظر إليه على أن له حدودا بشكل أو آخرK وأنه أكبر وأصغر بالـنـسـبـةلألشياء األخرىK وأنه في هذا اfكان أو ذاك وفي هذا الزمن أو ذاكK وأنهفي حالة حركة أو سكونK وأنه في �اس مع جسم آخر أوال.... ولكنني الأجد نفسي إطالقا مضطرا إلى حتديد ما إذا كان أبيض أو أحمرK مرا أوحلواK صائتا أو صامتاK طيب الرائحة أو خبيثها. ولذا أعتقد أن هذه اfذاقاتوالروائح واأللوان... الخ ما هي إال أسماء بالنسبة لألشياء التي تصدرها أو

267

علم البيئة احليوية

تتسم بها. إنها ال توجد إال فيمن يالحظها.... وأنا اعتقد أن أي شيء فياألجسام اخلارجية تسب اfذاق والروائـح واألصـوات... الـخ سـوى احلـجـم

.)١٦(والشكل والكم واحلركة» وCكننا القول-Sصطلحنا-إن جاليليو قد استنتج أن «الصفات األولية»(أي التي Cكن قياسها) هي وحدها اfوجودة. ما الصفات الثانوية التي الCكن أن تقاس بسهولة فهي غير موجودة. وهذا اجتاه ظل سائدا في العلماحلديثK منذ ذلك الوقت; فالعالم معني بتقد� اfعلومات الـدقـيـقـةK وهـوفي محاولته هذه يستخلص الصفات الالشخصية «اfوضوعية» أو الكميـةفي الشيء موضوع البحث. وتلك هي الـطـريـقـة الـوحـيـدة الـتـي يـكـون بـهـاالقياس iكنا. لكن هذا يعني فصل هـذه الـصـفـات الـقـابـلـة لـلـقـيـاس مـن

السياق العضوي الكلي للشيء.ولنأخذ الفراشات مثال. فبوسعنا أن نستمتع بالـفـراشـات جلـمـالـهـا أوKألوانها أو رشاقتها-كما أن بوسعنا أن نحاول فهمها. ومهمة العلم هي الفهمKوفهم شيء مثل الفراشات يقتضي أن نسأل أسئلة قابلة للجواب: ما أحجامهاوأنواعها اخملتلفةK وما سرعة طيرانهاK وكيف تبقى طائرة? وهذه كلها أسئلة

جابة عنها موضوعيا ألنها ال تقتضي مـنـا إال أن نـقـوم بـقـيـاسـاتCكـن اإلوحسابات محددة. فنحن ال نسأل أي الفراشات جميلة ألنه ال توجد طريقة

لقياس هذاK وال توجد طريقة للحصول على جواب موضوعي.والواقع أن وظيفة العالم Cكن أن تكون مفيدة للغاية-حتى من الناحيـةاحليابيئية. فقد نرغب مثال في أن نعرف شيئا عن األنواع اخملتلفة للفراشاتلنزيد من بعض األنواع اfهددة باالنقراض. واfشكلة هـي أنـه كـلـمـا ازددنـاانشغاال بالقياس والعدK قلت رؤيتنا لألشياء الطبيعية في كـلـيـتـهـا. إنـنـا النتحدث إال عن اجتاه واحد في العلم-لكـنـه اجتـاه حـقـيـقـي لـلـغـايـة. فـأحـداجتاهات العلم هو عزل صفات الشيء التي Cكن قياسها وجتـريـدهـاK ثـمتناولها كما لو كانت منفصلة عن الشيء الكـلـي. لـكـن هـذه لـيـسـت شـروطالبحث اfنهجي فحسبK وا�ا هي أيضـا الـشـروط الـتـي فـي ظـلـهـا �ـوتاخمللوقات العضوية. والدليل على ذلك اسـتـحـالـة أن تـزن فـراشـة حـيـة أو

تقيسها.لقد مكننا احللم احلديث من فهم عاfنا ألنه بسط العمليات العضـويـة

268

الغرب والعالم

اfعقدة بحيث تتطابق مع القوان} اfيكانيكية. واستطاع جاليليو ونيوتن أنيقوال لنا الكثير عن سرعة األجسام بتنـاول األشـيـاء اfـتـحـركـة «أجـسـامـا»سواء كانت هذه األشياء بشرا أو حيوانات أو كرات أو نيازك. فعندما تدرساحلركة تكون كل األشياء اfتحركة متساوية. ولقد كان بوسع علماء القرن}السابع والثامن عشر أن يخبرونا بالكثير عن حركة الكواكب وأشياء األرضبأن تخيلوا أنها كلها تتحرك ككرات البنج بوجن أو البلياردو. وهذه طريـقـةاتبعوها لتبسيط مشكالت الوزن والكتلة واfادة. والشـك أن األجـوبـة الـتـيحصل عليها العلم كانت ذات فائدة كبيرة وهذه األجوبة كان من اfستحيـلأن تظهر في إطار الفرض السائد في العصور الوسطى والقائل بأن الكواكبوالصخور تسلك وفق إرادتها أو رغبتها. إذ ال Cكن أن يـقـوم الـعـلـم مـادامالناس ينظرون إلى الصخور والكواكب كما لو كانت تنطلق بالـهـوى (تـسـيـرعلى هواها) وهكذا قضى العلم على هوى القوى الطبيعية وإرادتها بردهـا

لهية. وقد استخدمت تلك القوان} في الثقـافـة اfـسـيـحـيـةإلى قوانيـنـه اإللفرض «الهيمنة على األسماك والبحرK وعلى الطيور في السماءK وعلى كل

شيء حي يتحرك على األرض».

ملزيد من االطالع «اجلذور التـاريـخـيـة ألزمـتـنـاLynn Whiteأعيـد طـبـع دراسـة لـ} وايـت

Ecology and Religion inاحليابيئية» في كتاب احليابيئية والدين في التاريخ

History بإشراف ديفيـد وايـلـ} سـبـرجن David and Eleen Springوفي كـتـاب التدهور البـيـئـي فـي سـيـاقـه الـتـار يـخـيRobert Detweilerروبرت ديـتـويـلـر

Environmental Decay in its Hostorical Contextوفي اإلنسان الغربي وأخالق Ian Barbour بإشراف إيان باربور Western Man and Environmental Ethicsالبيئة

وكلها حتتوي على مقاالت أخرى iتازة. وقد �ت مـنـاقـشـة الـتـقـابـل بـ}وجهات النظر اfسيحية والشرقية جتاه الطبيعة على مستوى نظري وبطريقة

,Nature الطبيعة والرجل واfرأة Alan W. Wattمبسطة في كتاب أالن و. وات

Man and Womanسـيـحـيـةfركب التفسيري الشامل للخلفية اfلكننا جند ا . الرائع: التقنياتLewis Mumfordللتكنولوجيا الغربية في تاريخ لويس iفورد

.Technics and Civiliszationواحلضارة

269

علم البيئة احليوية

وحتى Cكننا أن نفهم األفكار اfسيحية في العصور الوسطى جتاه الطبيعة إلى تواريخ العلم والفلسفة. وهناك كتب جيدة عنها.فإن الذهن يتجه عادة

{fولعل خير تاريخ للعمل كتاب ستيفن توStephen Toulminوجون جود فيلد June Good Field نسيج السماوات The Fabric of Heavensعن الفلك وكتابهما

The عن الفيزياءK وكتابهما اكتشاف الزمن Architecture of Matterبناء اfادة

Discovary of Timeعن التاريخ واجليولوجيا. وإذا أراد الـقـار� كـتـابـا يـركـز A. C Crombieعلى العلم في العصور الوسطى فعليه بكتاب أ. س. كرومبى.

Medieval and Early Modernعلم العصور الوسطى وبواكيـر الـعـلـم احلـديـث

Science وكتاب شـارلـز سـنـجـر Charles Singer من السحـر إلـى الـعـلـم From

Magic to Scienceوكتاب م. كالجيت M. Clagett يكانيكا في العصـورfعلم ا وإذا أراد الــقــار�The Science of Mechanics in The Middle Agesالـوســطــى

تاريخ الفلسـفـةE Gilsorكتابا يركز على الفلسفة فعليه بكتـاب أ. جـيـلـسـونHistory of Christian Philosophy in the Middleاfسيحية في العصور الوسطى

ages وكتاب جوردون ليف KGordon Leff التفكير في العصور الوسطى Medieval

Thoughtوكتاب هـ. أ. و. تـيـلـور H. O. Taylor عقلية العـصـور الـوسـطـى The

Medieval Mind وكتاب موريس دي وولف Maurice de Wulfالفلسفة واحلضارة وكتابPhilosophy and Civilization in the Middle Agesفي العصور الوسطى.

The Mind of the Middle Ages عقل العصور الوسـطـى F.B. Artzف. ب آرتز

Medieval فلسفة العصور الوسطى F. C. Coplestonوكتاب ف. س. كوبلستون

Philosophy.ولكن معظم هذه الكتب تركز علـى االكـتـشـافـات واإلبـداعـات اخلـاصـةباfثقف}K وتترك آراء معظم الناس وحتى افتراضات اfثقف} الثابتة اfوجودةب} السطور. وهكذا جند أن فحوى موقف العصور الوسطى جتاه الطبيعة

C. S. Lewisقـد يـكـون أيـسـر فـهـمـا مـن خـالل كـتـاب مـثـل: س. س. لـويـس

انقاذOwen Barfield أو كتاب اوين بارفيلد Discarded Imageالصورة اfنبوذة وهو (كتاب رائع باfثل وفريد(وهناك كتابSaving the Appearancesاfظاهر

The سلسلة الوجود الكبرى O. Lovejoyكالسيكي آخر هو كتاب او. لفجوى

Great Chain of Being او أ. م. وتـيـلـيــارد E.M.W.Tillyardصـورة الـعـالـم فـي وهو يعالج حـقـيـة مـتـأخـرةThe Elizabethan World Pictureعصر الـيـزابـيـث

270

الغرب والعالم

شكل تاريخWillian I. Brandtنوعا. والفصل األول من كتاب وليم ج. برانت The Shape. ofالـعـصـور الـوسـطـى: دراســات فــي أ�ــاط اإلدراك احلــســي

Medieval History: Studies in Modes of Perception.مـفـيـد بـالـدرجـة نـفـسـهـا وهناك كتابان كالسيكيان آخران سبق ذكرهما ويصـلـحـان فـي هـذا اfـقـام

The Waning of the أقول العصور الوسـطـى Huizingaوهما كتاب هـويـزجنـا

Middle Agesوكتاب لـ} وايـت األصـغـر Lyhn White Jrتكنـولـوجـيـا الـعـصـور .Medieval Technology and Social Changeالوسطى والتغيير االجتماعي

وبالنسبة للمهتم} بعقد مقارنة مع احلضارة اآلسيوية فيمكن أن نوجه العلم واحلضـارةJoseph Needhamالنصيحة نفسها. فكتاب جوزيـف نـيـدام

الواقـع فـي عـدة أجـزاء عـمـلScience and Civilization in Chinaفـي الـصـ} ضخم كله رؤى ثاقبة ومعلومات. وهو في مجال اfقارنة مع احلضارة الغربيةذو فائدة ال تقدر. غير أن الدراس اfبتد� قد يفهم اfوقف اآلسيوي جتـاه

Joseph Campbellالطبيعة على نحو أفضل من خالل كتاب جوزيـف كـامـبـل

وكتابThe Masks of God: Oriental Mythologyأقنعة الله: اfيثولوجيا الشرقية Intellectual األسس الثقافية لـلـصـ} Fredreick W. Moteفريدريـك و. مـوت

Foundations of China أو حتى كتاب هرمان هسه Herman Hesseسد ضرطا Siddhartha ويعد كتاب منشيوس .The Book of Menciusكتابا كالسيكيا يضم

إشارات إلى اإلسراف في استخدام الطاقة واحلفاظ على البيئة وتخـزيـنالطعام والسيطرة على الفيضان.

السيطرة احليابيئية في احلضارةLeon E. Stoverوكتاب ليون أ. ستوفر Ecology of Chineseالصينية: الفالحون والصفوه في آخر الدول الزراعـيـة

Civilization: Peasants and Elites in the Last of the Agrarian Statesدراسة حديثة صعبة.

ومن ب} اfداخل التي تسهل قراءتها عن الثورة الفكرية للعلم احلديـثThe Origins أصول العلم احلديث Herbert Butterfieldكتاب هربرت بتروفيلد

of Modern Science وكتاب ارثر كوستلر Arthur Koestler السائرون نياما The

Sleep Walkersوجود فيـلـد الـسـابـق ذكـره. وثـمـة كـتـاب تـنـاول {fوكتاب تو اfوضوع بشكل يشحذ الفكر ويتعرض للناحية النظرية أكثر مـن غـيـره مـن

األسس اfيتافيزيقية للعلم احلديثE.A. Burttالدراسات وهو كتاب إ. أ. بيرت

271

علم البيئة احليوية

The Metaphysical Foundations of Modern Scienceوكـتـاب تـومـاس س. كــون Thomas S. Kuhn بناء الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolutions

.Charles Cوإذا أراد القار� تاريخا شامال فعليه بكتاب شارلز س. جيليسبى

Gillispie وضوعـيـةfحافة ا The Edge of Objectivityوكتاب أ. ر. هـول A. R.

Hall ١٥٠٠-١٨٠٠ ١٨٠٠-١٥٠٠ الثورة العلمية The Scientific Revolution.وبطبيعة احلال هناك طرق أخرى عديدة لتناول موضوع احليابيئة حتىفي الفترة التي اخترناها. وأحيانا جند أن أهم الكتب في الواقع هي التيتتجاهل احلدود التقليدية والتاريخية واجلغرافيةK بل وحتى حدود اfوضوع.

البحر األبيضFernand Braudelوأول ما يخطر بالبال كتاب فرناند بروديل Theاfـتـوسـط وعـالـم الـبـحـر األبـيـض اfـتـوسـط فـي عـهـد فـيـلـيـب الـثـانـي

Mediterranean and The Mediterranean World in the age of Philip IIوالنصـف األول من اجمللد األول لهذه التحفة الرائعة ينـاقـش دور الـبـيـئـة بـطـرق قـدتصلح �وذجا يحتذى fا سيكـتـب مـن أعـمـال عـن مـنـاطـق وأزمـنـة أخـرى.Kوهناك عمل ضخم آخر يصلح نقطة بداية لدراسة تاريخ علم احلـيـابـيـئـة

أزمنة التخمة وأزمنة اجملاعة: تاريخLe Roy Ladurieوهو كتاب لورى الدورى Time of Feast and Time of Famine: History of C of Climateاfناخ منذ ألف عام

Since the 1000 Yearكن تناوله أيضا من منـظـورC وموضوع علم احليابيئة وجود نسق حيابيئي واحد في العالمK آخذ في الظهور في اخلمسمائة عام

األصغـرK الـتـبـادلAlfred W. Crosbyاألخيرة. وكـتـاب الـفـريـد و. كـروسـبـي :The Colum Bian Exchange ١٤٩٢الكوfبي: النتائج البيولوجية والثقافية لعام

Biological. 1492 and Cultural Censequences ofيبدأ مثل هذه الدباسة بشكل يستغرق اهتمام القار�. وهو كتاب تسهل قراءتـه. وأخـيـرا إن أراد الـقـار�نظرة عامة ذات طابع جتريبي للحيابيئة اإلنسانية عبر التـاريـخ فـعـلـيـه أنيرجع إلى الكتاب التمهيديK اإلنسان والطبيعة: مقال من وجهة نظـر عـلـم

Man and Nature: An Anthropological Essayنسانية اإلنسان في احليابيئة اإل

in Human Ecology من تأليف ريتشارد أ. واطسون Richard A. Watsonوباتي التـربـةEdward Hymas وكتـاب ادوارد هـيـامـز Patty Jo watsonجو واطـسـون

.Soil and Civilizationواحلضارة

272

الغرب والعالم

الهوامش

1- Arnold Toynbee, The Religious Backgroud of the Present Environmental Crisis, International

Journal of Environmental Studies 3 (1972) : 141-146. Reprinted in David and Eileen Spring, eds.,

Ecology and Religion in History (New York: Harper & Row, 1974), p.146.

2- Ibid., pp. 142-143.

3- Spring, Ecology and Religion, pp. 4-5. Lynn White,s account is in “Continuing the Conversation”

in Western Man and Environmental Ethics, ed. Ian Barbour (Reading, Mass: Addison Wesley,

1973), p.55.

4- Lynn Whit, Jr., “The Historical Roots of Our Ecologic Crisis,” in Spring, Ecology and Religion,

pp.19-20.

5- Ibide., 22-23.

6- Brihadaranyaka Upanishad (c. 700B.C.)

بتصرف عن:Joseph Campbell, The Masks of God:å Oriental Mythology (New York: Viking Press, 1970), pp. 9-

10.

the Masks of God: Oriental Mythology (New York: Viking Press, 1970). pp.9-10.

7- Herman Hesse, Siddhartha, trans. Hilda Rosner (New York: Bantham Books, 1971), p. 145.

†8- Quoted in Yi-Fu Tuan, “Discrepancies Between Environmental Attitude and Behaviour:

Examples from Europe and China, The Canadian Georapher, 12, no. 3 (1968), quoted in Spring,

Ecology and Religion, p.100.

9- Ibid., p. 103.

10- Ibid., p. 107.

11- Ibid., p. 93.

12- Kahuzo Okakura, The Book of Tea (New York: Dover, 1964), p.54.

13- Ibid.,

14- White, in Spring, Ecology and Religion, p. 26-27.

15- Quoted in Ernest L. Tuveson. Millenium and Utopia (Berkeley: University of California, 1949),

p.84.

16- Lewis Mumford, Technics and Civilization (New York: Harcourt Brace Jovanovich), p. 49.

273

علم البيئة احليوية

����� �������� ���� � ���������������

��������

������ �����

�������� �!"#

�$�%&�

'200( . 150

������� )�*+����,�","-���

600 ( 300)������ /4�!#

�7��8�� ����9��

600 ( 300

���,�:-4

565 ( 527

��<!��� =�>:��

��,���� )��?@��

800 ( 550

B!� )���

618 ( 589

����9� ��!"#%DE F,��GH�# )���

900 ( 600632 ( 570907 ( 618

IJK� � L:���

738 ( 632

������� ����

1500 � 5000 � ����� �����

274

الغرب والعالم

����� ���

���

������ ����

��� ���������� ���������� �!�"

�#��!$�Nara

��%��� ������784& 710

733 �#��!$� ��'715& 711

���( �!�"

���� )����Heian

800���#� *

1185 & 794

)�+����� ,-

1066& 793

)��$ ��$���#!% ��#$

1279 & 907����#.�/

Fujiwara

1160 & 866

�'�!:��;<�. �=%

>�:%?� ���@A����

1200 & 1000� ���� ����B��" ��$���

1000

���#C�� D��E��� ��!'GI�J��� K�=��?�

G����� LM��1054 ���� �'

1350 & 1050

O�P� �#!#�=�� ���M�

1099 & 1096

�#����� �#!#�=�� ���M������ QRS �:����

1149 & 11471193 & 1138

������� �#!#�=�� ���M�

1192 & 1189

��T���� �#!#�=�� ���M�

1204 & 1202U�' ��T >�:%?�

1185

275

علم البيئة احليوية

����� �������� ���� � ���������������

��������

����������� ����� ����!"#���� ��$

12041227 % 1162�����&��

'(�����

)��(��(*�� �+�()!+���)

Shogun

1204(.�+/����)

�+���3�

�5 ��8+��

1500 % 1200

:���;� <��=�� <�>������� +�+� +?��/

1226 % 11821275 +�A�B

C�+? � �/+D <�>���

1274 % 1225

EFGH� )/ >��I�

��J�K���

1294 % 1218

�+��� �!��

1294 % 1214

1321 % 1265 N=�#

1337 % 1276 +D+!O��P � "��8

1600 % 1300

1374 % 1304 Q���(�

(#+�;� E+I�) �+$����R�/ "���

1350 % 13481644 % 1368

1450 �&J�I�

276

الغرب والعالم

����������

�� �� ����

1519 � 1425�� �

������

1453

1528 � 1471

���� �����

1564 � 1475

��������!

1543 � 1473

"���� #�����$ %����&�!�'�� (�'$

1627 � 1561Tokugawa

1868 � 1600

������&)�*� ��� +��,-�

1642 � 1564

.�����

1650 � 1596

/����

1727 � 1642

277

ا,ؤلف في سطور:د. كافQ رايلي

)K وعضـو١٩٨٣- ١٩٨٢× مؤرخ أمريكيK ورئيس جمعية التاريـخ الـعـاfـي (اجلمعية التاريخية األمريكية.

× متخرج في جامعة رجترز بالواليات اfتحدة.× له عدة مؤلفات أهمها:

× الكتاب الذي ب} يدي القار� ويعد �وذجا خاصا ومتميزا في تدريسالتاريخ من خالل قضايا وموضوعات.

× مجموعة من اfقاالت والدراسات.× وكتاب عن تدريس التاريخ عامةK وتاريخ احلضارة خاصة.

ا,ترجمان في سطور د. هدى عبد السميع حجازي×

× أستاذ مساعد بكلية البنات (جامعة ع} شمس) معارة جلامعة اfلكسعود بالرياض.

× دكــتــوراه فــي األصـــولالفلسفيـة واالجـتـمـاعـيـة مـنجــامــعــة رجتــرز بــالــواليــات

١٩٧٩اfتحدة عام - من مؤلفاتها:

× كتاب مهنة التعليم× مقاالت في التربية وفيالنظام التعليمي في إسرائيل.

د. عبد الوهاب محمد ا,سيري × اسـتـاذ بـكـلـيـة الـبــنــات(جـامـعـة عـ} شـمـس) مـعـارجلامعة اfلك سعود بالرياض.(قـــســـم األدب اإلجنـــلـــيــــزي

واfقارن..).× شـغـل وظــيــفــة خــبــيــر

تربية اليسروتخلف التنمية

تألــيف:د. عبدالعزيز اجلالل

الكتابالقادم

278

الصهيونية Sركز الدراسات السياسية واالستراتيجية باألهرام حـتـى عـام١٩٧٥.

× عمل مستشارا ثقافيا للوفد الدائم جلامعة الدول العربية بهيئة األ�.١٩٧٩- ١٩٧٥اfتحدة ب} عامي × من مؤلفاته:

× موسوعة اfفاهيم واfصطلحات الصهيونية. (وهو يعد لطبعة جديدةمنها ستصدر خالل عام إن شاء الله)

× الشعر الرومانتيكي اإلجنليزي: النصوص األساسيةK وبعض الدراساتالتاريخية والنقدية.

× االيديولوجية الصهيونية: دراسة-في علم اجتماع اfعرفة-جزآن (صدرفي سلسلة عالم اfعرفة)

ا,راجع في سطورد. فؤاد زكريا

)١٩٢٧× من مواليد بور سعيد بجمهورية مصر العربية (.١٩٥٦× دكتوراه في الفلسفة من جامعة ع} شمس عام

× رأس حترير مجلة الفكر اfعاصرK وتراث اإلنسانية في مصر.× من أعماله اfنشورة:

× اسبينوزا ونظرية اfعرفة× اإلنسان واحلضارة

× التعبير اfوسيقي× مشكالت الفكر والثقافة

× ترجمة ودراسة جلمهورية افالطون× ترجمة العقل والثورة (ماركيوز)

× ترجمة حكمة الغرب-جزآن)صدر-في سلسلة عالم اfعرفة)× يعمل حاليا رئيسا لقسم الفلسفة بجامعة الكويتK ومستشارا لسلسلة

عالم اfعرفة.

ABCDEFG 97

الغرب والعالم(القسم الثاني)

تاريخ احلضارة من خالل موضوعات

كــــــــاڤــــــــني رايـــــــــلـــــــــيتــــــــألــــــــيـــــــــف: د. عبدالوهاب محمد املـسـيـريترجمـة:

د. هـدى عـبـدالـسـمـيـع حـجـازيد. فــــــــؤاد زكــــــــريـــــــــامــــــــراجــــــــعـــــــــة: X¹u

J�« ‡ »

«œü«Ë Ê

uMH�«Ë

W�UI¦K�

wMÞu�

« fK:

« U¼—bB

¹ W¹dNý

WO�UIŁ

V²� WK�

acb

ABCDEFG

تاريخ احلضارة من خالل موضوعاتتاريخ احلضارة من خالل موضوعات

acbالغرب والعالم

(القسم الثاني)

كاڤني رايليتأليف: د. عبدالوهاب محمد املسيريترجمة:

د. هدى عبدالسميع حجازيد. فؤاد زكريامراجعة:

X¹uJ�« ‡ »«œü«Ë ÊuMH�«Ë W�UI¦K� wMÞu�« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WO�UIŁ V²� WK�KÝ

97

صدرت السلسلة في يناير ١٩٧٨ بإشراف أحمد مشاري العدواني ١٩٢٣ ـ ١٩٩٠

d¹UM¹

1986

ا,واد ا,نشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبهاوال تعبر بالضرورة عن رأي اجمللس

الباب الرابعبدايات العالم احلديث

1500-1800

7

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

السياسة واملثل العليا: الدولالعلمانية والطبقات الوسطى

أبدى األمريكيون في السنوات القليلة ا>اضية8وال سيما بعد نيكسون8 اهتماما جديدا بأمر األخالقفي السياسة. وبينما سخر البـعـض مـن إمـكـان أنتصبح السياسة ذات طابع أخالقي8 التمس غيرهمالوسائل لتحقـيـق الـثـقـة فـي احلـكـومـة عـن طـريـقإصالح ا>ؤسسات وانتخاب السياسيX من أصحاب

ا>ثل العليا.وسنعمل في هذا الفصل على فهم بعض اآلمالالتي أصبحنا8 فـي الـعـصـر احلـديـث8 نـعـلـقـهـا عـلاألخالق السياسية بالتركـيـز عـلـى آراء أهـم ثـالثـةمفـكـريـن سـيـاسـيـX فـي الـقـرنـX الـسـادس عـشـروالسابع عشر8 وهم مكيافلي وهوبز ولوك. وترجعXأهـمـيـة مـكـيـافـلـي إلـى قـيـامـه بـصـيـاغـة فــكــرتــأسـاسـيـتـX فـي تـصـورنـا لـلـعـالقـة بـX الـسـيـاســةواألخالق8 أوالهما إمكان قيام علم للسياسة أو علمالـسـيـاسـة8 والـثـانـيـة أن أخـالق الـدول الـعـلـمـانـيــةاحلديثة قد تكون8 بل ينبغي أن تكون8 مختلفة عنا>ثل السياسية لألفراد. ولكننا ال نعيش في عـالـم

13

8

الغرب والعالم

يحترم العلم والدولة فحسب8 فنحن نحترم أيضا أشكال احلكم الدستوريةXوالقانونية8 وهى مستمدة من ثورات الطبقة الوسطى الرأسمالية في القرنالسابع عشر والثامن عشر. وهكذا نعود إلى النظرية السياسية عند هوبزولوك ألنهما من بX أوائل من استكشفوا النتـائـج الـسـيـاسـيـة واألخـالقـيـة

الكامنة في ثورات الطبقة الوسطى هذه.

Niccolo Machivelliمكيافلي

«جرت عادة أولئك الذين يريدون أن ينالوا حظوة عند األمير أن يسعواإلى هذا بأن يقدموا له الهدايا من نفيس مقتنيـاتـهـم8 أو مـا يـعـلـمـون بـأنـهيدخل السرور على نفسه بشكل خاص ولذا غالبا ما يقدم لألمراء اجليادواألسلحة واخللع والدرر واحللي الالئقة بسؤددهم8 ولكن رغبة مني في أنأدفع إلى سموكم شاهدا متواضعا عل إخالصي8 لم أجد بX مقتنياتي أعزوال أسمى من علم xآثر أعالم الرجال8 اكتسبته من خبرتي الطويلة باألحداثا>عاصرة ودراستي ا>تصلة للماضي. وتد بذلت قصارى جهدي باحثا مدققافي أعمال العظماء. وها أنذا أقدم إلـى سـمـوكـم ثـمـراتـهـا بـX دفـتـي هـذا

.)١(السفر الصغير»هكذا يبدأ مكيافلي كتاب األمير. ولـعـل هـذا «الـسـفـر الـصـغـيـر» الـذييتناول األخالق قد نال من الثناء واللعنات8 وتـرك مـن األثـر عـل قـرائـه مـايفوق أي سفر أو كتاب آخر فقد وسم بأنه من عمل الشيطان8 وبأنه فاحتةعلم السياسة8 وبأنه ترنيمة للحرية8 وبأنه سخرية ونكتـة وحتـذيـر8 وإلـهـامالهي-ومجرد وصف للواقع السياسي. وقد أعلن نابليون بونابرت8 بعد مضيثالثة قرون على كتابته8 أنه الكتاب السياسي الوحيد الذي يستحق القراءة8وحتى اليوم تتزايد التفسيرات ا>تنوعة. ولو أثبتنا قائمة بالكتب وا>قـاالتالتي نشرت عن مكيافلي واألمير لزاد حجم هذه القائمـة عـن الـصـفـحـاتالثمانX التي يتألف منها النص األصلي لهذا السفر الصغير وبالرغـم مـنأنه كتب بطريقة بسيطة مباشرة8 فانه أثار من التفسيرات بقدر عدد القراءتقريبا. ولكن لعل الشيء الوحيد الذي يتفق عليه اجلميع هو أن الكتاب بالغ

األهمية.إن السطور االستهاللية ا>ذكورة آنفا توحي بأن مكيافلي اعتبـر كـتـابـه

9

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

هدية إلى أمير. فلقد شعر بأن خير هدية يقدمها إلى لورنزودي مديتشى8حكم فلورنسا اجلديد8 هي أن يقدم إليه خالصة ما يعرفه عن السيـاسـة.ولنا أن ننظر إلى هذه «الهدية» أيضا على أنـهـا طـلـب اسـتـخـدام8 ذلـك أن

إلى١٤٩٨ عاما من اخلدمة العامة >دينته احملبوبة(من عام ١٤مكيافلي بعد )8 تعلم الكثير8 ولكنه أصبح أخيرا بدون عمل. فقد خدم احلكومة١٥١٢عام

«اجلمهورية» (احلرة والشعبية) التي أطاحت بأسرة مديتشـي مـن احلـكـم.ومع أنه لم يكن يعد نفسه معاديا آلل مدينشي8 فإنه رئس ميليشيا اجلمهورية8وأجنز مهمات دبلوماسية للجمهورية8 وقام باتصاالت هامة مع أعداء األسرة.

١٥١٢8فلما �كنت اجليوش البابوية من إعادة آل مديتشي إلى السلطة عام كان اسم مكيافلي على رأس قائمة ا>تآمرين اجلمهوريX. فاعتقـل وعـذبثم أطلق سراحه لثبوت براءته. لكن لم يطلب منـه أن يـسـتـأنـف عـمـلـه فـيا>دينة. وقد ظل طيلة السنوات األربع عشـرة الـتـالـيـة (حـتـى وفـاتـه) يـقـرأويكتب ويسعى إلى استعادة أنفع عمل يعرفه8 وهو خدمة ا>دينة التي «آثرهاباحلب على نفسه» وكـانـت مـأسـاة مـكـيـافـلـي الـكـبـرى أن آل مـديـتـشـي لـميسترجعوه ثانية. ولم يحقق الكتاب الهدف الذي يـرمـي إلـيـه8 وهـو إدخـالالسرور على قلب األمير الذي لم يعر الكتاب أي التـفـات. ووقـعـت ا>ـأسـاة

١٥٢٧8اخلتامية في حياة ميكافلي عندما أطيح بآل مديتشي مرة أخرى عام واستعيد احلكم الد�قراطي8 وعاد «طلب» االستخدام القد� الذي كان قد

) ليطارده ويعذبه فهرع إلى فلورنسا8 غير أن ذيوع مخطوطة١٥١٣قدمه عام (كتاب األمير أوغر عليه صدر عدد كبير من اجلمهوريX. وقد وافته ا>نيـة

قبل أن يبلغه خبر رفض اجمللس تعيينه.وكتاب األميـر دروس فـي احلـكـم8 يـحـفـل بـنـمـاذج مـن خـبـرة مـكـيـافـلـيالدبلوماسية ومطالعاته في التاريخ القد�. والكتاب بوصفه كتابا عن «كيفيةاحلكم» يشبه عشرات الكتب ا>ؤلفة التي ظل احلكام يقرؤونها طيلة قرون(والتي غالبا ما كانت تسمى «مرآة احلكام»). غير أن دليل مكيافلي تنقصهالنغمة اخللقية ا>سيحية السائدة في كتب «ا>رايا» السابقة. وهـذا هـو مـا

8 والعديد من القراء مـنـذ ذلـك١٥٢٧صدم مجلس جمهورية فـلـورنـسـا عـام الوقت.

فالدروس التي ألقاها مكيافلي دروس قي احلكم والنجاح تستمد جذورها

10

الغرب والعالم

من «الواقع» ال «من اخليال».ذلك ألن البون شاسع بX احلياة كما هي واحلياة كما ينبغي أن تكـون.ومن ترك ما هو كائن في سبيل ما ينبغي أن يكون ال بد له أن يعـلـم أنـه اليحافظ على نفسه8 بل يوردها موارد التهلكة. ومن شاء أن يعمل اخلير فيكل ما يأتي به ال بد أن يعود عليه ذلك بالوبال ألنه يعيش بX الكثيرين �نهم ليسوا بأخيار. ومن ثم يتحتم على األمير8 الذي يريد أن يحافـظ عـلـىكيانه8 أن يعرف كيف أال يكون كر�ا8 وأن يكون استخـدامـه لـهـذه ا>ـعـرفـة

.)٢(وعدم استخدامه لها مناسبا >قتضى احلال» في نظر مكيافلي (الـذيCesare Borgia ولقد كانت حياة سيزار بورحيـا

صوره غيره سفاحا بال مباد�) جديرة بأن تكون قدوة ألي أمير حصـيـف.وعندما ناقش ميكافلي كيف يفرض األمراء النظام في البالد التي يغزونهااستشهد بإدارة بورجيا إلقليم رومانيا اإليطالي. ومن هنا يقول ميكافلي إنهسبق بورجيا إلى حكم هذه الوالية حكام ضعاف8 فوقعت «فريـسـة لـلـنـهـبوسفك الدماء وكل ألوان الفوضى». وقد وجد سيزار بورجيا «أن من الضروريأن يوفر لهم حكومة جيدة ليأمن جانبهم ويظفر بوالئهم»8 فعمد إلى «جبارقادر» حتى يستتب النظام في اإلقليم. وبعد أن أ� الرجل عمله بعنف وقوة8«قرر بورجيا أن يبX أنه إذا كانت قـد وقـعـت بـعـض أعـمـال الـقـسـوة فـهـيليست بناء على أمر منه وإ�ا نتـيـجـة خـلـق وزيـره الـسـيـئ». فـأمـر بـكـبـشالفداء ا>عX «فمزقه نصفX وعلقه ذات صباح في ا>يدان العام» ليـشـفـي

غليل الشعب وينال حمده.ويقول مكيافلي إن سيزار بورجيا (الذي التقى به) عمل على االحتفاظباألقاليم التي منحه إياها أبوه البابا ألكسندر السادس بأربع وسائل: «أوالبالقضاء على كل من �ت بصلة دم إلى األسر احلاكمة التي نهبها حتى اليتمكن أحد منها من العمل على استـعـادة أراضـيـه. ثـانـيـا: احلـصـول عـلـىحلفاء بX نبالء روما لغل يد أي بابا قادم قد يكن له العداء. ثالثا: السيطرةعلى مجمع الكرادلة لكي يتسنى له اختيار خليفة أبـيـه. «رابـعـا: احلـصـولعلى ا>زيد من السلطة قبل وفاة البابا ليكون قادرا xفرده عـلـى صـد أولهجوم عليه». ويستطرد مكيافلي قائال إن النجاح الذي أحرزه بورجيا فـيكل هذه ا>همات يكاد يكون جناحا كامال. ثم يضيف: «فاحلكام الذين أطاح

11

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

بهم» أجهز على كل من وقع بX يديه8 والقلة القليلة هي التـي �ـكـنـت مـنالهرب». كما استطاع أيضا أن تكون له سلطة النقض (الفيتو) فـي مـجـمـعالكرادلة بالنسبة الختيار خليفة أبيه. ويختتم مكيافلي كالمه قائال إن غلطةبورجيا الوحيدة هي أنه سمح لواحد أضر به أن يصبح البابا التالي (جوليوس

الثاني). ولكن باستثناء ذلك:«ال أجد أي مجال لتوجيه النقد إليه8 بل بالعكس أشعر أن علي أن أنوهبه-كما فعلت-كمثال يجب أن يحتذيه كل من ساعده احلظ أو أسلحة اآلخرينعلى تولي السلطة. فهو xا أوتى من شجاعة كبيرة وطموح شديد لم يكـنيستطيع أن يتصرف إال على ذاك النحو8 ولم يحبط خططه إال قصر حياة

)٣(اإلسكندر ومرضه هو شخصيا»

وندرك من ا>ثل التالي الذي يضربه مكيافلي8 وهو مثل طاغية صقلية8 احلد ود ا>قبولة عنده. فهو يبدأ باستبعـادAgathocles القد� أعاثوكليس

ا>شكلة اخللقية باعتبار أن حالة أغاثوكليس «فـيـهـا عـبـرة كـافـيـة لـكـل مـناضطر إلى االقتداء به». ثم يفصل «حياة أغاثوكليس ا>ليئة بالشرور» وعلى

سبيل ا>ثال:«جمع ذات صباح شعب سيراقوسه8 ومجلس الشيوخ8 كما لو كان يتداولفي أمور اجلمهورية الهامة وبإشارة من يده قـام جـنـوده فـفـتـكـوا بـأعـضـاء

.)٤(اجمللس وكبار األغنياء» ويقول مكيافلي إن أغاثوكليس كان بدون شك رجل استراتيجـيـة المـعـاقادرا على تخطي الصعاب بشجاعة8 ولكـنـنـا ال نـسـتـطـيـع أن نـعـده «رجـال

فاضال»:«فليس من الفضيلة أن يقتل الرجل بني مدينته8 وأن يخـون أصـدقـاءه8وأن يتجرد من اإل�ان والرحمة والدين8 إذ أن اإلنـسـان قـد يـحـصـل بـهـذه

)٥(الطرق عل السلطة8 ولكن ليس على اجملد»

غير أن ميكافلي يعرف أن األضرار قد يكونون أقوياء8 بل إن غدرهم قديزيد من قوتهم:

«قد يتساءل البعض كيف تأتي ألغاثوكليس وأمثاله8 بعد الغدر والقسوةالتي ال حدود لها8 أن يعيشوا آمنX ولعدة سنوات في بالدهم8 وأن يدافعواعن أنفسهم ضد األعداء اخلارجX دون أن يتآمر عليهم رعاياهم8 بالرغم

12

الغرب والعالم

من أن كثيرين قد عجزوا8 بسبب قسوتهم8 عن االحتفـاظ xـنـاصـبـهـم فـيوقت السلم8 ناهيك عن فترات احلرب القلقة. وإني أعتقد أن هذا ينشأ عناالستغالل اجليد أو السيئ للفظائع التـي يـرتـكـبـونـهـا. إذ �ـكـن الـقـول إنأعمال الفظائع اجليدة (إذا جاز لنا أن نصف الشرير بأنه جيد) هي تـلـكالتي ترتكب مرة واحدة من أجل أن يوفر احلاكم األمن لنفسه8 ثم ال يتمادىفيها احلكم بل يحل محلها إجراءات تعود بالنفع على الرعايا بقدر اإلمكان.أما الفظائع السيئة في تلك األفعال التي تكون في باد� األمر قليلة8 ولكنها8

.)٦(مع الزمن8 تزيد وال تنقص»«والعبرة» في قول ميكافلي هي أن «الـغـالـب يـنـبـغـي أن يـقـوم بـارتـكـابأعمال القسوة كلها دفعة واحدة8 حتى يشعر الناس بإحساس متزايد باألمنوالتقدم. ونستطيع أن نتبـX مـن الـطـريـقـة الـتـي يـسـتـخـدم بـهـا مـكـيـافـلـيمصطلحات مثل اخلير والشر أو اجليد والسيئ أنه يتحدث بلغة «التكتيك»ال بلغة األخالق. ولقد كانت هذه لغة جديدة سببت رعبا لقرائه الذين تربوافي ظل احلضارة ا>سيحية التي تستند إلى ا>طلقات األخالقية. فقد انقلبتالقيم ا>سيحية التقليدية رأسا على عقب. إذ كان شعاره هو:«من األسلم أنتكون مرهوبا8 ال محبوبا». وبالرغم من أن كل أمير ينبغي أن يظهر xظهرالرحمة ال القسوة فإنه «ينبغي أن يأخذ حذره من أال يسيء استخدام هذهالرحمة» إلى الدرجة التي تنشأ معها الفوضى. وكتاب األمير حـافـل xـثـلهذه النصائح: «قلد الثعلب واألسد»8 «ال تكف عن التظـاهـر والـكـذب»8 «ال

تتوان عن ارتكاب الشرور».وهذه العبارات هي علة شهرة مكيافلي بالالأخالقية8 ولكنه لم يـكـن الأخالقيا8 وإ�ا كان يحث احلكام السـيـاسـيـX عـلـى إدراك الـطـريـقـة الـتـييسلك بها الناس حقا وحسب8 وأن يتصرفوا وفق مصالح الدولة. لقد كانيرفض األخالق ا>سيحية بالنسبة للحكام ألن فـيـهـا دمـار الـدولـة. وهـكـذااخترع مكيافلي علم السـيـاسـة (دراسـة حـقـائـق الـسـيـاسـة) واسـتـغـنـى عـناألخالقيات ا>سيحية وخلق صورة جديدة لألخالق الوثنية القد�ة (أعنينسقا أخالقيا يعلي من قدر �الك هذا العالم عل �الك العالم اآلخر).وهذان االبتكاران-السياسة العلمية وأخالق الدولة-هما هدية مكيافليللعالم احلديث. فكالهما كـان مـجـهـوال فـي أوربـا فـي احملـصـور الـوسـطـى

13

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

وعصر النهضة8 وكالهما قد شكل أفكارنا عن السياسة واألخالق منذ ذلكالوقت. ذلك ألن السياسة واألخالق لم تكونا منفصلتX في اجملتمع ا>سيحيالتقليدي. وكانت رؤية عالم العصور الوسطى للكون تؤمن بوجود سلسلة أو

سلم تضم كل مخلوقات الله من أدناها إلى أعالها:«كل األشياء قاطبة8 الروحية منها وا>ادية8 الطبقة العليـا مـن ا>ـالئـكـةوالطبقات األخرى8 وا>الئكة احمليطون بالعرش والبعيدون عنه8 وكل اجلموعالسماوية األخرى8 واإلنسان والطبيعـة الـعـضـويـة وا>ـادة-كـل هـذه األشـيـاءمربوطة في تلك السلسلة الذهبية التي تنتهي عند قدم الله. وهناك بناءان8Xهرميان مختلفان: بناء الوجود وبناء القيم8 وهما ليسا بناءين متـعـارضـوإ�ا متطابقان في تناغم كامل8 وقيمة كل بناء منهما تتـوقـف عـلـى درجـةوجوده. فاألدنى في سلم الوجود أدنى في السلم األخالقـي8 وكـلـمـا ابـتـعـد

.)٧(الشيء عن ا>بدأ األول8 عن مصدر األشياء جميعا8 قل مستوى كماله»ال فرق بX مثالي وواقعي وفق هذا ا>نظور اخلاص بالعصور الوسطى-فكلما ازداد مقدار ما �تلك الشيء من «كيان» أو وجود ازداد قربا من اللهوازداد خيرا. ويقع البشر في منزلة بX ا>نزلت8X بX احليوانات وا>الئكة8في الوجود والقيمة. وا>لك يقف على قمـة الـبـشـر فـي الـشـرعـيـة اإللـهـيـة

والسلطة على السواء.وهذا ا>نظور لم يكن يوفر األدوات الفكرية الضرورية لـبـحـث ا>ـسـائـلا>تعلقة بإساءة استخدام السلطة أو لبحث الفجوات بX ا>ثالي والواقعي.Xوال �كن قط8 في إطـاره8 تـصـور األخـالق والـسـيـاسـة بـوصـفـهـمـا شـيـئـ

.Xمنفصلوقد غير مكيافلي هذا كله8 أو باألحرى سلم بالتحوالت التي بدأت فيإيطاليا عصر النهضة8 وأشاد بها. فالدول العلمانية احلديثة التي كانت قدبدأت في الظهور8 والتي أسماها مكيافلي «اإلمارات اجلديدة» تكونت علىأيدي رجال من أمثال سيزار بورجيا8 تستند إلى القوة الغاشمة8 ولم تتعللxبررات إلهية8 ولم تشعر بالوالء نحو الـسـادة اإلقـطـاعـيـ8X وحتـررت مـنأبنية العصور الوسطى الهرمية. فادعت ملكيتها لألقاليم التي كان xقدورهااالستيالء عليها8 ودافعت عن قضيتها بقوة السالح. ولـم تـكـن مـدنـا/ دوال

صغيرة وال �الك باحلق اإللهي وال إمبراطوريات رومانية مقدسة.

14

الغرب والعالم

وبالرغم من أن الدول العلمانية تكاثرت بشكل كبير إبان عصر النهضةفإن الكثير منها ظهر قبل هذا ببضع مئات من السن8X ولعل أقدمـهـا هـي

عام مـن٣٠٠اإلمارة التي أنشأها فريدريك الثاني في جنوبي إيطاليا قـبـل كتابة مكيافلي لكتابه األمير:

«كانت (هذه الدولة) ملكية مطلقة با>عنى احلديث للكلمة8 فقد حررتنفسها من أي تأثير أو نفوذ للكنيسة8 ولم يكن القائمون على هذه الدولة منXواليهود وا>سلم Xوكان للمسيحي .Xرجال اإلكليروس بل كانوا أناسا عاديحقوق متساوية في اإلدارة. ولم يستبعد أحد ألسباب دينية. ولم تكن التفرقةبX النحل أو األ� أو األجناس معروفة في بالط فريدريك الثاني8 وكانت

ا>صلحة العليا هي مصلحة الدولة العلمانية-الدولة «الدنيوية».«تلك كانت حقيقة جديدة �اما8 وهي حقيقة ليس لها نظير في حضارةالعصور الوسطى8 ولكنها لم تكن قد اهتدت بعد إلى التعبير النـظـري عـن

.)٨(نفسها أو «التبرير النظري لها»

أخالقيات الدولة احلديثة كما حددها مكيافلي:كان مكيافلي هو الذي قدم هذه النظرية. فقد واجه مسألة العلـمـانـيـةالسياسية مواجهة مباشرة. وكانت الكنيسة قـد حـرمـت فـريـدريـك الـثـانـيحرمانا كنسيا مرتX. أما دانتي وهو اآلخر مثل مكيافلي8 فلورنسي األصل8فقد وضع فريدريك في حلقة ا>هرطقX في اجلحيم. ولقد برر فريدريكنفسه قيام دولته تبريرا دينيا8 إذ تخيل أن العناية اإللهية قد اختارته ومنحتهنعمة «العقل السامي». فقام مكيافلي باستبعاد احلاجة إلى الهجوم أو الدفاعالديني. بل تساءل عما إذا كانت الدولة ا>سيحية نفسها أمرا مرغوبا فيـهوقال أن ا>سيحية «تقدس اخلانعX والفقراء بـدال مـن األبـطـال»8 وهـذا اليصلح قط ألن يكون أساسا لدولة قوية. وكان يرى أن الديانات الوثنية أكثرفائدة من الناحية السياسية: «فالوثنيون لم يؤلهوا سوى رجال مليئX باجملد

.)٩(الدنيوي مثل القادة العسكريX العظام ومشاهير حكام الدول» وقد شعر مكيافلي بأن الدولة في اإلمارات العلمانية اجلديدة �كن أنتصبح مرة أخرى مصدرا للدين واألخالق8 كما كان احلال في العالم القد�.فقبل ظهور ا>سيحية كانت آلهة الدولة والكهـنـة الـرسـمـيـون قـادريـن عـلـى

15

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

تسخير طاقة الناس لصالح ا>ؤسسات السياسية ال ضـدهـا. أمـا األخـالقا>سيحية ا>ضطربة-أخالق احملبة والصالة واالستسالم والهرب-فيمكن أنحتولها الدول العلمانية اجلديدة إلى مذهب أخالقي �جد القوة والسلطةواالستقالل والطموح. فهذا هو قوام احلياة السياسيـة الـنـاجـحـة لـكـل مـناألمراء والناس. فالدين أداة ال غنى عنها لتوطـيـد أركـان الـدولـة8 عـلـى أنيكون ذلك دينا لدولة الدين-أعني دينا ال يخلق شهداء يديرون اخلد اآلخر8

وإ�ا يخلق جنودا وأبطاال.إن دفاع مكيافلي عن دين الدولة وأخالقها كان ثوريا متطرفا في عصره8وموقفه ا>عادي للمسيحية بشكل جوهري كان متـطـرفـا ال �ـكـن ألحـد أنيأخذ به حينذاك أو بعد ذاك (ما خال نيتـشـه فـي الـقـرن الـتـاسـع عـشـر)..Xفأشد احلكام قسوة كانوا يعلنون عن إ�انهم باحملبة والتواضع ا>سيحيولكن مكيافلي كان على صواب فيما قاله عن طبيعة التغيرات الـتـي كـانـتحتدث. فقد أصبحت الدولة العلمانية مـصـدر الـسـلـطـة الـتـي حتـكـم بـهـا8وصار الوالء السياسي واإلذعان والوطنية xثابة الدين اجلديـد. ونـحـن النزال نسمي أنفسنا مسيحيX لكن والءاتنا وارتباطاتنا ومـشـاعـرنـا تـتـوجـهإلى القيصر (احلاكم) ودولته ولرموز السلطة التي تطـرحـهـا الـدولـة. وقـدرأى مكيافلي هذا هو ما بدأ يحدث في اإلمارات اجلديدة في عصر النهضة8لكنه انتشر بسرعة وعلى نحو حاسم في األ�/ الدول الكبيرة التي ظهرتمنذ ذلك الوقت. وقد استطاعت الدولة القومية باحـتـوائـهـا عـلـى طـوائـفعرقية كاملة (اإليطاليون أو الفرنـسـيـون أو األ>ـان أو اإلجنـلـيـز) فـي إطـارالدولة اإلقليمية8 أن تضيف النعرة العرقية إلى ترسانة القوة الغاشمة. أمااإل�ان الظاهري الذي ال تزال تدين به للمسيحية فيخفي حقيقة أننا اآلننعيد الدولة بدال منها. وقد اتخذ التحول عن عالـم كـان الـديـن فـيـه غـايـةاحلياة العظمى إلى عالم أهمل فيه أمر الدين أو سخر إلعالء شأن الدولة-اتخذ هذا التحول أشكاال عدة. ففي فرنـسـا ظـهـرت ا>ـلـكـيـة ا>ـطـلـقـة فـيالفترة التي أخذ ا>لوك يهيمنون فيها على الكنيسة. وحتى الكرادلة الفرنسيونكانوا يربطون أنفسهم ومصاحلهم بالدولة الفرنسية أكـثـر �ـا يـربـطـونـهـا

الذي كان يسيطرRichelieuبروما. وعلى سبيل ا>ثال فإن الكاردينال ريشليو ةعلى زمام احلكم نيابة عن لويس الثالث عشر8 قد جمع بX النزعة الغالي

16

الغرب والعالم

(أي إنشاء كنيسة كاثوليكية فرنسية قومية غالية) ووضع نوع مـن الـتـبـريـر وعلى الـرغـم مـن أنـه لـمRaison d’Etatالنظري «تبـريـر تـصـرفـات الـدولـة»

يستخدم العبارة الفرنسية التي تعني أخالق الدولة8 فإن هذه العبارة تعبـرعن نوع التبرير العلماني لسلطة الدولة8 الذي كان يدافع عنـه. وقـد حـاولريشيليو أن يبرر النزعة الغالية وعقيدة «تبرير تصرفات الدولة» بأن أوعزإلى أحد أعوانه بكتابة دفاع عن مكيافلي لصـالـح األمـراء وا>ـسـؤولـX فـي

). وفي كثير من األحيان كان ا>لوك اجلدد في الدولة العلمانية١٦٤٣الدولة (يعلنون عداءهم الشديد >كيافلى (كما فعل فريدريك الثاني ملك بروسيا فيكتابه ضد ميكافلي) ثم يشرعون في اتباع تـعـالـيـم األسـتـاذ حـرفـيـا. وهـذابعينه ما كان �كن أن ينصح به مكيافلى لـو كـان قـد امـتـد بـه الـعـمـر8 أي:

أجهر بلعنتي ولكن احرص على قراءتي بدقة.«ال حتكم الدول والشعوب بالطريقة نفسها الـتـي يـحـكـم بـهـا األفـراد».واجلدة الفكرية في هذه العبارة تنبع من طريقة استخدام مكيافلى لكلـمـة«دول». فلقد تقبل آخرون من قبل ضرورة أن تلجأ احلكومات ألنواع معينةمن السلوك ال �كن لألفراد اللجوء إليها: كالتـشـريـع والـضـرائـب وإعـالناحلرب بل حتى إعدام أحد األفراد. أما مكيافلى فكـان أول مـن اسـتـخـدمكلمة «الدولة» xعناها احلديث-أي سلطة إقليمية علمانية-تدوم وتبقى برغمتغير احلكومات ا>فردة8 وال تكون مبرراتها النهائية هـي اإلرادة اإللـهـيـة أواإلرادة الشعبية وإ�ا القوة. فالفكرة القائلة بأن الدولة تستطيع أن تفعل ماتراه ضروريا للحفاظ على وجودها هي فكرة جديدة. ذلك ألن ا>لـوك فـيالعصور الوسطى لم يكونوا يبررون أي شيء للدولة8 فـحـتـى وجـود الـدولـةكان يأتي بعد مشيئة الله في األهمية. وال شك أن عددا كبيرا من احلكـامفي العصور الوسطى قد تصرفوا كما لو كان حكمهم هو كل ما يهم8 لكنهمفعلوا هذا خارج نطاق الكنيسة ومن وراء ضمائرهم8 فـقـد كـانـوا يـأخـذوناألخالق ا>سيحية بجدية8 وكان اخلوف من الله أمـرا حـقـيـقـيـا. ولـذا فـإناجلديد في سفر مكيافلى الصغير هو أنه أقحم سـيـاسـة الـقـوة فـي نـظـام

األخالقي الوثني اجلديد لم يجعل القوةالكون األخالقي. فنسق مكيافلـىواخلديعة أمرين مقبولX وحسب بل جعلهما ضروريX للحكام الذين يخدمونالدولة-أي أنه جعله هدفا أكثر قيمة من «حتقيق اخللود النفسي». إن أخالق

17

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

الدولة8 أخالقيات السلطة التي تسمح بأي شيء وكـل شـيء8 والـدفـاع عـنالدولة ومصاحلها العليا-هو اجلديد. وقد كتـب ا>ـؤرخ الـعـظـيـم فـريـدريـك

في كتابه تاريخ فكرة حق الدولة الذي يبدأ xكيافلىFriedrich Meinecke مينكهيقول: «لقد كان هذا شيئا جديدا ووحشيا مخيفا».

إننا حتى نتساءل عن إساءة استخدام السلطة في الدولة احلديثة8 فإننانبدأ دائما بفحص السلطة ا>منوحة لتلك الدولة دون أن نقول إنها «مسيئة»فإساءة استخدام السلطة من جانب الدولة �كن أن يكون مدمرا في الوقتاحلاضر ألننا سلمنا بأن يكون للدولة سلطات هائلة. لقد فقدنا أو جتاوزنا(واختيار أحد اللفظX يتوقف على وجهة نظرك) النسق األخالقي ا>سيحيالتقليدي الذي كان يبقى على صفة األمانة بيننا8 ولذا فاألخالقيـات الـتـيتسمح بأي شئ وكل شيء جتعل من أي تركيز للسلطة أمرا بالغ اخلطورة.صحيح أن الدولة احلديثة تفوق في قوتها اإلمارات اجلديدة في أوربا فيعصر النهضة «ومع ذلك فإننا باسم» «األمن القومي» و «ا>صلحة القومية»و «الدفاع القومي» واآلن باسم «امتيازات السلطة التنفيذية» تعطى للدولةدرجة من القدرة على التحكم في حياتنا رxا جعلـت سـيـزار بـورجـيـا ذاتـه

يحمر خجال.وبالطبع فإننا ال نعطى تلك السلطة ألفراد بالذات في احلكومـة وإ�ـانعطيها للدولة8 ولكن هذا بعينه هو ما فعله مكيافلى. بل إنه افترض8 أكثر�ا نفترض نحن اآلن8 أن احلاكم ال بد أن يستخدم سلطانه لصالح الدولةوحسب. وا>شكلة هي أننا (مثل مكيافلى) غالبا ما نترك للحاكم أو احلكومةمسألة حتديد ا>صلحة القومية8 أو احتياجات الدولة. وهكـذا فـإن إمـكـان

إساءة استخدام السلطة كامن في السلطة ذاتها.ولقد ذكرنا آنفا أن فصل مكيافلى للسياسة عن األخالق أدى إلى تطورينحديثX. فمن جهة حتددت األخالق وفق احتياجات الدولة: فحلت أخالقالدولة ودين الدولة محل األخالق ا>سيحية التقليديـة لـلـحـكـم. ومـن جـهـةأخرى أصبحت السياسة بعد انفصالها عن األخالق ا>سيحية «علما». أماوقد بحثنا أخالق الدولة-وهي اكتشاف مكيافلى األول-فلنتوجه اآلن بإيجازإلى إسهامه اآلخر8 أي السياسة العلمية. وهذه السياسـة مـهـمـة بـالـدرجـةنفسها لفهم ا>واقف احلديثة جتاه عالقـة الـسـيـاسـة بـاألخـالق8 فـنـحـن ال

18

الغرب والعالم

جننح إلى تقبل كل ما تفعله الدولة بوصفه أخالقيـا وحـسـب8 وإ�ـا جنـنـحأيضا إلى النظر إلى السياسة على أنهـا نـشـاط عـلـمـي أكـثـر مـنـهـا نـشـاط

أخالقي.

علم السياسة احلديث عند مكيافلىيطلق الكثيرون على مكيافلى اسم أبي العلم السياسي احلديث. بل إنبعض ا>دافعX عنه يذهبون إلى أنـه لـم يـكـن إال عـا>ـا8 الحـظ الـنـاس فـيسلوكهم دون أن يفرض قيمه اخلاصة. ولقد قلنا ما يكفي للتشكيك في هذاالتفسير. فقد أصدر في الواقع أحكاما قيمية8 إذ أثنى على سيزار بورجياوبرر سطوة الدولة. واحلقيقة أن الدولة عنده هي القيمة الكبرى. فلم يكنمكيافلى فريدا فيما يحبه فقط8 بل أيضا في «موضوعيته»وحماسه لفـهـماألشياء على حقيقتها. ولعله كان في مالحظته للوقائع واحلقائق اإلنسانية8من وراء حجاب البالغة األخالقية الطنانة8 أول عالم اجتماع أوربي. فالحظما يجدي وما ال يجدي8 وجمع شهادات العصور وصاغ قواعد عامة ألصحاب

السلطة في ا>ستقبل.وكما سدد جاليليو منظاره إلى السماء فأدرك أنها جبلت من ا>ادة التيجبلت منها األرض8 فقد أجال ميكافلي بصيرته في األمراء واستنتج أنهـميتصرفون مثل الوحوش في الفالة. انصب اهتمام كال «الـعـا>ـX» عـلـى مـاهو«كائن» ال على ما «ينبغي أن يكون»-وهما في خالل عملية بحثهما هذه8نبذا تصور العصور الوسطى للعالم بوصفه سلسلة متصاعدة مـن الـوجـودواخلير8 وتبنيا بدال من ذلك القوانX العلمية التي تنطبق على كواكب السماءمثلما تنطبق على دواب األرض8 وعلى األمراء شأنهم شأن الفقراء. وكالهماأضفى على العالم طابعا علمانيا حتى �كنه احلديث عن قدرات اإلنسان8

وكالهما امتنع عن إصدار األحكام حتى يتسنى له أن يفهم.ولكن تصور العالـم دون أسـرار ودون إطـار أخـالقـي كـان يـنـطـوي عـلـىأحكام أخالقية ضمنية. لقد أصر العا>ان على أنهما مهتمان فحسب با>عرفةالتي يقدمها مشهد الطبيعة8 فا>الحظة غاية في ذاتها8 وا>عرفـة أهـم مـنا>شاركة واالندماج. ولكن إن جاز هذا جلاليليو عالم الطبيـعـة (وقـد طـرحالبحث الذرى احلديث شكوكا حتى حول هذا) فاألمر لم يكن بهذه السهولة

19

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

بالنسبة >كيافلى عالم اإلنسان. لقد تخيل نفسه مجرد حرفي أو طبيب8 اليحاول أن يبX سوى كيفية شفاء «احلمى ا>لتهبة» في الكـيـان الـسـيـاسـي.ولكن حتى الصورة التي قدمها للدولة بوصفها كيانا أو جسما عضويا لهـادالالت أخالقية محددة كامنة. إذ لو كانت الدولة نفسهـا جـسـمـا فـإن لـهـاغريزة تدفعها للبقاء ينبغي إشباعها. وجزء من هذا اجلسم قلب وآخر عقلوثالث معدة8 ولكن كل هذه األجزاء أكـثـر أهـمـيـة مـن األذرع واألرجـل. وإناستشرى مرض في هذه األعضاء فقد يتطلب دواء قويا أو حتى بترا لطرف

من األطراف.والطبيب الذي ال �انع في وصف غذاء محدد أو فصد أو جراحة إ�ايصدر أحكاما أخالقية محددة عندما يكون ا>ريض «كيان الدولة أو جسمها».ولعل موقف مكيافلى العلمي ا>وضوعي هو موقف رجـل اسـتـراتـيـجـيـة�تاز يرقب ا>باراة وحسب. ودور ا>تفرج هذا8 الذي يبدو كان ال عالقة لهباألخالق8 له أيضـا نـتـائـج أخـالقـيـة حـاسـمـة. ويـبـX الـفـيـلـسـوف إرنـسـت

8 في دراسته الرائعة أسطورة الدولة كيف أن اإلنسانErnest Cassirer كاسيررالذي ال يعلب سوى دور ا>الحظ للمباراة اإلنسانية يقوم بالضرورة بإصدار

أحكام خلقية:«نظر مكيافلى إلى ا>نازعات السياسية نظرته إلى لعبة شطرجن8 فدرسأحكام ا>باراة دراسة شـامـلـة دون أن تـسـاوره أدنـى رغـبـة فـي تـغـيـيـر هـذهالقواعد ونقدها. وقد علمته خبرته السياسية أن لعبة السـيـاسـة ال تـلـعـبالبتة دون خداع ومكر وغدر وجر�ة. وهو ال ينتقد هذه األشياء أو يحبذها8فاهتمامه الوحيد منصب على التوصل إلى أفضل احلركات-احلركـة الـتـيتؤدي إلى كسب ا>باراة... كأن يهز رأسـه أحـيـانـا مـن جـراء حـركـة سـيـئـة8وأحيانا أخرى ينفجر إعجابا واستحسانا. ولكن لم يخطر له عـلـى بـال أن8Xأو جمهوري Xيتساءل من يكون الالعب. قد يكون الالعبون أرستقراطيبرابرة أو إيطالي8X أمراء شرعيX أو مغتصبX. ومن الواضح أن هذا غيرذي موضوع للرجل الذي ينصب جل اهتمامه علـى ا>ـبـاراة ذاتـهـا8 وال شـئسوى ا>باراة. وكان مكيافلى-في نظريته-يجنح إلى نسيان أننا ال نلعب ا>باراةالسياسية بقطع شطرجن وإ�ا بـبـشـر حـقـيـقـيـX مـن حلـم ودم8 وأن سـراء

. أصبح فن السياسة فـي)١٠(هؤالء البشر وضراءهم هي موضوع النـقـاش

20

الغرب والعالم

الدولة احلديثة علما ومباراة8 ونبذت العوامل اخللقية (إال «أخالق الدولة»)في سبيل االستراتيجية «والسيناريوهات» و «خطط ا>باراة». وبينمـا يـقـومعلماء السياسة بتطوير «نظرية ا>باراة» ويستكشف علماء النفس االجتماعيوناألساطير ا>قنعة8 يقوم رجال السياسة بالتعرف على سحر هـؤالء الـكـهـنـة

اجلدد ويجعلون فن احلكم وجها من أوجه العالقات العامة والدعاية.إن فهم السلوك اإلنساني8 بالطبع8 أمر له أهميتـه الـقـصـوى8 وال يـزال�وذج الفهم العلمي هو خير مرشد لنا. و�كن لعلم السياسيـة أن يـصـبـحأداة >عرفة أوسع باالحتياجات اإلنسانية وساحة اختبـار لـلـحـلـول ا>ـمـكـنـةللمشكالت السياسية. ولكنه قد يستخدم مجرد أداة أخرى للتالعب بالناس

وللتدليس عليهم وخلدمة ا>صالح الشخصية.

البروتستانتية واالستبداد وثورة الطبقة الوسطىبينما كان مكيافلى يقول إن السياسة ال شأن لها باألخالق كان عدد من«ا>صلحX» الدينيX عميقي اإل�ان8 مثل سافونا روال ولوثر وكالفن8 يصرونعلى أن السياسة ينبغي عليها أن تكون على عالقة وثيقة بها. وهكذا كانتحركة اإلصالح البروتستانتية في القرن السادس عشر في أساسها محاولةلتغيير العالم تغييرا جوهريا وفق أخـالق ا>ـسـيـح. فـحـاول سـافـونـاروال أنيقيم حكومة الله هذه في فلورنسا عندما كان مكيافلى ال يزال صبيا وأقامكالفن مثل هذه احلكومة الدينية في جنيف بسويسرا. وكسب لوثـر تـأيـيـدفريدريك الساكسوني واألمراء األ>ان اآلخرين في محاولة مشابـهـة خلـلـق

الدولة ا>قدسة.وعلى الرغم من أن مزاج مكيافلى العلمي الدنيوي بعيد كل البـعـد عـنحمية ا>صلحX البروتستانت الدينية8 وعلى الرغم من أن مكيافلـى فـصـلالسياسة عن األخالق بينما حاول ا>صلحون إعادة توحيدهما8 فإن نـتـائـججهودهم جميعا تكاد تكون متماثلة �اما. فقد جعل البروتستانت دولهم فيقوة الدولة التي تصورها مكيافلى. وا>فروض في الدول الـتـي دعـوا إلـيـهـاأنها كانت تطبق إرادة الله في شرائعها8 ولكنها كانت غير قادرة أن تعتـمـدعلى التفسيرات الكاثوليكية التي ظهـرت عـبـر الـقـرون. ولـذا اضـطـروا أنيفسروا هذه اإلرادة بأنفسهم. وكانت النتائج التي توصلوا إليها ال تختـلـف

21

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

كثيرا في انتهازيتها عن أوامر أمير علماني ال يهتم أساسا إال برخاء دولتهوازدهارها. واخلالصة أن الدولة احلديثة في القرن السادس عشر اتخذتإحدى صورتX: صورة علمانية وأخرى دينية. ولكن كال الشكلX كان مرتكزاعلى ضمان ديني8 وكالهما كان يتمتع بقوة هائلة. بل إن البروتستانتية قدخدمت مصالح الدولة القومية وا>لكية ا>عادية لروما والشعور القومي الناشئ-خدمتها بطريقة تفضل أحيانا ديانات الدولة التي استحضرها مكيافلي منا>اضي الوثني-فبروتستانتية هنري الثامن8 على سبيل ا>ـثـال8 عـمـقـت مـن

وطنية اإلجنليز بشكل بالغ.Xالقرن Xو�كن القول إن احلكام الذين هيمنوا على الدول التي نشأت بالسادس عشر والثامن عشر في أوربا (سواء بتشجيع من نظرية ميكافلـيالدنيوية أو من البروتستانتية8 قد بلغوا من القوة-في جوانب متعددة-مبلغالم يصله أحد غيرهم من قبل أو بعد. إن القرن الثامـن عـشـر كـان عـصـراعظيما8 عصر ا>لك ا>طلق ونظرية احلق اإللهي وصحيح أن شوكة الدولةقد قويت بعد ذلك8 ولكن حكمها أصبح شـرعـيـا وقـانـونـيـا ومـحـددا8 وحـلا>شرعون والرؤساء والبر>انات محل ا>لوك8 وتالشى حكم الـفـرد وأفـسـح

مكانه حلكم القانون.على أن دولة ا>لك بقوتها التي ال حتدها حدود أصبحت (بحلول القرنالسابع عشر في إجنلترا والقرن الثامن عشر في فرنسا) أشد نزوعـا إلـىالقمع من أن حتتملها الطبقة الوسطى اآلخذة في االزدهار. فثـار أعـضـاءهذه الطبقة ليحدوا من قوة الدولة أو ليفتحوا أبوابها ألنفسهم. ولكن ثوارالطبقة الوسطى كانوا يتحدثون بلغة ا>طلقات األخالقية اجلديدة ولم تكنهذه ا>طلقات هي ا>طلقات ا>سيحيـة وال ا>ـطـلـقـات الـعـلـمـانـيـة اجلـديـدةاخلاصة بحق الدولة8 وإ�ا إحياء لألفكار القد�ة عن القانون الطبـيـعـي8وهو مذهب حاول أن يربط من جديد بX الفطرة واخلير8 وبX احلـقـيـقـةوا>ثال8 وبX السياسة واألخالق. وهكذا طـالـبـت الـطـبـقـات الـوسـطـى فـيإجنلترا وفرنسا8 لفترة وجيزة8 أي في عنفوان الثورة8 أن تصبح الـسـيـاسـة

ذات طابع أخالقي مرة أخرى.ومن اجلائز أن أصحاب السلطـات هـم دائـمـا أشـد اهـتـمـامـا بـحـقـائـقالسياسة أو«xا هو كائن»8 أما ا>بعدون عن السلطة فهـم أكـثـر وعـيـا «xـا

22

الغرب والعالم

ينبغي أن يكون» وأقل اهتماما xا هو «كائن». إن احلكام يدعون رعايـاهـمإلى مواجهة احلقائق8 ألن األوضاع القائمة في صاحلهم. فيتلفظون بالعباراتاألخالقية ا>طلوبة8 غير أن اهتمامهم ينصب على األمور العملية أكثر �اينصب على األخالقيات. أما هؤالء الناس ا>بعدون الذين ال نصيب لهم فيالسياسة8 أولئك الذين ينظرون إلى األمور من اخلارج8 والذين �ثلون إمكانيةثورية8 فهم الذين يطرحون أسئلة أخالقية جوهرية ويطالبون باتباع سياسات

متفقة مع ا>عايير األخالقية.هؤالء الثوار دعاة أخالق8 ولكنهم في احلقيقة طالب سلطة. وفكرتهمعن العدالة ال تتجاوز ا>طالبة ألنفسهم وأتباعهم بالسلطة السياسية8 لكنسخطهم ونضالهم يتضمنان عادة طرح ا>شكالت الرئيسة اخلاصة بعالقةالسياسة باألخالقيات. وعندما يحرز الـنـضـال جنـاحـا8 يـؤدي أحـيـانـا إلـىإبرام اتفاق جديد بخصوص اإلمكانات األخالقية واحلدود السياسية بصفة

عامة.Xباالختصار هذا هو ما حدث إبان ثورات الطبقة الوسطى في القـرنـالسابع عشر والثامن عشر. ففي إجنلترا8 ابتداء من منتصف القرن السابعXعشر ألربعينات ذلك القرن8 أخذت الطبقة األوروبية من التجار واحملاموا>هنيX واحلرفي8X الذين يقفون في منتصف الطريق بX األرستقراطيةوالفقراء8 تتحدى هيمنة ا>لوك والنبالء. وقد طورت هذه الطبقة الوسطىبناء سابقا من النظرية السياسية ذات النبرة والهدف األخالقيX. فوجهواسهام نقدهم إلى فكرة احلق اإللهي للملوك باعتباره قناعا للطغيان. وأدانوافكرة مكيافلي عن الدولة بوصفها كيانا عضويا يحدد غاياته بنفسه8 وقدموابدال من هذا صورة للدولة بوصفها كيانا اصطنعه البشر ووسيلة يحققونبها غاياتهم. واعترضوا على قبول مكيافلي للفكـرة الـقـائـلـة إن احلـاكـم أوا>لك هو الذي يعبر عن االحتياجات... الـعـامـة8 ودعـوا بـدال مـن هـذا إلـىحكومة نيابية. ووضعوا موضع التساؤل ادعاء مكيافلي القائل بأن �ارسةالسلطة ال �كن أن تتجاوز احلدود ووضعوا القواعد والقوانX التـي تـلـزماحلاكم واحملكومX على السواء. وذهبوا إلى أبعد �ا ذهب إليه مكيافلـيفي التفرقة بX الـدولـة (الـتـي ال يـزال الـبـعـض يـظـن أنـهـا احلـكـم األزلـي)

واحلكومات اخلاصة بهذه الدولة (التي قد تتغير حسب مشيئة الناس).

23

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

مثل هذه ا>باد� كانت تتردد باستمرار إبان ثورات الطبقة الوسطى في8 وفي أمريكا في سـنـوات8١٦٨٩ ومرة أخرى عـام ١٦٤٠إجنلترا في سنـوات

8 وفي معظم ما تبقى من١٧٩٠ و 8١٧٨٠ وفي فرنسا في سنوات ١٧٨٠ و ١٧٧٠أوربا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. وحتى الثورات

عبرت عن١٨٠٠التي نشبت في روسيا وأمريكا الالتينية في أوائل سنوات األخالق السياسية اجلديدة للطبقة الوسطى الصاعدة: حكومة نيابية8 وحكمالقانون والدولة احملددة احملدودة8 واحلكومة بوصفها وسيلة ال غاية. وأكثرصفة من صفات ثورات الطبقة الوسطى بروزا هو حتديها للملـكـيـة. فـقـدجرى إعدام ا>لوك بالفعل في إجنلترا وفرنسا غير أن قتل ا>لك لم يكن إالواحدة من النتائج ا>مكنة للنظرية السياسية واألخالقية اجلديدة. فمباد�نظرية الطبقة الوسطى (التي عرفت باسم الليبرالية) �كن تلخيصها فـيأنها احلد من السلطة التي كانت تعـد مـن قـبـل مـطـلـقـة8 وفـكـرة «األخـالق

بوصفها عملية وصيرورة».

أخالق الصيرورةتتطلب أخالق الصيرورة اجلديدة شيئا من اإليضاح8 فهـي تـكـاد تـكـونهذه األيام جزءا من إدراكنا ا>باشر العام. ولكنها كانت فكرة خطرة هدامةمنذ ثالثة قرون. ولنتذكر أن األخالق في اجملـتـمـع الـقـبـلـي الـقـد� أو فـيالطائفة ا>غلقة (كما في الهند) كانت تتوقف على عضوية الفرد في عشيرةأو طائفة ما. وحالة الهندوكية هي مجرد تعبير متطرف عن اجتاهات كامنةفي كل اجملتمعات القد�ة األخرى. وكان متوقعا من أعضاء الطائفة ا>غلقةاحلكمة أن يتصرفوا وفق قوانX أخالقية تختلف عن تلـك الـتـي يـتـصـرفوفقا لها أعضاء طائفة الكهنة أو طبقة الفالحX ا>غلقة. وقد استمر هذاالتمايز االجتماعي بX ا>ذاهب األخالقية في مجتمـع الـعـصـور الـوسـطـىإلى حد ما. ولكن الثقافة ا>سيحية في العصور الوسطى (والبوذية الشرقية)تصورت8 على وجه العموم8 عا>ا موحدا أخالقيا / سياسيا8 وذهبت إلى أناألخالق كلية وشاملة8 بحيث ينبغي أن تطبق اجملموعة نفسها من ا>عايـيـرعلى احلكام والكهنة والفالحX على السواء8 فهم حسـب الـنـظـرة الـبـوذيـةمتساوون في القداسة8 وهم حسب التقاليد ا>سيحية متساوون أمام الله.

24

الغرب والعالم

على أن إقـامـة الـدول الـعـلـمـانـيـة (الـتـي شـاهـدهـا مـكـيـافـلـي)8 والـدولالبروتستانتية الشيوقراطية (في حركة اإلصالح) جعل من الدولة وحكامها(سواء كانوا ملوكا أو أنبياء) هم الـقـضـاة الـذيـن يـحـكـمـون بـاسـم األخـالقاجلديدة للدولة. فازدهرت الدولة8 وأصـبـحـت أخـالقـهـا وديـنـهـا الـرسـمـيوسيطرتها السياسية تكاد تكون مطلقة �اما. ونظرا إلى أن سلطة الدولةكانت مستقرة في شخص احلاكم فقد تفاوتت هذه الدول من دول مطلقـةإلى دول «مستبدة مستنيرة» وكانت الـدولـة أحـيـانـا خـيـرة8 ولـكـن كـان هـذايتوقف على شخصية هذا أو ذاك. وحتى جمعيات النبالء االستشارية التيوجدت منذ العصور الوسطى8 فقدت سلطتها القد�ة فيما يتعلق بالرفضوالقبول. فاجلمعية العامة (أو البر>ان) في فرنسا-على سبيل ا>ثال-لم ندع

- عام الثورة8 وقد جتاهلـت١٧٨٩ حتى ١٦١٤بكل بساطة لالجتماع مـن عـام هذه اجلمعية الطبقة الوسطى على أي حال. ومن األسـبـاب الـتـي عـجـلـت

اإلجنليزية با>ثل محاولة ا>لك شارل األول أن يحكم بدون بر>ان١٦٤٠بثورة . ولذا فإن كلتا الثورتX جعلت بر>ان الطبقة الوسطى يحتل١٦٢٩منذ عام

مكان الصدارة ولكن أعضاء البر>ان لم يستطيـعـوا-عـلـى عـكـس ا>ـلـوك-أنيحكموا باسمهم وكأنهم معينون من قبل الله8 أن يدعوا أن الله هو الذي قادطبقتهم لتولي السلطة. وهكذا فإن الدفاع عن احلكومة النيابية قد حتققفي إطار آخر. فذهب أعضاء الطبقة الوسطى إلى أن مثل هذه احلكـومـةهي حكم الشعب وحكم القانون. أي أنهم جعلوا8 في واقع األمر8 من عمليةاحلكم النيابي أو صيرورته أسمى القيـم األخـالقـيـة فـي الـسـيـاسـة. وتـدلأفعالهم على إ�انهم بأن الناس قد ال يتفقون بشأن غايات احلـكـم8 ولـكـنعلى األقل يستطيعون أن يضعوا ضمانات لهذا اخلالف8 ويتفقوا على وسيلةحلل منازعاتهم. وفي مقابل ذلك فإن مكيافلي أو كالفن ما كانا ليوافقا علىحكومة معنية بالوسائل ال الغايات. فالفكرة القائلة بأن الوسائل أكثر أهميةمن الغايات8 أي أن العملية أو الصيرورة أو اإلجراء ال األهداف هي جوهرا>واطنة احلقة8 هي فكرة كانت ستبدو شنيعة في نظر مـكـيـافـلـي وكـالـفـن

لعوا عليها.وا>لوك ا>طلق8X لو كانوا قد اطلم يكن أمام ثوار الطبقة الوسطى حقا أي خيار آخر. إذ يتحتم أن تنشأخالفات عندما تصبح احلكومة في يد األكثرية8 وال �كن حسمهـا إال مـن

25

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

خالل عملية اجلدل واإلقناع وا>ساومة وا>هادنة وا>قايضة. ولم يكن بوسعهمالتأكد من أن هذه العملية ستفضي دائما إلى القرار«الـصـحـيـح»8 ولـكـنـهـمكانوا يؤمنون بعدد من األشياء «الصحيحة» ا>طلقة أقل �ا كان يـؤمـن بـهمـكـيـافـلـي أو كـالـفـن. ولـقـد اتـفـقـوا فـي واقـع األمـر عـلـى تـعـريـف الــقــرار

«الصحيح»بأنه القرار الذي تؤدي إليه عملية اجلدل والتصويت.ومن ا>فارقات الغريبة أن ما قام به مكيافلي وا>صلحون البروتستانـتأفضى بشكل يكاد يكون حتميا8 إلى أخـالقـيـات الـصـيـرورة فـي الـسـيـاسـةاحلديثة. فقد قام مكيافلي بتمهيد الطريق بتعريفه السياسة بوصفها نشاطاعلمانيا8 ولكن على الرغم من أنه وضع أهداف الدولة فـوق أي شـئ آخـر8فإنه كان مهتما إلى أقصى حد بالقواعد واالستراتيجية واإلجراءات. ومعظمأعمال مكيافلي8 في واقع األمر8 مخصصة لفحص العملية السياسـيـة فـيجمهوريات العالم القد�. ومن ناحية أخرى التزم ا>صلحون البروتستانتبأن ينفذوا ما يتصورون أنه سـنـة الـلـه الـتـزامـا بـلـغ مـن عـمـقـه أن الـبـديـلالوحيد للحكومة الثيوقراطية ا>طروح أمامهم هو أن يعيشوا غرباء في دولةعلمانية. فإذا لم يكن من ا>مكن أن تصبح عقائدهم هي التشريع ا>عترفبه8 فمن احملال االعتراف بأي تشريع آخر. وعلى سبـيـل ا>ـثـال كـان روجـروليامز8 وهو من أكثر البروتستانت األمريكيX إ�انـا بـعـقـيـدتـه8 هـو الـذي

١٦٣٠8فصل الكنيسة عن الدولة وإلى قيام حكومة د�قراطية علمانية عام مستندا في دعوته هذه إلى أساس الهوتي. فقانون الله أعلى وأجل من أنندع الدول تفسره8 وينبغي على احلكومات أال حتاول التعامل مع ا>طلقات.إن عمليـة صـنـع الـقـرار أكـثـر قـيـمـة مـن األهـداف احملـددة فـي الـدولـةالعلمانية8 حيث يشارك الكثـيـرون فـي الـسـلـطـة8 سـواء كـان كـل عـضـو فـياحلكومة ملحدا أو من مذهب بروتستانتي آخر. أما العملية أو اإلجراءاتالسياسية نفسها فينبغي أن تكـون مـقـدسـة8 إذ ال يـوجـد شـيء أخـطـر مـنالعبث بهذه اإلجراءات8 ألن مثل هذا العبث يشـكـل أكـبـر تـهـديـد لـلـتـفـاهـمالهش حول االتفاق على عدم االتفاق. فليس ثمة قاعدة في احلكم أهم من

تأكيد النظام الذي توضع xوجبه القواعد.ولعل عمليات احلكم وإجراءاته عند الطبقة الوسطـى تـعـود بـجـذورهـاإلى ا>دن والبر>انات في العصور الوسطى. ولكنها سريعا ما تطورت إبـان

26

الغرب والعالم

الثورة وبعدها. وهذه هي ضمانات النظام اجلديد: حكم األغلبية واألحزابوالقواعد البر>انية واالنتخابات والتصويت وا>ؤ�رات احلـزبـيـة والـنـواديوا>ناقشات وعمليات حتديد القوى وإيجاد توازن بينها8 والدساتير والسلطاتا>نفصلة واإلجراءات اخلاصة بكل شيء.. أصبح احلكم مباراة خطرة لـهـاقواعد معقدة. وقد نشب صراع ضار بX ا>صالح ا>تضاربة-صراع عميـقجاد ال رجعة فيه8 ولكنه كان يجري على األقل دون إراقة دماء. وقد استطاعتاحلكومات البر>انية8 شأنها شأن أسواق الطبقات الوسطـى االقـتـصـاديـة8

ه أشد ا>صادمات حدة بX قوى السلطة(أو بورصة األسهم اجلديدة) أن توجاخملتلفة إلى قنوات ا>ساومة السلمية واحلسم السلمي. وهكذا فإن ما يبدوكأنه مجرد �سك متعصب باإلجراءات قد جنح في تهدئة األعصاب وفي

منع الصراعات من أن تصبح شخصية أكثر �ا ينبغي.ورxا كانت ترجمة احلرب األهلية إلى تنافس سياسي حزبي واحدا منأهم إجنازات ثورات الطبقة ا>توسطة. فقد كانت ا>دن/ الدول اإليطالـيـةفي عصر النهضة تتأرجح بX احلرب األهلية والصراع داخل ا>ؤسـسـات8ولكن ا>ؤسسات نادرا ما كانت تصمد. ولم تكن ا>سافة التي تفصل «احلزبالشعبي» عن ا>يليشيا الشعبية كبيرة دائما. وكان هذا هو الوضع في ثورة

اإلجنليزية أساسا. وقد �ت أولى ا>ناقشات ا>وسعة ووضعت البرامج١٦٤٠وجمعت الفرق أو«األحزاب» أول مرة بX اجلـنـود فـي اجلـيـش الـنـمـوذجـي

١٧٨٩الثوري اجلديد. وظهرت األحزاب السياسية إبان الثورة الفرنسية عام من نوادي الطبقة الوسطى (مثل نادى اليعاقبة) وتبلورت حول برامج محددةأثناء ا>ناقشات التي �ت في اجلمعية التشريعية ومن خالل ا>نازعات في

الشارع.وقد عدت األحزاب السياسية8 في بداية األمر8 قوى انقسامية ومؤامراتضد بقية األمة. وكانت هذه بصفة خاصة نظرة ا>لكيX (الذين كانوا يفضلوناستعادة ا>لك عرشه) ونظرة أولئك الذين كانوا يطرحون حلوال مطـلـقـة اليلتفت إليها أحد. وبعد أن بدأت حكومة أوليفر كرومويل الثورية في التمزق8

Xو١٦٦٠وعاد ملوك أسرة ستيوارت (شارلس الثاني وجيمـس الـثـانـي) (بـ ) انهار النشاط احلزبي في إجنلترا. ولم تظـهـر األحـزاب الـسـيـاسـيـة١٦٨٩

١٦٨٩با>عنى احلديث للكلمة إال بعد إحيـاء الـسـلـطـة الـبـر>ـانـيـة فـي «ثـورة

27

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

(ا>رحلة الثانيـة فـي ثـورة الـطـبـقـة الـوسـطـىGlorious Revolutionاجمليـدة» اإلجنليزية) حينما أعلن البر>ان أن العرض شاغر واختار مارى ابنة جيمسوليم من األراضي الواطئة حلكم إجنلترا8 وعندما أصبحت السلطة احلقةفي أيدي الكثرة (في البر>ان) ال في أيدي ا>لك أو القلة أصبحت األحزابالسياسية جزءا أساسيا من عملية النقاش واتخاذ القرار وقد استغرق هذا

- احلزب احملافظ وحزب احملافظ١٦٨٩Xبعض الوقت. فلم تكن أحزاب عام الريفي وحزب الطبقة الوسطى احلضرية-الـتـي تـعـمـل فـي اقـتـصـاد ا>ـال-تضم سوى آالف معدودة من األعضاء8 بينما ظل مـعـظـم أعـضـاء الـطـبـقـة

ال يزال١٧٦٠الوسطى مستبعدين8 وكان ا>لك جورج الثـالـث حـتـى سـنـوات يأمل في أن يقوم بدور «ا>لك الوطني» الشعبي الذي �كنه أن ينحى الفروقاحلزبية جانبا وأن يحكم كـمـا يـشـاء. ولـم يـدع أي مـفـكـر نـظـري سـيـاسـيإجنليزي ذي ثقل مثل (إدموند بيرك) إلى قيام أحزاب سياسية بالفعل قبل

.١٧٧٠عام ولعل األحزاب كانت أصعب عنصر �كن قبوله في أخالقيات الصيرورة.فهي تنشأ في فترات الثورة واألزمة عندما تكون االنقسامات حقيقية ومهمةللغاية. ولكن هذه الفترات هي بالضبط الفترات التي تكـون فـيـهـا أهـدافاألحزاب أكثر أهمية قبول الصيرورة أو حقوق ا>عـارضـة. أمـا فـي فـتـراتالتوافق االجتماعي (على األقل بX األقـويـاء) فـإن الـصـيـرورة تـصـبـح ذاتأسبقية على ا>صلحة اخلاصة8 ولكن مع هـذا كـان وجـود األحـزاب نـفـسـهيبدو وكأنه سيسبب الدمار. وكانت األحزاب مـوضـع شـك الـقـادة األقـويـاءمثل جورج الثالث أو جورج واشنطن أو نابليون. غير أن احلـل الـذي يـلـجـأإليه أمثال نابليون هو في الغالب إلغاء ا>عارضة الشرعية ونفـيـهـا أو قـيـامحرب أهلية. إن أفكار الصيرورة الكامنة في فصل الـدولـة عـن احلـكـومـة8وتقبل «ا>عارضة اخمللصة» (التي تـديـن بـالـوالء واإلخـالص لـلـدولـة ولـيـسللحزب احلاكم) واالستعداد التباع قواعد (اللعبة) (حتى8 بل خصوصا8 إذاكانت اللعبة ستؤدي إلى فقد السلطة)8 هذه األفكار هي أفكار ثورة الطبقة

الوسطى ا>عادية للملكية8 والتي لم تنضج إال بعد مرور وقت طويل.وتتضح الـفـروق بـX األخـالق الـسـيـاسـيـة عـنـد مـكـيـافـلـي وأخـالقـيـاتالصيرورة احلديثة بشكل حاد في ضوء ما أسلفناه فنحن نسلم بأخالقيات

28

الغرب والعالم

الصيرورة8 ولكننا �ارس األخالق ا>كيافلية عندما يخيل إلينا أن أحدا لنيضبطنا متلبسX بذلك. فإخفاق إدارة نيكسون األخـالقـي مـن هـذا الـنـوع(وينبغي أن نذكر8 التزاما منا با>وضـوعـيـة8 اإلخـفـاق األخـالقـي لـعـدد مـنإدارات ا>دن التابعة للحزب الد�قراطي). لقد تعرضت العملية السياسيةذاتها للتخريب. فهل هناك أمثلة لفـسـاد ا>ـؤسـسـة الـسـيـاسـيـة أوضـح مـناستخدام أموال الدولة وموظفيها في التجسس على ا>عارضـة8 ومـالحـقـةا>تبرعX لها8 وا>تحدثX باسمها8 واستخدام سلطة البوليس والبيروقراطية

لألغراض احلزبية?

بعض األعمال التي لم تكتمل: األخالقيات السياسية في مجتمع السوقاحلر

إن فكرة الطبقة الوسطى عن أخالق الصيرورة لها جانبها ا>ظلم8 �امامثل نزعة مكيافلي العلمانية والواقعية التي كان لها جانبها ا>ـظـلـم ا>ـؤديإلى احلكم ا>طلق وإلى اتـبـاع الـدولـة-سـواء كـانـت عـلـى صـواب أم خـطـأ-.ولتبسيط األمور بقدر اإلمكان سنقول إن العملية السياسيـة كـانـت مـغـلـقـةبالضرورة في وجه اجلميع فيما عدا طبقة ا>الك8 وقدمت نظرية الصيرورةالسياسية (حتى على ا>ستوى ا>ثالي) صورة لإلنسانية بوصفها غابة موحشة8

وتصورا للمجتمع بحسبانه سوقا يسوده مبدأ ا>نافسة.وقد يكون بوسعنا فهم هذه احلدود بشكل أفضل8 إن بـحـثـنـا الـنـظـريـةالسياسية األخالقية عند أثنX من أشهـر ا>ـتـحـدثـX بـاسـم ثـورة الـطـبـقـة

)١٦٧٩-١٥٨٨الوسطى اإلجنليزية في القرن السابع عشر هما توماس هوبز (). وقد سيطرت نظريتهما السـيـاسـيـة عـلـى الـقـرن١٧٠٤-١٦٣٢وجون لـوك (

بأكمله. وعلى الرغم من أن الناس ال يذكرونهما عادة إال بسبب كتابX هماكتاب هوبز التنX وكتاب لوك رسالة ثانية في احلكم فإنهما كتـبـا بـغـزارة.وكان كتاب التنX دون شك محط الكراهية أكثر من أي كتاب آخر ظهر فيإجنلترا. فهو كتاب صارم في منطقه8 واقعي دون مجاملة. وما من حزب أوXجماعة تقبل األسس النظرية التي طرحها هوبز. فمعظم الكتاب السياسيجتاهلوا أو حاولوا (مثل لوك) دحض نتائج هوبز التي تدعو إلى االكتئاب.وسوف ننظر في أعمال هوبز ألنه كان على حق. أما لوك فهو يهمـنـا8 مـن

29

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

ناحية أخرى8 بسبب شعبيته الكبيرة ومكانته الرائعة8 إذ أصبحـت أعـمـالـههي الرأي ا>عترف به عامة في القرن الثامـن عـشـر. إن تـأكـيـده ألهـمـيـتـهالدستورية وحكم األغلبية والنزعة الفردية واحلكومة احملدودة ألهب أجياالمن ثوريي الطبقة الوسطى في أوربا وأمريكا. وقد أدمجت ألفاظه نفسهـافي إعالن االستقالل األمريكي وترسخت في العقول األمريكية مـنـذ ذلـكالوقت. فنحن ال نزال نتحدث عن «حقوق طـبـيـعـيـة» أو«حـقـوق ثـابـتـة» فـياحلياة واحلرية.. الخ. وال نزال نقول xباد� احلكم نفسها واحلجـج الـتـينسوقها لندافع عن «د�قراطيتنا الليبرالية» هي احلجج التي توصل إليهـا

اجمليدة»8 وهي بعد على وشك الوقوع. ومن مبادئه١٦٨٩لوك لتبرير «ثورة األخرى التي وضعها حكم القانون وموافقة الناس واحلفاظ على احلرياتوحق االنتخـاب بـل وحـتـى حـق الـتـمـرد. واخلـالصـة أن لـوك دافـع عـن كـل«األشياء الطيبة» التي نعرفها باسم النظرية الد�قراطية. ومشكلته الوحيدةتكمن في منطقه8 إذ أنه لم يكن يدافع إال عن حرية طبقته السياسية-طبقة

أصحاب األمالك-.

هوبز: حكومة الغابة املتنافسةإن ما أجنزه هوبز للطبقة الوسطى هو عX ما أجنزه مكيافلي لألمراء.إذ إنه ألقى نظرة شاملة على اجملتمع اإلجنليزي في تـغـيـراتـه8 والحـظ أنحركة الشراء والبيع وعقلية السوق قد تغلغلت مؤخرا في اجملتمع8 وضربعرض احلائط بكل النـظـريـات الـقـد�ـة ا>ـتـورمـة عـن الـقـانـون الـطـبـيـعـيوا>سؤولية اخللقية ألنها لم تعد ذات معنى. وقد أصبحت النظرية األخالقيةا>سيحية التقليدية (بكل حديثها عن اجلماعة ا>ترابطة والكومونولث والوالءوااللتزام والبناء الهرمي اإللهي واحملبة ا>سيحية) عد�ة القيمة كنـظـريـةفي األخالق واحلكم-ألنها لم تعد تعكس الطريقة التي يتصرف بها النـاسحقا. أما هوبز فقد أقام نظريته على احلقائق القائمة. كان هـوبـز يـبـحـثعن تبرير للحكم العلماني الناشئ ليبX للناس ما الذي ينبغي إطاعته ولم8دون اإلهابة بحجج ال فاعلية لها في قلوب الناس وعقولهم وأحاسيسهم.

كانت إجنلترا في القرن السابع عشر تتحول من مجتمع إقطاعي هرمي8تعد فيه سلسلة احلقوق وااللتزامات ا>تبادلة أمرا مسلما به8 إلى مجـتـمـع

30

الغرب والعالم

رأسمالي أو مجتمع للسوق تشترى فيـه احلـقـوق وا>ـسـؤولـيـات وتـبـاع كـأيشيء آخر. ولقد تبX هوبز أهمية السوق8 وأدرك أن عناصر مجتمع السوق-ا>لكية اخلاصة واالستخدام ا>تزايد للمال وحتويل كل العـالقـات إلـى قـيـممالية-كانت تغير من إجنلترا التقليدية بشكل جوهري. أصبح اجملتمع أكثرتنافسا وأقل تعاونا8 وأصبحت العالقات أكثـر سـيـولـة وأقـل ثـبـاتـا. وكـانـتالثروات تتكون وتتبدد بسرعة8 وكان عدم الطمأنينة واحلرب يبدوان وكأنهما

أمورا أكثر طبيعية من األمن والسالم.ولعل هوبـز لـم يـدرك مـدى جـدة هـذا اجملـتـمـع إدراكـا كـامـال إذ اعـتـادمفكرو القرن السابع عشر التفكير بأسلوب اجملتمع التقليدي الذي يذهبإلى أن األشياء الرئيسة األساسية هي دائما8 وأن ما يوجد إ�ا يكون أمرا«طبيعيا». وكان هوبز أول من سلم بهذا اجملتمـع اجلـديـد. نـقـطـة انـطـالقضرورية لنظرية أخالقية وسياسة صاحلة للتطبيق. فبدأ يبحث ما أسماه«حالة الطبيعة أو الفطرة» التي كانت وصفا تفصيليا خلـصـائـص مـجـتـمـعالسوق الناشئ. وقد ذهب إلى أن حتديد ما �كن أن يكون غير �كـن إالبعد هذا التقييم الواقعي حلقيقة األشياء8 كما هي. كما رأى أنه ثمة حاجةماسة لفهم أكثر واقعية لألشياء الطبيعية «حتى نتعرف على حدود ا>مكنوا>رغوب فيه بدال» من فرض ا>باد� الواجبة التي يـدعـو إلـيـهـا الـالهـوتالتقليدي والقانون الطبيعي (وهي مباد� كانت تصلح بدرجة أو بأخرى في

اجملتمع التقليدي).وقد بدت حالة الفطرة اإلنسانية لهوبز8 من زاوية مجتـمـع الـسـوق فـيالقرن السابع عشر8 «سيئة ووحشية وقصيرة». فقد وصل هوبز xـجـتـمـعالسوق إلى نتيجته ا>نطقية فرأى فيه غابة من الصراع التنافسي. فبدال منXالعاطفي Xاجملتمع ال توجد إال صفقات ومعامالت8 وبدال من البشر ا>بدعاالجتماعي8X ال توجد سوى حيوانات ذات غرائز أسـاسـيـة-أو xـعـنـى أدق

رأى آالت حاسبة عاقلة.ولم يثر أي شيء كتبه هوبز حفيظة ا>تدينX في القرن الـسـابـع عـشـرأكثر من نظرته ا>ادية اآللية لإلنسانية. فالفـكـرة الـقـائـلـة بـأن الـبـشـر هـمأساسا آالت تقوم بعملية طرح >قدار األلم ا>مكن من الفائدة ا>ادية ا>مكنةقبل أن تسلك أي سلوك8 هي فكرة تـسـبـب-دون شـك-االضـطـراب ألولـئـك

31

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

الذين يدعون إلى احلب واإلحسان واإلجناز الروحي. ولكن هوبز كان واقعيا8ولذلك فإنه حينما نـظـر مـن حـولـه وجـد أن �ـوذج اآللـة هـو الـذي يـفـسـرالسلوك اإلنساني أكثر من أي أ�وذج آخر-كما أن مقدرة هذا النموذج علىالتفسير كانت واضحة في إطار األهمية البالغة لقرارات الشراء والبيع في

مجتمع السوق.لم يستخدم هوبز مصطلحي «مجتمع السوق» أو «الرأسمـالـيـة»8 فـهـذهكلمات اخترعت فيما بعد. كما أنه8 كما أسلفنا القول8 كان يعتقد انـه إ�ـايصف احلالة الطبيعية لألشياء. لكن تعميماته عن احلالة الطبيعية لإلنسانتوحي بأنه وضع في حسبانه مقتضيات وإمكانات مجتمع فيه قوانX السوقوعالقات الصدارة فالسلوك اإلنساني-على سبـيـل ا>ـثـال-«يـهـدف إمـا إلـىالكسب أو اجملد8 أي أن الدافع وراء سلوكنا ليس محبة رفاقنا بقدر ما هوحبنا ألنفسنا». واألفراد أشبه بالذرات ا>ستقلة ذات اإلرادة ا>ستقـلـة8 كـلمنهم يحاول أن يزيد ثروته أو سلطته أو نفوذه إلى احلد األقصـى. ولـيـس

للقيم واألخالق واألخالقيات معنى إال في إطار إشباع هذه الرغبات:«الشرف هو أي شيء �لكه8 أو أي شيء نفعله8 أو أية صفة نتصف بها8ويكون دليال على القوة وعالمة عليها.. فالسيطرة واالنتصار أمران شريفان8

الفعل)١١(ألننا نحصل عليهما بالقوة... والثروات شريفة ألنها هي القـوة».احلق أو السليم أو اخلير8 في إطار أخالق السوق8 هو الذي يزيد من قـوةاإلنسان أو ثروته أو يخدم مصلحته. وكل الناس يبحثون عن حتقيق أقصىدرجة لرغباتهم وزيادة �تلكاتهم. وعجلة السوق تدور ألن الـنـاس قـادرونعلى جتاهل ا>سائل العاطفية االنفعالية وعلى ا>ساومة بـطـريـقـة عـقـلـيـة.وخير الناس هم تلك اآلالت العقلية التي تستطيع أن تستخلص أقصى مـا�كن من عملية ا>ساومة. والقيمة هي احلصول على أعلى سعر8 و>ا كانكل شئ معروضا للبيع فإن خير الناس هم أولئك الذين يستطيـعـون الـبـيـع

بأغلى األسعار لزيادة سلطانهم.«إن قيمة اإلنسان أو جدارته هي «سعره»8 شأنه في هذا شأن كل األشياءاألخرى8 أي مقدار ما يدفع له نظير استخدام قوته... وما ينطبق على كلاألشياء األخرى ينطبق على اإلنسـان. فـالـذي يـحـدد الـسـعـر هـو ا>ـشـتـرىوليس البائع. صحيح أن اإلنسان-شأنه شأن معظـم الـنـاس-يـحـدد لـنـفـسـه

32

الغرب والعالم

أعلى قيمة يـسـتـطـيـعـهـا8 ومـع هـذا فـإن قـيـمـتـه احلـقـيـقـيـة هـي مـا يـقـدره.)١٢(اآلخرون»

فإذا كان اجملتمع-إذن-سوقا مبنية على التنافس8 وكان كل إنسان يسعىمن أجل نفسه وحسب8 وكانت القوة والثروة ال يحتاجـان إلـى أيـة مـبـرراتخارجية8 وكان لكل إنسان سعره وليست هناك قيم أخرى سوى قيم السوق-فكيف �كن للناس االتفاق على أي نوع من القوانX أو ا>ذهب األخالقي أواحلكم? رد هوبز بقوله إن أحدا في داخل السوق ال يتمتع باألمن8 فالسوقال يكتفي بتحديد قيمة كل فرد و�تلكاته وحسب8 بل يتـرتـب عـلـيـه أيـضـاخوف الفرد من جلـوء أحـد اخلـاسـريـن إلـى الـعـنـف. وعـلـى الـرغـم مـن أنالعالقات اإلنسانية مبنية على التنافس داخل مجتمع السوق فإن هذا الوضعأفضل بكثير من احلرب الصريحة. ولكن األمر يتطلب سلطة حاكمة تضمنأن يخضع الناس حلركة السوق وأال يتصرف أحد كما يـشـاء. و>ـا كـان كـلالناس عاقلX فإنهم سيدركون ضرورة قيام سلطة مطلقة أو مستقلة لتطبيققواعد اللعبة8 أي «لتحديد كيفية إبرام جميـع أنـواع الـتـعـاقـد بـX الـرعـايـا(كالشراء والبيع وا>قايضة واالقتراض واإلقراض والتأجير) وأي الكلـمـات

.)١٣(والعالمات تستخدم فيها كي تكون صحيحة»هذا هو نوع االتفاق اخلاص بالسياسة بوصفها عملية وإجراء فهو اتفاقعلى االختالف8 مع مراعاة قواعد اللعبة التي بحثناها في القسم السابق.ومع هذا يتناول هوبز بشكل صريح قضية لم نشر إليها من قبل إال تلميحا.فكيف �كننا أن نتوقع من خاسر حقيقي في السوق االجتماعي أن يواصلاللعب حسب القواعد8 رغم ما حاق به من خسارة? وما الذي �نع إنسانا مامن رفع فأس أو جتهيز جيش عندما يخسر كل شيء? وماذا يحدث عندما�ثل ضوابط أخالق السوق واحلكم خطرا أكبر من خطر الغابة على الفرد

أو على جماعة من األفراد?.جواب هوبز على هذه األسئلة ذو شقX: فبالنسبة للشق األول ينبغي أننتذكر أنه يتوجه بحديثه إلى ا>الك الذين بوسعهم أن يدركوا ضرورة وجودسلطة ذات سيادة لضمان استمرار مجتمع السوق الذي يسمح لهم با>لكيةاخلاصة. وحتى عندما يخسرون بعضا من �تلكاتهم8 فإنهم يظلون قادرينعلى استعادتها وزيادتها إذا تقبلوا السلطة احلكمة التي تـسـمـح xـواصـلـة

33

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

اللعبة. أي أن كل ا>الك8 حتى اخلاسرين منهم8 لهم مصلحة في احلـفـاظعلى نظام السوق. ثانيا8 ينبغي أن تكون السلـطـة احلـكـمـة فـوق اإلقـالـة أواالنتخابات أو تأثير أية جماعة خاصة من جماعات ا>الك8 ما دام ا>ـالـكذاته معرضا ألن يصبح معدما نتيجة لتأثير السوق. أي أن احلكم ينبغي أاليخضع ألحد8 ألن وظيفته هي منع احلرب الداخلية8 وإتاحة الفرصة للجميعللحصول على األمالك ولتحقيق الربح8 كما ينبغي أن تكون سلطته مطلقة8وأن تستمد استمراريتها من ذاتها. وينبغي أال يضطلع احلكم بأية مسؤولياتأخرى حتى �كنه احلفاظ على النظام دون اخلضوع ألي فـرد أو جـمـاعـة(حتى الغالبية). وأي شيء أقل من هـذا سـيـتـيـح الـفـرصـة جلـمـاعـة مـا أنتستغل احلكم للحصول على نفوذ أو مقدرة على احلركة على حساب جماعةأخرى. فاحلاكم ا>نتخب سيخلق االنقسامات بX جماعات ا>الك بعضـهـاالبعض بشكل ال دواء له. وقد يقضي مثل هذا االنقسام بX ا>الك إلى ثورةاجتماعية وإلى فقد ا>لكية اخلاصة نفسها في مجتمع مفتت مـبـعـثـر مـثـلمجتمع السوق. ولذا سيدرك ا>الك العاقلون أنفسهم أن مصاحلهم اخلاصة8كأفراد أو جماعة8 تقتضي أن يتحالفوا إلقامة سلطة حكمة مطلقة ال يتحكمفيها أي منهم. وهذا هو األساس األخالقي للحكم في مجتمع السوق. إنهاعقيدة كامنة بشكل مباشر في حقائق ذلك اجملتمع8 وقيمة أخالقية مطلقة

تستند إلى أنانية كل مالك فرد.ومن اليسير أن نفهم السبب الذي من أجله لـم تـأخـذ أيـة جـمـاعـة مـنجماعات الطبقة الوسطى بفلسفة هوبز8 فا>سلمات التي ترتكز عليها هذهالفلسفة فاضحة للغاية8 ونتائجها قاسية إلى أقصى حد8 ولكنها كانت منالناحية ا>نطقية متماسكة إلى أقصى حد. ذلك ألنه لو كان ا>الك قد ظلوامتساويX نسبيا في السلطة االقتصادية لوجب أن يضعوا احلكم فوق إرادةكل منهم. ولكن ما لم يدركه هوبز هو أن السوق نفسه الذي خلق مساواة فياحلذف قد خلق تفاوتا بX الطبقات بحيث أصبح بوسع طبقات ا>الك أنحتتفظ بتماسكها ووحدتها إلى درجـة تـقـلـل إلـى حـد أدنـى حـركـة الـسـوقالطاردة. ولك أن تتخيل مجتمعا أرغم فيه عشرات أو مئات من بناة السفنأو صانعي األثاث على التنافس دون هوادة من أجل السلطة. ولك أن تتخيلمدى السهولة التي يستخدم بها أحدهم أو جماعة منهم احلكومة لتحقيق

34

الغرب والعالم

أغراضه8 لو قدر لهم أن يكونوا هم وحدهم الذين يقومون بتعيX احلكومة.وهكذا فإن احلكم ا>طلق وحده هو الذي يوفـر لـهـم احلـمـايـة ضـد ا>ـالك

اآلخرين.لقد سلم هوبز تسليما كامال بأخالق السوق وأخالق ا>صلحة الـذاتـيـةاللتX نشأتا في عمره. وقد استخدمها ليبX حاجة ا>الك األخالقية إلـىإنشاء وإطاعة حكومة حتافظ على النظام من خالل سلطة مطلقة ولكن ماإن تنشأ مثل هذه احلكومة حتى تختار هي خلفاءها وال تتقبل أية اعتراضاتوال تدين با>سؤولية ألحد. أما نوع األخالق السياسية التي دعا إليها هوبزفي العالقة مع احلاكم فهي الطاعة العمياء. ولكن السوق نفسه هـو الـذييتحكم في األخالق8 ما دام هوبز قد توقع من احلاكم أن يقتصر على تطبيققوانX السوق. وهكذا أصبحت األخالق هي احلصول على ا>زايا الشخصيةوأصبح العدل هو حتقيق صفقة رابحة. ونـحـن الـيـوم نـسـمـى هـذا فـسـاداسياسيا. ولكن هوبز ال يزال قادرا على أن يثبت لنا أننا8 لو كنا واقعي8X >ا

كان لنا أن نتوقع من مجتمع السوق شيئا أكثر من ذلك.ومن الطريف أن كثيرا من األمريكيX العصريX يفرضون أن السياسةفاسدة8 لكن ميدان األعمال االقتصادية يتسم باألمانة النسبية. ولكن الطريفأيضا أننا حينما نشير إلى «السياسة القذرة» أو «الفاسدة» فإن ما نقصـدبها هو بعينه هذا النوع من السياسة الـذي �ـارس عـلـى طـريـقـة األعـمـالاالقتصادية. فاحلياة السياسية تكون «فاسدة» في نظرنا عنـدمـا تـتـضـمـنالشراء والبيع8 وعندما يباع النفوذ8 وعندما يتم «شراء» ا>شرعX وعندمـا«تباع» اخلدمات اخلاصة-أي باالختصار-عندما تنصـرف رجـال الـسـيـاسـةمثل رجال األعمال أو عندما يكون تقاربهم معهم شديدا. وقد يكون هناكمبرر حلرصنا على أال نضع ا>صلحة العامة في السوق ليتوالها من يدفـعأغلى ثمن. ومع هذا فإن هوبز كان سيذهب إلى أنه من غير ا>عقول بالنسبةلنا أن نتوقع الطموح والعدوان واألنانية وا>نافسة والثروة والسلطة ونشجعهافي كل جوانب احلياة فيما عدا جانب واحد. نطالب فيه بعكس هذه الصفات.ولعله كان أمرا واقعيا بالنسبة لهوبز8 في القرن السابع عشر8 أن يؤمن بأنالسياسة ال �كنها أن تنجو من تأثير قوى السوق وا>صالح اخلاصة إال إذاكان احلكم مطلقا ومستمرا استمرارا ذاتيا. ولكن مجتمع السوق قد أحدث

35

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

من التغييرات في احلياة منذ ذلك احلX ما يجعل هذا األمل الذي أعربعنه يبدو في نظرنا عتيقا ومثاليا8 بقدر ما هو قمعي وشمولي.

لوك: حكومة للسادة املسيحينيلقد أضاف جون لوك ا>زيد �ا كانت الطبقة الوسطى ا>الكة تـود أننسمعه. فقد زودها xبرر للمجتمع الرأسمالي أو مجتمع السوق8 مبـرر اليرتكز على أخالق الغابة أو على الفرد األناني التنافسي الذي يتركز اهتمامهعلى السوق فتكلم بلغة متوهجة عن احلقوق ا>طلقة8 وبعث من جديد قدراكبيرا من التعاليم اخلاصة بالقوانX األخالقية الطبيعية8 ورفض أن ينظرإلى األخالق xفاهيم السوق أو ا>نفعـة الـكـامـلـة8 وذهـب إلـى إمـكـان قـيـامحكومة نيابية مقيدة في مجتـمـع الـسـوق. واألبـلـغ مـن ذلـك داللـة8 أنـه زوداجملتمع الرأسمالي بأساس أخالقي موضوعي8 يتمثل في احلجة القائلة إنالطبقة ا>الكة هي وحدها ا>هيأة للعقالنية الكاملة وللفهم الكامل8 ومن ثم

للتمتع الكامل بـ«احلقوق الطبيعية لإلنسان».بدأ لوك xشكلة معقدة: فقد كان من ا>سلم به تقليـديـا أن الـلـه جـعـلاألرض وثمراتها مشاعا بX البشر. وقـد شـعـر لـوك بـأن الـكـتـب ا>ـقـدسـةو«العقل الطبيعي» يضطرانه إلى التسليم بهذا االفتراض التقليدي8 رغم ما

يضعه من عقبات في وجه الدفاع عن ا>لكية اخلاصة:«هذا االفتراض (القائل بأن األرض ملك للناس كافة) يجعل من أصعباألمور عند البعض تفسير الطريقة التي �كن بها آلي إنسان أن تكـون لـه«ملكية» في أي شيء... ولكني سوف أحاول أن أبX كيف �كن للـنـاس أنتكون لهم ملكية في أجزاء كثيرة �ا وهب الله لـلـبـشـر بـصـورة مـشـتـركـة8

.)١٤(وذلك بدون أي اتفاق صريح بX ا>واطنX جميعاوهكذا أخذ لوك على عاتقه-دون أن تثبط من همته الفكرة التقـلـيـديـةعن ا>لكية ا>شتركة-تبيان الطريقة التي �كن أن تنشأ بها ا>لكية الفرديـةعلى نحو عادل8 حتى بدون موافقة العامة. فمـن ا>ـالحـظ أوال أن ثـمـراتاألرض ال نفع فيها إال إذا � االستحواذ عليها (أي �لـكـهـا). «فـال بـد مـنوجود وسيلة حليازتها قبل أن تصـبـح ذات نـفـع أو فـائـدة ألي إنـسـان» فـالمناص إذن من وجود حق احليازة الفردية8 وهو مستمد من احلق الواضـح

36

الغرب والعالم

للفرد في أن �لك نفسه وجهده وثمرة جهده: «لكل إنسان احلق في ملكيةذاته8 وهو شيء ليس ألحد حق فيه غيره هو نفسه8 ولنا أن نقول إن عمـل

فإذا كان لألفراد حق امتالك جهدهم)١٥(جسمه وشغل يديه ملك خاص به»وشغلهم8 فال بد إذن أن يكون لهم حق بيعه: إذ أن ا>رء ال يكون مالكا >ا اليستطيع بيعه8 والطبقة العاملة إ�ا تبيع عملها8 على أية حال8 مقابل أجر.ولكن ا>شكلة هي أن العامل ما أن يبيع عمله حتى يصبح هذا العمل ملـكـا>الك جديد8 وال يعود ملكا للعامل. فقد نشأ8 بعد استحداث النقود بـوجـهخاص8 مجمع �تلك فيه البعض حظا كبيرا من ثمرات األرض و�ـتـلـكـونعملهم8 وعمل غيرهم والسلع الناجتة عن كل العمل الذي �تلكونه. وبعبارةأخرى فإن األرض أصبحت موزعة بالعدل بX ا>الك8X وانقسم اجملتمع إلىمالكX وعامل8X وليس بX الفريقX من يدين لـلـمـجـتـمـع بـشـيء ألن لـكـل

امرىء حقا في عمله8 ولو ببيعه.ومن هذه النظرية في: «قيمة العـمـل»8 والـدفـاع عـن ا>ـلـكـيـة اخلـاصـة8والتسليم باالنقسام الطبقي8 ينتقل لوك إلى الزعم (الذي كان يشاركه فيهمعظم قرائه) القائل بأن الطبقة العاملة ال �كن أن تكون عاقلة على نحـوكامل8 أو تشارك مشاركة كاملة في احلياة الـسـيـاسـيـة. فـعـمـل أفـراد هـذه

الطبقة ملك لغيرهم8 وهم ال �لكون الوقت أو الفرصة لفهم السياسة:«إن نصيب العمال (في الدخل القومي) الذي قلما يتجاوز حد الكفاف8ال يتيح لهذه الفئة من الناس الوقت أو الفرصة الالزمX لالرتفاع بأفكارهم

. إال في وقت اخلطر ا>شرك-)١٦(عن هذا احلد8 أو منازعة األغنياء نصيبهم»كما يضيف لوك-عندما «ينسى العمال االحترام» و «ينقضون على األغنياء».إن احلقوق الثابتة في احلياة واحلرية وا>لكية عنـد لـوك (ويـالحـظ أن«ا>لكية» قد حتولت عند جيفرسون إلى البحث عن السعادة) ال �كن التمسكبها حسب مفاهيمه إال إذا كانت السلطة السياسية حكـرا عـلـى الـطـبـقـاتا>الكة. فهو عندما يحتج (على هوبز) بأن «األغلبية» �كنها أن حتكم دونوجود حاكم تتجدد سلطته من تلقاء ذاتها8 فإنه يعني بذلك أغلبية الطبقةا>الكة. أما إمكانية قيام األغلبية بإلغاء ا>لكية اخلاصة فلم تخطر له علىبال. وما حاجته إلى ذلك8 وثورة الفقراء ليست إال رد فعل. فـغـايـة احلـكـمتأمX احلقوق الثابتة. وحرية االستحواذ على ا>لكية وبيعها ال تكون ثابـتـة

37

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

إال إذا كان احلكم للمالك.وقد درج الناس على القول بأن هوبز كان يرى8 أن األخـالق الـبـشـريـة:تتمثل في الغابة8 ومن ثم كان إصراره على وجود الديكتاتور; بينما كان لوكيشعر أن الناس في استطاعتهم أن يصوغوا قوانينهم األخالقية والسياسيةبأنفسهم. وكالهما8 كما رأينا8 يتكلم عن حكم طبقـة ا>ـالك8 ولـكـن الـفـرقبينهما أكبر من ذلك. فقد سلم هوبز باألخالق التـي وجـدهـا فـي مـجـتـمـعالسوق8 أما لوك فقد �سك باالعتقاد التقليدي بوجود «قوانX طـبـيـعـيـة»يدركها كل إنسان رشيد أو عاقل. وكان يعتقد أن هناك حقائق معينة �كنأن يصفها بأنها «واضحة بذاتها». و�كننا أن نذهب مع هوبز إلى أن الناسلم يعودوا يؤمنون بأن هناك حقائق واضحة بذاتها8 بل إن هذه هي ا>شكلةالتي دعت إلى مسوغ البحث عن تبرير جديد لعملية احلكم. غير أن لوك ماكان ليعير هذا أي التفات. فمن ا>ؤكد8 حسبما يقول8 أن هنـاك مـطـلـقـاتأخالقية ال بد أن يسلم بها كل شخص عاقل. ولو اعترضنا على أي منهـا-وليكن حق ا>لكية اخلاصة ا>طلق على سبيل ا>ثال-لرد لوك بسرعـة: «مـن

الواضح أنك لست عاقال».واخلالصة أن لوك قد طعم دفاعه عن ا>ذهب اجلديد بالنزعة األخالقيةا>طلقة في الالهوت ا>سيحي التقليدي. وكان دفاعـه يـبـدو جـيـدا8 إال أنـهجعل لهذه احلكمة التقليدية أساسا طبقيا8 فا>الك هم وحدهم أهل الرشد8وهم وحدهم القادرون على إدراك القوانX الطبيعية للسيـاسـة واألخـالق.وأغلبيتهم دون غيرها هي ا>ؤهلة ألن حتول األمور الواضـحـة بـذاتـهـا إلـى

.Xقوان

العمل الذي لم يتمه مجتمع األعمال التجارية: امللكية اخلاصة أوالدميوقراطية السياسية

لقي حديث لوك عن «احلقيقة الثابتة» و«القانون الطبيعي» استحـسـانالقرن الثامن عشر. أما اليوم فقد أصبحنا أشد ارتيابا8 وأقرب إلى هوبز8ولم نعد واثقX من أن أي مبدأ خلقي يتسم بأنه مطـلـق. بـل إنـنـا نـتـحـدثاليوم كما لو كانت األخالقيات هي «ما نشعر بالراحة بعده»8 ونخشى «األحكامالقيمية» ونرتاع من فكرة «فرض قيمنا» على اآلخرين وتد ال نتفق في الرأي

38

الغرب والعالم

مع زيد من الناس8 ولكننا بالتأكيد «ندافع عن حقه في اإلعراب عنه».كل هذا رائع وإن كان يجعلنا غير قادرين أحيانا عـلـى إبـداء الـسـخـط8وهو بعض تراث ليبرالية الطبقة الوسطى الذي تركه لنا أمثال ميكـافـيـلـيوهوبز. وكم يتمنى اإلنسان أحيانا لو أن األمريكيX بذلوا جهـدا أكـبـر فـيفهم ا>سائل اخللقية أو كانوا ال يزالون قادرين على اإلحسـاس بـالـصـدمـةوالغضب8 أو لو أنهم لم يكونوا يقبلون كثيرا من األشياء باستخفاف أخالقي.ولكن ال بأس فإن في تسامحنا قيمة8 وإلى هذا احلد �كن القول إننا قدتعلمنا درس ثورة الطبقة الوسطى: فأضفينا طابعا متحضرا علـى احلـرب

األهلية8 واعترفنا بالتنوع واجتهنا نحو أخالق الصيرورة.غير أننا ال نزال في الوقت ذاته8 نحيا مع تراث جون لوك. فمن الغريبأن كثيرا من الناس8 شأنهم شأن لوك8 مازالوا ينكرون أنهم يفرضون قيمهمXاخلاصة8 بينما هم ال عمل لهم غير ذلك. إننا لم نعد نتحدث عن القوانالطبيعية8 ولكننا حX ندافع عن «ا>وضوعية» نعني بها «رأيي اخلاص فـياألمور». ونحن نطالب اآلخرين بـ«بالتوازن» أو «الرأي اآلخر» بينما نقصـدأن نخالفهم الرأي. ونحـن نـرى الـتـحـامـل واالنـحـيـاز فـي كـل امـر� إال فـي

أنفسنا.كذلك فإن مشكلة لوك ا>ميزة: أعني مشكلة التبرير األخالقي للحـكـم

مازالت هي مشكلتنا. بل إننا8 في الواقع8 قد عقدناها.ولعل لوك لم يكن على وعي تام باألساس الطـبـقـي >ـبـادئـه األخـالقـيـةا>طلقة8 وإن كان قد قصر احلكم صراحة على ا>الك. أما منذ أيامه فقدأصبح حق االقتراع عاما تقريبا8 ولعل الطبقات العاملـة هـي الـتـي أبـت أنتقرأ ما بX سطور القائمة النبيلة التي وضـعـهـا لـوك لـلـحـقـوق واحلـريـاتالعامة: إذ يقول بعض أفرادها إنهم أرغموا الطبقة الوسطى ا>ـالـكـة عـلـىحتويل تشدقها بهذه احلقوق إلى حقيقة واقعة يتمتع بها اجلـمـيـع. ويـقـولبعضهم اآلخر إن الطبقة الوسطى الليبرالية لم تـصـدق فـي وعـدهـا بـعـد.فاحلريات واالمتيازات التي أعلنها ثوريو الطبقة الوسـطـى بـوصـفـهـا حـقـا

للناس كافة (بينما احتكروها ألنفسهم) ال ينعم بها اجلميع حتى اآلن.ولكن ا>شكلة قد تكون أعمق من ذلك. فقد تكون احلريات التي أتت بهاثورة الطبقة الوسطى (وال سيما حيازة ا>لكية) �ا ال تتاح لـلـجـمـيـع (كـمـا

39

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

اعتقد هوبز ولوك). فحرية احليازة بغير حدود8 ال �كن منحها للكل. وكلساكن للعمارة ال �كن أن تـكـون لـه حـريـة امـتـالكـهـا8 ومـا إن �ـارس أحـداألفراد هذه احلرية8 حتى يفقدها اآلخرون جميعا8 وحريتك في أن تـكـون

مليونيرا تعني أن يخسر مليون شخص آخر كل منهم دوالرا.فا>سألة هي كيف يتسنى التوفيق بX احلرية االقتصـاديـة الـكـامـلـة أواالستقالل الكامل (مع كل ما ينطوي عليه ذلك من استغالل محتمل للغير)وبX أهداف اجملتمع الد�قراطي. إننا ال نزال8 مثل لوك8 �جد ا>طلقات-حق الفرصة ا>تاحة وا>شروع احلر8 وحق ا>لكية. وال يزال االستمتاع ا>طلقبهذه احلريات يحمل في طياته-من الناحية العملية-احتمال معاناة اآلخرينومسغبتهم. وقد ولد البعض متمتعا بقدر من هذه احلريات يزيد عما يتمتعبه اآلخرون8 وانتفاعهم ا>تزايد من هذه احلريات يأتي عـلـى حـسـاب هـذه

احلريات ذاتها لدى الكثيرين غيرهم.إننا ال نزال جناهد في حل ا>شكلة التي طرحها هوبز ولوك منذ ثالثمائةعام8 ما السبيل للدفاع عن مجتمع السوق أو تبريره? كيف �كن الدفاع عناستمرار مجتمع االنقسامات الطبقية? وكيف نضع أساسا أخالقيا لتحويل

ع الد�قراطية8 ولكن لوكا>لكية العامة إلى حكر لألقلية? أن هوبز لم يـدم أيضا بلغة الثورة التي استحدثهاكان الباد� بهذا االدعاء. ونظرا ألننا نسل

لوك فإننا عقدنا ا>شكلة. فهل نستطيع اجلمع بX حرية الفرصة االقتصاديةوالد�قراطية? وكيف نبرر الفروق الطـبـقـيـة أو االقـتـصـاديـة فـي مـجـتـمـعد�قراطي? أيهما أهم: حقوق ا>لكيـة اخلـاصـة أم إرادة األغـلـبـيـة ? ومـاذايحدث لو أن الغالبية ا>عدمة أرادت أن تلغى «حقوق» ا>لكية اخلاصة? إنناال نزال نؤكد-شأننا شأن لوك-أن كل فرد يتمتع بحرية الفرصة االقتصادية8حتى حX ال نعني «كل فرد» على وجه الدقة. ولكننا8 على خالف لوك8 نؤمنبأن بوسعنا أن نعني كل فرد8 وما كان لوك ليحتـاج إلـى قـراءة هـوبـز حـتـى

يحكم بأننا8 في هذا الرأي8 سذج بحق.فكما أصبحت األخالقيات نسبية (أو أشد نسبية �ا كانت على األقل)فإن طبيعة السياسة أصبحت أقل أخالقية. فنحن قد انتقلنا من النظر إلىالسياسة على أنها سعى وراء أهداف محددة إلى معاملة السياسة على أنهاسعى فحسب. بل إن التمسك بهذا السعي8 وبهذا ا>سار8 هو في الواقع أهم

40

الغرب والعالم

هدف �كن أن نضعه ألنفسنا8 إن لم يكن هو الهدف الوحيد. واألرجح أنهذا هو اإلجناز الرئيس للنظرية الد�قراطية.

ولكن كما الحظنا من قبل فإن الثورة التي حدثت في النظرية السياسيةواألخالقية والتي بدأتها ثورات الطبقة الوسطى8 منذ القرن السابع عشر8كان لها أيضا جانب أشد قتامة. فالدولة-كما أدرك مكيافلي-قد حتل محلالدين القد�. ولعله من الضروري أن يصبح سلطان هذه الدولة العلمانية-

رنا لوك ببعضوخاصة في مجتمع السوق-هائال8 كما أدرك هوبز. وقد ذكالقيم القد�ة للمجتمع ذي النزعة ا>طلقة8 والذي يتسم مع هذا باجلماعية.وهكذا فإن كال من هوبز ولوك قد قدما ا>بررات اخللقية للنشاط السياسيفي اجملتمع اجلديد8 ولكنهما معا عزفا عن تناول مشكلة التقسيمات الطبقيةوالتمزق التي خلقها االقتصاد اجلديد. وما زالت ا>شـكـلـة قـائـمـة8 فـنـحـننعيش في مجتمع مثله األعـلـى ا>ـسـاواة فـي درجـة ا>ـشـاركـة فـي الـعـمـلـيـةالسياسية. وأخالقنا السياسية اليوم هي العملية الد�قراطية. ولقد قلنـاإن مشكلتنا-في جانب منها-تكمن في أن ذلك الهدف لم يـتـحـقـق بـالـكـامـلبعد. ولكن بحثنا في فـكـر هـوبـز ولـوك يـوحـي بـأن مـثـل هـذا الـهـدف كـانينطوي على رياء منذ البداية. فقد تغاضى لوك عن ا>شكلة بترديد ا>طلقاتاألخالقية الطنانة التي تستند إلى تراث فكرة القانون الطبيعي8 ومع هذا التزال ا>شكلة قائمة. فإذا ما كانت أخالقنا السياسية الوحيدة ا>مكنة هـيأخالق الصيرورة فإن ا>طلق الوحيد الذي نلزم به أنـفـسـنـا هـو أن تـصـبـحالعملية الد�قراطية متاحة للجميع. ولكن األهداف األخرى لثورة الطبقةالوسطى. أعني مجتمع السوق8 وا>لكية الفردية8 وا>لكية اخلـاصـة «لـرأسا>ال» (ا>رافق اإلنتاجية) والتسليم بوجود الطبقة (ا>الك والعمال8 األغنياءوالفقراء)-كل هذه األهداف تعني أن العملية السياسـيـة ال �ـكـن أن تـكـونمتاحة للجميع. قد يستطيع اجلميع أن يقرعوا اآلن8 ولكن >ا كان في إمكان

ألـف دوالر فـي حـمـلـة انـتـخـاب رئـيـس٤٠٠شركـة واحـدة أن تـتـبـرع xـبـلـغ اجلمهورية فإن من حقنا أن نتساءل عن جدوى مثل هذا االقتراع. فالتفاوت

االقتصادي �كن أن يجعل من ا>ساواة السياسية أمرا ال معنى له.إن السياسة ال تزال هي تصادم ا>ـصـالـح اخملـتـلـفـة8 وهـذا هـو أ�ـوذجمجتمع السوق. ولكن بـعـض ا>ـصـالـح أقـوى مـن غـيـرهـا8 وحـتـى لـو مـولـت

41

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

احلمالت السياسية با>ال العام وحسب8 فليس من ا>مكن أن نتوقع أن يكون�ثيل8 الضعفاء في قوة �ثيل األقوياء. فالشركات والهيئات الكبرى تستطيعأن تدفع لعدد من الناس ما يكفي خلداع أية حكومة د�قراطية مهما كانتXنواياها طيبة. والعاملون في هذه الشركات ليسوا أكبر عددا من العامـلـفي احلكومة وحسب8 بل إنهم كثيرا ما يكونون نفس األشخاص وطـا>ـا أنالسلطة االقتصادية في أيدي بعض األفراد8 فال �كن أن تـكـون الـسـلـطـةالسياسية د�قراطية-إال للـقـلـة. وقـد أدرك هـوبـز ولـوك بـالـطـبـع8 دون أنيعترضا عليه. ولم يفكر أحد في حتقيق الد�قـراطـيـة الـكـامـلـة لـلـسـلـطـةXالسياسية عن طريق حتقيق د�قراطية السلطة االقتصادية8 سوى «ا>تطرفاجملانX» في اجلناح اليساري من ثورات الطبقة الوسطى (مثل احلفـاريـن

الراديكاليX في إجنلترا).ولعلهم كانوا متخلفX عن زمانهم8 ومتقدمX عليه في الوقت ذاته.

تفتح العملية الدميقراطية: من الدميقراطية الليبرالية إلىالدميقراطية االشتراكية

Surrey8 «لقد حملت معولي ومضيت أشـق أرض جـورج هـيـل فـي سـرىمعلـنـا بـذلـك حـريـة األنـام8 وأن األرض ال بـد أن حتـرر مـن شـراك الـسـادةوا>الك8 لتصبح ماال مشاعا للجميع8 كما كـانـت فـي الـبـدء ومـنـحـت لـبـنـي

Gerard اإلنسان». هذه هي الـكـلـمـات الـتـي شـرح بـهـا جـيـرارد ويـنـسـتـانـلـي

Winstanleyسبب قيادته جلماعة مكونة من عشرين فقيرا لزراعة األراضي . ولقد أهابوا١٦٤٩البور في سانت جورج هيل بوصفهم شيوعيX في عـام

بكل من في إجنلترا لالنضمام إلى صفوفهم8 فارتاع ثوريو الطبقة الوسطىفي حكومة كرومويل اجلديدة من هؤالء «احلفاريـن» وتـهـديـدهـم لـنـظـامـيالسوق وا>لكية اخلاصة اللذين كانا في أول عهدهما. لقد كتب وينستانليما كتبه قبل عامX من ظهور كتاب التنX لهوبز وقبل أكثر من ثالثX عامامن ظهور رسالة لوك8 غير أن إعالنه أو بيانـه �ـكـن أن يـعـد ردا مـبـاشـراعليهما معا وعلى كرومويل. لقد كان منطلقا من إحساس قد يكون مبالـغـافيه8 بالثقة في مقاصد الطبقة الوسطى: «أنتم جميعا كأناس فـي ضـبـابتبحثون عن احلرية وال تعرفون أين هي أو ما هي. ال �كن تأسيس حريـة

42

الغرب والعالم

حقة إلرساء السالم في إجنلترا أو للبرهنة على إ�انكم xيثاق الله سـوىتلك التي ال �يز بX الفقراء واألغنياء8 ألنكم إن وافقتم على منح احلريـةلألغنياء في ا>دينة وأعطيتم احلرية >الك األراضـي فـي الـريـف ولـرجـالالدين واحملامX وألصحاب الضياع وللمالك8 دون أن �نحوا الفـقـراء أيـةحرية فأنتم إذن منافقون صرحاء». وقد بX وينستانلي ا>سألة بشكل أوضحفقال: «إن هذا الشراء والبيع هو منبع الغشاشX... لهذا ال ينبغي أن يكونهناك بيع وشراء في كومونولث حر8 ال ولن يؤجر امرؤ أخاه ليعمل له». إنالهجوم على ا>لكية اخلاصة وعلى الشراء والبيع ومجتمع السوق والطبقاتوالعمل األجير في منتصف القرن السـابـع عـشـر فـي إجنـلـتـرا كـان حـنـيـنـاعقيما8 وحلما جسورا في الوقت ذاتـه. ولـم تـظـهـر حـركـات ثـوريـة جـديـدةتؤمن بأن ليبرالية ا>الك الد�قراطية غير كافيـة8 إال فـي الـقـرن الـتـاسـععشر بعد أن بلـغـت ثـورة الـطـبـقـة الـوسـطـى مـداهـا. وهـكـذا دعـا مـاركـسواالشتراكيون-شأنهم شأن وينستانلى-إلى د�وقراطية راديكالية8 اجتماعيةواقتصادية وسياسية على السواء8 لكل من الفقراء واألغنياء. لـقـد حتـدثاالشتراكيون أحيانا كما لو كانوا يرفضون أخالق الصيرورة. فقـد حتـدثـوامرة أخرى عن األهداف األساسية وأولوية الغايات على الوسائل8 وانتقدوا-مرارا-العملية البر>انية والتغير التدريجي. ولكن كل ما كان يطلبه االشتراكيونهوx 8عنى من ا>عاني8 أن يسمح للعملية السياسيـة: أن تـسـيـر xـزيـد مـنالعدالة8 فهجومهم كان موجودا ضمنا في تبريرات ثورة الطبقة الوسطى.لقد استولى أعضاء الطبقة الوسطى على السلطة من ا>لوك والنـبـالءألنهم كانوا مستبعدين من عملية صنع القرار. وكان دفاعهم عن الد�قراطيةالليبرالية ينطوي ضمنا على القول بأن الثـورة هـي الـبـديـل الـوحـيـد >ـن اليسمح له با>شاركة. وال �كن القول بأن الثورة منافية لألخالق8 بل إنها هيا>لجأ الوحيد >ن استبعدته العملية السياسية. لقد خلق هؤالء الثوار8 أخالقالصيرورة أو أعادوا خلقها بوصفها أكثر ا>ثل العليا أهمية في سياسة تقومعلى ا>شاركة الكاملة فبالنسبة >ن أتيحت أمامه فرصة ا>شاركة في السلطةال يوجد هدف أسمى من اتباع القواعد فذلك هو الـسـبـيـل الـوحـيـد الـذي�كن أن يعمل به هذا النظام. وبهذا ا>عنى فإن اجلوهر األساسي لألخالقالسياسية احلديثة هو احلفاظ على الد�قراطية. وبهذا ا>عنى فإن األحزاب

43

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

االشتراكية الد�قراطية تظل على اتفاق كامل مع هذا ا>بـدأ: فـقـد كـانـتتسعى إلى توسيع نطاق العملية السياسية وإلى جعل القرارات السـيـاسـيـةالتي تتخذ من خالل التمثيل النيابي الشامل أكثر أهمية من قرارات السوق.

ملزيد من االطالعإن تركيزنا على ثالثـة أفـراد8 أو بـاألحـرى عـلـى ثـالثـة كـتـب ألـفـت فـي

Xينبغي أال يفضي بالدارس إلى االعتقـاد٬١٧٠٠ ١٥٠٠إيطاليا وإجنلترا بـ بأننا قد استـوفـيـنـا هـذا ا>ـوضـوع الـصـغـيـر حـقـه. بـل إن قـراءة مـكـيـافـلـي

Machiavelli وهوبـز Hobbs ولـوك Lockeتصبح أهـم بـعـد قـراءة الـدراسـات 8 والتنـThe PrinceXالتمهيدية عنهم. (توجد طبعات عديدة لكـتـاب األمـيـر

Leviathan والرسالة الثانية The Second Treatiseوقد ظهرت تفسيرات كثيرة (Ernestلكل كتاب عبر مئات السن8X ونوصي بقراءة كتاب آرنست كاسـيـرر

Cassirer أسطورة الدولة The Myth of the State وكتاب س.ب مكفرسون C. B.

Macpherson النظرية السياسية لنزعة التملك الفـردي The Political Theory

of the Possessive .فهما كتابان مقنعان Individualismغير أن الدارس يجب أن يكون على علم بالتفسيرات. وهناك تاريخ جيد معروف للفكر السياسي

Xهو كتاب جورج سابGeorge Sabineتاريخ النظرية السياسية (×) A History

of Political Theory وقد جمع دي المار جـنـسـن De Lamar Jensonفي كتـابـه مجموعة من التفسيرات. ا>طروحة للفكرة. ويحذرناMachiaveiliمكيافلي

في كتابه: فن احلكم عند مكيافليherbert Butterfieldكل من هربرت بترفيلد The Statecraft of Machiavelli وف. تـشـابـود F. Chabodفي كـتـابـه مـكـيـافـلـي

من تناول مكيافلي xعـزلMachiavelli and the Renaissanceوعصر النهضـة تظهرThe Discoursesعن عصره. وأية قراءة سريعة لكتاب مكيافلي ا>قاالت

لنا جانبه الد�قراطي. وهناك تفسيرات لهوبز ولوك �كن أن جندها في الفلسفـةLeo Straussكتاب سابX السالف الذكر8 وفي كتاب لـيـوشـتـراوس

The Political Philosophy of Hobbes: Itالسياسية عند هوبز أساسها وتكوينها

Basis and Genesisوكتاب هوارد وارندر Howard Warronderالفلسفة السياسية Willmore وكتاب وليمور كندال The Political Philosophy of Hobbesعند هوبز

(×) ترجم إلى العربية بعنوان تطور الفكر السياسي (ا>ترجمان)

44

الغرب والعالم

Kendall جون لوك وعقيـدة حـكـم األغـلـبـيـة John Locke and the Doctrine of

Majority Rule وكتاب ج. و. جوخ J. W. Goughالفلسفة السياسية عند جون .John Locke‘s Political Philosophy: Eight Studiesلوك. ثماني دراسات

وبالرغم من أننا ركزنا على مكيافلي وهوبز ولوك فإننا لم نفعل هذا منأجل فهم كل بعد من أبعاد فكرهم8 بل لبحث ظهور ا>برر النظـري لـلـدولـةاحلديثة. والدارسون الذين يرغبون في متابعة هذا ا>وضوع �كنهم االستفادة

The Development تطور الدولة احلديثة Heinz Lubaszمن كتاب هينز لوباسز

of the Modern State وكتاب فرانز نيومان Franz Neumannالدولة الد�قراطية وكتاب جوديث ن. شكالرThe Democratic and Authoritarian Stateوالسلطوية

Judith N. Shklar الـنـظـريـة الـسـيـاسـيـة واأليـديـولـوجـيـا Political Theory and

Ideologyوكلها تضم مقاالت عن ا>وضوع واألسباب التي أدت إلى اختيارنا هذا ا>وضوع واردة في دراستX حديثتX عن مواطن قصور الدولة الليبرالية

The نهاية الليبـرالـيـة Theodore J. Lowiاحلديثة8 هما كتـاب تـيـودورج. لـوي

End of Liberalism و بيتر مانيكاس Peter Manicas موت الدولة The Death of

the State.أما بالنسبة إلى أولئك الدارسX الذين يرغبون في استـكـشـاف ظـهـورعصر النهضة وعصر اإلصالح الديني والدولة البر>انية اإلجنليزية بتفصيل

Xأكبر فهناك عدد من الدراسات اجليدة. إذ يقدم آرثر ج. سالفArthur J.

Slavin.عددا من التفسيرات في كتابه ا>لكيات اجلديدة واجملالس النيابية The New Monarchies and Representative Assembliesكما أن كـتـابـي جـاريـت

وديبلوماسية عـصـر الـنـهـضـةArmada: األرمـادا Garret Mattinglyماتنجـلـي Renaissance Diplomacy وكتاب الفريد فون مارتن Xأصبحا كالسيكي Alfred

von Martin علم اجتماع عصر النهضة Sociology of the Renaissance يحتوي أوربا فـي الـقـرنG. Mosse على كثـيـر مـن األفـكـار. وبـعـد كـتـاب ج. مـوسـى

عرضا شامال جيدا8 وكذلك Europe in the Sixteenth Century السادس عشرEurope in the أوربـا فـي الـقـرن الـسـابـع عـشـر David Ogg كـتـاب ديـفـيـد اوج

Seventeenth Century ويقدم كتاب ج. هـ. هكستر J. H. Hexterإعادة التقييم بعض التغييرات احلديثة في التفـسـيـر. Reappraisals in History في التاريـخ

وهناك مجموعة من ا>قاالت ا>متازة عن الفترة بأكملها في كتاب أورسـت

45

السياسة وا�ثل العليا: الدول العلمانية والطبقات الوسطى

Searching for Modern Times البحث عن العصور احلديثة Orest Ranum رانوم

The Century ١٧١٤- ١٦٠٣قرن الثورة Christopher Hill وبعد كتاب كريستوفر هل

of Revolution 1603-1714 مدخال �تازا عن إجنلترا وهناك تفسيرات مختلفة Philip A. M. Taylorللحرب األهلية اإلجنليزية في كتاب فيليب أ. م. تايـلـور

وفي The Origins of the English Civil War أصول احلرب األهلية في إجنلتراباسـم Lawrence Stone اجملموعة األكثر عمقـا الـتـي أعـدهـا لـورانـس سـتـون

Social Change and ١٥٤٠-١٦٤٠الـتـغـيـر االجـتـمـاعـي والــثــورة فــي إجنــلــتــرا

Revolution in England1540-1640 وكتاب تريفـور اسـتـون Trevor Aston الـذي.Crisis in Europe 1560-1660 ١٥٦٠-١٦٦٠يشحذ الفكر األزمة في أوربا

وهناك عدة دراسات �تازة تعقد مقارنة بX النظرية السياسية الـتـيدرسناها والنظرية السياسية للثقافات األخرى في الفترة نفسهـا تـقـريـبـا.

Michael Gherniavskyفبالنسبة لروسيا هناك كتاب ميشيل شيرنـيـافـسـكـي

Tsar and People: Studiesالقيصر والشعب: دراسات في األساطير الروسية

in Russian Myths وبعـد كـتـاب جـيـمـس س. بـلـيـنـجـتـون .Jones H. Billington

The Icon and Axe: Anاأليقونة والفأس: تاريخ تفسيري لـلـثـقـافـة الـروسـيـة

Interpretive History of Russian Cultureوهو دراسة شاملة موحية. وبالنسبة هن خاللManchuللصX لدينا صورة إلمبراطور عظيم من أسرة مـانـشـو :Emperor of Chinaكلماته هو نفسه إمبراطور الصـX: صـورة ذاتـيـة لـكـاجن-

Self-Portrait of K’ang-hsi من إعداد جوناثان د. سبنس Jonathan D. Spence

وهو كتاب جميل.

46

الغرب والعالم

هوامش الفصل الثالث عشر

(1) Niccolo Machiavelli The Prince, trans. Luigi Ricci (New York: Random. House, 1940, 1950 ), p. 3.

(2) Ibid., p. 56.

(3) Ibid. , p. 29-30.

(4) Ibid., p. 31-32.

(5) Ibid., p. 32.

(6) Ibid., p. 54.

(7) Ernst Cassirer, The Myth of the State ( New Haven: Yale University Press, 1946 ), p. 131.

(8) Ibid., p. 137.

(9) Ibid., p. 138.

(10) Ibid., p. 143.

(11) Thomas Hobbes, Leviathan, ed. by A. R.Waller ( Cambridge, Cambridge Univ. Press, 1904 ), p.

58. Cited in C. B. Macpherson The Political Theory of Possissive Individualism ( London: Oxford

Univ. Press, 1962 ), p. 37.

ووجهة النظر الواردة هنا تستند إلى كتاب ماكفرسون ا>ثير.(12) Hobbes, p. 55. Cited in Macpherson, p. 37.

(13) Hobbes, p. 179. Cited in Macpherson, p. 96.

(14) John Locke, Second Treatise, in Two Treatises of Government, ed. by Peter Laslett ( Cambridge:

Cambridge Univ. Press, 1960), p. 304. Cited in Macpherson, p. 200.

(15) Locke, pp. 304-306.

(16) Cited in Macpherson, p. 223.

47

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

العمل والتبادل االقتصادي:الرأسمالية في مقابل التراث

ثمة شـواهـد مـتـزايـدة عـلـى أزمـة الـرأسـمـالـيـةالغربية. فاألحزاب االشتراكية قد انتخـبـت حلـكـممـعـظـم أوربـا. واالقـتـصـاد األمـريـكـي يـكـافـح ضـدا>عدالت العالية للتضخم والبطالة (وهما عامـالنيتناقضان عادة). وهناك دراسة فيدرالـيـة بـعـنـوان

% فقط من٤٢) وجدت أن ١٩٧٢العمل في أمريكـا ( % من العمال٤٣العمال أصحاب الياقات الزرقاء8 و

أصحاب الياقات البيضاء8 سيختارون نفس العملالذي يزاولونه اآلن لو أتيحت لهم الفرصة ليبدؤواحياتهم من جديد. وكشفت إحصائية قام بها اجمللساألمريكي لإلعالن أن غالبية األمريكيX يـتـخـذون

مواقف سلبية من مبدأ االقتصاد احلر.فما الرأسمالية? وأين ومتى وكيف نشأت? وماذاحلت من مشاكل العمل والتبادل? ما العالقة الـتـيتربطها باحلرية والد�قراطية ومستوى معيشـتـنـاا>رتفع? وما عالقتها xشكالت التفاوت والوظائفوالصحة والبيئة واإلنتاجية? وهل جعلتنا أكثر حرية?وهل تخلق الوظائف? هل تدفع لنا مزيدا من األجر

14

48

الغرب والعالم

وتتيح لنا مزيدا من الفراغ? إذا كانت قد أدت عملها بكفاءة فيما مضى8 فماسبب األزمة الراهنة? أم أن حـديـث األزمـة هـذا إن هـو إال تـشـاؤم قـصـيـر

النظر? سنحاول أن جنيب عن بعض هذه األسئلة في هذا الفصل.

قبل الرأسمالية: أساليب العمل والتبادل التقليديةتعرف الرأسمالية بعدة طرق مختلفة ولكن أي تعريف مـفـيـد يـجـب أنيقدم وصفا لسلسلة من التطورات االقتصادية احلديثة للغاية في التـاريـخالغربي في اخلمسمائة سنة األخيرة أو حوالي ذلك. فال جدوى في االعتقادبأن الرأسمالية نظام اقتصادي خالد أو عا>ي8 وال معنى في تصور الرأسماليةعلى أنها النظام الذي أشبع احلاجات البشـريـة األسـاسـيـة أو الـطـبـيـعـيـة.واحلقيقة أن النظام الرأسمالي استثناء وليس قاعدة8 وأن الرأسمالية منعطفحديث في تاريخ أوربا بعد العصور الوسطى8 وأنها لم تبلغ نضجها وتصبحنظاما واضح ا>عالم إال في القرنX اآلخرين8 وال تزال نـظـامـا غـربـيـا إلـى

درجة كبيرة.ومن أفضل الطرق لتبX تفرد حضارتنا الرأسمالية احلديثـة8 حـضـارةالسوق والعمل التجاري8 أن ندرس الوسائل التي كانت تتم بها الـنـشـاطـاتاالقتصادية-كالعمل وا>بادلة-في شق البقاع ومختلف حقب التاريخ اإلنساني.فقد وجد علماء األنثروبولوجيا تباينا شاسعا بX أنواع النشاط االقتصاديفي اجملتمعات القبلية والريفية التقليدية8 وكتب أحدهم8 وهو ماننج نـاش8

يقول:«تكشف حياة البشر االقتصـاديـة عـن تـنـوع كـبـيـر فـي الـزمـان وا>ـكـان.فاالهتمام االقتصادي الرئيس في جزر النيوهبريدز (بجنوب احمليط الهادي)هو جمع اخلنازير فالناس يعملون بتربية اخلنـازيـر ومـبـادلـتـهـا وإقـراضـهـابالفائدة8 وفي خا�ة ا>طاف يقومون بذبح ما أنفقوا العمر في جمعه منها8في وليمة شعائرية ضخمة8 وا>لكية اخلاصة في السلع اإلنتاجية ال أثر لهابX قبائل البوشمان في صحراء كالهاري (بجنوب أفريقيا). فكل ما تصطادهجماعات القناصX تتقاسمه العشيرة. ويقوم كل بستاني في جزر ميالنيزيابحمل شئ من البطاطا إلى بيت الرئيس. وهناك يأخذ كوم الـبـطـاطـا فـياالرتفاع-وأخيرا يدركها الفساد8 فتجد القبـيـلـة فـي ذلـك مـهـيـأة >ـزيـد مـن

49

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

الفخر. ويعيش هنود جواتيماال وا>كسيك جماعـات لـكـل مـنـهـا تـخـصـصـهاالقتصادي. فطائفة تنتج الفخار8 وأخرى البطاط8X وثالثة تنتج اخلشب8وغيرها تصدر فائض الذرة. وهذه الطوائف يربط بينها نظام أسواق ومبادلة

.)١(معقدفالتنوع في احلياة االقتصادية للمجتمعات قبـل الـرأسـمـالـيـة يـبـلـغ مـنالشدة حدا يجعلنا واثقX من أن جند استثناء لكل قاعدة. ولكن برغم هذهالصعوبة8 فإن ما بX معظم هذه اجملتمعات من تشابه8 يسمح لنا بالتمييز

بX اجملتمعات السابقة على الرأسمالية واجملتمعات الرأسمالية.وقد أشرنا في الفصل السابق إلى اجملتمع الرأسمالي على أنه مجتمعالسوق. وعلينا أن نحترس من استخدام هذه التفرقة استخداما فضفاضا.فقد أشار ماننج ناش في العبارة إلى استشهدنا بها تـوا إلـى وجـود «نـظـامأسواق وتبادل معقد» في اجملتمعات الريفية في ا>كسيك وجواتـيـاال. وقـدقام شكل من أشكال السوق في معظم اجملتـمـعـات الـريـفـيـة8 بـل إن بـعـضأوليات ا>دن كانت أساسا أسواقا لتبادل إنتاج الريف وحرف ا>دينة والوارداتمن األصقاع النائيـة. ولـكـن بـالـرغـم مـن ذلـك تـظـل نـظـرتـنـا إلـى اجملـتـمـعالرأسمالي احلديث على أنه مجتمع سوق مفيدة للغاية. وعلة ذلك أن عالقاتالسوق تتخلل كل شيء في اجملتمع الرأسمالي. فجمـيـع عـالقـات اجملـتـمـعالرأسمالي تتجه إلى حد كبير إلى أن تكون عالقات سوق. والصورة ا>ثلىهي تلك التي يصبح فيها السوق في اجملتمع الرأسمالي xثابة «اليد اخلفية»التي تشرف على كافة العالقات االجتماعية وتتحكم فيها8 وقد ذكر واحـد�ن زاروا أمريكا حديثا «أن كل ما فيها للبيع8 وكل من فيها يعامل معاملةالزبون8 أي معاملة ا>شتري أو البائع8 وهذا هو ا>عنى الذي بدأ يتكشف فيمجتمع السوق في إجنلترا في القرن السابع عشر8 وهو ما شهـده تـومـاس

هوبز جنينا.

التبادل قبل ظهور نظام السوق: اإلنتاج العائلي والعطاء املتبادلوإعادة التوزيع

أن السوق هو نظام توزيع أو تـبـادل. ولـكـن هـنـاك نـظـمـا أخـرى غـيـره.واحلقيقة أن السوق في معظم التاريخ البشري لم يـكـن إال وسـيـلـة ثـانـويـة

50

الغرب والعالم

للتوزيع والتبادل. فقد اعتمدت معظم اجملتمعات الغابرة على أنظمة للتبادلأطلق عليها بعض علماء األنثربولـوجـيـا اسـم «اإلنـتـاج الـعـائـلـي» و«الـتـبـادلا>شترك» و «إعادة التوزيع». وتد حل السوق في اجملتمع الرأسمالي احلديث

محل معظم هذه األشكال.فنظام اإلنتاج العائلي من أقدم أشكال التبادل. وتذكرنا العبارة بالكيفيةالتي يتم بها توزيع السلع في األسرة ا>توسطة-إلى يومنا هذا تقـريـبـا8 وإنكانت أعم في اجملتمع الزراعي التقليدي. فالكل يعمل8 والكل يـشـارك فـيثمرة العمل. وهذا النظام معقول بالنسبة لنا في األسرة. فال يخطـر بـبـالالوالدين أن �تنعا عن إطعام أوالدهما ألنهم يعملون أقل8 وال يحتاج األوالدإلى شراء معيشتهم اليومية أو مقايضـتـهـا: فـهـذا شـئ مـتـوقـع8 وال تـقـتـرن

األسعار بالسلع واخلدمات8 وإ�ا يؤدى العمل ويستفيد الكل.وقد يدهشنا أن ندرك أن اإلنتاج الـعـائـلـي8 كـان وال يـزال هـو الـنـمـوذجالنمطي لالستبدال في مجتمعات أكبر بكثير مـن األسـرة. ولـكـنـه ظـل فـيالواقع ساريا بX األسر ا>متدة والعشائر والقبائل واجلماعات الكبيرة األخرىمن الناس طوال التاريخ. فاإلنتاج العائلي هو أساسا إنتاج السلع لالستعمالال للبيع أو الكسب. وقد كانت معظم اجملتمعات السابقة على الرأسمـالـيـةتتبعx 8عنى من ا>عاني8 �ط اإلنتاج العائلي بصورة ما. وقد سماه قدامى

أي االقتصاد وقدEconomy وهي أصل كلمة Oeconomiaاليونان اإليكونوميا أكد أرسطو أن جوهر اإليكونوميا واالقتصاد هو اإلنتاج الستعمال اجلماعة8أي اإلنتاج العائلي. وهو يقول أن هذا أمـر ال شـأن لـه بـاإلنـتـاج فـي سـبـيـلالكسب أو النقود أو الربح عن طريق السوق8 فمثل هذا النـشـاط مـخـتـلـف�اما عن «االقتصاد». أمـا الـيـوم فـي اجملـتـمـع الـرأسـمـالـي فـنـحـن نـعـرف

االقتصاد تعريفا عكسيا �اما.وكان اإلنتاج العائلي8 أي اإلنتاج لالستخدام والتوزيع داخـل اجلـمـاعـة8هو القاعدة ا>تبعة في اجملتمعات اإلقطاعية في العصور الوسطى أيـضـا.فكانت الضيعة في العصور الوسطى وحدة إنتاج وتوزيع مكتفية بذاتها. ولميكن هناك محل لألسواق خارج ا>دن. وكانت الضيعة اإلقطاعية-كالعـائـلـةالرومانية أو العشيرة اليونانية-تدبر أمورها مستقلة عن األسواق مع تفاوتبالغ في درجة السلطة التي �ارس في اإلنتاج والتوزيع. فكان رب العائـلـة

51

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

الروماني أشبه بالطاغية8 وكـذلـك كـثـيـر مـن أربـاب اإلقـطـاع فـي الـعـصـورالوسطى في الغرب. ولكن لم يكن هذا أمرا حتميا في إطار نظـام اإلنـتـاج

وهم من صقاليةZadruga العائلي. فعلى سبيل ا>ثال كانت عائالت النرادروجااجلنوب شديدة الد�قراطية. والواقع أن سياسة اتخاذ القرار-أعني حتديدمن الذي يحصل على ماذا-تختلف �اما عن اقتصاد العمل ا>شترك لالنتفاعالعام. فالضياع واألسر واجلماعات تتباين فيما بينها تباينا شاسعا8 يتراوح

ما بX االستبدادية والد�قراطية.وفي إمكان اجملتمع أن يقسم ا>وارد ويتبادل السلـع كـمـا تـفـعـل األسـرةالكبيرة8 ولعل هذا ما فعلته مـعـظـم اجملـتـمـعـات. فـقـد جـرت عـادة مـعـظـماجملتمعات على �ارسة نوع من التبادل ا>شترك أو إعادة التوزيع في داخلاجملتمع الذي يشبه العائلة8 ومع غيره من اجملتمعات العائلـيـة أو حـتـى مـع

الغرباء. فـهـو الـتـعـبـيـر الـذي يـطـلـقـه عــلــمــاءReciprocity أمـا الـعـطـاء ا>ـتـبــادل

األنثربولوجيا على البذل والعطاء. فأعضاء اجلماعة الذين يعدون أنفسهمأهل بيت واحد يبذلون عملهم وثمار عملهم لسائر األعضاء وينتظرون منهمرد (أو مبادلة) هذه الهدية وهم بالفعل يقومون xا هو متوقع منهم. وكثيراما يقوم العطاء ا>تبادل في اجملتمعات القبلية ذات األسر ا>تـعـددة أيـضـا.ومن النماذج األثيرة عند علماء األنثربولوجيا تلك العادة التي ظلت سائدة

على الساحل الكندي للمحيطKwakiutl حتى عهد قريب بX هنود الكواكيوتلالهادي. فقد أدهش هنود الكواكيوتل علماء األنثروبولوجيا األمريكي8X ومنهم

)8 بسبب عادتهم في التهادي١٩٣٤8روث بنديكت في كتابها �اذج من الثقافة (التي تعد سخرية الذعة من الثقافة الرأسماليـة األمـريـكـيـة الـقـائـمـة عـلـىاالستيالء واالستحواذ. فهؤالء الهنود يستمدون مكانتهم في مجتمعهم عنطريق التنافس في التنازل عن �تلكاتهم (بل حتى تبديدها) مع أندادهم.

Potlatch8 وكانت األعياد ا>وسمية ا>عروفة xهرجانات الشتاء (البوتالنش)مناسبات لهنود الكواكيوتل الستعراض ثرواتهم بالتـنـازل عـنـهـا كـلـهـا. وقـدفسر علماء األنثربولوجيا عادة االنتقال من «الثراء إلى األسمال» هذه علىأنها طريقة لتوزيع الثروة (القوارب8 واخلرز8 وزيت السمك8 وأسماء األعالمالهامة8 واألغاني والكنى) بالعدل والقسطاس على أهل القبيلة. وكانت هذه

52

الغرب والعالم

ا>هرجانات التي يعقدها هؤالء الهنود وا>مارسات ا>ماثلة في بذل أو تفتيتا>متلكات بX اجملتمعات نظاما في التبادل ونظاما موسميا إلزالة الفوارقوا>ساواة. فهذه العادة تكفل حصول كل فرد على الرعـايـة8 وعـدم احـتـكـار

أحد للثراء الفاحش أو السلطة ألجل طويل.ورxا كان التبادل ا>شترك هو أقدم أنواع التجـارة اخلـارجـيـة. وا>ـثـالالتقليدي هو التبادل داخل حلقة كوال8 الذي �ارسه سكان حلقة من اجلزرتسمى تروبرياند في احمليط الهادي قرب غينيا اجلديـدة. فـتـبـادل الـسـلـعالصعبة (كاخلنازير والبطاطا والزوارق والفخـار) يـسـبـقـه تـبـادل شـعـائـريلألساور والعقود التي حتظى بتقدير أعظم بكثير لدى التجار فكانت العقودتتنقل حول حلقة اجلزر في اجتاه عقرب الساعة8 بينما تسافر األساور فياالجتاه العكسي. وحتظى بعض احللي ا>صنوعة من احملار بتقدير عظيم8وتعد جميعا أغلى قيمة من اخلنازير أو الزوارق. ويعد احلصول على حليةمن هذه احللي في عرف ابن هذه اجلزر الهدف الرئيس من التجارة ولكنكل هذا كان يتم دون مساومة عليها8 وال محل الكتنازها. فالفرصة متاحـةلكل فرد أن يقتني واحدة من هذه األشياء بعض الوقت ثم يعطيها لغيره.

إن تبادل األخذ والعطاء شائع للغاية في أفقر اجملتمعات وأبسطها8 غيرXأن التبادل ا>شترك �ثل قيمة متأصلة في اجملتمعات البدائية والفالحإلى حد أنه ال يتالشى إال ببطء شديد. ففي أجزاء من أمريـكـا اجلـنـوبـيـةوأفريقيا وآسيا-لم تكتسب بعد طابعا جتاريا من خـالل انـتـشـار اجتـاهـاتالسوق ونظمه-يعيش الناس ويعملون بدون نقود حـتـى الـيـوم كـمـا لـو كـانـواجزءا من أسرة تبادلية كبيرة. ويذكر مصري نشأ في إحدى القرى الصغيرةأنه دهش حX علم8 بعد أن نزحت أسرته إلى القاهرة أنه بحاجة إلى نقوديدفعها ثمنا للحالقة أو لشراء حـذاء أو طـعـام. فـفـي الـقـريـة يـحـصـل ابـناحلالق على اخلبز من اخلباز8 وابن اخلباز يصلح حذاءه عند اإلسكـافـي8وابن اإلسكافي يقـص شـعـر رأسـه عـنـد احلـالق; وكـل هـذا بـدون نـقـود أوتعهدات أو تسجيل في دفتر حـسـاب. أمـا فـي الـقـاهـرة فـكـان يـحـتـاج إلـىالنقود ولكن حتى هناك كان التقسيط (الشك) والعطاء والهدايا جزءا معتادافي احلياة8 وما زال هذا ا>صري نفسه8 وهو الـيـوم فـي الـواليـات ا>ـتـحـدةXاألمريكية8 يقاوم فكرة إرسال «بطاقات شكر» عندما يقيم في بيوت ا>صري

53

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

اآلخرين في الواليات ا>تحدة األمريكية. فيقول «إن كلمة أشـكـرك» إهـانـةألنها xثابة وضع نهاية «>عاملة ما». فنحن ا>صريX نأخذ كرم الـضـيـافـةأمرا مسلما به. واألمر الذي نتوقعه ال يتطلب منك الشكر. وقد تكون كلمة«أشكرك» ذاتها هي البديل ا>هذب8 والضعيف في الوقت ذاته8 الذي يطرحهمجتمعنا التجاري ليحل محل «العطاء ا>تبادل» وقد تكـون نـدرة اسـتـخـدامكلمة من «فضلك» أو «شكرا» في بلدان العالم األقل في نزعتها الـتـجـاريـةعالمة على مزيد من االهتمام ا>تبادل ال نقصـا فـي األدب. أو لـعـل األدبنفسه عالمة على اختفاء الشعور الصـادق-أو مـا أطـلـق عـلـيـه رالـف والـدو

إمرسون «الفضيلة التي تبددت»أما إعادة التوزيع في ضرب من الـتـبـادل ا>ـنـظـم8 يـنـطـوي عـلـى األخـذوالعطاء بدون أسعار أو مساومة أو نقود أو حساب. ولكنه أقل تلقـائـيـة أوعفوية8 إذ يتواله عادة الرئيس أو ا>لك أو احلكام أو وكالؤهم ا>تخصصون.فتحصل السلع الفائضة (كما حتصل الضرائب) وحتفظ في مخزن رئيسأو بنك أو شونة. وفي األنظمة البيروقراطية ا>ركبة في بالد ما بX النهرينومصر والهند والصX و�الك األزتيك واإلنكا األمريكية كانت توجد مخازنضخمة للغالل والنبيذ واخلزف واألقمشة واحللي واألعمال الفنية وغيرهامن السلع وكثيرا ما كانت هذه السلع تـسـتـخـدم فـي هـذه اإلمـبـراطـوريـاتلتدعيم بـيـروقـراطـيـة الـدولـة واجلـنـود والـصـفـوة احلـاكـمـة8 وكـذلـك لـسـداالحتياجات الطارئة للناس. أما في اجملتمعات اإلقطاعية األقـل تـعـقـيـدا8ذات البيروقراطية األقل بطشا أو األخف وطأة. فغالبا مـا كـانـت اجلـبـايـةوالتوزيع أكثر د�وقراطية8 وفي بعض اجملتمعات القبلية التي ال يوجد فيهاحتى طبقة عليا إقطاعية ويتم جمع الطـعـام وتـوزيـعـه عـلـى سـبـيـل الـتـبـرعفيستفيد منه اجلميع8 ما عدا الرئيس. وهناك نكتة سائدة بX أوائل علماءاألنثروبولوجيا الذين درسوا القبائل الهندية األمريكية8 و هي أنك تستطيعدائما أن تكتشف رئيس القبيلة بأن تـبـحـث عـن أفـقـر إنـسـان. إذ يـبـدو أنمطالب إعادة التوزيع �كن أن تكون كبيرة إلى حد أن الرئيس كان يتنـازل

عن كل شيء يستطيع جمعه8 وال يحتفظ إال xكانته في القبيلة.ويكشف وصف إعادة التوزيع بX هنود الكريك في القرن الثامن عشر

عن مدى د�قراطية النظام8 فقبل أن يحملوا:

54

الغرب والعالم

«... محاصيلهم من احلقل تقام شونة في قلب ا>زرعة يقال لها شونـةا>لك8 تودع فيها كل أسرة كمية محددة حسب قدرتها أو رغبتها8 أو ال تودعإن شاءت. وهي وإن كانت تبدو في الظاهر إتاوة أو ضريبة للزعيم احمللي8فإنها في احلقيقة مخصصة لشيء آخر فهي xثابة خزانة عامة �ون مناحلصص االختيارية القليلة8 ويكون لكل مواطن حق فيها على السـواء فـيحالة نفاد مخزونه اخلاص8 فهي xثابة مخزون إضافي �كن أن يلجأ إليهاإلنسان للعون8 و>ساعدة ا>دن اجملاورة التي يكون محصولها قد نقص8 أوإلعالة الغرباء وأبناء السبيل8 وتقد� مدد و�وين إذا كانت هناك حمالت

.)٢(تأديبية8 ولكل ا>تطلبات األخرى للدولةإن أنظمة التبادل االقتصادية السابقة على السوق-اإلنـتـاج الـعـائـلـي أوالتبادل ا>شترك أو إعادة التوزيع-قد تكون اختيارية أو إجبارية8 د�قراطيةأو مفروضة. ويتوقف هذا على درجة ا>ساواة االجتماعية والتدرج الطبقيوعلى مدى ا>شاركة في السلطة أو احتكارها. والفارق ا>هم بX كافة األنظمةالـسـابـقـة عـلـى الـسـوق ونـظـام الـسـوق ذاتـه هـو أن األولـى تـبـقـى الـسـلـوكاالقتصادي اخلالص في أضيق احلدود. واحلقيقة أنه ال وجود >ا يـسـمـىباالقتصاد أو النشاط االقتصادي في اجملتـمـع الـسـابـق عـلـى الـسـوق8 ومـانسميه اقتصادا كان يفهم على أنه مجرد جانب من جوانب احلياة االجتماعية.فالتراث والدين والعادات والعالقات اإلنسانية هـي سـبـب الـقـيـام بـالـعـمـلوالتبادل والتزويد وتخصيص ا>وارد وهي السياق الذي يحدث هذا كله فيإطاره. وكل إنسان يؤدي ما ينتظر مـنـه. فـالـعـمـل واإلنـتـاج والـسـلـع ا>ـاديـةليست غايات في ذاتها8 بل هي وسائل للعيش تقررها للمرء أسرته ا>متدة

أو قبيلته أو قريته.

أصول الرأسمالية: األسواق واملنطق والرغبةكان منظرو اجملتمع الرأسمالي الناشئ-من توماس هوبز إلى آدم سميث-يتصورون أن األنانية وا>نافسة وا>ساومة وا>لكـيـة اخلـاصـة سـمـات أزلـيـةللطبيعة البشرية يتميز بها التاريخ اإلنساني كله. أما اكتشاف التنوع اإلنسانيوتطور النظم االقتصادية (الذي درسناه في القسم السابـق) فـهـو إلـى حـدكبير من إجنازات القرن التاسع عشر. ولقد كانت هناك اكتشافات سابقة

55

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

رائدة في هذا اجملال بطبيعة احلال منها الوعي بالتنوع والتغير في كتابات فـيGriambattista Vico وفيـكـوCharles de Secondat Montesquieu مونتسـكـيـو

أوائل القرن الثامن عشر. غير أن جتربة الثورة الصناعية في القرن التاسععشر-على األرجح-هي التي جعلت ا>فكرين األوروبيX يدركون8 بشكل عامأهمية التغير اإلنساني8 وبخاصة التغير االقتصادي8 فالقرن التاسع عشـرهو العصر الذهبي للدراسة التاريخية8 وهو عصر دراسة التطور واألصول8وأول عصر طرحت فيه الفكرة القائلة باحتمال تغير الطبيعة البشرية ذاتهامن عصر إلى عصر. إن عالم داروين وماركس وعلم األنثروبولوجيا لم يعدفي مقدورهما أن يتصورا أن اجتاهات اجملتمع الرأسـمـالـي أو مـؤسـسـاتـه

كانت موجودة في كل زمان.وقد وضع ا>دافعون عن االقتصاد اجلـديـد فـي الـقـرن الـتـاسـع عـشـر-Xكجماعات ليبرالي مانشستر اإلجنليز وأصحاب مذهب ا>نفعة8 الناطـقـبلسان الطبقة الوسطى من التجار وأصحاب الصنـاعـات رأيـا جـديـدا عـنفطرية األفكار وأشكال السلوك الرأسـمـالـيـة8 كـان أشـد اتـسـاقـا مـع وعـيعصرهم بالتاريخ. فذهبوا إلى أن الرأسمالية وإن لم تكن قد وجدت دائما8فإن احلاجة الغريزية إلى الرأسمالية ومنطقها اخلـاص وجـدا دائـمـا8 ومـاكان التاريخ إال تطور تلك الرغبة وذلك ا>نطق. وكان ألفكارهم من التأثيرما جعلها تكاد تصبح أفكار األمريكيX البديهية الشائعة في القرن العشرين.8Xإن كل ما حدث هو أن التجارة البدائية قد ازدادت تعقيدا على مر السنوأن الناس قد أدركوا بالتدريج أنه من األسهل أن يلصقوا بطاقات السـعـر(أو القيمة ا>الية) على األشياء التي كانت جتري ا>قايضة عليها8 وأن التجارةاحمللية أفضت إلى التجارة الوطنية وأخيرا إلـى الـتـجـارة الـعـا>ـيـة مـع �ـوا>عرفة اجلديدة بفنون التسويق. فهؤالء ا>دافعون عن ا>ذهب اجلديد كانوايؤكدون في الواقع أن الرأسمالية8 وإن لم تـكـن قـد وجـدت دائـمـا8 فـإن مـاحدث8 على األقل8 هو أن النزوع اإلنساني الطبيـعـي لـلـمـقـايـضـة قـد ازدادتعقيدا. وهذا القول-في كثير من النواحي-إن هو إال تعبير آخـر عـن فـكـرة

الطبيعة اإلنسانية الثابتة.وال يزال الكثيرون منا حتى اليوم يفرضون أن الرأسمالية تطورت منطقيامن الداخل إلى اخلارج8 ومن البسيط إلى ا>ركب8 ومن احمللي إلى األجنبي8

56

الغرب والعالم

ومن النطاق الصغير إلى النطاق العا>ي. فنحن نفترض مثال أن ا>قايـضـةبX األصدقاء أفضت بالتدريج إلى مزيد من التبادالت النقدية األكثر كفاءة8وأن التجارة احمللية أصبحت أشد اصطباغا بالصيغة الـنـقـديـة مـع ازديـادتعقدها8 وأن ا>ؤسسات الرأسمالية-كالنـقـود واألسـواق واألسـعـار واألربـاحوا>لكية اخلاصة-قد امتدت من القرية إلى ا>دينة إلى الـدولـة إلـى الـعـالـمألنها أثبتت تفوقها عـلـى الـطـرق األكـثـر بـسـاطـة. وثـمـة شـيء مـا فـي هـذااالفتراض يدخل الراحة على نفوسنا8 فهو يسمح لنا باالعتقاد بأن الرأسماليةا>ثلى بدأت بª األصدقاء وأنها نشأت فـي جـمـاعـات صـغـيـرة8 وانـتـشـرتانتشارا طبيعيا وتدريجيا ألن الناس أرادوا لها ذلك ونحن جند قدرا كبيرامن الراحة حX نعرف أن ما وقع قد وقع وفقا للمنطق وتعبيرا عـن رغـبـة

بشرية.والواقع أن هذا أبعد ما يكون عن احلقيقة. فمن األشياء التي تدعو إلىأقصى حد من االستغراب في تاريخ الرأسمالية أن معظم الناس حاربوهافي كل خطوة من خطوات توسعها. فرجل الدين واحلرفي وا>زارع والقرويوالعامل وا>الك وا>ستأجر بل كثير من أعضاء الطبقة الـوسـطـى الـنـاشـئـةببطء8 قاوموا جميعا التوسع في الرأسمالية8 إذ كانت تبدو دخـيـال خـطـرا

على األوضاع احمللية والتقليدية.Xعن الرأسمالية في القرن التاسع عشر لم يكونوا مخطئ Xإال أن ا>دافع�اما. فقد كان هناك ضرب من احلتمية ا>نطقية في توسع الرأسمالـيـة8وكان ا>نطق هو اتساع األسواق. فأسعار السوق أقل مـدعـاة لـلـخـالف مـنا>قايضة8 وأوضح من ا>ساومة. وxجرد أن يتم شراء بعض األشياء وبيعهاحتى يصبح من الالزم بذل جهد خاص >نع الناس من شراء أشـيـاء أخـرىوبيعها. والبحث عن الربح من خالل بيع سلعة أو في مجال معX كان يؤديإلى بدء ا>ساومات في مجاالت أخرى. إن توسع األسواق لم يكن ضروريـامن قبل8 بل إن معظم احلضارات القد�ة عرقلت توسعها8 ولـكـنـهـا مـا إناتسعت حتى تفتح اجملتمع كله >نطقها على نحو متزايد. ولذا فان بوسعنا

إرجاع تطور الرأسمالية إلى �و مجتمع السوق من األسواق األولى.كانت األسواق موجودة في معظم ا>دن القد�ة وكانـت قـوافـل الـتـجـارهي التي شقت أول الطرق التي تربط ا>دنيـات احلـضـريـة كـال بـاألخـرى.

57

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

ولكن أساليب التجار واألسواق لم تكن مهمة علـى اإلطـالق فـي االقـتـصـادالداخلي للحضارات القد�ة بل إن الكالم عن وجود اقتصـاد خـارج دائـرةا>دينة غير صحيح. ذلك ألن كلمة «االقتصاد» تفيد عا>ا من النشاط ا>نفصلال وجود له في بقية أجزاء ا>دينة أو الريف. فالعمل والتبادل وفق تقالـيـداإلنتاج العائلي والعطاء ا>تبادل والتوزيع8 كانت مجرد تعبير عن جوانب مناحلياة8 تخضع لنفس العادات والعالقات الشخصية التي يخضع لها الزواج

والعبادة واللعب والثأر.ولم يظهر مجتمع السوق للوجود إال عندما تغلغلت أساليب السوق فـينسيج العمل والتبادل برمته. وكان هـذا مـسـتـحـيـال فـي اجملـتـمـع الـزراعـيالتقليدي. فلم يكن الفالحون بحاجة حتى إلى سوق ا>ـديـنـة. إذ أن الـذيـنكانوا يجلبون قليال من البيض أو بطانية إلى ا>دينة في يوم الـسـوق كـانـتسعادتهم بالعودة بها تعادل سعادتهم ببـيـعـهـا. ولـو أن أحـدا اقـتـرح عـلـيـهـمحتويل معيشتهم الزراعية إلى سوق ضخمة يبيعون فيها عملهم بالـسـاعـة8ويشترون األرض ويبيعونها كمـا لـو كـانـت بـيـضـا8 أو يـسـتـخـدمـون أدواتـهـمومهاراتهم لكسب النقود8 الرتاعوا. ومع ذلك فقد كانت هذه ا>تاجرة بالعملواألرض ورأس ا>ال وحتويلها إلى نقود هي عX ما وقع في مجتمع فالحيبعينه-في زمن متأخر من العصور الوسطـى فـي أوربـا-وهـي الـواقـعـة الـتـي

غيرت وجه العالم.لقد كان من غير احملتمل أن تكون أوروبا عام ألف منبتا للنزعة التجارية8شأنها في هذا شأن اإلمبراطوريات القد�ة التي يعود تاريخها إلى ألف أوألفي عام قبل ذلك التاريخ. وتعد أقـوال أرسـطـو انـعـكـاسـا لـنـظـرة عـصـره«حلياة احلرفيX أو التجار»8 حX قال إنها حياة «تخلو مـن الـنـبـل وتـعـاديكمال الشخصية»8 �اما مثلما عبر شيشرون عن نظرة رومـانـيـة تـقـلـيـديـةللقضية نفسها حX قال: (إن من يشترون باجلملة لكي يبيعوا بـالـتـجـزئـة8يعيشون حياة «دنيئة» ألنهم «لن يجنوا أية فوائد بدون قدر كبير من الكذب».وقد أدان ا>فكرون ا>سيحيون في أوربا العصور الوسطى كذلك قيم األسواقوأوجه نشاطها8 فكان ا>ثل السائر في العصور الوسطى: «قلما يرضى اللهعن التاجر». وقد كتب القديس توما اإلكويني يقول: «إن األمر كله خلطيئة:فاللجوء للخداع بغرض بيع شيء ما بأكثر من ثمنه العادل لهو أشبه برجل

58

الغرب والعالم

يخدع جاره. إن عقيدة «الثمن العادل» (أي «الثمن ا>عقول» الذي ال يستفيدمن الندرة وال من مهارة الوسيط) وحتر� الربا (الذي كان يعني في بدايةاألمر إقراض ا>ال بأي قدر من الفائدة) واالرتـيـاب الـعـام خـالل الـعـصـورالوسطى في النقود والتجار8 مقترنا باالكتفاء الذاتي الزراعي في مجتـمـعالعصور الوسطى8 كل ذلك قد حد من النشاط التجاري وقصره على ا>دن

واألسواق ا>وسمية.يشير ا>ؤرخون إلى عدد من التغيرات في اجملتمع األوربي بعد عام ألفلتفسير انتشار أساليب السوق وقيمة. فقد تضاعفت ا>دن واتسعت8 وازدادتسيطرتها على الريف بشكل يكاد يكـون مـسـتـمـرا بـعـد عـام ألـف (وإن كـاناالنخفاض في عدد سكان احلضر نتيجة للطاعون في القرن الرابع عشر8رxا أدى إلى دفع عجلة االختراع في مجال التكـنـولـوجـيـا والـتـجـريـب فـيالنواحي التجارية). وأتاحت احلروب الصليبية لألوربيX التعرف على أسواقالشرق8 وسلع الترف والفنون التجارية8 واالستيالء على كثير من األسالبالكافية لتحويل آالف اجلنود إلى وكالء لتـجـارة الـفـلـفـل والـتـوابـل والـسـلـع

كانت تكنولوجيا ا>الحة وصناعة بـنـاء الـسـفـن١٥٠٠األخرى. وبحلول عـام والبارود في أوربا قد تفوقت على مثيلتها اإلسالمية والصينية. وأزال ملوكأوربا احلدود التجارية احمللية8 وحاربوا النبالء ا>تمردين بجيوش وطـنـيـة8ووضعوا أساسيات اقتصادية وطنية وأقاموا صناعات وطنية. وظهرت طبقةمتوسطة جديدة كاملة من التـجـار ورجـال الـبـنـوك وأصـحـاب الـصـنـاعـاتاحلرفية8 تفوق كثيرا من النبالء غنى8 كانوا يدفعون ثمن االحترام والتقديرألوجه نشاطهم ومشاريعهم ومثلهم. وجلأ بعض النبالء الـفـقـراء واألذكـيـاءإلى إدارة أراضيهم على أساس جتاري بتحويل االلتزامات اإلقطاعية القد�ةإلى إيجارات نقدية ثابتة وتسييج األراضي التي اعتاد الفالحـون زراعـتـهـاعلى ا>شاع (نصف األراضي القابلة للزراعة في إجنلترا على سبيل ا>ثال)وحتويلها الستخدامهم الشخصي كمراع لألغنام تدر ربحا أكبر. وحتـولـت

)guildsطرائف احلرفيX في العصور الوسطى والتي (تـسـمـى بـالـنـقـابـات والتي كانت تقوم بحماية مصالح أعضائها االقتصادية إلى صناعات متنافسةتستخدم الفالحX ا>عدمX بدال من تدريب الصبيان وعمال اليومية ليصبحوا

حرفيX في نهاية األمر.

59

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

كانت مؤسسات مجتمع السوق-النقود واألسعار واألرباح وا>لكية اخلاصة داخل حدود مجتمع إقطاعي.١٥٠٠واألجور والتنافس-قد تطورت قبل عام

وقد كان اإلقطاع نسقا من القوانX والعادات والوالء السياسي له ما يبررهفي نطاق اقتصاد العصور الوسطى الـزراعـي الـالمـركـزي. ولـكـن مـجـتـمـعالسوق اقتضى وجود مجموعة جديدة كاملة من ا>ؤسسات واألفكار القانونيةواالجتماعية والسياسية وشجعها8 و�كننا أن نطـلـق عـلـى هـذه اجملـمـوعـة

اسم الرأسمالية.لقد كانت الرأسمالية هي النظام الذي أضفى شرعية قانونية وسياسيةواجتماعية على األرض والعمل ورأس ا>ال بوصفها عناصر منـفـصـلـة فـي

السوق �كن حتويلها إلى نقود أو أسعار.ففي اجملتمع اإلقطاعي لم يكن ا>رء في أغلب األحيان يشتري األرضأو يبيع العمل أو يستثمر رأس ا>ال8 إذ أن هذه كانت عناصر للحياة8 وليستمقوالت اقتصادية. لقد كانت األرض بيتا أو حقال أو مقرا وليست عقارا.

وليس وقتـا(×) نشاطا أو عمال يوميـا أو مـخـاض والدة Labourوكان العمـل ولم يكن رأس ا>ال يستخدم حتى للـداللـة عـلـى الـقـطـيـع أووجهدا للـبـيـع.

.احملاريث التي تعد استثمارا للفالح أو للجماعة في اإلنتاج في ا>ستقبل

وحX يقول الناس إن الرأسمالية هي نظـام لـلـمـلـكـيـة اخلـاصـة فـإنـهـميقصدون ا>لكية اخلاصة لرأس ا>ال-أي ا>وارد اإلنتاجيـة فـي اجملـتـمـع8 اليقصدون ا>لكية اخلاصة لألشياء الشخصية8 كـا>ـالبـس واألثـاثـات. وهـذايسبب االلتباس أحيانا. فكل اجملتمعات تقريبا اعترفت با>لـكـيـة اخلـاصـةللمقتنيات الشخصية8 أما الرأسمالية فقد اعترفت با>لكية اخلاصة >ا قديسميه إنسان العصور الوسطى ا>لكية العامة-أي األدوات الضخمة وا>واردأو رأس ا>ال الذي يستند عليه اإلنتاج في ا>ستقبل. (وهكذا8 فعندما يتحدثاالشتراكيون عن إلغاء ا>لكية اخلاصة فإنهم يعنون-عادة-ا>صانع والشركاتوا>صارف ومحطات التـلـيـفـزيـون8 ولـيـس أجـهـزة الـتـلـيـفـزيـون والـسـيـاراتوا>متلكات الشخصية). والقول بأن رأس ا>ال �لوك ملكية فردية ال يعني

أن كل فرد �لكه8 وإ�ا �لكه حفنة هي الرأسماليون. في اإلجنليزية8 حيث تدل على العمل من جهةLabour8(×) يستخدم ا>ؤلف ا>عنى ا>زدوج لكلمـة

وعل آالم الوضع من جهة أخرى. (ا>راجع)

60

الغرب والعالم

8 فحتى بحلول١٥٠٠إن الرأسمالية لم حتل فجأة محل اإلقطاع بعد عام لم يكن مجتمع السوق قد نال من الشرعية القانونية ما يـضـفـي١٧٠٠عام

وضعا قانونيا على األرض والعمل ورأس ا>ال بوصفها كيـانـات اقـتـصـاديـةمنفصلة. ولم يلغ نظام القنانة أو عبودية األرض) رسميا في فرنسا إلى أن

. كما أن القوانX ا>نظمة للجماعـات احلـرفـيـة فـي١٧٨٩قامت الثورة عـام -Xإجنلترا-مثل حتديد عدد الصبية ا>سموح لكل صانع قبعات بتدريبهم باثن

.١٨١٣ظلت سارية ا>فعول إلى أن صدر قرار بإلغاء قانون احلـرفـيـX عـام ولم تكن الطبقة الوسطى الصناعية والتجارية في إجنلتـرا �ـثـلـة �ـثـيـال

.١٨٣٢كامال في البر>ان إلى أن � التصديق على قانون اإلصالح عام وحتى اليوم ال تزال هناك قوانX حتد من االجتاه نحو إدارة كل جوانباحلياة على أساس جتاري كامل في الواليات ا>تحدة األمريكية8 أكثر الدولالرأسمالية تقدما في العـالـم. فـقـوانـX األحـد «الـزرقـاء» حتـد مـن الـزمـناخملصص للتسوق في بعض الواليات. والبغاء محرم في معظم األماكن8 واليستطيع اإلنسان أن يستخدم ا>لكية اخلاصـة أو يـوقـع عـقـدا مـن أجـل أيغرض يرغب فيه البائع وا>شتري بل إن السوق لـيـسـت لـهـا الـيـد الـطـولـيبشكل كامل من النواحي القانونية والسياسية واالجـتـمـاعـيـة. وهـكـذا فـإننزوع الرأسمالية إلى صبغ كافة جوانـب احلـيـاة بـصـبـغـة الـسـوق8 وإضـفـاء

الشرعية عليه8 لم يزل غير كامل.ن فكرة عن ا>عارضة التي واجهتها الرأسمالية فـيولكن �كننا أن نكو

شبابها إذا ألقينا نظرة فاحصة على بعض أمثلة التطور غير الكـامـل هـذهفي الوقت احلالي. إن قوانX منع البيع والشراء يوم األحد وخطر البـغـاء8في طريقها إلى االختفاء8 وتكاد تكون هناك حتمية منـطـقـيـة لـلـتـوسـع فـيالشراء يوم األحد وجعل البناء مشروعا. وتبدو ا>عارضة لهذا االجتاه وكأنهاتقف دائما ضد العقل والتطور. فإذا كان بـوسـع الـنـاس شـراء الـقـهـوة يـوماألحد8 فلمـاذا إذن ال يـشـتـرون الـويـسـكـي? وإذا كـان بـوسـعـهـم أن يـشـتـروا

ع ما يجب أناحتياجاتهم يوم السبت8 فلم ال يشترونها يوم األحد? هل نشريشربه الناس? أتقوم بفرض العقاب على العمال الذين يعملون يوم السبت8أو على ا>سلمX األمريكيX الذين يأخذون عطلتهم يـوم اجلـمـعـة? واألمـركذلك بالنسبة للبغاء. أليست الشرعية خيرا من النفاق8 وخيرا من حتويل

61

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

النساء الفقيرات إلى مجرمات8 واحتمال زيادة انتشار األمراض السرية?إن السوق اجلبار. وتوسعه يؤدي في غالب األمر إلى مزيد من ا>ساواةوالعقالنية والعدالة8 فهو يقضى على السوق السوداء والتحيز والنفاق وعدمالكفاءة. غير أن اندفاعه نحو الـتـسـويـة بـX األشـيـاء فـي الـتـجـارة يـفـرضضريبته على القيم اإلنسانية: أي على قـداسـة الـزواج واألسـرة8 واحلـاجـةإلى الصفاء الروحي8 واإلخالص الشخصي8 والصداقة واحلب. وقد نعترضعلى حتول الناس إلى مستهلكX ومقامرين بدال من أن يكونوا أبناء وعشاقا8ولكن كل خطوة في ذلك االحتجاج عقيمة ورجعية بل غير منطقية8 شأنها

شأن احتجاجات الفالحX واحلرفيX منذ بضعة قرون..

الرأسمالية: العمل واألجور، واألسعار واألرباحلقد ألفنا االعتقاد بأننا في االقتصاد الرأسمالي نعمل أقل ونتلقى أجراأكثر. غير أن الشواهد ليست بهذا القدر من الوضوح. فعلماء األنثروبولوجياتساورهم الدهشة من قلة الوقت الذي تنفقه شعوب اجملتمـعـات الـبـدائـيـةوالتقليدية في العمل. فامتداد العمل ألكثر من مائة يوم أمر نادر للغاية وقد

.Christopher Hill وجد ا>ؤرخ اإلجنليزي كريستوفر هيل أو١٤ ال يعمل سوى ١٥٣٠ أن العامل اإلجنليزي ا>توسط كان في عام -

أسبوعا في العام لسداد كل احتياجاته ثم بلغ الرقم بعد قرنX ونصف١٥ ساعة عمل في اليوم8 وكان هذا أمرا ضائعا ب١٢X أسبوعا وxعدل ٥٢قرن

الطبقات العاملة.كما أظهرت القوائم اخلاصة xتوسط األجور احلقيقية للنجارين اإلجنليز

تقلبات لها داللتها8 ولكن دون حتسن عام. فمتوسط١٨٥٠ إلى ١٢٥٠من عام األجور (مترجما إلى كيلو جرامات من القمح) يظهر على النحو التالي:

١٣٠٠٨١٫٠-١٢٥٠١٣٥٠٩١٫٦-١٣٠١١٤٠٠١٢١٫٨-١٣٥١١٤٥٠١٥٥٫١-١٤٠١١٥٠٠١٤٣٫٥-١٤٥١١٥٥٠١٢٢٫٤-١٥٠١

62

الغرب والعالم

١٦٠٠٨٣٫٠-١٥٥١١٦٥٠٤٨٫٣-١٦٠١١٧٠٠٧٤٫١-١٦٥١١٧٥٠٩٤٫٦-١٧٠١١٨٠٠٧٩٫٦-١٧٥١٣(١٨٥٠٩٤٫٦-١٨٠١(

١٨٥٠ويبX هذا اجلدول أن النجار اإلجنلـيـزي كـان يـتـقـاضـى فـي عـام 8 وقد ظل دخله يزداد١٣٠٠األجور احلقيقية نفسها التي كان يتقاضاها عام

8 ولم يـرتـفـع١٦٥٠ إلى ١٤٥٠ تقريبا. ثـم تـدهـور بـشـدة مـن ١٤٥٠حتـى سـنـة .١٨٥٠بالتدريج إلى مستوى القرن الثالث عشر إال في عام

وفضال عن ذلك فثمة دالالت على أن هذا النمـط كـان ظـاهـرة أوربـيـةعامة لم تنفرد بها إجنلترا. إذ يقول ا>ؤرخ الفرنسي الكبير فرناند برودل:

قد عاشت فتـرة رائـعـة مـن١٥٥٠ إلى ١٣٥٠«من احملتمـل أن أوروبـا مـن ) ا>سمـى١٣٥٠-١٣٤٨منظور احلياة الفردية. ففي أعقاب كوارث الطاعـون (

با>وت األسود أصبحت ظروف حياة العمال طيبة بشـكـل حـتـمـي حـيـث أناأليدي العاملة كانت قد أصبحت نادرة8 فلم تبلغ األجور احلقيقية قط مـا

جأر قساوسة الكاتدرائيـات فـي١٣٨٨بلغته من ارتفاع حينذاك. ففـي عـام نورماندي بالشكوى من أنهم ال يجدون أحـدا يـزرع أراضـيـهـم «إال ويـطـلـبأكثر �ا كان يتقاضاه ستة من العمال في بداية القرن». ويجب تأكيد هذها>فارقة ألن من الشائع االعتقاد بأن ا>شقة تتزايد كلما ازددنا تـوغـال فـيالعصور الوسطى. لكن العكس-في واقع األمر-هو الصحيح من منظور مستوىمعيشة العامة-أي األغلبية... إن التدهور يصبح أكثر وضوحا كلـمـا ازددنـاابتعادا عن «خريف» العصور الوسطى8 واستمر هذا الوضع حتى منتصـفالقرن التاسع عشر. واستمر التدهور فـي بـعـض مـنـاطـق أوربـا الـشـرقـيـة8

.)٤(وبخاصة في البلقان8 >دة قرن آخر8 حتى منتصف القرن العشرين مليء باألدلة١٨٠٠-١٤٠٠إن كتاب برودل الرائع الرأسمالية واحلياة ا>ادية

Xاإلحصائية والشواهد ا>كتوبة التي تدعم هذه النتيجة. فإذا أخذنا مـثـلـفقط عن مسألة واحدة هي استهالك اللحوم-وهي مادة في غاية األهميـة

قصابا في بلدة مونتبيزا الصغيرة١٨>عدة األوروبيX وجدنا أنه كان هناك

63

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

8١٦٦٠8 واثنان في عام 8١٦٤١ وستة في عام 8١٥٥٦ وعشرة في عام ١٥٥٠عام ظهر عدد غير عادي من الروايات١٥٥٠. وبعد عام ١٧٦٣وواحد فقط في عام

عن «األيام اخلوالي الرائعة»8 حينما كانت «ا>وائد فـي األعـيـاد واحلـفـالتالفردية تنوء بثقل ما حتمله8 وحX كنا نأكل اللحم يوميا».

(ويقينا يختلف التاريخ١٥٥٠ أو ١٥٠٠ أو ١٤٥٠وسواء حددنا التدهور من من موضع ألخر) فإن هناك شيئا واضحا: هو أن مستوى معيـشـة غـالـبـيـةاألوربيX تدهور بشكل بالغ مع نشأة االقتصاد الرأسمالي أو اقتصاد السوق.فقد كانت هذه بعينها هي الفترة التي حلت فيها أساليب السوق الرأسمالية

محل أساليب اجملتمع اإلقطاعي التقليدي.١٤٩٢إن من احلمق-بطبيعة احلال-أن نـحـدد أصـول الـرأسـمـالـيـة بـعـام

بسبب اكتشاف اإليطاليX لنظام األصول١٤٩٤بسبب رحلة كو>بوس8 أو عام واخلصوم في احملاسبة (مسك الدفاتر). ذلك ألن حتديد سنة بعيـنـهـا8 أوحتى قرن بعينه8 هو حتديد أضيق من أن يصلح لظاهـرة تـتـسـم بـكـل هـذاالقـدر مـن الـتـعـقـيـد. وكـان كـارل مـاركـس. الـذي بـدأ الـدراسـة الـتـاريـخـيـةللرأسمالية8 يرى أن «البدايات األولى لإلنـتـاج الـرأسـمـالـي ظـهـرت بـشـكـلمتفرق في أوائل القرن الرابع عشر أو اخلامس عشر8 في بعض مدن البحراألبيض ا>توسط»8 ولكنه حدد «احلقبة الرأسمالية بدءا من القرن السادس

مفيدة8 ولكن من الناحية الرمزية وحسب.١٥٠٠عشر». وقد تكون سنة ولقد وجه ا>ؤرخون االقتصاديون مؤخرا انتباههم إلى مسح التـغـيـراتالتي تطرأ على األسعار نظرا ألنها مؤشر جـيـد فـي الـعـادة عـلـى الـنـشـاطاالقتصادي8 وهذا االجتاه أكثر فائدة من البحث عن بدايات محددة. وفضالعن ذلك فإن الدفاتر القد�ـة ودفـاتـر احلـسـاب مـلـيـئـة بـأسـعـار األشـيـاء8واستخدام أساليب الكومبيوتر احلديثة يجعل حصرها ومقارنتها سهلة نسبيا.

ارتفـعـت األسـعـار١٣٠٠ إلـى ١١٥٠وهذا ما تـوصـلـوا إلـيـه: مـن حـوالـي عـام بسرعة. وكما رأينا كانت هذه فترة ازدهار عام. فقد زاد السكان8 وزرعـتأراض جديدة8 وارتفـع اإلنـتـاج االقـتـصـادي-ولـكـن كـل هـذا � داخـل نـظـام

اقتصادي واجتماعي إقطاعي إلى حد كبير.8 ويشير ا>اركسيون-الـشـغـوفـون١٤٥٠ إلى ١٣٠٠ثم هبطت األسـعـار مـن

«بنقط التحول الثورية» التي �وت فيها مرحلة تاريخية قبل أن تولد أخرى-

64

الغرب والعالم

إلى هذه الفترة على أنها أزمة اإلقطاع. ويبدو أن األرقام تؤيد شيئا من هذاالقبيل8 إذ يبدو أن االقتصاد اإلقطاعي قد وصل إلى نقطة (ال تختلف كثيراعن تلك التي وصل إليها االقتصاد العبودي الروماني قبل هذا بألف عام)جتاوز فيها النظام قدرته على االستغالل. ذلك ألن اإلقطاع حسـبـمـا يـراها>اركسيون-قد دام بـقـدر مـا اسـتـطـاع بـارونـات اإلقـطـاع ورجـال الـديـن أنيستخلصوا فائضا اقتصاديا متزايدا (في العمل8 والغذاء8 والرسوم8... الخ)من الفالحX كي يحتفظوا بأسلوب احلياة الذي اعتادوه-وهو أسلـوب كـانيتسم غالبا بالترف والبذخ. وبعد انخفاض عدد السكان الذي صاحب وباء

) أصبح من تبقى من العامة اكثـر قـوة. بـل إن هـذه الـفـتـرة١٣٥٠الطاعـون (شهدت عددا من حركات التمرد بـX الـفـالحـX. ولـقـد عـرفـنـا مـن بـرودل

Ferdinand Braudelوفون باث Slicher Von Bathأن مستوى معيشة العامة قد وصل إلى الذروة. أما الطبقات احلاكمة اإلقطاعية فيبدو أنها اسـتـنـفـدتأقصى ما هو متاح في حدود هذا النظام8 لعجزها عن احلصول على مزيدمن العمل من الفالح8X وألنها لم تكن �لك اآلالت التي �كنها من االستغناءعن األيدي العاملة. ومع تدهور الدخول اإلقطاعية بعث النبـالء بـأوالدهـمفي حروب ال تنتهي بحثا عن األرض واألسالب8 واقترضوا على نطاق واسعمن طبقة التجار وأصحاب ا>صارف اجلديدة التي حتدثنا عنها من قـبـل.وهكذا يظل كالم ا>اركسيX مقنعا حX يقولون إن القوة والسلطة �كن أنتكونا قد بدأتا في االنتقال من يد الطبقة اإلقطاعية القـد�ـة إلـى طـبـقـة

سماسرة ا>ال اجلديدة. هـي١٦٥٠ إلى ١٥٠٠ أو ١٤٥٠وعلى أية حال فمن الواضح أن الفترة مـن

التي شهدت االرتفاع اخلرافي في األسعار (التضخم)8 وهذا أمر له عالقةXفقد قـام أبـنـاء اإلقـطـاعـيـ .Xوثيقة بتدفق الذهب والفضة من األمريكتالوافدين من أسبانيا بنهب �الك األزتيك وا>ايا واإلنكـا. ثـم قـام الـعـبـيـدالذين جلبوا من أفريقيا باستخراج ا>زيد من الذهب والفضة من ا>ـنـاجـم

في ا>كسيك وأمريكا اجلنوبية.ومأل معظم الذهب والفضة والكنوز خزائن ا>لوك في أسبانيا والبرتغال.ولكن ما تبقى منه للتداول التجاري كان من الضخامة بحيث أدى إلى حركةتضخم كانت من أكبر احلركات التي عرفها العالم. ومن اجلائز أن السبائك

65

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

الذهبية أنقذت اإلقطاع في أسبانيا والبرتغال. ولكن االرتفاع الذي تـرتـبعليها في مستوى األسعار في جميع أنـحـاء أوروبـا اضـطـر نـبـالء إجنـلـتـراوفرنسا والفقراء إلى التعامل مع رجال ا>ال وإدارة ضياعـهـم عـلـى أسـاسجتاري. أما مالك األرض الذين أتاح لهم ذكاؤهم أن يتبنوا قيم السوق فقدأنقذوا أنفسهم بأن سلكوا طريقا مختصرا8 فدرسوا أساليب جديدة للزراعةوأفكار جديدة في إدارة ا>متلكات8 وخفضوا التكاليف وحسنوا اإلنتاج وحملواالفائض إلى األسواق جلني الربح. ولكن أسهل الطرق اخملتصرة التي سلكوهاكان االستيالء على أراضي الفالحX ا>ؤجرين. فـفـي إجنـلـتـرا8 واألراضـيالواطئة8 وفرنسا (حيث كان السكان يتزايدون بنفس السرعة التي تـتـزايـدبها األسعار) حتولت التزامات الفالحX اإلقطاعية الكثيرة إلى إيجار نقدي8وقام ا>الك اإلقطاعيون باالستيالء على األرض ا>شاع (أو تسييجها)8 وتلكاألراضي التي كان القرويون وا>ستأجرون يستخـدمـونـهـا لـعـدة قـرون. أمـاالفالحون الذين لم يتمكنوا إال مـن االحـتـفـاظ بـقـطـع صـغـيـرة مـن األرضوبحيوان واحد أو اثن8X فقد وجدوا أنفسهم عاجزين عن االستمرار. وهكذاظهرت طبقة جديدة من العمال ا>عدمX الذين ال أرض لهم-وهم أناس بالحقوق متوارثة-8 لم يكن أمامهم سوى أن يعملوا عند اآلخـريـن نـظـيـر أجـرنقدي. أما في أوربا الشرقية فقد اتخذت األزمة شكل عودة ثانية إلى نظامالقنانة. إذ لـم يـتـحـرر الـفـالحـون هـنـاك لـيـصـبـحـوا فـقـراء. وإ�ـا ازدادت

التزاماتهم اإلقطاعية مع ازدياد فقرهم.لقد رأينا كيف انهار مستوى معيشة فالحي أوربا وعمالها بسبب التضخماخلطير الناجم عن ثورة األسعار الطويلة ا>دى في القرن السادس عشـر.وكانت سبائك األمريكتX عنصرا حاسما في إشعال التضخم. ولكن الذهبوالتضخم يؤديان بالضرورة8 إلى القضاء على رفاهية الناس8 فلو كان البناءالطبقي األوربي يتسم با>ساواة إلى درجة تسمح بتوزيع السبائك اجلديدةبالعدل8 ألثرى األوربيون على حساب األمريـكـيـX اخلـاسـريـن8 والسـتـطـاعالفالحون األوربيون استخدام الذهب لشراء الª العربي أو الشاي الهنديأو التوابل واحلرير الصينيX. كذلك كان من ا>مكن8 بدال من ذلك8 أن تقوماحلكومات التجارية باستخدام السبائك لتطوير صناعات وطنية جتعل حياةجميع األوربيX أكثر يسرا. غير أن السبائك لم تأت إلى مجتمع د�قراطي

66

الغرب والعالم

من الناحية االقتصـاديـة8 وإ�ـا دخـلـت مـجـتـمـعـا كـانـت الـطـبـقـة احلـاكـمـةاإلقطاعية غارقة في الديون8 ولم يكونوا ال هم وال احلكومات ا>لـكـيـة فـيثراء الطبقات التجارية وا>الية والصناعية الناشـئـة. وكـمـا هـو ا>ـعـتـاد فـياجملتمـع ا>ـنـقـسـم طـبـقـيـا ذهـبـت الـثـروة اجلـديـدة إلـى األثـريـاء الـقـدمـاء.واستطاعت طبقة رجال األعمال اجلديدة التي تعرف ا>ال وطرق استخدامه8أو تستخدم ا>ال اجلديد استخداما جيدا8 فـأنـشـأت الـشـركـات الـتـجـاريـةا>غامرة والشركات ا>ساهمة إلقامة مـنـاجـم ومـزارع جـديـدة ولـبـنـاء سـفـنولالشتغال بالتجارة8 ثم إلنـشـاء ا>ـصـانـع وإنـتـاج الـسـلـع فـي عـصـر الـثـورة

الصناعية.لقد الحظ فرناند برودل احلقيقة احملورية التي اتسم بها التوسع األوربي

: «إن ذهب العالم اجلديد وفضته قد مكنا أوربا من١٤٩٢الذي بدأ بعد عام . والواقع أنه ما)٥(أن تنفق أكثر من دخلها8 وأن تستثمر ما يفوق مدخراتها»

من مجتمع يتطور اقتصاديا أو تكنولوجيا دون توفير بعض قدرته اإلنتاجيةفي احلاضر لكي يبني رأس مال للمستقبل. فالسفن التجارية أو اآلالت أوا>صانع ال �كن أن تبنى إال إذا استهلك الناس بـقـدر أقـل (أو أنـفـقـوا مـنطاقتهم ومواردهم قدرا أقل على (االستهالك ا>باشر) أي أن االستثمار فيXإنتاج ا>ستقبل يتطلب مدخرات. وقد �كنت أوربا بفضل موارد األمريكتوسكانها8 وبفضل سكان أفريقيا من أن تستثمر ما فاق مدخراتها. وهكذافإن الذهب والفضة اللذين ادخرهما هنود أمريـكـا بـعـد قـرون مـن الـعـمـلالشاق8 واستخدام السكان األصليX األمريكيX واإلفريقيX في العمل فيا>ناجم وا>زارع بالسخرة8 أتاحا لبعض األوروبيX أن يبدؤوا ذلك االستثمارالهائل في إنتاج ا>ستقبل8 الذي أفضى في النهاية إلى الثورة الصناعية.

وكلما ازداد ما يدخره اجملتمع ويستعمـره ازدادت إنـتـاجـيـتـه8 وبـالـتـالـيازدادت مقدرته على االدخار واالستثمار. ولهذا يتحدث بعض ا>ؤرخX عنمراحل «انطالق» في النمو االقتصادي. فقد مرت أوربا الغربية بأول مرحلة

.١٦٥٠-١٥٠٠انطالق لها إلى النمو االقـتـصـادي ا>ـسـتـمـر فـي هـذه الـفـتـرة8 وبالرغم من أن كثيرا من السبائك قد أنفق فيما ال طائل وراءه اقتـصـاديـا(أي لم يستعمر في إنتاجية للمستقبل) فان الكثير منها كان حافزا للتطوراالقتصادي والتكنولوجي. وينطبق هذا القول بشكل خاص عـلـى إجنـلـتـرا8

67

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

حتى أن ا>ؤرخX كثيرا ما يذكرون أن ثمة ثورة صناعيـة أولـى حـدثـت فـي X8 سبقت الثورة الصناعية الكبرى بأكثر من قرن.١٦٤٠ و ١٥٤٠إجنلترا ب

وهكذا كتب ا>ؤرخ جون ي. نيف يقول: «خالل الستX سنة األخيرة منالقرن السادس عشر أنشئت مصانع للورق والبارود وأول مسابك للمدافـعوأول مصانع لأل>ونيوم والنحاس وأول مصانع لتكرير السكر وأول مصانعذو شأن مثل نترات البوتاسيوم8 وقد أنشئـت كـلـهـا فـي إجنـلـتـرا. ويـضـيـف

Xاتخذت عملية صناعة احلديـد شـكـال رأسـمـالـيـا١٦٤٠ و ١٥٤٠قائال: «بـ . فزاد إنتاج احلديد عدة مرات8 وزاد إنتاج الفحم ثمانية)٦(جديدا ومتقدما»

أضعاف على األقل. وأصبحت مسألة حقوق التعدين مشكلة سياسية �امامثل مشكلة تسييج األراضي الزراعية8 ولم تعد ا>صانع اخلاصة التي تشغل

آالف العمال أمرا نادرا. كانت فترة ارتـفـاع عـام فـي١٦٥٠ إلـى ١٥٠٠وهكذا جند أن الـفـتـرة مـن

مستوى األسعار ثالثة أو أربعـة أضـعـاف (خـمـسـة عـشـر ضـعـفـا فـي سـوقباريس للقمح)8 وهـو ارتـفـاع يـعـكـس االنـطـالقـة االقـتـصـاديـة الـرأسـمـالـيـة

ويحفزها.وفي هذه الفترة قام الرأسماليون بإدارة الزراعة عـلـى أسـاس جتـاري8وأقاموا الشركات التجارية العمالقة8 ومولوا سياسات ا>لوك ا>ركنـتـيـلـيـة.(الرأسمالية التجارية) وبدؤوا يشغلون ثرواتهم في اإلنتاج الصناعي الكبير.وفي هذه الفترة أصبحت أوربا أغنى مـجـمـوعـة دول فـي الـعـالـم وأكـثـرهـاسطوة. فقد تكدست لدى ا>لوك واأل� واألفراد ثروات نـدر أن اكـتـسـبـهـاأباطرة ا>اضي. ومع هذا فقد كانت هذه (إذا كنت تذكر ما قاله فـون بـاثوبرودل) هي الفترة التي انحدر فيها مسـتـوى مـعـيـشـة األوروبـي ا>ـتـوسـط

على أقل من١٦٥٠انحدارا شديدا. لقد كان النجار اإلجنليزي يحصل عام . فا>واطنون العاديون في١٤٥٠ثلث دخله احلقيقي الذي كان يتمتع به عام

Xوالهنود األمريكي Xقلب النمو االقتصادي الرأسمالي8 شأنهم شأن اإلفريقيوأقنان ا>ناطق التابعة ألوروبا8 كانوا يدفعون ثمن هذا النمو8 في حX كان

غيرهم يجني األرباح.و�كننا أن نرى الـتـنـاقـض نـفـسـه بـX الـنـمـو االقـتـصـادي الـرأسـمـالـي

إلى١٦٥٠ومستويات ا>عيشة الشعبية إذا تتبعنا مؤرخي حركات األسعار من

68

الغرب والعالم

بشكل عـام فـتـرة هـبـوط فـي١٧٥٠ إلـى ١٦٥٠. فقد كـانـت الـفـتـرة مـن ١٨٥٠األسعار صاحبها نقص في عدد السكان وإنتاج الطعام والنشاط االقتصاديواألرباح. ولكنها مع هذا كانت فترة ضاعف فيها النجار اإلجنلـيـزي دخـلـه

ارتفاعا١٨٥٠ إلى ١٧٥٠احلقيقي. وعلى العكس من هذا شهدت الفترة من سريعا في األسعار والسكان واإلنتاج واألرباح. لقد كانت هذه فترة الزياداتالضخمة في الطاقة والدخل واإلنتاجية التكنولوجية-أي فترة الثورة الصناعيةالكاملة. ولكن الدخول ا>توسطة ظلت ثابتة بالرغم من الـثـروات اجلـديـدةاخليالية. ويبدو أنه ال مناص من استخالص النتيجة القائلة إن اإلنتاجـيـةاالقتصادية الرأسمالية قد ازدهرت على حساب تضحيات اجلماهير لكي

تنتفع منها القلة.١٨٥٠وبطبيعة احلال أصبحت التكنولوجيا الصناعية نفسـهـا بـعـد عـام

أكثر من كافية لرفع مستوى ا>عيشة لدى ذرية أولئك الذين قاموا بالتضحياتXاألولى الهامة. ولقد حتققت هذه الـنـتـيـجـة بـالـفـعـل لـدى بـعـض األوربـيـواألمريكيX الشمالي8X ولكنها لم تتحقق بالنسبة لبقية سكان العالم الذييسوده اقتصاد السوق. وال يرجع ذلك إلى قصور في التكنولوجيا بقدر ما

يرجع إلى عيوب في النظام االقتصادي نفسه.

الرأسمالية والثورة الصناعية إلى سـنـة١٥٠٠كان النمو االقتصادي الرأسمالـي فـي الـفـتـرة مـن سـنـة

�وا زراعيا وجتاريا-أساسا-أكثر منه صناعيا. فقد حتول الريف إلى١٦٥٠ضياع كبيرة مهيأة لإلنتاج للسوق8 في حX فقد الفالحون ملكياتهم اخلاصةوأصبحوا في غالب األمر عماال معدمـX ال أرض لـهـم يـعـمـلـون بـالـيـومـيـةوحتى ذلك احلX كانت أكبر الثروات-بجانب ثـروات مـالك األرض-تـتـكـون

لدى أصحاب احلوانيت.والتجار و�وليهم8 وليس لدى رجال الصناعة. ولـم حتـل الـرأسـمـالـيـةالصناعية محل الرأسمالية التجارية إال في عملية الثورة الصناعية الكبرى

.١٧٥٠التي بدأت بعد عام ويكفينا أن ننظر إلى بالد العالم ا>تخلف ا>عاصر لنـرى كـيـف يـصـعـبالقيام ثورة صناعية على أساس رأسمالي. فقد اتخذ التصنيع في روسـيـا

69

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

والصX والعالم الثالث-ا>رة تلو األخرى-شكال جمعيـا أو � حتـت إشـرافالدولة. فكيف تسنى إذن أل� القرن الثامن عشر الناشـئـة (فـي أوربـا) أنتسير في طريق التصنيع وليس بها من يعرف ماذا �كن أن تكون وفي وقتكانت فيه الثورة الصناعية (لم يتم صك ا>صطلح حتى عـشـريـنـات الـقـرنالتاسع عشر) ا>صالح ا>تنافسة في اجملتمع الرأسمالي تخوض معركة ضد

العمل اجلمعي القائم على التخطيط?.اجلواب كامن في اخلصائص ا>ميزة لبريطانيا في نهاية القرن الثامنعشر8 ألنه لم يكن من احملتمل أن يحدث أول تصنيع رأسمالي في أي مكانآخر. فقد كان لإلجنليز حكومة متعاطفة مع مصالح أصحاب رؤوس األموالوالنمو الصناعي. وكانت الزراعة اإلجنليزية من الكفاءة بحـيـث تـكـفـي ألنتقيم أود طبقة كبيرة من العمال احملتمل اشتغالهم في الصناعة. لقد كانتزيادة السكان من الضخامة (وكانت حركة تسوير األرض ا>شاع من القسوة)

. وقد١٧٥٠بحيث كفلت وجرد كمية ضخمة من العمالة الرخيصة بعد عام ظافرة بعد قرنX من الصراع١٧٦٣يكون األهم من ذلك خروج بريطانيا سنة

الـعـسـكـري والـبـحـري (مـع األسـبـان والـهـولـنـديـX فـي بـاد� األمـر8 ثـم مــعالفرنسيX) األمر الذي مكـن لـهـا فـي أسـواق مـعـظـم الـعـالـم ومـوارده8 مـنالهند8 إلى األمريكتX. لـقـد كـانـت إجنـلـتـرا فـي ثـمـانـيـنـات الـقـرن الـثـامـنعشر(حتى بعد أن فقدت الواليـات ا>ـتـحـدة األمـريـكـيـة) فـي وضـع �ـاثـل

لوضع أسبانيا في العقد األول من القرن السادس عشر.ولكن في حX أتخمت طبقة النبالء األسبان نفسها بأسالب ا>ستعمرات8قامت الطبقة الصناعية اإلجنليزية بتكديس األموال8 وكان ا>فتاح إلى ذلكهو صناعة القطن البريطانية. فقد �ت هذه الصنـاعـة مـع غـزو إجنـلـتـراXللهند ومع جتارة الرقيق ومزارع القطن في جزر البحر الكاريبي واألمريكتوسوق مستعمراتها الضخم. وكانت األقطان الهندية (الشيت) معروفة بأنهاأفخر األنواع في العالم8 فكانت شركة الـهـنـد الـشـرقـيـة اإلجنـلـيـزيـة (وهـموكالء األسلوب القد� من الرأسمالية أي الرأسمالية التجارية) تبيع األقمشة

الهندية في جميع أرجاء أوربا.وقد نقلت بعض األرباح من ليفربول لتستثمر في جتارة العبيد ومزارعجزر الكاريبي. ولكن أصحاب مصانع النسيج في النكشاير تفوقواx 8ضي

70

الغرب والعالم

الوقت8 على جتار ليفربول فعندما اعترضت الثورات الهندية تدفق األقمشةXالهندية8 اشترت النكشاير قطن الكاريـبـي وهـيـمـنـت عـلـى الـتـجـارة. وحـاستصدر ا>نتجون من البر>ان حظرا على استيراد األقمشة الهندية8 تقوضتا>صالح القد�ة لشركة الهند الشرقيـة وجتـارة لـيـفـربـول8 وحـلـت مـحـلـهـا

زادت صـادرات الـقـطـن١٧٦٩-١٧٥٠الرأسـمـالـيـة الـصـنـاعـيـة. فـبـX عـامـي كانت إجنلترا تصدر أكثر من١٨٢٠اإلجنليزية عشرة أضعاف. وبحلول عام

صدر اإلجنليز ألوربا وحدها١٨٤٠ مليون ياردة من القطن وبحلول عام ٢٠٠ مليون ياردة أخرى للمستعمرات. وحتى٥٠٠أكثر من هذا الرقم8 وأكثر من

الصناعة الهندية القد�ة أخذت تهدم تدريجيا بشكل منظم لتصبح سوقا١٨٤٥ مليون ياردة وفي عام ١١ أخذت الهند ١٨٢٠لقطن النكشاير. ففي عام

.)٧( مليون ياردة ١٤٥ولقد أثبت القطـن أنـه أقـدر عـلـى أن يـقـود ثـورة صـنـاعـيـة �ـا كـان أيشخص يستطيع التبوء به في ذلك الوقت. فقد كـانـت تـكـلـفـة ا>ـواد اخلـامضئيلة جدا بسبب عمل العبيد في ا>زارع8 إذ لم يكن يدفع للعبيد ما يوازيقيمة عملهم من قريب أو بعيد. وكان الغزالون والنساجون اإلجنليز كثيرينوغير منظم8X وبالتالي كانوا رخيصX. ذلك ألن الكثيرين كانوا قد تعلموافي منازلهم صناعة النسيج في ظل النظام ا>نزلي أو العائلي السابق لكـييزيدوا دخولهم. وفضال عن ذلك لم تكـن هـنـاك مـصـروفـات جـاريـة أبـدىالتجار الذين كان عملهم يـقـتـصـر عـلـى أن يـحـضـروا لـهـم ا>ـواد اخلـام ثـميشترون السلعة ا>نتجة. غير أن اإلنتاج ا>ـنـزلـي لـم يـكـن مـتـسـعـا xـا فـيـهالكفاية لتفجير ثورة صناعية8 إذ كان من غير ا>مكن أن يتحول إلـى إنـتـاج

ضخم يخلق الطلب عليه.ومن جهة أخرى كانت األسواق اإلجنليزية ا>متدة إلى جميع أرجاء العالمتطرح إمكانية امتداد الطلب إلى ما ال نهاية: إذ �كن أن يباع قميص لكلعبد ولكل هندي ولكل أمريكي جنوبي وبذا أصبحت صناعة القطن-مقترنةبالسيطرة على العالم-صناعة �كن أن تنتج السلع على نطاق كـبـيـر بـثـمـنرخيص. كما كان التحول من اإلنتاج ا>نزلي إلى إنتاج ا>صنع بسيطا ورخيصانسبيا. فقد كان من ا>مكن أن �ول بناء ا>صانـع وعـجـالت الـغـزل وأنـوال

١٠٠النسيج من األرباح8 ألنها كانت هائلة. فقد بدأ روبرت أوين باقتـراض

71

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

8 و�كن من شراء نصيب١٧٨٩ دوالر) في عام ٢٠٠جنيه إسترليني (حوالي ألف جنيه إسترليني نـقـدا بـعـد عـشـريـن عـامـا. وحـتـى٨٤شركائه مـقـابـل

تكنولوجيا القطن كانت تالئم حدوث انطالقة صناعية بشكل مثالي8 فـقـدعرفت كيف تستفيد استفادة هائلة من أبسط التحسينات التي أدخلت علىاألدوات فدوالب الغزل وماكينة ا>ياه وا>غزل اآللـي فـيـمـا بـعـد لـم تـكـن إالتعديالت طفيفة أدخلت على آالت موجودة سلـفـا ولـم تـكـن حتـتـاج إال إلـىخبرة علمية بسيطة ومع ذلك فقد غطت تكلفـتـهـا بـزيـادتـهـا اإلنـتـاج زيـادةهائلة. لقد أدت صناعة القطن8 أكثر بكثير من أية صناعة جديدة أخـرى8

كانت١٨٣٠إلى دفع الثورة الصناعية البريطانية قدما8 لدرجة أنه في عام بلغ١٨٣٣كلمتا «صناعة و«مصنع» مترادفتX تقريبا إلنتاج القطن. وفي عام

وعام١٨١٦ مليون شخص. وبX عام ١٬٥عدد العاملX في صناعة القطن % من مجموع الصادرات البريطانية. لقد٥٠% أو ٤٠ كان القطن يشكل ١٨٤٨

كان القطن هو ربح االقتصاد البريطاني وشراعه8 وهو الذي أدى إلى جناحالتصنيع الرأسمالي وظهور تناقضاته8 وكان خير معبر عنها.

لقد كان جناحه فريدا8 فقد زود العالم با>نسوجات القطنيـة بـكـمـيـاتكبيرة وبأسعار أرخص �ا كان �كن أن يخطر بالبال من قبل. وزاد إنتاج

Xمليون ياردة إلـى٤٠ من ١٨٥٠ و ١٧٨٥ا>نسوجات القطنية البريـطـانـيـة بـ ضعـفـا٥٠8أكثر من بليوني ياردة سنويـا. وفـي حـX زاد اإلنـتـاج بـأكـثـر مـن

. ولم تؤد ا>نافسة١٧٨٥انخفض سعر األقمشة إلى حوالي عشر ثمنها عام إلى مضاعفة اإلنتاج وتخفيض األسعار فحسب8 بل أدت أيضا إلى سلسلة

٣٩ال تنتهي من االختراعات. ففي مجال غزل القـطـن وحـده كـانـت هـنـاك Xبـراءة فــي8٥١ ووصـل الـعـدد إلــى ١٨٢٠ و ١٨٠٠بـراءة اخـتـراع جـديــدة بــ

براءة في األربعيـنـات١٥٦ براءة في الثالثينـات8 وإلـى ٨٦العشرينات8 وإلـى لقد أطلقت طاقات إبداعية أدت إلى تغييـر وجـه اإلنـتـاج اإلنـسـانـي خـاللخمسX عاما بأكثر �ا تغير خالل اخلمسمائة عام ورxا حتى اخلـمـسـة

آالف عام-السابقة.

التناقضات والتقلصات الرأسماليةولكن وسط النجاح بدأت تظهر تناقضات قي االقتصاد الرأسمالي كان

72

الغرب والعالم

لها هي أيضا ثقلها الواضح. فدورة التمدد والتقلص االقتصادي الـقـد�ـةالعهد التي كانت تنجم في ا>اضي عن الـتـقـلـبـات الـطـويـلـة األمـد فـي �ـوالسكان8 أو عن الكوارث الطبيعية ونقص اإلنتاج الزراعي اشتدت وتقاربتوأصبحت تنجم عن علل إنسانية مصطـنـعـة. وألول مـرة أصـبـحـت الـقـدرةاإلنتاجية8 وليس احلاجة8 هي التي تتسبب في االنكماش االقتصادي. فالنجاحفي سوق التنافس يتوقف على النمو ا>تسع باطراد. ومن هنـا فـقـد انـدفـعأصحاب األعمال-الذين ال يرشدهم غير أسعار السوق-اندفعوا بدون تنسيقأو تخطيط8 وبشكل حتمي8 إلى ا>شروع الذي يدر أعلى ربح في أية حلظةمعينة. وكان القطن هو هذا ا>شروع8 في أوائل القرن الـتـاسـع عـشـر. و>ـاكانت صناعة القطن مشجعة على التنافس8 فإن الكثيرين كانوا يستطيعونأن يدخلوا هذا اجملال برأس مال متواضع8 وقد فعل هذا كثيرون ألن األرباحكانت عالية. غير أن ا>نافسة كانت تؤدي إلى خفض األسعار8 أما التكاليف

بلغ سعر بيع رطل١٧٨٤فكانت أكثر ثباتا8 فانكمش هامش-الربح. ففي عام شلنا8 ورطل القطن اخلام شلن8X األمر الذي كان يسمح١١القطن ا>غزول

شلنات8 وأغرى هذا الهامش كثيرين8 حتـى٩بوجود هامش ربح يصل إلـى شلن8 في حX لم تخـفـض٢٬٥ انخفض سعر البـيـع إلـى ١٨١٢أنه في عـام

شلن. فأصبح الربح شلنا واحدا. و>ا كان الدخول إلى١٬٥التكلفة إال إلى مجال العمل الرأسمالي أسهل من تركه8 فقد كان على كل من يشتـغـل فـي

لكي١٧٨٤هذه الصناعة أن يبيع تسعة أضعاف الكمية التي كان يبيعها عام يحصل على نفس الربح الذي كان يحققه. وقد كان هذا في الواقع متاحـا

. إذ كان التوسع هائال8 ولكن نقطة التشبع كـانـت تـلـوح١٨١٢للكثيريـن عـام انخفض سعـر الـبـيـع إلـى شـلـن واحـد١٨٣٢8دائما في األفـق-وبـحـلـول عـام

وبلغت تكلفة القطن اخلام8 ما يزيد قليال عن نصف شلن8 األمر الذي جعلهامش الربح يقل قليال عن نصف شلن8 فكان ال بد أن يتضاعف حجم البيع

مرة8 وهو مطلب عزيز. ومع ثالثينات القرن التاسع عشر وأوائل األربعينات١٨تشبعت السوق التي كان يبدو أنها ال تشبع8 وصار تدهور معدل الربح �اال تعوضه مضاعفة ا>بيعات. لقد خفض ا>تنافسون أسـعـارهـم إلـى درجـةجعلتهم يخرجون بعضهم بعضا من ا>نافسة8 ألن السوق لم يكن من ا>مكنأن يستمر في التوسع xعدالت مضاعفة وهذا في الـواقـع أمـر مـسـتـحـيـل

73

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

على أي سوق.واقترنت أيضا بهذا الصراع القائم على التنافر تناقضات اجتـمـاعـيـة.فقد أرغم االنخفاض التدريجي في معدل الربح ا>شتغلX بالصناعة علـىخفض التكلفة بتحسX اآلالت وبإنقاص األجور. وترتب على هذا أن ازدادتالقدرة التكنولوجية للمجتمع (ثروته وقدرته وطاقته) كما ازداد األثرياء ثراءوتدهورت أجور الفقراء. فانخفض متوسط األجر األسبوعي للنساج اليدوي

شلن في٥٬٥ ثم إلى ١٨١٥ شلنا عام ١٤ إلى ١٧٩٥ شلنا عام ٣٣في بولتون من .١٨٣٤-١٨٢٩سنوات

الفقر وسط الوفرة: هذه هي السمة ا>ميزة للتصنيع الرأسمالـي. ومـعثالثينات وأربعينات هذا القرن جند أن سوق القطـن ا>ـشـبـعـة سـبـبـت أول

ألف نساج يدوي إلى التضور جوعا8 وأتـاح لـفـئـة٥٠٠كساد صناعي دفـع بــ مليون٦٠قليلة من أرباب الصناعة الناجحX فرصة استثمار ثروات بلغت

جنيه إسترليني سنويا. وكان بعـض الـرأسـمـالـيـX يـنـفـقـون أربـاحـهـم عـلـىالكماليات والترف والضياع والكبيرة والقصور في محاولة لتقليـد أسـلـوباألرستقراطية تقليدا أعمى. ولكن معظم أعضاء هذه الطبقة ا>الية اجلديدةكانوا من ا>دخرين ال من ا>نفـقـ8X وهـذا هـو سـبـب جنـاحـهـم (حـتـى وهـم

لوا أن يستمروا فيه. فلو أنهميرغمون غيرهم على االدخار) وهذا هو ما أمسلكوا جميعا مسلك األرستقراطيX >ا زاد اإلنتاج في إجنلترا8 نتيجة لهذهاألرباح الفجائية8 في خمسينات القرن التاسع عشر8 من أسبانيا في القرن

السابع عشر.

السكك احلديدية تأتي بالنجدة (قطار النجدة)استمرت االنطالقة الصـنـاعـيـة ألن أربـاح الـقـطـن اسـتـثـمـرت-xـحـضالصدفة تقريبا-في صناعة كان من شأنها أن خـلـقـت مـخـزونـا مـن الـسـلـعالرأسمالية غير العالم وجعل العملية مستمرة8 وتلك كانت صناعة السككاحلديدية. لقد حلت صناعة السكك احلديدية مشكلة من مشاكل التصنيعالرأسمالي التي لم يتنبأ بها سوى الـقـلـيـلـX آنـذاك. واألدق أن تـقـول إنـهـاأجابت عن سلـسـلـة كـامـلـة مـن األسـئـلـة الـتـي أثـارتـهـا تـنـاقـضـات الـتـوسـعالرأسمالي8 ومن أسئلة تستطيع اآلن أن نطرحها إذا ما عدنا بأنظارنا إلى

74

الغرب والعالم

الوراء. فكيف �كن القتصاد ا>شروع احلر أن يتطور بحيـث �ـكـنـه إنـتـاجالسلع الرأسمالية (هذا ا>ركب الذي يتكون من مصانـع احلـديـد والـصـلـبالضخمة8 واآلالت الثقيلة8 والنقل8 وشبكات ا>واصالت التي تتطلبها حركةالتصنيع الشاملة). في الوقت الذي يتنافس فيه ا>ستثمرون األفراد (بخالفاحلكومات) في األسواق القائمة بالفعل8 بحثا عن أكبر عائد فوري? وكيف�كن للسوق أن يغري أفراد ا>ستثمرين بإلقاء أموالهم في مرافق إنتاجيةمكلفة8 مفيدة اجتماعيا8 لكنها ال جتلب ربحا كثيرا? وكيف �كن احملافظةعلى عجلة االقتصاد دائرة إلى أن ينهض من فترات الكساد. وكيف يستفاد

بكل ذلك ا>ال الذي حتققه قلة-حتى في وسط االنهيار االقتصادي?لقد كان السؤال8 من وجهة نظر مستثمري ثالثينات القرن التاسع عشر

مليون جنيه إسترليني سنويا٦٠وأربعيناته8 يتصرفون في أموالهم التي تبلغ كان منحها للفقراء غير وارد8 بطبيعة احلال8 ثم إنه ليس استـثـمـارا طـيـبـاحتى با>عنى االجتماعي: فهو لن يزيد اإلنتاج.. لقد كانـت قـروض أمـريـكـااجلنوبية ضخمة في العشرينات8 ولكن معظمها أصبح في الثالثينات مجردأوراق ال قيمة لها. وكانت السكك احلديدية تبدو بديال ضعيف االحتمال.

كما كان يفعل القطن فـي أول١٨٥٥فلم تكن تغل تلك ا>ئات في ا>ائـة عـام %. واجلواب أن السكك احلديدية كانـت٣٬٧عهده بالتوسع8 بل كانت تغـل

في احلقيقة البديل الوحيد. فاألموال كانت أوفر من أن تستثـمـر عـلـى أي. إن «استيعـاب١٨٥١ عام John Francis نحو آخر. وكما قال جون فرنـسـيـس

السكك احلديدية لرأس ا>ال حتى ولو مني بالفشل هو على األقل استيعابفي البلد الذي أنتجه. فهي بخالف ا>ناجم والقروض األجنبية8 ال تستهلك

.)٨(وال تفقد قيمتها كلية» و١٨٣٧-١٨٣٥وال شك أن «هوس الـسـكـك احلـديـديـة» فـي اسـتـثـمـارات

وهو أمر كان8 في كافة جوانبهم األخرى8 يدخل في باب الالمعقول-١٨٤٧-١٨٤٤كان يرجع أيضا إلى اجلهد ا>تعمد الذي بذله ا>روجون وا>ضاربون8 الذينعملوا على حتقيق أحالم الطبقة اجلديدة في السرعة والقوة. فأصبـحـتالسكك احلديدية رمزا للعصر وللقوى التي حتركه. حتى إن أدهى ا>ستثمرين

وأشدهم حذرا يأتي عليه حX يضع فيه أمواله حيثما �يل قلبه.والواقع أن السوق رxا لم تلعب إال دورا ثانويا في جذب االستثمار نحو

75

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

اجلهة التي كان الزما فيها فكـان الـدعـم احلـكـومـي فـي الـواليـات ا>ـتـحـدة % من٧ مليون فدان أو ١٣٠األمريكية (xا في ذلك منح أراض زادت علـى

مساحة الدولة) مقترنا برشـوة لـبـعـض رجـال الـكـونـغـرس8 هـو الـذي جـعـلاالستثمار في مجال السكك احلديدية مربحا.

وأيا ما كان السبب8 سـواء أكـان ا>ـشـروع اخلـاص أم ا>ـشـروع الـعـام أوالهوى فإن السكك احلديدية كانت هي الشيء ا>طلوب على وجه التحديدلتوجيه األرباح الطائلة نحو استثمارات منتجة وخللق صناعة سلع رأسمالية8

إلى١٨٣٠وشبكة نقل8 وإنعاش االقتصاد ودفعه إلى األمام. وفي الفترة من ازدادت خطوط السكك احلديدية في العالم مـن بـضـع عـشـرات مـن١٨٥٠

ميل. وفي الفترة نفسها زاد إنتاج بريطانيا من الفحم٢٣٬٥٠٠األميال إلى واحلديد ثالث مرات. وترتب على هذا ظهور تقنيات إلنتاج الصلب بكميات

هائلة في العقود التالية. X8 وهي حقبتـهـا١٨٥٠ و ١٧٨٠إن تاريخ الثورة الصناعية اإلجنـلـيـزيـة بـ

التكوينية8 تذكرنا بصعوبات التصنيع الرأسمالي. لقد نشأنا على نسبة ثروةاجملتمع الصناعي إلى الرأسمالية8 حتى أصبحنا في حاجة إلى من يذكرنابX احلX واحلX بأن الرأسمالية والصناعة ليستا مترادفتX. ومن اجلائزأن أول ثورة صناعية ما كان �كن لها أن تتحقق في اقتصاد غير رأسمالي.فلم تكن سلطة أقوى احلكام الرأسماليX التجاريX في القرن الثامن عشر.كافية8 على األرجح8 إلحداث التصنيع اجلـمـاعـي. فـضـال عـن أن الـطـبـقـة

الوسطى كانت شديدة التحمس للقيام بدورها.إال أن التصنيع الرأسمالي لم يكن من صنع األفراد في جميع جوانبـه.فقد كانت السياسة الرأسمالية التجارية القوميـة والـتـعـريـفـات ا>ـفـروضـةوتشجيع (اإلنتاج احمللي) أمورا أساسية. وكثيرا ما كان التصنيع الرأسمالي8في جوانبه ا>تعلقة بجهود األفراد8 يتم برعونة دون تـخـطـيـط8 ويـؤدي إلـىنكبات اجتماعية. وقد يكون تصنيع روسيا والصX فـي الـقـرن الـعـشـريـن8الذي � بالتخطيط الشديد من قبل الدولة8 قد ضحى بجيـل مـن الـعـمـالوالفالح8X ولكن قد يكون تصـنـيـع إجنـلـتـرا والـغـرب عـلـى الـنـحـو اجلـشـعوالفوضوي وغير اخملطط الذي � به مكلفا بنفس القدر من الناحية اإلنسانية

على مدى أطول.

76

الغرب والعالم

ملزيد من االطالععلى عكس مـا هـو شـائـع8 لـيـسـت كـل الـكـتـب عـن االقـتـصـاد والـتـاريـخاالقتصادي مستحيلة القراءة. ومن بX ا>قدمات ا>همة للتاريخ االقتصادي

L. Heilbornerوالتي تتيسر قراءتها (بل إنها مسـلـيـة). كـتـاب ل. هـيـلـبـرونـر

وكتاب ليو هيرمانThe Making of Economic Societyنشأة اجملتمع االقتصادي Leo Huberman خيرات اإلنسان الدنيوية Man’s Worldly Goodsوالكتاب األول

متعاطف مع الرأسمالية أما الثاني فمتعاطف مع االشتراكية.وقد اعتمد بحثنا في االقتصاد البدائي والتقليـدي عـلـى مـا اكـتـشـفـتـهمدرسة خاصة من علماء األنثروبولوجيا االقتصادية. و�كن اإلحاطة بأعمال

The التحول الكبير Karl Polanyiهذه ا>درسة من خالل كتاب كارل بواليني

Great Transformationمـن ا>ـقـاالت مـن إعـداد جـورج دالـتـون X8 ومجموعتـGeorge االقتصاد البدائي والقد� واحلديث لكارل بواليني Primitive, Archaic

and Modern Economies: Essays of Karl Polanyiوكـتـاب االقـتـصـاد الــقــبــلــي و�كن أن يجد القار� مجـمـوعـةTribal and Peasant Economiesوالفالحـي

Themesأكثر تنوعا من اآلراء في موضوعات في األنثروبولوجيا االقتصادي

in Economic Anthropology بإشـراف را�ـونـد فـيـرث Raymond Firthوبعـد .Economic اإلنسان االقتصادي Harold K. Schneiderكتاب هارولد ك. شنيدر..

Man.أفضل طرح لوجهة نظر ا>درسة ا>عارضة وهناك مداخل �تازة لدراسة أوربا في العصور الوسطى وأوائل العصر

الثورة التجـاريـة فـيRobert S. Lopezاحلديث في كتاب روبرت س. لـوبـيـز The Commercial Revolution of the Middle Ages) ١٣٥٠-٩٥٠العصور الوسطى (

قبل الثورة الصناعية: اجملتمعCarlo Cipolla. وكتاب كارلو سيبوال (950 -1350)Before the Industrial Revolution: European) ١٧٠٠-١٠٠٠واالقتصاد األوربيان (

Society and Economy (1000-1700)ومن الكتب القيـمـة أيـضـا كـتـاب لـوبـيـز . وكـتـاب ا>ـصـادر الـذي أعـده لـوبـيـز وأ. و.The Birth of Europeمـولـد أوربـا

التجارة في العصور الوسطى في عالم البحر األبيضI. W. Raymondر�وند .Medieval Trade in the Mediterranian World: Illustrativeا>توسط: وثائق دالة

Documentsوكتاب سبيوال النقود واألسعار واحلضارة في عالم البحر األبيض ويحوىMoney, Prices and Civilization in the Mediterranean Worldا>توسـط

77

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

التطور االقتصادي ألورباRobert-Henry Bautierكتاب روبرت. هنري بوتيير صورا جيدة للغايةThe Economic Development of Medieval Europe8الوسطى

كتـابFeodal Society اجملـتـمـع اإلقـطـاعـي Marc Blochوكتـاب مـارك بـلـوك جميل ذو نزعة إنسانية عن اجملتمع الزراعي8 أما كتاب سليـشـر فـون بـاث

Silcher Van Bath) ١٨٥٠-٥٠٠ التاريخ الزراعي ألوربا الغـربـيـة (The Agrarian

History of Western Europe A. D. (500-1850)فهو معاجلة اقتصادية خالصة . االقتصاد الريفيG. Dubyإلى حد كبير. ومن الكتب ا>متازة كتاب ج. دوباي Rural Economy and Countryواحلياة الريفية في الغرب في العصور الوسطى

Life in the Medieval West. وقد جمـع شـارلـس ك. وارنـر Charles K. Warner

عددا من ا>قاالت ا>متازة في كتاب األوضاع الزراعية في التاريخ األوربـي.Agrarian Conditions in Modern European History احلديث

الرأسمالية واحلياة ا>اديةFernand Braudel8ويتناول كتاب فيرناند برودل ١٨٠٠-١٤٠٠ Capitalism and Material Life1400-1800نشأة الرأسـمـالـيـة8 وهـو

Peter Burkeدراسة رائعة من منظور عا>ي. وا>قاالت التي جمعها بيتر بيرك

مقاالت �تـازة. ويـضـمEconomy and Societyبعنوان االقـتـصـاد واجملـتـمـع David بإشراف ديفيد النـدز The Rise of Capitalismكتاب نشأة الرأسمالية

Landes 8 عدة مقاالت رائعة. وكتاب موريس دوبMaurice Dobbدراسات في كتاب متماسـكStudies in the Development of Capitalismتطور الرأسمالـيـة

يوحي بالكثير8 ومؤلف من منظور ماركسي. وكتاب كارل بـواليـنـي الـتـحـولالكبير كتاب صعب ولكنه رائع عن معنى الرأسماليـة ومـا تـعـنـيـه بـالـنـسـبـة

للمجتمع التقليدي.Philip A. M. Taylorوعن الثورة الصناعية يجمع كتاب فيليب أ. م. تيلور

وكتـابThe Industrial Revolution in Britainالثورة الصناعيـة فـي بـريـطـانـيـا The Industrial Revolution الثورة الصناعية C. Stewart Dotyس. ستيوارت دوني

بعض التفسيرات الشائعة. ويقدم كتاب لويس �فورد التقنيات واحلضارةTechnics and Civilizationتفسيرا �تازا للتطور التكنولوجي الغربي + ويعد

The Conquest of the غـزو الـعـالـم ا>ــالــي John U. Nefكـتـاب جـون ي. نـيــف

Material Worldرؤية عامة للتصنيع في ا>راحل األولى. أما كـتـاب فـيـلـيـس فهوThe First Industrial Revolution الثورة الصناعية األولى Phyllis Deanدين

78

الغرب والعالم

ا>وجز الثورةT. S. Ashtonدراسة حديثة رائعة8 وكذلك كتاب ت. س. آشنون وكتاب آرنـولـد The Industrial Revolution 1760-1830 ١٨٣٠- ١٧٦٠الصناعـيـة

الذي صـكThe Industrial Revolutionتوينيي الكالسيكي الثورة الصـنـاعـيـة فيه ا>صطلح.

وإذا أراد القار� دراسة تتناول اخللفية االجتماعية والسياسية للتصنيع عصر الثورةE. G. Hobsbawmفسنجد كتابا رائعا هو كتاب أ. ج. هوبسبوم

١٨٨٤- ١٧٨٩ The Age of Revolution (1789-1884)ويبحث كتاب بيتر ن. ستيرن .Peter N. Stearn التحول الشامل للمجتمع األوربي إبـان اجلـيـشـان European

Society in Upheavalالتغيرات التي طرأت على الطبقات االجتماعية بوضوح أوربا في عـصـرVincent Knappمدهش. ويغطي كتـاب فـنـيـسـنـت ج. نـاب.

Europe in the Era of Social-الـعــصــر الــراهــن ١٧٠٠الــتــحــول االجــتــمــاعــي

Transformation 1700 -Present.ا>ادة نفسها تغطية �تازة. أمـا كـتـاب أ. ب The Making of تكوين الطبقة العاملة اإلجنلـيـزيـة E. P. Thompsonتومسـون

English Working Classفهو يعد من أمهات الكتب. ويحتوي كتاب فال لورين Val Lorwin العمل وظروفه في أوربا احلديثة Labor and Working Conditions

in Modern Europeعلى مختارات من دراسة تومسون وغيرها من الدراسات اجليدة.

أما بخصوص تاريخ الفكر االقتصادي فإن كتاب روبرت ل. هـيـلـبـرونـر يشكل قراءة �تعة. ويقـدمThe Worldly Philosophersالفالسفة الدنيويـون

بديالEconomic Philosophyكتاب جون روبنسون ا>وجز الفلسفة االقتصادية .Ben Bماركسيا لوجهة نظر هيلبرونر الليبرالية. وكتاب بن ب. سليجـمـان

Seligman التيارات الرئيسة في االقتصاد احلديث Main Currents in Modern

Economy.هي دراسة راسخة من ثالثة مـجـلـدات عـن الـفـكـر االقـتـصـادي The Anatomy of تشريح الـعـمـل George Friedmannوكتاب جورث فـريـدمـان

Workبحث اجتماعي فرنسي حديث يشحذ الفكر. وهناك مقابل أمريكـي العمل والسلطة في الصـنـاعـةReinhard Bendixهو كتاب رينهارد بنديـكـس

Work and Authority in Industry

وأخيرا يجب على الدارس أن يكون على علم بالكتاب ا>ـتـعـدد األجـزاءCambridge Economic History of Europeتاريخ كامـبـردج االقـتـصـادي ألوربـا

79

العمل والتبادل االقتصادي: الرأسمالية في مقابل التراث

ا>اضـيEconomic History Reviewوحوليات مثل مجلة التاريخ االقتـصـادي Journal of Economic ومجلة التاريخ االقتـصـادي Past and Presentواحلاضر

History ومجلة التاريخ االجتماعي Journal of Social History

80

الغرب والعالم

هوامش الفصل الرابع عشر

(1) Manning Nash, The Organization of Economic Life, in, Horizons of Anthropology, ed. Sol Tax

Chicago, Aldine, 1964, p. 171.

William Bartram, The Travels of William Bartram, ed Francis Harper, New Haven: Yale نقال عن (2)

University Press, 1958, p. 326.

(3) Slicher van Bath, Argrarian History of Western Europe A.D. 500-1850, trans. Olive Ordish, London:

Edward Arnold, 1963, tab. 1, p. 327.

(4) Fernand Braudel, Capitalism and Martial Life 1400-1800, trans. Miriam Kochan, New York: Harper

& Row, 1967, 1973, pp. 129-130.

(5) Braudel, European expansion and Capitalism: 1450- 1650, in: Chapters in Western Civilization,

3rd ed., New york, Colombia University Press, 1961, vol. 1, p. 285.

(6) John U. Nef. The Progress of Technology and the Growth of Large Scale Industry in Great Britain,

1540- 1640, The Economic History Review I, 1934.

The Industrial Revolution in Britain, New York: Heath, 1958, p 8وأعيد طبعه في

األرقام وا>ناقشات التالية مستمدة من:(7) E. J. Hobsbawm, The Age of Revolution 1789- 1848, New York: New American Library, 1962, pp.

56-66.

(8) Ibid., p. 67.

81

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

العنصـريــة والـلــون:قاالستعمار والـر

هل عنصرية اجملتمع الغربي احلـديـث ظـاهـرةفـريـدة أم أنـهـا كـانـت مـوجـودة دائـمـا? هــل �ــكــناستئصالها بالقانون أم أنها ال بد أن تستمر ألنـهـامرتكزة على دوافع ثقافية عميقة اجلذور? وما مدىعمق عنصرية اجملتمع الغربـي األبـيـض احلـديـث?متى بدأت? وكيف تطورت? إننا لن ننجح في محاولةاستئصال العنصرية من مجتمعنا ومن أنفـسـنـا إالإذا استطعنا اإلجابة عن بعض هذه األسئلة. ويبدأهذا الفصل xحاولة اإلجابة عن بعض هذه األسئلة.وا>وقف الذي يدافع عنه هو أنه8 برغم أن العنصريةظاهرة قد�ة8 للغاية فإن العنصرية البـيـضـاء فـياجملتمع الغـربـي احلـديـث عـنـيـفـة بـصـفـة خـاصـة.وسوف يتتبع هذا الفصل أصول العنصرية البيضاءاحلديثة في اجملتمع األوربي الذي استحدث نظام

.Xالرق في األمريكتوسيولى هذا الـفـصـل عـنـايـة خـاصـة لـفـكـرتـيالبياض والسواد الكامنتX في األدب الغربي حـفنحس xدى عمق وعينا الثقافي باللون. ثم يبحث

15

82

الغرب والعالم

Xهذا الفصل في نظام الرق ويولي اهتماما خاصا >ناقشة بـعـض ا>ـؤرخـالذين يقولون إن الرق في البلدان البروتستانتية الرأسمالية في شمال أوربا

أكثر عنصرية منه في أمريكا الالتينية.

تاريخ العنصرية: أزلية أم حديثة؟هناك جدل يثور حول ما إذا كانت العنصرية قد�ة العهد أم أن تطورهاحديث. وقد ذهب أحد علماء األنثربولوجيا8 هو كلود ليفي شتـراوس8 إلـىأن العنصرية قد�ة8 وأشـار إلـى وجـود شـيء مـن ا>ـفـارقـة عـنـدمـا تـصـفالشعوب ا>تحضرة احلديثة غيرها من األجناس بأنها «أجناس هـمـجـيـة».فهو يرى أن «هذا ا>وقف العقلي الذي يخرج «الهمـج» (أو أي شـعـب يـقـرراإلنسان أن يعده همجيا) من عداد اجلنس البشري8 هو بعينه أخص خصائصهؤالء الهمج أنفسهم». وهو على حق بطبيعة احلال. فقـد ظـلـت الـشـعـوبالبدائية تتصور أنها وحدها الكائنات اإلنسانية في العالم. وعندما اكتشفتوجود شعوب أخرى فإنها كانت في أحيان كثيرة تنظـر إلـى الـدخـالء عـلـىأنهم دون ا>ستوى اإلنساني. وكثير من القبائل البدائية تسمي نفسها «البشر»(اآلدميX). وعلى عكس هذا يشار إلى األجانب على أنهم «القرود الدنيـا»أو «البيض احلقراء» أو «األشرار» أو «األشباح». ونادرا ما كانوا ينظرون إلىهؤالء األجانب على أنهم أفراد من جنس مختلف8 بل إن البدائيX تصوروا

.Xأن كل األجانب يختلفون عنهم إلى درجة جتعلهم غير آدميوعندما كانت األجناس اخملتلفة تلتقي8 فـإن أعـضـاءهـا عـادة مـا كـانـوايتساءلون عما إذا كان اآلخرون بشرا. وعلى سـبـيـل ا>ـثـال8 فـبـعـد سـنـواتقليلة من اكتشاف كو>بوس ألمريكا بعث األسبان جلانا لتبحث فيما إذا كانللهنود نفوس8 حق �كن اكتشاف ما إذا كانوا من البشر أم ال. وفـي نـفـسالوقت الذي بدأت فيه هذه البعثات بحثها كانت جماعة مـن الـهـنـود تـقـومبإغراق بعض البيض الذين أسروهم أثناء رحلة سـابـقـة8 حـتـى تـعـرف هـل

تتعفن جثثهم كما تتعفن األجسام البشرية الهندية.ويذكرنا ليفي شتراوس وقوله إن العنـصـريـة اخـتـراع قـد�8 بـأن فـكـرةاألخوة واإلنسانية ا>شتركة جديدة نسبيا. فلـم يـحـدث أن تـصـورت قـبـيـلـةبدائية واحدة أن كل أهل الدنيا أبناء ينتسبون إلى اآلباء أنفـسـهـم أو اإللـه

83

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

نفسه8 وإ�ا آمنوا بأن لكل قبيلة أسالفـهـا وآلـهـتـهـا اخلـاصـة. ولـم تـظـهـراألديان التي تنادى باألخوة الشاملة بX كل البشر إال في األلفي سنة األخيرة.وقد طورت ا>سيحية والفلسفة الرواقية الرومانية والبوذية الشرقية مفهوم«اإلنسانية» في وقت واحد تقريبا. أما األديان التي سبقت ذلك فكـانـت التفكر إال في قبيلتها «هي» أو أسرتها أو دولتها. وأخذ وعـيـنـا بـإنـسـانـيـتـنـا

ا>شركة يزداد تدريجيا (في األلفي عام األخيرة).Michelويقدم عالم آخر من علماء األنثروبولوجيا8 وهو ميشيل ليريس

Leiris8 وجهة نظر مغايرة فيقول: «إن أول نقطة تظهر لـنـا بـعـد أي دراسـةللمعلومات التي يزودنا بها علم دراسة الشعوب (األنثوجرافيا) والتاريخ هيأن التحيز العنصري ليس أمرا عاما8 وأنه حديث العهد. و�ا ال شك فيهأن معظم اجملتمعات التي درسها علماء األنثروبولوجيـا تـكـشـف عـن وجـوداعتزاز باجلماعة8 ولكن بينما تعد اجلماعة نفسها أفضل من غيرها8 فإنهاال تدعي لنفسها أية مزاعم «عنصرية». فهي ال تتعالى8 على سبيل ا>ـثـال8عن الدخول في حتالفات مؤقتة مع غيرها من اجلـمـاعـات وال عـن تـزويـد

.)١(نفسها بالنساء منهم»وهو يذهب إلى أن العـنـصـريـة ال وجـود لـهـا فـي اجملـتـمـعـات الـبـدائـيـةوالقد�ة8 وأن اليونانيX القدماء8 وإن كانوا قد أطلقوا على جيرانهم اسم«البرابرة»8 فقد عنوا بذلك أن هؤالء الناس غير اليونانيX غير متحضرينأو مثقف8X ولم يعنوا قط أنهم ليسوا ببشر. وهذا القول قد يكون صادقا.فقد تقبل اليونانيون األجانب الذين يبدو أنهم مثقفون (أي األجانب الذينتعلموا العادات اليونانية). واتصل اليونانيون بعدد من األجناس اخملـتـلـفـة:ا>نغوليX اآلسيويX والزنوج األفارقة والقوقاز األوربيX. وكان اليونانـيـونفي واقع األمر خليطا من جماعات مختلفة متفرعة عن هذه األجناس منالشرق األوسط وآسيا والبحر األبيض ا>توسـط. ويـعـزى أحـيـانـا االزدهـاراخليالي للثقافة اليونانية لهذا اخلليط من الشعوب الذي يتسم باحليويـة.لقد كان اليونانيون يزدرون األجـانـب8 ولـكـنـهـم كـانـوا يـزدرون كـل األجـانـببالتساوي وبصرف النظر عن اجلنس. إذ كانوا يشعرون بأن األجانب ينقصهماالستقالل واحليوية اللذان تقدمهما الثقافة اليونانية. ولكنـهـم لـم يـكـونـواعنصري8X ألنهم ال يعدون العيوب الثقافية جليرانهم مشكـلـة مـسـتـعـصـيـة

84

الغرب والعالم

على العالج أو الشفاء. لقد كان معظم اليونانيX-على سبيل ا>ثال-يظـنـونأن اآلسيويX جبناء8 ولكنهم لم ينسبـوا هـذا الـعـيـب اخلـلـقـي ا>ـزعـوم إلـى««صفرة» اجلنس ا>غولي أو تراث اجلنس والعرق8 بل التمسوا التفسيـراتXفي الثقافة اآلسيوية. فهيبوقراط-على سبيل ا>ثال-نسب عدم كفاءة الصينيعسكريا إلى نظامهم الذي لم يكن �نح اجلنود ا>كافأة ا>ناسبة لشجاعتهم8

فكانت ثمرات النصر من نصيب السادة ال اجلنود.وعندما فتحت القوات اليونانية حتت إمرة اإلسكندر األكبر فارس والهند8تزوج عشرة آالف جندي من نساء هنديات من الهندوكيات8 وتزوج اإلسكندرنفسه أميرتX فارسيتX. و>ا كانوا يتصورون أنهم يحملون مزايـا الـثـقـافـةواحلضارة اليونانيتX معهم8 فقد كانوا يعرفون أن أبناءهم وبناتـهـم سـوفيشبون مثل اليونانيX اآلخرين8 فلم تكن أية مخاوف تساورهم من أن يأتي

نسلهم أقل إنسانية أو أنه قد يفسد «اجلنس» أو «الدم» اليوناني.ونحن لم نضرب مثل اليونان إلثـبـات خـطـا لـيـفـي شـتـراوس أو صـوابليريس8 فما من مثال واحد �كنـه أن يـفـعـل هـذا. إن لـيـفـي شـتـراوس قـدأصاب وال شك عندما أشار إلى أن شعوب العصر احلجري القد� واحلجرياحلديث لم تكن تؤمن بفكرة وحدة اجلنس البشري8 كما أصاب بتـذكـيـرنـاXبأن معظم الناس في التاريخ اإلنساني ظل يرتاب في الغرباء وال سيما حتكون مالمح هؤالء الغرباء مختلفة. ولـم تـكـن هـنـاك دراسـات عـلـمـيـة عـنالعرق قبل ا>ائتي سنة األخيرة8 ولكن هذا ال يعني أن الناس قد أصـبـحـوا

عنصريX منذ ذلك الوقت وحسب.ولنتساءل: عالم تدل ا>قابر ا>صرية التي صورت الناس في أربعة ألوان-أهذه عالمة على التوافق العنصري أم على العنصرية? رxا كانت ا>سافةبX كل من هذه الشخوص واإلله حوريس (في بعض اللوحات) مؤشرا علىأفكار ا>صريX عن التفوق النسبي أو الدونية النسبية. فـقـد كـان أقـربـهـمإلى اإلله مصري من الشمال أسمر البشرة8 يليه مصري من اجلنوب أسودالبشرة8 يليه آسيوي أصفر البشرة8 وأخيرا أوربي أبيض البشرة. لقد كانتمصر حضارة متنوعة األجناس8 ولكن ميزان القوى كثيرا ما كان يتغير8 فإذاسيطر أصحاب البشرة الفاحتة من الشمال أشاروا إلى اجلنوبيX بقولهـم

الشرير. وعندما يكون هؤالء اجلنوبيX في السلطة يطلقونIsh«جنس إيش

85

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

الشاحب الوضيع». ولكنهـمArvad8على ذوي البشرة الفاحتة»جنـس آرفـاد من جهة أخرى8 ظلوا طيلة التاريخ ا>صري يعيشون في تـوافـق نـسـبـي مـن

الناحية العنصرية على األقل.فهل كانت هناك عناصر عنصرية في احلضارة الصينية القد�ة? أوجز

ق. م.8 ا>وقف ا>عادي للعنصرية٥٠٠الفيلسوف كونفوشيوس8 حوالي عـام فقال: «أن طبيعة الناس واحدة8 وما يفرق بينهم هو عاداتـهـم». ومـن جـهـةأخرى نسمع من أحد مؤرخي أسرة هان (التي كانت تساوي اإلمبراطوريـةالرومانية في اتساعها تقريبا8 ووجدت في فترة مقاربة لها) أن أهل أوربـامن ذوي الشعر األصفر والعيون اخلضراء«يشبهون الـقـردة الـتـي انـحـدروا

منها».وما مبلغ العنصرية في قصص اخللق التـي تـنـكـر وجـود جـنـس بـشـريمشرك? إن اإلسكيمو-على سبيل ا>ثال-يقصون حكاية عن «الكائن األعظم»الذي خلق أول ما خلق قوما ال لون لهم يسمون «البيض»8 ثم مضى ليـقـومxحاولة خلق ثانية أفضل من سابقتها اخملفـضـة. فـخـلـق اخلـلـق الـكـامـل:اإلين/ نو8 أسالف اإلسكيمو. وهنـاك أسـطـورة �ـاثـلـة شـائـعـة بـX هـنـودأمريكا الشمالية حتكي كيف أن الروح العظمى خلقت الناس ثالث مـرات:في ا>رة األولى لم يتحمصوا xا فيه الكفاية وجاءوا بيضا. وفي ا>رة الثانيةأبقت الروح الكبيرة خلقها في ا>وقد مدة أطول وكانت النتيجة أن لونه كانأسود محروقا. ولم تتمكن الروح العظمى من تسوية الرغيف اإلنساني حتى

صار ذهبيا إال في ا>رة الثالثة.و�ا ال شك فيه أن هذه الوصفات الهندية خللق اإلنسان تشتمل علىعصر فيه مسحة من العـنـصـريـة. والـظـاهـر أن كـثـيـرا مـن هـنـود أمـريـكـا-كا>صريX القدماء والصينيX وغيرهم من الشعوب-قد خلطوا بX اجلنسوالثقافة8 واعتقدوا أن ثقافة جنسهم أرقى من غيرها. وقبل ذيوع البـوذيـةوالكونفوشوسية وا>سيحية والرواقية الرومانية العا>ية وتقبلها على نطاقواسع8 ال بد أن كثيرا من الشعوب القد�ة اعتقدت أن غيرها من األجناسكان دونها إنسانية. ولعل ليفي شتراوس كان على حق عندمـا قـرر أن هـذاشكل من أشكال العنصرية شائع جدا بX البدائيX أو الشـعـوب الـسـابـقـةعلى احلضارة8 وال بد أن نحتاط على كل حال من النظر إلى العنصرية على

86

الغرب والعالم

أنها تطور حديث كلية.ولكن حجة ليريس من جهة أخرى مقنعة للغاية8 فالعنصـريـة احلـديـثـةالتي صاحبت �و الرق (في اخلمسمائة عام األخيرة) كانت أوسـع نـطـاقـامن هذه األفكار القد�ة إلى حد يجعلها تستحق مكانة خاصـة فـي تـاريـخالعنصرية. فاحلقيقة الباقية هي أن هنود أمريكا8 برغم آرائهـم فـي تـفـوقخلقهم8 لم يسترقوا غيرهم من األجناس8 بل إنه حتى عندما استرق ا>صريونأو الصينيون أبناء األجناس األخرى8 فإنهم لم يجعلوا من الرق الـعـنـصـري

.Xأسلوبا في احلياة كما حدث في األمريكتفالعنصرية في اجملتمعات القد�ة قلما نظمت في صورة استرقـاق أوأي شكل آخر من أشكال السيطرة. كانت هناك بضع حاالت بطبيعة احلال.ففي �لكتي رواندا وبوروندي التـقـلـيـديـتـX بـوسـط أفـريـقـيـا-مـثـال-كـانـت

% من السكان) حتكم األغلبية١٥ (التي تضم حوالي Tutsiأرستقراطية التوتسي وهم األفتح لونا. وبا>ثلTwa وهم (أقصر قامة ومن التـوا Hutuمن الهوتو

في نيجريا أصحاب اجللدHausaحكم بعض ا>سلمX العرب قبائل الهوسا األدكن وحدث لديهم ارتباط بX البشرة الفاحتة والسيادة الطبيعية. ولكنهذه ا>مارسات لم تكن عامة بX ا>سلمX أو الزنوج األفارقة. فاالسترقاقاألفريقي من حيث ا>بدأ (كما في اليونان وروما) ال شأن له بالعرق. بل إنأقسى أشكال الرق في العـالـم الـقـد� (الـرق الـيـونـانـي/ الـرومـانـي ولـيـساإلفريقي) كان في الواقع أقلها عنصرية. لقد استخدم الـيـونـان والـرومـانعبيدهم من جميع األجناس في العمل الشاق في الزراعة8 بينما استـخـدم

األفارقة ا>هزومون معاونX ومساعدين في األعمال ا>نزلية.و�ا له داللته أن األوربيX الغربيX كـانـوا هـم الـذيـن نـظـمـوا8 بـشـكـلمنسق8 قوى كبيرة من األجناس األخرى (األفارقة والهنود األمريكيX) فيالعمل في ا>زارع وا>ناجم8 وهو العمل الذي يـنـطـوي عـلـى أقـصـى درجـاتاالستغالل-لقد كان هؤالء األوروبيون هم الـذيـن نـقـلـوا جـمـاعـات سـكـانـيـةبأسرها إلى عالم آخر وحطموا عائالتـهـم ومـحـوا شـخـصـيـاتـهـم وتـراثـهـموعاملوهم معاملة احليوانات. وأخيرا فإن هؤالء األوربيX هم الذين طوروامجموعة مفصلـة مـن الـتـبـريـرات (األفـكـار والـنـظـريـات ومـشـاعـر الـتـفـوقالعنصري) التي جتاوزت عنصرية اجملتمعات السابقة إلى حد كبـيـر. فـمـا

87

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

Xمن مجتمع آخر8 أنتج مجموعة من الشعـراء والـفـالسـفـة والـدبـلـومـاسـيـا>ؤمنX بالعنصرية كتلك التي أنتجتها الطبقة احلاكمة األوربية واألمريكية.وما من مجتمع آخر ربط بX قيمه الدينية واخللقية واالجتماعية والشخصيةوبX العنصرية هذا الرباط الوثيق. ولعل هذا وحده ينهض دليال على مدىشمولية االستغالل العنصري الغربي. لقد ألح الغربيون كثيرا وطويال وبشدة

قائلX إن ما يفعلونه لم يكن إال أمرا طبيعيا.كانت العنصرية الغربية فريدة في مداها وشمولها. فهي لم تكتف بتسميمالثقافة األوربية بل نشرت ا>يكروب في جميع أنحاء العالـم. إال أن جـمـيـعا>ستوطنات االستعمارية في العالم اجلديد (في أمريكا الشمالية واجلنوبيةعلى السواء) ازدهرت بفضل إبادة السكان األصليX (الذين كـانـوا يـدعـونبالهنود) وبفضل العمل العبودي الذي قام به جنس آخر من أفريقيا. وحتىاألرض األفريقية ذاتها أصبحت مهدا للمؤسسات العنصرية األوربية: أسواقالعبيد الدولية8 الدول االستيطانية البيضاء8 ا>ـزارع وا>ـنـاجـم الـتـي يـعـمـلفيها العبيد ويديرها البيض. ومع نهاية القرن التاسع عشر كان األوربيـونواألمريكيون قد نقلوا آراءهم العنصرية إلى جزر احمليط الهـادي والـشـرقXواليابانـيـ Xضي الوقت أفرزوا رؤى عنصرية تضع الصينيxاألقصى. ووالشرقيX في مستوى دون اإلنسانية8 ولم تكن هذه الرؤى إال صيغة مبتسرةلنفس األفكار القد�ة عن السود والهنود األمريكيX األصليX. صحيح أنبعض اجملتمعات القد�ة أقامت في مراحل معينة مؤسسات عنصرية8 بلنوعا من أنواع الرق العنصري8 ووصل بها األمر أحيانا إلى حد ابتكار أفكارعنصرية لتبرير هذه األوضاع. لكن مثل هذا األمـر كـان نـادر احلـدوث والتكاد توجد حالة واحدة أصبحت فيهـا هـذه األفـكـار هـي الـشـغـل الـشـاغـللشعب ما أو لثقافته8 ولم تصبح قط األساس الذي تتسند إليه حياة منطقةكبيرة أو إمبراطورية. أما العنصرية في اجملتمع الغربي احلديث (بعد حوالي

) فقد أصبحت أسلوبا للحياة لدى القارة التي يسكنها األوروبيون١٥٠٠عام ثم في القارات التي فتحوها.

والسؤال الذي يجب طرحه هو: >اذا? إذ ال يكفـي أن تـقـول (مـع لـيـفـيشتراوس) إن العنصرية وجدت دائما. قد �كن القول إن جرثومة الشك قدوجدت دائما8 لكنها نادرا ما كانت تتحول إلى وباء8 بل إنها في احلقيقة لم

88

الغرب والعالم

تتطور إال نادرا. فلـمـاذا إذن سـمـح اجملـتـمـع الـغـربـي احلـديـث (دون سـائـراجملتمعات) لهذه اجلرثومة بأن تصبح وباء اجتاح كل مؤسساتـه الـثـقـافـيـة

تقريبا8 وكثيرا من مؤسسات العالم?إن جزءا من اجلواب يكمن طبعا في الرق8 وخاصة ذلك النوع العنصريمن الرق الذي طورته الدول الغربية بعـد اتـصـالـهـا بـأفـريـقـيـا واكـتـشـافـهـالألمريكتX. فلقد بنت إجنلترا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال (وليست هذه إالأبرز احلاالت) مجتمعات عبودية من الصفر في العالم اجلديد. وعلى خالفما فعل الرومان8 بنى األوروبيون هذه اجملتمعات العبودية مستخدمX جنساواحدا �يزا من العبيد (األفارقة) وبنوها بعيدا عن أوطانهـم (بـعـيـدا عـن

أعX اجلمهور وفي ظروف «الريادة»).ففي أوروبا ذاتها لم يكن هناك سوى سوق محدود لـلـرقـيـق: فـقـد كـانالسكان مستقرين إلى حد كبير8 وكان من ا>مـكـن أن يـظـهـر نـقـاد كـثـيـرونللرق8 وبخاصة الكنيسة. فلو لم «يكتشف» األوربيون األمريكتX ويستعمروهما

>ا قيض للرق والعنصرية أن يتسعا ويتغلغال إلى هذا احلد.وهكذا جند أن جزءا آخر من اجلـواب هـو أن األوربـيـX الـغـربـيـX هـمالذين فتحوا مساحات شاسعة من األرض التي �كن استعمارها من خالل

كان األوربيون قد توصلوا إلى التكنـولـوجـيـا١٤٥٠عمل الرقيق. فبـعـد عـام البحرية والعسكرية اكثر تقدما في العالم. وفي خالل قرن استطاعت سفنهمالتجارية أن تبحر أبعد من أكبر السفن الصينية8 وأصبحت مدافعهم أكثرتدميرا من أقوى األسلحة الصينية. لقد استطاع األوربيون إحلاق الهز�ةباألفارقة واسترقاقهم بسبب تفوقهم التكنولوجي البحري والعسكري. ومعهذا فليس من الدقة القول إن القوة وحدها هي التي ميزت األوروبيX عنغيرهم8 كما سيكون من اخلطأ أيضا أن نـقـول إن األوربـيـX بـبـسـاطـة قـدسبقوا األفارقة8 وكأنه كان من ا>مكن أن يفعل األفريـقـيـون الـشـيء نـفـسـهلألوربيX لو أتيحت لهم الفرصة. إذ ال توجد أية مؤشرات قوية في الثقافةXاألفريقية تدل على أن األفارقة كانـوا سـيـرغـبـون فـي اسـتـرقـاق األوربـيـوقهر األمريكيX. فالثقافات األفريقـيـة بـصـفـة عـامـة كـانـت أقـل انـشـغـاالبالسلطة واإلنتاجية من الثقافة األوربية. كما أن احتمال أن ينظر األفريقيونإلى األوربيX على أنهم دون البشر أو مجرد موضـوعـات لـالسـتـغـالل كـان

89

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

ضعيفا. أما األوربيون فكانوا أكثر اهتماما بالغزو العسكري والسيطرة وأكثرميال إلى التفكير في اإلطار العنصري.

وأخيرا8 فإن بعض اجلواب يكمـن فـي الـثـقـافـة األوربـيـة. فـقـد وصـلـتالعنصرية األوربية إلى أبعاد متطرفة بسبب استرقاقهم لألفـريـقـيـX لـقـداسترق األوروبيون األفارقة لتفوقهم عليهم في التكنولوجيا العسكرية8 ولكنهمتفوقوا عليهم في التكنولوجيا العسكرية ألنـهـم أرادوا8 ذلـك8 واسـتـخـدمـواهذه التكنولوجيا في غزو األفارقة واسترقاقهم ألن ثقافتهم شجعت األفكارالعنصرية عن األفارقة. لقد بلغت العنصرية األوربية أبعادا مذهلة في ظلالرق. غير أن جذورها تعود إلى ما قبل اصطياد أول عبد أفريقـي. ولـكـينفهم >اذا كان األوربيون هم الذين جعلوا من العنصرية وباء اجتاح الـعـالـمبأسره علينا أن نبحث أوال في تلك اجلذور الثقافية. فحينئذ فقط نستطيع

أن نحدد مدى الضرر الذي جلبه الرق والتراث الذي خلفه.

اجلذور الثقافية للعنصرية األوربية: مسألة اللون األبيضقبل أن يستعبد األوربيون األفارقة بوقت طويل كانوا قد طوروا ثـقـافـةمسيحية متسعة اآلفاق. وثمة عنصر من عناصر الدين ا>سيحي8 هو الرمزيةا>سيحية عن البياض والسواد8 كان خليقا بأن يشجع موقفا عنصريا جتاهالسود. فقد اعتقد ا>سيحيـون أن اخلـطـيـئـة هـي اسـوداد الـروح الـبـيـضـاءونظروا إلى الله والفضيلة والطهـارة والـتـوبـة مـن خـالل الـنـور أو الـبـيـاضا>شرق. كما أن ا>الئكة والقديسX يسبحون في نور أبيض8 وحتى عيسى-عليه السالم-الذي كان ينتمي إلى الشرق األوسط اصطبغ هو اآلخر بالبياضتدريجيا إلى أن أصبح في لوحات العصور الوسطى أوروبيا أبيض8 أشـقـراللون8 أزرق العين8X وعلى النقيض من هذا كان الشيطان يتشح بالـسـواد8

فقد كان «أمير الظالم».ومع نهاية القرن اخلامس عشر(قبل استرقاق األفارقة) كـانـت ا>ـعـانـيالكامنة في كلمة «أسود» سلبية بشكل واضح8 كما جاء في قاموس أكسفورد

للغة اإلجنليزية:«ملطخ للغاية بالقذارة8 ملوث8 قذر... أهدافه سوداء أو �يتة8 شريرة8ينتمي إلى ا>وت8 وينطوي عليه8 �يت8 مهلك8 مسبب للكوارث والنحس...

90

الغرب والعالم

)٢(. 8 فاسد فاسق أثيم مرعب شرير... يدل على اخلزي واالستهجان واجلرم»

إن ا>سيحية لم تتفرد8 بهذا اخليال ا>رتبط بصورتي األبيض واألسود8فكثير من شعوب العصر احلجري احلديث كانت تخشى الليل وترحب بالنهار8مع أنها عبدت ربات سوداء في سواد أشد األراضي خصوبة. ولعل البياضقد ارتبط باأللوهية في ا>دن القد�ة التي كانت تعبد آباء الشمس والسماء

بدال من أمهات األرض.وقد طورت إحدى الديانات القد�ة في الشرق األوسط (الـزرادشـيـتـةالفارسية) رؤية للعالم تقول بصراع متصل بX «قوى النور» و «قوى الظالم».وكان ا>سيحيون يستعيرون صورة هذا الصراع الزرادشتي أحيانا8 وال سيماحينما كانوا يشعرون أن األحوال قد ساءت إلى حد قد ال تكون مـعـه قـوى

الشر أقل هيمنة من قوى اخلير.وقد نشأ وضع �اثل في القرنX السادس عشر والسابع عشر بالنسبةلألوربيX الشماليX بخاصة. إذ كان مارتن لوثر يتحدث بلسان الكـثـيـريـنمن األ>ان حX ذهب إلى أن قوى ا>سيح الدجال احلالكة الشيـطـانـيـة قـداستولت على مقاليد أمور الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وسواء كان هؤالءاألوربيون الشماليون يفكرون في التـأثـيـر الـرومـانـي عـلـى شـؤونـهـم أو فـيفساد البابوية الرومانية أو مادية الطبقة اجلديدة من رجال البنوك والتجارأو حتى التضخم اخلرافي في تلك احلقبة8 فإنهم كانوا جميعا متفقX علىأن أحوال الدنيا لم تكن على ما يرام. وكان من األيسر على هؤالء البروتستانتالشماليX أن ينظروا إلى التاريخ اإلنساني على أنه صراع بX الله والشيطان�اما كما كان من األيسر على باباوات روما أن يؤكدوا أن الـرب مـسـيـطـر

على العالم.وبطبيعة احلال وجد زعماء اإلصالح البروتستانتي الصورة الزرادشتيةللصراع أكثر اتفاقا مع إحساسهم باالنهيار وا>صير احلتمي الوشيك. أمـاأتباع ا>ؤسسة في روما فكان في وسعهم موازنة اخلير والشر والتحدث عناآلمال والنكسات8 والنظر إلى العالم الذي كانـوا يـديـرونـه عـلـى أنـه نـاجـح(بصفة عامة) برغم مشاكله. ولذا كان من األيسر على البروتستانت الذينكانوا يحاربون هذه ا>ؤسسة تصور األشياء بلغة األسود واألبيض8 أما البابويةفكان في وسعها أن تصر على رؤية األمور كل في منظوره اخلاص. وتعمل

91

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

حسابا خملتلف ظالل اللون الرمادي ورxا كان هناك سبب آخر جعل اللوناألبيض يبدو في نظر الثقافات البروتستانتية األوربية الشـمـالـيـة مـشـكـلـةتفوق مثيلتها لدى الثقافات الكاثوليكية األوربية اجلنوبية. فلم يكن الشماليونأكثر خوفا من قوى الظالم التي كانوا يعتقدون أنها في طريقها لالستيالءعلى العالم وحسب8 بل كانوا أيضا من الناحـيـة اجلـسـمـانـيـة أكـثـر بـيـاضـاوشقرة من سكان البحر ا>توسط. لقد أصبح البياض عالمة على اجلمالألولئك الذين كانت جلودهم باهتة بشكل خاص. وقد امتدح اإلجنليز ا>لكةاليزابيث8 بنت ا>لك هنري الثامن البروتستانتية8 (كما امتدحوا غيرها من

النساء) بسبب بشرتها البيضاء الشاهقة:«إن خدها وذقنها وجيدها وأنفها

هذا زنبقة8 وذاك زهرة8إن يديها بيضاوان مثل بياض عظام احلوت8

وطرف إصبعها مغمس في البياض8وصدرها األملس كجص باريس

)٣(تبرز منه آنيتان من ا>رمر»

وقد بحث وليام شكسبير شاعر إجنلترا العظيم في العصر اإلليزابيثيمشكلة البياض على نحو مباشر. رxا كان وعي شكسبير بالـلـون األبـيـضمن حيث هو مشكلة8 أقوى إلى حد ما8 إذ كانت له عشيقة سوداء8 كتب عنها

شبه معتذر وشبه مفتون:«إن عيني معشوقتي ال تشبهان الشمس8.. .فإذا كان الثلج أبيض فلماذا نهداها قا�ان»

د بها8 هوولعل شكسبير كان لديه وعي خاص بالطريقة التي كان يـوحوبنو جلدته من اإلجنليز بX السواد واجلنس. فعنـدمـا كـانـوا يـفـكـرون فـي«ملكتهم العذراء» اليزابيث وزوجاتهم وبناتهم ا>سـيـحـيـات احملـتـرمـات8 لـميكن يخطر ببالهم إال البياض-بياض الطهـارة الـوضـاح8 وبـيـاض اإلخـالصوالعفة-8 وهي كلها صفات مهمة للغاية في نظر ا>ـسـيـحـيـX. أمـا اجلـنـسفكان رأس اخلطايا في عرف هؤالء ا>ـسـيـحـيـ8X وهـكـذا ضـاع الـفـردوسوكتب على البشريـة سـوء ا>ـصـيـر8 ألن حـواء أغـرت آدم. (لـقـد كـان هـؤالءا>سيحيون يعرفون عن قوة اجلنس ما يكفي إلدراك أن حواء قد قدمت آلدم

92

الغرب والعالم

ما هو أكثر من تفاحة). و>ا كانت اخلطيئة سوداء فإن اجلنـس أسـود8 ألنالفسق هو أسوأ اخلطايا ا>ميتة.

وثمت ثقافات أخرى نظرت إلى اجلنس على أنه أسود. فربات اخلصوبةفي العصر احلجري احلديث كن سوداوات أحيانا ليمثلن التربة اخلصبـة8وكانت أمهات األرض السوداوات أكثرهن إنتاجا. غير أن هذه العبادات فيالعصر احلجري احلديث عبدت السواد بوصفه مصدر احلياة. أما الثقافاتاليهودية ا>سيحية فإنها بصفة عامة8 عبدت الـبـيـاض8 وخـافـت مـن الـقـوةاجلنسية الكامنة في السواد. ولهذا لم يوفق األساقفة والكهنة ا>سيحيـوندوما في هداية الفالحX الريفيـX إلـى الـديـن اجلـديـد8 بـل إن كـثـيـرا مـنهؤالء الفالحX غير ا>تعلمX قد تقبلوا عناصر ا>سيحية التي تتـالءم مـعصورهم القد�ة ا>وروثة عن العصر احلجري احلديث. فكانوا فـي بـعـضاألحيان يعبدون مر� في هيئة عذراء سـوداء أكـثـر مـن عـبـادتـهـم لـعـيـسـى

األبيض الذي ينتمي للكنيسة الرسمية.

كلمات بذيئة وأكاذيب بيضاءولكن شكسبير ومعظم أفراد الطـبـقـة الـوسـطـى ا>ـتـعـلـمـة فـي الـعـصـراإلليزابيثي قد تربوا في ظل مسيحية الكرادلة وا>دن واجلامعات الرسميةالوقورة8 فكان اجلنس عندهم شرا محضا8 كما كـان أسـود الـلـون. وتـدلـنـامسرحية عطيل8 وهي من أعظم مسرحيات شكسبير8 داللة واضحة عـلـىردود الفعل لدى مسيحي العصر اإلليزابيثي جتاه البياض والسواد. إذ تبنى

8 (وهو العالم التالي لوفاة اليزابيث)١٦٠٤8ا>سرحية8 التي يرجح أنها كتبت عام على قصة إيطالية أقدم عهدا تدور حول زواج قائد أفريقي بفتاة شقراء منأهالي البندقية. ولكن إضافات شكسبير إلـى الـقـصـة األصـلـيـة كـانـت مـن

الضخامة بحيث �كننا أن نعدها من تأليفه.إن عطيل هو ا>غربي. (أو ا>سلم) األسود وقد صوره شكسبير متسـمـابالنبل والكرم والود. وديدمونة زوجته مخلصة له �اما. وهما متحابان دونأنانية أو ارتياب. غير أن عنصرية احمليطX بهما تفسد عليهما هذا احلب8فسادة البندقية8 وفيهم والد ديدمونة8 ال يفتؤون يرمون عطيل بأنه «ا>غربيالفاجر» أو «ا>غربي الداعر». ولقد عـارض والـد ديـدمـونـة مـعـارضـة تـامـة

93

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

زواجها من ا>غربي «ا>لعون» الذي يشعر بأن «مهجته» السوداء أسرت قلبابنته الشقراء بطالسمه الشريرة». إن عطيل ملعون ألنه أسود8 حتى أسمه

8 وجلده األسود ال بد أنه تعبير خارجي عن(×)يوحي بأنه خرج من اجلحيم«مهجته السوداء» في داخله. وليس من الطبيعي8 من وجهة نظر الوالد8 أن�يل فتاة في شقرة ابنته ديدمونة أو بياضها إلى من كان في سواد عطيل.ومن ثم فال بد أن يكون عطيل قد جلأ إلى «الطالسم الشريرة»8 (ولو حدثذلك اليوم لقلنا): السحر األسود) إليقاعها في شباكه. وهنا جند كل عناصر

العنصرية البيضاء.د بX البشرة السـوداءوتعبر ا>سرحية عن سطوة العنصرية-الـتـي تـوح

والقذارة واجلنس واخلطيئة من خالل يا جو8 أحد مساعدي عطيل البيض.فياجو8 الذي تخطته الترقية8 رxا ساوره الشك لهذا السبب في أن عطيل

قد غرر بزوجته:أنني أكره ا>غربي8

فقد شاع بX الناسأنه قام على فراشي بواجبي».

فهذا اخلوف من الفحولة السوداء هو الذي كان ينخر في نـفـس يـاجـوكالداء الفتاك. ثم يقول أيضا:

«إن ارتيابي في وثوب ا>غربي الفاجرعلى مقعدي8 خاطر يسرى في أوصالي

سريان السم الزعاف».وال يجد يا جو منجى له من الشك الذي ال مـعـنـى لـه والـذي سـيـدمـرهويسممه إال بنقل العدوى إلى غيره8 فيعمد إلى شن الهجوم على ديدمـونـة(التي يقول إنه يحبها) لينال من عطـيـل (الـذي أصـبـح يـكـرهـه) مـزمـعـا أن

«يغرق فضيلتها في مستنقع»-أي أن «يسود» صورتها في نظر عطيل.وقد تشرب عطيل ذاته من ثقافته ا>كتسبة رؤيتها العنصرية للـون إلـىدرجة أنه صدق بسهولة أن زوجته احمللة أن ترتضي عشيقا أبيض فعطيل8

Hell(×) يشير الكاتب هنا إلى أن احلروف األربعة قبل األخيرة من اسم عطيل في اإلجنلـيـزيـة)

(Othello Xاألولـ Xتعني «النار أو اجلحيم»8 ويجوز أن احلرفـ Ot يعنيـان Out(...«8 أي «خارج من(ا>راجع).

94

الغرب والعالم

الذي تالعب به ياجو حتى شككه في امرأته8 ال يرى خطيئتها إال من منظورعنصري:

«إن اسمها الذي كان بهياكطلعة ديانا8 قد صار مربدا أسود

كوجهي».وأخيرا يساق ا>غربي النبيل (وهي عبارة تعني عـنـد الـنـظـارة8 الـزجنـيالطيب أو األسود ا>بيض) إلى قتل الزوجة احملبة التي يرميها بأنها «الشيطاناألشقر» (أو البيضاء السوداء التي يراها في احلقيقة بيضاء آثمة أو سوداء).إن العنصرية البيضاء هي في الواقع قاتلة ديدمونة8 فياجو يستخدم كلمات«بذيئة» تنطق بها «ظالل سوداء. ولكن ا>غربي النبيل هو األداة8 والضحية8

وا>تهم. فبعد أن «يطفئ نور حياته» تدينه خادمة ديدمونة:آه! لقد ازدادت هي مالئكية

وازددت أنت شيطنة سوداء... لكم شغفت بصفقتها الفاحشة-ساذجة كانت وحمقاء! جاهلة جهالة القذارة». إن مسرحية شـكـسـبـيـرليست با>سرحية العنصرية8 ولكنها تكشف عن عنصرية اجملتمع اإلليزابيثيبالتالعب برمزي األبيض واألسود. فمسرحـيـة عـطـيـل تـقـدم إلـيـنـا صـورةللعنصرية في إجنـلـتـرا تـبـل انـخـراط اإلجنـلـيـز فـي مـشـروعـات اسـتـرقـاقاألفريقيX الضخمة. وقد أستجلب أوائل الرقيق األفريـقـيـX إلـى أمـريـكـاالشمالية بعد كتابة مسرحية عطيل بخمسة عشر عاما فقط. أما اإلجنليزفإنهم كانوا قد طوروا رمزية لونية معقدة ذات مضامX عنصريـة عـمـيـقـةكامنة8 حتى قبل أن يضطروا إلى تبرير استعبادهـم لـلـسـود األفـارقـة لـقـدربط ا>سيحيون اإلجنليز8 قبل ظهور نظام الرق 8 بX السواد والشر واجلنس.وكان معظم اإلجنليز8 قبل أن تقع أعينهم على أفريقي واحد مقتنعـX بـأنهؤالء ا>غاربة أو «األثيوبيX» أشد فحولة منهم (ومن ثم أشـد إثـمـا). ومـنالعسير احلكم على مدى تأثر قـوانـX الـرق فـي األمـريـكـتـX بـاخلـوف مـنالفحولة األفريقية. إن النساء البيضاوات ال شك كن يجردن من صفاتـهـناجلنسية حينما كان سادتهن البيض ينظرون إليهن نظرة مثالية8 وكان أخشىما يخشاه سادة مجتمع الرق أن يقوم األفارقة السود باغـتـصـاب أو إغـواءنسائهم البيضاوات اجلميالت والضعيفات في ذات الوقت8 ومـع هـذا فـإن

95

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

أحالم السادة اجلنسية كانت تدور حول الفتيات السوداوات ألنهـم أقـنـعـواأنفسهم بأن نساءهم البيض أطهر من أن يكن قادرات على الغواية اجلنسية.و�كن القولx 8عنى من ا>عاني8 إن مجتمع الرق الذي أوجده ا>سيحيوناألوروبيون من القرن السادس عشر حتى القرن التاسـع عـشـر لـم يـكـن إالنتيجة منطقية لألفكار العنصرية التي كانت قد نشأت في حضن ا>سيحية8وال سيما ا>سيحية البروتستانتية. وكان الرق-xعنى آخر-تـطـبـيـقـا عـمـلـيـاللتقسيمات اللونية التي وضعتها عقيدة مسيحية طعمت بديانة أقدم منها

بكثير8 تنتمي إلى العصر احلجري احلديث أو إلى البيئات الزراعية.وهكذا فإن الشعور السائد في العصر احلجري احلديث بأن السواد هوالشهوانية8 واإل�ان ا>سيحي بأن الشهوانية شر هي نتيجة قد � التوصلإليها حتى قبل �و الرق وال شك أن جمهور شكسبير كان يسلم بأن السوادشر8 ومن هنا جاء استمتاعه با>فارقات وا>عاني ا>زدوجة في عبارات مثل

«ا>غربي النبيل» و«الشيطانة الشقراء» وبجر�ة عطيل البريئة.ولكن ا>شكلة التي نواجهها هي ثقافة تلتزم التزاما قاطعا xوقف معادXللجنس وهي مهددة بالتالشي8 بل إن ثمة جماعات من الرهبان ا>سيحيوالطوائف البروتستانتية قد اختفت بالفعل أحيانا بسبب اجتناب اجلنس-فاجلنس8 كما كان يعلم كل فالح من العصر احلجري احلديث8 هو مصـدراحلياة ذاتها. ولكن التزام مجتمع الرق ا>سيحي xثل هذا ا>وقف ا>عـاديللسواد كان يصل أحيانا إلى حد معارضته للحياة على ا>ـسـتـوى الـرمـزي.لعلهم كانوا يخشعون أن مقدرة السود اجلنسية هي دائما أكثر نبضا باحلياةمن الكبت ا>سيحي. ولعل استبعاد السواد الذي استلزمه الرق هو في نهاية

األمر دعوة إلى إفناء الذات.

بياض احلوتإذا كان شكسبير هو شاعر الثقافة ا>سيحية قبـيـل الـرق8 فـإن هـرمـان

هو شاعر مجتمع الرق في �ام �وه. وكما بX لنـاHerman Melvilleملفل شكسبير ما الذي يعنيه إ�ان الناس بأن الشهوانية اجلنسية سوداء وشريرة8فقد بX لنا ملفل معنى التوحيد بX السواد واحلياة وبX البياض وا>ـوت.

ما انطوت عليه «مسألةMoby Dickفقد استكشفت رواية طفل موبى ديك

96

الغرب والعالم

البياض» من مضامX انتحارية8 مثلما استكشف شكسبير من قبل مغزاهااجلنسي.

وتدور موبي ديك على الصعيد القصصي البسيط حول مطاردة الكاب¯إهاب للحوت األبيض موبي ديك بإصرار. وحتدثنا الرواية عن طاقم البحارة8وعن استغالل إهاب لهم8 وعن احلياة على سفينة صيد احليـتـان8 وأخـيـراعن هالك إهاب وجل بحارته حينما تصدوا للحوت األبيض الضخم. غيرأن تلخيص الرواية على هذا النحو ا>بسط هو أشبه بالقول إن مـسـرحـيـةعطيل تدور على حب دمره االنتقام والغيرة. ولكن هذين العمل8X شأن كلاألعمال الفنية الكبيرة8 يدوران على شيء يتجاوز بكثير ما ترويه القـصـة.فضال عن أن ا>عنى الكامن وراءهما وثيق الصلة بالعنصرية ومشكلة البياض.إن إهاب �ثل طبقة السادة البيضاء في أمريكا في نشدانها البياض8أوبسط سيطرتها على السواد �ا يعود عليها بالقوة. فبياض موبي ديك هوالذي ساق إهاب إلى مطاردته بجنون. وقد قال ملفل إن أهم ما في روايتههو الفصل الذي كتبه عن بياض احلوت. فالبياض8 كمـا قـال8 هـو الـصـفـةالتي منحت الرجل األبيض «السيادة ا>ثلى على كل قبيلة سمراء». والبياضهو التحكم في الظالم وفي قوى العبيد الشيطانية السـوداء وهـو الـعـالمـةالتي تدل على ذكاء الثقافة البيضاء «واستنارتها»8 ودليل على نقاء الثقافةا>سيحية البيضاء. ولكنه أيضا8 رمز اخلوف ا>سيحي األبيض من األشياءغير ا>رئية واألشباح وا>وتى. فالبياض عـلـى حـد عـبـارة مـلـفـل-هـو«الـرمـزاحململ بأعظم ا>عاني لألمور الروحية بل إنه قناع إله ا>سيحية ذاته8 ولكنهفي الوقت ذاته يجب أن يظل كما هو-العنصر الذي يزيد من تكثيف أشد ما

يدخل الرعب على قلب البشر»فإهاب8 كالثقافة البيضاء يروعه البياض8 (حتى وهو ينشده) ألن سطوةالبياض على السواد معناها فناء سائر األلوان-أي فناء احلياة برمتها. فإهابكالرجل الغربي-فيما يرى ملفل-تطعنه من اخللف فكرة الفناء وهو يرنو إلىاألغوار البيضاء جملرة درب التبانة». وهذا «الكافر التعس ظـل يـحـدق فـيالكفن األبيض الهائل الذي يلف كل شيء من حوله حتى غشيت عيناه. وماكان احلوت األمهق إال رمزا لها جميعا». إن اجملتمع األبيض السائد يكتسبالنقاء والقوة والبياض بالتحكم الالإنساني في التنوع الزاهي األلوان للحياة

97

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

والسادة البيض يتخيلون أنفسهم أكثر نقاء كلـمـا ازدادت سـيـطـرتـهـم عـلـىالطبيعة ا>ظلمة. ويذهب ملفل إلى أن السادة البيض رxا كانوا8 مثل إهاب8قد فطنوا إلى أن قوة البياض ثمنها ا>وت8 وأن رمـز الـنـقـاء يـشـبـه الـكـفـن

األبيض والشبح اخلفي الذي ال لون له.وهكذا فإن لعنصرية اجلنسية التي كانت تنخر في نفس ياجو قد أصبحتفي منتصف القرن التاسع عـشـر كـفـاحـا شـرهـا ضـد احلـيـاة ذاتـهـا. وهـيعميقة اجلذور في الثقافة ا>سيحية بل وثقافة العصر احلجري اجلـديـد.فاألوروبيون8 والسيما الثقافات البروتستانتية األوربية في الشمال8 قد اهتمواأكثر من أية شعوب أخرى xا بX البياض والسواد من فروق ولـكـن بـرغـمعراقة العنصرية األوربية وزيادة تشبث البروتستانتية في القـرن الـسـادسعشر بالبياض فإن اجملتمع االستعماري األوربي في القرن التاسع عشر كانهو الذي تعلق بتحقيق البياض بأي ثمن وبشكل مرض. أما أسبـاب تـزايـدهذا الوعي العنصري في الثقافة الغربية8 مـن الـقـرن الـسـادس عـشـر إلـىالقرن التاسع عشر فيمكن االهتداء إليها في تغير ا>ؤسسات التـي غـيـرت

وجه اجملتمع8 والتي كان نظام الرق من أهمها دون شك.

اجلذور املؤسسية للعنصرية األوروبية: عبء الرقاالستثناء يثبت القاعدة أحيانا. فلنستمع إلى ما يقوله ربان سفينة عبيد8

. يشكو القبطان8١٦٩٤ في عام Thomas Phillipsهو الكاب¯ توماس فيليبس الطيب من العنصرية الفاشية بX رفاقه اإلجنليز8 ويستغرب من ازدرائهـملألفارقة ال لشيء إال لسواد بشرتهم. فيقول النخاس الطيب إنه ال يتصور

>اذا يحقر األفارقة بسبب:«لون ال حيلة لهم فيه من أثر ا>ناخ الذي شاء الله أن يخصهم به. إني الأرى فضال للون على آخر8 وال أرى األبيض خيرا من األسـود. وكـل مـا فـياألمر أننا نظنه هو األفضل ألننا نحن على هذا اللون8 أو �يل إلى التحيزحلالنا8 مثلما يفعل «السود الذين يدفعهم بغضهم للون األبيض إلى الـقـول

)٤(إن الشيطان أبيض وهكذا يرسمونه»

إن عبارات كهذه ما كانت لتصدر عن كثير من ربابنة سفن الرقـيـق8 أوعن كثير غيرهم �ن يعود عليهم أسر العبيد األفارقة أو بيعهم أو استخدامهم

98

الغرب والعالم

بالربح. وصراحة هذا الربـان إ�ـا تـبـX أنـه كـان مـن ا>ـمـكـن وجـود رجـالصاحلX يعملون بقسوة في إطار نظام وحشي. ولكن الطابع غير ا>ـألـوفالذي تتسم به هذه العبارة يدل أيضا على أن نظام الرق قـد وضـع مـعـظـمالناس داخل قالبه8 مهما كانت مشاعرهم نبيلة في األصل. فلم يكن �كنالكثير من النخاسX أن يؤمنوا xثل هذه اآلراء طويال ويستمروا في �ارسةمهنتهم. بل إنه كان لزاما على مجتمع جعل من الرق أسلوبا حلياته أن يفكربلغة العنصرية وذلك على األقل حX يكون جميع هؤالء الرقيق من «السود.ومن ا>ؤكد أن األوروبيX أصبحوا أكثر قدرة على حتمل استغاللهم الوحشيلألفارقة حينما صوروا ألنفسهم أن هؤالء األفارقة هم جنس أدنى أو حتىأنهم ليسوا ببشر (وهذا هو األفضل). فالرق بهذا ا>عنى قد شجع العنصرية

األوربية.ومن اجللي لكل من أعمل الفكر في العنصرية احلديثة أن تاريخنا فيالرق من أكبر أسباب مشكلتنا. فمن العسير تخيل الصورة التي كان �كنأن تكون عليها الواليات ا>تحدة اليوم لو أن األفارقة قد دخلوها بالشروطنفسها التي دخل بها سائر ا>هاجرين. ولكن من ا>ؤكد أن ا>شكلة العنصريةكانت ستخف وطأتها عما هي عليه. فتاريخنا في استرقاق األفارقة8 وتفريقشمل عائالتهم8 وحرمانهم من الكثير من ثقافتهم القد�ة8 وإكراههم علىاالتكال التام على سطوة البيض8 خلق ألوانا من التفاوت والتحامل والتمييزلبثت قرونا. فتركة الرق عززت اخملاوف العنـصـريـة الـتـي عـرقـلـت حتـريـرالعبيد. وعندما أعتق الرقيق في أمريكا الشمـالـيـة واجلـنـوبـيـة فـي الـقـرنالتاسع عشر لم يصبحوا مواطنX من الدرجة األولى. وكـان أبـنـاء الـعـبـيـدXوأحفادهم (برغم أنهم أصبحوا أحرارا بحكم القانون في كل أرجاء األمريكت

) ال يتمتعون بكل احلقوق وا>زايا السياسية واالقتصاديـة بـسـبـب١٩٠٠عام لون بشرتهم. وظل لونهم عقبة حتول دون ا>ساواة بسبب التـاريـخ الـسـابـق

للرق. فضرر الرق أوضح من أن يحتاج إلى بيان على أننا.بعد أن قلنا كل هذا8 �كننا أن نبX بعض الفروق التي ستفيدنا في فهمالطريقة التي وصلنا بها إلى النقطة احلالية. لقد الحـظـنـا مـن قـبـل-عـلـىسبيل ا>ثال-أن هناك قدرا كبيرا من التحامل الثقافـي (فـي إجنـلـتـرا عـلـىاألقل) قبل استرقاق األفارقة8 األمر الذي �كن أن نفرض معه أنه حتى لو

99

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

لم يكن األوربيون الذين هاجروا إلى األمريكتX قد استعبدوا األفارقة قطلكان من ا>مكن وجود قدر معX من التحامل على أحرار السود.

كما الحظنا اختالفا طفيفا بX حتامل أوربي الشمال وأوربي اجلنوب.ويصبح هذا االختالف الفتا للنظر بصفة خاصة إذا ما قارنا حتامل األسبانوالبرتغاليX (في شبه جزيرة أيبريا) يتحامل األوربيX الشمالي8X والسيماالبريطانيX. فقد كان األسبان والبرتغاليـون أقـل حتـامـال8 وذلـك ألسـبـابمنها أنهم عاشوا مع األفارقة في شبه جزيرة أيبريا منذ الفتـح اإلسـالمـي

.٧١١عام وعندما حل عصر كولومبولس كان سكان شبه جزيرة أيبريا قد قضواقرونا يحاربون ا>غاربة السمر في شمال أفريقيا. ويحبونهم8 فتعلم األسبانوالبرتغاليون أن ينظروا بإعجاب إلى الثقافة اإلسـالمـيـة الـثـريـة فـي شـبـهXجزيرة أيبريا وكبريات ا>دن األفريقية. ولذا كان من ا>ستحيل على ا>تعلممن أهالي شبه جزيرة أيبريا أن يوحدوا بX السواد والتخلف. أما اإلجنليزفقد فعلوا ذلك ألن جهلهم باحلضارة األفريقية أو اإلسالمية كان كامال أو

يكاد.ومن اجلائز أن الفروق الثقافية بX أوربا الشمالية واجلنـوبـيـة حـوالـي

قد ازدادت من جراء األ�اط اخملتلفة للرق التي طورتها ا>نطقتان١٥٠٠عام في األمريكتX. فالرق-مثل تعايش األجناس اخملتـلـفـة-لـه تـاريـخ أطـول فـيشبه جزيرة أيبريا عنه في إجنلترا. فقد كان مؤسـسـة مـسـتـمـرة فـي شـبـهجزيرة أيبريا منذ العصور الرومانـيـة تـقـريـبـا. وقـد اسـتـطـاعـت الـكـنـيـسـةالكاثوليكية في شبه جزيرة أيبريا عبر القرون أن تـخـفـف مـن حـدة بـعـضجـوانـب الـرق الـوحـشـيـة وكـرسـت الـتـقـالـيـد قـائـمـة طـويـلـة مـن الـواجـبـاتوا>سؤوليات على ا>الك إزاء العبيد. وهذا يصدق في جانب كبير منه على

الثقافة اإلسالمية بدورها.فا>سيحيون وا>سلمون األثرياء كانوا يعاملون عبيدهم في الغالب كأعضاءفي أسرة كبيرة يعتمدون عليها اعتمادا كامال8 فكان مالك العبيد ال يحكمونعلى أنفسهم من منظور كم النقود الذي يحصلون عليه من استغالل البشراآلخرين وإ�ا من منظور السخاء. كـمـا لـم يـكـن هـنـاك خـط لـونـي واضـحXالعبيد وسكان أيبريا األحرار8 وكان األغنياء من نصارى ومسلم Xيفصل ب

100

الغرب والعالم

�لكون الرقيق البيض أو السمر أو السود تبعا للظـروف. وكـان الـرق ذاتـهنظاما قوامه االعتماد على األثرياء واألقوياء8 أكثر �ا هو نظام للملـكـيـة8فكانت التفرقة عسيرة بX الرق والنظام اإلقطاعي القـائـم عـلـى الـوالء أوااللتزام8 والذي تغلغل بدوره في العالقات االجتماعية في شبه جزيرة أيبريا.

8 بل إن العـالقـات١٥٠٠وفي إجنلترا كان الرق قد اخـتـفـى تـقـريـبـا عـام اإلقطاعية التقليدية كان قد حل محلها إلى حد كبير نظام قوامه الفالحوناألحرار نسبيا8 الذين يطيعون قوانX تصدرها حكومات مستقـلـة نـسـبـيـا.وحلت الطاعة السياسية محل الوالء التقليدي للراعي أو السـيـد8 ومـن ثـمفإن اإلجنليز (والدينماركيX والهولنديون) >ا شرعوا في استرقاق األفارقة

8 بدؤوا من الصفر تقريبا8 و>ا كان العبيد كلهم أفارقـة8 فـإن١٥٠٠بعد عام مالك الرقيق اجلدد لم يكونوا ملزمX باالمتثال لاللتزامات وا>سـؤولـيـاتالتقليدية8 أو لسلطان الكنيسة وإ�ا كانت الظروف مواتية لهم كيما يضعواقوانينهم اخلاصة عن العبودية. و>ا كانت هذه األقطار األوربية الشمـالـيـةبصدد إنشاء اقتصاد رأسمالي دينامي فقد كانت أميل إلى النظر إلى الرق

على أنه نظام لكسب ا>ال.فاإلجنليز لم يجلبوا معهم العبيد إلى الدنيا اجلديدة بوصفهم جزءا منأسرهم ا>متدة8 بل بدؤوا-شأنهم شأن الهولنديX والدينماركيX-با>تـاجـرةفي الرقيق في سبيل الربح8 ثم عملوا على إنشاء مزارع يسخر فيها الرقيق

لتحقيق مزيدا من الربح.وxا أن أوربيي الشمال أسسوا مستعمرات في جزر الـبـحـر الـكـاريـبـيوأمريكا الشمالية8 بينما أقام أهالي شبه جـزيـرة أيـبـريـا مـسـتـعـمـرات فـيأمريكا اجلنوبية وا>كسيك وبعض جزر الـبـحـر الـكـاريـبـي8 فـقـد يـكـون مـنا>فيد أن نقارن بعض مواطن االختالف بX النوع8X وقد يفسر لنا مواطناالختالف هذه ما بX أمريكا الشمالية واجلنوبية من فروق اليوم. إن عنصريةأمريكا الشمالية وثيقة الصلة بالرق ولكنهـا أيـضـا نـتـيـجـة نـوع مـحـدد مـن

أنواعه.وثمة دالئل على أن النمط الرأسمالي البروتستانتي الشمالي لالسترقاقشجع على تطوير مجتمع أكثر عنصرية من �ط االستـرقـاق الـكـاثـولـيـكـي

اجلنوبي السابق على الرأسمالية.

101

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

الرق البريطاني في مقابل الرق في أمريكا الالتينية: العنصريةوحترير األرقاء

فلنتأمل بعض الشواهد. يبدو من الواضح8 باد� ذي بدء8 أن االستعبادكان حالة أكثر دواما8 بالنسبة إلى رقيق الواليات ا>تحدة األمريكيـة وجـزرالبحر الكاريبي8 منه بالنسبة إلى الرقيق في أمريكا الالتينية8 أي أن نسبةالرقيق الذين أعتقوا في ا>ستعمرات األسبانية والبرتغالية كانت أعلى بكثيرمنها في ا>ستعمرات البريطانية8 ولهذا االجتاه نحو حترير العبيد (العتق)أهمية خاصة ألنه يظهر أن ا>ستعمرين البيض لـم يـكـن يـتـعـX عـلـيـهـم أنينظروا إلى األفارقة على أنهم أحـط مـن غـيـرهـم بـصـورة دائـمـة ال �ـكـنعالجها. فلم يكن القانون في البرازيل (حيـث اسـتـقـر الـبـرتـغـالـيـون) وفـيأمريكا األسبانية يقضي بأن يعد العبد عبدا طيلة حياته أو أن يكون أوالدهعبيدا بالضرورة8 كما كان احلال من الناحية القانونية في الواليات ا>تحدة

.١٦٦٠األمريكية بعد سنوات وكانت في أمريكا الالتينية عدة وسائل يحرز بها العبيد احلرية. فـقـدكانوا يشترونها باخلروج إلى العمل أيـام اآلحـاد8 أو أيـام الـعـطـالت الـبـالـغ

يوما في التقو� الكاثوليكي. وكان من حقهم في كوبا أو ا>كسيك٨٥عددها أن يعلنوا بثمن شرائهم8 فيقومون بدفعه على أقساط8 وقد أصبح هذا عادة

دوالر٦٠٠واسعة االنتشار8 وال سيما في كوبا. فكان العبد الذي يبلغ ثمنـه دوالرا8 أي أن كـل٢٥ قسطا تبلغ قيمة كـل مـنـهـا ٢٤يشتري حريتـه بـسـداد

جزءا من احلرية8 ويسمح للعبد باالنـتـقـال مـن٢٤قسط يشتري جـزءا مـن منزل سيده بعد سداد القسط األول. وبالرغم من أن السعر قد يكون أعلىبكثير من سعر االنتقال من أفريقيا8 فإن العبيد القادرين علـى الـعـمـل مـنأجل حريتهم لم يكونوا مختلفX من ناحية ا>بدأ عن ا>دينـX الـبـيـض فـيأوربا الذين كانوا يضطرون للعمل خدما لفترة معينة. فالعالقة بX السيدوالعبد كادت تكون عالقة تعاقدية قائمة على اتفاق قانوني (وان كان غـيـرمكتوب في العادة) بX طرفX (وإن لم يبرماه بحرية)8 وهنـاك عـلـى األقـلحاالت لبعض العبيد الذين دفعوا كل شيء فيما عدا الـقـسـط األخـيـر كـي

يتحاشوا احلرية الكاملة وما يقترن بها من ضرائب وخدمة عسكرية.وكانت هناك وسائل أخرى لتحرير الرقيق في أمريكا الالتـيـنـيـة8 فـقـد

102

الغرب والعالم

اعتق سيمون بوليفار آالف الرقيق في فنزويال وكولومبيا عندما انخـرطـوافي اجليش في حروب االستقالل8 كما أعتق كثير من الرقيق الذين انضمواإلى جيوش البرازيل واألرجنتX. وكانت كوبا تصدر قرارات دورية يتم xوجبهاعتق الرقيق الذين يفرون إلى شواطئها ويعتنقون ا>ـسـيـحـيـة تـلـقـائـيـا. مـنسلطة القاضي أن يحكم بإعتاق العبد الذي وقع عليه عقاب ظالم8 وكان من

حق الرقيق البرازيلي إذا أجنب عشرة أطفال أن يطالب بحريته شرعا.ومع ذلك8 فلعل السبل الشرعية لتحرير األرقاء لم تكن في مثل أهميةاالستحسان االجتماعي الذي أبداه العرف والكنيسة على حترير الـرقـيـق.فحتى ثقافة مالك الرقيق رأت في حترير األرقاء عمال نبيال كر�ا خيـراوكانت ا>ناسبات السعيدة-كمولد ابن8 وزواج ابنة8 واألعياد الدينية والقومية8واالحتفاالت العائلية-تعد في أمريكا الالتينية8 فرصا لعتق عبد أو عدد منالعبيد احتفاء با>ناسبة. وكان تعميد الطفل الرقيـق يـعـد فـرصـة مـنـاسـبـة

دوالرا في كوبا) فكـان٢٥وحميدة لعتقه8 وذلك مقابل سداد رسم بسـيـط (كثير من العبيد يختارون ألوالدهم أبا في العماد أمال في ذلك. وهكذا كاناإللزام اخللقي في أمريكا الالتينية أكثـر تـأثـيـرا8 بـوجـه عـام8 مـن حـرفـيـةالقانون8 وكان القانون أكثر تشجيعا على عتق العبيد منه في الواليات ا>تحدة

األمريكية.أما في ا>ستعمرات البريطانية فكثيرا ما كان ينظر إلى حترير الرقيقبقلق8 ولذا فرضت معظم اجلزر البريطانية ضرائب باهظة (كثيرا ما كانتتفوق قيمة العبد) على مالك العبيد الذين يشرعون في ذلك. وفي جمـيـعاحلاالت لم يكن العبد �لك التحرر دون موافقة مالكه8 وأحيانا كان التحرر-يتطلب موافقة غيره أيضا8 وفي معظم ا>ستعمرات الـبـريـطـانـيـة (xـا فـيذلك الواليات ا>تحدة األمريكية) كان يفترض8 بصفة آلية8 أن كل أسود أوداكن البشرة من أصل أفريقي. هو عبد. وكـان يـسـمـح لـلـرقـيـق فـي بـعـضاحلاالت أن يثبت أنه قد أعتق (بينما كانت محاكم أمريكا الالتيـنـيـة تـعـدهحرا حتى تثبت عبوديته) بل إن التشريعات في واليات جورجيا إذ كان قانون

في كارولينا اجلنوبية ينص على أن «جميع الزنوج أو اخلـالسـيـون أو١٧٤٠ا>هجنون ا>وجودون أو الذين سيوجدون في اإلقليم وكل نسلـهـم وذريـتـهـم8ا>ولودين منهم والـذيـن سـيـولـدون8 هـم xـوجـب هـذا الـقـانـون مـن الـعـبـيـد

103

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

وسيكونون كذلك في ا>ستقبل8 وسيظلون إلى األبد من اآلن فصاعد عبيدابشكل كامل»

وهكذا8 فحتى القلة القليلة من الرقيق ا>عتـقـX فـي الـواليـات ا>ـتـحـدةاألمريكية8 كانت ترغم في كثير من األحيان على العودة إلى الرق. مثال ذلكأن والية فرجينيا كانت تلزم العبد ا>عتق xغادرة الوالية في مدى سنة وإالبيع «لصالح الصندوق األدبي»8 وفي كثير من الواليات ا>تحدة اجلنوبية كانالعبد ا>عتق يرد إلى الرق إذا لم يتمكن من سداد دين أو غرامة. ولم تـكـنقوانX جزر الهند الغربية البريطانية والواليات ا>تحدة األمريـكـيـة تـفـسـحللرقيق باب األمل في شراء حريته8 فقد كانـت هـذه الـقـوانـX تـفـتـرض أنالعبودية دائمة. وكان األمل الوحيد هو أن يقوم ا>الك بتحرير عبده8 وعلىالرغم من أن هذا كان يحدث أحيانا فقد كانت هناك عقبات جمة �نع من

أن يصبح ذلك سنة متبعة على نطاق واسع.% من السكان السود أحرارا في٦ لم يكن هناك سوى ١٨٦٠وبحلول عام

الواليات التي بها عبيد في الواليات ا>تحدة األمريكية. فإذا أضفنا العـددا>ماثل من األمريكيX األفارقة األحرار الذين يعيشون في الواليات الشمالية8كان مجموع األحرار من بX السكان السود ال يتجاوز عشرة في ا>ائة. وفي

%٧٥مقارنة صارخة مع البرازيل جند أنه في وقت حترير العبيد فيها كان Xمختلفـ Xمن السكان السود قد أعتقوا بالفعل. تلك كانت حصيلة موقف

من حترير األرقاء.:Xهذه ا>واقف اخملتلفة جتاه حترير األرقاء لها داللة مهمة من ناحيتـفهي تبX أن الناس في أمريكا اجلنوبية كانوا أكثر استـعـدادا >ـنـح الـسـوداحلرية واالستقالل8 كما تبX أيضا أن مجتمعات أمريكا اجلنوبية قد امتألتبالسود األحرار لدرجة أصبح من ا>ستحيل معها التوحيد بX الوضع الثقافيللرق وبX الوضع البيولـوجـي اخلـاص بـالـبـشـرة الـسـوداء. وكـثـيـرا مـا كـانا>ستوطنون من األسبان والبرتغاليX يتحدثون عن الرق بوصفه ظرفا تعساقد يقع أي إنسان فريسة له. فهم لم يروا قط في الرق عالمة عـلـى لـعـنـةأبدية ال �حي أو دونية عنصرية. وهكذا كان في مقدورهم التمييز بX لونالشخص وثقافته. وبهذا ا>عنى كان الـرق فـي شـبـه جـزيـرة أيـبـريـا نـتـيـجـة

>واقف أقل عنصرية8 وقد أقام مجتمعا كانت العنصرية فيه أقل حدة.

104

الغرب والعالم

وينبغي أن نضيف أننا نتكلم عن العنصرية وحدها8 وليس عن وحشيـةاالسترقاق. فمن اجلائز جدا أن تكون مجتمعات أمريكا الالتينية قد عاملتXعبيدها بوحشية فاقت مجتمعات أمريكا الشمالـيـة. واسـتـعـداد األيـبـريـلتحرير العبيد ال يدلنا إال على موقفهم من السود8 وال يـنـبـئـنـا بـشـيء عـنمعاملتهم لغير ا>عتقX. مثال ذلك أن بعض ا>ؤرخX ذهبـوا إلـى أن مـالكXكثيرا ما كانوا يعمدون إلى عتق ا>رضى ا>سن Xالعبيد األسبان والبرتغاليألن االحتفاظ بهم يشكل تكلفة باهظة أما العـبـيـد فـي أمـريـكـا الـشـمـالـيـةفقلما كانوا بهذه القسوة8 وقلما كان لديهم مثل هذا االستعداد لرؤية سكان

يعيشون أحرارا بX ظهرانيهم.وهكذا فإن انتشار حترير األرقاء في اجملتمع العبودي في أمريكا الالتينيةرxا لم يكن دائما عالمة على شفقتهم. و>ا كانت جتارة الرقيق قد استمرتفي أمريكا الالتينية إلى ما بعد بـدايـة الـقـرن الـتـاسـع عـشـر xـدة طـويـلـةنسبيا8 فقد كان العبيد أرخص بكثير �ا كانوا عليه في الواليات ا>تـحـدة

. وهذا يعني أن مالك العبيد١٨٠٨األمريكية التي حظرت النخاسة في عام في أمريكا الالتينية كان xقدورهم سوق عبيدهم للعمل حتى ا>وت وشراءا>زيد8 ويظل في إمكانهم مع ذلك عتق البعض منهم. ولكن حتى لو كان هذاهو ما حدث حقا فإنه يظل من الصحيح أن الرق في أمريكا الالتينيـة قـد

أقام مجتمعا أقل عنصرية.فلنعد إلى الشواهد. ولعل أبرز صفة كانت تسترعي انتباه زوار الشمالإلى مجتمع الرق في أمريكا الالتينية هو أن السود كانوا في كل مكان. وقدعبر زائر بريطاني إلى البرازيل8 في مـنـتـصـف الـقـرن الـتـاسـع عـشـر8 عـن

دهشته على النحو التالي:«لقد رأيت أثناء سيري سيدات سوداوات يرتدين احلـرائـر واجلـواهـر8والعبيد الرجال في بزتهم يسيرون وراءهن. واليوم وقفت إحداهن وهي فيعربتها يرافقها خادم وحوذي في بزتها اخلاصة. وكثيرات منهن متزوجاتمـن رجـال بـيـض والـطـبـيـب األول فـي ا>ـديـنـة رجـل مـلـون8 وكـذلـك رئـيـس

.)٥(ا>قاطعة»وقال زائر آخر إن البرازيلي األفريقي:

«يبدو أذكى شخص التقى به ألن كل ا>هن8 التي تتطلب أو ال تتطلب أية

105

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

مهارة8 كانت في أيدي الزنوج. لقد كانوا هم الذين بنوا أجمل الكنائس فيبوينوس آيرس8 وكانوا هم العاملون في احلقول8 وعمال التنجيم فـي كـثـيـرمن األماكن8 وهم الطباخX والغسالX وا>ربيات ومحظيات الرجال البيضوالفتيات العامالت با>غازل واحلوذيX والعمال في أرصفة ا>وانئ. ولكنهمهم أيضا احلرفيون ا>هرة الذين بنوا البيوت ونحتوا �اثيل القديسX فـيالكنائس وشيدوا اجلسور وصهروا أجمل األعمـال احلـديـديـة الـتـي يـراهـا

.)٦(ا>رء في البرازيل وعزفوا في األوركسترات»لقد أحرز البرازيليون األحرار من أصل أفريقي مكانة �تازة8 وقد �االعتراف xكانتهم في عصرهم8 كما اعترفت بهم كتب التاريخ البرازيـلـيمنذ ذلك الوقت. وهم يشملون على األرجح أعظم كتاب البرازيل ونحاتيهاومهندسيها. فهناك دائما أناس من أصل أفريقي وبرتغالي يكـتـبـون األدبالبرازيلي وكثير من أعظم أبطال وبطالت البرازيل تضحية وإنسانية (فـي

الرواية والتاريخ) هم من األفارقة.ولقد اعترفت مجلة يونايتد ستيتس ماجازين آند د�ـوكـراتـيـك ريـفـيـو

بالفرق الشاسع بX معاملة األفارقة في الواليات ا>تحدة األمريكية١٨٤٤عام وأمريكا الالتينية. وقد الحظت اجمللة أن الزجني في ا>كسيك «وفي أمريكاالوسطى وفي مناطق شاسعة أبعد جتاه اجلـنـوب8 أصـبـح حـرا اجـتـمـاعـيـاوسياسيا على السواء8 ويقـف عـلـى قـدم ا>ـسـاواة مـع األبـيـض. وأن تـسـعـةأعشار السكان هناك من األجناس ا>لونة8 وإن العسكريX وأعضاء اجملالس

.)٧(النيابية والرؤساء هناك أناس من دم مختلط»ولقد اعترف الكثيرون في أمريكا الشمالية بأن تعصبهم ضد السود فيالواليات ا>تحدة األمريكية أكبر �ا هو عليه في اجلنوب. وهناك البعض

عبر عن مـوقـف اجملـلـة ذاتـهGeorge Bancrottمن أمثـال جـورج بـانـكـروفـت بقوله: «إن ضم تكساس سوف يسمح للسود باالنتـقـال إلـى عـالـم ا>ـسـاواةاالجتماعية والسياسية كما هو احلال في ا>ناطق الوسطى من أمريكا حيث

ال يوجد حتامل عنصري». كانوا١٨٤٤إن أحدا ال يزعم أن كل السود في أمريكا اجلنوبية في عام

أحرارا8 فالبعض كان ال يزال مستعبدا. وسيكون من ا>بالغة القـول إنـه لـميكن ثمة تعصب عنصري في مستعمرات شبه جزيرة أيبريا: فلم يسترق أي

106

الغرب والعالم

أبيض تقريبا8 وكان من الصعب كثيرا على األفريقي أو الهـنـدي أن يـحـقـقالثراء ويصبح مقبوال في اجملتمع. ولكن بعد ذكر هذا التحفظ8 �كن القولأن التناقض بX اجملتمعX يظل صحيحا. فاجملتمع في أمريكـا الـالتـيـنـيـةكان أكثر انفتاحا بالنسبة للمنحـدريـن مـن أصـل أفـريـقـي. وكـانـت احلـريـةأيسر مناال8 وكانت تعني الكثير إذا ما � إحرازها. وكان التعصب ضـئـيـالولم يكن هناك إال القليل من تلك التفرقة العنصرية (في األحياء السكنيـةوا>دارس والفنادق وا>نشآت العامة) التي أصـبـحـت مـن الـسـمـات ا>ـمـيـزةللتجربة العنصرية في الواليات ا>تحدة األمريكية ولم يكن هناك أي وجود8في جتربة أمريكا اجلنوبية8 لقانون اإلعدام بغير محاكمة وا>ظاهرات ضدXالزنوج8 التي أصبحت من معالم تاريخ الواليات ا>تحدة األمريكية في القرنالتاسع عشر والعشرين. وقد � جتنيد السود (األحرار منهم والعبيد) دون�ييز أثناء كفاح أمريكا الالتينيـة مـن أجـل االسـتـقـالل. وقـد عـمـل عـمـالا>وانئ البيض في البرازيل على إلغاء الرق فرفضوا العمل في سفن الرقيقفي نفس الوقت الذي ثار فيه عمال أمريكا الشمالية البيض على مـشـروع

قانون لينكولن بأن هاجموا عائالت الود بدال من قوات اجلنوب.

الرق البريطاني في مقابل الرق في أمريكا الالتينية: العنصريةومتازج األجناس

ما مصدر هذا االختالف? وما تفسير عنف العنصرية البريطانـيـة فـيأمريكا الشمالية إذا ما قورنت بالتحامل ا>عتدل نسبيا في أمريكا الالتينية?إن اإلجابات كثيرة وقد ثار حولها نقاش حاد. وقد أحملنا إلى بعض من هذهXواألوربي Xاإلجابات من قبل. فمن اجلائز أن مجرد بياض بشرة البريطانيالشماليX اآلخرين (با>قارنة بلون البرتغاليX واألسبان الزيتوني) جعل من

وا في أنفسهم8 على مر الزمن8 شغفااأليسر على هؤالء الشماليX أن ينـمخاصا بالبياض ومن اجلائز أن االفتقار الشديد إلى أي نوع من الصبغة فيبشرة البريطانيX جعل من األيسر عليهم أن ينظروا إلى أي لون أدكن على

أنه وصمة.كما رأينا من قبل كان هناك علـى األقـل بـعـد جـنـسـي مـهـم فـي عـالقـةاألوربيX الشماليX ا>توترة بالبياض. إذ يبدو أنهم كثيرا ما كانوا يفضلون

107

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

كبت ا>يول اجلنسية في ا>لكة العذراء الشقراء على الشهوة العارمـة الـتـيXكانوا يخشون أن تكون كامنة في السواد واألفارقة. والواقع أن ا>ستكشفاألول إلفريقيا في العصر اإلليزابيثى قد ارتاعوا من سواد بعض األفارقـةالذين اكتشفوهم وكذلك من عريهم8 فاخترعوا األساطير عن شهوة األفارقةالتي ال ترتوي8 والتي تتفق مع مخاوف العصر احلجري احلديث واخملاوفا>سيحية القد�ة (وهي اخملاوف التي ظلت قائمة برغم كل األدلة العلميةحتى وقتنا الراهن). وليست ا>سألة هي أن ا>ستعمرين الذين أتوا من شبهجزيرة أيبريا قد تغلبوا على أسطورة الشهوانية السـوداء8 وإ�ـا احلـقـيـقـةهي أنهم نظرا إلى كونهم أقل خوفا من فقد بياضهم وأقل شعورا بالكبت8فقد تقبلوا بشغف القصص اخليالية عن قوة السود اجلنسية. واألمر كمـافسره أحد البرازيليX هو: «لقد تعلم الرجل األبيض لغـة احلـب مـن ا>ـرأةالسوداء في ا>هد حينما كانت تهدهده8 أو في السرير حينما كانت تشبعـهجنسيا: يا صغيرتي السوداء8 يا زجنيتي الغالية8 يا أغلى الناس تلك العبارات

. وحتـى)٨(يسمعها ا>رء من كل فم-من خريج اجلامعة إلى العامل ا>ستغـل»اليوم جند أن البرازيليX البيض ينادون حبيباتهم البيض بافتتان «زجنيتيالصغيرة»8 ويستخدم األمريكيون األسبان تعبير «السوداء الصغيرة» للتعبيرعن إعزازهم >ن يحبون8 بصرف النظر عن اللون. ولكن من ا>ستـحـيـل أننتخيل أمريكيا شماليا أبيض يستخدم لفظا كهذا جتاه إنسان أبيض آخر.إن عدم اكتراث أمريكا الالتينية باللون في استخدام مثل هذه األلفاظال يدل على عمى األلوان (كما سنرى) بل يوحـي بـاألحـرى بـارتـبـاط احلـباجلنسي بالسواد8 وهو ارتباط ال بد أن جميع مجتمعات الرقيق األمريكيةقد شعرت به أو كبتته. وهكذا فإن مالك العبيد قي أمريكا الالتينية8 علىعكس جيرانهم البريطانيX الشمالي8X قد شجعـوا عـلـى تـطـويـر مـشـاعـراحلب اجلنسي التي تعلموها على صـدور ا>ـربـيـات الـسـوداوات وبـX أذرع

الفتيات العبيد السود.على أنه ال يكفي بطبيعة احلال أن نفسر الفروق الشاسعة بX عنصريةأمريكا الالتينية وعـنـصـريـة أمـريـكـا الـبـريـطـانـيـة بـاإلشـارة إلـى احلـقـيـقـةالبيولوجية اخلاصة بلون البشرة أو إلى ا>واقف السيكـولـوجـيـة الـغـامـضـةجتاه اجلنس والسواد. فثمة أسباب تاريخية �يزة >وقف شعـوب أمـريـكـا

108

الغرب والعالم

الالتينية األكثر حتررا جتاه العالقة اجلنسية بX األجناس اخملتلفة. فلقدجاء الفاحتون األسبان والبرتغاليون إلـى الـعـالـم اجلـديـد بـدون زوجـاتـهـم8وكثيرون منهم فـي الـواقـع لـم يـكـونـوا مـتـزوجـX. وقـد تـبـنـوا مـنـذ سـنـواتاالستيطان األولى نظرة متـسـامـحـة جتـاه �ـارسـة اجلـنـس بـX األجـنـاساخملتلفة (�ازج األجناس) ألنه لم يكن هناك مفر من ذلك. أما ا>ستوطنوناإلجنليز في أمريكا الشمالية فقد جـاءوا بـزوجـاتـهـم وعـائـالتـهـم. كـمـا أنالزوجات البريطانيات كن في كثير من األحيان يتمتعن بقدر من االستقالل�كنهن من اإلصرار على أن يبقى أزواجهن من مالك الرقيق غرامـيـاتـهـمXإلى األمريكت Xالعنصرية. وحتى عندما كانت نساء شبه جزيرة أيبريا يأتلتكوين أسرة فقد كن يأتX من ثقافة أوربية يهيمن عليها الرجال وقيمـهـمبشكل أوضح. لهذا كان رجال شبه جزيرة أيبريا في األمريكـتـX يـتـبـاهـونبعشيقاتهم السوداوات ويعترفون بأوالدهم السود8 وكثيرا ما كان ينقلون كلأسرهم إلى منزل العائلة الكبير. وعلى حX أن معظم الواليات في الوالياتا>تحدة األمريكية سنت قوانX صارمة ضد �ارسـة اجلـنـس بـX األفـرادمن أجناس مختلفة (األمر الذي فرض على الرجال التعقل) فإن مجتمعاتأمريكا الالتينية شجعت صراحة التمازج بX األجناس بوصفه دليال عـلـىفحولة الرجل وأسلوبا للحياة ومن اجلائز أن التـمـازج بـX األجـنـاس8 مـثـلحترير األرقاء8 قد ضاع في أمريكا الالتينية ألسباب ليست نبيلة بالضرورة.غير أن كال األمرين أدى إلى ظهور نوعية من السكان ومجموعة من القيمجعلت فكرة العرق ال معنى لها تقريبا. إذ كيف يتأتى للمرء أن يتحدث عنأعراق «نقية» أو حتى عن كل عرق عندما تكون الغالبية الكبرى من السكانليست سوداء وليست بيضاء بل هي تدرجات للون الزيتوني والبني? وكيفيتأتى للمرء أن يتحدث عن قدرات الزنوج الطبيعية (أو عجزهم الطبيعي)Xعندما ال يكونون عبيدا وال أحرارا8 بل األمرين معا8 وعندما يكونون مزارع

?Xوموظف Xوكتابا وبنائXوبحلول القرن التاسع عشر على األقل8 أصبـحـت غـالـبـيـة األمـريـكـيـاألفارقة في معظم البلدان الواقعة جنوبي الواليات ا>تحدة األمريكية ال همبالسود وال بالعبيد. وأصبح من ا>ستحيل إطالق تعميمات حتى عن الزنوج-وهو أقل ما ينبغي على العنصري ا>تعصب أن يفعله كيما �ارس عنصريته.

109

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

أما في الواليات ا>تحدة األمريكية8 فكانت كلمة الزجني8 قبـل احلـرب مـنأجل استقالل اجلنوب (التي عادة ما يسميها ا>نتصرون احلـرب األهـلـيـة)تعنى العبد. فلم تكن الواليات الشمالية وال الواليات اجلنـوبـيـة راغـبـة فـيوجود شعب من األفارقة األحرار. فاجلنوبيون كانوا يرون في السود األحرارتهديدا �يتا لنظام الرق8 وكانوا يؤمنون بأن الـعـبـيـد ا>ـعـتـقـX يـحـرضـونالعبيد اآلخرين على التمرد8 وأن مجرد وجود سود ناجحX أو أحرار إ�اهو xثابة حتد للعقيـدة الـعـنـصـريـة الـرسـمـيـة الـقـائـلـة إن األفـارقـة أحـطبطبيعتهم. وهنا أيضـا جنـد أن ا>ـوقـف الـبـرازيـلـي �ـثـل نـقـيـضـا طـريـفـا:فالبرازيليون لم يستخدموا السود الصطياد العبيد اآلبقX وحسب8 بل إنمالك العبيد البرازيليX لم يطوروا على اإلطالق العقيدة األمريكية الشماليةعن االنحطاط الطبيعي لألفارقة. وفي الواليات ا>تحدة األمريكـيـة حـظـرعلى السود األحرار دخول ا>ناطق الشمالية وكذلك واليات الرق في اجلنوب.وحتى دعاة إلغاء الرق من الشماليX كانوا يسعون أيضا في كثير من األحيانإلى إبعاد الزنوج8 وداعبت خيالهم أفكار خاصة بإعادة توطX العبيد األحرارفي أفريقيا أو سعوا (مثل جورج بانكفروفت إلى تهجير السود إلى ا>كسيكأو أمريكا اجلنوبية. إن الواليات ا>تحدة األمريكية8 شمالها وجنوبـهـا8 هـيمجتمع ينقسم إلى جماعتX: العبيد السود والبيض األحرار. وأدى العداءاألمريكي الشمالي للتمازج اجلنسي وحترير األرقاء إلى إبقاء نسل األفارقةسودا (أو يسهل �ييزهم) بقدر اإلمكان8 ومن ا>فـروض أن الـسـود عـبـيـد.ولقد كان هذا اإلصرار على مجتمع فيه طبقتان مغلقتان من القوة بحيث أناألمريكيX الشماليX ما زالوا حتى اليوم8 يصنفون أي شخص فاحت اللونيرجع بعض نسبه إلى أفريقيا بأنه زجني. وينبغي حتى اليوم في الواليـاتا>تحدة األمريكية أن يكون الناس إما بيضا أو زنوجا (بعد استبعاد األجناساألخرى) وهم ال يكونون بيضا إال إذا كانت أصولهم كلها بيضاء. أما الزنوجفال يشملون األفارقة اخللص وحسب وإ�ا أي شخص ليس أبيض خالصا

(وذلك إذا ما استخدمنا اللغة ا>تداولة ولغة تقارير التعداد الرسمية).Xإن البيض في أمريكا اجلنوبية لم يصروا ألبته على أن هناك جـنـسـاثنX فقط (بعد استبعاد الهنود) وهم ال يصـنـفـون الـنـاس ا>ـنـحـدريـن مـنأصول مختلـطـة ضـمـن فـئـة «اآلخـريـن» كـمـا لـو كـانـوا كـالبـا هـجـيـنـة. أمـا

110

الغرب والعالم

األمريكيون الشماليون فقد استـمـروا فـي االعـتـقـاد (بـرغـم الـقـرائـن الـتـيشاهدتها عيونهم) بأن هناك �طX عرقيX فقط: البيض اخللص واآلخرون.لقد أدرك األمريكيون اجلنوبيون أن هناك أ�اطا كثيرة ولذا شجعوا �ازجاألجناس الذي خلق فئات عرقية مختلفة تقع بX األبيض الناصع واألسود

الداكن.ومرة أخرى تقدم البرازيل نقيضا طريفا لطريقتنا في التكفير في العرق

«سود داكنـpretos«Xأو اجلنس. ففي البرازيل ينقـسـم الـنـاس إلـى «سـود» Preto Retino «Xوداكن» Cabra مع شعر مستقيـم Xوداكن Cabo Verdeو«أقل

أو «بـنـي خـفـيـف»Mulato escuro أو ذوي لـون «بـنـي غـامـق» Escuroسـوادا» Mulato Claro «أو «بني فـاحت Pardo«أو«بشرة فاحتة اللون مع شـعـر مـجـعـد

Sarara «أو «بشرة فاحتة اللون مع شعر نـاعـم MorenoXأصليـ Xأو«مواطن أوBranco Da Bahiaبيض يجري في عروقهم شيء من الدمـاء اإلفـريـقـيـة»

بيض سمر8 أو بيض شقر. واللغة التي يسـتـخـدمـهـا األمـريـكـيـون األسـبـانللتعبير عن العرق ثرية بالدرجة نفسها. فهم ال يفكرون عادة في «الزجني»

Negro أو) Negroبالبرتغالية) وإن هم فعلوا فالكـلـمـة تـعـنـى بـالـنـسـبـة لـهـم Negroأسود-وال �كن ألي أمريكي التيني أن يفكر في أن يطلق لفظ زجني

8 فمن الواضحPardo أو لونه «بني خفيف» Escuroعلى شخص «بني اللون» أن هذين اللونX األخيرين أفتح.

هذا ا>صطلح العرقي ا>ركب الذي يبدأ استخدامه جنوب نهر ريوجراندييبX أن األمريكان الالتينيX ليسوا مصابX بعمى األلـوان8 بـل إنـهـم يـرونتنوعا عرقيا أكثر بكثير �ا نراه8 والواقع أن حـسـاسـيـتـهـم ا>ـفـرطـة جتـاهالفروق العرقية �كنهم من أن يكونوا أقل عنصرية �ا تـسـمـح بـه رؤيـتـنـاالتي ال تدرك سوى األسود في مقابل األبيض. وال تزال العنصرية البيضاءقائمة في ا>كسيك وأمريكا الالتينية8 لكن الكثيرين يعـتـرفـون صـراحـة أنمعظم الناس «مزيج»8 وهم يجدون قيمة في اسـتـمـرار عـمـلـيـة ا>ـزج هـذه.ولقد عبر ا>كسيكيون عن هذا الهدف بتسمية أنفسهم باعتزاز«أمة برونزية».Xوهم يعلنون بحماس أن مصير ا>كسيك رهن بتـمـازج األفـارقـة واألوربـيـوالهنود-أي «إضفاء اللون البرونزي» على كل هذه الشعوب. فلتتخيل مفهوم«األمة البرونزية» كفكرة ثقافية في الواليات ا>تحدة األمريكية وستـرى مـا

111

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

يحدث8 برغم كل حديثنا عن بوتقات االنصهار.إن األمريكان الالتينيX قد أزالوا احلواجز العنصرية من خالل �ـازجاألجناس. سواء أكان ذلك راجعا إلى أنهم جاءوا جنودا وغزاة بدون أسر أمإلى أنهم اتخذوا عددا ضخما من األفارقة عبيدا8 فإنهم أقاموا بشكل يكاديكون حتميا8 مجتمعات ال تكاد تعبأ بفكرة الـعـرق. إذ لـم يـكـن مـن ا>ـمـكـنلشعب تنظر غالبية أفراده إلى نفسها على أنها بنية اللون بدرجات مختلفة8أن يشعر باخلوف من أن يطغى عليه األفارقة. لقد ألغت جـمـيـع الـواليـاتالتي تستخدم الرقيق في الواليات ا>تحدة8 فيما عدا واحدة8 جتارة الرقيق

. أما البرازيليون فقد١٨٠٨قبل صدور القانون الفيدرالي بتحر�ها في عام . وبحـلـول هـذا الـوقـت كـان نـصـف١٨٥١واصلـوا جتـارة الـرقـيـق حـتـى عـام

البرازيليX سودا أو ذوي لون بني. وفي الواليات ا>تحدة األمريكية لم يكن % من السكان يصنفون بوصفهم زنوجا. وقد١٩هناك في أي وقت أكثر من

. فإذا كان١٧٩٠تناقصت النسبة باطراد منذ أن بلغت تلك الذروة فـي عـام البرازيليون قد �سكوا مدة أطول بنظام الرق8 فـإن الـبـيـض فـي الـواليـات

ا>تحدة األمريكية كانوا أكثر خوفا من االختالط العرقي.

ملزيد من االطالعيعد كتاب اليونسكو الذي يضم عدة مقـاالت حتـت عـنـوان اجلـنـس (أو

شيل اليريس مدخال �تازا8 يضم مقاالت >يRace and Scienceالعرق) والعلم Michel Leiris وكلود ليفي اشتراوس C. Levi-Strauss.¯<ا>شار إليهما في ا

والكتاب عبارة عن مناقشة عامة حول العرق والعنصرية. وكتاب العلم ومفهومMargaret بإشراف مار جـريـت مـيـد Science and the Concept of Raceالعـرق

Meadوآخرين هو أيضا مجموعة جيدة من األبحاث العلمية عـن ا>ـوضـوع بشكل عام.

Davidوخير تاريخ عام للرق هو على األرجح كتاب ديفيد بريون ديفيس

Brion Davis مشكـلـة الـرق فـي الـثـقـافـة الـغـربـيـة The Problem of Slavery in

Western CultureXوهناك عدد ال بأس به من الـكـتـب عـن الـرق فـي الـعـا>ـ Slaveryالقد� والكالسيكي. ويعد كتاب الرق في العالم القد� الكالسيكي

in Classical Antiquityشراف م. آي. فنـلـي بـإM. I. Finelyخير نـقـطـة لـبـدء

112

الغرب والعالم

قـيـمWorld of Odysseusدراسة ا>وضوع. كـمـا أن كـتـابـه عـالـم اوديـسـيـوس أنظمة الـرقWilliam L. Westermannأيضا. ويعد كتاب وليم ل. ويستـرمـان The Slave Systems of Greek and Romanفي العالم القد� اليوناني والروماني

Antiquityكتابا شامال يعتمد عليه. وتغطى الكتب التالية ا>ـنـاطـق األخـرى الرق في الشرقIsaac Mendelssohnمن العالم القد�: كتاب اسحق مندلسون

األدنى القد�: دراسة مقارنة للرق في بابل وآشور وسوريا وفلسـطـX مـنSlavery in the Ancient Nearمنتصف األلف الثالثة إلى نهـايـة األلـف األولـى

East: A Comparative Study of Slavery in Babylonia, Assyria, Syria and Palestine

From the Middle of the third Millennium to the First Millenniumوكتاب عبـد وكتابSlavery in Pharaonic Egyptاحملسن بكير الرق في مصر الفرعـونـيـة

داهومي: �لكة قد�ـة فـيMelville J. Herskovitzملفيل ج. هيرسكوفـيـتـز وكتاب س. مارتنDahomey: An Ancient West African Kingdomغرب أفريقيا

ق.٢٠٦ الرق في الصX إبان حكم أسرة هان القد�ة C. Martin Wiburويبور Salvery in China During the Han Dynasty 206 B.C. - A.D. 25 ٢٥م

ويعد كتاب ديفيز مشكلة الرق في الثقافة الغربية مرة أخرى كتابا رائعاعن اخللفية الثقافية للعنصرية والرق فـي أوروبـا. أمـا كـتـاب ويـنـثـروب ل.

األبيض يعلو األسود: مواقف أمريكية إزاء الزنوجWinthrop D. Jordonجوردان ١٨١٢-١٥٥٠ White Over Black: American Attitudes Toward the Negro 1550-

فقد حاز على جائزة عن جدارة. والـطـبـعـة اخملـتـصـرة عـبء الـرجـل 1812 قد تكون متاحة بشكل أكبر.The White Man’s Burdenاألبيض

ومشكلة الفروق بX أمريكا الالتينية والعالم األجنلو أمريكي في مجالالرق والعنصرية هي موضوع مناقشة مستفيضة من جانب ا>ؤرخX. فهذه

العبد وا>واطن:Frank Tannenbaurnالفوارق تؤكد في كتاب فرانك تانتـبـوم Xالزنوج في األمريكيتSlave and Citizen: The Negro in the Americasوكذلك

الرق: مشكلة في احلياة األمريكيةStanley M. Elkinsفي كتاب ستانلي م. الكنز Slavery: A Problem in American Institutional andا>ــؤســســيــة والــثــقــافـــيـــة

Intellectual Lifeالـرق Xأن ديفيز يقلل من شأن أوجه اخلالف ب Xعلى ح في الواليات ا>تحدة األمريكية في كتابه مشكلة الرق في الثقافة الغربيـة.

ا>ؤسسةKenneth M. Stamppومن الكتب القيمة أيضا كتاب كينيث م. ستامب

113

قالعنصرية واللون: االستعمار والر

The peculiar Institution: Slavery inالفريدة: الرق في اجلنـوب قـبـل احلـرب

the Ante-Bellum South وكتاب جليبرتو فرير Gilberto Freyre:السادة والعبيد The Masters and Slaves A Study in theدراسة في تطور احلضارة البرازيلية:

Development of Brazilian Civilization وكتاب كار ل ن. دجلر Carl N. Degler

Neither Black Nor Whiteال باألبيض وال باألسود

هي خير مدخلEugene D. Genoveseولعل أعمال إيوجX د. جينو فيزي إلى عالم الرقيق ومالكي الرقيق (xثل ما هو أ�وذج للـدراسـة ا>ـاركـسـيـة,ا>تعمقة) وكتابه فلتجر يا نهر األردن فلتجر: العالم الـذي خـلـقـه الـعـبـيـد8

Roll, Jordan Roll: The World the Slaves Madeهو صرح هـائـل مـن الـوصـف والتفسير كتب بحيوية ووضوح. أما كتابه األسبق العالم الذي خلقه أصحاب

The World the Slaveholders Made: Two Essaysالرقيق: دراستان في التفسير

in Interpretationفهو خير مدخل للجانب اآلخر من اجملتمع ا>نقسم. وا>قاالت The Political Economy of Slaveryالواردة في كتابي االقتصاد السياسي للرق

�تازان. وتقدم مؤلفات كليمنت إيتونIn Red and Blackوباألحمر واألسود Clement Eatonمقدمة �تازة للجنوب القد�. و�كن أن نذكـر هـنـا كـتـاب

أو �و احلضـارةThe Civilization of the Old Sovthحضارة اجلنوب الـقـد� والنضالThe Growth of Southern Civilization 1790-1860 ١٨٦٠-١٧٩٠اجلنوبية

The Freedom of Thought Struggleمن أجل حرية الفكر في اجلنوب القد�

in the Old South

114

الغرب والعالم

هوامش الفصل اخلامس عشر

(1) Michel Leiris, Race and Culture in UNESCO, Race and Science, New York: Columbia University,

Press, 1951, p.214.

(2) Winthrop Jordan, White Over Black, Baltimore: Penguin Books, 1968, p.7

(3) George Puttenham, Partheniades, 1959

.Winthrop Jordan, White Over Black, p. 8أوردها وينثروب جوردان في: (4) Ibid., p. 11.

(5) Thomas Ewbank: Life in Brazil, or the Land of the Cocoa and The Palm, London, 1856, p. 266.

(6) Frank Tannenbaum Slave and Citizen, New York: Random House, 1946, p. 39.

وردت الفقرة في كتاب:(7) Carl N.Degler, Neither Black Nor White, New York: Macmillan, 1971, p. 16.

بتصرف عن:(8) Luiz Luna, O Negro Na Luta Contra A Escravidao,

وأوردها دجلر في:Degler, Neither Black Nor White, p. 155.

115

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

الطاقة والبيئة - الصناعةوالرأسمالية

نواصل في هذا الفصل محاولة الرد على السؤالالذي طرحناه في الفصل الثاني عشـر وهـو: عـلـىعاتق من تقع مسؤولية إهمال الطبيعة8 الـذي أدىإلى أزمتي الطاقة والبيئة? ونركز هنا علـى أوضـحأسباب ا>شكلة احلديثة وأكثرها مباشرة8 أال وهي:الصناعة والرأسمالية. إذ يكاد اجلميع يتفقون علىأن الثورة الصناعية هي السبب الرئيس. والقول إنالرأسمالية قد تكون سببا بديال ال يـعـنـي اإليـحـاءبأن التصنيع ليست له في هذا الصدد أهمية كبيرة.وإ�ا السؤال هو ما إذا كانت الرأسمالية قد زادتمن االنفصال العميق عن الطبـيـعـة الـذي تـسـبـبـت

فيه عملية التصنيع أم ال?هذه مشكلة عملية8 فلير هناك من يدعو جدياإلى العودة إلى احلرف اليدوية السابقة على ا>رحلةالـصـنـاعـيـة. وحـتـى لـو حتـمـلــت ذلــك حــفــنــة مــناألمريكي8X فإن جماهير الناس في العالم النامـيلن تتحمله8 ألنها تريد التصنيع. ومن ثم فا>سـألـةهي ما إذا كان في مقدورهم التحول إلى التصنيع

16

116

الغرب والعالم

(وفي مقدورنا نحن االستمرار فيه) بطريقة أقل استغاللية. وهذا هو السببالذي يدعونا إلى التساؤل عن الرأسمالية. فهل يحتمل أن يكون التصـنـيـعغير الرأسمالي أكثر حرصا عل موارد الطاقة احملدودة وأقل معاداة للبيئة?

هل الثورة الصناعية مسؤولة؟١٥٠٠هناك ما يشبه اإلجماع على أن ظهور الـعـلـم احلـديـث (بـعـد عـام

تقريبا) هو الذي جعل سلسلة االختراعات التي يطـلـق عـلـيـهـا اسـم الـثـورةالصناعية �كنة. ولنستمع إلى لويس �فورد8 الذي يبX كيف حاول العلماءاألول إخضاع كل الطبيعة العضوية للقوانX ا>يكانيكية (بالشكل الذي شرحناه

آنفا)8 وهو يطرح األمر على هذا النحو:«إن ما تبقى هـو عـالـم ا>ـادة واحلـركـة األجـرد ا>ـوحـش: أرض خـراب.ولتحقيق أية درجة من درجات االزدهار كان من الضروري بالنسـبـة لـورثـةمعبود القرن السابع عشر أن �ألوا العـالـم مـن جـديـد بـكـائـنـات عـضـويـةجديدة8 صممت بحيث �ثل احلقـائـق اجلـديـدة الـتـي تـوصـل إلـيـهـا الـعـلـمالفيزيائي. ولقد كانت اآلالت-واآلالت وحدها-هي التي تلبي بالكامل مطالبا>ـنـهـج الـعـلـمـي ووجـهـة الـنـظـر الـعـلـمـيـة: إذ كـان يـنـطـبـق عـلـيـهـا تـعــريــف

) على نحو أكمل كثيرا من األحياء. وما إن رسـخـت صـورةReality«الواقع»(العالم اآللية8 حتى ازدهرت اآلالت وتكاثرت وسادت الوجود: وأبيد منافسوهاأو كان مآلهم إلى عالم هامشي ال يجرؤ على اإل�ان به إال الفنانون والعشاقومربو احليوان. ألم تخلق ا>اكينات في إطار الصفات األولية وحدها8 دون

? فإذا كان(×)اهتمام با>ظهر أو الصوت أو أي نوع آخر من ا>ؤثرات احلسيةالعلم يقدم حقيقة نهائية8 فاآللة إذن هي التجسيد الـصـحـيـح لـكـل مـا هـوكامل. بل إن اختراع اآلالت في هذا العالم اخلاوي األجـرد أصـبـح واجـبـا8وأصبح بوسع اإلنسان أن يحقق صفة من صـفـات األلـوهـيـة بـالـتـنـازل عـنجانب من إنسانيته: إذ أشرق على هذا اخلواء الثاني (أي العالم وهو بـعـدسد�) وخلق اآللة على صورته? صورة القوة8 ولكـنـهـا الـقـوة ا>ـنـتـزعـة مـن

8 وتشـمـلPrimary Qualities(×) يشير ا>ؤلف هنا إلى التـقـابـل بـX الـصـفـات األولـيـة فـي األشـيـاء Secondary Qualities8الشكل واحلجم واحلركة وكل ما يقاس بالعدد وا>قدار8 وبX الصفات الثانوية

وتشمل اللون والصوت والطعم والرائحة8 الخ... وهو تقابل قال به كثير من الفالسـفـة والـعـلـمـاء(ديكارت وروبرت بومل مثال) في عصر سيادة النزعة اآللية8 أي في القرن السابع عشر. (ا>راجع)

117

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

».)١(جسده8 ا>عزولة عن إنسانيتهلقد سلب العلماء الطبيعة حياتها8 ثم اضطروا >لء العالم xخلـوقـات8واخمللوقات الوحيدة التي فهموها هي تلك التي تتبع القوانX العلمية-أعنىاآلالت. ورxا كان هذا تبسيطا مخال بعض الشـيء8 لـكـن حتـلـيـل �ـفـورديؤكد على األقل العالقة التاريخية بX العلم احلديث وذريته8 أي تكنولوجيااآلالت في الثورة الصناعية. صحيح أن العلماء كانوا مهتمX با>عرفة أساسا8في حX أن التصنيع هو عملية تسخير ا>عرفة إلحراز نتائج عملية. غير أنالعلماء8 حتى أولئك الذين كانت دوافعهم دينية إلى حد كبير8 كانوا يؤمنون

بأن عملهم يؤدي إلى زيادة القوة اإلنسانية.ولقد أصر واحد من أوائل العلماء األوربيX احملدث8X هو سير فرنسيس

)8 على أن ا>عرفة هي في نهاية األمر قوة. فنحن نفهم١٦٢٦-١٥٦١ ((×)بيكونالعالم حتى نتمكن من السيطرة عليه. وبرهان العلم في النهاية هو التكنولوجيا

التي ينتجها.كذلك فإن الثورة الصناعية ما كانت لتكون لوال الفكرتان اللتان استرشدبهما العلم احلديث: فكرة انفصال اإلنسان عن الطـبـيـعـة8 وقـدرة اإلنـسـانعلى السيطرة على هذا العالم الطبيعي ا>نفصل. فالثورة الـصـنـاعـيـة هـيتطبيق العلم احلديث على التكنولوجيا. واآلالت ال تستطيع أن تتولى عمـلاإلنسان إال بعد أن تصبح اآللة أ�وذج العالم الطبـيـعـي. ولـم يـقـتـض هـذاالنظر إلى موضوعات العالم العضوي بوصفها آالت وحـسـب8 بـل اقـتـضـى

أيضا إزالة العنصر اإلنساني من العالم العضوي-عالم الزمان وا>كان.

التصنيع: الزمن امليكانيكي في مقابل الزمن العضوييرى لويس �فورد أن الشرط األول خللق عصر لآللة هو اختراع زمنميكانيكي يحل محل الزمن العضوي أو الطبيعي. كان من الـضـروري فـهـمالزمن من خالل أجزائه ا>كونة. أي كان يجب تقـسـيـمـه. وقـد حتـقـق هـذا

باختراع الساعة:»إن الساعة8 ال احملرك البخاري8 هي اآللة الرئيسة في العصر الصناعي(×) لم يكن فرانسيس بيكن عا>ا8 ولم يعرف عنه االشتغال بأي فرع بعينه من فروع العلم8 وإ�ـا

كان فيلسوفا له اهتمام خاص با>نهج العلمي والشروط ا>ؤدية إلى تقدم العلم. (ا>راجع)

118

الغرب والعالم

احلديث8 ألن كل مرحلـة فـي تـطـور الـسـاعـة هـي الـواقـعـة الـبـارزة والـرمـزالنموذجي لآللة وليس ثمة آلة أخرى إلى اليوم منتشرة قدر انتشار الساعةفي كل مكان.. .. . إن الساعة نـوع مـن آلـة الـطـاقـة8 نـتـاجـهـا هـو«الـثـوانـيوالدقائق: وهي بطبيعتها األساسية قد فصلت الزمن عن األحداث اإلنسانيةوساعدت على خلق اإل�ان بعالم مستقل قوامه تـعـاقـبـات �ـكـن قـيـاسـهـارياضيا: هو عالم العلم اخلاص. وليست ثمة سوى أساس واه نسبيـا لـهـذا

اإل�ان في التجربة اإلنسانية ا>عتادة.فالنهار يختلف طوال على مدار العام8 وعالقة النـهـار والـلـيـل ال تـتـغـيـرباطراد فحسب8 بل إن رحلة بسيطـة مـن الـشـرق إلـى الـغـرب تـنـيـر الـزمـنالفلكي بعدد معX من الدقائق. وفي إطار اجلهاز العضوي اإلنساني نفسهفإن الزمن ا>يكانيكي يبدو أكثر غرابة. ففي حX جند احلياة اإلنسانية لهاوقائعها ا>نتظمة اخلاصة بها مثل دقات النبض وتنفس الرئت8X فـإن هـذهاألخيرة تتغير من ساعة إلى أخرى مع تغير ا>زاج واجملهود. أما في ا>دىاألطول الذي يدوم أياما8 فإن الزمن ال يقاس بالتقو� الفلكي وإ�ا باألحداثالتي تقع فيه. فالراعي يقيس الزمن بالفترة التي ولدت فيها النعاج8 ويقيسالفالح الزمن بالعودة إلى يوم البذر أو بالتطلع إلى يوم احلصاد8 فإذا كـانللنمو مدته وانتظامه8 فإن ما يكمن خلفه ليس ا>ادة واحلركة فحسب8 وإ�احقائق التطور: أي باالختصار8 التاريخ. وفي حX يتكون الزمن ا>يكانيكـيمن حلقات هي حلظات منعزلة متتابعة بشكل رياضي8 فإن الزمن العضوي...تراكمي في تأثيراته. وعلى حX أن الزمن ا>يكانيكي �كن xعنى من ا>عانياإلسراع به أو إرجاعه إلى الوراء8 كعقارب الساعة أو الصور السينـمـائـيـة8فإن الزمن العضوي ال يسير إال في اجتاه واحد-من خـالل تـعـاقـب ا>ـيـالدوالنمو والتطور واالنحالل وا>وت-وا>اضي الذي مات بالفعل يظل حاضرا

في ا>ستقبل الذي لم يولد بعد.- حسبما يذهب ثورندايك - أصبح تقسيم السـاعـات١٣٤٥وحوالي عام

إلى ستX دقيقة والدقائق إلى ستX ثانية أمرا شائعا: وهذا اإلطار اجملردللزمن ا>قسم هو الذي أصبح تدريجيا اإلطار ا>رجعي للفعل والفكر8 وفيمحاولة الوصول إلى الدقة في هذا اجملال ركزت استكشافات السماء الفلكية

.)٢(االهتمام على حركات األجرام السماوية ا>نتظمة الثابتة خالل الفضاء»

119

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

لم تكن الساعة8 بالقطع8 آلة في قوة احملرك البخاري8 فهي ال تستطيعأن حترك آالف األطنان فـي عـربـات الـسـكـك احلـديـديـة. إال أنـهـا قـدمـتموقفا إزاء الزمن جعل احملرك البخاري والسكك احلديدية وا>صنع أمورا�كنة. هذا ا>وقف اجلديد لم يكن مجرد الدقة في حساب الزمن والوعيبه8 وإ�ا كان اإلحساس بأن الزمن ذو وجود خاص منفصل عن عالم احلاجةXاإلنسانية والعمليات الطبيعية. وأصبح ينظر إلى الزمن شأنه شأن قوانالعلم اجلديد اآللية8 على أنه معيار مجرد8 ويفترض من البشر أن يتصرفواوفقا له. إن الزمن اآللي يتطلب منا أكثر �ا يتطلبه الزمن الطبيـعـي ألنـه�كن استغالله بشكل فعال8 كما �كن تبديده أيضا. فطوال الوقـت الـذيظل فيه عمال العصور الوسطى يفكرون في إطار «الوقت الذي تستـغـرقـهصناعة منضدة» أو «الوقت الذي تستغرقه نزهة إلى ا>دينة» كان محاال أنيتأخروا أو يقصروا. إذ لم يكن هناك مجال للقول إنهم صنعوا منضدة فيزمن أطول أو أقصر من «الزمن ا>طلوب لصناعة ا>نضدة»8 ولو طـلـب مـنإنسان أن يصنع منضدتX في ذلك الوقت لكان ذلك مطلبـا �ـتـنـعـا. ولـنيصبح هذا �كنا إال بعد اختراع الثواني والدقائق والـسـاعـات-أي الـوقـتاجملرد. فلما استقل الوقت اجملرد القابل للقياس عن النـشـاط اإلنـسـانـي8أمكن توقيت هذا النشاط. وأتاح التوقيت تنميط الوظائف وتنسيقها8 ولوال

هذا ما كان ا>صنع احلديث ليصبح �كنا.ولم يكن من ا>مكن ملء العالم باآلالت إال بعد أن أصبح قابال للقياسالدقيق بطريقة ال عالقة لها باإلنسان. فقد كان على أجزاء اآللة أن تعملفي الوقت احملدد �اما-«كالساعة». لكن أجزاء اآللة كان ينبغي تصميمهـاوبناؤها بدقة8 أي كان يجب قياس كل جزء بدقة. وهكذا أصبحت ا>قاييسا>وحدة واجملردة للمسافة والوزن (األمتار والسنتمترات واألرطال واألوقيات)

ضرورية ضرورة مقادير الوقت ا>وحدة.

التصنيع: املساحات النمطية واألجزاء القابلة لالستبدالكانت اآلالت القليلة التي وجدت إبان العصور الوسطى (كما هو احلالفي كل مجتمع آخر تقريبا قبل الثورة الصناعية) مثل طاحونة ا>اء والهواءأو عجلة صنع الفخار8 مصنوعة حسب الطلب على حد التعبير الشائع في

120

الغرب والعالم

أيامنا هذه. فلم تكن هناك آلتان متطابقتان �اما8 بل كانت كل آلة تصـنـعحسب احتياجات أو مزاج احلرفي أو الناس الذين ينوون استخدامها. كانمن الضروري-بطبيعة احلال-أن يعشق الترس في اآلخر8 ولكن لم يكن هناكترس أو مفك أو رافعة أو أي شيء آخر ذو حـجـم مـوحـد. فـكـل آلـة كـانـتتصنع لتؤدي ا>همة اخلاصة ا>طلوبة8 وكثيرا ما كان التحدي الذي يالقيـه

احلرفي في كل عمل جديد يثير قدراته اإلبداعية.ولقد كان إجناز الثورة الصناعية الفريد هو اإلنتاج الهائل الذي � منخالله توحيد اآلالت وقد أصبح إنتاج الـسـلـع عـلـى هـذا الـنـطـاق الـضـخـم�كنا ألن اآلالت كانت تصنعها-كل سلعة مثل األخرى-8 فهذه هي الطريقةالوحيدة التي تنتج بها اآلالت األشياء. وحتى اآلالت ذاتها متماثلة8 بحيث أنأية آلتX كانتا تنتجان ا>نتجات نفسها بالضبط. وهذا يعني أن أجزاء اآللةيجب أن تصنع وفق مقياس موحد حتى �كن استبدالهـا وتـغـيـيـرهـا. وقـداخترعت األجزاء ا>تماثلة التي �كن استبدالها ألول مرة من أجل البنـادقالقد�ة تلبية الحتياجات احلرب القائمة أو ا>توقعة. وقد حدث هـذا فـي

(إبان الثورة الفرنسية) وفي الواليات١٧٨٥وقت واحد تقريبا. في فرنسا عام .Eli Witney على يد إيلي ويتني ١٨٠٠ا>تحدة األمريكية عام

و�كننا أن ندرك أهمية ابتكار القطع التي �كن استبدال أخـرى بـهـا8إذا تـذكـرنـا دهـشـة تـومـاس جـيـفـرسـون حــX أهــداه اخملــتــرع الــفــرنــســي

(وكان جيفرسون آنذاك مبعوثا أمريكيا فـي فـرنـسـا) زنـود LeblancلوبـالنخمسX بندقية مفكوكة. فقد أرسل جيفرسرن خـطـابـا ألهـلـه يـقـول فـيـه:«لقد وضعت بعضها بنفسي8 فأخذت القطع... كيفما اتفق8 وقد ركبت فيمواضعها على أكمل وجه. وفوائد هذا األمر8 حينما حتـتـاج األسـلـحـة إلـىإصالح8 مسألة واضحة»? وأولى السلع التي أنتجت على هذا ا>ستوى الواسعالنطاق هي البنادق القد�ة8 يتلوها األزياء الرسمية للجيوش الغربية8 إذ لم

-١٨٠٠تكن هناك أية مؤسسات أخرى في اجملتمع الغربي-في حـوالـي عـام بوسعها أن تطلب مثل هذه الكميات الهائلة من السلع الـتـي تـتـطـلـب إنـتـاجاآللة. ولكن بالرغم من أن التكنولوجيا الصناعية اجلديـدة ولـيـدة احلـرب8فقد أصبحت (مع بداية القرن العشريـن) مـصـبـاح عـالء الـديـن الـسـحـري

إلنتاج كميات خيالية من السلع االستهالكية.

121

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

واليوم تنتج اآلالت كل شيء من القمصان واألقالم اجلافة إلى الطائراتوالبيوت وأصبح من الصعب اآلن شراء أي شيء مصنوع باليد. وميزة إنتاجXاآللة ال ترجع إلى أن قطع الغيار متاحة دائما ألن األجزاء ماثلة كمـا تـبـجيفرسون8 بل ترجع أيضا إلى أن اآللة �كنها أن تنتج كمية كبيرة من السلعا>تماثلة بتكلفة تقل كثيرا عن تكلفة السلـع نـفـسـهـا لـو أنـتـجـهـا جـيـش مـن

حرفي العصور الوسطى يتقاضون أجور الكفاف.وال سبيل إلى الشك في القيمة اإلنسانية إلنتاج اآللة8 وأفضليتـه عـلـىاإلنتاج اليدوي8 فاألمر أوضح من أن يحتاج إلى بـيـان8 لـوال بـعـض ا>ـزاعـما>تطرفة التي يطرحها ا>تحمسون من دعاة األعمال اليدوية «والعودة إلـىالطبيعة». إننا قد نشكو من رداءة بعض منتجات اآللة8 وقد نستمتع بصناعة

د إحساسا حقيقيا باإلجناز)8 ولـكـن اآللـةبعض األشياء بأنفسنا فـهـذا يـولتستطيع أن تصنع أي شئ يصنعه احلرفي (أو حتى الفنان) ألنها ليست إالازدواجا آليا للعمل اإلنساني8 واجملتمع الصناعي ال �نـعـنـا مـن أن نـصـنـعاألشياء بأنفسنا إذا شئنا8 فما اآللة سوى اختزال للـعـمـل اإلنـسـانـي8 وهـيبهذا الوصف ذات قيمة ال نظير لها في صنع األشياء بسرعة تفوق الصناعةاليدوية8 وفي صنع األشياء أكثر �ا يقدر عليه العـمـل اإلنـسـانـي والـعـمـل

احليواني xفردهما.

مصادر الطاقة: الريح واملاء في مقابل الفحم واحلديدترجع السمة التي تكاد تكون «سحرية» لآلالت (صنع األشياء آليا8 بنفسها)إلى أنها تسخر مصادر للطاقة غير العضالت اإلنسانية واحليوانية. وأقدماآلالت8 مثل الطاحونة ا>ائية (التي ظهرت منذ أكثر من ألفي عام) والطاحونةالهوائية (التي استخدمت في األلف سنة األخيرة) تستخدم مصادر للطاقةال �كن أن تستنفذ8 فاجملاري ا>ائية والرياح ال �كن أن تنضـب8 وإن كـانيصعب التنبؤ بها أحيانـا. وهـي ال تـنـضـب8 بـل إن قـوتـهـا ال تـتـنـاقـض بـعـداستخدام الطاقة ا>تولدة منها. فالريف الهولندي في القرن السابع عشر لميواجه قط نقصا في الطاقة بإقامة ا>زيد وا>زيد من الطواحX الهوائيـة.وبعض األنهار ا>تدفقة بسرعة في إجنلترا ونيو إجنالند استطاع في القرنالثامن عشر أن يولد القوة الالزمة إلدارة كل الطواحX ا>ائية التـي أمـكـن

122

الغرب والعالم

تشييدها.واحلقيقة احليابيئية األساسية بالنسبة للتصنيع الكامل الـذي بـدأ فـي

هي استخدام مصادر الطاقة التي ال �كن تعويضها.١٨٠٠الغرب في سنة فبدال من زيادة كفاءة الريح وا>اء بوصفهما8 مصادر للـطـاقـة8 اجتـه رجـالالصناعة إلى الوقود األحفوري ا>ستخرج من األرض-وخاصة الفحم والبترولوالغاز-وهي مصادر ال �كن تعويضها بسبب الزمن الذي استغرقته الطبيعة

في تكوينها.إن الفحم والبترول والغاز تكونت عبر ماليX وماليX من السنX بتأثيرالشمس على الكائنات احلية وثاني أوكسيـد الـكـربـون وا>ـاء. واألمـر يـبـدوXوكأن هذا الكنز من الطاقة قد اكتشف فجأة في ا>ائـتـي سـنـة األخـيـرتـوجرى استهالكه في التو فخالل هذه الفترة كنا نعيش في زمن مستعار منغيرنا.. ويرى بعض اخلبراء أن هذا االحتياطي الثمX سوف يتم استهالكه

.٢٠٠٠بحلول عام ومن احملتمل بطبيعة احلال أن جند مصادر جديدة للطاقة لتحل محلالوقود األحفوري. لكننا سلكنا الطريق السهل8 فأسرفنا في تبـديـد كـنـزنـاوكأن الغد لن يأتي8 ومن ا>شكوك فيه أن االكتشافات اجلديدة سوف تأتي

في الوقت ا>ناسب أو ستكون كافية لتحافظ على معدل �ونا.لقد استخدم الفحم واإلسفلت والبترول والغاز الطبيعي من حX آلخرفي األزمنة القد�ة للتسخX واإلضاءة-ولكن بكميات ضئيلة للغاية. ولعلنابدأنا نعيش على زمان مستعار منذ اللحظة التي واجهت فيها إجنلترا (إبانالقرن الثامن عشر) نقصا في اخلشب8 ووجدت أن من األسهل استـخـراج

١٥ حوالي ١٨٠٠الفحم بكميات كبيرة. فقد استخرج العالم من الفحم عـام مليـون طـن١٠٠8 إلى اكثر مـن ١٨٥٠مليون طن سنويا8 وزادت الـكـمـيـة عـام

مليون طن سنويا.١٥٠٠ إلى حوالي ١٩٥٠ووصل ا>عدل في عام بالتغيرات في أوضاع١٨٠٠وقد ارتبط ارتفاع إنتاج الفحم من أوائل سنة

اآللة البخارية فقد استخدمت هذه اآللة أول ما استخدمت لرفع ا>ياه منا>ناجم8 وعمل الفحم ا>ـسـتـخـرج مـن ا>ـنـاجـم عـلـى إبـقـاء اآللـة دائـرة. ثـماستخدمت اآلالت البخارية التي تعمل. بالـفـحـم لـتـقـد� الـطـاقـة الـالزمـةلقاطرات السكك احلديدية األولى. التي استخدمت لنقل الفحم من ا>ناجم.

123

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

إن الفحم والبخار شيدا سويا حضارة احلديد في القرن التاسع عشر.وكان الفحم هو الوقود ا>تاح بشكل أكبر وأكثر فـاعـلـيـة مـن أي وقـود آخـرلصهر خام احلديد وتوليد البخار على السواء. واستخدمت الكميات الهائلةاجلديدة من احلديد لبناء محركـات بـخـاريـة أقـوى وسـكـك حـديـديـة أكـبـروأفران صهر عالية أكبر (تتطلب مزيدا من الفحم إلنتاج مزيد من احلديد).ولقد كانت احلضارة القائمة على التعدين-الغرب الصناعي في القرن التاسععشر-متنافرة بصورة أساسية مع البيئة الطبيعية. وكما الحظ �فورد «أنالتعدين صناعة سارقة». فا>نجم سرق من األرض طاقتها ا>تراكمة8 وسلبأجيال ا>ستقبل ما � ادخاره في دهور. وهو يسـرق الـضـوء والـعـافـيـة مـنعمال ا>ناجم8 ويسرق من أسرهم الهواء وا>اء النقيX. وسيكولوجية حضارةالتعدين تظهر أوضح ما تكون في «اندفاعات» القرن التاسع عشر «ا>هووسة».فقد شهد هذا العصر هوس الذهب واحلديد والنحاس والبترول في تسابقعموم نحو استغاللها استغالال ال هوادة فيه. إن حياة معسكرات الـتـعـديـنالتي ال يسودها أي قانون8 والتي كانت تتسم بطابع معاد للمجتمع8 لم تكنإال النتيجة ا>نطقية حلضارة التعدين. ولم تكن عقلية احلصول على الثراءالسريع والتدمير اخمليف للطبيعة بسبب االندفاع ا>هووس للحصـول عـلـى

ا>عادن إال امتدادا جلنون اجملتمع األكبر احملموم الذي ال يعرف الصبر.ولقد صبغ احلديد والفحم كل جوانب التصنيع في القرن التاسع عشربلونه اخلاص الذي كان يتدرج من األسود إلى ظالل مختلفة من الرمادي.وحتى زي رجال الصناعة الرسمي (كما يالحظ �فورد) أعني ربطة العنقالسوداء والبدلة السوداء واحلذاء األسود والقبعة احلريرية العالية السوداء-يعكس سواد مناطق الفحم8 التي كانت تسمى في إجنلترا «ا>نطقة السوداء».كما أن ا>باني واجلسور احلديدية الرمادية-وهي إجنازات حضارة التعدينالكبرى-غطاها السواد بسبب السناج والرماد ا>تطايـر مـن أفـران الـصـهـرالعالية التي كانت تقذف من الوقود األسود الصالح لالستعمال xقدار ما

كانت احلضارة كلها مـن بـتـسـبـورج إلـى١٨٥٠كانت تستهلك. وبـحـلـول عـام وادي الرور في أ>انيا تبدو وكأنها في حالة حداد. لقد كان التلوث والنفاياتوجهX للعملة نفسها8 ولقد اقترح بنيامX فرانكلX أن يتم جتميع السـنـاجوالدخان اللذين يلوثان الهواء ويعاد استخدامهما في األفران لتوفير مزيد

124

الغرب والعالم

من الطاقة وإبقاء الهواء نقيا. وعلى الرغم من أن رجال الصناعة قد أدركواأن دخانهم وغازهم الزائدين لم يكـونـا سـوى طـاقـة لـم حتـتـرق8 فـإنـهـم لـميعبأوا باحلفاظ عليها إال نادرا. إذ كان حفر بئر بترول آخر8 أو فتح منجمآخر8 أو تسوية جبل آخر باألرض8 أرخص دائما من زيادة كفاءة ما لديهم.وكانت رموز القوة أهم لديهم من نوعية البيئة. فمدخنة ا>صنع التي حتجب

النور الطبيعي بضباب دائم فوق ا>دن الصناعية كانت رمز االزدهار. البخـاريـةJames Wattلقد كانوا يؤثرون الضجة التـي حتـدثـهـا آلـة وات

بوصفها رمزا من رموز القوة-على الرغم من محاوالت وات أن يخفض منصوت اآللة-�اما مثلما رفع صناع السيـارات فـيـمـا بـعـد صـوت مـحـركـات

السيارات بسبب قيمته الرمزية.إن الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر هاجمت بيئة الدول الغربيةبعدة طرق. فا>ناجم شوهت الريف8 أمـا الـعـوادم ودخـان األفـران ومـعـامـلالتكرير وا>صانع فلوثت اجلو واألنهار8 وشقت السكك احلديدية طـريـقـهـاعبر الغابات وا>زارع لتجعل مناطق بأسرها جـزءا مـن الـنـظـام الـصـنـاعـينفسه ولعل حـجـم الـصـنـاعـة اجلـديـدة الـهـائـل هـو الـذي تـرك أكـثـر اآلثـاراحليابيئية سوءا. فعندما كانت ا>ياه والرياح والقوة احليوانية هي ا>صادرالرئيسة للطاقة (كما كان احلال حتى القرن الثامن عشر) كان من ا>مـكـنإدارة ا>صانع والطواحX على مستوى محلي نسبيا8 بحيث �كن لكل منطقةمحلية أن تشتغل بعدد من احلرف اخملتلفة. ولعل زيادة تركيز الصـنـاعـاتفي مكان واحد لم يكن أمرا ضروريا. ففي القرن الثامن عشر كانت هناكمصانع للحديد تكتفي باستخدام احلديد في ا>ستنقعات احمللية. وكثيرا ماكانت هذه ا>صانع تفتقر إلى الكفاءة8 ولكنها عندما كانت تفرغ عادمها فياألنهار احمللية لم تتسبب إال في دمار بيئي بسيط ألن العادم كان قليال. أماأصحاب ا>ناجم في القرن التاسع عشر فقد اسـتـخـرجـوا كـمـيـات كـبـيـرة8وحفروا ا>ناجم في جبال بأكملها بحثا عن ا>عدن اخلام أو الوقود. وترتبعلى هذا أن تركزت الصناعات في ا>ناطق الواقعة بالقرب من هذا اخملزونالوفير في باطن األرض8 وأصبحت أماكن مثل بيتسبورج وديترويت مراكـزصناعية ألنها كانت قريبة من مصـدر ا>ـواد اخلـام أو الـطـاقـة8 وأصـبـحـتالفالحة والصناعات الصغيرة في هذه ا>ناطق ثانوية. وكان تركيز الصناعة

125

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

بالقرب من هذه ا>ناطق يعني تدهورا كامال للبيئة. إذ كـانـت نـفـايـات هـذها>ناجم وا>صانع أكثر من أن تستوعبه البيئة احمليطة. وأقيمت ا>دن الضخمةقرب هذه ا>واقع8 فزادت فضالت اإلنـسـان مـن احلـمـل الـفـادح الـذي كـان

يثقل كاهل اجلو واألنهار.ولقد �كنت الثورة الصناعية في القرن العشرين8 من بعض النـواحـي8من التغلب على ا>صاعب التي واجهت التصنيع في مراحله األولى. فاكتشافالكهرباء مصدرا للطاقة جعل في إمـكـان كـل بـلـدة أو حـتـى قـريـة أن تـولـدطاقتها اخلاصة. وكان كل ا>طلوب شيئا من الريح أو أي مصدر ماء �كنحتويله إلى مولد كهربائي محلـي. وحـتـى نـظـافـة ا>ـرحـلـة الـسـابـقـة (عـلـىالتصنيع)8 أي مرحلة توليد الطاقة من الريح وا>اء-كان من ا>مكن استعادتها.

كانت اإلمكانية قائمة8 لكنها نادرا ما استغلت.وتتميز الكهرباء أيضا بأن نقلها أسهل من الطاقة ا>تـولـدة مـن الـفـحـمفاألسالك الكهربائية التي تنقل األحمال الكبيرة من الكهرباء ال تفقد سوىمعدل صغير من الطاقة أثناء نقلها عبر مسافات طويلة8 و�كن نقل الطاقةبطريقة أرخص بكثير من تكلفة شحن الفحم في قاطرات السكك احلديدية.زيادة على ذلك فمن السهل حتويل الكهرباء إلى طاقة محركة ألداء العمـلا>يكانيكي واإلضاءة واحلرارة. كما أن الزيادة في حجم اآللة الكهربائية التزيد من كفاءتها بنفس القدر الذي يحدث فيه ذلك مع اآلالت الـبـخـاريـة.وعندما يستخدم توربX مائي فإن تكاليف الطاقة ا>تولدة تقل إلى الشيءتقريبا. وحتى عندما يتم توليد الكهرباء xحطات قوى مركزية8 فإن الشبكة�كن أن تعمل بكفاءة عالية. وال يضيع هباء التيار عندما ال يستخدم8 كماأن من السهل نسبيا مد تيار إلى تلك ا>ناطق التي حتتاجها أكثر في وقـتالطوار�. كذلك فإن بوسع الطاقة الكهربـائـيـة أن جتـعـل ا>ـنـاطـق احملـلـيـةقادرة على أن تفي باحتياجاتها للطعام وجملموعة مركبة من السلع الصناعية

دون أن تصبح معتمدة على صناعة واحدة.باالختصار8 لقد وفر القرن العشرون مصادر جديدة للطاقـة (بـعـضـهـامثل توربينات ا>اء والطاقة الشمسية واحلرارة الكامنة في درجات احلرارةاخملتلفة بطبقات األرض التي لم تستغل xا فيه الكفاية) وما كانت لتحتاجإلى شبكة الطرق والسكك احلديدية ا>عقدة التي ظهرت في القرن التاسع

126

الغرب والعالم

عشر.واكتشافات القرن العشرين تسمح للصناعة بأال تكـون مـركـزيـة8 ولـكـنأولئك ا>هيمنX على مصادر الطاقة القد�ة اكتفوا بإضافة ا>صادر اجلديدة

>صادرهم األخرى8 ومن ثم لم تتغير األمور سوى تغيير طفيف.

هل الرأسمالية مسؤولة؟قامت الثورة الصناعية8 التي غيرت وجه العالم الغربي في القرون القليلةا>اضية8 على التنظيم الرأسمالي لالقتصاد واجملـتـمـعx 8ـعـنـى أن مـعـظـمالقرارات كانت تتخذ لـصـالـح األربـاح اخلـاصـة. ورxـا لـم يـكـن ذلـك أمـرامحتوما. ففي اآلونة القريبة حاول الروس والصينيون وغيرهم من اجملتمعاتالتي تسمي نفسها اشتراكية التصنيع على أساس ا>لكية العامة ال اخلاصة8واتخاذ القرار اجلماعـي ال الـفـردي8 وجنـحـوا فـي ذلـك إلـى حـد مـا. ومـنا>ؤكد أن هذه احملاوالت لم تسلم من تلوث البيئة أو تبديد ا>صادر الطبيعيةأو غير ذلك من إساءة للبيئة. وقد يكون إخـفـاقـهـا أو جنـاحـهـا راجـعـا إلـىاالقتصاد االشتراكي-أو رxا إلى شـيء آخـر8 فـهـذا أمـر يـصـعـب حتـديـده8ولعل كل ما بوسعنا أن تفعله هو أن نحاول أن نحدد إلى أي مدى أدى النمط

اخلاص كتنظيمنا االقتصادي إلى أزمتنا البيئية أو زاد من حدتها.و�كن أن نطرح ا>سألة بعدة طرق: هل ا>شكلة تكمن في اآللة أم فـيالطريقة التي ينظم بها االقتصاد الرأسمالي اآلالت ويسـتـخـدمـهـا? أم أنـهكان من ا>مكن-إذا اتفقنا على أن اآللة قد قامت بنصيبها من الضرر (وكذلكمن النفع)-أن يـؤدي اسـتـخـدام جـمـاعـي أو مـؤ� لـآللـة إلـى جتـنـب بـعـضمشكالتنا اخلطيرة8 وال يزال أمامنا الفرصة لذلك? إن لويس �فورد يقدم

عريضة. االتهام بجالء:«كانت بعض السمات ا>ميزة للرأسمالية الفردية هي التي جعلت اآللة-وهي عامل محايد-تبدو في كثير من األحيان وكأنها ال تعبأ باحلياة اإلنسانية

وال تكترث xصالح البشر8 بل كانت أحيانا عنصرا خبيثا في اجملتمع.لقد عانت اآللة من آثام الرأسمالية8 وعلى العكس من ذلك فإن الرأسمالية

.)٣(كثيرا ما نسبت لنفسها فضائل اآللة»إن السؤال احلقيقي-عندما نقارن مضار اآللة xساو� الرأسمالية-هو

127

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

أيهما �كن االستغناء عنه (إن كان ذلـك �ـكـنـا). هـذه هـي ا>ـسـألـة الـتـييجاهد �فورد لإلجابة عنها. وقد استنتج أن اآللة محايـدة8 وأنـهـا �ـكـناستخدامها للخير أو للشر8 وأنها تستطيع أن تبث احلياة في العالقة القائمةبX البيئة واحلياة في عا>نا أو تدمرها. فإذا سلمنا بنتائجه فإننا مضطرونإلى أن نسأل: >اذا استخدمت اآللة أساسا لتسخير الطبيعة8 و>اذا استخدمتعلى هذا النحو من القسوة والتبديد? قد يكمن اجلواب في أفكارنا ومواقفناجتاه الطبيعة كما أ>عنا في حتليلنا للثقافة اليهودية/ ا>سيحية. وقد يكمن

أيضا في تنظيم مجتمعنا من الناحية االجتماعية واالقتصادية.لقد ألقى �فورد والنقاد اآلخرون اللوم على الرأسمالية لتسببـهـا فـيمشكالتنا احليابيئية وذلك لعدة أسباب. وأقوى احلجج التي يسوقونها هيأن الرأسمالية-من الناحية ا>ثلى-نظام ا>شروع اخلاص والتـحـكـم والـربـح8على حX أن علم احليابيئية هو اهتمام عام8 ولعله أكثر اهتماماتنا العامـةأهمية. وبعبارة أخرى8 فحX تعمل الرأسمالية على أكمل وجه8 وبأقل تدخل8فإن كل القرارات اخلاصة باستخدام الثروات وإنتاج السلع يصدرها8 علىنحو فردي خاص8 من �لكون الثروات والسلع. وهم يتخذون قراراتهم فيإطار ما سيحقق لهم أكبر قدر من األرباح وحسب. وبطبيعة احلـال �ـكـنأحيانا أن يقوم الربح اخلاص بتلبية االحتياجات العامـة بـل واحلـيـابـيـئـيـة8فبعض الشركات اخلاصة هذه األيام8 على سبيل ا>ثال8 جتني كل أرباحهـامن إنتاج أجهزة وسلع >كافحة تلوث البيئة وبيعها. غير أن نقاد الرأسماليةيذهبون إلى أن مثل هذه احلاالت �ثل استثناءات من القاعدة8 وهم يصرونعلى أن نظام ا>لكية واألرباح اخلاصة هو نظام يعمـل عـادة ضـد ا>ـصـالـحاالجتماعية أو العامة. وهم يذهبون إلى أن نظام ا>لكية اخلاصة ال ينشغلعلى أكثر تقدير بالقضايا االجتماعية أو العامة إال حX يكون الربح ا>مكنحتقيقه من خاللها أكثر منه في النشاطات األخرى. ويفضل هؤالء النقـادأن يروا ا>ـشـاريـع والـصـنـاعـة وقـد كـرسـت جـهـودهـا لـتـلـبـيـة االحـتـيـاجـات

االجتماعية طول الوقت8 وليس حX تتاح فرصة للربح األكبر وحسب.ولقد ذهب ا>دافعون عن الرأسمالية أحيانـا إلـى أن ا>ـصـلـحـة الـعـامـةتلبي على أكمل وجه عندما يسلـك كـل فـرد بـشـكـل مـسـتـقـل عـن اآلخـريـنطريقا بحثا عن مصلحته اخلاصة. وقد كتب فيلسوف االقتصاد االسكتلندي

128

الغرب والعالم

8 يقول إن السوق الرأسمالـيـة١٧٧٦8آدم سميث في مؤلفه ثـروة األ�8 عـام التي تعمل وفق قانون العرض والطلب8 تضمن دائما-وكأنها «يد خفيـة»-أن

تكون الفائدة التي تعود على األفراد وعلى اجلماعة شيئا واحدا.«إن كل فرد.... ال يقصد العمل من أجل ا>ـصـلـحـة الـعـامـة كـمـا أنـه اليعرف كيف �كن أن يفعل ذلك.. .. فهوال يـبـغـي سـوى أمـنـه اخلـاص... .وربحه اخلاص فحسب. وهو في هذا... مدفوع بيد خفية لـتـحـقـيـق غـايـةليست جزءا من مقصده... وهو باتباع مصلحتـه اخلـاصـة يـعـمـل مـن أجـل

».)٤(صالح اجملتمع بفاعلية أكبر �ا لو قصد بالفعل أن يفعل ذلك فأصحاب ا>صانع-حسب تصور آدم سميث-سيرغمون دائما على إعطاءاجملتمع ما يريده بالضبط بالثمن الذي يرغب في دفعه8 مادام كل ا>شترينوالبائعX يتصرفون باستقالل وبأنانـيـة. فـحـX يـريـد اجملـتـمـع مـزيـدا مـنالقفازات8 سترتفع أسعار القفازات8 بحيث أن ناسا جددا سيدخلون الصناعةويصنعون ا>زيد من القفازات8 ومن ثم تنخفض األسعار فـي نـهـايـة األمـر.وعندما تنخفض أرباح القفازات عن الربح ا>توقع من صناعة األحذية فإنأصحاب مصانع القفازات سينتقلون بدافع من ا>صـلـحـة الـشـخـصـيـة إلـىصناعة األحذية. ولكن أصحاب مصانع األحذية الذين رفعوا أسعارهم إلىمستوى أعلى بكثير من سعر الطلب سيدفعهم إلى اإلفالس أولئك الصانعوناجلدد الذين يبيعون بأسعار أقل. وأصحاب ا>صانع الذين يحاولون تخفيضأجور عمالهم سيفقدونهم ألنهم سيعملون في شركة أخرى ولن يستطيع أيصاحب مصنع أن يستمر في عمله إال بقدر ما يظل ينتج ما يريده اجملتمعبالضبط بسعر أعلى قليال من التكلفة. أما التصادم بX أصحاب ا>صانـعفمستحيل دائما8 فإذا رفعوا األسعار بشكل مصطنع فـسـوف يـكـون هـنـاك

دائما من يبيع بثمن أقل.وال بد أن أ�وذج ا>شروع الرأسمالي الذي طرقه آدم سميث كان معقوال

وإال >ا أخذ على محمل اجلد. لقد كانت خطـة مـتـوازنـة بـشـكـل١٧٧٦عام دقيق. وكانت فكرة قوانX السوق التي ال تقهر تبدو معقولة إلى أبعـد حـدبالنسبة لألوربيX الذين اعتادوا منذ عهد قريب النظر إلى األرض والسماءعلى أنهما خاضعتان لقوانX الطبيعة اآللية التي تشبه الساعة الـدقـيـقـة.وقد خلبت تلك الفلسفة الباب أصحاب ا>صانع8 ألنها جعلت من سلوكـهـم

129

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

األناني فضيلة اجتماعية. بل �كـن الـقـول إن فـلـسـفـة آدم سـمـيـث. كـانـتxعنى من ا>عاني مطابقة للواقع. فاالقتصاد الصناعي كان في أول عهـدهفي إجنـلـتـرا مـكـونـا مـن عـدد مـن أربـاب الـصـنـاعـات ا>ـتـنـافـسـ8X وكـانـتالتكنولوجيا بسيطة بحيث تسمح للعمال وأرباب الصناعات بتغيير عملهـمعندما يتغير الطلب. وكان وجود عدد كبير من أربـاب الـصـنـاعـات فـي أيمجال يؤدي إلى زيادة حدة ا>نافسة. وال بد أنه الح لكثيرين مـن أصـحـابا>شاريع الصناعية الرواد هؤالء أنهم كانوا يتصرفون وفق «القوانX اخلفية»التي �ليها احتياجات اجملتمع. لقد كانت األسعار تتقلب تقلبا سريعا8 و بداوكأن الثروات وحظوظ الناس تتبعها في تقلبها8 فكان األفراد ينتقلـون مـن

األسمال إلى الثراء وبالعكس.Xعلى أن أ�وذج آدم سميث للمجتمع الرأسمالي كان ينطوي على مشكلتXعلى األقل. أوالهما أن افتراض تـسـاوي الـقـدرة عـلـى الـشـراء والـبـيـع بـاجلميع لم يكن ينطبق قط على العمال أو الفقراء8 حتى لو كان منطبقا علىعدد كبير من أرباب الصناعات. وثانيهما أن ا>نافسة النسبـيـة بـX أربـابالصناعات لم تدم طويال. فبعض الرأسماليX �ن هم أكثر ثراء8 استطاعأن يستخدم ثرواته وسلطته السياسية ومكانته >نع التحديات التي قد يواجههامن الشركات األكثر شبابا وجرأة. فتمكنوا من تثبيت األسعار وادعاء زيادةنفقاتهم واحتكار الصناعة واستغالل احلكومة لتحقيق أغراضهم وإنه >مايدعو إلى السخرية أن أكثر الرأسماليX األوائل جناحا هم الذين قـوضـواالرأسمالية ا>ثالية. فبعد وقت من اقتراح آدم سميث مجتمعا تنظمه السوقاحلرة دون أي تدخل من احلكومة8 أقام أرباب الصناعات الناجحون حكوماتقومية أقوى من تلك احلكومات. كان سميث قد شكا منها. واستغل أربابالصناعات هذه احلكومات إلقامة البنوك وتقد� األرض والثروات8 وتقد�دعم >صروفاتهم8 وتقد� احلماية اجلمركية8 وحماية الشركات الكبرى من

.Xاحملتمل Xا>نافسولعله كان من ا>مكن أل�وذج آدم سميث أن يـنـجـح لـو أن كـل فـرد بـدأXبكمية األموال عينها. ولو أنه أصبح من ا>ستحيل �اما على األثرياء ا>ؤقتأن يصبحوا أثرياء دائمX بتحويل أموالهم إلى قوة سياسية. ولكن لم يبدأاجلميع على قدم ا>ساواة8 ولم تكن السوق هي ا>نظم الـوحـيـد أو ا>ـصـدر

130

الغرب والعالم

Xالوحيد للسلطة. والواقع أن اجملتمع الرأسمالي لم يكن قط مجتمع منتجمتساوين مستقلX. ففي أيام آدم سميث كانت هناك احتكارات. (وقد ألفكتابه في واقع األمر >عارضة احتكارات شركات مثل شركات جتارة الهـنـدالشرقية والغربية).. ومنذ ذلك الوقت كانت هناك احتكارات. ولـو وجـدتسوق حرة تتاح فيها فرصة متكافئة لكل فرد للبحث العلمي وبراءات االختراعوالصناعة وا>صارف8 يضاف إليها (في هذه األيام) وسائل الدعاية واإلعالن8ألمكن منع التراكمات اخليالية للسلطة في يـد األقـلـيـة. ولـكـن هـذا مـا لـم

يسمح الفائزون بوقوعه قط.وعلى ذلك فعندما نتحدث عن الرأسمالية في العالم احلقيقي يجب أنننظر إلى تأثيرات الفروق الطبقية والالمساواة والتركيز االقتصادي. وليسبوسعنا أن نظل موقنX بأن يد السوق اخلفية ستسعى إلى خلق االنسجامبX ا>صالح األنانية وا>صالح العامة.. إن الـربـح اخلـاص لـم يـعـد ربـح كـلواحد منا مستقـال عـن اآلخـر (وأشـك أنـه كـان كـذلـك فـي يـوم مـن األيـام)فالربح اخلاص هو ربح األقلية التي �لك أعضاؤها معظم األسهم أو يديرونمجالس إدارات الشركات الكبـيـرة. ويـجـب أن نـسـأل إن كـان هـؤالء الـذيـنيديرون هذه الشركات يعملون من أجل صاحلنا عـنـدمـا يـعـمـلـون مـن أجـل

صاحلهم هم. وإنه حقا لسؤال مختلف كل االختالف.

احليابيئية والرأسمالية املثلىقبل أن نحاول أن جنيب عن هذا السؤال ينبغي أن ننظر إلى بديل آخر-ماذا لو استطعنا أن جنعل أ�وذج آدم سميث فعاال? وليس يعنينا ها هنا أناأل�وذج ليس فعاال اآلن وأنه لم يكن كذلك قط في ا>اضي8 فمن ا>مكن8نظريا على األقل8 أن نصلح اجملتمع احلالي بأن جنعله أكثر رأسمالية �اهو حاليا. وهذا ما يقترحه بعض الفالسفة والسياسيX احملافظX. والواقعأن كثيرا من التشريعات وقرارات احملاكم لتحطيم االحتكارات منـذ نـهـايـةالقرن التاسع عشر كان يهدف إلى حتقيـق هـذه الـغـايـة. فـمـاذا لـو وجـدنـاطريقة مضمونة لتجنب التركيز االقتصادي8 وإلعطاء كل فرد فرصة متساويةنسبيا لكي يحقق الثراء8 وطريقة تضمن أن كل جـيـل سـيـبـدأ مـن الـنـقـطـة

%). سيكون بوسعنا على١٠٠نفسها تقريبا (بفرض ضريبة ميراث تصل إلى

131

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

األقل8 عندئذ8 أن نرغم كل مصنع أو فرع مـن الـشـركـات الـكـبـرى عـلـى أنيصبح مستقال8 وأن نلغي ا>ساعدة التي تقدمها احلكومة أو ترغمها عـلـىتقد� ا>ساعدة لألعمال التجارية الصغيرة باحلماس نفسه الذي تساعـدبه الشركات العمالقة التي تعمل فـي أبـحـاث الـفـضـاء. وحـتـى نـكـون أكـثـرحتديدا: ماذا لو أن شركة جنرال موتورز لم تكن تستطيع أن تصـنـع سـوىالسيارات فحسب8 أو أن كل مصنع من مصانع شيـفـرولـيـه كـان مـسـتـقـال8وأرغم على التنافس مع ا>صانع األخرى للحصول على الـعـمـال والـصـلـب8ماذا لو كان ال يزال في وسع الشركة الصغيرة التي �لك األفكار والطاقة8أن تخوض ميدان صناعة كبيرة دون أن تواجه جبروت الـشـركـات الـكـبـرى

العمالقة?في مثل هذا اجملتمع قد يكون من األيسر تلبية احتياجـات اجـتـمـاعـيـةمعينة. وسوف يستحيل على أرباب صناعة السيارات التآمر ضد مطـالـبـةاجلمهور xحركات أنظف. ولن يكون بوسعهم شـراء االخـتـراعـات ا>ـفـيـدةاجتماعيا يهدف تدميرها وحسب. وقد ال تكون لديهم ا>وارد الكافية إلنفاقا>اليX بهدف طرد ا>نافسX األكثر كفاءة8 وإن كانوا أقل ثراء8 من السوقعن طريق الدخول في قضايا تكلف الكثير(وال يقدر على خسـارتـهـا سـوىالعمالقة) أو عن طريق تخفيض أسعار السلع موضوع التحدي >دة مؤقتة.فمن ا>ؤكد أن قدرا أكبر من ا>نافسة سيـجـعـل الـشـركـات أكـثـر اسـتـجـابـة

لالحتياجات ا>تغيرة لدى اجلماهير.ولكن ثمة مشكلة في هذا اجملتمع الرأسمالي األمثل تتغلغل حتى جذوره.فكلما كانت كل وحدة أو شركة أو فرد أكثر مساواة وأكثـر مـنـافـسـة وأكـثـراستقالال8 ازداد جلوءها إلى تبديد جهـودهـا فـي ازدواجـيـة عـقـيـمـة8 وإلـىاستهالك ا>وارد العامة. ولنضرب مثال بسيطا: فلنتخيـل حـقـال يـسـتـعـمـلمرعى �لكه سكان قرية في العصور الوسطى. في هذا اجملـتـمـع الـسـابـقعلى الرأسمالية كان القرويون في كثير من األحيان يتخذون كل الـقـراراتا>همة بخصوص استخدام ا>رعى جماعيا ألنهم كـانـوا يـرون أن اجلـمـاعـة

بأسرها مسؤولة عن األرض. ذلك أن أرض ا>رعىتعد موردا عاما8 بل إنها كانت تسمى عادة «(األرض) ا>شتركة أو ا>شاع»

The Commonsوحتى لو كان كل فالح �تلك أبقاره اخلاصة8 فإنهم مع هذا .

132

الغرب والعالم

كانوا يتخذون قرارات جماعية. وعلى سبيل ا>ـثـال فـهـم قـد يـتـنـاوبـون فـيإرجاع كل البقر من ا>رعى8 متجنبX بذلك أي ازدواج في اجلهد ال ضرورةله. وقد يتفقون أيضا بشأن بعض اإلجراءات >نع تآكل التربة8 وقد يتفقونعلى حتديد اكبر عدد �كن من البقر لكل قروي. باالختصار8 فإنهم ينظمون

أنفسهم للحفاظ على ا>رعى: موردهم الثمX احملدود.Xولنتخيل كيف تكون احلال لو فكر هؤالء القـرويـون مـثـل الـرأسـمـالـيـاحملدث8X بحيث يبحث كل منهم عن ربحه اخلاص وعن حتقيق ا>زايا مـنخالل ا>نافسة. ففي غياب تنظيم مشترك سيدرك كل قروي أن من مصلحتهالشخصية زيادة عدد البقر الذي �تلكه. وكل بقرة إضافية ستكـون عـبـثـاإضافيا على ا>رعى احملدود8 وسيشترك ا>الك مع كل القـرويـX اآلخـريـنمعه في العبء8 ولكنه وحده سيحصل على الربح الذي سيحققه من البقرةاإلضافية. وبقول آخر8 فإن ا>صلحة اخلاصة سوف ترغم كل قروي على أنيربي أكبر عدد �كن من البقر. ولكن ا>صلـحـة الـعـامـة مـع هـذا سـتـمـلـىبعض القيود بخصوص عدد البقر >نع استنفاد ا>ورد وإذن لو أن كل شخصتصرف في إطار الربح اخلـاص وحـسـب8 ألصـبـح فـي األرض ا>ـشـاع. فـينهاية األمر عدد من األبقار أكبر �ا �كنها أن تطعمه. وسيجوع القطـيـعفي النهاية. صحيح أن كل قروي سيدرك الكارثة التي ستحيق به على ا>دىالطويل8 ومع هذا فسيلوح له أن من مصلحته الشخصية أن يـحـصـل عـلـى

ا>زيد بقدر اإلمكان. ولو لم يفعل8 لقام بذلك شخص آخر.إن الربح اخلاص هو دائما خسارة عامة8 حينما تكون ا>وارد محدودة.وحتى في مجتمع رأسمالي أمثل8 حيث يكون لكل شخص القدرة االقتصاديةنفسها8 سيحقق كل فرد من األرباح ما يزيد عن خسائره الشخصية باستنزاف

ا>وارد ا>شاعة.فلننظر إلى الطبيعة بوصفها أرضـا مـشـاعـا: إن الـسـمـك فـي الـبـحـار8واألشجار في الغابة8 والبترول والغاز في بـاطـن األرض8 وا>ـوارد ا>ـعـدنـيـةكلها معرضة لالنتهاء-(وهذا ما لم ندركه) إال مؤخرا. ولكنها مع هذا تستغلاستغالال خاصا وبشكل تنافسي. وقد أدركت شركات صيد احليتـان لـعـدةسنوات أن احلوت قد بدأ ينقرض. ولكن ألن كل شركة تتصرف باستقالل8فقد عجزت عن أن توقف االنقراض النهائي >صدر ربحها. إنها في احلقيقة

133

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

ال تزال مستمرة في القضاء على نفسها ألنها حتاول احلصول على أقصىل بنهايتها8 ألنه أمر مربح لكل شركة (علىربح قبل فوات األوان. إنها تعج

حدة) أن تفعل ذلك.إن االستغالل اخلاص وا>لكية اخلاصة في اإلطار احليابيئي هو تدمير«لألرض ا>شاع». وتكاليف النضوب أو التلـوث أو االنـقـراض االجـتـمـاعـيـةيتقاسمها اجلميع دائما8 أما الربح اخلاص فال مقاسمة فيه أبدا. ولذا فإن

من مصلحة ا>شروع اخلاص دائما أن يكون مبددا.لقد أدركنا مؤخرا أن الطبيعة قد تنضب مصادرها8 وأنها ميراث ثابتللجميع. ولكن من العسير علينـا أن نـنـظـر إلـى األرض وحـيـوانـات الـصـيـدومصادر الطاقة وا>وارد ا>عدنية بوصفها ملكية عامة مشتركة. ففي اجملتمعالرأسمالي احلديث-وبخاصة الواليات ا>تحدة األمريكية-كـل شـيء مـلـكـيـةXخاصة. وحتى ا>وجات الالسلكية تشترى وتباع-وفيما عدا محطة أو محطتعامتX. ولكن حتى األمريكيX أنفسهم كانوا8 منذ زمن ليس بالبعيد8 يفكرونأساسا في إطار فكرة األرض ا>شاع. فبالرغم من أن أمريكا8 حينما كانتبعد مستعمرة إجنليزية8 كان يجري استغاللها بسـرعـة مـن جـانـب األفـرادوالشركات اخلاصة8 فإن اجلمهورية الشابة احتفظت بتراث سابق يسمـيـه

«اإلخالص للكومنولـث:Henry Steel Commagerا>ؤرخ هنري ستيل كوماجر (×)أو الثروة العامة»

كان اإلخالص للكومنولث هو الذي ألهم جيل اآلباء ا>ؤسس8X لقد كاناإلحساس بااللتزام جتاه األمة اجلديدة والبشرية واألجيال ا>قبلة هو رائدفرانكلX وواشنطن وجيفرسون وهاملتون وجون آدمز وتوم بX وجون جايوجيمس ماديسون وغيرهم �ن يعـدون اآلن جـزءا مـن الـتـراث األمـريـكـياخلالد. لقد وهبوا أنفسهم شبابهم الباكر خلدمة (ا>صلحة) العامة8 وبذلواطاقاتهم ومـواهـبـهـم وثـرواتـهـم فـي خـدمـتـه. أمـا الـسـيـاسـيـون وا>ـوظـفـونواحلكوميون فيعملون في هذه األيام لصاحلهم الشخصي بكفاءة: وإنه >ن

دوالر ليحضر٥٠٠ا>فيد أن نتذكر أن جورج واشنطن اضطر إلى أن يقترض حفلة تنصيبه رئيسا8 وأن جيفرسون مات مفلسـا بـعـد خـمـسـX عـامـا مـن(×) تعني كلمة «كومنولث» اإلجنليزية جمهورية أو دولة د�قراطية8 كما تعني حرفيا الثروة العامة

أو ا>شتركة8 وا>ؤلف يستخدم كال ا>عنيX.. (ا>ترجم)

134

الغرب والعالم

اخلدمة العامة... وأن توم بX الذي خدم بالده بإخالص كما خدم فرنسا8مات فقيرا... وأن مجتمعا استبدت به فكرة الدفاع عن ا>شروع اخلاص ال�كنه أن ينشئ جيال يكرس نفسه للمشروع العام. وبـدون هـذا اإلخـالص

.)٥(تتم خيانة ا>صلحة العامة (الكومنولث)8 ومن ثم تضيع»

احليابيئية والرأسمالية احلديثةيكفينا هذا القدر من احلديث عن الرأسمالية ا>ثلى و «األنانية ا>ثلى».ولنعد إلى تساؤلنا السابـق عـن إمـكـانـيـة االهـتـمـام بـالـصـالـح االجـتـمـاعـيواحليابيئي العام في ظل الرأسمالية احلديثة. فقد نستنتج �ا قلناه لتوناعن ا>ثل األعلى >نتجX يحظون بالدرجة نفسها من االستقالل8 إنـنـا اآلنفي وضع أفضل نظرا لوجود درجة أعـلـى مـن الـتـركـيـز االقـتـصـادي. لـقـدتغلبنا على مشكلة القرويX ا>عزولX الذين يعيشـون عـلـى األرض ا>ـشـاع.فوحدات اجملتمع احلديث االقتصاديـة (فـي مـعـظـم األحـيـان) وصـلـت إلـىدرجة من التنظيم والتعاون كان آدم سميث سيعده مستحيـال xـثـل-مـا هـوغير مرغوب فيه. فبدال من وجود آالف من صناع السيارات الذين تستعرا>نافسة بينهم8 والذين يبددون ا>وارد العامة بسبب ازدواج اجلهود8 لديـنـااآلن ثالثة فقط لهم ثقلهم8 وال يستحق سواهم ذكرا. وبدال من مئات الشركات

.(×)التي يتشابك سلوكها عند كل منعطف8 لدينا اآلن شركة تليفونات واحدةوخالصة القول إننا جتنبنا بعض التبديد اخلرافي للموارد الذي كان �كنأن يحدث8 بل حدث حـقـا إلـى حـد مـا8 فـي داخـل إطـار مـثـال آدم سـمـيـث

.Xا>ستقل Xاألعلى الذي يتضمن كثيرا من ا>تنافسولعله كان من ا>مكن ألحد علماء احليابيئـة أن يـخـبـر آدم سـمـيـث بـأنالتركيز االقتصادي كان أمرا محتوما. فعلماء احليابيئة احملدثون يـدركـون

على األقل أن االحتكارات حتل عادة محل الوحدات ا>تنافسة الصغيرة:«إن من أحجار الزاوية في نظرية احليابيئية مبدأ االستبعاد من خاللالتنافس. هذا ا>بدأ يقول ببساطة إن األنواع ا>تنافسة ال تستطيع أن تتعايشإلى ما ال نهاية. فإذا كان نوعان يتنافسان على مورد شحيـح8 فـسـوف يـتـم(×) قامت الواليات ا>تحدة مؤخرا بتغيير هذا الوضع إذ أصبح هناك أكثر من شركة تـلـيـفـونـات

تتنافس فيما بينها. (الترجمان)

135

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

القضاء على واحد منهما8 إما بإرغامه على أن يخرج من النسق احليابيئي8أو بإرغامه على استخدام مورد آخر... ويبدو أن الشواهـد تـدل8 ا>ـرة تـلـو

...Xاألخرى8 على أن ا>نافسة تقلل من علو ا>تنافسإن التنافس في األنساق االقتصادية له التأثير نفسه في التنافس علىاإلنسان احليابيئية. فهو يقلل عدد ا>تنافس8X ويرغم ا>نتجون األكثر كفاءةواألكثر حجما من هم أقل منهم كفاءة وحـجـمـا عـلـى اإلفـالس أو يـقـومـونبشراء مشروعهم كله8 األمر الذي يفضي إلـى االحـتـكـار... ويـسـتـمـر عـددا>تنافسX في التناقص8 أما األسعار واألرباح فتستمر في الزيادة8 ويصبحمن8 األصعب إن لم يكن من ا>ستحيل8 إدارة الشركات الكبرى أو جتمعات

.)٦(الشركات بكفاءة»وكانت هذه العملية على وشك االكتمال في الواليات ا>تحدة األمريكيةعند نهاية القرن ا>اضي. وكان كل ا>طلوب في الـعـقـود األولـى مـن الـقـرنالعشرين هو أن تقوم الشركات الكبرى بإقناع احلكومة االحتادية بـتـثـبـيـت.Xالناشئ Xوضعها ا>هيمن عن طريق إنشاء جلان تنظيمية لتأديب ا>تنافس

في كتاب رائع أسمه النـزعـةGabriel Kolkoولقد بX ا>ؤرخ جابريل كولـكـو احملافظة أن هذا هو ما حدث بالضبط. إذ أنشأت إدارات تيودور روزفلتوودرو ويلسون8 حتت ستار تنظيم األعمال االقتصادية8 جلانا أعطت الشركاتاالحتادية الكبرى االحتكارات التي لم تعد قادرة على احلصول عليها بجهدها

اخلاص نتيجة لترهلها ا>فرط.ومع نشوب احلرب العا>ية الثانية أصبحت الشركات االحتادية األمريكية«عامة» من ناحية سلطتها ومسئوليتها. وقد �كـنـتx 8ـسـاعـدة مـفـوضـياللجان في واشنطن8 من جتنب معظـم جتـاوزات الـرأسـمـالـيـة الـتـنـافـسـيـة(ونقائصها). لقد خططوا لإلنتاج وا>بيعـات مـثـلـمـا تـفـعـل احلـكـومـات فـياسكندنافيا8 وكثيرا ما يكون حتت تصرفها قدر أكبر من ا>وارد. وأصبح منا>مكن احلديث من جديد عن األرض ا>شاع التي تتحكم فيها هذه الشركاتاالحتادية وتديرها. وموطن االختالف الوحـيـد-وهـو اخـتـالف جـوهـري-أنهؤالء ا>ستحوذين على االعتمادات احلكومية وعلى ا>وارد ا>شتركة خاضعونللملكية اخلاصة8 ويعملون على هذا األساس. إنهم على األقل يديرون الثروة

العامة باإلجماع8 ولكن بهدف واحد هو زيادة أرباحهم اخلاصة.

136

الغرب والعالم

ملزيد من االطالعثمة بضعة كتب تعد مداخل رائعة للغاية لتاريخ استخدام اإلنسان للطاقة8

التاريخ االقتصادي لسـكـانCarlo M. Cipollaفهناك كتاب كارلو م. سيـبـوال الذي يقدم تاريخا للطاقةThe Economic History of World Populationالعالم

و�و السكان في العالم. وهو كتاب موجز بشكـل يـصـعـب تـصـديـقـه مـلـيءFredباالستبصارات النظرية والتعيمات اإلحصائية. أما كتاب فريد كوتريل

Cottrel الطاقة واجملتمـع Energy and Societyفيعالج بشكل تدريجي متمهـل تأثير الثورة الصناعيـة. وكـتـاب سـيـبـوال قـبـل الـثـورة الـصـنـاعـيـة: اجملـتـمـع

Before the Industrial Revolution 1000-1700: ١٧٠٠-١٠٠٠واالقتصاد األوربيان

European Society and Economy وكـــتــــاب فــــرنــــان بــــرودل Fernand Braudel

Capitalism and Material life 1400-1800 ١٨٠٠-١٤٠٠الرأسمالية واحلياة ا>ادية

Technics and الـتـقـنـيـة واحلــضــارة lewis Mumfordوكـتـاب لـويـس �ــفــورد

Civilization.كلها مفيدة أعظم الفائدة وثمة مقدمات أخرى لتاريخ التكنولوجيا والتـصـنـيـع ذات قـيـمـة عـالـيـة(بجانب ما أوردناه في نهاية الفصل الرابع عشر8 منها كتاب فريدريك كليم

Friedrich Klemm تاريخ التكنولوجيا الغربية A History of Western Technology

Men, Machines الناس واآلالت والتاريـخ Samuel Lilleyوكتاب صمويل ليلـى

and History وكتاب اس. جيديون S. Gedion ا>كننة تتولى القيادة Mechanization

takes Command وبعد كـتـاب مـلـفـن كـرانـز بـرج Melvin Kranzbergوجوزيـف مدخل جيد إلىBy the Sweat of Thy Brow بعرق جبنيـك Joseph Giesجايز

Thomas Parke Hughesدراسة اآلالت والـعـمـل. وكـتـاب تـومـاس بـارك هـيـوز

The Development of Western ١٥٠٠تطـور الـتـكـنـولـوجـيـا الـغـربـيـة مـنـذ عـام

Technology Since 1500يضم مجموعة �ـتـازة مـن ا>ـقـاالت الـعـلـمـيـة. أمـا الناس واآلالت واألزمنة احلديثةElting E. Morisonكتاب التنج أ. موريسون

Men, Machines and Modern Times.فيناقش على نحو خالق ثقافة ا>ـكـنـنـة األصغر في كتابه عن الرجال واآلالتArthur O. Lewisوقد جمع آرثر أولويس

of man and Machines.آراء مختلفة عن اآللة وثمة كتب أخرى مفيدة عن تاريخ الرأسمالية (إلى جانب ما أوردناه في

Xنهاية الفصل الرابع عشر) هي كتاب إمانويل والوستEmmanuel Wallerstein

137

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

النظام العا>ي احلديث: الزراعة الرأسمالية وأصول االقتصاد العا>ي األوربيThe Modern World System: Capitalist Agricultureفي القرن السادس عشـر

and the Origins of the European World-Economy in the Sixteenth Centuryوكتاب من حركة اإلصالح إلى الثورة الـصـنـاعـيـةChristopher Hillكريستـوفـر هـل

Reforming to Industrial Revolution وكتـاب أريـك هـوبـسـبـون Eric Hobsbawn

.W أما كتاب و. أ. هندرسون Industry and Empireالصناعة واإلمبراطورية

O. Henderson ١٩١٤-١٨٠٠ الثورة الصناعية في القارة: أ>انيا وفرنسا وروسياThe Industrial Revolution on the Content: Germany, France, Russia, 1800-1914

فهو أصلح ألن يكون مدخال.وإذا أراد القار� االطالع على ا>ناقشات احلديثة عـن الـطـاقـة والـنـمـواالقتصادي فعليه الرجوع إلى دراسة منتدى روما الشهير من إعداد دونيلال

The Limits to وآخرين وتسمى حدود النمو Donella H. Meadowsهـ. ميدوز

Growth وكتاب جون كينيث جالبريث John Kenneth Galbraithالدولة الصناعية ومجموعة ا>قاالت في النمو االقتصاديThe New Industrial Stateاجلديدة

بإشـراف و. أ.Economic Growth Versus the Environmentفي مقابل البـيـئـة وكتاب اجلدل حولJohn Hardesty وجون هاردستي W. A. Johnsonجونسون

بإشراف أندور وينتراوبThe Economic Growth Controversyالنمو االقتصادي Andrew Weintraub وإيلي شفـارتـز Eli Schwartz و. ج. ر يتشارد آرنـسـون J.

Richard Aronson.وإذا أراد القار� االطالع على ا>ناقشات عن الرأسمالية والطاقة والبيئة

االقتصاديات والبـيـئـةMatthiew Edelفيمكنه الرجوع إلى كتاب مـاثـيـواديـل Economies and the Environment وكتـاب ولـيـم كـاب Willian Kappالتـكـالـيـف وكتابThe Social Costs of Private Enterpriseاالجتماعية للمشـروع اخلـاص

Business حضارة العمل احلر في أفول Robert Heilbronerروبرت هايلبرونر

Civilization in Decline وكتاب باري وايزبرج Barry Weisberg:حالة مستعصية Beyond Repair: The Ecology of Capitalismحيابيئة الرأسمالية

138

الغرب والعالم

الثقافة في أوروبا

١٥٢٧-١٤٦٩مكياقي )١٥١٣(األمير

١٥٤٦-١٥٠٩مارئن لوئر

١٥٦٤-١٥٠٩جون كالفن ١٦٥٠-١٥٠٠

سيرفرنسيس بيكون١٦٢٦-١٥٦١

١٦١٦-١٥٦٤شيكسبير)١٦٠٤(عطيل

١٦٧٩-١٥٨٨هوبز X١٦٥١(التن(

١٧٠٤-١٦٣٢لوك )١٦٩٠(ا>قاالن

الثورة الزراعية١٨٠٠-١٧٠٠

١٧٩٠-١٧٢٣آدم سميث )١٧٧٦(ثروة األ�

السياسة واالقتصاد في أوروبا

١٧٠٠-١٤٠٠الظام العائلي

١٤٥٠ارتفاع أجر العامل

تفوق البحرية الغربية١٥٠٠بعد

١٥٠٠نشأة الرأسمالية xد ١٦٥٠-١٥٠٠التضخم اخمليف

١٥٥٠الشركات ا>ساهم

هبوط األجور ومستوى ا>عيشة

«الثورة الصناعية األولى»١٦٤٠-١٥٤٠اإلجنليزية

النزعة الرأسمالية التجارية١٧٨٩-١٦٠٠

احلرب األهلية اإلجنليزية١٦٤٩-١٦٤٠

هبوط األسعار واألرباح8 ارتفاع١٧٦٠-١٦٥٠األجور

«الثورة اإلجنليزية اجمليدة»١٦٨٩

اإلمبراطورية الهندية اإلجنليزية١٧٦٣والقطن بعد

التصنيع8 ارتفاع األسعار واألرباح١٨٥٠-١٧٥٠واإلنتاج8 ثبات األجور

١٨٠٠-١٧٨٩الثورة الفرنسية ١٧٩٢محلج ويتني للقطن

األمريكتان

انهيار اإلمبراطوريات الهندية١٥٠٠األمريكية قبل

تدمير اإلمبراطوريات الهنديةاألمريكية باجليوش واألوبئة

x١٥٠٠د

استخراج الذهب والفضة١٦٥٠-١٥٠٠واالستيالء عليهما

االستعمار األوربي الشمالي8سكان أيبريا يفقدون

١٦٤٨- ١٦٠٠االحتكار

الهيمنة اإلجنليزية١٧٦٣-١٦٥٥

إعالن االستقالل١٧٧٦

زيادة مزارع العبيد١٧٩٢للقطن بعد

سيمون بوليفار١٨٣٠-١٧٨٣

السياق التاريخي١٨٠٠- ١٥٠٠للعالم احلديث املبكر:

139

الطاقة والبيئة - الصناعة والرأسمالية

هوامش الفصل السادس عشر

(1) Lewis Mumford, Technics and Civilization, New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1934, 1963, p.

51.

(2) Ibid., p. 14-16.

(3) Ibid., p. 27.

(4) Adam Smith, An Inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations, ed. Edwin Canna,

New York: Modern Library, 1937, Book IV, Chapter 11, p. 423.

(5) Henry Steele Commager, America’s heritage of Bigness, Saturday Review 4 July 1970, p. 12.

(6) Bertram G. Murray, Jr., What the Ecologists Can Teach the Economists, New York Times Magazine,

10 December 1972, pp. 64-65.

140

الغرب والعالم

الباب اخلامسالعالم احلديث

-الوقت احلاضر1800من عام

141

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

االقتصاد واملدينة الفاضلة:أصول االشتراكية

تستدعي كلمتا «االشتراكية» و «الشيوعية» عندالغالبية العظمـى مـن األمـريـكـيـX صـور الـبـولـيـسالسري الروسي8 وحكومات احلزب الواحد8 وصحفووسائل اإلعالم التي تديرها الدولة8 ومعـسـكـراتاالعتقال اخملصصة للمثقف8X والتلقX العقـائـديالذي يتنكر فـي صـورة تـعـلـيـم. كـمـا أن األسـاطـيـراألمـريـكـيـة جتـعـل الـرأسـمـالـيـة مـرادفـة لـلـحـريــة8واالشتراكية مرادفة للطغيان. واألمر الـذي يـغـيـبعن معظم األمريكيX-في هذا التداعي-هو التنـوعالهائل في االشتراكية والشيوعية. وسنعمل في هذاالفصل على استكشاف بعض جوانـب هـذا الـتـنـوعببحث أصول الفكر االشتراكي والشيوعي من الثورة

.١٨٤٨ إلى البيان الشيوعي عام ١٧٨٩الفرنسية عام ويركز هذا الفـصـل عـلـى ا>ـفـكـريـن وأصـحـابالنظريات ال ألننا نعتقد بأن االشتراكية حسنة نظرياوسيئة عمليا (كما يذهب الكثيرون)8 بل إننا نرى أنالنـظـريـات اجلـيـدة تـقـبـل الـتـطـبـيـق وإال >ـا كـانـتنظريات جيدة. وإ�ا نعتقد أن االشتـراكـيـة بـدأت

17

142

الغرب والعالم

نقدا للتصنيع الرأسمالي في تلك الفترة8 وأنها طورت بديال نظـريـا قـابـالللتطبيق. غير أن هذا البديل لم يوضع موضع التجربة بعد (اللهم إال علىنحو �هيدي في بالد كأ>انيا والسويد)8 ألنـه يـتـوقـف عـلـى اكـتـمـال نـضـج

الرأسمالية.

االشتراكية حلما«تطلق الغالبية العظمى من الناس في العالـم الـيـوم عـلـى حـلـمـهـا اسـم

. وحتفل أغاني احلركة االشتراكية وقصصها بصور األحالم:)١(«االشتراكية»»أحالم السالم والعدل8 أحالم الشهداء الذين سيبعثـون مـن جـديـد8 أحـالمالوعد واألمل8 أحالم اللª والعسل. وهـي دائـمـا أحـالم مـسـتـقـبـل يـفـضـلاحلاضر. وقد ترجع هذه إلى احللم العبراني القد� بأرض ا>يعاد أي بزمنآت «يقيم فيه الذئب مع احلمل8 ويرقد النمر مع القطة8 ويرعى العجل مع

الشبل».ومنذ أن تخلى العبرانيون عن شعورهم التليد بالزمن الدوري وتخـيـلـوازمنا مستقيما بتجلي من خالله الوحي اإللهي ويـتـحـقـق8 صـار احلـلـم قـوةعظيمة في الثقافة اليهودية/ ا>سيحية. ولكن إذا كان العبرانيون قد اخترعواا>ستقبل8 فإن اليونانيX األقدمX اخترعوا فكرة ا>دينة الفاضلة أو اليوطوبيا

Utopia والواقع أن اإلجنليزي سير توماس مور) .Sir Thomas Moreهو الذي للتعبير عن رؤياه ا>ستقبلية. ويسـتـنـد عـنـوان١٥١٦نحت هذه الكلمة سـنـة

Eutopia8العمل الذي كتبه إلى توريه8 فالكلمة مشتقـة مـن كـلـمـة إيـوطـوبـيـا اليونانية التي تعني «ا>وضع الفاضل والكلمة اليونـانـيـة األخـرى «أوطـوبـيـا

Outopia-التي تعني «الالمكان») وقد كانت معظم ا>دن اليونانية الفـاضـلـة مثل مدينة أفالطون-بال مواربة محافظة غير أن واحدة منهـا عـلـى األقـل8

طرحت فكرة8 أضحت بعد وقتIambulosهي جزيرة الشمس أليامبولوس طويل جزء أساسيا من احللم االشتراكي8 وفحواها أن من شأن الوفـرة أن

تقضي على الطغيان وتخلق إنسانية جديدة.وقد عادت األحالم با>دنية الفاضلة إلى الظهور باضمحـالل اإلقـطـاعوظهور الرأسمالية. ففي القرن الثاني عشر في جنوب فرنسا سـار فـقـراء

الذي وهب ثروته للـفـقـراء8 وراحPierre Waldليون خلف التاجر بييـر فـالـد

143

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

Waldensiarsيبشر بشيوعية مسيحية بدائية. وقد نادى أتباعه (الفالديون)

بالوقوف ضد ا>لكية Albigensians (األلبينيون)Albiوجماعة �اثلة من آلبى اخلاصة وثروة الكنيسـة. وكـانـوا يـحـلـمـون-بـوصـفـهـم أخـوة-«الـروح احلـيـة»وأخواتها-ببدء عهد جديد من احملبة8 هو ملكوت الروح القدس. وفي القرن

فالحي لوالردWycliffe8الرابع عشر في إجنلترا ألهمت أفكار جون ويكليف ا>طالبة بإلغاء ا>كوس اإلقطاعية. وكان لالهوتيWat Tylerبزعامة وات تيل

تأثير �اثل في بوهيميا.Jan Husالراديكالي يان هوس وبحلول القرن السادس عشر استطاع الالهوتي الراديكالي أن يكـسـب

Martinاجلماهير إلى صفوفـه8 وبـخـاصـة بـعـد أن أدى خـروج مـارتـن لـوثـر

Lutherعلى روما إلى إتاحة الفرصة لآلخرين كيما يسيروا خطوة أخرى في الفالحX األ>ان ضدThomas Muntzerهذا الطريق. فتزعم توماس مونتسر

لوثر8 وضد الكنيسة اجملددة واألمـراء والـنـبـالء8 داعـيـا إلـى الـثـورة وإلـغـاءا>لكية. وإذا كانت ا>دينة الدنيوية الفاضلة8 التي دعا إليها مونتسر8 وكذلكمهارته التنظيمية وأهدافه الشيوعية8 قد وضعته في طليعـة رواد احلـركـة

بعد ذلك بزمنKarl Kautskyاالشتراكية (كما قال ا>اركسي كارل كاوتسكي طويل) فإنه قد واجه ا>شكالت نـفـسـهـا الـتـي ظـل احلـا>ـون االشـتـراكـيـونيواجهونها خالل األربعمائة سنة التالية على األقل. فقد استجاب له الفالحونحينما قال: «إن جراثيم الربا والسرقة واللصوصية هي سادتنـا وأمـراؤنـا8الذين اتخذوا من بني البشر أمالكا لهم... إن هؤالء الـلـصـوص يـسـتـغـلـونالشريعة لكي �نعوا غيرهم من السرقة». ولكنهم انفضوا عنه عندما دعاإلى إلغاء ا>لكية اخلاصة إذ كان هؤالء الفالحون يريدون أرضهم8 ال ا>لكيةالعامة. إن الفالح8X الذين أرهقتهم ا>كوس اإلقطاعية (التي اشتدت وطأتهاكما رأينا) سعوا إلى إنهاء اإلقطاع واستعادة مزارعهم. ولكنهـم لـم يـكـونـوا

يريدون إلغاء ا>لكية اخلاصة8 بل أرادوا أن يكون لهم نصيب فيها.وبعد أكثر من ثالثـمـائـة عـام قـال مـاركـسـي إن الـوقـت لـم يـكـن مـهـيـئـالالشتراكية في القرن السادس عشـر(كـمـا لـم يـكـن فـي روسـيـا فـي الـقـرنالتاسع عشر)8 وذلك ألن الثورة البورجوازية لم تكن قد حدثت بعـد فـحـلـما>لكية اجلماعية كان �كن أن يجتذب مثقـفـX مـن أمـثـال مـونـتـسـر8 لـكـنالتكنولوجيا البورجوازية8 في صورتها الشاملة8 لم تكن بعد قد جعلت تأميم

144

الغرب والعالم

Xالصناعة ضرورة واضحة-ومن ا>ؤكد أن هـذا لـم يـكـن واضـحـا لـلـفـالحـبالذات. وهكذا وقع مونتسر في الفخ الذي وقع فيه احلا>ـون ا>ـتـعـجـلـون8ومنهم لين8X ومن يسمون باالشتراكيX في الدول ا>تخلفة اليوم. وقد وصف

أجنلز ا>شكلة على النحو التالي:«إن شر ما يبتلي به زعيم حزب متطرف هو أن يضطر إلى االسـتـيـالءعلى السلطة قبل أن تكون الساعة مواتية لسيـطـرة الـطـبـقـة الـتـي �ـثـلـهـاوالتخاذ اإلجراءات التي تقتضيها سيطرة الطبقة... . إن ما �كنه أن يفعلهيتناقض مع كل مبادئه ومواقفه السابقة ومع ا>صلحة ا>باشرة حلزبه8 وماينبغي أن يفعله مستحيل. فهو باختصار مضطر ال إلى �ثيل حزبه وطبقته8

.)٢(بل إلى �ثيل الطبقة التي تهيئها حركته للحكم»وهكذا فإن كل ما فعله مونتسر في القرن السادس عـشـر8 واحلـفـاروناإلجنليز في القرن السابع عشر8 والشيوعيون الفرنسيون في القرن الثامنعشر8 هو ا>ساعدة على توسيع نطاق الهجوم الذي شنته الثورة الرأسماليةالبورجوازية على اإلقطاع8 رغم كفاحهم ا>ضني لتخطي هذه الثورة. فنضوج

الرأسمالية هو الشرط األساسي ا>سبق للحلم االشتراكي.

الثورة البورجوازية والشيوعيون: مؤامرة بابيفسـبـق أن حتـدثـنـا عـن رد الـفـعـل لـدى احلـفـاريـن اإلجنـلـيـز إزاء الـثـورةالبورجوازية في القرن السابع عشر. فقد هللوا لدعوة الطبقة الوسطى إلىاحلريات السياسية والتمثيل النيابي والنظام البر>اني وحق االقتراع8 ولكنهمشككوا في معنى ا>ساواة السياسية التي ال تقوم على مسـاواة اجـتـمـاعـيـةواقتصادية. وقد سهلت راديكاليتهم على طبقة أصحاب األعمال اإلجنليزيةتصفية العقبات التي وضعها في طريقهم اإلقطاع وا>لوك. وبهذا يـكـونـون

قد ناضلوا-رغم أنوفهم-في سبيل حتقيق مجتمع رأسمالي بورجوازي.وعلى هذا النحو ذاته تكاتف الراديكالون الفرنسيون في نـهـايـة الـقـرنالثامن عشر للكفاح في سبيل أهداف سادتـهـم الـقـادمـ8X فـي الـفـتـرة مـن

8 ازدادت الثورة الفرنسية العظمى جنوحا إلى اليسـار وإلـى١٧٩٤ إلى ١٧٨٩الشعب8 ولكنها لم تكن ثورة اشتراكية ألبته8 إذ ظل احملامـون مـن الـطـبـقـةالوسطى وأصحاب األعمال وا>هنيون مع فئة قلـيـلـة مـن أحـرار األشـراف8

145

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

راديكالية. ولكن فـقـراء١٧٩٤-١٧٩٣قابضX على دفة األمور فـي أشـد أيـام باريس �كنوا من تذكير مختلف اجملالس الثورية باحتياجاتهم عـن طـريـقالنشاط السياسي ا>نظم واالضطرابات. وأما الفـالحـون فـكـان الـكـثـيـرون

8 بإلغـاء االلـتـزامـات١٧٨٩منهم قد قنعوا إلـى حـد مـعـقـول مـنـذ أغـسـطـس ) واجلمعية التشريعية١٧٩١-١٧٨٩اإلقطاعية. غير أن اجلمعية التأسيسية (

) تصرفت بطريقة أشبه بأساليب رجال األعمال عندما بـاعـت١٧٩٢-١٧٩١(أراضي الكنيسة وطالبت الفالحX بسداد ثمن األرض التي يفلحونها لسادتهم

) شروط السداد١٧٩٥8- ١٧٩٢اإلقطاعيX القدماء. ويسرت اجلمعية الوطنية (ولكنها أثقلت كواهل الفالحX باحلرب األوربية وأعدمت مليكهم احملبـوبلويس السادس عشر. (وقد أيد كثير من الفالحX اإلعدام8 برغم نزعتهماحملافظة التقليدية8 ولكنهم لم يتحملوا مصادرة ا>واد الغذائية خالل احلربمن أجل باريس). ومن جهة أخرى8 استفاد فقراء بـاريـس بـا>ـصـادرة الـتـيعصمتهم من ا>وت جوعا8 كما استفادوا برفع أسعار بعض السلع إلى أقصى

الذي منحهم حق االقتراع ألول مرة.١٧٩٣حد8 وبدستور ورxا كان خوض احلرب عندئذ ضروريا للحيلولة دون إخفـاق الـثـورة.فلوالها لفرض ملوك أوربا ا>لكية على فرنسا مرة أخرى على سبيل االنتقام

). ولكن احلرب التي كانت ضرورية١٧٩٣(حتى بعد إعدام لويس في ينايـر قضت على الثورة8 وخلق استنـزاف اجلـنـد واألقـوات والـطـاقـات مـجـتـمـعـا

يترحمون علـى١٧٩٤مطبوعا بالطابع العسكري [�ا جعل الناس فـي عـام العهد البائد] وكان اجملتمع الثوري الفرنسي أثناء سنـي احلـرب قـد حتـول(كما تتحول اجملتمعات احلديثة في زمن احلرب منذ ذلك الوقت) إلى دولةمحاربة تشبه الثكنة العسكرية تعتني بجنودها وترغم أغنى األغنياء وأشدا>تقاعسX على ا>ساهمة بنصيبهم8 وحتى لو كان ذلك بالعنـف واإلرهـابمن جانب السلطات الرسمية. وقد وافق بعض راديكالي الطبقة الوسطى.

دها اإلرهاب8 وعلى اإلحساس بالرسالة القوميةعلى ا>ساواة الفجة التي ولالتي كانت تزكي هذا االجتاه. لكن إخفاق جلنة األمن العام احلاكمة8 بقيادة

8 وشروعها في التهام أبناء الثورة وا>لكي١٧٩٣Xروبسبيير في تطبيق دستور على السواء8 جعلها تواجه معارضة الزعماء الشعبيX من اليسار والعناصر

١٧٩٤8األشد اعتداال من اليمX. ثم أعدم روبسبيير ذاتـه فـي خـريـف عـام

146

الغرب والعالم

وبذلك انتهت الثورة وجاء اإلرهاب األبيض ا>ناهض للثورة في أعقاب إرهاب١٧٩٣ احملافـظ مـحـل مـيـثـاق ١٧٩٥روبسبيـر الـثـوري األحـمـر; فـحـل دسـتـور

)١٧٩٩-١٧٩٥الراديكالي ا>عطل. وحلت حكومة «اإلدارة» ا>ستهترة الفاسدة (.Xمحل ثوريي اجلمعية الوطنية الراديكالي

أحد الراديكاليX الذين ابتهجواGracchus Babeufوكان جراكسوس بابيف بسقوط روبسبير. فقد رأى في سقوطه فرصة الستمرار الثورة8 ال إيـذانـابانتهائها. وقد أفضى انقشاع األوهام به وبغيره8 أثناء وجودهم في السجن8إلى تدبير«مؤامرة األكفاء» السرية8 التي �كن أن تعد أول تنظيم شيوعي.وكان من الضروري8 في ظل حكومة اإلدارة8 أن يكون مثل هذا التنظيم سرياوتآمريا وثوريا. فقد خطط >واصلة الثورة عن طريق انتفاضة شعبية8 تقومبتوجيه من أعضائها. وكانوا يرمون بعد االستيالء عـلـى احلـكـم إلـى إلـغـاءا>لكية اخلاصة وخلق مجتمع يقوم على التكافـؤ فـي الـعـمـل وا>ـسـاواة فـي

الداخل (باستخدام أي مقدار من العنف يتطلبه هذا األمر).ونحن نعرف بابيف من الصحف وا>لصقات التي كتبها من أجل التحريض

X8 كما نعرفه من وصف البنية التنظـيـمـيـة١٧٩٧ و ١٧٩٥على االنتفاضـة بـ إلىFilippo Miclele Buonarrotiواالستراتيجية التي نقلها رفـيـقـه بـونـاروتـي

. ولكن خير مـا نـعـرفـه بـه هـو١٨٢٨التنظيمات الـثـوريـة فـي أوربـا فـي عـام واستغرقت ثالثة أيام أثناء محاكمته١٧٩٧الشهادة التي أدلى بها في أبريل

بتهمة حتمل عقوبة اإلعدام. فقد كان دفاعه تلخيصا لعمر قضاه في النشاطالثوري وعرضا ألكثر اجلوانب راديكالية في فلسفة القرن السابق متطلعـا

إلى عصر جديد. من رفاقه معظمهم من العمال أو الصانكيلوت٤٦كان بابيف قد اعتقل مع

(ومعناها احلرفي «خالعو السراويل القصيرة»8 ويـر طـبـقـة كـامـلـة وصـفـتبتفرد زيها العمالي (البنطلونات) وكانوا يشملون مجموعة من الناس قالوافي التحقيق معهم إنهم �تهنون الطباعة أو الصباغة أو صناعة األحذية أوالساعات8 ومنهم النساجون وا>طرزون. وقد حاكمتهم محكمة خاصة مؤلفة

8 الذي صدر بصفة خاصة لتخفيف١٧٩٦ محلفا في ظل قانون أبريل ١٦من . وينص هذا القانون١٧٩٥حدة ا>د الثوري في عهد حكومة اإلدارة ودستور

على عقوبة ا>وت لكل من يدعو (ولو بالقـول) إلـى اإلطـاحـة بـاحلـكـومـة أو

147

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

أو تقسيم األراضي. واستطاعت الدولة أن تأتي بشهود١٧٩٣إعادة دستور من عمالئها تسللوا في صفوف اجلماعة. ولكن أقوال بابيف كانـت كـافـيـةإلدانته8 دون احلاجة إلى شهادة الشهود على نشاط التنظيم. ومن ثم فقدارتكز دفاعه على إنكار شرعية القانون نفسـه8 عـلـى أسـاس أنـه �ـكـن أنXيؤدي إلى إعدام كثيرين من كبار فالسفة فرنسـا وثـوريـيـهـا الـبـورجـوازيـاإلجالء8 بل بعض زعماء حكومة اإلدارة الذين كان قـد عـبـر بـعـضـهـم8 فـي

فترات سابقة8 عن آراء �اثل اآلراء التي اتهم بها بابيف:«إن �ثل االتهام قد أدان أفكارنا الد�قراطية والشعبية بوصفها مؤامرةXصادرة ا>لكية اخلاصة. فإذا كنتم جتدوننا8 أيها السادة احمللفون8 مذنب<في هذه ا>ؤامرة8 فمن حقي أن أقول حرفيا8 كما قلت آنفا8 إن كبار ا>فكرين

.)٣(الذين تستقر رفاتهم في البانثيون يقفون معنا هنا في قفص االتهام»وأشار بابيف إلى أحد بنود االتهام-وهو مقال كتبه في صـحـيـفـة مـنـبـرالشعب-فذكر للمحكمة أنه حقا صاحب هذا األسلوب ا>ثير ا>زعوم8 غـيـر

Jean-Jacquesأنه منقول بحذافيره عن الفيلسوف العظيم جان جاك روسـو

Rousseau) واستطرد قائال:١٧٧٨-١٧١٢ .(«إن كلمات روسو القليلة لتسـاوي مـجـلـدات. وحتـضـرنـي اآلن عـبـاراتـهالرصينة السامية: إن تقدم اجملتمع يتوقف على حصول اجلـمـيـع عـلـى مـايسد حاجتهم8 وعدم حصول أحد على ما يزيد عن حاجته. والويل لكم إذانسيتهم أن ثمرات األرض للكافة8 أمـا األرض ذاتـهـا فـلـيـسـت مـلـكـا ألحـد.أجتهلون أن ا>اليX من إخوانكم يعانون شظف العيش8 ويهلكون الفتقارهمإلى تلك األشياء التي �لكون منها اكثر �ا ينبغي? أال تعلمـون أن عـلـيـكـماحلصول على موافقة إجماعية صريحة من اجلنس البشري قبل أن تنالوانصيبا أكبر �ا تستحقون من ثروة اجلماعة8... إن نيران الطـمـع الـتـي التبقى وال تذر8 وشهوة الكسب8 ال إشباعا حلاجـة أصـيـلـة وإ�ـا بـدافـع مـنحمى التفوق على الغير بجنون8 تبث في الناس ميال خبيثا إلهالك بعضهمالبعض. وتضفي عليهم كراهية دفينة8 تزداد إيغاال في الـشـر كـلـمـا تـوارتوراء قناع اخلير8 حتى تصوب ضرباتها xـزيـد مـن اإلحـكـام. وبـاخـتـصـار8نحن نرى التنافس والتسابق هنـا وفـي كـل مـكـان8 ونـرى تـضـارب ا>ـصـالـحالدائم8 التعطش األعمى للربح على حساب اآلخرين-هذه الشـرور جـمـيـعـا

148

الغرب والعالم

هي النتيجة األولى والرفيقة اللصيقة با>لكية8 فحيثما اختفت ا>لكية اخلاصة8.)٤(يختفي الظلم»

فيلسوف الطبيعة صاحبDenis Diderotواستطرد بابيف: أليس ديدرو ا>وسوعة8 هو القائل:

«إن منبع السلوك اإلنساني8 من صوجلان ا>لك إلى عصا الراعي8 ومنتاج البابا إلى قلنسوة الراهب8 ال خفاء فيه: إنه ا>صلحة الشخصية. فمنأين أتى وحش األنانية هذا? من ا>لكية اخلاصة! أنتم8 أيها ا>ثقفون8 الذينتسرون عن أنفسكم با>ناظرة حول أحسن أشكال احلكم8 �كنكم أن تلوكواهذه األقوال بألسنتكم حتى يوم احلساب8 ولكن كل حـكـمـتـكـم ا>ـهـذبـة لـنحتسن أحوال الناس ولو قيد أ�لة ما لم جتتـثـوا بـالـفـأس شـجـرة ا>ـلـكـيـة

.)٥(اخلاصة»لقد استشهد بابيف بعصر كامل من التفكـيـر الـفـلـسـفـي الـنـظـري دونالرجوع إلى مذكرات أو كتب أو اللجوء إلى مـكـتـبـة. وإن حـجـجـه الـدامـغـةلتدفعنا إلى التساؤل عن وجه التفرد في آرائه. ولعل اجلواب يكمن في كلمة«التأمل» النظري. فقد كان فالسفة عصر التنوير منـصـرفـX إلـى الـتـأمـلالنظري. كانوا رجاال ملتزمX حقا8 ولكنهم كانوا يبحثون عن احلقيقة أكثر�ا يسعون إلى تغيير اجملتمع. فقبل الثورة الفرنسية8 وقبل الثورة األمريكيةقطعا8 كانت القلة القليلة منهم هي التي حتلم بأن أفكارها �كن أن تتحقق.أما بابيف فقد رأى ما �كن أن حتققه الثورة8 وما تعجز عن حتقيقه. فهوقد شب في عالم يطيح فيه التأمل النظري باحلـكـومـات. ولـذا نـال روسـوعلى كتاباته جائزة ثم نفي بسببها8 بينما لم ينل بابيـف سـوى ا>ـوت. فـفـيعهد حكومة اإلدارة كان االكتفاء بالتفكير النظري وحده مغامـرة خـطـيـرة8ولم يكن بوسع الثوري أن يقنع باألحالم. وكان بابيف متآمرا من أجل الثورة(برغم إنكاره في احملكمة حماية ألصدقائه). لقد أصبحت األفكار سالحا.ومن أجل هذا قلنا إن األصول األولى للشيوعية يرجع تاريخها إلى «مؤامرة

Abbe Morelleyأسـفـاء» ال إلـى روسـو أو ديـدرو وال حـتـى إلـى آبــي مــورلــي

األشد راديكالية8 والذين توفوا جميعـا قـبـلGaberiel Mablyوجبريل مابلـي .١٧٨٩عام

لقد تسنى حللم ا>ساواة القد�8 بعد أن طوره بالتـأمـل الـفـلـسـفـي عـن

149

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

ا>لكية اخلاصة واحلقوق الطبيعية8 أن يغذي حركة ثورية محدودة األهدافألول مرة في فرنسا في تسعينات القرن الثامن عشر. ولكن لم يكن الوقتقد حان بعد في تلك الفترة لرسم معالم برنامج شيوعي ثوري بالتفصيل8 أولعمل حساب النظام الصناعي الناشئ8 أو لكسب تأييد اجلماهير الشعبيةأو الطبقة العاملة. ولو ترجمنا برنامج بابيف8 عمليا8 >ا كان يعني أكثر منمجرد ا>ساواة في الدخول8 ومن ثم ا>ساواة في الفقر8 فينـبـغـي أن يـعـمـلالنبالء ورجال الدين كغيرهم8 وأن «جتمع ا>نتجات في مستودع عام ثم توزع

ن بابيف أن هذا هو اإلجراء ا>تبع للوفاء «بحاجةبالعدل والقسطاس». وبي ألف رجل8 وأن ما يصلـح٢٠٠اثني عشر جيشا يبلغ عدد جنودها ملـيـونـا و

على نطاق ضيق �كن أن يصلح على نطاق واسع». غير أنه لم يقل شيئا عنتأميم الصناعة الكبيرة8 إذ لم يكن لهـا وجـود فـي تـسـعـيـنـات ذلـك الـقـرن.فا>لكية اخلاصة التي ينبغي تأميمها هي أمالك األغنياء واألقوات وا>نتجات8واألرض بطبيعة احلال. ويبدو أحيانا أن بابيف ينادي بإعادة توزيع األرضدوريا8 ولكنه8 في محاكمته على األقل8 جتاوز حلم الفالحX التقليدي هذاإلى فكرة ا>لكية اجلماعية والزراعة ا>شتركة. وعلى أية حال8 فإن حركتهالتي �ت في قلب ا>دن8 كانت اشد اهتماما بثروات الطـبـقـتـX الـوسـطـى

والعليا-التي هي ما تعنيه كلمة «ا>لكية» لفقراء باريس.وهكذا كانت التسعينات الثورية ذاتها عهد عموميات وخطوط عريضة

ومباد� عامة لإلرشاد. ولنترك لبابيف فرصة اإلفصاح عن أفكاره:«ينبغي أن يتشكل اجملتمع على نحو يكفل القضاء8 قضاء تامـا مـبـرمـا8

على رغبة اإلنسان في أن يكون أغنى أو أحكم أو أقوى من غيره.وبعبارة أدق8 ينبغي أن نعمل على التحكم في مصيرنا بالسعي إلى جعلنصيب كل عضو في اجملتمع من احلياة مستقـال عـن الـظـروف الـعـارضـة8

ا>واتية منها وغير ا>واتية.ومن شأن هذا النظام... . أن يهدم األسوار احلديدية8 وجدران الزنزانات8واألبواب ا>وصدة8 واحملاكمات وا>نازعات8 وجرائم القتل والسرقات ومختلفأنواع اجلرائم8 وأن يزيل احلاجة إلى القضاة وا>تقاض8X والسجون وا>شانق8وكل اآلالم اجلسدية وعذاب الروح التي تولدها مظالم احليـاة8 وأن �ـحـواحلد والطمع اللذين ينخران في النفـوس والـكـبـريـاء واخلـداع بـل وقـائـمـة

150

الغرب والعالم

اخلطايا التي �كن أن يرتكبها اإلنسان8 واألهم من ذلك كله أن يقضي علىاخلوف ا>قيم ا>تسلط الذي يساورنا وينخر في نفوسنا جميعا على مصيرنافي الغد8 والشهر ا>قبل8 والسنة ا>قبلة8 وفي شـيـخـوخـتـنـا8 وعـلـى مـصـيـر

.)٦(أوالدنا وأحفادنا» أعلنت احملكمة العليا بـفـانـدوم إدانـة جـراكـوس١٧٩٧ مايو ٢٤وفي يـوم

مايو حكم عليـه8٢٦ وفي يـوم ١٧٩٣بابيف بتهمة الدعوة إلى إعالـة دسـتـور باإلعدام فكتب إلى زوجـتـه وأوالده يـقـول: «ال أشـعـر بـالـنـدم ألنـنـي دفـعـتحياتي دفاعا عن أشرف قضية وحتى لو كانت جهودي كلها قد ذهبت أدراجالرياح8 فحسبي أنني أديت واجبي». وفي اليوم التالي نفذ فيه حكم اإلعدام.وتد عمل بوناروتي-الذي كان قد أبعـد عـن فـرنـسـا-عـلـى تـرويـج أفـكـار«مؤامرة األكفاء» واستراتيجيتها في جميع أرجاء أوروبا8 فعادت إلى الظهور

. وكانت جذور االشتراكية في ذلـك الـوقـت قـد١٨٤٨-١٨٣٠عل السطـح فـي رسخت لنفسها جذورا جديدة في أوساط الطبقة العاملة الصناعية8 ولكنالشيوعية أصبحت تعني أشد أشكال االشتراكية تطرفا وجنوحا إلى ا>لكية

ا>شاعة.

فكرة جديدة قدمية عن العمل: اشتراكية فورييه بوصفه أحدCharles Fourier) ١٨٣٧-١٧٧٢كثيرا ما استبعد شارل فورييه (

ا>هووسX في العهد األول لالشتراكية الطرباوية ولعلـه كـان كـذلـك8 ولـكـنهوسه كان قريبا من بصيرة الشاعر وتوق الرومانسي إلى القيم اإلنسانية8وهي ا>شاعر التي يسخر منها العالم الصناعي البورجوازي الرص8X ومنالسهل السخرية من قوله باحتمال تزاوج النجوم أو حتويل احمليطـات إلـىعصير الليمون8 ولكن هذه األخيلة ال ينبغي أن تصـرفـنـا عـن نـقـد فـوريـيـهاجلذري النفصال العمل عن احلياة في الصناعة الرأسمالية8 أو عن «حتذيرهالذي ينم عن جالء البصيرة8 من أن التقدم احلقيقي شيء واإلنـتـاج اآللـي

.)٧(ألدوات تقضي على سعادة اإلنسانية شيء آخر»لقد شب فورييه في بيت ميسور من بيوت الطبقة الوسطى إبان الثورة

منح مـن ثـروة١٧٩٣الفرنسية. وفي عيد ميـالده احلـادي والـعـشـريـن سـنـة دوالر8 وكان ذلك ا>بلغ كافيا لكي يسـتـقـل١٠٠٬٠٠٠العائلة ما يعادل الـيـوم

151

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

بنفسه وبعمل في جتارة األقمشة واالستيراد في مدينة ليون بجنوب فرنسا.وبعد شهور قليلة انضم إلى �رد ليون على احلكومة الثـوريـة فـي بـاريـس8وهي خطوة كلفته اجلزء األكبر من ثروته8 وكادت تكلفه حياته بعد استردادليون. فلم يكن فورييه ثوريا8 ولم تنبع اشتراكيته من جتربة الطبقة العاملةفي باريس وال من األفكار السياسية الراديكالية للصحفيX وا>ثقف8X مثل

بابيف.«ولئن كانت فتنة ليون قد أثارت اشمئزاز فورييه من اآلراء السـيـاسـيـةالثورية8 فإن الفوضى ا>الية في حكومة اإلدارة قد شكلت آراءه االقتصادية.فتجربة اليعاقبة القصيرة في االقتصاد ا>وجه أعقبها تراخ تام في الضوابطاالقتصادية8 فكان عهد حـكـومـة اإلدارة عـهـد الـتـضـخـم الـشـديـد والـركـودالصناعي واستشراء النقص في الغذاء وكانت الثروات تـتـكـون بـX عـشـيـةوضحاها با>ضاربة في أوراق النقد8 وبا>تاجرة اجلشعة با>عدات احلربية8وبخلق أزمات ندرة مصطنعة. وقد شهد فورييه8 بوصفـه صـاحـب مـشـروعجتاري8 هذه ا>ساو� عن كثب8 وشارك فيها أحيانا فعززت اقتناعه بوجودعيب ما في جملة النظام االقتصادي القائم على ا>نافسة احلرة-أو الفوضويةكما كان يسميها. فشرع في صياغة نقد عام للرأسمالية التجارية8 أكد فيه

.)٨(أن طفيلية التاجر والوسيط8 هي أهم أسباب العلل االقتصادية» كان فورييه قد توصل إلى اخلـطـوط الـعـريـضـة فـي١٧٩٩وبحلـول عـام

النظام الذي رسمه لعالج العلل االجتماعية واالقتصادية. وكان يشـعـر أنـهاكتشف قوانX «التجمع الطبيعي» اإلنساني و«احلساب الهندسي لالجنذابالوجداني» ومشروعا لتنظيم مجتمع جديد يؤدي فيه الناس في وئام أعماالنافعة للمجتمع8 ألنهم يرغبون في ذلك. وقبل مرور عام على الدراسة كان

(بعد فتـرة١٨٠٠فورييه قد استنفد ما بقى من ثروته8 فاضـطـر فـي يـونـيـو وجيزة من استيالء نابليون على احلكم من حكومة اإلدارة)8 إلى العودة إلى«سجن التجارة» وظل فورييه طوال السنوات اخلـمـس عـشـرة الـبـاقـيـة مـنحكم نابليون يدون مذكراته بضع ساعات كل مساء» بعد أن أكون قد أمضيتنهاري مشاركا في أعمال الغش التي يزاولها التجار8 وأجترد من إنسانيتيفي القيام بأعمال مزرية». وقد قوبل إعالنه الطويل عن اكتشافـاتـه الـذي

باالستهزاء8 كما قوبل بالطريقة نـفـسـهـا١٨٠٨أصدره في حجم كتـاب عـام

152

الغرب والعالم

عرضه على نابليون أن يكون «مؤسس التوافق» و>ا شعر بالتجاهل أعلن أنهسيحجب مكتشفاته8 حتى يخسر نابليون في حروبه مليونا من جنوده.

8 بعد نفي نابليون للمرة األخيرة8 استعان فورييه xيراث١٨١٥وفي عام آل إليه من أمه وانصرف عن األعمال ا>كتبية والرحالت التجـاريـة وتـفـرغللكتابة عاكفا عاط أبحاثه في الهوى واحلب واجلنس. ونقح مشروعه اخلاصبإقامة تنظيم اجتماعي في مجتمع يقوم العمل فيه على الرغبة ا>تحمسة.

في نشر ألوف الصفحات التي يتضمنـهـا كـتـابـه الـرسـالـة١٨٢٢وشرع عـام الكبرى صيغ متعددة.

وقد كانت مسألة العمل محور حياة فورييه الشخصية وحيـاة اجملـتـمـعالصناعي الناشئ الذي عاش فيه. فالبورجوازية بررت مطالبتها بالسلطـةبأن جعلت من اهتمامها اخلاص بالعمل فضيلة. وانتقدت الفقـراء وبـعـضالنبالء ورجال الدين غير ا>نتجX ألنهم ال يعملون8 وبحثت عن شتى السبللتلقX اجملتمع أخالقيات العمل. لكن العمل الذي قدمته الـبـرجـوازيـة فـيمصانعها ومكاتبها كان صورة جديدة من صور الرق. ففي ا>صانع الكيماويةومصانع الزجاج كان العمل ضربا من اجلر�ة8 وكان أسهل عمل يدوي في

Xساعة من اجلهد الصارم١٥ و١٢مصانع النسيج يحتاج إلى ما يتراوح بـ ا>مل. أما «أصاغر الناس» من الطبقة الوسـطـى الـدنـيـا فـكـثـيـرا مـا كـانـوابعيدين عن اجلوع ا>ادي8 لكنهم كانوا معرضX للهموم واخملاوف وا>عاملةالصارمة نفسها. والواقع أن اجلوع الوجداني الذي يعانيه ا>ستخدم الكتابيالذي كان يتعفن جسده بX األوراق ا>بـعـثـرة قـد يـكـون أنـكـى ألن عـمـلـه ال

يتمخض عن أثر ملموس.وكما الحظ فورييه8 فال عجب أن يكون العمل ذاته مكروها8 إذ أن العملقد انفصل عن احلياة8 ومن هنا كان من الضروري «إيجاد نظلم اجتماعـيجديد يضمن ألفقر أفراد الطبقة العاملة رزقا كافيا يجعلهم يبدون تفضيالدائما ومتحمسا لعملهم على الكسل واللصوصية اللذين يتـطـلـعـون إلـيـهـمـااآلن» وكان فورييه بطبيعة احلال مقتنعا بأنه قد اهتـدى إلـى هـذا الـنـظـام

اجلديد8 وحل مشكلة العمل.ويتمثل احلل في اعتراف فورييه بأن كل فرد في اجملتمع تقريبا يصبوإلى أداء شيء ما يسميه غيره عمال. ولذا فقد اقترح فورييـه8 عـوضـا عـن

153

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

إكراه الناس (كما فعـل أصـحـاب ا>ـصـانـع) عـلـى أداء أعـمـال تـتـعـارض مـعغرائزهم8 في تلك ا>هام احملددة التي تعود بـالـربـح عـلـى أصـحـاب الـعـمـلإقامة مجتمعات تفي بهذه احلاجات الغريزية. فعوضا عن صياغة الشخصبحيث يتالءم مع الوظيفة8 ينبغي أن تصبح الوظائف وسائل لإلشباع احلمىوالوجداني. وبذلك يعمل اجملتمع على إشباع الغرائز عوضا عن كبت هذهالقدرة الوجدانية التلقائية العميقة على العمل النافع. ويكاد فورييه يعرفالعمل النافع بأنه العمل الذي يؤديـه الـنـاس بـدافـع غـريـزي ولـم يـكـن هـذهالتعريف نابعا لديه من إ�ان بالفطرة اإلنسانـيـة فـحـسـب8 بـل مـن تـقـديـر

للتنوع اإلنساني كذلك.وال بد لقيام هذا اجملتمع (ولو في صورته التجريبية8 ورxا في صورتهالتجريبية بالذات) من توافر شروط مسبقة معينة. فينبغـي أن يـكـون لـكـلفرد في اجلماعة نصيبه منها8 حن يشعر بأنه جزء منها8 وأن تكون أماكـنالعمل والسكني مريحة جذابة8 وأن يتوافر للجميع مستوى أدنى للمعـيـشـةحق تكون تلقائية العمل خالصة. وعندئذ يكون تنوع الغرائز اإلنسانية كفيالبأن يتيح لكل امر� أن يجد أكبر فرصة للتـعـبـيـر عـن غـرائـزه فـي الـعـمـل8والشيء ا>هم هو السماح لإلنسان بالتعبير الكامل عما يصبو إليه. فحـتـىالطاغية سفاك الدماء كاإلمبراطور الروماني نيرون8 يغدو سعيدا لو عملباجلزارة. ولو أن نيرون الفتى نشـأ فـي مـسـتـعـمـرة تـعـاونـيـة (االسـم الـذياختاره فورييه للجماعة) من هذا القبيل8 أتيح له فيها اإلعراب عن ميـولـه«لشرع منذ الرابعة من عمره في إشبـاع عـشـريـن مـيـل آخـر» كـان مـعـلـمـوه

.)٩(الرومان خليقX بأن يقمعوها «حرصا على اآلداب» Xوذجا مـن٨١٠وليس �وذج نيرون إال أكثر الـنـمـاذج تـطـرفـا مـن بـ�

�اذج الشخصية8 وصفها فورييه وينبغي أن تشتمل ا>ستـعـمـرة الـتـعـاونـيـةعلى رجل وامرأة-على األقل-من كل �وذج8 فيـنـتـفـع اجملـتـمـع بـكـل مـيـل أومجموعة من ا>يول في عمل له قيمته االجتماعيـة. وال يـسـتـثـنـي مـن ذلـك

غرام بعض األطفال بالقذارة:«إن ثلثي الصبيان مولعان بالقذارة8 فهما يهويان التمرغ في الوحل واللعببالقاذورات وهم عصاة عتاة8 يتسمون بالبذاءة والتكبـر8 يـواجـهـون الـزوابـعواألخطار حبا في إيقـاع األذى وحـسـب. هـؤالء األوالد يـنـبـغـي أن يـدرجـوا

154

الغرب والعالم

ضمن الفصائل الصغيرة التي تنحصر مهمتهـا فـي أداء األعـمـال ا>ـقـرفـة8التي يستنكف العمال العاديون عن القيام بها8 وذلك دون خوف وبدافع من

.)١٠(اإلحساس بالكرامة»ومن بX هذه األعمال «نزح اجملاري وجمع الروث والعـمـل فـي اجملـازروغرس طرقات ا>ستعمرة (التي يسميها مستعمرة الـتـوافـق) بـالـشـجـيـرات

. (وعلينا أن نتذكـر أن)١١(والزهور لتكون أجمل من أزقة ضياعنا الريفـيـة»فورييه كان يكتب في عصر كان من األمور الشائعة فيه أن يحبس األطفال

ساعة يوميا).١٢في ا>صانع وا>ناجم للعمل أكثر من ولكن ا>يول التي تدفع اإلنسان إلى أن يؤدي العمل نفسه معظم اليـوم8وكل يوم8 قليلة. فللكثير من الناس ميول شتى وللكثـيـريـن «مـيـل الـفـراشـة»الذي يجعلهم ينتقلون من لذة إلى لذة» وهؤالء يسدى لهم يد العون-كلما دعااألمر-عن طريق تصميم سلسلة من األعمال اجلذابة األثيرة إلى نفوسهم.ويستحسن أن يكون أقصى فترة للعمل8 كائنا ما كان8 ساعتX وهكـذا فـإنيوم صيف عادي عند واحد من أعضاء «مستعمرة التوافق» قد يشتمل علىخمس وجبات وقداس وأداء وظيفتX عامتX وحفل موسيقي وساعة ونصفXساعة في ا>كتبة وثمانية مهام: القنص وصيد السمك وفـالحـة الـبـسـاتـورعاية الطيور في الصباح8 وقضاء ساعة الـعـصـر عـنـد أحـواض الـسـمـكومرعى الغنم وفي مشتلX مختلفX. وأخيرا �ضي ساعة قبل العشاء «في

مكتب التبادل» لوضع خطة ألوجه نشاط اليوم التالي.وقد شعر فورييه بأن أسلوبه الثوري في البحث عما يرغب فيه الناس-ال عما ينبغي عليهم عمله-قد �كنه من جتاوز كفاءة الصناعة الرأسماليـةذاتها. وذلك ألن أشد أصحاب ا>صانع إنسانية ال بد له من أن يكبت طاقةالعامل ا>نتجة اخلالقة-وهي الغرائز-وقد يعثر صاحب ا>صنع الذكي علىالعامل الذي يتحلى بالصفات اجلسمانـيـة أو ا>ـزاجـيـة إلـى تـالئـم وظـيـفـةمعينة8 ولكنه سيظل يؤدي العمل على كره منه8 ما دام يؤديه حلساب شخصآخر. فمشكلة العمل في اجملتمع الصناعي التجاري (الذي يسميه فوريـيـهاحلضارة) أنه يفضي حتما إلى كبت ا>يـول8 ال إلـى إطـالقـهـا. ولـيـس هـذامعوقا من الناحية اإلنسانية فحسب8 بل هو أيضا غير فعـال مـن الـنـاحـيـة

االجتماعية.

155

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

«من السهل كبت ا>يول بالعنف8 ولكن الفلسفة تكبتها بجرة قلم8 ثم تأتياألصفاد والسيف >ساعدة األخالق ا>رغوب فيها. بيد أن الطبيعة تتنصلمن هذه األحكام8 وتسترد حقوقها سرا. فالعاطفة التي تكبت في مـوضـع8تعود إلى الظهور في غيـره8 مـثـل ا>ـاء يـحـجـزه الـسـد8 فـيـسـري فـي جـوف

)١٢(األرض-مثل إفرازات قرح يغلق عنوة قبل أوانه»

فما أقسى8 وما أضيع إنكار هذه القوى األولية بالعنف األخالقي. وإ�اتكون للميول اإلنسانية قيمتها عندما يتاح لها اإلعراب عن نفسها في وسطاجتماعي ال كبت فيه. واحلضارة خارج اجملتمع ا>ثالي الذي تخيله فورييهتخطئ إذ ترفض ا>شاعر اإلنسانية وتكبتـهـا لـصـالـح األخـالق أو الـكـفـايـةاإلنتاجية وهي بذلك ترتكب خطأ في الناحيتX معا: فاألخالق التي تتجاهلاحلاجات اإلنسانية ال غنى لها عن األصفاد والسيوف. ولكن مستوى الكفاءة

في هذه النظم الباطشة ال بد أن يصبح منخفضا للغاية.لقد كنا حتى اآلن نصف مذهب فورييه بالتفـصـيـل دون كـبـيـر اهـتـمـامببعده االجتماعي. وكان هذا مناسبا8 ألن فورييه بدأ بتحـلـيـل ا>ـيـول-وهـيمسألة سيكولوجية أساسا-وكان يتحدث أحيانا عن اجملتمع اإلنساني بلغةالليبرالية البورجوازية فيصفه بأنه مجموعة من األفراد ا>نفـصـلـX. ذلـك

مـلJohn Stuart Nillألن الليبرالي8X مـنـذ آدم سـمـيـث إلـى جـون سـتـيـوارت واحملافظX في القرن العشرين8 كانوا يبحثون عن التوافق االجتماعي فيتنافس ا>صلحة الذاتية لكل فرد ذري منعزل. وبا>ثل يذهب فورييه إلى أن«مجتمع التوافق» الذي يقول به ينبثق من التنافس وتقدير الذات وغيـرهـاXمن احلوافز ا>نسجمـة مـع ا>ـصـلـحـة الـذاتـيـة». والـفـرق هـو أن ا>ـدافـعـالليبراليX عن اجملتمع الصناعي الرأسمالي فسروا ا>صلحة الـذاتـيـة فـيإطار اقتصادي ضيق8 أما تفسير فورييه النفسي فأدى إلى فـهـم وجـدانـيوجنسي واجتماعي عميق. إن الليبرالية تطرح تـوافـقـا اجـتـمـاعـيـا مـجـردامستمدا من تنافس األفراد في السوق وسوق العمل. أما فورييـه (ومـعـظـماالشتراكيX) فقد بحثوا عن التوافق االجتماعي ا>ستمد من دوافع الـفـرد

نحو ا>ودة والتعاون واحملبة وا>شاطرة.إن العمل يتم في «مجتمع التوافق» ال ألن كل فرد يطلق العنان لعواطفهالشخصية فحسب8 بل أيضا ألن العمل يؤديه أفراد يتجاذبون بعضهم نحو

156

الغرب والعالم

بعض بقدر ما يتجاذبهم العمل ذاته. وهكذا فإن احلب8 وحتى احلب اجلنسي8ال ينبغي أن يكون عقبة أو«ترفيها يلهى عن العمل; بل هو بالعكس8 روح كل

.)١٣(عمل وكل جتاذب كوني شامل وأداته ومنبعه»ويجب أن يتم العمل في مجموعات قدر اإلمكان. وإذا كان العاملون فيهذه التجمعات الطوعية يتغيرون8 فإنها تظل تتألف دائما من رجال ونساءمتشابهي ا>يول8 وبهذا يتيح العمل فرصا للقاء أناس جدد وتنمية العالقات

والتفاعل االجتماعي اخلالق.وتقوم اجلماعات بالتنافس فيما بينها8 ويزهو األفراد xواهبهم دون أنيؤدي ذلك إلى انقسامات دائمة. وقد اختار فورييه بحث «مشكلة من أصعبا>شكالت اإلدارية في احلضارة8 وهي تعبئة اجليوش8 للتدليل على أن احلب

�كن أن يكون دافعا للعمل حتى في أشد احلاالت تطرقا.«فمجتمع التوافق» يعبـئ الـشـبـاب والـشـابـات فـي مـنـاوراتـه الـتـدريـبـيـةومبارياته الرياضية عن طريق «عقد مهرجـانـات رائـعـة» جتـمـع بـX مـآدبالطعام أو �ارسة احلب. وتقوم الشابات أثناء احلمالت العسـكـريـة الـتـيجتري في فصل معX باختيار شركاء لهن من الشباب الذين يتنافسون في

إظهار الشجاعة جلذب انتباههن.ولقد تطرق حديث فورييه عن اجليوش إلى موضوع أبـقـاه مـطـويـا فـيدفاتره أطلق عليه اسم عالم العشق اجلديد. وهنا يـتـخـلـى مـرحـلـة قـادمـةجملتمع التوافق. يتوفر فيها لإلنسان حترر كامـل لـلـغـرائـز مـع ضـمـان حـد

ن السكان من جتاوز الندرة اجلنسية (أو احلرمانأدنى من إشباع اجلنس �كاجلنسي)8 مثلما يسمح احلد األدنى من اإلشباع االقتصادي بالعمل التلقائي.وسيكون الزواج مباحا8 غير أن فورييه انتقد بشدة الزواج ا>نفرد اإلجباريألنه يفصل احلب عن اجلنس8 وألنه يقصر اجلنس على اجلماع والتناسل.وقد ذهب فورييه إلى أن احلضارة ا>سيحية حرمت العمل ا>نـتـج واحلـيـاةا>دنية من عنصر احلب واجلنس إذ قصرت االستمتاع باللذة اجلنسية علىفراش الزوجية أما «محكمة احلب» في «مجتـمـع الـتـوافـق» الـذي بـشـر بـهفورييه فسوف تضمن فرصا كافية لإلشباع اجلنسي حتى ال يكون اجلنسفي مجتمع الوفرة اجلديد محط اهتمام مرض8 بل متعة متاحة بشكل دائم8

ويكون العمل كله لعبا يؤدي بعاطفة مشبوهة.

157

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

ضروب مختلفة من االشتراكية: ميراث الثورة الفرنسيةما الذي يجعل من فورييه مفكرا اشتراكيا? من ا>ؤكد أن نقده للرأسمالية(التي يسميها التجارة أو ا>دنية) يؤهله لهذا8 خصوصا منذ أن اقترح إنشاءبديل تعاوني مشترك بدال من الرأسمالية التنافسية: فهو لم ينتقد الرأسماليةكي يصلحها. و�سكه بأن يكون العمل في خدمة مـصـالـح (بـل وعـواطـف)العمال (ال في خدمة أرباح رأس ا>ال) كان ذا نزعة اشتراكية ورأيه القائلبأن يعمل العمال ألنفسهم بدون عقاب أو ثواب بل عن رغبة هو رأي اشتراكي.وكذلك نفوره من األسواق وا>بيعات واإلنتاج من أجـل الـربـح8 ودعـوتـه إلـىإنشاء «مجتمع التوافق» خارج مجـتـمـع الـسـوق. ولـكـن لـعـل أكـثـر اجلـوانـباشتراكية في فلسفة فورييه هو مواجهتـه الـثـوريـة الـراديـكـالـيـة لـلـحـضـارةالبورجوازية. لقد طرح عدة أسئلة مختلفة: ما احلاجات اإلنسانيـة? كـيـف�كن تنظيم اجملتمع إلشباع االحتياجات اإلنسانية? وقد انطلق فورييه منعدة افتراضات: أن الطبيعة البشرية متنـوعـة وخـيـرة8 وكـل كـبـت لـلـغـرائـزهدام. وكما كانت احلال عند بابيف8 فإن فضحه لأللم وا>عاناة الذي سلمبه اآلخرون أمرا واقعا8 وتعاطه مع ا>نبوذين من اجملتمع ا>تحضر8 سـاهـمبالكثير إلعطاء الفكر االشتراكي البعد األخالقي واإلنسانـي الـذي أصـبـح

وا>قصود هنا سمته األساسية في منتصف القرن.)١٤(يعد سمته األساسية»وتتسم اشتراكية فورييه بخصائصها ا>تفردة. فهو عـلـى سـبـيـل ا>ـثـال8سعى بالفعل إلى استثمار رأس ا>ال في جماعته ا>ثالية. وكان ا>فروض أنتخصص أسهم اجلماعة8 لرأس ا>ـال والـعـمـل وا>ـوهـبـة. وبـعـد دفـع احلـداألدنى الالزم للمعيشة الضرورية8 يقسـم الـبـاقـي إلـى أثـنـي عـشـر قـسـمـا;أربعة منها لرأس ا>ال وخمسة للعمل وثالثة للموهبة. ولقد توقع-بسذاجة-أن يتبنى نابليون أو أي �ول ثري برنامجه. ويدل هذا على مدى عدم فهمهللطبيعة الثورية القتراحاته8 فهـو لـم يـدرك-إال بـشـكـل ضـئـيـل-كـيـف كـانـتالصناعة تغير اجملتمع وكيف كانت تخلق «سجونا» أكثـر كـآبـة لـلـعـمـل. أمـارؤيته الزراعية للمدينة الفاضلة فكانت قد بدأت تصبح8 حتى وهو يكتبها8شيئا عفا عليه الزمان. ومع هذا-فهو xعنى آخر-كان سابقا لعصره: فتحريرالغرائز بالعمل اإلبداعي الذي تصوره �كنا في ثالثيـنـات الـقـرن الـتـاسـععشر كان يتطلب نضجا تكنولوجيا لم يأخذ في الظهور إال هذه األيام في

158

الغرب والعالم

األجزاء الصناعية ا>تقدمة في العالم. ولقد كان التصنيع الذي احتقره هوالذي خلق اقتصاد الوفرة الالزم لتحقيق رؤيته. ولهذا السبب يستحق فورييهانتباهنا (وإذا أراد القار� التعرف على صيغة عصرية لرؤية فورييه8 �تزجة

Herbert Marcuseبعناصر من ماركس وفرويد8 فعليه بكتاب هربـرت مـاكـوز

العشق واحلضارة.إن تنوع الضروب اخملتلفة من االشتراكية في النصف األول من الـقـرنالتاسع عشر كان هائال. فقد ظهرت8 في أربع قارات8 عشرات من ا>ستعمراتالتي تتبع أيديولوجية فورييه وحدهـا8 وكـانـت لـكـل مـنـهـا رؤيـتـهـا اخلـاصـةأليديولوجية القائد8 وتفتقر كلها إلى األيدي العاملـة الـكـافـيـة والـرأسـمـالالكافي. كما كانت هناك جماعات ثورية مثالية تتبع النـظـريـة االشـتـراكـيـةإلتيX كابيه وروبرت أوين وآخرين غيرهم. ولن �كننا أن نوفي كل أصحابالنظريات اخلاصة بأسلوب احلياة اجلديد أو �ارسيها حقهم. ولكن نظرةعلى بعض النظريات االشتراكية األخرى في أربعينات وخمسيـنـات الـقـرن

التاسع عشر قد تعطينا-على األقل-فكرة عن تنوع احلركة.)8 الذي تخيل في كـتـابـه١٨٥٦-١٧٨٧ (Etienne Cabetفلنبدأ بإتيX كـابـيـه

رحلة إلى إيكاريا مجتمعا شيوعيا على نطاق قومي8 تقوم فيه صناعة تسدحاجة مليون شخص. وقد استغنت «ايكاريا» عن ا>لكية اخلاصة واستأصلتالتفاوت االجتماعي. ويعمل جميع ا>واطنX على قدم ا>ساواة وينالون منا>ستودع العام نصيبا متساويا «كل حسب حاجاته». ونظرا لنشأة كابيه فيمجتمع تعد فيه األزياء اخملتلفة عالمة على ا>كانة االجتماعيـة8 فـقـد كـانعلى أهل إيكاريا أن يلبسوا زيا موحدا. وقد عكس مجـتـمـع كـابـيـه ا>ـثـالـيالشيء الكثير من شخصيته8 فهو مجتمع صارم تسلطي8 عادل بشكل فظ8

.١٨٤٨ومسيحي للغاية. ذلك ألن الشيوعية لم ترتبط باإلحلاد إال بعد عام وفي ذلك العام أدخل كابيه الشيوعية إلى الواليات ا>تحدة األمريكية8 ولكنفي صورة جماعات جتريبية كجماعات فورييه وروبرت أوين (التي كان قد

انتقدها من قبل ألنها ال تفي با>طلوب إلى حد كبير).-Claude-Henri de Saint) ١٨٢٥-١٧٦٠أما كـلـود هـنـري دي سـان سـيـمـون (

Simonفكان واحدا من أطرف شخصيات عصـر. ومـع ذلـك فـإن تـالمـذتـه كانوا هم الذين حولوا وصيته ا>بهمة إلى حركة اشتراكية8 في جميع أنحاء

159

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

أوربا وما جاوزها. والواقع أن سان سيمون كان أرستـقـراطـيـا جنـح فـي أنيظل على قيد احلياة إبان الثورة الفرنسية وبعدها ليبدأ حركته االشتراكية.ولم يكن كذلك فحسب8 بل إنه حارب مع الثورة األمريكية وباشر مشروعاتشق القنوات في أمريكا الوسطى وأوربا8 وتنازل عن لقبه (ولكنه لم يتـخـل

Citizenعن براعته في حتقيق األرباح) حيث أصبح يلقب «با>واطن صالح»

Bonhomme8في الثورة الفرنسية8 واعتقـل وكـاد يـعـدم فـي عـهـد روبـسـبـيـر وأثرى في عهد حكومة اإلدارة8 ووجد نفسه نزيل مصحة شارنتون لألمراضالعقلية في عهد نابليون8 وأصبح ا>تحدث غير الرسمي باسم البورجوازية

Xو١٨١٥الليبرالية الصناعية وا>صرفية في عهد عودة ا>لكية الدستورية ب . ولكنه لقي إهماال من أصدقائه السابقX ا>صرفيX (الذين قبضوا١٨٣٠

) ألنه في نقطة معـيـنـة فـي الـعـقـد١٨٣٠على زمام األمور في الـنـهـايـة عـام األخير من حياته عبر اخلط الفاصل بX الليبـرالـيـة واالشـتـراكـيـة وهـو ال

يدري.لم يتسم الطريق الذي سلكه سان سيمون8 منذ أن كان متـحـدثـا بـاسـمالبورجوزاية إلى أن أصبح اشتراكيا8 بتحول في نظرته العامة إلى األمـور8وإ�ا اتسم بجهد مستمر للوصول بحجج الثورة البورجوازية إلى نتائـجـهـا

ا>نطقية.وطوال الوقت الذي كانت فيه الطبقة ا>صرفية الصناعية ضعيفة سياسيا

8 كانت هذه الطبقة راضية عن١٨١٥بعد هز�ة نابليون وعودة ا>لكية عـام تأكيد سان سيمون أن السلطة ينبغي أن تكـون فـي يـد «ا>ـنـتـجـX» مـصـدررضى لهم. صحيح أنهم كـانـوا يـفـضـلـون أن يـدافـع سـان سـيـمـون عـن قـوة«ا>لكية» ال «ا>نتجX» أو «الصناعيX»8 ولكن كان من الواضح xا فيه الكفايةأن سان سيمون يقصدهم. بل إنه أكرم رجال ا>صارف بـأن أطـلـق عـلـيـهـم

. وبالرغم من أنه أدرج الفنانX والكتاب والـعـلـمـاء(×)لقب «رواد الصناعـة»في طبقة «الصناعيX ا>همة8 فإنـه لـم يـدرج الـفـقـراء الـعـامـلـX (وقـد قـامتالمذته بهذه اخلطوة). ولكن8 مع حلول عشريـنـات الـقـرن كـانـت الـطـبـقـةالوسطى العليا تشعر بقوتها لدرجة أنها أحست أن أكبر خطر يتهددها لم

حتمل في اللغات األوروبية معنى «الصناعةد ومعنى «اجلهد وا>ثابرة»Industry8(×) يالحظ أن كلمة ومن الواضح أن ا>قصود في هذا السياق مزيج من ا>عنيX. (ا>راجع).

160

الغرب والعالم

يعد النبالء بل الطبقة العاملة. وعند هذه النقطة كان تبنـي سـان سـيـمـونلفكرة حكومة «الطبقة الصناعية» مفهوما غامضا بالنسبة لها8 خـصـوصـا

عندما وصف تلك الطبقة بأنها «غالبية» األمة.وكان أتباع سان سيمون يتألفون من جماعة متنوعة8 فسكرتيره أوجست

كان يقدس ا>لكية اخلاصة ووضع «فلسفـة وضـعـيـة»Auguste Comteكونت محافظة تعرف عادة بأنها النشـأة األولـى لـعـلـم االجـتـمـاع. وأصـبـح بـعـضأتباعه من كبار الرأسماليX وأرباب الصناعات في فرنسا في القرن التاسععشر. ولكن أتباعه قاموا بتطوير ا>ضمون االشتراكـي الـكـامـن فـي فـكـره.

السان سيمونية هي التي أشاعت كلمةLe Globeوكانت صحيفة لي جلوب . ولم تكن الكلمة اجلديدة تفيد بالنسبة لهم١٨٣٢االشتراكية في فبراير عام

إلغاء ا>لكية اخلاصة بقدر ما تفيد افتراض أن ا>لكية ذات طابع اجتماعي8ومن ثم ينبغي أن يكون اجملتمع كله مسؤوال عنـهـا8 أمـا الـهـيـئـة الـتـي �ـثـلاالقتصاد العام للمجتمع فهي نظام مصرفي مركزي ينظم الصناعة واإلنتاجوفق االحتياج العام8 ويتجنب اإلفراط في اإلنتاج أو نقص االستهالك الذي

يتعرض له أي اقتصاد ال يقوم على التخطيط.إن نغمة احلركة السان سيمونية حتتاج إلى بعض التعليق بسبـب اآلراءالتي سيقت منذ ثالثينات القرن التاسع عشر بخصوص «حريات» االشتراكيةوالشيوعية. فأوال8 يالحظ أن السان سيغونيX لم يدعوا إلـى ديـكـتـاتـوريـةاألقلية لفترة مؤقتة كما فعل بعض الـشـيـوعـيـX ا>ـتـطـرفـ8X إال أنـه يـجـباإلشارة8 في مجال الدفاع عن الشيوعي8X إلى أن السان سيمونيX نادرا ماكانوا ينطقون بلسان أولئك الذيـن وصـلـت حـيـاتـهـم إلـى درجـة مـن الـيـأسXجتعلهم يحبطون أية محاولة لتلبية احتياجاتهم. ثانيا كان كل السان سيمونيتقريبا يدافعون عن النظام الصناعي الوطني8 �ا يجعل منهم8 في كثير مناألحيان8 دعاة للتكنوقراطية أكثر من الرأسماليX. وفي فـرنـسـا كـان ا>ـالالبورجوازي بطيئا في دخول عالم الصناعة إلى درجة أن األمر اقتضى أنيقوم السان سمونيون بحثه على الدخـول فـيـه وسـبـقـه إلـى ذلـك8 وأخـيـرا8كانت االشتراكية السان سيمونية حركة دينية من عدة وجوه: فكثيرون اعتقدوافي أنفسهم أنهم حواريون ينادون «باإل�ان با>سيحيـة اجلـديـدة». وهـكـذافإن اجلمع بX االلتزام الديني والتسليم بحتمية الدولة الصناعية ا>ركزية

161

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

من ا>مكن أن تكون له أصداء سلطوية عميقة. ومن جهة أخرى رأى السانسيمونيون في تسخير الطبيعة (من خالل التصنيع) سبيال إلنهاء استغاللالبشر8 وكانوا من أهم دعاة حقوق ا>رأة وا>عدمX. وكانوا روادا في إصالحالسجون وتوظيف الفقراء ومعاجلة اجملـانـX. ولـم يـتـنـاولـوا االقـتـصـاد إالقليال باستثناء نقد ا>لكية اخلاصة وعالقات السوق والتفـاوت بـX الـنـاس(شأنهم في هذا شأن أتباع فورييه)8 ولكنهم دعوا إلى حتـرر إنـسـانـي عـامكان حقا طوباويا8 ولكن نقطة انطالقة كانت احلاجة اإلنـسـانـيـة لـإلشـبـاع

اجلنسي والتعبير عن العاطفة وا>شاركة االجتماعية.كانت االشتراكية الفرنسية فـي ثـالثـيـنـات الـقـرن الـتـاسـع عـشـر تـعـنـياحلركات التي بدأها فورييه وسان سيمون. وحتى أتباع فورييه كانوا يدركون8بصفة عامة8 أن العالم أوسع بكثير من ا>ستعمرات اجلماعية (الكـومـونـة)

Flora Tristanا>كتفية بذاتها (التي قال بها أستاذهم). فحولت فلورا تريستان

) رؤية فورييه عن استقاللية العامل إلى برنـامـج يـعـد إرهـاصـا١٨٤٤-١٨٠٣(للنزعة النقابية وحركات العمال احلزبية فيما بعد. فاقترحت قـيـام احتـادللطبقة العاملة في مؤسسة حتكم نفسها بنفسها يساهم فيها العمال بأموالهمحتى يتحقق حتررهم الشامل. وكل مدينة يكون لهـا «قـصـر عـمـل» يـشـرفعليه العمال8 ويضم مدارس ومكتبات ومستشفيات ودورا للمسنX وأدواتللتسلية �نح العمال. االستقاللية واخلبرة التي تتيح لهم أن يحكموا أنفسهمبأنفسهم. كما هاجمت الدعوة القومية الرنانة التي سببت انقسام الطبقات

)8 ودعت١٩١٤العاملة في أربعينات القرن التاسع عشر(ومرة أخرى في سنة إلى إنشاء منظمات عـمـالـيـة عـا>ـيـة تـهـدف إلـى حتـقـيـق الـتـزام احلـركـات

االشتراكية بالسالم والتعاون الدولي.-Louis لوي أوجست بالنكي ١٨٤٠م االشتراكية الفرنسية في سنوات تزع

Auguste Balnqui) وكونستانتان بيكور ١٨٨١-١٨٠٥ (Constantin Pecquer) ١٨٠١-). هؤالء الثالثة كانـوا قـد ولـدوا١٨٨٢-١٨١١ (Louis Blanc) ولوي بـالن ١٨٨٧

) وشبوا١٨٣٠-١٨١٥في عصر نابليون وأمضوا شبابهم في عهد عودة ا>لكية () وشاركوا في أول ثورة١٨٤٨- ١٨٣٠عن الطوق في ظل «ا>لكية البورجوازية» (

. لقد أخطأوا جميعا كما كتـب١٨٤٨للطبقة العاملة في األيام ا>شرقة عام ماركس فيما بعد8 فظنوا أن آالم والدة الرأسمالية هي حشرجة احتضارها.

162

الغرب والعالم

كانت أحالمهم. قد جتمدت. وقد يكون من عالمات١٨٤٩وبحلول شتاء عام قوتهم هذا التحالف القمعي ا>ذعور الذي عقده البورجوازيون مع خصومهمXالقدماء-األرستقراطية-لقمع الثورة. ولكن من ا>ؤكد أن اقتراحات االشتراكيالساذجة إلنشاء حكومة لعالم ال �لكونه8 وكذلك التدعيم الـشـعـبـي خـارجباريس لنابليون جديد8 كانت كلها شواهـد تـدل عـلـى أن االشـتـراكـيـX كـانعليهم أن يقاوموا خالل فترة طويلة من صعود الرأسمالية8 ولقد تدعم هذا

في١٨٧١الدرس من جديد عندما أخفقت حكومة باريس االشتراكيـة عـام االستمرار في احلكم.

كان بالنكي8 مثل بابيف8 يدخل السجن ويخرج منه مرارا منذ أن التحقبجمعية «شاربونيري» السرية وهو في السابعة عشرة. و�كننا أن نسـمـيـهاشتراكيا ألنه آمن بأن الرأسمالية غير مستقرة بشكل أساسي8 وأن أزماتهاالدورية في زيادة اإلنتاج سوف تفضي في النهاية إلى ظهور اقتصاد تعاوني.وكان يفضل أن يسمي نفسه شيوعيا8 وهو يقصد بهذا أن �يز اجتاهه إلىالعمل ا>باشر عن االجتاه إلى التنظير8 الذي جنده لدى أتباع كابيه وفورييه

وسان سيمون وكل إنسان آخر تقريبا.أما بيكور فكان عالم اقتصاد ذهب إلى أن التكنولوجيا الصناعية اجلديدةأكثر إنتاجا (ومن ثم أكثر تقدما) من الصناعة اليدوية8 وأنها تخلق أسلوباجديدا في احلياة-مدنا ومصانع وأسواقا ضخمة واحتكارات-هي في جوهرها«ترابطية جماعية تكتلية». وباالختصار8 فإن نوع اجملتمع الصـنـاعـي الـذيأنتجته الرأسمالية كان اجتماعيا8 ومن ثم فإنه يحتاج بصورة متزايدة إلـىإضفاء الطابع االشتراكي على ا>لكية8 فا>تنافسون من أصحـاب ا>ـلـكـيـاتاخلاصة إ�ا كانوا يستعجلون دون أن يشعروا8 ذلك التطور الذي يؤدي إلىاالستغناء عنهم8 وسرعان ما سيصبح التأثر االجتماعي للتكنولوجيا الصناعيةهائال إلى احلد الذي تضطر معه الدولة إلى االستيالء عليها وحتويلها إلىمرفق عام. ولقد شعر بيكور بأن هدف احلركة النقـابـيـة الـذي يـرمـي إلـىسيطرة العمال على كل صناعة8 سيصبح هدفا غير عملي8 لكنه كان يرتابفي النزعة النخبوية التي ينطوي عليها «النظام ا>ـصـرفـي ا>ـركـزي» الـذيدعا إليه السان سيمونيون8 ومن ثم أكد احلاجة إلى إدارة اجملتمع للصناعة

عن طريق حكومة د�وقراطية �اما.

163

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

أما لوي بالن... . فإن أكثر ما اشتهر به هو تنظيمـه لـلـورش الـوطـنـيـة8 ولكن لم يسمح للتجربة بأن توالي تقدمها١٨٤٨الفرنسية بعد ثورة فبراير

إطالقا. بل إن جناحاتها البسيطة قد ووجهت بقمع وحشي في شهر يونيو8أفضى بدوره إلى احلرب األهلية8 وأخيرا إلى رد فعل محافظ. ويـتـلـخـصاقتراح بالن في توفير«حق العمل» لكل العمال الفرنسيX بإنشاء ورش فيا>دن ومـزارع جـمـاعـيـة ريـفـيـة8 فـضـال عـن خـدمـات اإلسـكـان واخلـدمـاتاالجتماعية ا>شتركة التي تتنافس مع نظائرها اخلاضعة للملكية اخلاصة.وتدير ا>رافق العامة مجالس مستقلة (يقوم العمال في نهاية األمر بانتخابمديريها) و�ولها بنك وطني قومي بقروض مضمونة تعطى فائدة8 وتستخدمالورش جميع األرباح لدفع األجور واالستثمار في ا>رافق اجلديدة8 وتـقـوماحلكومة بتخصيص إعانات مالية للصناعات التي تدر ربحا صغـيـرا أو التدر ربحا على اإلطالق8 وهي الصناعات التي كانت تتلقى معونة بالفعل مناحلكومة. وال يحبذ بالن اشتراكية الدولة التي تؤ� كـل شـئ8 ولـكـنـه كـانيؤمن بأن الورش العامة8 في حاالت عدة8 ستثبت أن كفاءتها أعلى من كفاءةا>شاريع اخلاصة بسبب مشاركة العمال فيها. وهكذا سينشأ قطاع عام فياالقتصاد8 عن طريق إعطاء جمعيات العمال الفرص التي كانت احلكوماتالبورجوازية تتيحها للرأسماليX عادة. وكان برنامج بالن يهدف إلى جتنبالفوضى التي قد تنجم عن ملكية العمال للمصانع بشكل غير منظم8 وإلىجتنب اجلمود الذي قد ينجم عن اشتراكية الدولة ا>ركزية8 وكان د�قراطياراسخ اإل�ان بالد�قـراطـيـة8 ولـذا رفـض أن يـؤيـد حـتـى حـكـومـة بـاريـس

.١٨٧١االشتراكية عام

أصول املاركسية لم تكن هناك أية حركة١٨٤٨في عشية الثورة االشتراكية الفرنسية عام

اشتراكية كبيرة خارج فرنسا. لقد حتالف الليبراليون األ>ان مع حفنـة مـناالشتراكيX في محاولة إلنشاء نظام بر>ـانـي8 ووحـدة قـومـيـة8 واحلـصـول

١٧٨٩8على حريات الطبقة الوسطى التي حقـقـتـهـا الـثـورة الـفـرنـسـيـة عـام 8 بل حتى منذ سـنـوات١٦٨٩والتي كانت إجنلترا حتققها بالتدرج مـنـذ عـام

١٦٤٠.

164

الغرب والعالم

كانت إجنلترا قد أنشأت اجملتمع الصناعي الوحيـد فـي١٨٤٨ومع عام العالم8 وبالتالي كان ا>فكرون البريطانيون فـي وضـع يـسـمـح لـهـم بـدراسـةاقتصاد النظام اجلديد على نحو أفضل بكثير. فبعد آدم سميث تعلم ا>فكرون

رؤية التعارض الكاملDavid Ricardoاالقتصاديون اإلجنليز من ديفيد ريكاردو بX الطبقات الرأسمالية والطبقات ا>الكة لألرض8 كما عرفوا منه أساليباستغالل الرأسماليX للعمـال. غـيـر أن ريـكـاردو كـان مـتـشـائـمـا أكـثـر مـنـهاشتراكيا8 إذ تقبل استغالل العمال بوصفه أمرا طبيعيا. وقد استنبط بعضأتباعه أفكارا اشتراكية من «نظرية قيمة العمل» التي كان قد توصل إليهـا

(مثل لوك وآدم سميث).فذهبوا إلى أنه >ا كانت قيمة كل إنتاج صناعي تقاس بكمية العمل الذييبذل فيه فإن العمل هو خالق القيمة8 ولطـبـقـة الـعـمـال احلـق فـي اإلنـتـاجالكلي للصناعة8 أما الرأسماليون فهم عمال بقدر ما يعملون8 وليس ألنهـماكتسبوا رأس ا>ال الالزم لالستثمار ال سيمـا وأن الـفـائـدة أو الـربـح الـذييحققونه يأتي من رأس ا>ال الذي اعتصروه من األجور التي كان يستحقهاالعمال. وفي هذا الصدد كان االشتراكيون من أتباع ريكاردو8 في ثالثيناتوأربعينات القرن ا>اضي8 يقولون نفس ما يقوله االشتراكيون السان سيمونيونالفرنسيون تقريبا. ولكن دراستهم لالقتصاد كانت أكثر تقدما (ألن االقتصاداإلجنليزي كان أكثر تقدما)8 وإن لم يكن االشتراكيون الريكارديون قد يطورون

حركة اشتراكية.(×) مصطبغة بصبغة «أصحاب١٨٤٨كانت «احلركة» في إجنلترا قبل عام

لا>يثاق» ومتأثرة بأوين. وكان روبرت أوين نظيرا ناجحـا لـفـوريـيـه8 إذ حـومصنع النسيج الذي �لكه إلى جماعة �وذجية تعمل لصالح عماله8 وساعدفي إنشاء تعاونيات عمالية مثاليـة فـي إجنـلـتـرا وأمـريـكـا8 وكـان رائـدا فـيإنشاء تعاونية استهالكية وتنظيم نقابات العمال البريطانية التي أصبـحـتفي نهاية األمر حزب العمال. لـكـن أويـن كـان يـتـسـم بـالـسـذاجـة بـالـنـسـبـةلالقتصاد8 فقد أدرك وجود الظلم وسعى إلى تصـحـيـحـه8 ولـكـنـه لـم يـكـنيدرك بوضوح كاف أن لطبقته مصلحـة راسـخـة فـي اسـتـمـرار االسـتـغـالل

(×)The Charisto أي ا>يثاق Chartesنسبة إلى The Chartist Movementواحلركة ذاتها تسمى

165

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

الذي يتسبب في كل ا>ظالم. لقـد كـان قـادرا عـلـى تـنـظـيـم بـيـتـه وعـلـى أنيطالب بأن يحذو الرأسماليون اآلخرون حذوه. واعتقد أنه استطاع ببساطةأن يكشف ألعضاء الطبقة الصناعية البريطانية أخطاءهم (�ـامـا مـثـلـمـاأرشد عماله األطفال كيف يزيدون إنتاجـهـم) فـإن اجلـمـيـع سـيـسـتـنـيـرون8

وسيختفي الظلم.أما حركة ا>يثاق البريطانية فكانت حركة جماهيرية أوسع نـطـاقـا مـنكل أنواع االشتراكية الفرنسية. لكن قلة من ا>يثاقيX فقط كانت تعد نفسها

لم يطالب إال بتمثيل الـطـبـقـة١٨٣٨اشتراكية ذلك ألن ميثاق الشعـب لـعـام العاملة في البر>ان من خالل حق االقتـراع الـعـام لـلـرجـال8 وإلـغـاء شـروطا>لكية لشغل الوظائف8 ودفع مرتبات لألعضاء ا>نتخبX في البر>ان. وجمعت

Xتوقيع (من عدد السـكـان اإلجنـلـيـز٦ و ٣حمالت العرائض مـا بـ Xمالي ٤٩ ضد ٢٨٧ مليونا). ولكن البر>ان رفض ا>يثاق بأغلبيـة ١٩البالغ عددهم

على الرغم من وجود توقيعات لنصف الذكور البالغX في بريطانيا عليه. إذخشي البر>ان أن تهدد الد�قراطية السياسية حقوق ا>لكية اخلاصة والنظام

سنة أخرى قـبـل إجـازة مـطـالـب٨٠االقتصادي برمـتـه8 واحـتـاج األمـر إلـى ا>يثاق.

وهكذا جند أنفسنا هنا إزاء مفارقة: فالبلد الذي كان رائدا في الثورةالصناعية وصاحب أكبر اقتصاد رأسمالي متقدم في القرن التاسع عـشـروالذي يعد ورشة العالم ومكتب اختراعاته انـتـظـر حـتـى أربـعـيـنـات الـقـرنا>اضي مفكرا أ>انيا (أو باألحرى مفكرين أ>انيX) ليقوم بتحليل اقتصادهعلى أسس اشتراكية ريكاردية8 وليدمج الدراسة اجلديدة لالقتصاد السياسيباشتراكية أوين8 وليحول حركة الطبقة العاملة اجلماهيـريـة مـن األهـداف

الليبرالية إلى األهداف االشتراكية.وفي احلقيقة لم يكتف كارل ماركس وفريدريك إجنلز باستخدام نظريةريكاردو لدراسة العمليات احملددة للنظام اجلديد والظروف العينية للطبقةالعاملة اجلديدة8 بل وجها أيضا اكتشافاتهما لتطوير النظرية االقتصاديـةالبريطانية8 وخلقا خالل هذه العملية حركة أوربية جماهيرية وغيرا معنى

االشتراكية وأهميتها تغييرا دائما.على أن ا>اركسية أكثر من مجرد مزيج بX ريـكـاردو وأويـن8 إنـهـا دمـج

166

الغرب والعالم

لالشتراكية الفرنسية بالفلسفة األ>انية باالقتصاد السياسي الـبـريـطـانـي.فنقطة االنطالق عند كارل ماركس هي ا>ناخ الفلسفي جلامعة بـرلـX فـيثالثينات القرن التاسع عشر. فقد واجه الفالسفة األ>ان-في ظل االحتاللالنابوليوني-مشكالت سياسية خارجية هي مشكلة القومية واحلرية ونشدواالعزاء في القيام بتأمالت عميقة في بعض ا>شاكل «الداخلية» مثل ا>عرفةواألخالق والوجود والعقل واحلكم وفلسفة األخالق والنقد واجلوهر والذهن.

8 في ثمانينات وتـسـعـيـنـاتImmanuel Kantكان الفالسفة األ>ـان مـن كـانـت إبان االحتالل (الفرنسي)Gohann Gottlieb Fichteالقرن الثامن عشر8 فيخته

8 يشقـون١٨٣١ الذي توفي عـام Georg Wilhelm Friedrich Hegelحتى هيجـل طريقهم بصعوبة بX الشك واإل�ان للوصول إلى ا>باد� األولى وا>طلقاتالكلية كما فعل ا>فكرون اإلجنليز مثل هوبز ولوك ومفكرو عصـر الـتـنـويـرالفرنسيون منذ ديكارت. غير أن الفلسفة اإلجنليزية كانت أكثـر جتـريـبـيـةوعينية8 وكانت الفلسفة الفرنسية أكثر عقالنية وحتضرا وعا>ية. أما األ>انفقد اجتهوا إلى الداخل وتأملوا فـي قـضـايـا احلـريـة والـعـالـم مـن مـنـظـورالنفس. لقد عانوا من العزلة واخلضوع للغير ولكنهم استمدوا أفكارهم منتراث ديني صوفي غني ليطرحوا تساؤالت عن العالقات بX ا>عرفة والفعل8

وبX الوجود والتفكير8 وبX الوجود اإلنساني والوعي.وقد تقبل ماركس الشاب استبصار كانت وفخته وهيجل وتوصل إلى أنXالفلسفي Xالعقل أو الوعي فعال دائما. غير أنه رفض اجتاه هؤالء ا>ثالياأل>ان إلى تناول العـقـل أو «الـروح» أو «األفـكـار» عـلـى أنـهـا هـي احلـقـيـقـةXالـفـرنـسـيـ Xالـفـلـسـفـيـ Xالوحيدة. وفي الوقت نفسه رفض اجتاه ا>اديـواإلجنليز نحو اإل�ان بأن األفكار ال �كنـهـا إال أن تـعـكـس الـواقـع ا>ـادياألساسي وكأنها مرآة لقد أراد أن يغير الواقع وهو يدرك �اما ما يفرضه

سنـة فـي8١٧ وفـي سـن ١٨٣٥هذا الواقـع مـن قـيـود. وكـتـب فـي أوائـل عـام امتحان نهائي8 أنه يريد أن يقضي حياته في العمل من أجل رفاهية البشر.ثم أضاف: (ولكن عالقاتنا داخل اجملتمع قد تشكلت إلى حـد مـا8 قـبـل أن

نصبح في وضع �كننا من حتديدها).أن ندرك ما هو محدد اجتماعيا ونسعى مع هذا إلقامة عالـم أفـضـل-هذه هي ا>شكلة التي أخذها ماركس على عاتقه والتي استمر بقية حياته

167

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

كلها في متابعتها. وال فائـدة تـذكـر مـن اتـهـامـه بـعـدم االتـسـاق مـع الـنـفـسإل�انه باحلتمية وا>ثالية في ذات الوقت8 فهو لم يكن هذا وال ذاك. فـقـدواجه بجسارة مشكلة إضفاء معنى وداللة على العمل اإلنـسـانـي فـي عـالـممحدد ثابت8 كما واجه مشكلة احلرية والضرورة. وهو لم يتهرب من مواجهةهذه ا>شكلة احملورية في عصره (وعصرنا) عن طريق اإل�ان ا>ثالي األحادياجلانب بـقـوة األفـكـار أو عـن طـريـق االسـتـسـالم ا>ـادي األحـادي اجلـانـبللظروف. بل إن عبقريته كانت تكمن في مواجهة مشكلة شبه مسـتـحـيـلـة8وفي تركها عند وفاته أكثر صعوبة �ا كانت عليه حX وجدها. لقد بينتأعمال ماركس8 طيلة حياته. أن العمل اإلنساني حتدده الظروف أكثر �اكان اإلنسان يتصور8 وأن التحرر اإلنساني بدوره �كن أكثر �ا كان يحلم

به.ع األفق الذي فهمت به الثقافة األوروبيةلقد �كن ماركس من أن يوس

ن للناس كيف يفكرون تفكيراعمق الضرورة وكذلك إمكانات احلرية بأن بيتاريخيا في اجملتمعات اإلنسانية. وفي خالل هذا �كن القول إنه «اخترع»من الوجهة العملية علم االجتماع والتاريخ االجتماعي. ويتلخص الدين الذيندين به >اركس في أنه أعطانا أساليب تاريخية واجتماعية جديدة للتفكير

في ا>شكالت األكثر إحلاحا في اجملتمع الصناعي احلديث.إن كلمة «التاريخ» في أ>انيا في ثالثينات القرن السابق وأربعيناته كانتتعني فلسفة هيجل. وغالبا ما يـقـال إن مـاركـس أخـذ فـلـسـفـة هـيـجـل فـيالتاريخ8 بوصفها صداما جدليا لفكرة (أطروحة) مع نقيـضـهـا (الـنـقـيـض)يفضي إلى فكرة جديدة (ا>ركب)8 وأنه طبق هذه الـعـمـلـيـة اجلـدلـيـة عـلـىدراسة اجملتمع ا>ادي-ومن ثم قدم فلسفة جديدة أو علما للـتـاريـخ يـسـمـىبا>ادية اجلدلية. وهذا تبسيط مخل لكل من هيجل وماركس. إذ ال �ـكـنالعثور على عبقرية هيـجـل فـي خـريـطـة مـوجـزة تـتـكـون مـن ثـالث أو أربـعكلمات يونانية8 كما أن ماركس ببساطة لم يطبق نظريـة هـيـجـل فـي تـطـوراألفكار على تطور اجملتمع. إن هيجل علم ماركس أن الـتـاريـخ هـو عـمـلـيـةتستمر بفضل جانبها السلبي وأنه �كن إدراك معنى أو اجتاه للتاريـخ مـنوراء احلشد ا>ضطرب للوقائع ا>تغيرة ال بأن نركز عيوننا على البناء الثابتفحسب8 بل نركزها بالقدر نفسه على قوة التغيير التي ينطوي عليها ما حل

168

الغرب والعالم

فه من رماد.بنا خالل التاريخ من خسائر8 وما ظهر فيه من خاسرين وما خلإن الفكرة القائلة بأن هناك منطقا للتاريخ ظهـرت فـي عـصـر الـتـنـويـرالفرنسي في القرن الثامن عشر. ولكنها أفضت إلى نظريات سان سيمونوكومت اجملردة عن ا>راحل التاريخية التي تفصل كل مرحلة فيها هوة عنا>رحلة السابقة ألنه لم ينصب التفكير على عملية التغييـر الـفـعـلـيـة. لـقـدوجد هيجل8 ثم ماركس8 محركا أو دافعا للتغـيـيـر االجـتـمـاعـي فـي الـعـمـلاإلنساني. فكتب ماركس في كتابه اخملطوطات االقتصادية الفلسفية لعـام

: يقول «الشيء العظيم في كتاب هيجل ظاهريات الروح هو أنه يتصور١٨٤٤اخللق الذاتي لإلنسان بوصفه عمليه أو صيرورة.. ومن ثم فهو يـسـتـوعـبطبيعة العمل8 ويفهم اإلنسان ا>وضوعي... على أنه نتيجة ما يقوم بـه مـن

عمل».

ماركس: من تاريخ العمل إلى نقد االغتراب)١٨٤٦-١٨٤٤) وكتاب اخملـطـوطـات (١٨٤١في رسالة ماركس لـلـدكـتـوراه (

) األيديولـوجـيـة١٨٤٥) وأطروحات عـن فـويـر بـاخ (١٨٤٥والعائلـة ا>ـقـدسـة ( فلسفة للتاريخ وعلم اجتماع أوليا يريـان الـعـمـل) طور١٨٤٦-١٨٤٥األ>انيـة (

اإلنساني على أنه صانع التاريخ وا>ستفيد منه. وقـد ذهـب إلـى أن الـنـاسينتجون أنفسهم وعا>هم من خالل النشاط العملي أو العمل. وهذه عملـيـةجدلية: إذ يخلق الناس بيئتهم8 وتقوم البيئة اجلديدة بتغييرهـم. كـمـا أنـهـاعملية اجتماعية: «فالفرد كائن اجتماعي»8 «ونشاطـه الـواعـي احلـر» نـتـاجاجتماعي. وهي عملية تاريخية بشكل جوهري. إذ ليس ثمة طبيعة إنسانيةثابتة8 واإلنتاجية اإلنسانية تغير دائما احلاجات وا>شاعر والعقائد واألحالم

اإلنسانية في أثناء تغييرها للعالم اخلارجي.لقد جتاوز ماركس فلسفة هيجل في التاريـخ فـي عـدة جـوانـب مـهـمـة.

% من السكان العاملX أكثر أهـمـيـة مـن جتـريـدات٩٠فقد كان يعد نـشـاط الفالسفة. وعند ماركس جند رؤية هيجل للتاريخ بوصفه التحقق التدريجيللحرية وقد اكتست حلما ودما وعرقا. ولكن األمر البالغ األهمية أن ماركسنبذ مذهب هيجل التأمل النظري8 وهو مذهب فلسفي مطلق8 وتبنـي-بـدالمن ذلك-فلسفة نقدية للتاريخ حتاول أن توحد النظرية والتطبيق. إن التاريخ

169

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

عند ماركس نشاط ثوري نقدي.وهكذا حول ماركس تاريخ العمل اإلنساني8 كما وضعه8 إلى نقد للعملفي اجملتمع الرأسمالي. فالطبقات العاملة لم تتلق ثمار عملها8 ولم يسمحللعمل بأن يكون نشاطا تلقائيا واجتماعيا8 وخالقا ونافعا. وقامت األسواقواألرباح الرأسمالية بإعاقة أكبر حاجـة إنـسـانـيـة أسـاسـيـة-وهـي الـنـشـاطالتعبيري. لقد اغترب العمال (انفصلوا) عن عمـلـهـم وعـن أجـسـامـهـم. مـاالذي يشكل اغتراب اإلنسان? أوال أن العمل خارجي بالنسبة للعامل8 أي أنهليس جزءا من طبيعته8 وبالتالي فإنه ال يحقق نفسه فـي عـمـلـه8 بـل يـنـفـينفسه8 و�ارس إحساسا بالتعاسة بدال من السعادة8 وال يطور طاقاته الذهنيةواجلسدية بحرية وإ�ا يرهق جسديا وينحط عقليا. ولذا ال يشعر العامل

د في عمله.باالطمئنان إال خالل وقت فراغه8 بينما يشعر بأنه غريب مشرإنه ال يعمل عن طيب خاطر8 وإ�ا ألن العـمـل مـفـروض عـلـيـه8 فـهـو عـمـلقسري. إنه ليس إشباعا حلاجة8 وإ�ا وسيلة إلشبـاع احلـاجـات األخـرى.ويتضح اغتراب العمل في أنه xجرد غياب عنصر القسر اجلسدي أو غيرهمن عناصر القسر فإنه يجري حتاشـيـه كـمـا لـو كـان طـاعـونـا. وأن الـعـمـلاخلارجي8 العمل الذي يغترب فيه اإلنسان عن نفسه8 هو عمل التـضـحـيـةبالذات والقضاء عليها. وأخيرا فإن الطابع اخلارجي للعمل8 بالنسبة للعامل8يتضح في أنه ليس عمله بل عمل لشخص آخر8 وأنه في العمل ال ينتمي إلى

».)١٥(نفسه وإ�ا إلى شخص آخروبهذه الطريقة تؤذن فلسفة التاريخ بظهور نظريـة اجـتـمـاعـيـة نـقـديـة.ذلك ألن تاريخ العالم الذي يظهر حتقيق الفرد لذاته من خالل العمل (بـلحتى اإلجنازات العمالقة لإلنتاج في ظل الرأسمالية الصـنـاعـيـة) يـكـشـفأيضا عن تنـاقـضـات الـتـنـظـيـم الـرأسـمـالـي لـلـعـمـل مـن خـالل االسـتـغـاللاالقتصادي واالغتراب النفسي. فاألفراد لم يعودوا يحقـقـون هـويـتـهـم مـنخالل العمل اخلالق ألن نتاج عملهم لم يعد ملكا لهم. واألشياء التي ينتجهاالعمل تتحول اآلن ضد العمال. وكما أن هذه ا>نتجات قد أكدت وجـودهـمومدارتهم ورغباتهم وهويتهم فإنها اآلن في ظل الـرأسـمـالـيـة شـاهـد عـلـىعبوديتهم. فلما كان العمال يعملون xقتضى أمر الرأسمالي ويصنعون مـايدر الربح على الرأسمالي8 ويفقدون السيطرة على كل مـا يـصـنـعـون8 فـإن

170

الغرب والعالم

نتاج عملهم ينفي في الواقع هويتهم بدل أن يؤكدها. واحلصول علـى رأسا>ال يتم عن طريق دفع أجور للعمال أقل من قيمة منتجاتهم8 ولذا فإن قوةرأس ا>ال تزداد على حX تنخفض قوة العمل. «كلما زاد إنتاج العامل زادتقوة رأس ا>ال ونقصت قدرة العامل على السيطرة على منتـجـاتـه. وهـكـذا

».)١٦(يصبح العمل ضحية قوة خلقها بنفسهفي ظل الرأسمالية يغترب العمال عن عالم آخذ في االتساع-عالم مـن

التي «تعارضهم». إنهم يغـتـربـون عـن قـواهـم وعـن ذواتـهـمObjectsاألشيـاء اخلالقة. وإذ ينفصل العمال عن نتاج عملهم دون �ارسة اإلحساس باحترامالذات الذي يصاحب عملية الصناعة والصياغة والتشكيل8 فإنهم يعاملونوكأنهم أشياء أو موضوعات. وعندما يغتربون عن أنـفـسـهـم يـغـتـربـون عـنالبشر اآلخرين. وxا أنهم يشترون ويباعون مثل األشياء أو كـقـطـع اآلالتفإنهم ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم أشياء أو موضوعات ويعاملون اآلخرين

بالطريقة نفسها8 وبذا «تتموضع» العالقات اإلنسانية.وهكذا يرى ماركس أنه في ظـل الـرأسـمـالـيـة ال يـصـبـح الـعـمـل وحـده8مغتربا عن احلاجات اإلنسانية بل تصبح احليـاة كـلـهـا كـذلـك. والـواقـع أنا>شكلة ليست مجرد شراهة.الرأسمالي8X فالنظام اجلديد للملكية اخلاصةقد خلق نظاما اجتماعيا معقدا يصبح الشره فيه شائعـا8 والـتـالعـب أمـراأخالقيا8 واألنانية شيئا طبيعيا8 والتضحيـة (xـعـنـى تـدمـيـر الـذات) مـثـال

أعلى:«إن القضية الرئيسة في هذا النظام هي نكران احلـيـاة واالحـتـيـاجـاتاإلنسانية. فكلم قل ما تأكله وتشربه وتشتريه مـن كـتـب8 وقـل ذهـابـك إلـىا>سرح أو قاعات الرقص أو احملال العامة وقلت �ارستك للتفكير واحلبو... والتنظير والغناء والرسم وا>بـارزة... الـخ ازددت قـدرة عـلـى الـتـوفـيـروازدادت ثروتك دون أن تأكلها العثة أو يفسدها الصدأ-أي ازداد رأسمالك.كلما تناقصت أنت وتناقص تعبيرك عن حياتك ازدادت ملـكـيـتـك وازدادت

».)١٧(حياتك ا>غتربة وازداد ادخار وجودك ا>غتربإن نظرية ماركس اخلاصة باغتراب العمل في اجملتمع الرأسمالي حولتنظريته الهيجلية السابقة عن التاريـخ إلـى نـظـريـة نـقـديـة-نـظـريـة مـتـحـدةباالستراتيجية العملية. ودراسته لألهمية التاريخية للعمل أفضت إلى دعوة

171

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

اشتراكية إلنهاء االغتراب وإعادة تكامل العمل واحلياة. وتعمقت اشتراكية في السنوات األربع التي سبقت البيان الشيوعي١٨٤٤ماركس اإلنسانية عام

8 حX انهمك ماركس في االطالع على الفكر االقتصادي١٨٤٨الذي نشر عام البريطاني والكتابات الفرنسية في التاريخ. وكما أن دراسته الهيجلية السابقةلتاريخ العمل أفضت به إلى تقييم نقدي للعمـل الـرأسـمـالـي8 فـإن دراسـتـهلتاريخ األفكار االقتصادية واالجتماعية أفضـى إلـى نـظـريـة نـقـديـة لـلـدورالتاريخي لألفكار في ظل الرأسمالية. وكما أن مفهوم «االغتراب» قد أقامرابطة بX النظرية والتطبيق8 جند اآلن أن فكرة «األيديولوجيا» تقيـم اآلن

جسرا نظريا جديدا يوصل إلى الفعل أو «البراكتس» أي ا>مارسة.

ماركس: من تاريخ األفكار إلى نقد األيديولوجيالعل ما شد انتباه ماركس إلى فريدرك إجنلترا هو ما مقالة عن االقتصاد

. وكان ماركس أيضا يسهم با>قاالت١٨٤٤السياسي كتبها هذا األخير في عام في الكتاب السنوي األ>اني/ الفرنسي. وكان ماركس وإجنلز قد التقيا في

8 عندما جاء إجنلز إلى مكتب ماركس xجلة راينالند١٨٤٢واقع األمر عام تا�ز8 وهي صحيفة ليبرالية قام ماركس بإدارتها عندمـا رفـضـوا تـعـيـيـنـهأستاذا في اجلامعة. وقد اقتحم إجنلز ا>كتب وهو يدعو8 بحماسة8 إلى نوعمن الشيوعية اخلالصة كانت تبدو حملرر الصحيفة اجلادة وكأنـهـا تـهـريـجوتهو� كلها8 ومن ثم طرده ماركس. وقد واصل إجنلز رحلتـه إلـى إجنـلـتـراللتدرب على عمل أبيه في مانشستر ولينتهز الفرصة لدراسة «حركة ا>يثاق»

كان إجنلز١٨٤٤ويكتب عن أحوال الطبقة العاملة اإلجنليزية. وبحلول عام قد أصبح رجل أعمال ناجحا وكاتبا شيوعيا معروفا. وكانـت ا>ـقـالـة الـتـي

دراسة مهمة عن الفكر االقتصادي اإلجنليزي١٨٤٤8كتبها للكتاب السنوي عام ذهب فيها إلى أن االقتصاد السياسي أو النظريات السياسية واالقتصاديةآلدم سميث وريكاردو وغيرهما ليست سوى تبريرات ماكرة لدوافع الطمعوالشره عند الرأسماليX البريطانيX. كما أن حديثهم عن التجـارة احلـرةوا>نافسة وا>لكية اخلاصة وثروة األ� هو في احلقيقة احتيال على الطبقةالعاملة البريطانية وليس علما اقتصاديا محايدا. ولقد تركت ا>قالة انطباعاقويا لدى ماركس جعله يبدأ في مراسلة إجنلز وكان ماركس قد توصل من

172

الغرب والعالم

قبل إلى فهم لدور الطبقات االجتماعية والقدرة الكامنة الثورية للبروليتاريا(الطبقة العاملة) من خالل قراءاته. للتاريخ الفرنسي8 بينما كان في باريس8واآلن شرع في قراءة كل ما أتيح له من أعمال علمـاء االقـتـصـاد اإلجنـلـيـز

ا>ترجمة إلى الفرنسية.في هذه ا>رة أصبح تاريخ األفكار حتليال نقديا لألفكار. إن كل شـيء-الفلسفة األ>انية والكتابات الفرنسـيـة فـي الـتـاريـخ واالقـتـصـاد الـسـيـاسـيXالبريطاني-بدأ مترابطا8 فهذه كلها كانت استجابة الضطرابات اخلـمـسـعاما األخيرة: «لقد استوقف ماركس التشابه األساسي بX بعض ا>فاهيماحملورية التي يستخدمها الفالسفة وعلماء االقتصاد وا>ؤرخون على السواء.لقد بدا أنهم-عن وعي أو عن غير وعي-كانوا يفكرون بطريقة أخذت تظهرتدريجيا منذ القرن السابع عشر على يد ا>فكرين ا>مثلX لشريحة اجتماعيةخاصة لم يعد تفوقها موضع شك: أال وهي البورجوازية. وقـد تـوصـل مـنإدراكه هذا إلى فكرة أن كل هذا التنظـيـر ا>ـركـب يـشـكـل «الـبـنـاء الـفـوقـي

.)١٨(األيديولوجي» حلقيقة اجتماعية خاصة: «اجملتمع البورجوازي»لم يذهب ماركس-كما فعل إجنلز إلى أن هؤالء ا>فكرين مخادعون8 أيمجرد أسلحة ثقافية أجيرة. كما أنه لم يذهب إلى أن هؤالء ا>فكـريـن هـممجرد دعاة لطبقتهم8 وكأنهم محامون يدافعون عـن قـضـيـة. لـقـد اعـتـرفماركس بإخالصهم كما اعترف بالدقة العلمية في كثير من كتاباتهم8 لكنهرأى ما وراء ذلك: إذ أدرك أن ا>ثقفX �يلون إلى أن يشاركوا في األفكارا>وجهة لعصرهم8 وفي مسلماته ومقوالته العقلية8 وأنهم يرتبطون بالتحالفاتXالطبقية االجتماعية لذلك العصر. مثال ذلك أن جميع ا>فكرين السياسيواالقتصاديX البارزين تقريبا منذ القرن السابع عشر قد اشتركوا في رؤيةللطبيعة البشرية ظنوا أنها خالدة8 ولكنها-من الناحـيـة الـفـعـلـيـة-�ـثـل نـوعالطبيعة البشرية الذي ظهرت مع الثورة االقتصادية والسياسية البورجوازية.إن كثيرا من أفكار ا>اركسية الناضجة قد انـبـثـقـت عـن هـذا الـتـحـلـيـللتاريخ األفكار. فاألفكار مرتبطة دائما بشـكـل مـا بـالـسـيـاقـات الـتـاريـخـيـةواالجتماعية اخلاصة التي تنبع منهـا. وكـل فـتـرة تـاريـخـيـة تـنـتـج أفـكـارهـاومسلماتها وإدراكاتها وفنها وحقائقها. وبقدر ما تعكس هذه العمليات العقليةاالحتياجات االجتماعية جملتمع معX أو طبقة معينة فإنها تؤدي وظيفتـهـا

173

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

أيديولوجيا8 أي أنها تعمل لتأييد جانب من جوانب الـواقـع االجـتـمـاعـي أوحتديه. فا>قوالت العقلية للطبقة احلاكمة تكون فعالة بـصـفـة خـاصـة مـنالناحية األيديولوجية في تدعيم الوضع القائـم. وقـد يـكـون مـن ا>ـفـيـد أننسمى األ�اط احلديثة من التفكير أ�اطا برجوازية ألنها كثيرا ما تخدماحتياجات طبقة الوسطاء الصناعية ا>توسطة8 أو بورجوازية. و�كننا أحياناأن نتحدث حديثا ذا معنى عن االقتصاد البورجـوازي والـفـن الـبـرولـيـتـاريوديانة مالك األرض8 وأفكار مالك العبيد عن الله8 واألفكار اإلقطاعية عناإلنسان8 واجتاهات الفالحX إزاء الزمن-أو أي شكـل اجـتـمـاعـي آخـر مـنأشكال النشاط العقلي. إن األفكار وا>شاعر وا>واقف والفـنـون تـتـغـيـر مـعتغير اجملتمع. و�كن فهم تاريخ العالـم فـي إطـار هـذه األسـالـيـب ا>ـتـغـيـرةللنشاط العقلي8 وكذلك في إطار األشكال ا>تغيرة للـتـنـظـيـم االجـتـمـاعـي-واجملاالن ليسا في الواقع منفصلX على اإلطالق. فاألفكار ال تصدر قـطمن فراغ8 بل هي دائما على عالقة ما بالواقع االجتماعي8 لهذا فإن لألفكار

دائما دورا أيديولوجيا أو اجتماعيا.ولقد كانت النتائج العملية لهذه األفكار عن األفكار هائلة: فتناول ماركسالنقدي قد أفاد أجياال من األنصـار الـذيـن أتـوا بـعـده بـأن زودهـم بـأدواتالختراق احملتوى األيديولوجي لقدر كبير من الـفـكـر الـبـورجـوازي. وأمـكـنقلب فروض علماء االقتصـاد الـسـيـاسـي رأسـا عـلـى عـقـب8 مـع اسـتـيـعـاباستبصار اتهم الهامة. وأمكن تشجيع أفكار الطبقة العاملة وثقافاتها وفنونهابعد فصلها عن األ�اط التي تطرحها الطبقة احلاكمة اجلائرة8 وإعطاؤهامـا تـسـتـحـق مـن احـتـرام. وأمـكـن دراسـة األديـان والـفـنـون8 وحـتـى الـعـلــوماالجتماعية8 >عرفة تأثيرها األيديولوجي أو االجتماعي8 وكذلـك لـلـتـوصـلإلى نصيبها من «حقيقة» مجردة. كما أمكن كتابة الـتـاريـخ مـن أسـفـل إلـىأعلى (والواقع أن كثيرا �ا جاء في هذا الكتاب قد كتب انطالقا من هذاا>نظور8 كما أن بعض األقسام8 مثل مناقشة فلسـفـة هـوبـز ولـوك8 مـا كـان�كن كتابتها بدون ماركس والتراث العلمي ا>اركسي) وعلى ذلك فال جدوىمن احلديث عن الطريقة التي كان ماركس وإجنلز يصران بها أحيانا علىأن البناء الفوقي لألفكار يعكس بناء الواقع االجتماعي بشكل آلي ومـادي8ألن أفكارهما عن العلة وا>علول أكثر تعقيدا من هذا. بل إنهمـا قـد اتـهـمـا

174

الغرب والعالم

ا>فكرين البورجوازيX بأنهم يتوهمون أن الناس ال يعملون إال من أجل ا>ال8واتهما البورجوازية بأنها تخلق مجتمعا ال يستطيع اإلنسان أن يعمل فيه إالمن أجل ا>ال. وحتى عندما بالغ ماركس وإجنلز في أهمية اجلذور االجتماعيةلألفكار فإنهما كانا هما ذاتهما يعكسان التحيز اآللي وا>ـادي لـعـصـرهـمـاالصناعي. فالشيء ا>هم ليس أخطـاءهـمـا أو حـدود الـرؤيـة الـتـي فـرضـهـاعصرهما عليهما8 وإ�ا األسئلة اجلديدة التي �كنا من طرحها وا>نـاهـج

اجلديدة في التفكير النقدي التي توصال إليها.

: البيان الشيوعي١٨٤٨إن ماركس الفيلسوف ينبغي أال يغطي على ماركس الثوري. فالفلسـفـة

: «لقد١٨٤٥والثورة لم يكونا اهتمامX منفصلX عند ماركس. وقد كتب عام اكتفى الفالسفة بتفسير العالم بطرق مختلفة8 وا>سألة ا>همة هي تغيـيـره«لكن الرغبة في التغيير8 التي ال تعتمد على العقـل وا>ـعـلـومـات وا>ـعـرفـة8ليست عند ماركس بأفضل من التفلسف العقيم. فالثورة الناجحة تتطـلـبXأساسا فلسفيا وتاريخيا صارما وجده ماركس ناقصا في رؤى االشتراكي

ا>ثاليX وفي صراخ الثوريX ذوي ا>يول االنتحارية. بوصفه برنامج العصبـة١٨٤٨-١٨٤٧لقد كتب البيان الشيوعي في شتاء

الشيوعية للدعوة إلى ثورة مدعـومـة بـا>ـعـرفـة. فـهـو وثـيـقـة شـيـزوفـريـنـيـة(فصامية) لعصر شيزوفريني. إن الكتاب يتطلع من ناحية إلى إكمال الثورةالبورجوازية التي لم تكن قد حققت إال بوادرها األولى في فرنسا منذ عام

والتي كانت بالكاد قد بدأت في أ>انيا. وهو يتطلع من ناحـيـة أخـرى١٧٨٩إلى الثورة االشتراكية القادمة التي لم تظهر إال بشكل جنيني في «األربعينات

اجلائعة» للقرن ا>اضي.فـإذا كـان مـاركـس وإجنـلـز قـد ظـنـا خـطـأ أن آالم والدة الــرأســمــالــيــة

هي حشرجة احتضارها8 فـقـد كـان هـذا خـطـأ١٨٤٨البورجوازية فـي عـام نابعا من رؤيتهما التاريخية الواسعة. لقد �كنا من إدراك التطورات الالحقةللنظام االقتصادي واالجتماعي اجلديد بدرجة من الدقة جعلتهما يتخيالنأحيانا أنها قد حدثت بالفعـل. ولـهـذا جنـد أن الـبـيـان يـبـالـغ فـي إجنـازات

وفي سلبياته معا. فهل من ا>ـعـقـول أن١٨٤٨اجملتمع البورجوازي فـي عـام

175

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

البيان الشيوعي يبالغ في إجنازات الرأسمالية).«إن [الرأسمالية]8 هي أول نظام يبX ما �كن أن ينجزه النشاط اإلنساني.لقد حققت عجائب تفوق إلـى حـد بـعـيـد8 األهـرامـات ا>ـصـريـة والـقـنـواتالرومانية والكاتدرائيات القوطية8 وقادت حمالت فاقت كل األشكال السابقة

لهجرة األ� وحمالتها العقائدية.ر أدوات اإلنتاج دائماإن البورجوازية ال تستطيع أن تعيش بدون أن تثو

ومن ثم تثور عالقات اإلنتاج8 ومعها كل عالقات اجملتمع... وهكذا تكتسحكل العالقات الثابتة اجلامدة ومعها سلسلة التحيزات واآلراء القد�ة ا>وقرة

التي تنبع منها...إن حاجة البورجوازية إلى سوق دائم االتساع >نتجاتها أمر يطاردها فيكل أنحاء ا>عمورة... ومن هنا يحل التفاعل في كل اجتاه واالعتماد ا>تبادلبX األ� محل العزلة القومية واالكتفاء الذاتي القـد�. ومـا يـحـدث عـلـىمستوى اإلنتاج ا>ادي يحدث نظيره على مستوى اإلنتاج العقلي. فاإلبداعاتالعقلية لكل أمة على حدة تصبح ملكية عامة. وتصـبـح األحـاديـة الـقـومـيـةوضيق األفق القومي مستحيلX أكثر فأكثر8 ومن اآلداب الكثيرة الـقـومـيـة

واحمللية ينشأ أدب عا>ي.إن البورجوازية جتذب كل األ�8 حتى أكثرها همجية8 إلى دائرة احلضارةمن خالل التطوير السريع لكل أدوات اإلنتاج8 ومن خالل وسائل ا>واصالتا>يسرة إلى أقصى حد... لقد خلقت مدنا هائلـة8 وزادت مـن عـدد سـكـانا>دن زيادة هائلة با>قارنة مع السكان الريفي8X وأنقذت بذلك جانبا كبيرا

من السكان من بالهة احلياة الريفية.إن البورجوازية8 خالل فترة حكمها التي لم تكـد تـصـل إلـى مـائـة عـام8خلقت قوى إنتاج أعظم وأضخم من كل األجيـال الـسـابـقـة مـجـتـمـعـة فـأيعصر سابق كان لديه أدنى إحساس بأن العمل االجـتـمـاعـي يـحـتـضـن فـيداخله قوى إنتاجية كامنة كإخضاع قوى الطبيعة لإلنسان واآلالت وتطبيقالكيمياء في الصناعة والزراعة8 واستخدام البـخـار فـي ا>ـالحـة والـسـكـكاحلديدية8 والتلغراف الكهربائي8 وتهيئة أراضي قارات بأكمـلـهـا لـلـزراعـة8والتحكم في األنهار وظهور شعوب بأكملـهـا فـوق األرض وكـأن سـاحـرا هـو

)١٩(الذي استدعاها?

176

الغرب والعالم

فالعـزلـة١٨٤٨وال شك في أن هذا كله لم يكن قد حـدث بـعـد فـي عـام القومية لم تكن قد انفتحت بعد «للشركات ا>تعددة اجلنسيات». واإلقليميةاحمللية و«الغباء الريفي» لم يكونا قد اختفيـا �ـامـا بـعـد. و «ضـيـق األفـق»القومي لم يكن قد حل محله «أدب عا>ي» بعد لـقـد فـهـم مـاركـس وإجنـلـزدينامية الرأسمالية البورجوازية8 ولذا �كنا من اإلفصـاح عـن مـضـمـونـهـا

الكامن وعن أشكال تطورها في ا>ستقبل البعيد.واألمر نفسه يصدق على تضخيمهما لسلبيات اجملتـمـع اجلـديـد. لـقـدأدركا اإلمكانية االنقالبية للنظام اجلديد8 وأعربـا عـن نـبـوءتـهـمـا بـصـيـغـة

ا>اضي:«إن البورجوازية8 أينما أصبحت لها اليد الطولي8 قضت على كل العالقاتاإلقطاعية األبوية الرحيمة فمزقت دون رحمة8 الروابط اإلقطاعية الكثيرةX8 ولـم تـتـرك أيـة رابـطـة بـ«Xالتي كانت تربط اإلنسان «بسادته الطبيعـيـاإلنسان واإلنسان سوى عالقة «ا>ال» الفظه وفي مياه احلسابات األنانـيـةالثلجية أغرقت أسمى أشكال النشوة الدينية والتحمس الفردوسي والعاطفيةالشعبية ا>فرطة وذابت قيمة الشخصية اإلنسانية فتحولت إلى قيمة تبادلية8وحلت حرية التجارة8 تلك احلرية الوحيدة التي ال ضميـر لـهـا8 مـحـل ذلـكالعدد الهائل من احلريات التقليـديـة الـعـزالء وبـإيـجـاز شـديـد حـلـت مـحـلاالستغالل الذي تلفه غالله من األوهام الدينية والسياسية استغالال صريحا

صفيقا مباشرا وحشيا ال يرحم.لقد نزعت البورجوازية الهالة عن كل مهنة كان الناس يكرمونها ويتطلعونإليها بخشوع واحترام. فحولت الطبيب واحملامي والقسيس والشاعر ورجل

العلم إلى عمالها األجيرين.لقد نزعت البورجوازية عن األسرة حجابها العاطفي8 وهبطت بالعالقة

.)٢٠(األسرية إلى مجرد عالقة مالية»هنا أيضا جند أنه لو استخدم صيغة ا>ستقبل لكان هذا أكثر مالئمة8

كان يحتوي على عناصر إقطاعيـة كـثـيـرة.١٨٤٨فاجملتمع األوربي في عـام ولم يكن نظام األقنان قد اختفى بعد8 وكانت الطبـقـات األرسـتـقـراطـيـة التزال تتسم بالقوة8 ولم يكن الناس قد أحالوا كل العالقات االجتماعية إلىعالقات عمل8 ولم تكن النقود قد حلت بعد محل الشرف والواجب والكرم

177

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

واألخالق في كل مكان8 ولم تكن ا>شاعر الدينية قد اختفت بعد. فالقساوسةكانوا ال يزالون موضع التبجيـل8 ولـم يـكـن اجلـمـيـع8 بـل وال حـتـى األطـبـاء8يعملون من أجل ا>ال وحده. ولم يكن كـل شـيء مـعـروضـا لـلـبـيـع8 فـاحلـيـاةاألسرية كانت ال تزال على جانب من األهمية أي أن اقتصاد السوق لم يكن

.١٨٤٨بعد قد صبغ كل جوانب احلياة بالصبغة التجارية في عام ولكن ماذا نقول عن أيامنا نحن? حاول أن تستدعي طبيبك واسأله لقدكانت عبقرية ماركس وإجنلز تكمن في إدراكهما الطبيعة الـثـوريـة جملـتـمـعالسوق اجلديد أي مجتمع العمل التجاري أو اجملتمع التجاري8 فاستطاعـاأن يرسما معالم الطريق الذي ستتغير األشياء في اجتاهه وذلك بالتركيـزعلى اجلديد واستخالص نتائجه بالتفصيل. لقد أدركا أن اجملتمع الرأسماليأو البورجوازي كان يطلق قوى معينة من عقالها8 كان من شأنها تغيير العالمبشكل جذري-بل كان من شأنها خلق عـالـم واحـد. وأوحـت لـهـمـا رؤيـتـهـمـاالتاريخية-بأن إنتاجية هذا العالم. ستفوق xراحـل إنـتـاجـيـة الـعـالـم الـذيسبقه أي العصر اإلقطاعي. غير أن دراستهما للطبقات االجتماعية تذهبإلى أن اإلنتاجية الهائلة للمجتمع اجلديد ستحتوي على بذور دمارها8 كماحدث �اما في العصر اإلقطاعي. ولكن البيان ال يتحدث إال بطريقة عامة

عن هذه «البذور».«يكفي أن نذكر األزمات التجارية بتكرارها الدوري التي تهـدد8 بـشـكـلآخذ في االطراد8 اجملتمع البورجوازي كله. وأثناء هذه األزمات يدمر جزءكبير من ا>نتجات ا>وجودة بالفعل8 بل يدمر أيضا جزء كبير من قوى اإلنتاجالتي كانت موجودة في ا>اضي. وفي هذه األزمات ينتشر وباء كان تـصـوره

.)٢١(في السابق محاال-أال وهو وباء اإلنتاج ا>فرط»إن مسألة أزمات الكساد الدوري في النظام الرأسمالي كان مقدرا لهاأن تشغل حيزا كبيرا في مؤلف ماركس الذي ظهر فيما بعد رأس ا>ال. ففي

كان يكفي أن يشير ماركس إلى تاريخ األزمات التجارية8 وأن يؤكد١٨٤٨عام عبث مجتمع تغرقه قدرته اإلنتاجية ذاتها ألن ا>الك لم يدفعوا للعمال مـافيه الكفاية لشراء ما ينتجونه. ويبدو أن ماركس وإجنلز كانا أحيانا يتفقانمع معاصريهما على أن الدخل احلقيقي للطبقات العاملة آخذ في التدهور8ولكنهما مع هذا أصرا دائما عـلـى أن كـم الـنـقـود ا>ـتـاح لـلـعـمـال لـيـس هـو

178

الغرب والعالم

القضية. فالعمال الذين ال �لكون ا>صانع وأدوات اإلنتاج األخـرى مـلـكـيـةجماعية سيظلون موضع االستغالل دوما. وا>لكية اخلاصـة سـتـظـل تـعـنـيدائما أن الطبقة ا>الكة هي التي ستحتكر أرباح اإلنتاجية اجلديدة وسيزيداجملتمع الرأسمالي باستمرار من اتساع الهوة بـX ا>ـالك والـعـمـال8 ولـكـناألمر األكثر أهمية أنه سيزيد من اتساع الهوة بX إمكانية قدرته اإلنتاجيةاجلديدة وأدائها. وسوت يتعمق ذلك الوضع ا>تناقض الذي يشيع فيه الفقرفي مجتمع الوفرة8 ولكن التناقض الذي ينطـوي عـلـيـه اإلنـتـاج بـال مـعـنـى8

اإلنتاج العقيم ا>دمر8 لن يقدم أي عالج.

٢٠٥٠- ١٨٥٠الرأسمالية واالشتراكية والعمل: لم يكن للبيان الشيوعي أي تأثير تقريبا علـى الـثـورات الـتـي اجـتـاحـت

. لم يكن من ا>مكن أن تطرح الثورة االشتراكـيـة١٨٤٨اجملتمع األوربي عـام كإمكانية فعلية إال بعد أن تكمل البورجوازية ثورتها هي8 وإال بعد أن تصلبتطور اجملتمع الرأسمالي إلى أقصى قوته وتناقضاته. وقد أدرك ماركسوإجنـلـز8 عـلـى الـرغـم مـن مـبـالـغـاتـهـمـا فـي الـتـعـبـيـر عـن نـضـج احلـضـارةالبورجوازية8 أن وقت االشتراكية ما زال بعيدا8 وحتدثا فيما بعد عن ضرورةاالنتظار حوالي خمسX عاما قبل أن جتهز الرأسمالية على نفسهـا. لـقـد

عن ا>ستقبل البعيد كأنه ا>اضي8 لكنه انتـهـى١٨٤٨حتدث البيان في عـام إلى اقتراحات محددة مرتبطة باحتياجات احلاضر: فأصرا عـلـى ضـرورةحتالف الشيوعيX مع األحزاب البورجوازية8 إذ ال �ـكـن أن يـبـدأ الـكـفـاح

ضد اجملتمع البورجوازي إال بعد التأكد من انتصار البورجوازية. داعبت ماركس وإجنلز8 لفتـرة وجـيـزة8 فـكـرة١٨٤٨وبعد إخفـاق ثـورات

وإلى نهاية حياتـهـمـا١٨٥٠8اإلسراع بالعملية الثورية8 ولكـن مـع حـلـول عـام التزما بعملية تدريجية قوامها الدراسة والتعليم والنضال. فاشتغل ماركس

وفرغ طاقاته لتحـلـيـل١٨٨٣في كتاب رأس ا>ال في لندن حتـى وفـاتـه عـام النظام الرأسمالي. وأصبحت الثورة-على نحو متزايد-هـي عـمـلـيـة تـنـظـيـماحلركة العمالية واألحزاب العمالية. وهكذا اختفت اللهجة اخلطابية الرنانة

١٨٤٨8عن االنتفاضة التلقائية8 التي كانت تتسم بها بعض كتاباتهما قبل عام كما اختفى أيضا احلديث عن األحزاب السـريـة وعـن إقـامـة «ديـكـتـاتـوريـة

179

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

البروليتاريا» ا>ؤقتة التي كانت تبدو أحيانا وكأنها األمل الوحيد أثناء اليأس أصبحت الرؤية ا>اركسية لالشتراكية١٨٥٠. فبعد عام ١٨٤٩الذي خيم عام

) تـنـتـظـر تـلـك اإلجنـازات١٨٤٩د�ـوقـراطـيـة �ـامـا (كـمـا كـانـت قـبـل عــام والتناقضات الرأسمالية التي سبق أن وصفها البيان.

بعد أن قامت منـاطـق١٨٩٣ و ١٨٧٣ولقد تعافت الرأسماليـة مـن كـسـاد استعمارية كاملة برفع عبء االستغالل عن كاهل الطبقات العاملة في أورباوأمريكا الشمالية. وخفت حدة الصراع الطبقي في الداخـل بـعـد تـدويـلـه8وسمح للطبقات العاملة بأن تكون النقابات وحتصل على أجور أفضل وضماناجتماعي وتعليم شامل8 بل حصل العمال على حق االقتراع العام ما داموا

يقدمون أرواحهم للحفاظ على عدم التوازن العا>ي.8 أعلنت األحزاب االشتراكية األوربية بـصـوت عـال مـدو١٩١٤وفي عام

أنها لن تخوض احلرب ضد أخوتها في الطبقة العمالية العا>ية في سبيلاحلفاظ على ا>ستعمرات التي تبقى على حياة الرأسمالية. ولـكـن عـنـدمـاثبت احلرب انخرط أفرادها فيها وماتوا بـا>ـاليـX. إن الـدعـايـة احلـديـثـةقادرة على حتريك دوافع وطنية ال تستطيع أية دولية اشتراكية أن تخمدها.

حلظة أمل حمقاء للحركة األوربية١٩١٧ولقد قدمت الثورة الروسية عام التي كانت قد دخلت مرحلة انتحارية وكان �كن لألمور أن تـتـخـذ مـسـارامختلفا لو أن االشتراكيX األ>ان أحرزوا جناحا8 لكنـهـم أخـفـقـوا8 وأصـبـحالناس يوحدون بX االشتراكية والشيوعية وبX البيروقراطية السـوفـيـتـيـةوالستالينية والبوليس السري. وكان على االشتراكيX األوربيX أن يلـومـواأنفسهم لقبولهم شرعية ا>اركـسـيـX الـروس فـي ا>ـقـام األول. فـقـد نـسـواجوهر الرؤية التاريخية عند ماركس عندما خيل إليهم أن ثـورة اشـتـراكـيـة

ولـم١٩١٧أصيلة �كن أن تقوم في أشد أقطار أوربا إقطاعيـة. فـفـي عـام يكن هناك سوى بلدين أثن8X إجنلترا والـواليـات ا>ـتـحـدة األمـريـكـيـة هـمـااللتان اقتربتا من تلك الرأسمالية الناضجة التي تبلغ فيها القدرة اإلنتاجيةحدا يكفي للقضاء على القهر. ومع هذا منحت ا>ستعمرات نظمها فسحةXتدة من العمر. وفضال عن ذلك فإن اخللط الذي وقع فـيـه الـروس بـ�التصنيع اجلمعي واالشتراكية ا>اركسية قد أتاح للمستفيدين من الرأسماليةالغربية أن يطلقوا على أنفسهم اسم الد�قراطيات8 وأن يقرنوا االشتراكية

180

الغرب والعالم

بالعبودية واإلفالس والغباء. وحتى التصنيع الروس ذاته8 على الرغم من أنهأجنز في وقت أقصر من التصنيع الرأسمالي8 يبدو متـخـلـفـا إذا مـا قـورنبالتصنيع الغربي. وهكذا أصبح في استطاعة الرأسماليX أن يقولوا: «أرأيتم8هذا ما يحدث حX ال يكون هناك حافز شخصي8 متناسX أن الـروس لـميكن يفصلهم عن نظام األقنان إال جيل واحد. ولقد بدا انهيار الرأسمالية

وكأنه اإلخفاق األخير الذي تنبأ به ماركس8 فاستعادت األحزاب١٩٢٩عام االشتراكية والشيوعية جانبا من قوتها ومكانتها اللتX كانت تتمتع بهما قبل

ولكن كان ال يزال أمام رأس ا>ال بديل واحد: احلـرب8 فـالـدولـة١٩١٤عام العسكرية حلت مشكلـة انـخـفـاض االسـتـهـالك (الـذي سـمـوه «إفـراطـا فـياإلنتاج») بإرغام العمال على إنتاج أشياء ال يريدون شراءها إطالقـا: وهـي

القنابل.إن الرأسمالية لم تشف �اما من الكساد الكبير في الثالثينات إال منخالل إدارة اجملتمع على أساس عسكري. واالشتراكية لم تشف �اما مـنالستالينية إال من خالل البيانات ا>عادية للشيوعية التي تؤكد فيها أنها هياألكثر �سكـا بـاألصـول. وفـي بـعـض األقـطـار-فـل إيـطـالـيـا وفـرنـسـا-بـعـثاالشتراكيون والـشـيـوعـيـون مـن جـديـد حتـالـفـات «اجلـبـهـة الـشـعـبـيـة» فـيالثالثينات8 ألن الشيوعيX ازدادوا حتررا من موسكو وأصبح االشتراكيونأقل خوفا. وفي أوربا الشمالية-اسكندنافيا8 إجنلترا8 فرنسا-تولت األحزاباالشتراكية الد�قراطية احلكم8 لكنها أحجمت عن إدارة اجملتمع على أساس

اشتراكي متطرف.ولم تبدأ األحزاب االشتراكية األوربية في جتاوز السياسة االجتماعيـةلدولة الرفاهية الرأسمالية إال في عشرات السنX األخيرة. فقبل احلـربالعا>ية الثانية كانت هذه األحزاب تكتفي عادة بتأميم الصناعات الرئيسة-الفحم والسكك احلديدية وا>رافق العامة-التي أفلست بسبب ا>لكية اخلاصة.وتأميم مشاريع الرأسماليX اخلاسرة أمر أفضل من أن تترك مفلـسـة8 إذ�كن احلفاظ على األقل على اخلدمات االجتماعية الضرورية حتى لو لمتكن مربحة من منظور السوق. لكن الرأسماليX الذين أيدوا تأميم ديونهمكانوا من القوة بحيث منعوا احلكومات من الدخول في صناعات �كن أنحتقق منها ربحا. ونتيجة لهذا فإن التأميم أدى في أحيان كثيرة إلى تشويه

181

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

سمعة االشتراكيX وكانت إدارة ا>رافق ا>ؤ�ة أكثر تكلفة دائما8 ألن ذلككان أمرا ال مفر منه..

ومنذ احلرب العا>ية الثانية أحرزت األحزاب االشتراكية جنـاحـا أكـثـرفي توسيع ا>لكية العامة بحيث تضـم مـجـاالت مـربـحـة أيـضـا. وأخـذ هـذاشكل التأميم في بعض احلاالت8 ولكنه أخذ في حاالت أخرى شكل اشتراكالعمال وا>الك في صنع القرار على مستوى اإلدارة. وثمة مشاريع حديثـةفي أ>انيا وإجنلترا والسويد تدل على أن اجتاه الـعـمـال وا>ـالك الـتـعـاونـيا>ستند إلى فكرة ا>ساواة قد يفضي في ا>سـتـقـبـل الـقـريـب إلـى انـتـخـابغالبية من �ثلي العمال واحلكومة وا>ستهلكX في مجالس إدارة الشركاتا>همة من الناحية االجتماعية8 وإلى االختفاء الكامل النتخاب حملة األسهم

والسندات.وقد اختارت األحزاب االشتراكية8 علـى ا>ـسـتـوى الـقـومـي8 أن تـسـتـنـدسمـعـتـهـا إلـى الـرعـايـة الـصـحـيـة الـشـامـلـة وضـمـان الـتـوظـيـف (الـعـمـالـة)

والتسهيالت الضخمة في مجال اإلسكان والنقل.ومن الغريب أن البالد الرأسمالية والشيوعية (وبخاصة الواليات ا>تحدةاألمريكية واالحتاد السوفيتي8 رxا بسبب حجمهما) هي التي أخذت بأشداحللول مركزية وبيروقراطية للمشكالت االقتصادية األمر الذي يذكر ا>رءXأن التأميم على طريقة سان سيمون �كن أن يخدم إما مصالح الرأسماليوإما مصالح العمال. وحتى احلركة العمالية األمريكية تناضل8 بصفة عامة8من أجل احللول ا>ركزية: التأمX الصحي القومي8 التوظيـف الـفـيـدرالـي8وقانون الشركات األمريكي8 والتنظيم الفيدرالي للصناعة8 وهذا يرجع إلىأن الـشـركـات األمـريـكـيـة عـبـر تـاريـخـهـا قـد شـجـعـت حـكـومـات الــواليــاتواحلكومات احمللية على أن تتنافس وعلى أن يزايد بعـضـهـا عـلـى الـبـعـضاآلخر. ذلك ألن معظم حكومات الواليات واحلكومات احمللية في الوالياتا>تحدة تعتمد على الشركات إلى حد ال يسمح لها حتى بأن حتلم بأن تقومحكومة الوالية أو احلكومة احمللية أو اجلماعة احمللية أو العمال أو ا>ستهلكون

xلكية ا>صانع أو الشركات أو حتى ا>وارد الطبيعية وإدارتها.وقد تكون أهم ا>قترحات ا>قدمة ألمريكا في قرنها الثالث هي ا>قترحاتالتي يتقدم بها نظراء معاصرون لفورييه وماركس8 لنظراء لبابيف أو سان

182

الغرب والعالم

سيمون. فالتوسع في التخطيط القومي8 هو8 بال شك8 أمـر مـحـتـم (سـواءللشركات أو للعمال) حيث أن السلطة االقتصادية أصبحـت مـركـزيـة عـلـىXالـد�ـقـراطـيـ Xالصعيدين القومي8 وحتى الـعـا>ـي. غـيـر أن االشـتـراكـيـاألمريكي8X من أمثال مايكل هارجنتون8 قد بعثوا من جديد إمكانية استخداماحلكومة الفيدرالية إلضفاء الطابع الالمركزي والد�قراطي على السلطةاالقتصادية. إذ يقترح هارجنتون في كتابه االشتراكية سلسلة من ا>بادراتالفيدرالية التي �كن أن تزيد من السيطرة احمللية الشعبية على االقتصاد.فيمكن استخدام سياسة الضريبة الفيدرالية عـلـى سـبـيـل ا>ـثـال8 لـتـوجـيـهاالعتمادات لالستثمار (في ا>صانع اجلديدة والتكنولوجيات اجلديدة) منالشركات (التي تعظم من ربحها اخلاص بتكلفة اجتماعية عالية) حلكوماتالواليات واحلكومات اإلقليمية واحملـلـيـة والـشـركـات الـعـامـة والـتـعـاونـيـاتوا>ؤسسات التي ال تستـهـدف الـربـح8 بـل حـتـى روابـط األحـيـاء فـي ا>ـدن.وهكذا يجب إنشاء «مكتب ا>ستقبل» الفيدرالي الذي �كنه أيضا أن يتيحللحكومات اإلقليمية واحمللية تخطيط مدن جديدة8 و�ويل ا>رافق العامة8وشراء ا>صانع وا>وارد الضرورية8 يسانده في ذلك القانون الفيدرالي الذييستهدف منع الشركات أن تسعر ا>نافسة بX جماعة محلية وأخرى. كمـا�كن للقانون الفيدرالي أن يتيح >مثلي العمال وا>ستهلكX احملليX فرصةاالنضمام إلى مجالس إدارة الشركات وأن يخول احلكومات اإلقليمية قبولسلطة أو رفض إنشاء مصنع أو إغالقه أو أي قرار هام آخر له تأثير كبيرعلى البيئة أو الثروات احمللية أو سـوق الـعـمـل احملـلـي. ويـقـدم هـارجنـتـونعددا آخـر مـن االقـتـراحـات احملـددة الـتـي تـسـتـهـدف وضـع حـد تـدريـجـيالستخدام الثروات والشركات لألغراض اخلاصة: منها فرض ضريبة نسبتها

% على ا>يراث كل ثالثة أجيال (وذلك لتشجيع اآلباء على العمل من أجل١٠٠أوالدهم8 ولتشجيع األوالد بدورهم عـلـى أن يـفـعـلـوا ا>ـثـل)8 وإتـاحـة فـرصللعمل ا>ربح للمقامرين في األسواق ا>الية (و�كننا أن نضيف هنا كـذلـكمحامي الشركات وموظفي شركات اإلعالن والفنانX التجاريX); وتشجيعالشركات العامة على االستثمار في اجملاالت االجتماعية التي تعد مربحة

بالرغم من هامشيتها (وذلك بدال من اخلطر احلالي على ذلك).ويصر هارجنتون على أن هذه االقتراحات كلها لن تشكل سوى مرحلـة

183

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

انتقالية من الرأسمالية إلى االشتراكية. أما ا>ثل األعلى جملتمع اشتـراكـيحقيقي في القرن احلادي والعشرين فسوف يتمثل في إلغاء العمل اإلجباريوا>ال. ويعترف هارجنتون بأن هذا ا>ثل األعلى قد ال يتحقق إطالقا بالكامل-لكن ا>ثل األعلى (كما أدرك فورييه وا>ثاليون الثوريون) ضـروري لـتـحـديـداالجتاه وتوليد الطاقة-ويستند هذا ا>ثل األعلى8 إلى حقيقة التبديد الهائلللثروات اإلنسانية والطبيعية واإلنتاجية في اجملتمع الرأسمالي. فاالقتصاداالجتماعي الذي ال يقوم على التنافس يستـطـيـع8 فـي رأي هـارجنـتـون8 أنيحول كل العمل ا>وجه بصورة متعمدة نحو إنتاج سلع عقيمة8 ونحو صناعةالسالح. والتبريد8 وا>بيعات واإلعالن وغيرها من أشكال الفوضى والتالعبالتي يقرها النظام االجتماعي-يستطيع أن يحول هذا العمل كله إلى إنتـاجخالق. ويلمح هارجنتون إلى أننا نقترب بسرعة من تلك القدرة التكنولوجيةالتي تتيح حتقيق حلم فورييه: وهو أن نتمكن من أن نطلق اسم «العمل» على

ما يستمتع الناس بالقيام به8 وأن نزود اجلميع بثمار جهودنا ا>شتركة.

ملزيد من االطالعثمة عدد من التواريخ العامة ا>متازة عن االشتراكية8 ويعد كتاب إدوارد

احلقبة األلفية ا>ؤجلة: االشتراكية من السير توماسEdward Hyamsهيامز The Millennium Postponed: Socialism From Sir Thomasمور إلى ماوتس توجن

Moore to Mao Tse-Tungمن أحسن الكتب الشاملة العامة احلديثة. وكتـاب هوTo the Finland Station إلى محطة فنلندة Edmond Wilsonإدموند ويلسون

حتفة أدبية وتفسيرية تعود إلى أصول التراث االشتراكي في فلسفة التاريخ8 كما تستغرق انتباه القار� بتقد� سيرةMichelet وميشيليه Vicoعند فيكو

Michaelنقدية حلياة ماركس زاخرة بالتفاصيل. وكتاب مايـكـل هـارجنـتـون

Harrington احلديث االشتراكيـة Socialismهو تاريخ لالشتراكية ا>اركسـيـة والد�قراطية8 يتطلب الكثـيـر مـن الـقـار� وحـجـتـه مـقـنـعـة8 وكـتـاب جـورج

هوThe Origins of Socialism أصول االشتراكية George Lichtheimليشتها� تاريخ علمي موثق لالشتراكية ا>ثالية وا>اركسية يواكب إلى حد كبير الفترة

) التي اخترنا تناولـهـا فـي هـذا الـفـصـل. وكـتـاب١٨٤٨- عـام ١٧٨٩من عـام (Utopia and احلديث ا>دينة الفاضلة والثورة Melvin J. LaskyملفX ج السكي

184

الغرب والعالم

Revolution.يشتمل على مختارات �تازة مرتبة وفق ا>وضوعات وكل الكتب السابقة جيدة بالنسبة للخلفيات ا>ثـالـيـة لـالشـتـراكـيـة فـي

قصة ا>دنLewis Mumfordمراحلها األولى. وال يزال كتاب لويس �فورد من أفضل ا>داخل عن الفكر الطوباوي (برغمThe Story of Utopiasالفاضلة

مرور خمسX عاما على صدوره األول وهناك مجموعة طيبة من ا>قـاالتاحلديثة عن تاريخ النزعة اليطوبيـة (xـا فـي ذلـك دراسـة �ـتـازة لـلـويـس

�Utopias and Utopianفورد) في كتاب ا>دن الفاضلـة والـفـكـر الـيـوطـوبـي

Thought بإشراف فرانك أ. مانويل Frank E. Mannuelوقد أشرف هو وفريتز أيضا على مجموعة �تـعـة مـن الـكـتـابـاتFriezie P Mannuelب. مانويـل..

اليوطوبية الفرنسية من أواخر العصور الوسطى8 إلى العصر احلالي نشرتحتت عنوان ا>دينة الفاضلة الفرنسية: مجموعة مـخـتـارة مـن اجملـتـمـعـات

وإذا أراد الدارس أنFrench Utopias: An Anthology of Ideal Societiesا>ثالية يقرأ كتابا واحدا عن ا>دينة الفاضلة فـي مـراحـلـهـا األولـى8 فـلـيـكـن كـتـاب

.Utopia يوطوبيا: ا>دينة الفاضلة Thomas Moreالسير توماس مور The البحث عن احلقبة األلـفـيـة Norman Cohnأما كتابا نورمـان كـوهـن

Pursuit of the Millennium وكتاب أرنست لي توفسـيـون Ernest Lee Turveson

فيتناوالن أهميـة تـوقـعMillennium and Utopiaاحلقبة األلفية والـيـوطـوبـيـا اإلصالح البروتستانتي للحقبة األلفية. ومن الكتب القيمـة بـصـفـة خـاصـة

ثورة القديسMichael WalzerXلفترة احلرب األهلية اإلجنليزية ميشيل وولزر The Revolution of Saints وكتاب كريستوفر هل Christopherالتطهيرية والثورة

Puritanism and Revolution وكتاب العالم رأسا على عقب The World Turned

Upside downوبالنسبة للكتب عن النزعة اليوطوبية في القرن الثامن عشر . مدينة السماء عند فالسفة القرنCarl L. Beckerانظر كتاب كارل. ل. بيكر

وكتابThe Heavenly City of the Eighteenth Century Philosophersالثامن عشر الفكر الليبرالي الفرنسي في القرن الثامنKingsley Martinكنجسلي مارتن

وكـتـاب جـورج ر. هـافـنــرFrensh Liberal Thought in the 18th. Centuryعـشـر George R. Havens عـصـر األفـكـار The Age of Ideasويـغـطـى كـتـاب مـانـوبـل

القرنX الثـامـن عـشـر والـتـاسـع عـشـرThe Prophets of Parisأنبـيـاء بـاريـس وسان سيمـونCondorcet وكوندروسـيـه Turgotبدراسات رائعة عـن تـورجـو

185

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

Saint-Simon وفورييه Fourier وكومت Comte أما كتاب سيدني بوالرد .Sidney

Pollard الرائع فكرة التقدم The Idea of Progressفيغطي الفترة نفسها بصفة أكثر عمومية.

The مقدم الثورة الفرنسيـة Georges Lefebvreويعد كتاب جورج لوفافـر

Coming of the French Revolution وكتابه الـثـرمـيـدوريـون The Thermidorians

فـهـو دراســةThe Great FearمـدخـلـX رائـعـX. أمـا كـتـابـه اخلـوف الـكـبــيــر متخصصة �تازة. وخير دراسة عن الطبقات العاملة إبان الثورة هي كتاب

اجلمهوريون الفرنسيون ا>ـتـطـرفـون (الـصـانElbert Soboulألبرت سـوبـول احلشود اجلماهيريةGeorge Rude وكتاب جورج رود The Sans Culotlesكيلوت)

. وهناك تفسيراتThe Crowd in the French Revolutionفي الثورة الفرنسية التفسير االجـتـمـاعـي لـلـثـورةAlfred Cobbanمهمة في كـتـاب ألـفـرد كـوبـان

وكـتـاب أ. ديThe Social Interpretation of the French Revolutionالـفـرنـسـيـة The الكالسيكي النظام القد� والثورة الفرنسية A .de Tocquevilleتوكفيل

Old Regime and the French Revolutionولفهم جذور الـشـيـوعـيـة فـي الـثـورة The Defense ofالفرنسية هناك كتاب قيم للغاية هو دفاع جراكوس بابـيـف

Gracchus Babeuf بإشراف وترجمة جون أنتوني سكوت John Anthony Scott. اجلمهورية الفرنسـيـة األولـىM. J. Sydenham8ويعد كتاب م. ج. سايدنـهـام

١٨٠٤- ١٧٩٢ The First French Republic 1792-1804,خلفية جيدة كما أن كتاب مـنTwelve Who Ruled األثنا عشر الذيـن حـكـمـوا R. R. Palmerر. ر. با>ـر

الكتب القيمة.وعن االشتراكية ا>ثالية بعد الثورة الفرنسيـة وردت مـداخـل عـامـة فـيالفقرة األولى وهي خير مكان نبدأ فيه. والدراسات اليطوبية العامة الواردةفي الفقرة الثانية قيمة أيضا للغاية. وبالنسبة لفورييه يوجد كتاب جوناثان

رؤية شارلJohnathan Beecher & Richard Bienvenuبينشار وريتشارد بيانفينو وهو كـتـاب رائـع.The Utopian Vision of Charles Fourierفورييه الـيـوطـوبـيـة

Emileوبالنسبة لسان سيمون فإن خير ما نبدأ به هو كتاب أميل دور كا�

Durkhein االشتراكية وسان سـيـمـون Socialism and Saint-Simonالذي نـشـر . كما أن كتاب فرانك أ. مانويل أنبياءSocialismفيما بعد باسم االشتراكية

باريس �تاز أيضا.

186

الغرب والعالم

وعن ماركس وا>اركسية جند أن كل الكتـب الـواردة فـي الـفـقـرة األولـىتصلح كمداخل �تازة. وبالنسبة للسير التي تعد مداخل جند كتاب ايزايا

XبرلـIsaiah Berlinكارل ماركس: حياته وبـيـئـتـه (×) Karl Marx: His Life and

Environmentوهو تفسير جيد �تع معروف. كما أن هناك مدخال حديـثـا Karl كارل ماركس David Mc Lelonيتسم بالوضوح هو كتاب ديفيد ماكليالن

Marx ولعد كـتـاب جـورج لـيـشـتـهـا� .George Lichtheimا>اركـسـيـة: دراسـة حتليال شامال فيMarxim: An Historical and Critical Studyتاريخية ونقدية

الفلسفة واألسطورة عندRobert Tuckerمجلد واحد. وأما كتاب روبرت تكر فهو دراسة نظرية مهمـة.Philosophy and Myth in Karl Marxكار ل ماركس

,Karl Marx كارل ماركس: تطور فكر. Robert Garoudyوكتاب روجيه جارودي

The Evolution of His Thoughtتفسير شيوعي فرنسي حديث. والنصف األول احلديث أفول الرأسمالـيـةMichael Harringtonمن كتاب مايكل هـارجنـتـون

The twilignt of Capitalismيقدم أيضا (مع كتاب االشتراكية) تفسيرا جديدا مدهشا >اركس.

وبالنسبة لتفسير جوانب معينة للماركـسـيـة جنـد أن كـتـاب أريـك فـرومErich Fromm مفهوم ماركس لإلنسان Marx’s Concept of Manالذي نشر مع

Economic andترجمة لكتاب ماركس اخملطوطات االقتصادية والـفـلـسـفـيـة

Philosophical Manuscripts أعدها ت. ب. بـوتـومـور T. B. Bottomoreمـدخـل العقل والثورة:�Herbert Marcuseتاز >اركس الشاب. وكتاب هربرت ماركيوز

Reason and Revolution Hegel and the: (××)هيجل ونشأة النظرية االجتماعية

Rise of Social Theoryوماركس يتطـلـب Xهو حتليل �تاز لهيجل والهيجلي نظرية ماركسIstvan Meszarosجهدا من القارىء وكتاب استيفان مزاروس

هو معاجلة شاملة دقيقة للموضوعMarx‘s Theory of Alienation8في االغتراب أما كتاب شلوموAlienation االغتراب Bertell Ollmanوكذلك كتاب برتل أو>ان

The فكر كارل. ماركس االجتـمـاعـي والـسـيـاسـي Schlomo Avineriأفنـيـري

Social and Political Thought of Karl Marxفهو معاجلة أكثر عمومية. ويقوم (×) ترجمه إلى العربية أحمد عزت عبد الكر� (ا>ترجم).

(××) ترجم الدكتور فؤاد زكريا الكتاب إلى العربية. وصدر عن هيئة الكتاب في القاهرة وا>ؤسسةالعربية للدراسات والنشر في بيروت (الترجمان).

187

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

Robert Freedmanبتقد� هذا ا>وضوع (أي االقتصاد) كتاب روبرت فريدمان

Ernest وكتاب إرنـسـت مـانـدل Marx On Economicماركس: عـن االقـتـصـاد:

Mandel تكوين الفكر االقتصادي لكارل ماركس The Formation of the Economic

Thought of Karl Marx.وبالنسبة لكتابات ماركس هناك طبعات �تازة مـن الـبـيـان الـشـيـوعـيوعدد من اخملتارات من كتابات ماركس8 وهناك أيضا مختارات صغيرة من

The ا>اركسيـون C. Wright Millsالكتابات ا>اركسية. وكتاب س. رايت مـلـز

Marxists وكتاب سيدني هـوك Sidney Hook ماركس وا>اركسيـون Marx and

the Marxists وكـتـاب أرثـر ب. مـنـدل Arthur P. Mendelاألعـمـال األسـاسـيــة وكـتـاب إريـك فــروم اإلنــســانــيــةEssential Works of Marxismلـلـمـاركــســيــة

كلها مجموعات �تازة مـن الـكـتـابـات مـنSocialist Humanismاالشتراكـيـة ماركس إلى ماو.

و�كن للقار� أن يجد معاجلات للخلفية وطرق التناول األخرى للفتـرة ا>متازE. J. Hobsbawm في كتاب أ. ج. هوبسبوم ١٨٤٨ إلى عام ١٧٨٩من عام

Jurgen Kuczynski وكتاب جرجن كوزنسكي The Age of Revolutionعصر الثورة

.W وكتـاب و. أبـنـدروث The Rise of Working Classنشـأة الـطـبـقـة الـعـامـلـة

Abendroth 8 مـوجـز تـاريـخ الـطـبـقـة الـعـامـلـة األوربــيــةAshort History of the

European Working Class وكتاب ديفـيـد كـوت David Cauteاليسار فـي أوربـا ١٧٨٩ The Left in Europe Since 1789.

أما الدارس الذي يريد أن يتتبع ا>اركسية أو االشتراكية أو الشيـوعـيـة فيمكنه أن يبدأ بالتواريخ العامة ا>ذكورة في الفقرة األولى. وإذا١٨٤٨منذ

Massimo Savadoriأراد ا>زيد فيمكنه أن يـقـرأ كـتـاب مـاسـيـمـو سـافـادوري

وكتاب الثورات:The Rise of Modern Communismنشأة الشيوعية احلديـثـة Revolution A. Comparative Studyدراسة مقارنة من كرومويل إلـى كـاسـتـرو

From Cormwell to Castro بإشراف لورانس كابالن Lawrence Kaplanوكتاب أو كـتــابــهStudies in Revolution دراسـات فـي الــثــورة E. H. Carrأ. هــ. كــار

. وهنـاكHistory of Soviet Russiaا>تعدد األجزاء تاريخ روسيـا الـسـوفـيـتـيـة مداخل أقصر عن الثورة الروسـيـة تـوجـد فـي كـتـاب تـيـودور س. فـون ال و

Theodor H. Von Laue ?Xاذا ستال< ?Xاذا لين< Why Lenin Why Stalinوكتاب

188

الغرب والعالم

ا>ـزيـنThe Soviet Achievement اإلجناز الـسـوفـيـتـي J. P. Nettleج. ب. نـتـل الثورة التي لم تنته:Isaac Deutscherبالصور اجليدة8 وكتاب إسحق دويتشر

. أما كتابThe Unfinished Revolution: Russia 1917-1967 ١٩١٧-١٩٦٧روسيا فهوThree Who Made a Revolution ثالثة صنعـوا الـثـورة D. Wolfeد. وولف

دراسة ضخمة لسير حياة لينX وتروتسكي وستالX. ومن بـX الـدراسـاتالتي تناولت الثورة الشيوعية الصينية والتي �كـن أن تـصـلـح نـقـطـة لـبـدء

ثورات الفالحـX فـي الـصـJean ChesneauxXالدراسة كتاب جان شـيـسـنـو ١٩٤٩- ١٨٤٨ Peasant Revolts in China 1848-1949وكـتـاب ولـفـجـايـنـج فـرانـك

Wolfgang Franke ١٩٤٩-١٨٥١ قرن من الثورة الصينيـة A Century of Chinese

Revolution 1851-1949 وكتاب إدجار سنو Edgar Snowوهي سرد شخصي >ا وكتاب الـثـورةRed China Todayرآه8 وبخاصة كتاب الصX احلـمـراء الـيـوم

Fredric وكـتـاب فـردريـك ويـكـمـان األصـغــر. The Long Revolutionالـطـويـلـة

Wakeman Jr: التاريخ واإلرادة: منظورات فلسفية لفكر ماوتسي توجن History

and Will: Philosophical Prespectives of Mao Tse-Tung’s Thoughtهــو كــتــاب صعب لكنه �تاز. وهناك حراستان نظريتان عامتان عن الثورة يستحقان

حروب الـفـالحـX فـيEric R Wolfانتباهـا خـاصـا: كـتـاب أريـك ر. وولـف. وهـو مـسـح ثـوراتPeasant Wars in the Twentieth Centuryالـقـرن الـعـشـريـن

ا>كسيك وروسيا والصX وفيتنام واجلزائر وكـوبـا8 وكـتـاب بـارجنـتـون مـور األصول االجتماعية للدكتاتورية والد�قراطية:Barrington Moore Jtاألصغر.

Social Origins of Dictatorship andالسيد والفالح في تشكيل العالم احلديث

Democracy: Lord and Peasant in the Making of the Modern Worldوهو تفسير هائل يشحذ الفكر عن الثورات احلديثة8 منذ احلرب األهلية اإلجنليزية.

189

االقتصاد وا�دينة الفاضلة: أصول االشتراكية

هوامش الفصل السابع عشر

(1) Michael Harrington, Socialism, New York: Bantam Books, 1973, p. 131.

(2) Ibid., p. 22.

(3) The Defense of Gracchus Babeuf: Before the High Court of Vendome, ed. and trans. John Anthony

Scott, New York: Schocken Books, 1967, p. 61.

(4) lbid., pp. 63-64.

(5) lbid., pp. 73.

(6) lbid., pp. 57-58.

(7) George Lichtheim, The Origins of Socialism, New York: Praeger, 1969, p. 32.

(8) Jonathan Beecher and Richard Bienvenu, The Utopian Vision of Charles Fourier: selected Texts on

work, Love and Passionate Attraction, Boston Beacon Press, 1971, pp. 6-7.

(9) lbid., pp. 304.

(10) lbid., pp. 317.

(11) lbid., pp. 317-318.

(12) lbid., pp. 40.

(13) lbid., pp. 59.

(14) lbid., pp. 68.

(15) Economic-Philosophical manuscripts, trans. T.B. Bottmore, in Erich Fromm, Marx’s Concept of

Man, New York: Ungar, 1961-1966, pp. 98-99.

(16) Herbert Marcuse, Reason and Revolution: Hegel the Rise of. Social Theory, Boston: Beason

Press, 1941, 1954, 1960, p. 276.

(17) lbid., pp. 144.

(18) Lichtheim, Origins, p. 199.

(19) Karl Marx and friedrich Engels, The Communist Manifesto, Ed: Samuel H. Beer, trans. Samuel

Moore, Northbrook, Illinois AHM Publishing Corporation, 1955, pp. 12-14.

(20) lbid., pp. 12.

(21) lbid., pp. 15.

190

الغرب والعالم

191

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

العرق والطبقة: األمريكتانمنذ أيام الرق

هـل تـسـيـر الـعـنـصـريـة األمـريـكـيـة فـي طــريــقاالضمحالل? وهل قضت القوانX اخلاصة باحلقوقا>دنية8 على مدى عشرات السنX األخـيـرة8 عـلـىالتعصب والتفرقة العنصرية في الواليات ا>تحدة?وهل يتمتع الزنوج في أمريكا اليوم بالفرص نفسهاXالتي يتمتع بها البيض? األرجح أن كافة األمريكيالبيض سيجيبون على جميع هذه األسئلة باإليجاب.بل إن كثيرا من األمريكيX البيض مقتـنـع بـأن كـلاالهتمام العام ا>ـوجـه إلـى الـعـنـصـريـة فـي الـعـقـدا>اضي قد جتاوز حد ا>ساواة بX البيض والسود

وأدى إلى منح السود مكانة متميزة.وقد ورد في تقرير اللجنة االستشارية القومية

: «أن أمتنـا١٩٦٨عن االضطرابات ا>دنية فـي عـام Xمنفصل Xسائرة في طريق االنقسام إلى مجتمعغير متكافئX: أحدهما أسود واآلخر أبيض» وذكرتXاللجنة أن إحدى ا>شكالت هي البون الشاسع بدخول األسر البيضاء واألسر السوداء8 وهو أمر ذوخطر عظيم في مجتمع يحكم على الناس xـعـيـار

18

192

الغرب والعالم

ما يحققون من دخل. دوالر8 في ح٬٨٠٠٠X ١٩٦٨فقد بلغ متوسط دخل العائلة السوداء عام

ألف دوالر. فهل تغير هذا الوضع١٤بلغ متوسط دخل األسرة البيضاء نحو في السنوات السبع احلافلة باالهتمام العام والتي أعقبت تقـريـر الـلـجـنـة?

لقد أثبتت مصلحة اإلحصاء سنة بسنـة (بـعـد١٩٧٥ إلى عـام ١٩٦٩األرقام اخلاصة بالفتـرة مـن عـام

Xا يتفق مع نسبة التضخم)8 فظهر أنه في كل سنة من هذه السنx تعديلها دوالر8 في حX وصل دخـل٨٠٠٠ظل دخل العائلة السوداء يزيد قليـال عـن

ألف دوالر. ففي كـل سـنـة مـن هـذه١٤العائلة الـبـيـضـاء إلـى مـا يـزيـد عـن السنX ظل التباين على ما هو عـلـيـه8 إال أن أحـوال الـزنـوج فـي الـسـنـوات

ازدادت سوءا.١٩٦٩الست التالية على فكيف ظلت األمور على ما هي عليه8 في حX أن معظم البيض مقتنـعبوقوع تغيير عميق? وما داللة هذا علـى قـدرة أمـريـكـا عـلـى خـلـق مـجـتـمـعالفرص ا>تكافئة? وهل من احملتمل أن يكون كل ما أدى إليه هذا االهتمـاماحلكومي واإلعالمي8 في العقد ا>اضي8 هو خلق وهم التقدم الـعـنـصـري8واإلسهام في خلق رد فعلي سلبي بX الـبـيـض ضـد الـسـود? إن كـان األمـركذلك8 فهل أصبح حل مسائل التفاوت العنصري في بالدنا أصعب �ا كانعليه من قبل8 وما العمل8 وµ تفسر بطء األمريكيX في تنفيذ مـا يـنـبـغـي

عمله?إن هذا الفصل سيسعى إلى الرد عن بعض هذه األسـئـلـة فـي الـسـيـاقاألوسع للقرن ا>اضي ذلك ألن ما عرضناه على أنه مشكلة العقد ا>اضي8هو في الواقع مشكلة أكثر شموال خاصة بتاريخ العنصرية منذ عهـد الـرقفي األمريكتX. فكما نتوقع نحن نهاية العنصرية بصدور التشريع الفيدرالي8فإن كثيرا من أسالفنا توقع أن تنتهي العنصرية بإلغاء الـرق. ولـكـن الـرأيالذي سندافع عنه في هذا الفصل8 هو أن العنصرية لم تنته وإ�ا ظهـرتألوان جديدة من العنصرية. وسوف نستعX باستبصارات علماء االجتمـاعوا>ؤرخX الذين رأوا في العنصرية اجلديدة مشكلة فوارق طبقية آخذة فيالظهور. فمن اجلائز أن التفرقة العنصريـة أصـبـحـت ضـربـا مـن الـتـمـيـيـز

الطبقي.

193

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

العنصرية منذ الرق: الطبقة والعرقأشرنا من قبل إلى أن العالقة بX الرق والعنصـريـة أعـقـد �ـا نـظـن.وغني محن البيان أن تطور مجتمعات الرق في «الدنيا اجلديـدة» هـو عـلـةاستفحال العنصرية البيضاء. إال أن بعض اجلراثيم الثقـافـيـة لـلـعـنـصـريـةالبيضاء كانت قائمة في أوربا قبل كـولـومـبـوس8 كـمـا أن اجملـتـمـعـات الـتـياستوردت معظم الرقيق من األفارقة كانت أقلها عنصرية. ففي ذروة نظامالرق (في منتصف القرن التاسع عشر) كان لدى الواليات ا>تحدة األمريكيةأدنى نسبة من األفارقة في كل بلدان األمريكتX. ونشأت في الوقت نفسهفي الواليات ا>تحدة األمريكية «فلسفة» مالك العبيد اجلنوبي8X وهي من

أكثر العقائد التي ظهرت على وجه األرض عنصرية.هذه احلقيقة وحدها ينبغي أن حتملنا على االرتياب في االعتقاد الشائعبأن العنصرية األمريكية قد تداعت باختفاء الرق. فإذا كانت أشد مجتمعاتالرق �وا أقلها عنصرية8 فرxا كانت أشد اجملتمعات عنصرية هي أقلهـاانخراطا في الرق. وهذه بعينها هي النتيجة التي خلص إليها األرستقراطي

عند زيارته للواليـاتAlexis de Tocquevilleالفرنسي الكسيس دي توكـفـيـل ا>تحدة فقد ذكر توكفيل في كتابه الد�قراطية في أمريكا: «إن التـعـصـبالعنصري أظهر في الواليات التي ألغت الرق من الواليات التي أبقت عليه8

.)١(وهو أقوى في الواليات التي لم تعرفه ألبته»وكما كان الرق أظهر خارج الواليات اجلنوبـيـة8 فـقـد صـار أوضـح بـعـد

التي أباحت التفرقة العنصرية في كلJim Crowإلغائه. فقوانX جيم كـرو شيء8 من عنابر الوالدة إلى ا>دافن8 أجيزت في الشمال أوال قبـل احلـرباألهلية. ولم تقتبس واليات اجلنوب هذه اإلجراءات إال بعد إلغاء الرق. فقدكان البيض والسود مختلطX في كل مكان في اجلنوب القد� (كما كـانـوافي مزارع أمريكا الالتينية) تربطهم أواصر ا>ودة. فكانوا يجتـمـعـون عـلـىالطعام8 وعلى حضانة األوالد8 وعلى الشراب8 وعلى السباب8 وعلى الفراش.ولم تكن هناك-بلغة علماء االجتماع-«مسافة مادية» تفصل بـX الـعـنـاصـر8ألن «ا>سافة االجتماعية» كانت شاسعة. وطا>ا كان الرقيق «يعرفون مكانهم»فقد كان بوسعهم أن يـسـيـروا وأن يـتـحـدثـوا وأن يـصـلـوا وأن «يـرقـدوا فـي

سالم» جنبا إلى جنب مع أسيادهم.

194

الغرب والعالم

فلما أعتق الرقيق (فـي واليـات الـشـمـال قـبـل احلـرب األهـلـيـة8 ثـم فـياجلنوب بعدها) حلت ا>سافة ا>ادية محل ا>سافة االجتماعية. وبـعـد عـام

اتبعت واليات اجلنوب بالتدريج اإلجراءات التي سبقهم إليها جيرانهم١٨٧٥الشماليـون xـنـع الـسـود8 بـعـد حتـررهـم8 عـن حـنـفـيـات ا>ـيـاه وا>ـراحـيـضوا>تنزهات وا>طاعم وا>دارس وا>ستشفيات والوظائف وا>ومسات. وحظرعلى السود السكنى في مواضع بعينها8 أو الـسـيـر فـي غـيـرهـا بـعـد حـلـولالظالم8 أو مخالطة البيض أو التصويت في االنتخابات. وظلت معظم هذهالقوانX سارية ا>فعول حتى منتصف القرن احلالـي8 ولـم تـزل بـعـض هـذهاإلجراءات قائمة إلى يومنا هذا. وقد ال تـكـون عـنـصـريـة الـسـنـوات ا>ـائـةاألخيرة أسوأ من عنصرية الرق8 ولكنها لون مختلف من ألوان العنصـريـة8

ويجب أن نفهم مواطن االختالف لكي نستطيع التعامل معها.

عنصرية الوصاية في مقابل عنصرية التنافسPaternalistic vs. Competitive Racism

Pierreخلص أحد دارسي العالقات العنصرية8 وهو بييرل فان دن بيرج

Van Den Bergheعنصـريـة Xفي كتاب عنوانه العرق والعنصرية8 الفروق ب الرق وعنصرية ما بعد الرق احلديثة8 فأطلق على األولى اسـم «عـنـصـريـةالوصاية» وعلى األخيرة «عنصرية التـنـافـس». وقـال إن أعـضـاء اجلـمـاعـةالدنيا (الرقيق) في مجتمعات الرقيق التي تسود فيها عنـصـريـة الـوصـايـةينظر إليهم على أنهم «عيال8 أغرار8 قصر مفرطون في احليويـة8 سـفـهـاء8محبون للفرفشة واألنس8 أوالد نكتة8 وأوالد حظ8 وباالختصـار فـهـم أدنـى

. هذه هي عنصرية)٢(درجة8 وجديرون باحلب طا>ا أنهم يلتزمون حدودهم»مزارع العبيد الكبيرة التي احتفى بها ا>دافعون عنها في أمريكا الالتينـيـةوواليات اجلنوب بوصفها عا>ا واجه فيه السيد والعبد الواحد منهما اآلخركبش حقيقيX أحياء يتنفسون ويفكرون. هنا سمحت ا>سافة االجتماعيـةباأللفة الشديدة كما سمحت أيضا بالغلظة وبالوحشية الشديدة التي تقترنعادة xثل هذه األلفة وتد � تـقـبـل امـتـزاج األجـنـاس وشـجـع فـي الـغـالـبوكانت الطبقة احلاكمة تخلط حتاملها العنـصـري بـوعـود احلـب والـطـاعـةواإلخالص8 وقام العبيد إما باستيعاب قيم سادتهم فأحبوهم (كالعم توم)8

195

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

أو أعلنوا عصيانهم بضراوة وبعزة8 فلقوا حتفهم النتهاكهـم حـرمـة الـنـظـاماالجتماعي.

وكانت هذه اجملتمعات العائلية8 ا>كونة من سـادة وعـبـيـد8 صـورة طـبـقاألصل من العالقة بX األب وبقية العائلة. فالسيد األب يحب أوالده. طا>ايسلمون بسلطانه ا>طلق. ويعيش السادة والعبيد جنبا إلى جنب-كما يعيشاآلباء واألبناء والسادة-كاآلباء-ال يعتمدون على سطوة الـقـانـون وإ�ـا عـلـىالتسليم بسلطتهم8 وهم يعربون عن حاجتهم عن طريق الطلب (ال عن طريقاألمر) وعلى تابعيهم أن يلبوا دون نقـاش. وهـم يـعـيـشـون «وجـهـا لـوجـه» اليحتاجون إلى دخالء8 فالقواعد مفهومة من اجلميع. إن التهديد بالـعـقـاباجلسماني8 بل القسر8 متيسر دائما8 ولكن اجملتمع األبوي يعمل على خيـروجه بحكم التقاليد والعادة والقبـول وفـي مـعـظـم احلـاالت يـعـامـل الـسـادةعبيدهم معاملة أقرب إلى احليوانات األليفة منها إلى األطفال8 فإذا أحسنوا8حظوا باحلب والرعاية8 وإذا أساءوا فجزاؤهم الضرب أو القتل دون رحمة.وعلى النقيض منها «عنصرية التنافس» التي حلـت عـل نـظـم الـرق فـيالقرن التاسع عشر. معظم هذه اجملتمعات غلبت فيها الصناعة على الزراعة8وعاش أحرار السود مع البيض في ظل اقتصاد تنافـس يـسـتـوون فـيـه فـيقدرتهم على القيام بالعمل نفسه8 و�لك فيه أصحاب األعمال أن يستخدمواالسود كما يستخدمون البيض «من غير حتيز8 وكـثـيـرا مـا يـسـتـغـلـون أحـدالعنصرين ضد اآلخر. فال عجب أن أصبح فقراء البيض أشد عنصرية منقدامى مالك الرقيق. إن فقراء البيض لم يعودوا يتقبلون تـصـويـر الـسـيـدللسود بوصفهم أطفاال طيبX أو حيوانات مستأنسة. وحينما قبض فقراءالبيض على زمام األمور (في اجلنوب األمريكي بعد احلرب األهلية) أصبحالسود في نظرهم �ثلون «العدوانية والتسلط والغطرسة والقـبـلـيـة وعـدم

.)٣(األمانة وا>نافسة اخلبيثة من أجل الثروات النادرة وحتدي الوضع القائم»

عنصرية التسلط في مقابل عنصرية الكراهيةDominative vs. Aversive Racism

لم يكن التضاد الذي رسمه فإن دن بيرج بX عنصرية مجتمع الـرقـيـقGoelوعنصرية اجملتمع احلديث فريدا فـي نـوعـه8 فـقـد عـقـد جـول كـوفـل

196

الغرب والعالم

Kovelفي كتاب أحدث8 هو العنصرية البيضاء: تاريخ سيكولوجي8 مقارنـة �اثلة: فأطلق على عنصرية الرق اسم «عنصرية التسلط» مشـيـرا بـذلـكإلى ذلك النوع من هيمنة السيد على العبد الـذي أ>ـع إلـيـه فـان دن بـيـرج.ولكن كوفل استعاض عن مصطلح «عنصرية التنافس»8 وصفا لـلـعـنـصـريـةالتي نشأت على أنقاض نظام الرقx 8ـصـطـلـح آخـر مـفـيـد هـو«عـنـصـريـةالكراهية»8 وا>صطلح ذو قيمة عالية في وصف مواقف البيض في السنواتا>ائة األخيرة8 لتركيزه على سمة من أبرز سمات العنصرية البيضاء احلديثة.ويذهب كوفل إلى أن العنصرية احلديثة تقوم على نفور كامل (أو كراهيـة)للسود لدرجة اجتنابهم وإنكار وجودهم بالكلية. إن البيض8 بعد عتق العبيد8لم يتوقعوا أن يسودوا السود. وإ�ا اكتفوا باألمـل فـي جتـنـبـهـم. ومـن هـنـاكانت حداثة قوانX التمييز العنصري8 ومن هنا أيضا أصبحت قضية العزل

العنصري شائكة إلى هذا احلد في ا>دارس وا>ساكن.إن العنصرية التسلطية القد�ة لم تختف اختفاء تاما بتحرير الرقيق.فأعضاء جمعية كوكلوكس كالن وزعماء فقراء البيض في اجلنوب اجلديدكانوا يأملون في أن يكونوا مثل مالك العبيد في السيطرة على السود. وقد

8 وهو أحد زعماء فقراء البيض في القـرنTom Watsonأعلن توم واطسون التاسع عشر8 أن الزجني «ال يدرك معاني الفضيلة واألمانة والصدق والعرفانباجلميل وا>بدأ»8 ويرى واطسون أن على اجلنوب أن «يلجأ إلى شنقـه بـالمحكمة من آونة ألخرى8 وإلى جلده من حX آلخر لتجنيبه خطيئة التجديف

.)٤(في الله القدير بسلوكه8 بسبب رائحته ولونه»وخالل ذلك كان أحفاد مالك العبيد قد اتخذوا موقفا يعبر عن مزيـدمن الكراهية: فتكلموا عن ا>ساواة في حX عملوا على التفرقة. فقد مرح

8 بأنه يتمنـى أن يـرى «الـعـدالـة وقـد١٩٢٢أحدهم8 وهو ودرو ولسـون8 سـنـة سادت بX ا>لونX في جميع اجملاالت8 وليس ا>قصود بهذا عدالة ناقـمـة8

. ومـع)٥(وإ�ا عدالة يصاحبها إحساس بالسخاء والشعور الـودي الـطـيـب»ذلك فقد أصدر الرئيس ولسون أمرا تنفـيـذيـا أدى إلـى عـزل الـبـيـض عـنالسود في مرافق األكل ودورات ا>ياه العامة اخملصصة للعاملX في مجالالوظائف احلكومية الفيدرالية. فالسمة ا>ميزة لعنصرية الكراهية هي الفصلفي ا>رافق العامة في احلاالت التي يجوز القول فيها إن هذه ا>رافق متساوية.

197

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

وقد ارتكزت العالقات العرقية بعد الرق8 إلى حد كبير8 على محاوالتالبيض جتاهل وجود الود. ويقول كوفل: «التجربة األساسية للعنصري الذييكره السود هو شعور باالشمئزاز من جسم الزجني8 قائم على وهم بدائيجدا هو أنه يحتوي على عنصر جوهري-جناسة-خبيث الرائـحـة قـد يـعـلـق

.)٦(بجسم العنصري8 األمر الذي يستدعي االحتفاظ xسافة وحتر� اللمس» التفرقة العـنـصـريـة فـيJames MeredithوحX ألغى جيمـس مـيـريـديـث

جامعة ا>سيسيبي وجد بعض أصدقائه الـبـيـض جـدران غـرفـهـم مـلـطـخـةبالبراز8 وعندما كانت مدينة آن آربو في والية ميشيجان في غمار حملة منأجل احلقوق ا>دينة وعدم التمييز في ا>ساكن8 أخذت الصحيـفـة احملـلـيـةنرتكب أخطاء مطبعية شرجية8 ونشرت رسالة إلـى احملـرر قـرنـت مـعـركـة

Homosexualsعدم التمييز في ا>سكن بالكالب التي تتبرز على احلشائـش

«وxجرد انتهاء حملة احلقوق ا>دنية8 اشتد اهتمام ا>واطنX البيض بتنظيفبلدتهم: فشنت حملة صارمة على اجلنسمثلي8X وأجيز بشكل محموم قانونمحلي ضد إلقاء الفضالت. وهكذا أخذت االستجابة للتهديد شكـل زيـادةمتفجرة في النزعة األخالقية وظـهـرت ردود أفـعـال حـادة. وبـعـد أن ازداد

.)٧(اجملتمع نقاء ونظافة8 استطاع أن يعود ألعماله كا>عتاد»

العنصرية التنافسية والرأسماليةيتناول فان دن بيرج ما نسميه عنصريتنا التنافسية xقوالت اقتصادية(وليست حتليلية نفسية) حتمل ا>عنى نفـسـه تـقـريـبـا. فـركـز عـلـى الـطـابـعالتنافسي لالقتصاد احلديث8 ووجه فيه على أصول عنصرية ما بعد الرق:«تشكل حقبة ما بعد احلرب األهلية تغيرا فجائيا من �ط الوصاية فيالعالقات العرقية إلى �ط التنافس.. .. لقد حتطم عالم مزرعة الـرقـيـقالزراعي اإلقطاعي القد�8 وحتطم معه النمط التقليدي للعالقات العرقية8�ط عالقة السيد بالعبد. وهاجر الزنوج ا>عتقون-بأعداد كبيرة-إلى مدناجلنوب8 وبأعداد أقل إلى خارج اجلـنـوب8 فـدخـلـوا ألول مـرة فـي تـنـافـسمباشر على سوق العمل مع فقراء الفالحX البيض في اجلنوب ومع الطبقة

العاملة البيضاء احلضرية في كل من الشمال واجلنوب...وقد ساهم االنتقال السريع إلى حياة ا>دن8 واالنتشار الهائل لـألحـيـاء

198

الغرب والعالم

العمالية الفقيرة ا>كتظة8 وارتفاع نسبة البطالة8 والهجرة الداخلية الكبيرة8وكل القوى والصراعات ا>ؤدية إلى التفكك8 والتي كانت �يز الفترة ا>بكرةللرأسمالية8 في إ�ام التغيير الكامل في أ�اط العالقات العنصرية8 وفي

.)٨(ارتفاع تدريجي في موجة التعصب العرقي واألثنى (الطائفي) والديني»وإذا كان اقتصاد الواليات ا>تحدة قد تغير برمته بعد احلـرب األهـلـيـةبسبب مباد� التنافس الرأسمالية8 فإنه لم يزدهـر بـX عـشـيـة وضـحـاهـا.فقد كان االقتصاد الشمالي يقوم على الرأسمالـيـة الـتـنـافـسـيـة قـبـل قـيـام

احلرب األهلية بوقت طويل.كما لم تكن مجتمعات الرق كلها بقايا إقطاعية عائلية من عالم العصورالوسطى. فنظرا إلى أن الرأسمالية قد بلغـت أعـلـى مـراحـل تـطـورهـا فـي

)8 فإن مزارع السكـر فـي الـبـحـر١٨٠٠إجنلترا وواليات الـشـمـال (بـعـد عـام الكاريبي البريطاني ومزارع القطن في اجلنوب كانت دائمـا أشـد ارتـبـاطـا

بالسوق الرأسمالية من مزارع أمريكا الالتينية.أما أمريكا األسبانية والبرازيل البرتغالية فكانتا-من بدء أمرهما-عملياتاستعمارية قام بها ا>لك والكونتيسة ال ا>ؤسسات االقتصادية. فمزارع أمريكاالالتينية كانت تتيح مجاال للعمل لـصـغـار أوالد األشـراف8 وفـرصـة لـلـفـتـحوالتوسع لهداية العباد. ولم يكن لدى األرستقراطية األسبانية والبرتغـالـيـةإدراك واضح إلمكانات احلصول على أعظم األربـاح عـن طـريـق اسـتـغـاللاألرض-والعمال إلى أقصى حد. فلما قدموا إلى العالم اجلديد8 بـددوا مـاكسبوه8 وادخروا القليل8 وأعرضوا عن التفكير في إنتاجيـة «مـشـروعـهـم»8واستعاضوا عن ذلك باجلاه والسؤدد اللذين توفرهما البيوت الكبيرة واحلياةا>ترفة. وسار أعيان أمريكا الالتينية سيرة سادة وطنهم غير ا>نتجX فـيشبه اجلزيرة األيبيرية8 التي ظلت إلى حد بعيد مطـبـوعـة بـطـابـع الـعـصـرالوسيط8 فأعطوا بسخاء حينما كان في مقدورهم ذلك8 وطلبوا الصدقاتحينما أعوزتهم احلاجة. لقد اعتادوا الفراغ أكثر �ا اعتادوا العمل. وقـدXجتمع الرق في البرازيل قصة تبـلـور الـفـرق بـx روى زائر رأسمالي نزلالسيكولوجية الرأسمالية البورجوازية والسيكولوجية األيبيرية اإلقطاعية.فقد صادف هذا ا>سافر في ريو دي جانيرو8 شحاذا على محفة يحـمـلـهـاعبدان �تلكهما. وعندما سأل البرازيلي الزائر أن يعطيه حسنة رد األخير

199

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

إن البرازيلي يستطيع أن يبيع العبدين ويستخدم ا>ال إلقامة مشروع إنتاجيمن أي نوع. فرد الشحاذ البرازيلي قائال: «سيدي8 لقد سألتك نـقـدا8 ولـم

.)٩(أسألك نصحا!»إن جذور عنصرية الكراهية ليست في البرازيل بل في مـزارع الـرقـيـقفي جزر البحر الكاريبي8 وخاصة ا>زارع التي تدار على أساس رأسـمـالـيمباشر-مزارع البريطانيX والهولنديX وحتى الدينماركيX. وهنا «جند أن

مهمة اجلزر هي العمل التجاري8 وإنتاج احملاصيل الزراعية8 الرئيسة.فاجلزر لم تكن ذلك ا>كان الذي يحيا فيه ا>رء حـيـاة حـقـيـقـيـة8 وإ�ـا

)١٠(كانت ا>كان الذي يحصل فيه ا>رء على ثروة.»

في هذه اجلزر التي يقوم فيها األرقاء الـسـود بـاإلنـتـاج لـلـبـيـض الـذيـنيعيشون في لندن وأمستردام8 � ابتكار الفصل العنصري والتباعد ا>ادي8وا>ساكن وا>رافق ا>نفصلة8 للسود والبيض. ومـا زالـت بـعـض هـذه اجلـزرحتمل إلى يومنا هذا عالمات من أشد أشكال الفصل ا>ادي مدعاة للدهشة.والفرق الوحيد8 في معظم احلاالت8 هو أن جيوب الترف األبيـض الـقـد�يحتلها اليوم مشرعون وحكام من السود. أما العالمات ا>ادية الدالة عـلـى

عا>ي مجتمع الرق الرأسمالي فال تزال قائمة.أما واليات الرقيق في اجلنوب القد� فالواليات ا>تحدة األمريكية فلمتكن رأسمالية كجزر البحر الكاريبي وال إقطاعية كأمريكا الالتينية. وكماأدرك أمريكيو الشمال الطابـع اإلنـسـانـي األبـوي لـنـظـام الـرق فـي أمـريـكـاالالتينية8 فقد أدركوا أن نظامهم اخلاص في الرق أبعد عن الرأسمالية منه

في جزر الهند الغربية. وقد عبر عن ذلك أحد ا>ؤرخX فقال:»كان اجلو العام لإلدارة في عامة ا>زارع الكبرى (بجزر الهند الغربية)يشبه اجلو في معظم ا>صانع احلديثة. فكان ينظر إلى العمال عـلـى أنـهـموحدات عمل ال على أنهم رجال ونساء وأطفال. فـكـانـت الـرأفـة والـراحـة8والقوة وا>شقة8 تقدى حسب تأثيرها في كشوف ا>ـيـزانـيـة8 وكـان ا>ـوالـيـدوالوفيات يحسبون على أساس الكسب واخلسارة وكانت نفقة تربية األطفالتقارن بتكلفة جلب أفارقة جدد. هذه األشياء كانت موجودة بدرجة ما فـياجلماعات احمللية التي بها عبيد في أمريكا الشمالية8 لكنها كانت مزدهرة

.)١١(في جزر الهند الغربية»

200

الغرب والعالم

وقد تطورت عنصرية الكراهية أو التنافس في أشد مجتمعات العبـيـدرأسمالية. (كجزر الهند الغربية) ألن الشركات ا>هيمنة كانت أقل اهتمامـاباألفارقة كبشر. فكان ينظر إلى الرقيق على أنهم عـمـال مـصـانـع أو آالتمربحة. وقد أراح أصحاب ا>شروعات8 من ذوي األصل األوربي8 ضمائرهمبالعيش بعيدا عن اجلزر السوداء8 أو باإلقامة xعزل عن السكـان الـسـود8أثناء قيامهم بالزيارة. ولم يتسن لهم قط أن يحبوا العبيد األفراد أو يكرهوهم(أو حتى يعرفوهم) ومن ثم فإن عنصرية الوصاية التي ظهرت في مجتمعاتالرق في أمريكا الالتينية أو في اجلنوب األمريكي لم تظهر بينهم. وقد �اقدر من عنصرية الكراهية قي واليات أمريكا الشمالية قبل احلرب األهلية.فكما رأينا من قبل8 كان دعاة إلغاء الرق الـلـيـبـرالـيـون ذاتـهـم فـي الـشـمـاليتطلعون إلى ترحيل السود8 بعد حتريرهم8 إلى أفريقيا أو أمريكا الالتينية.وعلى النقيض من ذلك8 كان ا>دافعون عن الرق في اجلنوب أنصارا لـلـرقأكثر من كونهم مناهضX للسود. وغالبا ما كان العكس صحيحا في الشمال.فالشمال لم يكبح جماح العنصرية إال لعدم وجود أكثرية من أحرار السودتنافس أحرار البيض. وقد تغير هذا الوضع في اجلنوب بعد احلرب األهلية8فبعد هجرة السود إلى الشمال في أوائل القرن العشرين انتابت كثيرا مـنالبيض أخيلة عنصرية بغيضة جديدة الشتداد التنافس مع أحرار السود.و>ا كان اجملتمع الرأسمالي يشجع بطبيعـتـه عـلـى الـتـفـاوت فـي حـيـازةأراضي البالد ومواردها8 فقد اضطرت أغلبية األهالي إلى التنافس على ما

تبقى منها.أما في بلدان أمريكا الالتينية8 التي لم يكن العرق بها قضـيـة خـطـيـرةقط8 فقد أصبح التنافس على الوظائف وا>وارد الشحيحة8 قضية طبقية8وذلك بعد حلول الرأسمالية محل الرق. فقـامـت األحـزاب الـشـعـبـيـة الـتـيجتمع بX عناصر مختلفة (أو الالعنصرية) بتوجيه إحباطات الفقراء إلىبرامج هددت األسر الغنية والشركات التي تتحكم في جل موارد اجملتمع.

١٩١٠وقد وقعت أول ثورة شبه اشتراكية في العالم في ا>كسـيـك سـنـة (أي قبل قيام الثورة الروسية بسبع سنوات) وبقـدر مـا جنـحـت الـثـورة فـيحتقيق أهدافها8 فقد � القضاء على بعض أشكال عدم التفاوت الـصـارخفي اجملتمع الرأسمالي. ومن سوء حظ أغلب ا>كسيكيX (مثل معظم الروس)

201

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

أن التطور التكنولوجي في البالد كان عند قيام الثورة من الضآلة بحيث أن% من السكان8 ولكن٩٥النتيجة الرئيسة كانت تناقصا ضئيال في الفقر لدى

>ا كان الزعماء الشعبيون للثورة ا>كسيكية قادرين على إدراك محنة الفقراءفي إطار طبقي8 ال في إطار عنـصـري8 فـإن اجملـتـمـع ا>ـكـسـيـكـي كـان أقـلعنصرية8 ورxا كان عدم حتول ا>كسيك إلى الرأسمالية بشكل متطرف قدأسهم في عدم وجود عنصرية الكراهية أو التنافس; وشجع الزعماء عـلـىالعمل من أجل ثورة اجتماعية ال من أجل البطش العنصري والـيـوم يـعـمـلا>كسيكيون من أجل أمة سمراء (برونزية) وتنمية اقتصادية ومجتمع يتسم

بقدر من ا>ساواة8 في آن واحد.أما البرازيل ا>عاصرة فتجرب هذا النوع من أنواع اجملتمعات الرأسماليةالذي مرت به الواليات ا>تحدة في بداية هذا القرن-كما تشبهها تقريبا فيتطورها التكنولوجي. وقد دخل بالفعل أشد أقسام البالد رأسمالية وتصنيعا(ساو باولو واجلنوب) في مرحلة عالقات عنصرية التنافس (أو الكراهية)8ويتوقع معظم ا>راقبX أن تتلوها سائر أرجاء البالد في هذا السبـيـل. واليزال معظم البرازيليX األفارقة يجهلون متى يكون التحامل عليهم بـسـبـبعنصريتهم8 ومتى يكون شقاؤهم راجعا إلى وضعهم الـطـبـقـي األدنـى. أمـافقراء البرازيليX فهم أشد توزعا من ذي تبل بX الرجاء في «الـتـبـيـيـض»العنصري-أي في صبغ أصلهم ونسلهم بصبغة بيضاء - وبX التحـالـف مـع

أعضاء طبقتهم األحلك لونا8 في سبيل التغيير االجتماعي.وقد ذهب مؤرخ أمريكي8 بعد أن أشار باندهاش إلى عدم وجود قوميةأفريقية في البرازيل (كا>سلمX السود في أمريكـا) أو جـمـاعـات احلـقـوق

) إلى أنNAACPا>دنية (مثل اجلمعية القومية لترقي ا>لونX فـي أمـريـكـا التعصب الذي يشجع هذه اجلماعات لم يزل في طور النشوء:

«إال أنه مع استمرار البرازيل في التصنيع8 وانتشـار اجملـتـمـع الـطـبـقـيالتنافسي8 فإن احتماالت �و التفرقة يـزداد أيـضـا8 إن الـتـوتـر الـعـنـصـريوالتحامل اللوني-كما رأينا-يوجدان بالفعل في البرازيل8 وإذا كانـت جتـربـةالزنوج في ساو باولو تدل على شيء فإ�ا تدل على أن اجملتمع التنافسـييشجع التفرقة والتوتر. ولهذا فإن تاريخ العالقات العنصرية في الواليـاتا>تحدة األمريكية سيتكرر في ا>ستقبل في البرازيل8 من بعض جوانبه على

202

الغرب والعالم

األقل8 وباقتراب النظام االجتماعي في البرازيل من �وذج الواليات ا>تحدةالتنافسي8 كما يوحي بذلك مثال ساو باولو في هذا القرن8 يـصـبـح ظـهـور

.)١٢(العداوة بX السود والبيض أمرا متوقع احلدوث»وقد قدم فان دن بيرج برهانا محددا على أن هذه التطورات قد بدأت

حتدث حقا:«أدى ازدياد التحامل على الزنوج في ساو باولو وريو دي جانيرو وغيرهماإلى قيام اجمللس التشريعي القومي8 بعد احلرب العا>ية الثانية8 باستصدارقانون ينص على حتر� التفرقة العرقية. ومثل هذا القانون لم يكن ضرورياعلى اإلطالق من قبل-فحتى ا>ناطق احمليطـة يـبـاهـيـا8 وهـي مـهـد الـنـظـاماألبوي8 أدخلت اآللة على الزراعة هناك8 وأخذت الروابط العاطفية القد�ةبX مالك األرض البيض والعمال الزنوج تنهار8 وحلت مصانع السكر الضخمةمحل ا>صانع الصغيرة با>زارع8 وانقطعت الروابط الشخـصـيـة بـX عـمـال

.)١٣(احلقول ومستخدميهم البيض»وال زالت في البرازيل أحزاب اشتراكية حتث الـعـمـال الـبـيـض والـسـودعلى إدراك روابطهم الطبقية بدل فروقهم العرقية. وال يزال هذا �ـكـنـا8نظرا لضعف شوكة العنصرية في احلياة البرازيلية. فال يزال من ا>مكن أنيحاول البرازيليون تصحيح ا>ظالم الرئيسة في مجتمعهم عن طريق احللولاالشتراكية ال العنصرية. إال أن احلكومات العـسـكـريـة فـي الـبـرازيـل-عـلـىالعموم-أفلحت في القضاء على هذه التحديات للنظام االجـتـمـاعـي8 حـتـى

ولو أدى ذلك إلى تشجيع العنصرية.وهناك بعض أوجه الشبه بX االختيار الذي يواجهه البرازيليون الـيـوموبX ذاك الذي واجهه األمريكيون الشماليون في عشرات الـسـنـX األولـىمن القرن العشرين. غير أن حكومات الواليات ا>تحدة األمريكية في القرنالعشرين وجدت أن من األسهل كثيرا القضـاء عـلـى األحـزاب االشـتـراكـيـة

احمللية وإعطاء دعم ا>ؤسسة الرسمية للعنصرية التنافسية.ولعل البيض في الواليات ا>تـحـدة األمـريـكـيـة كـانـوا يـدركـون دائـمـا أنحريتهم السياسية وفرصتهم االقتصادية ورخاءهم-كل هذا يدين بـالـكـثـيـر>عاناة السود.. إذ أن وفود ا>ستعمرات البريطانية لم تتمكـن مـن الـوصـول

في فيالدلفيـا١٧٧٦إلى اتفاق بشأن االستقالل في األيام األولى من يوليـو

203

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

إال حينما غير جيفرسون إعالن االستقالل بشكل يسمح بالرق. ولوال موافقةمندوبي مالك الرقيق في كارولينا اجلنوبية8 >ا �ـكـنـت ا>ـسـتـعـمـرات مـنحتقيق اإلجماع الالزم >واصلة حرب ثورية ناجحة. وما كان الدستور ليحظى

- مثله في ذلك مثل االستقالل-لو أنه ألغى الرق. وبحلول١٧٨٩با>وافقة عام أصبح الرق من األهمية فـي �ـط حـيـاة الـواليـات اجلـنـوبـيـة مـا١٨٦٠عـام

جعلها تفضل إلغاء االحتاد على إلغاء الرق. ولقد شن الشمال احلرب ال ألنالعبودية عنصرية8 بل ألن الرق كان جزءا من نظام إقطاعي أبوي يتعارضمع تقدم اقتصاد األعمـال الـتـنـافـسـي اجلـديـد. ولـقـد دافـع لـيـنـكـولـن عـناالحتياجات ا>ادية لالقتصاد اجلديد (بلغـة أخـالقـيـة). وكـانـت الـشـركـاتالصناعية اجلديدة تتطلب عمالة حرة وفيرة8 وبلدا موحدا وحكومة احتادية

مركزية. X١٨٧٥ و١٨٦٥ولفترة وجيزة بXتصرف الكوجنرس8 حتت تأثير اجلمهوري

الراديكالي8X كما لو كان يؤمن بأن االقتصاد التنافسـي اجلـديـد والـعـدالـةالعرقية غير متعارضX. وتتضح قوة هذا التشريع في أنه8 حتى بعد صدورتشريع احلقوق ا>دنية في ستينات هذا القرن8 فإن بعض األحكام القضائيةذات الطابع الراديكالي التي صدرت مؤخرا تستند إلى القوانX الواضحـة

القاطعة التي كانت قد صدرت من قبل. العصر الكبير لعنصرية الكراهية١٨٧٥ويجب أن نعد الفترة التي تلت عام

أو التنافس في الواليات ا>تحدة األمريكية. وقد وصلت العنصرية األمريكيةأحيانا8 خصوصا في اجلنوب8 إلى بعض أشكال البطش العنيفة فـي فـتـرةعنصرية الوصاية وجتاوزتها. ولكن األمر اكثر شيوعا كان معاناة السود منالتجاهل ومن الفصل العنصري8 وحرمانهم من عدالة القضاء أو ثروة اجملتمعا>ادية. لقد كانوا عماال أحـرارا فـي أسـوأ األعـمـال الـتـي يـتـيـحـهـا الـنـظـاماالقتصادي8 وكان من حق أصحاب العمل طردهم في أسوأ الظروف وكانوامحرومX من حماية الشرطة8 والتعليم اجليد وا>رافق العامة8 في الـوقـتالذي أسرد فيه الواليات والبلديات حريتها في احلكم الذاتـي. لـقـد كـانـواأحرارا في النزوح من بؤس الريف إلى «اجليتو» ا>غلق في ا>دن طا>ا أنهمال يتتبعون خطى األقليات العرقية األوروبيـة عـن قـرب أكـثـر مـن الـالزم أو

يبدلون مناطق سكنهم بسرعة زائدة.

204

الغرب والعالم

اخلالصة: من األسباب إلى احللولفلنعد إلى السؤال الذي طرحناه فـي نـهـايـة تـقـد� هـذا الـفـصـل: >ـاذاتزداد األحرار سوءا? >اذا كان من الصعب على البيض أن يتقبلوا أو يتعاملوامع قرارات اللجان الرئاسية? يكمن اجلواب-كما ذهبنـا-فـي أن الـعـنـصـريـةتضرب بجذورها في العمق. وبعد تاريخ طويل8 أصبح من طبائع األشياء أنيستجيب كل شخص لتحذيرات اللجان الرئاسيـة وغـيـرهـا مـن الـدراسـات

قائال باقتناع مخلص: «لست أنا8 إنني لست متحامال»ومع هذا فلنقتبس فقرة من دارس آخر للعنصرية األمريكية:

«إن احلديث عن العنصرية الـبـيـضـاء فـي أمـريـكـا ال يـعـنـي أن كـل فـردأبيض يؤمن بأن اإلنسان األبيض يتميز بتفوق فطري ما. ولكنه يعني بالفعلأن اجملتمع األمريكي يعمل وكان هذا هو احلال8 وأن طبيعة اجملتمع األمريكيتتشكل وكان هذا االعتقاد يأخذ به جميع البيض. وعلى اإلنسان أن ينظـرفي مجمل تأثيرات مؤسسات اجملتمع وأوجه نشاطه لكي يفهم أن التأثـيـرالكلي لهذا اجملتمع-بغض النظر عن االستثناءات الفردية-مشابه لتأثير مجتمع

.)١٤(قائم على أيديولوجية التفوق األبيض»واآلن بعد أن ألقينا نظرة على بعض ا>ؤسسات واألنشطة التي أدت إلىأزمتنا الراهنة8 نستطيع أن نشرع في جمع شتـات بـعـض اإلجـابـات فـأوال8هناك بعض األمل في النتيجة التي توصلنا إليها8 وهي أن اجملتمعات ليستكلها عنصرية. إن شعور بعض الثقـافـات بـتـفـوقـهـا هـو شـيء مـخـتـلـف عـنالعنصرية احلديثة. و�كننا أن جند أيضـا بـعـض األمـل فـي اكـتـشـافـنـا أنالعنصرية احلديثة ليست في بعض جوانـبـهـا إال تـركـة ورثـنـاهـا عـن نـظـامالرق. وكما أن العنصرية في بعض مجتمعات الرقيق-�كن أن تكون حميدةنسبيا8 فإنه �كن أيضا جتنبها بـإلـغـاء الـرق. وقـد الحـظـنـا أن ا>ـكـسـيـك8والبرازيل (بدرجة أقل) استطاعتا إلى حد ما اإلفالت من اإلرث العنصري

جملتمع الرق.على أن احلل الذي أخذت به أمريكا الالتينية8 وهو �ازج األجناس8 لميعد متاحا لنا8 إذ ال نستطيع أن نتوقع بشكل واقعي علـى األقـل فـي ا>ـائـةسنة التالية8 أو نحوها أن يستأصل شعـب الـواليـات ا>ـتـحـدة-فـكـرة الـعـرقبالتزاوج اخملتلط. ولكن لعل أحدث عنصر في احلل الذي تطرحه أمريـكـا

205

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

الالتينية في متناول أيدينا. فقد يكون في وسعـنـا أن نـبـنـي مـجـتـمـعـا أقـلتنافسا تكون فيه احتياجات الناس ا>ـشـتـركـة أهـم مـن اخـتـالفـاتـهـم. فـإذاحددنا أهدافنا الشخصية واالجتماعية في صورة عمل ووقت فراغ مفيدين8ومسكن مناسب8 ورعاية طبية كافية8 وتعليم8 ومشاركة سياسية لـلـجـمـيـع8بدال من البحث عن فرصة لسبق زميلك في الطريق إلى القمة8 فقد جنـد

طريقا لتأكيد النواحي ا>شتركة بدال من تأكيد مواطن االختالف.إن إزالة الفروق االجتماعية (والعرق كما رأينا ما هو إال واحد من هذهالفروق) ليس أمرا يوطوبيا با>رة8 فقد قللت مجتمعات كثيرة من شأن مثلهذه الفروق ومشكلتنا هي أن إزالة الفروق االجتماعية أو العقلية التنافسيةمرتبطة عادة باالشتراكية8 واالشتراكية في الواليات ا>تحدة ليست محبوبة8

كما أنها ليست مفهومة.ولكن ما البدائل? لقد دأب الكثيرون من الزعماء األمريكي8X حتى عام

8 على الزعم بأن الواليات ا>تحدة األمريكية تستطيع أن تبني اقتصادا١٩٦٠يتسم بالوفرة إلى درجة تصبح فيها فروق الثروة وا>كانة ال معنى لها8 وينعمفيه كل فرد بحياة مجزية8 مثمرة. وسيكون هناك درجة عاليـة مـن الـوفـرةبحيث ينال كل فرد ضعف نصيبه8 ومع هذا يظل البعض «أكثر مساواة من

غيره».وإذا لم يكن هذا قد حدث8 فال يعني هذا أنه مستحيل احلدوث8 لكنناأصبحنا أقل تفاؤال بقدرة اآللة على إزالة الفروق االجتماعـيـة. فـمـا زالـتالفروق بX الغني والفقير على األقل في الواليات ا>تحدة األمريكية بنفساالتساع الهائل الذي كانت عليه8 بالرغم من فوائد اآللة. ونحن ندرك اآلنأننا كنا ننفق أكثر �ا �لك8 وما زال التنافس قاسيا كما كان8 فضال عن أنالزعم بأن السود أو الفقراء سوف يقنعون بنصيبهم من الكعكة كلما ازداد

حجم الكعكة ال معنى له في اقتصاد ثابت.فالعنصرية8 بوصفها مشكلة فروق طبقية أو اجتماعية وحسب8 ال تزالمشكلة هائلة. وا>طلوب منا أن نتخلـى عـن بـعـض ا>ـزاعـم والـعـادات الـتـياكتسبناها خالل مئات السنX من التطور الرأسمالي. وقد كـان هـذا أمـراعسيرا xا فيه الكفاية في بالد كا>كسيك وكوبا8 لم يكن لديها في أي وقتنفس القدر الذي لدينا من االلتزام بالرأسمالية وا>نافسة وا>شروع احلر.

206

الغرب والعالم

ومن سوء احلظ أن مشكلتنا أكبر من مجرد التغلب على الفروق الطبقية8-Xالالتيني Xأو على طبيعتنا التنافسية ا>كتسبة. فنحن-على خالف األمريكيقد جعلنا العرق مشكلة منفصلة عن مشكلة الطبقة8 ونشأنا على االعتقادبأنه �كن أن يكون لدينا مجتمع ال طبقي8 في حX نقيم فروقا عنـصـريـةجديدة. والواقع أن هذا بعينه هو ما دأبنا على فعله منذ وقت ليس بالقليل.فمن الناحية ا>ثالية8 ال ينبغـي أن يـكـون الـعـرق إال مـثـال واحـدا مـن أمـثـلـةالتفرقة الطبقية أو االجتماعية. ومن الناحـيـة ا>ـثـالـيـة8 ال يـنـبـغـي أن يـرىالناس إال الغني والفقير8 وا>تعلم واألمي8 والقوي والضعيف8 بصرف النظرعن اللون. فالعرق ليس له معنى منفصل عن هذه الفروق االجتـمـاعـيـة-إال

!Xبالنسبة للعنصري8 واألمريكيون البيض كانوا وما زالوا عنصريفعلى البيض8 على هذا ا>ستوى8 أال يكتفوا بتغيير مواقفهـم إزاء فـكـرةالطبقة وا>نافسة8 بل عليهم أيضا أن يغيروا مواقفهم ا>وروثة إزاء السود.وهنا يكون حتليلنا لتراثنا الثقافي في العصر ا>سيحي والعصر اإلليزابيثيوالعصر احلديث مقلقا حقا. وإذا كان كوفل على حق عندما قال إن البيضيعاملون السود كأنهم قذارة8 فا>شكلة إذن تكاد تكون مستعصية على اجلل.إذا كانت العنصرية جتعل البيض يشعرون بأنهم أنظف وأنقى وأكثر «استنارة»(كما جتعلهم أكثر غنى)8 فإن مواجهة ا>شكلة تكـلـفـنـا كـثـيـرا مـن الـنـاحـيـةالنفسية (وا>ادية كذلك)8 ويصبح من األسهل مواصلة عنصرية الـكـراهـيـة

عن طريق جتاهل هذه العنصرية.

ملزيد من االطالعا>راجع العامة ا>شار إليها في هذا الفصل هي كتاب بييرل. فان دن برج

Pierre L. Van Den Berghe العرق والعنصرية: منظور مقارت Race and Racism:

A Comparative Perspective 8 وكتاب جول كوفلJoel Kovel:العنصرية البيضاء وكالهما جدير بالقراءة بالكامل.White Racism: A Psychohistoryتاريخ نفسي

ولقد طور فان دن بيرج مقوالته عن الـعـنـصـريـة مـن دراسـاتـه لـلـمـكـسـيـكوالبرازيل وجنوب إفريقيا والواليات ا>تحدة األمريكية8 وعرضه >وضـوعـهمباشر للغاية. وكتاب كوفل يستند إلى احلدس والتأمل في محاوالته حتليل

الثقافة الغربية حتليال نفسيا. والكتابان مزودان بقائمة مراجع جيدة.

207

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

حـيـاة جـيـم كــروC. Vann Woodwardوال يـزال كـتـاب س. فـان وود وارد مدخال أساسيا لدراسة تطور عنـصـريـةThe Strange Career of Jimالغريبـة

.Thomas Fالكراهية أو االنعزالية منذ الرق. وكتـاب تـومـاس ف. جـوسـيـت

Gossett العرق: تاريخ فكرة في أمريكا Race: The History of an Idea in America

White Man’s عبء الرجل األبيض Winthrop Jordanوكتابا وينثروب جوردان

Burden واألبيض يعلو األسود White Over Balck وكتاب وليم ستانتون William

Stanton خطوط النمر The Leopard Spotsهو أيضا دراسة رائعة عن تاريـخ األفكار العرقية األمريكية. وهناك كـذلـك عـدد مـن اخملـتـارات الـتـاريـخـيـة

Whiteالنفسية في كتاب العنصرية البيضاء: تاريخها ومرضها و�ارستها

Racism: Its History, Pathology and Practice بإشراف باري. ن. شفارتز Barry

N. Shwartzش وروبـرت ديRobert Disch .Xأما كتاب أوسكـار هـانـدلـ Oscar

Handlin الـعـرق والـقـومـيـة فـي احلـيـاة األمـريــكــيــة Race and Nationality in

American Life فال يزال مفيدا بوصفه دراسة عامة. وال يزال كذلك تقرير The Report of the National اللجنة االستشارية القومية لالضطرابات األهلية

Advisory Commission on Civil Disorder وضـوعـنـا. وإذاx على صلة وثيقة أراد الدارس أن يقرأ عمال أدبيا واحدا عن ا>وضوع فيجب أن يكون كتاب

(×).The Autobiography of Malcolm X السيرة الذاتية >الكوم اكس

والدارس الذي يريد أن يتبع بعض التفسيرات القائـمـة عـلـى الـتـحـلـيـلالنفسي الواردة في هذا الفصل وفـي كـتـاب كـوفـل فـمـن األفـضـل أن يـبـدأ

A مدخل عام للتحلـيـل الـنـفـسـي Sigmund Freudبكتاب سيجـمـونـد فـرويـد

General Introduction to Psychoanalysisوبالنسبة الستخدام مقوالت التحليل Eric Eriksonالنفسي في تفسير الثقافة الغربية جند كتاب أريك إريكسون

Norman O. Brown وكتاب نـورمـان أوبـراون Young Man Lutherلوثر الـشـاب

فهما كتابان لهما بعد خاص. وبالنسبةLife Against Deathاحلياة ضد ا>وت لفهم سيكولوجية العنصرية في سياق التسلـطـيـة األوسـع (وهـي الـطـريـقـةالتي يتناول بها معظم الفرويديX احملدثX ا>وضوع) جند كتاب إريك فروم

Erich Fromm الهـرب مـن احلـريـة Escape From Freedom.هو أفـضـل بـدايـة The وآخرين الشخصية التسلطيـة T. W. Adornoويعد كتاب ت. و. أدورنـو

(×) ترجمه إلى العربية مجاهد عبد ا>نعم مجاهد (الترجمان).

208

الغرب والعالم

Authoriatarian Personality:أهم بحث �هيدي. وكتاب أريك أريكسون الهوية Identify: Youth and Crisis and Childhoodالشباب واألزمة والطفولة واجملتمع

and Societyيشرحان العنصرية والتسلطية في إطار أزمات احلياة التـي ال علم نفس اجلماهير الفاشية�Wilhelm Reichكن حسمها. وكتاب ولهلم رايخ

Mass Pschology of Fascismيستند إلى االدراك ا>باشر ويثير اجلدل. وكتاب One Dimensional (×) اإلنسان والبعد الواحدHerbert Marcuseهربرت ماركوز

Man والعـشـق واحلـضـارة (××)Eros and Civilizationصعبان8 لـكـنـهـمـا إعـادة Albert Memmiصياغة خالقة لفرويـد ومـاركـس. أمـا كـتـاب ألـبـرت مـيـمـي

أصولHana Arendt وكتاب حنا آرنت Dominated Manاإلنسان ا>هيمن عليه فهما مهتمان بـالـعـنـصـريـة بـشـكـلThe Origins of Totoliarianismالشمـولـيـة

قيمة للغاية8 فكتبه اجللد األسودFrantz Fanonمباشر. وأعمال فرانز فانون وكتاب ا>عذبون فـي األرضBlack Skin, and White Masksواألقنعة البيضـاء

The Wretched of the Earth(×××) وكتاب نحو الثورة األفريقية Toward the African

Revolutionهي أبحاث في معنى العنصرية بالنسبة للسـود تـتـسـم بـالـذكـاء Alexوتستخدم منهج التحليل النفسي. و�كن قراءة كـتـاب ألـيـكـس هـيـلـي

Haley الشعبي اجلذور Rootsبوصفه عملية إعادة بناء أدبية لثقافة العنصرية وبعدها النفسي في أمريكا.

Eugene Genoveseوبالنسبة للعرق والطبقة تعد أعمال إيوجX جينوفيزي

أعماال ذكية >احة. أمـاIn Red and Blackخصوصا كتاب باألحمر واألسـود Crisis of the Negro أزمة ا>ثقـف الـزجنـي Harold Cruseكتاب هـارولـد كـروز

Intellectualاحللول العنصرية واالشتراكية Xفهو دراسة مستفيضة للصراع ب في كتابه الCarl Deglerفي سياق تاريخ القرن العشرين. ويقوم كارل دجلر

يعقد مـقـارنـة ثـقـافـيـة بـNeither Black Nor WhiteXباألسـود وال بـاألبـيـض الواليات ا>تحدة والبرازيل وهو أيضا مدخل حديث مفيد. ومن الكتب القيمة

The Mansions القصور واألجواخ Gilberto Freyerأيضا كتاب جلبرتو غريير

and the Shanties 8 وكتاب ارفنج ل. هـوروبـتـسIrving L. Horowitzالثورة فـي (×) ترجمه إلى العربية جورج طرابيش [ا>ترجمان]

(××) ترجمه إلى العربية مطاوع صفدي [ا>ترجمان](×××) ترجمه إلى العربية [ا>ترجمان]

209

العرق والطبقة: األمريكتان منذ أيام الرق

Race وكتاب العرق والطبقة في ريف البرازيل Revolution in Brazilالبرازيل

and Class in Rural Brazil بإشـراف شـارلـس وأجـلـي Charles Wagleyوكـتـاب األسود في األبيض: العرق والقوميةThomas E. Skidmoreتوماس أ. سكيد مور Black into White: Race and Nationality in Brazilian Thoughtفي الفكر البرازيلي

210

الغرب والعالم

هوامش من الفصل الثامن عشر

(1) Alexis de Tocquecille, Democracy in America, New York: Random House, 1945, vol. 1, p. 373.

ويطرح نفس الفكرة مؤرخ آخر حديث هو إيوجX. هـ. برواجنر:Eugene H. Bewanger, The Frontier Against Slavery, Western Anti Negro Prejudice and the Slavery

Extension Controversy-

(2) Pierre L. van den Berghe, Race and Racism: A Comparative Prespective, New York: Wiely, 1967,

p. 27.

(3) Ibid., p. 30.

وردت هذه العبارة عند(4) Joel Kovel, White Racism: A Psychohistory, New York: Random House, 1971, p. 30.

(5) Ibid., p. 31.

(6) Ibid., p. 84.

(7) Ibid., p. 89.

واألمثلة التي طرحها كوفل عن جامعة ا>سيسبي وآن أربور منسوبة إلى:James Hamilton’s Some Dynamics of Anti-Negro Prejudice, Psychoanalytic Review 53, (1966-1967),

5-15

(8) Van den Berghe, Race and Racism, pp. 85-86.

(9) Eugene D. Genovese, The World the Slaveholders Made, New York: Pantheon, 1969, p. 59.

(10) Winthrop D. Jordan, American Chiaroscuro: The Status and Definition of Mulattoes in the British

Colonies, William & Mary Quaterly, 3rd ser., 19, April 1962: 196.

(11) Ulrice Bonnell Phillips, American Negro Slavery, New York: Prentice-Hall, 1918, p. 52.

(12) Carl N. Degler, Neither Black Nor White, New York: Macmillan, 1971, pp. 281-282.

(13) Van Den Berghe, Race and Racism, pp.74-75.

(14) Barry N. Schwartz and Robert Disch, ed., White Racism: Its. History, Pathology, and Practice,

New York: Dell, 1970, p. 65.

211

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

الفردية واجملتمع: الذات فيالعالم احلديث

في اخلامس عشر من شهر زانثيكوس في السنة)٧٣٨الرابعة من حكم اإلمبراطور فيسباسيان (عام

يهوديا كانوا في قلعة ماسادا بالـقـرب مـن٩٦٠آثر البحر ا>يت قتل النفس بعد أن أسـتـحـثـهـم الـعـازرعلى ذلك بدال من االستسالم للرومان8 فقتل الرجالأوالدهم وزوجاتهم وهم يعانقوهم للـمـرة األخـيـرة.ثم اختاروا من بينهم عشرة بالقرعة لـيـتـولـوا قـتـلالباق8X واختار هؤالء العشرة واحدا مـنـهـم فـقـتـلالتسعة ثم بعج نفسه? وقد تخيل ا>ؤرخ يوسيفوسما قاله ألعازر: «فلتمت زوجاتنا قبل أن يسـربـلـهـنالعار8 وليمت أوالدنا قـبـل أن يـعـرفـوا االسـتـرقـاق8فإذا قضوا نحبهم8 فليقدم كل منا صنيعا إلى اآلخر8

.)١(محتفظX بحريتنا لتكون كفنا الئقا بنا» قام حوالي ألف مـن١٩٧٨ نوفمبـر ١٨وفي يـوم

أعضاء فرقة دينية أمريكية تدعى «احملفل الشعبي»في جيانا بأمريكا اجلنوبية بقتل أنفسـهـم بـعـد أنحثهم على ذلك زعيمهم جيم جونز8 الذي توهم رداعسكريا أمريكيا على قتل أحد أعضاء الكوجنرس.

19

212

الغرب والعالم

فجرع اآلباء أوالدهم شراب الكوال �زوجا xـادة الـسـيـانـيـد ثـم شـربـوهـابدورهم8 وعقدوا اخلناصر وهـم يـجـودون بـأنـفـاسـهـم. وتـعـكـس خـطـابـاتاألعضاء إلى جونز التي استهلوها بعبارة «بابا حبيبي» والءهم التام لزعيمهمواستعدادهم للموت في سبيله وفي سبيل قضيتـه: «بـابـا أحـسـن �ـا وقـعلي»8 «أنت الذي حررتني»8 «هاأنذا ارتشف اجلرعة»8 «أنا كا>وزة8 قرن في

.)٢(سباطة» «أموت مغتبطا»فما الذي يحمل الفرد على االنتحار في سبيل قضية أجل? ومتى تكونالقضية أو الفرقة أو ا>لة أو الطائفة أهم عند ا>رء من نفسـه? وفـيـم كـانقتل األبناء بأيدي آبائهم? هل يعطينا اجملتمع أسـبـاب ا>ـوت كـمـا يـعـطـيـنـاأسبابا للحياة? هل العقيدة خطـر عـلـى صـحـة اإلنـسـان أو حـيـاتـه? أيـكـوناألشخاص األقل شعورا بفرديتهم أشد إقباال على قتل أنفسهم? هل القضاء

على النفس التي لم يكتمل �وها أسهل?وكيف تغيرت األمور? أظلت غريزة بقاء الذات في نفـوسـنـا8 فـجـة كـمـاكانت منذ ألفي عام? وهل ظل إحساسنا بالفـرديـة ضـئـيـال كـمـا كـان? وإذاعشنا في عصر أكثر نزوعا إلى الفردية فهل تقع أمثال تلـك األمـور? وهـليكون استحسان اليهود والرومان ما حدث في ماسادا واستقباح اجلميع ماجرى في جيانا8 باعثا على شيء من األمل? وهل ترانا أصبحنا أشد احتراماحلياة الفرد �ا جرى عليه الناس? وإذا كان ذلـك كـذلـك8 فـلـمـاذا وكـيـف?

وكيف نعلل ما وقع في جيانا?هذه بعض األسئلة التي حفزتنا إلى كتابة هذا الفصل اخلاص بالفرديةفي العالم احلديث. ونحن نذهب إلى أن استعدادنا للتفرد وحفظ الذات قد�ا منذ عهد ا>اسادا. وقد جند أسباب هذا النماء في تهافت الرؤى الشاملة

واألخروية.كما قد جندها في زوال ما أطلقنا عليه8 في موضع آخر«مجتمع العسر»وتنامي مجتمعات الوفرة. إن القدرة متاحة أمام الناس في اجملتمع احلديثليعيشوا حياة أجدى وأبلغ وأكثر فردية �ا كان �كنا في اجملتمعات القد�ة(إال بالنسبة حلفنة صغيرة). فإمكانات إ�اء ذوات متفردة مبدعة وال سيمافي العالم الغربي الصناعي8 ا>تعلم8 ا>تخصص8 ا>تـحـرك8 الـد�ـقـراطـي8هي إمكانات فريدة في تاريخ العالم. ولو قـارنـا ذلـك xـجـتـمـعـات الـعـصـر

213

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

اآلسيوية لظهرت إمكانات الغرب.ولكننا نذهب أيضا إلى أن إمكانات التفرد في الغرب لم تتحقق فهناكتناقض بX القدرة على التفرد والتفرد بالفعل. وأسباب ذلك جديرة بالبحث8وهي وثيقة الصلة بتراثنا الديني اخلاص حق بعد أن أصبح علمانيـا. كـمـاأنها وثيقة الصلة ببعض األشكال اخلاصة بتنظيمنا االقتصادي وفي دينامياتا>ذهب البروتستانتي وفي النظام الرأسمالي جند أساسا لنمو القدرة الفردية

والعراقيل التي حالت دون حتقيقها.

اخلالص االجتماعي في العصور الوسطى والتخصص احلديثمن ا>سلم به أن اجملتمع احلديث أعقد وأمعن في التخصص من اجملتمعالروماني8 غير أن اجملتمع احلديث لم يتحول إلى التخصص إال في القرونالقليلة ا>اضية. أما في العصور الوسطى فإن األوروبيX فقدوا شيـئـا مـنالتخصص والتفرد اللذين عرفهما الرومان8 فلم تنجب العـصـور الـوسـطـىكفوا ألوغسطX أو تر�اخليوس أو ما يضاهي في فردانيته الفن الهللينستيأو فلسفة سقراط8 وكاد الفرد يختفي من فنون العصور الوسطى وآدابها.لـقـد كـان أوربـيـو الـعـصـور الـوسـطـى مـن ا>ـؤمـنـX بـا>ـسـيـحـيـة8 بـل إنأوروبا بأجمعها قد اعتنقت ا>سيحيـة فـي هـذه احلـقـبـة8 إال أن مـسـيـحـيـةالعصور الوسطـى اخـتـلـفـت كـثـيـرا عـن الـديـانـة الـشـخـصـيـة الـتـي خـبـرهـاأوغسطX. ذلك ألن الكنيسة الكاثوليكية التي شرع أوغسطX وغـيـره فـيتأسيسها في اإلمبراطورية الرومانية8 �ت في العصور الوسطى وحتولـتإلى هيئة ضخمة ناجحة. ومثل هذه الهيئات الضخمة قلما حتفل بتشجيعالفرد على أن يلي أمر نفسه8 ولهذا فإن الكنائس ا>نظمـة تـتـولـى عـادة إنالفرد ال يستطيع أن يعرف الله كما تعرفه الكنيسة ا>نظمة. ولم تكن الكنيسةالكاثوليكية في العصور الوسطى استثناء من هـذه الـقـاعـدة8 فـقـد �ـسـككهنتها وأساقفتها وبابواتها وغيرهم من أولي األمر. بأن الفرد ال �كن أنينال خالصة8 إال داخل هذا التنظيم. فأقاموا مؤسسات من قبيل القربانا>قدس8 والقداس8 وأصروا على أنه ال خالص بدونها. ووضعوا تـفـاصـيـلمجموعة معقدة من ا>عتقدات التي شعروا بأن على ا>سيحيX جمـيـعـا أنيتقبلوها. إن مسيحي العصور الوسطى كانوا ال يزالون عازمX على خالص

214

الغرب والعالم

النفوس الفردية8 غير أن اخلالص قد أصبح عملية اجتماعية أو مؤسسية.وقد كان لكلمة «الفرد» ذاتها في العصور الوسطى معنى يختلف اختالفاشديدا عن معناها الراهن. فنحن حX نقول عن فالن أنه فرد بحق8 نعنيأنه مختلف أو غير عادي أو منفصل عن البقية. أما في العصور الوسطىفكان «الفرد» يعني «اللصيق» أو«من ال �كن فصلـه عـن غـيـره»-أي ا>ـعـنـىالعكسي �اما >ا نعنيه اليوم. فالفرد في العصور الوسطى هو شخص يعد�ثال �طيا جلماعته8 يستحيل فصله عنها. لقد كان الفرد يعد خير مثالللطبقة أو األسرة أو الصنعة أو األمة أو اجلماعة العامة التي يجري وصفها.ولقد كان مجتمع العصور الوسطى مقسما إلى طبقات شديدة التنظيمواالستقرار والثبات8 ويستحسن أن نسميها «طوائـف مـغـلـقـة» أو «طـبـقـاتمغلقة» ألن الشخص كان عاجزا تـقـريـبـا عـن شـق طـريـقـه مـن طـبـقـة إلـىأخرى. ومن ثم كانت نظرة الفرد إلى نفسه-في احملل األول-هي أنه عضـوفي طبقة مغلقة أو مهنة8 وليس أنه فالن بن فالن. فهويته األساسـيـة هـيفي كونه كاهنا أو أسقفا في الهيئة الكنسية أو دوقا أو بارونا من األشرافأو فالحا أو فرانا من (الطبقة الثالثة ا>غلقة). وكانت األسماء الشخـصـيـةتستخدم للداللة على انتماء أصحابها إلى فئة كبيرة8 فأعضاء األسرة النبيلةيعرفون بكنيتهم فيقال: أمير كذا.. أو كـونـت كـذا... بـارون كـذا... كـمـا أنأسر الذين يعملون با>عادن قد تعرف باسـم «احلـداد» أو «الـصـائـغ»8 وكـانصناع األواني يسمون «بالنحاسX»8 ومن هنا فقد يعرف الشخص الواحـد

من صناع األواني بجاري النحاس».وxا أن األفراد كانوا يستمدون هوياتهم من اجلـمـاعـات الـتـي يـولـدونو�وتون بX ظهرانيها8 فقد تركزت آمالهم ومطامحـهـم عـلـى اجلـمـاعـة العلى أنفسهم. فهم يريدون ما يريدونه لقريتهم أو كنيستهم أو أصدقائهم أوأقاربهم8 ال ألنفسهم. وكان الناس يتحملون جتاه غيرهم كثيرا من ا>سؤوليات

التي نسينا أمرها8 وينعمون بشعور باالنتماء واألمن أكبر �ا نحس به.وقد ظهر الفرد احلديث حينما تفكك مجتمع الـعـصـور الـوسـطـى-هـذااجملتمع الطبقي ا>غلق ا>ستتب اآلمن. وقع هذا في أوربا تدرجا قبل بضعةقرون8 وهو يوشك أن يقع في سائر أنحاء العالم. والنهيار اجملتمع الطبقيا>غلق ا>نظم أسباب عدة8 من أهمها ظهور طبقة وسطى من التجار وأصحاب

215

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

الصناعات8 �ن وجدوا اجملتمع الطبقي ا>غلق يضيق xواهبـهـم الـفـرديـةوأطماعهم. هؤالء الرأسماليون األول بدأوا يكونون الثروات فجعلوا النقودوا>ال في مرتبة احلسب والنسب8 وحولوا األرض العامة في العصور الوسطى

إلى ملكية خاصة حديثة.Xوفي نهاية األمر قامت هذه الطبقة الوسطى احملدثة من الرأسمالـيـفي القرنX الثامن عشر والتاسع عشر ثورة صناعية ال تزال مستمرة حتىاليوم8 وهي ثورة جتعل وظائف الناس وأساليب حياتهم أكثـر تـخـصـصـا أوفردية8 فبينما كان الناس في العصور الوسطى ينتمون إلـى ثـالث طـبـقـاتمغلقة فحسب8 ويعملون فيما يتراوح ما بX عـشـر وعـشـريـن حـرفـه8 خـلـقاجملتمع الصناعي احلديث مئات اآلالف مـن الـطـرق اخملـتـلـفـة فـي الـعـمـلواحلياة والراحة والتفكير. فتنوع أساليب احلياة في اجملتمع الصناعي قدمنحنا تنوعا في اخلبرات8 وأصبح لكل منا خبرات فريدة تفرقه عن أقرانه

وتنمي شخصيته الفردية.إن الفردية احلديثة إذن8 في جانب منها على األقل8 هي نتيـجـة درجـةهائلة من التـخـصـص فـي اجملـتـمـع الـصـنـاعـي. إال أن بـعـض جـوانـب ذلـكالتخصص كان أقوى من غيره تأثيرا في تطوير خصـوصـيـتـنـا (نـسـبـة إلـىخاص) وتفردنا. فاحلجرة والكتاب ا>طبوع من التخصصات احلاسمة-وهيحاسمة إلى درجة أننا نأخذهما قضية مسلما بها في كثير من األحيان.

الغرفة والكتاب: أصول الفردية احلديثةلم يعرف أحد الغرف اخملصوصة قبـل الـقـرنـX األخـيـريـن (إال ا>ـلـوكوأمثال تر�اخليوس)8 وقد ظلت بيوت األثـريـاء الـكـبـيـرة ذاتـهـا فـي ا>ـدن8

ال تشتمل على غـرفـات١٧٠٠وكذلك عشش الفقراء8 في أوروبا حـتـى عـام مخصوصة للنوم أو الطعام أو الكتب أو ا>عيشة. وكان أهل اليسـار الـبـاذخشأنهم (شأن الفقراء) يستخدمون لكل غرفة أسرة قابلة لـلـطـي لـرقـادهـموموائد قابلة للطي لتناول الطـعـام. وكـان احملـامـون والـصـيـارفـة والـقـضـاةيستقبلون أصدقاءهم ويتناولون طعامهم ويؤدون أعمالهم وينامون في ا>كان

نفسه (وفي الوقت نفسه غالبا).وكثيرا ما كان الضيوف واألطفال واخلدم ينامون معا في مكان واحـد8

216

الغرب والعالم

وغالبا في فراش واحد. وكانت ا>راحيض. للقادرين على تركيب األنابـيـبفي الداخل8 تقع أيضا في إحدى هذه الغرف ا>تعددة األغراض (أما الشخصا>تطرف في حتشمه فكان يجلى حامال قناعا خـاصـا). وكـانـت كـل غـرفـةتؤدي إلى األخرى مباشرة8 فقد كانت الدهاليز واألبواب ا>غلقة نادرة جدا

.١٧٠٠في عام ومن الواضح أن اخلصوصية ال تقوم لها قائمة في مثل هذا اجملـتـمـع8فبدون غرفات تخصص لشتى األغراض8 وبدون غرفات خاصة8 ال يستطيعإنسان أن يختلي بنفسه طويال. وقد كانت بـيـوت األغـنـيـاء والـوجـهـاء تـعـجباخلدم ورجال الدين وا>ستخدمX والكتبة وأصحـاب الـدكـاكـX واألطـبـاءوا>دنيX واألرامل واألطفال واألصحاب. وكانت طوائف الزوار تأتي وتروح8تبيت ليلة أو بضعة أشهر. وطا>ا جأر ا>درسون اخلصوصـيـون بـالـشـكـوىألنهم ال يستطيعون أن يدرسوا ألطفال السيد8 فاحلـركـة شـديـدة والـغـرفمزدحمة وهناك كثير من األشياء التي تشتت الفكر وبسبب هذه الظـروفعمد بعض األثرياء إلى إيفاد أوالدهم بعيدا إلى الكليات8 برغم إدراك كـلفرد أن الكليات هي أماكن للرذيلة والتحلل األخالقي واالضطرابات والعنف.

8 أحاط نفسه xعظـم١٧٠٠وحتى لويس الرابع عشر8 ملك فرنسـا عـام Xفي قصره بفرساي8 فكل يوم ينال حوالي عشرين أو ثالث Xاألرستقراطيمن هؤالء النبالء شرف مساعدة ا>لك حينما يذهب إلى دورة ا>ياه أو شرفا>شاركة في الشعائر اليومية الستيقاظ ا>لك ونومه. وعندما وضعت ا>لكةحملها كان اجلميع يحتشدون ليشاهدوا احلدث ا>لكي ويشاركوا فيه. وحتىأشد أمورنا خصوصية8 وهو ليلة العرس8 كانت مناسبـة عـامـة مـنـذ ثـالثـةقرون8 وكان األصدقاء وأقارب العريس والعروس يقحمون أنفسهم عليهمابعد ذهابهما إلى الفراش وهم يتجرعون الشراب ويرقصون ويقضون معظم

الليل في تبادل النكات.وحيث أنه لم تكن هناك حياة خاصة لم يكن هناك سوى هوية مستقلةمحدودة واهية8 إذ كانت احلياة بكل جوانبها أمرا عاما ألنه لم يكن هنـاكإال مساحة صغيرة �ارس فيها احلياة اخلاصة. وكل الناس تقـريـبـا8 قـبـل

8 كانوا يفتقرون إلى ا>ساحة والغرف لينموا حياتهم وهواياتهم١٧٠٠سنوات اخلاصة. فغرفة النوم واحلمام وا>كتب8 وهي «االختراعات» التي توصـلـوا

217

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

إليها في العقد األول من القرن الثامن عشر8 كانت حوادث ذات داللـة فـيتطور الفرد.

ولكن ال الغرف الفارغة8 وال الغرف ا>ليئة xا امتألت به سائر الغرف8قادرة على صياغة األفراد. فالتفرد يقوم على اخلبرة اخلاصة8 وال سـيـمـا

بفضل الكتاب١٥٠٠خبرة االطالع اخلاصة. وهو ما أصبح �كنا بعد عام ا>طبوع8 وهو مصدر للمعرفة واخلبرة �كن (بل ينبغي) أن يقرأ ويهضم في

خلوة. كانت كل ا>عرفة ا>كتوبة (األدب١٤٥٠وقبل اختراع ا>طبعة حوالي عام

والفلسفة والعلم) تكتب باليد. و>ا كان النسخ عملية مرهقة كـانـت الـنـسـخا>تاحة من أي عمل محدودة. ولذا كان الناس يقرأون قليال أو إذا حصلـواعلى شئ ذي أهمية خاصة كانت قراءته تتم بصوت عال لآلخرين8 ولذا كانمعظم الناس يعرفون أساسا األشياء نفسها. فقد كانوا يقرأون ا>ادة احملدودةنفسها وكانوا يقرأونها جماعة8 والـقـلـيـل مـن الـنـاس أتـيـحـت لـهـم ا>ـعـرفـة

التخصصية.ولكن اختراع الطباعة وضع الكتب فـي مـتـنـاول اجلـمـيـع تـقـريـبـا. وزادبشكل هائل عدد الكتب التي �كن «نسخها». وأصبحت القراءة بصوت عالمضيعة للوقت8 بعد أن تيسر للناس8 على األقل بX أعضاء الطبقتX العلياوا>توسطة8 أن يقرأوا ألنفسهـم. والـقـراءة عـلـى انـفـراد أسـرع مـن الـقـراءةجهرة8 لكنها أدت أيضا إلى تفسيرات شخصية ال تتحكم فيـهـا تـفـسـيـراتاجلماعة. وكان من أثر ذلك أن أفكار الناس لم تعد تنمو على منوال واحدأو باإليقاع نفسه. كما أتاحت الكتب للناس التخصص في بعض ا>وضوعات.و>ا لم يعد الفرد الواحد قادرا على معرفة كل ما هو مـكـتـوب8 فـقـد تـعـلـممختلف الناس أشياء مختلفة وأصبحوا أكثر تخصصا في معرفتهم وأكـثـر

فردية في خبراتهم.ولكن نسبة ضئيلة من أهل أوربا في القرن الثامن عشر هي التي أتيحلها االنتفاع من احليز اخلاص الذي وفرته الغرف ا>نفصلة8 ومن ا>ـعـرفـةا>تفردة التي أتاحتها الكتب ا>طبوعة. ولم تصبح هذه الكماليات ا>قتصرةعلى اخلاصة في متناول أيدي عامة فالحي أوربا وعمالـهـا إال فـي الـقـرنالتاسع عشر. وحتى هذا لم يتم إال بالتدريج. فانتشار معرفة القراءة والكتابة8

218

الغرب والعالم

والرواية ا>سلسلة الرخيصة التي تصور عوالم األفراد اخلاصـة ا>ـتـخـفـيـةوراء األدوار االجتماعية8 وحركات إنشاء ا>دارس العامة8 وتكنولوجيا بـنـاءXاحليز اخلاص وصلت ببطء مع الثورة الصـنـاعـيـة إلـى أعـضـاء الـطـبـقـتـ

.Xواألمريكي Xالدنيا وا>توسطة من األوربي

التصنيع والفرديةخلقت عملية التصنيع فرصا للفردية لم تكن في احلسبان في اجملتمعالتقليدي. فقد ضاعف تخصص العمل8 الذي يعتمد عليه التصنيع8 عـددامن األعمال البديلة وعددا من اخلبرات ا>تاحة من خالل العمل. وبحـلـولXالقرن التاسع عشر لم يعد ا>رء مضطرا إلى أن يقتصر على االختيار بالعمل في الكنيسة والعمل في الدولة أو مزاولة مهنة في ميدان القانون أوالعلم أو التجارة. إذ أصبحت الفرص ا>تاحة وفيرة. بل إن العامل الذي كانتتحكم فيه ضرورة البحث عن مورد رزق8 وال يتاح له تـرف االخـتـيـار8 كـانيتطور بصورة مختلفة. (أي بصورة متـفـردة) عـن طـريـق الـعـمـل الـذي كـانيضطر إلى �ارسته. وأصبحت قائمة األشغال أو ا>هن8 الـتـي كـانـت تـعـدبالعشرات في القرن الثامن عشر8 تعد با>ـئـات فـي الـقـرن الـتـاسـع عـشـر8وباآلالف في مطلع القرن العشرين. وسواء كان اختيار ا>رء منوطا بتعليمهأو بحاجة السوق البحتة8 فقد تسنى للمرء ألول مرة في التاريخ البشري أن

يحيا حياة مختلفة عن حياة جيرانه وأصدقائه.إن تكاثر مجاالت االختيار وجد طريقه إلى كل جوانب احلياة. فلم يقفاختيار ا>رء عند حد العمل8 بل انسحب إلى مكان إقامته وكيفيـة تـزجـيـتـهوقت فراغه8 والغاية التي يرمي إليها8 وكيفية تنشئة أوالده8 واختيار شريك

حياته.ويحفل أدب القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بالشواهد علىاألفراح واألتراح ا>ستجدة التي انطوت عليها اخليارات الفردية واحليواتا>ستقلة. فالروايات الشعبية التي تتناول موضوع شخصي ينتقل من األسمالإلى الثراء كانت توحي للطبقة العاملة بأهداف بديلة للحياة8 بينما أخـذتروايات الطبقة الوسطى (التي لم تكن لها أي ضرورة في عصر أسبق وأكثرجماعية) تكشف عن خصوصيات حياة رئيس العمل أو القصاب أو العمدة

219

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

أو اجلار في مئات الصفحات ا>ليئة بالتفاصيل. وعمدت الـصـحـف8 شـأنالروايات8 إلى تـقـد� عـروض مـفـصـلـة ألحـداث8 وكـذا لـفـرص الـثـراء فـياإلعالنات) كانت مجهولة أو غير ضرورية في عهود أشد بساطة. وفي قمةالـهـرم الـثـقـافـي لـلـمـجـتـمـع تـغـنـي الـروائـيـون والـشـعـراء (الـرومــانــســيــون)باالستبصارات وا>شاعر الفردية في تدفق صـاخـب لـالسـتـيـطـان والـوعـي

الذاتي.) وهي١٧٧٠لقد ردد العصر اجلديد صدى اعترافات روسو (كتيت عام

:Xاعترافات كانت أكثر خيالء وهشاشة في الوقت ذاته من اعترافات أوغسط«إنني أشرع في عمل لم يسبقني إليه أحد8 وإذا أجنزته8 فلن يكـون لـهمقلد8 وغايتي أن أنشر على الناس صورة صادقة إلنسان كما صاغته الطبيعةدون تبديل8 وهذا اإلنسان هو أنا. أنا دون غيري. فقد عرفت نفسي وخبرتالناس. إنني لم أخلق على غرار أحد �ن رأيت. بـل إنـنـي ألجتـاسـر عـلـىالقول إنني لم أخلق على مثال أي إنسان موجود. ولئن لم أكن �تازا عنهم8فإنني على األقل متميز. أما مسألـة مـا إذا كـانـت الـطـبـيـعـة8 حـX كـسـرتالقالب الذي حبستني فيه قد أحسنت أم أساءت فهذا أمر ال �كـن الـبـت

.)٣(فيه إال بعد قراءة كتابي هذا»إن ا>سلمات الفردية لعصر الرومانسية (من روسو إلى منتصف القرنالتاسع عشر) هي بعينها مسلمات إمرسون في مقاله «االعتماد على الذات».إن إ�انك برأيك واعتقادك بأن ما تعتقد في صميم فؤادك أنه حق8 هوحق عند الناس جميعا8 لهو العبقرية بعينها... فلتثق بنفسـك فـإن األفـئـدة

.)٤(لتهتز لهذا الوتر العنيد... ومن شاء أن يكون إنسانا8 فال يكون إمعة»لقد ابتكرت رومانسية القرن التاسع عشر ذخيرة من الصـور واألفـكـارأصبحت منذ ذلك احلX لب النزعة الفردية الغربية. فالـعـبـقـري والـبـطـلوالرافض والفنان وا>فكر والرائد بل اخملترع إ�ا هي من بنات خيال القرنالتاسع عشر. وأهمية اخليال واإلبداع والـشـخـصـيـة والـتـعـبـيـر عـن الـذاتواألحالم والالشعور والوعي بالذات ظهرت منذ القـرن الـتـاسـع عـشـر فـيالثقافة األوربية واألمريكية. وال �كن فهم األدب احلـديـث8 وعـلـم الـنـفـساحلديث8 والفن احلديث واألفكار السياسية احلديثـة إال بـوصـفـهـا تـوسـعـالهذا التحول الفذ في تاريخ العالم. فرجال هذا العصر احلديث ونساؤه هم

220

الغرب والعالم

أول من أخذ بثقافة تضع التعبير الفردي والفرص الفردية في مكانة أعلىاع السلطة.من ا>سايرة واتب

الطبقية والفردية في القرن التاسع عشرعبر الفالسفة والشعراء الرومانسيون عن رؤاهم الشخصيـة لـيـقـرأهـااجلميع8 ولكن لم تكن هناك سوى قلة تسـتـطـيـع الـقـراءة فـي أوائـل الـقـرن

التاسع عشر.وماذا عن الطبقات العاملة والطبقات الدنيا في اجملتمع الصناعي? هلأصبحوا8 بدورهم8 يشعرون بفرديتهم على نحو أعظم إبان التصنيع وتوسعمجتمع السوق? إن معظم معلوماتنا عن الطبقات الدنيا مستقى من سجالتاحلاكمX وقوانينهم. ولعلنا إذا نظرنا بأعينهم الناقدة أن نرى دالئـل عـلـى

وجود قدر أعظم من التعبير الفردي بX احملكومX أيضا. التقـيـيـم١٨٥١وقد أصدر وزير الداخلية في ميـونـيـخ بـأ>ـانـيـا فـي عـام

التالي لألخالق الشعبية:«إن زيادة االستخفاف با>قدسات وانتشار الكسل والعكوف على اللهو8وفتور الروابط العائلية8 والغرور ا>تـزايـد8 وبـدعـة عـدم االكـتـراث ا>ـتـزايـدxصالح اجلماعة في سبيل ا>صلحة الشخصية-هي جميعا أمارات تكشفبشكل متزايد8 كلما ازداد ظهورها8 عن أن أسر النظام االجتماعي آخذة في

.)٥(االنهيار»لقد رفع احلكام عقيرتهم بالشكـوى مـع شـيـوع «الـفـسـاد اخلـلـقـي» فـيالرقص والسكر واجلنس بل في ا>لبس. وتساءل نـائـب بـافـارى فـي لـهـجـةXاخلـادمـة وسـيـدتـهـا8 أو بـ Xخطابية: «هل ال يزال في وسعكم التمييز بـمستشار ا>لك وغالمه8 أو بX الصراف ومـديـر الـبـنـك»?. وأضـاف فـقـال:«حتى الفالح أصبح هو اآلخر يلبس السترة ذات األزرار ا>عدنية التي يرتديها

.)٦(أهل ا>دينة من أعضاء الطبقة الوسطى»إن من العسير دائما أن نحدد مقدار ما هو اجلديد في هذا الكالم ومايدخل في باب الشكوى التقليدية للطبقة العليا أو احلكام أو جيل الشيوخ.غير أن تذمر احلاكمX في القرن التاسع عـشـر يـعـج بـألـفـاظ جـديـدة مـنقبيل: الغرور واالنعتاق واالستقالل والسلوك ا>اجن والطموح االجتـمـاعـي

221

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

والوقاحة8 واالنعزال والطيش واألنانية. زيادة على ذلك فإن مثل هذا السلوككثيرا ما كان يعزى إلـى الـتـغـيـرات االجـتـمـاعـيـة الـتـي صـاحـبـت الـتـصـنـيـعالرأسمالي في هذه الفترة: «لقد ضاع اإلحساس باحلق والصواب... وحرمةالرباط العائلي8 وانضباط البيت آخذة في التالشـي... ويـسـود اآلن اجتـاهنحو مزيد من االستقالل في طرق احلياة التي يتبعها الناس... وكثـيـر مـناألشياء التي تلهي ا>رء أصبح متاحا... وتفككت الروابط ال بX معلم احلرف(األسطى) وصبيه8 وال بX صاحب العمل واخلادم وحسب8 بل بX أعضاء

.)٧(دائرة األسرة الصغيرة كذلك»وبالرغم من أن نظام تواعد احملبX على اللقاء هو أحد مصادر النـمـوالفردي التي لم تظهر إال في وقت الحق في القرن العشرين8 فإنه يبدو أنشعبية الرقص في القرن التاسع عشر8 وتناقص نفـوذ األسـرة فـي عـمـلـيـةالزواج8 قد زادا من احتكاك األفراد في اجملتمع على مستـوى فـردي8 كـمـا

زادا من التجارب الرومانسية.إن زوال عالقة النقابة التقليدية8 التي كانت تربط األسطـى بـالـصـبـي8ضاعف أيضا وقت الفراغ وفرصة التعبير عن الذات فقد كان في مـقـدورالعامل8 قبل تطور فنون اإلدارة العلمية في القرن العشرين8 أن ينقاد خارجا>صانع كميوله ورغباته الشخصية التي كان يحرمها عليه األسطى اليقظفيما مضى8 وأصبح يحرمها عليه ا>دير الواعي بالزمن فيما بعد. وهـكـذايصف أحد ا>الحظX حلوض بناء السفن في نيويورك في منتصف القرن

التاسع عشر العمل في الصباح فيقول:«في الثامنة والنصف صباحا تهل علينا8 فـي احلـوض الـذي نـعـمـل بـه8اخلالة آرلي ماك فان8 وهي سيدة ذكـيـة طـيـبـة8 ولـكـنـهـا فـظـة الـطـبـع إلـىأقصى حد8 فهي مثل خشن لهذا الضرب من العجائز الطيب8X تظهـر فـيالفناء حتمل سلتX كبيرتX �لوءتX بالكعك واخلبز واحللوى والفـطـائـر8فنسعد لظهورها.. . ومنذ أن تلوح سلة العمة آرلي إلى أن يتزود كـل رجـلوصبي ورئيس للعمال وجميع من في الفناء xا يريدون من حلوى وفطائـرمن حمولتها (نظير مليم للقطعة)8 منذ بداية العملية حـتـى نـهـايـتـهـا كـانـتـالفطائر تباع بسرعة غير عادية. وكانت العمة آرلي جتوب الفناء عادة وتقدمجلميع العاملX ما لديها في حوالي نصف ساعة. وبذا تصل إلى السـاعـة

222

الغرب والعالم

التاسعة والنصف �ا يعطينا ما يتراوح بـX عـشـر دقـائـق وخـمـس عـشـرةدقيقة «اللتقاط األنفاس» أثناء تناول الطعام8 واجلميع يتمهـل «أثـنـاء وقـت

تناول الكعك».8Xوبعد االنتهاء من ذلك8 كنا نعود إلى العمل8 إلى أن يظهر جوني جوجبائع احللوى اإلجنليزي8 الذي كان يأتي دائما الساعـة الـعـاشـرة والـنـصـفبطاولته الكبيرة-التي يبلغ حجمها حجم مائدة طعام متوسطة احلجم-يدفعهاأمامه وقد غطتها صنوف من أصابع احللوى التي يغطيها السكر8 كلها تباع

نظير مليم واحد.وقد أنفق اجلميع من رؤساء وصبيان ورجال من ثالثة مالليم في شراءسلع جوني احللوة8 كما أمضوا أيضا من عشر إلى خمس عشرة دقيقة فيأكلها. وعادة ما كان جوني يرحل بطاولته وقد فـرغـت �ـامـا8 وذلـك حـتـىالساعة احلادية عشرة-وهو الوقت الذي كان اجلميع يغـادرون فـيـه الـفـنـاء

.)٨(ليذهبوا للشراب في إحدى احلانات ا>فضلة»إن ا>رء ليدهش بعد قراءة فقرات مـثـل هـذه8 لـلـفـرص ا>ـتـاحـة لـلـنـمـوالشخصي في اجلو ا>تمهل البهيج الذي كان يسود مكان الـعـمـل فـي عـهـدالصناعة ا>بكر8 وكذلك لتشابه التصرفات الفردية فلم يكن الـعـامـلـون قـدأصبحوا بعد مقيدين بروتX اآللة (على األقل خارج ا>صانع)8 بل كـانـوا اليزالون قادرين على إشباع االحتياجات الفردية للمتعة والزمالة في العـمـلXلكنهم جمعيا «من رؤساء وصبيان ورجال» يعطون سنتا للخالة آرلي وسنت

جلوني جوجX ثم يذهبون إلى احلانة.لقد زادت فرص التعبير الفردي من خالل النشاط الذي �ارسه ا>ـرءفي أوقات الفراغ منذ منتصف القرن التاسع عشر8 ولكن االنضباط داخلمكان العمل قد ازداد أيضا مع نهاية القرن التاسع عشر. كان نظام اآللـة8وليس رؤية اخلالة آرلي أو احلاجة إلى كأس شراب8 هو الذي يتحكم فيهم.«لم يعد األمر ببساطة هو أن يستفيد العامل الفرد من االختراعات ا>يكانيكيةXللحصول على نتائج محددة»8 كما أشار عالم االقتصاد األمريكي ثورست

وإ�ا كان األمر على النحو التـالـي: زادت١٩٠٤ عام Thorstein Veblenفبلن اآلالت من قدرة العامل على إجناز عمله. لكن الطابع «ا>ميز بصورة خاصةللفترة احلديثة» من عمل اآللة-كما يضيف فبلن-هو أن النظام الصارم الذي

223

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

يسير عليه إنتاج اآللة صار يهيمن على العامل:«فهو اآلن يؤدي هذا العمل بوصفه عنصرا في عملية ميكانيكية تتحكمحركتها في حركاته هو... فالعملية تصبغ إشرافه على اآللة وتوجيهـه لـهـابصبغة �طية موحدة. فإذا حتدثنا من الناحية اآللية لقلنا إن اآللة لم تعد

.)٩(ملكا له يصنع بها ما يخطر بباله»إن ا>صنع احلديث الذي يرتكز على اآلالت ال يشجع العمال على التعبيرعن مقدرتهم على اخللق (وهو ما كانت تقوم به األدوات واآلالت البسيطةفي أماكن العمل التقليدية) وإ�ا يتطلب انتباها دائما8 وتفكيرا آليا8 ومسايرة

>ا هو موجود:«إن مهمته هي أن ينتبه لآللة ولعملها في اإلطار الذي تفرضه العمليـةاجلارية. وتفكيره في ا>صنع يقتصر على التفكير في وحدات احلجم والدرجةا>وحدة. فإذا أخفق في القياس الدقيق-زيادة أو نقصانـا-فـإن مـقـتـضـيـات

العملية تصحح االنحراف8 وجتعله يفهم ضرورة ا>سايرة ا>طلقة.يؤدي هذا إلى تنميط احلياة الذهنية للعامل في إطار الـعـمـلـيـة اآللـيـةالتي تزداد إحكاما وثباتا كلما زاد شمول وكمال العملـيـة الـصـنـاعـيـة الـتـي

يلعب فيها دورا.إن العملية التي تقوم بها اآللة هي تنظيم صارم ثابت لذكاء ا>رء8 فهيتقتضي تفكيرا دقيقا ال يتوقف8 ولكنه تفكير يخضع >قاييس الدقة الكمية.و�كن القول بصفة عامة إن أي نوع آخر من الذكاء مـن جـانـب الـعـامـل التعود له بفائدة8 بل هو أسوأ من ذلك8 إذ أن عادة التـفـكـيـر فـي شـيء آخـرخارج اإلطار الكمي سيشوش فهم العامل الكمي للحقائق التي ينبغي عليه

.)١٠(أن يتعامل معها»إن من الصعب أن نقرر إن كانت الطبقات العاملة في اجملتمع الصناعيقد أصبحت في نهاية القرن التاسع عشر أكثر أو أقل فردية �ا كانت عليهفي بداية القرن أو منتصفه-ولكن الواضح أن الثورة الصناعية الرأسماليةقد بدأت عمليات أدت إلى إضفاء أبعاد فردية على جتارب اإلنسـان8 كـمـااستلزمت في ذات الوقت ضروبا جديدة ا>سايرة اآللية وسنـنـظـر أوال فـياجلانب اإليجابي من هذا التطور-ا>ثال الليبرالي في أواخر القرن التاسـععشر-ثم نعود إلى بعض القسمات السلبية في «اجملتمع ا>روض» احلديث:

224

الغرب والعالم

انتصار الليبراليةإن أي بحث يدور حول الفردية في الـعـصـر احلـديـث يـنـبـغـي أن يـعـمـلحسابا النتصار ليبرالية الطبقة الوسطى في الغرب في نهاية القرن التاسععشر. فالليبرالية كا>ثل العليا الرومانتيكية الغربية التي سـبـقـتـهـا-عـقـيـدةغربية خالصة ترجع إلى عهد التصنيع8 وهي كالرومانتيكية8 كانت فلسفـةللطبقة الوسطى ا>تعلمة اجلديدة8 التي أعطت األولوية للحرية الفردية.

ورxا كان في القول «بانتصار» الليبرالية شيء من التفاؤل8 فالليبراليةلم تصبح إطالقا الفلسفة الغالبة في اجملتمع األوربي أو األمريكي أو غيرهما.غير أن الدعوة إلى ا>ثل العليا الليبرالـيـة قـد اتـسـمـت فـي الـقـرن الـتـاسـع

) بقدر من اإلحلاح والقوة١٩١٤ إلى عام ١٧٧٦عشر(أو بتعبير أوسع من عام لم تتصف به في أي وقت قبل ذلك أو بعد. فالـقـرن الـتـاسـع عـشـر حـظـي

«باالنتصار» الوحيد الذي عرفته الليبرالية.وكانت ا>ثل العليا للليبراية هي حرية الفكر وحرية التعبـيـر والـتـسـامـحواخلالف8 والتعليم العام واالقتراع العام وقدرة العقل وقوة األفكار وقداسةالفرد8 و�كن إرجاع �وها إلى التوسع التدريجي في االقتراع وإلـى إلـغـاءالقنانة والرق8 �و التعليم العام و�و عقيدة التجارة احلرة8 وحتى إلى �وªتشريعات الرفاهة والرعايـة االجـتـمـاعـيـة (وإن كـانـت الـلـيـبـرالـيـة لـم تـتـ

االشتراكية قط).ويستحسن أن ننظر في وثيقة من أشهر وثائـق احلـركـة والـعـصـر8 هـيمقالة جون ستيوارت مل بعنوان في احلرية التي كتبها مع زوجته هاريـيـت

(وهو العـام١٨٥٩ ونشرهـا عـام ١٨٥٨ و ١٨٥٥ بX عامـي Harriet Taylorتيلـز الذي نشر فيه دارون كتابه أصل األنواع).

كتب مل يقول: «إن موضوع هذه الرسالة هو تأكيد مبدأ واحد في غايةالبساطة». ثم أضاف:

«ذلك ا>بدأ هو أن الغاية الوحيدة التي تبيح للناس8 أفرادا أو جماعات8التدخل في حرية فعل أحد األفراد8 هو حماية الذات وأن الهدف الوحـيـدالذي يجوز من أجله استخدام القوه ضد أي عضو في جماعة متمدنة ضدإرادته8 بحيث يكون هذا االستخدام مشروعا8 هو دفع الضرر عن غيره. أماصاحله اخلاص8 ا>ادي أو ا>عنوي فليس مبررا كافيا. فال يجوز إجباره على

225

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

القيام بعمل ما أو االمتناع عنه8 بحجة أن هذا في صاحله-أو أنه سيجعلـهأسعد حاال8 أو ألن ذلك-في نظر غيره-هو احلكمة أو حتى الصواب8 فهذهأسباب وجيهة لالعتراض عليه8 أو إلقناعه8 ولكنها لـيـسـت أسـبـابـا كـافـيـة

)١١(إلكراهه وإجباره.»

وتكشف هذه العبارات عن جوانب التحرر وجوانب القصور في الليبراليةالرأسمالية البورجوازية فهي تنتقل با>فهوم الطبقي لـلـحـريـة (عـنـد هـوبـزولوك) إلى عصر بدأت تظهر فيه بوادر االقتراع العام والتسامح (أدخل ملالطبقات العاملة غير أنه استبعد األطفال والبرابرة) وهي تستخلص النتائجا>نطقية من االعتراف8 ا>وجود ضمنا لدى هوبز8 بعدم وجود حقائق مطلقة8وبأنه ال وجود إال للقوة والعقل البشري.. وهي تعظم من شأن الفرد بينماحتد من سلطة الدولة واجلماعة. ولكنها إذ تنطلق من التسليم بإمكان رسمخط فاصل بX الفعل الفردي و«الضرر الذي قد يـلـحـق بـاآلخـريـن» تـقـبـلبرؤية للفرد جتعل منه في انفصاله شيئا مقدسا (الذرة ا>نعزلة ذات االختياراحلر في مجتمع السوق). إن مقالـه فـي احلـريـة وصـيـة لـلـتـكـامـل الـفـرديواحلرية ألنها لم تعد مضطرة إلى عمل حـسـاب لـفـكـرة ا>ـصـلـحـة الـعـامـةوا>سئولية ا>تبادلة التي كان مجتمع السوق قد أخـذ فـي الـقـضـاء عـلـيـهـا.والقول بأن حرية ا>رء تنتهي حيثما تبدأ أنف غيره (إن أردنا التبسيط) اليصلح دليال نافعا للتشريع السياسـي إال فـي مـجـتـمـع يـرتـبـط فـيـه الـنـاس

بعضهم ببعض كأغراب.ومن سوء احلظ أن دفاع مل عن حرية الفكر والتعبير ال معـنـى لـه فـيمجتمع ما قبل السوق الذي حتكمه ا>طلقات التـقـلـيـديـة. فـهـو يـقـوم عـلـىمسلمات ال يقرها اجملتمع التقليدي: كالقول باحتمال اخلطأ في رأي األغلبيةوبأن من الواجـب حتـديـه8 حـتـى إذا كـان صـائـبـا ال يـصـبـح عـقـيـدة أو رأيـا

متعصبا8 وأن القيام باختيارات8 ولو كانت خاطئة8 ضرورية لنمو الفرد.فمجتمع السوق خلق الشروط الضرورية لنزعة مل الفردية ونزوعه إلىالشك وعقالنيته وتفضيله للتغير الدائم8 إذ حرر الفرد بحـيـث أصـبـح فـيمقدوره أن يكون لنفسه آراءه اخلاصة. وقد خلع قداسة على عملـيـة خـلـقاألفكار ومناقشتها (تبادلها في السوق) وذلك لغياب أية أهداف أزلية ثابتة.كما جند احلرية الفردية لغياب فكرة اجلماعة. غير أن األفراد بدون جماعات

226

الغرب والعالم

قد يجدون أنفسهم �رحون في البرية دون أن يكون لديهم? ما يقولونه.غير أن هذه لم تكن أبدا مشكلة بالنسبة إلى مل. صحيح أنه رxا كانأعلم أهل عصره. ولكن ما معنى مفهومه في التحرر من القـيـود بـالـنـسـبـةللطبقات الدنيا وغير ا>تعلمة? لقد ساق مل طائفة من األمثلة ذات الداللةالبالغة وهو يناقش موضوع النتائـج ا>ـدمـرة الـتـي �ـكـن أن يـفـضـي إلـيـهـا

التعبير احلر:«ال يدعي إنسان أن األفعال يجب أن تتمتع بحرية تعادل حرية الرأي8 بلإن اآلراء8 على عكس ذلك8 تفقد حصانتها عندما يكون من شأن الظروفالتي نعبر فيها عنها8 أن جتعل من هذا التعبير حتريضا أكيدا على القيـامببعض األفعال الضارة8 فالقول بأن جتـار الـغـالل يـجـوعـون الـفـقـراء أو أنا>لكية اخلاصة لصوصية-هو قول ال ينبغي أن نتعرض له حينما ينشر فيالصحف. ولكنه يستحق العتاب حقا عندما يدلى به شفاهـا. أمـام غـوغـاءثائرة متجمهرة8 أمام منزل تاجر غالل8 أو إذا وزع بX أعضاء هذه الغوغاء

.)١٢(ذاتها في صورة منشور»فلماذا اختار هذين ا>ثلـX مـن بـX كـثـيـر مـن اإلمـكـانـات األخـرى? مـنالواضح أن مل ينظر إلى الطريقة التي تصبح بها األفكار أفعاال من منظورهذا اجلانب (أي جانب الطبقة ا>توسطة) في اجلدل السياسي االقتصادي.فهو يشعر بأن اخلطر على التعبير احلر ال يأتي من آراء الطبقة العليا فياحلرب أو العنصرية8 وال من أفكار الطبقة الوسطى عن شنق اللصوص8 أوسجن ا>دين8X أو الكسب احلرام من التدليس في اإلعالنات. وإ�ا نصلإلى احلد اخلطر بX األفكـار واألفـعـال8 فـي رأي مـل8 عـنـد الـنـقـطـة الـتـي

يتصرف فيها الغوغاء الهائجة وفق أفكار اشتراكية أو فوضوية.فمل في نهاية األمر إ�ا يتحدث عن حرية طبقته8 مثله في ذلـك مـثـلهوبز ولوك8 والفارق بينهما وبينه8 أن طبقته ليست الطبقة الوسطى الباحثةعن ا>كاسب8 بل الطبقة الوسطى ا>تعلمة ا>فكرة. فهو يتحدث عـن حـريـة

والواقع أن دفـاع)١٣(ا>ثقف8 ومنها يتطرق إلى طبيعة اإلنسـان األخـالقـيـة»مل عن حرية الصحافة دفاعا يكاد يكون مطلقا هو من معالم تاريخ احلريةوالفردية اإلنسانية أما عدم تنبهه إلى أن الطبـقـات الـفـقـيـرة والـعـامـة فـيعصره ليس لها صحافة أو فـرصـة لـإلعـالم8 فـهـو8 عـالمـة عـلـى مـحـدودة

227

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

ليبرالية الطبقة الوسطى. والقول بـأنـه كـان مـن ا>ـمـكـن أن يـعـتـرض عـلـىمحتويات صحافة الفقراء-لو ظهرت صحافة كهذه-قد يـكـون عـالمـة عـلـى

نوايا ليبرالية الطبقة الوسطى.أما إخفاق الليبرالية في القرن العشرين فهو أمر وثيق الـصـلـة بـخـيـبـةاألمل في رشد اإلنسان وطبيعته اخليرة في أعقاب حربX عا>يتX. كذلككان من عوامل إصابة الليبرالية بالشلل تلك اخلطط التي رسمت في القرنالعشرين لترويض إلنسان والتالعب به8 بدال من تعـلـيـمـه واالسـتـمـاع إلـيـه(كما سوف نتبX بعد قليل). ولكـن هـذا اإلخـفـاق وثـيـق الـصـلـة أيـضـا xـاانطوت عليه الليبرالية ذاتها من تناقضات. فقد كان يسعى (كما سعى لوك)إلى التوفيق بX ضرب معX من الفرصة الفردية (هو حقا عظيم األهمية8وأعنى به التعبير عن الذات وحرية الفكر) وبX ما يستتبعه هذا العالم منمحافظة على عالم ا>لكية اخلاصـة8 وتـفـاوت فـي الـقـوة والـتـعـلـيـم وفـرصالتعبير فإذا كان جون ستيوارت مل نفسه قد التزم احلـذر فـي تـأيـيـد حـقجميع الطبقات في التعبير الفردي عن جميع القضايا8 فما بالك باحلـذر8

بل الرعب8 الذي �كن أن يتملك غيره من أصحاب ا>صالح الذاتية?

مجتمع اجلمهور املروض: رأسمالية الشركات الكبرى في القرنالعشرين

إن أي حكم تصدره عن حالة الفردية في القرن العشرين ال بـد مـن أنيعقد موازنة بX االهتمام «بالذات» في الثـقـافـة احلـديـثـة8 وهـو االهـتـمـامالذي لم يكن له نظير تاريخي8 وبX العدد الهائل من الطرق التي يتـم بـهـاالتالعب باألفراد وتدبير أمـورهـم (أي تـرويـضـهـم). وإن فـهـم بـعـض طـرقالسيطرة احلديثة قد يقدم لنا إطار نستطيع أن نفهم من خالله األشـكـال

اخملتلفة للبحث عن الهوية.Assembleyإن ا>صنع يصلح نقطة انطالق جيدة: إن نظام خط التجميع

Line(هو رمز بيئة) العمل اخلاضعة للتحكم الدقيق بالنسبة >عظم الـنـاس وهو �ثل واقع هذه البيئة بالنسبة للكـثـيـريـن. وقـد كـتـب هـنـري فـورد فـيسيرته الذاتية يقول إن «الفكرة بصفة عامة جاءت من الترولي ا>علق الذييستخدمه مغلفو«اللحوم» في شيكاغو في رص اللحم البقـري. والـواقـع أن

228

الغرب والعالم

أول خط جتميع حديث كان «خط تفكيك» توصلوا إليه في سلخانات شيكاغواوسينسيناتي في أواخر القرن التاسع عشر. وجرب فورد الفكرة ألول مرة

ات. في صناعة ا>ولد١٩١٣في عام د8فبدال من أن يقوم كل فرد بتجميع التسعة والعشرين جـزءا فـي ا>ـول

شخصا في خط جتميع متحرك8 فكـان كـل شـخـص يـركـب جـزءا٢٩وضع واحدا فقط. وقد قام بتحريك اخلط بالكهرباء ورفعه حتى يكون في متناولالعاملX. وبهذا استطاع أن ينتج أربعة أضعاف ا>ولدات في الفترة الزمنيةنفسها. وفي أواخر ذلك العام أدخل فورد خط التجميع في إنتاج السـيـارة

� إنتاج ثمانية أضعاف السيارات في الفترة الزمنية١٩١٤بأكملها. وفي عام نفسها.

بعد هذا االختراع تغير العالم بشكل ال رجعة فيه8 ففـي ذلـك الـعـام � كان ا>صنـع١٩٢٤ ألف سيارة فورد من طراز ت. ومع حلـول عـام ٣٠٠إنتاج

دوالرا. واستطاع فـورد٢٩٠ينتج حوالي مليوني سيارة8 وكان سعر السيـارة بذلك أن يخفض السعر إلى النصف في عشر سنوات وأن يصنع أكثر مـننصف السيارات التي جتري في طرقات العالم. إن اإلنتاج على نطاق واسعقد مهد الطريق لالستهالك على نطاق واسع أيضا. وخلق عصر السـيـارةاخلاصة فرصا للعزلة ووقت الفراغ واحلراك الشخصي8 وهذه هي ا>صادرالرئيسة للفردية في القرن العشرين. وفي الوقت نفسه كان جناح فورد فيعملية خط التجميع تعني أن تقسيم العمل (الذي يسميه البعض «تـقـسـيـم

اإلنسان») سيصبح منذ ذلك احلX سمة ثابتة للمجتمع الصناعي.ولتحويل ذلك النوع من العمال الذين عرفتهم اخلالة آرلي إلى أجزاء مناآللة اإلنسانية الني تنبأ بها ثورستX فبلن8 األمر يحتاج إلى ما هو أكثر منخط التجميع. فحتى قبل أن يبدأ هنري فورد في التحكم في ا>صنع احلديث

قد اخـتـرعFredrick Taylorكان مهندس أمريـكـي آخـر هـو فـريـدريـك تـيـلـر طريق للتحكم في العمل أصبحت تعرف باسم الهندسة الـصـنـاعـيـة. فـقـدحلل تيلر عمل كل عامل إلى سلسلة من األفعال التي تشبه حـركـات اآللـة-االنثناء8 واالستدارة8 الدفع8 الرفع-وحسب الزمن الذي يستغـرقـه كـل جـزءمن العمل بساعة التوقيت8 ثم ميز بX األفعال «األساسية» «وغير األساسية»

د أكثر احلركات فاعلية والزمن الذي تستغرقه. ويشرح تيلرفي العمل8 وحد

229

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

ا>سألة فيقول: «إن ما أطلبه من العامل ليس أن يظل ينتج xبادرة منه وإ�ا.)١٤(أن ينفذ في غاية الدقة األوامر الصادرة له8 حتى أدق التفاصيل»

وتوقع تيلر أن تعود «اإلدارة العلمية» للعمل بالفائدة على العمال وأصحاباألعمال على السواء. ولكن ما قاله هو نفسه في وصف كيفية تطبيق هذه

في العقد األخير منBethlehem Steelالعملية في مصنع الصلب في بثلهـم القرن ا>اضي يظهر كيف أن نصيب األسـد مـن اإلنـتـاج الـزائـد حتـول إلـى

أرباح للشركة.«شميت»8 أنت عامل من الطراز األول في تعاملك مع احلديد اخلام عندخروجه من أتون الصهر8 وتعرف عملك جيدا (وجه تايلـور كـلـمـاتـه لـعـامـل

طن يوميا.١٢٬٥قوي ولكنه غير مدرب). ولقد ظللت تتعامل مع ما معدله أما أنا فقد قمت بدراسة دقيقة لعملية تصنيع احلديد اخلام8 وأنا واثق منأنك تستطيع أن تنجز في اليوم الواحد أكثر بكـثـيـر �ـا كـنـت تـنـجـزه. أال

طنا من٤٧تعتقد أنت نفسك أنك إن بذلت جهدا حقيقيا �كنك أن تنـتـج طن?.١٢٬٥احلديد اخلام في اليوم بدال من

شرع سميث في العمل (وهو مرتاب ولكنه راغـب فـي الـتـعـاون) وطـوالاليوم وفي فترات منتظمة كان يقف أناس في مستوى أعلى مـنـه يـحـمـلـونساعة ويقولون له: «التقط لوح احلديد8 سر8 إجلس واسترح. سر-استرح»..الخ. كان يعمل عندما يطلب منه أن يعمل8 وكان يستريح عندما يطلب منهأن يستريح. وفي الساعة اخلامسة والنصف بعد الظهر كانت األطنان السبعةواألربعون التي أنتجها يجري حتميلـهـا فـي عـربـة. ولـم يـحـدث إطـالقـا أنأخفقت في العمل بهذا ا>ـعـدل أو فـي أداء الـعـمـل الـذي طـلـب مـنـه خـاللالسنوات الثالث التي أمضاها في ا>صنع. وخالل هذه الفترة كان يتقاضى

دوالر يوميا في ا>توسط تقريبا-أي أعلى في األجر بنـسـبـة١٬٨٥أكثر مـن % �ا دفع لآلخرين الذين ال يعملون بهذه الطريقة. وجرى اختيار عامل٦٠

طنا في اليوم إلى أن �ت٤٧بعد اآلخر ليدرب على معاجلة اخلام xعدل .)١٥(معاجلة احلديد اخلام كله بهذا ا>عدل»

في األيام األولى من اإلدارة العلمية كان العمال يشعرون بالغيظ حلصولهم%.٤٠٠% مقابل زيادة في العمل تصل إلى ٦٠على زيادة في األجر تصل إلى

Xكما كانوا يلتهبون غيظا بسبب عجرفة الساعة ا>يقاتية وأوامر ا>الحظ

230

الغرب والعالم

الذين تخرجوا لتوهم من اجلامعة8 والذين يـخـبـرونـهـم كـيـف يـسـتـخـدمـوناجلاروف ويرفعونه. وكثرا ما أضرب العمال8 ولكن طوال القرن العشرين �تكريس قدر من الذكاء واخلبرة >ضاعفة علوم تنظيم العمال-علوم اإلدارة8علم النفس الصناعي8 إدارة العمل-جعل العمال يفقدون في أحـيـان كـثـيـرةالوعي بأنه يجري التالعب بهم8 ويظنون أن هذا التـالعـب هـو فـي الـواقـع

اهتمام من جانب الشركة.8 أحد مؤسسي «علم النفس الصناعي»Elton Mayo8واكتشف ألتون مايو

) من خالل جتاربه التي أجراها على العمال في١٩٢٤في تاريخ مبكر عام (مصانع هوثورن التابعة لشركة وسترن إليكتريك خارج شـيـكـاغـو أنـه كـلـمـاأدخل تغيرات على ظروف العمل لدى «جماعة ضابطة» يجري عليها التجارب8ازدادت إنتاجيتها. فسواء زاد اإلضاءة أو الرطوبة أو احلرارة «أو أنقصها أوأرجع الظروف إلى حالتها السابقة فإن اإلنتاج كان يزداد. وهكذا كان تأثير

» الذي اكتشفه هو أن العمال يستجيبـون بـشـكـلHawthorne Worksهوثورن إيجابي إذا ما أصبحوا موضوعا للتجارب. ومجرد وجود ا>وجهX يحومونويدخلون التغييرات على شيء ما8 ويقومون بالرقابة-كان كافيا إلعطاء العمالشعورا باهتمام اإلدارة بهم. ولكن الدرس الذي استخلصته اإلدارة من ذلكلم يكن في وسع العمال القيام بدور فعال في إدارة مكان عملهم8 وإ�ا من

ا>مكن التالعب بهم كاألطفال احلريصX على جذب انتباه آبائهم.ولقد خصص قدر كبير من التعليم والعلم والهندسة في القرن العشرينللتحكم في أماكن العمل والتالعب بها. وكثيرا ما كانت اجلهود الرامية إلىزيادة الكفاءة واإلنتاجية وللتوصل إلى تنظيم أكـثـر «عـقـالنـيـة»8 تـؤدي إلـىجعل سلوك العمـال والـعـامـالت أكـثـر آلـيـة وأكـثـر طـفـولـيـة فـي تـفـكـيـرهـم

ومشاعرهم. وبا>ثلخصص كثير من حقول ا>عرفة اجلديدة في القرن العشرين للتحكم فياجلمهور وا>ستهلك. ومن ا>رجح أن كمية الوقت وا>وارد ا>الية التي أنفقهاعلم النفس الناشئ (مثال) في القرن العشرين على دراسة وسائل التحـكـمواإلدارة أعظم بكثير �ا أنفق على زيادة االستقالل الذاتي للفرد بالرغـممن صعوبة قياس هذه ا>سألة. وفي عالم القرن العشرين الذي تهيمن عليهالشركات الكبرى كان يخصص عادة قدر أكبر من األموال للدراسات والبحث

231

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

والتدريب في مجاالت تستهدف اإلقناع ال االستكشاف. وكانت هناك أقسامعلمية أكاد�ية8 ومعاهد كاملة ومراكز بـحـوث وشـركـات لـلـنـشـر واإلعـالم(تدعمها الشركات عادة) تعمل من أجل اكتشاف طرق دائمة التجدد لصياغةالرأي العام أو رأي ا>ستهلك8X فتضع تصميم وسائل أكثر خفاء ألسالـيـبكان من ا>مكن أن توصف بأنها «كـذب» لـدى جـيـل أسـبـق8 أقـل تـكـيـفـا مـع

العالقات االجتماعية.إن قدرة مجالX اثنX فقط - هما العـالقـات الـعـامـة واإلعـالن - عـلـىالتالعب باآلراء والتأثير في القرار الفردي مع التظاهر بتوسيع عالم االختيارالفردي هي قدرة هائلة. ويكفينا أن نتأمل أمثلة قليلة مستقاة من خـبـرات

8 هو١٩٣٠احلياة العملية ألحد العاملX في هذه الفنون اجلديدة في سنوات 8 لنجد فيها مـا يـغـنـي عـن مـجـلـدات.Edward L. Bernaysإدوار دل. بيرنـيـز

يشرح بيرنيز في مذكراته كيف ساعد جورج واشنطن هل8 بشركة الدخاناألمريكية8 على حث النساء على اجلهر بالتدخX وبناء على مشورة محلـلنفساني كان يرى أن النساء يتصورن أن السجائر xثابة «مشاعل للحريـة»قام بيرنيز باإلعداد >وكب تسير فيه ا>دخنات في عيد الفصح في نيويورك

. وجعل سكرتيرته ترسل تلغرافات لثالثX من الفتيات من علـيـة١٩٢٩عام القوم في ا>دينة8 وهذا نصه:

«من أجل ا>ساواة بX اجلنس8X ومن أجل مناهضة حتر� آخر مفروضعلى بنات جنسنا قررت مع غيري من الشابات أن نوقد مشعال آخر للحرية8

.)١٦(بتدخX السجائر أثناء مسيرتنا بالشارع اخلامس يوم عيد الفصح»وقد أثار احلدث ضجة قومية8 فـنـشـرت صـور الـنـسـاء بـالـصـحـف فـينأرجاء البالد. واستجابت النساء من نيويورك إلى سان فرنسيـسـكـو ودخ

جهارا. وأدرك بيرنيز: أن العادات القد�ة ا>تأصلة �كن القـضـاء عـلـيـهـا.)١٧(عن طريق إصدار نداء مثير8 تنشره شبكة من وسائل اإلعالم»

لكن هذا لم يكن إال البداية لشركة جورج واشنطن هل8 شركة الدخـاناألمريكية. فالنساء لم يدخن السيجارة التي تنتجها الشركة8 سيجارة اللكيسترايك8 ألن غالف العلبة األخضر الذي رسمت عليه عX الثور احلمـراءيتنافر مع ألوان مالبسهن. ولذا دعا هل بيرنيز إلى مـكـتـبـه فـي ربـيـع عـام

ليسأله عما �كن عمله8 فاقترح األخير تغيير الغالف إلى لـون أكـثـر١٩٣٤

232

الغرب والعالم

حيادا. فرفض هل بكل شدة: فهو لم ينفق ماليX الـدوالرات فـي اإلعـالنعلى غالف ليغيره بعد ذلك. فـاقـتـرح بـيـرنـيـز: إذن غـيـر لـون ا>ـوضـة إلـىاألخضر8 وكانت مثل هذه الفكرة هي التي تلقى قبوال لدى جورج واشنطن

ألف دوالر:٢٥هل. فاعتمد مبلغ «وكان هذا بالنسبة لي هو بداية ستة أشهر من النشاط الرائع وا>ثير8

أعني أن أجعل األخضر لون ا>وضة.وكنت قبل بضع سنوات قد سألت ألفرد ريفز من الرابـطـة األمـريـكـيـة>نتجي السيارات عن الطريق التي خلق بها سوقا فـي إجنـلـتـرا لـلـسـيـارات

األمريكية على ضيق طرقها وتعرجها.فأجابني: «لم أعمل على بيع السيارات بل قمت بحملة في سبيل إيجاد

طرق أوسع وأكثر استقامة8 وتال ذلك بيع السيارات األمريكية».وكان هذا تطبيقا للمبدأ العام الذي أطلقت عليه فيما بعد اسم هندسةاإلذعان أو ا>وافقة. فكما يفعل ا>هندس ا>عماري8 أعددت تصميما شامال8ومـخـطـطـا إجـرائـيـا كـامـال8 وحـددت أهـدافـه الـتـفـصـيـلـيـة8 ونـوع الـبــحــث

.)١٨(واالستراتيجية وا>وضوعات والتوقيت الالزم للنشاطات اخملططة»ويا لها من نشاطات! لقد أعدت دراسات سـيـكـولـوجـيـة عـن تـداعـيـاتاللون األخضر. وقام «مشجع مجهول» بإرسال ا>بلغ ا>رصود في ا>يزانـيـة

دوالر >نظم أهم حفل راقص للـمـجـتـمـع الـراقـي آنـذاك٢٥٠٠٠كله8 وقـدره حفال أخضر. و� تشجيع أحد منتجي احلريـر عـلـى «الـرهـان عـلـى الـلـوناألخضر»8 فأقام مأدبة حملرري ا>وضة8 كانت قائمة الطعام فيها خـضـراءوكل الطعام أخضر8 وقام أحد علماء النفس فحدثهم عن اللون األخضر. ثمحاضرهم رئيس قسم الفن بكلية هنتر عن «الـلـون األخـضـر» فـي «أعـمـال

:«Xأعالم الفنان«وقد دهشت لسرعة إقبال الـعـلـمـاء واألكـاد�ـيـX وأهـل اخلـبـرة عـلـىا>شاركة في مثل هذه األمور. وعلمت أنهم رحبوا بهذه الفرصة الـسـانـحـةلبحث موضوعهم األثير8 و�تعوا بالدعاية الناجمة عن ذلك فإن فعاليتهم8

.)١٩(في عصر وسائل االتصال8 كثيرا ما تعتمد على ظهورهم على ا>أل»و>ا بشرت الصحف «بخريف اخضر» و«شتاء أخضر» أنشئ مكتب >وضةاللون «قام بتنبيه العاملX في حقل ا>وضة إلى أن اللون األخضر هو سيد

233

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

األلوان» في ا>البس وفي القطع الكمالية (اإلكسسوارات) وحتى ديـكـورات رسالة إلى مصممي الديكور وجتار األثاث١٥٠٠ا>نازل من الداخل. وأرسلت

تدور حول سيادة اللون األخضر8 وذلك حتى يضمنوا انضمامهم إلى االجتاهاجلديد8 و� إغراء رئيس حفلة ا>وضة اخلضراء بالسفر إلى فرنسا ليضمنتعاون صناعة ا>وضة الفرنسية واحلكومة الفرنسية (التي تعاونت اعترافامنها بالقوة الشرائية للمرأة األمريكية). وتكونت جلنة ضيافة لفريق ا>وضةاخلضراء ضمت بعضا من أ>ع األسماء في اجملتمـع األمـريـكـي8 كـالـسـيـدة

والسيدة/ حرم وولتـر كـريـزلـرMrs. James Pooseveltحرم جيمـس روزفـلـت Mrs Ealter Chysler Xوالسيدة حرم أرفينج برلـ Mrs. Irvang Berlinوالسيدة

. وأقامت اللجنة سلسلة من حفالتMrs Averell Harrimanحرم آفريل هار�ان العشاء دعت إليها �ثلي صناعات القطع الكمالية لتشجيعهم على توفـيـرالقطع الكمالية اخلضراء التـي تـتـمـشـى مـع األزيـاء اخلـضـراء الـواردة مـن

باريس.فلما اشتدت احلملة ركب سائر ا>نتجـX ا>ـوجـة8 فـأعـلـن أحـدهـم عـنطالء أظافر جديد أخضر زمردي8 وأدخل آخر اجلوارب اخلـضـراء. وبـدأظهور ا>عروضات اخلضراء في الفترينات8 في فيالدلفيا أول األمر8 وأخيرافي سبتمبر ظهرت في محل أولتمان بالشارع اخلامس في نيويورك. وقامتمجلتا فوج وهاربرز بازار بتقد� ا>وضة اخلضراء على أغلفـتـهـا. وأخـيـرا

<Camelانضمت «ا>عارضة البريئة إلى احلملة. «فـعـرضـت سـجـايـر كـامـل

فتاة ترتدي زيا أخضر مقلما باألحمر-وهي نفس ألوان علبة سجائـر لـكـي.)٢٠(سترايك»

وهكذا اعترف ا>نافسون ذاتهم بأن لكي سترايك هي قمة ا>وضة.- تثير عددا مـن األسـئـلـة١٩٣٤إن «الثورة اخلضراء» التـي قـامـت سـنـة

الطريفة حول استخدام ا>وارد في اجملتـمـع الـتـجـاري الـذي تـهـيـمـن عـلـيـهالشركات الكبيرة. فماذا كان يفعل كل هؤالء الناس الـذيـن يـروجـون «لـلـوناألخضر» في عنفوان الكساد االقتصادي األمريكي? وكيف يبدد كل هؤالءالناس-على ذكائهم ونفوذهم-وقتهم وطاقتهم في هذا النشاط السخيف8 بلالضار للصحة في نهاية األمر8 مع وجود قضايا اقتصادية أساسية حتتـاجإلى عالج? هل هذه هي الطريقـة الـتـي يـواجـه بـهـا أفـضـل وأذكـى أعـضـاء

234

الغرب والعالم

اجملتمع8 الذي تسيطر عليه الشركـات الـكـبـيـرة8 األزمـة8 أال تـوجـد خـطـطأخرى للقيام بنشاط أكثر فائدة?

على أن حملة لكي سترايك تثير أسئلة أخرى أشد إزعاجا8 حول معنىالفردية في اجملتمع الذي تهيمن عليه ا>صالح التجارية والشركات الكبيرةوإمكاناته. فمن الذي كان يعرف ما يحدث-باستـثـنـاء جـورج واشـنـطـن هـلوإدوارد بيرنيز? وأي نوع من أنواع احلرية أو القهر حرك أرباب الصناعات(من منتجي القطع الكمالية مثال) الذين انضموا بكل حمـاسـة إلـى مـوكـب«الثورة اخلضراء» ليجنوا األرباح? وأي نوع من الفرديـة كـان يـبـديـه أولـئـكا>ثقفون والصحفيون وأعضاء اجملتمع الراقي الذين شاركوا في احلـمـلـة?وعندما ألقى الفنانون وعلماء النفس محاضراتهـم فـي ذلـك اخلـريـف عـنأهمية اللون األخضر كانوا يقولـون مـا يـريـدون قـولـه? أكـانـوا يـعـربـون عـناختياراتهم اخلاصة أو عن شخصيتهم الفردية? وإذا كان قد جرى التالعببهم حتى ظنوا أن «قضية األخضر» قضية مهمة8 فما بال كل النساء الالئىاعتقدن أنهن اخترن شراء الفساتX اخلضراء8 وحـX يـقـوم أولـئـك الـذيـنلديهم شيء يبيعونه8 بخلق اإلطار الكامل الذي يتم في داخله اتخاذ ا>ستملكلقراره8 وبتحديد البدائل التي يتعX عليه االختيار فيما بينها8 فأي نوع من

حرية االختيار هذا?

انتصار الشموليةأثناء الكساد الكبير الذي وقع في الثالثينات بلغ تالعب الشركات الكبيرةبالفردية ذروته في أ>انيا النـازيـة ولـيـس فـي الـواليـات ا>ـتـحـدة. فـلـم تـكـنمعسكرات االعتقال النازية من بعض النواحي إال امتدادا لسعي الشركاتإلى زيادة الكفاية والربح إلى أقصى احلدود. وعندما اختار ا>هيمنون على

(وهي شركة أ>انية متعددة اجلنسيات كانتI.G. Farbenشركة آي. ج. فاربن تنتج كل األشياء من أسبرين باير إلى الغازولX الصناعي) معسكر أوشفيتز

Auschwitz مقرا >صنع ا>طاط الصناعي8 فقد فعلوا ذلك بناء على وعد من ا>سئولX عن معسكر االعتقال بتسخير نزالئـه لـلـعـمـل حـتـى ا>ـوت8 حتـت

(احلرس اخلاص):SSإشراف فرق الـ «كما أن هذه السياسة لم تكن خافية عـلـى ا>ـسـتـويـات اإلداريـة الـعـلـيـا

235

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

لشركة آي. ج. فاربن. فقد اشتركوا في العملية وقامـوا بـعـدة رحـالت إلـىأوشفينز لتفقد األحوال. وحدث مرة8 طبقا لشهادة أحد العاملX بالسخرة8

8 أنDr Raymond Van Den Straatenوهو الـدكـتـور ر�ـونـد فـان دن سـتـراتـن خمسا من كبار مديري الشركة قاموا بجولة تفتيشية في أوشفيتز8 فلما مرأحد ا>ديرين بأحد العلماء الذين يعملون بالسـخـرة8 وهـو الـدكـتـور فـريـتـز

علق قائال: «إن هذا اخلنزير اليهودي يستطيعFritz Lohner-Bedaلونر/ بيدا أن يزيد من سرعة عمله بعض الشـيء». فـرد مـديـر آخـر: «إذا لـم يـعـمـلـوا

فليهلكوا في غرفة الغاز».وهنا انتزع الدكتور لونر/ بيدا من بX زمالئه وأخـذوا يـوسـعـونـه ركـال

.)(×)٢١(حتى لقي حتفه»إن قول ماركس بأن الرأسمالية تعامل العمال معاملة األشياء قد اتضحفي أحيان كثيرة أنه تعبير مجازي >اح. عن اجملتمعات ا>روضة في القـرنالعشرين8 ولكنه كان في أ>انيا النازية حقيقة مباشرة. فالشركات األ>انيـةالكبرى لم تكتف بتشغيل عمال السخرة في معسكرات االعتقال حتى ا>وت8بل استخدمت أجسادهم8 كما تستخدم خنازير ا>عامل (اخملتبرات)8 حقوالللتجارب الطبية الكاذبة8 وجنت األرباح من صـنـاعـة الـغـاز ا>ـسـتـخـدم فـيقتلهم8 ثم حولت جثثهم إلى صابون وشعرهم إلى أبسطة وأسنانهم الذهبية

إلى حلي.8Xا>هووس Xولم يكن هؤالء8 خالل هذا كله8 يتصرفون تصرف ا>تعصب(×) يتبنى ا>ؤلف هنا ا>وقف الذي تروج لـه وسـائـل اإلعـالم الـغـربـيـة8 وهـو أن الـيـهـود كـانـوا هـمأساسا8 ورxا وحدهم8 ضحايا اإلرهاب النازي. وعلى الرغم من أن كثيرا من اليهود راحوا ضحيةهذا احلكم الشمولي8 إال أن الضحايا من السوفيت والبولنديX والغجر8 بل واأل>ان من الـعـجـزةوا>عوقX وا>عارضX للنظام) يفوق xراحل عدد الضحايا من اليهود-حتى لو أخذنا بالرقم ستةمالي8X وهو رقم مشكوك فيه ال يعرف أحد مصدر. ولم يدلل أحد على مدى صحته. كما أنه لميذكر من قريب أو بعيد مدى تعاون اجلهاز الصهيوني مع اجلهاز النازي لرحيل من رحل من اليهودوإلبادتهم (انظر الدكتور محمود عباس أبو مازن: الوجه اآلخـر: الـعـالقـات الـسـريـة بـX الـنـازيـة

) وأنظر أيضا الدكتور عبد الوهاب ا>سيري األيديولوجية١٩٨٣والصهيونية) (عمان: دار ابن رشد8 الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع ا>عرفة8 القسم الثاني8 (الكويت: اجمللس الوطني للثقافة

). ولكن ا>ؤلف مع٥٨-٣٦). أنظر خاصة اجلزء >عنون «الصهيونية والنازية» ١٩٨٣والفنون واآلداب8 هذا-ال يرى النازية على أنها مجرد انحراف عن جوهر احلضارة الغربية8 وإ�ا يعتبرها إمكانية

كامنة قد تتحقق في أي وقت.

236

الغرب والعالم

Heinrich Himmlerبل تصرف ا>ديرين األكفاء. إذ يقول أحد ا>راقبX إن هملر

عندما كان يتحدث إلى أحد عن اإلبادة اجلـمـاعـيـة «كـان يـتـكـلـم عـن إبـادةالرجال والنساء واألطفال ببرود شديد8 كما يتكلم رجل األعمال عن ميزانيته.

وكما قال)٢٢(ولم يكن في حديثه أثر للعاطفة. أو أي شيء يوحي باالنفعال» مهندس هتلر األول فـي مـذكـراتـه: «إن تـركـيـزيAlbert Speerألبرت شبـيـر

ا>رضي على اإلنتاج8 وإحصاءات الناجت8 طمس جميع االعتبارات وا>شاعر.)٢٣(اإلنسانية»

فا>واقف العملية التي اتخذها هملر وشبير وكبار موظفي الشركات منقبيل آي ج. فاربن وكروب وأودي وتليفـونـكـن الـتـي سـخـرت ا>ـعـتـقـلـX فـيا>عسكرات8 ما هي إال امتداد لعقلية الشركات التجارية8 الـتـي نـشـأت فـيالقرن العشرين في مواضع أخرى (والسيما الواليات ا>تحدة) وما استحداثخط التجميع8 والهندسة الصناعية والتقنيات السيكولوجية واإلدارية لزيادةاإلنتاج أو االستهالك8 والعالقات العامة واإلعالن8 ما هذه إال سلسلـة مـناخلطوات التي تفضي إلى عالم مصانع معسكرات االعتقـال8 أو الـنـهـوض

Joseph Paulباالقتصاد عن طريق إذكاء النزعة العسكرية8 أو تقنيات جوبلز

Goebbelsتـخـضـع Xاإلعالمية8 أو كفاية هملر وشبير التكنوقراطـيـة. فـحـ القيم اإلنسانية للقيم اآللية ا>تعلقة باستراتيجيات اإلنتاج وخفض التكلفةإلى أقصى حد8 ورفع الربح إلى أقصى حد-فإن معسكر االعتقال ال يـعـودإال مصنعا ناجحا وعندئذ يصبح من ا>مكن لرجل كالدكتور فريتز تيرميـر

Fritz Ter MeerXأحد مديري شركة آي. ج. فاربن8 أن يجالس نظراءه األمريكي في ستاندارد أويل على مائدة العشاء قبل احلرب لعقد اتفاقيات بخصوصبراءات االختراع �نع شركة ستاندرد أويل من إنتاج ا>طاط الصناعي حتىبعد أن بدأت احلرب8 كما يصبح من ا>مكـن لـه أن يـشـهـد مـقـتـل الـدكـتـورلونر/ بيدا وأن يكرم ضيوفه في أوشفينر8 بينما كان عشرة آالف من نزالئهيتعرضون للهالك يوميا8 ثم يدافع عن موقفه8 بعد احلرب قائال: «لم تـقـعأية أضرار» من جراء التجارب التي أجرتها شركة فاربن على العقاقير ألن

.)٢٤(النزالء «كانوا هالكX ال محالة»وبطبيعة احلال فإن مجتمع السوق ال يتعX عليه أن يؤدي إلى أوشفيتز.فهو لم يؤد إلى هذا في مجتمعات أخرى8 وظلت التجربة النازية في أ>انيا

237

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

فريدة في نوعها. ولكن مجتمع السوق-على كل حال-قد أنشأ «عقليه خدمة»لألهداف الثانوية �كن استغاللها في خدمة أيـة مـجـمـوعـة مـن األهـدافاألولية. فقد أمكن تنفيذ أهداف هتلر في اإلبادة العنصرية وعسكرة اجملتمعوالهيمنة الشمولية8 والسيطرة على العالم8 بالكفاية نفسها التي تنـفـذ بـهـاأية مجموعة أخرى من األهداف. وهكذا أمكن أن تكون عقلية الربح واخلسارةذات فاعلية كبرى عندما تكون غافلة عما يجري قياسه وحسابـه8 أو غـيـر

واعية به.والواقع أن النظام التكنوقراطي الذي تسيطر عليه الشـركـات الـكـبـيـرة�كن أن يعمل بأقصى فاعلية في اجملتمع الذي يدار على أساس عسكري

حيث يكون متوقعا من الفرد أن ينصاع لألوامر دون تساؤل.وقد �كن هتلر من استخدام الشركات الكبرى ألنه ضمن لـهـا أربـاحـاXوالـشـيـوعـيـ Xطائلة8 عندما كان وجودها ذاته مهددا من قبل االشتراكياأل>ان. ومـا إن أدرك أربـاب الـصـنـاعـة األ>ـان أن اسـتـخـدام هـتـلـر لـكـلـمـة«االشتراكي» في حزب العمل األ>اني االشتراكي القومي ليست إال تدليسا.الجتذاب أصوات الطبقة العـامـلـة8 حـتـى تـبـرعـوا لـلـنـازيـX مـن أجـل بـقـاء

شركاتهم.لقد كان الهوان الذي أصاب أ>انيا في احلرب الـعـا>ـيـة األولـى8 وعـزلاإلمبراطور8 وخسارة األرض ومـا طـالـبـت بـه مـعـاهـدة فـرسـاي أ>ـانـيـا مـن«االعتراف بالذنب» عن احلرب8 كانت كلها مصادر للشعور باإلحباط8 تعهدتخطب هتلر الوطنية البليغة بالتصدي له. وكـان االنـهـيـار االقـتـصـادي8 والسيما التضخم الفادح في مـطـلـع الـعـشـريـنـات واالرتـفـاع ا>ـطـرد فـي عـدد

- قد حول الناس إلى احلـلـول١٩٣٢العاطلX-ستة ماليX متـعـطـل فـي عـام الراديكالية. و>ست عداوة هتلر للسامية وترا حساسا في الثقافة األ>انية8وجعلت من اليهود كبش فداء سهال للهز�ة العسكرية والكارثة االقتصادية.غير أن جاذبية هتلر كانت أوثق صلة بالقوى الالعقلية منها باحلساباتالعقلية. فقد قدم للناس في خطبة التخديرية ومواكبه اجلماهيرية8 يقينـاجازما بالقيم ا>طلقة التقليدية التي كادت تتقوض بفضل ما أحرزه اجملتمعالرأسمالي من جناح وما حل به مـن نـكـبـات. ذلـك ألن جنـاح الـرأسـمـالـيـةاأل>انية كان قد حطم األمان التقليدي الذي كانت تتمتع به األسرة والقرية

238

الغرب والعالم

والطائفة احلرفية والكنيسة8 وأحل محله الفرد ا>غمور8 ا>عزول الهش8 فياجملتمع احلديث فالفرد في اجملتمع الرأسمالي احلديث8 حسب تعبير أريك

ا>ب8X كان متحررا من شتى قيود العالم الوسيط-متحرراErick Frommفروم من التزامات القنانة8 ولوائح الطوائف احلرفية8 والس· الدينية8 والسلطاتالتقليدية8 ومن ثم من حمايتها وأمانها8 لقد أصبح هذا الفرد منعزال8 سواءأكان منافسا أم مستخدما أم مستهلكا أم جنديا أم دافع ضرائب8 ولم يعدإال واحدا من كتلة اجلمهور. لقد � تقسيمه حتى �كن قـهـره8 و� غـسـلمخه بالدعاية لترويج ا>بيعات8 ولم يثقف أو يستحث على تطـويـر اجلـانـياإليجابي في فرديته اجلديدة8 ذلك اجلانب ا>ملوء باإلمكانات8 بحيث يتحولإلى «حرية أن» يصبح شيئـا مـا. وهـكـذا8 >ـا كـانـت احلـريـة الـوحـيـدة الـتـييعرفها الناس هي حرية سلبية فقـد عـمـدوا إلـى «الـهـرب مـن احلـريـة» إنإخفاق الرأسمالية يتمثل في أن النظام لم تكن له مصلحة في تشجيع النموالفردي8 بل كان يستفيد أكثر من تواكل الفرد ا>ستخدم أو ا>ستهلك. لقـدكان من الضروري تعليم األفراد إلى احلد الذي �كنهم من خدمة أعمالهموقراءة اإلعالنات8 أما ما زاد عن ذلك فهو زائد عن احلاجة8 بل إنـه ضـاروبحلول العشرينيات كان إخفاق الرأسمالية في أ>انيا أعم8 إذ لم يـقـتـصـرعلى اإلخفاق في تشجيع النمو الـفـردي8 بـل أخـفـقـت فـي تـوفـيـر األعـمـال

وأصبحت العملة بال قيمة تقريبا. نشـأة الـنـازيـة إلـى(×)ويعزو أريـك فـروم فـي كـتـابـه الـهـرب مـن احلـريـة

البروتستانتية8 كما يعزوها إلى الرأسمالية. فقال إن البروتستانـتـيـة كـانـتتـدعـيـمـا ثـقـافـيـا >ـا أصـاب اجملـتـمـع الـرأسـمـالـي مـن تـفـكــك. فــالــصــورةالبروتستانتية التقليدية8 للفرد الذي يقف وحيدا8 وا>سئول أمام الله وحده8هي معادل ديني للعزلة الرأسمالية في مواجهة ا>نـافـسـX والـسـوق. وهـيبدورها لم تقدم إال «حتررا» سلبيا. فالـبـروتـسـتـانـتـي حتـرر مـن الـكـنـيـسـةالكاثوليكية ببنائها ا>ؤسس وشعائرها وقرابينها8 ومن اخلالص االجتماعيالذي تبشر به فترتب على هذا أيضا أن الفرد لم يتعلم كيف ينمو في إطار

عملية األخذ والعطاء اللذين ال غناء عنهما ألي بناء مؤسس.(×) عنوان الكتاب في طبعته األولى التملص من احلرية ثم عاد أريك فروم وغيره في الطـبـعـات

التالية إلى الهرب من احلرية.

239

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

وهكذا أدى انهيار األمان والقيم التقليدية في العشرينات والثالثينات8كما يرى أريك فروم8 إلى جعل هذه الفردية اخلالية من ا>عنى عبئا ال يطاق.فجاء هتلر وقدم للناس جماعة جديدة ينتمون إليها (األمة األ>انية و«اجلنساألسمى») وأعداء يتحدون ضدهم (اليهود واالشتراكيX والشيوعيX) وهدفاطاغيا (سيادة العالم)8 وهكذا ألغى بجرة قلم جميع نسبيات مجتمع السوق

ا>تقدم و�ت اإلجابة عن كل األسئلة «فهتلر على حق دائما».وقد اعترف هتلر-صراحة-xا كان للسلطة ا>طلقة من سحر على األ>ان

الذين أمضهم الشعور باالنعزال8وخاصة وهم يرون مجتمعهم القد� يتفكك من حولهم. فقال في كتابهكفاحي: «إن نفسية اجلماهير ال يستهويها الفاتر الواهن8 وإن قويا تنحنـيله خلير عندها من ضـعـيـف حتـكـمـه... وهـي تـؤثـر مـن يـأمـرهـا عـلـى مـنيستجديها8 وهي ترتاح داخليا إلى عقيدة ال تتسامح مع غيرها8 وتفضلـهـاعلى حريات ليبرالية تنالها فال ننتـفـع بـهـا إال قـلـيـال. وهـي عـرضـة دائـمـاللشعور بأنها قد خذلت. كما أنها غافلة عما تتعرض له من إرهاب روحـي

.)٢٥(مش8X واستغالل شنيع حلريتها اإلنسانية»ولقد أدرك هتلر قيمة التجمع اجلماهيري8 واالستعراض وا>وكب8 فيتوجيه مشاعر الضياع واالنعزال هذه (أنظر فيلمه: انـتـصـار اإلرادة) نـحـو

جماعة هرمية جديدة.«واالجتماع اجلماهيـري ضـروري كـذلـك8 ألن الـفـرد الـذي يـنـاصـر فـيالبداية حركة فتية ويشعر باالنعزال8 ويصاب بسهولة باخلوف من الوحدة8سيجد ألول مرة في مثل هذا االجتماع صورة جماعة متماسكة أكـبـر8 مـنشأنها أن تترك في معظم الناس تأثيرا مقويا مشجعا.. . فهو ما إن يخطوخطوته األولى8 من ورشته الصغيرة8 أو مصنعـه الـكـبـيـر الـذي يـشـعـر فـيـهبضآلته8 إلى االجتماع اجلماهيري فيجد حوله آالفا وآالفا من الناس الذينيشاركونه في آرائه... فيستسلم هو نفسه للتأثير السحري >ا نطلق عـلـيـه

.)٢٦(«اإليحاء اجلماهيري»إن الدولة النازية لم تكن إال أخبث النظم الشمولية التي اجتاحت أوربافي الربع الثاني من القرن العشرين. واحلقيقة أن جل أفكار هتلر وأعماله(فيما عدا مناهضة السامية) مستعارة من إيطاليا موسوليني الفاشية في

240

الغرب والعالم

فقد كانت الفاشية اإليطالية (بـحـلـول عـام١٩٢٢عهد موسوليني بـعـد عـام ) قد توسعت في بسط السيطرة الكلية (أي الشمولية) للدولة بواسطة١٩٣٠

هـرم مـن الـشـركـات يـدار مـن الـقـمـة إلـى الـقـاعـدة8 وعـن طـريــق انــتــهــاكالد�قراطية والعقل والفكر واحلرية والفردية8 ذلك االنتهاك الذي استشرى

في النظم الفاشية في أ>انيا وأوربا الشرقية.وحتى روسيا الستالينية أنهت بدورها جتاربها القصيرة في إيجاد أشكالجديدة من احلرية وحترير الفرد وا>شاركة الشعبية التي شرعت فيها خالل

(وقد وصل األمـر8 فـي إحـدى هـذه١٩١٧فترة التـفـاؤل بـقـيـام الـثـورة سـنـة التجارب إلى حد إلغاء وظيفة قائد األوركسترا السيمفوني نظرا لطبيعتهاالتحكمية). ولكن برغم البوليس السري والبيروقراطية وحمالت التطهـيـرواإلرهاب8 فقد كان أسوأ سمات الستالينية يبرر دائما بأنه إجراءات استثنائيةللحفاظ على «اشتراكية البلد الـواحـد» وأنـهـا مـن ثـم �ـهـد لــ«اضـمـحـاللالدولة» في خا�ـة ا>ـطـاف. وبـالـرغـم مـن أن هـذا لـيـس إال عـزاء ضـئـيـاللضحايا النظام8 فقد حال االلتزام العقائدي بالوصول في نهاية ا>طاف إلىحترير الفرد وإلى د�قراطية أكمل من د�قراطية ا>الكX (الد�قراطيـةالبورجوازية) دون حدوث بعض من أسوأ ظاهر الشطط في األنظمة الفاشية.فنموذج التحديث السوفيتي الذي أيده كثير من األ� الناشئـة يـعـنـي عـلـىاألقل8 التزاما نهائيا بحقوق اإلنسان8 وبا>زيد من الد�قراطية8 وباحلريةالفردية. أما تصدير الفاشية (من أسبانيا إلى الفلبX) فلم يكن يعني شيئامن هذا. فقد جعلت الفاشية خضوع الفرد التام قضية إ�ان ولم جتعلـهـاضرورة مؤقتة. وكان مثلها األعلى هو البطـش الـكـامـل بـالـفـرديـة8 واإلبـادة

الوحشية لألفراد واألقليات التي تعد خارج نطاق «اإلرادة القومية»

التحديث والفردية: الغرب والعالمقد تظهر الفاشية من منظور الثمانينات أقرب إلى الظاهرة التاريخيـةمنها إلى الظاهرة التنبئية. وبينما كانت تبدو البديل الوحيد لالشتراكية فياجملتمع الرأسمالي ا>تقدم (في نظر ا>اركسيX على األقل) فيبدو اآلن أنمن ا>مكن تطبيق إجراءات أكثر لينا لإلدارة التجارية واحلكومية في اجملتمعاجلماهيري احلديث. ومع التوسع في الد�قراطية في اجملتمع الغربي منذ

241

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

احلرب العا>ية الثانية8 ومع تفشي األنظمة الفاشية أو الشمولية في األ�النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية8 أصبح من األيسر النظـر إلـىالفاشية علـى أنـهـا اسـتـجـابـة «مـبـكـرة» ال «مـتـأخـرة» >ـشـكـالت الـتـحـديـثالرأسمالي. فالفاشية قبل كل شيء هي �ط أكثر تكرارا فـي الـدول الـتـييـشـكـل الـفـالحـون عـددا كـبـيـرا مـن سـكـانـهـا8 والـتـي بـدأت تـشـعـر لـتــوهــاباالضطرابات النفسية واالجتماعية احلادة الناجـمـة عـن الـتـحـديـث8 وقـداستخدمت وسائل إعالم بدائية نسبيا (كالراديو وا>واكب وجرائد السينمااإلخبارية) للتأثير في جماهير ساذجة إلى حد ما8 وذلك من أجل إحـداثاالنقالبات الفاشية التي دبرتها شركات قصيرة الـنـظـر8 يـتـمـلـكـهـا ذعـر الداعي له8 وحكام دكتاتوريون ال يختلف عا>هم كثيرا عن عالم األخذ بالثـأروالكراهية ا>توطنة لألجانب لدى اجلماعات اإلقطاعية والقبلية والريفية.فإذا كان مثـال الـعـالـم الـغـربـي8 يـشـكـل عـلـى أي نـحـو8 مـرشـدا ودلـيـالللمستقبل8 فإن لدى األ� النامية فرصة لتحديد احتياجات الفرد بـشـكـلأكثر دقة أثناء عملية التحديث وللهرب من العزلة الفردية والتفتت واالغتراب8وهي العناصر التي غذت نظم أوربا الفـاشـيـة. أمـا لـو اتـسـم االجتـاه نـحـوالفردية بنفس العقم والهزال اللذين اتسم بهما8 في أحيان كثيرة8 في الغرب8فإن األفراد الناشئX في العالم الناشئ قد يـجـربـون كـثـيـرا مـن مـحـاوالت«الهروب من احلرية» التي زودت الغربيX باألمان عن طريق اخلضوع فـي

.١٩٣٠ و ١٩٢٠سنوات إن الفردية ال تزال نباتا غضا في العالم النامي8 فهي لم تتخذ بعد فيأي مكان هي فيه تلك األهمية الثقافية التي دعت الـغـرب إلـى اسـتـحـداثكلمة «الفردية» في القرن التاسع عشـر. ومـجـتـمـع الـعـسـر ال يـسـمـح بـهـذااإلسراف. إن الطائفة ا>غلقة والعائلة والقبيلة والقرية والكنيسة في حاجةإلى رعاية وتوطيد مستمرين ال يستطيع الفرد أن يتخذ لنفسه هوية منفصلةعن اجلماعة إال إذا عرض نفسه للمخاطر. فاألزمة احملتمة-اجملاعة8 والندرة8

والكارثة-قد حتل على الفرد وهو منفصل غير متثم. عندما عزم8 وهو١٨٨٨وهذا هو اخلطر الذي تهدد ا>ها�ا غاندي عام

في الثانية عشرة8 على السفر من الهند إلى إجنلترا لدراسة القانون. فلـميكن أحد من طائفته ا>غلقـة قـد سـبـقـه إلـى اجنـلـتـرا. إذ كـان الـسـفـر إلـى

242

الغرب والعالم

اخلارج محرما. وأعلن فريق من أعيان الطائفة أنه سيصبح منبوذا لو أقدمعلى السفر فنذر ألمه أال �س في غربته اللحم أو اخلمر أو النساء ولكنهصمم على الرحيل. ودفعه خوفه من أن �نع من الـسـفـر8 وحـنـيـنـه الـقـويللسفر من جهة أخرى إلى أن يسافر قبل ا>وعد الذي حدده لتنفيذ خطتهبشهرين. وبعد أربعX عاما8 وصف غاندي8 وهو رجل من أشد من أجنبتهمبالده أو طائفته فردية8 ورائد حركة االستقالل القومي الهندي8 رحلته إلى

ساو ثامبتون في سيرته الذاتية قصة جتاربي مع احلقيقة:Xلم أشعر بدوار البحر قط.. . ولم أكن أعرف كيفية استخدام السكاك»والشوكات.. . ولذا لم أتناول الوجبات على ا>ائدة إطالقا بل كنت أتناولهافي قمرتي8 وكان قوامها احللوى والفاكهة التي حـمـلـتـهـا مـعـي.. . ودخـلـنـاخليج بسكاي8 ولكني لم أشعر باحلاجة إلى اللحم أو اخلمر. وعلى أية حال8فقد وصلنا إلى ساوثامبتون على ما أذكر يوم السبت8 وكـنـت فـي الـبـاخـرةأرتدي حلة سوداء8 فقد احتفظت بالبذلة الفانلة البيضاء التي أهداها ليأصدقائي أللبسها عند نزولي. وظننت أن ا>البس البيضاء أليق بي عندماأهبط إلى الشاطئ. فنزلت بالبدلة الفانلة البيضاء وكنا في أواخر سبتمبر8

.)٢٧(فإذا بي الشخص الوحيد الذي يرتدي هذه ا>البس» عن الفـقـرةV. S. Naipaul«تلك هي الرحلة» كمـا قـال ف. إس. نـايـبـول

اآلنفة. فذاتية غاندي8 رغم قوتها با>عايير الهندية8 كانت هـشـة بـا>ـعـايـيـرالغربية إلى حد أنه انهمك في التفكير الدائب في مأكله وملبسه ومسكنه.وقد الحظ نايبول أنه أمضى ثالث سنوات في إجنلترا لم يـسـمـح لـنـفـسـهخاللها أن يالحظ سوى قليل من جوانب احلياة اإلجنليزية. «فلم يصف بناءمن أبنية لندن8 أو شارعا8 أو غرفة8 أو حشدا أو وسيـلـة نـقـل عـامـة. فـإذا

في نظر شاب من بـلـدة هـنـديـة١٨٩٠شئت أن تعرف شيئـا عـن لـنـدن عـام صغيرة فعليك أن تستنبطها من قلق غاندي الداخلي ا>ستمر وحرجه وبحثهالديني في ذاته8 ومن محاوالته أن يلبـس مـا هـو الئـق وأن يـتـعـلـم الـعـاداتاإلجنليزية. وقبل كل شيء8 من مشـكـلـه مـع مـأكـلـه ورضـاه عـن هـذا األكـل

.)٢٨(أحيانا»ويرى نايبول أن اخللل في رؤية غاندي إلجنلترا8 ثـم بـعـد هـذا جلـنـوبأفريقيا-حيث جند أن مغامرته الداخلية وهو في العشرين ال تذكر األفارقة

243

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

من قريبه أو بعيد-هذا اخللل هو نتاج مخاوف «ذات غير نـامـيـة» xـا فـيـهالكفاية. لقد ركز غاندي على ذاته الـهـشـة ألنـه عـجـز عـن اسـتـيـعـاب هـذاالتنوع الهائل من الناس اجلدد والعادات واألمكنة التي تتحدى هويته. وقداجته إلى داخل نفسه (بالطريقة الهندوكية التقليدية) ألن الذات التي صاغتهاالطائفة ا>غلقة والقرية الهندية ناءت بالعبء احلسي الذي كان خطره أشد

�ا حتتمل.واستشهد نايبول xعالج نفسي هندي حاول أن يضع استجابة غـانـدي

في إطار أوسع.:Sudhir Kakarففي رأي الدكتور سودير ككار

«تقوم األم في الهند بوظيفة األنا اخلارجية للطفل8 مـدة أطـول بـكـثـيـر�ا هو معتاد في الغرب8 وكثير من وظائف األنا ا>تعلقة بالواقع تنتقل فيما

.)٢٩(بعد من األم إلى األسرة وا>ؤسسات االجتماعية»وقد يعرقل والء االبن ألبيه في الهند التقليدية �وه الفردي8 كما تعرقلهحماية األم. وقد روى غاندي في سيرته الذاتية مبلغ عنايـتـه بـأبـيـه قـعـيـد

الفراش وهو شاب متزوج في السادسة عشرة.«كنت أقوم كل ليلة بتدليك ساقيه وال أنصرف إال إذا أمرنـي بـذلـك أوأدركه النعاس. وقد كنت أعشق أداء هذه اخلدمة. فال أذكر أننـي أهـمـلـتفيها قط... ولم أكن أقوم بالنزهة في ا>ساء إال إذا سمح لي بذلك8 أو إذا

.)٣٠(كان يشعر بالتحسن»ويكشف غاندي في موضع آخر من سيرته الذاتية عن التوتر الذي كانيشعر به بX عنايته بوالده والشهوة اجلسدية التي يشعر بها نحو زوجـتـه.ويبدو أنه لم يغفر لنفسه قط أن «شهوتي غلبت بري بوالدي» عنـدمـا كـانفي سريره ليلة وفاة أبيه. وقد يكون لهذا ا>وت أثر كبير فـي ذلـك الـقـسـمالذي آلى فيه على نفسه8 فيما بعد8 أن �تنع عن �ـارسـة اجلـنـس8 وفـي

رفضه السماح ألوالده بالزواج.وحتى اليوم مازال والء األبناء لألب والـعـائـلـة يـلـعـب دورا فـي اجملـتـمـعالهندي يحد من �و الفردية. وقـد روى آرثـر كـوسـتـلـر فـي كـتـابـه الـلـوتـسواإلنسان اآللي (وهو كتاب حتدث فيه عن إقامته في الهند واليـابـان سـنـة

) قصة �كن أن تروى اليوم:١٩٥٩-١٩٥٨

244

الغرب والعالم

«دعاني» س. وهو موظف كبيـر8 جتـاوز األربـعـ8X وأب ألربـعـة أطـفـال8على العشاء. وعندما قدمت إليه سيجارة رفض8 وبينما كنت أشعل سيجارتيرمقتني بحسرة فسألته >اذا ال يدخن! فشرح لي ا>سألة كما لو كان األمرXطبيعيا إلى أقصى حد: «لقد درست في إجنلترا حتى سن الثانية والثالثودخنت كثيرا. وكنت أحب أيضا أن أشرب كوبا من البيرة أحيانا. وعندمـارجعت كان علي أن أخفي هذه العادات عن والدي الذي ال يحبذها8 ولكننيال أستمتع بأن أفعل هذه األشياء سرا فأقلعت عنها». فسألتـه مـازحـا عـن

احتمال عودته إلى التدخX بعد وفاة أبيه. فأجابني بجدية «جائز».ولقد حكيت هذه القصة لشخص آخر وهو مديـر قـد� >ـعـهـد أبـحـاثاجتماعية. فلم يجد فيها غرابة. وقال: «لقد مات والدي عندمـا كـنـت فـياخلامسة واألربعX وحتى موته أمضيت كل أماسي معه. وكان مـن عـادتـيمنذ بضع سنوات أن أذهب أحيانا لسماع محاضرة أو جلمعـيـة مـنـاظـراتكنت عضوا فيها8 ولكن ذات مساء أخبرني والدي أنه يشعر دائما بالوحدةفي األمسيات التي أخرج فـيـهـا8 ومـن سـاعـتـهـا لـم أعـد أخـرج أبـدا وكـنـت

أحتدث معه أو أقرأ له بدال من هذا».وحX رويت القصتX ألحد األطباء النفسيX في بومـبـاي8 كـان جـوابـهالوحيد: «نعم8 إن عالقة األب باالبن8 بX البراهمة على اخلصوص8 عالقة8Xوئام. إن والدي يعيش أيضا في منزلي مع أسرتي. وقد جتاوزت اخلمسولكن ال �كن أن أفكر في اجللوس في حضرته قبل أن يدعوني إلى ذلك8مع أني في بيتي. كما ال يخطر لي على بال أن أبت في قراراتي ا>همة بدون

مشورته ورضاه».«ولكن8 هل ترى8 بوصفك دارسا للنفس اإلنسانية أن هذا أمر مستحب»

«مستحب للغاية»ولم أجد إال طبيبا نفسيا واحدا مستاء8 وهو منحدر من أصل مسيحيفي اجلنوب. لقد قال بابتسامة ساخرة ساحرة: «بX الهنـدوكـيـX يـحـظـىأكبر األبناء بشرف إشعال النار في جسد أبيه عند موته8 غير أن انتـظـاره

.)٣١(يطول»إن السلطة األبوية والتماسك العائلي8 تقي األبناء والبنات في الكثير منالدول النامية القلق ا>صاحب للنمو الشخصي ومآسيه وقد طال عهد مباشرة

245

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

األسرة األبوية لهذه السلطة في الهند بالنسبة إلى غيرها ألسباب منها أنهاكانت ترتكز على سلطة نظام طائفي8 قاوم محاوالت اإلصالح الكثيرة خاللعدة قرون أثناء احلكم اإلجنليزي واالستقالل. فالهوية العائلية كانت جزءامن الهوية الطائفية. والتنظيم الطائفـي8 عـلـى جـوره8 سـاعـد عـلـى حـمـايـةالفرد من بعض نزعات التفتيت التي جلبها مجتمع السوق في ظل االستعمار

البريطاني.أما في الصX التقليدية8 فكانت األسرة والبالط اإلمبراطوري «حتميالفرد من النمو الشخصي»8 حف بدون وجود نظام وسيط كالنظام الطائفيالهندي. ومن ثم فإن هز�ة النظام اإلمبراطوري الصيني بعزل اإلمبراطور

وبوقوع الصX فـي١٩١٩على يد قوات صن يات صن اجلمهورية فـي ثـورة قبضة جيوش االحتالل والتجار من دول الغرب واليابان منذ القرن التاسععشر8 قد عجل بانحالل احلياة العائلية التقليدية. وكانت العائالت الصينيةالفقيرة التي تواجه مالك األرض أو التاجر األجنبي منفردة تضطر أحياناإلى بيع أوالدها أو تركهم يعملون بعيدا دون حماية تقليدية. ولكن الفقر قديعرقل النمو الفردي بنفس القدر الذي يعرقله به ذلك الدرع الذي تقي بهاألسرة نفسها من الفـقـر. ورxـا كـان الـفـقـر فـي الـصـX قـي الـعـشـريـنـات

والثالثينات هو أكبر عائق في طريق �و الفردية.إن بقايا األسر الصينية ا>تحللة التـي عـاشـت ومـاتـت فـي مـديـنـة مـثـلشنغهاي في الثالثينات لم تكن في مـقـدورهـا أن تـفـهـم مـعـنـى الـفـرديـة أو

تعيشه من قرب أو بعيد:«على الرغم من مرور أكثر من ثالثX عاما على هبوطي ألول مرة فـيشنغهاي8 فإن بعض مشاهد األسبوع الذي أمضيته فيها وانطباعاته ال تزال

محفورة في نفسي.ا>تسولون. أسراب ا>تسولX من جميع األعمار8 فيهم الصحيح والعليلوالناطق والصامت8 والراجي والقانط8 واألعمى والبصير8 وكلهم سواء في

الفقر-في الهوان.«والعاهرات األنيقات في األماكن اخملصصة لألجانب وضعـن ا>ـاكـيـاجولبسن األحذية العالية الكعوب والفساتX ا>لتصقـة بـأجـسـامـهـن8 فـتـحـتجوانبها حتى األفخاذ. والرخيصات في أحياء البحارة ثيابهن رثة وأصواتهن

246

الغرب والعالم

خشنة8 سليطات اللسان. العاهرات األطفال. الطفلتان ا>ذعـورتـان الـلـتـانXنظير خمس Xأو مجتمعت Xيجرهما معا مالكهما حيث يقدمهما منفردت

سنتا في الساعة.الفقر. صفوف العشش التي يعيش فيها مئات اآلالف و�وتون-والبطونا>نفوخة من اجلوع. والنبش في القمامة بحثا عما قد يوجد فيها من فتات

الطعام.األطفال. ال أجد خيرا من االستشهاد بصاحب فندق كـنـدي عـاش فـيشنغهاي قبل حتريرها أكثر من عشرين عاما8 فلمـا عـاد إلـى زيـارتـهـا عـام

تذكر ا>ناظر ا>ألوفة في شنغهاي القد�ة فقال: فتشت عن األطفال١٩٦٥ا>صابX باإلسقربوط. أطفال يزحف فيهم القمل. أطفال عيونهـم حـمـراءمتورمة. أطفال تدمي لثاتهم. أطفال بطونهم منتفخة وأذرعهم وسيقـانـهـمطويلة نحيفة. لقد بحثت على األرصفة ليل نهار عن األطفال الذين شوههمالشحاذون عن عمد-متسولون يتشبـثـون بـكـل عـابـر سـبـيـل حـسـن ا>ـلـبـس8

يغتصبون عطفه وعطاياه8 بادعاء أبوتهم للطفل البشع.بحثت عن أطفال تكسوهم القروح التي يرعى فيها الذباب. وبحثت عنأطفال يتغوطون فال يخرجون بعد جهد شديد إال الديدان الشريطية. وبحثتعن األطفال ا>سخرين في معامل األزقة8 األطـفـال الـذيـن يـعـمـلـون اثـنـتـيعشرة ساعة في اليوم. مربوطX با>عنى احلـرفـي بـاآلالت. أطـفـال إذا مـافقدوا إصبعا8 أو أصابهم ما هو أسوأ8 يتم طردهم إلى الطرقات يتسولون

أو ينقبون في النفايات بحثا عما يسد الرمق. بغير طائل8 ولكن في الثالثينات لم تكن هناك١٩٦٥لقد بحثت في عام

.)٣٢(حاجة للبحث عن مثل هذه ا>ناظر ألنها كانت في كل مكان»لقد اجتثت الثورة الشيوعية (أو ثورة الفالحX) الصينية شأفة التفاوتالب8X والسيطرة األجنبية8 وتفكك السـوق الـذي فـرض الـفـقـر عـلـى حـيـاة

. فضال عن أن الشيوعيX خلقوا صـيـنـا١٩٤٩جماهير الصينيX قبـل عـام أغزر إنتاجا عن طريق التصنيع8 واستصالح األراضي8 والكوميونات الزراعية8وا>ؤسسات احمللية والقومية التي تتولى أمر ا>وارد الصينية8 وقضوا علـىالتسول والبغاء واجملاعات8 في جيل واحد (فـال يـكـاد يـوجـد8 عـلـى سـبـيـلا>ثال8 أثر للذباب أو األمراض التناسلية في الصX احلديثة) وقد اعترف

247

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

ناقدو النظام بهذا كله8 ولكنهم أضافوا: «إلى أي حد كان ذلك على حساباحلرية الشخصية والفردية». لكن مثل هؤالء النقاد ينبغي أن يتذكروا كيفكان الناس في أماكن مثل شنغهاي قبل االنتصار الشـيـوعـي. مـا احلـريـاتالتي كانوا �لكونها? وما الفردية التي كانوا يعرفونها? من اجللي أنهم بعدالقضاء على الفقر ا>دقع أصبحوا أقدر بكثير على أن ينعموا بترف تنمية

الهوية الذاتية واحلرية والفردية.Xومع ذلك8 فاحلقيقة أيضا أنه � حتقيق االنتصار الشيوعي في الصمن خالل تنظيم عسكري جليوش ضخمة8 ومـن خـالل تـشـجـيـع الـتـنـظـيـمXاحلزبي الهائل وحتت إشرافه. ومع النجاح العسكري والتحديث بدأت الصتتجه إلى فرض أخالق عمل صارمة8 وتعفف جنسي يكاد يكون يـوطـوبـيـا8وإخالص كامل للحزب والشعب. وقد كان الزي األزرق أو الرمادي ا>وحـدمنطقيا من الناحية االقتصادية في مجتمع نادر ا>وارد. وال شك أن توفيرسترتX زرقاوين كل عام جلميع ا>واطنX أفضل من توفير أزياء وفق ا>وضةحلفنة8 بينما يظل الباقون في األسمال8 كما أنه كان منطقيا مـن الـنـاحـيـةالسياسية في مجتمع ظلت فيه ألوان ومالبس معينة8 إلى عهد قريب8 رمزاقانونيا واجتماعيا >كانة صاحبها أو طبـقـتـه8 ولـكـن عـا>ـا يـرتـدي فـيـه كـلإنسان اللون األزرق (أو األخضر) هو أيضا عالم �يل فيه كل فرد إلى تلوين

تفكيره بطريقة متجانسة. عا>ا ليس في طوقه توفير القماش١٩٧٨لقد كانت شنغهاي في ربيع عام

ذي األلوان الزاهية إال لألطفال8 أو الدراجات إال >ن ادخروا أثمـانـهـا8 وال�لك فيه أحد تقريبا أجهزة تليفزيون أو سيارات أو غـرف خـاصـة. لـكـنـهعالم ال يكسب فيه أي إنسان أكثر من خمسة أضـعـاف مـا يـكـسـبـه غـيـره8ويأخذ فيه كل إنسان كفايته من الطعام8 ويسكن في سـكـن طـيـب8 ويـعـمـل

بجد8 ويبدو سعيدا.إنني أذكر أنني شاهدت رضاء وتفانيا8 أكثر �ا شاهدت من استياء أوفردية. لقد انزعجت بعض الشيء حX لم أالحظ إال زوجX تتشابك أيديهما8وأزعجني أيضا رؤية نصف السكان تقريبا وهم يؤدون التمرينات الرياضيةفي الفجر على أنغام ا>ارشات العسكرية على الطراز الغربي من مكبـراتالصوت ا>علقة8 وعندما سمعت مرشدين صينيX من الطلبة يرددان8 الواحد

248

الغرب والعالم

بعد اآلخر خالل دقائق معدودة8 الكلمات نفسها باحلرف الواحد: «خير أننخدم الناس على أن نخدم أنفسنا»8 وذلك ردا على سؤال وجه إليهما عـنشعورهما إذا طلب إليهما العمل في هيئة السياحة الـصـيـنـيـة بـدال مـن أن

يعلما اإلجنليزية في اجلامعة.ولكن كانت هناك أيضا شواهد على قرب وقوع ثورة ذات طـابـع فـرديوغربي. فبعد أيام قليلة من مشاهدة أوبرا بكـX الـتـقـلـيـديـة عـن الـدعـايـةالثورية العزيزة على قلب أرملة ماوتس تـوجن (الـتـي تـهـاجـم اآلن بـوصـفـهـاواحدة من «عصابة األربعة») وبعد أن قلت في نفسي «يا لعقمها»! ولكننـيقلت أيضا: «ما أشد ضرورتها للصغار الذين نـسـوا الـثـالثـيـنـات»8 شـهـدتانفجار قنبلة ثقافية موقوتة. كانت تلك فيلما رومانيا مدبلجا إلى الصينيةعرض في أرجاء الصX ولقي جناحا منقطع النظير8 يصور كل كليشيهاتالرومانسية الغربية: اللقطة الكاملة لوجه البطل والبطلة8 وكمنجات الغجر8ونزهات العشاق في ا>روج8 والعشاء على ضوء الشموع8 والوطني العاشق.لقد سحر الفيلم الصينيX. وهكذا فإن تشجيع الفيلم للعواطف الشخصية8والتصوير ذا الطابع الفردي الراقي8 وإعالء الرومانيX للرومانسـيـة8 هـذهالعناصر كانت أبلغ وأقوى أثرا من آالف إعالنات الدعاية. هـذه الـنـزعـاتالتي زادت وتضاعفت بسبب األفالم األجنبية األخرى8 وا>البس الصفـراءالالمعة التي يرتديها السائحون األجانب في الربيع8 والشهرة التي يحظىبها السياح ورؤساؤهم وأساليب حياتهم8 يبدو أنها جعلت اجملتمع الصينييخطو خطوة ثانية كبرى نحو التحديث الغربي والفردية الغربية مـنـذ عـام

١٩٧٩.فلما عدت إلى الواليات ا>تحدة األمريكية تساءلت هل �كن أن يـكـون

للفردية التي تدعو إليها لكي سترايكس أو الكوكاكوال رد فعل عكسي?إن قوائم الكتب التي حققت أكثر ا>بيعات في الواليات ا>تحدة األمريكيةتشتمل على كثير من العناوين التي تتناول موضوع مساعدة ا>رء لنفسه منالناحية النفسية8 ومثل هذه الكـتـب هـي دائـمـا تـريـاق مـفـيـد ضـد الـنـزعـةالتسلطية التي �ارسها مكان العمل واألسرة والدعاية اإلعالمية التجارية.ولكن هذه الكتب تفتقر دائما إلى الوعي أو االهتمام االجتماعي. إن النصائحالتي تقول: «حتمل ا>سئولية بنفسك» أو «كن خير صديق لنفسك» أو ابحث

249

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

عن الشخص األول في حياتك-أي نفسك» إ�ا يعكس اإلحساس األمريكيالقلق (البروتستانتي8 الرأسمالي?) بالفرد ا>نعزل ا>قهور الذي ال يستطيعأن يؤكد الذات إال بإنكار وجود اجملتمع أو فائدته8 واألفراد البطوليون فيالثقافة األمريكية-راعي البقر أو اخلارج على القانون أو الرائد أو الصعلوك-هم مخلوقات تقف وحيدة8 عاجزة عن تنمية تفردها في سياق اجتماعي أو

غير راغبة في ذلك.إن الشخصيات البطولية في األفالم األمريكية تبدو في كثير من األحيان(مثل السوبرمان) وكأنها قد جاءت من عالم آخر. وكثيرا ما كانت هوليـودفي بحثها عن احلركة األحدوثة واحلبكة8 تتجاهل دوافع هؤالء األبطال أوشخصيتهم ا>ميزة أو مشاعرهم وتكبتها. أما صناع األفالم األوربيون فقدظلوا يدخلون ا>لل علـى ا>ـتـفـرجـX األمـريـكـيـX بـدراسـتـهـم الـدقـيـقـة فـيالشخصية في وسط اجتماعي معقد ففي األفالم األوربية نرى الفـرد فـيالعمل8 واألسرة أثناء تناول العشاء8 واألصدقاء اخملتلفX واألقارب والعشاقوا>عارف الذين يجعلون الفرد على ما هو عليه (فـي شـبـكـة مـن الـعـالقـاتا>بهمة ا>تشابكة) فالسياق االجتماعي هو الذي يحدد الفردية. وفـي هـذهاألفالم يرى ا>رء أناسـا مـتـكـامـلـX مـعـقـديـن يـفـهـم عـواطـفـهـم ودوافـعـهـمXا>تصارعة. أما األمريكـيـون الـذيـن تـعـلـمـوا أن احلـريـة هـي ا>ـفـاضـلـة بـXالـد�ـقـراطـيـ Xمعجون أسنان إ� وكـريـسـت8 بـ Xالشيفروليه وفورد8 بواجلمهوري8X فيجدون حرية أكبر في رفض اجملتمع كلية. وأولـئـك الـذيـنقيل لهم إنهم سيحققون قيمة فردية رفيعة من خالل الـشـراء أو الـتـمـلـك8

كثيرا ما يستهلكون أنفسهم في جريهم وراء االستهالكلقد التمس الكثيرون «الهرب من احلرية» في النزعات الدينية ا>طلقة8وفي التنجيم والعبادات والطقوس والبدع التي تعطي معنى وتوجها مؤقـتـاإلى النفوس التي تهيم على غير هدى وكثيرا ما يـعـطـي األفـراد الـعـبـاداتوالطقوس سلطانا على حياتهم يعوضهم عن شعورهم بالعجز8 ومع غـيـابالعمل االجتماعي ذي ا>عنى أو رموزه8 فإن البحث عـن الـهـويـة اجلـمـاعـيـةكثيرا ما يتـحـول إلـى خـضـوع وفـنـاء لـلـذات. وهـكـذا فـإن سـاحـة الـتـفـاعـلاالجتماعي8 التي كان بوسعها أن ترعى الفردية اخلالقة8 قد ذبلت من فرط

اإلهمال.

250

الغرب والعالم

ملزيد من االطالعهناك دراستان علميتان �تـازتـان عـن الـفـرد فـي أوروبـا فـي الـعـصـور

التي قام فيها بتوثيقCloin Morrisالوسطى إحداهما دراسة كولX موريس في,The Discovery of the Individual 1050-1200 ١٢٠٠-١٠٥٠اكـتـشـاف الـفـرد

ظهورWalter Ullmannالثقافة األوروبية في تلك الفترة8 وبحث وولتر أو>ان الفرد على الصعيدين القانوني والسياسي8 في فترة أطول8 في كتاب الفرد

.The Individual and Society in the Middle Agesواجملتمع في العصور الوسطى 8 الرأسمالية واحلضارة ا>اديةFernand Braudelأما كتاب فرناند برودل

١٨٠٠- ١٥٥٠ Capitalism and Material Civilization.فيتناول أوائل الفترة احلديثة وجند فيه نظرة خاصة جديدة شاملة إلى أقصى حد8 ولكن نادرا ما يأتي

قرون من الطفولةPhilippe Arie’sذكر أي فرد واحد فيه. وكتاب فيليب أرييه Centuries of Childhood8كتاب �تاز عن تـاريـخ الـفـرديـة والـطـفـولـة كـذلـك

The Gutenberg مجرة جوتنبـرج Marshall Mcluhanوكتاب مارشال مكلوهـان

Galaxyكنز حافل باألفكار العميقة الذكية والتي تثير الدهشة عـن عـالقـة The Rise of the نشأة الرواية Ian Wattالطباعة بالفردية. أما كتاب إيان وات

Novelفهو دراسة عظيمة عن عالقة الفرد بالوظيفة االجتماعية لـوسـائـل Lucien Febvreالطباعة في القرن الثامن عشر. ويعد كتاب لوسـيـان فـيـفـر

دراسة �تازة حديثة.The Bookالكتاب وهناك عدد هائل من أساليب معاجلة مشكلة الفردية في القرنX التاسععشر والعشرين. فبالنسبة لدور احلركة الرومانسية �كن الرجوع إلى كتاب

Romanticism and الرومانتيكية واألنا احلديـثـة Jacques Barzunجاك بارزان

the Modern Enna وكتاب الرومانتيكية Romanticism بإشراف ر.ف. جلكنر R.

F. Gleckner وج.إ. انسكو G. E. Enssco وكتاب موريس بكهام Morse Peckham

Beyondما وراء الرؤية ا>أسوية: البحث عن الذاتية في القرن التاسع عشر

the Tragic Vision: The Quest for Identify, in the Nineteenth Centuryأو كتـاب The Social History على التاريخ االجتماعي للفن Arnold Hauserأرنولد هاوزر

of Art .اجمللـد الـرابـع8 أو كـتـاب و. سـيـفـر Sypher Wمن فـن الـركـوكـو إلـى From Rococco to Cubismالتكعيبية

.E. Gو�كن تبX داللة التفرد في الثقافة الشعبية في كتاب أ.ج. وست

251

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

West التربية والثورة الصناعية Education and the Industrial Revolutionوكتاب األطفال في اجملتمع اإلجنليزيM. Hewitt وم.هويت I. Pinchbeckآي. بنشيبيك

Children in English Society وكـتـاب ر. و. مـالــكــو>ــســون R. W. Malcolmson

Popular Recreation in ١٨٥٠-١٧٠٠التسلية الشعبية في اجملـتـمـع اإلجنـلـيـزي

English Society 1700-1850 وكتاب بيتر ن. ستـيـرن Peter N. Strearnاجملتمـع أو ا>ؤلفات ا>ذكورةEuropean Society in Upheavalاألوروبي في حالة حتول

في النص. والليبرالية هناك ج هملفاربJ. S. Millوعن الدراسات عن ج. س. مل

G. Himmelfarb عن احلريـة والـلـيـبـرالـيـة: حـالـة ج. س. مـل On Liberty and

Liberalism: The Case of J.S.Mill وكتاب أ. ريـان A .Rayan ج. س. مـل J. S.

Mill والتحليل النفسي الذي قام به ب. مازليش B. Mazlishفي كتاب جيمس وكذلك كتاب مل سيرة ذاتيـةJames & John Stuart Millوجون ستيوارت مـل

Autobiography وعن احلرية On Liberty.أمـا الـدراسـات اخلـاصـة بـتـاريـخ االقـتـصـاد احلـديـث وتـاريـخ األعـمـالالرأسمالية فأكثر من أن تسمح باالكتفاء ببـعـضـهـا. ويـحـسـن بـالـدارس أن

By the بعرق جبينك J. Gies وج. جايز M. Kranzbergيبدأ بكتاب م. كرانزبرج

Sweat of Thy Brow.ومن أمهات الكتب األكثر تخصصا كتابا ب. طومسون E. P. Thompson نشأة الطبقة العاملة اإلجنليزية The Making of the English

Working Class فبلن Xوكتاب ثورست Thorestein Veblenغريزة الصنعة وحالة The Instinct of Workmanship and the State of Industrial Artالفـن الـصـنـاعـي

Lewis) وهناك كتاب لويس �فورد Portable Veblen(أو كتاب فبلX للحبيب

Mumford التقنيات واحلضارة Technics Civilizationأو كتابه األحدث الواقع Jacques وكتاب جاك إلول The Myth of the Machineفي جزئX أسطورة اآللة

Ellul مجتمع التكنولوجيا The Technology Society.Xويظهر عن النازية كتاب كل شهر وا>ؤلف يوصي بكتاب ريتشارد روبنشت

Richard Rubenstein مكر التاريـخ The Cunning of Historyوكتاب رول هلبرج Raul Hilberg Xتدمير اليهـود األوربـيـ The Destruction of the European Jews

8 وقائـمـةAdolf Hitler ا>متع أدولـف هـتـلـر John Tolandوكتاب جـون تـوالنـد Joel Colton وجول كولـتـون R. R. Palmerا>راجع في نهاية كتـاب ر. ر. بـا>ـر

252

الغرب والعالم

.A History of the Modern Worldتاريخ العالم احلديث وبدال من أن نسرد قائمة بالقـراءات الـعـديـدة ا>ـمـكـنـة لـدراسـة الـثـورةالروسية والثورة الشيوعية الصينية وغياب الثورة في الهند أو أمريكـا فـيالوقت احلاضر8 �كن الرجوع إلى قائمة مراجع �تازة (مثل قائمة مراجعبا>ر وكولتون) مع إضافة عناوين متميزة خشية أن ينـسـاهـا الـقـار� وهـي:

The Fall of Public سقوط الرجل العام Richard Sennettكتاب ريتشارد سنيت

Man8(وهو يذهب إلى أن احلياة العامة ال اخلاصة هي التي اختفت أخيرا) The Culture الرائع ثقافة النرجسية Cristopher Laschوكتاب كريستوفر الش

of Narcissism عن أمريكا ا>عاصرة8 وكتاب جيمس بيلنجتون James Billington

The Icon and the Axeا>متاز عن التاريخ الثقافي الروسي األيقونة والفـأس

األصول االجتمـاعـيـةBarrington Moore, Jrوكتاب بارجنتـون مـور األصـغـر. The Social Origins of Dictatorship and Democracyللديكتاتورية والد�قراطية

١٩٤٩- ١٨٤٠ ثورات الفالحX في الصJean Chesneaux Xوكتاب جان شيسنو Peasant Revolts in China 1840-1949 وكـتـاب سـيـجـفـريـد كــراكــاور Siegfried

Kracauer8 وهو موضع هجوم دائم8 من كاليجاري إلى هتلر: دراسة نفسـيـةFrom Caligari to Hitler A Psycho Logical Study of Germanلـلـفـيـلـم األ>ــانــي

Film وكتاب ف. أس نايبـول V. S. Naipaul الهند: حضارة جـريـحـة India: A

wounded Civilization وكتاب آرثر كوستلر Arthur Koestlerاللوتس واإلنسان الثقـافـةWarren Susman وكتاب وارين سـسـمـان The Lotus and Robotاآللـي

.Culture and Commitment 1929-1945 ١٩٤٥-١٩٢٩وااللتزام وال �كن لقائمة مثل هذه أن تشير ولو بشكل سريع إلى الطرق الكبيرةالتي �كن أن يتناول بها ا>رء ا>وضوعات ا>طروحة في هذا الفصل. ويجبأن يعي الدارس أن التفرد احلديث �كن دراسته بعدة طرق أخـرى. مـثـالذلك أن ا>رء يستطيع أن يركز على جاذبية الفوضـويـة فـي الـقـرن الـتـاسـععشر أو الوجودية في القرن العشرين. و�كن للمرء أن يدرس أيضا عبادةاألفراد احلديثة (ستال8X وماو8 وجنوم هوليوود) أو دور وسائل اإلعالم فيمجتمع اجلماهير8 أو أدبيات االعتماد على النفس ومساعديها التي ظهرتبعد فرويد8 أو اإلعالن أو العالقات العامة أو األفالم أو البطل الضـد فـيالرواية احلديثة أو تكنولوجيا ا>راقبة أو سياستها. فاإلمكانات ال نهاية لها.

253

الفردية واجملتمع: الذات في العالم احلديث

هوامش الفصل التاسع عشر

(1) Elavius Josephus, The Jewish War, BK VII, ch Viii, v. 6, trans. Robert Traill, London: Houlston

and Wright, 1868, p. 500

(2) The New York Times, November 29, 1978.

(3) Jean Jacques Rousseau, Confessions, anonymmous trans. of 1783 and 1790 revised by A.S.B.

Glover, New York: The Limited Editions Club, pt. I, BK. P. 3.

(4) Ralph Waldo Emerson, Self-Reliance in Emerson, Selected, Prose and Petry, ed. Reginald L. Cook,

New York: Holt, Reginald and Winston, 1950, pp. 165, 166 and 168.

وردت في كتاب:(5) Edward Shorter, Towards a History of La Vie Intime: The Evidence of Cultural Criticism in

Nineteenth Century Bavaria in: The Emergence of Leisure, ed. Michael R. Marrus, New York: Harper

& Row, 1974, p. 43.

(6) Ibid., p. 52.

(6) Ibid., pp. 46-47.

وردت في كتاب:(8) Melvin Kranzberg and Joseph Gies, By the Sweat of Thy, Brow: Work in the Western World, New

York: Putnam, 1975, pp. 126-127.

(9) Thorstein Veblen, The Portable Veblen, ed. Max Lerner, New York: Viking Press, 1948, pp. 335-

336.

(10) Ibid., pp. 336-337.

(11) John Stuart Mill, On Liberty, ed. Currin V. Shields, Indinapolis: Bobbs-Merrille, 1956, p. 13.

(12) Ibid., pp. 67-68.

(13) Ibid., p. 67.

(14) Kranzberg and Gies, By the Sweat of Thy Brow, p. 155.

(15) Ibid., pp. 155-156.

(16) Edward L. bernays, Biography of an Ides: Memairs of Public Relations, Counsel Edward L. Bernays,

New York, 1965, p. 387.

ووردت هذه الفقرة عندWarren Susman, ed. Culture and Commitment 1029-1945, New York: George Braziller, 1973, pp.

133-134.

(17) Ibid.

(18) Bernays, p. 390. Susman, pp. 136-137.

(19) Bernays, p. 391. Susman, pp. 138.

254

الغرب والعالم

(20) Bernays, p. 394. Susman, p. 140.

(21) Paul Hilberg, The Destruction of the European Jews, New York: Quadrangle, 1967, p. 595.

وردت عند(22) John Toland, Adolf Hitler, New York: Ballantine Book, 1976, p. 1052.

(23) Albert Speer, Inside the Third Reich, trans. Richard and Clara Winston, New York: Macmillan,

1970, p. 375.

(24) Richard Rubenstein, The Cunning of History: The Holocaust and the American Future, New

York: Harper & Row, 1975.

(25) Adolf Hitler, Mein Kampf, trans. ralph Manheim, Boston: Houghton Mifflin 1943, 1971, p. 42.

(26) Ibid., pp. 478-479.

(27) Mahatma Gandhi, The Story of My Experiments With Truth, London: Phoenix Press, 1949, pp.

36-37

(28) V.S. Naipaul, India: A Wounded Civilization, New York: Random House, 1976, 1977, p. 103.

(29) Ibid., pp. 107-108.

(30) Gandi, Story, p. 24.

(31) Arthur Koestler, The Lotus and the Robot, New York: Macmillan, 1961, pp. 142-143.

(32) Dr. Joshua S. Horn, Away With All Pests, New York: Monthly Review Press, 1969, pp. 18-19.

255

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

املوارد والتلوث: أمريكااملعاصرة

أصبحت مشكل احليابيئة والطاقة واالقتـصـادشديدة التداخل في السنوات القليلة ا>اضية. وقدحتـدثـنـا فـي دراسـتـنـا الـسـابـقـة عـن عـالقــة عــلــماحليابيئة بعلم الالهوت (الفصل الثاني عشر) إلىجواز تفسير ا>شكلة البيئية بأنـهـا حتـول فـلـسـفـيمن التعاون مع الطبيعة إلى استغاللها. ودرسنا نشأةالـعـلـم احلـديـث بـوصـفـه قـمـة الــعــداء الــيــهــودي/ا>سيحي للطبيعة. وفـي دراسـتـنـا الـتـي تـلـتـهـا عـنالطاقة والبيئة (الفصل السادس عشر) نظرنا فيالدور الذي لعـبـتـه تـكـنـولـوجـيـا الـثـورة الـصـنـاعـيـةواقتصاديات الرأسمالية في تصـعـيـد هـذا الـعـداء

واالستغالل.فإلى أي مدى نتجت مشكالتنا ا>تعلقة بالطاقةوالبيئة عن كل من هذه العوامل: العلم والتكنولوجياوالرأسمالية? إن هذا الفصل سوف يبحث الشواهدا>ستمدة من اجملتمع األمريكي في ا>اضي القريب8

. والنتيجة١٩٧٠من احلرب العا>ية الثانية إلى عام التي سنصل إلـيـهـا-كـمـا تـوصـلـت إلـيـهـا مـجـمـوعـة

20

256

الغرب والعالم

متزايدة من الدراسات-هي أن مشكالت الطاقة والـبـيـئـة وا>ـوارد والـتـلـوثإ�ا هي مشكالت اقتصادية إلى حد كبير.

عينة اختبار: احلاضر األمريكي منذ احلرب العاملية الثانية�كننا أن نصل إلى فهم أفضل للعـالقـة ا>ـتـداخـلـة بـX بـعـض أسـبـابالكارثة احليابيئية (وال سيما العلم والتكنولوجيا والرأسمالية) بالتركيز علىفترة زمنية قصيرة. و>ا كان احلاضر هو أفضل األوقات بالنسبة لكل جيل8فلنتناول الفترة ا>متدة منذ احلرب العا>ية الثانية في أمريكا. ومن حـسـناحلظ أننا نستطيع االعتماد-فيما يختص بهذه الفترة-على دراسـة �ـتـازة

عنوانها الدائرة اآلخذةBarry Commonerبقلم عالم احليابيئة بارى كوموتر في االنغالق.

حسب كومونر مستويات التلوث في الواليات ا>تحدة األمريكيـة فـوجـد Xواستهل تعليله لهذا١٩٤٦% منذ عام ٢٠٠٠% و٢٠٠أنها قد ارتفعت إلى ما ب .

االرتفاع ا>ذهل باستبعاد التفسيرات ا>ألوفة8 أي الوفـرة وزيـادة الـسـكـان.فأوضح أن الوفرة (أي الثروة أو النمو االقتصادي) ليست هي الـسـبـب8 إذ

Xعما كنا علـيـه عـام٢٠٠٠% و ٢٠٠أننا لم نزدد غنى بنسبـة تـتـراوح مـا بـ %. فكل أمريكي يتناول بالتقريب كمية الطعام نفسها التي كان يتناولهـا١٩٤٦ (والواقع أنها تشتمل على نسبة أقل قليال من الروتX ونسبة أقل١٩٤٦عام

قليال من السعرات). ونحن نستعمل تقريبا كمية ا>البس نفسها: فقد كان٤٩ و ١٩٤٦ رطال للشخـص فـي عـام ٤٥متوسط استخدام خيـوط الـقـمـاش

%. واألمر نفسه بالنسـبـة لـلـمـأوى: إذ كـانـت زيـادة عـدد٬٩ ١٩٦٨رطال فـي الوحدات السكنية طفيفة بالقياس إلى تزايد السكان.

صحيح أننا نقتني من «األشياء» أكثر �ا كان يقتنيه األمريكي ا>توسط8 «فإذا كـانـت الـوفـرة تـقـاس xـقـيـاس الـكـمـالـيـات ا>ـنـزلـيـة١٩٤٦8فـي عـام

كالتليفزيون والراديو وفتاحات العلب الكـهـربـائـيـة وأجـهـزة صـنـع الـفـشـار8وبأدوات الترف كالزحافات ا>زودة xحركات والزوارق8 فعندئذ تـكـون قـدحدثت بالفعل زيادات كبيرة ملفتة للنظر. ومع ذلك ففي هذه احلالة بدورهاال تشكل هذه األصناف إال جانبا ضئيال من اإلنتاج الكلي للبالد8 وال تصلح

.)١(تعليال للزيادة ا>لحوظة في مستوى التلوث»

257

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

إن ما يقصده كومونر هو أننا حتى لو حسـبـنـا حـسـاب جـمـيـع األدواتواألجهزة التي دخلت ضمن اللوازم ا>نزلية منذ احلرب العا>ية الثانية8 فلن

Xوأشد مقاييس النمو االقتصادي٢٠٠٠ % و �٢٠٠ثل زيادة نسبتها ما ب .% األمريكي تفاؤال هو أجمالي الناجت القومي8 ومرجع تفاؤله اشـتـمـالـه عـلـىجميع السلع واخلدمات بغض النظر عن مـنـافـعـهـا8 ولـكـن هـذا ا>ـؤشـر لـم

% للفرد منذ احلرب العا>ية الثانية8 وهي نسبة منخفضة٥٠يرتفع إال بنسبة جدا عن نسبة االرتفاع في التلوث.

كذلك فإن الزيادة السكانية ال تكفي بدورها لتفـسـيـر مـشـكـلـة الـتـلـوث % منذ٤٣الراهنة. فقد زاد عدد سكان الواليات ا>تحدة األمريكية بحوالي

احلرب العا>ية الثانية. وبالرغم من أنها زيادة كبيرة (بدأت تنحسر أخيرا)% وليس ما بـ٤٣Xفإن ا>فروض أن تكون نسبة زيادة التلوث التي تسـبـبـهـا

%.٢٠٠٠% و٢٠٠ولو جمعنا الوفرة (أو النمو االقتصادي) وتزايد السكان لبلغ أعلى تقدير

% فمن١٢٥للزيادة ما يعادل االرتفاع في إجمالي الناجت القومي وهو حوالي الواضح إذن أن من واجبنا البحث عن عوامل أخرى لتحديد أسباب زيـادة

Xمنذ احلرب.٢٠٠٠% و٢٠٠مستويات التلوث إلى ما يتراوح ما ب %

اخللل التكنولوجيوالـنـتـيـجـة الـتـي خـرج بـهـا كـومـونـر هـي أن األسـبـاب تـرجـع إلـى أنــواعالتكنولوجيا التي ظهرت منذ األربعينات. ولعل القار� يذكر أننا في دراستناللتكنولوجيا8 ذهبنا إلى أن تكنولوجيا القرن العشرين كانت8 بالقوة8 أنظفبكثير من تكنولوجيا الفحم واحلديد التي أصطبغ بها التصنيع فـي الـقـرنالتاسع عشر. ولكن هذا اإلمكان أو الوجود بالقوة لم يتحـقـق أبـدا حتـقـقـاتاما. إذ كانت معظم التطورات التكنولوجية في السنوات الثالثX األخيـرةأكثر ضررا بالبيئة من التكنولوجيات السابقة. والفرق األساسي8 وال سيمامنذ األربعينات8 راجع إلى تطويرنا لتكنولوجيا خاصة با>نتجات وا>عاجلات

التخليقية لتحل محل التكنولوجيا الطبيعية العضوية السابقة.ولقد أدرك كومونر أهمية هذا التحول في أنواع التكنولوجيـا بـحـسـاب

.)٢(معدل زيادة بعض ا>نتجات اخملتارة بعد احلرب. ونلخص هنا بعضا منها

258

الغرب والعالم

١٩٤٦8% منذ عام ٥٣٬٠٠٠زاد إنتاج زجاجات الصودا التي ال ترجتع xعدل وهي تقف على رأس القائمة. وزادت اخليوط الصناعية (كالنايلون والرايون)

%. وزادت٣٩٣٠%. وارتفعت نسبة الزئبق الالزم إلنتاج الكلور إلى ٥٩٨٥بنسبة %8 وارتفعت منتـجـات٢٨٥٠وحدات الضغط الالزمة لتكييف الهواء بـنـسـبـة

١٠٥٠%8 وارتفع إنتاج مخصبات النيتروجX بنسبـة ١٩٦٠البالستيك بنسبـة % وارتفع إنتاج اخملصبات١٠٤٠%8 وزادت األدوات ا>نزلية الكهربائية بنسبة

%8 وغاز٦٨٠%. وارتفع إنتاج األ>ونيوم بنسبـة ٩٥٠الكيماوية اخملتلفة بنسبـة %٣٩٠8%8 وا>بيدات بنسبة ٥٣٠%8 والطاقة الكهربائية بنسبة ٦٠٠الكلور بنسبة

%8 واألجهزة اإللكتـرونـيـة االسـتـهـالكـيـة٢٢٢وحمولة عربات الـنـقـل بـنـسـبـة %. وزاد استهالك وقود السيارات بنسبة٢١٧(كالتليفزيون واالستريو) بنسبة

%.١٥٠%8 وارتفع إنتاج األسمنت بنسبة ١٩٠وهناك منتجات أخرى زادت با>عدل نـفـسـه الـذي زاد بـه الـسـكـان (أي

%)8 وهي تشمل8 فضال عن ا>أكوالت وا>لبوسات وا>سكن (وقد٤٣بحوالي سبق ذكرها)8 األدوات ا>نزلية والصلب والنحاس وا>عادن الرئيسة األخرى.أما ا>نتجات التي زادت بنسبة أقل من نسبة زيادة السكان أو أنخفضإنتاجها حقيقة فهي حمولة قطارات البضائع في السكك احلديـديـة زادت

%8 وانخفضت اخليوط القطنية١%8 وانخفضت األخشاب بنسبـة ١٧بنسبة %8 وانخفضت٧٦%8 والصابون بنسبة ٤٢%8 وانخفض الصوف بنسبة ٣٦بنسبة

%8 وهي تأتي في ذيل القائمة.٨٧قوة الدواب ا>ستخدمة في العمل بنسبة «إن ما تظهره هذه البيانات لبرهان ساطع على أنـه فـي حـX أن إنـتـاجمعظم احلاجات األساسية-كا>أكل وا>لبس وا>سكن-قد �ـشـي بـالـكـاد مـع

Xأي أن مساهمة الفرد٥٠% و ٤٠نسبة زيادة السكان8 التي تتراوح ما ب) %في اإلنتاج ظلت ثابتة) فإن أنواع السلع ا>نتجة لتلبية هذه احلاجـات دخـلعليها تغيير بالغ8 وحلت تكنولوجيات إنتاجية جديدة محل التكـنـولـوجـيـاتالقد�ة. فاستعيض عن الصابون بـا>ـنـظـفـات الـصـنـاعـيـة8 وعـن اخلـيـوطالطبيعية (القطن والصوف) باخليوط الصناعـيـة8 وعـز الـصـلـب واخلـشـبباأل>ونيوم والبالستيك واخلرسانة8 وعن قطارات البضاعة بسيارات النقل8وعن الزجاجات التي ترد بزجاجات ال ترد. أما بالنسبة إلى الطرق8 فنجدمحركات السيارات ذات القوة ا>نخفضة في العشرينـات والـثـالثـيـنـات قـد

259

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

حلت محلها عربات ذات قوة عالية. وفي ا>زرعة ظلت قدرة الفرد اإلنتاجيةثابتة في حX انخفضت غلة الفدان8 وحلت األسمدة محل التـربـة. وحـلـتمحل الوسائل العتيقة >قاومة اآلفات8 ا>بيدات الصناعية كالـ د.د.ت.8 وحلترشاشات ا>بيدات محل الفالح في القضاء على األعشاب الضارة. وبدل أنترعى قطعان احليوانات في أرض ا>زرعة أصبحت اآلن تغذي في مجموعات

داخل ا>عالف.وحX يتم تركيز هذا الكم الضخم من إحصاءات اإلنتاج على هذا النحو8فإنه يبدأ في اتخاذ صورة واضحة الداللة. إذ �كن القول بوجه عام أن �و

لم يؤثر على درجة تلبية حـاجـات١٩٤٦اقتصاد الواليات ا>تحدة منـذ عـام األفراد من السلع االقتصادية األساسية إال تأثيرا بسيطا إلى حد يدعو إلىالدهشة. فهذا الكائن الذي اصطنعته اإلحصاءات8 والذي نسميه «األمريكيا>توسط»8 يستهلك اآلن سنويا من السعرات احلرارية والبروتX واألطعمة

(وإن كان يسـتـهـلـك١٩٤٦األخرى قدرا مساويا >ـا كـان يـسـتـهـلـكـه فـي عـام فيتامينات أقل): ويستخدم كمية ا>البس وا>نظفات نفسها تقريبا8 ويشغلالقدر نفسه من ا>ساكن ا>شيدة اجلديدة8 و يحتاج إلى الشحنات نـفـسـهـا

جالونا للفرد!). إال أن طعامه أصبح يزرع٢٦وإلى القدر نفسه من البيرة (في مساحة أصغر من األرض وباستخدام كمية أكبر من السماد وا>بيدات8وأصبحت مالبسه من اخليوط الصناعية ال من الـقـطـن أو الـصـوف8 وهـويغسلها با>نظفات الصناعية ال الصابـون8 ويـعـيـش ويـعـمـل فـي مـبـان أشـداعتمادا على األ>ونيوم واخلرسانة والبالستيك منها على الصلب واخلشب;والسلع التي يستخدمها تشحن في الشاحنات ال فـي قـطـارات الـبـضـاعـة;وهو يشرب البيرة من زجاجات أو علب ال ترد بدال من شربها في زجاجاتترد8 أو على بار احلانة. وهو أميل إلى العيش والعمل في وسط فيه أجهزة

١٩٤٦8تكييف أكثر من ذي قبل8 يقود ضعف ا>سافة التي كان يقودهـا عـام في سيارة أثقل ذات إطارات من ا>طاط الصناعي ال الطبيعي8 مستخدمـاكمية أكبر من اجلازولX في ا>يل الواحد8 يحتوي على قدر أكبـر مـن رابـع

.)٣(إيثيل الرصاص8 يلتقمها محرك ذو قدرة ومعدل ضغط زائدين»ومضى كومونـر فـأشـار إلـى أن األمـريـكـيـ8X فـي كـل هـذه احلـاالت لـميعيشوا حياة أفضل بأي معنى8 وليس هذا فحسب8 بل إن األثر احليابيئـي

260

الغرب والعالم

للتكنولوجيا اجلديدة هو من قبيل الكارثة. فلنمض معه في بحثه لتأثيراتبعض هذه التحوالت على البيئة. أوال8 يجب أن نلقي نظرة على ما أصبحتعليه ا>زارع وا>راعي. إن الزراعة األمريكية احلديثة8 التي تدار على أساسجتاري8 أدت إلى فصل دورة التخصيب الطبيعي التـي تـقـوم بـهـا ا>ـراعـي.فأصبحت ا>اشية محبوسة في ا>عالف بـدال مـن أن تـتـجـول فـي ا>ـراعـي.وهي تعلف باحلبوب بدال من العشب حتى تسمن بسرعة. والنتيجة احليابيئيةلذلك أن الروث يتراكم في هذه ا>عالف الصغيرة بكميات كثيفة8 بدال من أنينتشر في ا>راعي بكميات متساوية. ويرى كـومـونـر أن (نـاجت ا>ـعـالـف مـنالفضالت العضوية يفوق اآلن نـاجت اجملـاري فـي جـمـيـع بـلـديـات الـواليـاتا>تحدة». وقد لوثت بعض ا>ياه السطحية تلوثا ال عالج له8 نتيـجـة لـتـركـز

الروث الذي يتراكم على األرض بجوار ا>عالف.و>ا كانت احليوانات محبوسة8 وتعلف باحلبوب بدال من الـعـشـب8 فـإنكميات كبيرة من مخصبات النيتروجX الصناعية تستخدم لزيـادة خـصـبا>راعي وحتسX محصول احلبوب ألقصى حد. إن ا>زارع األمريكية تستخدم

8 األمر١٩٤٩ % عن عام ٦٤٨كمية من اخملصبات النيتروجينية تزيد xقدار الذي يزيد من نسبة النترات في ماء الشرب8 وهي نسبـة مـرتـفـعـة لـلـغـايـةأصال إلنتاج القدر نفسه تقريبا من الطعام على مساحة أقل من األرض.وللمبيدات احلشرية تأثير �اثل. فكما أن اخملصبـات الـنـيـتـروجـيـنـيـةالصناعية تخفض إنتاج النيتروجX الطبيعي في التـربـة8 فـإن ا>ـبـيـدات التقضي فقط على احلشرات الضارة ا>طلوب القضاء عليها8 وإ�ا تقـضـيأيضا على احلشرات التي تتغذى على احلشـرات الـضـارة. وهـكـذا يـحـتـاجاألمر إلى مزيد من اخملصبات وا>بيدات سنويا للحصول على النتيجة نفسها.وبينما تظل الغلة ثابتة8 فإنها تزداد تسمما8 وتصبح إمدادات ا>ياه أخطر.وللمنظفات احلديثة التي تستخدم بدال من الصابون تأثير بيئي �اثـلتأثير النترات في اخملصبات. فا>نظفات-كاخملصبات الصناعية-تتطلب طاقةأكبر بكثير من بديلها الطبيعي8 فالفوسفات فـي ا>ـنـظـفـات كـالـنـتـرات فـياخملصبات الصناعية8 ترهق األكسجX في ا>اء بنمو الطحالب وتؤدي إلىاضمحالل بحيراتنا. أما الصابون فيصنع طبيعيا ويتحلل بسهولة8 وال يحدثتأثيرا في البيئة8 ويؤدي وظيفة ا>نظفات بنفـس الـكـفـاءة. «ومـا مـن سـبـب

261

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

يحول دون استخدام الصابون العتيق في معظم أعمال التنـظـيـف ا>ـنـزلـيـة كما جاء في كتاب مدرس حديث في الهندسة الكيمائية.)٤(والتجارية»

وللمنسوجات الصناعية8 التي حلت تقريبا محل ا>واد العضوية (كالقطنوالصوف)8 في السنوات الثالثX ا>اضية8 تأثير �اثل. فنمو األغنام والقطنينجم عن الطاقة الطبيعية لضوء الشمس وا>طر والطمي8 فال محل للتلوث8أما النايلون فيحتاج إلى ما بX ستة وتسعة تفاعـالت كـيـمـاويـة تـصـل إلـى

فهرنهيت (وهي درجة انصهار الرصاص)8 وإلى وقود درجة احتراقه٧٠٠درجة عالية8 فضال عن ا>ادة اخلام األصلية8 وهي البترول أو الغاز. وإلى جانبتبديد موارد ال تعوض8 فهناك دخان العادم والتلوث8 وناجت نهائي ال يتحللإال بالنار (ومزيد من الدخان). واألمر يصدق أيضا على البالستيـك8 فـهـومثل ا>واد الصناعية األخرى صنع ليبقى لألبد. وشواطئنا ونفاياتنا ومدننا

برهان على هذه احلقيقة.وبطبيعة احلال فإن الـسـيـارة هـي أكـبـر مـصـدر مـنـفـرد لـتـلـوث الـبـيـئـة

١٩٦٨ و ١٩٤٧احلضرية. وقد تزايد عدد السيارات في الطريق بـX عـامـي %. بينما١٧٤% وتزايد عدد األميال التي تقطعها السيارات بنسبة ١٦٦بنسبة

% (وكلها تقريبا من عادم السيارات)٤٠٠زادت كمية الرصاص في اجلو بنسبة وترجع زيادة الضباب والدخان والهواء ا>شبع بالرصاص إلى نوع السيارات8Xونوع الغاز الذي تزايد إنتاجه منذ األربعينات. فقد قامت دترويت-فيما ب

- بإنتاج سيارات أوسع وأثقل وذات قدرة أكبر تـتـطـلـب١٩٦٨ و ١٩٤٠عامي مزيدا من الرصاص في الوقود >واجهة معدالت إحراق أعلى. ولم تبدأ هذهالعملية في السير في الطريق العكسي إال بـقـوة الـتـشـريـع احلـكـومـي مـنـذ

سبعينات هذا القرن.ولقد كان لزيادة سيارات النقل ونقص قطارات البضائع النتائج نفسها.فحاجة الشاحنات إلى الوقود تقدر بستة أضعاف حاجة القطارات8 وتصلنسبة تلويثها للبيئة إلى ستة أضعاف8 وذلك في الشحنة نفسها. عالوة علىأن كمية األسمنت والصلب ا>طلوبة إلنشاء طريق بري مكون من أربع حارات

يحتاج إلى أربعة أضعاف كمية الطاقة ا>طلوبة إلنشاء سكة حديدية.وهناك نتائج أخرى متشعبة للتكنولوجيا اجلديدة8 فقد زاد إنتاج ا>واد

% وزادت بعض ا>واد8 كالزئبق والكلور الالزمة إلنتاج١٠٠٠الكيماوية بنسبة

262

الغرب والعالم

البالستيك وا>واد التخليقية8 بنسبة أكبر. وزادت القوة الكهربائية الالزمة%.٥٠٠لهذه العمليات الكيماوية وإلنتاج األ>ونيوم واألسمنت بنسبة تزيد على

فالتكنولوجيا اجلديدة بصفة عامة-كما يقول كومونر-مسئولة عن حوالي% من التلوث البيئي الذي أضيف خالل السنوات الثالثX ا>اضية8 باستثناء٩٥

% من التلوث٤٠نقل الركاب. الذي تعد هذه التكنولوجيا مسئولة عن حوالي الزائد فيه (وعلينا أن نتأمل هنا كم من أسفارنا اإلضافيـة يـعـد تـرفـا وكـممنها يحتمه اضمحالل ا>دن8 وزحف الضواحي8 وضغوط شركات الطرق)والسؤال الذي يستصرخنا طالبا اجلواب في حتليل كومونر لـلـسـنـواتالثالثX ا>اضية هو: >اذا? لقد سقنا هذه احلالة كعينة الخـتـبـار األهـمـيـةالنسبية للعلم والتكنولوجيا والرأسمالية في إحداث أزمتنا احليابيئية الراهنةومن اجللي أن كومونر يجيب بأن التكنولوجيا هي ا>شكلة الرئيسة. بل إنالفصل الذي استقينا منه معظم معلوماتنا فـي كـتـابـه الـدائـرة اآلخـذة فـياالنغالق يحمل عنوان «اخللل التكنولوجي». ولكن كرمونر كان حريصا علىإثبات أن مشكلتنا هي مشكلة التكنولوجيا احلديثة8 وليست مشكلة السكانأو مستوى ا>عيشة. ومن هنا كان من حقنا أن نـتـسـاءل-كـمـا فـعـل-هـو >ـاذا

أفلتت التكنولوجيا من سيطرتنا?إن كومونر يبذل جهدا كبيرا إلثبات أن مشكلتنا ليست في التكنولوجيافي حد ذاتها ذلك ألن التكنولوجيا احلديثة قد قامت xا طلب منها �اما8ولم تخفق بل كان جناحها باهرا في زيادة غلة الفدان8 وتخليق مواد صناعيةتدوم لألبد8 وصناعة ا>زيد من السيارات القوية8 وهو قليل من كثير. وقدرأينا أن التكنولوجيا اجلديدة خلفت في أعقابها قدرا هائال من ا>شـاكـل8ولكننا ال نستطيع أن نلقي اللوم في ذلك على التكنولوجيX الذين أدوا-بكل

بساطة-ا>هام التي طلب إليهم القيام بها.

تكنولوجيا العلم احلديثلقد آن لنا أن نتجاوز وصف كومونر للمشكلة ونـحـاول بـحـث األسـبـابالتي جعلت التكنولوجيا احلديثة قصيرة النظر. ومخربة لـلـبـيـئـة إلـى هـذا

احلد. ومن حسن احلظ أن كومرنر يساعدنا على هذا أيضا.ومن اإلجابات التي قدمها أن هذه هي تكنولوجيا العلم احلديث. ولقد

263

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

الحظنا من قبل اجتاه العلم احلديث إلى تقطيع أوصال الطبيعة إلى شرائح�كن تناولها بيسر. فالعالم يفصل موضوع مالحظته عن السياق العضويالكلي الذي يحيا فيه هذا ا>وضوع8 إذ ال بد لقياس الفراشة من فصلها عنبيئتها8 ولقياس طول جناحها. ال مناص من فصل اجلناح عن اجلسم-نظرياعلى األقل. وال بد لفهم أجزاء أية عملية طبيعية من التغـاضـي عـن الـكـل.وا>عرفة العلمية تتضاعف بقدر ما نستطيع حتلـيـل األشـيـاء إلـى أجـزائـهـاا>ركبة8 وقدرة التكنولوجيا على صنع اآلالت رهن باستيعابها لكـيـفـيـة أداء«اآلالت احلية» لوظائفها. ومن هنا فرxا لم يكن مـن ا>ـسـتـغـرب أن يـقـومالتكنيك العلمي الذي يعامل الكائنات احلية وكأنها ميتة بخلق تكنـولـوجـيـا

تفتك بهذه الكائنات.واقتصادا في التصوير الدرامي نقول إنه أصبح من الواضـح8 إلـى حـدغير قليل أن معظم التكنولوجيا احلديثة قد أصابها اخللل عن طريق «نظرة

مخبرية» أهملت اإلطار الكلي. وقد عبر كومونر عن ذلك بقوله:«اتضحت اآلن أسباب اإلخفاق ا>بX للتكنولوجيا8 فالنظام احليـابـيـئـيبخالف السيارة8 ال ينقسم إلى أجزاء �كن التعامل مع كل منها. على حدة8ألن خواص هذا النظام تكمن في الكل8 أي في ترابط أجزائه. وأية معاجلةتصر على التعامل مع األجزاء ا>فصولة وحدها مقضي عليها باإلخفاق...وهو ما يفسر قدرة التكنولوجيا8 على ابتكار سماد نافع أو سيـارة قـويـة أوقنبلة نووية فعالة. ولكن >ا كانت التكنولوجيا كما هي مفهـومـة فـي أيـامـنـاهذه عاجزة عن التعامل مع النسق ا>تكامل الذي يقتحمه السماد أو السيارةأو القنبلة النووية8 فإن ا>فاجآت احليابيئية ا>هلكة-كتلوث ا>ياه8 والضبـاب

والدخان8 والغبار اإلشعاعي في كل الكرة األرضية-تغدو أمرا محتوما.وقد يفيد في هذا ا>قام أن نبX أن التكنولوجيا ا>سـتـرشـدة بـا>ـعـرفـةالعلمية ا>الئمة8 بوسعها أن تكون ناجحة داخل النظام احليابيئي8 إذا كانت

أهدافها تتوجه نحو النظام ككل ال نحو جزء معX متاح منه فحسب.إن في نسقنا العلمي8 وفي الفهم ا>ترتب عليه للعالم الـطـبـيـعـي8 عـيـبـاأعتقد أنه يساعد على تفسير اإلخفاق احليابيئي للتكنولوجيا. هذا العيبهو مبدأ رد الكل إلى اجلزء أي االعتقاد بأن الفهم الناجح للنسـق ا>ـركـبيتحقق بالبحث في خصائص أجزائه ا>نعزلة فمنهج الرد هذا الذي تتميز

264

الغرب والعالم

به معظم أبحاثنا احلديثة8 ليس الوسيلة الفعالة لتحليل األنساق الطبيعيـةالواسعة (الرحبة) ا>هددة بالتدهور. فملوثات ا>ياه-على سيـل ا>ـثـال-تـهـددنسيجا حيابيئيا متكامال بكائناته العضوية الكثيرة8 وال تستطيع الدراسات

أن)٥(التي جترى في ا>عامل على كائنات عضوية مفردة فـي مـزارع نـقـيـة»تقدم وصفا كافيا لتأثيراتها على النسق الطبيعي برمته.

إن نزوع العلم احلديث إلى تفكيك أوصال الطبيـعـة يـوازي نـزوعـه إلـىجتزئة ميادين التخصص8 وفصل العلم عن ا>شكالت اإلنسانية ا>نتمية إلىاحلياة الواقعية8 األمر الذي نتج عنه جهل اجلمهور بالـبـدائـل الـصـحـيـحـة

ا>تاحة للمجتمع8 وجهل العلماء من صناع القرار بحاجات اجملتمع.هذا جواب واحد-وهو جواب مفحم-يفسر اجتاه التكنولوجيا األمريكيةاحلديثة. ولكن هل لدى العلماء حقا أكثر �ا لدى التكنولوجيX من سلطةاتخاذ القرار? أليس أصحاب األعمال الرأسمالية هم الذين يتخذون القرارفيما يجب أن يدرسه العلماء وما يجب أن يعمله التكنولوجيون? رxا يجبأن نعود بأنظارنا مرة أخرى8 إلى النظام االقتصادي الذي يعمل فيه العلماء

والتكنولوجيون األمريكيون.والواقع أن كومونر قد اختتم مناقشته ببحث العالقة بX التلوث الـذيأصابنا حديثا وبX نظامنا في الربح اخلاص فتساءل: «مـا الـرابـطـة الـتـيجتمع بX تلوث البيئة وبX الربح في نظام اقتصـادي قـائـم عـلـى ا>ـشـروعاخلاص كالواليات ا>تحدة األمريكية?» وقد اهتدى إلى ارتباط واضح بينهما.

تكنولوجيا رأسمالية الشركاتيبدو أن ا>نظفات الصناعية قد حلت محل الـصـابـون ألنـهـا تـدر ربـحـا

8 وقبل قيام الصناعة بإنتاج ا>نظفات8 بـلـغـت نـسـبـة١٩٤٧أوفر: «ففي عـام %8٣٠ عندما أنتجت الصناعة ١٩٦٧% من قيمة ا>بيعات. وفي عام ٣١الربح

%. ويستخلص من الـبـيـانـات٤٧% منظفات8 بلغ ربح ا>ـبـيـعـات ٧٠صابونـا و Xأن الربح الناجت عن مبـيـعـات١٩٦٧ و ١٩٤٧اخلاصة بالسنوات الواقـعـة بـ

%8 أو ضعف مبيعات الـصـابـون... . وهـو مـا٥٤ا>نظفات وحدها بـلـغ نـحـو يساعد على تفسير أسباب طرد ا>نظفات للصابون من السوق8 برغم دواممنفعته في معظم أغراض التنظيف. فقد كان كسبا للمستثمر8 وإن لم يكن

265

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

.)٦(كسبا للمجتمع» إلـى١٩٤٦ويصدق هذا على الصناعة الكيماوية التخليقيـة. فـمـن سـنـة

«في الوقت الذي بلغ فيه متوسط العائد الصافي لقيمـة جـمـيـع١٩٦٦سنة %١٤٬٧%8 بلغ متوسط عائد الصناعة الكيماوية ١٣٬١الصناعات اإلنتاجية

وهو ما يعزوه كومونر إلى انفراد الشركات الكيماوية باحلصول على احتكاراتمؤقتة في الصناعة (وفرض أسعار احتكارية) نتـيـجـة لـسـرعـة اسـتـحـداثنسيج أو منظف أو مبيد بعد آخر. وقد أدى «كابوس علماء احليابيئة» هذاإلى استحالة إدراك تأثير ا>نتج اجلديد على البيئة8 إذ أن غيره سرعان مايكون قد حل محله. ويرى كومونر: «أن نظام الربح ا>تزايد في هذه الصناعةهو علة تأثيرها الوخيم على البيئة» و�ا يضاعف من خطورة هذه ا>نتجاتعلى البيئة8 احلاجة الدائمة إلى استخدام مواد كيماوية8 كا>بيدات8 بجرعاتمتزايدة8 كما بينا من قبل. ومن هنا فإن األمر ال يقتصر على ارتفاع النسبة

ا>ئوية ألرباح ا>واد التخليقية8 بل إن مبيعاتها تزداد كذلك.وقد اتضحت هذه الظاهرة في صناعة سماد النترات بالذات: «فسمادالنتروجX-في نظر البائع-هو ا>نتج «األمثل» فهـو يـكـتـسـح ا>ـنـافـسـة كـلـمـااستخدم8 ذلك ألن سماد النتروجX وا>بيدات التخليقية شأنه شأن اخملدرات8

.)٧(يخلق استخدامها مزيدا من احلاجة إليها. ويصبح ا>شتري مدمنا للناجت»ويبدو أن �و صناعة السيارات التي تزداد ضخامة بعد احلـرب راجـعأيضا إلى األرباح. وقد عبر هـنـري فـورد الـثـانـي عـن ذلـك بـقـولـه ا>ـوجـز:«السيارات الصغيرة تدر أرباحا صغيرة». وهي عبارة صحيحة كل الصحة8فلو أن أصحاب صناعة السيارات كانوا يتوقعون نسبة الربح نفسها8 وهـي

% على جميع السيارات أيا كان حجمها8 حلـصـلـوا عـلـى أربـاح أوفـر مـن١٠السيارات األكبر8 واألغلى ثمنا. ومع هذا فإن ا>نافسة األ>انية واليـابـانـيـة

% على السيارات الصغيرة8 فـي١٠أرغمت ديترويت على االكتفاء بأقل مـن % من١٠حX كان في استطاعة أرباب الصنـاعـة احلـصـول عـلـى أكـثـر مـن

أغلى ا>وديالت ثمنا.كذلك فإن مقارنة أرباح التكنولوجيات اجلـديـدة األخـرى لـهـا داللـتـهـا.

- على سبيـل ا>ـثـال-حـقـقـت شـركـات الـصـلـب ربـحـا وصـل١٩٦٩ففـي عـام % وفي الوقـت١٥٬٤% من ا>بيعات8 وبلغت أرباح صـنـاعـة اخلـشـب ١٢٬٥إلى

266

الغرب والعالم

% (لألسمنت).٣٧٬٤% (لأل>ونيوم) و ٢٥٬٧نفسه بلغت أرباح تكنولوجيات البناء %8 في ح٨٬٨٤Xكما حصل حملة أسهم شركات سيارات النقل على ربح بلغ

%.٢٬٦١بلغت أرباح صناعة السكك احلديدية

األرباح الفردية والتكاليف االجتماعيةالشعار القائل «إن الربح شئ جيد يسود تفكيرنا إلى احلد الذي يجعلنانحاول باستمرار تبرير بعض من هذه التطورات. ونخال-دون وعي أحيانا-أننا نعيش في عالم آدم سميث. فندافع عن وجهة نظرنا قائلX إن ارتفـاعأرباح هذه الشركات اجلديدة معناه أنها تؤدي خيرا مـا ونـنـسـى أن اخلـيـر

الذي تؤديه هو جمع كثير من ا>ال8 وأن إجنازها هذا قد يكلفنا الكثير. في كتاب نشره مـنـذK.W.Kappوقد أشار عالم االقتـصـاد ك. و. كـاب

8 بعنوان التكاليف االجتماعية للمشروع اخلاص إلى١٩٥٠وقت طويل8 سنة أن مديري األعمال بتفكيرهم الـتـقـلـيـدي يـخـفـقـون فـي تـقـديـر الـتـكـالـيـفاالجتماعية إلنتاجيتهم. فالشركـة-كـالـفـرد فـي األرض ا>ـشـاع-ال تـضـع فـي

حسبانها8 عند احتساب أرباحها8 إال تكاليفها الذاتية من ا>واد والعمل.ولو أرغمت هذه الشركات كما يكشف كاب8 على إضافة تكاليف التدهورالبيئي إلى ميزانياتها الضطر الكثير منها إلى التوقف عن اإلنتاج. وما دمنانعد الربح من األمور اخلاصة8 ونسلم بالربح معيارا للنجاح8 فإننا نتعـرض

لتحمل التكاليف االجتماعية التي ترغم اجملتمع على العمل بخسارة.وللنظام احلالي مبرر آخر تسمعه كثيرا (ونسوقه أحيانا) وهو أن ا>شروعاخلاص ال بد من أن يجني أرباحا ألنه يوفر للناس ما يطلبـونـه8 وهـو قـوليشبه قول آدم سميث أيضا. فهو يفترض أن الشركات الكـبـرى تـسـتـجـيـبلطلب اجلماهير وهي حجة تبدو أحيانا مقنعة. فـاحلـقـيـقـة أن كـثـيـرا مـنالناس يرغبـون فـي اقـتـنـاء الـسـيـارات الـكـبـيـرة حـقـا8 ويـرون أن ا>ـنـتـجـات(التخليقية) اجلديدة أسهل أو أفضل في نواح معينة. ومن أسباب ذلك أنالصناعة لم تقدم لنا صابون الغسيل في علبة8 أو مواد جيدة من اخلشـبوالصلب. وحسب ولكن من أسبابه أيضا أن الصناعة علمتـنـا بـكـل مـا فـيإعالناتها ووسائل إعالمها من قوة8 أن نصدق أننا نريد حقا تلـك األشـيـاء

التي تعود عليها بأوفر األرباح.

267

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

وإنه >ن الصعب تقدير أثر الدعاية واإلعالن. فإلى أي حد يرجع غرامنابالسيارات إلى ما أدخلته في روعنا-بعناية-إعالنات تستهوينا بالقوة وا>كانةواجلاذبية اجلنسية التي ال توفرها إال سيارة كاديالك أو فـيـراري? إن مـنا>فيد أن نذكر-على األقل-أننا اتفقنا في السنوات الـعـشـريـن ا>ـاضـيـة مـنمواردنا على ا>طبوعات اإلعالنية أكثر �ا أنفقنا على ا>طبوعات اإلخبارية8وأننا أنفقنا من مواردنا على كل دقيقة من اإلعالنات التجارية التليفزيونيةحوالي عشرة أضعاف ما أنفقنا على كل دقيـقـة مـن الـبـرامـج الـعـاديـة أمـاتقدير التأثير الذي حتدثه هذه اإلعالنات والبرامج التجارية فيكـاد يـكـونمستحيال. لكن دراسة للدعاية على ا>نظفات الصنـاعـيـة تـكـشـف لـنـا عـن

حقائق مفيدة غاية الفائدة. فلننقل عن كومونر مرة أخرى:Xكشفت إحدى الدراسـات فـي إجنـلـتـرا عـن وجـود تـنـاسـب طـردي بـ»مبيعات أي صنف من أصناف ا>نظفات الصناعية وتكاليف الدعايـة الـتـيصرفت عليها. وليست ا>سألة في هذه احلالة مسألـة تـعـريـف لـلـمـشـتـريxزايا ا>نتج8 أمال في احلصول على ا>زيد من ا>شتريات. فقد كان إيقاف

أنفقت شركة يونيلفر١٩٤٩الدعاية يؤدي إلى انخفاض ا>بيعات. ففي سنة % من إجمالي التكاليف على الدعاية للمنظفـات فـي إجنـلـتـرا وحـصـلـت٦٠

خفضت اعتمادات١٩٥١% من إجمالي ا>بيعات8 وفي عام ٦٠على أرباح بنسبة %8 وكان في ذلك عبرة. ففـي١٠% فانخفضت ا>بيعات إلـى ٢٠الدعاية إلـى

ارتفعت نفقات الدعاية-وكذلك ا>بيعـات-إلـى ثـالثـة أمـثـال احلـد١٩٥٥عام .)٨(»١٩٥١األدنى الذي بلغته سنة

فمن الواضح أننا كثيرا ما نشتري ما يعلن عنه بنسبة تكاد تكون مطردةمع نسبة اإلعالن8 أما فحوى اإلعالن فيكاد يكون خارجا عن ا>وضوع ولكن�ا يزيد الطن بلة إصرارنا عـلـى أنـنـا نـشـتـري أحـسـن ا>ـنـتـجـات8 فـنـحـنمخدوعون8 ولكننا نؤكد ألنفسنا أننا أحرار في االختيار بإنكار وقوع اخلداع

والتالعب.

أال يلوث االشتراكيون البيئة؟وأخيرا8 هناك دفاع عن ا>شروع اخلاص يسيـر عـلـى هـذا الـنـحـو: «إنالربح اخلاص ليس مسئوال xفرده عن تلويث بيئتنا. فلتنظروا إلى ما يفعله

268

الغرب والعالم

«ا>ديرون الشعبيون» في روسيا. إن األنهار والبحيرات السوفيتية قد لوثهاXمديرون اشتراكيون «حريصون على اإلنتاجية» حرص ا>ستثمرين الرأسمالي

على األرباح».إن االشتراكيX الغربيX رxا كانوا قد تسرعوا في التماس العذر للتلوثفي البلدان التي تدعو نـفـسـهـا بـاالشـتـراكـيـة أو الـشـيـوعـيـة. فـتـارة يـدافـعاالشتراكيون الغربيون عن التلوث البيئي السوفيتي بـأنـه نـتـيـجـة مـحـتـومـةللتصنيع السريع8 وتارة ينكرون وجود التلوث الشديد في االحتاد السوفيتي.وأحيانا يسلمون بوجود بوصفه إحدى القسمات «الرأسمالية» في االحتـادالسوفيتي8 على خالف اشتراكية الصX األنقى واألسلم من الوجهة احليابئية.Xأما نحن فلن نسوق أيا من هذا احلجج فحتى الدفاع عن حرص الصينيعلى البيئة هو أمر ال معنى له بالنسبة إلى من يذكره إبحاره في نهر واجنبوافي طريقه إلى مدينة شنغهاي xعامل تكرير البترول على طريق نيوجرسيالسريع أو إلى من يضطر إلى خلع العدسات الالصقة بسبب السياج في كلمن بكX ولوس أجنلوس. فالوقود ا>نخفض الدرجة الذي حترقه محركاتالسيارات الصينية الصغيرة8 التي تشبه آالت جز النجيل والعوادم الـقـذرةالصادرة عن األتوبيسات الصينيـة والـدخـان األسـود ا>ـتـدفـق مـن ا>ـداخـنالصينية8 إ�ا تذكرنا بالتخلف التكنولوجي في الص8X ال ببشائر اشتراكيةأكثر نقاء. واألرجح أن مدينة كانتون أو شنغهاي أو بكX ليست أنقى هواء8إلى حد ما8 من طوكيـو إال ألن مـعـظـم الـصـيـنـيـX ال يـزالـون يـسـتـخـدمـون

الدراجات أو األتوبيسات في االنتقال بدال من السيارات اخلاصة.أن من يزور الصX ليس في حاجة إلى ذلك التذكير الدائم الذي يقومبه ا>رشدون السياحيون الصينيون لكي يدرك أن الصX بلد فقير. وعـلـىالرغم من أن أهلها جميعا يجـدون الـطـعـام وا>ـأوى والـعـمـل ألول مـرة فـيالتاريخ الصيني فإن القسمة ا>ميزة لهذا البلد هي أنه فقير وليس اشتراكياأو شيوعيا. واإلجناز الرائع الذي حققه ما يحب الصينيون أن يطلقوا عليهاسم «الثورة الشيوعية» هو القضاء على اجلوع والتسول والعبودية واالستغاللاألجنبي خالل جيل واحد. فقد قضت الصX على الفـقـر ا>ـدقـع والـيـأساللذين كانا شائعX قبل الثورة وال يزاالن قائمX في الهند إلى اليـوم. ومـاعلى ا>رء إال أن يغامر بالسير في شوارع مدن هندية مثل كلكتا أو بومباي-

269

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

.Xمدى التغيير الهائل الذي طرأ على الص Xليتبغير أن صX القرن العشرين ليست في وضع �كنها من تنفيذ التحولاالشتراكي الذي تخيله ماركس للعالم الرأسمـالـي ا>ـتـقـدم. ويـنـطـبـق ذلـك

. وإذا كان لينX وماو قد تخيال إمكان القفز من١٩١٧أيضا على روسيا عام اجملتمع اإلقطاعي إلى اجملتمع االشتراكي احلديث8 فـإن هـذا ال يـعـنـي أنXالروس والصيني Xذلك كان في مقدورهما وحتى لو تقبلنا محاولة الثورياستخدام النظرية ا>اركسية التي وضعت للمجتمعات الصناعيـة ا>ـتـقـدمـةمن أجل حتقيق أهدافهم الثورية8 وحتى لو وافقنا على وصف هذه الثوراتبأنها اشتراكية أو شيوعية (وهو تفريط ما كان ماركس ليسـمـح بـه) فـإنـنـانعني شيئا مختلفا �اما عن االشتراكية ا>مكنة اليوم في أوربا الغربية8 أوالواليات ا>تحدة األمريكية. على أن قضيتنا ليست هي الـتـسـاؤل عـمـا إذاكانت روسيا أو الصX أحسن حاال من الواليات ا>تحـدة بـل هـي الـتـسـاؤلعما إذا كانت أمريكا االشتراكية ستكون أحسن حاال من أمريكا الرأسمالية.

الرأسمالية والنمويصر بعض ا>راقبX على أن هناك عيبا واحدا أساسيا في اتباع سياسةبيئية سليمة في اجملتمعات الرأسمالية. فهم يذهبون (وهذا8 با>ناسبة8 هوأيضا رأي آدم سميث) إلى أن البالد الرأسمالية ال �كنها االزدهار إال إذااستمرت في النمو والتوسع. وهذا رأي نسمعـه مـن أصـدقـاء الـرأسـمـالـيـةوأعدائها. وها هو ذا موقف كارل ماركس حول هذا ا>ـوضـوع كـمـا شـرحـه

:Robert Heilbronerعالم االقتصاد الليبرالي احلديث روبرت هيلبرونر) «إن جوهر الرأسمالية-حسب رأي ماركس-هو الـتـوسـع وهـذا يـعـنـي أنالرأسمالي8 بوصفه «�طا» تاريخيا8 يجد سبب وجوده في السعي الذي اليعرف الشبع8 إلى مزيد من الثروة وا>ال اللذين يحصل عليهمـا مـن خـاللالنمو ا>طرد للنظام االقتصادي. أما فكرة الرأسمالية «الساكنة» فهـي فـي

.)٩(رأي ماركس فكرة متناقضة مع نفسها»وحتى ال يسارع القار� برفض هذا الرأي علـى أنـه مـجـرد شـطـط مـن.«Xاحملترم» Xاحملدث Xماركس8 يجدر بنا أن نقتبس من كتابات بعض ا>علق

من جامعة كورنل: «أن مشكلتـنـا األسـاسـيـةLamont Coleيرى المونت كـول

270

الغرب والعالم

هي ما أحب أن أسميه مرض««الغرفة التجارية» وهو أن النمو شيء طيب». بجامعة ستانفورد القضية على النحو التالي:Paul Ehrlichويطرح بول إرليتش

«إن اقتصادنا كله موجه بحيث يالئم سكانا يتزايدون وتـبـديـدا هـائـال.اشتر األرض واحتفظ بها8 ومن ا>ؤكد أن ترتفع األسـعـار: >ـاذا? االنـفـجـارالسكاني على كوكب متناه. اشتر سندات في شركات ا>وارد الطبيعية8 ومنا>ؤكد أن أسعارها سترتفع. >ـاذا? االنـفـجـار الـسـكـانـي وا>ـوارد احملـدودة.اشتر سندات السيارات أو الطائرات8 إن أسعارها سوف ترتفع بالـتـأكـيـد.>اذا? ألن مزيدا من أناس سوف يتحركون... وهكذا تسيـر األمـور. يـرتـفـععدد السكان8 فيرتفع الرقم السحري8 أي إجمالي اإلنتاج الـقـومـي... إنـنـانقوم بدور البارونات اللصوص الذين يسرقـون كـل زمـان. لـقـد قـررنـا أنـنـاالشعب اخملتار لسرقة كل ما نستطيع أن نأخذه من موارد كوكبنا احملدودة

.)١٠(التي � تخزينها بالتدريج»ولإلنصاف8 ينبغي أن نشير إلى أن هذه الـنـظـرة إلـى الـتـوسـع بـوصـفـهمصدر السعادة قد استعارها كثير من ا>فكرين االشتراكي8X ولكن هؤالء لميكونوا مضطرين إلى ذلك على اإلطالق8 في حX كان هذا أساسيا بالنسبة

ضد نوع مـن الـفـلـسـفـة١٧٧٦ألتباع آدم سميـث. لـقـد ثـار آدم سـمـيـث عـام االقتصادية-النزعة التجارية أو ا>ركنتيلية-كان يفترض أن ثروة األرض ثابتةومتناهية. وترى هذه الفلسفة ا>ركنتيلية8 أن الثروة ال �كن احلصول عليهاإال إذا �ـكـن اإلنـسـان مـن أن «يـحـول جـاره إلـى شـحـاذ». وxــا أن ا>ــواردمحدودة فال �كن لبلد أن يحقق أية مكـاسـب إال عـلـى حـسـاب بـلـد آخـر.ويتلخص إجناز آدم سميث في أنه علم الناس أن الثروة الصناعية �كن أنتأتي من قوة اآللة (وديناميات) االقتصاد8 وأن الثروة احلقـيـقـيـة �ـكـن أنتكون أكبر من ا>وارد بكثير. ويجب أن يبجل آدم سميث ألنـه قـوض إ�ـانمعاصريه بالرأي القائل إن العالم ثابت8 كما فعل بكثير. داروين بعـد مـائـةعام)8 فبX أن االقتصاد التنافسي �كن أن يخلق ثروة8 وأن الصناعة تضيفثروة جديدة. وبX أن التكنولوجيا اجلديـدة واالقـتـصـاد اجلـديـد �ـكـن أنيجاوزا احلكم ا>ركانتيلي القد� الذي لم يكن يتـعـدى حـدود إعـادة تـوزيـع

الثروة ا>وجودة.وبهذا استطاع آدم سميث أن يقول إن ا>نفعة اخلـاصـة تـعـادل ا>ـنـفـعـة

271

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

االجتماعية. ففي استطاعة رأس ا>ـال اخلـاص أن يـخـلـق مـصـادر جـديـدةللثروة8 وقد بدا لفترة ما أن الثروة اجلديدة التي خلـقـتـهـا اآلالت8 سـتـلـبـياحتياجات اجملتمع بأسره. ولكنها لم تفعل8 كما اتضح فيما بعد. لكن األمراألكثر أهمية هو أننا وصلنا اآلن إلى النقطة التي يـجـب عـنـدهـا أن نـعـيـدالنظر في ا>وارد ا>تاحة. صحيح أن اآلالت والرأسمالية قد فعـال الـكـثـيـرلتزويدنا xخرج مؤقت من مأزق ا>ركانتيلية8 لكن هذا اخملرج استنفد الكثيرمن مواردنا وهكذا أصبح علينا اآلن أن نواجه مرة أخرى مشكلة التوزيع. إنعلم احليابيئة هو أساسا مشكلة عالم محدود ا>وارد. ومعجزة آدم سميثغيرت اجملتمع تغييرا جذريا وعادت علينا جميعا بالفـائـدة. فـقـد كـان مـنا>فيد8 في عصر الغابات البكر وا>وارد ا>عدنية التي لم تستغل8 أن نعـرفأن من ا>مكن خلق ثروة جديدة. واآلن بعد أن حققنا تلك ا>عجزة8 فإننا ال�لك االستمرار في جتاهل حدود عا>نا الطبيعية. إن الرأسمالية التنافسيةوالثورة الصناعية التي غذتها أعطتنا القدرة على رد الدين لـلـطـبـيـعـة. بـلإنها جعلت هذا التعويض إجباريا أيضا. فا>شكلة واحلل ينبعان من ا>صدرنفسه8 كما هو احلال في كثير من األمور األخرى. إن بوسعنا أن نفكر ثانيةفي األرض ا>شتركة ا>شاع. لكننا تعلمنا-لفترة طـويـلـة-أن نـفـكـر فـيـمـا هـوخاص8 بحيث يبدو وكأن أوان التفكير فيما هو مشاع قد فات. فقد ال يقل

تغيير اقتصادنا صعوبة عن تغيير ديننا.

الرأسمالية واالشتراكية واحلكومة: قضية الطاقة النوويةيربط كثير من األمريكيX الرأسمالية بالتحرر من تدخل احلكومة8 كمايربطون االشتراكية بالسيطرة احلكومية. ولذا فهم يرون أن الواليات ا>تحدةاألمريكية تزداد اشتراكية كلما زادت احلكومة من سيطرتها علـى مـيـاديـنجديدة في العمل واحلياة الـعـامـة. ولـكـن ا>ـسـألـة أكـثـر تـعـقـيـدا مـن هـذا.فاحلكومة الواسعة النفوذ هي-في الواقع-نتاج اجملتمع الرأسمالي ا>تقدم.وحق فرض الضوابط احلكومية هو من صنع الشركات الـرأسـمـالـيـة الـتـيترى في هذا طريقة لتهدئة االستياء الشعبي واستئصال التنافس. فالضوابطXاحلكومية �كن أن تستخدم لصالح الشركات الكبرى ضد مصالح ا>نافسالصغار8 كما �كن استخدامها لزيادة مكانة األعمال االقتصادية احلرة أو

272

الغرب والعالم

أرباحها بصفة عامة. وليس هنالك تالزم آلي بX زيادة السيطرة احلكوميةوتزايد االجتاه نحو االشتراكية. بل إن التوسع في السيطرة احلكومية �كنأن يزيد قوة األعمال احلرة التجارية وxنع احللول االشتراكية. السـيـطـرةاحلكومية �كن أن تكون «اشتراكية» إذا فرضت باسم الشعب بأسره8 ولكنها

ال تكون كذلك إذا فرضت باسم أولئك الذين لديهم رأس مال فقط.و�كننا أن نتبX تعقد هذه ا>سألة في تطور النقاش الدائر في الوقتاحلالي حول الطاقة النووية. و�كن القول إن الطاقة النووية8 أكثر من أيمصدر آخر8 هي مسألة تهم اجملتـمـع بـوجـه عـام8 ولـيـسـت مـجـرد مـسـألـةاستغالل رأسمالي. فالنتائج ا>ترتبة على كارثة نووية �كن أن تكون هائلةمن وجهة النظر اإلنسانية8 وإذا وقعت الكارثة فـإن الـوعـود الـتـي قـدمـتـهـاالشركات باستحالة ذلك ال �كن الوفاء بها. ولذا فمن ا>نطقـي أن يـتـوقـعاإلنسان أن تهتم احلكومة بهذه ا>سألة وبحيث تخضعها للضوابط والرقابة.وهي في الواقع خاضعة وليست خاضعة في ذات الوقت. فقد منحت جلنةالطاقة الذرية وجلنة تنظيم الطاقة النووية التي أعقبتها8 سلطة هائلة علىنشاطات الشركات اخلاصة وا>رافق العامة التي طورت الـطـاقـة الـنـوويـة.غير أن أعضاء هاتX اللجنتX هم دعاة من دعاة تنميـة الـطـاقـة الـنـوويـة8تربطهم عالقات عمل وثيقة مع مديري الشركات ا>عنية8 ودخلوا معهم فيصداقات8 ثم اشتغلوا عندهم فيما بعد. ولذا فمصالح اجلمهور كـثـيـرا مـاكانت �ثلة �ثيال ضئيال في احلكومة8 كما هو الشأن في الصناعة. وعندمايحدث تسرب لإلشعاع في محطات القوى النووية8 يحرص أعضاء اللجاناحلكومية بحماسة ال تقل عن حماسة �ثلي الصناعة على تهدئة اجلمهورمؤكدين لهم السالمة الكاملة للمشروع. ففي نظر كثير من �ثلي احلكومةوالصناعة على السواء8 تكون أمثال هذه «احلوادث» (وكالهـمـا يـقـبـل هـذهالكلمة احملايدة) مناسبة لإلنكار والدفاع بدال من أن تكـون فـرصـة إلعـادة

تقييم منهجية.بل �كن لإلنسان أن يدافع عن الرأي القائل بأن قيام اقتصاد رأسماليأصيل xعاجلة مشكلة الطاقة النووية قد يكون أفضـل (وأسـلـم) مـن قـيـامهذه الشركات الكبيرة بذلك. باالشتراك مع مؤيديها من موظفي احلكومة.ولعل إذا تركت عملية تطوير الطاقة النووية للقطاع اخلاص من االقتصـاد

273

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

دون تدخل حكومي8 فإن شركات الطاقة اخلاصة ستغتنم فرصتها8 وحتصلفواتيرها8 وتشتري تأمينها ضد الكوارث. ولكن ا>شكلة لن تقتصر على أنهذه الشركات ستضطر عندئذ إلى استيراد البلوتونيوم وبناء ا>صانع دونعون حكومي8 بل إنها ستجد أن شركات التأمX اخلاصة ترفض تأمـيـنـهـاضد اخلسائر االقتصادية والبشرية. فشركـات الـتـأمـX جتـد خـطـر وقـوعالكارثة كبيرا إلى درجة أنها ترفض تأمX محطات الطاقة. وقد يؤدي هذا

إلى اختفاء الطاقة النووية.وبدال من هذا جند أنفسنا إزاء جتمع يضم أصحاب ا>صالح الرأسماليةXعلى استغالل احلكومة لزيادة أرباحهم8 كما يضم موظفـ Xمن احلريصباإلدارة احلكومية حريصX على خدمة مصالح شركات الطاقة النووية. واليقتصر هذا التجمع على أعضاء اللجان التنـظـيـمـيـة وحـدهـم. فـقـد طـلـب

أن تبقي اجلـمـهـور١٩٥٣الرئيس أيزنهـاور إلـى جلـنـة الـطـاقـة الـذريـة عـام وأجاز الكوجنـرس)١١(«مشوشا» فيما يتعلق بتفسيراتها للـغـبـار اإلشـعـاعـي

.١٩٧٤ و8١٩٦٥ وجدده في عام ١٩٥٧األمريكي قانون برايس/ أندرسون عام وهذا القانون يقصر ا>سئولية القانونية للشركات التي تؤمن ضد األخطارالنووية على جزء بسيط من ا>طالب ا>قدمة-بحيث يضطر دافع الضرائب

% من عبء احلوادث التي ترفض شركات التأمX أن٨٠إلى حتمل أكثر من .)١٢(تؤمن عليها

إن التدخل احلكومي ليس مرادفا بالضرورة للصحة العامة أو االشتراكية.ولكن xا أن الشركات الرأسمالية ا>هيمنة في القرن العشرين قد قضـت-إلى حد كبير-على االقتصاد والتنافس8 فقد أصبحت احلكومة هي الساحةالتي تتخذ فيها قرارات عامة هامة. ويذهب االشتراكيون إلى أن احلكومة8مهما كانت نقائصها8 ال تزال مكـانـا أفـضـل التـخـاذ الـقـرارات مـن قـاعـاتمجلس اإلدارة في الشركات الرأسمالية. فعلى حد قولهم8 يستطيع اجلمهورعلى األقل أن يقترع لصالح أعضاء الكوجنرس الذين يقترعون ضد مشاريعقوانX مثل قانون برايس-أندرسون8 ولصالح �ثليه في احلكومة القومية8وحكومة الواليات8 واحلكومة احمللية8 الذين يـقـدمـون الـصـالـح الـعـام عـلـىاألرباح اخلاصة. أما أعضاء مجالس إدارات الشركات أو حـمـلـة أسـهـمـهـا

فسيكونون حمقى لو فعلوا ذلك.

274

الغرب والعالم

ملزيد من االطالع التيBarry Commonerركزنا في هذا الفصل على أطروحة باري كومونر

وهو كتاب جديـرThe Closingوردت في كتابه الدائرة اآلخذة في االنغـالق أماThe Poverty of Powerبالقراءة كامال8 وكذلك كتابه األحدث فقر السلطة

التكاليف االجتماعية للمشروع اخلاصK. William Kappكتاب ك. وليم كاب The Social Costs of Private Enterprise8 الذي استفدنا منه أيضا8 فقد أصبح

عتيقا لكنه قيم. وهناك وجهة نظر مشابهة8 وإن كـانـت أحـدث عـهـدا8 فـي وكـتـابThe end of Affluence نهايـة الـوفـرة Paul Ehrlichكتاب بـول إرلـيـتـش The Twilight of أفـول الـرأسـمـالـيـة Michael Harringtonمـايـكـل هـارجنـتــون

Capitalismبخاصة فصله عن «الصالح العام بوصفها ملكية خاصة» وكتاب االقتـصـاد والـهـدف الـعـامJohn Kenneth Galbraithجـون كـيـنـيـث جـالـبـريـث

Economics and Public Purpose«وبخاصة الفصل عن «احلاجة إلى االشتراكية وكل الكتب الواردة في الفقرتX األخيرتX من قائمة ا>راجـع فـي الـفـصـل

السادس عشر مفيدة أيضا هنا. الـتـاريــخCarol M. Cipollaو�ـكـن الـرجـوع إلـى كـتـاب كـارلـوم. سـيـبــوال

ويعدThe Economic History of World Populationاالقتصادي لسكان العـالـم & Paulمدخال �تازا لدراسة ا>شكلة السكانية. أما كتاب بول وآن آرليتش

Anne Ehrlichالسكان والثروات والبيئة , Population, Resources Environment

فهو طرح معاصر لوجهة النظر الكالسيكية التي عرضها توماس مالـنـوسThomas Malthus في مقالة أولى عن السكان First Essay on Populationوالكتاب

.David L وديفيـد ل. لـيـون Sue Titus Reidالذي أشرفت علـيـه تـيـتـوس ريـد

Lyon بعنوان األزمة السكانية من منظور متمـدد الـتـخـصـصـات Population

Crisis: An Interdisciplinary Perspectiveبعض ا>قاالت الكالسيكية وا>عاصرة Population and السكان والتاريخ E. A. Wrigleyالقيمة. أما كتاب أ. أ. ريجلي

Historyفهو دراسة تاريخية شاملة عامة جيدة. ويضم كتاب البورج وروبرت الغذاء األوربي من عصر ما قبل الصناعةElborg & Robert Foresterفورستر

بعضEuropean Diet from Pre-Industrial to Modern Timesإلى األزمة احلديثة ا>قاالت التاريخية ا>متازة عن األوضاع الغذائية و�و السكان.

ويجري استكشاف التكنولوجيا والنمو الصناعي وتلوث البيئة في كتاب

275

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

Economic Growth Versus the Environmentالـنـمـو االقـتـصـادي ضـد الـبـيـئـة

John وجـون هـارديـسـتـسـي Warren A. Johnsonبـإشـراف وارن أ. جـونـسـون

Hardesty وفي كتاب نوعية البيئة في اقتصاد نـام Environmental Quality in

Growing Economy بإشراف هنري أ. جاريت Henry A. Jarrettوفي كتاب بول The Political Economy of (×) االقتصاد السياسي لـلـتـنـمـيـةPaul Baranباران

Growth. في كتابه سياسة العلمDaniel S. Greenbergويقوم دانيال راس. جرينبرج

باستكشاف دور العلم في احلرب العا>يةThe Politics of Pure Scienceاخلالص طابع القانون الفيزيـائـيRichard Feynmanالثانية. وكتاب ريتشارد فينـمـان

Character of Physical Lawمدخل �تع لفلسفة العلم. وكـتـاب هـانـز ثـريـنـج Hans Thirring الطاقة لإلنسان Energy for Man.شرح قيم لفيزياء إنتاج الطاقة

العلم والعالم احلديثAlfred North Whiteheadويعد كتاب الفريد نورث وايتهيد Science and the Modern Worldالطرح الكالسيكي لـلـقـضـيـة8 وال يـزال يـعـد

مدخال جيدا. والكتاب الذي أصدرته جمعية الكيمياء األمريكـيـة تـنـظـيـفCleaning Our Environment: The Chemicalبيئتنا: األساس الكيميائي للعـمـل

Basis for Actionوالكتاب الذي أصدره معهد ماساشوستـس لـلـتـكـنـولـوجـيـا Study ofدراسة مشكالت البيئة احلادة: أثـر اإلنـسـان فـي الـبـيـئـة الـعـا>ـيـة

Critical Environmental Problems; Man’s Impact on the Global Environment

مصدرا ن جيدان عن اجلوانب العلمية للمشكلة.ولقد سبق أن ذكرنا عددا من الكتب ا>فيدة في اجلوانب االقـتـصـاديـةللمشكلة هنا8 وفي الفـصـل الـسـادس عـشـر فـي اجلـزء اخلـاص بـا>ـراجـع.وهناك دراسات أخرى تعد نقدا للرأسمالية هي كـتـاب جـيـمـس ريـدجـواي

James Ridgeway سياسة احليابيئـة The Politics of Ecologyوكتاب رامبـارت Rampart الكارثة احليابيئية Eco-Catastropheوكتاب بول باران وبول سويزي

Paul Baran Paul Sweezy رأس ا>ـــال االحـــتــــكــــاري & (×)Monopoly Capital

وبالنسبة لنقد االقتصاد السوفيتي في اعتماده على النمو أنظر كتاب ليون وكتـابThe Revolution Betrayed (×) الثورة ا>ـغـدورةLeon Trotskyتروتسـكـي

وكتاب راياThe New Class الطبقة اجلديدة Milovan Djlasميلوفان دجيالس (×) ترجم إلى العربية [ا>ترجمان].

276

الغرب والعالم

Marxism and Freedom ا>اركسية واحلرية Raya Dunayevskayaدونا يفسكايا

احملافظة على البيئة وإجنيلSamuel P. Haysويعد كتاب صمويل ب. هايس تاريـخـا �ـتـازا لـلـحـركـةConservation and the Cospel of Efficiencyالكـفـاءة

األولى للمحافظة (على البيئة) في أمريكا.وأخيرا ثمـة مـدخـل �ـتـاز >ـشـكـالت الـصـX وإجنـازاتـهـا (فـي اإلنـتـاجالصناعي والسيطرة على اآلفات واستئصال الفقر الطاحن) هو كتاب كيث

The Transformation of the حتول األرض الصينيـة Keith Buchananبيوكانـان

Chinese Earth.

277

ا�وارد والتلوث: أمريكا ا�عاصرة

هوامش الفصل العشرين

(1) Barry Commoner, The Closing Circle, New York: Knopf, 1972, p. 139.

(2) Ibid., p. 143.

(3) Ibid., pp. 143-154.

(4) Ibid., p. 156.

(5) Ibid., pp. 187-189.

(6) Ibid., p. 259.

(7) Ibid., p. 153.

(8) Ibid., p. 157.

(9) Ibid., p. 276.

(10) Cole and Ehrlich quoted in Peter Shrag, Who Owns the Environment, Saturday Review, 4 July

1970, p. 7.

(11) The New York Times, April 20, 1979, p. 1

(12) Paul Ehrlich, The End of Affluence, New York: Random House, Ballantine Books, 1974, p. 71.

278

الغرب والعالم

279

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

الثقافة والتغير: ما وراءاليقني والنسبية

فـي الـسـنـوات ا>ـائـة األخـيـرة أصـاب الـثـقـافــةالغربية-أي أفكار الرجال والنساء وقيمهم وعقولهمومشاعرهم في أشد مناطق العالم تصنيعـا-حتـولعميق-وقد ال يكون من باب اإلفراط في التبسيطالقول بأنه حتول من اليقX إلى النسبية. فقد كانالـنـاس->ـائـة عـام خـلـت-عـلـى يـقـX مـن كـل شـيء.فتصوراتهم عن الله والتقـدم واحلـقـيـقـة واجلـمـالوالبواعث اإلنسانية واألخالقيات واجلنس والزواجواحلضـارة واحلـرب واالقـتـصـاد والـطـبـيـعـة كـانـتجميعها واضحة-�كن صياغتها في عبارات محددةوغالبا مطلقة: أما اليوم فلم يعد هذا اليقX �كنا8

كما تبينا في الفصول السابقة.أننا نعيش اليوم فيما أطـلـق عـلـيـه اسـم عـصـرالشك والقلق والنسبية والـسـخـريـة مـن كـل شـيء.وسيعالج هذا الفصل كيفية وقوع هذا التحول إلىالنسبية. فنبدأ بعرض شامل لتطور الثقافة احلديثةمن خالل إحدى صورها ا>تعددة8 وهي فن التصوير

. ثم نتطرق إلى بـحـث١٩١٣ إلى عام ١٨٦٣من عـام

21

280

الغرب والعالم

تطور اآلراء احلديثة في التغير والثقافة8 وهي أحد مصادر الشك والنسبيةاحلديثة. ثم نركز على بعض حاالت التصدي للنسبية في القرن العشريـنوعلى محاوالت تفهمها والتغلب عـلـيـهـا. فـالـسـؤال الـذي يـطـرحـه الـفـصـلاخلتامي هو أساسا: كيف نتعلم التعايش مع النتائج التي يخلص إليها هذا

الكتاب.

فن التصوير احلديث: مقياس بصري للتغير.إن خير وسيلة إلدراك التغير في الثقافة احلديثة فـي الـسـنـوات ا>ـائـةاألخيرة هي التجول في متحف أو تصفح كتاب في تاريخ فن التصوير. فلوأنك بدأت بفن التصوير األوربي في عصر النهـضـة أو فـي الـقـرن الـسـابـععشر أو القرن الثامن عشر أو حتى بداية القرن التاسع عشر لوقعت علىاألمور نفسها (برغم االختالفات في األسلوب). إذ أنك ترى أشياء ومناظرطبيعية وأناسا8 و�كنك التعرف عليهـا. فـي مـرسـومـة مـن مـنـظـور ثـالثـياألبعاد xعنى أنها تصغر ويقل حتدد معـا>ـهـا كـلـمـا ابـتـعـدت إلـى اخلـلـف8بالطريقة نفسها التي نرى بها (األشياء في الطبيعة). وتظهـر الـظـالل فـيهذه الصور �تدة كلها في االجتاه نفسه. والصور عادة تـتـسـم بـاجلـمـال8ولكن حتى لو ظهر فيها عنف أو قبح فإن الهدف من ذلك هو أن تبدو نبيلةأو مؤثرة أو متسامية. والرسالة التي تنقلها لنا هذه الصورة هـي مـن نـوع:«ما أبهاه» «ما أصدقه!» «ما أشجع نابليون!». إنها حتكي قصصا وتكشـفعن شكل األشياء وهناك استثناءات بطبيعة احلال8 ولكن معظم اللوحـات8من عصر النهضة إلى نهاية القرن العشرين8 تعكس هذا االهتمام بـالـدقـةالبصرية واجلمال واحلقيقة «ا>وضوعية». واللوحات نفسها «نوافذ» مستطيلةيحيط بها إطار8 تطل على العالم. فإذا اقتربنا في الزمن من لوحات أواخرالقرن التاسع عشر تغير هذا كله: فاأللوان تبدو مغلوطة8 واألشياء ال �كن

التعرف عليها8 وما من شيء يبدو مثل أي شئ. فلماذا حدث? «Xلو كنا قد حضرنا «صالون ا>رفوضSalon Des Refusesفي «معرض

لتمكنا من مشاهدة بداية هذه الثورة.١٨٦٣الفنون اجلميلة» في باريس عام لقد كان مجرد وجود هذا الصالون xثابة ثـورة. فـقـد تـدخـل اإلمـبـراطـورالفرنسي نابليون الثالث8 لصالح الفنانـX الـذيـن رفـض ا>ـعـرض الـرسـمـي

281

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

أعمالهم8 وأمر بإنشاء ملحق يحتـوي عـلـى األعـمـال ا>ـرفـوضـة حـتـى يـتـاحللجمهور أن يقرر بنفسه ما إذا كان احملكمون الرسميون للمعرض قد تصرفوابحكمة. وكان رد فعل اجلمهور هو ضـحـكـات االسـتـهـزاء ا>ـؤكـدة وجتـديـدالثقة باحملكمX الرسميX. غير أن قلة قليلة �ن جاءوا للضحك خرجـوا«متجهمX قلقX مضطربX» أو راعهم «صدق معX... وجدة وتفرد»8 كما

X١(ذكر اثنان من ا>علق(.كانت اللوحة التي أثارت اجلمهور وجلنة التحكيم والنقاد أ�ا إثارة هي

«الغداء على العشب». فقد أعلن كـثـيـرونEdouard Manetلوحة إدوارمانيـة اشمئزازهم من ظهور امرأة عارية في منتزه عام بصحبة سيدين في أبهىحلة. وقيل إن اإلمبراطور8 الذي كان يتخذ في السر طائفة من العشيقات8صدم xا رآه. وعبر واحد على األقل من النقاد عن شكواه من التكتيك غيرالتقليدي8 كانعدام العمق ذي الثالثة أبعاد8 وتسطح ا>نظور8 فكأن ا>البسمعلقة ال تلتف على أجسام و«األصابع ال تنـطـوي عـلـى عـظـام والـرؤوس التكسو جماجم حتتها» و«السوالف اجلانبية خرقتان من القماش األسود» إالأن معظم الناس قد تذمروا من مادة ا>وضوع. وقد تأثر ناقد إجنليزي زائرxحاولة مانية ترجمة أحد موضوعات عصر النهضة إلى الفرنسية احلديثة8واغتفر له التلوين الزائد8 ولكنه أيضا وجد ا>وضوع «مشبوها من الناحيـة

األخالقية».لقد بدأت ثورة الفن احلديث في صورة هجوم عل ا>وضوع التقليدي واليجوز الدفاع عن ما فيه بالقول إن سيدته العارية ا>وجودة في متـنـزه عـامليست إال ربة من ربات الفن الكالسيكي. فـهـي تـبـدو أقـرب إلـى عـاهـراتباريس. ومن ثم فهي ال تصلح موضوعا لعمل فني عظيـم: وهـذا مـا صـدم

النقاد.ولكن أبرز التحوالت في تاريخ الفن احلديث-من وجهة النظر احلالية الترجع إلى ا>وضوعات اجلديدة في صالون ا>رفوض8X بل إلـى األسـالـيـباجلديدة في العقود التالية: أي االنطباعية والتعبيرية. ولقد كان تـسـطـيـح

8 وفي أعمال اجملموعة الشابة١٨٦٣االنطباعية كامنا في أعمال مانيه عام من الفنانX االنطباعيX الفرنسيX الذين التفوا حوله في العقـد الـتـالـي.

وإدجارAuguste Renoir وأوجست رينوار Claude Monetفلوحات كلود مونيه

282

الغرب والعالم

Paul Cezanne8 وبول سيزان Camille Pissarro وكاميل بيسارو Edgar Degasديجا 8 واجهت مـن١٨٧٤التي ظهرت مجتمعة في أول معرض لالنطباعـيـX عـام

الهجوم بسبب قلة الرسم أكثر �ا واجهته بسبب قلة األدب. ونحن الـيـومنثني على جرأتهم في استخدام اللون8 ورهافة إحساسهم بالضوء وخيالهمفي طريقة التقاط التحول الذي يطرأ على عالم متالحق التغيير8 واستعدادهمللتصوير خارج األستوديو8 وفرحهم التلقائي با>ألوف والعابر8 وبحثهم الذييكاد يكون غريزيا عن مدركات حسية جديدة ال يقضي عليها تطور تكنولوجياالكاميرا. (وقد أقيم أول معارضهم في أستوديو أحد مشـاهـيـر ا>ـصـوريـن

تناول النقاد ا>عرض كما لو كان غشا وتدليسا١٨٧٤8الفوتوغرافيX). وفي عام فتساءلت مجلة ال باتري: «أتذكر صالون ا>رفوضX? إنه يغدو أشبه xتحفاللوفر البديع إذا ما قورن بلوحات معرض االنطباعيX». فإذا نـظـرت إلـىاللوحات الفظة األولى-الفظة هي الكلمة الدقيقة-فسوف تهز كتفيك8 فإذارأيت اجملموعة التالية فسوف تنفجر ضاحكا8 ولكن مع اجملموعة األخيرة

سوف �تلكك الغضب».وقد صوب النقاد معظم سهامهم إلى لوحة سيزان أو>بيا عصرية. فقدتناول سيزان موضوعا قد�ا هو الربة أو>بيا مضطجعة-وهو موضوع سبق

8 األمر الذي أثار ثائرة عالـم١٨٦٥>انيه أن أضفى عليه طابعا محدثـا عـام الفن الباريسي. وقد صورت لوحة مانـيـه أو>ـبـيـا الـربـة فـي صـورة عـاهـرةباريسية فيما يشبه ا>اخور (وقد وصفت لوحة أو>بيا >انيه بأنها أول عملفي الفن احلديث8 ألنها أول عمل اقتضى حماية الشرطة). أما سيزان فقدمضى شوطا أبعد بكثير في حتديث موضـوع أو>ـبـيـا وأسـلـوبـه. فـأضـحـتالربة حلما مراوغا8 تكشف عنه جاريتها السوداء8 للفنان الذي جلس عـلـى

أريكته والزهور تتفتق باللهفة فوق رأسها.إن لقاء سيزان احلالم بأو>بيا8 في لوحة تتجاوز حدود االنطباعية8 قدوصف مرارا وتكرارا بأنه من عمل رجل مخبـول-وكـان مـقـدرا لـسـيـزان أنيقود اجليل التالي من فناني التصوير الغربيX إلى األسلوب التعبيري الذيجعل أعمال االنطباعيX تبدو إلى جانبه «منمقة» «وظريفة» فحسب. ففيحX ظل االنطباعيون مشغولx Xحاولة التقاط واقع موضوعي للون والضوءولو للحظة قصيرة8 حتول التعبيريون إلى دخيلة أنفسهم معبرين عن البعد

283

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

االنفعالي في جتربة الفنان. وفي حX تعلق االنطباعيون بالتغيرات العابرةالالنهائية8 أخذ التعبيريون يفتشون عن الكليات في مشاعرهم الشخصية8وفي رموز األحالم8 وفي البنية اجملردة للمواد (ورxا كان ذلك استسـالمـامنهم لطوفان التغييـر). وبـهـذا ا>ـعـنـى الـواسـع كـان كـل مـا أعـقـب احلـركـة

االنطباعية من فن تعبيريا8 وال يزال.ون فكرة أكثر حتديدا عن مدى هذا التغيـيـر إذا تـأمـلـنـاو�كننـا أن نـك

قليال من األعمال التي عرضت في معرض من أهم معارض القرن العشرين. األمريكيAmerican Armony Showفاألعمال التي عرضت في معرض آرموري

عكست فكرة أكثر تطرفا عن الفن8 كانت توحي به لوحات صالون١٩١٣عام «ا>رفوضيX» في القرن التاسع عشر أو ا>عرض االنطباعي. فهذه األعمالجعلت من لوحة غداء على العشب >انيه× ولوحة أو>بيـا عـصـريـة لـسـيـزانتبدوان كما لو كانتا امتدادا لعصر النهضة. كذلك يكتمل فهمنا للـتـغـيـراتاجلذرية التي طرحها الفن احلديث xالحظة استجابات النقاد واجلمهورلهذا ا>عرض الذي أقيم في القرن العشرين. فقد بدا كأن اللوحات آتية منكوكب آخر8 ولكن األهم من ذلك أنها قبلت بدون الصدمة والفضيحة التي

.١٨٧٤ و ١٨٦٣رافقت التغييرات ا>تواضعة في عامي على أن يأتوا إلى١٩١٣وقد عمل منظمو معرض آرموري األمريكي عام

مدينة نيويورك «بأوفى معرض فني أقيم في العالم في ربع القرن األخير».وبصرف النظر عن ا>بالغة األمريكية8 فقد كانوا قريبX للغاية من احلقيقة8إذ مثلت في ا>عروضات كثير من أبرز أعمـال مـا بـعـد االنـطـبـاعـيـ8X مـثـل

Paul Gauguin وبـول جـوجـان Vincent Van Goghأعـمـال فـنـسـنـت فـان جـوخ

(فضال عن سيزان) التي كانت ال تزال تصـدمPablo Picassoوبابلو بيكاسو الناس بسبب ا>نظور ا>سطح8 واخلطوط غير احملددة8 وبقع اللون الزاهيةالكبيرة8 واألشكال شبه التكعيبية والهندسية. ولكن ما عـرض مـن مـاتـيـس

Henri Matisse ومارسـيـل دي شـان Marcel Duchampكانـت أشـدهـا خـروجـا على التصوير التقليدي وأكثرها مدعاة للجدل. فلوحة ماتيس العارية الزرقاءتكاد تكون عدوانا على ما ألفه ا>شاهد من حيث وضع «ا>وديل» ا>رسومةونظرتها واإلطار الذي تظـهـر فـيـه8 واألهـم مـن ذلـك8 لـون ا>ـوديـل األزرق.ولوحة دي شان عارية تهبط على درج ال تصور درجـا وال عـاريـة8 بـل تـكـاد

284

الغرب والعالم

تكون دراسة مبهمة ألجزاء شبه آلية تتحرك بسرعة.وقد هزأ اجلمهور والنقاد كثيرا با>عروضات األشد تطرفا في التجديد8وكان هناك شبه إجماع على السخرية من دي شان8 فـانـتـهـى أحـدهـم إلـىالقول بأن اللوحة في الواقع «درج يهبط على عارية»8 وقال آخر «إنها انفجار

xصنع أخشاب».«كانت النكتة الالذعة ذكية إلى حد ما. فالـشـكـل ا>ـرسـوم قـد تـنـاثـرتأجزاؤه حقا إلى مسطحات أشبه بألـواح خـشـب صـغـيـرة تـخـتـلـط و�ـتـزجمكونة شكال ينبض باحليوية. غير أن النكتـة لـم تـكـن مـنـطـبـقـة �ـامـا ألنالشكل الناجت ليس مجرد فوضى8 بل إنه8 على العكس من ذلك8 يعاد جتميعأجزائه على شكل له نظامه الدقيق وحيويته البالغة8 يعبر عن حركة هبوطواضحة أكثر �ا يعبر عنها أي تصوير يحكي عاريـة تـهـبـط بـالـفـعـل عـلـى

.)٢(الدرج» أما اجلمهور فقد أغضبته العناوين ا>راوغة والدراسات التكعيبية للبناءXواحلركة8 واستخدام اللون واخلط استخداما تعبيريا. وسخط على الفنانالذين حتدوا ما ألفه أو هزئوا به. ولكن من األمور التي تثير الدهشة مدىسماحة النقد ودرجة التقبل العام والـنـقـدي لـهـذه األعـمـال الـرائـدة8 عـلـىالرغم من ابتعادها �اما عن الفن التقليدي8 إذا ما قورنت باتهامات الفضيحة

. أما الفنان األمريكي١٨٧٤ و ١٨٦٣والغش واجلنون والتي وجهت في عامي فقد بلغت استجابته حدا من الرهافة ال يصل إليهGohn Sloanجون سلون

إال القليلون. وقد وصف ا>عرض بأنه:«بداية رحلة إلى ا>اضي احلي. انزاحت الستر عن عيني8 فأصبح بوسعيأن أنظر إلى الصور الدينية فال أرى موضوعاتها. وحتررت ألستمتع بالنحتاألفريقي وبنحت ا>كسيك قبل التاريخ8 إذ لم يعد للمحاكاة الدقـيـقـة وزن.لقد أدركت أن هذه األشياء. صنعـت اسـتـجـابـة لـلـحـيـاة8 وحـورت مـن أجـل

.)٣(تأكيد أفكار عن احلياة وسمات انفعالية مرتبطة بها» قـدStuart Davisوكذلك فإن الرسام األمريكي الشاب ستيورات ديـفـيـز

بلغ تعاطفه جدا ال يصل إليه إال القليلون. وقد استعاد موقفه بقوله:«لقد جتاوبت مع جوجان وفان جوخ وماتيس بالذات ألن التعميمات فيالشكل واستخدام اللون لغرض غير احملاكاة كانت من قبل �ارسـات تـقـع

285

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

.)٤(في نطاق خبرتي» ألف مشاهـد.٨٧ومع ذلك بلغ عدد ا>شاهدين للمعرض في نـيـويـورك

ألف مواطن أمريكي٣٠٠وعندما عاد ا>عرض من بوسطن وشيكاغـو8 كـان قد اطلعوا على الفن احلديث. وابتاع جامعو التحف معظم الـلـوحـات (xـافي ذلك لوحات دي شان)8 بل كان هناك عدد من ا>قاالت النقدية اإليجابية

عن ا>عرض في الصحف8 ومن ا>دهش أنه �تع بنجاح ساحق. فلماذا? كانت أكثـر جتـديـدا إلـى حـد بـعـيـد مـن١٩١٣إن اللـوحـات فـي مـعـرض

. وخالل األعوام األربعX الـتـي١٨٧٤ و ١٨٦٣لوحات معارض باريس عـامـي انقضت. ما بX هذا وذاك8 كان فن التصوير قد �يز عن الفن التقـلـيـديولم يقتصر األمر على ذلك8 بل إن كثيرا من األمريكـيـX كـانـوا يـشـاهـدون«الفن احلديث» ألول مرة8 بينما صدم الباريسيون لالبـتـعـاد الـطـفـيـف عـنالفن السائد قبل ذلك بسنوات قليلة أو بعقد من السنX. فلماذا إذن استجاب

بتسامح شديد (بل بحماس) لتغييرات أشد بكثير?١٩١٣األمريكيX عام يأتينا أحد عناصر اإلجابة من أحد كبار زوار معرض آرموري بنيويوركهو الرئيس تيودور روزفلت الذي كان �يل بذوقه الشخصي في الفن إلـىرسم احليوانات ا>توحشة. فقد اعتـرف بـأن الـلـوحـات األكـثـر تـطـرفـا فـيمعرض آرموري كانت فوق مستوى فهمه8 وتندر على من يسمـون أنـفـسـهـمبالتكعبي8X فقد بدت له هذه التسمية أشبه بأناس يطلقون على أنفسهـم:

وهو يفضـل(×)«فرسان ا>ثلث ا>تساوي الساقX أو إخـوان جـيـب الـتـمـام».البساط الذي يصنعه هنود نافاجو علـى لـوحـة الـعـاريـة لـدى شـان. ولـكـنـهXأصر-وهذا هو بيت القصيد-على أن منظـمـي ا>ـعـرض «قـد أحـسـنـوا حـأطلعوا شعبنا8 بهذه الوسيلة8 على القوى الفنية الـتـي تـؤثـر فـي أوربـا مـنـذح8X وهي قوى ال يجوز جتاهلها». وقد رحب روزفلت «باجلدة» «والتقدم»8وسلم بأن «احلياة ال تكـون بـدون تـغـيـر8 والـنـمـو ال يـكـون بـدون تـغـيـر. وأن

.)٥(اخلوف من اخملتلف أو غير ا>ألوف إ�ا هو خوف من احلياة»كانت هذه هي عقيدة احلقبة التقدمية في مطالع القرن العشرين8 وهيأيضا عقيدة تتكرر مرارا في تاريخ أمريكا. ولكن أهميتها البالغة ترجع إلىأنها أحد ا>واقف ا>مكنة الوحيدة إزاء ضخامة التحول الذي أكتسح اجملتمع

(×) أحد ا>صطلحات الشائعة في حساب ا>ثلثات. (ا>ترجمان)

286

الغرب والعالم

الغربي في نصف القرن السابق. وهكذا ترى عددا من السمات للفن الغربيفي السنوات اخلمسX السابقة على احلرب العا>ية األولى. إذ نرى حتوالXمفاجئا عن أسلوب تقليدي في التصوير عمر قرونا. ففي خـالل خـمـسـعاما تخلى الفنانون عن �اذج دامت قرونا. ونرى الفنانX أنفسهم يتجاوبونمع ما اكتسح عا>هم من تغيرات8 ويسعون إلى إبرازها ونرى جمهورا يزدادتقبال لرؤية الفنانX الثورية اجلديدة. ولكننا نرى أيضا أن قبول اجلمهـور

للتغيير كان أقوى من فهمه للفن اجلديد. قد رفضوا النزعات الثـوريـة١٨٧٤ وسنة ١٨٦٣وإذا كان النقاد في سنـة

اجلديدة لغير األسباب الصحيحة أو دون فهمـهـا8 فـإن الـنـقـاد8 بـل مـعـظـم تقبلوا الفن احلديث لغير األسباب الصحيحة أيضا١٩١٣8اجلمهور8 في سنة

كانوا-١٨٧٤ و ١٨٦٣ودون فهمه. واحلقيقة أن النقاد واجلمهـور فـي عـامـي . إذ تغير الفن تغيرا١٩١٣على األرجح-أدرى xا يجري من نظرائهم في عام

جوهريا8 وانقطع تواصله بالفئة ا>تعلـمـة. ولـقـد كـان مـن الـعـبـث أن يـعـمـد إلى حث اجلمهور على احلكم عـلـى١٩١٣رئيس الواليات ا>تحدة في سـنـة

). بل إن منظمي معرض آرموري١٨٦٣احملكمX (كما فعل نابليون الثالث عام كانوا في األصل يأملون في عرض جميع األعمال ا>قدمة. أمـا اخـتـيـاراتاحملكم8X والنقد الفني8 وا>عايير اجلمالية. فلم تعد ذات موضوع. فالتغيرأصبح سريعا إلى درجة لم تعد توجد معها معايير. فالفنانون اجلدد كافحواا>عايير التقليدية8 ولكن عكوفهم على جتريب األشكال اجلديدة كان متنوعاإلى احلد الذي جعل وجود معايير جديدة أمرا عسيرا. أما اجلمهور الذيتقبل التغيير لذات التغيير فقد كان يبتسم أو يتهكم أو يشتري8 دون أن يفهم

ما يقوله الفنانون.

اكتشاف التغير والثقافةإن الرأي القائل بأن التغيير هو أحد مقومات احلياة أو (ورxا كان هوا>قوم الوحيد) هو رأي قريب العهد لقد كان هذا رأيا همس به البعض فيالقرن الثامن عشر8 ولكن لم يكتب له الذيوع إال في القرن ا>اضي. وحتـىيومنا هذا جند أن الكثيرين �ن يعترفون بأن كل شيء يـتـغـيـر ال يـزالـون8

كتيودور روزفلت8 غير واعx Xا ينطوي عليه هذا الرأي من نتائج.

287

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

لقد أدركت كل اجملتمعات منذ ثورة العصر احلجري احلديث أن الفصولتتغير. وحتى اجملتمعات األولى عرفت أن الناس تتغير8 على األقل حـيـنـمـايتقدم بهم العمر. ولكن كل اجملتمعات تقريبا كانـت تـظـن قـبـل ا>ـائـة سـنـةاألخيرة أن االستمرارية اإلنسانية هي أمر أكثر أساسية من التغير اإلنساني.ولعل العبرانيX القدماء كانوا أول مجتمع يفـهـم نـفـسـه فـي إطـار الـتـغـيـر.فكتابهم ا>قدس هو كتاب تاريخ8 ألنهم كانوا يـؤمـنـون بـأن الـلـه كـشـف عـنوعوده وأوامره من خالل تاريخ شعبه اخملتار. واستمر ا>سيحيون في اإل�انبأن أفعال الله تظهر خالل التاريخ: فالفترة التي أعقبت ا>سيح كانت مختلفةاختالفا بينا عن الفترة السابقة عليه. وسيعود ا>سيح في زمن مقبل يكشفعنه الوحي8 وال بد من فهم روح العصر حتى يتسـنـى فـهـم خـطـة الـلـه إزاءاإلنسان8 وآمن ا>سيحيون أيضا xقدرة الفرد على التغيير: فعلى الرغم منأن كل إنسان ولد حامال وزر اخلطيئة األولى8 فإن االهتداء إلى ا>سيحـيـة�نح ا>رء حياة جديدة8 بل �نـحـه حـيـاة خـالـدة. هـذه األفـكـار كـانـت جـدمختلفة عن األفكار السائدة في آسيا وأفريقيا واألمريكـتـ8X بـل عـن تـلـكالتي سادت في اليونان والرومان. لقد كتب اليونان والرومان والصينيون وبعض اجملتمعات األخرى تواريخ8 ولكنهم فعلوا ذلك كي يفهموا ما كان وماسيكون دائما8 ال ليفهموا كيف تتغير األشياء. لقد آمنوا بأن الـزمـن دوائـرمتكررة متتابعة8 وأن الطبيعة اإلنسانية تظل دائما على ما هي عليه. وكانتكتابة التاريخ عندهم مصدرا للموعظة اخللقـيـة الـتـي تـبـX لـلـحـاكـم كـيـفيحكم وللناس كيف تسلك. وقد وصل «تاريخ العبر» هذا في اليونان وروماالقد�ة إلى درجة عالية من الدقة والعمق في تفسير علل األحداث ودوافعالناس ولكن التفسير كان يتم دائما في إطار ما تصوروا أنه طبيعة بشريـة

ثابتة.وفي العصور الوسطى أصبح أدراك ا>سيحيX للتغير خاضعا للسيطرةوالرقابة التي تفرضها الكنيسة على الوحي والتـفـسـيـر8 واقـتـصـر الـتـاريـخا>سيحي الوسيط على «حياة القديسX»8 فكان التاريخ يعلم الدرس نفسهبرواية القصص نفسها. وظلت اإلمكانية الكامنة في الثقافة ا>سيحية لتناولفكرة التغير بوصفها حقيقة أساسية8 معطـلـة وخـامـلـة إلـى أن أقـام الـعـلـم

الدنيوي واإلصالح البروتستانتي يتحدى نفوذ الكنيسة.

288

الغرب والعالم

واستعادت الكتابة التاريخية الغربية إبان عصر النهـضـة بـعـض الـعـمـقXالذي كانت تتسم به في العالم الكالسيكي8 وذلك ألسباب منها أن ا>ؤرخ

8 حذوا في مؤلفاتهمFrancesco Guicciardiniمن أمثال مكيافلي وجويتشيارديني حذو التواريخ الكالسيكية.

ولقد رأينا في قراءتنا >كيافلي-على سبيل ا>ثال-كيف اسـتـعـار األمـثـلـةمن اليونان الكالسيكية أو من إيطـالـيـا ا>ـعـاصـرة كـمـا لـو كـانـت الـفـتـرتـانمتساويتX في اجلوانب األساسية كلها-صحيح أنه كان على وعي بالفوارق8بل أنه ألف كتاب األمير واضعا نصب عينيه ما كان يراه من تفوق الوثـنـيـةعلى ا>سيحية. لكنه تخيل أن اإليطاليX يستطيعون أن يتبنوا القيم الوثنيةألنه لم يفهم أن ا>سيحية أحدثت تغييرات أساسـيـة8 فـقـد كـان يـعـتـقـد أناألديان �كن أن يحل أي منها محل اآلخـر-شـأنـهـا شـأن االسـتـراتـيـجـيـاتXالسياسة-ظنا منه أن كل الناس متشابهون في جوهرهم. غير أن األوربيفي عصر مكيافلى كانوا قد بدأوا يكتشفون أن بعض الناس في العالم جدمختلفX عنهم8 إذ أن أول خطاب أرسله كـو>ـبـوس (وكـتـبـه عـلـى إثـر عـودة

)8 كان قد طبع جمـيـع أرجـاء أوروبـا8 وكـان١٤٩٣رحلة السفينة نـيـنـيـا» عـام الناس (كما تقول األسطورة) يتغنون به في شوارع ا>دن اإليطالية:

«إن أهل هذه اجلزيرة8 وغيرها من اجلزر التي رأيتها أو سمعت عنها8يسيرون8 رجاال ونساء8 عرايا كما ولدتهم أمهاتهم8 وإن كان بـعـض الـنـسـاءيستر موضعا وحيدا بورقة من النبات أو شـبـكـة مـن الـقـطـن جـعـلـت لـهـذاالغرض. وليس لديهم حديد أو صـلـب أو أسـلـحـة8 كـمـا أنـهـم ال يـصـلـحـونالستخدامها. وال يرجع ذلك إلى أن هؤالء الناس يفتقرون إلى البنية ا>تينة

ابون إلى حد غريب... فـهـم الوالقوام ا>مشوق8 وإ�ا السبب هو أنـهـم هـييعرفون ا>كر8 ويحودون xا ملكت أيديهم على نحو ال يـصـدقـه إال مـن رآهبعينه8 وال يأبون على طالب شيـئـا �ـا يـحـوزون. بـل يـدعـون اجلـمـيـع إلـى

)٦(مشاطرتهم إياه8 ويبدون من احلب ما يجعلهم على استعداد لبذل ا>هج

لقد كانت االستجابة ا>باشرة الـتـي أبـداهـا األوروبـيـون جتـاه اكـتـشـافأناس مختلفX عنهم للغاية هي أنهم وضعوهم في إطـار الـعـصـر الـذهـبـياألسطوري الذي قالت به األساطير الكالسيكية8 والذي يناظر إلى حد ماالفكرة ا>سيحية عن عصر«ما قبل هبوط» آدم وحـواء.. غـيـر أن هـذا كـان

289

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

حال أدبيا وأسطوريا8 ولم يكن حال تاريخيا أو أنثروبولوجيا. ولكن8 �ضيالوقت8 أدت األسئلة ا>لحة التي أثارها وجود هذه الشعوب8 في نهاية األمر8إلى اكتشاف األوروبيX «للثقافة» و «التغيير»-اللذين ابتدعتها األنثروبولوجيا

.Xوالتاريخ العصريويتبوأ ثالثة من مفكري عصر التنوير في القـرن الـثـامـن عـشـر مـكـانـةبارزة في اكتشاف أوربا للثقافة8 هم منتسكيو وفولتير وفيكو. وقد حاول كلمن منتسكيو وفولتير أن يعلال أوجه الشبه واالختالف بـX شـعـوب الـعـالـمبوضعهما داخل إطار شامل يقوم في اجملتمع البشري بالدور نفـسـه الـذيتقوم به قوانX نيوتن العلمية في العالم الفيزيائي8 فأدركا وجود عالقات أوروابط معينة تشكل بتجمعها ثقافة الشعب (وغالبا ما نستخدم اليوم عبارة«أسلوب احلياة»). فإذا ما اتخذنا من معلومات كو>بوس مثاال8 وجدنا عالقةمعينة بX العرى وعدم وجود أسلـحـة مـن الـصـلـب أو احلـديـد8 بـل عـالقـةمحتملة بينهما وبX اتصاف سكان أمريكا األصليـX بـالـكـرم. إن عـنـاصـرالثقافة الواحدة متوافقة8 وهي ليست عشوائية أو عرضية �اما. فمن أبعداالحتماالت8 مثال8 أن نعثر على مجتمع يسير أهله عرايا8 ويكون في الوقت

ذاته صانعا للفوالذ.هذه النتيجة ينبغي أن تكون واضحة للقار� بعد أن وصل في قراءته إلىهذا احلد. فقد دأبنا طوال فصول هذا الكتاب على بـيـان الـطـريـقـة الـتـيترتبط بها أشكال ثقافية محددة فيما بينها: الزراعة واألواني والقرى ورموز

بات? وا>دن وا>لكية واألسرة األبوية واجليوش واألفكار اجملردة;اخلصب والروالطباعة واخلصوصية والفردية; وا>سيحية وتسخير الطبيعة; والعبـوديـةوالعنصرية التسلطية-وهذا قليل من كثير. ولكن الناس ال يدركون في كثيرمن األحيان مدى حتكم ثقافتـهـم فـي حتـديـد الـبـدائـل ا>ـطـروحـة أمـامـهـمواختياراتهم8 ويعود هذا إلى رغبتهم في االعتقاد بأنهم أحرار في أن يفعلواما يشاءون8 بل إنهم ليشعرون بالقلق الناجم عن االختيار كلما فعلوا شيئا.ومن هنا كان بطء إدراكهم للثقافة بوصفها مجموعة من األشكال التي تضعحدودا ألنواع معينة من طرق ا>شي8 واحلديث واحللم والفعل8 وتسمح بهافي الوقت ذاته. وقد بدأ األوربيون من أمثال منتسكيو وفولتير وفيكـو فـيفهم هذه احلقيقة في القرن الثامن عشر. (ومن أوضح األمثلة على إخفاق

290

الغرب والعالم

بعض الناس في فهم هذه العالقات بX الظواهر الثقافية حتى اليوم انتشار Xكتب مثل مؤلفات إريك فون دانيكErich Von Dankenالتي تسمح بتواجد

أشياء مثل البطاريات الكهربائية واحملوالت وما شابه ذلك في مجتمع العصراحلجري احلديث8 على الرغم من عدم اتساق هذه اآلالت مع ذلك العصر).ولكن اكتشاف منتسكيو وفولتير للثقافة لـم يـفـض بـهـمـا إلـى اكـتـشـافالتغير اجلوهري (الذي يطرأ على الثقافة واإلنسان). لقد طور منـتـسـكـيـوطريقة مقارنة حديثة لتحديد ا>عالم األساسية للعالقات الداخلية للثقافة.ولقد نظم ا>علومات اجلديدة التي وردت عن مختلف الشعوب داخل إطـارسماه ماكس فيبر فيما بعد «باأل�اط ا>ثالـيـة» وهـي اخـتـزاالت جتـريـديـةلألشكال الثقافية. ولكنه ظل متمسكا بإ�انه بوجود طبيعة بشرية ثـابـتـة8حX قال إن كل تنوع ثقافي هو نتاج «لروح القانون» وإن لهذه الـروح ثـالثـةأ�اط أساسية فقط. وذهب فولتيـر إلـى أن تـاريـخ الـعـادات مـن شـأنـه أنيكشف لنا حقائق عن الناس أكثر �ا يكشفه أي تاريخ للملوك وا>ـعـارف8غير أن كتابته التاريخية تناولت شعوب كل عصر كـمـا لـو كـانـت لـهـا نـفـسالقيم والدوافع ووجهات النظر السائدة في فـرنـسـا الـقـرن الـثـامـن عـشـر.فعلى سبيل ا>ثال رفض كل من فولتير ومنتسكيو تصديق ا>الحظات التيأوردها ا>ؤرخ الكالسيكي هيرودوتس عن بعض العادات اجلنسية في العالم

القد�.) أول كتاب فـي١٧٢٥وقد كان كتاب جيامباتستا فـيـكـو الـعـلـم اجلـديـد (

األنثروبولوجيا احلديثة8 وأول كتاب في التاريخ احلديث8 ألنه اعترف بتفردالثقافات البدائية والقد�ة وأدرك أن لـكـل األفـكـار وا>ـؤسـسـات (xـا فـيذلك أشدها قداسة) تاريخا بشريا8 لقد كان هذا الكتاب أول دراسة للثقافةوالتغير تنكر ثبات الطبيعة اإلنسانية. صحيح أن فيكو وجد تشابهـات8 بـلحتى دورات متكررة في التاريخ اإلنساني8 لكنـهـا كـانـت دوائـر حـلـزونـيـة الدائرية8 فالتاريخ اإلنساني-عند فيكو-يتغير جوهريا ألنه عملية تراكمية يخلقهاالبشر. فلكل عصر ثقافته-أي آدابه وأساطيره ولغته-وكل عصر خلق الظروفالالزمة لظهور العصـر الـذي يـلـيـه8 ولـكـن ال �ـكـن فـهـمـه إال داخـل إطـارهوهكذا فإن إدراك فيكو التنوع الثقافي هو الذي أدى به إلى إدراك التغير.وال يكفي تفسير األ�اط الثقافية في إطار الـبـيـئـات اخملـتـلـفـة (كـمـا فـعـل

291

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

) ألن كل بيئة جديدة كانت١٧٤٨منتسكيو ني بعد في كتابه روح القوانX عام خلقا إنسانيا خاضعا للتغير. إن للتاريخ اإلنـسـانـي اجتـاهـا يـحـدده الـبـشـر

بوعي أو بدون وعي. وال شيء أزلي ذو طبيعة ثابتة.ولم يلحظ أحد اكتشافات فيكو الثورية إال بعد أن جعلت الثورة الفرنسيةوالثورة الصناعية من التغير أمرا مألوفا. فقد انهمك ا>ثـقـفـون األوربـيـون

في سلسلة من الدراسات التي طورت االستبصارات األولية١٧٨٩بعد عام لدى فيكو حتى أخذت شكال أكثر اكتماال. وأدت الثورة الفرنسية إلى ظهورصورة دنيوية من الفكرة ا>سيحية التي جتعـل الـزمـن خـطـا مـسـتـقـيـمـا8 المسارا دائريا. وهكذا بدا أن �و ا>عرفة البشرية يكفي وحده (دون حاجةألي اعتبارات دينية) لإليحاء بأن كل حقبة جـديـدة أفـضـل مـن سـابـقـتـهـا8وحتولت فكرة التقدم8 التي ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر8 إلى فكرةتقول بقابلية اإلنسان لبلوغ الكمال8 عند بعض ا>فكرين في القرن التـاسـععشر. (والفكرتان كلتاهما كانتا تعدان في الـسـابـق مـن قـبـيـل الـهـرطـقـة).كذلك شجعت الثورة الفرنسية احلركات القومية في أوربا8 وهي احلركاتالتي كانت تلتمس ما يساندها في الدراسات القائلة بتفرد كل ثقافة قوميةوبإرجاع أصول الهوية القومية إلى التراث الشعبي واألساطير في العصورالوسطى. وفي أ>انيا أفضت دراسة األساطير واللغة إلى الدراسة ا>نهجيةللتغير الثقافي8 التي تتبعناها من هيجل إلى ماركس8 كما أدت إلى التحليلا>تخصص للوثائق التاريخية في مدارس التـاريـخ األ>ـانـيـة اخلـصـبـة الـتـي

نشأت في القرن التاسع عشر.١٨٢٤8وأعاد ا>ؤرخ الفرنسي جول ميشليه اكتشاف كتـابـات فـيـكـو عـام

وشرع في كتابة تاريخ فرنسا على أنه من صنع الشعب الفرنسي. وقد أكدميشليه8 ومعه ا>ؤرخون والفالسفة األ>ان8 أن كتابة التاريخ غير �كنة إالxعايشة جتارب ا>اضي من جديد. وكانوا يؤمنون مثل فيكو-بأن هذه ا>عايشة�كنة ألنه ال تزال هناك «آثار» من العقليات القد�ة في العقلية احلديثة.غير أن سرعة التغير في القرن التاسع عشر والتحليل ا>نطقي الذي قام به

في إجنلترا. وفالسفة التاريخ األ>انDavid Humeفالسفة مثل ديفيد هيوم جعل ا>همة أكثر صعوبة على نحو متزايد.

إن اإلدراك الكامل أن كل ثقافة متفردة وأن احلياة ليست سوى تـغـيـر-

292

الغرب والعالم

وهو ا>وقف الفلسفي الذي تبنته النزعة التاريخية في القرن التاسع عشر8اتنا األساسية ا>عاصرة-كان وال يزال فكرة حتدثوالذي أصبح إحدى مسلم

في العقول صدمة. ولذا فقد شنت عليه احلرب دائما. فكما الحظنا مراراوتكرارا8 يريد كل عصر أن يؤمن بأن قيمه وسلوكه تعكس الطبيعة البشريةالثابتة. ولعل اإل�ان بهذه الطبيعة الثابتة كان أشد ضرورة للمدافعX عنمجتمع السوق في القرن التاسع عشر. وكما رأينا حX تناولنا هويز ولـوم8فإن ا>دافعX عن مجتمع السوق احلديثة تـوصـلـوا إلـى مـجـمـوعـة جـديـدةكاملة من ا>باد� اليقينية عن «الطبيعة اإلنسانية» و«القانون الطبيعي» حتىيخففوا من تأثير االجتاه نحو التفكك واالنقسام والتغير في مجتمـع قـائـم

على أ�وذج السوق.غير أن االكتشافات األنثروبولوجية اجلديدة ومناهج التحليل ا>نطـقـيعملت على التشكيك في كثير من هذه «ا>باد� الـيـقـيـنـيـة» اجلـديـدة الـتـيابتدعوها بعد طرحها مباشرة. وحـدث هـذا مـنـذ ظـهـور الـبـدايـات األولـىلنظرية السوق الليبرالية في القرن السابع عشر. فقد سخر بليز باسـكـال

Blaise Pascal في القرن السابع عشر من إ�ان رينيه ديكارت Rene Descartes

البسيط بأن «الله قد أقام نظام األشياء... بحيث أنه إذا أهتـم كـل إنـسـانبنفسه وحسب ولم يبد اهتماما باآلخرين8 فإنه8 مع هذا8 سيعمل من أجـل

.)٧(صاحلهم8 إن جرت األمور في مجراها الطبيعي»لقد اتضح لباسكال8 من خالل مالحظته عـادات الـبـشـر ا>ـتـبـايـنـة8 أن«السلب8 ونكاح احملارم8 ووأد األطفال8 وقتل األطفال واآلباء» تعد «فضائل»من وجهة نظر بعض الثقافات. ومن هنا فإن «تأسيس نظام العالم... بحسبهوى كل فرد»8 هو ضرب من اجلنون8 فإن قوانX الطبيعة اإلنسانية-حسبرؤية باسكال-تتغير مع كل فصل ومع كل عبور للـنـهـر8 وإنـه >ـن لـغـو الـقـولافتراض أن العدالة �كن أن تأتي من مجتمع ال �ـارس فـيـه اإلحـسـان أواإلحساس بالترابط أو بالتراث. إن أخالقيات التمحور حول الذات الفارغةفي عالم ما بعد العصور الوسطى هي أخالقيات مخيفة8 شأنهـا فـي هـذاشأن «الصمت األبدي الذي يسود الفضاء الالمتناهي» الذي افترضه العلم

بعد العصر الوسيط.وفي نهاية القرن الثـامـن عـشـر عـاد آدم سـمـيـث إلـى مـا كـان يـؤمـن بـه

293

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

ديكارت8 ولكن ا>عرفة األنثروبولوجية التي توصل إليها كولومـبـوس فـنـدتبدورها رؤيته اخلاصة «باإلنسان االقتصادي» الطبيعي8 كمـا أن افـتـراضـهأن قوانX العرض والطلب وغريزة التملك اإلنسانية «الطبيـعـيـة»8 سـتـؤديإلى انسجام طبيعي بX ا>صالح اخملتلفة8 كان قد واجه بالفعل حتديا نتيجةإلصرار ديفيد هيوم على أن منطق العلة وا>علول أضيق نطاقا من أن يساند

مثل هذه التعميمات.Xومع هذا فإن أصحاب مذهب ا>نفعة العامة في بريطانيا والـوضـعـيـفي أوربا كان عليهم أن يتعلموا الدروس نفسها من جديد. فقد ظهر عامالنيبرران استخالص قوانX جديدة للطبيعة البشرية8 هما احلاجة إلى مجتمعيدار على نحو أشبه بالسوق8 والنجاح الذي أحرزتـه اآلالت والـعـلـم. ولـكـنسرعان ما اتضح أن القوانX اجلديدة تشبه القوانX القد�ة التي طرحهاديكارت ولوك وآدم سميث. إذ حاول أصحاب مذهب ا>نفعة (جيرمي بنتام

Jeremy Bentham وجيمس مل James Millوجون ستيوارت مل في شبابه) أن يجدوا الطبيعة اإلنسانية كامنة8 في تلك التي يتمتع بـهـا كـل إنـسـان8 عـلـى

ذات واآلالم التي يحس بهما كل فرد منعزل8 وتخيلوا أناحلساب الرشيد لل«أكبر قدر من السعادة ألكبر عدد من الناس» �كن أن يصلح هدفا للسياسةاالجتماعية8 كما أن تعظيم اللذة الفردية �ـكـن أن يـصـلـح الـهـدف احملـددلسلوك األفراد. واشتط الوضعيون من أمثال هيوليت تX في فرنـسـا إلـىدرجة أنهم ذهبوا إلى أن «الفضيلة والرذيلة هي نواجت مثل الـسـكـر والـزاج

(حامض الكبريتيك).بل إن رؤية القرن التاسع عشر للطبيعة اإلنسانية والـقـانـون الـطـبـيـعـيكانت أكثر تهافتا من الرؤى السابقة8 ومن ثم كانت ا>عارضة ا>وجهة إليهاأقوى8 إذ حل محل باسكال8 الذي كان وحيدا منفردا8 حركة رومانسية كاملةمن الفنانX والشعراء والفالسفة الذين ال نستطيع جتاهل إصرارهم علىقوة العاطفة والالعقالنية واالنفعال والثقافة. وقدمت الدراسات ا>تخصصةالناشئة في األنثروبولوجيا وعلم االجتماع والتاريخ مزيدا مـن األدلـة عـلـىتنوع الثقافة لدرجة ال �كن معها طرح قوانX كلية للطبيعة اإلنسانية. إنالطريق الذي يفضي من إدراك الفروق الثقافية إلى إدراك التغير اجلوهريقد أصبح �هدا8 وأصبح من األسـهـل عـلـى أنـاس نـشـأوا مـؤمـنـX بـفـكـرة

294

الغرب والعالم

الزمن ا>سيحي والتقدم أن يسيروا فيه.

النسبية والعلوم اإلنسانيةأدرك الغربيون-طوال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين-أن االختبارات اإلنسانية أشد تعقدا وأقل قابليـة لـلـتـنـبـوء �ـا اعـتـرف بـهالوضعيون وأصحاب مذهب ا>نفعة. فسخر فالسفة من أمثال آرثر شوبنهوز

Arthur Schopenhauer وفريدريك نيتشة وهنري برجسون Henri Bergsonمن اعتقاد الوضعيX بأن اإلنسان آلة عاقلة مفكرة8 و�سكوا بأن اإلنسان إنهو إال حزمة من الدوافع احليوانية8 وبأن اإلرادة والغريزة والطاقة والدافعهي التي حترك اإلنسان. وقد تأثرت البشرية بالسلطة واألسطورة واألكذوبةأكثر �ا تأثرت بالعقل واحلجة. ووجد سيجموند فرويد شواهد تدل علىأن السلوك اإلنساني هو أساسا سلوك غير عقالني. فالرغبات اجلنسـيـةوالدوافع ا>تراكمة من الالشعور هي التي دفعت الناس ألن يفعلوا ما يفعلونه.أما العقل فكان في احلقيقة أداة خلداع الذات وإرباك اآلخرين. وا>برراتالتي تقدمها لسلوكنا (وهي تفسيرات عقلية ولكنها زائفة) هي دفاعـات الشعور قادر على التستر. فإذا كنا �نع أنفسنا من فهم أنفسـنـا8 فـأنـى لـنـابفهم غيرنا? فال عجب أن كان أحد ا>وضوعات ا>تكررة في درامـا الـقـرن

العشرين هو أن الناس ال تتواصل بعضها مع البعض.Xالرومانسي Xوكما بعث الفالسفة وفرويد استبصارات الشعراء والفنانباجلانب الالمعقول في األفراد8 فإن علماء االجتماع قد أصبح لديهم وعيمتزايد بالنسيج الالعقلي للمجتمع. فـالـنـاس لـم يـخـلـقـوا اجملـتـمـع «بـعـقـداجتماعي» كما تخيل ا>فكرون الوضعيون8 ولم يـحـدث أن وافـق أحـد عـلـىاالنضمام إلى اجملتمع كما ينضم ا>رء إلى جمعـيـة مـن اجلـمـعـيـات. بـل إن

- كالـديـن8 يـتـقـبـل ا>ـرء Emile Durkheimاجملتمـع-كـمـا بـX إمـيـل دور كـا� أساطيره وسلطانه ألنه عضو فيه. وا>رء ال يختار الـعـضـويـة فـي اجملـتـمـعاإلنساني. إن اجملتمع والثقافة هما اللذان منحا الفرد إنسانـيـتـه وفـرديـتـه(كما أدرك سقراط ونعى لوك). وشبيه بهـذا مـا ذكـر مـاكـس فـيـبـر مـن أنالناس ال يطيعون القوانX ألنهم يوافقون عليها8 فكثير من الناس يطيعـونالقادة بسبب سحرهم وشخصيتهم الكاريزمية أو قد يطيعون القوانX من

295

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

باب االنقياد للعرف أو عدم االكتراث البيروقراطي. وقد أدت معرفة أهميةالعوامل الالعقلية في اجملتمع ببعض علماء االجتماع (من فلفريدو باريـتـو

Vilferdo Paretoإلى أخصائيي العالقات العامة والدعاية احلديثة إلى ا>ناداة بالتحكم في عقول الناس والتمويه عليهم. وهناك آخرون (مثل جورج سوريل

Georges Soreاستخدموا األساطير الشعبية أداة لـلـثـورة االجـتـمـاعـيـة. إن (إدراك قدرة اجملتمع على التحكم في السلوك8 يؤدي إلى نفس النتائج النسبيةالتي تؤدي إليها كشوف األنثروبولوجيX بشأن حتكم الثـقـافـة فـي جـوانـب

وهو علم لم يظهر)٨(كثيرة من حياة البشر. وقد قام «علم اجتماع ا>عرفة»Xإال في القرن العشرين بإخضاع ا>عرفة8 نفسها >ثل هذا التحليل8 فقد بعلماء االجتماع من أمثال كارل مانها�-مستندين إلى اكـتـشـافـات مـاركـسأليديـولـوجـيـات الـطـبـقـات االجـتـمـاعـيـة8 وبـحـث دور كـا� فـي «الـعـقـلـيـات

8 ودراسات فيبر النظرية والتاريخية-أن ا>عرفة نفسها نسـبـيـة)٩(اجلمعيـة»بحسب الوضع االجتماعي للعارف (أو «مرتبطة» بهذا الوضع8 كما يفـضـلمانها� أن يقول). فالطبقات اخملتلفة تكون لنفـسـهـا أنـواعـا مـخـتـلـفـة مـنا>عرفة. وعلى الرغم من أنه قد تكون هناك طرق لتـحـديـد صـدق جـزئـيـةمعينة من ا>عرفة أو خطئها8 فإن الشيء الذي ينبغي االعتراف به هو أنهامعرفة من أجل طبقة معينة في ظرف تاريخي محدد. مثال ذلك أن تراثالبحث العلمي الغربي احلديث برمته في اهتمامه بـالـفـصـل بـX ا>ـالحـظوالشيء ا>الحظ8 وفي اجتاهه إلى التفتيت والتخصيص وتأكيده على رؤيةاألشياء في شكل كمي8 إ�ا يعكس احتياجات طبقة ناشئة تنادي بالتفـرد8وكل توجهها نحو السوق. أما ا>عرفة التي يقدمها العلم الصيني وبناء اللغةالصينية فتعكس االحتياجات اخملتلفة لطبقة بيروقراطية من ا>ثقفX. وهناكعدد ال يحصى من أ�اط ا>عرفة. وفي جـمـيـع هـذه احلـاالت يـكـون وضـع

اإلنسان االجتماعي والثقافي هو الذي يحدد ما �كنه معرفته.

وراء اليقني والنسبية: فهم التاريخ اإلنساني وصنعه.«أعلن كارل مانها� حX كتب ما �كن أن يسمى «ببيان النزعة التاريخية»أن هذه القوة الثقافية تلخص نظرة اإلنسان احلديث إلى الكون. فللتاريخيةأهمية قصوى في العلوم االجتماعية وفي التفكير اليومي على السواء. فمن

296

الغرب والعالم

ا>ستحيل ا>شاركة في السياسة بل حتى فهـم إنـسـان مـا فـي أيـامـنـا هـذه8بدون الرجوع إلى مباد� النزعة التاريخية. وال بد لإلنسان احلديث8 سواءأكان عا>ا اجتماعيا أم رجال عاديا8 أن يتناول كـل احلـقـائـق الـتـي تـواجـهـهبوصفها حقائق ظهرت تدريجيا وتطورت تطورا ديناميا). ذلك ألن الـنـاسيستخدمون8 في حياتهم اليومية بدورها8 مفاهيم ذات مضـامـX تـاريـخـيـةكالسلوك الثقافي8 والرأسمالية8 واحلركة االجتماعية8 وما إلى ذلك. والعقليةاحلديثة تتعامل مع هذه الظواهر بوصفها إمكانات في حالة حركة مستمرةمن نقطة زمنية إلى أخرى. وحتى في تفكيرنا اليومي نسعى إلى أن حتديدموقفنا الراهن في إطار مجال دينامي8 وأن نتعرف على الوقـت مـن خـالل

.)١٠(«الساعة الكونية للتاريخ» أننا نعيش في عالم يتغير دوما8 وتغيره هو يقيننا الوحيد. وال �كننا أننفهم أنفسنا أو وضعنا احلالي بدون أن نفهم هذه التغيرات8 فهذا هـو كـلوجودنا8 ولكن كلما ازداد تغير األشياء8 ازداد فهمنا لها بصعوبة فنحن أقدر

على فهم الثبات واالستمرار8 ولكن بقاءنا يتوقف على فهم التغير.هذه هي ا>شكلة التي بدأت النزعة التاريخية في مواجهتها فـي نـهـايـةالقرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وثمة فالسفة (مثل فلهلم دلتى

Wilhelm Deltey 8 فريدريك نيتشة8 بنديتو كوروتشةBenedetto Croce.8 ر. ج) دفعوا xشكلة الـفـهـم الـتـاريـخـي إلـى حـافـةR.G. Collingwoodكولـنـجـوود

الاليقX. فكل عصر8 بل كل حادثة وكل فرد8 هو في نظرهم نسيج وحده.ولكي نفهمـه فـهـمـا كـامـال يـتـعـX عـلـيـنـا أن نـتـجـاوز تـفـردنـا ونـشـارك فـيخصوصيته. غير أن �ارستنا لتجربة معايشة هـذا الـعـمـر أو احلـادثـة أوالفرد من جديد هي بالضرورة �ارستنا نحن إذ أننا ال نفقد ذاتنـا كـلـيـة.وكل تفسير وتأويل8 برغم كل ما نبذله من جهد8 هو تفسيرنا وتأويلنا نحن.أما محاولة فهم ا>اضي بوصفه حقيقة موضوعية في جهد عقيم8 ألن كلإنسان يراه من زاويته اخلاصة ومن خالل ذاته. ويـصـدق هـذا األمـر عـلـىفهم احلاضر وإن كان ا>اضي (الذي بدأ منذ حلظة) يضيع منا بقدر أكبر.وهكذا ال يوجد شيء اسمه ا>اضي8 بل كل ما هنالك أشكال من الفهم بقدرعدد الناس في احلاضر. فالتاريخ هو التفكير في ا>اضي. وعلى الرغم منأننا نستطيع أن نحدد ما إذا كانت حقيقة معينة صادقة أم ال بعـد الـنـظـر

297

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

الدقيق فيما تعنيه8 فإن هناك عددا ال متناه من احلقائق التي �كن النظرإليها من منظورات ال متناهية. ونحن نختار تلك التي تهمنا ألنها تهمنا. وكلعصر يعيد كتابة ا>اضي في ضوء مصالح احلاضر. وكل إنسان يفعل هذا8ويغير ا>اضي. وهكذا فإن األسطورة والذاكرة واحلنـX والـتـاريـخ-كـل هـذهليست سوى طرق بديلة لكي جنعل ألنفسنا جذورا في الزمن. وليس للتاريخ«ا>وضوعي» معنى xعزل عن اتباع قواعد التحقق التي تنتمي إلى احلاضر.وهذا يساعدنا على استبعاد األخطاء8 ولكنه ال يهدينا إلى كـيـفـيـة اخـتـيـاراحلقائق. فالتاريخ ليس إال إعادة بناء خالقة ا>اضي في ضوء احلاضر.

إن إدراك أن كل شيء يتغير8 لم يصبح �كنا إال في مجتمـع يـغـيـر كـلشيء-أي مجتمع االستهالك السريع-. ولكن ما إن توصل اإلنسان إلى هذااإلدراك حتى أصبح يصدق على كل اجملتمعات. على أن النتيجة التي خلصتإليها النزعة التاريخية قد أقلقت كثيرا من مفكري القرن العشرين إلى حدأنهم الذوا بالدين أو األسطورة أو التجربة ا>باشرة فرارا من التغير. وانتهىالبعض إلى أن التاريخ غير جدير با>عرفة ما دام غير نهائي8 أو إلى أنه إذاكان كل شيء يتغير فال يوجد بالتالي جدوى من معرفة كيفية حدوث هـذا

التغير.ووجد آخرون (كميشيلية في قراءته لفيكو) قدرا هائال من احلرية فياكتشاف قدرة البشر على أن يصنعوا أنفسهم8 ويعيدوا صناعتها بال انقطاع.هذا التغير الشامل ال يعني في نظرهم أن يعلن اإلنسان يأسه ويقعد ملومامحسورا8 بل يعني إتاحة الفرصة لفهم متجدد والتخطيط الجتاهات جديدة.

ومن أجل هؤالء كتب هذا الكتاب.

ملزيد من اإلطالعاعتمدنا اعتمادا كبيرا في مجال تاريخ فن التصوير احلديث8 على كتاب

وهـو كـتـابThe Shock of the Newصـدمـة اجلـديــد Ian Dunlopإيـان دنـلـوب �تلئ باحليوية ومصور تصويرا جيدا. وثـمـة تـاريـخ شـامـل آخـر �ـكـن أن

التيارات الرئيسة في الفن احلديثJohn Canadayجنده في كتاب جون كندي Mainstreams in Modern Artوهو من الكتب اجليدة التي تقدم تفسيرا >قاصد

الفنانX احملدثX األول من منظور عشرينات هذا الـقـرن. وهـنـاك مـدخـل

298

الغرب والعالم

Xطيب عن ا>وسيقى احلديثة يغطي الفترة نفسها8 هو كتاب لينارد برنشتThe Unanswered سؤال بال جواب Leonard Bernstein(حسب النطق األمريكي)

Question.وإذا أراد القار� مداخل للثقافة احلديثة في صورتها األعم فثمة مختارات

Paths to the دروب إلى احلاضر �Eugen Weberتازة في كتاب إيوجX فيبر

Present وكتاب ريـتـشـارد أ>ـان Richard Ellmann وشارلز فـيـدلـسـون Charles

Feidelsonراث احلديث الت The Modern Tradition8 كما أن كتاب جون كروكشانكJohn Cruikshank جوانب من العقلية األوربية احلديثة Aspects of the Modern

European Mind هو مجموعة مفيدة أيضا من اخملتارات القصيرة. أما عن كتب تاريخ الثقافة احلديثة فلدينا كتاب �تاز هو كتاب هـ ستيوارت هيوز

H. Stuart Hughes الوعي واجملتمع: إعادة توجيه الفكر االجتماعي األوربـي ١٨٩٠-١٩٣٠ Consciousness and Society: The Reorientation of European Social

Thought 1890-1930وكتاب روجر شاتوك Roger Shattuck ا>أدبة: أصول XسنThe Banquet إلى احلرب العا>ية األولى١٨٨٥احلركة الطليعية في فرنسا من

Years: The Origins of the Avant-Grade in France, 1885 to World War I دراسة تستغرق اهتمام القار� عن أربعة فنانX في هذه الفترة. وقد أشرف توماس

عـلـى جـمـع بـعــض John Ashbery وجـون أشـبـيـري .Thomas B. Hess ب. هـسوكتاب ريناتو بوجولي .Avant-Garde Art ا>قاالت ا>متازة في كتاب فن الطليعة

Renato Poggioliنظرية الطـلـيـعـة The Theory of the Avant-Garde هو حتـلـيـلArnold Hauser ماركسي متعمق يشحذ قريحة القار�8 أما كتاب آرنولد هاوزر

خصوصا اجلزء الرابع) The Social History of Art .التاريخ االجتماعي للـفـنعن الطبيعة واالنطباعية وعصر السينما) فهو أيضا معاجلة ماركسية مثيرة8

والتواريخ Ways of Seeing طرق الرؤية John Berger وكذلك كتاب جون برجرالثقافة واجملتمع Raymond Williams األكثر تخصصا التي كتبها ر�وند وليامز

١٧٨٠-١٩٥٠ Culture and Society 1780-1950 والــثـــورة الـــطـــويـــلـــة The Long

Revolution 8 وكلمات رئيسة Key Words .The Discovery of Timeاكتشـاف الـزمـن John GoodField وجون جودفيـلـد

Shapes of أشكال التاريخ الفلسفي Frank E. Manuelوكتاب فرانك أ. مانويل

Philosophic History وكتاب فريتز شتيرن Fritz Sternالضروب ا>تنوعة للتاريخ

299

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

The Varieties of History وكـتـاب ر. ج. كـولـنـجــوود R. G. Collingwoodفـكـرة وهو كتاب رائع يتطلب جهدا من قارئه. أما كتابThe Idea of Historyالتاريخ

Road to احملافظ طريـق إلـى الـشـك Gunter W Remmlingجونتـر و رمـلـنـج.

Suspicionفيتتبع أصول علم اجتماع ا>عرفة. وهناك تاريخ ثقافي عـام فـي أصول فلسفة القرن العشرين: تطور الفكرHarry Proschكتاب هاري بروش

The Genesis of Twentieth Centuryمـن كـوبـر تـيـكـوس إلـى الـعـصـر احلــالــي

Philosophy: The Evolution of Thought From Copernicus to the Present

وهناك أيضا كم من الكتب اخلاصة عن الثقافة احلديثة تستحق التنويه.The Science of علم الثقـافـة Leslie A. Whiteفهناك كتاب ليسـلـي أ.هـوايـت

Cultureوبالرغم من أنه ليس تاريخا فإنه يعد تـعـبـيـرا �ـتـازا عـن مـوقـف Marshall McLuhanنزعة احلتمية الثقافية. وتعد أعمال مارشال مكلـوهـان

العروس اآللـيـةUnderstanding Mediaوبصفة خاصة فهـم وسـائـط اإلعـالم The Mechanical Brideمدخال رائعا لثقافة التليفزيون8 وكذلك كتاب ر�وند

.Televisionوليمز التليفزيون وهناك عدة كتب عن السينما ال نذكر منها إال واحدا هو كتاب بيال باالز

Bela Balaz نــظــريــة الــفــيــلـــم Theory of the Filmوهــنــاك تــاريــخ مــشـــوق . من القردH. R. Hoysلألنثروبولوجيا واألثروبولوجيني وهو كتاب هـ. ر. هيز

.From Ape to Angelإلى ا>الك

300

الغرب والعالم

هوامش الفصل احلادي والعشرين

هذه الفقرات وغيرها من اقتباسات هذا القسم مأخوذة من كتاب إيان دنلوب:(1) Ian Dunlop’s The Shock of the New, New York: Mcgraw-Hill, 1972.

(2) John Canady, Mainstreams of Modern Art, New York: Simon & Schuster, 1959, pp. 469-470.

(3) Van Wyck Brooks, John Sloan, quoted in Ian Dunlop, op. cit. p. 197

(4) Walter Pach, Queer Thing, Painting, quoted in ibid

(5) Quoted in Ibid, pp. 184-185.

(6) Quoted in Howard Mumford Jones, O Strange New World, New York: Viking Press, 1964, pp.15-

16.

(7) Letter of 6 October 1646 to Princess Elizabeth of Bohemia. Quoted in Lucien Goldmann, The

Hidden God, London: Routledge: Kegan Paul, 1964, p. 28.

(8) J.W. Burrow, Evolution and Society, Cambridge Univ. Press, 1966, p. 136.

(9) William Ewart Gladstone quoted in A.D. White, A History of the Welfare of Science With Theology

in Christendom, New York: Dover, 1960, vol. 1, p. 76

(10) Gunter W. Remmling, Road to Suspicion: A Study of Modern Mentality and the Sociology of

Knowledge, Englewood Cliffs, N. J.: Prentice-Hall, 1967, p. 95.

301

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

السياق التاريخي حتى الوقت احلاضر١٨٠٠للعالم احلديث: من

الثقافة في أوروبا

الثورة الصناعية١٧٠٠حوالي

الرومانتيكية الثقافية١٩٠٠- ١٧٨٠

نابليون١٨١٥-١٨٠٠

االشتراكية الطوباوية١٨٤٨-١٨٠٠

مذهب ا>نفعة١٨٧٠- ١٨٠٠

الليبرالية١٩١٤-١٨٠٠

أول خط سكة حديد١٨٢٥

«ثورة يوليه« الفرنسية١٨٣٠

«الواقعية« الثقافية١٩١٤-١٨٣٠

حركة ا>يثاق١٨٤٨-١٨٣٨

١٨٤٨ثورات البيان الشيوعي

١٨٤٨توحيد إيطاليا

١٨٧٠- ١٨٤٨نابليون الثالث

١٨٧٠-١٨٥٢حكم

السياسة واالقتصاد في أوروبا

البريطانيون ينهون جتارة الرقيق١٨٠٧

ازدياد أسعارالرقيق١٨٠٨

الواليات ا>تحده تنهيجتارة الرقيق

١٨٠٩استقالل معظم أمريكا الالتينية

١٨٢٨- ١٨١٠

البرازيل تنهي جتارة الرقيق١٨٥١

األمريكتان

Xأسرة مانشو في الص١٩١٢-١٦٤٤

حرب األفيون البريطانيةالصينية

١٨٤٢-١٨٣٩اضمحالل جتارة الرقيق

في أفريقيا١٨٦٣-١٨٤٠

Xرد تايبنج في الص�١٨٦٤-١٨٥١

فتح اليابان

302

الغرب والعالم

مل عن احلرية١٨٥٩

كتاب داروين أصل األنواع١٨٥٩

حتريراألقنان في روسيا١٨٦١

Xصالون ا>رفوض١٨٦٣

�رد كوميونة باريس١٨٧٠

االنطباعية١٨٩٠-١٨٧٠

اإلمبراطوريه األ>انية١٩١٨-١٨٧١

آلة االحتراق الداخلي١٨٧٦

ما بعد االنطباعية

احلرب األهلية األمريكية١٨٦٥-١٨٦١

إعالن حتريرالعبيدفي الواليات ا>تحدة

١٨٦٦

التليفون١٨٧٦

ظهور تشريعات التفرقة العنصريةفي الواليات ا>تحدة

١٩٥٤-١٨٧٧البرازيل حترر العبيد

١٨٨٨الرأسمالية ا>الية األمريكية

١٨٥٤التمرد الكبير في الهند

١٨٥٨-١٨٥٧بريطانيا حتكم الهند

١٨٥٨

صن يات/ صن١٩٢٥-١٨٦٦

استرجاع ا>ـيـجـي فـي الـيـابـان١٨٦٧

ا>ها�ا غاندي١٩٤٨-١٨٦٩

فتح قنال السويس١٨٦٩

نهاية اإلقطاع في اليابان١٨٧١

ذروة اإلمبريالية الغربية١٩١٤-١٨٨٠

تنظيم حزب ا>ؤ�رالهندي

١٨٨٥

األمريكتانالسياسة واالقتصاد في أوروباالثقافة في أوروبا

303

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

١٨٩٠حوالي التعبيرية في الفن

١٨٩٣حوالي اكتشاف أشعة أكس

١٨٩٥البرق الالسلكي

١٨٩٩فرويد تفسيراألحالم

١٩٠٠التكعيبية١٩٠٣حوالي

في روسيا١٩٠٥ثورة Xنظريات أينشت

١٩١٠-١٩٠٥

احلرب العا>ية األولى١٩١٨-١٩١٤

الثورة الروسية١٩١٧

السيريالية١٩١٨حوالي

عصبة األ�١٩٤٦-١٩٢٠

الثورة الفاشية في إيطاليا١٩٢٢

Xموت لين١٩٢٤

Xديكتاتورية ستال١٩٥٣-١٩٢٤

١٨٩٠حوالي

احلركـة الـتـقـدمـيـة فـي الـواليـات١٩١٦- ١٩٠١ا>تحدة

الثورة ا>كسيكية١٩١١

معرض آرموري في نيويورك١٩١٣

خط فورد للتجميع١٩١٣

جتارب هوثورن التي قامبها إلتون مايو

Xفي الص Xثورة ا>الكم١٩٠٠

Xالثورة في الص١٩١١

النبالء ا>تناحرونXيقسمون الص

١٩٢٨-١٩١٦

ذروة القومية الهندية١٩١٩-١٩٤٧

ذروة الثورة االجتماعيةفي ا>كسيك

١٩٤٠-١٩٢٠

األمريكتانالسياسة واالقتصاد في أوروباالثقافة في أوروبا

304

الغرب والعالم

الكساد الكبير١٩٣٩-١٩٢٩

الثورة النازية في أ>انيا

١٩٣٣احلرب العا>ية الثانيه

١٩٤٥-١٩٣٩انقسام أوروبا إلى

شرق وغرب١٩٤٥

حصول ا>رأة على حقاالقتراع: فرنسا وإيطاليا

١٩٤٦-١٩٤٥مشروع مارشال األمريكي

١٩٤٧حلف األطلنطي (الناتو)

١٩٤٩انتعاش أ>انيا الغربية

١٩٤٩حوالي

Xموت ستال١٩٥٣

نهاية مستعمرات إجنلترا

١٩٢٤

الكساد الكبير١٩٣٩-١٩٢٩

برنامج الرئيس روزفلت اجلديدفي الواليات ا>تحدة

النعاش االقتصاد األمريكيمن خالل تدخل الدولة

١٩٣٩- ١٩٣٣خمود الثورة ا>كسيكية

١٩٤٠حوالي احلرب العا>ية الثانية

١٩٤١-١٩٤٥

انتشار الصناعات التخليقيةفي االقتصاد األمريكي

١٩٤٥حوالي احلرب الباردة مع روسيا

١٩٤٦حوالي

احلرب الكورية١٩٥٣-١٩٥٠

الشيوعية الكوبية١٩٥٩حوالي

حرب الواليات ا>تحدة في فيتنام

Xالنظام القومي في الص(تشاجن كاي/ تشيك)

١٩٢٨-١٩٤٩انتصار ا>تشردين في اليابان

١٩٣٦Xاليابان تغزو الص

١٩٣٧

بريطانيا تغادرالهند١٩٤٧

االنتصار الشيوعيXفي الص

١٩٤٩الثورات في أفريقيا

ضد االستعمار8 واالستقالل١٩٤٩حوالي

استقالل أندونسيا١٩٤٩

االنقسام الصيني/ الروسي

األمريكتانالسياسة واالقتصاد في أوروباالثقافة في أوروبا

305

الثقافة والتغير: ما وراء اليقA والنسبية

وفرنسا وبلجيكا في أفريقيا١٩٦٢-١٩٥٧

احتجاجات العمال والطلبة

١٩٦٨السوق األوروبية ا>شتركة

تضم اجنلترا١٩٧٣

الكساد والتضخم١٩٧٣حوالي

مكاسب األحزاباالشتراكية والشيوعية

في غرب أوروبا١٩٧٦- ١٩٧٤

١٩٧٥-١٩٦٤د�وقراطية شيلي ا>اركسية

١٩٧٤- ١٩٧٠

استقالة نيكسون١٩٧٤

زيادة حدة أزمة الطاقة١٩٧٩

١٩٦٠حوالي الثورة الثقافية

Xفي الص١٩٦٧-١٩٦٦

موت ماو١٩٧٦

الصX تفتح أبوابهاللغرب١٩٧٨

خلع شاه إيران١٩٧٩

األمريكتانالسياسة واالقتصاد في أوروباالثقافة في أوروبا

306

الغرب والعالم

307

ا,ؤلف في سطور:كافX رايلي

) وعضـو١٩٨٣- ١٩٨٢× مؤرخ أمريكي8 ورئيس جمعية الـتـاريـخ الـعـا>ـي (اجلمعية التاريخية األمريكية.

×متخرج في جامعة رجترز بالواليات ا>تحدة.× له عدة مؤلفات أهمها:

- الكتاب الذي بX يدي القار� (ويعد �وذجا خاصا ومتميزا في تدريسالتاريخ من خالل قضايا وموضوعات).- مجموعة من ا>قاالت والدراسات

- وكتاب عن تدريس التاريخ عامة وتاريخ احلضارة خاصة.

ا,ترجمان في سطور:د. عبد الوهاب عمد ا,سيري

× أسـتـاذ بـكـلـيـة الـبــنــات(جـامـعـة عـX شـمـس) مـعـارجلامعة ا>لك سعود بالرياض.(قـــســـم األدب اإلجنـــلـــيــــزي

وا>قارن).× شـغـل وظــيــفــة خــبــيــرالصهيونية xركز الدراساتالـسـيـاسـيـة واالسـتـراتـيـجـيـة

.١٩٧٥باألهرام حتى عام × عمل مستشارا ثقـافـيـاللوفد الدائم جلامـعـة الـدولالعربية بهيئـة األ� ا>ـتـحـدة

.١٩٧٩- ١٩٧٥بX عامى× من مؤلفاته:

- مــوســوعــة ا>ــفـــاهـــيـــموا>صطـلـحـات الـصـهـيـونـيـة.

قصة االنثروبولوجياتأليف: د. حسX فهيم

الكتابالقادم

308

(وهو يعد لطبعة جديدة منها ستصدر خالل عام أن شاء الله)- الشعر الرومانتيكي اإلجنليزي: النصوص األساسية وبعض الدراسات

التاريخية والنقدية. األيديولوجية الصهيونية: دراسة في علم اجتماع ا>عرفة-جزآن (صدر-

في سلسلة عالم ا>عرفة).د. هدى عبد السميع حجازي

× أستاذة مساعدة بكلية البنات (جـامـعـة عـX شـمـس) مـعـارة جلـامـعـةا>لك سعود بالرياض.

× دكتوراه في األصول الفلسفية واالجتماعية من جامعة رجترز بالواليات١٩٧٩ا>تحدة عام

× من مؤلفاتها:- كتاب مهنة التعليم

- مقاالت في التربية وفي النظام التعليمي في إسرائيل.

ا,راجع في سطور:د. فؤاد زكريا

)١٩٢٧× من مواليد بور سعيد بجمهورية مصر العربية (.١٩٥٦× دكتوراه في الفلسفة من جامعة عX شمس عام

× رأس حترير مجلة الفكر ا>عاصر وتراث اإلنسانية في مصر.× من أعماله ا>نشورة:

- اسبينوزا ونظرية ا>عرفة- اإلنسان واحلضارة

- التعبير ا>وسيقي- مشكالت الفكر والثقافة

- ترجمة ودراسة جلمهورية أفالطون- ترجمة العقل والثورة (ماركيوز)

- ترجمة حكمة الغرب-جزآن (صدر في سلسلة عالم ا>عرفة)× يعمل حاليا رئيسا لقسم الفلسفة بجامعة الكويت8 ومستشارا لسلسلة

عالم ا>عرفة.