بسم الله الرحمن الرحيمالقواعد الفقهية البن سعدي

مقدمات في فن القواعد الفقهية: الفرق بين القواعد الفقهيةواألصولية

الشيخ/ خالد بن عثمان السبت

الحمد لله رب العالمين، والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين، نبينا محم��د،وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فسالم الله عليكم ورحمته وبركات��ه، حي��اكم الل��ه في ه��ذا المجلس، وأس��أل الل��ه -ع�ز وجل- أن يبارك لنا ولكم فيما نسمع، وأن يجعل أعمالنا خاصة لوجهه، وأن يعيننا وإياكم

على ذكره وشكره وحسن عبادته. في مطلع هذا ال��درس س��أذكر بعض المق��دمات بين ي��دي دراس��ة ه��ذا الكت��اب، وه��ذه المقدمات تتعلق بنبذة مختصرة عن فن القواعد، بحيث إن اإلنسان يتص��ور ه��ذا العلم، ويعرف حقيقته، وبعض ما يتعلق به، ولذلك سأذكر -بإذن الله -عز وج��ل- تس��ع قض��ايا، ثم أرجو أن ييسر الله -عز وجل- بعد ذل�ك فأش��رح عش��رة أبي��ات من ه��ذه المنظوم��ة

المختصرة.فهي:أما القضايا التسع

أوال: في بيان معنى القواعد.ثانيا: في ذلك بعض الفروقات، ما الفرق بين القاعدة وبين الضابط مثال؟.

ما الفرق بين القواعد وبين الفروق مثال؟ ما الفرق بين القواعد وبين التقاسيم؟

فنالحظ أن كتاب��ا من كتب ه��ذا الع��الم ي��ذكر القواع��د والف��روق والتقاس��يم، م��ا مع��نىالفروق والتقاسيم؟، ما الفرق بين القواعد واألشباه والنظائر مثال؟.

ولعلي أتعرض لبعض ذلك بما يتالءم مع شرح ه�ذا الكت��اب من غ��ير إطال��ة وال توس��ع -بإذن الله تبارك وتعالى.

ما الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد األصولية؟.jلف فيه؟ متى ذكر أول تعري��ف ل��ه ثالثا: نشأة هذا العلم، متى نشأ؟ متى عjرف؟ متى أ

في الكتب بحسب ما وقفنا عليه؟ رابعا: ما هي أهميته؟ لماذا ندرس هذا العلم؟ هل هو من العلوم المهمة أو من العل��وم المكملة، من متممات العلوم أو من ملح العلوم؟ متى يدرس؟ هل ي��درس في البداي��ة أو يدرس في النهاية؟ نحن نسمع أحيانا أن علم القواعد ال يدرس إال بعد دراسة الفق��ه

برمته هل هذا صحيح بإطالق، أو أنه يدرس قبل ذلك، أو فيه تفصيل؟ خامسا: طرق العلماء في الت��أليف، المؤلف��ات في القواع��د كث��يرة ج��دا، ه��ل هي على

طريقة واحدة، صبة واحدة، أو أنها تختلف في طريقتها؟ سادسا: في أنواع القواعد، هل ك��ل ش��يء يق��ال ل��ه: قاع��دة يس��اوي غ��يره تمام��ا من القواعد في شموليته، ودقته، والتسليم به؟ أو أن القواعد تتفاوت منها م��ا ه��و ش��امل، منها ما فيه خالف في أصله، منها ما فيه خالف في كثير من تفاصيله، وهكذا في قضايا

.متنوعة سابعا: في طريقة صياغة القواعد، ما هي طريقة العلم��اء في ص��ياغة القواع��د؟، منهم

.من يصوغ القاعدة في نصف سطر، ومنهم يصوغ القاعدة في أربع صفحاتثامنا: نماذج من المؤلفات في القواعد في كل مذهب من المذاهب.

تاسعا: توصيف هذا الكتاب، ما هو هذا الكتاب؟ ما الذي يشتمل عليه؟ م��ا حقيق��ة ه��ذه األشياء التي اشتمل عليها؟ ما قيمته��ا؟ م��ا الف��رق بين��ه وبين الكت��اب اآلخ��ر للمؤل��ف؟ المؤلف له كتاب آخر ما الفرق بين الكتابين؟ نحن في كث��ير من األحي��ان ن��رى عن��اوين

الكتب وال نتبصر بمحتواها، وال شك أن هذا تقصير يقع في��ه ط��الب العلم، فيبقى األم��ربالنسبة إليه غامضا مبهما، فيحتاج إلى كشف.

ففي هذه المقدمة نشرح عشرة أبيات، وهي أبيات المقدمة ال��تي ق��دم به��ا المؤل��ف -رحمه الله تعالى.

أوال: تعريف القواعد الفقهية:jشعر بمعنى الثبوت، كل مع��نى من المع��اني ال��تي ي��ذكرها أه��ل القاعدة: هذه الكلمة ت اللغة: القواعد من النساء، قاعدة البناء، قواعد السحاب، قواعد الهودج، وما إلى ذل��ك،jشعر بهذا المعنى وهو الثبوت، وهو كل هذه المعاني التي يذكرونها إذا تأملتها تجد أنها ت

معنى صحيح في القواعد.ا أم فالقاعدة تطلق على األس�اس واألص�ل ال�ذي يب�نى علي��ه غ�يره، س�واء ك�ان حس�ي

ا. معنوي أما الحسي فمثل هذا العمود على أي شيء يقوم؟ البد أنه يقوم على قاعدة، وإذا كان العمود يق�وم على قاع�دة فه�ذا يع�ني الثب��وت، ول�و ك�ان البني��ان ال يق��وم على قواع�د

فمعنى ذلك أنه بنيان هش غير ثابت، يمكن أن يسقط في أي لحظة. فإذن القواعد جمع: قاعدة، وهي التي يبنى عليها غيره��ا في األم��ور الحس��ية، كقاع��دة البناء، وفي األمور المعنوية كقاعدة العلم، أو قاعدة الباب، أو القاعدة الفقهي��ة العام��ة مثال، فقاعدة: "األمور بمقاصدها"، تشمل جزئيات وأحكاما فرعية كثيرة جدا تدخل في

كل باب. "األمور بمقاصدها" نري��د أن نؤس��س، وأن نب��ني على ه��ذه القاع��دة بنيان��ا من الف��روع والجزئيات، فإذا قلنا مثال: "التأسيس مقدم على التوكيد"، هذه قاع��دة أص��ولية، وال��تي قبلها قاع�دة فقهي��ة، وس��أذكر بع�د قلي�ل -إن ش��اء الل��ه- الف�رق بين القواع�د الفقهي��ة والقواعد األصولية، فإذا قلت: "األمور بمقاصدها" هذه القاعدة لو جاءنا إنس��ان وق��ال: مررت بالميقات ولم أتلفظ بشيء، وأنا أري�د الحج، فنس�أله مباش�رة: م�اذا كنت تن�وي بقلبك حينما عقدت اإلحرام؟ وقبل ذلك نسأله: هل عقدت اإلح�رام بقلب�ك؟ ال يش�ترط فيه التلفظ، فإذا قال: ال، لم أعقد اإلح�رام، لم أقص��د ال�دخول بالنس��ك، نق��ول ل�ه: لم تحرم بعد، وإذا قال: عقدت اإلحرام ولكني لم أحدد شيئا من األنساك، نقول ل��ه: م��اذا نويت في قلبك؟ ق��ال: أردت أن أك��ون متمتع��ا، أو أن أك��ون كرفق��تي ال��ذين معي، أن أحرم مثلهم، أنا ال أعرف أنواع األنساك، ولكن أردت أن أكون كحال هؤالء، فنقول ل��ه:

، ف�أنت ق�د(1)))إنما األعمال بالنيات، وإنم�ا لك�ل ام�رئ م�ا ن�وى(("األمور بمقاصدها"، دخلت في النس��ك وه��ؤالء متمتع��ون ف��أنت متمت��ع، فبنين��ا ه��ذا الحكم على القاع��دة، فالقاعدة تبنى عليه��ا األم��ور المعنوي��ة واألم��ور الحس��ية، في النح��و مثال حينم��ا نق��ول: الفاعل مرفوع، هذه قاعدة، وإن شئت على التفري��ق كم��ا س��يأتي -إن ش��اء الل��ه- بين القواعد وبين الضوابط إن شئت أن تقول: هذا من الضوابط، "الفاعل مرف��وع" دائم��ا، ما عندنا فاعل منصوب، أو مجرور، فإذا قلنا: الفاعل مرفوع، ووجدنا جملة من الجم��ل "دخل سعيد داره" الفاعل سعيد، مرفوع؛ ألنه فاعل، فحفظنا القاع��دة ومش��ينا عليه��ا، وأنت تج��د في كتب النح��و في المرحل��ة االبتدائي��ة، أو المتوس��طة، أو في الثانوي��ة: الموضوع، وتجد في الوسط أو في األخير: "قاعدة"، وعليها مربع، مكتوبة بخ��ط مم��يزjجري ذلك على سائر الكالم، مما هو غالبا؛ ألنك إذا حفظت هذه القاعدة استطعت أن ت

مشاكل له ومماثل. فإذن هي أساس األمور المعنوية واألمور الحسية، أصل الشجرة ما يتفرع عليها غ��يره،

ا. ا أو معنوي قاعدة البناء ما يقوم عليها البناء، فاألساس بمعنى األصل، سواء كان حسي(، ومسلم، كتاب اإلمارة، ب��اب قول��ه -1- أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، رقم: )1

، وأن��ه ي��دخل في��ه الغ��زو وغ��يره من األعم��ال، رقم: )))إنما األعمال بالني��ة((صلى الله عليه وسلم-: 1907.)

وأم��ا الفق��ه فه��و الفهم، وه��و معرف��ة األحك��ام الفرعي��ة العملي��ة المكتس��بة من أدلته��االتفصيلية.

فأقرب تعريف له: هو معرفة األحكام العملي��ة، ه��ذا يخ��رج األحك��ام غ��ير العملي��ة مث��ل العقائد الشرعية، يخرج األشياء األخرى التي ال تتعلق بالعبادات وأفعال المكلفين الذين تعبدهم الله -عز وجل- بها، المكتسبة من أدلتها التفصيلية، األدلة التفصيلية غ��ير األدل��ة اإلجمالية، األدلة اإلجمالية للفقه مث��ل أن تق��ول: الكت��اب والس��نة واإلجم��اع والقي��اس، وتقول مما يتفرع منها مما هو دليل أيضا من األدلة اإلجمالية بالنسبة لما ه��و تحت��ه منا الجزئيات، تقول: "األمر للوجوب"، و"النهي للتحريم" هذه ال تستنبط منها حكم��ا فرعي

الة{إال بواسطة، بينما األدلة التفصيلية: بواس��طة، يع��ني[43]البق��رة: }وأقيموا الص بواس��طة ه��ذا ال��دليل التفص��يلي، "أقيم��وا الص��الة"، الص��الة واجب��ة، لم��اذا؟ بن��اء على القاعدة أو الدليل اإلجمالي األصولي "األمر للوجوب" "أقيموا الصالة" أمر، إذن الصالة

واجبة. "األمر للوجوب إال لصارف" إذا صرفه صارف من الوجوب إلى معنى آخ��ر كاإلرش��اد أو

االستحباب، أو نحو ذلك.فإذن القواعد هي: األسس التي يقوم عليها غيرها.

وأما معنى القاعدة في االصطالح فتعريفات العلماء لها كثيرة جدا ومتقارب��ة، وك��ل من ذكر تعريفا فإن اآلخر يأتي بعده ليرد عليه، ولينتق��د ه��ذا التعري��ف في أم��ور ي��رى أنه��ا زائدة في التعريف، أو أنها غير دقيقة، أو نحو ذلك مما ال حاجة للتشاغل ب��ه، المقص��ود أن تتصور العلم بما يقربه لك دون التمحل والتقعر والتنقير في مثل هذه الدقائق ال��تي يمكن أن تدركها فيما بعد إن شئت بمطالعاتك ودراساتك المتخصصة بعد ذل��ك، لكن ال

ع بها الزمان. jضي يفأقول: القاعدة يمكن أن نقول: هي قضية كلية، هذا ينطبق على جميع القواعد.

هل نزيد على هذا فنقول: تنطبق على جميع جزئياتها؟ إن شئت فزده وإن شئت فال تزد؛ ألن المعنى األول معبر، لماذا ال تزيد؟ ه��ل يمكن أن

تتوقف على قولك: هي قضية كلية؟ الجواب: نعم، ال بأس؛ ألن من شأن القضية الكلية أن تنطب��ق على جزئياته��ا وإال كي��ف كانت كلية أصال؟ ل��و ك�انت قض��ية جزئي��ة مث��ل: "الص��الة واجب��ة" م��ا تنطب��ق على ك�ل جزئياتها، على قض��ية واح��دة، لكن حينم��ا ت��أتي في قض��ية كلي��ة: "األم��ور بمقاص��دها"، "المشقة تجلب التيسير"، "إذا ضاق األمر اتسع"، هذه قواع��د كلي��ة، فمع��نى ذل��ك أن��ه يدخل تحتها كثير من الجزئيات؛ ألن الكلية تقابلها الجزئية، فمعنى: قضية: يعني حكم��ا، وهي من العبارات التي يستعملها المناطقة بكثرة، لك أن تقول: قضية، ولك أن تقول:

حكم، حكم كلي، فالحكم الكلي يقابل الحكم الجزئي، وعرفنا الفرق بينهما. قد يقول قائل: القواعد فيها استثناءات، وال تك��اد توج��د قاع��دة ح��تى القواع��د الخمس الكبرى لربما لها بعض االستثناءات كما سيأتي في شرحها -إن شاء الله-، ف��إذن لم��اذا نقول: هي قضية كلية، وشأن القضية الكلية أنها تنطبق على جميع جزئياته��ا، والقواع��د

تنطبق على أكثر جزئياتها؟. يكفي في القاعدة ح�تى تك�ون قاع�دة أن تنطب�ق على م�ا يزي�د على النص�ف، تش�مل ستين بالمائة من الجزئيات، فإذا تفوقت قليال سبعين بالمائ��ة، ثم��انين بالمائ��ة، تس��عين بالمائة، لكن مائة بالمائة هذا ال يكاد يوجد إال في مثل قواعد الحساب، وبعض القواع��د العقلية، أو بعض قواعد اللغة العربية، وإال فالقواعد في الفقه، والقواعد في التفس��ير، والقواعد األصولية، وما إلى ذلك، عامة هذه القواعد لها استثناءات، إما ب��دليل يخرجه��ا عنها، أو بغير دليل مما ال نعلمه، لكن نق�ول: ه�ذا غ��ير داخ�ل في القاع�دة، نحن نق�ول مثال: "األمر للوجوب"، "األمر للوجوب" قاعدة، وهذه القاعدة نالح��ظ أن بعض األوام��رال نحمله على الوجوب لوجود صارف، وهذا الصارف معلوم عن��د العلم��اء: مثال الن��بي -

))إذا دخ��ل أح��دكم المس��جد فال يجلس ح��تى يص��ليص��لى الل��ه علي��ه س��لم- يق��ول: ، ه�ذا أم�ر و"األم�ر للوج�وب"، وجم�اهير أه�ل العلم يقول�ون: ه�ذه الص�الة(2)ركعتين((

.(3)))خمس صلوات كتبهن الله((ليست واجبة، والصارف عندهم األدلة األخرى: ، هذا الرجل سأل(4)))ال، إال أن تطوع((وكذلك الرجل الذي قال: هل علي غيرها؟ قال:

، فمعنى ذلك أنه ال يجب))خمس صلوات((صراحة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ))فال يجلس حتى يصليعليه سوى هذه الصلوات الخمس، مع أن هذا أمر وهو صريح:

، فنهاه عن الجلوس، وهذا يتض��من األم��ر بض��ده، نهي��ه عن الجل��وس أم��ر ل��هركعتين((بالصالة من جهة التضمن أو االلتزام.

اآلن هذه القواعد أغلبية، فلماذا قلنا هي: حكم كلي؟ ا أن ينطبق على جمي��ع الجزئي��ات، نقول: الحكم الكلي ليس من شرطه حتى يكون كليا به��ذا االعتب��ار، وإنما يكون تحته جزئيات والبد، وينطبق على أغلبه��ا، فيك��ون حكم��ا كلي أحيانا قد نجد قاعدة ال نجد لها إال مثاال واحدا في الواقع، هذه ال تصلح أن تكون قاعدة، وإن كانت عبارتها وهيئتها هيئة القواعد، لو قلت مثال: "الشمس تذيب الجلي��د" قاع��دة،

لكن كم عندنا من جزئياتها؟ ما يوجد غير هذا.فالحاصل: أن هذه ال تصلح أن تكون قاعدة، البد أن يكون لها جزئيات.

فإذن إذا كان لها جزئيات فإن ذلك يكون مسوغا ألن نطلق عليها أنه��ا كلي��ة، وليس منشرطها أن تنطبق مائة بالمائة على جميع الجزئيات، وهذا المع��نى ش��رحه الش��اطبي -

رحمه الله- في كتاب: "الموافقات". هذا معنى القواعد، ومعنى الفقه.

إذن ما معنى القواعد الفقهية؟ نحن عرفنا أن القاعدة هي قضية كلية، فإذا أردنا أن نتكلم عن النح��و، نق��ول مثال: هي قضية كلية نحوية، إذا كنا نذكر قواعد في البالغة: قضايا كلية بالغية، وإذا كنا نتكلم عن علم الحديث: قضية كلي��ة حديثي��ة، وإذا أردن��ا أن نتكلم عن قواع��د الفق��ه: قض��ايا كلي��ه فقهي��ة، إذا فهمت ه��ذا وص��لت إلى المطل��وب، وأم��ا بقي��ة التطوي��ل في التعريف��اتjستغنى عنها، لكن هذا يوصلك إلى المطلوب، والمناقشات بع��د ذل��ك والتفصيالت فقد ي

يمكن أن تدرس في غير هذا المجلس.هذا معنى القواعد الفقهية.

إذا عرفت معنى القاعدة الفقهية يسهل عليك تصور المراد بهذا العلم، فيمكن أن نع��بر عنه بأقرب طريق فنق��ول: علم قواع��د الفق��ه ه��و العلم ال��ذي يبحث في��ه عن القض��ايا

الفقهية الكلية من جهاتها المختلفة.األمر الثاني: جملة من الفروقات:

العلم��اء -رحمهم الل��ه- أحيان��ا الواح��د منهم يكتب وه��و يؤل��ف في الفق��ه مثال أو في�ا ص��غيرا، يق��ول: ض��ابط، ثم يض��ع بع�ده جمل�ة تش�به القواعد أو في غيره، يض��ع عنوان

القاعدة. ونالحظ أن العلماء أحيانا يعبرون بعب��ارات يقول��ون: ض��ابط المش��قة ال��تي يج��وز معه��ا

الفطر في رمضان هو كذا وكذا.- أخرجه البخاري، كتاب الصالة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس، رقم: )2

(، ومسلم، كتاب صالة المس��افرين وقص��رها، ب��اب اس��تحباب تحي��ة المس��جد بركع��تين، وكراه��ة444(.714الجلوس قبل صالتهما، وأنها مشروعة في جميع األوقات، رقم: )

(، والنس��ائي، كت��اب الص��الة، ب��اب1420- أخرجه أبو داود، كتاب الصالة، باب فيمن لم ي��وتر، رقم: )3 (، وق��ال محقق��و22693(، وأحمد في المسند، رقم: )461المحافظة على الصلوات الخمس، رقم: )

(، وفي ص��حيح الج��امع،1276المسند: "حديث صحيح"، وصححه األلباني في صحيح أبي داود، برقم )(.3243برقم )

(، ومس��لم، كت��اب اإليم��ان، ب��اب46- أخرجه البخاري، كتاب اإليمان، باب الزكاة من اإلسالم، رقم: )4(.11بيان الصلوات التي هي أحد أركان اإلسالم، رقم: )

وأحيانا يذكرون لنا تعريفا من التعريفات، ويعبرون عن��ه بالض��ابط، فيق��ول مثال: ض��ابط العصبة في الميراث، ما هو ضابط العصبة؟ متى يك��ون ه��ؤالء من العص��بات؟ وم��تى ال

يكونون؟ ثم يذكر لنا تعريفا للعصبة أو ما يشبه التعريف. وأحيانا يذكر عنوانا يقول: ضابط، ثم يقول: "الماء ال يخرج عن حالين في التغير أو في غير التغير، يقول: الماء ال يخلو إما أن يتغ��ير أو ال يتغ��ير، إم��ا أن يك��ون متغ��يرا أو غ��ير متغير، والمتغير ال يخلو إما أن تغيره النجاسة، وإما أن يتغير بطاهر، وم�ا تغ�ير بنجاس�ة

ال يخلو مثال، ويذكر أشياء وتفاصيل. واآلخر: الماء الذي تغير بطاهر، يقول: ال يخلو إما أن يغلب عليه فيغير اسمه، فيقال له مثال: مرق، عصير، أو يبقى له االسم لكن من غير إطالق، يعني مع التقييد، تق��ول: م��اء

jعنون لها العالم بضابط، ويضع لنا تقسيمات. ورد، فمثل هذه التي يالحظنا اآلن في هذه األحوال األربعة أن الضابط قد استعمل استعماالت متنوعة.

وأحيانا يقول: ض��ابط، ويجع��ل قاع��دة من القواع��د إم��ا كب��يرة، مث��ل: "المش��قة تجلب التيسير"، أو يجعل قاعدة صغيرة تتعلق بباب واحد من أبواب العلم، يقول: ض��ابط، ثم يذكر لنا قاعدة في باب الطالق، أو النكاح، أو ب��اب األطعم��ة مثال، أو نح��و ذل��ك، حينم��ا يقول مثال: ضابط أو قاعدة، ثم يقول: "األصل في الذبائح المن��ع" ه��ل ه��ذه ت��دخل في جميع أبواب الفقه أو تدخل فقط في باب الذبائح من األطعمة؟، تدخل في باب الذبائح

من األطعمة.فاألصل في الذبائح المنع، هل هذه قاعدة أو أنها ضابط؟

قبل أن أذكر الفرق بين القاعدة والضابط: هذه االس��تعماالت المتنوع��ة للض��ابط ال��تي ذكرتها قبل قليل تدلنا داللة واضحة على أن العلماء -رحمهم الله- يس��تعملون الض��ابط باس��تعماالت متع��ددة، ه��ذه يجب أن نفهمه��ا ابت��داء، العلم��اء ال يس��تعملون الض��ابط استعماال واحدا، كلما رأيت في علوم الفقه أو القواعد أو غيرها ضابطا تظن أنه بمعنى القاعدة، أو فيما س��نذكر الف�رق بين�ه وبين القاع�دة أن��ه يتعل��ق بب��اب واح�د، أو أب�واب متعددة، ال، العلماء يذكرون كلمة: ض��ابط، ويس��تعملونها بمع��نى التعري��ف أحيان��ا أو م��ا

يقارب التعريف. وأحيانا يذكرون لنا ضابطا، ويذكرون لنا شيئا من التقاسيم، مثل: ما ذك��رت في المي��اه قبل قليل، ومثلما تقول في األبواب المتنوعة تقول مثال: الطالق س��ني أو ب��دعي، ول��ك أن تقول أيضا: إن الطالق السني له حالتان: إما أن يطلق في طه��ر لم يج��امع في��ه، أو

.يطلق وهي حامل والطالق البدعي أن يطلق وهي حائض أو نفساء أو في طه��ر ج��امع في��ه، أو أن يطل��قبق بطالق في حيض، المف��روض أن��ه ال يطل��ق في الطه��ر ال��ذي بع��ده، إذا jفي طهر س طلق في حيض ينتظرها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلق، وكذلك ال يطلق أثناء

العدة طلقة ثانية، في العدة طلقة واحدة. فالحاصل: أن هذا الطالق كل��ه مخ��الف لس��نة رس��ول الل��ه -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم-،

{ولقول الله -تعالى-: ، يع��ني[1]الطالق: }إذا طلقتم النساء فطلقوهن لع22دتهنالعدة التي أمر الله -عز وجل- بتطليق النساء بها.

فطالق السنة على أربعة أش��كال، وطالق البدع��ة على أربع��ة أش��كال، كم��ا ق��ال بعضأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم.

فإذن بعض العلماء يقول: ضابط، ويجعل لنا تقاسيم وليست قاعدة.فإذن هذا اإلطالق الثاني للضابط.

وبعض العلماء يطلق اللفظ: وهو ضابط على مع��نى القاع��دة، فكث��ير من أه��ل العلم ال يفرق��ون بين القاع��دة والض��ابط، وال مش��احة في االص��طالح، ح��تى ال��ذين فرق��وا بين القواعد والضوابط أكثرهم عند التطبيق لما ألفوا وبدءوا يذكرون القواعد، ذكروا جمل��ة

من الضوابط، ذكروها من ضمن القواعد.

ويطلق الضابط بمعناه األخص -عند من فرق بين القاعدة والضابط، وه��ذا ال��ذي يعنين��ا هنا- على القضية الكلية التي تجمع جزئيات في باب واح��د، يع��ني يمكن أن نع��بر عنه��ا بعبارة نقول: الضابط قاعدة صغيرة تتعلق بباب واحد، فإذا كانت تتعلق ب��أكثر من ب��اب فهي قاعدة، وإذا كانت تتعلق بباب واحد مثلم�ا تق��ول: "األص�ل في ال�ذبائح المن��ع"، أو في بعض المواريث تقول مثال: "كل ذكر أدلى ب��أنثى فإن��ه ال ي��رث إال ك��ذا"، وت��ذكر م��ا

يستثنى في هذا مثل: ولد األم، هذا معنى الضابط. إذن الفرق بينه وبين القاعدة اتضح اآلن، القاعدة عامة تشمل أبوابا، والضابط في باب واحد، لما نقول مثال: "األصل في الماء الطهورية م�ا لم يتغ�ير أح�د أوص�افه بنجاس�ة"، هذا ضابط أو قاعدة؟، عند من ال يفرق بين القاعدة والضابط يمكن أن يقول عنه: إن��ه قاعدة، وعند من يفرق يكون ض��ابطا يختص بب��اب المي��اه من كت��اب الطه��ارة، الحظت

"األصل في الماء الطهورية إال إذا تغير أحد أوصافه". وبعض أهل العلم يقول: وهذا أشبه بالفروع الفقهية، يعني لو أردن��ا أن نلط��ف العب��ارة قليال فقد ال نقول: أشبه بالفروع الفقهي��ة، لكن نق��ول: ه��ذا ض�ابط من الض��وابط؛ ألن�ه

يختص بباب، ألنه يدخل تحته جزئيات لكنها في باب، أو ضمن باب واحد. هذا الفرق بين القاعدة والضابط.

هذا أهم فرق. وهناك فروقات أخرى: أن الضوابط الخالف قد يك��ون في أص��لها؛ ألنه��ا أش��به ب��الفرع، بينما القاعدة كبيرة جدا، الغ��الب أن أص��ل القاع��دة يوافق��ون علي��ه لكن يختلف��ون في بعض ف��روع القاع��دة، في بعض تفاص��يلها فق��ط، لكن الض��ابط إذا اختلف��وا في��ه ع��ادة يختلفون في أصله، هل هو صحيح أصال أو ال؟، فه��ذا ف�رق بين القواع�د والض��وابط من

. حيث نظر العلماء له، ال من حيث هو��ا، وه��ذا الفرق األول: فرق بين القاعدة والض��ابط من حيث حقيقت��ه، ه��ذا يش��مل أبواب

يتعلق بباب واحد. من حيث نظر العلماء له وموقفهم من��ه خالفهم في الض��وابط يك��ون في أص��لها غالب��ا،

وفي القواعد في تفاصيلها وفروعها. أيضا الخالف في تفاصيل الضوابط أقل منه بالنسبة للخالف في تفاصيل القواع��د؛ ألن الضابط محدود جدا، وكلما كان الشيء محدودا كلما ك��انت نس��بة الخط��أ في تفاص��يله أقل، بخالف الشيء المjبرم العام، فإنه ي��دخل تحت��ه تفاص��يل كث��يرة ج�دا ق��د ال يواف��ق��ا للدق�ة في التعب��ير، عليها، ولهذا كان الذي يطلق األحكام العامة غالبا م��ا يك��ون مجانب فحينما تقول مثال: ك��ل الطع��ام حالل، يق��ول ل��ك: ال، ليس ك��ل الطع��ام حالال، الخ��نزير حرام، والميتة حرام، والخمر حرام، والسموم ح��رام، وك��ل ذي مخلب من الط��ير فه��و حرام، وكل ذي ناب من السباع فهو حرام، لكن قل: عامة الطع��ام حالل، ق��ل: األص��ل في المطعومات الحل، هذه قاعدة وهي أغلبي��ة، لم��ا أق��ول: "األص��ل في المطعوم��ات الحل"، غير لما أقول: كل مطعوم فهو حالل، "األصل في المطعوم��ات الح��ل"، يخ��رج

عن هذا األصل تفاصيل وجزئيات، وما إلى ذلك.األمر الثالث: نشأة القواعد:

كيف نشأت القواعد؟، ال شك أن القواعد كانت معروفة لدى أصحاب النبي -صلى الل��ه عليه وسلم- وهم أئمة الفقه، ومعروف��ة ل��دى الت��ابعين وأتب��اع الت��ابعين، وإن ك��ان ه��ذا المصطلح -القواعد- لم يستعمل إال في األزمنة المتأخرة، لكنها ك��انت معروف��ة قطع��ا، وإذا نظرت إلى أقاويل الصحابة كعمر -رضي الله عنه- تج��د جمال متنوع��ة هي قواع��د،

، قاع��دة،(5)))الخ��راج بالض��مان((بل أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لم��ا يق��ول: ��ا، ب��رقم )5 (،3508 - أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد ب��ه عيب

والترمذي، أبواب البيوع عن رسول الله -صلى الله علي��ه وس��لم-، ب��اب م��ا ج��اء فيمن يش��تري العب��د��ا، ب��رقم ) (، والنس��ائي، كت��اب ال��بيوع، ب��اب الخ��راج بالض��مان، ب��رقم )1286ويستغله ثم يجد به عيب

، قاعدة، بل هي أكبر قاعدة وأجل قاعدة.(6)))إنما األعمال بالنيات(( وهناك جملة من األدل��ة من أق��وال الن��بي -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم- تمث��ل قواع��د ق��د تستعمل بلفظها وقد يعبر عنها بعبارات، لكن المضمون هو حديث رس��ول الل��ه -ص��لى

الله عليه وسلم. }إن الله يأمر بالع22دلب��ل ح��تى اآلي��ات القرآني��ة الل��ه -ع��ز وج��ل- حينم��ا يأمرن��ا:

]النحل:واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي{ ارجع إلى أقوال المفسرين كالقرطبي -رحم��ه الل��ه- وانظ��ر كي��ف يتكلم عن ه��ذه[90

اآلية، وما تضمنته من القواعد العامة للشريعة في باب المأمورات، وباب المنهيات. وقل مثل ذلك في أقوال السلف -رضي الل��ه تع��الى عنهم- القاض��ي ش��ريح، الش��عبي، وجماعة من فقهاء التابعين، تجد عبارات تستعمل إلى اليوم استعمال القواعد، ب��ل هي

قواعد، ولربما يغير في لفظها بعض الشيء. فإذن القواعد ال شك أنها كانت مدركة ل��دى أص��حاب الن��بي -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم- ولدى سلف األمة، وهم أفقه األم��ة، وهم أعلم الن��اس ب��ذلك، ال يمكن أن يجهل��وا ه��ذه

القواعد التي هي عبارة عن األسس التي يبنى عليها الفقه. فإذن إدراكهم للقواعد أعظم من إدراكنا، لكنهم لم يدونوا هذه العل��وم لع��دم ح��اجتهم؛ ألنها بالنسبة إليهم سليقة مثل أصول الفقه، وعلوم العربي��ة، ه��ل ك��انوا جهل��ة ب��النحو؟ لربم�ا ال يع�رف ه�و مص��طلحاتنا، لكن ذل�ك بالنس�بة إلي�ه من الس�ليقة، لم ي�دونوا في أصول الفقه، ولم يتكلموا عن كثير من المصطلحات التي تكلم عليها من ج��اء بع��دهم، ولكن أص��ول الفق��ه الحقيقي��ة ك��انت س��ليقة، وك��انت حاض��رة في أذه��انهم، وهم أعلم الناس بهذه األشياء، لكن لسالمة فطرهم وأفه��امهم وأذه��انهم لم يحت��اجوا إلى ت��دوين هذه األشياء، إنما احتاج إليها الناس بعد ذلك، ف��الفروع كث��يرة ج��دا ومنتش��رة، فاحت��اج الناس بعد ذلك إلى معرفة القواعد للم شعث الفروع والجزئيات، الجزئيات ال يستطيع أحد أن يحيط بها، ولهذا تجد أمثال أبي عبيد، القاسم بن سالم، وجماعة، يص��رحون أن حفظ الجزئيات أمر غير ممكن إطالق��ا، ولكن الش��أن ه��و أن يحف��ظ اإلنس��ان الكلي��ات والقواعد، بل إن بعض أهل العلم يصرح يقول: إذا كان األمر قد ضاق علي��ك ي��ا ط��الب العلم وما وجدت إال دراسة الفروع أو القواعد فادرس القواعد؛ ألنها تجم��ع ل��ك ش��تات

الفروع.لكن متى بدأ جمع القواعد الفقهية؟ من أول من جمعها؟

قبل التأليف فيها بقليل كان هناك رجل من علماء األحن��اف في الق��رن الراب��ع الهج��ري يجلس في المسجد بعد صالة العشاء وهو أعمى، ثم يغلق ب��اب المس��جد وي��ردد جمل��ةjع��وز ط��الب العلم جم��ع القواع��د من الكتب من القواعد الفقهية جمعها، وه��ذا أم��ر ال ي المتناثرة من عبارات السلف، فهذا جمع نحوا من ثالثين قاعدة، وصار يردده��ا في ك��ل يوم بعد العشاء في المسجد وه��و أعمى، ويغل��ق الب��اب ال يس��معها أح��د، ثم بع��د ذل��ك تسامع الن�اس أن ه�ذا الرج�ل عن�ده جمل�ة من القواع�د يردده�ا بص�وت مس�موع بع�د العشاء في المسجد، فجاء أحد األشخاص ودخل في حص��ير من حص��ر المس��جد، فلم��ا شعر ذلك العالم الحنفي أن الناس قد خرجوا، وأقفل الباب بدأ كعادت��ه ي��ردد القواع��د، وهذا يسمع، فسمع سبع عشرة قاعدة، ثم أخذته س��علة، كح، فس��معه وج�اءه وض��ربه، وطرده من المسجد، ما سمع سوى ه��ذه القواع��د س��بع عش��رة قاع��دة، وذهب وأخ�بر

عنها، وفاته الباقي. فجاء رجل من العلماء -علماء الحنفي��ة-، يق��ال ل��ه: "حس��ين الم��روزي"، مت��وفى س��نة

اثنتين وستين وأربعمائة، فجمع جملة من القواعد الفقهية.

(، وحسنه األلباني في إرواء2243(، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الخراج بالضمان، برقم )4490(.1315الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، برقم )

- سبق تخريجه.6

ية،وأيضا هناك من جمع في هذا أشياء قبله، وهو "أبو الحسن الكرخي" أيضا من الحنف متوفى سنة أربعين وثالثمائة، ف��ألف أول كت��اب في القواع��د الفقهي��ة، وه��و المع��روف ب�"أصول الكرخي"، ثم تتابع التأليف، وكثر جدا في كل المذاهب، كما سألمح بعد قلي��ل

-إن شاء الله. أما القواعد الخمس الكبرى فأول من يعرف بالتأليف فيه��ا: "العالئي"، والعالئي مت��أخر

معاصر لشيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه الله. وأما من ألف في القواعد الفقهية تحت مسمى: "األش��باه والنظ��ائر" ف��أول من ع��رف

بهذا ابن الوكيل.رابعا: أهمية القواعد:

القواعد تجمع لك الجزئيات بعب��ارة مختص��رة، حينم��ا تحف��ظ قاع��دة في الفق��ه، أو في أصول الفقه، أو في غيره، أو في التفس�ير: "التأس��يس مق��دم على التوكي��د"، ثم ت��أتي وتطبق على األدلة، هذه قاعدة أصولية تفسيرية، فإذا ج��اءت عب��ارة في التفس��ير مثال:

ور{ ه��ل هم��ا}الخ22الق الب22ارئ{،�� [24]الحش��ر: }هو الله الخالق البارئ المص22 هو}الخالق{بمعنى واحد؟ إذا أعملت قاعدة: "التأسيس مقدم على التوكيد"، تقول:

هو المنشئ للخلق، قدر ثم أنشأ وأوجد.}البارئ{المقدر، وكما يقول القائل يمدح ملكا:

.(7)وألنت تفري ما خلقت وبع *** ضj القوم يخلjق ثم ال يفري وألنت تفري ما خلقت يعني ما قدرت، وبعضj القوم يخلق يع��ني يق��در، ثم ال يف��ري، ال يستطيع أن ينفذ، مل��ك من المل��وك يخط��ط وآخ��ر يخط��ط، ه��ذا يخط��ط وينف��ذ، وه��ذا

يخطط وال يستطيع أن ينفذ. فإذن القواعد هي عبارات قصيرة ج��دا محكم��ة تجم��ع ل��ك ش��تات الف��روع، وأي فائ��دة أعظم من هذه الفائدة؟، حينما تحفظ قاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، فأت��اك إنس��ان وقال: عنده سلس في البول، وال يستطيع أن يجلس دقيق�تين دون أن يخ��رج من�ه ه�ذا

البول، فماذا نقول له؟نقول: صل على حالك؛ ألن "المشقة تجلب التيسير".

إنسان مهنته صباغ، كله صبغ، نق��ول ل��ه: أزل ه��ذا الص��بغ قب��ل الص��الة؛ ألن��ه يمن��ع من وصول الماء، سيقول لك: تبقى نق��ط كث��يرة بين األص��ابع وبين األظ��افر وفي اللحم، ال

أستطيع، ماذا نقول له؟ نقول له: "المشقة تجلب التيسير"، أزل ما تستطيع وتتمكن من إزالته، والباقي مغتفر. التحرز من النجاسات بالنسبة للمرأة المرضع يصعب عليها ك��ل ص��الة، تحت��اج أن تغ��يري الطهارة، واغسلي ما غلب على ظن��ك أن النجاس��ة ق��د وقعت الثياب، نقول لها: تحر

عليه، ولكن يغتفر من هذا ما يغتفر مما يصعب التحرز منه. الكالب��ون، ال��ذين يرب��ون الكالب للص��يد أو الحراس�ة أو لغيره�ا من األغ��راض المعت�برة شرعا: حراسة، وصيد، ويلحق بها اآلن قضايا تتعلق ب��األمن، وم��ا أش��به ذل��ك، ومعرف��ة

المخدرات. فهؤالء ممن ي��دربون الكالب، ويعيش��ون معه��ا، وي��دربونها، ص��ياد، أو نح��و ذل��ك، الكلب طول وقته يدور حوله، وحول إنائه، وحول راحلته، وحول متاع��ه، وأثاث��ه ولباس��ه، وك��ل شيء، ماذا يصنع؟ كلما أراد أن يصلي يغسل ثيابه وآنيته ويغسل بدن��ه، ويغتس��ل، وه��و في الصحراء، ال يس��تطيع، فمث��ل ه��ؤالء يغتف��ر لهم م��ا ال يغتف��ر لغ��يرهم ممن م��ر في الطريق لربما ألول مرة يشاهد كلبا في حياته، فجاء هذا الكلب ولربما أصابه شيء من لعابه، أو أصابه شيء من رشاش بول��ه، أو نح��و ذل��ك، ف��رق بين ه��ذا وه��ذا، "المش��قة تجلب التيسير"، و"إذا ضاق األمر اتسع"، فالقواعد تجمع الفروع الكث��يرة، تس��تطيع أن

(، وتاج العروس87/� 10(، ولسان العرب )497/� 4(، ومقاييس اللغة )16/� 7 - انظر: تهذيب اللغة )7(25 /252.)

تطبقها على كل مثال يرد عليك.العلماء لهم عبارات كثيرة جدا في بيان أهمية القواعد؛ اخترت منها أربع عبارات:

العبارة األولى لشيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه الله- يقول فيها: "الب�د من أن يك�ون م�ع اإلنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات، ليتكلم بعلم وعدل، ثم يع��رف الجزئي��ات كي��ف وقعت، وإال فيبقى في كذب وجه��ل في الجزئي��ات، وجه��ل وظلم في الكلي��ات، فيتول��د

.٢٠٣فساد عظيم" ذكره في الفتاوى الجزء التاسع عشر صفحة العب��ارة الثاني��ة للزركش�ي، ص�احب كت��اب: "المنث��ور في القواع�د"، يق�ول: "إن ض��بط األمور المنتشرة المتعددة في القوانين المتح��دة ه��و أوعى لحفظه��ا، وأدعى لض��بطها،

، تقول: جاءني عش��رة، ب��دال من أن تق��ول:(8)وهي إحدى حكم العدد التي وضع ألجلها" جاءني زيد ومحمد وص��الح وخال��د وس��عيد، وعب��د ال��رحمن، "حكم الع��دد"، ب��دال من أن

تقول: هذا، وهذا، وهذا، وهذا، وهذا، وهذا، تقول: يأتني منكم عشرة. يق��ول: "والحكيم إذا أراد التعليم الب��د أن يجم��ع بين بي��انين: إجم��الي تتش��وف إلي��ه

.(9)النفس.." إجمالي: معناه أنه يذكر قض��ية مجمل��ة كلي��ة، فتتطل��ع النف��وس إلى ش��رحها وتفص��يلها

وبيانها، ثم بعد ذلك يبدأ يفصلها، "وتفصيلي تسكن إليه". العبارة الثالثة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الل��ه- وه��و ص��احب الكت��اب ال��ذي نشرحه، يقول في معرض كالمه على كتب شيخ اإلسالم في كتاب حاف��ل جي��د اس��مه: "طريق الوصول إلى العلم المأمول في معرفة القواع��د والض��وابط واألص��ول" جمع��ه من عش��رات الكتب من كالم ش��يخ اإلس��الم ومن كالم ابن القيم -رحم��ه الل��ه-: "ومن أعظم ما فاقت به غيرها" -يعني كتب شيخ اإلسالم- "وأهمه، وتف��ردت على س��واها أن مؤلفها -رحمه الله- يعتني غاية االعتناء بالتنبيه على القواعد الكلية، واألصول الجامع��ة،

.(10)والضوابط المحيطة في كل فن من الفنون التي تكلم بها" ثم يقول: "ومعل�وم أن األص�ول والقواع�د للعل�وم بمنزل��ة األس��اس للبني��ان، واألص�ول لألش��جار، ال ثب��ات له��ا إال به��ا، واألص��ول تب��نى عليه��ا الف��روع، والف��روع تثبت وتتق��وى باألصول، وبالقواعد واألصول يثبت العلم ويقوى وينمى نماء مطردا، وبها تع��رف مآخ��ذ

.(11)األصول، وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه به كثيرا" العبارة األخيرة وهي للشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الل��ه- في كت��اب: "الري��اض

يق��ول: "من٥٢٢الناضرة"، وهو ض��من المجموع��ة الكامل��ة أيض��ا الج��زء األول ص��فحة محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجاللها: أن أحكامها األصولية والفروعي��ة والعب��ادات والمعامالت، وأمورها كلها لها أصول وقواعد تضبط أحكامها، وتجمع متفرقاتها، وتنش��ر

فروعها، وتردها إلى أصولها، فهي مبنية على الحكمة والصالح"، إلى آخر ما ذكر. هذه أربع عبارات للعلم��اء -رحمهم الل��ه- في بي��ان أهمي��ة القواع��د، والكالم في أهمي��ة القواعد يمكن أن يزاد عليه أش��ياء كث��يرة، يق��ال: معرف��ة القواع��د تنمي الملك��ة، وهي أيضا تضبط فهم اإلنسان بحيث ال يتش��تت، وال يتن��اقض، في ه��ذه القض��ية يق��ول: ه��ذا الحكم يجوز، وأخرى نظيرة لها في باب آخر يقول عنها: إنه��ا ال تج��وز، م��ع أن القض��ية متحدة، ف��إذا ض��بط القاع��دة ك��ان ذل��ك أدعى التح��اد الحكم، وع��دم التن��اقض، فتك��ون

أحكامه مطردة.فهذه أبرز الفوائد التي تذكر في القواعد.

خامسا: طرق العلماء -رحمهم الله- في التأليف في القواعد:إذا تتبعنا كتب القواعد نجد أن العلماء ال يؤلفون على طريقة متحدة.

(.65/ 1 - المنثور في القواعد الفقهية )8(.66/ 1المصدر السابق ) - 9 - مقدمة طريق الوصول إلى العلم المأمول في معرفة القواعد والضوابط واألصول.10 المرجع السابق. -11

الطريقة األولى: أن يرتب على طريقة ال�ترتيب الهج��ائي، على ح�روف المعجم، ينظ��ر الحرف الذي تبدأ فيه القاعدة ويضعها، بغض النظر هذه تتعلق بباب معين إذا كان يذكر الضوابط أو ال يفرق، وهذه عامة، وهذه بخالفها، فهو بحسب الحرف الذي تبدأ به ه��ذه القاعدة، وممن مشى على هذا الزركشي في كتاب: "المنثور في القواعد" رتبه��ا على الحروف، وكذلك أبو سعيد الخادمي في "مجمع الحقائق"، وكذلك البرك��تي من علم��اء

.بنجالديش له كتاب اسمه: "القواعد الفقهية"، رتبوا هذه الكتب على الحروف الطريقة الثانية: أن ترتب على األب��واب الفقهي��ة، ه��ذا إذا ك��انت أش��به بالض��وابط، وإال هناك ستواجهنا إشكاالت في القواعد العام��ة؛ ألنه��ا يص��عب أن تحص��ر في ب��اب معين، مثل قاعدة: "األم��ور بمقاص��دها" ت��دخل في جمي��ع األب��واب، ف��أين توض��ع؟ فآف��ة ه��ذه الطريقة أنها تفوت على اإلنسان القاعدة في األبواب األخ��رى، فعلم القواع��د ال يص��لح

jجعل على األبواب. أن ي ومن العلماء الذين ألفوا بهذه الطريقة المقري في كتابه: "القواع��د"، وه��و من علم��اء المالكي��ة، وك�ذلك كت��اب: الق��رافي في الف��روق، رتب��ه بعض علم��اء المالكي��ة، وك��ذلك الشيخ عظوم في: "المسند المjذهب في ضبط قواعد المذهب"، وكذلك محمود حم��زة في: "الفرائ��د البهي��ة في القواع��د والفوائ��د الفقهي��ة"، وك��ذلك البك��ري في كت��اب: "االس��تغناء في الف��رق واالس��تثناء"، وابن خطيب الدهش��ة في: "مختص��ر من قواع��د

العالئي وكالم األسنوي". الطريقة الثالث��ة: أن يؤل��ف كيفم��ا اتف��ق من غ��ير مراع��اة لل��ترتيب، وممن أل��ف به��ذه الطريقة ابن رجب -رحمه الله- في كتاب: "القواعد الفقهية"، والونشريسي في كتاب: "إيضاح المسالك إلى قواعد اإلمام مالك"، وكذلك ابن عبد اله��ادي في كت��اب: "مغ��ني

ذوي األفهام". الطريقة الرابعة: هي أن يرتب باعتبارات أخرى؛ مثل: شمولية القاعدة، وكثرة االتف��اق واالختالف فيها، فيراعي هذه األمور، فيقسم الكتاب بناء عليها، فبعضهم يجعل الكت��اب

ثالثة أقسام: القسم األول: قواعد كلية يرجع إليها أغلب المسائل في أب��واب مختلف��ة؛ مث��ل قاع��دة:

"األمور بمقاصدها".القسم الثاني: قواعد كلية ترجع إليها بعض األبواب، تتعلق ببابين أو ثالثة، أو نحو هذا.

القسم الثالث: قواعد خالفية، هذه في كثير من األحيان يجعلونه��ا مب��دوءة باالس��تفهام:هل؟ ألنها غير مجزوم بها؛ لكثرة الخالف فيها.

وممن أل��ف على ه��ذه الطريق��ة به��ذا التقس��يم: الت��اج الس��بكي في كت��اب: "األش��باه والنظائر"، والسيوطي في: "األشباه والنظ��ائر"، وابن نجيم أيض��ا في كت��اب: "األش��باه والنظ��ائر"، وإن ك��ان بعض��هم لم ي��ذكر بعض ه��ذه األقس��ام، لكن عموم��ا راع��وا ه��ذه

الطريقة في الجملة.هذه أربع طرق في تأليف العلماء في القواعد.

سادسا: أنواع القواعد: القواعد يمكن أن نجعلها على أنواع ب��النظر إلى ن��احيتين: من ناحي��ة ش��مولية القاع��دة لألبواب، فنقول: هناك قواعد تتعل�ق ب�أبواب كث�يرة، أو بجمي�ع األب�واب، وهن�اك قواع�د

تتعلق بباب واحد، هذه التي يسمونها ب�"الضابط". الناحية الثانية التي تالحظ في القواعد هي: االتفاق والخالف، هناك قواعد يك��اد الن��اس يتفقون عليه��ا، مث��ل قاع��دة: "األم��ور بمقاص��دها"، "المش��قة تجلب التيس��ير"، وهن��اك قواعد يكثر الخالف في أصلها، أو في فروعها، فضال عن جزئياتها، القاعدة أحيانا يك��ون لها فروع كبيرة وتحت الفروع جزئي��ات، وإذا نظ��رت في مث��ل كت��اب ابن رجب -رحم��ها، مثل األمور المتداخلة التي تستوي في ال�ظاهر من حيث الصورة: الله- ترى ذلك جلي

تكبيرة اإلحرام وتكبيرة الركوع، إذا أتيت واإلمام راكع تكفيك واحدة.

كفارة اليمين إذا حلفت على شيء، ثم حلفت على ه�ذا الش�يء بع�د العص�ر أيض�ا، ثم حلفت بعد العشاء قبل أن تكفر عن نفس الشيء، تقول لولدك: والل��ه م��ا تس��افر إلى المكان الفالني، هذا بع�د الظه�ر، أو م�ا ت�ذهب إلى المك�ان الفالني، ثم ذهب، ثم جئت اليوم الثاني وحلفت عليه على نفس الموضوع ثم ذهب، ثم جئت اليوم الث��الث وحلفت عليه على نفس الموضوع ثم ذهب، تكفيك كفارة واح��دة أو م��ا تكفي��ك قب��ل التكف��ير؟

قبل أن تكفر؟ تكفيك. لكن إذا حلفت على أش��ياء متع��ددة؛ حلفت اآلن على ول��دك أال ي��ذهب إلى المك��ان الفالني، وحلفت أال تأكل من الطعام الفالني، وحلفت على زي��د أن يأك��ل من طعام��ك، وما حصل ال هذا وال هذا وال هذا، كم تحت��اج إلى كف��ارة؟ ه��ل القاع��دة أن ه��ذه األم��ور

المتداخلة تكفي عنها كفارة واحدة؟. تحي�ة المس��جد، إذا))إذا دخل أح�دكم المس��جد فال يجلس ح�تى يص��لي ركع�تين((اآلن

صلى سنة الظهر هل تكفي؟ واألمور المفترقة، مثل: الطواف هو تحية البيت، إذا جاء إنس��ان وص��لى ركع��تين تكفي

عنه، وإذا دخل وصلى الفرض هل يكفي عنه أو ال؟وهكذا في أمثلة كثيرة في أبواب متعددة.

فهذه القواعد الخالف فيها كثير، ليست كقاعدة: "األمور بمقاصدها". القواعد بالنس�بة لش��موليتها وع�دم ش��موليتها منه�ا م�ا يتعل��ق بجمي��ع األب�واب أو أك�ثر

األبواب، ومنها ما يتصل بباب واحد وهو ما يسميه بعضهم ب�"الضابط". وحتى هذه الضوابط منها ما يشمل جزئيات كثيرة، وهناك وجه أن يسمى: قاع��دة على األقل، وهناك ما ال تكاد تجد له إال مثالين أو ثالثة أمثلة، أو أربعة أمثلة، ح��تى الض��وابط

متفاوتة.األمر السابع: ما هي طريقة العلماء في صياغة القواعد؟

بعض العلماء يتوسع في التعبير عن القاع��دة، ابن رجب -رحم��ه الل��ه- لربم��ا تحت��اج أنتجمع القاعدة من أربع صفحات، ثم تحاول أن تعبر عنها بعبارة مختصرة.

ومن العلماء من يزن الحرف في التعبير عن القاعدة، ويدقق في ذلك. صياغة القواعد أحيان��ا يص��وغونها بجمل��ة خبري��ة، مثلم��ا نق��ول: "التأس��يس مق��دم على

التوكيد".وأحيانا يصوغونها بطريقة االستفهام، قاعدة أصولية مثال: "هل األمر يقتضي التكرار؟"

ليما{ لموا تس22 ، يكفي��ك أن[56 ]األح��زاب: }يا أيها الذين آمنوا صلوا علي22ه وس22تصلي عليه مرة واحدة في العمر، أو في الصالة، أو كلما سمعته تصلي عليه؟

نحن مأمورون أن نقول كما يقول المؤذن، فإذا س��معنا ه��ذا الم��ؤذن أذن اآلن في ه��ذا المسجد ورددنا معه، وبعد قليل سمعنا المسجد اآلخر أذن نردد معه أو ال؟ "ه��ل األم��ر

يقتضي التكرار؟" هذه القاعدة هناك خالف كثير فيها، ول��ذلك تج��د الع��الم ق��د ال يج��ترئ فيج��زم فيق��ول: األمر يقتضي التكرار، وإنما يأتي بها بطريق��ة االس��تفهام: ه��ل األم��ر يقتض��ي التك��رار؟ وه��ذا من أدب العلم��اء -رحمهم الل��ه-، وأظن أن من األم��ور المهم��ة ال��تي ينبغي أن تراعى في مثل هذه الدورات أو في الدروس العلمية أو غ��ير ذل��ك أنه��ا ال تقتص��ر على التعليم فق�ط للمس�ائل أو القواع�د أو لغيره�ا، يجب أن نتعلم معه�ا األدب في التعب�ير، األدب في الحكم على األشياء والتورع من إطالق األحكام حينما تك�ون المس�ألة تحت�اج إلى مزيد من النظر والتأمل، يمكن أن يعبر اإلنسان بعبارات يقول: أظن أن األمر في��ه كذا، لو قيل بأن هذا أقرب إلى الوجوب لم يكن ذلك بعيدا، عبر بعب��ارة ال يك��ون عليه��ا

نتكم الك22ذب ه22ذا حاللتبعة عند الله -عز وجل-: ف ألس22 }وال تقولوا لم22ا تص22.[116]النحل: وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب{

أما أن نعمد إلى طريقة غير صحيحة فنقول: أبدا التمتع هو العمل المش��روع في الحج،

وكل قول سواه فهو ساقط، عبارة كبيرة جدا ه�ذه، أو تق�ول: اإلف��راد ه�و األفض��ل م��ا عداه فهو ساقط ال يستحق أن يلتفت إليه، كيف ه��ذا؟ وق��د يس��معك بعض من ال بص��ر له، ويظن أن هذا الكالم صحيح، وله وجه، هذه العبارة فيه��ا مجازف��ة كب��يرة ج��دا، لكن

قل: أظن أن األقرب أن التمتع هو أفضل األنساك للدليل الفالني، وليس هذا بقاطع. تقول: قراءة الفاتحة مع اإلم�ام ل�و قي��ل بأنه�ا تق��رأ لم يكن ذل�ك بعي��دا، نظ��را لل��دليل

الفالني والدليل الفالني، وليست القضية بقاطعة. مع��نى األح��رف الس��بعة هي وج��وه من وج��وه التغ��اير في الق��راءة كالتق��ديم والت��أخير واإلبدال، وما إلى ذلك، وليس ذلك بقاطع، هذا أح�د األق�وال، ل�و قي�ل ب�أن ه��ذا مع�نى األحرف السبعة لكان له وجه، أما أن تقول: معنى األحرف السبعة القول الذي ال مرية فيه وال محيد عنه، وال يمكن أن يلتفت إلى غيره أنها سبعة أوجه من وجوه التغاير، هذا

ال يصلح، وليست هذه طريقة. كذلك التعبير بالعبارات التي تعتبر كبيرة، وقد تصلح لبعض العلماء الكب��ار لكن ال تص��لح

لطالب العلم، ال داعي للتعبير بها.جعة، الصواريخ هذه التي نجدها أحيان��ا في ه��وامش بعض الكتب ال��تي فالن قد أبعد الن تس��مى محقق��ه، ي��تربى عليه��ا ص��غار الطلب��ة، وينش��أ عليه��ا، ويظن أن ه��ذه الطريق��ة الصحيحة في التعلم، ويستعمل ه��ذه العب��ارات، وتك��ون ه��ذه المن��افرات على طريق��ة المنافرات في تشجيع األندية الرياض�ية، ه�ذا الش�اب الص��غير ب�دال من أن يتحمس م�ع أوالد الج���يران على تش���جيع الن���ادي الفالني أو الن���ادي الفالني، ويحص���ل بينهم من المن��افرة، دخ��ل في أم��ور أخ��رى اآلن وهي الخالف بين العلم��اء، فب��دأ يتكلم يظن أن القضية بنفس الطريقة التي يتكلم بها حينما كان يشجع النادي ال��ذي ك��ان يحب��ه، فه��ذا

خطأ.فالمفروض أن نراعي هذه األشياء.

فالمقصود: أن العلماء -رحمهم الله- في التعبير عن القواعد ليست ط��ريقتهم واح��دة، منهم من يختصر ويلخص، ومنهم من يسهب في العبارة، وأحيان��ا يع��برون عن القاع��دة بطريق��ة اس��تفهامية، وأحيان��ا بجمل��ة خبري��ة، وعب��ارتهم تتف��اوت؛ ألنهم لم يجلس��وا في مكان واحد ويتفقوا في مجمع على صياغة القواعد، بينهم قرون متطاولة، ولهم أنظ��ار متفاوتة؛ فمثال قاعدة: "اليقين ال يزول بالشك" نجد الخطابي يعبر عنها: اليقين ال يزحم الشك" ال إشكال، ابن عبد البر يعبر عنها بقوله: "اليقين ال يزيله الشك" آخر يعبر عنها:

"اليقين ال يزول بالشك"، وهذا هو التعبير المشهور.وسنالحظ هذا في القواعد التي ذكرها المؤلف -رحمه الله- في الكتاب.

تأمل قاعدة أخرى كيف تتفاوت عبارات العلم�اء فيه�ا ع�بر الق��رون، الش��افعي -رحم�ه الله- وهو قبل التأليف في القواعد، لكن في كث��ير من عبارات��ه وعب��ارات اإلم��ام مال��ك في كتاب: "المدونة" قواعد فقهية، الشافعي -رحمه الل��ه- مثال يق��ول: "منزل��ة ال��والي من الرعية منزلة الولي من اليتيم"، يعني يتصرف حسب المصلحة، مس��ئول عن ه��ده األموال، ال يتوسع فيها، ال يصرفها في وجوه ال داعي لها مثال، هذه القاع��دة يع��بر عنه��ا ابن السبكي يقول: "كل متصرف عن الغير فعليه أن يتص��رف في المص��لحة"، الحظت

الفرق بين العبارتين. وآخر يقول -وهي العبارة المشهورة عن هذه القاعدة أو هذا المعنى-: "تص��رف اإلم��ام على الرعية منوط بالمصلحة"، الحظ عبارة الشافعي -رحمه الله-: "منزلة ال��والي من الرعي��ة منزل��ة ال��ولي من الي��تيم"، ثم انظ��ر: "تص��رف اإلم��ام على الرعي��ة من��وط

بالمصلحة".ثامنا: نماذج من المؤلفات في القواعد الفقهية:

مذهب األحناف:مثل كتاب: "أصول الكرخي" الذي ذكرت قبل قليل، المتوفى سنة ثالثمائة وأربعين.

"تأسيس النظر" للدبوسي، توفي سنة أربعمائة وثالثين، جعله ثمانية أقسام.وهناك كتب أخرى، ال أريد أن أطيل في ذكرها.

مذهب المالكية: فيه كليات ونظريات في المذهب.٣٦١"أصول الفتيا" للخشني، توفي سنة

، هذا أوسع كتب المالكية تقريبا، مرتب على الفقه،٧٥٨"القواعد" للمقري، توفي سنة فيه ألف ومائتا قاعدة، مطبوع الكتاب، القواعد للمق��ري مطب��وع ج��زء من��ه، في��ه أل��ف ومائتا قاعدة تقريبا، لكن غالب ه��ذه القواع��د من الض��وابط وليس��ت بقواع��د ب��المعنى المعروف، هي ضوابط فقهية مختلف فيها، وكثير منها يورد بصيغة االستفهام: ه��ل ك��ذا

كذا؟مذهب الشافعية:

، ي��دور ح�ول٦٦٠"قواعد األحكام ومصالح األنام" للعز بن عب��د الس��الم، المت��وفى س��نة قاعدة واحدة هي: "جلب المصالح مقدم على درء المفاس��د"، لم�اذا اقتص��ر على ه�ذه القاعدة؟ ألنه يرى أن جميع القواعد ترجع إليها، وجميع الفق��ه يرج��ع ويس��تند إليه��ا في

النهاية، فاقتصر عليها، وشرح عليها شرحا رائعا. ، وه��و كت��اب حاف��ل يع��د من أجم��ع الكتب في٧٩٤"المنثور" للزركشي المت��وفى س��نة

القواعد، رتب قواعده على حروف المعجم، فيه ألف قاعدة..٩١١وكذلك: "األشباه والنظائر" للسيوطي، المتوفى سنة

فيه خالصة لما ذكره من سبقه، مث��ل: ابن الس��بكي، وابن الوكي��ل، وغ��يرهم ممن كتب في القواع��د، وه��و من أحف��ل الكتب في القواع��د، ومن أنفعه��ا، وه��و من الكتب ال��تي

تتوسع في ذلك.مذهب الحنابلة.

هناك قواعد ابن رجب وهو من أوسع كتب القواعد أيضا، ولكن هذا الكتاب قد ال يص��لح إال لمن درس الفق��ه على الم�ذهب دراس�ة جي�دة، وقوي�ة، ودراس��ة فيه�ا من التوس��ع، ليست على ق��ول واح��د؛ ألن ه��ذا الكت��اب ي��ذكر أش��ياء كث��يرة ج��دا في الخالف داخ��ل المذهب، ويذكر كثيرا من مص��طلحات الم��ذهب ال��تي يحت��اج اإلنس��ان أن يعرفه��ا على األقل بقراءة بعض الكتب التي كتبت في التعري��ف ببعض القض��ايا المتعلق��ة بالم��ذهب، مثل "مدخل إلى مذهب اإلمام أحمد"، البن بدران، ومثل ما كتب أيضا الش��يخ بك�ر أب��و زيد في الموضوع، وغيره؛ ألنه يذكر مصطلحات إذا قال لك مثال: وهذا في رواية، وه��ذاج، هذا تخريج، ما معنى التخريج في الم��ذهب؟ إذا ق��ال ل��ك: ه��ذا نص عن اإلم��ام مjخر أحمد، إذا قال لك: هذا قاله صاحب الرعاية، إذا قال لك: هذا قاله ص��احب المنتهى، إذا قال: هذا قال به أبو بكر عبد العزيز، من هو أبو بكر عبد العزيز؟ فهذا بالنسبة إلي�ه من المع��روفين، كم��ا تق��رأ مثال: الحاف��ظ ابن حج��ر، أو فالن، أو فالن، ممن تع��رفهم من

المشهورين لديك، فتحتاج أن تعرف هؤالء في داخل المذهب. ولذلك أقول: دراسة علم القواعد ال يقال: إنها آخر م��ا ت��درس كم��ا يق��ال لبعض طلب��ة العلم بإطالق، منها ما يدرس في البداية، ويمكن أن يدرس لعموم طلبة العلم مثل هذا الكتاب، ومثل القواعد الخمس الكبرى، وهي ضمن ه�ذه القواع��د ال��تي سندرس��ها -إن

شاء الله- كما سيأتي. وهناك أشياء الواقع أنها تدرس فيما بع��د، مث��ل كت��اب: "قواع��د ابن رجب"، و"األش��باه

jجيم الحنفي، وأمثال هؤالء. والنظائر" للسيوطي، و"األشباه النظائر" البن ن وهن��اك كتب كث��يرة في الم��ذهب، وك��ذلك لبعض المعاص��رين منهم من ش��رح القواع��د الخمس، ومنهم من تكلم على جمل��ة من القواع��د، ومنهم ش��رح علم القواع��د وبين المراد به، ثم ذكر تطبيقات، سواء على القواعد الخمس أو على غيره��ا، أو غ��ير ذل��ك، الكتب كثيرة ج�دا في ه��ذا الب��اب، ومن تتب��ع ودرس -ب��إذن الل�ه- وواص�ل فإن��ه س��يجد

متسعا من العلم والمؤلفات في هذا الباب.

تاسعا: توصيف هذا الكتاب:هذا الكتاب الذي ندرسه أذكر بعض اإليضاحات حوله.

هذا الكتاب ألفه المؤلف -رحمه الله- وهو في مقتبل شبابه، ألفه في الثامن عش��ر من شهر ذي القعدة سنة إحدى وثالثين وثالثمائة بع��د األل��ف، ومعل��وم أن المؤل��ف -رحم��ه الله- كان مولده سنة ألف وثالثمائة وسبع للهجرة، فكم يكون عم��ر المؤل��ف لم��ا أل��ف

هذا النظم وشرحه؟.عمره تقريبا كان ثالثا وعشرين سنة.

إذن هذا من أول مؤلفاته. بينما الكتاب اآلخر: "القواعد الجامعة والف��روق والتقاس��يم البديع��ة النافع��ة"، ك��ان من آخر مؤلفاته، ألفه قبل وفاته بسنتين تقريبا، وال شك أن معرفة ت��وقيت كتاب��ة المؤل��ف

هذا الكتاب تفيد في أشياء كثيرة جدا. وقد جلس للتأليف -رحمه الله- وعمره ثالث وعشرون س��نة، أول م��ا ب��دأ ي��درس به��ذا السن، وكان يدرس ويتعلم في نفس الوقت، يحضر عند شيوخه، وهذا ه�و ال�ذي ينبغي لطالب العلم أن يس�تمر على التعلم، وحض��ور ال�دروس إلى أن يم�وت، م�ا يق�ول: أن�ا وصلت، وأنا ال أحتاج إلى التعلم، أو يحتاج أن يوضع له درس بين أربعة جدران، ال ي��راه فيه أحد، ح�تى ال يع�اب أن�ه ال ي�زال يفتق�ر للعلم، ولعل��ه في محاض�رة: "الطري�ق إلى العلم" -إن شاء الله- أذكر نماذج كثيرة من حال السلف -رضي الل��ه عنهم- أنهم ك��انوا يتعلمون إلى أن م��اتوا، والواح��د منهم يجلس خمس��ين س��نة عن��د الع��الم -وه��و ع��الم-

يتعلم، ولو لم يكن له في هذا إال دفع الكبر عن نفسه لكفاه، تربية عملية.وأبيات هذا الكتاب تسعة وأربعون بيتا.

والطبعات السابقة سقط منها بيتان. عشرة من هذه األبيات هي في المقدمة، وهي تعتبر كثيرة بالنسبة للعدد القلي��ل له��ذه

األبيات، وقد ذكر هذه المنظومة على بحر الرجز.كم قاعدة اشتملت عليها هذه األبيات؟، هذا الكتاب كم فيه من القواعد؟

فيه إجماال نحو خمس وثالثين قاعدة، يمكن أن نعتبر خمسا منها كم��ا س��يأتي -إن ش��اءالله- من القواعد األصولية، وليست من القواعد الفقهية.

ويمكن أن نجعل اثنتين منها من الضوابط وليست من القواعد، بناء على م��ا س��بق منالتفريق بين القواعد والضوابط.

أما الفرق بين ه�ذا الكت��اب والكت��اب اآلخ�ر للمؤل�ف وه�و "القواع�د الجامع�ة" فكت��اب القواعد الجامعة ذكر فيه ستين قاعدة، وهذا ذكر فيه خمسا وثالثين إجماال، فإذا ح��ذفنا ا منه��ا -وهي القواع��د األص��ولية-، واثن��تين -وهم��ا من الض��وابط-، فيك��ون تقريب��ا خمس��

النصف. في كتاب: "القواعد الجامعة" ذكر ستين قاعدة، وأعقبها بجملة من الفروق والتقاس��يم غير مرتبة، يعني ما وضع التقاسيم لوحدها، والفروق لوحدها، وإنما أجمل، ف��ذكر نح��وا من أربع��ة وعش��رين فرق��ا من الف��روق، وذك��ر نح��وا من اث��نين وثالثين تقس��يما من

التقاسيم.إذن الكتاب نصفه في القواعد، ونصفه في الفروق والتقاسيم.

وجوه التداخل بين الكتابين: كتاب "القواعد الجامعة" يشتمل على نحو سبع وعشرين قاعدة مم��ا في ه��ذا الكت��اب

اآلخر.إذن عامة ما في الكتاب من القواعد موجود في "القواعد الجامعة".

كتاب: "القواعد الجامعة" ذكر من القواعد الخمس الكبرى أربعا، لم يذكر أك��بر قاع��دة وهي: "األمور بمقاصدها"، ربما ألنها معروفة مشهورة في الكتب، أو أنه ذكرها في هذا

الكتاب.

ه��ذا الكت��اب ذك��ر القواع��د الخمس الك��برى وزي��ادة، والقواع��د الخمس الك��برى: هي قاعدة: "األم��ور بمقاص��دها"، وقاع��دة: "اليقين ال ي��زول بالش��ك"، وقاع��دة: "المش��قةم��ة"، ه��ذا نهاي��ة الكالم jزال"، وقاعدة: "الع��ادة مjحك تجلب التيسير"، وقاعدة: "الضرر ي

على هذه المقدمات التي تعطيك تصورا عن هذا العلم. وسأشرح -إن شاء الل��ه تع��الى- ه��ذا النظم في ك��ل مجلس س��بعة أبي��ات ع��دا مجلس واحد فأشرح فيه سبعة عشر بيتا؛ وهي أبيات المقدمة؛ ألن المقدم�ة ليس فيه�ا ش�يء يحتاج الوقوف عنده، بحيث نفرغ منه -إن شاء الله تعالى- في ستة مجالس -بإذن الله

-عز وجل.