ـرالبعد الثوري في شع " أمل دنقل"

اــعش مصطفى يـعل. د أستاذ مساعد

وآدابها قسم اللغة العربية/كلية اآلداب الجامعة الهاشمية

األردن -الزرقاء

(1)

"أمل دنقل"البعد الثوري في شعر علي مصطفى عشا . د

صـملخ

، حيث العودة إلى الذات تمثل إطارًا "قلأمل دن"يدرس هذا البحث البعد الثوري في شعر

وفي مستوى الفكر؛ اتصل البعد الثوري بالزمن، بالنظر إليه كوحدة واحدة؛ . فكريًا وفنيًا في شعره

وذلك بالعودة إلى كل أشكال اإلبداع في التجربة والتراث العربيين، أي العودة إلى الذات التاريخية

في مستوى الفن؛ فالبعد الثوري تمثل في استدعاء التراث الحي، و . بعد تجاوز رموز االستبداد والقمع

عبر االلتحام بالرموز التاريخية التي مثلت فكرة الخير والحق والعدل والرفض والثورة في التراث

.العربي؛ لتجسد رؤيته الفكرية والجمالية للواقع والعالم

(2)

Abstract

This research studies the revolutionary dimension in the poetry of

"Amal Dunqul" as a return to the self represents an intellectual and

artistic frame in his poetry. At the level of intellect; the revolution

dimension contacted with time, considering it as one unit; this took place in

the return to all forms of creativity in the Arab experience and heritage;

that is, a return to the historical self after outgrowing the symbols of

tyranny and oppression. At the level of art; the revolutionary dimension is

represented in recalling live the heritage, via the adherence to the

historical symbols which represented the idea of goodness, justice,

rejection and the revolution in Arab heritage; to reflect the intellectual and

aesthetic vision of reality and the world.

(3)

مقدمة

مظاهر العودة إلى الذات في الشعر العربي إحدى" التراث الحي" إلى تمثل فكرة العودة

من –الفكري المستوىعلى –المعاصر، وقد بحثت ظاهرة التراث في الشعر العربي المعاصر

.القديم العربي كما ورد في النقد" التراث والتجديد"األصالة والمعاصرة أو "منظور

إثر غزو نابليون قد برزت بجالء كرد فعل تاريخي " اصرةاألصالة والمع" إشكاليةوال ريب أن

، باإلضافة إلى تفكيك الوحدة الجغرافية والسياسة للعالم العربي لهاثم االحتالل االنجليزي لمصر،

حركة االستشراق، ب متمثلة اإلسالمي، أعقبه حركة الغزو الثقافي والفكري للعالم العربي واإلسالمي

.أسس للشعور بالهزيمة وانحسار الذات ، ثم االستعمار الذيوهي الوجه الفكري للغزو

صاحب هذا الغزو الفكري محاوالت عدة تهدف إلى التشكيك بقيمة التراث العربي وقد

لى حياء التاريخ القطري، خاصة في مصر، بيد أن هذه الدعوات لم إالروحية والفكرية واألدبية وا

جوديًا يقوم عليه وجود األمة واستمرارها، باإلضافة إلى ألن البعد التاريخي يمثل محورًا و ح؛تنج

كون التاريخ يمثل الذاكرة الجمعية، والشعور الجمعي لألمة في استشرافها، للمستقبل، وتطلعها

تستند إلى ذاتها التاريخية؛ ومن البديهي أن األمة عندما ينحسر مداها السياسي، فإنها .للنهوض

.لمواجهة التفكك واالنهيار

اوروحيً اتاريخً وعًيا ثورًيا في الشعر العربي المعاصر " التراث الحي"قد مثلت ظاهرة العودة إلى و

.وشكاًل من أشكال المقاومة في وجه التغريب واالستالب وفقدان الهوية والضياع ،ا حقيقًياوأدبيً

وذلك " أمل دنقل" في شعر البعد الثوري عبر ظاهرة العودة إلى الذات، يعالج هذا البحث و

والفنية في الفكريةالقيم لكشف وهو جزء من محاولة. من خالل دراسة تحليلية لنماذج من شعره

:؛ لذا يتخذ هذا البحث المحورين اآلتيين أساًسا له "أمل دنقل" شعر

إطارضمن " العودة إلى الذات"، و "المعاصرةو األصالة " إشكاليةيعالج ،فكري :المحور األول

.فكري

إطار، ضمن "أمل دنقل"يعالج ظاهرة استدعاء الرموز التاريخية في شعر ،نقدي :ر الثاني المحو

.عن الرؤية الفكريةالفنية فيه الرؤية تنفصل نقدي، ال

(4)

مدخل

ه األمة العربية هو صياغة نظرية نهضوية يكون لها القدرة هلعل التحدي األكبر الذي تواج

ة التي تعيشها من خالل رؤية كونية، تستطيع خلق عالقة جدلية على تثوير المرحلة التاريخية الراكد

.بين تراث هذه األمة وتجربتها التاريخية من جهة، والمعطيات المعاصرة وأسئلتها من جهة أخرى

من االنعتاق نضااًل مريرًا من أجل -من خالل حركات التحرر-ناضلت األمة العربية و

لهذا وقفت هذه ؛في الحصول على الحرية واالستقالليتمثل األكبر االستعمار، وكان الهدف

كثيرًا مانجازات الكبرى التي تحقيق اإلو ،عاجزة عن فعل أي شيء -بعد نيل االستقالل –الحركات

، وتحقيق العدالة االجتماعية، والنهوض بالواقع الفردوعدت بها الشعوب، من حيث صون حرية

وبناء على ذلك . عية القادرة على المشاركة في صنع القراراالجتماعي، وبناء القاعدة الشعبية الوا

معزولة عن المشاركة في –التي ناضلت عبر سنوات من الكفاح المر –أصبحت هذه الجماهير

.بناء الحياة من جديد إلعادةالحياة السياسية، مما أدى إلى ظهور أحزاب وحركات جديدة تسعى

نماطًا من االتجاهات والتيارات الفكرية أعربي تبنت الحركات النهضوية في العالم الو

مما دفعها إلى اتخاذ " التراث" العالمية، وفي بدايات نضالها الفكري والسياسي واجهت قضية

.مواقف متباينة إزاءه، بل متناقضة

المجتمع العربي تعود إلى الهوة الرهيبة بين الغرب يواجههافالعلمانيون يرون أن األزمة التي

إتباعفي فيكمن الحل أما تكنولوجيا والتنظيم، ونظام الحكم، م العربي في الدخل واالستهالك والوالعال

.ه في الحياةنموذجالتي يمثلها واحتذاء ،اإلنسانيةواللحاق بالحضارة ،ربغال

المشكلة تظهر في تبعية العرب للغرب الرأسمالي، وخضوع أن أما الماركسيون فيرون

ن في كسر التبعية للغرب، وبناء النموذج االشتراكي في المجتمع موالحل يكمواردهم لالستغالل،

.العربي

ة من هذه القضية منهم من وقف عند حدود التراث، ا التراثيون، فقد وقفوا مواقف متباينأم

ه نهاية المطاف، ووضع سياجًا مقدسًا حوله، واتهم كل من يحاول الخروج عليه بأية صورة من وعد

(5)

نهم من تبنى الصيغة التوفيقية التي تحاول أن تجمع بين معطيات التراث ومعطيات الصور، وم

".باألصالة والمعاصرة" العصر، أو ما يسمى

مما أنتج حلواًل، فقد حاول التوفيق بين الماضي أكثر بيد أن هذا الطرح قد أوجد مشكالت

صر، وغرق في تفصيالت والحاضر، فنتج عن ذلك ثنائية جديدة بين ما هو أصيل وما هو معا

فأحيانًا تتسع دائرة األصالة ؛تتعلق بتحديد ضوابط األصالة وحدودها، وضوابط المعاصرة ومعاييرها

لتهدد دائرة المعاصرة، وأحيانًا أخرى يحدث العكس تمامًا مما أوجد في النهاية تيارات لدى بعضهم

االجتماع علم ية خاصة فيأعاقت بناء نظر و وصراعات مختلفة، أدت إلى فوضى في الفكر،

شكاًل من أشكال " األصالة والمعاصرة"وأضحت ،لفلسفة واالقتصاد واألدبوالسياسة وا القومي

.تجدي نفعاً الالعودة إلى القديم، مع االحتفاظ ببعض السمات المعاصرة على هيئة قشور

لتعامل معه على والظاهر أن الخطأ الذي وقع فيه هؤالء، يعود إلى فهمهم لمشكلة الزمن، وا

ق متصل الزمن تيار متدف؛فشكل وحدات منفصلة دون تمييز بين الزمن اآللي والزمن التاريخي

في وعي األمة وذاكرتها، وال يمكن فصل الحلقات ( المستقبل –الحاضر–الماضي) بأبعاده الثالثة

ووعي ورموز د ، لكنه جهمنفصلةليس أحداث المعيار-بهذا -الثالث بعضها عن بعض، والتاريخ

وهو جزء محوري ن اإلنسان وليد التاريخ،إإذ خصائص البيولوجية من جيل إلى جيل؛تورث كما ال

.في بناء الهوية القومية والوعي الذاتي

ذا علمنا أن يدي الذي نقدر على تجزئته خضع للزمن التقلتال أمر نسبي " المعاصرة"وا

نما تخضع للزم وحسابه، عن كثير الماضي /التراث، تسقط مقولة (لوجوديأي الزمن ا)ن الروحي وا

حاضرين في قلب الواقع الذي -مثالً – من األعمال الفكرية واألدبية، فيصبح المعري والمتنبي

.جوانبه نعيشه، وقادرين على بعث الحياة في بعض

(6)

(1)

:العودة إلى الذاتو التراث 1-1

: التجربة التاريخية ألمة من األمم بكل أبعادها تتمحور الداللة اللغوية والفكرية للتراث حول

الدائرة المعنوية : السياسية، واالجتماعية، واالقتصادية، والفلسفية، والفنية، ضمن دائرتين واسعتين

ما ورثناه عن آبائنا من " لذا نجد بعض المحدثين يحددون التراث اإلسالمي بأنه ؛والدائرة المادية

المادية والمعنوية، ويشتمل : فنون وصناعات، وسائر المنجزات األخرىعقيدة وثقافة وقيم وآداب و

.(1)"الذي ورثناه عن أسالفنا( القرآن الكريم) كذلك على الوحي اإللهي

، وهو يعبر عن وبناء على ذلك، فالتراث يمثل الذاكرة التاريخية والضمير الجمعي لألم ة،

لى العالم ضمن طابع خاص، خصوصيتها الحضارية، وزاوية النظر التي تنظر ب ها إلى ذاتها وا

نسانية .ورؤية حضارية وا

فالفنان الذي ال يحس ،يرى الشاعر صالح عبد الصبور أن التراث انتماء وتكامل بشريو

ان الذي يجهل آباءه في الفن ان ضال، والفن ق أحد هضابه فن بهذا االنتماء، وال يسعى إلى أن يتسل

يفته كإنسان مسؤول في هذا ، ومن ثم ال يحقق وظاإلنسانيالتراث يخفق في أن يكون من عناصر

الممتد في الزمان يستفيد به الالحق من اإلنسانيإذ أن التراث هو جزء من التواصل العالم؛

.( )ويضيف إلى الخبرة اإلنسانية جزءًا صغيرًا من خبرته في الكون ،السابق

جريد ذهني، ال وجود له في ت ثالثة، ما هو إالعاده المن في أبالز تجزئة محاولةن إمن ثم ف

إذ الماضي جزء من الحاضر، والربط بين الحديث والتراث أمر جوهري في الشعر الذي الواقع؛

الشاعر العربي المعاصر ازدراء للماضي أو في اتجاه ولم يكن .يعبر عن رؤى األمة وطموحاتها

نما هو اس تجابة للوضع الراهن، ومن البداهة أن الشاعر انقطاع عن التراث كما يخيل لبعضهم، وا

. 1، ص "أمل دنقل"التراث اإلنساني في شعر : جابر قميحة (1) .111-111حياتي في الشعر، ص : صالح عبدالصبور ( )

(7)

وراءه الماضي وأمامه المستقبل، فهو ضمن تراثه و بل يكتب ،العربي المعاصر ال يكتب في فراغ

نما هو طاقة معرفة، وحيوية خلق، وذكرى في القلب ... ومرتبط به فليس التراث عادة في الكتابة، وا

.(1)والروح

لم يتكون في فترة عمره فحسب، بل " فرد على حد تعبير شانونإن اإلنسان وليد التاريخ، وال

فالشخصية اإلنسانية لكل فرد هي مجموعة الخصائص التي استمدها من " لذا؛ ( )في فترة تاريخه

بدأت منذ يوم ولدت، بل هو شجرة مدت جذورها في أعماق تاريخها، شجرةفليس اإلنسان ؛تاريخه

.( )"تتتغذى منه دائمًا وحتى لحظة المو

التراث في تشكيل شخصية الفرد واألمة، ونفهم كذلك حمالت / ومن هنا نفهم دور التاريخ

التغريب التي حاولت سلخ الشخصية العربية عن تراثها وذاكرتها من أجل السيطرة عليها، وتذويب

.هويتها في دوائر الثقافة العالمية

أن يفرض على العالم -مؤرخينمن علماء اجتماع و -تشراق سحركة االعبر رب وحاول الغ

ثقافة ) ، ويعني بالثقافة العالمية الثقافة الغربية، لتصبح الثقافة اإلنسانيةمقولة وحدة الثقافة العالمية

نمطًا وليس نشاطًا إبداعيًا يتفجر من خالل وعي األمة على ذاتها التاريخية، ومن ( العالم الثالث

.خالل نضالها المستمر لتحقيق وجودها

كموجود حي في المجتمع، وبهذا " أنا" أحدهما ال نوجودييأن لكل إنسان " جرهايد" يرى و

الوجود، يحسب من بين المجتمع، وكل البشر سواء في هذا الوجود وهذا هو الوجود المجازي

، أما الوجود اآلخر فهو الوجود األصلي أو الحقيقي، وهو وجود تصنعه الثقافة وتخلقه عبر لإلنسان

بداع الفن وصناعة الحضارة، ،التاريخعلى مدى يخ، وهو الوجود الذي تبلور التار وتكوين الثقافة وا

.( )ثقافيةال بهويتي يشعرنيالثقافات األخرى، مذلك الشيء الذي عندما أضعه أما

. 4 - زمن الشعر، ص : أدونيس (1) .114العودة إلى الذات، ص : علي شريعتي نقاًل عن ( ) . 114السابق، ص المرجع ( ) . 1 -3 العودة إلى الذات، ص : يعتي علي شر ( )

(8)

العودة إلى الذات التاريخية وهي تنطلق من : تعنيلى ذلك، فإن، العودة إلى الذات وبناء ع

لى اإلسالم ال كتقليد أو وراثة أو نظام عقيدة موجود بالفعل في ،إلى الثقافة المبدئية عقيدة العودة وا

يمانكأيديولوجية اإلسالمبل إلى ؛المجتمع المعجزة في هذه المجتمعات، وأحدثبعث الوعي وا

.(1)روحاني جاف إحساسليس األمر في الحقيقة استنادًا على دين مورث أو

في بعدها الثوري تعني العودة إلى المخزون النضالي لألمة، وبعث " العودة إلى الذات"

ا الجمعي، ألن هذه الرموز الثورية، استطاعت ريخية التي ما زالت تعيش في ضميرهالرموز التا

الفقر والجوع والقمع، وفي الوقت نفسه تعني رفض برؤيتها أن تمتد في أعماق الجماهير في أزمنة

نبية، ألنها ال تمثل تراكمًا نضاليًا في ذاكرتها، بل تمثل نوعًا من االستالب االتكاء على الرموز األج

.خصوصيتها ا، والمصادرة علىهلوجدان

تعني النظر إلى التراث كنقطة بداية، –في جانبها المعرفي واإلبداعي–" العودة إلى الذات"و

المعرفي الهائل لألمة "الكم"بغي النظر إلى هذا نهاية المطاف، ورفض عبادة الماضي، بل ينوليس

نستطيع من خاللها خلق عناصر التقدم، ويتم ذلك من خالل الحفاظ على " مادة ووعي"على أنه

، وعناصر التقدم الحقيقي في العصرعلى معطيات حواالنفتاالروحية والحضارية، ذاتية األمة

.العالم

الزمن ال كحقيقة مستقلة خارجة في بعدها الزمني، تعني التعامل مع " العودة إلى الذات" و

نما ؛عن الوعي الجمعي ألنه " الماضي"كوحدة واحدة بحيث ال يرفض معه تعني التعامل وا

نما، "ماض" يخلق إنمافالزمن والجهل،يرفض كل ما كان انعكاسًا لسنوات االستبداد والقمع وا

الخالص من شقاء و ،تماعيليصبح هو التجاوز الدائم للواقع االج ،والوعي اإليمانداخل معجزة

: يقول جون ديوي ؛ضاري والنهضويالوعي الذي نعيشه، لتتمكن األمة من بناء مشروعها الح

والواقع أن قمم الجبال ال تطفو في الهواء دون أن ترتكز على أي شيء، كما أنها ال تستند إلى "

نمااألرض أو تقوم على دعائمها فحسب، .( )"ظاهر فعالياتهاهي األرض نفسها في مظهر من م وا

.3 السابق، ص المرجع (1) .11الفن خبرة، ص : جون ديوي ( )

(9)

: التراثية " أمل دنقل"مصادر -1

الزوايا التي ينظر من خاللها الشاعر العربي المعاصر إلى التراث، ولكنها تكاد تتعدد

والتراث الشعبي قد .التراث الشعبي واألقنعة والمرايا والتراث األسطوري: تنحصر في زوايا أربع هي

د يؤدي في بعض ، وقنيثااًل شعبية، وعادات شعبية وأغادارجة، وأم يضم أبعادًا أسطورية، وألفاظاً

فهو من جهة تراث قريب حي، وفي الوقت نفسه يمثل : وللتراث الشعبي ميزتان .األحيان دور الرمز

.(1)جسرًا ممتدًا بين الشاعر والناس حوله

،"توفيق زياد "الشاعرلدى خاصة " المقاومة" في شعر وشاع االتكاء على التراث الشعبي

من عناصر الحفاظ على مهماً بهذا الموروث الشعبي أن يمثل عنصرًا " المقاومة" استطاع شعر و

الهوية التاريخية والوطنية، وأن يربط عامة الناس بقضيتهم ووطنهم، وأن يخلق جدارًا روحيًا يحول

.بينهم وبين االنصهار والذوبان في مجتمع العدو

، يمتزج فيه التشكيل الفني درامًيايمنح القصيدة بعدًا " القناع" طارإوالتشكيل الشعري ضمن

هذه الشخصية تلهمها المنحنى الدرامي يتصاعد مع السمات التاريخية التي " بالرؤية الشعرية، وهذا

لتقديم المثال اإلنساني في صورته الفاعلة، وهذا ؛الشاعر الممتزجة معها وانعكاسها في ذات

دعائم متينة مع التراث، إلرساءيمثل الجهد الكبير الذي يبذله الشاعر المحدث األسلوب الشعري

.( )في الوقت ذاته الذي يحرص فيه على تطوير أدواته الفنية وقدرته اإلبداعية

– إطارهاوالشاعر المعاصر الذي يتعامل مع الشخصية التاريخية، ال يتعامل معها ضمن

نماة التي حددتها، وال ضمن الشروط التاريخي -لزمانيا يتعامل معها ضمن بعدها اإلنساني الذي وا

يتجاوز حقيقتها الجزئية، لينفذ إلى حقيقتها الشاملة التي تسقط فيها كل التفصيالت المحدودة

معنوًيا والوقتية لهذه الشخصية، ليخلق في النهاية وجودًا شعريًا تتصل فيه حلقات الرفض اتصااًل

.111اتجاهات الشعر العربي المعاصر،ص : إحسان عباس (1) .1 التراث اإلنساني في شعر أمل دنقل، ص : جابر قميحه ( )

(11)

فقد منحت الشاعر العربي المعاصر فضاء أوسع في التعبير عن ذاته أما المرآة، . ومؤثراً

كان القناع ال يصلح إال للماضي البعيد، فإن المرآة تصلح للماضي كما أنها تصلح فإذا وانفعاالته،

أن ترفع في وجه الحاضر، وهي تصلح لألشياء والمعاني المجردة، كما تصلح للشخصيات

ومرايا ومرايا شخصيات معاصرة، ومرايا مجسدات، ،التاريخية وهي مرايا الشخصيات،المعاصرة

.(1)زمنية

حاجات إلرضاء" حكايات"ق على ما نبع عند البدائيين من ينطب"أما التراث األسطوري، فهو

.( )"دينية عميقة

في وحضورًا وشفافية أكثر شيوعاً " القناع" تظهر صورة" أمل دنقل"القراءة الفاحصة لشعر و

ويبدو أن أفكار الكارثة التي حلت . ظل الزاوية المثلى في تشكيله الفني ورؤيته الشعريةشعره، و

، كرد فعل "بالرجفة التاريخية"بما يسمى " أمل دنقل" أصابت "1331"بالعالم العربي بعد هزيمة

فقدان الهوية، طبيعي لما خلفته الكارثة من آثار وشروخ في الذات العربية، ربما يكون أهمها

:يريد تحقيق هدفين من خالل هذه الرجعة" أمل دنقل" أن والظاهر

،لمواجهة حالة الشك في الذات، عبر بعث الحياة في الذاكرة التاريخيةتذكير الناس : أحدهما

.( )ر رموز تراثيةالحديث عن الواقع المعاصر عب:وثانيهما

داخلين، واكتنزت بالمضامين مجااًل لخطابين مت" أمل دنقل" في شعره" القناع"مثلت قصيدة و

ونتج عن تداخل الصوتين تداخل زمنين، وتداخل رؤيتين، حيث نجد الماضي ،الفكرية والوجدانية

بلغته ومفاهيمه الخاصة دون أدنى والحاضر يتبادالن األمكنة في فضاء القصيدة، كل

.( )اضطراب

ل عنده القلب في رؤيته ، فقد كان يمثاإلسالميوفيًا للتراث العربي " أمل دنقل"ظل و

الثقافات، من أغنى اإلسالميةكان مؤمنًا أن الثقافة العربية ؛إذالشعرية، والمصدر األساسي لشعره

.4 1اتجاهات الشعر العربي المعاصر، ص : إحسان عباس (1) .1 1المرجع السابق، ص ( ) . 1في البحث عن لؤلؤة المستحيل، ص : سيد بحراوي ( ) .111، ص "أمل دنقل"القناع في شعر : عبدالعزيز الحاجي ( )

(11)

تعددت المصادر التراثية ، و (1)بل هي أصل الثقافات، والتراث العربي هو أصل تراث المنطقة برمتها

.واإلنجيليي واإلسالمي والتراث التوراتي منها القرآن الكريم، والتراث العرب" أمل دنقل" في شعر

الشعري، وكان للكلمة القرآنية وقعها " أمل دنقل"في عالم مهماً بعدًا " ن الكريمالقرآ"شكل و

:المتميز في شعره، نجدها في قصائد متعددة، مثل قوله

رم العماد إيا

العماد إرم يا

الجواد صهوة : إليهي د ر

..ر ح الس ب ت وك

زو ادة السف ر في الخبز عض وب( )

":أمل دنقل" وفي قصيدة أخرى يمتزج فيها السياسي بالشعري، يقول

ر ما تأخ من ذنبك ليغفر الرصاص

ر نج يا كيس ... ليغفر الرصاص ( )

ل، يقول، يتجلى صوتا الماضي والحاضر في رؤيتين متعاكستين للخي" الخيول"وفي قصيدة

":أمل دنقل"

:أيتها الخيل ... قفي اآلن ي أواركض

بحاص لست المغيرات

( )حاً ب ض -كما قيل –وال العاديات

، خاصة في ديوان العهد اآلتي، فقد سمى قصائده فيه ، فيظهر جلياً واإلنجيلي التوراتيأما التراث

نجده يعنون كما ( )،، سفر ألف دال( )، سفر الخروج( )سفر التكوين. (1)صالة: على النحو التالي

.(4)"يعنون بعض قصائده بـ مزامير

. 3، ص "أمل دنقل"التراث اإلنساني في شعر : جابر قميحه (1) . -1 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل ( ) .14 الكاملة، ص األعمال: أمل دنقل ( ) .11 المصدر السابق، ص ( )

(12)

، وهذه الجديدبالعهد تأث رًا من أشد قصائده " ديوان العهد اآلتي" وتعد قصيدته األولى في

:رجل المباحث، بصوت تمتزج فيه المرارة بالسخرية العميقة، يخاطب فيها"صالة" القصيدة بعنوان

الذي في المباحث، نحن رعاياك، باق أبانا"

لمن وباق . وباق لنا الملكوت .لك الجبروت

ر س .(3)"وت ب ه الر ت ح

، وهذا االحتفاء "أمل دنقل "، فقد تعددت مظاهره في شعراإلسالميأما التراث العربي

؛باالنتماء الحتمي والضروري لهذا التراثالشاعر إيمانيعود إلى اإلسالميالظاهر بالتراث العربي

ي حياة شعب ف لم تعد تشك ل مركزية قع التاريخي، حيث المرحلة الفرعونيةألنه يتفق مع الوا

.(1)الجمعي هفي وجدانو مصر،

وهي تنتمي إلى التراث -"زرقاء اليمامة" :على ما سبق، حظيت الشخصيات مثلوبناء

، باهتمام "ر الندىوقط"و " صقر قريش"و " أبو موسى األشعري"و " لوليدخالد بن ا"و -الجاهلي

، لكنه مزج بين "أمل دنقل" أما األسطورة، فلم تحظ بالعناية في شعر ".أمل دنقل"واضح في شعر

وقد صدر لها قصيدة طويلة " لحرب البسوس" يالتاريخي واألسطوري، خاصة في تناوله الشعر

.(1)"أقوال جديدة عن حرب البسوس" سماها

أبياتًا من الشعر العربي القديم بعض قصائده" أمل دنقل" ن ذلك، فقد ضم إلىباإلضافة

، مثل تضمينه تمتزج فيها السخرية بالمرارة والحزن شعرية ةالمتزاج الماضي بالحاضر ضمن رؤي؛

:ملكة تدمر( الزباء) بيتًا لزنوبيا –الضحية / على لسان الجندي الجريح

.34 المصدر نفسه، ص (1) .31 المصدر نفسه، ص ( ) . 1 المصدر نفسه، ص ( ) .13 المصدر نفسه، ص ( ) .31 المصدر نفسه، ص (4) .34 أمل دنقل ،األعمال الكاملة، ص (3) .113التراث اإلنساني في شعر أمل دنقل، ص : جابر قميحه (1) .1 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل (1)

(13)

تكلمي.. تكلمي"

دمي فها أنا على التراب سائل

.االمز يديطلب وهو ظمئ

الذي يخنقني الصمت ل سائ أ

"!؟...ها وئيداي ش ما للجمال م "

"!؟...حديدا من أأجنداًل يحمل "

(1)"نيق رى يصد فمن ت

خاص به، فورد في شعره بصور احتفاء " أمل دنقل" ـ، فقد كان ل"الحصان العربي" أما

صعب القصائد التي واحدة من أ -كما تقول زوجته–واختص الخيول بقصيدة طويلة، كانت كثيرة،

( 131)، ثم انتهى منها في يناير سنة (1311)مبر سنة في بنائها، فقد كتبها في ديس عذبته كثيراً

( ).

( )

:والموقف االجتماعي الرؤية الكونية 1-

، ذلك الموروث الذي لى الموروث الدينيإالكونية وموقفه االجتماعي " أمل دنقل"رؤية تستند

الحضاري -التاريخي اإلطارتعد بدورها هي، و تهجوهره، وحقيق -بكل أبعادها- "ةالنبو "تشكل

، مما يجعل وثيقاً اتصاالبالموقف األخالقي " أمل دنقل"الموقف االجتماعي عند ويتصل .للشرق

ما هو، "يتجسم الصراع األبدي بين " كوينسفر الت"ففي قصيدته وقويًا؛متماسكًا هعند لقيمياالبناء

، تمثالن االنفصام الحقيقي يرؤيتين متعاكستين للواقع اإلنسانفي " وما ينبغي أن يكون" و" كائن

. 1األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل (1) .111الجنوبي، ص : عبلة الرويني ( )

(14)

هعند لقيمياواالجتماعي، ويظهر من خاللهما البناء ، على المستويين العقلياإلنسان يعيشهالذي

.العقل، والعدالة االجتماعية: مرتكزًا على بعدين أساسيين هما

.المت زني إلى صوته صغض، تقلت، فليكن العقل في األر "

،ه في فم األفعوان أعشاش هل يبني الطير : قلت

هل وم ، والب في لهب النار يسكن ود هل الد

عينيه، هل يبذر الملح في هدب ل ح يضع الك

.الزمن حين يدور من يرتجي القمح

ن وهو ورأيت ابن آدم ،المتطاول ، فيقتلع الشجر ي ج

،لقي على صفحة النهر بالزيتيلبئر، يبصق في ا

ب ىء يسكن في البيت، ثم في أسفل الباب ي خ

ه،في دفء أضالع وي العقارب ؤ ، ي الموت قنبلة

(1)"الف ت ن وقميص ... ه واسم ... هه دين ويورث أبناء

أن في تشكيله الكوني، يرتكز على حقائق كونية مشاهدة ومدركة، ال يمكن اإلنسانيالعقل ف

أعشاشهفالطير ال يبني "الكون، نسيج لنظام الذي يتخلل تتناقض في ذاتها، ألنها تقع ضمن فكرة ا

وعندما ".القمح يالملح من يرتجيبذر ال " ، و "الدود ال يسكن في لهب النار"، و "في فم األفعوان

وما ينبغي "و " ا هو كائنم"بعده الكوني، يحدث التناقض بين ، وينسلخ عن اإلنسانيينفصم العقل

مجردة " قوة"ناء عالم من الخير والعدل، إلى قادرة على ب" طاقة كونية"من ، ويتحول العقل"أن يكون

، ويتحول الدين "صق في البئريب"، و"فيقتلع اإلنسان الشجر المتطاول"من أية شرعية أخالقية،

في االنفصام هذا و .س بالوعيمعها بالغريزة، ولي اإلنسانواالسم واللغة إلى نظام وراثة، يتعامل

، اإلنسانيفي الواقع جسر الهو ة محاواًل " العقل"وعندما يناضل ،"العقل"أزمة يعم ق ، اإلنسانيالواقع

، "العقل"بصورة انفصامية، فينفي اإلنسانيعلى تثبيت الواقع الذي يحرص " االستبداد"يأتي دور

.11 -11 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل (1)

(15)

فتعيش الذات محنتها الكونية عبر ؛الوطن ويسحب عنه الشرعية، ويدرج في عداد الذين يكرهون

:عزلتها، واغترابها عن مجتمعها

ب ي ة ، يقذفه ل مغتربًا يتسو أصبح العقل " ص

، وتسحب عند الحدود الجند يوقفه ، بالحجارة

في ه ج ر د وت .. الوطني ة الحكومات جنسي همن

.(1)"ن ط قوائم من يكرهون الو

السهل أن إذ ليس من وهمومها، اإلنسانيةلهذا النص بمستوى الحياة " اميالدر "الطابع وكان

وهي اإلنسان: عمل شعري، ما لم تتوافر فيه العناصر األساسية للدراما لكل " الدرامي"لطابع يتحقق ا

.( )والصراع وتناقضات الحياة والحوار

كز خالقي الواسع، والعدالة ترتالعدالة االجتماعية بمفهومها األبفي جوهرها "ة النبو وتتصل

:بدورها على حقائق كونية ثابتة

.سن ب ن س و ن ي ع ب ن ي في األرض، ع العدل فليكن : قلت"

؟شاةً ذئبًا، أو الشاة الذئب هل يأكل : قلت

.( )"وشيخ ... طفل : ق اثنينن في ع ف ي وال تضع الس

، وينسلخ عن هذه المستوى األخالقي والعدالةعلى اإلنسانيالواقع ينشطر ومرة أخرى،

ميزان ويميل ، "يغرس خنجره في بطون الحوامل"، و"ابن آدم في المدن النار" لعالرؤية الكونية، فيش

القوة المجردة، وليس الحق والشرعية الكونية التي خلقها اهلل، أما الذين يناضلون من أجل إلى العدل

: في الميادين، وشنقوا في زوايا المدن لبوا، فقد ص االجتماعيةالعدالة

في ل عش دي ابن آدم، ي ر ي آدم ورأيت ابن "

في بطون الحوامل، ه خنجر ، يغرس النار المدن

.11 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل (1) . 1 ، ص (الفنية والمعنوية قضاياه وظواهره)الشعر العربي المعاصر : عزالدين اسماعيل ( ) .33 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل ( )

(16)

الشفاه ص ق ، ي للخيول فاً ل ع أطفاله أصابع قيل ي

ن ئ وهي ت .. النصر مائدة ن ي ز رودًا ت و

البندقية، أبناؤه ه ن موتًا، وميزا ل د الع بح ص أ

.(1)"نقوا في زوايا المدن لبوا في الميادين، أو ش ص

إطارهايستند الخطاب الشعري في النص، إلى الموروث الديني، الذي يجسد العدالة في و

بليغ في النص صيغ األمر والنهي، وهما من مقتضيات الت في الشامل، وبعدها الكوني، وتتكرر

داللية عميقة مع الجمل الفعلية على المستوى األفقي، المرتبطة بصورة هفي وتشيع ،"النبوة"دائرة

لبوا"المبني للمجهول الفعل الماضي على المستوى العمودي، لتجسد في النهاية مفارقة ساخرة " ص

وتسجل الذاكرة التفاصيل البشعة التي يزخر بها الواقع اإلنساني .من الواقع اإلنساني المتناقض

تتغلغل في كل أجزاء القصيدة، ره، فتعريه تمامًا من خالل تلك الرؤى المتالحقة التي الذي تحاو

في المفهوم اإلنساني، لتتعارض " العدل"لمركزية التي تنطوي عليها دوال ة ان في النهاية الدال لتكو

.( )ت في مطلع النصفي النهاية مع الرؤية الدينية التي تجل

ة باتجاهين متعاكسين لكن هما متكامالن ؛ إذ يمكن أن يكون ويؤد ي عنوان القصيدة وظيف

العنوان منطلقًا لوصف النص وتفسيره ، كما يمكن أن يكون محل وصف وتفسير انطالقًا من

، وهو رحم الدالالت ( )مع النص ويعد العنوان عنصرًا بنيويًا يقوم بوظيفة جمالية . ( )النص نفسه

منه تشكيالت النص المتعددة ، وأبعاده الفكرية واأليديولوجية حسب لو المختلفة للنص ؛ إذ تولد

.11 المصدر السابق، ص (1) الحداثة وبعض العناصر المحدثة في القصيدة العربية المعاصرة، عالم الفكر، المجلد: عبداهلل أحمد المهنا ( )

.3 م، ص 1311، ، العدد 14

، ( 11)، وظيفة العنوان في الشعر العربي الحديث ، المجلة العربية للعلوم اإلنسانية ، عدد عثمان بدري( ) .13، ،ص 11 الكويت ،

- 1 ،ص1333،مصر،1صالح فضل،بالغة الخطاب وعلم النص،الشركة المصرية العالمية للنشر،ط( ) 1 .

.113،ص1331، الكويت ،( )،دد (4 )سيميوطيقيا والعنونة،مجلة عالم الفكر، مجلد جميل حمداوي ، ال( ) . 1، الدار البيضاء ، ص1محمد مفتاح ، دينامية النص ، المركز الثقافي العربي ، ط( 4)

(17)

ويقدم لنا المعرفة الالزمة من أجل ضبط انسجام النص عبر فهم ، ( ) (Leo . Hoek)هوك

مكانية، إشارةيحمل حيث العنوان ،"الجنوبي"في قصيدة ، ويظهر ذلك (4)المشكل والغامض منه

ة، فالجنوب يمثل العالم المستضعف، يقابله الشمال، العالم المستكبر، وهذه تفيض بالدالالت المعنوي

المسافة بين الشمال والجنوب، تحمل في أعماقها الصراع بين الغنى والفقر، بين االستكبار

د و .واالستضعاف :تعمق الوعي الطبقي" رؤية شعرية" عبر بين الفقراء واألرض" دنقلأمل "يوح

،ب ي ، لهم تتط ها الفقراء ، زينت حسناء هذه األرض "

.والكبرياء ، تعطيهم النسل ب يعطونها الح

الذين األغنياء . بها ال يسكن األغنياء : قلت

وآللىء ... ان ز ود ق ن راء ج األ ق ر من ع ون يصوغ

.(1)"للرياء ومسبحةً .. عاج وأقراط .تاج

-ةاالجتماعيمع رؤيته " أمل دنقل" ددما يتوح ويتجلى البعد اإلنساني للخطاب الشعري، عن

الثورية، ذلك التوحيد الذي يجعله يقف في دائرة الرفض، دائرة المحرومين، دائرة الفقراء، تلك الدوائر

، المتشب ثرياح التغير، التي تكنس العفن، وتقتلع هسهسة الورق الذابل أعماقهامن تنبعث التي

:ها ويطهرهاليندفع الدم حتى الجذور فيزهر

،تربين غ الفقراء الذين يعيشون م إنني أول "

تسبين لدي يموتون .العزاء م ح

ل هم ...لي فلتكن األرض : قلت !و

(وأنا بينهم)

السماء حين أخلع عني ثياب

ن فوق الفراش – في صرخة الجوع – س فأنا أتقد ش .( ) !"الخ

. 1 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل (1) . 1 المصدر السابق، ص ( )

(18)

عبر عري التعامل مع الحياة بكل مستوياتها، من خالل نصه الش" أمل دنقل"استطاع و

مستوى : بناء للحياة على مستويين"رية، لتصبح القصيدة في النهاية التشكيل الفني والرؤية الشع

الفن، ومستوى الحياة ذاتها، فنحن ال نستبصر في القصيدة ذات الطابع الدرامي بقدرة الشاعر على

مدى –ة الموضوعية لعملهوهذه هي القيم–عاين كذلك بناء عمله السوي بناًء فنيًا فحسب، بل ن

.(1)"قدرته على المشاركة في بناء الحياة وتشكيلها

:البحث عن نموذج –أزمة الذات -

، بالحساسية الفائقة تجاه األحداث التي عصفت "أمل دنقل" لدىتميز الخطاب الشعري

وهي تحاول أن تتحسس وجودها التاريخي، " ات القوميةالذ" بالعالم العربي، وأثرت تأثيرًا عميقًا على

عرت حيث الهزيمة ،(1331) في حزيران الهزيمة أحدثتهاالتي الكل ي وتخرج من حالة االنهيار

من مخزونها الحضاري والفكري، " الذات"تفريغ ؛ثبتت فشل سياسة التفريغوأ ،الواقع العربي تماماً

.ومرجعيتها التاريخيةالذات إطارالحلول خارج وفشل كل

باالكتئاب الجماعي، والمشاعر واإلحساسالعالم العربي بالذهول بعد الهزيمة، أصيبو

للخروج " الذات" تكئ عليه الذي يمكن أن ت" النموذج"و " الهوية"وفقدان ،"باألزمة"والشعور الكابية

.من مأزقها التاريخي

في مستويين للخطاب " الذات"أزمة ، تجسمت "ألمل دنقل"الرؤية الشعرية إطاروفي

األمة تعيشه الذيللواقع التاريخي " نموذج"والبحث عن " األزمة" ع واقع الشعري، جاءا منسجمين م

.جلد الذات، االنقطاع التاريخي: هما العربية،

.14 ، ص (قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية)الشعر العربي المعاصر : اعيل عز الدين إسم (1)

(19)

ة المرحلة ما بعد الهزيمة لتعبر عن أسئل". زرقاء اليمامة البكاء بين يدي "اءت قصيدة وج

التي واجهت الهزيمة الكاملة، وتعريها تمامًا، كضرورة حتمية لمواجهة " الذات القومية" كشفلتو ،

:حالة االنكسار بعد الهزيمة عناوينأهم " والسؤال"و " البكاء"من ل كل مث و ،المرحلة القادمة

...سة افة المقد أيتها العر "

لطعنات والدماء مثخنًا با.. إليك جئت

سة القتلى، وفوق الجثث المكد أزحف في معاطف

الجبين واألعضاء منكسر السيف، مغبر

..أسأل يا زرقاء

عن، نبوءة العذراء الياقوت عن فمك

سةوهو ما يزال ممسكًا بالراية المنك ... عن ساعدي المقطوع

.(1)"ملقاة على الصحراء... في الخوذاتاألطفال عن صور

، المنقطعةالتي تمثل الرؤية " زرقاء اليمامة"راثية، تتمثل في الشاعر هنا شخصية تواستعار

يمتثلوا لرؤيتها، فوقعت أنذرت قومها بالغزو القادم، والخطر الداهم، ولم إذ وحالة الخذالن التاريخي؛

نه ر مويمتزج الماضي بالحاضر في هذا المقطع، فالخواء الذي سبق الهزيمة، والذي حذ .الكارثة

نين مختلفين، ؤيتان في زمتقاطعت الر حتمية، و لذا كانت الهزيمة ن أن ينتج نصرًا؛الشاعر ال يمك

الشخصية التراثية، لتصوير هذا المستوى، حيث وظف أحد تقنية غير ىخر تقنية أواستخدم الشاعر

العرافة /زرقاء اليمامة الجنود الجرحى العائدين من المعركة مثخنًا بالجراح، ليبكي بين يدي

.( )سة رمز القوى التي تنبأت بالخطر المحدق قبل وقوعه، فكان جزاؤها الخذالن والنكالالمقد

ووعيها التاريخي؛ لذا فالسؤال الموجه " يقظة الذات"صورًة من صور " زرقاء اليمامة"ل وتمث

دانةهو سؤال للمرحلة التاريخية بكاملها، إليها ار لها في نفس الوقت، والتعبير عن حالة االنكس وا

:النفسي والروحي

.1 1األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل (1) .11 استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، ص : علي عشري زايد ( )

(21)

..العار كيف حملت "

!؟ دون أن أقتل نفسي؟ دون أن أنهار؟ثم مشيت

(1)!سة؟من غبار التربة المدن . .ودون أن يسقط لحمي

عنترة "، شخصية تراثية أخرى، هي شخصية خر من القصيدةآ مقطعويستدعي الشاعر في

درجات أقصى" عنترة"ويمثل الضحية،/ هدالجندي الشاتتوحد هذه الشخصية، بشخصية و ،"سيالعب

نما ظل ليهزموالضياع، فهو لم يقاتل " الهوية"وفقدان " االستالب" بعيدًا، ممتهنًا، مسلوبًا في زوايا ، وا

:النسيان، وعندما وقعت الكارثة، جيء به ليكون ضحيتها، وأول من يتحمل أوزارها

..المقدسةالن بي ة أيتها "

..ةً ن س ف سنةً ت فقد سك .. ال تسكتي

.فضلة األمان لكي أنال

خرس ا قيل لي

! بالخصيان وائتممت . .وعميت.. فخرست

أحرس القطعان( عبس)في عبيد ظللت

..هاوف أجتز ص

..نوقها أرد

أنام في حظائر النسيان

..وبعض التمرات اليابسة.. والماء .. ة ر الكس: طعامي

وها أنا في ساعة الطعان

والفرسان .. والرماة . . أن تخادل الكماة عة سا

( ) !"عيت للميداند

. 1األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل (1) . 1المصدر السابق، ص ( )

(21)

وتجسدت في " الرؤية"أزمة زمة؛لقصيدة عن مستويين لألفي هذه ا" أمل دنقل"عبر و

" أمل دنقل"جاء نص و ".عنترة"وتجسدت في شخصية " االستالب" وأزمة ،"زرقاء اليمامة"شخصية

استخدام مجموعة من "اشئ عن ية والنقدية والفنية، وهذا الغنى نغنيًا بالدالالت النفسية والتاريخ

الحديثة التي استعارتها القصيدة المعاصرة من التقنيات الشعرية، كالصور الشعرية، وبعض التقنيات

.(1)"الفنون األخرى، كفن القصة، وفن السينما، حيث يستخدم المونتاج، واالرتداد والمونولوج الداخلي

بعدًا أساسيًا في رؤيته الشعرية والفنية، ويستحوذ " أمل دنقل"عند " ة التاريخيةالرؤي"تشكل و

لذهبي ذلك الزمن ا"زمن تاريخي هو : دنقل إلى زمنينوينقسم الزمن عند أمل ا هاجس الزمن،عليه

ويتقاطع الزمنان في .( )"خطاب غير تاريخي على قبر صالح الدين"، وزمن غير تاريخي ( )"النبيل

حالة الصدع في دويجس الشعرية، ليكثف التعبير عن المأساة التي يعيشها الواقع العربي، رؤيته

.العربيةلألمة السياق التاريخي

ذا كان الشعر بناًء رمزيًا يقوم على تقويض الداللة المستقرة المألوفة ، وخلق دالالت جديدة وا

ال تقدمه لنا كما هو ، بل تعيد صياغته تنمو فوق أنقاض الداللة القديمة ؛ باعتباره رؤية للعالم

خطاب غير تاريخي على قبر "قصيدة ، فإن ( )وترتيب أشيائه وأحداثه حسب عمقها وشمولها

عي ويستد ، زمن تاريخي ، وزمن غير تاريخي: زمنينالتناقض بين تكشف لنا "صالح الدين

الوقت الحاضر حيث لتاريخي، التي تمثل الزمن ا" صالح الدين"الشاعر في هذه القصيدة شخصية

وهذا التقاطع بين الزمنين داخل النص، ، ولم يعد الخطاب تاريخيًا أيضًا،لم يعد الزمن تاريخياً

: الشعري الذي يعاني منه الواقع العربي في بؤرة الوعيالشعور باالنشطار يكثف

..ها أنت تسترخي أخيراً "

فوداعاً

.الدين يا صالح

.11 استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، ص : علي عشري زايد ( 1) .31 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل ( ) .31 المصدر السابق، ص ( ) . 1،ص 113 ،الكويت،1 المعرفة،عدد ،عالم(من التشكيل إلى الرؤيا) وهب رومية ، الشعر والناقد ( )

(22)

الموتى الذي تراقص لبدائي ا يا أيها الطبل

.على إيقاعه المجنون

ينيا قارب الفل

القراصنة سفن م للعرب الغرقى الذين شتته

.لعنة الفرعنة وأدركتهم

..بعد سنة.. وسنةً

"...حطين " صارت لهم

كسير الطفل تميمة (1)"العنين الغد ، وا

ة، وانفصالها عن تاريخها الذهبي، فصالح الدين ، تمثل انقطاع الذاكر هامةوفي القصيدة مفارقات

القلب في ، لم يعد يعني في زمان غير تاريخي سوى ذكرى فارغة ذهبياً الذي يمثل زمانًا تاريخياً

:والروح، في واقع يعاني أشد حاالت االنفصام بين الماضي والحاضر

(اك الحياجبل التوباد حي ")

( ) !("وسقى اهلل ثرانا األجنبي)

..(بالخلد عنه ت ل غ وطني لو ش )"

( ) ("! نفسي –لمجلس األمن –نازعتني )

ذا كان كل نص هو نسيج من االقتباسات والمرجعيات واألصداء وأن النص هو جيولوجيا ،وا

االنقطاع في السياق التاريخي للواقع فإن التناص هنا جس د حالة ؛ ( ) كتابات كما يرى روالن بارت

.31 الكاملة، ص األعمال : أمل دنقل (1) .31 المصدر السابق، ص ( ) .33 المصدر نفسه، ص ( ) .11التناص نظريًا وتطبيقًا، ص : أحمد الزعبي نقاًل عن ( )

(23)

، تكثفان نظام البنية الكلية تنصيصيتينقطاع في السياق الشعري بجملتين العربي، قابله ان

.(1)للقصيدة

" فصالح الدين"؛ عكسياً استخداماً " صالح الدين" / الشخصية التراثية " أمل دنقل"استخدم و

،عرب الغرقى الذين شتتهم القراصنةلل" " فلين"تدار التاريخي، أصبح قاربًا من الذي يمثل ذروة االق

العميق بالمفارقة بين المدلول التاريخي لهذه اإلحساسوهذا االستخدام العكسي، ولد نوعًا من

.( )الشخصية، والمدلول المعاصر الذي يستخدم الشخصية في التعبير عنه

، من خالل صور االغتيال التاريخي؛فكرة االنقطاع في السياق التاريخي" أمل دنقل"ويكثف

اإلسالمي –فالتاريخ العربي التي شاعت في شعره في مواطن عدة؛ يخي،اغتيال الرمز التار أي

ل فكرة العدالة تمث تفي اغتيال رموز تاريخية، كان تفترات من االنقطاع التاريخي تمثلشهد نفسه،

.صور الظلم واالضطهادما فيه من و ،هتعيشوالرفض للواقع االجتماعي الذي

ر الحسين قتياًل في كربالء، ولم يستطع أن يروي يظه "من أوراق أبي نواس"ففي قصيدة

:ظمأه بجرعة ماء

في كربالء كنت "

ن الحسين إقال لي الشيخ

مات من أجل جرعة ماء

استباحت بني األكرمين كيف السيوف وتساءلت

السماء رته ص فأجاب الذي ب

.( )"عين المتأللئ في كل إنه الذهب

، ، مجلــة فصــول، المجلــد (1قــراءة فــي أوراق الغرفــة )الشــعر والمــوت فــي زمــن االســتالب : اعتــدال عثمــان (1) . ، ص 131، 1العدد

.44 استدعاء الشخصية التراثية في الشعر العربي المعاصر، ص : عشري زايد علي ( ) . 1 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل ( ) . 1 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل ( )

(24)

من جديد، وهذا الراوي يمثل شاهدًا على " الراوي" ةلقصيدة فكر يد الشاعر في هذه اويستع

تاريخي وفني، -فكري إطارترتبط حلقات االنقطاع، ضمن و ، االغتيالالعصر، الذي حدث فيه

ديثًا، وفي يكثف الشاعر من خالله بنية القصيدة، ويعمق الوعي باتصال حلقات المأساة قديمًا وح

اة، في محاولة لجسر المأس/تمثل رمز الهروب من هذا المشهد "أبي نواس"المقابل تظهر شخصية

:ورأب الصدع داخل الوعي " الذات"الهوة داخل

من أجل جرعة ماء مات "

فاسقني يا غالم صباح مساء

..اسقني يا غالم

..ني بالمدامعل

( )!"الدماءأتناسى

الرؤية الشعرية يغني لمكاني، وا لزمانياببعديه ( مشهد االغتيال) استعادة المشهد التاريخي و

المد إليقاعم الرؤية الشعرية إلى وسيط منظ إطارفي ل الزمن بالدالالت العميقة، من خالل تحو

والجزر المميز للحاضر المرتقب، مع ما يقترن به من حركة أمامية وأخرى ارتدادية ومقاومة، أو

، أما النضجس تنظيم للنمو وشتى ضروب وانجاز، فالزمان كما قال وليم جيم إشباعتوقف، أو من

نما تحو . (1)ي شاملل إلى مشهد كل المكان، فقد أصبح أكثر من مجرد فراغ يهيم فيه اإلنسان، وا

دًا مع رموز الرفض طريق الخالص، متكئًا على الرؤية التاريخية، ومتوح " أمل دنقل" يرسمو

، ويصبح أمل دنقل المهينةالضياع والخيارات الة ححاواًل االنعتاق من وم ،التاريخ العربيوالثورة في

العربي ذاته اإلنسانالذي يبشر بالعهد اآلتي، حيث يسترد فيه " والرائي األول"، "الخارجي األول"

الذي يكشف زيف الشعارات، ويحدد قيمة الممارسة الثورية، تلك " األول لمعتزليا"ودوره، ويصبح

التاريخية، التي تشكلت عبر بالهوية االلتحام عبر ، ذريالجالممارسة التي تصر على التغيير

:حلقات الرفض والثورة

باق .نحن رعاياك. أبانا الذي في المباحث"

وباق لمن . وباق لنا الملكوت .لك الجبروت

(25)

ر س الر ه ب وت .تح

س ر لفي إن اليمين .باليسر وحدك دت تفر .الخ

.ي م اشون الذين .إال .رس ففي الع ا اليسار أم

ش ون إال الذين يعيشون المشتراة بالصحف ي ح

ال. ون يشإال الذين . شون ع ي ف .. العيون وا

( ) !"ون ياقات قمصانهم برباط السكوت ش و الذين ي

يؤدي إلى ف، الواقع يدور في فلكوعي من ؛قطع حالة التمايز في الوعي مويجس د هذا ال

، والوعي الذي يبدأ من لحظة التوحد بالهويةعلى المستوى التاريخيي خاسر فهو وع ترسيخه، . - الفن خبرة، ص : جون ديوي (1) .34 األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل ( )

ينتصر بيد أنه على مستوى الواقع؛ف الواقع، وزيفه، ويتمرد عليه فيخسر شيكالتاريخية، فهو الذي

.على المستوى التاريخي

ذا كما يرى متعاقبةكانت جدلية التذكر التي تنتج النص تحمل معها آثار نصوص وا

إذ الذاكرة أو المقروء الثقافي أو الحضور التاريخي كل ها مصادر كامنة في ذهن أو في ال ؛"زمتور"

ذا كانت مرجعيات النصوص هي وعي الشاعر، وتسهم تناصيًا في تشكيل النص الجديد، وا

حيث يعم ق التناص مفهوم الثراء ، "يتريرفا"مرتكزها التناص، كما يرى والنصيةنصوص أخرى،

التناص ، فإن (1)الالحقةيد حرارة الماضي من خالل وهج التجربة الفنية عالروحي في النص، وي

ة االلتحام بالذات التاريخية ل قو مث ،مع النص القرآني في بعض الجوانبوالتقاطع داخل النص ،

.وأغنى النص باإليقاع، والدالالت ،القرآنيبعدها في

رمز الحق العربي المهدور، يرسم بدمائه " كليب" األزمة، يستيقظ وفي محاولة الشاعر تجاوز

صرخة اللتصبح " الوصايا العشر" طريق الخالص، ويكتب لإلنسان العربي القادم مع رياح الثورة،

:حلة الرفضمر عنوانًا للمرحلة القادمة؛" تصالح ال" مدويةال

!ال تصالح

ب الذه ولو منحوك ..

(26)

،عينيك أرى حين أفقأت

..مكان هما جوهرتين أ ث بت ثم

( )"؟..ىر هل ت

ذا كان العمل الفني ال يتخل ق ابتداء من ر نما من أعمال أخرى تسمح بإدراك أفضل ؤ وا ية الفنان، وا

لكنها تحمل في ، إشارية مستقل ة نظم لظاهرة التناص التي تعتمد في الواقع على وجود

مهما كانت التحوالت التي تجري،بشكل أو بآخر طياتها عمليات إعادة بناء نماذج متضمنة .14، ص (نظريًا وتطبيقاً ) التناص: أحمد الزعبي نقاًل عن (1)

. األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل ( )

ية واتخاذها قناعًا للشاعر، ربط حلقات الرفض بعضها التراث" كليب"،فإن استعارة شخصية (1) عليها

ببعض، وجعل طريق الخالص يمر عبر التوحد بالذات التاريخية، فكليب أسقط كل الخيارات، وبقي

خيار واحد، هو القتال والتشبث بالحق العربي حتى النهاية، فالدم ال يرويه إال الدم، والسالم الهزيل،

:، على طريق الخالصهو درب الضعفاء والمتساقطين

!حتى بدم .. ال تصالح على الدم"

،رأس برأس يل ولو ق ! ال تصالح

!سواء؟الرؤوس أكل

!؟كقلب أخيك أقلب الغريب

!؟نا أخيك يأعيناه ع

ك ان ل ها ك سيف ... وهل تتساوى يد

( )"؟ك ل ك ها أث سيف بيد

.1 شفرات النص، ص : صالح فضل (1) .3 األعمال الكاملة ، ص : أمل دنقل ( )

(27)

الخيول لبلورة رؤيته ث العربي اإلسالمي ترامن ال" أمل دنقل" عيريست "الخيول"وفي قصيدة

الفتح التاريخي، إطارمنطق القوة كخيار استراتيجي يسند منطق الحق، في جس دت التاريخية، حيث

:حدوده عبر الزمان والمكان" سنابك الخيل"الذي تحدد

.مكتوبة بدماء الخيول -في األرض –الفتوحات "

وحدود الممالك

رسمتها السنابك

..يميل مع السيف عدل ميزان : ابانالركو

(1) !"حيث يميل

مع : والخيول هي رمز الفتح التاريخي، وهي الجدار الذي انقسم به الناس ضدين

:االستسالم/السكون/ ضد الفتح الثورة،/الحركة/الفتح

..الريحعلى بساط الخيول

للناس عبر المكان الناس -على متنه –سار

به انقسم جدار والخيول

صنفين الناس

( )"وركبان . .روا مشاةً اص

واالنعتاق لوجية الرفض، يو يدأالخروج من دائرة الصمت، يمثل الخطوة األولى نحو تأسيس و

الفعل إلى نطاق ثوري، يعيد الكلمة -أيديولوجينضال النضال الدائري، نحو / ةعنتر من نموذج

المتنبي كنموذج يظهر ،"من مذكرات المتنبي" قصيدة ففي لخالق، ويبعث فيها الروح من جديد؛ا

هذه الذات بالبحث عن وتبدأ ، تآكلت بفعل الركود والصمت والقهرالتي " الذات" عن ي، يبحثر ثو

ق الجرح ولكنها ال تستسيغه، عقد تل" الذات"، هذه الخطبيقينها وثوابتها في الثورة والرفض، ال في

.11 المصدر السابق ، ص (1) .31 مصدر السابق، ص ال ( )

(28)

صر، بعد أن أصبح سجينًا أزمته في م "المتنبي"اكتشف و .تستسلم له وتتجرع مرارة األلم، ولكنها ال

:العربية المسلوبة، والحس العربي المشلول اإلرادة الذي يمثل" كافورمصر "في

أمثل ساعة الضحى بين يدي كافور

يطمئن قلبه؟ فما يزال طيره المأسورل

!ال يترك السجن وال يطير

أبصر تلك الشفة المثقوبة

.، والرجولة المسلوبةمسود ووجهه ال

.(1)أبكي على العروبة..

ويعيش المتنبي سلسلة من المفارقات داخل القصر، حيث يلح كافور على المتنبي أن ينشده

:عن سيفه الشجاع، بينما سيفه في غمده يأكله الصدأ

أنشده عن سيفه الشجاع: ، يستنشدنيىءيوم

( )يأكله الصدأ.. وسيفه في غمده

الفنان الذي يرى رؤاه محطمة، ؛أمل دنقل، هي أزمة الفنان في كل عصر/ تنبيأزمة المو

؛عن فعل شيء عاجزاباإلضافة إلى حالة السأم واالختناق والركود، ويرى في المقابل السيد الحاكم

.( ) وحالة الفنان أشد قسوة، ألنه يحاول الخروج من هذه الدائرة

، والتحام الزمنين، (أمل دنقل–المتنبي)م الصوتين لشعري، من خالل التحاالسياق ا فيتكثو

الهزيمة، بعد مصر زمن كافور، ومصر القابضة على جرح : زمن مصر في تاريخين مختلفين

: في خطاب شعري واحد، يجسد وحدة التجربة الشعرية ( ) 31هزيمة

.113األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل (1) .113المصدر السابق، ص ( ) ، 1، عدد 1رموز الرفض والثورة العربية في الشعر الحديث، مجلة دراسات، مجلد : خالد الكركي ( )

.131م، ص 1311 . 133،ص رموز الرفض والثورة العربية في الشعر الحديث: خالد الكركي ( ) .131األعمال الكاملة، ص : أمل دنقل ( )

(29)

عيد بأية حال عدت يا عيد ؟"

فيك تهويد؟ يمضى؟ أم ألرضبما

عن عساكرها" مصرنامت نواطير "

!وحاربت بداًل منها األناشيد

يا نيل هل تجري المياه دماً : ناديت

لكي تفيض، ويصحو األهل إن نودوا؟

( )"عيد بأية حال عدت يا عيد"

إحساسناق ويعم ،"أمل دنقل"لمتنبي حيًا، دون أن نخسر رؤية صوت ا إلينايعيد والتناص هنا،

وجس د .وبذورالثورة والرفض القلق، وحمال في أعماقهماالسأم ائهماوعز الحيرة، طابعهمافي زمنين،

أن تكون حداثي،حيث الحداثة نفسهارؤياقبل_رؤيا للواقع عبر بعد ثوري _عبر شعره_ "أمل دنقل "

. (1)إلى الحاضروالمستقبل (الماضي) ومث ل رحلة من الذاكرةشكاًل فنيًا،

(31)

، عالم المعرفة ،( العوامل والمظاهر وآليات التأويل) ود ، اإلبهام في شعر الحداثة عبد الرحمن محمد القع (1)

.1 1، ص 11 ، ( 13 )الكويت ،عدد

خاتمة

الذات عبر إلى، حيث جس دت العودة "أمل دنقل"درس هذا البحث البعد الثوري في شعر

فراغ الذات من واستدعائه في شعره" التراث الحي" إلىالعودة مظهرًا ثوريًا رافضًا للتغريب، وا

.مضمونها التاريخي والحضاري، ونوعًا من االلتحام بالهوية التاريخية في مستوى الفكر والفن

ذا كان الشاعر العربي المعاصر تعددت زوايا النظر إلى التراث بالنسبة إليه؛ فاعتمد على وا

أمل كان األكثر حضورًا في شعر " القناع"التراث األسطوري؛ فإن التراث الشعبي واألقنعة والمرايا و

.، وظل الزاوية المثلى في تشكيله الفني ورؤيته الشعريةدنقل

ة "أمل دنقل" في شعر جلياً والتوراتي اإلنجيلي التراث وظهر في ديوانه العهد اآلتي خاص

وارتبط الموقف الديني، إلى الموروث وموقفه االجتماعي الكونية" أمل دنقل"واستندت رؤية ،

يظل قطب " ما ينبغي أن يكون"و " ما هو كائن"االجتماعي بالموقف األخالقي، حيث الصراع بين

كشف مدى االختالالت في الواقع ،في رؤيته االجتماعية، مما أضفى على شعره بعدًا ثوريًا الرحى

.االجتماعي

(31)

جلد الذات، واالنقطاع : أزمة الذات في مظهرين في شعره وفي إطار رؤيته الشعرية تجس دت

د برموز " أمل دنقل"التاريخي، بينما رسم طريق الخالص، متكئًا على الرؤية التاريخية، عبر التوح

.الرفض والثورة في التاريخ العربي

(32)

المصادر والمراجع

، والتوزيــع، طإحســان عبــاس، اتجاهــات الشــعر العربــي المعاصــر، دار الشــروق للنشــر .1

.م، عمان، األردن 133

.1334، 1أحمد الزعبي، التناص نظريًا وتطبيقًا، مكتب الكتاني، إربد، األردن، ط .

.، بيروت، لبنان1313/هـ13 1، 4أدونيس، زمن الشعر، دار الفكر، ط .

.م، القاهرة1311/هـ 11 1، أمل دنقل، األعمال الشعرية الكاملة، مكتبة مدبلولي، ط .

جابر قميحة، التراث اإلنسان في شعر أمل دنقل، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، .4

.م1311، 1ط

.، القاهرة 133جون ديوي، الفن خبرة، ترجمة، زكريا إبراهيم، دار النهضة العربية، .3

، 1311، 1سيد البحراوي، في البحث عن لؤلؤة المستحيل، دار الفكر الجديد، ط .1

.بيروت، لبنان

.م، بيروت، لبنان1311/هـ 11 1صالح عبد الصبور، حياتي في الشعر، دار اقرأ، .1

3. 11 .

11.

.القاهرة، م1331صالح فضل، شفرات النص، دار الفكر،

، 1صالح فضل ، بالغة الخطاب وعلم النص ، الشركة المصريةالعالمية للنشر، ط .م، مصر 1333

( العوامل والمظاهروآليات التأويل) ، اإلبهام في شعر الحداثة عبد الرحمن محمد القعود .م، الكويت 11 ، 13 عالم المعرفة ، عدد ،

.م، تونس1311عبد العزيز الحاجي، القناع في شعر أمل دنقل، رسالة ماجستير، . 1

.أمل دنقل، مكتبة مدبولي، القاهرة –عبلة الرويني، الجنوبي . 1

1 . 14.

، دار(قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية) عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر

.الثقافة، بيروت .،القاهرة1313، 1الزهراء لإلعالم العربي،طعلي شريعتي ،العودة إلى الذات ،

(33)

13.

11. 11.

لشركة علي عشري زايد، استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، ا .م، طرابلس، ليبيا1311، 1العامة للنشر والتوزيع واإلعالن، ط

.، الدار البيضاء 1محمد مفتاح ، دينامية النص ، المركز الثقافي العربي ، ط، 1 ، عالم المعرفة ، عدد( من التشكيل إلى الرؤيا) وهب رومية ، الشعر والناقد

.م، الكويت 113 :الدوريــــات

.م، الجامعة األردنية1311، 1، عدد 1سات، مجلد درا .1 . .

.م، الكويت1311، ، عدد 13مجلد عالم الفكر، .م ، الكويت 1331، ، عدد 4 عالم الفكر ، مجلد

.م، الهيئة المصرية العامة للكتاب 131، 1، عدد فصول، مجلد . .م الكويت 11 ، 11، عدد المجلة العربية للعلوم اإلنسانية .4