زكريا تامر - عباد الله

82
يا تامر زكرد ال عبارات قصصية ٭ ٭ مختا ن م ش ط لَ جريدة كتاب في ح حبيةسرقة اللار الحوت ل

Upload: white0whale

Post on 29-Jul-2015

242 views

Category:

Documents


13 download

TRANSCRIPT

Page 1: زكريا تامر - عباد الله

زكريا تامر

عباد ال٭ مختارات قصصية ٭

�உن نم �உط اش ا لكتاب في جريدة

ححبدار الحوت للسرقة البدبية

Page 2: زكريا تامر - عباد الله

المقدمة ) هو ش اعر القصة العربية القصيرة بلا نزاع، وفن انه ا الأول. شق لنفسه منذ1931زكري ا ت امر (المولود في دمشق ع ام

بداي اته الب اكرة قبل أربعين ع ا ام ا طري اق ا فريدة في القص، ولا يزال يواصل الحفر فيه ا حتى الآن. ع المه القصصي الخصيبوصوغ من مفرداته، ولا يح اكيه ب الرغم من أنه يكشف لن ا قوانينه الداخلية ع الم غض جميل لا يض اهي الواقع برغم أنه م

العميقة. وهو قص اص تفيض أق اصيصه شعرية كثيفة لم تعرفه ا الأقصوصة العربية من قبل، ويتميز ب الجدة والأص الةوالتفرد.

كانت أعم ال زكري ا ت امر هي البداية الحقيقية للصوت الجديد، وللرؤى الجديدة التي أطلت على أفق الأقصوصة العربية معه،ي ا ت امر لم يستنم إلى دعة إنج ازاته الأولى ثم اتسعت رقعته ا على أيدي جيل الستيني ات في مصر والعراق من بعده. لكن زكر

تلك، وهي إنج ازات رائدة بأي معي ار من المع ايير، ولكنه آثر مواصلة اكتش اف الأصق اع المجهولة، وارتي اد المن اطق البكر والمحرمة. وزكري ا قص اص يعكف على قصصه بروح ص ائغ ينك ب على جواهره ويجلوه ا بدأب وأن اة. لذلك لم يصدر حتى

، و(ربيع في1960الآن غير ثم اني مجموع ات قصصية عبر أربعين ع ا ام ا من الإبداع المتواصل: هي (صهيل الجواد الأبيض) ، و(نداء نوح)1977، و(النمور في اليوم الع اشر) 1973، و(دمشق الحرائق) 1970، و(الرعد) 1963الرم اد) .2000، و(الحصرم) 1998، و(سنضحك) 1994

وكل مجموعة من هذه المجموع ات الثم اني توسع أفق هذا الع الم الخصيب الذي اتسم ب التفرد والجم ال الوحشي منذ مجموعته الأولى، وتزيده غنى وكث اف اة وتعقي ادا، وتؤكد مف ارقته لع الم الواقع ومرافقته الحميمة له في آن، وترهف وعين ا بم ا ينطوي عليه

هذا الع الم الكابوسي المبهظ والمترع ب الجم ال م اع ا من عمق وصرامة.ي ا ت امر منذ بداي اته الب اكرة عن لغة قصصية جديدة، وعن مفردات سردية لم يتن اوله ا كاتب قبله. فقد استط اع بحث زكر

1

Page 3: زكريا تامر - عباد الله

مسيني ات بقليل - أن يتلمس إطلالات الحس اسية الأدبية الجديدة، أو ب الأحرى الحس اسية الممزقة ذات - بعد منتصف الخالطبيعة الحداثية، وأن يستوعب ملامح هذه الحس اسية الوليدة في وع اء فني يتواءم معه ا.

قدم الكاتب في مجموع اته القصصية عص ارة موهبته وخبرته على صعيدي الفن والحي اة. وزاوج فيه ا بين الحس المأس اوي والبعد الأسطوري للحدث الواحد، وقد غمره ا في سيل من التهكم الشفيف، وخلص القصة فيه ا من كل تزيد غير

ي ا ت امر، وهو يخلص أق اصيصه من ضروري، ومن كل جزئية لا توحي بعدد كبير من الدلالات، حتى بدا للبعض أن زكري ادات، قد خلصه ا أي اض ا من الط ابع القومي في أغلب الأحي ان، ومن الط ابع القصصي في بعضه ا. لكن من يتأمل قصصه الز

بقدر من العمق يدرك أنه لا يتحدث فيه ا عن إنس ان مجرد، وإنم ا عن الإنس ان العربي، الدمشقي غ ال اب ا، وهو يع اني من الفقرالم ادي والمعنوي، وتعذبه أشواق مؤرقة إلى ع الم نظيف وه ادئ ومليء ب المنطق والعدالة.

صبري حافظ

2

Page 4: زكريا تامر - عباد الله

النمور في اليوم العاشر رحلت الغ اب ات بعي ادا عن النمر السجين في قفص، ولكنه لم يستطع نسي انه ا، وحدق غ اض اب ا إلى رج ال يتحلقون حول قفصه

وأعينهم تتأمله بفضول ودونم ا خوف. وكان أحدهم يتكلم بصوت ه ادئ ذي نبرة آمرة: (إذا أردتم ح ق ا أن تتعلموا مهنتي، مهنة الترويض، عليكم أل ا تنسوا في أي لحظة أن معدة خصمكم هدفكم الأول، وسترون أنه ا مهنة صعبة وسهلة في آن واحد.

انظروا الآن إلى هذا النمر. إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه، ولكنه سيتغير، ويصبح ودي اع ا لموا). ولطي اف ا ومطي اع ا كطفل صغير. فراقبوا م ا سيجري بين من يملك الطع ام وبين من لا يملكه، وتع

ن وم ض مبته اج ا، ثم خ اطب النمر متس ائل اا فب ادر الرج ال إلى القول إنهم سيكونون التلاميذ المخلصين لمهنة الترويض. ف ابتسم المربلهجة س اخرة: (كيف ح ال ضيفن ا العزيز).

ق ال النمر: (أحضر لي م ا آكله، فقد ح ان وقت طع امي). فق ال المروم ض بدهشة مصطنعة: (أتأمرني وأنت سجيني؟ ي ا لك من نمر مضحك! عليك أن تدرك أني الوحيد الذي يحق له

هن ا إصدار الأوامر).ق ال النمر: (لا أحد يأمر النمور).

ق ال المروم ض: (ولكنك الآن لست نم ارا. أنت في الغ اب ات نمر. أم ا وقد صرت في القفص، فأنت الآن مجرد عبد تمتثلللأوامر وتفعل م ا أش اء).

ق ال النمر بنزق: (لن أكون عب ادا لأحد).ق ال المروم ض: (أنت مرغم على إط اعتي لأني أن ا الذي أملك الطع ام).

ق ال النمر: (لا أريد طع امك).3

Page 5: زكريا تامر - عباد الله

ق ال المروم ض: (إذن جع كما تش اء، فلن أرغمك على فعل م ا لا ترغب فيه).وأض اف مخ اط اب ا تلاميذه: (سترون كيف سيتبدل، ف الرأس المرفوع لا يشبع معدة ج ائعة).

كر بأسى أي ام كان ينطلق كريح دون قيود مط ار ادا فرائسه. وج اع النمر، وتذ وفي اليوم الث اني، أح اط المروم ض وتلاميذه بقفص النمر، وق ال المروم ض: (ألست ج ائ اع ا؟ أنت ب التأكيد ج ائع جو اع ا يعذب

ويؤلم. قل إنك ج ائع فتحصل على م ا تبغي من اللحم).ظل النمر س اك ات ا، فق ال المروم ض له: (افعل م ا أقول ولا تكن أحمق. اعترف بأنك ج ائع فتشبع فو ارا).

ق ال النمر: (أن ا ج ائع).فضحك المروم ض وق ال لتلاميذه: (ه ا هو ذا قد سقط في فخ لن ينجو منه).

وأصدر أوامره، فظفر النمر بلحم كثير.ن فذ م ا سأطلب منك). وفي اليوم الث الث، ق ال المروم ض للنمر: (إذا أردت اليوم أن تن ال طع ا ام ا، فن

ق ال النمر: (لن أطيعك). ق ال المروم ض: (لا تكن متسر اع ا، فطلبي بسيط ج دا. أنت الآن تحوص في قفصك، وحين أقول لك: قف، فعليك أن

تقف).ق ال النمر لنفسه: (إنه فعل اا طلب ت افه، ولا يستحق أن أكون عني ادا وأجوع).

وص اح المروم ض بلهجة ق اسية آمرة: (قف).فتجمد النمر ت وا، وق ال المروم ض بصوت مرح: (أحسنت).

فس ر النمر، وأكل بنهم، بينم ا كان المروم ض يقول لتلاميذه: (سيصبح بعد أي ام نم ارا من ورق).وفي اليوم الرابع، ق ال النمر للمروم ض: (أن ا ج ائع ف اطلب مني أن أقف).

4

Page 6: زكريا تامر - عباد الله

فق ال المروم ض لتلاميذه: (ه ا هو ذا قد بدأ يحب أوامري).ثم ت ابع موج اه ا كلامه إلى النمر: (لن تأكل اليوم إل ا إذا قلدت مواء القطط).

فكظم النمر غيظه ، وق ال لنفسه: (سأتسلى إذا قلدت مواء القطط).وع د الزمجرة مواء). ت وقلد مواء القطط، فعبس المروم ض، وق ال ب استنكار: (تقليدك ف اشل. هل

فقلد النمر ث انية مواء القطط، ولكن المروم ض ظل متجهم الوجه، وق ال ب ازدراء: (اسكت اسكت. تقليدك م ا زال ف اشل اا.سأتركك اليوم تتدرب على مواء القطط، وغ ادا سأمتحنك. فإذا نجحت أكلت. أم ا إذا لم تنجح فلن تأكل).

وابتعد المروم ض عن قفص النمر وهو يمشي بخطى متب اطئة، وتبعه تلاميذه وهم يته امسون متض احكين. ون ادى النمر الغ اب اتبضراعة، ولكنه ا كانت ن ائية.

وفي اليوم الخ امس، ق ال المروم ض للنمر: (هي ا، إذا قلدت مواء القطط بنج اح نلت قطعة كبيرة من اللحم الط ازج).قلد النمر مواء القطط، فصفق المروم ض، وق ال بغبطة: (عظيم! أنت تموء كقط في شب اط).

ورمى إليه بقطعة كبيرة من اللحم. وفي اليوم الس ادس، م ا إن اقترب المروم ض من النمر حتى س ارع النمر إلى تقليد مواء القطط، ولكن المروم ض ظل واج ام ا

مقطب الجبين، فق ال النمر: (هأنذا قد قلدت مواء القطط).ق ال المروم ض: (ق لد نهيق الحم ار).

ش اه حيوان ات الغ اب ات، أقلد الحم ار! سأموت ولن أنفذ طلبك!). ق ال النمر ب استي اء: (أن ا النمر الذي تخف ابتعد المروم ض عن قفص النمر دون أن يتفوه بكلمة.

وفي اليوم الس ابع، أقبل المروم ض نحو قفص النمر ب اسم الوجه ودي اع ا، وق ال للنمر: (ألا تريد أن تأكل؟).ق ال النمر: (أريد أن آكل).

5

Page 7: زكريا تامر - عباد الله

فح اول النمر أن يتذكر الغ اب ات، فأخفق، واندفع ينهق مغمض العينين، فق ال المروم ض: (نهيقك ليس ن اج اح ا، ولكننيسأعطيك قطعة من اللحم إشف ا اق ا عليك).

ن فق إعج ا اب ا). وخطبة، وحين سأنتهي ص وفي اليوم الث امن، ق ال المروم ض للنمر: (سألقي مطلع ق ال النمر: (سأص فق).

ف ابتدأ المروم ض إلق اء خطبته، فق ال: (أيه ا المواطنون.. سبق لن ا في من اسب ات عديدة أن أوضحن ا موقفن ا من كل القض اي االمصيرية، وهذا الموقف الح ازم الصريح لن يتبدل مهم ا تآمرت القوى المع ادية، وب الإيم ان سننتصر).

ق ال النمر: (لم أفهم م ا قلت).ق ال المروم ض: (عليك أن تعجب بكل م ا أقول، وأن تصفق إعج ا اب ا به).

ق ال النمر: (س امحني. أن ا ج اهل أمي، وكلامك رائع، وسأصفق كما تبغي).وصفق النمر، فق ال المروم ض: (أن ا لا أحب النف اق والمن افقين، ستحرم اليوم من الطع ام عق ا اب ا لك).

وفي اليوم الت اسع، ج اء المروم ض ح امل اا حزمة من الحش ائش، وألقى به ا للنمر، وق ال: (كل).ق ال النمر: (م ا هذا أن ا من آكلي اللحوم).

ق ال المروم ض: (منذ اليوم لن تأكل سوى الحش ائش). ولم ا اشتد جوع النمر، ح اول أن يأكل الحش ائش، فصدمه طعمه ا، وابتعد عنه ا مشمئ ازا، ولكنه ع اد إليه ا ث انية، وابتدأ يستسيغ

طعمه ا روي ادا روي ادا.وفي اليوم الع اشر، اختفى المروم ض وتلاميذه والنمر والقفص، فص ار النمر مواط ان ا، والقفص مدينة.

6

Page 8: زكريا تامر - عباد الله

ملخص ما جرى لمحمد المحمودي كان محمد المحمودي رجل اا هر ام ا، يعيش وحي ادا في بيت صغير، فلا زوجة له ولا ولد، ولم يكن لديه م ا يفعله إثر إح الته إلى التق اعد. فم ا إن يقبل الصب اح حتى يغ ادر البيت، ويمشي في الشوارع وئيد الخطى، ويتوقف لحظ ات ليشتري جريدته

المفضلة، ثم يستأنف مشيه المتب اطئ متج اه ا إلى مقهى لا يفصله عن الش ارع الص اخب إل ا ح ائط من زج اج. وحين يبلغه، يدلف إلى داخله، ويقصد ط اولة معينة تتيح له التفرج على الش ارع، ويجلس منتظ ارا دونم ا كلام النرجيلة وفنج ان قهوة دون سكر. ثم يخرج من جيبه نظ ارة يضعه ا على عينيه، ويستغرق في قراءة الجريدة، مدخ ان ا النرجيلة، متطل اع ا بين الحين

والحين إلى الش ارع بعينين ذاهلتين. وكلم ا ج اع، ينهض بتث اقل وأسف، ويغ ادر المقهى إلى مطعم قريب، فيأكل بملل، ثم يرجع سري اع ا إلى المقهى ليت ابع قراءة

الجريدة وتدخين النرجيلة واحتس اء الش اي والقهوة والتفرج على الش ارع، حتى يع م ظلام الليل، فيترك وقتئذ المقهى،ويذهب إلى بيته، ويخلع ثي ابه، ويستلقي على سريره العريض، ويستسلم ت وا لنوم عميق.

وأحي ا ان ا كان يش اهد أمه في أثن اء نومه، وكانت تؤنبه بقسوة لأنه لم يتزوج، وتعول مط البة بطفل يقول له ا: (ي ا جدتياشتري لي ب الو ان ا).

فيستيقظ من نومه مكتئ اب ا وخجل اا من رغبته في النحيب طويل اا. وفي أحد الأي ام، كان ج ال اس ا في المقهى كع ادته، يقرأ الجريدة ويدخن النرجيلة، فإذا بأص ابعه تفلت فجأة الجريدة، وتن د عنه شهقة، ويته اوى أر اض ا دون حراك. ف استدعى على عجل الطبيب الذي قرر بثقة أنه قد م ات. وعندئذ ج اءت المع اول

والحرفوش تنفي اذا لوصيته، وحفرت حفرة تحت الط اولة التي اعت اد الجلوس إليه ا. ثم حمل برفق وسجي في ق اع الحفرة،لاصه من المشي في الشوارع والذه اب إلى البيت والمطعم. وأهيل فوقه تراب كثير، فلم يحنق أو يتذمر إنم ا ابتسم فر اح ا بخ

7

Page 9: زكريا تامر - عباد الله

وأنصت بشغف لأح اديث رواد المقهى وقرقرة النراجيل وصيح ات الجرسون، ولكنه كان يشعر ليل اا ب الضجر والوحشةوالخوف إذ يخوى المقهى ويقفل أبوابه.

وأتى يوم اقتحم فيه المقهى عدد من رج ال الشرطة، وأخرجوا محمد المحمودي من حفرته، واقت ادوه إلى أحد المخ افر. وهن اك ق ال له رئيس المخفر بصوت ص ارم: (نمى إلين ا أنك تنتقد أعم ال الحكومة وتهزأ به ا وتس به ا، وتزعم أن كل قوانينه ا لا

تخدم إل ا أصح اب البن اي ات والسي ارات والبطون الكبيرة).ل له! أن ا لست ممن يشربون من النبع ثم يبصقون فيه. فهتف محمد المحمودي مرت ا اع ا مستنك ارا: (أن ا أس ب الحكومة?! أعوذ ب ال

اسأل عني. كنت موظ اف ا مث الي ا، وكنت أطيع الأوامر والقوانين وأن فذه ا بدقة. اسأل عني. لم أسكر يو ام ا، ولم أتحرشب امرأة، ولم أوذ أح ادا، وكنت...).

فر ق ائل اا: (ولكن التق ارير الواردة إلين ا بشأنك لا تكذب، وأصح ابه ا موضع ثقة كاملة). فق اطعه رئيس المخل له أني عشت حي اتي كله ا دون أن أتكلم يو ام ا في السي اسة، ولم أس ب ارتعد محمد المحمودي، وق ال بصوت متهدج: (أقسم ب ال

طوال عمري لا حكومة ولا حكا ام ا). ق ال رئيس المخفر: (ه ا ه ا.. من فمك أدينك. أنت قلت إنك لم تس ب الحكومة، ولم تقل إنك مدحته ا، أفلا تستحق في

رأيك المديح).فر ت ابع ق ائل اا: (وحتى إذا كان م ا تقوله ص اد اق ا، فهو أمر غريب ج دا لأن فح اول محمد المحمودي التكلم، ولكن رئيس المخ

الن اس جمي اع ا تشوهوا وص اروا ح اقدين موتورين، يس بون الحكومة والحكام، متن اسين وجوب إط اعة أولي الأمر، وأن للسي اسةأهله ا).

ق ال محمد المحمودي بصوت واهن: (هذا صحيح. الجميع يتحدثون في السي اسة ولا يتركون مسؤول اا في الدولة إل ا ويلصقون بهأشنع الصف ات، أم ا أن ا...).

8

Page 10: زكريا تامر - عباد الله

فر مق اط اع ا بصوت وديع متس ائل: (وأنت في المقهى تسمع طب اع ا م ا يقولون، وتعرف أسم اء الذين يتكلمون). ق ال رئيس المخ ه ز محمد المحمودي رأسه ب الإيج اب، ف ابتسم رئيس المخفر، وق ال.. (أنت كما يبدو رجل طيب ومواطن ص الح. وأن ا أرغب

جهة إليك، ولكن عليك أي اض ا أن تس اعدني). فعل اا في مس اعدتك كي تنجو من التهمة المو ل. اسمع...). فضحك رئيس المخفر ضحكة مرحة ثم ق ال: (الأمر بسيط ج دا ومس

فر، ثم ع اد بعد قليل إلى حفرته في المقهى وهو شديد الابته اج، فقد ب ات لديه م ا وأنصت محمد المحمودي لم ا ق اله رئيس المخ يفعله، ولم يعد يشعر ب الوحشة والضجر والخوف حين يقفل المقهى أبوابه في منتصف الليل، إذ كان يس ارع آنذاك إلى كت ابة

م ا سمعه من رواد المقهى مح اذ ارا النسي ان.

9

Page 11: زكريا تامر - عباد الله

يا أيها الكرز المنسي شهقت ضيعتن ا مدهوشة لم ا علمت أن عمر الق اسم قد ص ار وزي ارا. وه ا هي ذي ضيعتن ا ي ا عمر كما تركته ا وردة من طين،

وعش اب ا أصفر، ونه ارا من الأطف ال الحف اة.وارتبك عمر قليل اا، ولكنه ق ال لأمه: (لا داعي إلى البكاء. لست ذاه اب ا إلى المشنقة).

فمسحت أمه دموعه ا بأص ابعه ا، وق الت بصوت مرتعش: (ليس لي غيرك في الدني ا. احرص على صحتك ي ا بني، ف القرىكله ا أمرام ض وأوس اخ. مسكين أنت. لو كان لك قريب مهم لم ا عينت معل ام ا في قرية).

فق ال له ا عمر بلهجة مرحة: (اطمئني ي ا أمي اطمئني، ف ابنك ليس زج ا اج ا سهل الكسر). م ضيعتن ا الفرح، ورحبت بحرارة بذلك النبأ الذي أذاعه الراديو. إذن عمر الق اسم ص ار وزي ارا، فسبح ان من يعطي دون وع

أن يسأل، وصدق من ق ال إن من ج د وجد.(م اذا يشتغل الوزير?).

(تخصص له سي ارة أحلى من أجمل بنت).(ويقبض في آخر كل شهر مع ا اش ا يتيح له أن يأكل خرو اف ا في كل يوم).

(وعندم ا يدخل إلى مبنى وزارته، يرتجف الموظفون خو اف ا ويسلمون عليه كأنه عيسى الن ازل من السم اء).(ويأمر فيط اع. يقول للمطر انزل فينزل).

(وإذا أمر الآغ ا فهل يطيع الآغ ا). وحدق أهل الضيعة بوجوم وفضول إلى ش اب نزل من الب اص الآتي من دمشق. كان ش ا ب ا مرفوع الرأس، ذا عينين

وديعتين وص ارمتين في آن واحد. س لم علين ا كأنه واحد من أهلن ا غ اب عن ا زم ان ا ثم ع اد. ق ال لن ا إن اسمه عمر الق اسم، وهو10

Page 12: زكريا تامر - عباد الله

معلم المدرسة الجديدة.وق ال واحد من أهل الضيعة: (يجب أن نذهب إلى دمشق لتهنئته).

ق ال آخر بحم اسة: (سنذهب كلن ا.. الرج ال والنس اء والصغ ار).وق ال ث الث: (ستذهب أي اض ا الأبق ار والخراف والدج اج والأرانب).

ق ال رابع: (الفكرة عظيمة، ولكن من سيدفع أجرة الب اص هل نذهب سي ارا على الأقدام?). ران الصمت حي ان ا، ثم ق ال رجل عجوز: (يكفي أن يذهب واحد من ا ويهنئه ب اسم الضيعة. هو يعرف ح الن ا، ولن يعتب

علين ا).(ولكن من سيذهب?).

ق ال العجوز: (اخت اروا من تش اؤون. فليذهب مثل اا أبو في ام ض).فح اول أبو في ام ض الرفض، غير أن أصواتن ا ح اصرته ق ائلة:

(أنت أعقلن ا).(وأكبرن ا س ن ا وقد ارا).

(وأنت تتقن الكلام حتى مع الملوك).(كان عمر يح بك).

(دائ ام ا كان يشرب الش اي عندك).(كان يحب حديثك).

(كان صديقك).ق ال أبو في ام ض: (ولكن عمر كان أي اض ا صديقكم وكان يحبكم. أنسيتم?).

11

Page 13: زكريا تامر - عباد الله

مرين على المق اعد، وق ال لهم: (أن ا معلمكم الجديد. اسمي عمر... عمر الق اسم. إني أحب ونظر عمر بحب إلى الأولاد المسالمجتهدين. أم ا الكس الى فمن الأفضل لهم أن يتخلوا عن كسلهم وإل ا...).

ورفع رجل أشيب طفله الصغير إلى أعلى بحركة فخور، وق ال: (سأسميه عمر كاسم جده). ونظر إلى الأم الش احبة الوجه المستلقية على الفراش، وضحك، وق ال له ا: لو كان يعرف م ا ينتظره لرفض المجيء، ويوم

أموت لن يرث سوى ثي ابي).وقلن ا لأبي في ام ض: (لا ف ائدة في التهرب. ستذهب إلى دمشق وتق ابل عمر وتهنئه).

فه ز أبو في ام ض رأسه مواف اق ا مستسل ام ا.ت ار الضيعة لعمر: (ي ا أست اذ.. حتى الآن لم تذهب لزي ارة الآغ ا). وق ال مخ

ق ال عمر: (لم اذا أذهب م ا دمت لا أعرفه، وهو لا يعرفني?).ق ال المخت ار: (اللب اقة ضرورية، والآغ ا سينفعك، فكل م ا تراه عينك من أرام ض في الضيعة هي ملكه).

ن لم الصغ ار القراءة والكت ابة). ن لم اني الل ب اقة، وعملي في الضيعة أن أع ق ال عمر: (أبي وأمي لم يعوق ال أهل الضيعة لأبي في ام ض: (قل لعمر إنن ا م ا زلن ا جي ا اع ا).

(قل له إن جوعن ا ازداد).(بتن ا نأكل حتى الحصى).

(حدثه عن القمل الذي يأكلن ا).(وعن اللحم الذي نسين ا طعمه).

(ح دثه عن أمراضن ا).(قل له إنن ا بح اجة إلى أطب اء وأدوية).

12

Page 14: زكريا تامر - عباد الله

(ضيعتن ا بح اجة إلى م اء نظيف للشرب).(ح دثه عن شوقن ا إلى نور الكهرب اء).

(ك لمه عن الآغ ا وأفع اله).(نحن نشتغل وهو يحصد).

دك كأخي تم ا ام ا، وسأنصحك نصيحة، وع ل له ي ا أست اذ أ (نحن نشتغل وهو يحصد). وق ال رئيس مخفر الشرطة لعمر: (إني وال أنت حر، إن شئت اعمل به ا أو ارمه ا وراء ظهرك. أنت دائم السهر مع فلاحي الضيعة، ولا يليق بأست اذ مثلك أن يسهر

معهم. معلم المدرسة شخصية محترمة).ق ال عمر: (فلاحو الضيعة ن اس طيبون).

ل له يعلم م ا يحدث). ق ال رئيس المخفر: (وأنت تكلمهم كلا ام ا إذا سمعه الآغ ا فسيزعل، وإذا زعل الآغ ا، ف الوص اح ش اب من شب ان الضيعة: (اسمعوا.. من المن اسب أن يأخذ أبو في ام ض معه هدية لعمر).

فتع الت أصواتن ا مؤيدة، ولكن أي هدية نخت ار (خروف أو عدة دج اج ات).(هذه هدية لا تليق بوزير).

(إذن أي هدية نرسل!). ق ال أبو في ام ض: (أفضل هدية هي سلة من كرز ضيعتن ا. أتذكرون كم كان عمر يحب كرز ضيعتن ا، ويقول عن لونه الأحمر

إنه تعبن ا ودمن ا).فأثنين ا جمي اع ا على رأي أبي في ام ض.

وق ال لن ا عمر: (الظلم لا يدوم).وق ال لن ا: (كيف تقبلون بحي اة الذل!).

13

Page 15: زكريا تامر - عباد الله

فقلن ا له: (العين بصيرة واليد قصيرة).فق ال عمر بصوت غ اضب: (اليد قصيرة لأن القلب خ ائف).

وض، واستسلمت الضيعة للنوم، وكن ا نحن الفقراء جس ادا واح ادا مرتج اف ا مبته اج ا ين ادي أي ام كن ا ننصت لكلام وأقبل لي ل أبيعمر مبهورين، فكأنه ع اش أم ادا في قلوبن ا وقلوب موت ان ا.

وعندم ا أشرقت شمس الصب اح على الضيعة، تج مع الرج ال والصغ ار والنس اء حول الب اص المس افر إلى دمشق. وق ال لن ا عمر قبل أن يصعد إلى الب اص: (الآغ ا ص احب نفوذ وج اه في دمشق، وهو الذي نقلني من ضيعتكم لأني لم أصبحلصون فيه من ذلك الآغ ا وأمث اله ليس ب البعيد بل هو قريب، وسترونه أنتم لا خ اد ام ا له ولأني أحبكم، ولكن اليوم الذي تتخ

أحف ادكم، وستصبح الأرم ض التي تشتغلون فيه ا مل اكا لكم).وركب أبو في ام ض الب اص وبرفقته سلة ملأى ب الكرز الأحمر ذي الحب ات الن اضجة البراقة.

ولم ا أوشكت شمس الضيعة أن تأفل، بلغ سمعن ا بوق الب اص الع ائد من دمشق، فتراكضن ا إلى س احة الضيعة.أتي الب اص، ونزل منه أبو في ام ض ع ابس الوجه، واج ام ا، وكانت إحدى يديه م ا زالت تحمل سلة الكرز.

تص ايحن ا بدهشة:(لم اذا لم تعط عمر سلة الكرز).

(ألم تق ابله).(م اذا ق ال لك).

ظل أبو في ام ض س اك ات ا كأنه أص م، ووضع سلة الكرز على الأرم ض، وتكلم بصوت أجش، فق ال للصغ ار: (تع الوا وكلوا الكرز،وعندم ا تكبرون لا تنسوا طعمه).

ثم مشى متج اه ا إلى بيته، ف اعترضن ا طريقه، وقلن ا له: (تكلم، وأخبرن ا بم ا حدث).

14

Page 16: زكريا تامر - عباد الله

ق ال أبو في ام ض: (عمر م ات).فزعلن ا كأن أمن ا قد م اتت، بينم ا ع اود أبو في ام ض السير وقد ازداد ظهره انحن اء.

15

Page 17: زكريا تامر - عباد الله

الجريمة كان سليم ان الحلبي يمشي بخطى متئدة مبته اج ا ب الهواء الذي يهب فيم ا حوله، مسق اط ا الأوراق الصفر من الأشج ار المنتصبة

على ج انبي الش ارع، وكانت يداه ق ابعتين في جيبي بنط اله كطفلين ن ائمين. وحين توقف لحظة عن السير ريثم ا يشعل سيج ارة، دن ا منه رجلان، وجه اهم ا متجهم ان، وطلب ا منه هويته بلهجة ص ارمة. وارتبك إذ عرف مهنتهم ا. وقد كان ا طويلي الق امة، قسم ات وجهيهم ا متش ابهة. وأع اد الرجلان إلى سليم ان أوراق هويته،

ثم طلب ا إليه مرافقتهم ا، فأط اعهم ا دون تفكير، وس ار وهو يقول لنفسه: لا بد من أن ثمة سوء تف اهم. واقت اده الرجلان إلى مخفر غير بعيد، وأدخلاه إلى غرفة له ا ثلاث نوافذ مفتوحة للشمس والهواء والسم اء. وكان يجلس في

صدر الغرفة رجل ذو ش ارب أسود، أم امه مكتب حديدي، تكومت على سطحه أكداس من الورق الأبيض.وق ال سليم ان لنفسه: هذا رجل أسود.

وق ال الرجل الأسود متس ائل اا: (هل أنت سليم ان الحلبي). فأحنى سليم ان رأسه ب الإيج اب دون أن يتفوه بكلمة. وتن اول الرجل الأسود ورقة بيض اء موضوعة على المكتب، وطفق

يران، ش اهد سليم ان الحلبي حل ام ا قتل فيه الجنرال كليبر). يقرأ برت ابة وكسل: (في ليلة الس ادس من حز ول الرجلان إلى تمث الين من حجر، وتو قف الرجل الأسود عن القراءة، وتطلع إلى سليم ان الحلبي بعينين ص ارمتين، بينم ا تح مرين قرب إحدى النوافذ. وكانت المدينة خلف الن افذة. وتس اءل الرجل الأسود مخ اط اب ا سليم ان:( هل هذا صحيح?). مس

فغمغم سليم ان الحلبي مستنك ارا: (لا، لا. أن ا لا أعرف الجنرال كليبر).ف التفت الرجل الأسود نحو الرجلين، وق ال لهم ا: (أحضرا الشهود).

وفتح بعد لحظ ات، ودلف إلى الداخل ثلاثة أشخ اص، ثي ابهم معفرة ب التراب، ووجوههم صفر ولم يتحركا، غير أن ب اب الغرفة 16

Page 18: زكريا تامر - عباد الله

كأن أصح ابه ا ع اشوا مئ ات السنين في قبور تمقت الشمس. وعرفهم سليم ان على الفور، وكانوا رجل اا هر ام ا وامرأة كهلةوفت اة في مقتبل العمر.

وق ال الرجل الأسود: (ليتقدم الش اهد الأول). وابتعد الهرم منفصل اا عن المرأة الكهلة والفت اة، واقترب من مكتب الرجل الأسود، ووقف أم امه محني الظهر، وق ال بصوت كأنه منبعث من أسطوانة عتيقة تدور بتث اقل تحت ذراع الح اكي: (في ليلة الس ادس من حزيران، ش اهدت

سليم ان الحلبي يقتل الجنرال كليبر).فق اطعه سليم ان ه ات اف ا: (أبي!).

فلم يأبه الهرم له، وت ابع كلامه ق ائل اا: (أبصرته يطلق من مسدس ضخم سبع رص اص ات اخترقت جسد الجنرال، وانبثقالدم من سبعة ثقوب).

نطئت سن ابكه لحم سليم ان، بينم ا غرس الف ارس وكان الحزن في تلك اللحظة ف ار اس ا يمتطي صهوة جواد غير مروم ض، وقد وسيفه في القلب تم ا ام ا. ولكن سليم ان لم يمت، إنم ا سمع الرجل الأسود يقول: (الش اهد الث اني).

وتقدمت المرأة الكهلة، ووقفت بج انب الرجل الهرم، وق الت: (رأيته يقتل الجنرال، وكان يحمل فأ اس ا رفعه ا إلى أعلى، وأهوى به ا بكل قوته، فشطر الرأس إلى قطعتين، وسقطت الجثة قربي، واستطعت رؤية النخ اع ممز اق ا خ ارج الجمجمة

المهشمة).وأش ارت نحو سليم ان الحلبي بأصبع لا ترتجف، وق الت: (هذا هو الق اتل!).

فتمتم سليم ان الحلبي بحسرة: (أمي، أمي!).فرمقته الكهلة بقسوة، وق الت له: (أمك امرأة واحدة فقط).

وتذكر سليم ان يوم كان صغير السن، يلعب في الزق اق ملط اخ ا ثي ابه ب الطين، فوقفت أمه على عتبة ب اب البيت، وكشفت عن

17

Page 19: زكريا تامر - عباد الله

صدره ا الشديد البي ام ض، وق الت له من ادية بحنو: (تع ال تع ال).وق ال الرجل الأسود: (الش اهد الث الث).

وتطلع سليم ان الحلبي إلى الفت اة بنظرات أسي انة. ولم تتحرك الفت اة، فدمدم الرجل الأسود بغضب: (الش اهد الث الث..ليتقدم).

وظلت الفت اة متجمدة في مكانه ا، غير أنه ا بدأت الكلام ق ائلة: (رأيته راك اب ا سي ارة، دعست الجنرال، ومرت فوقه عدةمرات حتى تحول لح ام ا لا شكل له).

وص اح سليم ان الحلبي: (م اذا حدث ي ا أختي! ألم أتركك في البيت وقد طلبت إلى أن أشتري لك مش اط ا). وأخرج يده منجيبه ح املة مش اط ا أسود اللون. وق ال الرجل الأسود: (لينصرف الشهود).

وأش ار بيده بحركة ضجرة إلى الشهود الثلاثة، فتجمعوا في الح ال متلاصقين في كتلة واحدة، واتجهوا نحو الب اب، وم ا لبثوا أنغ ادروا الغرفة.

وضع الرجل الأسود سيج ارة بين شفتيه، وحين رفع يده نحو السيج ارة ح املة عود الثق اب المشتعل، لاحظ سليم ان أن يدالرجل الأسود غريبة، فجلده ا كثير التج اعيد، فكأنه جلد سرط ان ميت، ظل زم ان ا مدي ادا تحت شمس ق اسية.

ونفث الرجل الأسود دخ ان سيج ارته، وت ابعه بنظراته، بينم ا كان يتلوى ص اع ادا في جو الغرفة ثم يتلاشى بتكاسل. وق اللسليم ان: (هل سمعت م ا قيل الأدلة على جريمتك ث ابتة).

- (لم أعترف بشيء).- (اعترافك ليس مه م ا. لقد اعترف غيرك بذنبك).

- (أن ا بريء).ي ائ ا جئت إلى هذا الع الم كي تهلك، فتجهم وجه الرجل الأسود، وق ال بصوت ب ارد ق اس: (لم اذا ولدت م ا دمت بر

18

Page 20: زكريا تامر - عباد الله

وستهلك دون احتج اج. أنت مجرم، وكن ا نراقبك منذ أمد طويل، ف الن اس المشبوهون نعرفهم بسرعة ولا يستطيعونخداعن ا).

وتن اول الرجل الأسود أورا اق ا بي اض ا من على سطح المكتب، وأخذ يقرأ م ا كتب فيه ا: (في الث الث من نيس ان في الس اعة الح ادية عشرة وثلاث دق ائق، تطلع سليم ان الحلبي إلى القمر، وق ال لنفسه: القمر سعيد لأنه لا يعيش في مدينة ح اكمه ا

الجنرال كليبر).وتألق القمر في مخيلة سليم ان الحلبي، وكان قم ارا تهرول نحوه سحب قرمزية.

- (في يوم الح ادي عشر من م ايس في الس اعة الث امنة صب ا اح ا، فتح سليم ان الحلبي أبواب أقف اصه وأطلق سراحعص افيره).

وتذكر سليم ان رغبة في البكاء اجت احته بينم ا كانت العص افير في بدء انطلاقه ا عبر الفض اء الأزرق ترفرف بأجنحته ا ب ارتب اكواضطراب.

- (وفي الس اعة الث انية من بعد ظهر يوم الث اني من حزيران خطر في ذهن سليم ان الحلبي أن الع الم سيكون سعي ادا لو هلكبعض الأشخ اص).

ورمى الرجل الأسود الأوراق على المكتب بحركة س اخطة، وق ال: (ألم أقل لك إن أمث الك لا يستطيعون خداعن ا?). وظل سليم ان ص ام ات ا وقد استغرب أن ينمو في أعم اقه شعور حقيقي ب الذنب، ولكنه كان في الوقت نفسه شديد الاقتن اع

ببراءته.وابتسم الرجل الأسود، ولعق بلس انه شفته السفلى، وق ال: (ستعدم في الس اعة الس ادسة).

فألقى سليم ان نظرة سريعة على س اعته، فألف اه ا توشك أن تصبح الس ادسة، ف انت ابه الهلع، ورفض تصديق م ا حدث حوله، ده مجرد حلم سيصحو منه بعد لحظ ات على هزة من يد أمه وسيسمع صوته ا. ع و

19

Page 21: زكريا تامر - عباد الله

وق ال الرجل الأسود بتشف: (ستعدم).- (ألن أح اكم).

فضحك الرجل الأسود، وق ال: (انتهت المح اكمة. أن ا الق اضي). وتن اهى إلى سمع سليم ان صفير قط ار. لا بد من أن القط ار يهدر الآن م ا را تحت الجسر، ق اذ اف ا دخ انه في سح ابة صغيرة لن

تعيش طويل اا، وستضمحل إثر ابتع اد القط ار.- (هل سأموت شن اق ا).

- (لا).- (هل ستطلق الن ار علي).

- (لا).- (هل سأحرق).

- (لا).- (هل سأدفن حي ا في التراب).

- (لا).وأش ار إلى الرجلين ق ائل اا: (هي ا.. نفذا الحكم ب الإعدام).

الس اعة الآن هي الس ادسة تم ا ام ا، والمدينة مستسلمة بفتور لضي اء الشمس الآفلة. وكانت كامرأة ترغب في النوم قليل اا بعد أنأنهكه ا العمل من أجل أولاده ا.

وعري سليم ان الحلبي من ملابسه كله ا، ولم يخجل من وقوفه ع اري ا عري ا كامل اا أم ام أعين الرج ال الثلاثة. وكانت و السي ارات تعبر الشوارع وهي تزعق بأبواقه ا عند المنعطف ات. وأخرج الرجلان من خزانة خشبية مدية كبيرة، ثم ألقي ا

20

Page 22: زكريا تامر - عباد الله

سليم ان على الأرم ض، ولم يح اول المق اومة. وكان بج انب الرجل الأسود منضدة قصيرة القوائم، ملتصقة ب الجدار، يقبع فوقه ا مذي اع صغير، م د إليه الرجل الأسود يده.

وبعد قليل انس ابت منه أغنية لامرأة، صوته ا مفعم ب العذوبة والشجن، ويتلاقى فيه الريح والمطر والحن ان الع ارم. وأنصت الرجلان قليل اا للأغنية، ثم تحولا جلادين، وبترا أص ابع اليد اليمنى ب المدية، فصرخ سليم ان متأل ام ا، وتدفق الدم.

خمس أص ابع كانت مل اكا لسليم ان الحلبي، وقد ص افحت الأصدق اء، ولمست ب اشته اء لحم النس اء، وكان ب استط اعته ا في لحظةغضب خنق مخلوق م ا وق ال الرجل الجلاد لزميله: (ي ا له ا من أغنية! م اذا تغديت?).

فأج اب الرجل الآخر: (حس اء وقليل اا من الخبز. أسن اني تؤلمني).- (مسكين).

وأشعل الرجل الأسود سيج ارة أخري، وتركه ا معلقة بين شفتيه لتحترق على مهل. وقطع س اعد سليم ان، فتأوه وأطلق صرخة حيوان، صرخة طويلة مبحوحة. ولقد كان سليم ان يحلم بأن تن ام الفت اة التي

سيحبه ا على س اعده لا على وس ادة محشوة ب الصوف أو القطن. وق ال أحد الرجلين بينم ا كانت أص ابعه تلتف حول مقبض المدية كأنه ا تتوق إلى أن تصير قطعة منه ا: (ليلة أمس

ش اهدت فيل ام ا وكان سخي اف ا).- (كل الأفلام سخيفة في هذا الأسبوع).

وكانت أغنية المذي اع تصعد وتبوح ب العذاب الم ر الذي يبقي إثر اندث ار الحب.واضمحل مرفق سليم ان، وكان مرف اق ا يتكئ على حواجز الأنهر ومن اضد المق اهي، ويلكز الأصدق اء.

وجث ا أحد الرجلين على ركبتيه، وبتر الذراع اليمنى كله ا بحركة سريعة، بينم ا كان الرجل الث اني يمسك بسليم ان لمنعه من الحركة. ولم يح اول سليم ان الحلبي المق اومة، إنم ا كان ينتفض كلم ا مست المدية لحمه، ويتلوى على الأرم ض الن اعمة الملس اء

21

Page 23: زكريا تامر - عباد الله

بينم ا الدم يت ابع تس اقطه ذا الإيق اع الكئيب. وفتحت دور السينم ا أبوابه ا، وغ ادره ا رواده ا بخطى متث اقلة. وبترت ذراع سليم ان اليسرى. ولو كان سليم ان الآن متسول اا

يمشي في الشوارع لاستدر الشفقة ولانهمرت النقود عليه، فهو بلا ذراعين، ولن يستطيع مع انقة امرأة. وإذا ج اع فمنسيضع اللقمة في فمه?!

وكان الرجل الأسود يبتسم منتشي ا ب الأغنية المنبعثة من المذي اع. وت ابع الرجلان عملهم ا، وابتدأ جسد سليم ان الحلبي ينقرم ض متض ائل اا روي ادا روي ادا، وكانت الأعض اء المقطوعة تلقى ج ان اب ا. وكان الن اس في الشوارع يسيرون على الأرصفة، وبعضهم يقف

قليل اا أم ام واجه ات المكتب ات متطل اع ا إلى عن اوين الكتب والجرائد. وكانت أصوات ب ائعي أوراق الي انصيب تتص اعد مط اردة الم ارة بإلح اح: (ستربح مئة ألف ليرة). وكانت الب اص ات تواظب على المسير متوقفة بين الحين والحين في أمكنة

معينة.وق ال الرجل الأسود مخ اط اب ا الرجلين: (لننته بسرعة. لدي موعد).

وتخيل الرجل الأسود بيته. لا بد من أن ضيوفه ينتظرون مقدمه، ولا بد من أن زوجته ترحب بهم، وتقدم لهم فن اجينالقهوة. وكانت زوجته جميلة، ويشعر الآن بأنه يحبه ا بضراوة.

وكان الرجلان في تلك اللحظة متغضني الجبين، ويداهم ا ملوثتين ب الدم.وق ال الرجل الممسك ب المدية لزميله: (إلى أين تنوي الذه اب بعد العمل).

- (إلى المقهى).- (أن ا سأذهب إلى البيت. سأقرأ قليل اا من الشعر، ثم أن ام).

ووضع حد المدية على عنق سليم ان الحلبي، وأغمض سليم ان عينيه بينم ا كان يحس بنصل المدية يلامس حنجرته موش اكا على ذبحه ا، وش اهد نجو ام ا تبزغ كأنه ا عص افير ميتة. وجمع الرجل الجلاد قوته، وضغط على المدية، ف اخترقت اللحم والعظم

22

Page 24: زكريا تامر - عباد الله

اللدن، وفصلت الرأس الذي تدحرج مبتع ادا عن قطعة اللحم الب اقية، وكانت قل اب ا وكتفين. وظلت عين ا سليم ان الحلبي مفتوحتين، تطل منهم ا نظرة بله اء. ونهض الرجل الأسود، ووضع في جيبه علبة السج ائر، ثم س ار متج اه ا نحو ب اب الغرفة،ذ تذمر الرجلان بأصوات وعندم ا أمسك مقبض الب اب التفت نحو الرجلين، وق ال لهم ا: (نظف ا الغرفة قبل ذه ابكما). وعندئ

مرتفعة.

23

Page 25: زكريا تامر - عباد الله

في ليلة من الليالي يجيء الليل كف ان ا أسود، فيبتعد أبو حسن بخطى ه ارب عن ح ارته الخرس اء، وأزقته ا الملتوية المظلمة، ون اسه ا العج اف،

وبيوته ا الرثة المتلاصقة، ومقه اه ا الذي يشبه ت ابو ات ا مهترئ الخشب. وحين يبلغ الشوارع العريضة، تبهره ضوض اؤه ا وسي اراته ا المسرعة ون اسه ا المتأنقون وأنواره ا الس اطعة المتعددة الألوان، فيمشي بخطى ذاهلة متب اطئة، مشدود الق امة، مرفوع الرأس، ذا وجه متجعد، شديد الزهو بش اربيه الك ثين اللذين كان ا يغري ان عيو ان ا كثيرة ب التحديق إليهم ا بفضول ودهشة. إيه! أنت أبو حسن. ويح ق لك أن تن ال الإعج اب والاحترام. أنت خير الرج ال. خنجرك البرق الذي يعقبه مطر من دم، وقلبك فضة،

ر الجب ال. أنت رجل لا كبقية الرج ال. تفرح فتصير بست ا ان ا أخضر. تغضب فيحمل الموت نع اش ا ف ار اغ ا ويدك من صخينتظر أشلاء فريسة. تحب فتخلص. لا تغش ولا تكذب. لا تتملق ولا تن افق. الأعور أعور، والأعمى أعمى. تضرب و

فتدمي ولا تقتل. تع ادي فيختفي من تع اديه. تص ادق فتهب حتى روحك لمن ص ادقته. عمرك أكثر من أربعين سنة، ولكنك حين تلتقي بجسد امرأة، تبقي في دمه ا حتى القبر. تشرب العرق كأنه م اء ولا تسكر. تخوم ض مش اجرات تسيل فيه ا الدم اء كأنك تدخن سيج ارة على ضفة نهر. يعلو صوتك الخشن بم وال فتبكي الحج ارة. أنت الرجل الذي يك ن له الرج ال والنس اء والأطف ال في ح ارته المحبة والإجلال. إذا تش اجرت امرأة مع زوجه ا، فلا تقصد بيت أهله ا ش اكية، إنم ا تلجأ إليك واثقة بأن م ا لحق به ا من ظلم سيزول لا مح الة. يحبك الأطف ال ويصرخون مستنجدين بك لحظة تضربهم أمه اتهم.

وقطط الح ارة س اعة تجوع تأتي إليك وهي تموء. وإذا تخ اصم صديق ان فلا أحد غيرك يستطيع بكلمة أن يوقد من جديد م ا انطفأ في قلبيهم ا من و د. والش اب اليتيم إذا رغب في الزواج من فت اة، تصبح أنت ع ائلته. كنت دائ ام ا تنصر الضعيف

المظلوم، وتج ابه القوي الظ الم غير هي اب. ولم تعرف يو ام ا أحنيت فيه رأسك لهوان أو ذ ل.ن هل على أرصفة مكتظة برج ال لا شوارب كثة يبتسم أبو حسن ابتس امة مغتبطة متف اخرة، بينم ا هو مستم ر في سيره المتم و

24

Page 26: زكريا تامر - عباد الله

بنس اء يمشين بخطوات واثقة ش امخ ات الرؤوس، معطرات، أنيق ات، جميلات كدمى غ الية الثمن. انظر ي ا أب ا حسن لهم، و انظر. رج ال كالنس اء ونس اء كالرج ال. لا تعجب ولا تستنكر. هذه هي س نة الحي اة، فلا شيء يبقى ويدوم، وكل زم ان له

رج اله ونس اؤه. ويلمح أبو حسن فت اتين في مقتبل العمر، جميلتين أكثر من زهرة ي اسمين في الصب اح. وكانت ا ترنوان إلى ش اربيه الك ثين

بنظرات مستغربة، فيتزايد اعتداده بش اربيه، وتلمسهم ا أص ابع يده اليمنى بحركة مزهوة. ث خط اه مبتع ادا عن الفت اتين، وسلك طري اق ا وته امست الفت ات ان، ثم ضحكت ا ضح اكا س اخ ارا، ففوجىء أبو حسن، وارتبك، وح

ن لية من أعمدة خشبية تتن اثر متب اعدة. أنت! أنت أبو حسن، ويسخر فرعية تضيئه ا مص ابيح كهرب ائية، ش احبة النور، متدمنك فتستحي كبنت م ا ب اس فمه ا إل ا أمه ا! آخ ي ا زمن.. أنت كلب يع ض ص احبه.

وتن اهى إلى سمع أبي حسن أغنية آتية من إحدى البن اي ات من ن افذة مفتوحة مض اءة، فتوقف عن السير، واستند إلى جذع ش الصوت، وأغنيته مبهمة الكلم ات، غير أن صوته كان كصرخة مخنوقة لطير فقد جن احيه بغتة شجرة. وكان المغني أج

وهوى في فراغ لا أرم ض له. وتخيل أبو حسن الفت اتين وقد اختطفت ا وترقص ان مرعوبتين ع اريتين في غرفة يحتشد فيه ا عدد من رج ال ذوي شوارب

وجني وسأكون خ ادمتك). ولكن ولولة انبثقت كر امرأة جميلة من ح ارته، وكانت تقول له: (تز كثة وأعين مفترسة. ثم تذ ل تلت الح ارة وسكانه ا بلون أسود. ولم يمش أبو حسن وراء نعشه ا، إنم ا اختبأ في غرفته، ودفن ذات صب اح من بيته ا، ج

ش مبحو اح ا أكثر حز ان ا من بكاء وجهه في الوس ادة. ولم يستطع أن يبكي، ولكن صوته كان يتص اعد بين الحين والحين أجالأم التي فقدت ابنته ا.

وتع الت صرخة استغ اثة ح ا دة من امرأة، وأبصر أبو حسن رجل اا يركض ب اتج اهه، تتبعه صيح ات تقول إنه لص وتح ثعلى إمس اكه .

25

Page 27: زكريا تامر - عباد الله

ولم ا اقترب الرجل اله ارب من أبي حسن، ح اول إمس اكه، ولكنه راغ ببراعة، وأفلت منه، واستأنف ركضه السريع دونأن يب الي ب استرداد م ا سقط من يده.

وانحنى أبو حسن على الأرم ض، وتن اول م ا سقط من اله ارب، فإذا هو حقيبة يد نس ائية، فتأمله ا وهو يقول لنفسه بسخرية:م اذا سيحكي أهل ح ارتي إن أبصروا أب ا حسن يحمل م ا تحمله النس اء!

وأقبل الذين كانوا يط اردون الرجل اله ارب، وبرفقتهم شرطي بدين، فق ال لهم أبو حسن بلهجة اعتذار وأسف: (اللعين كان كالزئبق وهرب مني). فص احت امرأة وهي تشير إلى أبي حسن: (اقبضوا عليه. هو اختطف حقيبتي، وه ا هي ذي

بيده).ق ال أبو حسن: (عيب ي ا امرأة! م ا هذا الحكي!).

ف انتزعت المرأة الحقيبة من يده، وص احت: (انتبهوا سيهرب).فس ارع الشرطي البدين وعدد من الرج ال إلى إمس اكه، وق ال له الشرطي: (هي ا، امش).

ق ال أبو حسن متس ائل اا بدهشة: (إلى أين).ق ال الشرطي: (إلى أين! إلى المخفر طب اع ا. لعلك ظننت أنن ا سنأخذك إلى كب اريه!).

فح اول أبو حسن الكلام والاحتج اج، ولكن شت ائم كثيرة انه الت عليه، فسكت، وس ار برفقة الشرطي يحيط به رج الونس اء وأطف ال، يتكلمون بأصوات ع الية، ويشيرون إليه ق ائلين إنه لص.

ي اب ا. واقتيد أبو حسن ت وا إلى غرفة رئيس المخفر الذي كان ش ا ب ا ذا وجه ولم يستمر السير طويل اا إذ كان مخفر الشرطة قرأبيض وسيم حليق وعينين ص ارمتين واجمتين، ويجلس وراء ط اولة، على سطحه ا جرائد وأوراق وتلفون.

د ق امته، ورفع يده محيي ا، ثم تكلم ملخ اص ا م ا جرى. فق ال أبو حسن مق اط اع ا: (كل وتقدم الشرطي من رئيس المخفر، وشم ا يقوله غير صحيح).

26

Page 28: زكريا تامر - عباد الله

فق ال رئيس المخفر لأبي حسن: (اخرس. لا تتكلم. تتكلم فقط عندم ا آمرك ب الكلام).وص احت المرأة ص احبة الحقيبة:(هو اختطف حقيبتي من يدي وهرب).

وتلته ا أصوات عديدة تؤيده ا، ويضيف أصح ابه ا ق ائلين:(كلن ا رأين اه ولحقن ا به حتى قبضن ا عليه).وق ال الشرطي:(ضبطته ي ا سيدي والحقيبة بيده).

ن حصة، ثم ق ال له ب ازدراء:(تفضل.. ج اء الآن دورك. هي ا فر ص ام ات ا، وو جه إلى أبي حسن نظرة طويلة متف ظل رئيس المخأسمعن ا فص احتك. م ا لك! هل ابتلعت لس انك ي ا لص).

ق ال أبو حسن: (أن ا لست ل ص ا).فر بحنق: (إذن من أنت لعلك شيخ ج امع ولا ندري). ق ال رئيس المخ

ق ال أبو حسن: (أن ا رجل.. والرجل لا يسرق امرأة).ل له! أنت لص، ولص وقح فنهض رئيس المخفر عن كرسيه، وترك ط اولته، ودن ا من أبي حسن، وق ال له ه از ائ ا: (م ا ش اء ال

أي اض ا).ق ال أبو حسن: (أن ا لم أختطف الحقيبة. رأيته ا تقع من س ارقه ا ف التقطته ا).

ق ال رئيس المخفر: (اسمع. الإنكار هن ا لن ينفعك. من الأفضل لك ولن ا أن تعترف بم ا فعلت، وإل ا جعلتك تتمني لو أنأمك لم تلدك).

فأمسك أبو حسن بأص ابع يده اليسرى أحد ش اربيه، وق ال: (ش اربي ش ارب امرأة إذا كنت أكذب).فر: (تفو عليك وعلى شواربك. لا وقت لدي للقيل والق ال. تكلم وإل ا كسرت رأسك). ق ال رئيس المخ

ق ال أبو حسن محمر الوجه: (لم يخلق بعد الشخص الذي يكسر رأس أبي حسن. اسأل عني أهل ح ارتي فتعرف من هوأبو حسن).

27

Page 29: زكريا تامر - عباد الله

وق ال رئيس المخفر وقد ازداد غي اظ ا: (ي ا كلب.. إذا لم تعترف سأضربك ب الحذاء، وأضرب أهل ح ارتك).�உدر الرج ال). �உن رجل اا، والرجل يعرف ق ق ال أبو حسن: (لا داعي إلى التم ادي في الكلام. ك

فهز رئيس المخفر رأسه، وق ال بصوت ح اول أن يكون ه اد ائ ا: (أنت ب التأكيد بح اجة إلى تربية وتأديب، وقد وقعت في يدمن يتقن التع امل مع أمث الك).

والتفت إلى الشرطي البدين، وق ال له آم ارا بخشونة (اذهب كالبرق وأحضر مق ص ا).ق ال الشرطي: (أمرك سيدي).

ثم غ ادر الغرفة بخطى سريعة. واتجه رئيس المخفر نحو ط اولته، وضغط بإصبعه على زر جرس، ثم وقف متصلب الق امة،مقطب الجبين حتى دخل الغرفة شرطي أصفر الوجه وق ال بصوت ج امد: (أمر سيدي).ن جل أقوالهم). فق ال رئيس المخفر وهو يشير إلى المرأة ص احبة الحقيبة والشهود: (خذهم وس

فنفذ أمره ت وا، وخوت الغرفة إل ا من رئيس المخفر وأبي حسن، وعندئذ ق ال أبو حسن بصوت متهدج: (انظر إلي. هليمكن أن أكون ل ص ا يسرق امرأة!).

لم يجب رئيس المخفر إنم ا ازداد وجهه صرامة، وأمسك بسم اعة اله اتف، ورفعه ا، وأدن اه ا من فمه، وتكلم بصوت خفيض، ثم أع اده ا إلى مكانه ا. واسترخى على كرسيه ص ام ات ا يحدق بهزء ووعيد إلى أبي حسن الذي كان يقف منفرج القدمين

مضطر اب ا ح ائ ارا. وفتح ب اب الغرفة، ودلف إلى داخله ا الشرطي البدين ح امل اا مق ص ا كبي ارا، ثم تبعه عدد من رج ال الشرطة الذين نظروا ت وا إلى أبي حسن نظرات كره واحتق ار. فنهض رئيس المخفر واق اف ا مبتهج الوجه، وتن اول المقص من الشرطي البدين، ثم ق ال

لرج ال الشرطة وهو يشير ب المقص إلى أبي حسن: (أمسكوا بهذا الكلب).فص اح أبو حسن: (أن ا كلب ي ا نصف رجل خسئت).

28

Page 30: زكريا تامر - عباد الله

فر وهو يزعق بغضب، غير أن رج ال الشرطة أمسكوا به، فق اومهم مح اول اا الإفلات من أيديهم، وهجم على رئيس المخ ف انه الت عليه صفع اتهم وركلاتهم. كانوا يضربونه بشراسة وكراهية كأنه ذبح أمه اتهم. وظلوا يضربونه حتى تلاشت مق اومته

واستح ال بين أيديهم جس ام ا شبي اه ا بقطعة قم اش مهترئة. وعندئذ ق ال رئيس المخفر لرج اله: (أمسكوا به جي ادا).وأض اف مخ اط اب ا الشرطي البدين: (تحرك.. أمسك برأسه، وإن تحرك أق ل حركة وضعت رجليك في الفلقة).

فس ارع الشرطي البدين إلى الإمس اك بشعر أبي حسن، وشده إلى الوراء ش دا عني اف ا، فب ات وجه أبي حسن فريسة عزلاء. ابتسم رئيس المخفر، واقترب من أبي حسن ويده تحمل المقص، وق ال له: (والآن ستدفع ثمن س بك، وسترى م اذا يفعل

نصف رجل). ودن ا المقص من ش اربي أبي حسن، فذعر، وح اول التملص من أيدي رج ال الشرطة، ولكن أيديهم كانت تقيده وتشله

ل له أن ا بريء). عن أي حركة، فص اح بضراعة: (والون وا من ش اربي أبي حسن، فص اح وقد طغى عليه رعب شديد: (دخيلكم). ف ازداد المقص د

فر: (قل إنك سرقت فلا يم سك أذى). ق ال رئيس المخوران الصمت لحظة، ثم ق ال أبو حسن بصوت مرتعش: (أن ا سرقت الحقيبة من المرأة).

فضحك رئيس المخفر، وق ال ب احتق ار: (إلى متى ستظل البلد تحوي أمث الك!). وانق ض المقص على ش اربي أبي حسن، وقضى عليهم ا بحركات متأنية متشفية بينم ا كان أبو حسن يصرخ صرا اخ ا مدي ادا

أجش مبحو اح ا.وخط ا رئيس المخفر نحو ط اولته، ورمى المقص على سطحه ا، وق ال لرج اله: (م اذا تفعلون أيطربكم صوته أسكتوه). فب ادروا إلى ضرب أبي حسن ث انية ضر اب ا ق اسي ا حتى أرغموه على السقوط أر اض ا. ولكنه استمر يصرخ ويشتم، فنزعوا

حذاءه، ورفعوا قدميه إلى أعلى، وهوت عص ا رفيعة على ب اطن القدمين بضرب ات قصيرة متلاحقة، فص اح أبو حسن:

29

Page 31: زكريا تامر - عباد الله

(سأذبحكم جمي اع ا ي ا أولاد الزن ا، ولو بقي من عمري يوم واحد). ق ال رئيس المخفر بينم ا كان يع اود الجلوس وراء ط اولته: (استمروا في ضربه حتى يسكت. اسكت. لا أريد سم اع أي

صوت منك). وألفى أبو حسن نفسه بعد حين يضغط بأسن انه على شفته السفلى خ ان اق ا الصراخ المتوجع الذي يريد أن ينفجر خ ارج الفم

المدمي.وحينئذ ق ال رئيس المخفر لرج اله: (اتركوه).�உف على قدميك). ثم و جه الكلام إلى أبي حسن: (هي ا انهض وق

فأط اع أبو حسن، ووقف بصعوبة مستجم اع ا كل م ابقي من قواه كي لا يته اوى على الأرم ض، فق ال له رئيس المخفر: (هي ااحمل حذاءك).

فنفذ أبو حسن الأمر وهو يئ ن أني ان ا خ اف ات ا، ثم وقف مقوس الظهر وكل يد تحمل فردة حذاء.فر: (قل لي ي ا أب ا حسن.. أنت رجل أم امرأة!). ق ال له رئيس المخ

فر بحدة: (انطق، ألم تسمع م ا قلت أنت رجل أم امرأة). لم يجب أبو حسن، فق ال رئيس المخق ال أبو حسن: (أن ا طب اع ا رجل).

ق ال رئيس المخفر بصوت مرح: (كذبت. أنت امرأة. هي ا تكلم، وقل إنك امرأة. سأغضب إذا لم تقل إنك امرأة، وأنتصرت تعرف م ا يحدث حين أغضب).

ق ال أبو حسن بصوت خ افت: (أن ا.. امرأة).ق ال رئيس المخفر: (لم أسمع م ا قلت. تكلم بصوت ع ال. أتظن أنك توشوش حبيبتك!).

ق ال أبو حسن بصوت مرتفع وهو ينظر إلى الأرم ض: (أن ا امرأة).فقهقه رئيس المخفر، وق ال: (احمد ربك، لأنن ا هن ا لسن ا من الش ا ذين جنسي ا!).

30

Page 32: زكريا تامر - عباد الله

بيته ض ج رج ال الشرطة ب الضحك، فق ال لهم رئيس المخفر بلهجة آمرة مشمئزة: (خذوه، وسأراه فيم ا بعد، لأت ابع تروتأديبه).

ف انق ض رج ال الشرطة على أبي حسن، وج روه إلى خ ارج الغرفة، وهم يركلونه ويصفعونه ويشتمونه. واقت ادوه إلى إحدى الغرف، ودفعوه إليه ا وأقفلوا ب ابه ا. وكانت غرفة تخلو من أي أث اث، ولا نوافذ له ا، يتدلى من سقفه ا مصب اح كهرب ائي

ضعيف النور، فته اوى أبو حسن على أرضه ا وهو يئن متوج اع ا.وسمح فجأة صو ات ا رفي اع ا يقول له بنبرة متس ائلة: (ضربوك كثي ارا! لا تزعل.. الضرب تسليتهم الوحيدة).

فرفع أبو حسن رأسه مستطل اع ا، فرأى ول ادا لا يتج اوز عمره الث انية عشرة، وكان ق اع ادا على الأرم ض، مسن ادا ظهره إلىالح ائط. فسأله أبو حسن ب استغراب: (م اذا تفعل هن ا!).

أش ار الولد بيده نحو الب اب، وق ال: (هم قبضوا علي).- (لم أفعل شي ائ ا).

- (قبضوا عليك دون أن تفعل شي ائ ا).- (ذبحت أمي).

ل له يلعنك.. م اذا قلت). فص اح أبو حسن مرت ا اع ا: (ال- (ذبحت أمي. كانت تطهو طع ا ام ا لا تأكله حتى الكلاب

وخيل إلى أبي حسن أنه غ ارق في سب ات عميق ويش اهد حل ام ا مرع اب ا، ولاذ ب الصمت. وحدق إلى الولد مذهول اا متن اسي االألم الذي يحرق عظمه ولحمه. وكان الولد ذا وجه أسمر وديع وشعر أسود طويل ن اعم.

ق ال الولد: (أريد أن أن ام).ق ال أبو حسن بصوت فظ. (نم. من يمنعك).

31

Page 33: زكريا تامر - عباد الله

ق ال الولد: (تعودت أل ا أن ام إل ا بعد أن تروي لي أمي حكاية). ق ال أبو حسن: (اخرس ونم).ق ال الولد: (احك لي حكاية).

فظل أبو حسن س اك ات ا يحملق واج ام ا، فق ال له الولد: (إذا حكيت لي حكاية فسأعطيك سكي ان ا تذبح مئة شخص). فبدت في عيني أبي حسن نظرة دهشة، فس ارع الولد إلى خلع فردة حذائه، وأخرج منه ا سكي ان ا ذات نصل طويل رفيع

رقيق ملطخ بدم ج اف، ول وح به ا ق ائل اا: (ه ا هي ذي.. ظننت أني أكذب عليك).م د أبو حسن يده نحوه ق ائل اا بلهجة آمرة: (ه اته ا).

فت أص ابعه حول مقبضه ا بحركة ض ارية. فأعط اه الولد السكين، وم ا إن أمسك أبو حسن به ا حتى التواستلقى الولد على الأرم ض، وق ال بصوت متوسل: (هي ا احك لي حكاية).

س اد الصمت هنيه ات، ثم ق ال أبو حسن بصوت رتيب: (كان في س الف العصر والأوان رجل اسمه مصطفى، وكان فقي ارا لا يملك من مت اع الدني ا سوى ش اربيه. وفي يوم من الأي ام أصدر ملك البلاد أم ارا يقضي بأن يحلق كل الرج ال في مملكته شواربهم، فأط اع الجميع أمر الملك م ا عدا مصطفى الذي أبى التخلي عن ش اربيه، ف اعتقل، وضرب وأهين وسجن. ثم أخرج

من السجن ليمثل بين يدي الملك وين ال م ا يستحق من جزاء. ق ال مصطفى للملك: (أن ا ملك يديك وتستطيع أن تفعل بي م ا تش اء. أن ا أرحب بأن يقطع رأسي ولكني لن أرضى بأن

أحلق ش اربي).ابتسم الملك بمكر، وق ال: (سأمنحك ألف دين ار إذا حلقت ش اربيك).

ق ال مصطفى: (لا).ق ال الملك: (لا تكن عني ادا متسر اع ا. اسمع. أتريد أكثر حس ان ا. سأعطيك ألف ألف دين ار).

ق ال مصطفى: كل م ا في الدني ا من ذهب لا يس اوي شعرة من ش اربي رجل).

32

Page 34: زكريا تامر - عباد الله

ق ال الملك: (سأعينك وزي ارا لي). را على الرفض، فق ال الملك: (سأعينك رئي اس ا لوزرائي). فظل مصطفى مص

ق ال مصطفى: (أفضل أن أكون شح ا اذا. شح اذ بش اربين أفضل من رئيس وزراء بلا ش اربين).ق ال الملك: (سأجعلك شريكي.. تحكم مملكتي كما أحكمه ا).

فلم يتراجع مصطفى عن رفضه حلق ش اربيه. فأطرق الملك برأسه وف كر س اعة، وتكلم بعده ا، وق ال لمصطفى: (أنت فعل اا رجل. وقد أثب ت أنك الرجل الوحيد في مملكتي، ف احتفظ بش اربيك، وسأكافئك خير مكافأة). وز وج الملك مصطفى من

ابنته التي كانت أجمل امرأة في الدني ا. وأحب مصطفى بنت الملك أشد الحب، وع اش معه ا أشه ارا بسع ادة وهن اء، حتى ج اء يوم أف اق فيه مصطفى من نومه

صب ا اح ا، فإذا بنت الملك ع ابسة الوجه مكتبئة، فسأله ا مصطفى بلهفة عم ا به ا. فق الت له: (أتسأل وأنت السبب).�உت فألبي رغبتك دون تردد). ق ال له ا مصطفى متعج اب ا محت ا ارا: (أن ا! لا ع اش من يزعلك. قولي لي م

ق الت بنت الملك: (أن ا متض ايقة ج دا من ش اربيك، ولو تخ لصت منهم ا، فلا بد أنك ستصير أجمل رجل وسأحبك أكثر). ف استنكر مصطفى كلامه ا، وح اول إقن اعه ا بخطإ م ا ق الته، ولكنه ا لم تقتنع، وق الت له: (لن تبصر وجهي بعد اليوم إل ا إذا

حلقت ش اربيك).ونفذت بنت الملك وعيده ا، وحبست نفسه ا في مخدعه ا، وأقفلت ب ابه ا من الداخل.

وتعذب مصطفى طويل اا لم ا حرم رؤية من يحب، ولكنه صبر وتجلد، إلى أن ج اء يوم ضعف فيه واستسلم لصوت قلبه،فحلق ش اربيه، وهرع إلى مخدع بنت الملك، وقرع ب ابه وهو يهتف: (افتحي.. فعلت م ا ترغبين فيه).

وفتحت بنت الملك ب اب مخدعه ا. وم ا إن رأت مصطفى حتى تراجعت إلى الوراء وهي تضحك ضح اكا متواصل اا. فدن امصطفى منه ا متله اف ا إليه ا وح اول مع انقته ا، ولكنه ا قفزت مبتعدة عنه وهي تقول بجف اء: (إي اك والاقتراب مني!).

33

Page 35: زكريا تامر - عباد الله

ق ال مصطفى: (لم اذا). ق الت بنت الملك: (إذا أردت معرفة السبب، ف اذهب إلى المرآة وانظر فيه ا، فقد صرت دون ش اربين مثي ارا للضحك أكثر

من أي مهرج في مملكة أبي، وصرت أي اض ا قبي اح ا إلى حد أن كلبة عمره ا مئة سنة لا تقبل ب النظر إليك نظرة واحدة!). لم ا سمع مصطفى كلام بنت الملك حزن حز ان ا شدي ادا، واست ل خنجره، وطعن به قلبه طعنة قوية وهو ينظر إلى بنت الملك

نظرة وداع وحب ولوم. وص احت بنت الملك مست اءة، بينم ا كان مصطفى يتر نح موش اكا على السقوط أر اض ا: (ابتعد.. ابتعد عن سريري لئلا تقع عليه فتتسخ أغطيته بدمك). وعندم ا علم الن اس بموت مصطفى وم ا جرى له، حزنوا عليه كثي ارا

وبكوا...). بتر أبو حسن كلامه، ونظر إلى الولد، فألف اه متمد ادا على الأرم ض، مغمض العينين، مستسل ام ا بوداعة لنوم عميق، ف ازدادت أص ابعه الملتفة حول مقبض السكين شراسة. وزحفت السكين روي ادا روي ادا نحو الولد، ثم توقفت

مرتجفة، غ اضبة، ح ائرة بين قلب أبي حسن وعنق الولد.

34

Page 36: زكريا تامر - عباد الله

المطربش كان منصور الح اف رجل اا من دمشق يه ابه أشرس الرج ال، بح ارا بلا موج، رابط الجأش في س اع ات العسر وس اع ات

اليسر، غير أن خنجره كان سريع الغضب، يجرح ب ازدراء ولا يقتل، ولا مهرب لخصومه من برق نصله اله ب ار وندامة متأخرة لا تنجي اللحم من التمزق. وكان منصور الح اف يرحب ب السجن كأ نه مصح في مصيف، ويردد يوم يخرج منه:

(الأهبل وحده يفرح ب الانتق ال من سجن صغير إلى سجن كبير). وقد أحب منصور الح اف زوجته نزيهة منذ أن لمحته ا عين اه أول مرة، ولم يبح له ا يو ام ا بكلمة واحدة تفصح عن ن اره

المخبأة، ولكنه لم يكن يخجل من الاعتراف علانية بأ ن كل م ا تقوله نزيهة هو أوامر يس ارع إلى إط اعته ا بغير نق اش. ولو طلبت منه أن يحلق ش اربيه لم ا تردد لحظة. ولكنه تبدل لحظة تكلمت مص ادفة عن طربوشه، ونصحته ب التخلي عنه،

واستح ال رجل اا غري اب ا ف ظ ا لا تعرفه. وق ال له ا ب اعتداد وتجهم: إ ن الطرابيش خلقت زينة للرج ال. فق الت له: إ ن الطربوش ضيف قبيح سمج. فق ال له ا إ نه ولد مطرب اش ا وسيموت مطرب اش ا. فق الت له إ نه ا لم تعد تطيق رؤية أي طربوش. فق ال له ا إن

الطرابيش للرج ال والملاءات للنس اء والأغص ان للشجر.وفي أحد الأي ام، ق الت نزيهة لزوجه ا بصوت ح انق، ن افد الصبر: (إ م ا أن تطلق الطربوش، وإ م ا أن تطلقني).

فغضب منصور الح اف، ولكنه لم يشهر خنج ارا، واكتفى بأن ق ال لزوجته ع ابس الوجه: (ب اب البيت عريض يخرج منهجمل، فهي ا اركضي إلى أهلك. أنت ط الق.. أنت ط الق.. أنت ط الق).

فبهتت نزيهة، وخرجت من البيت بغير ملاءة وهي تصيح بصوت متهدج مستغيث: (واغوراه!). فحمل هواء فضولي واش صيحته ا إلى أذني الجنرال الفرنسي هنري غورو، فب ادر إلى نجدته ا، وس ار بجيوشه إلى دمشق،وسجن في وحرم سم اءه و ودخله ا غ ازي ا منتص ارا ملط اخ ا بدم اء أبن ائه ا القتلى على أرم ض ميسلون. ف استقبلته دمشق بحزن صقر

35

Page 37: زكريا تامر - عباد الله

قفص. ولكن شرذمة من وجه ائه ا وخدمهم ح اولت أن تحمل سي ارته على ظهوره ا تعبي ارا عن ترحيبه ا الح ار به، فمست يده المتوارية في قف از جلدي أيدي مستقبليه المرتعشة فخ ارا. وس ارع إلى زي ارة قبر صلاح الدين الأيوبي، وق ال له بتشف

وشم اتة: (ه ا قد عدن ا). فتكلم صلاح الدين الأيوبي، وق ال للجنرال غورو بصوت أرم ض غسل مط ر مب اغ ت دموعه ا، واستع ادت قدرته ا على النطق

بعد أن فقدته ا طوال سنين: (ولكنكم ستعودون يو ام ا إلى بلادكم في توابيت سود). فلم يب ال الجنرال غورو بم ا قيل له، وط اف في شوارع دمشق مرح الوجه مح ا اط ا ب الكثير من حراسه اليقظين المتسلحين بآخر زي من أزي اء المسدس ات والبن ادق الحديثة، والمتأهبين لإطلاق الن ار على أي غيمة قد تعبر السم اء من دون إذن مسبق.

وكانت خط اه المتمهلة خطى من يرغب في الإق امة به ا حتى موته، ولكنه تأفف من تلك الطرابيش الحمر الج اثمة على ص على إلغ اء الطرابيش وحظر رؤوس الرج ال. وع اد إلى مكتبه الرسمي، وأصدر أم ارا ص ار ام ا مفع ام ا ب التهديد والوعيد، ين صنعه ا. فجمعت الطرابيش كافة، وقذفت إلى مي اه نهر بردى. واضطر الرج ال إلى السير في الطرق ات ح اسري الرؤوس،

متعثري الخطى كأ نهم حف اة، ولكن رأس منصور الح اف أص ر على التشبث بطربوشه، فقبض عليه الجنود الفرنسيون،ووضعوه في السجن بغير تحقيق أو مح اكمة.

مور، وت اق إلى تسلية من نوع مختلف، أمر بإحض ار وعندم ا م ل الجنرال غورو مغ ازلة النس اء والطع ام الدسم واحتس اء الخ الرجل الذي عصى أمره وظل محتف اظ ا بطربوشه، ف اقتيد منصور الح اف مكبل اليدين إلى ق اعة فسيحة الأرج اء ملأى

ب الضب اط والجنود، وأوقف قب الة الجنرال غورو الذي سأله بصوت نزق: (أتعرف م ا عقوبة كل من يتجرأ على مخ الفة أمرمن أوامري).

ف ابتسم منصور الح اف، وأج اب بهدوء: (الموت فقط).ق ال الجنرال غورو: (أنصحك أل ا تح اول تمثيل دور الرجل الشج اع الذي يرحب ب الموت، وهو تمثيل لن ينفعك الآن).

36

Page 38: زكريا تامر - عباد الله

فح اول منصور الح اف أن يتكلم، ولكنه تلعثم إذ تخيل الكرة الأرضية على شكل طربوش مقلوب يتس اقط في جوفه الجنودتلف الجنسي ات جث اث ا ب اردة. وسمع الجنرال غورو يقول له بصوت متس ائل س اخر: (م ا بك خرست). من مخ

فق ال منصور الح اف بصوت واثق خشن: (الموت في سبيل الطربوش شرف يتمن اه كل رجل). فتصنع الجنرال غورو أ نه يرى طربو اش ا أول مرة في حي اته، وحملق إليه بنظرات متفحصة، ثم ق ال لمنصور الح اف: (أعجبني

طربوشك، ويصلح هدية طريفة لزوجتي، بكم تبيعه? سأدفع لك عشر ليرات ذهبية.. عشرين.. م ائة.. أل اف ا.. ألفين..).فق اطعه منصور الح اف ق ائل اا: (طربوشي ليس للبيع، ولن أبيعه ولو دفع لي م ال ه ارون وق ارون).

فغضب الجنرال غورو، وع اوده ملله، وأش ار بسب ابته إلى منصور الح اف ص ائ اح ا بجنوده: (أعدموه فو ارا).فصرخ منصور الح اف: (جيفة لا تعكر بح ارا).

واقترب أحد الضب اط من الجنرال غورو، وسأله بصوت خفيض: (وكيف نعدمه? أنشنقه أم نطلق الرص اص عليه?). فق ال الجنرال غورو مخ اط اب ا كل من كان حوله وبلهجة معلم يخ اطب تلاميذه الصغ ار السذج: (اسمعوا.. لكل بلد خص ائصهينبغي لن ا بوصفن ا من رسل الحض ارة والمدنية أن نحترمه ا ولا نستهتر به ا. ونحن الآن في بلاد يألف سكانه ا قطع المتوارثة، و

الرؤوس). فتراكض الجنود نحو منصور الح اف، وأرغموه على الركوع وإحن اء رأسه، فص اح ب استنكار: (م ا هذا الظلم ألن أسأل عن

رغب اتي الأخيرة).فق ال الجنرال غورو لأحد جنوده: (اسأله. لعله يريد أن يتوضأ). ق ال الجندي لمنصور الح اف: (م ا آخر رغب اتك).

فضحك منصور الح اف، وق ال: (أن أقتل على ركبتي زوجتي الس ابقة!).فسأله الجندي: (وأين تريد أن تدفن).

ق ال منصور الح اف: (لحمي لا يف رق بين دود ودود).

37

Page 39: زكريا تامر - عباد الله

وسأل الجنرال غورو منصور الح اف: (أتعرف لم اذا ستموت الآن).{كل شيء هالك إل ا وجهه..}فشحب وجه منصور الح اف، ولكنه ق ال بصوت مطمئن واثق:

فتس اءل الجنرال غورو: (وجه من عمن تحكي).ن تل خ اشع: {قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، من شر الوسواس الخناسق ال منصور الح اف بصوت متب

م انرانا ما كان يصنع فرعون وقومه} ولا تهنوا ولا تحزانوا وأانتم الأعلون ودفق ال الجنرال غورو: (أأنت أعمى! نحن الأعلون، ولا أحد غيرن ا يدمر أعداءه).

ل له كاشفة ..فق ال منصور الح اف: فز تف ت الآزفة ، ليس لها من دون ال {ربنا آتنا من لدانك رحمة وهيئ لنا من أمرانا تر تش ادا أل له كاشفة} ليس لها من دون ال

وبدا منصور الح اف لعيني الجنرال غورو في تلك اللحظة وهو راكع على ركبتيه مخلو اق ا بغي اض ا محي ارا غبي ا متكب ارا مغرو ارا منف ارا بلي ادا، كأ نه لا يدرك م ا يحدث حوله، ويشترك في مب ارزة يرحب بخ اتمته ا الف اجعة موق ان ا أ نه ا ليست نتيجة عقوبة أو هزيمة، ويردد كالح اكي م ا سجل على أسطوانته من كلم ات ليست بكلم اته. ف امتلأ الجنرال غورو بسخط جموح ح اول التخلص منه

بأن ص اح بجنوده آم ارا بصوت ص ارم: (أعدموه ح ال اا). فأهوى سيف على رقبة منصور الح اف الج اثي على ركبتيه، وأط اح رأسه الذي تدحرج على الأرم ض كأ نه كرة ركلته ا قدم طفل، ولكن الطربوش ظل ملتص اق ا ب الرأس، فأمر الجنرال غورو جنوده بنزعه عن الرأس، فب ادروا إلى إط اعة أمره. ولم

تنجح كل الوس ائل التي لجأوا إليه ا، وبدا الطربوش كأ نه جزء عنيد من الرأس. فطلب الجنرال غورو من جنوده إحراق الرأس وطربوشه، فب ادروا إلى إشع ال ن ار في س احة من س اح ات ثكنتهم تكفي لإحراق بقرة، ورموا فيه ا الرأس وطربوشه.

ولم ا انطفأت الن ار وص ارت رم ا ادا، اختفى الرأس كأ نه لم يكن في يوم من الأي ام حي ا مفع ام ا ب النزوات مرفو اع ا بفخر بينكتفين، ولكن طربوشه ظل أحمر سلي ام ا لم يمسسه أي سوء.

38

Page 40: زكريا تامر - عباد الله

ولم ا أعلم الجنرال غورو بم ا جرى، دهش واغت اظ وتحير، وأمر بحفظ الطربوش ريثم ا يرسل إلى مختبرات فرنس ا العلمية لتحليلهوفقد في ظروف غ امضة، وشوهد والكشف عن أسرار قوته الغ امضة. ولكن الطربوش لم يقيض له أن يزور فرنس ا، إذ يو ام ا على رأس رجل أسمر الجلد يطلق الأعيرة الن ارية من مسدسه على ط ائرة حربية كانت تحلق فوق دمشق وتقصف

حي ا من أحي ائه ا، وشوهد ث انية على رأس رجل يصنع توابيت ويخبئه ا ليوم تتض اعف فيه أسع اره ا وتب اع في السوقالسوداء، وشوهد مرة ث الثة وقد تح ول كرة مرحة حمراء يتق اذفه ا أطف ال ض احكون.

39

Page 41: زكريا تامر - عباد الله

الناجحون في الاختبار دخل إلى غرفة الطبيب ثلاثة رج ال وممرضة، فر حب الطبيب ب الرج ال، ورج اهم الجلوس مشي ارا إلى المق اعد القريبة من

الط اولة التي كان يجلس وراءه ا، وطلب إلى الممرضة أن تحضر لهم القهوة، فب ادرت إلى الخروج من الغرفة بخطى مسرعة. دوه ا جلسة تسلية ومزيد من وع دوا هذه الجلسة جلسة طبيب مع مرض اه، بل وع ت ق ال الطبيب للرج ال الثلاثة: (أرجو أل ا

التع ارف خ اصة وأ نكم شفيتم وستغ ادرون المستشفى في وقت قريب بعد أن أنجز كت ابة تقريري عن أحوالكم). لم يتفوه المرضى الثلاثة بأي كلمة، فق ال الطبيب لهم: (أن ا محت ار، ولا أعرف كيف أبدأ حديثي معكم لأ ني تع ودت

نمنكم رأى بح ارا). �உن م الأسئلة الطبية، وصرت أجهل الأح اديث الع ادية. سأسألكم: فظ ل المرضى الثلاثة ص امتين واجمين. فق ال الطبيب لأحدهم: (تك لم ي ا أنور.. ألم تر في حي اتك بح ارا).

فه ز أنور رأسه هزة تعني أ نه رأى البحر، فسأله الطبيب: (ومتى رأيته).ق ال أنور: (رأيته قبل ثلاثة أي ام عندم ا عرم ض التلفزيون فيل ام ا تدور حوادثه في ب اخرة بحجم بن اية وتغرق).

ق ال الطبيب: (وكيف غرقت الب اخرة).وت من دون أن أعلم السبب). ق ال أنور: (لا أدري، وغرق

ق ال الطبيب: (لو كنت تجيد السب احة لم ا غرقت).ق ال أنور: (كنت أجيد السب احة، ولك ن الم اء الم الح الذي دخل فمي كان أثقل مني وش دني إلى ق اع البحر).

فأش ار الطبيب بيده إلى مريض آخر، وسأله: (وأنت ي ا أمجد .. ألم تر البحر).جد: (أن ا أي اض ا كنت في هذه الب اخرة التي غرقت، وكنت ب ح ا ارا من ب ح ارته ا). فق ال أم

ق ال الطبيب: (وهل غرقت كما غرق أنور).40

Page 42: زكريا تامر - عباد الله

وت قبل أن أغرق، وسقطت كتلة حديدية على رأسي وح طمته). ق ال أمجد: (قتلل له). ق ال الطبيب بأسف: (لا حول ولا قوة إل ا ب ال

ق ال أمجد: (والب اخرة لم تغرق مص ادفة، بل أن ا الذي ثقبه ا وأغرقه ا!).ق ال الطبيب: (ولم اذا أغرقته ا).

وته ا لأ ن على سطحه ا كمية كبيرة من الن اس الف اسدين). ق ال أمجد: (م ا هذا السؤال أغرقق ال الطبيب: (وب الطبع م ات الأبري اء وم ات المذنبون).

ق ال أمجد: (إذا كان قتل مليون بريء يؤدي إلى قتل مذنب واحد، فهو قتل مفيد، ويجب أن يتكرر ك لم ا سنحتالفرصة).

ته). ق ال الطبيب: (ولك نك كنت تقول كلا ام ا مختل اف ا قبل أن تأتي إلى مستشف ان ا. أنسين وغ قتل بريء واحد). وت أقول إ ن قتل مليون مذنب لا يس ر من بلاهتي. كن ق ال أمجد: (لم أنسه، وم ا زلت أتذ كره وأسخ

ف ابتسم الطبيب، وق ال للمريض الث الث: (وأنت ي ا س الم).وت في بيت قريب من البحر، وتع ودت ك ل يوم أن ق ال س الم: (أن ا الوحيد الذي يستحق أن يسأل عن البحر، لأ ني ولد

أمشي فوقه اختص ا ارا للمس افة بين البيت والمدرسة).ق ال الطبيب: (أكنت تمشي على وجه البحر).

ق ال س الم: (أحي ا ان ا كنت أمشي على قدمي، وأحي ا ان ا كنت أم ر فوقه راك اب ا دراجتي). في تلك اللحظة، ع ادت الممرضة إلى الغرفة ح املة صينية عليه ا ثلاثة فن اجين من القهوة، وأعطت ك ل رجل من الرج ال

الثلاثة فنج انه، فراح الثلاثة يحتسون قهوتهم على مهل غير مب الين ب الطبيب الذي كان يحملق إليهم بدهشة ممتزجة بكثير منالغبطة والفخر.

41

Page 43: زكريا تامر - عباد الله

الأغصان ذهب بلال الدندشي إلى مدرسته كع ادته في صب اح كل يوم، ووصل إليه ا متأخ ارا، ودخله ا وهو يرتعد خو اف ا من معلمه

وتوبيخه الف ظ الس اخر. ولكنه وجد التلاميذ ن ائمين والمعلمين ن ائمين، فح اول إيق اظهم، فلم يستيقظ أحد. وسئم الجلوس وحده، فتث اءب ون ام، ورأى في أثن اء نومه أنه ن ائم في مدرسة تلاميذه ا ن ائمون نو ام ا عمي اق ا غير مب الين بصيح ات معلميهم الغ اضبة. وأيقظته أ مه من نومه، وحثته على الإسراع ح تى لا يتأخر عن مدرسته، فهرول ق اص ادا مدرسته ليجد معلميه ا مقتولين وتلاميذه ا يلعبون مرحين، ولم يلعب معهم لأن أ مه أيقظته من نومه ليذهب إلى مدرسته. ف ارتدى ثي ابه على

ل، وغ ادر البيت من دون أن يأكل، وهرع إلى مدرسته وجلس في صفه بين التلاميذ متأه اب ا لم ا سيحدث. ودخل المعلم عج الصف بوجه ع ابس وعينين ص ارمتين، فح دق إليه التلاميذ الصغ ار بنظرات ملأى ب الكراهية، وته امسوا فيم ا بينهم بكلم ات

مبهمة، فص اح بهم غ اض اب ا: (اخرسوا). فصمت التلاميذ فو ارا، ووضع المعلم محفظته المهترئة على سطح ط اولته، وفتحه ا، وأخرج منه ا رزمة من الأوراق ل وح به ا

ق ائل اا للتلاميذ: (أتعرفون م ا هذه الأوراق? هذه أجوبتكم المكتوبة ر دا عن سؤالي عن المهنة التي ستخت ارونه ا حينتصيرون رج ال اا).

واقترب المعلم من سلة المهملات، ول وح ب الأوراق ث انية، وق ال للتلاميذ: (هذه أجوبة لا تستحق حتى الصفر). ورمى الأوراق في سلة المهملات بحركة المتخلص من قم امة مقززة، وق ال لتلاميذه: (ع لمتكم طوال أي ام النشيد الوطني

الرسمي لترددوه في الحفلة التي ستق ام بمن اسبة انته اء الع ام المدرسي، وسأمتحن اليوم قدرتكم على الحفظ، والويل لمنيخفق).

فته امس التلاميذ متذمرين، فزعق بهم معلمهم بصوت ح انق: (اخرسوا).42

Page 44: زكريا تامر - عباد الله

فسكت التلاميذ، وق ال لهم معلمهم: (سأع د من الرقم واحد إلى الرقم ثلاثة، وحين أصل إلى الرقم ثلاثة تب ادرون إلىترديد النشيد بصوت واحد. هي ا استعدوا. واحد.. اثن ان.. ثلاثة).

فتب ادل التلاميذ النظرات الغ امضة، وشرعوا في إنش اد مقطع من أغنية غرامية معروفة بأصوات ع الية حم اسية مح افظين علىاللحن الأصلي للنشيد الوطني، فص اح بهم معلمهم: (اخرسوا).

ف اندفع التلاميذ نحوه كطلق ن اري، وضربوه، بمس اطرهم وكتبهم ودف اترهم وأقدامهم ط البين إليه أن يخرس. فبوغت المعلمنت أحد من المدرسة لنجدته. وترنح وارتمى على الأرم ض بعد أن أصيبت عظ ام بم ا حدث، وص اح غ اض اب ا مستنج ادا، فلم يأ

س اقيه بضرب ات موجعة، وح اول أن يق اوم ويهدد ويتوعد ويصبر، ولكن أل ام ا ط اغي ا أجبره على البكاء والتوسل إليهم أن يكفوا عن ضربه، فلم يب الوا بتوسله، ولم يتوقفوا عن ضربه إل ا عندم ا أذعن ولم يعد يصدر عنه أي صوت. فأوثقوه بحب ال

أعدوه ا سل اف ا، وأمروه بترديد النشيد الوطني، فب ادر إلى إط اعة أمرهم، وردد النشيد الوطني بصوت متحشرج مرتجف، فس دوا آذانهم بأص ابعهم متأففين. وانفصل بلال الدندشي عن التلاميذ، ووقف قب التهم مقل ادا وقفة معلمهم، وص اح بهم

بلهجة مرحة آمرة: (واحد.. اثن ان.. ثلاثة). فتع الت أصوات التلاميذ تردد النشيد الوطني متآلفة متن اسقة، وتوحدت في صوت واحد خرج من نوافذ المدرسة ليتح ول

مو اج ا .

43

Page 45: زكريا تامر - عباد الله

يوم أشهب تم رن شكري المبيض مع زملائه في السجن تم ارين ري اضية لا تخلو من العنف، غ ايته ا الحف اظ على سلامة صحته، فأدت إلى

إص ابة جسمه ب الكثير من الرضوم ض والكدم ات والجروح. وم ارس شكري المبيض هوايته في شي الكستن اء، الف اكهة المفضلة لديه، فأحرقت الن ار أص ابع يديه وقدميه وظهره وصدره وبطنه. وح اول شكري المبيض حلاقة ذقنه صب ا اح ا بينم ا كان منهم اكا في الاستم اع إلى م ا يقدمه مذي اعه من نشرات أخب ار وأغ ان، فأخطأت يده اليمنى الممسكة بموسى الحلاقة، ولمونقل شكري المبيض ت وا إلى تخلص جلد الوجه من شعر لا لزوم له، وذبحت بحركة ط ائشة العنق من الوريد إلى الوريد، ف أفضل مستشفى، وهن اك ح اول الأطب اء إصلاحه، فعجزوا، ووضعت جثته في كيس من قم اش متين، وسلمت إلى سي ارة

توزع الموتى يومي ا على بيوت أه اليهم. ولم يواجه س ائقه ا أي مشقة في الاهتداء إلى بيت أهل شكري المبيض في ح ارة قويق، ولكنه بوغت به خ الي ا منذ شهور. فأبوه مقبوم ض عليه بتهمة التشرد والتسول، وأخوه يح اكم لسطوه على أموال

الدولة، وأمه مسجونة لاعتدائه ا الشفوي على أعرام ض نس اء محترم ات، وأخته معتقلة لأنه ا تتعمد ألا تعبر عن فرحته ا أوحزنه ا.

وسأل س ائق السي ارة الجيران عن أقرب اء شكري المبيض، فأخبروه أن عمه ه اجر إلى أميركا، وخ اله وأبن اءه وبن اته إلى كندا، وابن خ الته إلى أسترالي ا، وخ الته تعمل خ ادمة بدبي. فسأل الس ائق عن عن اوين أصدق ائه، ولكن كل الذين قيل عليهم إنهم

من أصدق اء شكري المبيض أقسموا ش احبي الوجوه أنهم ليسوا بأصدق ائه، ولم يتب ادلوا معه كلمة واحدة، ولو رأوه اليوم مص ادفة لم ا عرفوه. فخجل شكري المبيض من الس ائق، وانتهز فرصة انشغ اله بشراء خضراوات وف اكهة طلبته ا زوجته، ولاذ

ب الفرار، واختبأ في بيت أهله منتظ ارا عودتهم ليدفنوه مطلقين الزغ اريد ابته ا اج ا بخروجه من السجن.

44

Page 46: زكريا تامر - عباد الله

الأدغال جرت في المقهى مب اراة ص اخبة في لعبة الكونكان بين معروف السم اع ورشيد القليل، كثر مش اهدوه ا وتط ايرت في

أجوائه ا التعليق ات الحم اسية الس اخرة المتحدية، وانتهت بهزيمة رشيد، فتب اهى معروف ب انتص اره، ونصح خصمه بلهجة مم ازحة بمواصلة التدرب ليل نه ار قبل اللعب مع أس اتذة مثله. ف اغت اظ رشيد، ومزق أوراق اللعب، وقذف به ا إلى الأرم ض،

ونصح معروف السم اع بصوت مرتفع سمعه كل رواد المقهى بأن يخجل قليل اا ولا يتم ادى في التب اهي أم ام رج ال يعرفون معروف رأسه، ولم يفه بكلمة، وأنصت لأصوات ه امسة يسمعه ا ع ادة وحده.جسم أخته أكثر مم ا تعرفه أمه ا. فأحنى

همس الأرنب: (اهرب تنج).همست النع امة: (دفن الرأس اليوم يليه دفن بقية الجسم غ ادا).

همس الضبع: (من لا يأكل يؤكل).همست الحية: (ملمسي ن اعم، والموت في أني ابي).

همس الذئب: (إذا لم تكن ذئ اب ا أكلتك الخراف).همس الغراب: (لكم أن ا مشت اق إلى النعيب!).

ولم يتكلم الأسد، واكتفى ب الزئير الح انق متأه اب ا للانقض ام ض على فريسته. ونهض معروف واق اف ا كأ نه يه م بمغ ادرة المقهى، وفجأة لطم رشي ادا لطمتين على خده الأيمن وخده الأيسر، فبوغت رشيد وبهت إذ كان يتوقع شت ائم متب ادلة يليه ا تم اسك

ب الأيدي يليه تدخل الوسط اء. واستل معروف سكينه بحركة سريعة، وطعن رشي ادا في صدره وعنقه ثلاث طعن ات،فص اح رشيد: (أخ! قتلتني!).

وابتعد الأسد عن فريسته ملطخ الفم ب الدم اء، وغ ادر معروف المقهى ه ار اب ا ويده لا تزال ممسكة ب السكين التي تقطر د ام ا.45

Page 47: زكريا تامر - عباد الله

وتنبه وهو يركض بأقصى سرعة إلى أنه وحيد أبويه، لا أخت له ولا إخوة.

46

Page 48: زكريا تامر - عباد الله

انتظار امرأة تتت الممرض ات في ولد ف ارس المواز بغير رأس، فبكت أ مه، وشهق الطبيب مذعو ارا، والتصق أبوه ب الح ائط خجل اا، وتش

أروقة المستشفى. ولم يمت ف ارس كما توقع الأطب اء، وع اش حي اة طويلة، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ولا يتذمر ولا يشتغل. فحسده كثيرون

من الن اس، وق الوا عليه إ نه ربح أكثر مم ا خسر.ينتج ا نو اع ا جدي ادا من البشر آمل اا أل ا يطول انتظ اره. ولم يك ف ف ارس عن انتظ ار امرأة تولد بغير رأس حتى يتلاقي ا و

47

Page 49: زكريا تامر - عباد الله

نبوءة كافور الإخشيدي ص اح كافور الإخشيدي بأعوانه: (قبل ثلاثة أي ام دخل البلاد رجل غريب اسمه المتنبي، وآمركم بإحض اره إلي فو ارا حي ا

أو مي ات ا). وكان المتنبي آنئذ يمشي في شوارع الق اهرة، وئيد الخطى، متنقل اا من ش ارع إلى ش ارع، وكل ش ارع يبدو لعينيه ع ال ام ا جدي ادا

سحري ا ق اد ارا على أن يهب بهجة تحول الرمل عش اب ا أخضر. وبلغت بهجة المتنبي الذروة عندم ا رأى نهر النيل، فتوقف عن المسير، ونظر إلى م اء النهر كأنه طفل يش اهد بح ارا أول مرة

في حي اته.ق ال النيل للمتنبي: (اهرب. الهرب مم ا ينتظرك جرأة وشج اعة وبطولة).

فلم يسمع المتنبي م ا ق اله النهر، إنم ا تدفقت إلى مخيلته كلم ات كثيرة تتن افس على وصف نهر وامرأة وملك ع ادل.ق ال النيل للمتنبي: (اهرب، اهرب، اهرب!).

ولكن المتنبي كان يجهل لغة الأنه ار، واستمرت كلم اته في التن افس على وصف نهر عظيم وامرأة جميلة وملك رحيم متس امح. ثم تبددت فجأة حين انقض على المتنبي عدد من الرج ال الأقوي اء، القس اة الوجوه والأيدي، واقت ادوه إلى قصر كافور

الإخشيدي غير مب الين بتس اؤلاته وصي احه النزق المحتج.كافور الإخشيدي: (المعلوم ات المتوافرة لدي تقول إنك لست مصري ا).

ن وغ لاعتق الي ومع املتي أسوأ مع املة). المتنبي: (إذا كنت مولو ادا ب الكوفة وجئت مصر زائ ارا، فهل هذا مسالمتنبي (بهزء): (أمرك مط اع).

كافور: (اخرس. ألم آمرك بألا تتكلم).48

Page 50: زكريا تامر - عباد الله

المتنبي: (لن أتكلم).كافور: (ليس من حقك أن تتكلم أو تسكت إلا وفق أوامري. قل لي: م ا اسمك).

المتنبي: (المتنبي.. أبو الطيب المتنبي).كافور: (م اذا تشتغل).

المتنبي: (لا مهنة لي سوى الكت ابة. أن ا ش اعر). كافور: (لا تتحذلق. الشعر أي اض ا مهنة لا تختلف عن مهنة الحداد والنج ار والده ان وحف ار القبور. اسمع. م ا دمت تزعم أنك

ش اعر، فهل نلت إذ ان ا من السلط ات المختصة).المتنبي: (وهل تطلب السح ابة إذ ان ا إذا أرادت أن تمطر).

كافور: (إني أكلمك عن قوانين وأنظمة، فلا تج اوبني بكلام منمق سخيف يصلح لأن يوجه إلى مراهق ات. أنت الآن لست في الصحراء. أنت في بلاد يسوده ا التنظيم، وكل عمل لابد لص احبه من أن ين ال إذ ان ا رسمي ا قبل أن يم ارسه، وأنت

خ الفت القوانين عندم ا نظمت شع ارا من غير إذن).المتنبي: (لقد جئت إلى مصر قبل ثلاثة أي ام فقط، ولم أنظم بعد أي قصيدة، ولم أخ الف أي ق انون من قوانين البلاد).

كافور: (أنت تدعي أنك ش اعر، فم ا الدليل على أنك ش اعر ح اق ا?).المتنبي: (أشع اري مشهورة في البلاد العربية كله ا، ولا أحد يجهله ا).

كافور: (ي ا لك من وقح! أتجرؤ على اته امن ا ب الجهل?).المتنبي: (كل م ا أردت قوله هو أني ش اعر ذائع الصيت. ونظمت كثي ارا من الأشع ار).

كافور: (هل غ نى أشع ارك مش اهير المغنين والمغني ات? أم كلثوم.. لبلبلة.. وردة الجزائرية.. أحمد عدوية.. محرم فؤاد.. ش ادية.. عبد الحليم ح افظ? م ا لك ص امت? لم اذا لا تجيب? أرى أن وجهك قد احم ر.. احم ر خجل اا من افتض اح كذبك.

49

Page 51: زكريا تامر - عباد الله

سأتيح لك الفرصة لتثبت أنك ش اعر. هي ا أسمعني بعض أشع ارك).المتنبي:

فيك الخصام وأنت الخصـم والحكميا أعـدل الناس إل ا فـي معاملتيأن تحسب الشحم فيمن شحمه ورمأعيـذهـ انظـرات منـك صادقةإذا استوت عنـده الأانوار والظلـمومـ انتفاع أخـي الدنيا بناظـره

وأسمعـ ان ت كلماتي مـن بـه صممأانا الذي انظـر الأعمـى إلى أدبين ي ائ ا. أتجيد نظم قص ائد المدح?). كافور: (م ا سمعته ليس سالمتنبي: (سبق لي أن مدحت الكثير من الملوك والأمراء.

كافور: (م ا دمت تتقن المدح، فينبغي لك أن تنظم قصيدة في مدحي. أنت الآن في مصر، وأن ا ح اكم مصر. وإذا كنتلست عميل اا لأعداء مصر وتحب مصر، فمن واجبك مدح ح اكمه ا).

المتنبي: (أن ا لم أمدح في حي اتي سوى رج ال عرفتهم، وعرفت م ا لهم وم ا عليهم).كافور: (أتلمح إلي أنك لا تعرفني? ه ا أن ا ذا ق اعد قب التك وقد صرت تعرفني).

المتنبي: (لم أعرفك بعد المعرفة التي تتيح لي نظم قصيدة في مدحك). ف ابتسم كافور الإخشيدي، وأش ار بيده إلى أعوانه، فهجموا على المتنبي، وطرحوه أر اض ا، ووضعوا رجليه في فلقة، وانه ال

بعضهم ب العص ا ضر اب ا على ب اطن قدميه، بينم ا راح بعضهم الآخر يركل رأسه وجسمه ركل اا شدي ادا. تألم المتنبي، ورغب في أن يصرخ متوج اع ا، ولكنه ق اوم، وكظم رغبته، وم ا لبث الألم أن دفعه إلى الصراخ ش ات ام ا، مستغي اث ا.

ل له! م ا أجمل هذا فضحك كافور، وق ال: (م ا هذا الصوت الجميل? أنت لست ش اع ارا. أنت تصلح لأن تكون مغني ا. الالصوت! ت ابع.. أطربن ا).

50

Page 52: زكريا تامر - عباد الله

وحين تحول صراخ المتنبي إلى بكاء ذليل، أمر كافور ب الكف عن ضربه.ووقف المتنبي أم ام كافور الإخشيدي محني الرأس بذل، مبتل الوجه ب الدموع والدم اء.

كافور: (ستنظم قصيدة مط ولة تمتدحني).المتنبي: سأفعل م ا تأمر به.

كافور: (سأعطيك مهلة مدته ا سبعة أي ام لنظم القصيدة، وستنجو من القتل إذا أعجبتني). وه م المتنبي ب الخروج، فق ال له كافور: (قف واسمع ي ا متنبي. إي اك وأن تظن أني كغيري من الحكام. إذا أعجبتني

قصيدتك، فلا تحلم بنيل درهم واحد من أموالي). وع اد المتنبي إلى كافور الإخشيدي بعد أربعة أي ام، وأسمعه م ا نظم من شعر في مدحه، فطرب كافور، وانتشى، وق ال:

(أنت ش اعر ح ق ا). وفكر كافور الإخشيدي لحظ ات، ثم ق ال للمتنبي: (سأعرم ض عليك عر اض ا لا مثيل له. اختر إم ا الضرب حتى الموت وإم ا

الحصول على ألف دين ار).المتنبي: (لا أحد يفضل الضرب على ألف دين ار).

كافور: (ستن ال ألف دين ار إذا نظمت قصيدة تهجوني فيه ا أقذع هج اء). ح اول المتنبي أن يتكلم، ولكن كافورا ق ال له: (اسكت ولا تنطق بكلمة واحدة. إذا لم تنظمه ا ضربت، وإذا هجوتني نلت

ألف دني ار).فوعد المتنبي بأنه سيهجوه، وب ر بوعده، ونظم قصيدة في هج اء كافور الإخشيدي، ون ال ألف دين ار.

ين، فق ال لهم كافور بصوت ص ارم: (ستظلون وم ا إن خرج المتنبي حتى تص ايح أعوان كافور الإخشيدي مستغربين مستنكر أغبي اء تجهلون التع امل مع البشر والحي اة. سأشرح لكم م ا فعلت وأسب ابه. المتنبي ش اعر متكبر، متعجرف، معتد بنفسه،

51

Page 53: زكريا تامر - عباد الله

ويجب أن يع اقب ولا سيم ا أنه سيكون في المستقبل من الشعراء الخ الدين. وقد ع اقبته شر عق اب. لقد أرغمته على مدحي ثم أرغمته على هج ائي، وهذا التن اقض سيصبح في المستقبل تهمة ش ائنة تدين المتنبي، وتبرهن على أنه مجرد مرتزق صغير غير

جدير ب الاحترام).وفيم ا بعد، اغتيل المتنبي، وم ات كافور الإخشيدي، ولكن م ا تنبأ به كافور تحقق وعوقب المتنبي ش ر عق اب ح ي ا ومي ات ا.

52

Page 54: زكريا تامر - عباد الله

قبر خاو كان الجنرال رجل اا ذا رئتين ومعدة وأمع اء غليظة وأمع اء دقيقة وكبد وشرايين ملأى ب الدم الأحمر، ولا يختلف عن غيره

من الرج ال إل ا بكونه جنرال اا في جيش مح ارب في بلاد ليست بلاده. وكان الجنرال كثير الضجر من مهنته الخ الية من الإث ارة، ويحلم بأن يعمل يو ام ا في مزرعة لتربية البقر والغنم أو في مستشفى للمعوقين والمسنين. وكان الجنرال ص ار ام ا كثير الاكتئ اب، لا يبتهج إل ا حين يتخيل عصفو ارا صغي ارا يح اول الطيران ويخفق، ولا يبتهج إل ا حين يتخيل جنوده المطيعين

يل أ نه يزود جنوده بأسلحة ق ادرة لأوامره يحتلون القرى والمدن متن افسين على هدمه ا وقتل سكانه ا، ولا يبتهج إل ا حين يتخ على إب ادة مئ ات الألوف في ثوان، فلا يح اولون استخدامه ا حتى لا يحرموا قتل أعدائهم ببطء وتشف. وابتهج في أحد

الأي ام ابته ا اج ا مختل اف ا حين تنبه إلى أن شع ارا جدي ادا أسود بدأ ينبت في رأسه ويحل مح ل الشعر القليل الأشيب، وتب اهى به دليل اا على الرجولة وعودة الشب اب. وتزايد نمو شعر جسمه مغطي ا الجلد بطبقة كثيفة خشنة، وتبدل شكل وجهه تدريجي ا.

وح اول في إحدى اللي الي أن يستسلم للنوم، فأخفق، وأحس بقوة غ امضة تجت اح كل جسده، فقفز من سريره، وتمطى أم ام المرآة وهو ينظر إليه ا ملي ا، فرأى أ نه قد ص ار ضب اع ا ذا مه ابة مغطى بشعر كثيف، واستح الت أظف ار يديه إلى مخ الب

وأسن انه وأضراسه إلى أني اب. ف استمتع بتبدله، ودهمه جوع لا يق اوم، ف انقض على عنق زوجته التي كانت ن ائمة، وقتله ا قبل أن تصحو، ولكنه لم يستسغ لحمه ا المترهل الق اسي، فتركه ا مشمئ ازا، ووثب على ابنه ا الرضيع المبتسم إب ان نومه، وأعجب بلحمه

الط ازج الغض. وكان أحد حراس الجنرال واقف ا خ ارج غرفة النوم مشدود الق امة وإصبعه على زن اد بندقيته تأه اب ا لأي حدث ط ارئ،

فبوغت بضبع يخرج من الغرفة ملط اخ ا ب الدم اء، فب ادر إلى إطلاق الن ار عليه، وأرداه قتيل اا، فتراكض بقية الحراس مضطربين متص ايحين، وعثروا على بق اي ا الزوجة وابنه ا، ولم يعثروا على الجنرال، فس اد اعتق اد بأ ن الضبع أكله بأكمله، ولم

53

Page 55: زكريا تامر - عباد الله

يترك منه م ا يحت اج إلى قبر.

54

Page 56: زكريا تامر - عباد الله

الساحروعصبت عين اه الخضراوان بقطعة قم اش ق اتم، ووقف قب الته خمسة أوثقت يدا طفل في الخ امسة من عمره خلف ظهره، و

جنود وقفة استعداد متنكبين بن ادقهم متأهبين لتنفيذ الجديد من أوامر ض ابطهم المتوقعة. وتع الى صوت ض ابطهم آم ارا، فسددوا بحركات سريعة فوه ات بن ادقهم نحو قلب الطفل، وأمرهم ض ابطهم بإطلاق الن ار،مسة، فتذكر الأول زوجته الجميلة واختلط صوت الض ابط الص ارم الآمر بضحكة ندت عن الطفل، وبلغت مس امع الجنود الخ

حين تضحك، وتذكر الث اني سريره قرب ن افذة مطلة على نهر، وتذكر الث الث ش ار اع ا مشج ارا يمشي فيه مثرث ارا مع صديق، وتذكر الرابع يوم كان صغير السن يعلمه أبوه صيد السمك على ش اطئ بحر، وتذكر الخ امس أمه تكبر في السن فجأة يوم

مرم ض.مسة إلى إط اعة الأمر العسكري، وأطلقوا نيران بن ادقهم على صدر ض ابطهم الذي ته اوى أر اض ا مثقو اب ا خمسة وب ادر الجنود الخ

وتطلق الن ار عليهم، ولكنهم ظلوا أحي اء وم ات كل آمر بإطلاق الن ار . ثقوب دامية، وانتظروا غير آسفين أن

55

Page 57: زكريا تامر - عباد الله

الذي أحرق السفن- الاعتقال1

الأشج ار الخضر في الش ارع كفت عن الغن اء لحظة تحلق عدد من رج ال الشرطة متجهمي الوجوه حول رجل يمشي على الرصيف سي اف ا هر ام ا، رم اح ا متع اب ا، آن له أن يخلد إلى الراحة بعد انتص اره في آلاف المع ارك. وابتدره واحد منهم ق ائل اا له

بلهجة فظة: (أعطن ا هويتك). فتق بل الرجل لهجة الشرطي ب استنكار، وأوشك أن يستسلم لحنق ع ارم، لكنه اكتفى ب الابتس ام ب استعلاء. وم د يده إلىجيبه، وأخرج هويته، وقدمه ا للشرطي الذي ألقى عليه ا نظرة سريعة ثم ق ال متس ائل اا: (أنت إذن ط ارق بن زي اد?).

فأج اب الرجل ب اعتزاز: (نعم أن ا ط ارق بن زي اد).عندئذ ق ال الشرطي س اخ ارا: (هلا تفضلت بمرافقتن ا?).

- (إلى أين?).- (إلى المخفر).

- (المخفر! ولم اذا).- (مطلوب للتحقيق).

- (أن ا أن ا ط ارق بن زي اد!).- (لا يه من ا من تكون. أنت الآن شخص تقضي الأوامر ب اعتق الك حي ا أو مي ات ا).

فق طب ط ارق بن زي اد جبينه بينم ا كان الدم المتدفق في شرايينه رع ادا شر اس ا، غير أنه لم يكد يه م ب استئن اف سيره حتى

56

Page 58: زكريا تامر - عباد الله

ف، حتى أرغموه على الكف ط وقه رج ال الشرطة وأمسكوا به. فح اول الإفلات من أيديهم، فب ادروا يضربونه بقسوة وتشعن المق اومة، وته اوى أر اض ا يغمره الخجل والدم.

- الاستجواب2 في اليوم الأول خلق الجوع في اليوم الث اني خلقت الموسيقى في اليوم الث الث خلقت الكتب والقطط في اليوم الرابع خلقت

السج ائر في اليوم الخ امس خلقت المق اهي في اليوم الس ادس خلق الغضب في اليوم الس ابع خلقت العص افير وأعش اشه ا المخبأةفي الأشج ار.

وفي اليوم الث امن خلق المحققون، ف انحدروا ت وا إلى المدن، وبرفقتهم رج ال الشرطة والسجون والقيود الحديدية.(ط ارق بن زي اد.. أنت متهم بتبديد أموال الدولة).

- (مخطئون. أن ا لم أبدد أي أموال).(ألست أنت الذي أحرق السفن).

- (حرق السفن كان لا بد منه لكسب النصر).(لا نريد سم اع أعذار. أجب عن سؤالن ا فقط. هل أحرقت السفن أم لم تحرقه ا).

- (أن ا أحرقت السفن..).(وأحرقته ا دونم ا إذن! لم اذا لا تجيب هل حصلت على إذن من رؤس ائك بحرق السفن).

- (إذن?! الحرب تختلف عن الكلام في المق اهي والشوارع). وتأ مل ط ارق بن زي اد بعينين مفعمتين ب الازدراء والنقمة وجوه المحققين المحيطين به، ثم سألهم بهدوء: (أين كنتم وقت

الحرب).(كن ا نؤدي واجبن ا).

57

Page 59: زكريا تامر - عباد الله

(نحن أي اض ا حملن ا السلاح). فص اح ط ارق بن زي اد بصوت نزق: (حملتم السلاح وجلستم وراء المكاتب تحتسون الش اي والقهوة وتتحدثون عن الوطن

والنس اء!).فضحك المحققون، ثم تع الت أصواتهم جوف اء ص ارمة ب اردة:

(أنت خ ائن).(حرق السفن كان ضربة لقوة الوطن).

(من الذي استف اد من حرق السفن لا أحد سوى العدو).(تكلم. السكوت لن ينفعك).

(لدين ا الوث ائق التي تثبت خي انتك وتع اونك مع العدو).(الشعب يعرف كيف يع اقب الخونة).

وهجم البحر والأعداء، وامتزج ا بصرخة رجل: (البحر من ورائكم والعدو أم امكم).فص اح ط ارق بن زي اد بصوت متهدج: (ولكني أن ا الذي هزم الأعداء).

فقيل له إن م ا يقوله لا علاقة له ب التهمة الموجهة إليه.(...)

- الإعدام3 هربت النجوم، فه ا هم أولاء قد أتوا، وفتحوا ب اب الزنزانة، ودلفوا إلى داخله ا جرا ادا ج ائ اع ا، ولم يدهشوا عندم ا ألفوا

ط ارق بن زي اد جثة ه امدة، إنم ا س ارعوا ينقلونه إلى س احة المدينة، وهن اك تلوا الحكم بإعدامه شن اق ا، ثم سألوه عن رغب اته دوا صمته دليل اا على عدم وجود م ا يرغب فيه، وبعدئذ تدلى مشنو اق ا. ع الأخيرة، فلم يفه بكلمة، ف

58

Page 60: زكريا تامر - عباد الله

من مواطن مث الي إلى السيد مدير الشرطة: خضو اع ا لأوامركم، أرجو السم اح لي بأن أموت.

59

Page 61: زكريا تامر - عباد الله

الطائر الأخضر أحرق أبو حي ان التوحيدي كل كلم اته المكتوبة على الورق، ورمق رم اده ا بتشف متنه ادا ب ارتي اح. وأح س ب الجوع، ولم يجدل له. ووقف أم ام المرآة، فلم يعجب بم ا رأى، وتح ول خرو اف ا تح ول في بيته م ا يصلح لأن يأكله، فمسح فمه بظهر يده، وحمد ال

يش، وخرج من الن افذة المفتوحة، وط ار فوق البيوت، وح ط على غصن شجرة، ه را تح ول ذئ اب ا تح ول ط ائ ارا أخضر الر وراقب بفضول رجل اا يجلس في حديقة قصره مح ا اط ا ب الكثير من ندم ائه وخدمه وحراسه، وقد تطلع الرجل حوله، فرأى كل شيء جميل اا، ف العشب أخضر، والأشج ار خضر مثقلة أغص انه ا ب الثمر الن اضج، والسم اء زرق اء، والشمس مشرقة، والورد

متنوع الأشكال والألوان، وتس اءل الرجل بصوت مرتفع منتش: (هل هن اك رجل في الع الم أسعد مني?). فتن افس جميع الذين كانوا متحلقين حوله على التأكيد له أ نه أسعد رجل وأقوى رجل وأرحم رجل وأغنى رجل وأسخى رجل. ف اغت اظ الط ائر الأخضر، وتح ول غرا اب ا أسود، ونعب نعي اب ا أجش أزعج الرجل، ودفعه إلى أن يأمر حراسه بطرد

الغراب من حديقة قصره، فح اولوا وأخفقوا، وحنوا رؤوسهم خجلين بينم ا ظل الغراب يطير من شجرة إلى شجرة مواظ اب ا على إطلاق نعيبه. ف اضطر الرجل إلى ترك الحديقة غ اض اب ا، ف اغتبط الغراب، وط ار مبتع ادا عن الحديقة بأقصى سرعة حتى بلغ

ب ائي، ونظر إلى أطف ال يلعبون بمرح ص اخبين، فزال عنه حنقه، وتح ول عصفو ارا مغر ادا، أحد الأزقة، وح ط على سلك كهر فلم يتنبه الأطف ال إليه، واستمروا يلعبون ض احكين. فط ار العصفور، ورأى في أثن اء طيرانه معركة ض ارية بين جيشين،بية ألقت قن ابله ا فوق الجيشين، وأب ادتهم ا أجمعين. وط ارت الط ائرة بعي ادا عن أشلاء الجثث الممزقة، فتح ول ط ائرة حر

وحلقت فوق س احة سجن يضرب حراسه سجن اءهم ب العصي الغليظة، وقذفت بن اءه بقن ابله ا وهدمته. فب ادر السجن اء ت وا إلى بن اء سجن جديد ذي أسوار ش اهقة. ورأت الط ائرة سفينة تمخر البحر، ويظن ركابه ا أ ن الطوف ان يجت اح الأرم ض بكامله ا،

فتح ولت الط ائرة حم امة بيض اء ط ارت وع ادت بعد حين إلى السفينة تحمل في منق اره ا غص ان ا أخضر يقطر د ام ا أو حب ارا أحمر.60

Page 62: زكريا تامر - عباد الله

العشاء الأخير تسكن ع ائلة الحواصلي وع ائلة الخربوطلي في بيتين متج اورين، وتسود بينهم ا علاق ات و دية تجعلهم ا أشبه بأهل بيت واحد. ولك نهم ا اختلفت ا فجأة بسبب كلب اقتنته ع ائلة الحواصلي. واحت جت ع ائلة الخربوطلي على وجوده ق ائلة: إ ن الكلب نجس،

وأنف اسه تن جس ك ل شيء في دائرة قطره ا أربعون ذرا اع ا. فكان ر د ع ائلة الحواصلي أ ن كلبه ا مطيع، مؤ دب، مه ذب،لطيف، مس الم، وديع، ذكي، لا ينبح ولا يع ض، يلاعب الأولاد ويحرس البيت.

وعندم ا تكاثرت احتج اج ات ع ائلة الخربوطلي، سمعت من ع ائلة الحواصلي جوا اب ا ب ار ادا ص ار ام ا: الكلب كلبه ا والبيت بيته ا، وهي ح رة تفعل م ا تش اء، ف اعتقدت ع ائلة الخربوطلي أ نه ا قد أهينت إه انة ب الغة، وس ارعت إلى شراء كلب شرس، يع ض

ينبح ليل اا ونه ا ارا، ويه اجم ك ل من يراه، ويحلو له ك لم ا خرج للتنزه في الح ارة أن يرفع إحدى ق ائمتيه الخلفيتين ويبول على و ب اب البيت الذي تسكنه ع ائلة الحواصلي التي نبهت ع ائلة الخربوطلي إلى م ا يفعله كلبه ا ك ل يوم، فلم تتخذ ع ائلة الخربوطلي أي إجراء، واكتفت ب القول: إ ن الكلب مجرد حيوان ولا يمكن التف اهم معه، لأ نه لا يعرف اللغة العربية. فصبرت ع ائلة

الحواصلي آملة أن تتب دل الأحوال، ولكن لا شيء تب دل، وب ات بيته ا ذا رائحة مقززة لا تط اق. وفي صب اح يوم من الأي ام، وجدت ع ائلة الخربوطلي كلبه ا مقتول اا، فحزنت عليه حز ان ا شدي ادا، ولك نه ا لم تتهم أح ادا بقتل

وغ طي بحرير وردي اللون، ووضع الكلب في نعش كلبه ا، وحرصت على أن تشيع الفقيد تشيي اع ا يع بر ع م ا تك ن له من محبة، ف وس ار الرج ال والأطف ال وراء النعش بخطوات بطيئة وثي اب سود منكسي الرؤوس بينم ا كانت النس اء يطلقن الولاويل

التي تندب من م ات في ع ز الشب اب وريع ان الصب ا.ة الحواصلي إلى عش اء تعود فيه العلاق ات الودية إلى س ابق وة الخربوطلي ع ائل وبعد أس ابيع من مصرع الكلب، دعت ع ائل عهده ا، فرحبت ع ائلة الحواصلي بتلك الدعوة ولبته ا، وج اء إلى العش اء الرج ال والنس اء والأطف ال وبرفقتهم كلبهم، فإذا

61

Page 63: زكريا تامر - عباد الله

را وبإحكام شديد، ويهجم رج ال ع ائلة الخربوطلي ونس اؤه ا وأطف اله ا ب السكاكين على ع ائلة الأبواب بعد دخولهم تغلق سالحواصلي وكلبه ا، ويذبحون الجميع قبل إطع امهم، ويدفنونهم في حديقة البيت.

وخلعت ع ائلة الخربوطلي الثي اب السود، وأذاعت في الح ارة نبأ مف اده أ ن ع ائلة الحواصلي اضطرت بغتة إلى السفر. ولك ن بهجته ا لم تستمر، ففي ك ل صب اح تجد على ب اب بيته ا م ا يد ل على أ ن كل اب ا م ا قد ب ال عليه في الليل، واستخدمت ك ل السبل لضبط الف اعل ومعرفته، فلم توفق. وزعم بعض السكارى والمق امرين ورواد الملاهي الذين يعودون إلى بيوتهم في آخر الليل

وسخر من زعمهم، ف الكلب رحل برفقة ع ائلته المس افرة، وهو كلب أ نهم رأوا كلب ع ائلة الحواصلي يبول على الب اب، فمؤ دب ومه ذب، لا يمكن أن يبدر منه م ا لا يليق.

62

Page 64: زكريا تامر - عباد الله

خضراء وقفت المرأة في الحديقة، يط ل عليه ا من الأع الي قمر من حجر أصفر، وكانت قدم اه ا اللت ان تطآن التراب ع اريتين. وتن اهى

إلى سمعه ا غن اء خشن ن اء، فأحنت رأسه ا ب انكس ار. وكان الخوف في تلك اللحظة طي ارا أبيض، مذبوح العنق. وارتجف جسد المرأة، واغرورقت عين اه ا ب الدموع، وابتدأ لحمه ا يتصلب شي ائ ا فشي ائ ا، ونمت جذور في ب اطن قدميه ا، وش قت التراب الج اف، وراحت تتغلغل فيه بينم ا كانت المرأة لا تزال تبكي من كسة الرأس. وبغتة ندت عن المرأة صرخة ذعر خ افتة، ورفعت ذراعيه ا إلى أعلى مح اولة التخلص من التراب غير أن ذراعيه ا تيبست ا وبقيت ا مرفوعتين. وتم ايل الجسد يمنة

ويسرة، ونضبت دموع العينين روي ادا روي ادا، وتحول اللحم خش اب ا اكتسى بقشرة متشققة. وأقبل الشت اء فيم ا بعد، وغسلت أمط اره المرأة المثبتة في التراب. ثم أتى الربيع، فبدأت تنبت أوراق خضر صغيرة في ذراعي المرأة وشعره ا، ثم م ا لبث أن

انبثق زهر كثير. وسطعت شمس الصيف على الحديقة، وعندئذ أقبل ص احب الحديقة، وكان رجل اا هر ام ا، فألفى أشج ار التف اح في حديقته

مثقلة الأغص ان ب الثم ار عدا شجرة واحدة لم يتحول زهره ا تف ا اح ا، ف است اء منه ا، وس ارع إلى إحض ار فأسه، وراح يهوي به ا علىجذع الشجرة، وتوالت ضرب اته حتى سقطت الشجرة على الأرم ض ميتة.

63

Page 65: زكريا تامر - عباد الله

رجل غاضب رج ال يرتعدون متلاصقين، ينصتون لدوي انفج ارات ن ائية، وتحدق أعينهم بتحفز وحذر إلى رجل ص ارم الوجه، يقف

قب التهم مشدود الق امة، منفرج القدمين، ويح اول أل ا يستسلم لغضب ج امح. وقد ق ال بصوت بذل جهده كي يكون ه اد ائ ا: (أعرف أن مهمتي ستكون ش اقة، لكنه ا ستصبح سهلة إذا تع اونتم معي. مهمتي الآن إقن اعكم بأن الموت غير مخيف ولا

يستحق أن تهربوا منه). لم). بقي الرج ال ص امتين، فأش ار الرجل الغ اضب بيده نحو رجل طويل الق امة، عريض الكتفين، وق ال له آم ارا: (أنت. تك

- (م اذا أقول).- (قل م ا تش اء).

- (أن ا متزوج. وإذا م ت، فمن سيطعم امرأتي).وبلل شفتيه بلس انه، ثم أض اف بخجل: (أن ا غيور وأحب امرأتي، ولا أرغب في تركه ا لرجل آخر).

فضحك الرجل الغ اضب ضحكة ه ازئة، وأش ار إلى رجل ث ان متس ائل اا: (وأنت).- (أن ا لي خمسة أولاد، ومن واجبي رع ايتهم حتى يكبروا ويصبحوا شب ا ان ا).

- (وأنت).- (ليس في حي اتي سوى البؤس، فلم اذا أموت).

- (وأنت).- (أن ا لا أريد أن أموت لأني أحب الحي اة ح ب ا لا يوصف).

فص اح الرجل الغ اضب بصوت متهدج: (ولأنك تحب الحي اة، يجب أن تموت).64

Page 66: زكريا تامر - عباد الله

ورمق الرج ال بنظرة لوم وتأنيب، ثم ت ابع الكلام بصوت ب ارد: (أنتم جبن اء، وإذا لم تخت اروا الموت فستفقدون م ا تحبون).وع م ضجيج ح اد انبثقت منه أصوات نزقة:

(لا نريد أن نموت).(لن نموت كالكلاب).

(الحي اة أفضل من القبر).(مت وحدك).

(جب ان حي أفضل من شج اع ميت).فصرخ الرجل الغ اضب متض ر اع ا: (أن ا أحبكم.. أحب كل الن اس. ولأني أحبكم أريد أن تج ابهوا العدو وتموتوا).

(هي ا اذهب ومت إذا كنت غير خ ائف من الموت). د س الرجل الغ اضب يده في جيبه، وأخرج منه مسد اس ا ق اتم اللون، فب ادر الرج ال إلى التراجع بحركة وجلة، فص اح الرجل

الغ اضب: (لا ترتعبوا. لن أؤذيكم. أنتم ستقتلون في مخ ادع النوم).ورفع مسدسه، وألصق فوهته بصدغه، وق ال مبتس ام ا: (الموت كما قلت لكم ت افه سخيف).

وضغط بإصبع ه ادئة زن اد المسدس، فدوى طلق ن اري، وته اوى الرجل الغ اضب دامي الرأس بينم ا كان دويالانفج ارات يقترب روي ادا روي ادا منذ ارا مح اص ارا.

65

Page 67: زكريا تامر - عباد الله

الرعد لا تذهب الغيوم صب ا اح ا إلى المدرسة، وأن ا أمرت الشمس بأل ا تشرق، فلم تطعني، فعزمت على الانتق ام منه ا حين أصبح

طويل الق امة.وحملقت إلى معلم الحس اب الذي يملك وج اه ا مثلث الشكل، ف انتبه إلي، وص اح بي غ اض اب ا: (انهض ي ا ولد).

ن م قميصك). فنهضت واق اف ا، بينم ا ت ابع المعلم مخ اطبتي بصرامة واشمئزاز: (ك ف عن مسح أنفك بك�உب بسرعة.. لدين ا عشرة ملايين شخص، شنقن ا سبعة ملايين، فكم شخ اص ا بقي على قيد فتجمدت، فأردف المعلم ق ائل اا: (أج

الحي اة).فأجبت فو ارا: (لا أعرف).

فق ال المعلم بحنق: (أف! إلى متى ستظل تلمي اذا ج اهل اا?!).فقلت له بفتور: (أن ا أكره الحس اب).

ر وجه المعلم، وق ال بلهجة ح ادة: (ه ا... إذن أنت تكره الحس اب). ف احمن هم الوجه، ثم استأنف الكلام متس ائل اا بلهجة ه ازئة: (وم اذا تكره أي اض ا هي ا أخبرن ا). وصمت لحظة متج

- (أكره الشت اء).- (وم اذا تكره أي اض ا).

- (أكره الشت اء والصيف والخريف والربيع).- (وم اذا تكره أي اض ا).

- (أكره الليل والنه ار).66

Page 68: زكريا تامر - عباد الله

- (وم اذا تكره أي اض ا).- (أكره السبت والأحد والإثنين والثلاث اء والأربع اء والخميس والجمعة).

- (وم اذا تكره أي اض ا).- (أكره الشمس والقمر والنجوم).

- (وم اذا تكره أي اض ا).- (أكره الأغ اني والقطط والعص افير).

- (وم اذا تكره...).- (أكره الرج ال أكره النس اء أكره الأولاد).

عندئذ ص اح المعلم: (اسكت. ستظل تلمي اذا ج اهل اا). وحت به ا بأقصى م ا أملك من قوة، ف انفجرت، وأشرقت الشمس على أنق ام ض. ف اخترعت ت وا قنبلة ذرية، وط

67

Page 69: زكريا تامر - عباد الله

الكذب أنهى المعلم درسه ق ائل اا لتلاميذه: (والآن وقد أصبحتم تعلمون أن أعظم م ا في الإنس ان يكمن في رأسه، فإي اكم ونسي ان

هذه الحقيقة الرائعة). فتب ادل التلاميذ النظرات الدهشة، وراقبوا المعلم بفضول بينم ا كان يغ ادر ق اعة الدرس مشدود الق امة، مرفوع الرأس. وظلوا لائذين ب الصمت هنيه ات، ثم م ا لبثوا أن نهضوا عن مق اعدهم، وتراكضوا منطلقين نحو ب احة المدرسة. وهن اك لم

يلعبوا كع ادتهم، إنم ا تجمعوا وراحوا يتج ادلون حول م ا ق اله المعلم. واستم رت أصواتهم تتع الى متحمسة أش د الحم اسة، حتى قرع الجرس معل ان ا بدء درس جديد. وعندئذ ع ادوا إلى ق اعة

الدرس، وجلسوا على المق اعد منتظرين قدوم المعلم بلهفة وتح فز، غير أن المعلم لم يحضر، إنم ا أقبل مدير المدرسة ص ارم الوجه، وقور الخطى، وأخبرهم أن معلمهم أص ابه صداع مب اغت، وطلب إليهم بصوت خشن أن يقضوا وقت الدرس في

مط العة عشر صفح ات من كت اب الت اريخ، ونصحهم بعدم التكاسل في نشدان العلم.ولم يكد المدير يغ ادر ق اعة الدرس حتى ع اد التلاميذ إلى الجدل ث انية:

(المعلم لم يكذب).حمل العينين والأنف والح اجبين والشعر وص اح واحد من التلاميذ بلهجة واثقة: (الرأس موجود فقط من أجل

والأذنين). وط ال الجدال واشت د، ثم انتهى أخي ارا ب الاتف اق على أن التجربة وحده ا الق ادرة على إعط اء البره ان على كذب المعلم أو

صدقه. واخت ار التلاميذ واح ادا منهم. كان أصغرهم س ان ا، ذا عينين زرق اوين وشعر أشقر. وقد س ارع إلى الاستلق اء على الأرم ض

68

Page 70: زكريا تامر - عباد الله

ض اح اكا فخو ارا، وب ادر التلاميذ إلى فصل رأسه عن جسده بمدية مرهفة الحد، ثم حملوا الرأس، وتطلعوا إلى جوفه من ثقب العنق المقطوع، فلم يبصروا سوى عتمة. عندئذ س ارعوا إلى إحض ار حجر من ب احة المدرسة، وكان الحجر صل ادا وصل اب ا،

ووضعوا الرأس على أرضية ق اعة الدرس، وانه الوا عليه ضر اب ا ب الحجر حتى تك سر. وعندم ا أبصروا م ا يحتوي ضحكوا بهزء، ورمقوا بقرف النخ اع الشبيه بنخ اع الخروف الذي يب اع ني ائ ا في دكاكين القص ابين، وهزوا رؤوسهم بأسف، وق الوا بثقة:

(كذب المعلم). بعدئذ أحضروا صم اغ ا، وألصقوا قطع الرأس بعضه ا ببعض، ثم ألصقوا الرأس ب الجسد الملقي على الأرم ض، وتب ادلوا نظرات

تن م عن انتص ار أكيد، ور ددوا ث انية: (كذب المعلم). ولكز أحدهم الصغير ذا العينين الزرق اوين والشعر الأشقر، فوثب على الفور واق اف ا، وص اح متس ائل اا بفضول: (هل كذب

المعلم).

69

Page 71: زكريا تامر - عباد الله

رجال أقسم عبد الحليم الم ر أنه سيطلق زوجته نبيلة إذا م ا تجرأت على الخروج وحده ا من البيت من غير إذنه، فحرصت نبيلة بعد

قسمه على الخروج من البيت كل يوم. فغضب، وأقسم أنه سيط لقه ا إذا م ا تجرأت على المشي في الشوارع بغير ملاءة، فهجرت نبيلة ملاءته ا السوداء، واستخدمته ا ممسحة للبلاط. فغضب، وأقسم أنه سيط لقه ا إذا م ا علم أنه ا تك لم رجل اا غيره.

وع اد ظهر أحد الأي ام إلى البيت عودة غير متوقعة، فوجده ا في السرير تك لم رجل اا لم يره من قبل، فغضب، وأقسم أنه سيط لقه ا إذا م ا اتضح أن ذلك الرجل الغريب هو السبب في انتف اخ بطنه ا. فضحكت نبيلة ق ائلة إن م ا تطهوه من طع ام

دسم يسبب غ ازات تطير من اطيد، ولكنه ا بعد أشهر قليلة أنجبت بن ات ا، فغضب عبدالحليم الم ر، وأقسم أنه سيطلق نبيلة إذا م اخطر له ا ث انية أن تنجب بن ات ا. ولكنه طلقه ا بعد أس ابيع عندم ا ضبطه ا وقد نسيت أن تضع مل اح ا في طع ام طهته.

70

Page 72: زكريا تامر - عباد الله

الإجازة ر حب دي اب الأحمد بتكاثر الكتب في بيته، وازداد ابته ا اج ا عندم ا خرج من صفح اته ا رج ال ونس اء وأطف ال، تك لموا معه، وشربوا من قهوته، ود خنوا من سج ائره، وأكلوا من طع امه، ون اموا في سريره، واستحموا في حم امه، واطلعوا على مذكراته

الخ اصة الملأى ب الشكوى والسخط، وم زقوه ا بأيد مرحة، وصنعوا منه ا قبع ات وزوارق وط ائرات، ونجحوا في إغرائه ب الرحيل معهم إلى أرضهم الخضراء. ففحص الأطب اء ملي ا جسده الس اكن، وقرروا أنه مص اب بإغم اء لن يصحو منه،

واستغربوا وجهه المطمئن الض احك.

71

Page 73: زكريا تامر - عباد الله

مختصر ما حدثوشنق ثلاث وحكم على خليل ح اوي ب الإعدام، فح دق إلى السم اء متع ج اب ا من لونه ا الأزرق الذي لم يتح ول لو ان ا أسود. و

مرات، فكان الحبل في ك ل مرة يتم زق على الرغم من أ ن جسمه هزيل وعنقه نحيل. ووقف مشدود الق امة مغمو ارا بضي اء الشمس، بينم ا كان سبعة رج ال يسددون فوه ات بن ادقهم نحوه، ويطلقون الن ار عليه، فلا تمسه أي رص اصة من رص اصهم

وقذف إلى ن ار ق ادرة على إحراق مدينة بكامله ا، وانتظرت عيونهم كأ نهم كانوا عمي ا ان ا، أو كأ نه كان يبعد عنهم أمي ال اا. و�உن دخن سيج ارة من نوع رديء، ولم يجد مهر اب ا من الش امتة رؤية رم اده، ولك نه خرج من الن ار سلي ام ا يسعل سع ال م

الانتح ار حتى يثبت أ نه الن اجح وهم المخفقون.

72

Page 74: زكريا تامر - عباد الله

صامتون التقى زهير صبري امرأة تشبه زهرة حمراء على غصن أخضر، فخ برته بصوت مرتعش أنه ا تح به ولن تستطيع أن تح ب غيره.

فق ال له ا إنه لا يهتم إل ا بمستقبله، فبوغت بصفعة مؤلمة تنه ال على رقبته، فتلفت حوله، ولم ير الص افع.ر الص افع. وصفع ث انية عندم ا ق ال لأحد الأثري اء إنه أعظم رجل أنجبته البلاد، ولم ي و

ر الص افع. شوع يد رجل ذي لحية طويلة مشعثة، ورج اه أن يدعو له، ولم ي بل بخ وصفع مرة ث الثة عندم ا ق ووصفع زهير صبري كثي ارا وفي كل يوم، من دون أن يرى الص افع المجهول. ولم يك لم أح ادا عن تلك الصفع ات السرية و

حتى لا يسخر منه ويتهم ب الجنون، ولك نه كان واث اق ا بأ ن الن اس أجمعين يصفعون مثلم ا يصفع ويلوذون ب الصمت.

73

Page 75: زكريا تامر - عباد الله

المستشارون كان عزمي الصف اد يجلس في المقبرة الملاصقة لح ارته أكثر مم ا يجلس في بيته، وواجه الس اخرين منه بر د ح اسم خلاصته أ ن كل رأس ح ر في اختي ار المخدة التي تريحه، متس ائل اا: (أيهم ا أحسن لي: أن أجلس في مقبرة أم أجلس في خم ارة أو

ملهى أو ن اد للقم ار). وأت اح له جلوسه الدائم في المقبرة اكتس اب ثقة الموتى المدفونين في تلك المقبرة ومودتهم واحترامهم، ولكنه لم يص ادق إل ا

المرموقين لاعتق اده أ ن من يع اشر الفقراء ينتقل إليه قملهم. ص ادق حمزة الركبة الذي كان مدي ارا لبنك، وم ات في السجن بعد أن ثبت أ نه اختلس الملايين، ولم يعثر على الملايين

المنهوبة، فن ال احترام السجن اء والسج انين حتى آخر رمق في حي اته. ص ادق رشيد نصر الذي يملك بيو ات ا ودكاكين وأراضي بعدد شعر رأسه، ولم يكن أصلع بل كان كثيف الشعر. واشتهر

بحبه للزواج، يطلق ويتزوج ويطلق ويتزوج، والنس اء أكثر من رم ال الصح اري، والعمر قصير، والسرعة مطلوبة إذا كانتالغ اية الاستيلاء على كل النس اء ب الحلال.

ص ادق كريم المقل الذي تبوأ الكثير من المن اصب المهمة، وآخر منصب له هو وزير للم الية، فش اع في عهده الزعم بأن الوزير مختلف عن كل الن اس ق اطبة، فبزته ذات جيوب لا نه اية له ا سرية وعلنية، والجيوب السرية مهم ا امتلأت،

فستظل جيوب أخرى ف ارغة تط الب بإلح اح أن تمتلئ كغيره ا من الجيوب المحظوظة. وعندم ا توفي ب السكتة القلبية المف اجئة، د شهي ادا من شهداء الوطن ودع امة من دع ائمه الاقتص ادية انه ارت ولا تعوم ض. وع ونكست الأعلام، و

ص ادق نذير البهلول الذي كان يقتل الن اس بسهولة كأن الدم مجرد م اء، ولكنه لاقى مصرعه في مش اجرة ت افهة، فقيلآنذاك القول الذي ش اع وانتشر، وهو أن الذب ابة تدمي مقلة الأسد.74

Page 76: زكريا تامر - عباد الله

ص ادق عميد الحلو الذي كان كات اب ا مشهو ارا، وزع على الوجه اء والأعي ان وذوي النفوذ ق ائمة بأسع ار مدائحه وأه اجيه لا تقبل المن اقشة والمف اوضة والمس اومة، فكل حرف له ثمن، والق اف ثمنه ا ليس كثمن الي اء. وم ات من دون أن يثبت أنه كتب مرة كنوع من الصدقة أو الزكاة. لا يكتب إل ا إذا قبض سل اف ا، أم ا الوعود ب الدفع، فيق ابله ا بوعود ب الكت ابة لا أقل

ولا أكثر. ص ادق جليل العي اث الذي كان يح اول اختراع قنبلة من نوع غير مألوف، تبيد الملايين وتجلب له الثروات الط ائلة، ف انفجر

وترى إل ا تحت مجهر. م ا كان يح اول اختراعه، وح وله قط اع ا صغيرة من اللحم لا ص ادق دلال العض ام ض التي كانت حي اته ا عواصف متت الية من الفض ائح، فقد اتهمت يو ام ا بإغراء الزوج ات الشريف ات

بتأجير أجس ادهن، واتهمت في يوم آخر بإنش اء شبكة دع ارة سرية تضم ط الب ات م ا زلن على مق اعد الدراسة، فنجت منوتن افس وتحظى ب الرواج والإعج اب والاحترام. كل اته ام، وح افظت على رأسه ا مرفو اع ا وسمعته ا عطرة، وظلت سلعه ا لا

وعندم ا م اتت ذرفت العيون الدموع السخية، وعوملت ذكراه ا ب احترام وخشوع كأ نه ا رابعة العدوية. وتطوع هؤلاء الأصدق اء السبعة بأن يعملوا لدى عزمي الصف اد مستش ارين بغير راتب، فرحب بتطوعهم. وكانت نصيحتهم

الأولى له هي أن زم ان جلوسه في المق ابر آن له أن ينتهي حتى لا ينظر إليه على أنه غريب الأطوار، وير وج لش ائع ات م ب الاعترام ض والتحدث عن وف ائه لأصدق ائه، أخبروه أنهم سيرافقونه أينم ا كان. تشكك في سلامة قواه العقلية. وعندم ا ه وهكذا خرج عزمي الصف اد إلى س اح ات الحي اة اليومية مزو ادا بسبعة مستش ارين ذوي كف اءة وخبرة ونضج وده اء، فوثب

من نج اح إلى نج اح حتى ص ار الرجل الأول في بلده م ال اا ونفو اذا وج ا اه ا، يأمر فيط اع. وكان أول أمر من أوامره يحظرالجلوس في المق ابر.

75

Page 77: زكريا تامر - عباد الله

المتهم دخل شرطي بدين إلى المقبرة، ومشى بضع خطى مترددة بين الأضرحة البيض، ثم وقف ح ائ ارا لحظة، ص اح بعده ا

بصوت ممطوط: (عمر الخي ام). لم يجب أحد، فأخرج من جيبه منديل اا أبيض وس اخ ا، وتمخط في طي اته ثم ك وره وأع اده إلى جيبه، وص اح بصوت ح انق:

(عمر الخي ام.. عمر الخي ام.. أنت مطلوب للمح اكمة). فلم يجب أحد، فغ ادر الشرطي المقبرة ع ائ ادا إلى مخفره، وهن اك كتب تقري ارا وصف فيه م ا حدث مؤك ادا أن عمر الخي ام

رفض حضور المح اكمة. وق دم تقريره إلى رؤس ائه الذين تجهمت وجوههم استنكا ارا ودهشة، وب ادروا إلى إصدار أوامرهم، ف انطلق ح ال اا إلى المقبرة عدد من رج ال الشرطة يحملون المع اول والرفوش، فنبشوا قبر عمر الخي ام، وأخرجوه من تحت

التراب متهدل اا مغب ارا مهترئ اللحم، وحملوه إلى ق اعة المحكمة حيث مثل أم ام الق اضي.مرة ويدعو إلى شربه ا. وبم ا أن بلادن ا ولقد ق ال الق اضي بلهجة وديعة وقور: (أنت ي ا عمر الخي ام متهم بكت ابة شعر يمجد الخ

تطمح إلى تحقيق الاستقلال الاقتص ادي، وقوانينه ا تمنع استيراد البض ائع الأجنبية، وبم ا أن بلادن ا تفتقر إلى مع امل تصنع د تحري اض ا على المط البة ب استيراد البض ائع الأجنبية، يع اقب عليه الق انون دون هوادة، فهل تق ر وتعترف ع وي رك نشع الخمرة، فإن

بذنبك? لم اذا لا تجيب? تكلم. السكوت مؤذ. حس ان ا. سكوتك يد ل على إنكارك للتهمة. إذن سنح اول الآن أن نعرف إني ائ ا أو مذن اب ا، ف العدالة هي غ ايتن ا. أول اا.. من يكتب الشعر لا بد من أن يتقن الكت ابة والقراءة. هل تجيد القراءة كنت بر

والكت ابة? أنت تنكر?! إذن سنستدعي الشهود).الش اهد الأول (ص احب مكتبة): (المتهم كان يشتري من مكتبتي كت اب ا كثيرة العدد).

الق اضي: (أي نوع من الكتب كان يشتري?).76

Page 78: زكريا تامر - عباد الله

الش اهد الأول: (كان يشتري كت اب ا متنوعة الموضوع ات، ولكنه كان يف ضل الكتب التي تتحدث عن الحب).ل له على الأخلاق الحميدة. قل لي: ألم يكن يشتري كت اب ا الق اضي: (ه ا ه ا.. إذن كان يحب الكتب الجنسية! رحمة ال

سي اسية). س يو ام ا كت ا اب ا سي اسي ا.. وربم ا كان يشتريه ا من مكتبة أخرى). الش اهد الأول: (الكتب السي اسية?! أقسم أن يدي لم تم

الق اضي: (إذن كان يشتري كت اب ا?!).الش اهد الأول: (وكان يشتري أي اض ا ور اق ا أبيض وأقلا ام ا).

ل له أكبر! لقد زهق الب اطل وانتصر الحق. المتهم لو لم يكن يعرف القراءة والكت ابة لم ا أنفق م اله على شراء الكتب الق اضي: (الوالورق والأقلام).

الش اهد الث اني (امرأة هرمة): (كل م ا أعرفه هو أن المتهم لا يحب سوى الكلم ات. وقد أخبرتني امرأة كانت تحبه أنهاعترف له ا أنه يحب الكلم ات أكثر من حبه لأجمل امرأة في الدني ا).

الق اضي: (يحب الكلم ات?! ي ا له من شذوذ! المواطن الص الح يحب أمه والحكومة فقط).الش اهد الث الث (صحفي): (اطلعت على أشع ار المتهم، فوجدته ا تخلو من أي مديح لمح اسن الحكومة).

الق اضي: (هذا بره ان ق اطع على أن المتهم لا يحب الشعب).ل له أني سمعت بأذني اللتين سيأكلهم ا الدود بعد موتي، سمعت المتهم يقول: الش اهد الرابع (رجل له لحية طويلة): (أقسم ب ال

إن الخمرة تهزم الحزن).الق اضي: (هذا كلام يصبح خطي ارا ج دا إذا ثبت للمحكمة أن الحزن متفش بين الن اس).

فر شرطة): (وردتن ا تق ارير كثيرة حول النش اط الهدام الذي يقوم به المدعو الحزن، ولكنن ا لم الش اهد الخ امس (رئيس مخنتمكن حتى الآن من اعتق اله، ولا يزال البحث عنه ج اري ا).

77

Page 79: زكريا تامر - عباد الله

الش اهد الس ابع (سجين): (الحزن أرغمني على شتم الحكومة).الش اهد الث امن (سجين): (الحزن هو الذي دفعني إلى الاشتراك في تظ اهرة).

الش اهد الت اسع (سجين): (الحزن هو الذي ح رضني على أن أح اول الهرب من السجن).الش اهد الع اشر (سجين): (الحزن وحده جعلني أكره رج ال الشرطة).

الق اضي: (لقد أثبتت إف ادات الشهود أن أشع ار عمر الخي ام ليست إل ا دع اية صريحة للخمرة، ودعوة س افرة إلى استيراد البض ائع الأجنبية، وتنفي اذا لمخطط مشبوه يهدف إلى إث ارة الشغب. كما أن إف ادات الشهود أثبتت أي اض ا تع اون عمر الخي ام

مع الحزن الذي تبين للمحكمة أنه ليس سوى ج اسوس من جواسيس الط ابور الخ امس، يستخدمه أعداؤن ا من أجل تعكيرب ث الاضطراب). الأمن و

وسكت الق اضي هنيهة متنه ادا ب ارتي اح وغبطة، ثم استأنف كلامه، فحكم على عمر الخي ام بمنعه من كت ابة الأشع ار من اع ا ب ا ت ا. وتولى رج ال الشرطة نقل عمر الخي ام إلى المقبرة، وأع ادوه إلى حفرته، وأه الوا فوقه التراب بعد أن أتلفوا م ا يملك من

أوراق وأقلام. غير أن الحزن ظل طلي اق ا يت ابع نش اطه الهدام.

78

Page 80: زكريا تامر - عباد الله

سنضحك.. سنضحك كثي ارا في يوم من الأي ام، اقتحم رج ال الشرطة بيتن ا، وبحثوا ع ني وعن زوجتي، ولم يتمكنوا من العثور علين ا لأ ني تح ولت مشج اب ا،

وتح ولت زوجتي أريكة يطيب الجلوس عليه ا. وضحكن ا كثي ارا عندم ا خرجوا من البيت خ ائبين. وفي يوم من الأي ام، كانت السم اء زرق اء لا تعبره ا أي غيمة، فقصدن ا أحد البس اتين، فإذا رج ال الشرطة يدهمون البست ان بعد دق ائق ط امحين إلى الإمس اك بن ا، ولكنهم لم يوفقوا لأ ني تح ولت غرا اب ا أسود اللون، دائم النعيب، وتح ولت زوجتي شجرة

خضراء، غزيرة الأغص ان. وضحكن ا كثي ارا من إخف اقهم. وفي يوم من الأي ام، تذمرت زوجتي من عمله ا في المطبخ، فذهبن ا إلى أحد المط اعم، وم ا إن بدأن ا نأكل حتى ط وق رج ال

الشرطة المطعم، واقتحموه ع ابسي الوجوه، وفتشوا ع ن ا تفتي اش ا دقي اق ا، ولم يجدون ا لأ ني تح ولت سكي ان ا، وتح ولت زوجتي كأ اس امن زج اج ملأى ب الم اء. وضحكن ا كثي ارا لحظة غ ادروا المطعم ق انطين.

وفي يوم من الأي ام، ك ن ا نسير الهوينى في ش ارع عريض مزدحم ب الن اس والسي ارات، نتفرج على م ا في واجه ات الدكاكين من سلع، فإذا رج ال الشرطة يحت لون الش ارع، ويعتقلون المئ ات من الرج ال والنس اء، ولك نهم لم يستطيعوا اعتق الن ا لأ ني

تح ولت ح ائ اط ا، وتح ولت زوجتي إعلا ان ا مل و ان ا ملص اق ا بح ائط. وضحكن ا كثي ارا من غب اوتهم. وفي يوم من الأي ام، ذهبن ا إلى المقبرة لزي ارة أ مي، فه اجم رج ال الشرطة المقبرة، وقبضوا على أ مي، ولم ينجحوا في القبض

علين ا لأ ني تح ولت كلم ات رث اء مكتوبة بحبر أسود على ش اهد قبر، وتح ولت زوجتي ب اقة من الورد الذابل. وضحكن ا كثي ارا منسذاجتهم.

وفي يوم من الأي ام، هرعن ا إلى المستشفى متلهفين، فزوجتي ح امل في شهره ا الت اسع، وآن له ا أن تلد. وم ا إن دن ا فم طفلن ا من ثدي أمه الط افح ب الحليب حتى انق ض رج ال الشرطة على المستشفى، ولك نهم عجزوا عن الاهتداء إلين ا لأني تح ولت ردا اء

79

Page 81: زكريا تامر - عباد الله

أبيض وس اخ ا، وتح ولت زوجتي مرآة خزانة خشبية ملأى ب الثي اب، وتح ول طفلن ا بو اق ا لسي ارة إسع اف مسرعة. وضحكن ا كثي ارامن بلاهتهم، وسنظ ل نضحك.

80

Page 82: زكريا تامر - عباد الله

الفريسة احترقت الغم امة والموسيقى، والورد ودمى الأطف ال، فلم أجد مكا ان ا أختبئ فيه سوى نهر كثير المي اه، وهن اك عشت طوال

سنوات وحي ادا مستسل ام ا لطمأنينة غ امضة، حتى ج اء في أحد الأي ام صي اد هرم، ف انتشلني بسن ارته من ق اع النهر، وحدق إليب استغراب وأسف، وق ال: (ظننت أنك سمكة).

فقلت له متصن اع ا المرح: (لا تخطئ، ف الإنس ان أفضل وأروع من السمكة).فنظر إلى الشمس الآفلة بعينين مجهدتين، وق ال: (مس اكين أولادي، سين امون الليلة دون أن يأكلوا).

فأحنيت رأسي بخجل، ثم قلت له: (كيف صدقت م ا قلته لك? كنت أمزح فأن ا سمكة).ق ال الصي اد: (ولكن الأسم اك لا تتكلم).

قلت بصوت متهدج: (أنسيت أن البحر غني وأسم اكه متنوعة? أن ا سمكة من نوع غريب، تتكلم وتشبه الإنس ان).ق ال الصي اد متس ائل اا بفرح: (أتقول الصدق، أم م ا زلت تمزح!).

فأجبت دون تردد: (سؤالك س اذج، فم ا الذي يرغمني على الكذب!). فلم يفه الصي اد بكلمة، وحملني إلى بيته وهو يلهث متع اب ا، وهن اك تولت زوجه تقطيعي ب السكين إلى قطع مختلفة الحجوم،

ووضعته ا في مقلاة ملأى بزيت يغلي، فلم أصرخ متوج اع ا أو مستغي اث ا، وبقيت في المقلاة حتى نضجت. عندئذ ابتدأ أولاد الصي اد يأكلونني بنهم، فغمرتني البهجة، ولكني حزنت بعد قليل لأن الأولاد ق الوا بتذمر وسخط إن لحمي سيئ الطعم على

الرغم من أنهم استمروا في أكلي. وازداد حزني عندم ا تنبهت إلى أني في يوم ت ال لابد ع ائد إلى جوف الأرم ض، وسأضطر آنذاك إلى العيش في الأم اكن

المظلمة القذرة حتى يت اح لي يو ام ا رؤية الشمس في جذور شجرة أو وردة .81