قنقليز - هشام أدم

85

Upload: murtada-abdelrazig

Post on 25-Jun-2015

1.334 views

Category:

Documents


126 download

TRANSCRIPT

Page 1: قنقليز - هشام أدم
Page 2: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 2

Page 3: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 3

Page 4: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 4

Page 5: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 5

ال يهم؛ فقد أكمل للتو عد ذباربو العاطفية الفاشلة اليت ذباوزت سبع عشرة ذبربة، أنفق عليها زىاء العشرين طبن أنو قد يكوف نوعا من األميبا اؼبتطورة، وقرر أف يعيش ما تبقى من حياتو حصورا، دوف أنثى ربفزه . عاما من عمره

لسبب ما، ربط ضجره الكوين بالنساء، وبدأ اإليباف بعدـ جدواىن يف حياتو يتسلل إف قلبو شيئا . على التحليل واؼبراوغةفشيئا كتسلل اؼبختلس، وبطريقة نرجسية قرر أف يكافئ نفسو، وأف يعوضها عما لقيتو بسبب حبثو الدءوب عن أنثى

ف يفكر كثتا يف صياغة مناسبة ؼبربرات قراره ذلك، كل ما توصل إليو يف النهاية أنو ف يعد . يفرغ فيها حاجاتو العتيقة .حباجة إف أنثى، وأنو، على األرجح، سوؼ يكمل حياتو منفردا، مستمتعا بكل غبظاهتا

ىل . "وكوميض النبوة، تكشفت لو أفكار نتة حوؿ حياتو اػباصة، واقتنع بأنو ليس يف حاجة إف آخر يشاركو . كانت تلك خبلصة التجارب وخاسبتها القيمة، واغبكمة اليت امتثل ؽبا أختا" كبن حباجة إف مشاركة فعبل؟

. منذ اليـو سوؼ ينفق راتبو الشهري يف ترفو اػباص، وسيغدؽ على نفسو النعماء كما ف يسبق لو من قبلورغم إحساسو اؼبتعاظم باألسى واألسف على اللحظات اعبميلة اليت أضاعها من حياتو دوف أف يستمتع هبا كما هبب؛

. إال أنو قرر أف يعوض ما فاتو، وأال يدخر جهدا يف سبيل ذلكدوف، حبماس متقد، قائمة من الكماليات اليت توحي بالبذخ والتؼ، وسبنح النفس ذلك الشعور العزيز بالرفاىية

:والدالؿ يدوية من ريش الطاؤوس نافضة غبار

فانوس إضاءة ليلي ملوف

اؼبضغوط فبسحة أقداـ من القش

نافورة مياه جبسية مصغرة

األرضية ؾبسم ببلستيكي عمبلؽ للكرة

مشوع معطرة للجو

لوحات تشكيلية للحائط

فراء األرانب جوارب منزلية من

عت سحرية لباب الشقة

األفريقية طقم من سباثيل الفيلة

خزانة للكتب

Page 6: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 6

كتب ىذه األختة وىو ينظر إف تبلؿ الكتب الناىضة يف زاوية ما من غرفتو، وشعر برضى شديد ؽبذا االختيار

اضطرمت داخلو ضباسة ؿبببة إف نفسو، فوضع القائمة جانبا، وأشعل سيجارة برقبي، أخذ منها نفسا . الذي رآه موفقاراح ينقب يف زوايا غرفتو عن أشياء يبكن إضافتها، مث . عميقا، مث سبدد على ظهره، وىو يتمطى يف حبور طفوف غامر

:هنض فجأة بذات اغبماسة، وأمسك القائمة من جديد، وأضاؼ إليها دبكر مصطنع مغطس مياه ىوائي!

تلك كانت . كاألطفاؿ، يقضت حوائجهن بالبكاء أوصلتو ذبارب حياتو، أختا، إف قناعة كاملة بأف النساء،

كاف كلما قرر . توقفو، اؼببكر، عن خوض عبلقات عاطفية منتهية بالفشل إحدى مشكبلتو الكربى اليت حالت دوف .دائما غريزتو إف أحضاف أنثى جديدة، تصب الشهوة يف أوردتو اؼبتيبسة، واؼبتعطشة إف اعبنس التوقف؛ تأخذه

بأنو ف يعش من ، عندىا، يشعر.األنبياء من صندوؽ ذاكرتو كرؤى، باستمرار،واحدة فقط ىي اليت ظلت تتقافزاألظباء اليت عكرت مياه تارىبو ف تستطع أف تشوش صفاء صورهتا كل. حياتو سوى ما قضاه بت أحضاهنا الدافئة

. ؿباوالتو اعبادة يف نسياهنا اؼبنعكسة، وأخفقت كلـ خرب ئو وينقل إليو قريب مش،أف يرف جرس اؽباتف اؼبستطاع، قبلرحاوؿ التكيز على صفو مزاجو اؼبخملي قد

تذكر وجوه أفراد. وما يرتبط هبا من سعادة،ؿ أحبلمو اؼبخمليةيجلو تأ ألنو عت ،اػبرب أحزنو. سكروفاة والدتو إثر نوبة

، قبل ةلعن يف سره كل وجو على حد. البؤساء عائلتو اؼبمتدة يف بانوراما ذىنية سريعة، وزبيل عبء تلقيو العزاء من ىؤالء .اػبمر، ويبدأ رحلتو اؼبيتافيزيقية اليومية أف ىبرج من ثبلجتو الصغتة قارورة

* * *

يف منزؿ العائلة الكبت، الذي كمنازؿ النمل، بغرفو الكثتة واؼبتداخلة، وقف أماـ جثماف أمو اؼبسجى على

وقبل أف يكشف عن وجهها، تأمل منظر جسدىا اؼبتىل كشحنة إسفنج، . عنقريب اعبرتق اؼبصنوع من خشب السروجوىو يتساءؿ عن مصتىا، وعما إذا كاف ذلك اؼبصت يستحق اؼبشقة اليت بذؽبا يف طريقو من العاصمة إف ريف العيكورة

! أـ ال، أو مىت، بالتحديد، كاف ذلك، غت أنو يتذكر جيدا قلقو وللسخرية؛ فإنو ال يتذكر تفاصيل ؾبيئو من اػبرطـو

وخوفو اللذاف ف يعرؼ ؽبما سببا، إضافة إف ضيقو الذي كاف قد بدأ بالتخلق، منذ أف وطأت قدماه ؿبطة السوؽ

Page 7: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 7

، وحىت وصولو إف ىذا اؼبكاف الذي يعج بالناس ذوي األعت اؼبخيفة، والوجوه الواصبة والباىتة، كأهنم الشعيب اػبرطـو . سباثيل نصفية يف مرسم فناف بوىيمي

، وأصوات طقطقة األكواب النيكلية مرت بذىنو صور باىتة لوجوه بائعي اؼبثلجات يف السوؽ الشعيب اػبرطـواؼبغرية، والفتيات اللوايت يبعن منتجات التجميل الصينية، وكريبات تفتيح البشرة، دوف أف يتمتعن بتلك اؼبيزة على

اؼبعلقة : "اإلطبلؽ، منتصبات على األرصفة التابية كعيداف القمح السمراء ربت ؽبيب الشمس، وىن يرددف ببل توقفوالفتياف البائست، ذوي الوجوه الكاغبة، حفاة األقداـ، الراكضت وراء أكياس النايلوف اؼبتطايرة يف اؼبكاف !" بنص جنيو

وباولوف اإلمساؾ هبا، وبيع ما ذبمع منها ؼبصنع تدوير الببلستيك مقابل حفنة من اعبنيهات، اليت بالكاد تكفي لكوب من عصت العرديب اؼبثلج لكل واحد منهم، والرجاؿ اؼبصابت باعبذاـ، كمسوخ مشوىة، تست، بقوائمها اػبلفية

. كحشرات فضائية دميمة، على أرصفة وشوارع العاصمة، دوف أف يلتفت إليهم أحد شفقة أو امشئزازاأطفاؿ الورنيش الذين يعبئوف شوارع العاصمة اؽبادئة بأصوات كشكشة علب الصلصة الفارغة، إال من بعض اغبصوات الصغتة اؼبلساء، وف يغب عن بالو، كذلك، رائحة البوؿ اليت تعبق اؼبكاف، جنبا إف جنب مع رائحة زيوت

ومواء القطط الشرسة، وشجار طبلب . السيارات القديبة اؼبتكلسة على الطرقات، واليت ال يعلم أحد من أين جاءت . يتذكر كل ذلك، وكأنو حدث قبل ألف عاـ. اعبامعات مع بائعي السعوط، وألف صوت وصوت

يعرؼ تلك الرائحة جيدا، والزالت عالقة . للموت، عنده، رائحة مزعجة وغريبة، أشبو برائحة القطن اؼببلوؿدبراكزه الشمية منذ حادثة غرؽ قديبة، شارؾ فيها على مضض بغسل الضحايا، كما أف للموت ىيبة ف يستشعرىا

خيل إليو أف األمر أشبو دبسألة وقتية عابرة، تنتهي بافتقادنا للموتى؛ ذلك االفتقاد الذي ال يرتبط باؼبوت نفسو، . جيداف يكن يف إمكانو التعامل مع اؼبوت كحقيقة ؽبا وقعها اؼبؤف واؼبؤسف، بل ف . وإمبا بعجزنا عن التواصل مع اآلخرين

.يستطع أف يتصور اؼبوت إال من حيث أنو موقف طارئ هبعلنا نشتاؽ إف اؼبوتى لبعض الوقتكانت تلك ىي اؼبرة . ما إف رفع الغطاء الدموري األبيض عن وجهها؛ حىت اعتتو رغبة عارمة يف الضحك

ال يتذكر أف رآىا صامتة كما ىي اآلف، وفمها ال يتحرؾ كما ىو عادتو منذ أف أدرؾ ! األوف اليت يرى فيها أمو ساكنة . حقيقة العبلقة بينو وبت ىذه السيدة النائمة على عنقريب اعبرتق

استغرب قدرهتا اؼبعجزة على الكبلـ اؼبستمر والنميمة، ويف أحايت كثتة، حت يعجز عن التأمل والقراءة، هبلس نفوؽ األبقار، آفات الزراعة، الزهبات اغبديثة، فضائح القرية، أسعار : إليها، ويأخذ عنها أخبار أىاف العيكورة بالتفصيل

البضائع، أنباء السوؽ وأىلو، قائمة الفتيات اؼبقتحات للزواج، أحاديث النساء اؼبملة اليت ال يستسيغ ظباعها إال من ال يفعل ذلك بدافع الفضوؿ أو بدافع االطبلع على أحواؿ القرية؛ وإمبا، فقط، لقضاء الوقت، والبد أف ينتهي . أمو

يف القدـ، ليطمئن بذلك على اغبديث، عندىا، بذكر الشريشاب األجبلؼ، اؽباربت من بطش الدفتدار يف زمن موغل .استقامة خرفها على عوده

Page 8: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 8

أطاؿ النظر إف وجهها؛ فخيل إليو أهنا تبتسم أو تكاد، وكاف كالذي ىبترب قدرة اؼبوت على تكميم األفواه، تصور الصراع الذي قد تعانيو، اآلف، مع اؼبوت حوؿ ىذه النقطة بالتحديد، . وفرض قانوف الصمت على أمو الثرثارة

وقدر أهنا سوؼ تنتصر عليو يف هناية اؼبطاؼ، وأراد أف يشهد غبظة االنتصار قبل دفنها، غت أف األيادي امتدت لتخي : الغطاء الدموري مرة أخرى على وجهها، ورفعوا أياديهم حبركة ميكانيكية موحدة، ونادى أحدىم بصوت أجش

".الفاربة"حل السكوف، فجأة، على الغرفة اليت سكنت رائحة اؼبوت أوردهتا الغليظة اؼبعلقة على السقف مرقا من خشب

عمر، ما منحو فرصة جيدة لتذكر بعض تفاصيل القرية اليت سقطت من ذاكرتو منذ تسعة أعواـىاصبتو صورة . السنط اؼب

قاؽبا وىو !" إهنا ورطة حقيقية. "النسوة القابعات يف الغرفة اجملاورة، تأتيو منهن أصوات غمغمات كحمحمة اػبيوؿيستثقل ما ينتظره بعد االنتهاء من مراسم الدفن اؼبملة، واليت لن ينالو منها إال غبار اؼبقابر اليت ربمل ترب األجساد

تقبل العزاء من نساء القرية اجملامبلت، وتعزية أخوتو، وضبلهن على التأسي، وىو ما : كاف واجبو األكثر إلزامية. اؽبالكة .ال يطيق عليو صربا، وال هبيد تقنياتو

ما إف خرج الرجاؿ من الغرفة حاملت النعش، متجاوزين باهبا اغبديدي السميك، حىت انطلق عويل النائحات !" يا ؼبكر النساء: "فتبسم يف سره، وقاؿ" ال إلو إال ىو.. وحدوه : "متزامنا مع صوت العبارة اعبنائزية اؼبعهودة

بطريقة ما، أحيت لو إحدى األصوات النسائية النائحة اغبادة ذكرى أكيج دينق، بائعة اػبمر التقليدية، اليت تسكن يف مكاف ما على شاطئ النيل األزرؽ، وتذكر تلك اللياف اليت قضاىا بصحبتها معاقرا للخمر اعبيدة اليت تصنعها

.قاؽبا، وىو يعقد العـز على زيارهتا يف مسائو ذلك!" ال يقتل الوىم إال مزيد من الوىم"بإتقاف، وتشتهر هبا يف اؼبنطقة

* * *

يف اؼبقربة؛ كانت الشمس يف كبد السماء، ترسل وىجها، مباشرة، على رؤوس الرجاؿ الذين وضعوا اعبنازة أرضا، وراحوا هبتهدوف يف حفر القرب بكل نبة، فيما نبس إليو أحدىم بأنو ال توجد حاجة إف أف يرىق نفسو باغبفر؛ السيما وأنو يف حالة نفسية ال تسمح لو بذلك، ىذا الكبلـ أشعره ببعض السعادة واالرتياح، ولكنو كذلك ألزمو بأف

. يبدي بعض مظاىر اغبزف اليت اجتهد يف اصطناعهابعض اؼبزارعت القادمت من مشروع اعبزيرة يف اعبهة الغربية للعيكورة، وضعوا أطراؼ جبلبيبهم ربت أسناهنم،

ال حوؿ وال قوة إال : "وأتوا راكضت، عند رؤيتهم عبمهرة الرجاؿ يف اؼبقابر، وشرعوا يف حفر القرب مع البقية، وىم يرددوفأزعجو كثتا ضباسة الرجاؿ، وتناوهبم على اغبفر، وىم يرددوف بت . دوف أف يسألوا عن اعبثة اليت ينووف دفنها!" باهلل

Page 9: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 9

وكاف ذلك يعت إلزامية أف يتؾ أحدىم الرفاش لآلخر، وطبن أف " صلي على النيب.. صلي على النيب : "الفينة واألخرى . ذلك يعيق انسيابية عملية اغبفر وسرعتو، ولكنو أضمر ذلك يف صدره وف يصرح بو ألحد

كاف منظر الرجاؿ وىم وبفروف القرب، كأسراب غرباف نوحية متوحشة، تنهش ببل ىوادة جثة كلب نافق، بينما وقف بعض الصبية غت بعيد عن مكاف الدفن، ينظروف بعيوف فضولية إف ما هبري، وقد زجرىم بعض الرجاؿ

كاف الغبار اؼبتناثر من عملية اغبفر ىبتلط مع العرؽ اؼبتصبب من جبينو، فشعر بأنو . اؼبتحمست، وأمرىم بالبقاء بعيداأحس باالنزعاج الشديد لذلك، واستؽ النظر إف جثماف أمو اؼبسجى على األرض، علو . عاد كائنا طينيا من جديد

امتلك قناعة راسخة . يشهد غبظة انتصارىا على اؼبوت، ولكنها كانت ما تزاؿ ىامدة ببل حراؾ؛ فشعر باغبزف ؽبزيبتهابأف حزنو ذلك أصدؽ من حزف اآلخرين الذي ف يبنعهم من اعبد يف حفر القرب، ورأى يف ذلك تناقضا صارخا زاد من

. إحساسو باالستياءالحظ على الفور أنو مركز اىتماـ بالغ من اغبضور، وأف اعبميع يسعوف إف تلبية احتياجاتو بالسرعة اؼبطلوبة،

ىو يعلم أف أقرب الناس للميت أكثرىم حظوة عند اؼبعزين، ولذلك فإنو ف يشأ أف يستغل ىذه . وأشعره ذلك بالتميز . اغبظوة استغبلال سيئا، واكتفى ببعض التصرفات اليت توحي بأنو مستغرؽ يف اغبزف

يف البيت، وقبل اعبلوس يف الصالة اؼبخصصة الستقباؿ التعازي، طالب حامد ودالنعيم االختبلء بو لبعض تقارير طبية، ونتائج : كانت األوراؽ عبارة عن. الوقت، وبطريقة جادة أخرج بعض األوراؽ من جيبو، وبدأ يعرضها عليو

ف يبد أي اىتماـ بكل تلك التفاصيل؛ السيما وأنو يعلم سباما . فحوصات معملية، وشهادة وفاة معتمدة من اؼبستشفىأف أمو اآلف ترقد يف قربىا بارتياح، وأف ىذه التقارير واألوراؽ عديبة القيمة إزاء احملصلة النهائية، واغبقيقة األكيدة، ولكنو

. اكتشف يف هناية األمر أف ذلك كاف بدافع إبداء اغبرص، وإخبلء اؼبسئولية ال أكثر

* * *

حامد ودالنعيم زوج شقيقتو الكربى رجل مشهور عنو اغبرص الشديد، ويذكر أنو الوحيد يف العيكورة، بت أقرانو، من وبتفظ بشهادة ميبلده، إضافة إف الشهادات اؼبدرسية منذ اؼبرحلة االبتدائية، وحىت الثانوية اليت اجتازىا

، إضافة 1989بصعوبة بالغة، كما أنو ما زاؿ ؿبتفظا بتذاكر سفره إف أديس أبابا غبضور حفل الفناف ؿبمد وردي عاـ ورث عشق صبع األشياء واالحتفاظ هبا عن والده ودالنعيم جار اهلل . إف بطاقة صعود الطائرة؛ بل وتذاكر اغبفل نفسو

. الببلؿ، وال أحد يعلم اؼبعيار الذي يقيم بو األشياء اليت تستحق االحتفاظ من تلك اليت ال تستحقيذكر تلك الليلة اليت جاء فيها من قرية شيخ طو ستا على األقداـ، جارا وراءه أتاف عشراء، ليخطب شقيقتو الكربى، وفيما راح يتحدث عن نفسو، وعن عائلتو وجذورىا العركية اليت تعود إف اإلماـ موسى الكاظم؛ انشغل ىو

Page 10: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 10

بتعداد أوجو الشبو بينو وبت شقيقتو؛ إذ كاف قصتا مفرطا يف القصر، بدينا، وببل رقبة إف اغبد الذي يشبو معو دمى الروسية، لو ثآليل بارزة ومتفرقة يف وجهو ورقبتو، وقواطع أسنانو األمامية متفرقة عن بعضها، وتتطاير شذرات اتريوشكااف

اللعاب من فمو أثناء الكبلـ، وحاجباه العريضاف يكاداف يلتقياف، لوال عناية الطبيعة، وعيناه ليستا متساويتا اغبجم سباما، ".بالتأكيد؛ فأنتما متشاهباف تقريبا: "أجابو على الفور" ىل تزوجت أختك؟: "وعندما انتبو إف كبلمو

ف هبد مربرا لوجـو بعض الوجوه اليت ال يعرفها، واليت ف تكن حتما تعرؼ أمو، واعترب ذلك نوعا من الزيف االجتماعي الذي يطغى على اؼبناسبات من ىذا النوع، وفيما كاف البعض يتهامسوف، وبعض الفتياف يوزعوف كؤوس

الشاي اؼبنعنع على اؼبعزين دوف توقف، اهنمك يف متابعة جعراف وقح يست، ببل مباالة، دبحاذاة اعبدار، دافعا أمامو كرة . من الروث، دوف أف ترىبو ىيبة اللحظة اغبزائنية اؼبخيمة على اؼبكاف

أعجبتو استقبللية ىذا اعبعراف، وانصرافو إف أمور أىم بكثت من اغبزف على اؼبوتى، وردبا شعر بشيء من اغبسد كل ما أراده ىو أف تنتهي مراسم العزاء ليذىب إف أكيج دينق، ووبتسي طبرىا اعبيدة، ويضاجعها إف وجد إف . ذباىو

. ذلك سبيبل، ويعودانتبو، كما انتبو اعبميع، على صوت بوؽ حافلة قديبة من طراز ىايس ربمل أطنانا من البشر، توقفت يف

الباحة اؼبقابلة للمنزؿ؛ فأشعره ذلك دبزيد من اإلرىاؽ والتعاسة، وظن أف يومو اؼبمل لن ينتهي أبدا، ولن تتوقف العيكورة ترجل الراكبوف نساء ورجاال، ومضت النساء، على الفور، إف القسم اآلخر من اؼبنزؿ . عن مفاجأتو طاؼبا ىذا العزاء قائم

اؼبخصص للنساء، وىن يطلقن عويلهن اؼبيلودرامي اؼبزعج، بينما تقدـ الرجاؿ، وىم يهندموف ثياهبم، ويصلحوف ".الفاربة: "عماماهتم ويسرعوف اػبطى، ليتوقفوا أماـ الصالة مباشرة، وزعقوا بصوت كبلسيكي موحد

* * *

نظر إف من حولو، وتفرس يف الوجوه اليت كانت بعضها حزينة، وبعضها اآلخر ذات مبلمح حيادية، بينما

جلس أشخاص غت مألويف السحنات يف ركن قصي يتبادلوف أحاديث ضاحكة بطريقة خافتة، ووجد رجبل مطأطأ الرأس كاف بإمكانو أف يغفو قليبل خلف عمامتو، . ـبفيا وجهو بطرؼ عمامتو، فاقتبس منو الفكرة؛ حيث وجدىا ذكية للغاية

بينما يعتقد اآلخروف أنو يبارس حزنو على أمو يف خصوصية، بعيدا عن أعت اؼبتطفلت الذين هتمهم متابعة حالتو ما كاد يغمض عينيو قليبل حىت أحس بدغدغة ناعمة . النفسية، إما ليستلهموا منها ما يبقيهم حزاىن أو جملرد الفضوؿ

." ىنالك سيدة باػبارج تريد أف تعزيك: "على كتفو، فرفع رأسو يف استياء ليجد طفبل يهمس يف أذنواستأذف يف لباقة مصطنعة من حامد ودالنعيم، وف يفهم ؼباذا فعل ذلك، ولكنو وجد أنو من اعبيد أف يستأذف

قاـ متثاقبل، وىو يستشعر الضجر من كل ما هبري . منو، كتعبت عن امتنانو ؼببلزمتو اللصيقة لو منذ وصولو من العاصمة

Page 11: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 11

من حولو، وعند الباب الفاصل بت صالة عزاء الرجاؿ، وصالة عزاء النساء، كانت عديلة عبد الرضبن بابو تقف متوشحة عباءهتا القاسبة، وىي تنوح بنربات متقطعة ومنتظمة، وما إف رأتو حىت توقفت عن البكاء، ورفعت كفيها خبشوع ونبة،

". الفاربة: "وىي تقوؿأدرؾ على الفور أهنا ف ذبتهد يف قراءة الفاربة كاملة؛ فالوقت الذي استغرقتو ف يكن يكفي لقراءة آيتت

وحبركة درامية ألقت . متتاليتت، ولكنو شعر باالرتياح لذلك، ألهنا أزاحت عنو عبء التكرار الذي بدأ يبلو ويزىد فيوعديلة بابو جبسدىا اؼبمتلئ عليو، وراحت تبكي يف ىستتيا أؽببت ضباسة النساء األخريات اللوايت رحن يبكت تبعا

. لذلكف هبد بدا من أف يربت على كتفيها يف ؿباولة ؼبواساهتا، وشغلو عن ذلك، الحقا، مرور وقية عبد الباسط من

بطوؽبا الفارع اؼبشدود، وأردافها وثدييها : كانت مثلما تركها قبل تسعة أعواـ. أمامو، وف يبد عليها أي تغت طارئاؼبغريت، ونظراهتا اؼبثتة ذات اؼبغزى اعبنسي، وراح يتذكر اللياف اغبمراء اليت قضاىا معها بت حقوؿ القصب، ورأيو

. اؼبتطرؼ أف الظبها اؼبتخلف القدن عبلقة مباشرة بعدـ حصوؿ اؼبتعة اعبنسية الكاملة معهاساعدتو تلك الذكرى اؼبمتعة على زبطي اللحظات العستة اليت كاف من اؼبفتض أف يقضيها يف مواساة عمتو

ىو يعلم أف عمتو وأمو ف تكونا على وفاؽ دائم، بل . الباكية على صدره، وأدىشو التفاين الذي تظهره النساء يف البكاءيكاد يتذكر عدد اؼبرات اليت دعت كل واحدة منهما على األخرى باؼبوت والثبور، حىت أف أمو خصصت وترا للدعاء

. عليها بأف سبوت حرقا، وتركت هلل حرية أف ىبتار الكيفية واؼبكاف الذي هبب أف ربتؽ فيو، بعيدا عن بيتها وعن ناظريهاما : "يف غبظة ما، أحس أف بقاء عمتو على صدره قد استغرؽ وقتا أكثر فبا هبب، فدفعها عنو برفق وىو يقوؿ

: وتدافعت النسوة لتعزيتو استغبلال لوجوده بينهن، فبا جعلو يشتط غضبا، فزجرىن دفعة واحدة!" حدث؛ حدث وانتهىحاوؿ تدارؾ األمر عندما وجد بكتتيا ". ماتت أمي وانتهى األمر، وقد أغبق هبا إف ف ىبرج الغداء حاال ! كفاكن بكاء "

أعت؛ يتوجب علينا أف ننظر إف اعبانب اعبيد : "الدىشة تتكاثر يف أعت النساء اللوايت توقفن فجأة عن البكاء والعويل ."من األمر، فقد ارتاحت من مرضها أختا، ومن تعاسة ىذه الدنيا

* * *

، تكفل هبن حامد ودالنعيم نصبت اؼبوائد أرضا، وبدأ اعبميع . ثبلثة عجوؿ ذحبت على الغداء ذلك اليـو

يأكلوف يف صمت مطبق؛ فلم يسمع منهم إال صوت اصطكاؾ األطباؽ، وصرير األسناف، وحركة اؼبضغ داخل األفواه كانت تلك من اللحظات النادرة اليت شعر فيها بالسعادة اؼبطلقة؛ فمنذ وصولو إف القرية ف ينعم هبدوء كهذا . اؼبمتلئة

Page 12: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 12

الذي ينعم بو اآلف، كما أنو ف يتناوؿ طعاما منذ ؾبيئو؛ فيما امتؤلت معدتو بالشاي اؼبنعنع الذي ف يتوقف فتياف القرية . عن توزيعو على اؼبعزين خبلؿ ساعات العزاء الطويلة اؼبملة

الحظ حرص ودالنعيم على اعبلوس إف جواره على مائدة الغداء، وف يستطع أف يبنعو من ذلك، والحظ أيضا أنو كاف يقتطع أجزاء من ضلع العجل اؼبطبوخ ووركو، ويضعها أمامو يف نكراف ذات ف يتوقعو منو على اإلطبلؽ، ولكن

أكثر اؼببلحظات اليت توقف عندىا كانت اغبماسة الشرىة اليت يأكل هبا اعبميع، واليت ف تكن منسجمة مع مناسبة .حزينة كهذه، ولكنو أضمر ذلك وف يطلع عليو أحدا

من يتأمل ودالنعيم وىو يتناوؿ طعامو، يعرؼ سر بدانتو اؼبفرطة، فهو بالكاد يبضغ الطعاـ، ليستقر يف معدتو فقطعة اللحم اليت هبتهد اآلخروف يف سبزيقها، ! يشعر اؼبرء أنو ال يبلك أسنانا داخل فمو؛ بل مطحنة. كما اقتطعو بيديو

. يبتلعها ىو كما يبتلع أحدنا قطعة اعبيبلتت أو اغببلوة الطحينيةودالنعيم يعترب األكل مهمة مقدسة هبب أف تؤدى بكثت من االىتماـ، وىو أحد اؼبؤمنت بأف اإلنساف يعيش

تلك أشبو حباالت . ليأكل؛ لذا فإنو ينهمك يف األكل إف حد االنفصاؿ عن الواقع؛ فبل يعود يشعر بوجود أحد حولوعندما يكتشف أنو ف يعد قادرا . التسامي اليت تعتي اؼبتصوفة، بيد أنو ىبلف وراءه دمارا واسعا، وفوضى تشعرؾ بالرثاء

على البلع؛ يتوقف برىة لتتشف قليبل من اؼباء، وقتها فقط يرمق من حولو بنظرات سريعة غت آهبة، مث يعود ؼبواصلة . طعامو بذات النهم

مد يديو ألحد الفتياف الذين تولوا غسل أيادي اؼبعزين، . بعد الغداء، تعاظمت حاجتو إف التدخت واالستخاءلقد غتت السنوات التسع كثتا من أحواؿ القرية، فمات أقواـ . وف هبتهد يف أف ينظر إليو ؼبعرفتو؛ فهو ال يعرفو بالتأكيد

كانت عادة الرجاؿ أف ينظروا يف أعت الصبياف، . وولد آخروف، وف يكن مهتما بالبحث يف ىذا الشأف على أية حاؿوىم يغسلوف أيديهم، ويسألوهنم ليعرفوا أبناء من ىم، ويف أي مرحلة مدرسية يدرسوف، وال يعرؼ أحد فائدة لذلك،

غسل يديو جيدا مث توجو مباشرة إف إحدى الغرؼ الكثتة يف منزؿ العائلة الكبت اليت . ولكن ىذا ما جرت عليو العادة . يعلم أهنا لن تكوف مأىولة بالزوار، فعل ذلك خفية عن ودالنعيم الذي كاف يراقبو كظلو؛ أو كهذا خيل إليو

أغلق الباب وراءه، وتأكد من ذلك، قبل أف يرخي ستار النافذة اػبفيف، حجبا ألشعة الشمس اليت كانت أصبل غبظاتنا على اإلطبلؽ ىي عندما . "أشعل سيجارة برقبي دخنها بشراىة، مث سبطى يف سعادة. على وشك الزواؿ

قاؽبا مستشعرا نشوة ." تلك واحدة من أىم اللحظات اليت نتهاوف يف استغبلؽبا على الوجو الصحيح. نكوف منعزلت سباماكانت لديو رغبة يف إمضاء دقائق للتأمل . ىي أقرب إف نشوة اعبنس، وىو يتمدد على ظهره بعد عناء يـو طويل وفبل

. فيما جرى يف يومو ذلك على كبو سريع، ولكنو ناـ مباشرة دوف أف يفعلاستيقظ فجأة، وأحس بأنو ناـ لوقت طويل، نظر من خبلؿ فتحات الستائر اػبفيفة إف النافذة، فوجدىا

ىكذا ظن؛ قبل أف يعرؼ الحقا أنو ف ينم سوى ساعتت فقط، كانت كافية ألف " يبدو أنت مبت طويبل . "مظلمة سباما

Page 13: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 13

تغرب الشمس، ووبل الظبلـ أرجاء القرية اليت ف تدخل الكهرباء أرجاء واسعة منها بعد، وكافية لتجدد فيو النشاط كاف اؽبدوء قد بدأ يفرض سطوتو على اؼبكاف، ولكنو ظبع صوت ودالنعيم من جهة ما، فلم يشأ أف يتقابل بو؛ . كذلك

. فخرج من أحد أبواب اؼبنزؿ اػبلفية

* * *

للريف، ليبل، نكهة خاصة يألفها سباما، رغم أنو ف يعد ينعم بليل ىانئ منذ أف استوطن العاصمة، وأمضى تذكر ذلك اليـو الذي أبلغو أحد زمبلئو يف العمل بأف مدير البنك يريده يف أمر عاجل . فيها تسع سنوات من عمره

كاف يسمع منهم أنو رجل نزؽ ومزاجي وحاد الطباع، ولكنو ف يقف على شيء من ذلك؛ فقد كاف يراه . وعلى انفرادكل ما فعلو ىو أف ابتلع العلكة اليت . رجبل عاديا كغته، وظن أف اآلخرين ىبلعوف عليو تلك النعوت ليربروا خوفهم أمامو

. كانت يف فمو، ومضى إليو من فورهرأى قسم السيد دفع اهلل جالسا على مكتبو . طرؽ الباب ودخل قبل أف يؤذف لو، وكانت تلك عادتو دائما

العادي مثلو سباما، منهمكا يف قراءة إحدى التقارير اؼبالية اليت ترده يوميا من قسم األراضي والتعويضات، اكتفى بإلقاء . نظرة سريعة عليو من ربت نظارتو الطبية السميكة، وأشار إليو باعبلوس؛ فجلس

ظبعو وىو يغمغم بكلمات غت مفهومة، ولكنو طبن أنو يتذمر من تلك التقارير اليت باستطاعتها أف تنهي ستتو بعد غبظات رفع قسم السيد رأسو، ونزع نظارتو الطبية، وألقى هبا على اؼبكتب، وعقد . اؼبهنية، وربيلو إف التقاعد اؼببكر

: أصابع كفيو ووضعهما أماـ كرشوشرؼ الدين عبد الرحيم بابو؛ ملفك اؼبهت نظيف ومشرؼ، ويشهد لك زمبلؤؾ باألمانة وااللتزاـ، رغم -

لقد رأينا أنك الوحيد اؼبستحق للتقية، وسوؼ تنتقل إف مكاتب . بعض اؼبآخذ واؼببلحظات البسيطة طبعا اإلدارة يف العاصمة؛ فما ىو رأيك؟

! ال بأس -

ليست لديك اعتاضات تذكر؛ أليس كذلك؟ -

. عموما إذا كاف ذلك قرارا إداريا فسوؼ أنفذه. ال أجد فرقا بت ىنا وىناؾ -

جيد؛ سوؼ تستلم عملك يف قسم خدمة العمبلء يف اػبرطـو اعتبارا من بداية الشهر القادـ، فتجهز منذ - . أسبت لك التوفيق. اآلف

Page 14: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 14

فاؼبعيشة % 10ال تقلق، سوؼ يزيد راتبك بنسبة : "هنض وىم باالنصراؼ قبل أف يستوقفو قسم السيد مضيفا . وىز رأسو يف احتاـ، وانصرؼ على الفور." لست قلقا: "ولكنو رد يف اطمئناف." يف اػبرطـو أغلى فبا ىي عليو ىنا

حاولت األسرة أف ربتفل هبذه اؼبناسبة، واشتوا علبة ماكنتوش خصيصا ؽبذه اؼبناسبة، ولكنو ف ير يف ذلك ما يستحق االحتفاؿ، وشرع يف ذبهيز نفسو للسفر، وسافر يف اؼبوعد احملدد سباما، فاضطروا إف االكتفاء بتوزيع حلوى

مازاؿ يتذكر وصايا أمو . اؼباكنتوش على اعبتاف واألطفاؿ الذين جاءوا للمساعدة، أو لنقل ما هبري ألمهاهتم يف البيوت . البنات والعساكر: وىو يستعد لركوب اغبافلة بأف وبذر من شيئت

احذر العساكر، فهؤالء ال تعرؼ قلوهبم الرضبة، فقد رضعوا ! إياؾ والسياسة؛ فهي قمار بت الشيطاف واغبكومة"

تعلم أف تقوؿ ؽبم . حليب الضباع، وإف اقتادوؾ إف مكاف ما، فسوؼ لن نتمكن من العثور عليك مرة أخرى، فهن أخوات األباليس، وال شيء يصنعنو سوى إغواء . دائما لتضمن السبلمة (نعم) واحذر بنات اػبرطـو

." الشباف، وأنت ساذج وطيب ويسهل خداعك، والوحدة سوؼ ذبعلك تناسق وراءىن

ىو يعلم أهنا ستكرر . طمأهنا بكلمات حادة وحاظبة، واعتلى درج اغبافلة مسرعا قبل أف تتذكر شيئا آخروصاياىا اليت طاؼبا رددهتا على مسامع والده من قبل، وف تكف عن ترديدىا لو كذلك حىت حفظها عن ظهر قلب، وف

وف ينس طعم قببلهتا اليت أغدقتها عليو . تكن لو رغبة يف ظباعها يف ذلك الوقت اغبرج، واغبافلة على وشك أف تغادر، ورائحتها القريبة من رائحة القونقليز قاؽبا وىو يبتسم قليبل، مث رسم على !" كاف فمها ال يكف عن اغبركة. "ذلك اليـو

. وجهو مبلمح أخرى أكثر جدية

Page 15: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 15

Page 16: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 16

بفراسة اؼبشتاؽ للخمر، واؼبتلهف عليها استطاع أف يستدؿ على بيت أكيج دينق يف ظبلـ العيكورة الدامس، نفس البيوت اعبالوصية الفقتة، وغيطاف الربسيم والباذقباف . وف يكن يصعب عليو ذلك، فمبلمح القرية ف تتغت كثتا

البائسة، وحظائر اغبمت واؼبواشي اؼببنية من الطت واؼبسقوفة من خشب السدر اؽبش وسعف النخيل اليابس، ونفس .األرض التابية يتمدد عليها خط طويل، متعرج ومنهوؾ، ىو طريق مرور العربات الوحيد يف القرية

كانت حانة أكيج اؼبتواضعة تقبع يف ىدوء على ضفة النيل األزرؽ، أماـ ساحة بائسة كانت فيما مضى مربضا للخيوؿ، مث كمائن لتصنيع الطوب األضبر، ومازالت مداميك الطوب منتشرة يف اؼبكاف كمدائن من اؼبكعبات الصغتة أو

شواىد قبور فرعونية، وضوء البدر شبو اؼبكتمل يتؾ بقعا من الضوء على اؼبكاف كوجو أفريقي يف طقس وثت خاص؛ . لتمنحو بذلك سريالية إضافية، استفاد منها يف زبليق حالة من الشجن اؼبتفرد

استشعر مثالية اللحظة من رائحة اػبمر اليت سبكنت من اختاؽ أنفو واالستقرار يف دماغو، وأعادتو، برفق، إف ىذا ما ردده !" زمالة اػبمر ال تنسى بسهولة. "ذكريات أوشك على نسياهنا؛ فراحت سبر يف ـبيلتو الواحدة تلو األخرى

.الكثتوف، وما تذكره وىو يلج اغبانة أختايف أزمنة غابرة كاف شرؼ الدين أحد مرتادي حانة أكيج اؼبواظبت على اغبضور كل ليلة، وكاف ال ينسى أف

ثياب، ومبليات، وأواين منزلية مستخدمة، : هبلب معو يف كل مرة ىدية يعرب هبا عن امتنانو العظيم بصناعتها اؼبتقنة . وفانوس زييت، ومبلبس داخلية يسرقها من خزانة أخواتو؛ حىت أنو قدـ ؽبا ذات ليلة ساعة يدوية من اعبلد الطبيعي

شهد معها مواظبها اػباصة، عندما كانت ربتفل بأعياد اؼبيبلد اجمليدة، ومعها تعرؼ، ألوؿ مرة، أسرار رقصة األرداؼ السحرية، وعندما قدمت أختها رابيكا من جوبا، كاف قد شارؾ يف احتفاؽبم األسري اؼبصغر، وحىت عندما

عايش . ؛ ففعلوا رغم كونو اظبا عربيا(قاسم)وضعت رابيكا مولودىا األوؿ، من زوج ف يره، كاف حاضرا، واقتح تسميتو معها كل غبظاهتا اغبزينة والسعيدة؛ فتجاوز بذلك، عندىا، كونو زبونا اعتياديا؛ فكانت زبصو بالنخب األوؿ من اػبمر

. اليت تصنعويذكر تلك الليلة اليت أفرط فيها يف الشراب، وسقط يف إحدى حفر الكمائن، وف يتمكن من العودة، كيف أهنا

، وأحاطتو برعاية كاملة أمضى . ضبلتو، دبساعدة بعض أنصاؼ السكارى الذين تواجدوا ليلتها، وىيأت لو فراشا للنـومعها أربع لياؿ متتالية، ف وبتج فيهن للخروج، وف يتذكر مسئولياتو اؼبرتبطة بعاؼبو اػبارجي، كما ف يشعر بأنو غريب عن

ابتسم وىو يتذكر استقباؿ أسرتو لو، بعد اختفائو . اؼبنزؿ، وتزامن ذلك مع عدد من اؼبناسبات األسرية اػباصة هباالغامض، كاستقباؿ العائد من اغبرب، واكتشافو أنو فوت احتفاؿ العائلة خبتاف أحد أبناء أختو الكربى، وال يتذكر ختاف

. من من أبنائها كافعلى عكس ما توقع، فقد استقبلتو أكيج بربود واعتيادية جعلتو يلجأ فورا إف ركن قصي، وهبلس يف ىدوء

تغتت خانة اػبمر كثتا، واعبدار الغريب الذي كاف منهارا انتصب ببعض الطوب األضبر . منتظرا أف ربضر لو كأس اػبمر

Page 17: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 17

اؼبتكسر، وشبة راكوبة جديدة، شيدت من أعواد اػبيزراف، مغطاة بقطعة من اػبيش مثبتة حبجارة عمبلقة، وغرفة جديدة مبنية من اللنب وروث البهائم والقش اليابس، يتدف من داخلها قماش رث جعل كباب ؽبا، وسكاف اؼبنزؿ ازدادوا عددا

. وحركةيرفع رأسو . الحظ وجود كلب غريب األطوار يرقد يف ىدوء تاـ، ظنو ميتا للوىلة األوف، لوال حركة ذيلو اؼبتوترة

مبلؿبو بائسة؛ بل ومعربة . يف المباالة واضحة عندما يستشعر حركة قريبة منو، مث يعود ليدفن رأسو بت ساقيو من جديدشعره اػبفيف كالثوب الرث الذي ال يست جسدا وال عورة، وأنفو الرطب وبـو . بصدؽ عن البؤس والبلرغبة يف أي شيء

. حولو رىط من الذباب؛ فبل يهشو عنو وال يتذمر، وكأف األمر ال يعنيو يف شيءيف اعبهة األخرى من اغبانة، كاف رجبلف ضخما اعبثة يضحكاف بصوت عاؿ، ونبا يتبادالف األحاديث

يف اغبقيقة ف يكن . كاف صوهتما كصوت رعد مأنسن، فتوقع أف تطردنبا أكيج من أجل ذلك، ولكنها ف تفعل. اؼباجنةيف كبلمهما ما يضحك على اإلطبلؽ، ولكنو راح يراقبهما بنصف اىتماـ، ريثما تأيت لو أكيج باػبمر، وابتسم معلقا

كانت لو فلسفتو اػباصة يف الشراب، !" ىكذا يكوف األمر عندما يسكر اعبهبلء واألغبياء: "على تصرفاهتما اػبرقاءفكاف ال يرى لؤلغبياء واعبهبلء حاجة ؼبعاقرة اػبمر؛ إذ ال يرىقوف عقوؽبم يف أمر، لتستحق عليو اؼبكافأة بالغياب

. اعبزئي، فعقوؽبم، بالنسبة إليو، غائبة فعبل : جلس يف تأدب حىت قدمت أكيج، وىي ربمل كأس اػبمر، ونبست بصوهتا اغباد، ولكنتها العربية الركيكة

عندىا فطن ؼبعاملتها الفظة، وعاد يبتسم من جديد ." زوجي ذلك اعبالس أمامك، فبل تتهور كما ىي عادتك"مازالت طبرىا جيدة . ويستشعر دؼء اؼبكاف وضبيميتو، وف يسأؽبا عن زواجها، وكأنو توقع ذلك، أو ردبا ف يكتث لو

ىذه ستكوف لروح أمي وىي يف صراعها مع : "كما كانت قبل تسعة أعواـ، فتنهد يف سعادة وىو يتناوؿ كأسو الثانية ." اؼبوت والصمت

رجل يدعى النيل رزقة؛ . ظبع صوتا يألفو جيدا، صوت كفحيح األفاعي أو حشرجة ؿبتضر؛ فعرفو على الفورزبوف قدن ؽبذه اغبانة، وردبا كاف جزءا منها، . رث الثياب، شديد االتساخ إف اغبد الذي يبدو فيو قديبا وطاعنا يف السن

ورغم منظره اؼبوحي بالبؤس والفقر؛ إال أف حديثو، غالبا، ما يشي بأصوؿ . فهو هبده ىنا دائما، ويف أوقات ـبتلفةأرستقراطية، وكثتا ما كاف يهذي بلغة فرنسية رصينة عندما يبلغ مبلغو من السكر، دوف أف يتمكن أحد من فهم ما

. شبة عبلقة غريبة بينو وبت أكيج، فرغم أهنما دائمي الشجار؛ إال أهنا ف تكن تطالبو بنقود نظت ما يشربو من طبر. يقولو : وكعادتو القديبة فإنو بدأ بذكر أشياء ف ربدث، ويتلفظ بكلمات ماجنة

ف يكن 1991أكيج؛ ؼباذا ترفضت العودة إف؟ ىل تعرفت رجبل لو عضو ذكري أكرب فبا أملك؟ طبلقنا يف العاـ "

القانوف يسمح ف بإرغامك على الرجوع، أحفظ . شرعيا، واؼبأذوف الذي طلقنا كاف ـبمورا، وبإمكاين إثبات ذلك

Page 18: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 18

لقد ذىبت . Law est un jeu pour hors la loiالقانوف ىو لعبة اػبارجت على القانوف . القانوف عن ظهر قلبإف لندف غبضور مؤسبر عن اعبفاؼ يف أفريقيا، اؼبرة القادمة سوؼ آخذؾ معي، فهنالك مؤسبر آخر عن األيدز؛

تزوجيت؛ وأنا أضمن لك اؼبتعة اليت تبحثت عنها، وعلنا ننجب أطفاال ملونت، ىل . ىذا يناسبك ويهمك كثتا ..."نسيت

فما كاف من زوجها إال أف هنض من مكانو، فاكتشف شرؼ الدين مدى ضخامتو، وتوجو كبوه وضبلو، وكأنو

ظل صوت النيل رزقة اؼببحوح يأتيو من . وبمل ىرا مريضا، وألقى بو خارج اغبانة، مث عاد وجلس يف مكانو كما كافكاف شرؼ . اػبارج إف أف اختفى شيئا فشيئا، وف يوقف ما حدث صراخ الرجلت الذي كاف قد ارتفع أكثر من ذي قبل

يتعجب من مقدرة أكيج دينق على إدارة اغبانة دبن فيها من سكارى، وىي بالتأكيد مهمة شاقة، وليست يستة على أف تتمكن امرأة من ترويض رجاؿ غائبت عن الوعي، وأف تتحمل أمزجتهم اؼبختلفة، وربسن التعامل مع كل : أية حاؿ

. منها، بطريقة ذبعلها ربافظ على قدر معقوؿ من السبلمة واألمن يف منزؽبا، وحبيث تضمن عودهتم إليها مرة أخرىف يبض وقت طويل حىت غادر زوج أكيج الضخم ذو اؼببلمح اعبامدة بعد أف خاطبها بلغة ف يفهمها، ولكنها ف تكن ودودة على أية حاؿ؛ عندىا تقدمت منو حبماسة بادية، وجلست إف جواره وىي هتش عن وجهها دخاف سجائره

: الكثيف كتنت أسطوري، وتبادال أطراؼ اغبديث أراؾ اذبهت إف التدخت؛ ما األمر؟ -

- !!

. كاف البد أف أنتظر حىت يغادر جيمس، اعذرين -

من جيمس ىذا؟ -

؟ . زوجي الذي رأيتو - دعك من ىذا؛ أين كنت طواؿ ىذه السنوات أيها اجملـر

، وجئت صباح اليـو فقط - . لقد استقر يب اؼبقاـ يف اػبرطـو

! ال تقل ف إنك اشتقت إف أو إف طبري -

.ال، ماتت أمي فجئت للعزاء -

خرب سيء؛ ومىت ماتت؟ -

. انتهى األمر اآلف على أية حاؿ. لقد أثقلت صدرىا باؽبمـو ولساهنا بالنميمة. ال أدري؛ ولكنها دفنت اليـو -

كيف ال تعرؼ مىت توفيت أمك؟ -

، وأخربوين بأهنا توفيت، ونسيت أف أسأؽبم مىت كاف ذلك، ولكن البد أهنا توفيت - اتصلوا يب صباح اليـو ! باألمس؛ فاألخبار السيئة ال تنتظر

Page 19: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 19

ؼباذا ومىت تزوجت من جيمس عامل البناء اؼبتشائم على : راحت ربدثو عن اؼبستجدات على حياهتا الشخصية

الدواـ، وكيف باعت األبقار اليت قدمها كمهر ؽبا، وأنفقت شبنها يف إقامة اعبدار الغريب للمنزؿ، ويف بناء غرفتهما اعبديدة، وأخربتو عن موت كلبها الشرس بلدغة من عقرب، واستيائها البالغ من الكلب الكسوؿ الذي ال ينبح إال إف

: وطأ أحدىم على ذيلو اؼبتوتر، وأشارت حبركة من رأسها إف الرجلت اللذين كانا ما يزاالف يصرخافىل تظن أف ىذين الرجلت قد شربا طبرا جيدة بالفعل؟ إمبا يتونباف السكر فقط؛ فمنذ وقت طويل ف -

غرارة البلح ارتفع سعرىا كثتا، وف يعد دبقدوري أف أشتي إال ما . أستطع أف أنتج تلك اػبمر اليت تعرؼ . يتبقى منو يف هناية اؼبوسم

! ولكنها مازالت جيدة -

تعلم أنت ال أسقيك إال من النخب األوؿ، أما البقية فإنت أسقيهم طبرا مزيدة باؼباء؛ وإال فكيف يبكن أف - أجت رحبا فبا أبيعو إف ف أفعل؟

استمع إف حديثها باىتماـ، وأبدى ؽبا بعض األسى دبقدار ما جعلها تصدؽ أهنا أزاحت عبئا ثقيبل عن كاىلها

، ىز رأسو موافقا، "بويب؛ أليس اظبا صبيبل؟"بالفضفضة إليو، وف هبد ما ىبتم بو حديثو؛ إال سؤاؽبا عن اسم كلبها اعبديد . ووضع كأس اػبمر أرضا، وأطفأ ما تبقى من السجائر حبذائو، وانصرؼ على الفور

* * *

ردبا ىي شجاعة السكراف أو جت جراءة متنح، ذلك الذي دفعو إف اعتاض طريق سيدة كانت ربمل صينية على رأسها، وىي تعرب أحد اؼبيادين اؽبادئة، ترتدي ثوبا لفتو على جسدىا بطريقة مهملة كانت أشد إغراءا فبا هبب، سبشي متهادية تراقص أردافها، كأنثى إوز بري يف موسم التزاوج، وكاف أكثر سعادة عندما رمت اؼبصادفة احملضة بوقية

. جفلت أوؿ األمر عندما عرفت صوتو، مث جفلت أخرى عندما اشتمت رائحة اػبمر تنبعث من فمو. عبد الباسط أماموف يكتث لتحذيراهتا اؼبتكررة حوؿ إمكانية أف ترانبا إحدى النساء العائدات أو اؼبتوجهات إف بيت العزاء؛

. فمد يده يتلمس أردافها اؼبكتنزة، وف رباوؿ مقاومتو خوؼ أف تسقط األواين من على رأسها، وردبا كانت سعيدة بذلك .أبرما اتفاقا سريعا بأف تأتيو إف غرفتو اؼبتطرفة، بعد أف توصل أواين الطعاـ إف النسوة اؼبنتظرات

. وقية عبد الباسط واحدة من نساء قرية العيكورة اللوايت ف يتلقت تعليما، وف يلتحقن باؼبدارس على اإلطبلؽوالدىا الشيخ عبد الباسط البدري، إماـ اعبامع اليتيم، ومأذوف األنكحة الشرعي يف القرية الذي رفض تعليم الفتيات،

Page 20: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 20

حرص على زبصيص . ورآه من أعظم مفاسد االستعمار اليت جلبها معو ليفسد جبلة أىاف السوداف اؼبتدينت بفطرهتمجزء كبت من خطب اعبمعة لتبياف ىذا األمر، والتحذير من ـباطره احملدقة باألمة، ولكنها كانت صبيلة ومثتة؛ وكأف

. الطبيعة أرادت أف تعاقبو على ـباوفو، وذبعلو أستا ؽبا حىت وفاتوعرفت وقية بأمر إغرائها، أوؿ األمر، من شرؼ الدين الذي أبدى ؽبا مبلحظتو منذ أف كانت يف سن السادسة عشر، وف يكف عن التغزؿ دبحاسنها كلما رآىا، فأحبت منو ذلك، وكانت كلما رغبت يف اإلحساس بأنوثتها اؼبطموسة

.يف بيت أبيها، تأيت إف بيت آؿ بابو الكبت متحججة بشأف اجتماعي مايف الغرفة اؼبتطرفة كاف شرؼ الدين هبلس على كرسي من خشب البامبو الفاخر الذي ف يلق لو أحد من أسرتو

باال، ألهنم كانوا يعتربونو إحدى ربف األرستقراطية اػبرطومية اليت يرسلها تأكيدا على استقرار وضعو اؼبادي ىناؾ، وتعاملوا معو بوضاعة وسخرية، حىت انتهى بو األمر إف ىذه الغرفة اليت ال يأتيها أحد، حىت يف اؼبواسم األكثر ازدحاما،

فقط من أجل إجبللو وإبداء االحتاـ لو كأخ مغتب، وكاف سعيدا بببلىتهم اليت أبدوىا ذباه أشيائو الثمينة اليت كاف . يرسلها من حت آلخر

حبث يف كل مكاف يف الغرفة عن كتاب يتشاغل بو عن االنتظار اؼبمل؛ فلم هبد غت كتب قديبة قرأىا عشرات البلمنتمي لكولن ولسوف، ورواية مائة عاـ من العزلة لغارسيا ماركيز، وهتافت التهافت البن : اؼبرات من قبل حىت ملها

رشد األندلسي، ومذكرات ؿبكـو عليو باإلعداـ لڤيكتور ىيچو؛ لذا فإنو انصرؼ إف ترديد بعض األغنيات التاثية اليت : وببها ووبفظها منذ مراحلو الثانوية

نايرات الوجن تومي متت ف هبن؟

ناموا اػبلوؽ والليل جن جن: مرساف جا، وقاؿ ف

ماشيات علي يدرجن ميهن خفاؼ يتربجن

ريفات صغار بنات عجن زي اعبواىر يلهجن

من غت مشع ىن سرجن أخدف معاي ساعتت رجن

شالن فؤادي وعرجن

Page 21: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 21

يف غبظة ف يوقت ؽبا جيدا كاف الباب اغبديدي يطرؽ برقة مغرية، مث ينفتح على مهل، ليجد أمامو وقية يف كامل دخلت يف حذر، وىي ترمي بنظرات خجلة وخائفة إف اػبارج، مث أغلقت الباب جيدا . صباؽبا األنثوي الذي اشتهاه

فلم !" أمك توفيت الليلة: "وراءىا، وقبل أف يقدـ على فعل شيء من تصرفاتو اجملنونة، وقفت قبالتو، وقالت يف غنجوأخشى أف مبوت كذلك وكبن ف نفعل ! أجل: "ينتبو ؼببلحظتها األخبلقية، وقاؿ، وىو يبرر يديو على جسدىا يف هنم

. وحبركة مفاجئة ف يكن يتوقعها أبعدتو عنها، وجلست غت بعيد." شيئا بعد أال ربـت ىذه اللحظات؟ - !ليس ذنيب أنك تبدين رائعة يف ذات اليـو الذي دفنت فيو أمي -

أال سبنح نفسك فرصة أف ربزف عليها ولو قليبل؟ -

أبديت حزين منذ أف وطأت أرض العيكورة، وحىت دفنت يف سبلـ؛ فماذا بعد؟ . لقد منحتها الفرصة الكافية -

إهنا أمك؟ -

وىل تنكرت ؽبا؟ -

ف تكن رببها إذف؟ -

.أحبها؟ ال أحد وبب أمو مثلي؛ ولكنها ماتت اآلف -

أفبل تبدي بعض االحتاـ ؼبوهتا؟ -

لعلها سعيدة اآلف بأهنا ماتت قبل أف يتهمها . ىي تستحق االحتاـ فعبل، ولكن موهتا ال يستحق ذلك - ىل رباولت التهرب مت؟ . أحدىم بقتل عميت عديلة حرقا

. ال؛ ولكنت حزينة من أجل أمك -

إذف؛ ىل بإمكانك أف تؤجلي حزنك حىت نفرغ من ىذا؟ مازاؿ يف العمر متسع للحزف، ولكن اللحظات - . اعبميلة تنقضي بسرعة

حبركة فجائية مددىا إف جواره على السرير شبو عارية، وراح يبرر لسانو الرطب على أجزاء من جسدىا اؼبتحفز،

اكتشف أف اغبزف يهبو طاقة جنسية شرسة، . والحظ شوقها اؼبخبئ إف جنونو ورعونتو، وأغمضت عينيها يف استسبلـ !"لو ف يكن اظبك وقية: "وف ينس أف يذكرىا دببلحظتو اؼبعتادة

* * *

Page 22: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 22

اعبو : "كاف على وشك أف يلمح إف حرارة الطقس، ليجد ـبرجا ينهي بو تلك الليلة، عندما فاجأتو بقوؽبارقدا فبددين على الفراش، ونبا ينظراف إف سقف الغرفة الذي ف !" صحيح"فاكتفى بكلمة واحدة !" صبيل ىذه الليلة

شيء واحد تكرر بكثرة يف كبلـ وقية، ذلك الذي أبدت فيو سعادهتا . يكن يظهر منو شيء، وربدثا عن أشياء كثتة . الغامرة بعودتو بعد ىذه السنوات، وىو ما تعمد ذباىلو يف كل مرة

راحت زبربه أهنا ف تستطع التخلص من إحساسها األنثوي الذي ارتبط بو، وكيف أهنا ظلت ترفض اػبطاب الذين تقدموا ؽبا الواحد تلو اآلخر، ووفاة أبيها الذي وفر ؽبا حجة طويلة األمد؛ إذ ف يكن قد أقبب غت إناث،

: وحبركة مفاجئة، وضعت رأسها على صدره وسألتو. فتحججت برعاية أمها الضريرة وأخواهتا األربع ؼباذا يبوت الناس؟ -

!على األرجح؛ ألهنم ف يعد لديهم ما يقولونو أو يفعلونو -

ترى ىل كنت آشبة؟. أتدري؛ عندما مات أيب حزنت كثتا، ولكن جزءا مت شعر بالسعادة -

. ال أظن ذلك -

وؼباذا ال تظن ذلك؟ -

.ألف جزءا مت يشعر بالسعادة ؼبوت أمي كذلك -

حقا؟ -

اؼبوت شيء ـبيف لنا، ولكنو شيء مريح لؤلموات، أفبل نسعد لراحتهم؟ ! أجل -

. معك حق -

ف يعرؼ ما إذا قالت ذلك ألهنا أدركت حقيقة األمر فعبل، أـ أهنا ف ترغب يف مواصلة اغبديث حوؿ اؼبوت، وف

اكتشف، وقتها، أنو ال وببذ فبارسة اعبنس يف األجواء اغبارة، فقط أغمض عينيو مكتفيا . هبتهد كثتا للتأكد من ذلككانت رائحة القونقليز تساور أنفو بت اغبت واآلخر؛ . بالنشوة اليت اعتتو عندما بدأت تدغدغ شعر صدره اؼببتل بالعرؽ

عرؼ أنو سوؼ يفتقدىا كثتا؛ السيما عندما يصاب باؼبلل . فيتذكر صراع أمو احملتدـ مع اؼبوت، ويشعر بالشفقة ذباىها .كما ىو اآلف

* * *

وجد نفسو عاري الصدر، وف يستطع زبمت . البد أف وقية عبد الباسط غادرت أثناء غفوتو؛ فلم يشعر برحيلها

مرت نسمات باردة، عرب فناء ضيق يفصل . خرج من الغرفة اليت كانت كقرب متوىج بالعتمة واغبرارة. الوقت بشكل قاطع

Page 23: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 23

وعلى جدار بعيد ؼبح . بت غرفتت، أثلجت صدره اؼببتل بالعرؽ؛ فأحس بدغدغة خفيفة منحتو الشعور بالراحة واللذةظل سيدة يبر؛ فعرؼ أف الوقت مازاؿ مبكرا، وأف سكاف اؼبنزؿ مازالوا أحياء؛ ىكذا كاف يسميهم، وال يفرؽ بت قبائل

. النياـ واؼبوتى؛ يصنفهم صبيعا يف خانة واحدة، ولو حكمتو اػباصة من ذلككانت طبر أكيج اعبنوبية ما تزاؿ تعمل يف عقلو، عرؼ ذلك من الصعوبة اليت واجهتو يف اؼبشي مستقيما؛

عشرات الكرات اؼبطاطية اجملنونة تتقافز بت جدراف دماغو، !" ال يقتل الوىم إال مزيد من الوىم: "فابتسم وىو يكرررسم صورة متخيلة ألكيج على اعبدار، وراح يقبلها يف امتناف، مث اختتم قببلتو . ؿبدثة شغبا فبتعا افتقده منذ سنوات

وقرر على الفور أف يشتي ؽبا جوالت من ." ليس باستطاعة أحدىم أف يبنحت السعادة اػبالصة كما تفعلت: "قائبل . البلح اعبيد صباح الغد، قبل أف يتذكر أف موسم البلح قد انقضى منذ شهرين

شعر . عزلتو طواؿ السنوات التسع اؼباضية جعلت منو كائنا مستوحشا، وىو ما تأكد لو منذ وصولو إف القريةأنو داخل بئر من الصفيح؛ إذ ف يكن يف مقدوره احتماؿ أكثر من صوتت بشريت يف وقت واحد، كما أنو ف هبد نفسو

منسجما مع حركة اعبماعة؛ فكانت ردود أفعالو تأيت متأخرة نوعا ما، ففي إحدى اؼبرات اليت صاح فيها صباعة من أهنى حواره ومغازالتو . تطلب األمر أف ينبهو ودالنعيم إف ضرورة أف ينهض ويتقبل العزاء منهم!" الفاربة: "اؼبعزين اعبدد

. اعبدارية، وتوجو كبو مصدر األصوات البشرية اآلتية من وراء أحد اعبدراف: ذبلس فتحية وزوجها حامد ودالنعيم وأبناؤنبا يف جهة واحدة من الصالة العائلية، بينما جلست كل من أختيو

توقفوا عما كانوا يتحدثوف عنو عندما وقعت أعينهم عليو، ويف غبظة واحدة تقريبا . نعمات وعواطف يف اعبانب اؼبقابل " أين كنت طواؿ الوقت؟: "طرحوا عليو السؤاؿ ذاتو

بدا األمر أشبو جبحيم كوراف فتح أمامو؛ إذ ف يكن قد ىيأ نفسو لئلجابة عن ىذا السؤاؿ، فرمق اعبميع بنظرة أف : "، فهزت عواطف رأسها وكتفيها!"مبت قليبل يف غرفة الكراكيب: "خاطفة، حىت استقرت أختا يف عيت أختو فتحية

"أقل لكم البد أنو ىناؾ؟الحظ أف وجوىهم ال تزؿ واقعة ربت تأثت اغبزف، وقد اضبرت أعت البعض من البكاء؛ فمسح شعره بإنباؿ،

ظنوا أنو يسعى إف التحقق من خلو الدار منهم؛ " ىل غادر اؼبعزوف صبيعا؟: "وجلس على أقرب كرسي وىو يقوؿ ". بعضهم يناـ يف الداخل؛ إياؾ أف تتفوه بكلمة خرقاء: "فأسرعت نعمات باإلجابة

يف تلك األثناء كاف أحد أبناء أختو يتبوؿ على جدار قريب، فضحك ضحكة عالية أهناىا بسرعة عندما أخذوا ف يعلم ما إذا كاف وجومهم ذلك بسبب حرمة اغبداد أـ بسبب . يرمقونو بنظرات معاتبة أو غاضبة؛ وكأنو تفوه هبرطقة

غت أهنم ف يروه كذلك، فقط قامت نعمات " عفوا، رأيت األمر مضحكا: "وجود ضيوؼ نياـ بالداخل؛ فاعتذر مربرامسرعة إف ابنها، وضربتو على أردافو العارية، وأخذت توخبو بشدة على فعلتو، فما كاف منو إال أف رفع عقتتو بالبكاء،

.وف يرمقو أحد بذات النظرات اؼبعاتبة أو الغاضبة؛ فعرؼ أف وجومهم لو كاف بسبب حرمة اغبداد

Page 24: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 24

حدد شرؼ الدين موقفو من األطفاؿ منذ وقت طويل، فلم يكن وببهم أو يبلعبهم أو حىت يراىم ـبلوقات مبلئكية كما يراىم اعبميع، وواحدة من أسباب فشل عبلقاتو العاطفية كاف حرصو على وضع عدـ اإلقباب شرطا مبدئيا

لتتويج العبلقة بالزواج، وف تكن غالبية اللوايت عرفهن ليوافقن على شرط كهذا، األمر الذي جعلو ىبلص إف أف الزواج بالنسبة للنساء ليس سوى وسيلة لتحقيق أمومتهن؛ وإف كانت ستأيت خصما من حياة زوجية سعيدة، فرأى يف الزواج استغبللية أنثوية، ومشروعا فاشبل قد يدفع شبنو من حريتو وراحتو، فقرر أف يعيش ما تبقى من عمره حصورا، ببل امرأة

. تشاركو حياتو اليت أراد ؽبا أف تكوف ىادئة وسعيدة ما أمكنيذكر يف مأدبة عقيقة قديبة، أنو أخذ صاحب الوليمة، وتنحى بو جانبا، بطريقة درامية، وأسر إليو بشيء كاد

أف يكوف سببا يف خصومة أسرية ال مانع ؽبا؛ إذ نصحو بأال يتدد يف تشبيو ابنو اؼبولود بأمو إذا ما سألتو زوجتو عن ذلك، وفسر نصيحتو بأف النساء يرغنب دائما يف إثبات شبو أطفاؽبن بآبائهم، ليس لشيء، ولكن ألف ذلك أقرب إف

وصفهن بالعفة والشرؼ، وتأكيدا على أهنن ف يأتت رجاال آخرين، بينما قد يعتربف تشبيو األطفاؿ بأمهاهتن اهتاما . ضمنيا باػبيانة الزوجية، حىت وإف كاف ذلك بدواعي الرومانسية اليت ال مكاف ؽبا يف مثل ىذه اؼبواقف اؼبصتية

ف يستشعر يوما أي عاطفة أبوية ذباه أبناء أخواتو، ورغم أف األمر يشعره بشيء من الضيق من وقت آلخر؛ الشيء الوحيد الذي وجده إهبابيا كاف انصراؼ أخواتو كلية إف تربية . إال أنو تصاف مع ىذا الوضع، ووطن نفسو عليو

ذلك اللقب الذي وجده ؿبببا، وفيما عدا (خالو)أبنائهن، وانشغاؽبن بذلك عن مطالبتو بالزواج؛ إضافة إف مناداهتم لو بػ: ذلك فإنو ف يكن متحمسا لفكرة تزويج أخواتو، كما أنو ف يكن حريصا على مبلحظة تركة اعبينات كما يفعل اعبميع

. إف... لو عيت جده، وأنف أمو، ومشية عمتو، ولوف بشرة جدتو

* * *

نعمات بابو األخت الوسطى األكثر شبها بأمها، واألقل صباال بت بقية أخواهتا، كانت أكثرىن نشاطا يف الشؤوف اؼبنزلية، ونادرة تلك اللحظات اليت يبكن رصدىا وىي يف حالة استخاء أو سكوف، ال سبل العمل أبدا، وىي

دائمة التجديد، فتقـو بتغيت أمكنة أثاثات اؼبنزؿ بت الفتة واألخرى؛ حىت وإف اضطرت يف سبيل ذلك على إرغاـ كل . من يف البيت على العمل

ربرص على تغيت اؼببليات والستائر بانتظاـ؛ السيما يف اؼبواسم واؼبناسبات اػباصة، حىت يف أحلك اؼبواقف يصفها شرؼ الدين بأهنا منظمة حد اؼبلل، كما أهنا ف تكن تسمح ألبنائها بأف ىبرجوا إف . ذبدىا هتتم بأدؽ التفاصيل

ردبا رأت يف ذلك وسيلة تعرض فيها اعبانب اعبماف الذي تفتقده يف نفسها، . الضيوؼ غت متعطرين أو مهندمي الثياب .كانت تتعامل مع أبنائها وكأهنم مباذج مصغرة عنها، فتلزمهم بأف يكونوا دائما يف أروع صورة، وكاف ذلك يرىقهم كثتا

Page 25: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 25

قاؽبا يف سره، وىو ينظر إليها، ويف عينيو ترتسم " االنتماء إف عاف فيو نعمات يعت أال تطمئن إف شيء مطلقا"من اعبيد أهنا ف تعش يف عصر الفراعنة؛ إذف أللزمتهم بتغيت مكاف : "دائما ما كاف يردد متندرا. عبلمات إشفاؽ قدن

وألف الطبيعة سبيل دائما إف االعتداؿ والتوازف؛ فإف زوجها الشفيع حاج مرضي !" األىرامات وأبو اؽبوؿ يف كل مناسبة . كاف على النقيض منها سباما، وما أكثر ما تندرت عائلة بابو هبذه اؼبفارقة العجيبة

ظلت رباوؿ زرع . أما عواطف، اؼبصابة بتساقط الشعر، فقد ضبلت من اظبها الكثت؛ إذ كانت عاطفية وحاؼبةأشيع يف العائلة . بذور الرومانسية يف صدر زوجها عبد اؼبنعم شكراهلل؛ فبل ربصد منو غت رعونة الطباع، وجبلفة اؼبواقف

أف جبلفة عبد اؼبنعم كانت السبب وراء إصابتها باالكتئاب واإلحباط، وأف ذلك تسبب يف تساقط شعرىا بغزارة، ولكنها ورغم كل ذلك ف تيأس أبدا من ؿباوالهتا اؼبستميتة يف سبيل ترويض زوجها؛ فتسعى لبلحتفاؿ بكل مناسبة،

كذكرى زواجهما، وذكرى عودهتما من شهر العسل، وأوؿ مرة ركبا فيها اػبيل سويا، وأوؿ : مهمة كانت أـ غت مهمة : نبتة أزىرت يف اؼبنزؿ بعد زواجهما، وأوؿ حلي اشتاه ؽبا، وأوؿ يـو تقاببل فيو، وىو يزجرىا جبفاء

أي ذكرى؟ لقد تقابلنا على ظهر معدية بائسة وقذرة ذات ضجيج عاؿ يف ظهتة قائظة، وروائح العرؽ النتنة " !" تفوح من آباط الناس والبهائم، وال أتذكر ذلك اليـو إال ويتجدد غلياف الدماء يف نافوخي

عم سكوف ف يكن ىبتقو إال بقايا بكاء ابن نعمات اليت راحت تبدؿ لو مبلبسو اؼببتلة بأخرى جديدة، وما إف

؛ فمن منكن سوؼ تتطوع بإيقاظي؟: "انتهت حىت تكلم شرؼ الدين ف يقع " سوؼ أغادر غدا صباحا إف اػبرطـو : كبلمو موقع الرضا والقبوؿ من اعبميع؛ فراحوا يلومونو على قراره اؼبتعجل باؼبغادرة

كيف تقضي يوما واحدا فقط يف عزاء أمك؟ ماذا سيقوؿ الناس عنا؟ وماذا عن الذين سيأتوف غدا من رفاعة " " والكاملت واؽببللية وسوبا لتعزيتك؟ ماذا سنقوؿ ؽبم؟ أال تدعك من جنونك ىذا؟

ليس من واجيب أف . "لطاؼبا أنبل مثل ىذه األمور، وف يلق ؽبا باال، ويتعجب حرصهم البالغ على إرضاء اآلخرين

إف كانوا قادمت من أجل أمي؛ فعليهم أف يتوجهوا إف قربىا حيث . أىبهم اإلحساس بأداء الواجب والرضا عن أنفسهمقذؼ صبلتو يف ىستتيا غاضبة على وجو اعبميع، وأقفل ." ترقد، ويقرؤوا الفاربة على روحها ىناؾ؛ فبل شأف ف هبم

.راجعا إف غرفتو حيث كافيف طريقو إف الغرفة؛ ف يتوقف عن كيل السباب واللعنات للساعة اليت قرر فيها اجمليء إف العيكورة، وازدادت

ساءه إصرارىم على جذبو كبو أوىامهم الفارغة، واىتماماهتم . حدة غضبو عندما أحس بتبلشي مفعوؿ اػبمر يف رأسو : السخيفة واؼبملة، وؿباصرهتم لو بتصوراهتم البدائية عن الناس واألشياء

Page 26: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 26

ىل يتوجب علي أف أبكي كاألطفاؿ ليعلم اعبميع مقدار حيب ألمي؟ ىل هبب أف يعرؼ اآلخروف ما إذا كنت "أحبها أصبل أـ ال؟ ىل هبب أف أظهر ذلك حقا؟ ؼباذا يصروف على ذبسيد اغبزف يف شكل حركات وإيباءات

عقيمة اعبدوى والفائدة؟ ؼباذا هبب أف تتوقف حياتنا لثبلثة أياـ بالتحديد؟ بل ؼباذا هبب أف تتوقف حياة األحياء "ىنا؛ بينما تبدأ حياة األموات ىناؾ؟ بأي ميزاف يزف ىؤالء األمور؟

دخل الغرفة، ومارد ما يتخلق يف صدره غيظا وحنقا، ف يدر مفتاح اإلنارة وراءه، وتوغل يف جسد الغرفة اؼبظلمة

تعثر عشرات اؼبرات قبل أف يقف أختا أماـ النافذة . كدودة أسكارس عمياء تتخبط يف طريقها داخل أحشاء أحدىماؼبطلة على الشارع، أزاح ستارىا اػبفيف؛ فتسلل ضوء البدر شبو اؼبكتمل إف وجهو الغاضب، وراحت نسمات اؽبواء

الباردة اؼبعبأة بالرطوبة تلعب يف مبلؿبو اغبانقة، كأنثى لعوب رباوؿ هتدئتو دوف جدوى، حىت أنفاس الربقبي اليت دخنها . بشراىة متسرعة ف ذبد نفعا يف كظم غيظو

القرية تقبع يف ىدوء ـبيف داخل كرش الكوف اؼبظلم، ونباح الكبلب البعيدة تتيو يف ىدوء متثاقل داخل النسق . الزئبقي للكوف، وظبلؿ أشجار اؽبجليلج الرمادية تتقافز كاألشباح يف كل مكاف، وسبر أماـ ناظريو دوف أف يلقي ؽبا باال

خطرت يف بالو عشرات الذكريات اليت ال طعم ؽبا، . نظر بعيدا إف نقطة ما يف ظباء العيكورة اؼبليئة بالنجـو واػبرافاتكانت أصواهتم تأتيو وكأهنا . بطريقة غت مربرة مرت بذىنو صورة ألطفاؿ صغار يلعبوف ألعابا شعبية ضبيمة. وال رائحة

أقليب .. يا قمرا : "خلف النافذة سباما، فابتسم هبدوء وىو يراقب ضوء القمر اػبافت اػبجوؿ، وأخذ يردد بصوت خافتشعر بأنو يشاركهم اللعب بطريقة زباطرية، وأحس بسعادة غامرة لذلك، مث وبعد " شويف ليو ما جا.. السنسن اغبمرا

. دقائق، وقف على أطراؼ أصابعو، ورفع ذراعيو بأقصى ما يستطيع، وكأنو وباوؿ الطتاف؛ سبطى قليبل مث ناـ

Page 27: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 27

Page 28: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 28

. قد تسقط حصاة صغتة قبل أف وبدث اهنيار صخري مروع، سيكوف ذلك، إذف، عبلمة ربذير ال يستهاف هبااألشياء مستقلة عن بعضها، . البد أف نعطي كل غبظة حقها من التأمل، وأف نعيشها كما لو كانت آخر اللحظات

كبن . ومتابطة يف ذات الوقت؛ سباما كخرزات السبحة، حيث تصلح كل خرزة منها أف تكوف نقطة هناية أو نقطة بدايةال شيء حتمي على اإلطبلؽ؛ شبة فوضى تتحكم يف كل . فقط بغرورنا مبيل إف افتاض بدايات األشياء وهناياهتا اغبتميةاألشياء ربمل خبلصاهتا داخلها، كبن الذين كبب أف . شيء، والنظاـ الذي نتونبو ىو أصل الفوضى وداللتو الصورية

! نراىا معقدة حىت نقنع أنفسنا بأننا ننجح يف حلها؛ ىي ؿبلولة فعبل كل ما أراده ىو أف هبد . قبل سنوات ف يكن لشرؼ الدين رغبة يف فعل شيء، وال يتذكر أنو حلم بشيء قط

أنثى بسيطة، يضع رأسو بت ثدييها، ووبكي ؽبا عن تفاىاتو ونزواتو واختبلفو عن اآلخرين، وعندما أمكنو فعل الشيء اغبقيقة أنو ف ير نفسو ؿببا لئلناث بصورة عامة، إال فيما يرتبط برغباتو . ذاتو مع حسن البلولة فإنو ف يفكر يف أي أنثى

اؼبرأة ال تصدؽ أبدا حىت مع نفسها، اللحظة : "الوحشية الطارئة، كاف يراىن ككائنات غريبة وـبادعة، ويقوؿ دائماوف ير يف فتيات القرية من ربرؾ فيو شيئا ." الوحيدة اليت تكوف فيها صادقة ىي عندما تغضب؛ عندىا تقوؿ كل اغبقيقة

. آخر غت شهوتو، كن كلهن بالنسبة إليو كائنات منزلية أليفة، يبكن االستغناء عنها يف أية غبظةكاف شرؼ هبالس حسن البلولة كثتا؛ السيما يف تلك اللحظات اليت اختصها لنفسو، وف يعرؼ قيمة

ربدث معو عن نكساتو الكربى، وعن عزلتو اليت كانت تضيق عليو حىت أخذتو إف . الصمت، إال عندما خانتو الثرثرةأسر إليو عن فساد الذات عندما زبتلط باآلخر، وكيف أف اآلخر دائما ما . قريبا من نفسو وبعيدا عن اآلخرين: الداخل

. يكوف اؼبتسبب يف فقداف صفائها الفطريحتما ! "نظر إف الدنيا بعيت ؿبتضر؛ فوجدىا تقبع يف ىدوء يقلل من قيمتها، وتضيق لتصبح حبجم إنساف

ستكوف صادقا عندما زبلو مع نفسك، ويف حاؿ وجود شخص آخر؛ فعلى األرجح أنت ؾبامل، ولكن عندما تكوف يف .قاؽبا وف ىبف استياءه من النتيجة النهائية اؼبتتبة على ذلك." صباعة؛ فأنت كاذب ال ؿبالة

* * *

حسن البلولة، الشاب ذو العينت اؼبذىولتت دوما، والشعر اؽبجيت الناعم، واعبسد األظبر الناحل، من القبلئل

الذين ذىبوا إف العاصمة، وعاد بعد سنتت فقط من التحاقو جبامعة السوداف، وال يعلم أحد من سكاف العيكورة ؼباذا حياتو بعد عودتو من اػبرطـو كانت ؿباطة بسرية غامضة، وحيكت . عاد، ولكنو ف يعد من العاصمة كما ذىب إليها

. حولو الشائعات واألكاذيب، وف يستطع أحد أف هبـز بشيء فبا يقاؿ

Page 29: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 29

الشائعات كائنات ذاتية التكاثر، يكفي فقط أف زبرج الشائعة من فم ىازؿ؛ حىت تكوف ؽبا حياهتا اػباصة . للشائعات قداسة كقداسة اغبقيقة سباما؛ بيد أهنا تبدو أكثر ىيلمانا وسطوة؛ نظرا لطبيعتها األسطورية. ونفوذىا البشع

الشائعات، كالصعقة الكهربائية، إذا أصابت أحدىم، فسوؼ تنتقل إف اآلخر دبجرد مبلمستو، إهنا كأساور الشرطة اليت .تضيق على اؼبعصم كلما حاوؿ اؼبسجوف فكها أو التخلص منها

استشعر حسن البلولة شيئا من الفخر أو اؼبسئولية عندما اكتشف خصوصيتو لدى شرؼ الدين، وىو الذي ف يكونا . ف يأبو كثتا ؼبعرفة السبب، ولكنو كاف سعيدا برفقتو؛ رغم كل شيء. ينبذه اآلخروف، وال وببذوف االختبلط بو

أحب الدىشة اليت ىبلقها لو يف كل مرة يتحدث فيها عن . يلتقياف إال يف كمائن الطوب األضبر أو حقوؿ القصب . العيكورة وأىلها، وعن اإلنساف واألشياء، وعن اهلل والكوف

ىو ف يكن يعرؼ أنو حباجة إف ظباع الثرثرات، : كل منهما وجد يف اآلخر شيئا اكتشف أنو كاف حباجة إليواكتشفا ذلك دبحض اؼبصادفة، وف يتوقفا كثتا ليتساءال عن سر . وشرؼ الدين نفسو ف يعرؼ أنو وبتاج إف أحد يسمعو

ابتسم شرؼ الدين لصديقو البلولة مرة . التقائهما اآلف فقط؛ رغم أهنما من قرية واحدة، ويعرفاف بعضهما منذ زمن طويل : وقاؿ

قد تعيش سعيدا حىت تلك اللحظة اليت ذبد فيها فتاة . ولكنو اعبانب السيئ منا! اآلخر ىو كبن يا البلولة"ماذا سيحدث لو ف تقابل تلك . تعجبك؛ فتحبها، ومنذ تلك اللحظة، بالتحديد، تبدأ التعاسة يف حياتك

! الفتاة؟ ىل حددت مسار حياتك القادمة بطريقة ما؟ حىت وإف ف تكن تعي ذلك؛ فإهنا تفعل والشكتكوف جالسا؛ تقرأ يف كتاب ال وبرؾ فيك إال دماغك، فيأتيك أحدىم، ويتحدث عن أشياء خرقاء ال ربب

وال هتتم لسماعها، فإف كنت صادقا مع نفسك فسوؼ تلطمو أو تصرخ يف وجهو؛ وإال فإنك سوؼ تضطر .لرسم ابتسامة ؾباملة، ال معت ؽبا سوى أنو قبح يف إخراجك من عاؼبك اػباص، وجرؾ إف عاؼبو

تنصرؼ، عندىا، . تشعر بالضيق وعدـ الرغبة يف الكبلـ، ىذا وبدث لنا كثتا؛ بل وكبتاج إليو يف أوقات كثتةإف النظر يف ذاتك ويف أشيائك اػباصة، فيمر متطفل ما، ويلقي عليك التحية؛ فتجد نفسك ؾبربا على اػبروج

. من عزلتك لتد عليو التحيةاػبروج من العاف اػباص سهل، يكفي فقط إلقاء التحية عبعلو وبدث، ولكن الدخوؿ إليو ليس بالسهولة اليت

لو ف يكن ىنالك ! وبينما ذباىد أنت يف إصبلح ما أتلفو، يكوف ىو سعيدا ألنو ناؿ حسنة بأقل ؾبهود. تتصوراآلخروف ىم من هبعلوف األحداث ربدث، وجل ىذه األحداث ال تكوف برغبتنا، وال . آخر ؼبا وجدت اغبركة

."حىت برغبتهم

Page 30: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 30

ىز البلولة رأسو بشدة، مؤيدا كبلـ شرؼ الدين، ورسم ابتسامة عنت أنو مقتنع؛ بل ومندىش من بساطة الفكرة ىذا ما كاف يبقيو على تواصل دائم معو؛ رغم أنو غالبا ما يفاجئو بأفكار غامضة . اليت غابت عنو، وف يكتشفها إال توا

:وـبيفة ىل تعرؼ الفرؽ بت اغبب واعبنس والزواج؟ -- !!

ىل تعرؼ الفرؽ بت اهلل واػبت والشر؟ -

- !!

تعبت لغوي عن عبلقة ما، تربط بت اعبنس والزواج، سباما (اغبب): اغبقيقة ال يوجد بينهم فرؽ على اإلطبلؽ -لكي سبارس اعبنس هبب أف تتزوج، وعندما . تعبت لغوي عن عبلقة ما، تربط بت اػبت والشر (اهلل)كما أف

الزواج ؾبرد فكرة جهنمية للربط بت اغبب واعبنس حىت ! تتزوج سبارس اعبنس مع زوجتك؛ ىذا ىو اغببيبدو األمر يف مظهره اإلنساين الرباؽ؛ وؽبذا فإف من يبارس اعبنس دوف زواج يسمى ؾبرما، ألنو ال يبكن أف

سبارس اعبنس دوف حب، وألنو ال يعقل أف ربب كل من سبارس معها اعبنس، ووراء صراع اػبت والشر تكمن !الفكرة اعبهنمية هلل

، عاش حالة من التيو جاب القرية طوال وعرضا، ىاـ على وجهو كاؼبمسوس، . منذ أف عاد البلولة من اػبرطـو

قاؿ بعضهم أنو توجو إف قرية . قطع ظهر النيل األزرؽ إف الضفة األخرى، مث عاد، مث غاب مرة أخرى، وافتقده الناس، واختلفوا حوؿ الشيخ طو، وقاؿ بعضهم أنو ذىب إف اغبصاحيصا، بينما طبن آخروف أف يكوف قد عاد إف اػبرطـو

مشى على رمضاء العيكورة، وقطع ميادينها وحقوؽبا . ذلك إف أف وجدوه، أختا، نائما يف إحدى جداوؿ حقل القصب . حىت تشققت قدماه

بعض نساء العيكورة استخدمنو يف مشاريعهن اػباصة والسرية، ورأوا أنو ال خوؼ منو على اإلطبلؽ، فكاف يدخل عليهن ببل استئذاف، ويشهد جلسات نزع شعر اعبسم بالشمع العسلي، واليت تتم يف جلسات صباعية، تتناقل فيو النساء النميمة واألخبار اؼباجنة، وهبهز حفر الدخاف للفتيات اللوايت على وشك الزواج، ووبضر تدريبات رقيص العروس

السرية للمساعدة يف أي شيء قد ربتاج إليو النساء أو العروس بصفة شخصية، ينقل أغصاف القش اليابس اليت تستخدـ يفعل كل شيء، . يف اؼبطابخ التقليدية، ووبلب األغناـ، ويساعد يف تلقيحها اإلتاف باغبمت، وكذلك األغناـ بالتيوس

. وأي شيء، طاؼبا أف رغبة اؽبروب ال تراودهحاولوا مساعدتو على اػبروج من وحدتو، ذىبوا بو إف قبة الشيخ أبو صباح يف اؽببللية، وقرءوا عليو التعاويذ،

عفروا رأسو . مث ذىبوا بو إف قبة الشيخ أب شرا، وطافوا بو على شيوخ أبو حراز. وصنعوا لو األحجبة والتمائم؛ فلم تفلح

Page 31: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 31

. بتاب القباب، وغسلوا جسده األظبر الناحل بالزيوت اؼبباركة، غت أف ؿباوالهتم باءت بالفشل؛ بل زادت األمر سوءاذكروا أف جنية شبقة لعقت فمو وىو نائم، وأف إحداىن تعلقت بعضوه الذكري كحشرة طفيلية ملعونة، فلم يستطع

.اػببلص منها، ولكن كل ذلك كاف ؿبض تكهنات ف يكن بوسع أحدىم اعبـز بو على اإلطبلؽ

* * *

، ردبا ألف التعليم نفسو ف يكن ذا كاف خربا اعتياديا أف ينجح أحدىم، وينتقل للدراسة اعبامعية يف اػبرطـويتنافس أىاف القرية على الزراعة، وحديثها يغلب على األلسنة يف اجملالس، ومؤخرا كانت . شأف عظيم يف العيكورة

التجارة أىم من أي شأف آخر، حىت غدت غيطاف الربسيم والباذقباف مهجورة تنعق فيها الغرباف، وتتكاثر فيها الثعابت .قلة من النساء فقط من بقت على مهنة الزراعة، يف حت انصرؼ جل الرجاؿ إف التجارة والربح السريع. غت السامة

يتكلم أىاف العيكورة بكثت من الفخر والغتة عن ـبتار عوض اعبيد، وما جناه من أرباح طائلة من بيع الفوؿ ، وكيف أنو مد يده ألبناء عمومتو، ونقلهم معو إف والسعوط، وتوسعو يف التجارة، واحملاؿ التجارية اليت يبلكها يف اػبرطـو

حاوؿ اعبميع أف يعرفوا شيئا عن دراستو، . ىناؾ، بينما تعتيهم الشفقة كلما جاء ذكر حسن البلولة، وما جرى لو : ولكنهم أخفقوا؛ رغم أنو كرر ؽبم ذلك أكثر من مرة، واقتنعوا يف هناية األمر أهنا دراسة ليست ذات جدوى

ماذا تعت كلية الفنوف اعبميلة يا البلولة؟ -

. إهنا كلية تدرس الفن التشكيلي -

يعت؛ ماذا ستكوف يف النهاية بعدما تتخرج؟ -

ف أحدد بعد، ردبا أكوف فنانا تشكيليا أو كباتا، هبب أف أصقل موىبيت بالدراسة أوال، مث أحدد ما هبب أف - . أكوف عليو

كباتا؟ ىل ىذا وبتاج إف دراسة؟ ود ضيف اهلل النقاش ف يكمل تعليمو االبتدائي، ورغم ذلك فهو أشهر - ! نقاش يف اؼبنطقة

كانوا مقتنعت بأف التعليم قد أفسد عقلو، وازدادت قناعتهم تلك عندما عاد إليهم كاؼبعتوه، يهيم على وجهو يف

!"ىا قد أصبح فنانا تشكيليا كما أراد: "قالوا. ميادين القرية، وحقوؽبا اؼبهجورة، هبر وراءه عصى من اػبيزرافكاف على وشك أف يدس كرة السعوط داخل فمو، عندما ظبع جلبة قادمة كبوه، فعرؼ أف مظاىرة ما تتخلق

انتقل من مكانو ذلك إف ركن قصي، وتناوؿ الكرة وقذفها يف فمو، وراح يعاعبها بلسانو حىت استقرت . داخل اعبامعةمث . ف تكد النشوة تبلغ مداىا حىت تصاعدت اعبلبة مرة أخرى، أعلى من ذي قبل. أختا يف مكاف ما من لثتو الداخلية

Page 32: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 32

رأى صبوع الطلبة، وىي تركض ببل ىدى وببل ىوادة كقطيع من اعبواميس الربية اليت فقدت صواهبا، مث ظبع صوت . فرقعات ؾبلجلة، تبعتها سحب دخانية بيضاء أصابت عينيو وجهازه التنفسي

ظبع من . على الفور مد يده واقتطف غصنا من شجرة نيم قريبة، وضع أوراقها على أنفو وركض مع الراكضتووراء تلك النداءات اؽبستتية ارتفعت أصوات ." حاصروىم، اذىبوا من اعبهة األخرى: "خلفو نداءات رجاؿ األمن

سيارات الشرطة، وطقطقة األجهزة البلسلكية، وصياح الفتيات، وأصوات أخرى ف يتعرؼ عليها جيدا، غت أهنا كانت .متناغمة سباما مع كل ما هبري

دفعتو غريزتو إف اؼبقاومة، ولكنهم اهنالوا عليو ضربا . فجأة؛ وجد نفسو ؿباصرا بت عدد من رجاؿ األمنضبلوه من . بالعصي، حىت خارت قواه، وسقطت من فمو كرة السعوط ـبتلطة بلعابو والدماء اليت بدأت تسيل من فمو

. طرؼ قميصو، وقذفوا بو داخل إحدى السيارات اؼبكشوفة، وأجربوه على التمدداكتظت العربة بعشرات الطبلب اؼبعتقلت الذين تكدسوا فوؽ بعضهم كشحنة من القرديس اغبي، رفع رأسو ؿباوال

.توضيح االلتباس، فعاجلوه بضربات سريعة وموجعة من عصيهم الغليظة؛ فاستسلم على الفور ؼبصته

* * *

يف مكاف آخر؛ بدأت سيارات الشرطة احململة باؼبعتقلت تتوافد خلف بعضها أماـ مبت أخفت أغصاف اعبميز فتحت أبواب السيارات اؼبكشوفة، وأجرب من فيها على النزوؿ إما ضربا بالعصي أو ركبل . اؼبتشابكة الكثت من معاؼبو

باألقداـ، وسيقوا إف داخل اؼببت مطأطئي الرؤوس، وأخذ اعبندي الذي يقف على البوابة ىبتم ظهر كل داخل منهم .بضربة من سوطو الذي من جلد البقر

سور اؼببت عاؿ . احتشدوا يف فناء اؼببت اؼبغطى باغبشائش القصتة، والعشب الرطب، وف يسمح ؽبم باعبلوسومنتو بفوانيس إضاءة من تلك اليت خلفها االستعمار الربيطاين وراءه، وتناثرت القطط على السور، وكأهنا جنود مرابطة

كانت بعض القطط تنظر إف ما هبري بفضوؿ مشاغب، فيما انشغل بعضها اآلخر بتنظيف نفسها، . ربرس اؼبكاف . وكأهنا معتادة على ذلك، بل وتعلم ما سيجري الحقا

: بصورة مفاجئة خرج أحد اعبنود من داخل اؼببت حامبل حزامو العسكري الغليظ، وبدأ يضرب الطبلب ويكرروقف . حىت أولئك الذين استفادوا فبا جرى ؼبن سبقهم، وسارعوا باعبلوس، ف يسلموا من حزامو اجملنوف" أرضا.. أرضا "

.غت بعيد، وىو يبرر بصره اغباد على اعبميع، مث زفر زفرة حانقة، وعاد إف داخل اؼببت

Page 33: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 33

أمضى الطبلب ساعتت يف ذلك اؼبكاف اؼببتل، قبل أف ىبرج عليهم رجل ف تبد عليو أي مبلمح عسكرية كاف مهندما، معتنيا حببلقة ذقنو، يرتدي مبلبس أنيقة اجتهد يف . قاسية؛ بل بدا مرحا خفيف الظل وصاحب نكتة

: وقف أماـ طابور الطبلب، يف اؼبنتصف سباما، وبدأ حديثو، فكاف صوتو أكثر رقة من مظهره. تناسق ألواهنا أنا عدو الفوضى والشغب األوؿ، ال أكره شيئا يف حيايت كلها كما أكره الفوضى : دعوين أوال أعرفكم بنفسي"

. كانت أمي ترضعت حليبها يف مواعيد منتظمة وؿبددة، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحب النظاـ واالنضباط. واؽبرجلةبالتأكيد تعلموف ؼباذا أنتم ىنا، أنتم ىنا ألنكم فوضويوف ومثتوف للشغب، ويف ىذا اؼبكاف سوؼ تتعلموف كيف

."ربتموف النظاـ ورببونو، ولن زبرجوا من ىنا قبل أف وبدث ذلك، كونوا على ثقة

حب للنظاـطبن أنو إف عرؼ قصتو . هنض حسن البلولة بسذاجة القروي، وقد توسم ختا يف ىذا الشخص اؼب

أنا ف أفعل شيئا سيدي، كل ما فعلتو أنت كنت جالسا دبفردي، : "فقد يأمر خبروجو يف اغباؿ، ألف وجوده ـبالف للنظاـأكور السعوط، وحىت عندما عرفت بأمر اؼبظاىرة غتت موقعي على الفور، ولكن األمر حدث بسرعة، وف أستطع فعل

."صدقت أنا ف أفعل شيئا. شيء، وىأنذا أمامك اآلفحدؽ الرجل يف وجو حسن البلولة، وكأنو يريد أف يرسم لو صورة يف ذىنو، مث طفت ابتسامة باىتة على ؿبياه،

!"يبدو أننا ظفرنا بأوؿ ؿبب للنظاـ: "وأشار إليو بيده أف يتبعو، وىو يقوؿ

* * *

يف إحدى اؼبكاتب كاف ". لوكاندة"قاده معو إف داخل اؼببت، فيما أمر اعبنود باقتياد البقية إف مكاف آخر، ظباه جلس على كرسيو خلف . شبة رجاؿ عراة الصدر يقفوف دوف حراؾ، وأجسامهم العضلية توحي بالغضب والشراسة

. اؼبكتب، وأشار إف البلولة باعبلوس قبالتو؛ ففعل ما اظبك؟ -

حسن البلولة... -

قلت إنك كنت تكور السعوط إذف يا البلولة؟ -

. أجل سيدي، ىذا كل ما كنت أفعلو عندما اندلعت اؼبظاىرة -

أال تعلم أف السعوط مضر بالصحة؟ وعندما تنتهي منو أين تبصقو؟ على األرض؟ -

... أنا -

Page 34: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 34

ىل ربب النظاـ؟ . ىذا تصرؼ غت مسئوؿ، وىو ضد النظاـ -

...بالتأكيد أحػ -

وجد نفسو يهوي على . فاجأتو صفعة قوية على قفاه، كانت كأهنا صفعة من إلو غاضب أو كائن ماورائي مهتاج

حاوؿ أف ينظر وراءه . اؼبكتب الذي أمامو، مث يرتد يف حركة ميكانيكية سريعة؛ ليجد اليد اػبرافية بانتظاره مرة أخرى . مث توقف الصفع فجأة كما بدأ. ليعرؼ مصدر الصفعات، لكنو ف يستطع

. رجاف يقولوف إهنم أمسكوا بك وأنت ربرض الطبلب يف أحد أركاف النقاش على اػبروج يف اؼبظاىرة -

...أنا؟ أنا لست طػ -

عاودت اليد اؼباورائية صفعو، وىذه اؼبرة كانت الصفعة تغطي جزءا من أذنو، حىت ظبع طنينا مزعجا ومتواصبل،

كاف صوت الرجل اؼبهندـ من وراء اؼبكتب يأتيو من مكاف سحيق، مث أخذ الصوت يزداد وضوحا . أفقده السمع لربىة . شيئا فشيئا ىل أنت شيوعي يا البلولة؟ -

شيوعي؟ أبدا -

إذف فأنت مثلي؟ -

ماذا؟ -

أيهما أنت؟ .. اعتؼ -

. لست مثليا سيدي -

! إذف فأنت شيوعي -

. ولست شيوعيا كذلك -

. ال بأس سنعرؼ حاليا ما إذا كنت ىذا أـ ذاؾ. ال تريد أف تبدي ولو قليبل من التعاوف.. لؤلسف -

أشار بعينيو إف اؼبخلوقات اؼباورائية اليت كانت تقف خلفو مباشرة؛ فأمسكت بعضها بتبلبيبو، وبعضها أمسكتو

أخذ الرجاؿ يف خلع مبلبسهم، . رفعتو عاليا، مث قذفت بو إف ركن ما من الغرفة اػباوية من األثاث. من عضوه الذكريهنض وحاوؿ اؽبرب، ولكنهم أمسكوا بو كجراد يائس أوقعو حظو العاثر بت أرجل األرملة . فجحظت عيناه يف خوؼ

. السوداء

Page 35: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 35

راح يصرخ بكل ما أويت من قوة، ويكيل السباب عليهم قدر ما استطاع، بينما أشعل عدو الفوضى والشغب أمسك بو الرجاؿ، وىو . األوؿ سيجارتو، وىو يستمتع باؼبتابعة، مصدرا ضحكات خافتة ومتقطعة بت اغبت واآلخر

وباوؿ اؽبرب، قذفوا بو إف األرض، وأمسكوا بكاحليو بقوة ف يستطع اإلفبلت منها، ووضع بعضهم قطعة قماشية رطبو على فمو وأجزاء من أنفو، فاختفى صوتو يف اؼبكاف، إال من بعض صرخات مكتومة كانت تأيت من وراء القماش الرطب

.كآخر صرخة لغريق يائس من النجاةاعبدراف متواطئة مع ما وبدث، والعاف يضيق ليصبح حبجم الغرفة اػباوية من األثاث، والناس كلهم يأخذوف

سبت البلولة أف ربدث معجزة تقتلعو من الغرفة باردة اعبدراف، أف . شكل ذلك الرجل اؼبهندـ الكاره للشغب والفوضىتذكر القطط اليت رآىا على السور، . زبتفي اعبدراف، وقضباف النوافذ العالية، والرجاؿ اؼباورائيوف، وأف ىبتفي ىو نفسو

نزؼ دماء حارة من حنجرتو أثناء صراخو، خارت قواه وىو وباوؿ منع اؼبهزلة من . وسبت أف لو كاف قطا أو أف ف يكن . أف ربدث؛ فلم يستطع

ترى ىل : "كاف يتساءؿ. خرج البلولة من اؼبعتقل بعد أسابيع من ذلك، فاكتشف أنو ف يكن راغبا يف اػبروجقاؿ ذلك وىو يرى حشدا من " يعرؼ الناس بأمر ىذا اؼببت وما هبري داخلو؟ ىل مر اعبميع دبثل ما مررت بو؟

شعر بالعري والفضيحة، أحس بأف اعبميع قد شهدوا ما حدث لو، وأهنم، ببل استثناء، . الراكضت وراء اؼبركبات العامةيصيبو القليل من . آؼبو ذلك الشعور كثتا، ومشى مطأطأ الرأس شارد الذىن. يرثوف غبالو ويشعروف ذباىو بالشفقة

! عاد إف قريتو يف العيكورة، وقد فقد صوتو وشرفو. الضجيج باؽبستتيا، وأصابتو فوبيا من التجمهرات واغبشود

Page 36: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 36

Page 37: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 37

استيقظ شرؼ الدين قلقا على صراخ امرأة بدا قريبا منو، رفع رأسو متكاسبل، ونظر من خبلؿ النافذة ليجد امرأة، يتذكر مبلؿبها، وال يتذكر اظبها، تلوح حبذائها لطفل، ردبا كاف ابنها، وىي تتوعده بالعقاب عندما يعودا إف

خرج من غرفتو اليت كقرب كافر، . البيت؛ فابتسم قليبل، مث فطن إف أنو حلم بكابوس مزعج، والحظ أنو مبتل سباما بعرقوف يقف على وجو الغرابة بالتحديد، ولكنو أيقن أف البيت يعج بكائنات كثتة، . وعلى الفور أحس حبركة غريبة يف اؼبنزؿ

عرؼ ذلك من أصوات اصطكاؾ األطباؽ يف اؼبطبخ، وظل أياد تتبلعب دبشلعيب متأرجح، وصوت ضحكات نسائية ازداد شعوره بالقلق واغبتة، . خجولة، وأصوات رجالية متداخلة، ووقع أقداـ راكضة أو مسرعة، ونبهمات أخرى متفرقة

: وكأنو وباوؿ تذكر شيء ما، وما إف ذباوز أحد اغبوائط ببضع خطوات ودخل هبو اؼبنزؿ حىت فاجأتو األصوات اؼبتعالية !" الفاربة"

تذكر شرؼ الدين من فوره أمر ؾبيئو باألمس إف العيكورة، وبطريقة متصلة تذكر عزاء والدتو، ومنظر جسدىا اؼبتىل اؼبسجى على عنقريب اعبرتق، وصراعها مع اؼبوت، والذي ف يستطع حسم هنايتو، ومشواره إف اؼبقابر، واستيائو

كما تذكر قراره بالعودة إف . البالغ من حرارة اعبو، والوقت الذي ينفذ من منخار جرذ، وحرمانو من التدخت لنصف يـو، ووعده ؼبديره يف العمل بذلك؛ فشعر باالستياء ألنو مازاؿ يف العيكورة، ويف ىذا اعبو اعبنائزي اؼبمل . اػبرطـو اليـو

هنض حامد ودالنعيم مندفعا، وأشار إليو بيده ليجلس إف جواره، فتذكر شرؼ الدين مبلصقتو لو منذ البارحة، وكيف أنو كاف مستاء من ذلك أيضا، ولكنو توجو كبوه، واستسلم ؼببلزمتو على كبو قدري، وما إف استوى يف جلستو

حسنا، صهري، أنك أعدت النظر يف قرار رحيلك؛ فقد جاء معزوف : "حىت أماؿ ودالنعيم رأسو باذباىو، ونبس يف أذنوأحس شرؼ ." جدد من الكاملت، وطابت الشيخ عبد احملمود، واؽببللية، وقريبا سيأيت آخروف من رفاعة وسوبا كذلك

. الدين يف حديث ودالنعيم بنربة مشاتة، أو كهذا طبن، واكتفى هبز رأسوكاف اعبو حارا جدا، واؽبواء ثقيل ذلك الصباح، وقد بدأ يشعر باؼبلل من تكرار شرح أسباب وفاة أمو للمعزين اعبدد، وف يفهم مدى أنبية ذلك بالنسبة إليهم، فأوكل ىذه اؼبهمة إف ودالنعيم؛ السيما وأنو يبلك وثائق وتقارير طبية

. تدعم ما يقوؿ، فقط يف حاؿ احتاجوا إليهامن مشهد أحد الفتياف، وىو وبمل كومة كبتة من الرغيف داخل غريرة من اػبيش اؼبلوف، على دراجتو اؽبوائية

فقط ليقطع دابر شكو باليقت، نبس يف أذف . متوجها هبا إف القسم النسائي، عرؼ أف الوقت ف يتجاوز العاشرة صباحاكاف علينا أف ننتظر حىت يأيت : "فأجابو بطريقة تشبو االعتذار" أف يتناوؿ اؼبعزوف فطورىم بعد؟: "ودالنعيم مظهرا العتاب

حرص ىذه . فتأكد لو سباما أنو وقت فطور وليس غداء كما يوحي الطقس." فوج القادمت من طابت الشيخ عبد احملمود . اؼبرة أال هبلس إف جوار ودالنعيم على اؼبائدة، ووجد يف إقباز ذلك متعة خاصة

بعد اإلفطار؛ تقدـ أحدىم، وبدأ يعظ اؼبوجودين، ف يكن شرؼ الدين يعرفو، ولكنو طبن من ىيئتو، وغبيتو تكلم بصوت متحشرج، أحس فيو التكلف والصنعة، عرؼ أنو وباوؿ التأثت يف . الكثة أنو إماـ جامع القرية اعبديد

Page 38: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 38

تكلم االبتبلءات اإلؽبية اليت !" إذا ف يكن الكبلـ نفسو مؤثرا، فبل حاجة للمؤثرات الصوتية: "قاؿ يف سره. اغباضرينتواجو اؼبؤمن يف دنياه، وعن ضرورة ىذه االبتبلءات، وما ينتظر اؼبؤمن من ثواب إذا ىو صرب عليها، وتقبلها قبوال حسنا،

فلم يضجر، وف يقنط، مث دعم كبلمو بسرد قصة النيب أيوب، الذي يبدو أنو كاف أوؿ من سن الصرب، وكانت القصة . مغايرة، نوعا ما، لليت يعرفها ووبفظها عن ظهر قلب

تكلم عن صرب األنبياء على االبتبلءات، ونصح باالعتبار من ستهتم، واالقتداء هبم، وتكلم عن اؼبوت وما . بعده، وعن عذاب النار، وعما يبقى للميت من أعماؿ، وخلف صاف يدعو لو، فأحس أنو يعنيو بذلك

طالت اؼبوعظة، وشعر شرؼ الدين بالضيق واؼبلل؛ السيما وأف اعبو قد بدأ يزداد حرارة، كما أف حديث الشيخ سبت أف يتخلص من ثيابو اليت التصقت جبسده بفعل الرطوبة؛ فخطر لو أف يسبح . عن النار فاقم من إحساسو بالسخونة

بدأت شهوة التدخت ربكم وثاقها على صدره من جديد، ما ضاعف إصراره على . عاريا يف مياه النيل، وعـز على ذلك .اػبروج يف أسرع وقت

ظل ينتظر اللحظة اؼبناسبة اليت يعلن فيها عن قراره؛ وف تأت، فلم يكن الشيخ يلتقط أنفاسو، ويتكلم دوف انقطاع، فحسم أمره وضغط بكفيو على ركبتيو، وىو وباوؿ النهوض، وللمرة الثانية وجد نفسو مضطرا لبلستئذاف من

سأكوف باػبارج لبعض . أكاد أختنق من ىذا اعبو، أحتاج إف قليل من اؽبواء: "ودالنعيم، فهمس إليو بشيء من اعبدية . وف ينتظر حىت يسمع رأيو، وغادر على الفور." الوقت

خارج الصالة اؼبخصصة للرجاؿ، بعث منظر األحذية واؼبراكيب اؼبتناثرة يف نفسو شعورا بالضيق ف يفهم اصطدمت . مصدره على وجو الدقة، وتدافع بعض األطفاؿ أمامو، وىم يركضوف غت آهبت حبرمة العزاء، وف يزجرىم أحد

رأى أف بروز اػبصيتت خارج اعبسد . يد أحدىم دبا بت فخذيو، تأف كثتا غت أنو ف يستطع أف يبدي أؼبو أماـ اعبميعفكرة غت صائبة؛ إذ بإمكاف طفل شقي أف يشكل هتديدا دائما ؼبستقبلو التناسلي، وعندما تذكر أنو ال يرغب يف

.اإلقباب، شعر بشيء من التحسنظبع صوت بسبسة تأيت من جهة ما، التفت كبوه ليجد أختو عواطف واقفة عند مدخل الصالة النسائية، وقد

حبييب أنت يا شرؼ، أشكرؾ : "غطت نصف وجهها السفلي بطرؼ ثوهبا القامت؛ فتوجو كبوىا خبطوات قصتة ومتأؼبة !"الفاربة: "ومرة أخرى تعالت األصوات." ىنالك نسوة يردف تعزيتك. ألنك ف ترحل، وتضعنا يف حرج مع الناس

* * *

بدت أرض . األرض، اليت سبيل إف اغبمرة، أسفرت عن بعض النباتات الشوكية اؼبتفرقة كثآليل فتوسية مقززة

تتقاتل صغار العقارب . العيكورة كظهر زاحف أسطوري مليء باغبراشف اؼبدببة، يناـ يف ىدوء على ضفاؼ حبتة بركانية

Page 39: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 39

للظفر بظل بائس ربت أوراؽ النيم اؼبتيبسة، فيما يعرب مبل كلب الػحر يف قوافل طويلة دبحاذاة جدراف البيوت، والرياح تتواطأ مع اؼبناخ ضد اإلنساف؛ فتنفث ظبومها الغباري على وجو القرية، وتعرب فتحات النوافذ واألبواب لتنتحر، أختا،

.على جلود النساء والرجاؿ واألطفاؿ ذوي البشرة الدىنيةللوىلة األوف تبدو العيكورة كقرية حلت عليها اللعنة؛ فبل تسمع غت صفت الريح، وطقطقة النوافذ اػبشبية،

تنهض أعاصت ترابية من ـبابئها، مث . وحفيف أشجار اؽبجليج واؼبورينجا، ونباح الكبلب، وزعيق طيور البوقت اؼبزعجةوحده ثغاء اؼباعز، . زبتفي، مث تظهر مرة أخرى، كعفاريت تروح عن نفسها، يف ىذه القائظة، باللهو واألالعيب السحرية

.خلف أقبة البيوت، من يهب اؼبكاف حيويتو وطابعو اإلنساينوقف شرؼ . ألقت الشمس أشعتها على مياه النيل بشكل رأسي؛ فبدا سطحو وكأنو مغطى بورؽ القصدير

الدين قبالة النيل، وعبأ صدره بقليل من اؽبواء الساخن، مث شرع يف نزع ثيابو قطعة قطعة، بعد أف أمسك بعقب السجائر خاض بقدميو يف النهر حىت وصلت اؼبياه إف حجابو اغباجز، عندىا رمى بنفسو يف . بت إهبامو وسبابتو وقذؼ بو بعيدا

تسلل إليو شعور جيد ومنعش، وأخذ يغطس يف اؼباء وىبرج منو، وكرر ذلك حىت تعب، عندىا رفع قدميو . أحشاء النيل . إف مستوى رأسو، وطفا على ظهره

كانت األمواج تعتلي كرشو الصغتة، فتعجبو الدغدغة اليت تصدرىا، وراح ينفث اؼباء من فمو، كاغبيتاف، نظر إف القرية وىي غارقة يف سراب كوين سببتو أشعة . فتنطلق عاليا ؿبدثة نافورة فموية لتهطل على وجهو من جديد

الحظ وجود شبح أسود يف منتصف الصورة السرابية من الناحية القريبة منو، وف . الشمس، وكأهنا ستختفي بعد قليليتأكد من كنهو، وف يتوقف عن السباحة حىت ىبت ريح فجائية حركت اؼبوج بقوة، وكأف شيئا ما، ال يعرفو، قد أغضب

.وجد صعوبة بالغة يف السباحة مع ىذه األمواج اؼبتبلطمة فقرر اػبروج. اإللورأيتك زبرج من البيت : "على ضفة النهر وقفت وقية عبد الباسط ترمق جسده العاري اؼببتل بنظراهتا اؼبثتة

ف يكن شرؼ الدين قد سأؽبا عن سر معرفتها بوجوده ىنا، ولكنو وجد تربيرىا مقنعا؛ السيما ." متوجها إف ىنا؛ فأتيتاعبميع توجهوا منذ الصباح لبيت العزاء، ولن يعودوا قبل غروب . "وأنو تذكر أهنا استمتعت معو كثتا ليلة البارحة

ىز رأسو موافقا، وغادرت ىي على الفور، قبل أف يقـو بفعل ." الشمس؛ سأنتظرؾ يف البيت، وأترؾ لك الباب مفتوحا .طائش وؾبنوف، كما ىي عادتو

* * *

Page 40: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 40

ف وبتج شرؼ الدين أف ينتظر طويبل حىت هبف جسده، فقد كانت الشمس حارقة لدرجة أنو جف دبجرد اعتتو رغبة جاؿبة يف معاقرة طبر أكيج من جديد، فسار دبحاذاة . خروجو من اؼباء، ولكنو كاف ما يزاؿ وبس باالنتعاش

. النيل حىت وصل إف منزؽباطرؽ الباب، وكاف بإمكانو أف يدخل اغبانة، كعادتو، من اعبدار اعبنويب اؼبنهار جزئيا، غت أنو تذكر أهنا متزوجة

: خرج إليو زقبي عمبلؽ سد فتحة الباب، وسألو بنربة جافة، ولكنة عربية ركيكة. اآلف، وف هبد لباقة يف تصرفو ذلك: كاف شرؼ الدين قد أعد نفسو للتعريف بنفسو أوال، غت أف السؤاؿ اؼبفاجئ أربكو قليبل، قبل أف هبيب" ماذا تريد؟"ف يفهم شرؼ الدين مغزى سؤالو، إال " يف ىذا الوقت؟: "نظر إليو الزقبي، وقد قطب حاجبو." أريد بعضا من اػبمر"

ف يفهم جيمس معت ذلك، وف هبد يف كبلمو ما !" ال يقتل الوىم إال مزيد من الوىم: "أنو ىز رأسو واصطنع الظرؼ . يدعو للضحك، غت أنو ظبح لو بالدخوؿ على مضض

توجو شرؼ الدين إف اؼبكاف اؼبخصص للسكارى ربت الراكوبة اؼبصنوعة من أعواد اػبيزراف، وكانت ما تزاؿ أخرج . مغطاة بقطعة من اػبيش مثبتة حبجارة عمبلقة، وأسفل منها رأى النيل رزقة نائما على حصتة من ألياؼ النخيلسيجارة وأشعلها، وظل ينتظر إف أف جاء الزقبي العمبلؽ حامبل زجاجة اػبمر، وكأسا وضعهما أمامو مباشرة،

. وانصرؼاغبقيقة أف شرؼ الدين ف ينتبو إف مبلؿبو ىذه اؼبرة، ولكنو راح يصب اػبمر لنفسو، وعرؼ منذ الرشفة األوف

.أهنا ليست من النخب األوؿ الذي تسقيو منو أكيج، فاستاء لذلك كثتا، بيد أنو ف يتوقف عن الشرابكاف الكلب الكسوؿ فبدا على شريط ضيق من الظل، وذيلو ما يزاؿ يهتز بطريقة متوترة، والذباب يتجمع على

أزيح الستار عن مدخل إحدى الغرفتت، وخرج جيمس العمبلؽ مرة . أنفو الرطب كما تتجمع الفراشات حوؿ الضوءتوجو ناحية الكلب ووضع أمامو طبقا متسخا بو بقايا طعاـ بشري، وف يكتث الكلب لذلك، فقط رفع رأسو يف . أخرى

.المباالة واضحة، ونظر إليو قليبل، مث أعاد دس رأسو بت قائمتيو األماميتت مرة أخرىيف طريق عودة الزقبي استوقفو شرؼ الدين، وسألو عن أكيج، فنظر إليو جيمس بشيء يشبو الغتة، وأخربه أهنا

كاف . تأخذ قيلولتها يف الداخل، وأحس شرؼ الدين أنو أراد إخباره بأف الوقت ليس مناسبا للزيارة، وىو أيضا رأى ذلك . مذاؽ اػبمر سيئا، ولكنو تناوؽبا دفعة واحدة، وانصرؼ

* * *

Page 41: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 41

أضافت إليو اػبمر إحساسا بالضيق، رغم ربرؾ بعض الكرات اجملنونة الصغتة يف رأسو، فلم يعرؼ أف وبدد ما الحظ وجود خط طويل على األرض الرملية اغبمراء، يبدأ . إذا كاف تركبو يف اؼبست بفعل اػبمر، أـ بفعل أشعة الشمس

. من مكاف ما داخل القرية، وىبتفي داخل حقل القصب، فعرؼ أنو حسن البلولةداخل حقل القصب اكتشف شرؼ الدين أف اغبرارة أخف وطأة، وتعجب كيف ف يفكر يف اللجوء إف ىنا

ف يدـ حبثو عن البلولة كثتا، وف يكن يصعب عليو زبمت أين هبده بت سيقاف القصب اؼبتشابكة؛ إذ تعودا . من قبلاعبلوس عند ملتقى تقاطع اعبداوؿ اؼبائية، وما إف رآه حىت ازدادت عيناه اتساعا، وصرخ بفرح، مصدرا أصواتا ذكرتو نواح

. عمتو عديلة بابو اؼبتكلفتبادال بعض النظرات اليت تعرب عن االشتياؽ، مث جلسا أرضا، وراح ىبربه عن عملو اعبديد يف العاصمة، وعن

، وعن شوارعها السرية، وروعة الليل يف شارع النيل، وعن . زمبلئو يف العمل أخربه عن اعبانب اؼبشرؽ من اػبرطـوالفتيات يف حديقة اؼبقرف، وقاعة الصداقة، وحفبلت أبو عركي البخيت يف الفندؽ الكبت، وعن جزيرة تويت القابعة يف

. قلب النيل كعروس حبر أسطورية، وعن جنائنها اليت ترؾ فيها ذكريات صبيلةأخربه عن عبلقاتو العاطفية الفاشلة، وعن قراره األخت بأف يدلل نفسو، وأف يعوضها عن اللحظات اليت أنفقها

أف تقرر : "أخربه عن عبلقتو بوقية عبد الباسط، وكيف أنو هبل فيها قدرهتا االستثنائية على اإلغراء. يف مطاردة الوىمقاؽبا بنربة امتناف، وعيناه تلمعاف يف !" أنثى وىب جسدىا ألحدىم دوف مقابل؛ ىذا ليس باألمر السهل على اإلطبلؽ

كما أف أمي توفيت : "أخربه، أيضا، عن بغضو لؤلطفاؿ وإزعاجهم الذي ال ينقطع، مث تذكر فجأة، واستطرد. مكر: تغتت مبلمح البلولة، وأوشك أف يرفع يديو لقراءة الفاربة معو، إال أف شرؼ الدين خفضهما لو، وىو يقوؿ!" كذلك

." كاف ذلك باألمس"بعد أحاديث كثتة ومتفرقة، ساد صمت طويل بينهما، وكأهنما قررا منح نفسيهما مهلة لبلستمتاع باؽبواء البارد

أرخى شرؼ الدين ظهره إف اػبلف، ووضع رأسو . الذي مر فجأة؛ فلحظات كهذه قد ال تتكرر كثتا يف ىذا اعبو اغبار : على كفيو اؼبتشابكتت

ىل تعلم، يا البلولة، ما ىي أصعب مهمة قد ينجزىا اإلنساف؟ -

- !!

الصدؽ يتطلب توفر صفات كثتة، فهو يتطلب قدرا كبتا من الشجاعة والصرب واغبكمة؛ وىي ! الصدؽ - . مهمة ال يستطيع إقبازىا إال األنبياء

كانت عينا البلولة جاحظتت، فلم !" حىت بعض األنبياء ف يفلحوا يف ذلك: "سكت قليبل قبل أف يستدرؾ

يستطع شرؼ الدين أف يفهم ما إذا كاف ذلك وضعهما الطبيعي أـ بسبب ما قالو للتو، وبطريقة توحي باتصاؿ

Page 42: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 42

؟ بإمكاننا شراء لوحات لفاف جوخ وجوناف أو حىت : "اغبديث، التفت إليو وىو يتساءؿ ؼباذا ال تأيت معي إف اػبرطـو، فضحك مث سكت قليبل وضحك مرة ." دجار دهبازال ولكنو تذكر أف لوحات ىؤالء ال يبكن أف توجد يف اػبرطـو

ترى . (علي مناسبات)ال عبلقة لؤلمر دبا كنا نتكلم عنو؛ أليس كذلك؟ ذكرين ىذا بالرجل التحفة : "أخرى وىو يقوؿ "أين ىو اآلف؟

* * *

كاف شرؼ الدين قد أمضى وقتا طويبل مع البلولة يف حقل القصب واتفقا، تقريبا وبشكل مبدئي، على

الذىاب إف اػبرطـو سويا، وأقفل شرؼ الدين عائدا إف اؼبنزؿ، وىو يتساءؿ ما إذا كاف الشيخ قد أهنى موعظتو أـ ال، ف يكن قادرا على فهم الدين من . كانت تزعجو كثتا خطب الوعظ، وكل ما يتعلق برجاؿ الدين. وأضمر اغبقد ذباىو

هبدر بالدين أف يكشف اػببايا . ال خبايا يف الدين: "حيث أنو علم كهنويت، لو رجالو العارفت خبباياه، وكاف دائما يقوؿولذا فإنو ف يكن وبب رجاؿ الدين، وف وبب مظهرىم أو حىت الطريقة اليت يتكلموف هبا مع اآلخرين، " ال أف يتحلى هبا . وكأهنم أقل منهم

، عندما قاؿ لو للدين فلسفة وحيدة، وىي أف يبنحنا الطمأنينة، . (دين)ال شيء اظبو : "أذىل البلولة ذات يـوال يتطلب األمر أوامر ونواىي؛ تلك وظيفة األخبلؽ ال الدين، وواىم من ظن أهنما شيء . ولكل شخص دينو اػباص

ويف أثناء ذلك تذكر أف وقية تنتظره يف منزؽبا؛ فتهللت أساريره بالفرح، وساعده ذلك على التصاف مع الواعظ ." واحد . وموعظتو

ف هبد باب منزؽبا مفتوحا كما أخربتو، فتدد يف طرؽ الباب قبل أف ينتبو إف وجود سلك بارز يف الباب، شده ىل "برفق فانفتح الباب، ليجدىا أمامو، وما أف أغلق الباب وراءه حىت أسندت ظهرىا عليو، وراحت تنظر إليو بغضب

حكا ؽبا عن ذىابو إف منزؿ أكيج، وعن الوقت الذي قضاه مع " تعلم كم من الوقت أمضيت وأنا أنتظرؾ؟ أين كنت؟البلولة، وف يبد عليو أنو كاف يربر؛ بل أخذ يقص عليها األمر، وكأنو ف يفهم مغزى سؤاؽبا على الوجو اؼبطلوب، ولكنها

دعك من كل "ف تقاطعو، وراحت تنصت ؼبا يقولو باىتماـ، مث إهنا أعادت رسم مبلمح الغضب عندما بدأ يتغزؿ هبا ."ىذا، تبدين رائعة يف ىذه الثياب

عاتبتو بغنج تتقنو، وأخربتو أهنا منذ تركتو عند ضفة النهر، وىي منشغلة يف هتيئة نفسها الستقبالو، وقضاء وقت فبتع معو، حىت أهنا ف تشأ أف ترتدي مبلبسها الداخلية، والمتو ألنو ف يبد مبلحظتو بشأف العطر الذي تطيبت بو؛

أراد أف يقص عليها طرفة ابن أختو الذي تبوؿ على اعبدار، فاكتشف . فانتبو، وقتها، إف أف رائحتها كانت صبيلة فعبل . أنو ال يعرؼ اظبو، فتجاىل األمر

Page 43: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 43

حاوؿ أف يستدرجها لتتمدد، فلم تفعل، وظبحت لو فقط دببلمسات جسدية وقببلت سريعة، ألهنا توقعت أف تعود أمها وأخواهتا األربع يف أية غبظة، واقتحت عليو أف يبضيا اؼبتبقي من الوقت يف اغبديث عن مستقبل عبلقتهما

.الغريبة ىذهكانت ىي اؼبرة األوف اليت يكتشف فيها شرؼ الدين أف عبلقتو بوقية عبد الباسط قد تكوف غريبة، وأدىشو

ترددت وقية قبل أف . ذلك، وف يكن يعرؼ ما يبكن قولو هبذا الشأف، ولكنو قدر أنو من اؼبهم أف يسمع ما تريد قولوأراد أف يقوؿ بأنو شخص مزاجي، ووبب أف ينزؿ من سريره من أية جهة " ؼباذا ف تفكر بالزواج حىت اآلف؟: "تسألو دبكر

.يريد، ولكنو عدؿ عن ذلك؛ إذ ف هبدىا حجة جيدة . أعتقد أف األطفاؿ ىم السبب، فأنا ال أحب األطفاؿ - ىل ىنالك شخص ال وبب األطفاؿ؟ -

أنا -

. األطفاؿ ىم ملح اغبياة، والسر الذي يدفع الناس للزواج -

.األطفاؿ مزعجوف -

. سوؼ تعتاد إزعاجهم، حىت تعود ال تراىم كذلك -

كما أهنم فوضويوف -

فقط زبيل أف قطعة منك تست وتكرب أماـ عينيك؟ . أنت فقط مفرط اغبساسية -

! لقد زبيلت ىذا من قبل، وأراىا فكرة ـبيفة -

: اكتشفت وقية أف الوسيلة اليت اتبعتها معو منذ البداية كانت خاطئة، فغتت مسار اغبديث مباشرة

ماذا تسمي عبلقتنا ىذه، وما ىو مصتىا برأيك؟ - . أنا أراؾ امرأة فاتنة ومثتة، كما أنك لست مزعجة أو ثرثارة كبقية النساء -

أال تفكر يف الزواج يب؟ -

: بدا عليو االندىاش واؼبفاجأة، مث راح يفكر بعمق

ال أجدىا فكرة سيئة على اإلطبلؽ - إذف؟ -

. أحتاج إف بعض الوقت يا وقية. البد، أوال، أف أزبلص من رواسب ذباريب الفاشلة -

! عمري اآلف تسعة وعشرين يا شرؼ -

Page 44: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 44

كاف عمري تسعة وعشرين من قبل، وماذا يف ذلك؟ -

لقد بدأ الناس يتحدثوف عت يف ؾبالسهم . قد انتظرت لسنوات طويلة، وال أرى أنت قد أحتمل أكثر - . اػباصة، وىم يعتقدوف أف وراء عدـ زواجي، حىت اآلف، سرا

ماذا إذف؛ ىل نذىب إف مأذوف األنكحة اآلف؟ -

. ال، ليس اآلف طبعا، بعد بضع الوقت -

!وىذا ما طلبتو بالضبط -

نظرت إليو يف حنق، واهنالت عليو ضربا، مث انفجرت بالضحك، ورغم أنو ف يفهم سر ما حدث، إال أنو أعجبتو

يف أثناء ذلك ظبعا أحدىم وباوؿ فتح الباب من اػبارج، فنهضا فزعت على الفور، . الطريقة اغبميمة اليت انتهى هبا اغبوار .وطلبت منو تسلق السور اػبلفي للمنزؿ واؽبرب، ففعل

Page 45: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 45

Page 46: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 46

ما : "ما إف دخل من إحدى األبواب اػبلفية للمنزؿ ورأتو، حىت نادت عليو نعمات، وىي تعض ظهر سبابتهاتتبع شرؼ الدين سهاـ نظراهتا الغاضبة، وألقى نظرة سريعة " ىذا؟ ما الذي فعل بك ذلك؟ وأين كنت كل ىذا الوقت؟

أف عليو صدقو أف يقوؿ حقيقة األمر، . إف حيث تنتهي؛ فوجد جلبابو متسخا بغبار الطوب األضبر، وترب الرمل النهريولكنو تذكر حديثو للبلولة عن ضرورة مبلزمة اغبكمة للصدؽ، وزبيل ما قد يناؿ وقية من أذى جراء صدقو، فابتلع

. أحرؼ كلماتو األوف، وعاد ىبربىا أنو كاف يقضي وقتو مع حسن البلولة يف حقل القصبعندىا " البلولة مرة أخرى؟ أف تكف عن ذلك بعد؟: "نظرت إليو يف دىشة غاضبة، وىاصبتو بعتاب قاس

قاطعها على الفور بأنو سوؼ يبدؿ ثيابو، ويصلح األمر، فهدأت قليبل، وشعرت ببعض االرتياح لذلك، ومضت إف .اؼبطبخ، وأسعده أهنا ف تلح يف صراخها

يف هناية اليـو اعبنائزي الثاين كاف عدد الذين قرروا اؼببيت قد بدأ بالتناقص، ولكن عائلة بابو أصرت على االجتماع، كما ىي عادهتم يف اؼبناسبات اليت ذبمع أفراد األسرة اؼبمتدة، وىذه اؼبرة كانت العمة عديلة حاضرة، ما

.أكسب االجتماع طابعا عدائياربدثوا يف شؤوف عائلية كثتة، وبالتأكيد ف ينسوا أف يعاتبوه على غيابو اؼبتكرر عن ديواف العزاء، ونعتتو نعمات

ويف بادرة . بعدـ اؼبسئولية؛ بينما دافعت عنو عواطف، ورأت أنو أكثرىم تأثرا برحيل أمهم، ألنو ف يشهد وفاهتا مثلهمغريبة، وخارجة عن اإلطار طرحت فتحية رغبتها يف ارتداء اغبجاب، فكاف رد زوجها حامد ودالنعيم أف ذلك شأف

ىبصها، وىي الوحيدة من سبلك البت فيو، ووافقو شرؼ الدين على ذلك، وأضاؼ إهنا ليست حباجة للحجاب؛ حيث .ال تكاد زبرج من البيت إال ؼباما، ولكنها ردت عليو يف حسم بأهنا إمبا تريد فعل ذلك ألنو أمر رباين؛ فسكت

كن قد بدأف، كعادهتن، يف تداوؿ األحاديث السخيفة والنميمة، وتعجب من قدرة عمتو عديلة على إحصاء لكنو . عدد النساء اؼبخضبات، وأشكاؿ ورسـو خضاهبن، وما كانت ترتديو كل واحدة من اؼبعزيات من حلي وؾبوىرات

. تفاجأ، عندما اكتشف أف األخريات يتحلت بذات اؼبيزةبدأف يتجادلن حوؿ مصدر ىذه اغبلي ومنشئها، ففيم طبنت عديلة أهنا من اػبليج حيث يعمل أزواجهن،

أصرت نعمات أنو ذىب خرطومي، وكاف دليلها على ذلك أف أتفو األصناؼ اليت أرسلها زوجها، الشفيع حاج مرضي، كما رحن وبصت عدد اللوايت اجتهدف يف البكاء، وأظهرف صدقا أكرب فيو، . من اػبليج يبدو أغلى بكثت فبا كن يرتدينو

وتكلمن عن فقداف إحدى النسوة شبانية عشر رطبل من وزهنا، وزيادة وزف . وأولئك اللوايت بكت دوف حرص ودوف عاطفةوربدثت عواطف بكثت من االمتناف عن اللوايت ساعدهنا بإخبلص يف أعماؿ اؼبطبخ، وسره أنو ظبع اسم وقبة . أخريات

بينهن، غت أهنا أبدت أسفها الشديد على ربطم بعض أطباؽ البايركس الصينية الفاخرة، اليت ال يستخدموهنا إال يف .اؼبناسبات اػباصة

Page 47: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 47

انتقلن بعد ذلك للحديث عن الطقس، وتسببو يف تأخر اؼبعزين القادمت من مناطق بعيدة، وأبدى شرؼ بعض االىتماـ هبذا اعبانب، وأضاؼ إف اعبو ف يكن مناسبا لقياـ ىذه اؼبناسبة، ولكن أخواتو رمقنو بنظرات حانقة، وف

ال أدري كيف تتؾ : "قالت نعمات. يسهنب يف ىذا اغبديث، وفضلن اػبوض يف أمر األطفاؿ، والدمار الذي خلفوهكانت مبلحظتها تلك ؿبل احتاـ شرؼ، الذي ابتسم يف سره، بعد أف " األمهات أطفاؽبن ىكذا دوف مراقبة أو اىتماـ؟

. تأكد لو أف شبة آخرين يشاركونو رأيو حوؿ األطفاؿ، ولو جزئياوعندما بدأف يناقشن ضرورة استبداؿ اؼببليات اؼبستخدمة بأخرى جديدة، واختلفن حوؿ أيها يستخدمن، شعر باؼبلل من ظباع ىذه التفاىات اليت ف هبد نفسو منسجما معها كما أبدى ودالنعيم، فنهض من فوره وكاف على

كن، وقتها، يناقشن أمر ألواف اؼببليات اؼببلئمة . وشك االستئذاف، ولكن أحدا منهم ف يكن يبلحظ، فغادر يف ىدوء .ؼبناسبة العزاء

. حزف عميق وقدن، وللحظة ما انتابتو رغبة ملحة يف البكاء. أحس حبزف غامر يدانبو دوف أف يعلم سببا لو. الليل مزعج هبدوئو القامت، تصبح اآلذاف مرىفة أو األصوات أعمق وأكثر وضوحا؛ لذا فإنو قرر اؽبروب إف ناحية بعيدة

يكاد يتذكر اؼبرات النادرة اليت بكى فيها، !" بكاء الرجاؿ، كعادهتم السرية، هبب أف يكوف يف اػبفاء: "كاف يقوؿ دائمارددىا بصوت خافت، كأنو ىبشى أف يسمعو !" ال يقتل الوىم إال مزيد من الوىم. "فلم تكن فيهن واحدة ببل طبر

. أحد

* * *

مبلمح وجهو جامدة، ال توحي بشيء على . يف بيت أكيج دينق، كاف زوجها العمبلؽ هبلس يف مكانو اؼبعتادكاف يبصق من . اإلطبلؽ، والوشم اإلبري الذي على جبينو يلمع على ضوء البدر غت اؼبكتمل، كأساور من معدف قامت

فمو لعابا غزيرا وداكنا بت اغبت واآلخر، والكلب الكسوؿ اؼبتشائم يناـ إف جوار برميل صدئ، دوف أف يزعجو الذباب : النيل رزقة، ذو الصوت اؼببحوح، يناكف أكيج حبذر ىذه اؼبرة، ويهذي بلغة فرنسية متقنة. الذي وبـو حوؿ أنفو

"Quel rapport y a-t-il entre le vin et les femmes? Pourquoi jamais rien d'autre ne nous vient à l'esprit,

chaque fois que l'on boit. "يا النيل أليك اهلل رطانة بتاء خواجات دي أكبنا ما : "فتد عليو أكيج حبـز إداري قاطعكل شيء كاف مكررا ورتيبا، حىت أنو كاف بإمكانو أف يتكهن دبا سيكوف قبل أف " بنفهم، ما تئمل لينا صداء ساي

.يكوفمنذ زمن طويل قرر شرؼ الدين أال هبالس أحدا يف الشراب، ورأى أف اػبمر مادة تغسل الروح، وهتبها

الصفاء، وأف روح اعبماعية واؼبشاركة غت متسقة مع ىذه العملية، وأسقط األمر ذاتو على شؤوف كثتة قرر فعلها دبفرده

Page 48: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 48

كاف يرى أف جلسات السكر ال هبب أف تكوف ألكثر من ثبلثة أشخاص على األكثر، وإال . دوف مشاركة من أحد، ورأى أف اؼبناجاة البد أف تكوف فردية؛ وإال "إف السكر مناجاة روحية ذات طابع خاص: "لكانت فوضى، وكاف يقوؿ

.فقدت خصوصيتهافهم إما ساخطوف على الدنيا، ال يكفوف : أغلب الذين جالسهم من قبل كانوا ال ىبرجوف عن أحد ثبلثة مباذج

عن ترديد العبارات اليت توحي بالرثاء والنقمة، وإما فبجدوف ألناىم، فيكثروف اغبديث عن بطوالهتم ومغامراهتم اؼبتونبة، ويذكروف مناقبهم اغبسنة، وكأهنم أنبياء، ولكن فقط سكارى حاليا، وإما ثرثاروف ال يقدموف ألنفسهم أو جملالسيهم فائدة

تذكر، وىؤالء يعرفهم جيدا؛ فمنذ أف تثقل اػبمر رؤوسهم، تتنزؿ عليهم شآبيب احملبة؛ فيغدقوهنا على اعبميع، حىت أولئك الذين يروهنم ألوؿ مرة؛ فتجد أحدىم قد ماؿ جبسده كلو على اآلخر، وىو يقسم لو بأنو وببو، وأنو فخور

.دبعرفتو، وأنو شاكر لؤلقدار اليت صبعتو بوشعر بأنو مدينة مسكونة بأشباح تعيسة لقتلى حرب عنصرية، . كاف اغبزف يتمدد داخلو فيضيق جلده عليو

لسنتها اؼبدروسة تراجيديا طقوسية بالغة . واغبزف آؽبة لتلك اؼبدينة اؼبتفحمة ف يشهد أحد تنصيبها؛ إال أهنم خضعوا ؽبا . الصرامة، والبكاء صبلة إلزامية يف مواسم الكهنوت اغبزائت اليت ال تنقضي إال بضمور األرواح أو ذوباهنا يف اعبلود

ف يكن يرغب يف التحدث مع أحد، وكأف لسانو معقود . أراد أف يتخلص من شعوره ذلك، ولكنو ف يستطعفقط تناوؿ كأس طبره من أكيج، وأخذ ينظر إف ما بت قدميو، نافثا دخانو بكل ضجر، . حببل رقيق إف قلبو اؼبنفطر

: وىو يردد أغنية ؼبصطفى سيدأضبد الدنيا ليل غربة ومطر

وطرب حزين وجع تقاسيم الوتر شرب الزمن فرح السنت

والباقي ىداه السفر يا روح غناي

الغربة ملت من شقاي وغربيت وبقيت براي

حاضن أساي الوحشة ملت من أساي وحديت

ال غنوة ال مواؿ يبدد حسريت غت الدموع يا ملهمة

الغربة مرة ومؤؼبة

Page 49: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 49

وللمرة األوف ف يستشعر تلك اللذة اليت تتزامن مع اللحظات األوف للسكر، تلك اليت تشبو غبظة اؼبيبلد أو

غبظة تنطفئ فيها أنوار البصر، لتشتعل أضواء البصتة، يصبح فيها الكوف داخلك، فتشعر بكل . اػبروج من شرنقةتبدأ اغبواس بالتعطل شيئا فشيئا، وتولد حواس أخرى مكاهنا أكثر حدة وحساسية، ولكنو ف . شيء، وال تشعر بشيء . وجد نفسو وقد شبل فجأة دوف مقدمات، وعندىا قرر اػبروج من اؼبكاف على الفور. يشعر بشيء من ذلك

سار وكأنو يعلم إف أين يتجو، ولكنو كاف يغرؽ داخل ذاتو يف ىدوء، ىائما على وجهو يف دروب مدينتو روحو تطفو على جسده، ويسمع أصواتا تتزاحم يف أذنيو، ف يعرؼ ما إذا كانت أصواتا مزعجة أـ ضبيمة، . اغبزائنية

أخذ يتأمل القرب، وكأنو يصلي يف خشوع، صبلتو األختة، مث . ولكنو انشغل هبا كثتا؛ حىت وجد نفسو على قرب أمو . ىوى جاثيا على ركبتيو

عرؼ أنو يشتاؽ إليها يف ىذه . مس أطراؼ القرب بأناملو اؼبرتعشة، وكأنو يتحسس وجو اؼبوت أو وجو أمواللحظات، وأنو كاف حباجة إف ظباع ثرثرهتا عن األبقار النافقة، وآفات الزراعة، وفضائح القرية، وأسعار البضائع، وأنباء

.السوؽ وأىلو، وقائمة الفتيات اؼبقتحات للزواجراح يعتصر تراب القرب . ف يتمالك نفسو وىو يتململ فوؽ قربىا كطفل حديث الوالدة؛ فأجهش بالبكاء

أخذ يستنشق أخبرة اؼبوت الرابضة على القرب كرماد األسبلؼ، باحثا عن رائحة أمو القريبة من رائحة . بقبضتو، ويهزه بقوةمرت عليو، من خزانة ذاكرتو، صور متداخلة وكثتة، بعضها . بكى بكاء التائبت، وكأنو ال يريد أف يتوقف. القونقليز

. صورة أبيو الغاضبة واؼبتجهمة، كما يتذكرىا على الدواـ: موغل يف القدـ، وبعضها اآلخر أكثر حداثة، كاف من بينهاكانت خبلصة األمر أنو ال يتذكر غبظة سعادة حقيقية يف حياتو، وأف ما مضى منها قضاىا يف سلسلة من

النكسات اؼبتعاقبة، وأنو ف يظفر بأصدقاء حقيقيت، وكانت اغبقيقة األختة اليت أدىشتو، وآؼبتو كثتا أنو أصبح يتيما، .فازداد بكاؤه

* * *

نظر من حولو فإذا اؼبقربة ىادئة، . يف الصباح، وجد نفسو فبدا إف جوار قرب أمو، وذراعو تلف اعبزء اؼبتورـ منو

نظر إف شاىد أمو، وكأنو . ىدوء قرية موبوءة قضى الطاعوف على سكاهنا، والقبور سبد شواىدىا ألسنة ساخرة ومتهكمةانتابو شعور غريب حياؿ التاريخ (2002 يونيو 23/ ىذا قرب اؼبرحومة ست النفر بت جاداهلل مرزوؽ )يراه للمرة األوف

. اؼبكتوب، وكأنو تاريخ ىبص رحالة من أزمنة غابرة

Page 50: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 50

خيل إليو أف اؼبوتى ينظروف إليو بدىشة منقطعة النظت، وكأهنم يتساءلوف عن ىذا الكائن اغبي الغريب الذي قدر أهنم أحسنوا وفادتو، وأنو أثقل على ىدوئهم ببكائو اؼبزعج ليلة أمس؛ . قضى ليلتو معهم ىنا، تاركا عاؼبو الصاخب

فنهض متثاقبل، ونفض عنو الغبار، مث اكبت قليبل إف األماـ يف امتناف، وغادر اؼبقربة، وىو يكمل نفض ما تعلق على . شعره من غبار

كانت القرية ما تزاؿ تتثاءب بكسل، وأشعة الشمس الدافئة تتسلل خبفة، وكأهنا تفكر بالعودة إف حيث بدأت العصافت نشاطها الغذائي، وأوراؽ اؽبجليج واؼبورينجا تعزؼ أغباهنا اؼبوحية بالكآبة، وهنيق ضبار بعيد يشذ . كانت

ىز رأسو، وفكر أنو من اعبيد أف اغبمت ال تتبادؿ النهيق كما تفعل الكبلب . عن النسق الكوين اؼبوحد، وىبرقو برعونة . والديكة

ف تكن بو رغبة للذىاب إف البيت، تذكر العزاء، ورتابتو القاتلة، الطقوس اؼبتكررة، والوجوه الواصبة ببل مربر، واألطفاؿ اؼبشاغبوف، واألحاديث اؼبتكلفة، والعيوف اليت ترمقو يف فضوؿ، واشتهاء التدخت الذي يثقل الصدر، ولعاب

.ودالنعيم الذي ناؿ منو نصيبا وافرا خبلؿ اليومت اؼباضيتسقا القرية ىو الكائن البشري الوحيد الذي ينضم إف ستؾ الكائنات، راكبا ضباره اؽبزيل مثلو، هبر وراءه عربة

سار شرؼ الدين . برميل اؼبياه، يطرؽ بعصا األراؾ الغليظة على الربميل، مضيفا بذلك صوتا جديدا على النوتة الكونيةكانت رائحة القونقليز األمومية ما تزاؿ تسكن خياشيمو، تدغدغ خياالتو عن . ببطء شديد، وكأنو ال يريد أف يصل

. الليلة اؼباضية، وتصوراتو عن اإلرباؾ الذي قد يسببو غيابو، والوعد الذي قطعو كاف قد نسي، وقتها، أمر عودتو إف اػبرطـوؼبديره يف العمل بأف يعود يف اليـو التاف مباشرة، ولكنو، يف الوقت ذاتو، كاف منهمكا يف اكتشاؼ سر عبلقتو الوجدانية

ىو ف وبب اػبرطـو يوما، قبل أف يرحل إليها بقرار إداري قبل تسع سنوات، ورغم ذلك فهو غت قادر على . باػبرطـو . التصاف مع العيكورة وأىلها، ويراىم مثتين للملل، وباعثت على الكآبة

كل شيء يف ىذا اؼبكاف يبعث على اغبزف بطريقة ما، حىت عبلقتو بوقية عبد الباسط يكتنفها حزف من نوع ف وباوؿ تفكيك كل ذلك، ولكنو راح يبحث عن عبلقة مناسبة بت حزنو الذي دانبو باألمس، فجأة، وبت . خاص

ىز رأسو، وكأنو أراد أف ينفض عنها ىذه األفكار اؼبزعجة، وحاوؿ أف ينشغل عن ذلك بتديد . موت أمو؛ وف يفلح : إحدى أغنيات بوب ماري اليت يعشقها جبنوف

Cause I remember when we used to sit

In the government yard in Trench town

Observing the hypocrites As they would mingle with the good people we meet

Good friends we have had

Good friends we've lost along the way

Page 51: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 51

In this bright future you can't forget your past

So dry your tears I say

No woman, no cry

Little darling don't shed no tears Said, I remember when we used to sit

In the government yard in Trench town

And then Georgia would make the fire light Log wood burning through the night

Then we would cook corn meal porridge

Of which I'll share with you My feet is my only carriage

So I've got to push on through

But while I'm gone

Everything's gonna be alright So, no woman, no cry

Oh, little darling, don't shed no tears

No woman, no cry

* * *

اليـو كل شيء ىادئ؛ حىت اغبزف يف وجوه اؼبعزين بدأ يأخذ شكلو اغبيادي، ليتساوى مع الوجوه اليت يألفها، . ووبب التعامل معها، فقط النهنهات اليت كانت تطلقها بعض النسوة يف اعبانب اآلخر كاف ينغص عليو من حت آلخر

ىذا ىو اليـو : "وكعادتو دائما فقد بدأ ودالنعيم بالتسلسل حىت جلس إف جواره، وبنربة ف زبل من مكر نبس يف أذنو ."األخت، وغدا نريد أف قبلس سويا حىت ننهي أمر التكة، لينصرؼ كل منا إف عملو وشؤونو

تساءؿ شرؼ الدين، يف سره، عما إذا كانت أمو قد خلفت وراءىا تركة فعبل، فهي ف تكن سبلك شيئا ذا فكر إنو ليس من اإلنسانية . قيمة، وراح يفكر يف شأف التكة، وما ستكوف، وما إذا كاف اغبديث عنها اآلف أخبلقيا أـ ال

هبب دفن ما يتكو اؼبوتى معهم، كما : "أف يرث إنساف إنسانا آخرا، وقرر أف ذلك أمر ال ينم عن وفاء، وأسر يف نفسو ." كاف يفعل الفراعنة من قبل

توزع الناس يف ؾبموعات، وراحت كل ؾبموعة تتبادؿ األحاديث . بدا العزاء أشبو باجتماع قروي اعتياديالضاحكة، واؼبوضوعات الدنيوية األكثر جدية وأنبية من اؼبوت، وبدا أف الناس قد نسوا أمر وفاة اغباجة ست النفر،

كل . وواجب البكاء واغبزف عليها، واستغلوا ىذه اؼبناسبة اليت صبعتهم من أماكن متفرقة يف تبادؿ األخبار العامة واػباصةشيء كاف يوحي باالعتيادية؛ باستثناء قراءة الفاربة بت اغبت واآلخر، عندما يدخل أحد اؼبعزين اعبدد، عندىا يتلبس

. اعبو اعبنائزي اؼبكاف لبعض الوقت، مث يعود األمر كما كاف: بطريقتو الوثائقية اػباصة، التفت ودالنعيم إف شرؼ، وأخرج من جيب جلبابو ورقة صفراء صغتة، وىو يقوؿ

نسيت أف أخربؾ أف موعد زيارة عواطف للطبيب ستكوف بعد غد، سوؼ أذىب معكما، وستكوف فرصة جيدة إلهناء "

Page 52: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 52

نظر إليو شرؼ بدىشة، وىو يتساءؿ عن سر إصراره على إبقائو على اطبلع، ." اإلجراءات القانونية بشأنك ىناؾف يفهم شرؼ الدين مغزى كبلمو، كما أنو ف يشعر حياؿ ابتسامتو !" أعت فيما ىبص التكة: "فابتسم ودالنعيم مستدركا

.تلك بالراحة، إال أنو اكتفى هبز رأسو موافقا، وأهنى األمر

Page 53: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 53

Page 54: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 54

حل اؼبساء أختا، معلنا انتهاء يـو اغبداد الثالث، وبدأ اؼبعزوف دبغادرة اؼبنزؿ، ولكن عديلة بابو مازالت تصر على البقاء، وف تعد مع من عادوا إف سوبا حبافلة من الطراز القدن، واليت أقلت ما يزيد عن سبعة وثبلثت راكبا، ما بت

بدت الوجوه أكثر . عاد بيت العائلة إف ىدوئو القدن، وأحس شرؼ الدين ببعض الراحة لذلك. رجاؿ ونساء بأطفاؽبموألوؿ مرة يتاح . وضوحا من ذي قبل، ومبلمح اغبزف تبلشت، إال من ضبرة اكتنفت األعت، كتذكار قدن قد يتكو األرؽ

كاف بإمكانو أف يستشعر . لو ظباع صوت طقطقة أغصاف اؼبسكيت، وحفيف أوراؽ السيسباف اؼبزروعاف يف فناء اؼبنزؿ .رحابة اؼبنزؿ من جديد، وأف يسمع صرير اعبنادب، ونقيق الضفادع، وصوت صافرة اؼبعدية يف آخر رحبلهتا اؼبسائية

أذىلتو رؤية أحد األطفاؿ ف يغادر، وطبن أنو ضاع من أسرتو يف زضبة وداع اؼبغادرين، وضحك اعبميع وىم . ىبربونو أنو ابن فتحية األصغر الذي ف يشهد مولده على األرجح، ولكن ذلك ف ىبفف من شعوره بالذىوؿ واالستياء

أحضر حقيبة جلدية وضعها أرضا، وفرش . ربدث ودالنعيم عن رحلة اػبرطـو اؼبفتضة، وراح ىبطط ؽبا علناعرؼ اعبميع، فيما بعد، أنو يبحث . رجليو إف جوارىا، وىو يبحث بت رزمة كبتة من األوراؽ واؼبلفات عن شيء ما

عن آخر وصفة عبلجية تلقتها عواطف من طبيبها اؼبعاف، وأسفل الوصفة عثر، أختا، على عنواف العيادة، وأرقاـ . ىواتفها، وأضاؼ الوصفة إف ؾبموعة أخرى من األوراؽ واألدوية اليت ينوي أخذىا معو غدا

يف كل ما هبري كاف شرؼ الدين منهمكا يف النظر إف باطن قدـ ودالنعيم اؼبليئة بالتشققات، وكعب قدميو كانت الشقوؽ اليت يف قدميو مشاهبة للجداوؿ الصغتة اليت يف كبائن الطوب األضبر؛ تلك اليت . اؼبائلت إف السواد

وبكثت من التكيز، بدت لو تلك الشقوؽ أكثر اتساعا، وكأهنا شقوؽ . يستخدموهنا لتمرير اؼباء إف حفر الكبائنفكر يف اؼبأساة اليت قد تصيب ذبابة عاثرة اغبظ إذا ما وقعت يف إحدى تلك . أحدثتها دودة خرافية عمبلقة يف األرض

.الشقوؽيف تلك األثناء كانت عواطف رباوؿ ربضت حقيبتها الصغتة، بينما انشغلت نعمات بتتيب اؼبنزؿ، وبدا األمر

حبث عن فتحية، ولكنها والعمة عديلة ف تكونا موجودتت يف اؼبكاف، واألطفاؿ يلعبوف . وكأف اغبداد انتهى منذ سنواتبدمى ؿبلية لسيارات اإلسعاؼ والشرطة، وبركوهنا بأيديهم، ويتنقلوف هبا حبوا عرب الصالة، وكأهنم يصوروف مشهدا

. سينمائيا ألحد األفبلـ البوليسية الشيقة، تابع معهم قليبل، مث شعر باؼبللعندىا توقف ودالنعيم عن " وماذا عن التكة؟: "بطريقة ف يرد ؽبا شرؼ الدين أف تكوف مثتة، سأؿ فجأة

البحث بت أوراقو، وتركت عواطف يديها داخل حقيبتها الصغتة، وتوقفت نعمات عما كانت تقـو بو، والتفتوا إليو يف أعت؛ ماذا تركت أمي يستحق أف : "حاوؿ استدراؾ اؼبوقف الذي هبهل أسبابو سباما وأضاؼ. دىشة أخافتو كثتا

: نظر اعبميع إف ودالنعيم، وكأهنم يوكلونو بالكبلـ نيابة عنهم؛ فتلعثم قليبل قبل أف هبيب" يورث؟أعت؛ حقوؿ القصب، وغيطاف الربسيم، وقارب . يف اغبقيقة إنو ليس متاث أمك فقط، بل ومتاث أبيك أيضا"

. الصيد القدن، وىذا البيت؛ إذ ترغب أخواتك يف بيع البيت لتتصرؼ كل واحدة منهن يف نصيبها كيفما تشاء

Page 55: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 55

هبب أف نضع . أنت تعلم أف البيت أصبح قديبا للغاية، كما أف اعبميع يف القرية بدءوا باالنتقاؿ إف اػبرطـو " مستقبل األطفاؿ يف االعتبار، أـ لديك رأي آخر، صهري العزيز؟

أحس شرؼ الدين أف األمر مت التتيب لو مسبقا، ولكنو ف يعرؼ مب هبيب، فظل صامتا لبعض الوقت، ولسبب

شعر بأنو يقف وحيدا يف مكاف ال هناية لو، وطيف ما، ىزيل وباىت، يقف عند أطراؼ . ال يعلمو أحس خبوؼ شديد، لقد أخربت زوجي الشفيع باألمر، : "قاطعت نعمات صمتو اؼبتوجس. اؼبدى البصري كلنا نرغب بالذىاب إف اػبرطـو

وأبدى موافقتو، ولن يبخل علينا باؼباؿ طبعا، وعواطف وعبد اؼبنعم متفانباف حوؿ ذلك أيضا، وىكذا سيكوف بإمكاننا !" صبيعا أف نظل إف جوارؾ

شعر شرؼ الدين دببادئ صداع يداىم مقدمة رأسو، ف يستطع فهم ما هبري وما يقاؿ، كاف األمر وكأهنم خططوا لكل شيء، وانتظروا فقط أف سبوت أمو لينفذوا ما خططوا لو، ولكنو ف يستبعد أف يكونوا قد خططوا لقتلها ىي

. مرر بصره على اؼبوجودين، وسبعن يف نظراهتم اؼبخيفة واعبشعة، حىت األطفاؿ بدوا، لو، متواطئت مع ما هبري. كذلك . ىو وحده فقط من تفاجأ باألمر على ما يبدو

كانت أصوات القطط يف . هنض شرؼ الدين بكل ىدوء، وخرج من الصالة العمومية، دوف أف ينطق حبرؼ واحدموسم التزاوج تعرب أذنيو، وتغرؽ يف بركة الصمبلخ داخلهما دوف أف تستقر يف دماغو، وأضواء البدر اؼبكتمل كأهنا

اختؽ ىدوء األزقة الطينية عابرا كل ما يبر حولو يف المباالة، دخل غرفتو . كشافات منطقة عسكرية تتبعو حيثما توجو .دوف أف ينت اإلضاءة، وأغلق الباب وراءه، مث توغل يف ظبلـ الغرفة اليت كانت تبتلعو ككرش حوت ضخم

شعر بأف العاف يدور بو يف فلك ثقيل . ألقى بنفسو على السرير، وظل ينظر إف السقف الذي ف يكن يرهف يفهم سر اغبالة اليت اعتتو، كانت األفكار تنهش دماغو كضباع أفريقية شرسة، وأصوات غريبة ودافئة تدؽ . ورتيب

. طبلة أذنو ببل ىوادة، وفجأة أحس بدمعة وحيدة تتسلل من عينيو، لتسيل على خده، وتستقر أختا وراء شحمة أذنو .دمعة وحيدة، ولكنها كانت ساخنة إف اغبد الذي جعلو يغمض عينيو بقوة

* * *

ردبا غفا قليبل أو ردبا ف يغف شيئا، ولكنو أفاؽ على إثر خربشات يف خشب النافذة، وصوت يأتيو من ورائها

تشبث دبا بقي لديو من وعي يانع، وهنض متجها إف النافذة وفتحها؛ فإذا حبسن البلولة واقفا، ويف وجهو . كنعيق البـوعبلمات بؤس بادية، أشار إليو بالسبابة والوسطى، حبركة تعت أنو يريد أف يستا قليبل، نظر إليو شرؼ بعمق، وقاؿ،

!"لقد جئت يف وقتك: "وكأنو وبدث نفسو

Page 56: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 56

تسلل شرؼ عرب النافذة، وكاف البلولة يبسك بعصا اػبيزراف كعادتو، ومضيا معا ىبتفياف داخل دخاف العتمة كانت عصا اػبيزراف اليت يبسكها البلولة بإنباؿ يف يده تتؾ وراءنبا خطا متعرجا كسفينة . اؼبشوبة بظبلؿ البدر اؼبكتمل

ف يكونا يتكلماف طواؿ الطريق، وكأهنما ذاىباف أو عائداف . تشق البحر إف نصفت، تاركة وراءىا خطا غليظا من الزبدمن مأمت يعنيهما بشكل شديد اػبصوصية، وف يقتح أحدنبا على اآلخر إف أين هبب أف يتوجها، ولكنهما كانا يف

. طريقهما إف حقوؿ القصب بكل ثقةدائما ىناؾ شيء يقاؿ، واللحظات األكثر حزنا مهيأة للكبلـ أكثر من أي غبظة أخرى، فقط يتوجب علينا

أف نتكلم، وأف نثرثر، ليس مهما أف يكوف الكبلـ صحيحا قواعديا، ليس مهما أف يكوف ذا معت، وليس مهما أف يفهم . أف نتنفس بعمق أثناء الكبلـ، أف نعرؼ كيف لبرج آالمنا اؼبكبوتة عندما نتكلم. اآلخروف ما نقوؿ، اؼبهم ىو أف نتكلم

.أف قبعل الكبلـ، كالعطس، بوابة ػبروج ما يثقل صدورنا على الدواـ، عندىا فقط نشعر بالراحةكاف شرؼ يعلم مقدار األف الذي وبملو البلولة جراء عدـ قدرتو على الكبلـ، ومن أجل ىذا، ومن أجل

حواسنا تتعاطف . إحساسو اؼبتعاظم باؼبسئولية ذباىو كاف وبب ؾبالستو، ليس من باب الشفقة، وإمبا من باب التعويضالبصر ال يدرؾ كل شيء؛ لذا يكملو السمع، وىو نفسو ال . مع بعضها البعض، وتعمل بطريقة تكميلية مث تعويضية

يدرؾ كل شيء؛ فيكملو اإلحساس، وعندما نفقد إحدى حواسنا، فإف بقية اغبواس تقـو بدورىا عوضا عنها؛ لذا لن .ذبد أحدا وبسن اإلصغاء واالستماع أكثر من البكم

بعد صراع ف يدـ طويبل، قرر شرؼ الدين أف يبارس عادتو السرية النادرة يف حضور حسن البلولة للمرة األوف، توقف عند منتصف الطريق الفاصلة بت حقوؿ القصب وحانة أكيج، وصرح . فقد أحس برغبة جارفة يف البكاء والثرثرة

للبلولة برغبتو يف شرب اػبمر؛ فهز البلولة رأسو دبا يشبو االمتعاض، وانطلق وحده إف حقل القصب، بينما توجو شرؼ ."ال يقتل الوىم إال مزيد من الوىم: "الدين إف اغبانة، وىو يردد بعـز

كانت اغبانة تعج بالزوار على غت العادة، وزوج أكيج العمبلؽ هبلس يف مكانو اؼبعتاد، يبصق لعابو الغزير جلس يف مكاف . الداكن يف ىدوء مريب، واألحاديث اؼباجنة والقهقهات السافرة تنطلق من أسفل الراكوبة اػبيزرانية

. بعيد دوف أف يكتث بكل ما حولو، وأخرج علبة سجائره، ووضعها أمامو على األرض، ووضع فوقها قداحتو اؼبذىبةبطريقة مهنية راتبة تقدمت أكيج، وىي ربمل قارورة اػبمر، وغمزت لو غمزة فهم منها أهنا خصتو خبمر جيدة،

كانت األصوات الغريبة الدافئة . فابتسم ابتسامة ف تتحرؾ ؽبا كل عضبلت وجهو، وراح وبتسي طبره يف ىدوء وشغفسن يرقد أسفل مزيرة مياه . ما تزاؿ سبرح يف دماغو، فأحس بو ككأس مقلوبة مليئة باألشباح واللعنات

كلب أكيج اؼب

لبعض الوقت شعر باإلشفاؽ حيالو، ولكنو عاد . الشرب، يطارد بأنيابو براغيث أخرجتو، أختا، من سكونو األزف . وأسعده أنو يبارس كلبيتو حبيوية

Page 57: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 57

فتاة ال يعرفها، ولكنها . الحظ، يف وجوده اؼبتخشب ذلك، فتاة ذبلس عند مدخل إحدى الغرفتت الطينيتتكانت ربمل يف نظراهتا الغريبة وجدا عتيقا، وما أف انتبو إليها حىت تبسمت يف وجهو برقة حذرة، فابتسم ؽبا باؼبقابل،

. وحياىا بكأس طبره اليت كانت قد أوشكت على االنتهاءجاؿ يف خاطره حوار قدن بالكاد يتذكر تفاصيلو، عندما أخربه أحدىم أف النساء عندما يبتسمن لرجل؛ فهن وباولن إخباره حباجتهن إف اعبنس، واعتمد يف ذلك على أنو ال شيء يسعد النساء، يف ىذا العاف، سوى اعبنس أو ما

.كاف رأيو أف تلك نظرة متطرفة، ولكنو سبت، بينو وبت نفسو، أف يكوف صحيحا. يفضي إليوف يتذكر صاحب اؼبقولة على وجو الدقة، ولكنو تذكر أنو شخص قليل الكبلـ، وافر اؼبعرفة، ال يعيبو إال

تبسم ضاحكا ؽبذه الذاكرة . اعوجاج يف شفتيو، وأنو كاف البد أف يعيد حديثو، من بدايتو، إف قاطعو أحدىم ألي سببلطاؼبا أخربه رفاقو أنو وبمل ذاكرة مسن خرؼ، ولكنو دائما ما يرد عليهم . اؼببتورة اليت ذبتزئ األحداث بطريقة عشوائية

!".اغبقيقة أنت ال أشغلها باألشياء التافهة وغت اؼبهمة: "مازحارغم ضجيج اغبانة اؼبمتلئة بضحكات السكارى ونكاهتم البذيئة، وفحيح النيل رزقة الذي ال يكف، وحركة

أكيج اليت ال هتدأ، ودوراف الكلب حوؿ نفسو؛ إال أنو كاف يشعر هبدوء منقطع النظت، وكأف ما هبري من حولو مسرحية كل ما كاف حباجة إليو ىو بعض الطمأنينة ليعرب، بواسطتها، إف خبلصة إنسانية يتمكن هبا من اكتساب التوازف . صامتة

. النفسيسخر من هتافت األشياء من حولو، وكأهنا كانت هتوي من صورهتا اؼبثلى لتسقط يف صورة مسخ يتلبس كل

حىت اػبمر اعبيدة اليت بدأت تشعره بالدوراف، ف يكن ؽبا ذلك اؼبذاؽ اغباذؽ . كل شيء ببل معت وببل مذاؽ. شيءف يستشعر تلك اللذة اليت كاف هبدىا يف معاقرة اػبمر كل مرة، وأحس بأنو إمبا يفعل ذلك اآلف بدافع . الذي وبب

ف يعرؼ، على وجو الدقة، ؼباذا أراد أف يغيب عن وعيو، ولكن قوة خفية . روتيت غامض، ال يبلك أف يسيطر عليو . كانت وراء رغبتو بأف يشرب حىت الثمالة

عاجلتو األفكار اجملنونة، وبدأت تلعب يف رأسو، تذىب عنو بعيدا مث تعود كأهنا يويو منفلت من خيط مطاطي ف يشأ، يف البدء، أف يغت احتاما ؼببلؾ اغبزف . رقيق، معقود يف مكاف ما من دماغو الذي ال يكف عن إصدار الصداع

: الذي رافقو إف حانة أكيج، ولكنو بدأ يغت دوف أف يرىق نفسو كثتا يف االختيار وقدر ما يبشي يف سور الزمن خطوات

يبلقي خطى السنت واقفات يبلقي ىواؾ نبت تاين وملى الساحات

* * *

Page 58: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 58

ىي ذات الصور الرتيبة والباىتة سبر أماـ عينيو، ذبعل . مؤلتو اػبمر شجنا، وقذفت بو يف جب ذكريات سحيق

ترنح كثتا، قبل أف يسقط، أختا، . الصداع أكثر شراسة، فلم يفهم ما إذا كاف ذلك بفعلها أـ بفعل طبر أكيج اعبيدةابتسم يف سخرية، وىو يشتم رائحة القونقليز والقطن اؼببلوؿ، وكانتا . يف إحدى حفر كبائن الطوب، اؼبمتلئة باؼباء اآلسن

.أقوى من أي وقت مضى ىذه اؼبرة، لدرجة أنو راح يسعل بقوة، قبل أف يتمكن، أختا، من النهوض، واؼبضي يف سبيلوىذا ): وقف أماـ شاىد القرب، وقرأه للمرة الثانية، ولكن بصوت عاؿ ىذه اؼبرة. ساقتو قدماه، أختا، إف اؼبقربة

أطاؿ النظر إف القرب الذي كاف منتفخا حبجم جسدىا . (2002 يونيو 23/ قرب اؼبرحومة ست النفر بت جاداهلل مرزوؽ بطريقة درامية جثا على ركبتيو، ووضع كفو على اعبزء . اؼبتىل، ورآه يصعد قليبل مث يهبط، وكأهنا تتنفس بصعوبة داخلو

!" ىذه اؼبرة أنا سأثرثر يا أمي: "اؼبتوـر من القرب، وىو يقوؿرفع رأسو ونظر إف السماء، وكأنو يستلهم اغبكمة، مث . سقطت منو دمعة دوف قصد، وف يعرىا أدىن اىتماـ

. خفضها وغرس كفو يف القرب، وسبدد جواره كطفل أرىقو اللعب؛ فقرر أف يناـ يف أحضاف أموجاء أقاربنا الذين كببهم، وأولئك الذين ال نراىم إال يف مواسم ! كم ىي الوحدة موحشة ىذه الليلة! يا للتعاسة"

كانت أعينهم الباكية زبفي . اغبصاد كاعبنقو ومفاوضي اغبكومة، وأناس ال أعرفهم، كلهم جاءوا إف عزائكوراءىا مشاتة ف أفهمها، بعضهم ألقى الفاربة دوف اىتماـ، ألنو وفر اىتمامو للمأدبة؛ نعم؛ كانت ىنالك مأدبة،

ثبلثة عجوؿ تكفل هبا ودالنعيم، ىل تصدقت؟ نعم؛ أكل اعبميع وشبعوا، وكاف بإمكاين أف أرى التخمة يف أعينهم اليت غاصت داخل وجناهتم، واألطفاؿ قطعوا أوراؽ السيسباف، وأكلوا شبار اؼبسكيت، وتقاذفوا هبا، أحدىم كاد أف ينهي مستقبلي التناسلي، واألكرب

!أجل إهنم طيبوف. سنا كانوا يوزعوف الشاي اؼبنعنع على اؼبعزينىو من أبلغت خرب موتك، وحرص على أف يتم الدفن قبل حلوؿ : ودالنعيم، أظهر حرصو اؼبعهود يف كل شيء

ىرع إف الكاملت وجلب منها الصيواف وأعمدتو اغبديدية، وحرص على أف . اؼبساء، قاؿ إف تلك ىي السنةيكوف إف جانيب طواؿ الوقت؛ وحرص على أف يؤكد ف موتك، وأطلعت على التقارير وشهادة الوفاة، ىل كنت

فعبل تعانت من السكري؟البيوت وأقبة البهائم واؼبيادين والغيطاف والنيل والناس، حىت أكيج أصبحت : كل شيء يف العيكورة تغت يا أمي

تزوجت رجبل ضخما ومريبا، ولكنت ال أعلم إف كانت . أجل؛ ىي أيضا تغتت. تسقي زوارىا طبرا مزيدة باؼباءأشجار "! بويب"أقببت منو أطفاال أـ ال، وكلبها الشرس مات بلدغة من عقرب، وامتلكت كلبا آخرا كسوال اظبو

باتت صغار العقارب تتقاتل على ظل األوراؽ اليابسة . واؼبورينجا ف تعد سبنح ظبلؽبا للبشر والبهائماؽبجليج !اؼبتساقطة من شجر النيم، زبيلي

Page 59: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 59

ىل تعلمت؟ لقد . فتحية؟ مازالت تشبو ودالنعيم، ولكن عبلمات الشيخوخة بدأت تظهر على وجهها مبكراعرفت مؤخرا أهنا ! قالت إهنا تنوي فعل ذلك ألنو أمر رباين، وزوجها وافقها على ذلك. قررت ارتداء اغبجاب

أصبحت أكثر غطرسة مذ سافر الشفيع . ونعمات مازالت قلقة كما تركتها. أقببت طفبل، وف أسأؿ عن اظبوعواطف؟ بلهاء ومسكينة كما ىي، دائما، منذ أف كنا . أظنك الحظت ذلك أيضا. حاج مرضي إف اػبليج

صغارا، ىي الوحيدة اليت ف تتغت إف األسوأ، إهنا يف انتظار أف يعود زوجها من واحات جغبوب، ؿبمبل بالبضائع إين أشفق عليها كثتا، فشعر رأسها بدأ يتساقط أكثر من ذي قبل، وأخشى ! اؼبهربة عرب اغبدود، ؽبا اهلل يا أمي

. عليها من الصلعبنظراتو اغبادة، ومبلؿبو الواصبة كعماؿ مناجم الفوسفات : ال تقلقي؛ مازالت صورتو يف الصالة العمومية

أجل . اؼبستوحشت، أردت أف أنتزعو من اغبائط، وأف أىشمو كما ىشم أمنيايت بعناده األرعن، ولكت ف أستطع. أنا ف أقتلو يا أمي؛ أردتو فقط أف يعرؼ معت أف يتمت شيئا فبل يتحصل عليو. مازلت أخشاه حىت بعد موتو

تعلمت أنت كنت أسبت أف أدخل كلية الفنوف اعبميلة، وف أستطع أف أفهم سر رفضو حىت اللحظة، ف يكن من . حقو أف يبنعت

ؼباذا ف يفهم ف ذلك؟ أنت كنت تفهمت؛ أليس . ولكنت ف أرغب يوما أف أكوف صورة مكررة من أحدكذلك؟ مازالت رائحة شحنة القطن اليت كاف ينوي بيعها يف ود مدين تسكن خياشيمي يا أمي، ف أستطع أف . أزبلص منها حىت اآلف، تلك الرائحة اؼببلولة اليت تذكرين بو على الدواـ؛ منذ أف أجربوين على اؼبشاركة يف غسلو

ولكنت كنت أريد أف أدرس الفن . قالوا إهنا مهمة رجولية، وإنت أصبحت رجبل، وهبب أف آخذ مكانو .التشكيلي، تلك كانت أقصى أماين وقتها

دعك منو اآلف، فلم أشعر أنو أيب يف يـو من األياـ، لقد قررت أف أتزوج بوقية عبد الباسط، تعلمت أنت كنت ، وأعود للزواج هبا، ونرحل . أحبها، كما أهنا مثتة وليست ثرثارة كبقية الفتيات سوؼ أسوي أموري يف اػبرطـو

! كم كنت أسبت أف تشهدي زفايف يا أمي. مرة أخرىىذا ىراء، اؼبرأة تكذب عندما تدعي أف اىتمامها وانشغاؽبا . أجل؛ ومازلت أرى األطفاؿ عائقا أماـ زواجنا

النساء . بطفلها تعبت عن حبها لزوجها، ألهنا يف الوقت ذاتو ال تفهم انشغاؿ زوجها بعملو تعبتا عن حبو ؽبا . كائنات أنانية، ولكن وقية شيء آخر

لقد سألتت ذات يـو ؼباذا أصر على حلق . أعلم أهنا متدينة، ولكن تلك بصمات أبيها إماـ القرية اؽبالكسوؼ تعتاد طريقيت بعد مضي . وأقنعها ىذا الرد كثتا! غبييت، فأخربهتا إنت أفعل ذلك حىت ذبد مكانا تقبلت فيو

."الوقت، ال تقلقي حياؿ ذلك

Page 60: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 60

أحت رأسو إف األماـ، كاف يشعر أف عفاريت شريرة سبسك مقدمة رأسو بأصابع كبيلة وقوية، ذات أظافر طويلة بعض األسرار : "صوت مزعج ظل يردد داخلو. وحادة، رباوؿ غرسها داخلو، فيحسها أزاميل ربفر يف صبجمتو دوف رضبة

غاب يف نوبة من البكاء، وظل يغرس كفو يف القرب، . حاوؿ أف يتغلب على ىذياناتو، فلم يستطع!" هبب أال تكشف .ويستنشق أخبرة اؼبوت، ويشتم رائحة أمو القريبة من رائحة القونقليز حىت ناـ على ذلك

* * *

ف يعرؼ كم أمضى من الوقت وىو نائم على قرب أمو، ولكن أصوات اعبنادب وطيور السقد كانت توحي لو

كانت تعبق برائحة القونقليز، وف يشأ أف ينفض عنها . أخرج كفو من القرب. بأف العاف اختفى يف بطن منتصف الليلتذكر أف حسن البلولة ينتظره يف حقوؿ القصب، فنهض حبركة أسرع، وألقى نظرة أختة . التبة الباردة اليت علقت هبا

."أرجوؾ ال تغضيب مت، فقط أحببت أف أثرثر معك قليبل : "على أمو يف قربىا، وقاؿالزمو اػبوؼ كمبلزمة ودالنعيم لو، وتناثرت أمامو . غادر اؼبقربة، وىو ىبشى أف تبلحقو لعنات أمو أينما حل

تأرجح بت خوفو ورضاه عن . سنوات عمره وبسبها يوما يوما، يبحث فيها عن سبب هبعلو غت مقتنع دبا فعل، فلم هبد .نفسو، وبت ؿببة أمو اليت كاف يعشم كثتا أف تتفهم لو دوافعو، فلطاؼبا كانت كذلك

نظر إف بيوت العيكورة، وزرائبها، وأشجارىا وىي تغرؽ يف سراب العتمة، وأصوات اعبنادب تطغى على صدره . رآىا كقرى اعباف اليت تظهر فجأة مث زبتفي ثانية، كأهنا تراىن على قوانا العقلية. حفيف األشجار ونباح الكبلب

. مثقل باؽبواء الساخن والسعاؿ اعباؼ، وقلبو كطبوؿ قبائل بدائية يدؽ بقوة متسارعةكانت األرض ربت قدميو، كجثة . رأى أال شيء مهم يف ىذا الكوف، وأف تارىبو ال وبمل أشياء كثتة زبصو

فقمة مهولة، خشنة وطرية يف ذات الوقت، ونباتات العشر غت اؼبشذبة كشوارب كائنات عدمية تعيش يف عصور ما قبل . نظر إف الظبلـ بعينت مذىولتت، وكأنو يريد أف يتعرؼ عليو. كل شيء حولو يوحي بالكآبة والوحشة. اكتشاؼ اؼبرآة

الوجود واغبركة نبا من أوجدا اللوف، والشك أف الضوء كاف أوؿ من فض بكارة ! ىو البللوف. السواد لوف العدـ"العدمية، ولكن ماذا كاف لوف الضوء األوؿ يف ىذا العاف؟ الضوء يعت الزمن يف إحداثيات ىذا الفراغ الكوين،

كل شيء ـبطط لو مسبقا، ولكن ! ؿباولة تغيت األقدار كمنازلة الذباب. وكبن نقاط ونبية على إحداثية الكوف "كيف؟

كاف حقل القصب يف ذلك الظبلـ يبدو لو كقيامة سوداء، ترقص على حوافها شياطت ذوات أجنحة مشرشة ال

أدىشتو قدرتو على ربديد مدخلو يف كل مرة يلج فيها اغبقل دوف بوصلة، وأدرؾ أال أحد من عائلة بابو يعرؼ . زبفق

Page 61: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 61

وبفظ كل شرب فيو، ومسارات اعبداوؿ اؼبائية وتقاطعاهتا، ومداخلها وـبارجها، ومىت تكوف . حقل القصب كما يعرفو ىو .وسائد للجنس، ومىت تكوف حائط مبكى، ومىت تكوف جحيما وسجنا للخاطئت

عرؼ تضاريس اغبقل، وتعود عليها منذ أوكل إليو والده حفر جداولو من النهر، وألزمو برعايتها يف إجازاتو أحب أعوادىا، وألياؼ سيقاهنا اػبشنة، واكتشف . اؼبدرسية، وما أكثر ما عبأ إليو ـبتبئا من غضبو وسوطو الذي ال يرحم

موىبتو يف كبت التماثيل عند تقاطع اعبداوؿ، يصنع من طت أرضها قوارب صيد، وأحصنة ووجوه بشرية، وكل ما هبوؿ .يف خاطره، وأحب ذلك كثتا

كاف حقل القصب اؼبكاف الذي شهد أوف مغامراتو العاطفية مع وقية عبد الباسط، عندما كانا يتواعداف فيو بعد خشي شرؼ الدين أف . يتبادالف فيو اعبنس واألحبلـ واألمنيات الطيبة. الزواؿ، بعيدا عن أعت أىاف العيكورة الفضولية

.تكوف عبلقة وقية بو نوعا من االنتقاـ من أبيها، ولكنها كانت رببو فعبل، وأثبتت لو ذلك بشكل عملي يف ىذا اغبقل

Page 62: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 62

The Entonic

Page 63: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 63

كاف حسن البلولة ما يزاؿ ؿبتفظا دببلؿبو اؼبمتعضة، عندما وصل شرؼ الدين إف ملتقى اعبداوؿ اؼبائية داخل نظر إليو بدافع الفضوؿ . حقوؿ القصب، حيث جلس فبسكا بعجينة من الطت على ىيئة طائر ف ينتو من تشكيلو بعد

جلس شرؼ، وىو يتكئ على كتف البلولة، ومد ساقو اليمت إف . ال أكثر، مث عاد ينهمك يف تشكيل منحوتتو كما كافظل البلولة منشغبل بعجينة الطت يقلبها بت كفيو باىتماـ . األماـ حىت أف كعب قدمو المست سطح اعبدوؿ اؽبادئ

وبراعة، بينما راح شرؼ يراقبو بذات االىتماـ حىت اكتملت؛ فرفعها أماـ عينيو، وراح يقلبها على ضوء البدر اؼبكتمل، !" ربفة: "وينظر إليها بسعادة غامرة، وشاركو شرؼ سعادتو بكلمة واحدة

وضعها إف جانبو حبذر شديد حىت ال تتكسر، مث لكز شرؼ بكوعو، وأشار إف هنديو بكلتا كفيو، فأجابو أتدري؛ شيئاف بإمكاهنما تنغيص : "وبطريقة مراوغة التفت إليو وقاؿ." أجل؛ كنت أزور أمي: "اآلخر بشيء من اغبياء

النساء كالكرن اؼبخفوؽ على قالب : "مث سكت قليبل، واستدرؾ!" طوؿ اليـو اؼبمل، وشح اؼبوارد اؼبيتافيزيقية: حيايت كليابدا أنو ف يكن راغبا يف سرد أية تفاصيل عما جرى يف ." اغبلوى، وجوده ليس مهما، ولكنو يعطي اغبلوى مذاقا أصبل

.تلك الزيارةف يكن البلولة حباجة إف أف وبكي لو شرؼ أي شيء، فهو يعرؼ العبلقة اليت تربطهما، ويعرؼ مدى تعلقو

يف الواقع ف يكن يسمع منو إال حكاياتو مع أمو ومع وقية عبد . هبا، ووقف على تاريخ ىذه العبلقة منذ أف تعرؼ عليوظبع منو كثتا عنها وعن ثرثرهتا، وعن رائحتها اليت تشبو رائحة القونقليز، تلك اليت اكتسبتها منذ أف كانت تبيع . الباسط

شبار القونقليز والدـو لؤلطفاؿ أماـ إحدى اؼبدارس االبتدائية، وعن العداء األزف بينها وبت عمتو عديلة بابو، ودعواهتا الصادقة واغبماسية عليها بأف سبوت ؿبتقة، وعن وصاياىا اليت وبفظها عن ظهر قلب، وال تفتأ ترددىا على مسامعو على

.الدواـ عن البنات والعساكراحذر العساكر، فهؤالء ال تعرؼ قلوهبم الرضبة، فقد رضعوا ! إياؾ والسياسة؛ فهي قمار بت الشيطاف واغبكومة"

تعلم أف تقوؿ ؽبم . حليب الضباع، وإف اقتادوؾ إف مكاف ما، فسوؼ لن نتمكن من العثور عليك مرة أخرى، فهن أخوات األباليس، وال شيء يصنعنو سوى إغواء الشباف، . نعم دائما لتضمن السبلمة واحذر بنات اػبرطـو

." وأنت ساذج وطيب ويسهل خداعك، والوحدة سوؼ ذبعلك تناسق وراءىن

مرت غبظات قليلة من الصمت كانت بعض السحب اػبفيفة، خبلؽبا، تشاغب البدر اؼبكتمل، وربجب ضوءه ف ترتسم أية مبلمح أو تعابت على . تبادال النظرات يف تلك العتمة، وف ينطقا بكلمة واحدة. عن اؼبكاف؛ فيعم الظبلـ

وجهيهما، كانا فقط ينظراف إف بعضيهما يف صمت، وكأف أحدنبا ينتظر من اآلخر أف يقوؿ شيئا، أدرؾ شرؼ الدين لقد ثرثرت كثتا مع أمي، ولكن ال بأس؛ فالثرثرة معك شيء . أعلم أنو أنا من يتوجب عليو الكبلـ: "ذلك؛ فابتسم

Page 64: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 64

مد يده يتحسس التبة، مث وضع يده على عصا البلولة اػبيزرانية، وراح يرسم هبا على األرض خربشات ال معت ." آخر . ؽبا غت التوتر، والبحث عن مدخل مناسب

لست حزينا ؽبذا االكتشاؼ؛ فقد كاف ذلك طواعية ! ىل تعلم يا صديقي؛ اكتشفت مؤخرا أنت ببل أصدقاء"اعببناء . إياؾ أف تصدؽ ىؤالء، فهم جبناء. مت أو ردبا ف يكن كذلك، ولكنت ال أشعر بالفقد على اإلطبلؽ

ىم ىبافوف الوحدة، الوحدة تشعرىم بضعفهم وال أنبيتهم؛ لذا فإهنم . والضعفاء فقط ىم من يبحثوف عن أصدقاء !حباجة إف اآلخرين لكي يشعروا بأنبية أنفسهم؛ يالؤلنانية

ىم أنانيوف حت يبحثوف عن صباعات ينتموف إليها، كل واحد منهم ! ال تنظر إف ىكذا؛ تلك ىي اغبقيقةالوحدة تفضحهم، تكشف . وبب أف يبارس دوره داخل ىذه اعبماعة؛ يفعلوف ذلك إلرضاء أنفسهم وحسب

.زيف أدوارىم اليت يلعبوهنا، وتسقط عنهم أقنعتهم فيشعروف بالعري. الوحدة تعت أف تواجو نفسك، وعيوبك، وتارىبك، وأخطاءؾ، وىم ال يقدروف على ذلك؛ بل ىبافوف منو

يضعفوف أماـ أنفسهم؛ لذا يذوبوف يف اآلخرين، ألف كل واحد منهم يبنح اآلخر صورة زائفة عن نفسو؛ فتنعكس ستى ! اسق أحدىم من طبرة أكيج إف أردت أف سبتحن كبلمي. من مرآة أعينهم إليو؛ فيشعر بالرضا والتقدير

.شحم وجوىهم يذوب أمامك، حىت ال يظل منها إال حقيقتهمتلك االبتسامات . أتعلم ؼباذا أحب اػبمر يالبلولة؟ ألهنا تزيل عت شوائب اآلخرين اليت تعلق يب أثناء اليـو

البلهاء اليت اضطر لرظبها ألشخاص ال أعرفهم؛ فقط جملرد أهنم مروا من أمامي، أو ألهنم نظروا إف وجهي مباشرة، .أو حىت ألمنحهم شعورا أضبقا بأنت شخص لطيف

ليس ىنالك ما ىو أصبل، وال أنقى من الوحدة يا صديقي، ولكن شبنها باىظ جدا، فهي ذبعلك شخصا ـبتلفا، واالختبلؼ دائما جيد وصبيل، ولكن إف ف تكن صادقا مع نفسك حبق، فإف ىذا االختبلؼ سوؼ

هبعلك تشعر بالدونية والعدمية، وعندىا ستكوف الوحدة انطوائية ال معت ؽبا غت ذبولك يف ذاتك، وفنائك فيها، أفضل العزلة على أف أكوف ؿباطا بأصدقاء مزيفت يا . الوحدة شيء واالنطواء شيء آخر. واػبوؼ من اآلخرين

!البلولةلباؼ من . لباؼ من الوحدة؛ لذا نتزوج. لباؼ من اؼبوت؛ لذا نعيش: اػبوؼ ىو أصل العواطف البشرية

األرض، وبقائنا اػبوؼ ىو احملرؾ اغبقيقي وراء عمارة. لباؼ من الفشل؛ لذا ننجح. الفناء والعجز؛ لذا ننجبدائما وبركنا اػبوؼ يا . صبيعا، وعندما يصل اػبوؼ حدا وجوديا ما؛ نلجأ إف التدين، والتعلق بأستار السماء

.البلولة، وتلك ىي اؼبصيبةىبشى الناس عادة فبا ال يرونو، ولكن األجدر بنا أف لبشى النساء، فهن أعظم خطرا علينا من تلك الكائنات

زبيل أف امرأة أحبت رجبل ما، وعاشا قصة من اغبب اعبارؼ، فإهنا سوؼ تتحدى العاف لتتوج عشقها . اػبرافية

Page 65: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 65

ولكن إف أقببا طفبل، وتعرض الرجل والطفل ػبطر ؿبدؽ، وف يكن يف إمكاهنا إال أف تنقذ أحدنبا، . بالزواج فأيهما كانت زبتار برأيك؟

إف كنت تعتقد أهنا سوؼ زبتار سوى طفلها، فأنت ال تعرؼ النساء جيدا؛ تلك غريزة األمومة القاتلة يا صديقي، ولو أهنا فكرت جيدا لوجدت أنو من األجدى ؽبا أف تنقذ زوجها، ألنو باإلمكاف تعويض األطفاؿ،

إهنا تقدـ اغبب والذكريات، واألحبلـ اؼبشتكة واللحظات اعبميلة اليت قضتها مع زوجها . ولكن اغبب ال يعوضقرابت ألمومتها العمياء، يف حت بإمكاهنا أف تتحلى ببعض الوفاء والتعقل، ويكوف دبقدورىا أف تنجب طفبل، بل

كبن نفكر هبذه الطريقة، ولكنهن ال يفكرف بذات الطريقة، وىنا مكمن . أطفاال آخرين؛ إف ىي أنقذت زوجها .غريزة األمومة أشد خطورة علينا من أي شيء آخر قد نتصوره. اػبطر

إف الورطة اليت ذبلبها على نفسها ىي أف رباوؿ الظهور دبظهر الرومانسي أمامهن، ألنك سوؼ تكوف، وعندما تطلب من زوجتك أال ! عندىا، مطالبا بأف تكوف رومانسيا على الدواـ، وإال فثمة امرأة أخرى يف حياتك

تعد شيئا على الغداء، ألنك سوؼ ربضر طعاما جاىزا عند عودتك، فإهنا تغضب وتثور، ألف ذلك يعت أنك ال ربب طبخها، ولكن إذا أخربهتا بأنكما سوؼ تتناوالف طعاـ الغداء يف اػبارج، فإهنا سوؼ تشعر بالسعادة؛ رغم أف احملصلة النهائية قد تكوف واحدة، ولكن الفارؽ الوحيد ىنا أهنا سوؼ ربصل على تعويض جيد، وىي، حتما،

ال ترغب يف أف تضيع ىذه الفرصة، وردبا يف وقت آخر، أو يف أوؿ مشكلة سبراف هبا سوؼ تصارحك بشكوكها .حوؿ موقفك من طبخها اؼبنزف

ىنا بالتحديد تكمن اؼبشكلة؛ أننا يف النهاية كباوؿ أف نكيف . اإلنساف يا البلولة كائن ال يعقل، ولكنو وبسألننا أسرى ؼبا كبس، وليس كل ما كبسو صحيحا ىذه احملاوالت التوفيقية خاطئة دائما،. تفكتنا وفقا ؼبا كبس

."ال شيء مستقيم يف ىذا الكوف، وحده اإلنساف اختع اؼبسطرة عندما اضطر إلهباده. أبدا

سكت شرؼ الدين قليبل أو طويبل، وكانت عينا البلولة تزداداف اتساعا، وبدت السماء الليلية أكثر صفاء من فضل االثناف النظر إف السماء لبعض الوقت، وكأهنما قررا أف يبنحا نفسيهما استاحة قصتة، أو خلوة تأملية . ذي قبل

.من ذلك النوع الذي هبعلنا نفكر فيما هبب أف يقاؿ الحقااؽبواء ثقيل كعادتو يف مثل ىذا اؼبوسم من كل عاـ، وخيل لشرؼ الدين أف الكوف يطفو على سطح هنر ثقيل من

الحظ ابتبلؿ . اغبمم الربكانية، ونقيق الضفادع، الذي انتبو إليو للتو، ضاعف من إحساسو بوحشة الليل ووحشيتو .ساعديو، وجبينو بالعرؽ الذي ال يسيل، وال يتحرؾ، وف يكتث بتنشيفو على اإلطبلؽ

* * *

Page 66: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 66

فيما انشغل البلولة برسم دوائر متداخلة على األرض بكعب قدمو، راح شرؼ الدين يتذكر، ببل مربر واضح،

ذلك اليـو الذي قرر فيو الذىاب إف كلية الفنوف اعبميلة جبامعة السوداف غبضور اؼبعرض التشكيلي اؼبعلن عنو يف ، وعلى اؼبواصبلت بوستات منشورة يف ميداف أبو جنػزير، وصاالت ؿببلت بيع الذىب يف السوؽ العريب وسط اػبرطـو

.العامة، وعلى البلفتات القماشية اؼبعلقة بت أعمدة اإلنارة يف شوارع العاصمةصادؼ ذلك احتفاؿ الكلية بتخريج إحدى الدفعات، وكاف اؼبعرض أحد فعاليات االحتفاؿ، والذي شارؾ فيو

عدد من الفنانت التشكيليت السودانيت وغت السودانيت، باإلضافة إف مشاركة بعض اػبرهبت بلوحاهتم التشكيلية وجدىا فرصة لتجديد شغفو القدن الذي حاوؿ والده ؿبوه باألعماؿ األكثر أنبية وفائدة، من وجهة . ومنحوتاهتم الفنية

.نظرهاستقبلتو فتاة ظبراء ىادئة اؼببلمح عند مدخل اؼبعرض، تلقي وشاحا من ألياؼ الكشمت النقي على كتفها،

وتفرد شعرىا اؼبتفحم وراء ظهرىا، ترتدي قميصا واسعا ذا هنايات مطرزة خبيوط حريرية المعة، وبنطاؿ جينز غامق اللوف، ابتسمت يف وجهو ابتسامة أكاديبية جادة أجربتو على ردىا بابتسامة أقل جدية، عرضت عليو مرافقتو . باىتا عند الركبتت

عرؼ الحقا، من خبلؿ حديثها، أهنا اؼبشرفة، والقيمة على أعماؿ اؼبعرض . يف جولتو، وتعريفو على أقساـ اؼبعرض .خبلؿ فعاليات االحتفاؿ

. يبدو أنك زائر، ولست أحد طبلب الكلية - ىل أبدو كذلك فعبل؟ -

. قليلوف ىم من يهتموف دبثل ىذه اؼبعارض من خارج الكلية -

! ىذا تفست مريح -

ىل ربب قراءة اللوحات التشكيلية، أـ آخذؾ فورا إف قسم النحت؟ -

أال يبكنت أف أظفر باالثنت؟ -

! بالتأكيد -

راح شرؼ يتنقل بسرعة من لوحة إف أخرى، دوف أف يسمح ؽبا أف تكمل شرح قراءهتا لكل لوحة، وعندما نبهتو

فعرفت أنو ال يرحب بصحبتها، !" لن أعتؾ عيت لتقرئي هبما؛ آنسيت: "إف ذلك بشيء من التهذيب، رد عليها فورافانسحبت يف ىدوء راظبة ذات االبتسامة األكاديبية اعبادة، بينما احتفظت لنفسها دبزيج غريب من اغبنق والفضوؿ ذباه

.ىذا الزائر غريب األطوار

Page 67: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 67

. ف يكن يتوقف عند كل لوحة أقل من دقيقة واحدة، إال أنو كاف مصرا على مشاىدة كل اللوحات اؼبعروضةبدا مستاء " ؼباذا يصر ىؤالء على إفساد الفن دبثل ىذه األعماؿ الطفولية؟: "غمغم من وراء كفو اليت وضعها على فمو

من طريقة استخداـ الفرشاة، واإلنباؿ الواضح يف تفاصيل الضوء والظل، وعدـ استغبلؿ مساحات اللوحة على الوجو . األكمل، كما أنو رأى أف بعض اللوحات معروضة بطريقة خاطئة

ساءه كذلك أف بعض زوار اؼبعرض جعلوا منو مكانا لبللتقاء، وتبادؿ األحاديث اعبانبية، وكاف يرى أف اؼبعارض سبع وطبسوف لوحة ىي عدد اللوحات اؼبعروضة، ف هبد . هبب أال يسمح فيها بالكبلـ والتشويش: الفنية كبيوت العبادة

فيها إال لوحتت فقط تستحقاف القراءة واإلعجاب؛ فعاد لقراءهتما على مهل بشيء من التكيز، مث انتقل، على الفور، .إف قسم النحت

أحست بأنو يبلك عينا . ظلت مشرفة القسم السمراء ذات اؼببلمح اؽبادئة تراقبو عن بعد، دوف أف يشعر بذلكفنية ثاقبة؛ طبنت ذلك من طريقتو يف النظر إف اللوحات، واستخدامو ألصابعو اليت كاف يبررىا على اللوحة من أطرافها وحىت اؼبنتصف حبرفية واضحة، األمر الذي جعلها تستأذف من زميلتها يف استقباؿ الزوار بدال عنها، وراحت تتبعو أىن

.توجوؾبسم جبسي لرجل شبو عار، يداه مغلولتاف وراء ظهره، ىبفي : وقف أماـ منحوتة شدت انتباىو على الفور

عورتو بساقيو، وعلى وجهو تعابت ف يستطع اعبـز ما إذا كانت هنايات صرخة غاضبة، أـ بدايات بكاء حزين، أـ تعابت . أف من نوع غريب وـبيف

العروؽ، العضبلت، تعابت الوجو، : كاف اجملسم دقيق النحت لدرجة ف تدع تفصيلة واحدة لفطنة اؼبشاىدالنسب، أظافر اليدين والقدمت، ذباعيد اعبلد، الشعر، تفاصيل األذنت كل شيء كاف مثاليا إف اغبد البعيد، ودوف أف

:يلتفت إف الوراء ىل ىذه إحدى أعماؿ طبلب كلية الفنوف اعبميلة أـ عمل فناف عاؼبي؟ -

ألديك عيناف يف قفاؾ؟ كيف عرفت أنت أقف وراءؾ؟ -

. اغبس األمت هبعلت أشعر باؼبراقبة -

! أنت إذف أحد الرفقاء -

. أنت قلت -

. صنعو فناف سوداين مغمور يدعى حسن البلولة" اؼبتوتر"إنو ؾبسم -

. إهنا ربفة عبقرية فعبل -

(The Entonic)اظبها منقوش على لوحة الزينكوغراؼ يف األسفل كما تبلحظ -

ىل ىي للبيع؟ -

Page 68: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 68

.إهنا للعرض فقط، ال شيء ىنا للبيع -

كاف إعجاب شرؼ الدين باجملسم اعببسي باديا للغاية، لدرجة أنو ف يلتفت إف اجملسمات واؼبنحوتات اؼبعروضة

رأى أف كل االحتماالت . وأخذ يعيد قراءة التعابت مرة أخرى، وكأنو وباوؿ استنطاقو" اؼبتوتر"وقف قبالة وجو . األخرى، " اؼبتوتر"عينا . ورادة، وبشكل كبت مغمضتت يف أف، وشفتاه شبو اؼبطبقتت، توحياف ببقايا صرخة أو بكاء أزف ؿبمـو

إنو شخص ؾبنوف : "وعندما ركز أكثر؛ استطاع أف يرى أسنانو من الداخل، فنهض واقفا، وبدأ يصفق يف إعجاب شديد !" بالفعل

أال ننتقل إف منحوتة أخرى سيدي؟ -

. أخشى أف أصاب باإلحباط -

وؼباذا؟ -

. ىو الشيء العقبلين اؼبعرب الوحيد يف ىذا اؼبكاف" اؼبتوتر"ال أريد أف أكتشف أف -

للحظة عابرة خطر يف ذىنو أف مبلمح اؼبتوتر أكثر إتقانا من مبلمح القيمة على اؼبعرض اليت ال توحي بشيء مثت للدىشة على اإلطبلؽ، ولكنو تبسم يف وجهها بنصف جدية، وىو يقرر االنصراؼ إف بقية اجملسمات األخرى،

. وكانت سعيدة لقبولو مرافقتو من جديد يف جولتو القادمة

* * *

أمضيا ساعة، تزيد أو تنقص قليبل، ونبا يتنقبلف بت اؼبنحوتات اليت ف ترؽ كثتا لشرؼ الدين، فراح ينتقد كاف شغفو بالفن واضحا بالنسبة إليها، . األعماؿ اؼبعروضة، بينما كانت تستمع إف انتقاداتو األكاديبية بإنصات شديد

وال وبتاج إف فطنة خارقة، فعيناه تلمعاف كلما توقف لقراءة لوحة أو مشاىدة إحدى اؼبنحوتات، وال يكتفي بذلك؛ إمبا وبرؾ رأسو يف صبيع االذباىات، وكأنو وباوؿ رؤية اللوحة من زوايا ـبتلفة ومغايرة، وعلى طريقتو اؼبفاجئة عرض عليها

. تناوؿ كوب من العصت البارد يف الكافتتيا اجملاورة للمعرض، ووافقت على الفورجلسا كأهنما صديقاف ضبيماف، وتناقشا كثتا حوؿ الفن، وتارىبو ومدارسو، وتكلم مطوال عن مبلحظاتو اليت

دوهنا على بعض لوحات سلفادور داف، وانتقاداتو وآرائو البلذعة اليت وجهها للمدرسة الستيالية بشكل عاـ، وصرح عن الستيالية إفصاح عن اؼبكبوت : "ـباوفو من طغياف ىذه النزعة على الفن التشكيلي يف السوداف، وعرب عن ذلك بقولو

." الذي ال ىبص اآلخر، وىي بوابة إف العبث ؼبن ال يدركو جيدا، وؼبن ال وبسن التعامل معو

Page 69: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 69

وعرب عن سخريتو لتصورات داف الطفولية عن الزمن، وتصويره " انكسار الزمن"تكلم عن لوحة سلفادور داف يف شكل ساعة جيب من ذلك النوع الذي اعتاد أرستقراطيو القرف الثامن عشر وضعها داخل ستاهتم، وبت نقده

اعتمادا على اؼبعارؼ العلمية اؼبتوفر يف القرف التاسع عشر الذي عاش فيو داف، وف يستفد منها يف وضع تصورات أكثر !"كاف عليو أف يستخدـ الضوء يف تعبته عن الزمن: "قاؿ. دقة وعلمية عن الزمن

كما أنو عاب عليو اختياره للساعة الثانية عشر ونصف، وكيف أنو ف ينجح يف اختيار توقيت أكثر فاعلية من .ذلك، فقط كي ربافظ اللوحة على معناىا الوجودي األكثر رسوخا من تداعيات األحبلـ السخيفة

الستيالية نسق بدائي ال يعتؼ . بإمكاف أطفاؿ ىذا العصر أف يرظبوا لوحات تضاىي تصورات داف البدائية"ال بأس أف نتصور ساعة يف شكل قالب بيتزا مهتئ . بضرورة الظاىر، وال بضرورة الفصل بت الواقعي واػبياف

ومبلوؿ، فاؼببدع ابن عاؽ لبيئتو، وناقل غت أمت على األرجح، ولكن ليس أقل من أف نتقن رسم تصوراتنا، . وننجزىا بصورة جيدة؛ وإال فإف بإمكاف نقاشي البناء أف يرظبوا أحبلمهم على جدراف اؼبنازؿ كذلك

األجدى أف يكوف الفن تفستا لؤلحبلـ، وليس حلما موازيا، أليس كذلك؟ إنو ؼبن الوقاحة أف يتدخل أحدنا األحبلـ، يف أساسها، تفستات وتصورات لواقعنا اػباص، فكيف لنا أف نتجرأ . بتفست رؤى اآلخرين وأحبلمهم

"ونفسد ىذه التصورات بتفستاتنا اػباصة؟

ظلت تستمع إليو باىتماـ بالغ، دوف أف ترد على تساؤالتو اليت الحظت أهنا ف تكن تساؤالت حباجة إف إجابة، بقدر ما كانت تساؤالت تفتح آفاقا واسعة للبحث والتأمل، غت أهنا طبنت أف يكوف منتميا للمدرسة الواقعية، وف تأبو

اكتفت، يف كل ذلك، هبز رأسها عبلمة على اؼبتابعة، وراحت تدوف مبلحظاتو وأفكاره باختزاؿ . كثتا ؽبذا التخمت .شديد

الحظ شرؼ الدين فجأة، وىو وباوؿ مناداهتا، أنو ال يعرؼ اظبها؛ فابتسمت يف ذات اؽبدوء الذي ف يفارقها :للحظة

سوسن عباس، وأنت؟ -

.شرؼ الدين بابو -

.أنا خرهبة فنوف صبيلة، ولدي أعماف اػباصة -

. أنا موظف يف قسم خدمة العمبلء يف البنك الزراعي -

موظف بنك؟ -

الدىشة سؤاؿ علت أـ إجابة مبطنة؟ -

!ف أعرؼ أف موظفي البنوؾ لديهم اىتمامات فنية -

Page 70: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 70

.أنا موظف طارئ؛ بإمكانك اعتباري كذلك. ىذا ال يعت شيئا بالنسبة لوضعي -

النساء . ظل يدىشها بإجاباتو الغريبة، ولكنها أحبت تلك الغرابة، وعشقت تلك الدىشة اليت يبنحها إياىا

تلك واحدة من أسرار . كائنات ملغزة وغامضة، أو ىكذا يرددنا أف نراىن؛ لذا يأسرىن الرجاؿ غريبو األطوار والغامضوفالحظت أنو ال يضحك كثتا، وغالبا ما يكتفي برسم ابتسامة حذرة أو وقورة، وعندما سألتو عن ذلك، رد . الطبيعة

بصعوبة بالغة استطاعت ذباوز تلك !" ال أريدؾ أف تبدي كفتاة مضحكة، وال أريد أف أبدو كرجل ضاحك: "بربود وثقة :العقبة، والعبور بالنقاش إف آفاؽ أوسع، فتكلما حوؿ كل شيء تقريبا، وكانت بالكاد تتفوه جبملة مكتملة

كبن، السودانيوف، من أكثر الشعوب احتفاء باعبنس؛ السيما النساء -

إنو قهر . اؼبرأة غت مصرح ؽبا باإلفصاح عن رغباهتا ومشاعرىا، السيما اعبنسية. ردبا جانبك الصوب يف ذلك - اجملتمع الذكوري، أليس كذلك؟

كل ما تفعلو النساء حبضرة الرجاؿ يفضي إف اعبنس، حىت ولو ف تكن تشعر . تلك ىي اغبجة األزلية - . بذلك

كيف؟ -

على سبيل اؼبثاؿ، أال تعتربينو احتفاء واضحا باعبنس؟ " الدخاف"خذي ظاىرة -

وؼباذا تعتربه كذلك، إف دخاف خشب الطلح والشاؼ ؽبما فوائد كثتة للنساء غت ما ترمي إليو، فهما يبنحاف -اعبسد نعومة ترغب فيها النساء حىت بدواعي االىتماـ الشخصي، كما أهنما يستخدماف كمعقم جيد

. للمهبل من آثار السوائل اليت قد تؤدي إف كثت من األمراض، أضف إف ذلك فإنو يستخدـ حملاربة الصداع

إذا كانت تلك فوائده، فلماذا ال تستخدمينو؟ -

....! ببساطة، ألنت لست متزوجػ -

أال . عقلي الباطت يربط الدخاف بالزواج، وال شيء ـبتلف يف حياة اؼبتزوجة عن غتىا إال اعبنس! أرأيت -ترغب غت اؼبتزوجات يف ذبنب الصداع؟ أال يرغنب يف بشرة نضرة وناعمة؟ أال يرغنب يف تطهت أعضائهن

التناسلية ألنفسهن؟ وماذا عن رقيص العروس؟

أال تبلحظ أف اعبو صبيل ىذا النهار؟ . ردبا كنت على حق -

كاف اعبو ىادئا كمبلؿبها سباما، وأشجار اعبميز العمبلقة ترمي بثمارىا غت الناضجة وظبلؽبا األسطورية على

اعبالست يف الكافتتيا، وطيور السماف واغبماـ الربي تنتقل بت األغصاف يف رشاقة ملفتة لؤلنظار، وأصوات العربات يف

Page 71: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 71

اػبارج والناس تتداخل لتضفي على لوحة اؼبكاف ألقا آخرا أكثر دفئا وضبيمية، بينما كاف بإمكانو أف يسمع صوت : أحدىم قادما من مكاف ما وىو يهتف ىا مرة أخرى سنخرج للشوارع

شاىرين ىتافنا ولسوؼ تلقانا الشوارع

بالبساالت اؼبضادة للعساكر واؼبساخر، واػبنوع

ىا مرة أخرى سنصعد فوؽ ىذا االختناؽ إف عناؽ البندقية

.. سيدي إف الرصاصة موعدي

لبلحتفاء بوجو ماريل اغببيبة أو خباطر ما أكوف

ىذي الشوارع علمتنا أف نفيق أف نرب الربتقالة

أف مبوت فدى الرحيق يا أخويت ضيقوا ليتسع الطريق

يف ذلك الوقت، كانت سوسن رباوؿ التهرب من مناقشاتو احملرجة، وبدأت تعرض عليو بعض لوحاهتا اليت رظبتها

بقلم الرصاص على دفت الرسم، وأخذا يتناقشاف حوؽبا، وحوؿ اإلمكانيات البلؿبدودة للرسم بالرصاص، واللمسات . التعبتية اليت يبنحها للوحة

نصحها بالتوقف عن الرسم على الورؽ اؼبلوف، وضرورة االعتماد على األوراؽ البيضاء، واستخداـ الورؽ اػبشن بدال عن الورؽ األملس الذي ببل تعابت، ونصحها بأف تركز أكثر على دراسة نسب األشياء، واالىتماـ هبا، واستخداـ

.أصابعها لشطف الربوز والنتوءات اػبارجية، عوضا عن اؼبنديل الذي يسلب رسوماهتا طابع الصدؽ والتأثتعندما انتهيا من الكبلـ، صمتا قليبل لفتة كانت كافية ألف يشعر باؼبلل، فاستأذف منها معلنا أنو قرر مغادرة

ف أكن أتوقع : "حاولت أف ربصل منو على وعد بتكرار الزيارة؛ إال أنو ف يفعل، وأشهر صبلتو احملبطة يف وجهها. اعبامعة ." أف تكوف كلية الفنوف اعبميلة فبلة إف ىذه الدرجة

Page 72: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 72

عندىا وقفت، وبدأت بتجميع أوراقها، وابتسمت ابتسامة ؾباملة، مث صافحتو، وغادرت قبل أف يتكها ىو، لكنو شيئا فشيئا عرؼ أف مظاىرة ما على وشك أف تتخلق . ظل جالسا لبعض الوقت حىت ظبع صوت ضجيج قادـ من بعيد

. داخل اعبامعة، فقرر اػبروج

* * *

أفاؽ بوكزة أخرى من كوع حسن البلولة الذي أشار إف السماء، فبلحظ أهنا امتؤلت بغيـو داكنة، وبدأت ترسل

ضحكا لبعض ." البد أهنا خدعة إؽبية ما، فهذا ليس أواف اؼبطر: "زخات خفيفة ومشاغبة من اؼبطر، فابتسم وىو يقوؿالتفت شرؼ إف البلولة وكأنو تذكر . الوقت، وراحا يراقباف تأثت تلك الزخات اؼبتساقطة على سطح اعبدوؿ الساكن

: شيئاكاف ذلك أمرا فبتعا . يف إحدى لياف اػبرطـو اؼباطرة، كنت أجلس يف شرفة الشقة، أتابع ىطوؿ اؼبطر باىتماـ"

!لقد فوتت على نفسها فرصة عظيمة. أتعس األمطار تلك اليت ف هتطل على شوارع اػبرطـو يا البلولة. للغايةتلك كانت بداية اغبياة كما يقاؿ، . ليس أصبل من أف تشهد مولد التقاء األرض بالسماء يف عرس طيت مهيب

ولكن لؤلمطار يف اػبرطـو رائحة شديدة اػبصوصية، فهي ربمل يف جرياهنا روائح السكة اغبديدية، وجواليص األحياء اؼبتطرفة، والزرائب، والفنادؽ الفاخرة، واؼبزارع اؼبهجورة، وطمي النيل، واغبانات، وبيوت الدعارة، وحىت

. تشتم كل ذلك يف وقت واحد، ويف ليلة واحدة! التاريخ يا البلولةكاف جاري الذي يقطن يف العمارة اؼبقابلة وبمي حبيبتو من زخات اؼبطر . يف سنة من السنوات؛ ىطل اؼبطر

عندىا . يف السنة التالية كانا وبمياف طفليهما بذات الستة، ويركضاف. بستتو، ويركضاف يف مشهد ال يتكرر كثتا ."أحسست بشيء غريب فعبل

كاف البلولة يرسم ابتسامتو البكماء الوادعة، وىو ينظر إليو بعينيو اؼبذىولتت، وراح يبسح على ركبتيو، وكأنو وباوؿ أف يواسيو، أو يشاركو شيئا من دؼء تلك اللحظات اليت طرأت يف خاطره، مث وضع قبضتيو ربت إبطيو وحرؾ ساعديو،

."البد أف كبلق يوما كالعصافت الطليقة! أجل: "فتنهد شرؼ وىو يهز رأسوتنهد مرة أخرى عندما دانبتو الواقعية بوطأهتا الثقيلة، فتذكر اتفاؽ أخوتو على بيع منزؿ العائلة، واالنتقاؿ للعيش

يف اػبرطـو واالستقرار هبا، وتلك النربة النفعية اليت استشفها من كبلمهن، ونربات ودالنعيم اليت بدت أكثر استغبللية : فربت على ركبة البلولة. وجشعا

Page 73: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 73

ال زبف يا صديقي، سوؼ ترحل معي، ونعيش معا يف شقيت، ونقتت لوحات تشكيلية، ومنحوتات فنية بديعة، "فانوس إضاءة ليلي ملوف، ونافضة غبار من ريش : لقد رتبت كل شيء، ودونت قائمة األشياء اليت كبتاجها

الطاووس، وفبسحة أقداـ من القش اؼبضغوط، وجوارب منزلية من فراء األرانب، وطقم من سباثيل الفيلة األفريقية، . ومشوع معطرة للجو، ومغطس مياه ىوائيسيكوف . التؼ، واغبياة اؼبخملية ىو كل ما كبتاج أف نتظاىر بو. كل شيء مدوف يف قصاصة احتفظ هباىل تعلم يا البلولة؛ شخصاف ال . ىذه اغبياة تستحق أف نعيشها فعبل . بإمكانك أف تعيش حياة أفضل من ىذه

وأنت لست أحدنبا، تستحق أف تعيش ىذه اغبياة، وأف تستمتع . األعمى واغباقد: يستمتعاف جبماؿ ىذا العافال بأس أف ربزف قليبل أو كثتا، فاغبزف حاسة إضافية ال يتمتع هبا إال القلة من البشر، فقط عليك أال ذبعلو . هبا

."عقيدة لك

. ابتسم البلولة يف امتناف، وماؿ جبسده إف الناحية الشمالية، وأمسك بعصا اػبيزراف، ووضعها بت ساقيو، وناـنظر إليو شرؼ الدين، وكاف قد أفرغ ضبولتو من اغبزف اليومي بعد كل الذي قالو، وماؿ جبسده إف الناحية األخرى،

.ووضع كفيو بت فخذيو، وناـ

Page 74: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 74

Page 75: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 75

، ورذاذ اؼبطر الليلي أضفى على أرضها الطينية اغبمراء بريقا، كأنو ـبمل صباح العيكورة كاف ـبتلفا ذلك اليـوعادت طيور أبو القرداف تظهر على ظهور اعبواميس اؽبزيلة، وعلى ضفاؼ النيل، . مرجاين ألقي على ظهر فيل ىندي

الشمس تبدو . تثقب دبناقتىا اؼبدببة أرض العيكورة الرطبة، تستخرج من بطنها الديداف اليت قررت االنتحار على طريقتهاالنيل األزرؽ ىادئ كعادتو يف مثل ىذا الوقت، وذات الرائحة الغريبة تنطلق . مساؼبة للغاية، وكأهنا تتنفس من رئة واحدة

من غيطاف الباذقباف والربسيم اؼبهجورة، وىديل اغبماـ، اؼبتهافت على فتات اػببز الناشف، ال يكف، والبلشوف الرمادي ىكذا تستحم طيور البلشوف العيكورية كل صباح، ولكن ىذا الصباح . يشاغب حواؼ النهر، ويتغزؿ بأمواجو الفضية

.كاف ـبتلفا والشكيف اعبانب الشرقي من اؼبنزؿ العائلة، كانت عواطف بابو تطرؽ باب الغرفة اؼبتطرفة، حيث اعتقدت أف شرؼ قضى ليلتو فيها، وعندما فتحت الباب وف ذبده على فراشو، أطلقت من صدرىا تنهيدة ساخنة، وسارعت بإخطار بقية

.أفراد العائلة الذين كانوا يتناولوف طعاـ اإلفطار يف غت موعده، أماـ اؼبطبخ الذي ببل بابأف تسمع يا : "كاف ودالنعيم منهمكا يف األكل لدرجة أنو ف يشعر بشيء على اإلطبلؽ، حىت لكزتو فتحية

مد ودالنعيم يده إف كوب اؼباء البارد، ." لقد سئمنا ىذا األمر، وهبب وضع حد لو. رجل؟ لقد غاب شرؼ ثانية." لقد أعددت كل شيء، وسينتهي ىذا األمر قريبا. ال تقلقن، أعلم أين يبكن أف قبده: "وارتشف منو قليبل، مث قاؿ

. وواصل تناوؿ طعامو مرة أخرىنعمات اليت دخلت للتو، وىي ربمل طبقا من سعف النخيل، أبدت استياءىا الواضح من األمر، استشاطت

البد أنو عاد ثانية إف النـو يف : "ألقت طبق السعف أرضا، وعضت ظهر سبابتها، وأضافت متربمة. غضبا فبا ظبعتوىذه : "حرؾ ودالنعيم كفو األيسر مطمئنا إياىا، وقاؿ، والطعاـ يبؤل فمو!" لو أنو فقط يعود إف رشده. حقل القصب

."اؼبرة سينتهي األمر؛ وإف األبد، ولن يقف يف طريقنا شيء

* * *

ف يكن يعوزىم سوى القليل من اعبهد إلهباده بت سيقاف القصب اؼبتشابكة، وعندما عثروا عليو نائما، وبت !" ىا قد عاد مرة أخرى لعصا اػبيزراف: "فخذيو عصا اػبيزراف، مصمصت عواطف شفتيها يف إشفاؽ، وىي تقوؿ

لو أعلم فقط اؼبتعة اليت ذبدىا يف النـو يف . قم يا شرؼ: "استيقظ شرؼ الدين على صوت ودالنعيم الغليظ وىو يوقظو !"حقل القصب

ف يستطع أف يرى مبلمح الواقفت فوؽ رأسو . رفع شرؼ رأسو بتثاقل، وبقايا النـو ما تزاؿ تتشبث بأجفانو بقوةبوضوح، كانت أشعة الشمس ربوؿ دوف ذلك، فبدوا لو وكأهنم كائنات طيفية ببل مبلمح على اإلطبلؽ، وما إف رأى

Page 76: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 76

. قم معنا فقد تأخر الوقت. ىذا أنا ودالنعيم! ىدئ من روعك. "أحد ىذه الكائنات سبد يدىا كبوه حىت انتفض مذعورا؟ ف يستطع استجماع ذاكرتو بسرعة؛ إال أنو راح يلتفت من حولو، وكأنو يبحث " أنسيت أننا سنذىب اليـو إف اػبرطـو

. عن شيء ما، مث ىدأ فجأةكانت أشعة . استقاـ شرؼ يف جلستو على األرض، وراح يبسح بباطن كفيو رواسب النعاس العالقة على عينيو

الشمس تتسلل خبفة بت سيقاف القصب، صانعة بذلك خيوطا ضوئية متقاطعة، بدت كخيوط العناكب، تنتهي لتسم ال بأس اذىبوا إف اػبرطـو : "سبطى قليبل قبل أف يقوؿ ؽبم يف ىدوء. دوائر متباينة األحجاـ على األرض الطينية من حولو

: عندىا قفزت نعمات يف سخط، ورمقتو بعيت شيطاف غاضب." إف شئتم، وسأغبق بكم أنا وصديقي البلولة .ألن تكف عن ذكر صديقك ىذا أبدا؟ قم معنا اآلف - . قلت اذىبوا أنتم، وأنا وصديقي سنلحق بكم، ردبا نستقل اغبافلة التالية مباشرة -

أي صديق يا شرؼ؟ -

! حسن البلولة -

مازلت مصرا على قوؿ ذلك؟ مىت تفهم أنو ال وجود ؽبذا الشخص على اإلطبلؽ؟ -

ظل ينظر إليها لفتة من الوقت، ولكنو قاطع تلك النظرات بأف رفع . ذىلت عينا شرؼ وىو يسمع كبلـ نعمات

: منحوتة الطائر الطينية بيده، وأشهرىا يف وجهها !إنو فناف عبقري. انظري، إنو من صنع ىذه اؼبنحوتة الطينية -

راح اعبميع يتبادلوف النظرات فيما بينهما؛ فيما تقدمت عواطف، وجثت على ركبتيها أمامو، وىي سبسح على

: شعره اؽبجيت األملس .شرؼ حبييب، لقد كنت شغوفا بصناعة اؼبنحوتات الطينية منذ صغرؾ - . ولكن ىذه اؼبنحوتة صنعها حسن البلولة بيده، ووضعها إف جانبو قبل أف يناـ -

: زؾبر ودالنعيم وىو يضرب كفا بكف

فهل تعرؼ بيتو أو أين يسكن؟ . ال أحد يف العيكورة كلها وبمل اسم حسن البلولة، أو حىت لقب البلولة -

Page 77: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 77

كاف على الدواـ يفهم استياءىم من ذكر . سكت شرؼ لربىة، وسرح خبيالو وىو يتفرس يف وجوه من حولوالبلولة أمامهم على أنو استياء أسري غامض وعابر، مصدره عدـ تقييمهم للفن، أو عدـ احتامهم الختيار ألصدقائو،

. ولكن األمر بدا لو جديا ىذه اؼبرة ما الذي تريدوف قولو؟ ما الذي تريدونو مت بالضبط؟ -شرؼ يا حبييب هبب أف تعود إف اؼبصح النفسي فورا، لقد رتب ودالنعيم كل شيء، وعثر على التقارير -

كبن لبشى أف تزداد حالتك سوءا، فبل ذبعلنا نقلق عليك أكثر من . تلك كانت وصية أمك. الطبيبة القديبة . ذلك

لقد . تلك النظرات اعبشعة اليت رآىا يف أعت أخوتو، ازدادت شراسة. ف يستطع شرؼ أف يصدؽ ما يسمعو

ردد بصوت ظبعو . قتلوا أمو ألهنم يعرفوف مدى تعلقو هبا، وىاىم اآلف وباولوف إيهامو بأنو ؾبنوف ليستولوا على التكةتراجع إف اػبلف مستندا على كفيو مث هنض، وىو يرمقهم " ىل يفعل اؼباؿ كل ىذا؟: "البعض، وف يسمعو اآلخروف

دعوين . دعوين: "بنظرات حانقة وؿبتقرة، وكاف على وشك اؽبرب؛ لوال أف أمسك بو ودالنعيم وضبلو عنوة، وىو يصرخ .حىت اضطر ودالنعيم إف لكمو لكمة أفقدتو وعيو!" أيها القتلة

* * *

وجد نفسو مقيدا إف عنقريب اعبرتق، وأصابع العفاريت . أفاؽ شرؼ ورائحة القطن اؼببلوؿ سبؤل خياشيمو

شعر بأنو سقط يف بئر . وعشرات األصوات األزلية تتحدث إليو يف وقت واحد. النحيلة سبسك رأسو تكاد تقتلو بالصداعنداءات، وصراخ، وعويل، وأناس يتكلموف بصوت عاؿ، وضحكات ىستتية، وأصوات كؤوس : من اغبناجر الثرثارة

ف يكن حباجة إف أف يفهمها؛ بقدر ما كاف حباجة إف أف تصمت، وتفسح . وأطباؽ تتساقط، وطبوؿ، وأمواج متبلطمة . يف دماغو مساحة الستيعاب ما هبري

عواطف تبكي . حاوؿ أف يفهم، ولكنو ف يثق فيما يراه وما يسمعو. كل شيء من حولو كاف مبهما وملغزاعلى سرير نائي، وقد غطت وجهها بوشاح أخضر، وفتحية ذبلس إف جواره، وشفتاىا تتحركاف دوف أف يسمع ؽبما

. صوتا، ونعمات تقف أمامو مباشرة، وقد وضعت كفيها على خصرىا اؼبتىل، وودالنعيم يتكلم يف ىاتفو احملموؿ بعصبيةورغم أف اؼبشهد من حولو بدا حيويا وصاخبا، إال أف اؽبدوء كاف يعم اؼبكاف، بينما تركز الضجيج يف رأسو

ظلت رائحة القطن . حاوؿ أف يصرخ، ولكنو ف يستطع، أو ردبا فعل وغرؽ صوتو يف سكوف اؼبشهد الصامت. فقط

Page 78: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 78

اؼببلوؿ تتنامى من حولو كأغصاف نباتات متسلقة سامة تلتف حولو، وتستقر يف أنفو؛ فتعيده قسرا إف ذكريات ف يشأ .أف يتذكرىا على اإلطبلؽ

أحس أف أعصابو . خيل إليو أهنم قد قرروا إلقاءه يف مياه النيل مقيدا إف العنقريب، فلم يكف عن اؽبياجوبطريقة ما، أحس أنو حباجة إف طبر من يد أكيج، . وشرايينو سوؼ تنفجر من وراء جلده، لتضي حاجتو إف الصراخ

!"ال شيء يقتل الوىم إال مزيد من الوىم: "من لببها األوؿ، وحرؾ شفتيو جبملتو األبديةشبانية أعت، ما بت باكية، وواصبة، وقلقة كانت ترمقو، وىو فبدد كتمساح متخم وقع يف شباؾ صيادين

بعدما يئس من كل شيء، أغمض عينيو ؿباوال استعادة . خارت قواه من ؿباوالتو الفاشلة للفكاؾ من قيده. ؿبتفت . رباطة جأشو، وقرر أف يستفيد من خربتو الطويلة يف قراءة الشفاه مع حسن البلولة

لقد كلمتو، ووعدين أف : "فتح عينيو على مهل، فرأى ودالنعيم وىو يربت على كتف فتحية، وشفتاه تقوالفيا .. يا رب : "وانتبو إف تطاير رذاذ لعابو، وىو يقوؿ صبلتو تلك، بينما راحت شفتاىا تكرراف." يأيت بأسرع ما يبكن

.، إال أنو ف يتمكن من قراءة شفيت نعمات اللتاف كانتا تتحركاف دوف توقف"ربشيء . شيء ما ربرؾ داخل صدره، ف يعرؼ كنهو على وجو الدقة، ولكنو شيء مريح ومزعج يف ذات الوقت

أغمض عينيو ؾبددا، وراح يبحث عن . شيء جعلو يهدأ، ويكف عن مراقبة شفاه من حولو. كتداخل تارىبت أو أمنيتتظنو بأهنم قرروا قذفو يف مياه النيل كاف حباجة إف مربر وبولو إف يقت، . ذلك الشيء الغريب الذي بدأ يتخلق داخلو

. فخمن أهنم لردبا ظبعوه، وىو يتكلم عند قرب أمو، وعرفوا أمر قتلو أباه؛ عندىا شعر بالطمأنينةال بأس؛ فبوسعي أف أحسم أمر إيباين بشكل قاطع ىذه اؼبرة، فليس من ؾباؿ غبسم ىذا ! إنو القصاص إذف"

ولكنت ف أشأ أف أقتلو، أردتو فقط أف يعرؼ أنت غاضب منو، وأردتو أف هبرب نكهة العجز . األمر إال باؼبوت ."عن ربقيق ما وبتاجو، ولست نادما على ما فعلت، ألنو كاف هبب أف يكوف

صورت لو نفسو أنو كاف حباجة إف مثل ىذه اغبيلة لكي وبسم مسألة وجود اهلل من عدمو بشكل جذري،

:األمر اآلخر الذي أحس بو كاف خوفو من اؼبوت الذي اكتشفو للمرة األوف كذلك. واكتشف ذلك للمرة األوفترى؛ كيف سيكوف اؼبوت؟ وكيف ستكوف رائحتو؛ ىل كرائحة القطن اؼببلوؿ، أـ كرائحة القونقليز، أـ سيكوف "

"ؼبويت رائحة أخرى؟

راودتو ذكريات مزعجة ظنها متآمرة عليو، رأى نفسو جالسا على كرسي خشيب، ربت ظبلؿ صبيز عمبلؽ، وفتاة ظبع ىتافات بعض الطبلب، وضجيج سيارات . ظبراء ىادئة اؼببلمح تبتسم يف وجهو ابتسامة ؾباملة، وتغادر اؼبكاف

Page 79: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 79

رأى نفسو راكضا وسط ضباب دخاين أبيض ." حاصروىم، اذىبوا من اعبهة األخرى: "الشرطة، ونداءات ىستتية . حاصره رجاؿ األمن، جادؽبم بأنو ليس طالبا يف اعبامعة، ولكنهم اقتادوه بالقوة. كثيف، وىو يغطي وجهو بأوراؽ النيم

يتذكر جيدا ذلك اؼببت الغامض، اؼبغطى بأكملو بأغصاف اعبميز اؼبتشابكة، وتلك القطط اليت على سور اؼببت، . وىي تنظر إليو يف مشاتة أو يف رثاء، وشتائم رجاؿ الشرطة، والركل باألقداـ، والضرب باألحزمة

الصورة األكثر وضوحا كانت لشاب ثبلثيت بدا مرحى، خفيف الظل وصاحب نكتة، مهندـ الثياب، لت تذكر اضطراره األوؿ للكذب عندما سألو الرجل عن اظبو، . رأى نفسو وىم يقتادونو إف غرفة خالية من األثاث. الصوت

رأى الرجاؿ عراة الصدر، . فلم هبد إال اسم حسن البلولة جاىزا يف ذىنو، وكذبتو الثانية عندما أنكر انتماءه للشيوعيت . مفتوف العضبلت، وىم هبردونو من مبلبسو، ووباولوف اغتصابو

.. ال : "ظل يردد دوف أف ينظر إف شخص بعينو. أفاؽ فزعا، وىو يصرخ هبستتيا أؽببت اؼبكاف، ونشرت الذعرغادرت عواطف الغرفة راكضة، وىي تبكي، وف يكن يف وسعها ". ال، أنتم تصروف على زرع الوىم يف رأسي، يا كبلب

.رؤية أخيها يف تلك اغبالة

* * *

، وىو نفسو من يلجأ إليو أىاف العيكورة لعبلج مواشيهم (طبيب القرية اجملاورة)وصل إظباعيل جقاجق رجل أصلع إال من بعض الشعر اؼبتفرؽ يف مؤخرة رأسو، يرتدي بالطو . وهبائمهم يف فصل اػبريف، ومواسم التزاوج

كانت برفقتو سيدة دميمة، . ، وبدت عليو عبلمات االستياء واالمشئزاز"على اهلل"األطباء األبيض فوؽ جلباب من نوع بدا . غت متناسقة اعبسم، تقاربو يف الطوؿ، ذات شعر ؾبعد وقصت كألياؼ جوز اؽبند، وؽبا ذات مبلمح االستياء واألنفة

.االثناف وكأهنما سيقدماف فقرة هبلوانية مضحكة، أو ىكذا زبيل شرؼ، وىو يراقب ربركاهتما يف ىدوء ساخرف يطالب بإخبلء الغرفة، كما ىي عادة األطباء، وإمبا باشر عملو بإجراءات روتينية يف البداية، ىدؼ منها

أخرجت مساعدتو الدميمة وعاء من الكرـو اؼبتآكل من حقيبتها، وبدأ يغسل يديو يف الوعاء، . إظهار مهاراتو اؼبهنيةسباما كما يفعل قبل فحص عنزة عشراء، مث طلب منها إهباد أحد العروؽ يف ساعد شرؼ الذي كاف ينظر إليهما بعينت

. مذىولتت، مث حقنو دبادة استخرجها من حقيبتو القماشيةسبكن شرؼ، قبل أف يغيب عن وعيو، من رؤية بعض أىاف القرية الذين ذبمعوا حوؿ عنقريبو، ونظرات

حىت األطفاؿ الذين ربلقوا حولو، كانوا يتفرجوف عليو من وراء . اإلشفاؽ والرثاء تتقافز من أعينهم، وتطعنو يف صدرهأحس باألسى . ثياب أمهاهتم، ويف أعينهم الفضولية نظرات دىشة وانتباه، وكأهنم أماـ عرض ستؾ حيواين مثت

. والوضاعة لذلك، وسالت من عينيو الناعستت دمعة ملؤىا الكربياء، مث غط يف سبات عميق

Page 80: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 80

ماذا حدث يا دكتور؟ -

ال تقلقوا؛ لقد أعطيتو حقنة مورفت ستجعلو يناـ لبعض الوقت، وحت يفيق سيكوف قد ربسن قليبل، ولكن - . هبب أف تنقلوه إف مستشفى التجاين اؼباحي، فحالتو تتطلب متابعة صحية لصيقة ومتخصصة

خرج اعبميع من الغرفة استجابة لنصيحة الطبيب الذي أوصى لو بالراحة واؽبدوء التامت، وأخذوا وبوقلوف،

أصرت على الدخوؿ إليو، والبقاء إف جواره، وف . ويضربوف كفا بكف؛ فيما كانت عواطف ال تزاؿ تبكي يف اػبارجيسمحوا ؽبا بذلك؛ إال بعد أف أقسمت باألسبلؼ، وأولياء اهلل الصاغبت، وقباهبم اؼبقدسة أف تظل ىادئة، وأال يصدر

.منها ما قد يزعجودخلت على مهل، وكأهنا رباوؿ اختبار قدرهتا على اإليفاء بالوعد، والقسم الذي قطعتو على نفسها أماـ

كانت مبلؿبو متعبة، وبقايا عرؽ فبلح على . جلست إف جواره، وراحت سبعن النظر إليو، وكأهنا تراه للمرة األوف. اعبميعرقبتو وجبينو، وشفتاه فاقدتاف لنضارهتما اؼبعتادة، وأضفت شعرات غبيتو غت اؼبشذبة مزيدا من مبلمح البؤس واإلنباؿ

. على وجهو؛ كل ذلك بدا أكثر بؤسا من وراء زجاج عينيها اؼببلولتت ببقايا بكاء حديث العهدعرفت عواطف أف النساء، اللوايت جئن مسرعات على إثر مرور إظباعيل جقاجق بالقرية، سوؼ يبضت الوقت

يف اغبديث عن شرؼ الدين، وعن ؿبنتو مع اؼبرض، وتارىبو، وأهنن، مع الوقت، سوؼ ينصرفن إف النميمة، وتناوؿ التوافو، حىت ينتهت من شرب الشاي باغبليب مع البسكويت اؼبنزف الذي تربع نعمات يف صنعو، دوف أف يراعت قلق

. األسرة على ىذا اؼبسكتمرت أماـ عينيها ذكريات ضبيمة حرصت على االحتفاظ هبا طازجة، ككل أشيائها اػباصة اليت ربتفظ هبا يف

ذكرياهتا مع شرؼ الدين اؼبمدد أمامها كجثماف ىالك، ال تقدر حىت أف . خزانة مبلبسها، بأكثر فبا تعت ؾبرد العنايةراحت هتش الذباب عن وجهو وصدره العاري بطرؼ وشاحها الذي بلوف . سبرر كفيها عليو، أو أف تبكيو بتفاف وذمة

.حساء البازيبلءكاف قلقها عليو يتسلسل من ربت جلدىا كأسراب مبل متوحش، تقتات على خبلياىا العصبية، والدموع ال

تذكرت اللحظات اؼبتوترة اليت خلفها رفضو لزواجها . تكف عن السيبلف، وحرصت أف يكوف كل ذلك يف صمت مطبقومازالت كلماتو ربـو . من عبد اؼبنعم شكراهلل داخل األسرة، وإغباحو عليها بأف ترفضو، وأف تصر على إكماؿ دراستها

تتذكر أيضا موقف العائلة من ذلك، ووسوسات عمتها عديلة اليت أرادت أف تراىا عروسا قبل . يف ضمتىا كأرواح ختة . أف توافيها اؼبنية

تتذكر ىذه اعبملة اليت " شرؼ الدين شاب فاشل، وسوؼ هبرؾ معو إف مستنقع فشلو؛ إف أنت استمتعت إليو"سيقوؿ الناس عنو أي شيء، : "ظلت العائلة بأسرىا ترددىا على مسامعها، وتقارهنا بنصائحو اليت كاف يقولو ؽبا سرا

Page 81: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 81

وف تستطع أف ذبابو إغباح أمها، ووسوسات عمتها طويبل، فاالثنتاف ." ولكنو يظل يف النهاية لصا جاىبل ال يستحقك .أرادتا أف تطمئنا عليها قبل موهتما

نظرت إف قدميو اغبافيتت، كأهنما ؿبفورتاف من خشب السندياف العتيق، وأظافره اليت ضبلت طت كبائن الطوب تذكرت معو معاملة والدىا القاسية لو، وأمنيتو التليدة يف أف يصنع منو رجبل . األضبر، وأوساخها ذات الرائحة النتنة

.يعتمد عليو؛ السيما وأنو جاء بعد ثبلث ذبارب تناسلية ؿببطة، ف تنتج غت إناثيعرؼ اعبميع قسوة عبد الرحيم بابو على ولده، ويتندروف بتلك اغبادثة اليت عاقب فيها بابو ولده، لذنب ف

كاف سن شرؼ . يفصح عنو، بأف ربط يديو إف ذيل اغبمار، وسار بو إف بيتو قاطعا مسافة تزيد عن ثبلثة كيلومتاتطبنت أف ذلك ما منحو تلك . الدين، وقتها، ال يتجاوز اغبادية عشر، وكرر ذلك أكثر من مرة على فتات متباعدة

الطاقة اؼبتوحشة يف الست على األقداـ ؼبسافات طويلة، عندما ظل ىبتفي عن القرية؛ ليجدوه بعدىا يف أماكن غريبة .وموحشة، حىت استقر بو األمر أختا يف حقوؿ القصب اؼبمتدة دبحاذاة النهر

ظلت عواطف ربمل طاقة عاطفية مهولة، حاولت إفراغها مع أسرهتا؛ فسخروا منها، ومن رومانسيتها اليت تأيت مث حاولت إفراغها مع زوجها؛ فلم تفلح، وانتظرت أف ترزؽ منو بأطفاؿ تفرغ . يف أزمنة اجملاعة، والقحط، ونفوؽ البهائم

فيهم عاطفتها تلك، ولكن عبد اؼبنعم شكراهلل كاف كالكاره للراحة؛ ال يفتأ يتنقل من بلد إف بلد سعيا وراء ثروة ذبعلو إذا أردت أف تنجح؛ فأتقن : "حاولت يومها أال تبدو عاطفية وىي تنصحو. كمختار عوض اعبيد، تاجر الفوؿ والسعوط

ولكنو كاف يريد الثراء ال النجاح، وظل يتحوؿ بت األعماؿ اؼبختلفة كلما ظبع أهنا ذبلب لو الثروة اليت !" صنعة واحدة .يريد، حىت خلص أختا إف هتريب البضائع من ليبيا

مر وقت طويل، ف تكتث عواطف غبسبانو، وىي يف مكاهنا هتش الذباب عن وجو أخيها وصدره العاري، بعض الذباب ترؾ وجو شرؼ الدين احملفوؼ . تراقب عينيو بإغباح شديد، وكأهنا تتوقع أف يفتحهما يف أية غبظة

الذباب ال : "ابتسمت عواطف، حبذر، وىي تقوؿ يف سرىا. باؼبخاطر، وقرر مهاصبة وجهها الساكن كلوحة اعبيوكانداعندما ناؿ منها التعب، فردت وشاحها بشكل طوف، وغطت وجو شرؼ !" وبب الراحة أبدا، ردبا يظنت أالعبو بوشاحي

.بطرفو، وغطت وجهها بالطرؼ اؼبقابل، وغفت على ساقيو لبعض الوقت

* * *

كانت سحابة بيضاء تشوش على اؼبكاف عندما أفاؽ شرؼ الدين، وأحس بأنو ناـ مائة عاـ، أو كأنو استيقظ حاوؿ النهوض، لكنو ف يستطع، وأدرؾ أنو مازاؿ مقيدا حبباؿ من ألياؼ النخيل الغليظة إف عنقريب . لتوه من اؼبوت

الصورة . ف تكن بو رغبة يف اؼبقاومة، فجسده اؽبزيل خائر القوى، وقبائل من النمل الزجاجي تنخر يف عظامو. اعبرتق

Page 82: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 82

اليت علقت بشباؾ بصره، ككابوس متوحش، كانت صورة أولئك األطفاؿ الفضوليت الذين راحوا يتفرجوف عليو، ـبتبئت .خلف ثياب أمهاهتم، والزاؿ منظرىم يبعث يف نفسو اؼبهانة

شرؼ الدين ال وبب أف يناـ على ظهره لوقت طويل كدعسوقة عاثرة تنتظر اؼبوت جوعا، ىذا األمر يزعجو كثتا، كما أف حباؿ ألياؼ النخيل اػبشنة كانت تزيد من ضيقو؛ إضافة إف الشيء الرابض على ساقيو، وف يتمكن من

. ربديد ماىيتو بعدأخذت تسألو عن حالو بقلق . انطلق منو أنت الإرادي كاف كفيبل بإيقاظ عواطف اليت أسعدىا كثتا أنو أفاؽ

بدأت تسرد عليو ما حدث، وكأنو كاف فاقدا للذاكرة، لتربر !" مغلوؿ حبباؿ: "جم، فنظر إليها مليا، قبل أف يرد بسخرية . سبب ربطو باغبباؿ، لكنو ابتسم ابتسامة باردة، وف ينطق بشيء

أختا أصبح بإمكاهنا أف سبرر كفيها على صدره، وأف سبسح عرقو يف حنو أمومي ف يزعجو كثتا، كأنو توقع منها أخربتو أف ذلك ؼبصلحتو، وأف كل شيء سيعود كما كاف؛ إف ىو اقتنع . طلب منها أف ربل قيوده، لكنها ف تفعل. ذلك

شعر أنو سوؼ يبوت قبل أف ينجح يف إقناعها بفك . بدخوؿ اؼبصح النفسي مرة أخرى، فتملكتو حالة من االستياء . قيده، وأهنا لن تعي أبدا ما يعنيو أف يكوف اإلنساف مقيدا، وفبددا على ظهره كاػبنافس؛ فاستعصم بالسكوت

عددت لو أظباء اللوايت مررف لبلطمئناف عليو، عندما ظبعن أبواؽ سيارة الدكتور إظباعيل جقاجق، وشرحت لو مدى القلق الذي تعيش فيو األسرة، وـبططاهتا إلصبلح ما يبكن إصبلحو من ىذا الوضع، وكيف أهنم قرروا االستقرار

وكاف كأنو ال يسمع ما تقولو، معلقا بصره . يف اػبرطـو من أجل أف يكونوا إف جواره حىت يتعاىف، ويعود إف ستتو األوفعمرة، وراح يبلحق، بعينيو، حشرة وقعت يف شباؾ عنكبوت غائبة، وقاؿ يف

بسقف الغرفة اؼبليء بأخشاب السنط اؼب

!" كبن صنواف يا صديقيت: "سرهوصرح ؽبا برغبتو يف تناوؿ طبر من يد أكيج !" ال يقتل الوىم إال مزيد من الوىم: "باغتها جبملتو األزلية

اعبنوبية، ولكنها ف تتفاعل مع ذلك كثتا، وشرعت ربدثو عن مضار اػبمر الصحية، وشكوكها أف غبالتو ىذه عبلقة مباشرة بإدمانو على اػبمر، وضربت لو أمثلة عن أناس فارقوا اغبياة بسبب ذلك، ولكنو ف يتعرؼ على أي منهم، كما أف حرصها على اإلشارة إف أهنم كانوا أصحاء، جعلو يطعن يف صحة ىذه الروايات من أساسها، وقرر أهنا من ذلك

. النوع من اغبكايات الوعظية اؼبلفقة، اليت ال وبب ظباعها على اإلطبلؽ .اػبمر تريح أعصايب -

. أعصابك لن ترتاح إال إذا عدت إف اؼبصح النفسي، ىذا ما نصح بو الطبيب، وىذا ما أصبعت عليو األسرة -

. سأتعاىف، وسوؼ أحرص على أف وبدث ذلك، فقط أريد كأسا واحدة لتحقيق ذلك -

. أنت عنيد -

.وأنت طيبة القلب -

Page 83: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 83

هنضت من جواره قبل أف يتمكن من استمالة قلبها كعادتو، وإقناعها بطريقتو اليت ال سبلك ؽبا دفعا، وقررت

وقبل أف تفعل، صرح ؽبا بقراره الزواج من وقية عبد الباسط، . اػبروج من الغرفة قبل أف ترتكب ضباقة ال ربمد عقباىاومشاريعو اليت خطط ؽبا ؼبستقبلو، وأكد ؽبا أنو سوؼ يعمل بنصيحتها، ويذىب إف اؼبصح النفسي؛ إف ف يكن من

. أجلو ىو، فمن أجل اغبصوؿ على حياة زوجية مستقرة، كما أرادت أمو دائماتقدمت إليو بضع خطوات، . توقفت عواطف عند الباب قليبل، مث التفتت إليو بدىشة غاضبة، ف يفهم أسباهبا

: بطريقة درامية، قبل أف زباطبو بشيء أقل من السخط تتزوج فبن؟ -

! من وقية عبد الباسط -

وردبا أقببت ! ولكن وقية تزوجت قبل عدة سنوات يا شرؼ، ورحلت عن القرية مع زوجها، وأنت تعلم ذلك - أطفاال اآلف، من يدري؟

شعر . كانت سلسلة اؼبفاجآت ال تتوقف عن إهباره على الدواـ، وكل مفاجأة تقذؼ بو إف قعر بئر سحيقة

حاوؿ أف يتشبث . شرؼ الدين بأنو يتعرض غبالة من غسل الدماغ اؼبؤسس، وأف اؼبؤامرة أكرب بكثت فبا كاف يتصور .بوعيو الذي يؤكد لو أف كل ما حدث قد حدث فعبل، وأنو ف يفقد عقلو يوما، ولن يفقده

ولكنك عددهتا ضمن اللوايت تفانت يف عمل اؼبطبخ أياـ العزاء؛ أليس كذلك؟ -

وقية عبد الباسط تزوجت، وسافرت مع زوجها خارج . تلك وقية أخرى، مراىقة ال تتجاوز الثانية عشرة -الببلد، حىت أف أختها الصغرى تزوجها رجل ثري، وانتقل هبا وبأفراد أسرهتا إف بورتسوداف؛ وال أحد يعرؼ

.عنهم شيئا منذ ذلك الوقت

- !!

لقد حاولنا إقناعك كثتا . أعلم أنك كنت رببها، كلنا كنا نعلم ذلك، ولكنها رفضت شرطك بعدـ اإلقباب -بالتنازؿ عن ىذا الشرط، ولكنك ف تستمع ألحد، وليست ىنالك أنثى، مهما كانت ؿببتها للرجل، تقبل

ال يبكنك أف تلومها يا شرؼ يا حبييب، كاف البد ؽبا أف تتزوج، لتستمر حياهتا، فقد كانت . بشرط كهذا . على أبواب الثبلثت

- !!

.ؼباذا تنظر إف ىكذا؟ أنت تعلم أهنا تزوجت، وقد كنت واحدة من الذين قدموا لك مواساهتم وقتها -

Page 84: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 84

عشرات األسئلة اللحوحة ظلت تتقافز يف ذىنو كأطفاؿ قبائل بدائية مزعجة ال يقدر على فك طبلظبهم، وشفرة . أسئلة فرضتها شكوكو حوؿ ما أدلت بو عواطف، وحوؿ ما وباوؿ اعبميع إيهامو بو. لغتهم اؼبلعونة

أحاديثنا : ىل يعقل أنت كنت أتوىم كل ذلك. األمر يأخذ منحى أكثر جدية وسخفا. البد أهنم يكذبوف"الليلية، ولقاءنا عند النهر، واعبنس، وطعم قببلهتا، وابتسامتها اؼبثتة، وتسللي ؼبنزؽبا، وىرويب منو؟ ىل كنت أتوىم

ىي أكثر ! ولكن عواطف ال تكذب. إهنا التكة اؼبلعونة من ذبعلهم صبيعا يتواطأوف على الكذب.. كل ذلك؟ الأجل؛ ىذا ىو . سذاجة من أف تكذب، أو أف تتظاىر بالكذب؛ البد أهنم أونبوىا، ىي أيضا، بكل ذلك

. التفست اؼبنطقي الوحيدهبب أف أثبت ؽبم . أيا يكن؛ فيجب أف أحل ىذا اغببل اللعت، وأف أحبث بنفسي عن إجابات ؽبذه األسئلة

لو كاف حسن البلولة ىنا، ألنقذين من ىذه . أنت لست ؾبنونا، واألىم من ىذا أف أثبت ذلك لنفسي أوال ."ال يبكن أف أكوف ؾبنونا، ال يبكن. أجل؛ فهو الوحيد الذي أثق بو، وىو الوحيد الذي سوؼ يصدقت. الورطة

، وراح يراقب عواطف من بت سيقاف أجفانو اؼبتشابكة، حىت خرجت، وأغلقت تظاىر شرؼ بالعودة إف النـو

ظل يتلفت يف أرجاء الغرفة، . رأسو ىو العضو الوحيد الذي بإمكانو ربريكو. الباب وراءىا، وعندىا تنهد الصعداء .وزواياىا؛ علو هبد ـبرجا من ورطتو، ولكن دوف جدوى، ودوف أف يعلم ما يتوجب عليو فعلو

* * *

جلس شرؼ الدين أماـ رب العمل الذي بدا غاضبا أشد ما يكوف الغضب، لدرجة منعتو من مصافحتو، وظل يزؾبر مستفسرا عن سر غيابو الطويل، وىو هبوب اؼبكتب جيئة وذىابا، والحظ شرؼ أنو يرتدي دبلتو يف يده اليسرى

ينظر إليو شرؼ على أنو من الشخصيات القلقة اليت عرفها يف مسار حياتو، ولكنو يصفو . بدال عن اليمت، كما يتذكر . دائما بأنو شخص لطيف

. ف أكن أعلم أنو يتوجب علي البقاء ثبلثة أياـ بعد الدفن - ف يكن يتوجب عليك أف تذىب أصبل -

! أنا أيضا ظننت ىذا، ولكنك ال تعرؼ نعمات -

نظرت إليو نعمات حبنق، ولكنها ف تنطق بشيء، واكتفت بعض شفتها السفلى بدال عن ظهر سبابتها ىذه اؼبرة،

:فيما وقف ودالنعيم معتذرا

Page 85: قنقليز - هشام أدم

هشام آدم| النسخة اإللكترونية 85

عفوا يا دكتور، ىذه اؼبرة لن يهرب، ولكن أرجو أف تظهروا بعض اغبرص على نزالئكم؛ إهنا مسؤوليتكم قبل - ! كل شيء

حىت مديري ف يكن : " ف تعد اؼبفاجآت تدىش شرؼ الدين؛ لذا فإنو فضل أف يوفر طاقة اندىاشو للضحك

وظل يضحك بصوت عاؿ، ويضرب ركبتيو بباطن كفيو، األمر الذي دعا الطبيب إف استدعاء اؼبمرضت لتقييده !" مديراأغمض عينيو، وىو . (اليأس)شعر بشيء من اغبزف، وبشيء ف يشعر بو من قبل . بالبالطو اػباص بنزالء اؼبصحة النفسية

:يستمع إف حوار طبيبو اؼبعاف مع أفراد أسرتو دوف تركيز، حاوؿ أف يدخل إف األعمق أكثر فأكثركل األشياء ال تبدو كما ىي حتما، والوجوه اللحمية ليست سوى ! إنو العبث اؼبفضي إف الفوضى والشك"

اؼبقوالت اؼبثالية، وهبعل منها ؿبض خرافات ىذا زماف مؤف يقضي على كل. أقنعة خشبية تتغت حسب اغباجةاغبياة واجهة حملاؿ ذبارية تبيع األعضاء البشرية، واألدمغة، واألحبلـ الطائشة، وكل األمنيات . بالية وساذجة

.اعبميلة والعذبة اؼبعادالت الصعبة ليست مستحيلة بالضرورة، ولكنها تكتسب صعوبتها من ضراوة النتيجة، ووعورة الصياغة

نفسي يف هناية الطريق أحاوؿ إمساؾ العصا أجد. ىكذا ىي قضييت أماـ كل اؼبشكبلت اليت تعتيت. األكاديبية: من اؼبنتصف سباما، رغم كل إدعاءايت العمبلنية، وميلي للتطرؼ كبو اغبق اجملرد، كيفما تكوف واجهتو الزجاجية

.مشوه وـبدوشة، أـ نظيفة وبراقة والمعةالقهر يعت أال نعرؼ ما نريد، والفقر يعت أال مبلك ما يف أيدينا، واػبوؼ يعت أف نفقد اإلرادة، واليأس يعت

تلك أمور . إذا كنت ال تعرؼ مستقبلك؛ فأنت جاىل، وإذا كنت ال ربلم؛ فأنت جباف. أف نتوقف عن اغبلم ."مقضية؛ أما أنا فلن أموت قبل أف أىـز القدر أو أتصاف معو، وال حل آخر ف؛ فنحن لسنا دائما طيبت

وقف شرؼ الدين وراء النافذة ذات القضباف الصماء، وظل يراقب أفراد أسرتو، وىم يقطعوف فناء اؼبصح النفسي

فتحية وزوجها ودالنعيم يف اؼبقدمة، ونعمات سبسك بعواطف اليت ف تكف عن البكاء منذ أفاؽ ليجد نفسو : اػبارجيلسبب ما ال يعلمو اعتلت ابتسامة ساخرة وجهو اغبزين، وكأنو وداع من نوع شديد . مغلوال إف عنقريب اعبرتق

ال بأس؛ سأبدأ اآلف مراجعة قائمة الكماليات من : "أسر يف نفسو، وىو يرى أشعة الشمس أواف الغسق. اػبصوصية !"جديد، وىذه اؼبرة سأضيف إليها قناعا مبتسما