مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

20
الومضة" مجلة "سنا الومضة" مجلة "سنا الفيسبوك القصة الومضة فيجموعة سناية تصدر عن مة الكترون مجل2014 سبتمبر-د الرابع العد

Upload: -

Post on 24-May-2015

361 views

Category:

Art & Photos


6 download

DESCRIPTION

مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014، مجلة شهرية تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك، جمال الجزيري، عصام الشريف، عباس طمبل

TRANSCRIPT

Page 1: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

مجلة "سنا الومضة"مجلة "سنا الومضة"مجلة الكترونية تصدر عن مجموعة سنا القصة الومضة في الفيسبوك

العدد الرابع- سبتمبر 2014

Page 2: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

الكاتب رقمالصفحةاملوضوع

3ـهوامشعلىومضة"حداثة"لعباسطمبلعبدامللكأ.د.بهاءالدينمحمدمزيد

4ـالتمثيلالفنيوالتحرشالبصري..قراءةفيومضة"أمينة"د.جمالاجلزيري

حليدرصادق

8ـنظرةسريعةعلىتطورالقصةالومضةفيمجموعةعباسطمبل

"سناالومضة"

د.جمالاجلزيري 12ـمنوذجللقراءةالنقديةللومضةالقصصية

قراءةفيومضة"دليل"لعصامالشريف

د.جمالاجلزيري 15ـالصراعاللغويوالتوتراالجتماعي

قراءةفيومضة"صراع"للحسنيبري

د.جمالاجلزيري 17ـقراءةسرديةفيومضة"أمية"حملمدنبيل

19ـقراءةسرديةوبيئيةفيومضة"شيخ"لصبريحسند.جمالاجلزيري

الفهرس

[email protected]تصميم:صالحالسريعي

Page 3: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

أ. د. بهاء الدين محمد مزيدهوامش على ومضة )حداثة( لعباس طمبل عبد الله الملكجامعة سوهاج، مرص

ومضة جديدة من صفحة )سنا الومضة( الزاخرة.

هذه املرة لعباس طمبل عبد الله امللك عنوانها

»حداثة«. نستطيع أن نقف عىل ما حدث بالنظر

إىل ثالثة مفاصل رسدية هي »رمقت« و«وقعت«

و«عزلها واستعبدها«. يف أول األمر كانت املرسود

عنها تملك قرارها وإرادتها، رغم حرمانها، كانت

فاعلة يف النحو ويف الحقيقة – »رمقت هاتفا ذكيا

بنظرة محرومة«، والفاعل ضمري مسترت تقديره

»هي«. ويف الرمق مداومة نظر ومتابعة واشتهاء،

اشتهاء من يرشف عىل املوت يريد جرعة ماء.

ويف املرحلة التالية تصبح املرسود عنها فاعلة

يف النحو، ضحية يف الحقيقة – »وقعت يف أرسه«،

والهاء تعود عىل الهاتف الذكي – فهي من »تقع«

والهاتف هو من »يأرسها«، وليس يف الوقوع إرادة.

هذه مرحلة البني بني، مرحلة االنتقال من اإلرادة مع

الحرمان، إىل اإلشباع مع العبودية واإلدمان.

يف النهاية تصبح املرسود عنها مفعوال بها،

ضحية، يف النحو ويف الحقيقة – »عزلها عن الناس

واستعبدها«، والفاعل ضمري مسترت تقديره

»هو« يعود عىل الهاتف الذكي، بينما تعود »ها«

املتصلة يف الفعلني عىل الضحية. »إنما يأكل الذئب

الغنم الشاردة«، هكذا تعلمنا، وإنما تستعبد

التقنية والفضاء السحري االفرتايض من يخلو

واقعهم من أسباب البهجة واأللفة.

يسري الرسد - إذا - يف اتجاهني: يف جهة تفقد

املرسود عنها إرادتها بالتدريج ويف الجهة األخرى

تزداد هيمنة الهاتف الذكي عىل حياتها – و«الهاتف

الذكي« كناية عن كل مستحدثات التقنية وما نشأ

عنها من عوالم افرتاضية مرقمنة. االستعباد نقيض

اإلرادة.

من املمكن أن نتصور حلقة مفقودة يف الومضة،

هي حلقة »امتالك الهاتف« التي تقع بني نظرة

الحرمان والوقوع يف أرس الهاتف، ويمكن إلحاقها

من جهة اإلرادة والسيطرة عىل مجريات األمور

بالحلقة األوىل، حيث ما زالت الغائبة املرسود عنها

يف الومضة »تفعل« يف النحو ويف الحقيقة. ال تنجم

عن الحلقة املفقودة خسارة كبرية، فهي معلومة

من سياق الرسد بالرضورة، وليس بمستغرب أن

يستغني الكاتب عنها يف ظل القيود التي تفرضها

كتابة القصة الومضة.

رمقت هاتفا ذكيا بنظرة محرومة. وقعت يف أرسه. عزلها عن الناس واستعبدها. حداثة

Page 4: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

التمثيل الفني والتحرش

البصري قراءة في ومضة

»أمنية« لحيدر صديق

ر هذه الومضة حالة فنية، تصووالراوي فيها فنان تشكييل

د لنا حالة من حاالت اإلبداع يجسبالرسم. تبدأ الومضة بالتأكيد عىل

أن ما يقوم به هذا الراوي فعل إبداعي ليرصف النظر مثال عن

أنه ينقل تجربة عن الواقع املعاش وليؤكد عىل الطابع الفني للتجربة القصصية هنا. وفعل الرسم الذي

يؤكده الراوي يقرتن بالتمني أو الصورة املثال التي يشتهيها الراوي للمرأة التي يرسمها. ومن املالحظ أنه يرسمها من خياله، فال توجد

»موديل« مثال أمامه ويقوم برسم صورتها، وإنما يعتمد الرسم عىل

التخييل: أي أن الرسام يجمع املالمح التي يتمناها يف هذه املرأة

املثال/الخيالية ثم ينقل هذه املالمح من مخيلته إىل اللوحة أمامه.

وعندما ننتقل إىل الحركة الرسدية التالية، نجد أن هذه املرأة التي تجسد خياله خرجت إىل أرض

الواقع، وكأن الفن يفارق الفنان

أو يخرج عليه أو يتحرر من سطوة الفنان بمجرد االنتهاء من الرسم هنا. وفعل الخروج من اللوحة قد يخلق وشائج أو روابط بني الفن والواقع وربما يشري إىل إمكانية

استمرار النص/اللوحة يف الحياة بعيدا عن صاحبه/بعد موته. وربما يوحي أيضا بالخروج بمعنى التمرد والرفض للصورة التي تم تصويرها

بها.وعندما نتأمل الحركة الرسدية

األخرية يف هذه الومضة نجد أن املرأة التي خرجت من اللوحة تتمرد عىل

هذه اللوحة وعىل طريقة تصويرها أو تمثيلها فنيا. والخروج من

اللوحة تمرد عىل اإلطار الذي يحرص املرأة يف لوحة تجعلها بال ذاتية

والبد أن تكتفي بدور سلبي يتمثل يف أن تكون موضع نظر وفرجة

واسرتقاق نظر وتلصص وافتتان شكيل وما إىل ذلك مما يحرص

املرأة يف إطار التشييء والسلعة القابلة لالستهالك ولو حتى عىل

د. جمال الجزيري

جامعة السويس، مرص

أتناول يف هذه املقالة القصرية ومضة »أمنية« للقاص السوداني حيدر صديق تناوال

رسديا وتأويليا. وها هو نص الومضة:

رسمتها كما أتمني .. خرجت من اللوحة ..

بعثرت األلوان إال األبيض

أمنية

Page 5: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

املستوى البرصي. وأقصد بالتشييء هنا أن تتحول هذه املرأة إىل يشء بال ذات وبال فاعلية وبال حركة وبال أفعال إيجابية وتكون مجرد

لوحة جميلة/شيئا جميال يمتع نظر املشاهد أو املفتون أو املعجب أو... وبعد هذا التمرد عىل االحتباس داخل اإلطار والحرص يف طور السكون، تنقل هذه املرأة تمردها إىل ثورة عارمة عىل األدوات التي

يستعملها هذا الفنان لتصويرها بهذه الصورة وحرصها يف هذا اإلطار، فتقوم ببعثرة ألوان الرسام وال تستبقي إال لونا واحدا وهو

اللون األبيض. هل كانت األلوان التي تمت بعثرها توحي بالرغبة الجسدية والجانب الحيس مثال كاللون األحمر؟ بالخيالية والبعد عن

الواقع كاللون البنفسجي؟ بالغموض واالنغالق واالنطواء والظالم والتكلف كاللون األسود؟ ال نستطيع أن نجيب عىل هذه األسئلة.

ولكن استبقاء هذه املرأة للون األبيض الذي يرمز للعقالنية والصفاء واالتزان الفكري والتحدي والحيوية والوضوح واالنفتاح والطهر والفضيلة يحيلنا بطريقة غري مبارشة إىل أن األلوان التي بعثرتها

ترمز لنقيض كل هذه املعاني. وال يوجد دليل يف النص عىل أن الرسام استعمل اللون األبيض يف رسم هذه املرأة.

تثري هذه الومضة ثالث قضايا نقدية وجمالية. القضية األوىل تتعلق

باملذهب النسوي بوجه عام وبعملية تمثيل أو تصوير املرأة بوجه خاص. من الواضح هنا – حتى بعيدا عن اسم الكاتب حيدر صديق – أن الكاتب رجل والراوي/الرسام رجل والشخصية التي يتم تصويرها

أو تمثيلها فنيا امرأة. وأقصد بالتمثيل هنا طريقة التعبري عن فئة معينة من فئات املجتمع البرشي أو غري البرشي وتصويرها بصورة

فنية قد تقرتب من واقع هذه الفئة أو تبتعد عنه. وال أقصد به طريقة الفن يف املحاكاة التي تحدث عنها أفالطون وأرسطو. الصورة التي يتم بها هنا تمثيل املرأة صورة نابعة من رأس الرجل وتخيالته/

أوهامه/أحالمه/نزواته عنها وحولها وإزائها. واملرأة بالنسبة له أمنية. وحتى لو كانت األماني جميلة، فهي يف النهاية ال تمثل حقيقة

املرأة وال تجعل لها ذاتا أو فاعلية أو إرادة. وهي أمنية ال تقرتب من الواقع وال تويف املرأة حقها.

وهذه القصية تجرنا بدورها إىل قضية أخرى وهي مسألة الصدق النفيس اإلنساني وليس مجرد الصدق النفيس. وأقصد بالصدق

النفيس اإلنساني أن يتم تصوير الشخصية بطريقة أقرب لروحها وتتسق مع ذات هذه الشخصية وليس مع ذات املبدع أيا كان.

فاملختل عقليا عىل سبيل املثال صادق مع نفسه ولكنه ليس

Page 6: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

بالرضورة صادقا يف الصورة التي يكونها عن اآلخرين. فعندما نريد أن نكون صورة عن شخص ما، ال ينبغي علينا أن نسقط انطباعاتنا

أو أوهامنا أو آراءنا عىل هذه الشخصية ونعتقد أننا بذلك شكلنا فكرة صادقة أو حقيقية عنها – وعلينا أن نفهم اإلسقاط هنا

بمفهومه يف علم النفس بأن ننقل انفعاالتنا ورغباتنا وتصوراتنا وصفاتنا إىل شخص آخر ونلصقها به. وإنما علينا أن نكون هذه

الصورة أو الفكرة بناء عىل معطيات الشخصية الخاصة وصفاتها الراسخة فيها.

وهذه القضية تنقلنا بدورها إىل القضية الثالثة الخاصة بالتمثيل الفني بوجه عام والعالقة بني الفن والواقع بوجه خاص. ربما كان تمرد املرأة يف هذه اللوحة تمردا عىل طريقة تمثيل الراوي/الرسام لها، فهو لم يمثل واقعها أو يصور شخصيتها تصويرا يتسق مع

حقيقتها، وإنما يصور ما يريد منها أن تكونه، بمعنى أنه ال يرسم لنا صورة خارجية وداخلية لها تصور ظاهرها وباطنها من جسم وروح ونفس وذات وإنسانية وعقل، بل يرسم لها صورة خارجية تختلط برغباته وأوهامه عن املرأة ونظرته إليها: أي يرسمها من

منظوره هو وليس من املنظور الذي تنظر به هي لنفسها. أي أن هذا الرسام ينقل املرأة من ذات فاعلة إىل مجرد موضوع قابل للنظر

والتحرش البرصي إذا جاز لنا استعمال هذا التعبري. يصور لنا حيدر صديق يف هذه الومضة رساما ال يضع موضوعه

نصب عينيه وال يهتم بذاتية وفاعلية الشخصية التي يرسمها وبالتايل يبتعد عن واقع هذه الشخصية، وإنما يكتفي بتصوراته

عن هذا الواقع وعن هذه املرأة وكأن املرأة ال يحق لها أن توجد إال بالصورة املرتسمة يف مخيلته. ويوظف الفانتازيا يف جعل الشخصية

تتمرد عىل إطار اللوحة وعىل األلوان التي يرسمها بها وعىل أدوات فنه ذاتها لتستبقي منها فقط ما يمثل طبيعتها تميال أقرب لواقعها.

هوامش عىل بنية الومضةهذه الومضة مروية بضمري املتكلم يف الزمن املايض. وتشتمل عىل شخصيتني: شخصية الراوي املتكلم بالرضورة يف أي ومضة مروية

بضمري املتكلم، وشخصية املرأة املرسومة يف اللوحة. يف بداية الومضة توجد شخصية الراوي فقط، فضمري املفعول يف الفعل »رسمتها«

يشري إىل مجرد موضوع أو يشء أو امرأة تم رسمها وليس لها وجود

Page 7: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

ذاتي، فهي مجرد شكل يف اللوحة. ولذلك يكون الراوي هو الشخصية الوحيدة يف هذه البداية الحدثية التي تبدا بالفعل مبارشة وتدخل يف

الحدث دون مقدمات. ويحرض الراوي بقوة يف هذه البداية من خالل فعلني: فعل يدل عىل القيام بيشء ما يتمثل يف إنجاز عملية الرسم هنا، وهو فعل حدث بالرضورة، والفعل »أتمنى« الذي ال يدل عىل

حدث أو فعل وإنما عىل حالة تتمثل يف التمني هنا، وهو تمن يدل عىل رىض الفنان عن موضوع فنه وعن طريقة إتمامه وإنجازه بالصورة

الة لها وجودها وإنتاجها املبتغاة. باختصار، الراوي شخصية فعولها قناعاتها الخاصة وطموحها الفني. وتقوم البداية الرسدية

هنا بالرتكيز عىل هذا الراوي وإبراز دوره وفاعليته وتظل الشخصية األخرى يف حالة كمون يف هذه البداية، فهي مجرد مفعول بها وتمثل

موضوعا من املوضوعات التي يرسمها الفنان. ويأتي باقي نص الومضة يف مواجهة مبارشة مع هذه البداية، فشخصية الراوي

تختفي تماما من الصورة وتكتفي بدور الرسد، بل أن هذا الرسد ل من رسد بضمري املتكلم إىل رسد بضمري الغائب عن املرأة التي يتحو

تخرج من اللوحة وما تفعله وال يوجد أي ضمري يف باقي الومضة

ل إىل مجرد صوت يدل عىل وجود الراوي أو دوره يف الحدث، فهو يتحورسدي. وهذا التحول يصاحبه تحول يف املنظور، فالبداية الرسدية الحدثية هنا مرسودة من منظور داخيل يكشف من خالله الراوي رؤيته للوحة وانطباعه عنها وطريقة رسمه لها. أما باقي النص،

فهو مرسود بضمري الغائب ومن منظور خارجي عىل املرأة ينقل لنا ما تفعله بعالمه الفني. ونجد فيه فعلني أيضا، والفاعل فيهما هو

املرأة التي كانت مجرد رسم من قبل، وها هي تكتسب ذاتية خاصة وفاعلية وتستحوذ عىل فعلني مثلما استحوذ الراوي عىل فعلني من قبل، األمر الذي يدل عىل املساواة بينها وبني الفنان. كما أن هذين الفعلني فعال حركة، فالخروج يدل عىل االنتقال والتحول هنا من موضوع إىل ذات، والبعثرة تدل عىل رفضها لرىض الفنان عن ذاته

وللصورة التي رسمها لها بناء عن تصوراته وتخيالته عنها وليس بناء عىل شخصيتها الحقيقية وسماتها الشخصية األصيلة. وإذا

كان الراوي استحوذ بفاعليته عىل جملة واحدة من جمل الومضة الثالث، تستحوذ شخصية املرأة عىل جملتني منها وبالتايل يكون

لألنثى مثل حظ الذكرين هنا.

Page 8: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

عباس طمبل

)السودان(

نظرة سريعة على تطور القصة الومضة في

مجموعة »سنا

الومضة«

سأتناول يف هذه املقالة ومضتني قصصيتني من الومضات التي شاركت يف املسابقة األسبوعية األويل التي أقامتها مجموعة سنا الومضة يوم 8 /2014/2 للمقارنة بني الومضات القديمة التي نرشت بعد تأسيس املجموعة بوقت قصري )فلقد تم تأسيس مجموعة سنا الومضة يف أواخر يناير

2014 عىل يد األستاذ عصام الرشيف والدكتور جمال الجزيري وشخيص املتواضع( وومضة حديثة ام جميدة. وكان نرشت يف أواخر شهر يونيو عىل املجموعة، وهي ومضة »غباء« للكاتب السوري بس

للورشة النقدية التي كانت املجموعة تعقدها بانتظام أسبوعيا ملدة تجاوزت الشهرين دور كبري يف بلورة رؤية املجموعة للومضة بوصفها ومضة قصصية تقوم عىل الرسد الفني املكثف وتتميز

عن املقولة والحكمة والتعليق واملثل وكذلك عن القصة القصرية جدا، كما لعبت مجلة سنا القصة الومضة االلكرتونية التي تم إصدار العدد األول منها يف فرباير 2014 قبل أن يكتمل مرور شهر

واحد عىل إنشاء املجموعة دورا كبريا – مازالت تقوم به – يف اتضاح معالم القصة الومضة وتمييزها عن األنواع األدبية وغري األدبية األخرى التي تخلط املجموعات األخرى بينهما بالرغم من أن هذه

املجموعات مخصصة للقصة الومضة أيضا. وسأبدأ بتناول الومضتني القديمتني وبعد ذلك أتناول ام جميدة. ومضة »غباء« لبس

كانت رؤية إدارة املجموعة وأعضائها للومضة القصصية تتجسد يف توظيف الفعل ورد الفعل استنادا إىل ما كان ينرش من أراء تعميمية وغري منهجية يف مقاالت قصرية من قبل عىل مواقع

الكرتونية، وكانت هذه اآلراء واملقاالت تتحدث عن القصة الومضة وتضع لها بعض »الرشوط« واملقومات من قبيل:

1/ التكثيف والرتكيز اللذان يمثالن االقتصاد يف الكلمات واالكتفاء بالقليل منها مما يفي بالغرض. فالقصة الومضة مكثفة جدا، وخالية من الزوائد والحشو الوصفي واالستطرادات و

االنثياالت الواعية وغري الواعية. 2/ املفارقة: إن »املفارقة خالصة موازنة ومقارنة بني حالتني يقدمهما الكاتب من تضاد واختالف

يلفتان النظر، وليس بالرضورة أن يكون ذلك معلنا، بل يمكن أن يستشف من النص«. 3/ اإليحاء: يفيض التكثيف الناجح إىل لغة مشعة باإليحاءات والدالالت فتكون رشيقة يف إيصال

املعنى واملضمون. واإليحاء هو »أن تجعل قارئك يعرف ما تتحدث عنه ـ أو أن تقوده إىل االعتقاد بأنه يعرف عما تتحدث، من دون إعالمه ذلك بصورة مبارشة«.

4/ الخاتمة املدهشة: وتشكل يف القصة الومضة الغاية والهدف، ولذلك فهي تختلف عن أساليب زة ، أو مفتوحة عىل احتماالت الخاتمة يف القصة القصرية التي من املمكن أن تكون واضحة، أو مرم

كثرية، أما يف القصة القصرية جدا فإن الخاتمة فيها ليست وليدة الرسد..هذا كل ما قاله النقاد عن القصة الومضة، واكتشفنا فيما بعد من خالل تعمقنا يف مطالعة

الدراسات النقدية التي تتكلم عن القصة الومضة أنها دراسات مكتوبة يف األساس عىل القصة القصرية جدا التي كانت تسمى أيضا »القصة الومضة«.

Page 9: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

)عشق القلم ،قتلته الكلمات(عاشق

تتكون هذه الومضة من لقطتني اعتمد الراوي عيل تغيب

الفاعل يف النص ولم يرش لهذا الفاعل حتى بضمري يعود عىل الشخصية، واعتمد عيل جعل

العنوان شخصية رئيسية، وهذا إخالل بوظائف العنوان يف النص

األدبي، ففي نص الومضة لم يذكر الراوي شيئا سوى أن

هناك شخص عشق القلم، لكن ملاذا عشق القلم؟ هل هو أديب ؟ هل هو محب لقول ثائر مثالا

الحقيقة ويعشق قلمه الذي يقول الحق ويناضل به ضد

طغيان ما؟ أم هل هو شاعر عاشق ومحب لقلمه الذي

يتغزل به فقط دون أن يسعي لتحقيق غرض آخر؟ من هذا

العاشق؟ كل هذه األسئلة تدور يف ذهن القارئ حينما يصل

لشق املفارقة: قتلته الكلمات. ملاذا قتلته هذه الكلمات؟ هل

كل عاشق لقلمه يجب أن تقتله

الكلمات؟ فالومضة بهذا الشكل مة وال تحدد أسباب عشق معم

الشخصية لذلك، األمر الذي يدخل القارئ يف طور التخمني

ويجعل النص عبارة عن لغز تعبري لغوي مسطح. وحتى

لو كانت الومضة هكذا )عشق

عاشق قلمه، فقتلته الكلمات( وكان العنوان أي كلمة أخرى،

لن يتغري يشء فيما يتعلق بتكنيك الومضة وتوسيع زاوية

الحدث وتقديم نص متكامل من حيث السياق الرسدي

يعطي معني مفيدا دون أن

يقول القارئ ماذا بعد أن قتلته الكلمات؟

املدى الزمني يف هذا النص قد يمتد إيل فرتة ما بني عشقه

لقلمه وموته برد فعل الكلمات. قد تكون كلمات محرم عيل

الكاتب قولها كسياسة التعتيم اإلعالمي وعدم حرية التعبري

؟ مكان الحدث غري مثالامذكور يف النص وال نعلم أين قتلت الكلمات هذا العاشق؟

وما هو السبب الذي جعل الكلمات تقتل هذا العاشق؟

أظن أن اإلجاعة الشديدة تدخل نص الومضة يف طور التخمني. وزمن الحدث هنا

الزمن املايض. وعنوان الومضة )عاشق( قد يحيل النص إيل أن هذا العاشق ربما يكون

كاتبا؟ لكن بشكل عام هل يف أي مجتمع يؤدي عشق القلم

إيل هذه النتيجة: أن تقتله الكلمات؟ ال أظن ذلك.

Page 10: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

سكنه الطمع: فهجره اليقنيجاحد

نجد البداية الرسدية لهذا النص

أفضل قليلا عن النص السابق، إذ بدأ

بالفعل املايض »سكن« وعاد الضمري

هاء للمفعول والفاعل موجود وهو

الطمع. ويف الحركة الرسدية الثانية،

استعمل الكاتب الفاصلة املنقوطة

والفاء السببية اللتني يؤديان نفس

الغرض، ولذا ينبغي االستغناء عن

واحدة واستخدام األخرى. الفعل املايض

»هجره اليقني«: هذا النص يعتمد عيل

الفعل ورد الفعل يف الصياغة دون أن

يوضح الراوي ملاذا سكن الطمع هذا

الجاحد؟ بل ذكر لنا سمة من سماته

وهو الطمع يف النص ويف الشق الثاني

نجد أنه من الطبيعي لو سكنك الطمع

أن يهجر اليقني واإليمان بما يقسمه

الله لك من زرق، فكل طماع يتمني

أن يتغول عيل رزق غريه من الناس،

ويسعي إيل ذلك بشتى السبل غري

املرشوعة.

بالنسبة للمدى الزمني، قد يمتد

الزمن يف هذا النص إيل فرتة زمنية

ليست بالقصرية مابني سكن الطمع

يف نفس الفاعل وهجر اليقني له ونزع

اإليمان من قلبه حتى يتغلغل الطمع

داخل نفسه ويؤدي إيل تهجري اليقني

من قلبه. ومكان الحدث غري مذكور يف

النص. وأما بالنسبة لزمن الحدث فهو

الزمن املايض. وعنوان هذه الومضة

»جاحد« استخدم كسابقه شخصية

رئيسية وتم تغييبها يف املتن. ويف هذا

كما ذكرنا أعله إخلل بوظائف العنوان

يف النصوص األديبة، فقد كان معظم

الكتاب يف تلك الفرتة متأثرين بالتجربة

التي تقرن الومضة بأدب التوقيعات وال

تشرتط كثرياا توافر الجوانب األساسية

واكتمال النص بعنارصه األساسية

بوصفه قصة ومضة بحيث يفهم

ا عن عنوانه. النص بعيدا

وبعد فرتة من تأسيسنا للمجموعة

ومن خلل عدة ورش نقدية تطورت

رؤيتنا للقصة الومضة، واتضح ذلك

جلياا يف كتابات أعضاء املجموعة

وترجمتهم لهذه األفكار يف نصوصهم

املنشورة حديثاا كاألستاذ بسام جميدة

الكاتب السوري والصحفي الريايض،

كما يف ومضته »غباء« التي سأقوم

بقراءتها أدناه.

واقرتح الدكتور جمال الجزيري

زيادة الحد األدنى لقبول نرش

الومضات إيل ثمان كلمات كي يتسع

املجال للرسد القصيص، وبالتايل

يضطر الكاتب إيل استيفاء عنارص

القصة الومضة بوصفها نصا رسديا

قصصيا يمثل مرحلة تالية للقصة

القصرية جدا عىل مسار التكثيف

الفني املوحي والدال بحيث يصري نص

الومضة مكتمل رسديا وقابل للبقاء

والتأويل املتماسك بعيدا عن عنوانه

وبعيدا عن الحكم واألقوال والتلخيص

والتعليق، وبحيث تتضح سمات

الشخصية يف النص وكذلك طبيعة

الحدث.

Page 11: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

كان يعلق ملنافسة بني ذوي االحتياجات الخاصة ردد: »أتمنى أن تتسع قاعدة اللعبة وتكرب«.! غباء

الحركة الرسدية: بدأ الراوي بالفعل املايض »كان يعلق«. هنا

الشخصية الرئيسية أو الفاعل غري مذكور يف النص لكن نستشف من

خالل السياق الرسدي أنه مذيع يعمل لدي قناة رياضية يعلق

عيل مباراة يف منافسة ما لذوي االحتياجات الخاصة، نستشف

من سياق النص أيضا أنه من نوعية املعلقني الذين يعتمدون

عيل الثرثرة وكثرة الكالم والخروج خارج إطار املوضوع الرئييس

كنوع من محاولة االستظراف عيل من يتابعون هذه الفعاليات. ويف كثري من األحيان، نجد أن الطابع

املميز للمذيع العربي يتمثل يف كثرة الثرثرة، وهو ما نجده يف

شق املفارقة. وتتخذ املفارقة هنا شكل املفارقة القولية ذات الطابع الساخر من حال الوسط الريايض

الذي ينمتي له املؤلف بوصفه صحفيا رياضيا سوريا.

وأمنية الشخصية أن تتسع

قاعدة منافسة املعاقني تدل عىل أنه يتمنى أن

يصبح كل ممارس لهذه الرياضة معاقا، األمر الذي يدل

عىل أن الكثريين من املعلقني عند انفعالهم مع حدث ما تكثر نسبة وقوعهم يف الخطأ، وربما تأخذنا

هذه الومضة لالختيار الخاطئ يف معظم وسائل اإلعالم التي تعتمد

فيها االختيارات عيل الوساطة واملجامالت دون

االحتكام للموهبة التي تساعد املؤدي يف تطوير مهاراته

رسيعا حتى وإن كان ال يمتلك الخربة الكافية.

املدى الزمني يف هذه النص ربما استمر للحظات حني ردد هذا القول ولو أتيحت له الفرصة

لتدارك الخطأ واعتذر عنه. الشخصية معلومة يف النص،

وكذلك مكان الحدث معلوم، وهو مكان إقامة منافسات للمعاقني يف امللعب املخصص لذلك دون تحديد

مكانه الجغرايف، وال يهم هذا التحديد. وزمن الحدث هو الزمن

املايض غري املحدد. أما أسلوب الرسد فيتم رسد هذه الومضة من

خالل راو غري مشارك يستعمل ضمري الغائب املفرد. الشخصية هنا غري مذكورة بشكل واضح

يف النص، لكن يستشف أنه معلق ريايض والشخصية املساعدة

تتمثل يف ذوي االحتياجات الخاصة الذين يتم تقديمهم عىل أنهم

فريق ال يتميزون عن بعضهم البعض. العنوان »غباء« يجسد

مدي املشاكل التي يسببها سوء االختيارات، فأحيانا نجد أن

الثرثرة الكثرية توقع املعلقني يف أخطاء كبرية ربما عن غري قصد،

لكنها تحسب عليهم.

Page 12: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

نموذج للقراءة

النقدية للومضة

القصصية: قراءة

في ومضة

»دليل« لعصام الشريف

ومضة رمزية قد يصعب فهمها ألول وهلة، وسأحاول هنا أن أستوعب عنارصها. تبدأ الومضة

بتحديد نوع ما من أنواع املكان: هناك حائط صد وهناك أقدام الراوي وما بينهما ينكرس ظل الراوي.

بالرغم من عدم تحديد مالمح حائط الصد، يمكننا أن نقرأه عىل ضوء األقدام أوال بوصفه يمنعها

من أن تكمل سريها نحو الهدف الذي يسعى الراوي للوصول إليه. ويمكننا أن نقرأه أيضا عىل ضوء

املخاطبة التي يستهدف الراوي الوصول إليها يف نهاية الومضة. إذن حائط الصد يمنع الراوي من

أن يحقق هدفه ومن الوصول إىل املخاطبة التي قد تكون الوطن أو املحبوبة أو أي قيمة إنسانية

مفضلة لديه أو ذاته أو... وفكرة انكسار الظل يف حد ذاتها توحي بأن عائقا ما أو قوة ما أدت

إىل انكساره بالرغم من أن الفعل »انكرس« ليس مبنيا للمجهول والظل فاعل هنا، ولكنها فاعلية

مسلوبة عىل أي حال، فهو مفعول به بالرغم من وجوده يف الومضة كفاعل، إذ أنه هو الذي يقع

عليه االنكسار. واألقدام ذاتها ترمز للخطوات التي ترمز بدورها ملسرية اإلنسان عىل األرض أو رحلته

الحياتية، وبالتايل انكسار الظل يمثل عثرة يف هذه الرحلة أو مرحلة تخبط أو اغرتاب للراوي عن

ذاته. وهنا يمكننا النظر إىل حائط الصد عىل أنه صد للراوي عن الخطأ أو عن ارتكاب يشء قد يفتك

ل نهاية الومضة عىل أن الراوي يتجه به هو شخصيا ويقيض عىل ذاتيته. ومن هنا يمكننا أن نؤو

نحو ذاته أو نحو ما يحققها ويجعلها ذاتا فاعلة يف الزمان واملكان.

ونعود مرة أخرى إىل حائط الصد ويمكننا أن ننظر إليه يف ضوء كل هذا عىل أنه تنبيه للذات أو

صحوة ضمري أو يقظة تلفته إىل ما فاته أو إىل رضورة أن تغري قدماه مسارهما. وهنا يأتي العنوان

بوصفه زاوية تلقي الضوء عىل تأويل من تأويالت ذلك النص املكتمل يف حد ذاته. الدليل مرشد وهاد،

د. جمال الجزيري

جامعة السويس، مرص

سأحاول يف هذه القراءة البطيئة أن أتناول ومضة »دليل« لعصام الرشيف من كافة الجوانب املمكنة بحيث تكون نموذجا يف تحليل الومضات وقراءتها نقديا، وإذا ما تراكم لدينا عدد كبري من مثل هذه القراءات يمكننا أن نؤسس نقديا لفن الومضة ككل. وسأتناول

هذه الومضة من عدة زوايا أعتقد أنها البد من مناقشتها بالتفصيل يف كل الومضات حتى نتوصل إىل جماليات فن الومضة بوجه عام: تأويل الومضة تأويال يساعدنا فيما بعد يف النظر إىل عنارص الومضة عىل ضوئه؛ املدى الزمني للومضة وأقصد به مدى اتساع

أو ضيق الحدث زمنيا وهل يمثل لحظة واحدة أم أنه ممتد يف الزمان؛ مكان الحدث؛ أسلوب الرسد؛ بداية النص؛ نهاية النص؛ شخصيات الومضة؛ التناص )إن وجد(. وها هو نص الومضة:

بني حائط الصـد وأقدامي انكرس ظيل، يممت وجهي شطرك.دليل

Page 13: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

وقد يشري هنا إىل حائط الصد أو انكسار الظل أو املخاطبة وكلها إشارات جائزة

نصيا. فلو أشار إىل حائط الصد أو انكسار الظل، يمكننا أن ننظر إليه باعتباره

إشارة تنبه الراوي إىل رضورة مراجعة خطواته. ولو أشار إىل املخاطبة، تكون

هي الدليل الذي يخرج الراوي من عثرته ويصحح مساره.

تشتمل الومضة عىل ثالثة ضمائر ملكية تعود عىل الراوي املتكلم وضمري

ملكية واحد يعود عىل املخاطبة، األمر الذي يوحي بطغيان حضور الذات عىل

الومضة، ولكن إنهاء الومضة بضمري املخاطب يف »شطرك« يوحي أيضا بأن

املستقبل أو الحدث املفتوح هنا سيكون لهذه املخاطبة دور أكرب فيه ويف

تصحيح مسار الذات. وتشتمل الومضة عىل فعلني: الفعل انكرس الذي أرشنا

من قبل إىل أنه يحمل فاعلية ظاهرية ويدل حقيقة عىل كون الذات مستقبلة

لالنكسار ومفعوال بها ويأتي هذا الفعل أوال. أما الفعل الثاني فهو »يممت«

الذي يكون فيه الراوي فاعال حقيقيا وإيجابيا يتخذ خطوات ملموسة نحو

الوصول إىل مبتغاه أو االقرتان وااللتحام باملخاطبة هنا بغية تاليف ما أدى إىل

انكسار ظله واغرتابه عن نفسه.

بالنسبة للمدى الزمني يف هذه الومضة، تركز الومضة عىل لحظة زمنية واحدة

تتمثل يف انكسار ظل الراوي وما يقوم به من فعل لكي يصحح املسار الذي أدى

إىل انكسار هذا الظل. أوال ينكرس الظل، ثم يفكر الراوي رسيعا يف األسباب التي

أدت إىل انكسار ظله، ويقرر عىل الفور أن يتوجه نحو املخاطبة كي يتجنب

انكسار ظله مرة أخرى.

بالنسبة ألسلوب الرسد، الومضة مروية بضمري املتكلم املفرد. واستعمال

هذا الضمري يف الرسد يعطي للموقف خصوصية التجسيد وتحديد داللة النص

بالرغم من انفتاح هذه الداللة، فالنص هنا نص مفتوح ال يتم غلقه بداللة

حاسمة، ولكن املوقف الشخيص لراو يكون حارضا بذاته من خالل ضمري

املتكلم يدخل النص يف نطاق التخصيص بعيدا عن التعميم وما يشتمل عليه

هذا التعميم من تعليق، فنحن هنا أمام موقف محدد لشخصية محددة تسلط

الضوء عىل حدث وحيد. واستعمال هذا األسلوب يف الرسد يحمل العبارات بذاتية

فنية ويثري التعبريات املستعملة لنقل الحدث، وأقصد بالذاتية الفنية أن انكسار

الظل وحائط الصد واألقدام والوجه وكل ما يف الومضة يكتسب قيمة مضافة

بحضور الراوي الذي يرسد حدثا شخصيا ويفتح الومضة عىل الرمز والتأويل

دون أن يسقط يف هوة التعميم. فلو كانت الومضة بضمري الغائب مثال، سننظر

إىل انكسار الظل نظرة حرفية تستحرض الشمس التي وراء الشخصية وينكرس

هذا الظل بالفعل عىل حائط الصد الذي سيكون حرفيا أيضا، وهكذا.

بالنسبة ملكان الحدث، يوجد مكانان هنا: مكان رئييس وهو الذي يدور فيه

الحدث عند حائط الصد ومكان محتمل يف املستقبل وهو االتجاه الذي سيقود

الراوي للوصول إىل وجهته التي رأى يف االتجاه نحوها حال ملعالجة انكسار

الظل ومنع تكرار ذلك االنكسار. وبداية الومضة بداية ظرفية، وكذلك نهايتها

Page 14: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

ظرفية أيضا. فتبدأ بظرف مكان وتنتهي بظرف مكان. ظرف املكان الذي ببداية

الومضة يدل عىل االنحصار بني شيئني أو موضعني وهما األقدام وحائط الصد

هنا، وهما موضعان أحدهما يدل عىل الحركة – األقدام – ولكنها حركة متوقفة

أو موقوفة مؤقتا وثانيهما يدل عىل السكون واالنسداد، األمر الذي قد يوحي

بأن الراوي محصور أو مسجون بني هذين املوضعني. أما بالنسبة للمكان الذي

بنهاية الومضة، فهو مكان اتجاهي – إذا جاز لنا استعمال هذا التعبري – بمعنى

أنه مكان يدل عىل اتجاه مفتوح ويمثل خروجا للذات من حالة االنسداد أو

التوقف التي ببداية الومضة وحال للمأزق املوجودة فيه.

وبالنسبة لبداية الومضة، هي بداية ظرفية، والبداية الظرفية قد تدل عىل

املكان أو الزمان أو كليهما معا. ويف ومضة »دليل« هي بداية ظرفية مكانية

تقدم لنا املكان الذي يدور فيه الحدث وتجسد لنا حالة التوقف والتعثر واالنسداد

التي وصل إليها الراوي.

وبالنسبة لنهاية الومضة، هي نهاية ظرفية مكانية أيضا ولكنها منفتحة

عىل آفاق جديدة ينطلق فيها الراوي ليتخلص من املأزق الذي أدى به إىل انكسار

ظله، ويوحي الظرف باالمتداد الذي سيتخذه الحدث فيما بعد، وهي نهاية تفتح

آفاق التأويل وآفاق سري الحدث أيضا.

بالنسبة لشخصيات الومضة، هناك شخصيتان فقط، شخصية الراوي الذي

يحرض يف املشهد من بدايته النصية لنهايته النصية، ومن األرجح أنه سيواصل

حضوره يف االمتداد الذي توحي به النهاية النصية، وشخصية املخاطبة هنا التي

تحرض يف ضمري املخاطب يف »شطرك« ومن األرجح أيضا أن هذه الشخصية

سيكون لها املزيد من الحضور يف حياة الراوي فيما بعد مرحلة النهاية النصية.

وعبارة »يممت وجهي شطرك« يف حد ذاتها تفتح الباب عىل تناص الومضة

مع النص القرآني، األمر الذي يوحي بأن املخاطبة هنا تحتل مكانة تقارب

التقديس يف حياة الراوي – كالوطن املخاطب بصيغة التأنيث هنا – وكان

انكسار ظل الراوي بمثابة ابتعاد عن وجهة الوطن أو الذات مثال وهو انكسار

نبهه إىل رضورة تصحيح املسار.

والعنوان »دليل« عنوان مستقل عن نص الومضة بنائيا، فنصها مكتمل يف

حد ذاته بعيدا عن هذا العنوان. وهو عنوان قد يدل عىل موضوع الومضة بحيث

ه مثال عىل أنه يشري إىل الطاقة الروحية والنفسية والفكرية التي تقدمها نفسر

املخاطبة للراوي يف النص. وقد يدل عىل املكان املوجودة فيه املخاطبة أو عىل

»شطرك« واالتجاه الذي يسري عىل الطريق الذي يوصل الراوي إىل هذه املخاطبة.

Page 15: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

الصراع اللغوي

والتوتر

االجتماعي:

قراءة في ومضة

»صراع« للحسين بري

تجسد هذه الومضة الرصاع اللغوي

كواقع اجتماعي وثقايف يف حياتنا. وال

يقترص مفهوم اللغة هنا عىل لغتني

مختلفتني كاللغة العربية واإلنجليزية مثال،

بل قد تشمل طرق التعبري املختلفة داخل

اللغة الواحدة، كأن يكون الشخصان يف

الومضة هنا ينتميان إىل ديانتني مختلفتني

ويستعمالن نفس اللغة وينتميان لنفس

األرض والوطن، أو أن يكونا من خلفيتني

ثقافيتني واجتماعيتني مختلفتني كساكن

الريف وساكن املدينة مثال، أو يكونا

ينتميان لتيارات فكرية أو حزبية مختلفة

لكل منها أيديولوجيته املغايرة أليديولوجية

اآلخر، وما إىل ذلك، مثل »-السالم عليكم، -

صباح النور«. »-صباح الخري يا رفيق، -

السالم عليكم يا عبد«. »-العواف، - وعليكم

Bonjour -« .»السالم ورحمة الله وبركاته

– العواف يا أختي«. »- عمتم صباحا،

- صباح الخري«. وي كل هذه األنواع من

التحية، يستعمل الطرف األول طريقته

املعتادة يف التعبري عن التحية، ويشعر

الطرف الثاني بأن هذه الطريقة يف التعبري

غري مناسبة لو أو تنتقص من طريقته

الخاصة يف التعبري أو يشعر بأن الطرف

األول يحتقره أو يريد أن يفرض عليه تحية

معينة ويلفت انتباهه بطريقة غري مبارشة

إىل أنه يتميز عنه دينيا أو اجتماعيا أو

ثقافيا وما إىل ذلك.

د. جمال الجزيري

جامعة السويس، مرص

ال يقترص الرصاع اللغوي عىل الرصاع بني اللغات املختلفة التي قد تسعى إحداها للسيطرة عىل األخرى أو فرض هيمنتها عليها أو غزوها وإفقادها هويتها أو إخراجها عن عزلتها أو إنزالها إىل مرتبة اللغة غري الرسمية، كأن تكون اللغة الرسمية املستعملة يف مؤسسات الدولة مثال لغة ما وتكون اللغة الجارية عىل ألسنة الناس لغة أخرى. فهذا الرصاع موجود داخل اللغة الواحدة بني اللهجات املختلفة عىل سبيل املثال – وال تقترص اللهجات عىل الدول،

وإنما توجد داخل الدولة الواحدة وتقرتن هنا باللكنة أكثر، مثلما يحدث لشخص ريفي من الصعيد أو الوجه البحري مثال يف مرص ينتقل للقاهرة وينشب داخله رصاع بني استعمال لكنته الريفية واستعمال اللكنة القاهرية. وقد يدل هذا الرصاع عىل الشد والجذب بني مراكز القوى اللغوية – إذا جاز لنا

استعمال مثل هذا التعبري – كأن يكون بني شخصني ينتميان لدائرتني مختلفتني من دوائر مستعميل اللغة، مثلما بني »مثقف« و«غري مثقف«. ونقول يف مرص مثال: »النبي« عربي« أو »كلمني بالعربي« عندما يستعمل الشخص الذي أمامنا لغة عربية صعبة الفهم أو يستمل مفردات لغوية ال تشيع يف اللهجة

املرصية أو يستعمل لغة تجريدية ال تتماس مع الواقع واملوقف الذي يدور فيه الكالم. كان البد من كتابة هذه املقدمة الطويلة نوعا عىل دراسة تتناول ومضة قصصية واحدة، واستدعت هذه الومضة كتابة هذه املقدم، ألن القاص املغربي الحسني بري يوظف هذا الرصاع توظيفا جيدا يف ومضته ويجعل

عنوانها »رصاع« للتأكيد عىل هذا النوع من الرصاع الذي يتجىلى بقوة يف نص الومضة. وها هو نص الومضة:

حياه بلغته، أرص األخر ردها بلغته، نشب رصاع بينهما.صراع

Page 16: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

تبدأ الومضة بالشخص األول الذي يلقي التحية عىل

الشخص الثاني ويستعمل يف هذه التحية طريقته

وصيغته الخاصة يف إلقائها. ويبدو أن الطرف الثاني

ال يستسيغ هذه التحية أو أنه يرى فيها إهانة أو

تجريحا أو تقليال من قدره أو تهكما عليه وما إىل

» ذلك من تفسريات، ويتضح ذلك من الفعل »أرص

الذي يوحي بأن الشخص الثاني يستعمل أسلوبه

الخاص يف الرد عىل التحية كنوع من أنواع مقاومة

ره هيمنة الشخص األول أو تسلطه أو وقاحته أو تقع

وفذلكته أو تعامله، بحيث يستخدم الشخص الثاني

اللغة بطريقة تسلط الضوء عىل وجوده اللغوي

وهويته التعبريية وأعرافه االجتماعية التي يلتزم بها

يف التحية والرد عليها.

وتأتي نهاية الومضة لتسلط الضوء سياقيا عىل

الرصاع املذكور يف العنوان ويف متن الومضة ذاتها.

فالرصاع اللغوي يتحول إىل رصاع حقيقي ربما

يصل إىل الشجار والقتال. وتسلط هذه الومضة عىل

اللغة بوصفها قوة لفظية يمكنها أن تتحول إىل قوة

حقيقية. فكما أن القوة الحقيقية يمكنها أن تتحول

إىل قوة لفظية كما نرى مثال يف خطابات قادة الدول

الكربى وطريقة مخاطبتها للدول الصغرى وتعليقها

ببيانات سياسية عىل أوضاع ال تمت لها بيشء يف

دول أخرى أضعف منها، يتحول التوتر اللغوي بني

الشخصيتني يف هذه الومضة وما ينتج عنه من

رصاعات قوى اجتماعية وثقافية ودينية إىل رصاع

يستعرض القوى البدنية بينهما ومحاولة كالهما

التغلب البدني عىل اآلخر كي يثبت له أن الرصاع

اللغوي ال ينحرص يف استعمال الكلمات وإنما البد من

برهنته عىل أرض الواقع برصاع حقيقي.

وعندما نتأمل هذه الومضة الرائعة واملتميزة فنيا

نجد أنها تخلو من املفارقة باملعنى املألوف الذي يريد

النقاد أن يفرضوه عىل كل الومضات وأن يلزموا كتاب

الومضة باملفارقة كتقنية أساسية من تقنيات فن

الومضة. فهذه الومضة تثبت لنا أن املفارقة ليست

تقنية الزمة يف الومضة، فهي قد تتحقق يف ومضات

يستلزمها سياقها وقد ال تتحقق يف ومضات أخرى ال

يقوم سياقها عىل فكرة املفارقة أو يتخذها لبنة من

لبنات بناء الومضة ومعمارها الفني.

واملدى الزمني يف هذه الومضة قصري جدا يتمثل

يف الزمن املمتد ما بني التحية وردها بلغة/لكنة/

لهجة مختلفة وبداية الرصاع. وتشتمل هذه الومضة

عىل شخصيتني يمثالن طريف الرصاع اللغوي هنا.

وال يذكر الراوي هاتني الشخصيتني، وليس يف حاجة

ألن يذكرهما، ألنهما موجودان يف الومضة بصفتهما

اللغوية وكون كل منهما يستعمل لغة مختلفة عن

اآلخر أو باألحرى أسلوبا مختلفا يف التحية. وبداية

الومضة بداية حدثية: فبالرغم من أن الفعل »حياه«

يدل عىل مجرد قول وليس حدثا يف حد ذاته، نعتربه

فعال حدثيا لسببني: يتمثل السبب األول يف أن هذا

الفعل فعل من أفعال األداء performatives التي

تهدف ألداء فعل معني وهو تحقق مضمون التحية

– الخري، السالم، العطر، الخ – يف حياة من يتلقى

التحية، ويتمثل السبب الثاني يف أن هذا الفعل بما

يشمله يتسبب يف الرصاع ويف الحدث الذي تجسده

الومضة. ونهاية الومضة نهاية مفتوحة، بمعنى أنها

تمثل ذروة الرصاع اللغوي الذي تحول من قول إىل فعل

ترتكه الومضة مفتوحا وال تحدد نتيجته. وعنوان

ها بنائيا، بمعنى أن الرصاع الومضة مستقل عن نص

د بالفعل لفظا ومعنى وحدثا يف الومضة ذاته، متجس

ومن هنا يكتمل نص الومضة بعيدا عن العنوان ويأتي

العنوان الحقا – بعد اكتمال النص – ليقوم بإبراز أهم

سمة فيه وهي الرصاع اللغوي والبدني الذي يدور بني

الشخصيتني.

Page 17: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

هذه الومضة موجزة ومكثفة وتقوم عىل بنية الفعل ورد الفعل أو الفعل والنتيجة

املرتتبة أو الالحقة عىل هذا الفعل. ويوجد تقابل يف هذه الومضة بني الفعل الذي

يقوم به الراوي – املتمثل يف إهداء مكتبة ملجموعة من األشخاص ربما كانوا أهله –

والفعل الذي يقوم به هؤالء األشخاص وهو فعل يبعد الهدف أو املغزى من الفعل الذي يقوم به الراوي ويحوله إىل مسار مختلف

تماما. فإهداء املكتبة يجعلنا ننظر إىل الراوي عىل أنه شخص يهتم بأهله ويريد

أن يجعلهم يتعلمون أو يتثقفون. ولكنهم ال يلتفتون لهدف الراوي ويستعملون كتب

املكتبة كوقود يف الشتاء للتدفئة أو لطهي األكل أو للمساعدة عىل إشعال النار. وهذه هي املفارقة التي تسعى الومضة إلبرازها

ويؤكدها العنوان الذي يرجع رد فعل هؤالء األشخاص إىل الجهل واألمية.

ومن املالحظ من سياق النص أن هؤالء األشخاص ينتمون لبيئة ريفية، فبيئة

املدن ال توقد نارا يف الشتاء وإنما تعتمد عىل وسائل اإلشعال الحديثة مثل الغاز أو البوتاجاز أو الكهرباء. والفعل »أهديتهم« يوحي أيضا بأن الراوي ال يسكن معهم يف

بيئتهم وإنما ينتمي لبيئة تهتم بالتعليم والثقافة بشكل أو بآخر، ومن األرجح أن

الراوي ينتمي يف األصل لهذه البيئة الريفية ولكنه هاجر أو اغرتب وسكن بعيدا عنها

يف بيئة أخرى. وربما يمكننا أن ننظر إىل ما يقوم به هؤالء األهل نظرة تعاطف تتجاوز

موقف اإلدانة الذي يظهر عىل سطح الومضة، فربما كان هناك نقص يف الوقود

الحديث أو يف املواد التي يمكن إشعالها ولم يجد هؤالء األميون سوى كتب املكتبة

ليشعلوا بها النار، خاصة وأن الراوي يذكر زمن الحدث – وهو الشتاء، وهو زمن

د. جمال الجزيري

جامعة السويس، مرص

سأتناول يف هذه املقالة ومضة واحدة للقاص املرصي محمد نبيل، وهي ومضة »أمية« التي تناولتها من قبل يف الورشة النقدية التي كانت تقيمها مجموعة سنا القصة الومضة بشكل منتظم بهدف بلورة رؤية إدارة املجموعة واألعضاء للقصة الومضة وتمييزها عن أنواع القويل األخرى األدبية وغري

األدبية التي تخلط بينها بعض املجموعات – التي يفرتض أنها مخصصة للقصة الومضة – وبني الومضة القصصية باعتبارها فنا رسديا يف املقام األول وليست حكمة أو مقولة أو تعليقا أو مثل. وبعد ظهور مالمح هذه الرؤية النقدية، اعتمدت مجموعة سنا الومضة عىل مجلة سنا القصة الومضة بوصفها

املنرب النقدي األسايس للمجموعة. وسأتناول هنا هذه الومضة ملحمد نبيل بوصفها ومضة رسدية يف االساس تتخذ الرسد هدفا يف حد ذاته للتعبري عن التجربة وليس مجرد وسيلة لتوصيل فكرة. وها هو نص الومضة:

ة ي أهديتهم مكتبة، أوقدوها يف الشتاء.أم

قراءة سردية

في ومضة

ة« »أمي لمحمد نبيل

Page 18: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

معروف – عىل األقل يف ثقافتي املرصية وأنا كقارئ يمكنني النظر إىل النص من خالل خلفيتي الثقافية

والبيئية واالجتماعية واالقتصادية – بأزمات متكررة يف مصادر الوقود املنزيل عىل األقل.

وأؤكد هنا عىل رضورة رسم الشخصية بدقة يف الومضة ورضورة خلق سياق قصيص متكامل داخل ها، ونجد ذلك متحققا يف الومضة التي بني أيدينا نص

اآلن: فهنا توجد شخصيتان أو باألحرى نوعان من الشخصيات، شخصية الراوي من جهة وشخصية الجماعة أو املجموعة التي )كان( ينتمي إليها من

جهة أخرى. ومن خالل تحليلنا للكلمات القليلة التي تم استخدامها يف صياغة هذه الومضة رأينا كيف أن الراوي له مالمح مميزة: فهو متعلم ومثقف ويهتم

بتثقيف أهله ويريد أن ينترش ما لديه من علم وما يمكن أن يوفره من خالل قدرته املادية كرشاء كتب مثال وهو يسكن يف مدينة وهو ينتمي أصال للقرية،

وهناك أهله عىل الطرف اآلخر الذين يتم تقديمهم عىل أنهم كتلة واحدة وشخصية واحدة ألن هدف الرسد

هنا ال يتمثل يف التمييز بينهم وإنما يف إبراز سلوكهم الجماعي إزاء ما قام به، وهم يعيشون يف مجتمع قروي ويعيشون بشكل جماعي أشبه بالقبيلة أو

األرسة الكبرية وهم ال يهتمون بالعلم كثريا وال يرون يف الكتب إال وسيلة أو مادة ورقية خام يمكنهم أن

يستفيدوا منها يف تلبية احتياجاتهم من الطاقة الوقود. ونص الومضة ذاته منفتح عىل التأويل وال يقرص الحدث عىل مجرد األمية الواردة يف العنوان.

وهنا أذكر مثال الناقد الرويس ميخائيل باختني الذي

ر لديه »ورق نا، وعندما لم يتوف كان مطاردا ومدخالبفرة« الذي يلف فيه السجائر استعمل مخطوطات

العديد من كتبه بديال عن ذلك الورق. هل نعترب سلوكه هذا »أمية«؟ ال أظن. ومن املعروف أن املجتمعات الريفية – وأنا كقارئ هنا )كنت( أنتمي إليها –

تنظر إىل كل يشء عىل أنه وسيلة تستخدمها يف تلبية احتياجاتها، وبالتايل عندما تربز الحاجة إىل مصدر من

مصادر الوقود أو يشتد الربد كثريا يف الشتاء وتكون كل املواد األخرى القابلة لالشتعال قد نفدت، يتم

استعمال الكتب والجرائد واملجالت املوجودة بالبيت، خاصة إذا كانت تخص شخصا مغرتبا من أفراد

األرسة وبالتايل ينظرون إليه عىل أنه ليس يف حاجة إىل مثل هذه األوراق التي تمكن االستفادة منها يف التدفئة

أو املساعدة يف اشعال أغصان أشجار لم تجف بعد جفافا تاما. وبوجه عام، نص الومضة ال يدين هؤالء

األشخاص وال سلوكهم. وفكرة ذكر زمن محدد هنا – وهو زمن الشتاء – له داللة خاصة يف البيئة الريفية د فيها اإلنسان ويموت من الربد يضع التي قد يتجممنظور الراوي يف الومضة يف منطقة الحياد الذي ال يستحسن وال يستهجن، وإنما يكتفي بنقل الحدث

كما هو مجردا من أي تقييم. ومن املالحظ أن املدى الزمني لهذه الومضة طويل قد يمتد لشهور أو سنوات ما بني إهداء املكتبة الذي

لم يكن يف الشتاء بالرضورة ألن مجرد ذكر كلمة الشتاء يف الشق الثاني من الومضة يوحي بأن املكتبة

تم إهداؤها يف فصل آخر، وإال لكان الراوي قد ذكر كلمة »الشتاء« بعد كلمة »مكتبة« مبارشة للتأكيد

عىل أن املكتبة تم إهداؤها يف ذلك الفصل. ويمكننا أن نربر استعمال هذا الزمن الطويل يف الومضة بأن

الومضة ال تقدم لنا حدثا ممتدا، وإنما تقدم لنا فعال يف بدايتها وتحذف ما بعده من زمن إىل أن تصل إىل

عملية اإلحراق، وكأن الراوي يتذكر الفعلني/الحدثني معا ويجردهما مما بينهما من أحداث وامتداد.

بالرغم من أن املكان غري مذكور يف نص الومضة هنا، يمكننا أن نستنتجه من خالل تحليلنا للعالقة بني الشخصيات وخلفياتهم املعرفية واالجتماعية

ونظرة كل منهم للكتاب. ومن هنا أؤكد عىل رضورة اهتمام كتاب الومضة

بالشخصية ورسمها بحرفية واقتدار من خالل األلفاظ املوحية التي تفتح لنا عالما كامال من التأويل والنظر والربط واالستنتاج، ورضورة االهتمام بمكان

وزمان الحدث وإن كان باإليحاء وليس بالترصيح املبارش، ورضورة اختيار حدث له داللة إنسانية كبرية والخروج من دائرة املوضوعات االجتماعية أو الدينية

الضيقة التي تقترص عىل الحكمة أو السخرية من فئة من فئات املجتمع أو تنميط املرأة أو الرجل أو

االنحصار يف التعاطف مع اليتيم أو الرتكيز عىل األم وجحود األبناء أو إدانة العاهرات والراقصات. الومضة هنا ركزت عىل موضوع دال يف املجتمع وهو موضوع

األمية أوال وما قد يتفرع عنه من مشاكل اقتصادية يعاني منها املجتمع الريفي وبلغة موجزة ومكثفة

وانتقاء بارع لأللفاظ وإدخال هذه األلفاظ يف تركيبني لغويني قاال مئات الكلمات مع أن عدد كلمات الومضة

خمس كلمات فقط.

Page 19: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

قراءة سردية

وبيئية في

ومضة

»شيخ« لصبري حسن

ومضة مكتوبة بلغة رمزية جميلة تجمع بني عالم اإلنسان وعالم الحيوان. لو كان هناك منرب واحد مازال مصنوعا

من الخشب لصدقت الومضة وعربت شني. ينظر القاص عن عالم من املهمإىل بر الوالدين نظرة واسعة ال تقترص

عىل عالم البرش، بل تتجاوزه إىل كل الكائنات واملخلوقات وكل له لغته كما

أنبأنا الله سبحانه وتعاىل يف القرآن الكريم، األمر الذي يمكن الراوي هنا من أن يلتقط أنات الخشب املصنوع منه املنرب ويجعله يحن شوقا إىل أمه الشجرة. وربما كان عنوان الومضة

يفارق معنى الشيخ الذي يخطب عىل املنرب إىل معنى الشيخوخة التي ال تمكن

الشخصية من أن تلتقط توقد اإلحساس أو ينصت لصوت الكون بزخمه وتنوعه. ومضة مفعمة باإلحساس الصادق الذي

يجمع الكون كله يف لقطة واحدة. تتكون الومضة من لقطتني: اللقطة األوىل

رها الراوي من منظور خارجي يصويمكن ألي أحد يقف يف الزاوية التي يقف فيها أن ينقل لنا كالم الشيخ عىل املنرب؛

واللقطة الثانية ينقلها لنا من منظور داخيل يتجاوز حدود الحواس البرشية

الخمسة حيث يضع الراوي نفسه موضع الخشب املصنوع منه املنرب الذي ر لنا يقف عليه الشيخ يف الجامع ليصو

أن بر الوالدين والرتاحم ليسا مقصورين عىل اإلنسان، بل يتجاوزاه ليشمال سائر

املخلوقات. وتجسد لنا الومضة نوعا من اإليمان بمعناه الواسع الذي ورد يف القرآن الكريم الذي ذكر لنا أن كل

مخلوق يف هذا الكون يسبح لله بلغة ال نستطيع أن نسمعها أو نفهمها نحن البرش. ويف الوقت ذاته، يلتقط الراوي

د. جمال الجزيري

جامعة السويس، مرص

يتميز القاص والروائي املرصي صربي حسن بحس إنساني عال يف كتاباته التي تشمل الرواية والقصيدة والقصة القصرية والقصرية جدا والومضة. وسأتناول يف هذه املقالة القصرية ومضة واحدة متميزة جدا وهي ومضة »شيخ« وسأحاول أن أقرأ هذه الومضة قراءة رسدية تتناول مكوناتها النصية

التي تشكل منها عاملا رسديا متكامال وموحيا وقراءة وفقا ملنظور املدرسة النقدية »النقد البيئي« ecocriticism التي تركز عىل عالقة اإلنسان بالطبيعة وكيف يصورها ويمثلها فنيا وأدبيا بوصفها لها ذاتيتها الخاصة وتمثل عاملا موازيا لعاملنا ومتقاطعا معه يف آن. وها هو نص الومضة:

تال: وبالوالدين إحسانا، فأن املنرب شوقا للشجرة.شيخ

Page 20: مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014

أنات ذلك املنرب وحنينه إىل أمه الشجرة وكأنه ينتقد رؤيتنا القارصة عىل إبصار التواشج والتواصل بني

كل مفردات الكون. املدى الزمني يف هذه القصة الومضة قصري جدا عبارة عن لحظة التالوة واستماع املنرب لآلية غري

املوجهة له يف األساس. فهناك أشخاص افرتاضيني يمثلون جمهور املصلني الذين يخطب فيهم الشيخ وهم الذين يتوجه إليهم الشيخ بخطبته. وبالنسبة

للشخصيات، الشخصية املحركة للحدث هنا شخصية الشيخ الذي ال يتفرد يف يشء شخيص، وإنما يوجد بصفته املتمثلة يف دوره الديني، وإن

كانت تالوته لهذه اآلية بعينها دون غريها قد يدل عىل تميزه عن شيوخ آخرين قد يتلون آيات خاصة

بالعذاب مثال أو آيات قد يكون جمهورها األصيل املستهدف يف النص القرآني يتباين مع طبيعة

جمهور املصلني هنا. والشخصية الثانية – املنرب – هي التي تقوم بالحدث األسايس نظرا لتميزها

وتحريكها عىل يد الراوي ومن ورائه املؤلف من موقع الجماد الذي نظنه ساكنا جامدا بال روح إىل

موقع الذات الفاعلة التي تتمثل اآلية خري تمثيل وكأن الجماد أكثر إحساسا من جمهور املصليني

الغائب عىل مستوى الفعل عن الومضة. وهذا التفعيل للجماد يجعلنا ننظر للومضة أيضا ecocritical perspective من منظور النقد البيئي

وكنت قد تناولت يف العدد املايض من مجلة سنا القصة الومضة )العدد الثاني، يونيو 2014( ومضة

»مصارعة« لعصام الرشيف من هذا املنظور يف

مقالتي »قنوات االتصال املغلقة«، إذ يتم رسد هذه الومضة عىل لسان الثور يف مصارعة ثريان وينقل لنا اآلثار السلبية للمصارعة من منظوره الخاص. وهنا نجد ومضة صربي حسن مروية

بضمري الغائب وليست بضمري املتكلم، ولكن الراوي يلتزم بمنظور املنرب يف الشق الثاني من الومضة.

وكون الراوي يركز عىل هذه اآلية وينقلها يف رسده عىل لسان الشيخ قد يوحي بأن الرب بالوالدين

واإلحسان بهم – وال تقول اآلية »إليهم«، فالوالدان ليسا شخصا غريبا يتم اإلحسان إليه أو تقديم

خدمة تطوعية له – مفتقدان لدى جمهور املصلني. والراوي ال ينقل لنا رد فعل هذا الجمهور، وإنما

رد فعل عنرص من عنارص الطبيعة قام البرش باستغالله وقطعه من أمه الشجرة. ويحلينا ذلك

إىل التعبري الذي نستعمله يف مرص – »مقطوع من شجرة« – لإلشارة إىل الشخص الذي فقد جميع

أهله. ويبدو أن صربي حسن التقط هذه الومضة يف لحظة حضور هذا التعبري وهذه اآلية يف مخيلته، فربط بينهما هذا الربط الرسدي الجميل. ويمكننا

أن نجد يف ذلك محاولة من الراوي أن يلفت انتباهنا إىل أن كل العوالم التي تحيط بنا من حيوانات

وطيور وحرشات كائنات مثلنا تشعر وتتألم وتحس باالفتقاد إىل أهلها وباالنتماء إىل عالم قد ال نجده نحن البرش جديرا بالتأمل أو االهتمام أو املراعاة

نظرا ألننا ننظر إىل كل يشء وكل املخلوقات حولها عىل أنها أدوات نستعملها ملصلحتنا الشخصية

ومنفعتنا فقط.