madarat estratiegyya

2009 /دي�سمل، نوفمد الأو العداتيجية ا�س3

Upload: mohammed-saif

Post on 03-Mar-2016

221 views

Category:

Documents


1 download

DESCRIPTION

Political and Strategic Magazine is published every two months by Sheba Center for Strategic Studies, Yemen.

TRANSCRIPT

Page 1: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 3ا�سرتاتيجية

Page 2: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 4 5ا�سرتاتيجية

مدير التحرير

حممد �سيف حيدر

رئي�س التحرير

اأحمد عبدالكرمي �سيف

نائب مدير التحرير

�سقاف عمر ال�سقاف

الت�صميم والإخراج الفني

حممد عبدالرحمن الذبحاين

�سكرتارية املجلة

عفاف الوزير

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

ال�صرتاكات:

ال�سنة الواحدة )�ستة اأعداد( �ساملة اأجرة الربيد:

داخل اجلمهورية اليمنية: 3000 ريال للأفراد، 5000 ريال للموؤ�س�سات.

الدول العربية: 50 دولرا للأفراد، 90 دولرا للموؤ�س�سات.

بقية دول العامل: 70 دولرا للأفراد، 120 دولر للموؤ�س�سات.

ير�سل طلب ال�سرتاك اإىل عنوان املجلة مع حوالة م�سرفية اأو �سيك

م�سدق بقيمة ال�سرتاك لأمر مركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية.

ولل�ستف�سار ميكن التوا�سل عرب الربيد الإلكرتوين:

[email protected]

جملة مدارات ا�سرتاتيجية

مركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية

�س. ب. 16822 هاتف: 677466 1 967+ فاك�س: 677466 1 967+

�سنعاء – اجلمهورية اليمنية

[email protected] :الربيد الإلكرتوين

[email protected]

www.shebacss.com/madarat :املوقع على الإنرتنت

ثمن الن�صخة:

اليمن 300 ريال، ال�سعودية 20 ريال، الإمارات العربية املتحدة 20 درهما،

الكويت 2 دينار، مملكة البحرين 1.5 دينار، قطر 20 ريال، �سلطنة عمان 1.5

ريال، العراق 2500 دينار، لبنان 4000 لرية، �سورية 200 لرية، الأردن 2.5 دينار،

فل�سطني 5 دولر، م�سر 10 جنيهات، ال�سودان 4 جنيهات، ليبيا 2 دينار، اجلزائر

300 دينار، تون�س 5 دينار، املغرب 20 درهما، موريتانيا 300 اأوقية.

Austria, France, Germany, and Italy: € 6, United

Kingdom £ 3, USA $ 5

الأفكار وال�سيا�سات وال�سرتاتيجيات املعا�سرة

ا�سرتاتيجية

ت�سدر كل �سهرين عن »مركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية«

ال�سنة الأوىل، العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009

تعربر املقالت املن�سورة عن اآراء كتابها، ول تعربر بال�سرورة

عن راأي »مدارات ا�سرتاتيجية« اأو مركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية.

جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية.

Page 3: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 6 7ا�سرتاتيجية

املحــور

�صراع املحاور )والأدوار( يف النظام العربي:

ك�صف ح�صاب متاأخر

حممد �سيف حيدر

زمن اأوباما: حدود التغري يف ال�صيا�صة الأمريكية

جتاه ال�صرق الأو�صط

عمرو حمزاوي

دور اأوروبا املعطل يف ال�صرق الأو�صط

غ�سان العزي

دروب اإ�صرائيل ال�صائكة يف ال�صرق الأو�صط

م. �س. ح

ال�صعودية واإيران:

�صيا�صات ال�صتقطاب الإقليمي وعواقبه

�سامح را�سد

تركيا اجلديدة: ال�صعود الإقليمي

و�صراع الأجندات

علي ح�سني باكري

يف بوؤرة االهتمام

املخا�ض ال�صعب للعملة اخلليجية املوحدة

اأحمد اأحمد مطهر

هل �صينجح الرهان الأمريكي على ال�صوفية؟

عمار علي ح�سن

ملاذا مل تكن القومية العربية ليربالية؟

اأحمد عبدالكرمي �سيف

مدار االأفكار

املائدة امل�ستديرة: الأزمة يف جنوب اليمن.. اإىل اأين؟

علي دهم�س، علي العمراين، اأحمد ال�سويف، زايد جابر

�سجال حول قوة تنظيم القاعدة يف اليمن

عبدالإله �سائع وعاي�س عوا�س

ب�سراحة مع اأحمد الدغ�سي حول:

جدلية الديني وال�صيا�صي يف امل�صهد اليمني الراهن

الفهر�ست

مراجعات كتب وعرو�ض موجزة

جيوبوليتيك

طريق الربازيل نحو القطبية

�سقاف عمر ال�سقاف

الأمن املفقود يف ال�صومال: روؤية من الداخل

عبدالغفار فرح

ترجمات

األوية اإيران النتحارية: اإرهاب ناه�ض

علي األفونه

اجلغرافيا ال�صيا�صية جلائزة نوبل لل�صالم

جورج فريدمان

70116

124

130

147-138

150

158

166

174

84

86

92

98

104

110

74

78

ت�سرين الثاين/نوفمرب - كانون االأول/دي�سمرب 2009

االفتتاحية

نثري الت�ساوؤلت، ونحتفي بالتنوع

رئي�س التحرير

scss نافذة على

فـي التعريف مبركز �سبا للدرا�سات ال�سرتاتيجية

حتليــات: ير�ص���د اأحمـــد عبدالكرمي �سيـــف طبيعة العالقة ب���ني احلوثيني واإي���ران وانعكا�صاته���ا على اليمن

واملنطق���ة؛ ويكتــــب عبدالغنـــي املاوري عــــن موق���ع اليم���ن يف ال�صرتاتيجي���ة الإ�صرائيلية؛ ويقراأ حممـــد الغرا�سي

العامل اجليو�صرتاتيجي يف العالقات اليمنية – امل�صرية، ويبني �سالح القا�سي ملاذا ما زالت العالقات اليمنية

– اخلليجية عادية، ول ترقى اإىل م�صتوى ال�صراكة املاأمولة؛ يف حني يعطينا عبداهلل الفقيه ملحة تاريخية مكثفة عن تطور مكانة اليمن يف ال�صرتاتيجية الأمريكية. ال�صفحات 31-10

وجهــات نظــر: يحاول علي �سيف ح�سن ا�ستك�ساف اآفاق الدور املمكن الذي ميكن اأن تلعبه اليمن يف الإقليم؛

ويركز حممد الكهايل على اأهمية اجلانب النف�صي يف عملية بناء الإن�صان اليمني؛ اأما خالد الرماح فيتطرق اإىل

بع�س جوانب اأزمة منظمات املجتمع املدين يف اليمن. ال�صفحات 43-32

تفاعات اليمن والعامل يف 60 يوما: �سهرا اآب/اأغ�سط�س واأيلول/�سبتمرب 2009 ال�صفحات 49-44

عــن على اليمن: يكتب يوئيل جوزن�سكـــي عن الأهمية املتزايدة لليمن يف ال�ص���راع الإقليمي؛ ويحذر جريجوري

جون�ســـون من تراجع اليقظة اإزاء ن�صاطات تنظيم القاعدة يف اليم���ن، وير�سد عادل الطريفي اجلدل القائم حول

ال�صيا�ص���ات م���ن �صع���دة اإىل وزير�صتان، وتركز نــــدوة اأقامتها موؤ�س�سة كارنيجي لل�سلم الـــدويل على خطورة تنظيم

القاعدة يف اليمن وال�صيا�صات اليمنية والأمريكية ملحاربته؛ اأما �ساميون هندر�سون فيحاول حتليل م�صهد القتال

الدائر على احلدود اليمنية - ال�صعودية. ال�صفحات 58-50

املراقب اال�سرتاتيجي

اإيران ما بعد اأزمة النتخابات الرئا�صية العا�صرة:

ما الذي ينتظرنا؟

حمجوب الزويري

ما وراء التقارب ال�صوري – ال�صعودي وما بعده

ر�سوان زيادة

املمانعة والتفكيك: م�صري التحالف ال�صوري - الإيراين

معاذ الأ�سهبي

فـي هذا العدد

اليمن والعامل

60

06

08

64

66

Page 4: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 8 9ا�سرتاتيجية

مركز �ســباأ للدرا�ســات االإ�ســرتاتيجية هــــو موؤ�س�سة

فكريــــة م�ستقلة ول تتوخى الربح مقرهــــا العا�سمة اليمنية �سنعاء.

يرمي املركز اإىل تطبيــــق اأف�سل معايري البحث العاملية، مبا ينعك�س

اإيجابيــــا علــــى الدولــــة واملجتمع اليمنــــي. ويعمل علــــى حتقيق نتائج

عمليــــة، وو�سع مقاربات �سيا�سية جديــــدة من خلل البحث والن�سر

والجتماع، ومتتد اهتماماته من اليمن اإىل جمالها احليوي )القرن

الأفريقــــي ومنطقة اخلليج( واإىل الق�سايــــا الأ�سا�سية والديناميات

احلاكمة يف منطقة ال�سرق الأو�سط.

يفرت�ــــس مبخرجــــات املركز اأن تدعــــم �سانعي القــــرار يف الأو�ساط

ال�سيا�سيــــة والإقت�ساديــــة والجتماعية وتزويدهــــم ب�سيا�سات بديلة

معقولــــة، مــــن خــــلل و�سع هــــذه املخرجــــات حتــــت ت�سرفهم على

�ســــكل معلومات وبحــــوث وتقاريــــر وحتليلت وت�ســــورات م�ستقبلية

)�سيناريوهــــات(، وبــــذا يقدم املركز اأكرب عــــدد ممكن من البدائل

املتاحــــة التي ت�سهــــم يف تعزيز عملية عقلنة اتخــــاذ القرار مل�سلحة

البــــلد. ومن جانب اآخــــر، ينجز املركز اأعماله بالتعــــاون والتفاعل

الإيجابيني مع املوؤ�س�سات الأكادميية والبحثية اليمنية املختلفة.

رق الروؤيــة ت�سييــــق الفجــــوة بني و�ســــع ال�سيا�سات بالط

التقليديــــة من خلل دعــــم العقلنية يف التفكــــري وتقدمي حتليلت

ودرا�سات اإ�سرتاتيجية معمقة ومهنية من حيث اإحاطتها ور�سانتها،

وواقعيــــة مــــن حيــــث اإمكانــــات تطبيقهــــا، ومنا�سبة مــــن حيث زمن

تقدميها.

االأهداف

الإ�سرتاتيجيــــة الق�سايــــا حــــول ال�سحيحــــة الت�ســــاوؤلت طــــرح

وال�سيا�سية والقت�سادية والجتماعية املتعلقة باليمن واملنطقة.

تبني اأ�سلوب علمي وعقلين يف البحث يجانب املناهج ال�سكولئية

التقليدية.

مراجعــــة النظريــــات واملفاهيــــم الغربية التي يتــــم اإ�سقاطها على

املجتمعات العربية بغية اخلروج بنظريات ومفاهيم وت�سورات

منا�سبة لتحليل الواقع العربي.

اإعادة حتديــــد الأولويات البحثية بح�سب اأهميــــة املوا�سيع للدولة

واملجتمع.

ال�ستفــــادة مــــن كافــــة القــــدرات واملهــــارات املتوافــــرة وتوجيهها

للإ�سهام يف تراكم املعرفة.

دعم الدرا�سات والأن�سطة التي من �ساأنها حت�سني التعليم وتعزيز

التفكــــري النقدي وحترير املناهج من املفاهيــــم املغلوطة وامل�سلمات

اخلاطئــــة ومن اأ�ساليب التعليــــم التقليدية القائمة على احلفظ دون

تطوير املقاربة النقدية.

اأخــــذ زمام املبــــادرة لإعادة تعريف العلقــــة بالآخر )وخا�سة مع

الغــــرب( من خلل فهــــم ال�سمــــات الإيجابية للعلقــــات امل�سرتكة،

واإدراك تنــــوع الغرب واإختلفه وعدم التعامــــل مع دوله وجمتمعاته

كنمط واحد.

و�سع الدرا�ســــات امل�ستقبلية وال�سيناريوهات املتوقعة اأو املنظورة،

وبالتايل تقدمي ت�سورات بالبدائل املتاحة ل�سناع القرار يف اليمن.

نطــاق االهتمــام و�سع املركز حمددين اثنني لنطاق

اهتماماته:

النطــــاق املو�سوعاتــــي، ويهتــــم بدرا�ســــة ال�ســــوؤون الإ�سرتاتيجية

)ق�سايا الأمن والدفاع(، وال�سيا�سية، والإقت�سادية، والإجتماعية.

النطاق اجلغرايف، ويغطي كل من:

- اليمن.

- املجال احليوي لليمن، الذي ي�سم الدول املطلة على البحر الأحمر

ودول اخلليج )دول جمل�س التعاون اخلليجي، واإيران، والعراق(.

- منطقــــة ال�ســــرق الأو�سط و�سمــــال اأفريقيا، واللعبــــني الدوليني

الرئي�سيني.

وحيث اإن املحددات املذكورة اأعله متداخلة بحكم طبيعة العلقات

الدوليــــة، فــــاإن اليمن يوؤثــــر ويتاأثر بتفاعــــل وتداخل كثــــري من تلك

العنا�ســــر. وعليه، فاإن املركز يقوم بدرا�ســــة وحتليل هذه املعطيات

والق�سايا طاملــــا كان لها اأثر اأو تاأثري يف اليمن ب�سكل مبا�سر اأو غري

مبا�سر.

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

مركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية

Sheba Center for Strategic Studies

SCSS نافذة على

اآليات عمل املركز

و�سائل مقروءة، مطبوعة واإلكرتونية:

- الكتب.

- جملة ربع �سنوية حمكمة.

- جملة غري حمكمة ت�سدر كل �سهرين.

-�سل�ســــل درا�سات حمكمة )�سل�سلة درا�ســــات اإ�سرتاتيجية، �سل�سلة

- درا�ســــات �سيا�سيــــة، �سل�سلة درا�سات اإقت�ساديــــة، �سل�سلة درا�سات

اإجتماعية(.

- اأوراق بحثية.

- تقارير.

- موجز ال�سيا�سات.

- التقرير الإ�سرتاتيجي ال�سنوي.

- ترجمات.

.)CD( القر�س امل�سغوط -

- املوقع الإلكرتوين.

- ن�سرة املركز الإخبارية ال�سهرية.

عقد اجتماعات مبا�سرة:

- موؤمترات.

- ندوات.

- ور�س عمل.

- برنامج مر�سد الأزمات.

- حما�سرات.

- مقابلت اإعلمية.

م�سادر التمويل

تربعات غري م�سروطة من املجتمع املدين والتجاري.

تربعات ومنح غري م�سروطة من اجلهات الداعمة الدولية.

منح لربامج حمددة.

بيع مطبوعات املركز.

الربامج التدريبية.

ر�سوم ا�ست�سارية.

اإعلنات جتارية ر�سينة.

العمــــل علــــى تاأمــــني وقــــف دائــــم للمركــــز ي�ســــرف مــــن عوائــــده

الإ�ستثمارية.

عاقات املركز

بغيــــة تبادل اخلربات وتو�سيع املعرفــــة والطلع، فاإن املركز يحافظ

على �سبكة �سخمة من العلقات مع:

- موؤ�س�سات الدولة املختلفة.

- املوؤ�س�سات الأكادميية والبحثية الوطنية والدولية.

- منظمات املجتمع املدين الوطنية والأجنبية.

Page 5: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 10 11ا�سرتاتيجية

نثري الت�ساوؤالت،

ونحتفي بالتنوع

اأحمد عبدالكرمي �صيف

رئي�س التحرير

ونحـــن اإذ ن�سهـــد مـــرور مـــا يناهـــز العـــام على ميـــلد مركـــز �سباأ

للدرا�ســـات الإ�سرتاتيجية يجب توجيه ال�سكر والعرفان لكل من قدم دعما اأو ت�سجيعا اأو

اإ�ست�سارة �ساهمت يف اإخراج املركز اإىل حيز الوجود، وهم كرث. ورمبا يكون اأبلغ تعبري عن اإمتناننا لهوؤلء هو

يف حتقيـــق ر�سالـــة واأهداف املركز والتي ميكن تلخي�سها يف اإر�ساء عمـــل بحثي موؤ�س�سي ر�سني يقوم بتحليل

الواقع، وتقدمي روؤى م�ستقبلية من اأجل النهو�س بواقع جديد اأو تطوير الواقع احلايل اإىل م�ستوى اأف�سل، وفق

مرجعيـــات اأكادميية وا�سرتاتيجية، بعيدا عن الرجتـــال، اأو النظرة الأحادية، وبحيث يكون م�سدرا اأ�سا�سيا

للمعلومات وال�ست�سارة وتقدمي البدائل ل�سناع القرار على خمتلف م�ستوياتهم، وهذا بال�سبط ما دفع بع�س

املفكرين اإىل ت�سمية مثل ما نقوم به يف مركزنا هذا ببيوت اخلربة.

اإننـــا علـــى وعي كامـــل باأهمية ما نقوم به، لذا و�سعنا مـــن املعايري وال�سوابط ما ي�سمـــن عمل موؤ�س�سيا ل

�سخ�سيا، علميا مدرو�سا ل اإرجتاليا، وا�سعني ن�سب اأعيننا املعايري العاملية للو�سول اإليها. ومع هذا ل ندعي

التفـــرد بـــل نرى اأن البلد حتتاج للمزيد من مثل هذه املوؤ�س�ســـات. وبنظرة �سريعة جند اأن هناك ما جمموعه

1924 مركـــزا يف اأمـــريكا ال�سمالية منها 1776 مركزا يف الوليات املتحدة وحدهـــا. يليها دول اأوروبا الغربية اإذ يوجـــد فيهـــا 1198 مركزا، يف حني يوجد يف اآ�سيا 601 مركز، ويف اأوروبـــا ال�سرقية 483 مركزا ويف اأمريكا

اللتينية 408 مراكز، ويف اأفريقيا 274، مركزا ويف ال�سرق الأو�سط 192 مركزا فقط.

فاأيـــن هي مراكـــز الدرا�سات العربيـــة؟ واللفت اأن املركز العربـــي الوحيد الذي ورد �سمـــن قائمة اأف�سل

ثلثني مركزا يف العامل هو مركز الأهرام للدرا�سات ال�سيا�سية وال�سرتاتيجية. وقد يكون ذلك اإجنازا، لكن

ال�ســـورة الكلية يف العـــامل العربي قامتة. لقد غابـــت اأغلب هذه املراكز العربية عن البحـــث العلمي الأ�سيل

وربطـــت جزءا كبـــريا من ن�ساطاتها ب�سكل اأكرث مـــن اللزم بالإعلم )�سمن حمـــلت علقات عامة( على

ح�ساب الدرا�سات اجلادة. فاأين الدرا�ســـات ال�سرتاتيجية للتغريات الوطنية والدولية واخليارات ال�سيا�سية

منهـــا اأو القت�سادية بحيث يتم و�سعهـــا اأمام �ساحب القرار، وهنا القيمة العليـــا للدرا�سات التي تربط بني

Relating Policy to Knowledge الأكادمييـــا وال�سيا�سات. لهـــذا كان �سعارنا ربط �سنـــع ال�سيا�سة باملعرفـــة

ك�سرط �سروري لرت�سيد �سنع ال�سيا�سات املختلفة، و�سرط لزم للتقدم.

ولعـــل اإ�سدار العدد الأول من جملـــة “مدارات ا�سرتاتيجية” ميثل اأبلغ واأن�ســـب اإحتفال مبرور هذه الفرتة

على اإن�ساء املركز. وهذه املجلة �سوف متثل منربا للنخبة وموجهة يف نف�س الوقت للنخب على اإختلفها، لي�س

يف اليمـــن فقط ولكـــن يف منطقة ال�سرق الأو�سط. واملجلة اإذ حتمل اإ�سم “مدارات ا�سرتاتيجية” فهي تعك�س

ذلـــك لأنهـــا �ستجوب مـــدارات متعددة بالتحليل والنقـــد والفكر. وهي اإذ حتمل �سفـــة “جملة النخبة” ذلك

اأنها موجهة للنخبة يف مرتبة و�سطي بني الكتابة الأكادميية والإعلمية. وكتابها اأي�سا نخبة من الأكادمييني

واملفكريـــن وال�سيا�سيـــني والقت�ساديني ورجال الأعمال، وهـــم اأي�سا من مدار�س فكريـــة متعددة، ومن دول

وثقافات خمتلفة.

ومـــن نافـــل القـــول التنويه باأن خلـــف اإ�سدار هـــذه املجلة كان هنـــاك، و�سي�ستمر، عمـــل دءوب وجهد كبري

بذلـــه طاقم املركـــز، وعلى اخل�سو�س، هيئة حترير املجلـــة وكادرها الفني، كما كانت هنـــاك �سل�سلة طويلة

مـــن الإ�ست�سارات واملراجعـــات لن�سمن خروج العدد الأول مر�سيا بحدود املمكـــن، ذاكرين هذا لأننا نعد اأن

عمليات التطوير �سكل وم�سمونا لن تقف ولن تعرف حدودا.

وختامـــا، اإن هذه املجلة حماولة جادة ور�سينـــة للم�ساهمة يف اإثارة ت�ساوؤلت جوهرية على م�ستوى الإقليم،

واأي�سا نافذة لتبادل الروؤى والأفكار التي جتيب على الت�ساوؤلت املطروحة. وهي اإذ توجه للنخبة، فاإنها اأي�سا

لن ت�ستمر اإل بتفاعل هذه النخب مع املجلة وامل�ساهمة يف حمتوياتها.

ةي�

حتا

فتاإ

اليمن والعامل

�سيا�سات وا�سرتاتيجيات واأفكار

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية

Page 6: Madarat Estratiegyya

ميثـــل موقـــع اليمـــن اجليو�سيا�سي نقطـــة جذب ل�ســـراع القوى

الدولية والإقليميـــة، �سهدنا ذلك يف تاريخ اليمن املعا�سر وكيف

مت تدويـــل �سراعاتها الداخلية، اإبتداء مـــن ال�ستقطاب العربي

والـــدويل الذي تل ن�سوب الثـــورة اليمنية يف عـــام 1962، وتكرر

الأمـــر نف�سه يف حرب النف�ســـال عام 1994. ومن ثـــم فلم يكن

غريبـــا وجود الدور اخلارجي يف ال�ســـراع الراهن بني احلكومة

املركزيـــة واحلوثيـــني، الـــدور الـــذي متحـــور حتديـــدا يف الدور

الإيراين، ودخـــول الكتل ال�سيا�سية ال�سيعة واحلوزات الدينية يف

العراق والبحرين والكويت على اخلط.

كذلـــك ترددت اإتهامات اأكرث حياء يف فرتة من الفرتات اإىل دور

ليبي، بدعوى رغبة ليبيا يف ت�سفية احل�ساب مع النظام ال�سعودي

الـــذي يدعم احلكومـــة اليمنيـــة يف موقفها مـــن احلوثيني، على

اأ�سا�ـــس اأن احلوثيني يف اليمن ميثلون، مـــع الفارق، جيب �سيعي

مـــوال لإيران �سبيه بدور حزب اهلل اللبناين، والذي من �ساأنه اأن

يوؤثر على اأمن اململكة العربية ال�سعودية. كذلك تردد دور خافت

لقطـــر التي قامت بو�ساطـــة بني طريف ال�ســـراع، بدت اإىل حني

اأنها ناجحة، والتي اتهمت يف بع�س الكتابات باأن و�ساطتها كانت

ملنع احل�سم الع�سكري الـــذي كان �سي�سع نهاية حلركة احلوثيني

يف اليمن يف حماولة لإبقاء ال�سغط على ال�سعودية.

العوامل ال�سابقة ت�سري لوجود قوى خارجية �ساحبة دور يف تفجري

ال�ســـراع واإدامتـــه، اإ�سافة للحديث عن دعم �سعـــودي للحكومة

اليمنية لإعتبارات الأمن الوطني ال�سعودي، وعن �سغوط غربية

عامـــة، على احلكومـــة اليمنيـــة للت�سعيد �ســـد احلوثيني ب�سبب

موقفهم املعادي لليهود واإ�سرائيل والوليات املتحدة.

»احلوثيون«واألعوبة اإيران فـي اليمن

دخل ال�سراع يف اليمن بني حكومته املركزية وجماعة احلوثيني �سنته اخلام�سة، خا�س

الطرفان فيها �ستــــة حروب، ودخلت الأخرية مرحلة خطرية من املواجهة الع�سكرية يف

بلد يواجه حتديات حقيقية؛ فهناك حراك �سيا�سي يف اجلنوب بداأ مبطالب حقوقية ثم

ت�ساعد ليطالب بالإنف�سال، كما اأن القاعدة جتمع �سبكاتها وتتو�سع فيما تظن اأنه ملجاأ

اآمن لإنطلق عملياتها يف اجلزيرة العربية، ناهيك عن الو�سع القت�سادي الذي يجعل

الإنفاق الع�سكري والأمني ملواجهة هذه التحديات عبئا حقيقيا، فما بالك بالإنفاق على

مواجهــــة ع�سكرية ممتدة، كتلك التي جتري وقائعها منذ �سنــــوات بني ال�سلطة اليمنية

واحلوثيني؟

اأحمد عبدالكرمي �سيف

اأحمد عبدالكـــرمي �سـيف رئي�س التحريـــر، واملدير التنفيذي

ملركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية.

عني على اليمنحتليلت فـي 60 يوماوجهات نظر

اليمن والعامل

اجلــذر ال�سيا�ســي لاأزمـــة انتهت دولـــة الإمامة ولكن

بقـــي الفكر. تكر�ست خـــلل األف عام من حكـــم الأئمة م�سالح

�سخمـــة لهم كفئة وطبقـــة. ومع جميء النظـــام اجلمهوري عام

1962 مت نـــزع احلكم منهم وتقلي�س نفوذهم وم�ساحلهم ب�سكل كبري جدا، مـــع بقاء اأعداد منهم يف مفا�ســـل الدولة مت تثبيتهم

حني متت امل�ساحلة بـــني اجلمهوريني وامللكيني عام 1968. هذا

الهام�ـــس مت انتزاعه ليعطى للجنوبيني بعـــد الوحدة 1990، مما

اأوجـــد �سخطا بينهـــم وعزز العزم على العمـــل ل�ستعادة امل�سالح

املفقـــودة. وكان لبد مـــن غطاء ديني واآخـــر �سيا�سي ميهد ب�سكل

مقبول داخليا وخارجيا لعودة النفوذ ال�سابق يف اليمن.

وجديـــر بالذكـــر اأن ال�سائـــد الآن بـــني اأتباع املذهـــب الزيدي هو

الفرقـــة الهادويـــة الأقـــرب لل�سنـــة، وقـــد اأحيا احلوثيـــون الفرقة

اجلاروديـــة )ن�سبة اإىل اأبي اجلارود زياد بن املنذر العبدي املتويف

�سنـــة 150 هـ( وهي الأكـــرث تطرفا بني فرق الزيديـــة والأبعد عن

ال�سنة والأقرب اإىل الإثنى ع�سرية، وقد حاربها الأئمة فيما م�سى

واندثـــرت، لهذا يح�سل اخللط لـــدى الكثري بـــاأن احلوثيني اإثني

ع�سرية جعفرية.

ومع جميء الثورة الإيرانية 1979 عاد اأ�سحاب امل�سروع اجلارودي

علـــى مهل. بداأ اأول حترك على يد العلمة اأحمد فليتة عام 1986

باإن�ساء »احتـــاد ال�سباب«، وكان �سمن ما يقوم بتدري�سة مادة عن

الثورة الإيرانية يدر�سها حممد بدرالدين احلوثي. ويف عام 1988

جتـــدد الن�ســـاط على يـــد بع�س الرمـــوز الدينية مثـــل جمدالدين

املوؤيـــدي وبدرالديـــن احلوثـــي. ومـــع قيـــام الوحـــدة حتولت هذه

الأن�سطـــة اإىل م�سروع �سيا�ســـي بتاأ�سي�س حزب احلق، ثم يف 1992

Page 7: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 14 15ا�سرتاتيجية

قام حممـــد يحيى �سامل عزان بتاأ�سي�س »منتـــدى ال�سباب املوؤمن«

والـــذي انقلب عليـــه يف 1997 ح�سني بدرالديـــن احلوثي وعبداهلل

عي�ســـة الرزامـــي وعبدالرحيـــم احلمـــران وحتـــول التنظيم من

املدلول الثقـــايف اإىل ال�سيا�سي )تنظيم ال�سبـــاب املوؤمن(، وتفرغ

ح�سني احلوثـــي للتنظيم تـــاركا مقعده يف الربملـــان لأخيه يحيى،

وجعل اأبوه بدرالدين احلوثي مرجعا دينيا للتنظيم.

مـــع الوحدة برزت اأحـــزاب �سيا�سية تعرب عـــن م�سالح فئوية مثل

حـــزب اهلل، وحـــزب احلق، وحـــزب احتـــاد القـــوى ال�سعبية. ومل

حت�سل جميعها �سوى على مقعدين يف اأول اإنتخابات برملانية عام

1993 ومل حت�ســـل علـــى اأي مقعد يف اإنتخابـــات 1997 و 2003، يف حني تعزز متثيل الإ�سلميني ال�سنة والقوميني على ح�سابهم. هذا

ر�ســـخ القناعة لديهم بعدم جدوى اللعبـــة ال�سيا�سية القائمة على

الإنتخابـــات ل�ستعـــادة احلكم. تزامن مع هـــذا ال�سعود املتنامي

لتنظيـــم ال�سباب املوؤمن ونزوع اإيـــران لت�سدير الثورة اإىل اليمن،

وهـــذا الدعـــم هو ما يجعـــل من بني اأدبيـــات احلوثـــي الثناء على

الثورة الإ�سلمية يف اإيران لهـــدف �سيا�سي ولي�س عقائدي، الأمر

الذي جعل املراقبني يقولون باثناع�سرية احلركة احلوثية.

اإغاق الدائرة ال�سيعية وتهديدات االأمن القومي

العربــي مثـــل اإ�سعـــاف العـــراق بعد عـــام 1990 ومن ثم

غزوه عام 2003 فر�ســـا ذهبية لتمدد النفوذ الإيراين يف املنطقة

العربيـــة، كذلك ا�ستفـــادت اإيران من اأحـــداث 11 اأيلول/�سبتمرب

يف تكري�ـــس فكـــرة اأن الإرهاب �سني ولي�س �سيعيـــا، و�سوقت اإيران

فكـــرة احللف ال�سيعي املـــوايل مل�سالح الغـــرب يف منطقة ال�سرق

الأو�سط. ول ميكن اإغفال النجاح الن�سبي ملثل هذه الإ�سرتاتيجية،

حيث �ساعدت اإيران احللف الغربي لإ�سقاط �سدام ح�سني وجلب

حلفائها مـــن �سيعة العراق ل�سدة احلكـــم، ويف نف�س الوقت قامت

بدعـــم ف�سائل املقاومة ال�سنية والقاعدة ملزيد من توريط اأمريكا

يف العـــراق واأفغان�ستان لبقاء حاجة اأمريكا مل�ساعدة اإيران، الأمر

الـــذي ذكره ب�سراحة الرئي�س باراك اأوباما، وهذا بدوره قوى من

موقـــف اإيران على �سعيد امللف النووي الذي بدوره يدعم امل�سروع

الإقليمـــي الإيراين، خ�سو�سا اأن اإيـــران تهدد باإغراق املنطقة يف

الفو�ســـى يف حـــال مهاجمة مواقعهـــا النووية من خـــلل الأقليات

ال�سيعية يف دول اخلليج العربية.

اإن املتتبع للأحداث ل يجد بالغ عناء يف اكت�ساف التواطوؤ الإيراين

وحماولة زعزعة املنطقة ككل ولي�س اليمن فقط؛ فاليمن والعراق

جـــزء مـــن خمطط اإيـــراين كبـــري يرتكز علـــى ت�سنيـــع وت�سدير

امل�ســـاكل الطائفية لي�سهل على اإيـــران التغلغل داخل البوؤر املتوترة

ومتريـــر م�سروعهـــا التو�سعي. هـــذا امل�سروع املعلـــن ر�سميا الذي

تبنتـــه احلكومـــات ال�سيا�سية الإيرانيـــة كافة، والـــذي يهدف اإىل

ن�ســـر الت�سيع اجلعفري وتر�سد ميزانيات مالية �سخمة لإجناحه،

ومبا يحقـــق م�ساعي التو�سع والهيمنة علـــى املنطقة واإعادة املجد

الإيراين الغابر.

اإن م�سروع التمدد الإيراين جاء تنفيذا لتو�سيات املوؤمتر التاأ�سي�سي

ل�سيعـــة العامل فى مدينـــة قم الإيرانيـــة، والذي اأو�ســـى ب�سرورة

تعميم التجربة ال�سيعيـــة، التي قال اإنها كانت ناجحة فى العراق،

اإىل باقـــى الـــدول العربيـــة والإ�سلميـــة الأخرى منهـــا ال�سعودية

والأردن واليمن وم�سر والكويت والبحرين، وذلك من خلل بناء

قوات ع�سكرية غري نظامية جلميـــع الأحزاب واملنظمات ال�سيعية

بالعـــامل عن طريق اإدخال جمموعة مـــن الأفراد داخل املوؤ�س�سات

احل�سا�سة الع�سكرية والأجهـــزة الأمنية، ودعمها ماليا عن طريق

تخ�سي�ـــس ميزانيـــة خا�سة بهـــا. لقـــد ا�ستغل النظـــام الإيراين

حدوث مترد »احلوثيني«، وعمـــل على اأن تكون جماعة م�ستن�سخة

عن ملي�سيا »جي�س املهدي«، فتم ت�سليحها ودعمها من قبل النظام

الإيراين لأغرا�س �سيا�سية بحتة.

هناك �سرورة للوقوف مبو�سوعية لتحديد وفهم اأبعاد التحركات

اليرانيـــة يف �ســـرق اأفريقيـــا والقـــرن الأفريقي، والتـــي زادت يف

الآونة الأخرية لإيجاد الو�سيلة الأن�سب للتعامل مع هذه التحركات

واحلوؤول دون متكني اإيران من تو�سيع مناطق نفوذها وم�ساحلها

يف املنطقة، اإذ يوؤثر ذلك بال�سلب على م�سالح الدول القريبة من

منطقة القرن الإفريقي وعلى راأ�سها م�سر وال�سعودية واليمن من

ناحيـــة، ودول اخلليج من ناحية اأخـــرى. اإن التحركات الإيرانية

تفر�س حتديات علـــى م�سر وال�سعودية وعلى دول املنطقة حيث

اأن اإفريقيا هي عمـــق ا�سرتاتيجي مل�سر وال�سعودية، وعليهما اأن

تواجهـــا حتديـــات التحـــركات الإيرانية، حيث اأنهـــا ل ت�ستهدف

فقط زيادة نفوذها يف القارة، ولكن التاأثري على امل�سالح العربية

يف قـــارة اإفريقيا، وخا�سة مـــا يحدث يف �ســـرق اإفريقيا والقرن

الإفريقـــي، بالإ�سافة اإىل ما تتـــم اإثارته من ا�سطرابات وقلقل

تهـــدد ا�ستقـــرار دول ذات علقة اأمنية م�سرتكـــة مثل ال�سومال

واليمن وال�سودان وغريها.

حتــركات مريبــة تثــــري الأن�سطــــة ال�ستخباراتيــــة

حتليلت اليمن والعامل

والع�سكريــــة الإيرانية على حدود العامل العربي القلق ال�سديد،

ومل تعد تلك الأن�سطة خافية. وعلى �سعيد اآخر يتزايد احل�سور

الإيــــراين يف املنطقة، وتتمتع بت�سهيلت هامة يف ميناء ع�سب

املطل على باب املندب مع زيادة التعاون مع اإريرتيا، بالإ�سافة

اإىل التعــــاون الع�سكرى بني طهران واخلرطوم واإقامة علقات

مــــع بع�س الأطــــراف املتحاربــــة يف ال�سومال، ثــــم اأخريا دعم

احلوثيني يف منطقة �سعدة و�سمال اليمن. اإن اإيران ت�سعى اإىل

فتــــح ممرات بحرية وبرية ت�سهل الو�سول اإىل مناطق الأزمات

يف منطقة ال�ســــرق الأو�سط، ل�سيما منطقة ال�سراع العربي -

الإ�سرائيلي، من خلل تاأمني وجود اإيراين بالقرب من املمرات

البحرية، خ�سو�ســــا البحر الأحمر وباب املندب، وهو ما يوفر

ورقــــة ت�ستطيع اإيــــران ا�ستخدامها للتعامل مــــع ال�سيناريوهات

املحتملة لأزمــــة ملفها النووي، وعلى راأ�سهــــا احتمال تعر�سها

ل�سربة ع�سكرية �سواء من جانب اإ�سرائيل اأو الوليات املتحدة،

اأو الثنتــــني معــــا. اإن الــــدور الإيراين على ال�ساحــــة الإفريقية،

ل يتــــم عرب اأدوات الدولة الر�سميــــة ول ي�سمح باإ�سراك الدولة

ب�ســــكل مبا�ســــر، رغم اأنه يلعــــب دورا يف غايــــة الأهمية خلدمة

اأهداف ال�سيا�سة اخلارجية الإيرانية.

وقد اأنتج ذلك ارتباكا وا�سحا لدى الأو�ساط ال�سيا�سية ودوائر

�سنع القرار يف العديد مــــن عوا�سم العامل؛ فالوجود الإيراين

وا�سح يف هذه املنطقة لكن بع�س اأدواته غري مرئية. وهذا الدور

اخلفــــي تقوم به موؤ�س�ســــات ما ي�سمى بـ »اإمــــداد الإمام )بنياد

اإمداد اإمام(«، وهي موؤ�س�سات خريية تعمل مبعزل عن �سيطرة

احلكومة، ومتثل كيانــــات اقت�سادية عملقة تناطح اإمكانيات

الدولــــة نف�سهــــا، مثــــل موؤ�س�ســــة »امل�ست�سعفــــني«، و«ال�سهيــــد«،

و«الإمــــام الر�ســــا«، و«اخلام�ــــس ع�سر مــــن خــــرداد« وغريها.

ومتار�ــــس هذه املوؤ�س�سات اأن�سطة كثــــرية متتد من التجارة اإىل

الت�سنيع ون�سر الدعوة الدينية – ال�سيا�سية وتقدمي اخلدمات

الجتماعيــــة، وهــــي معفاة من ال�سرائب وتتبــــع املر�سد الأعلى

للجمهوريــــة مبا�سرة. كمــــا اأن موؤ�س�ســــة اإمداد الإمــــام )بنياد

امــــداد امــــام( اإحــــدى الأدوات التي ت�ستخدمها اإيــــران لتاأمني

وجودهــــا يف �سرق اإفريقيا، ل�سيمــــا جلهة دعم تاأ�سي�س مراكز

�سيعية يف هذه املنطقة، وهو دور متار�سه موؤ�س�سة اإمداد الإمام

يف �سياق ال�سعي اإىل ت�سدير الثورة الإيرانية اإىل اخلارج.

ومن يوم لآخر تتزايد �سواهد وبراهني واأدلة الأ�سابع الإيرانية

يف حتريــــك متــــرد احلوثيــــني يف �سعــــدة )اأ�سلحــــة، امــــوال،

من�ســــورات، تدريــــب، اعرتافات، مبــــادرات وو�ساطــــات �سرية

وعلنية لإيقــــاف احلرب عند ت�سييق اخلنــــاق على املتمردين،

دعــــم لوج�ستي و�سيا�ســــي للمتمردين...الــــخ(. وتلقائيا تتناثر

ملمــــح الدعــــم الإيــــراين للتمرد احلوثــــي يف اأكرث مــــن زاوية

وتتك�ســــف عراها يف �سل�سلة اأحداث و�سواهد ميدانية واأحاديث

مرتابطــــة روحيا ولوج�ستيا، ب�ســــكل يك�سف بو�سوح عن حقيقة

امل�ســــروع الذي حتاول اإيران تنفيــــذه يف املنطقة كلها ولي�س يف

اليمن فح�سب.

م�ســروع التمدد االإيراين جاء تنفيــذا ملقررات

املوؤمتــر التاأ�سي�ســي ل�ســيعة العــامل فــى مدينة

قــم االإيرانيــة، والذي اأو�ســى ب�ســرورة تعميم

كانــت اإنهــا قــال التــي ال�ســيعية، التجربــة

ناجحــة فى العــراق، اإىل باقى الــدول العربية

واالإ�ســامية االأخــرى منها ال�ســعودية واالأردن

واليمن وم�سر والكويت والبحرين

Page 8: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 16 17ا�سرتاتيجية

وفيمــــا يتعلق باليمن، ل يجب التقليــــل من اخلطر الإ�سرائيلي على

الأمن القومي اليمني. ويف هذا الإطار، يخطئ من يعتقد اأن اإ�سرائيل

ل متلــــك �سيا�ســــة جتاه اليمــــن، ذلــــك اأن اإ�سرائيل تقــــدم نف�سها على

اأنهــــا دولة حمورية يف منطقة ال�سرق الأو�ســــط، وبالتايل فاإنها متتلك

�سيا�سة خا�سة جتاه كل دول املنطقة، هذا من ناحية، من ناحية ثانية

مثل احللم الإ�سرائيلــــي يف ال�سيطرة على البحر الأحمر وباب املندب

دافعــــا قويــــا لعتماد ا�سرتاتيجيــــة اإ�سرائيلية جتاه الــــدول املطلة على

البحر الأحمر، ومن بينها اليمن. تقوم هذه ال�سرتاتيجية على اإقامة

علقــــات �سيا�سية واقت�سادية مع هذه الدول يتيح لها ح�سور دائم يف

البحــــر الأحمر، ويف حــــال مل ت�ستطع اإقامة هذه العلقــــة، فاإنه يجب

�سمــــان بقاء البحر الأحمــــر مفتوحا لل�سفــــن الإ�سرائيلية مهما كانت

الظروف.

وقــــد حاول الإ�سرائيليون اإعطــــاء اهتمامهم باليمن بعدا دينيا من

خــــلل القول اأن اليمن هي موطــــن لأ�سباط بني اإ�سرائيل، وهي املكان

الذي ي�سم بلد �سباأ التي ورد ذكرها يف العهد القدمي )مزمور 10:72،

اأ�سعياء 3:43(. لكن هذه الق�سرة الدينية، بح�سب الباحث الفل�سطيني

اإبراهيم عبد الكرمي، تخفي حتتها اعتبارات ا�سرتاتيجية واقت�سادية

وع�سكريــــة تدفع ال�سهيونيــــة واإ�سرائيل للنظر اإىل هــــذا اجلزء املهم

من �سبه اجلزيرة العربيــــة بعني احلر�س على تعطيل دوره اأو تقوي�س

حتكمــــه يف املنفذ اجلنوبي للبحر الأحمر، الــــذي ت�سنفه اإ�سرائيل يف

عداد املواقع احليوية لوجودها ولأمنها.

ومل تكــــن هــــذه هــــي الأ�سطــــورة الوحيــــدة التــــي يــــروج لهــــا بع�س

ال�سهاينــــة بغر�س حماولة حتريف احلقائــــق ال�سيا�سية واجلغرافية،

ففــــي �سياق اإقناع الإثيوبيني باأهمية العلقات مع اإ�سرائيل مت الرتويج

لأ�سطورة زواج النبي �سليمان عليه ال�سلم وال�سيدة بلقي�س ملكة �سباأ،

وقــــد اقتنع ]المرباطور الإثيوبي هيل�سل�سي باأنه منحدر من �سلب

�سليمان وبلقي�س، وبالتــــايل فهو ن�سف اإ�سرائيلي ون�سف ميني، وكان

هذا مــــربرا للزعيم الثيوبي باأن مي�ســــي يف علقات ا�سرتاتيجية مع

الدولة العربية دون حتفظات.

تاريخيــــا، تعود الهتمامــــات ال�سهيونية باليمــــن اإىل ما قبل قيام

ن�سئت جلنة خا�سة باليمن دولة الكيان الإ�سرائيلي عــــام 1948، فقد اأ

�سمن عدة جلان ملتابعة اأحوال اليهود يف العامل يف املوؤمتر ال�سهيوين

الأول الــــذي عقد يف بال ب�سوي�سرا عــــام 1897، وقد قامت هذه اللجنة

بدور كبري يف ت�سهيل هجرة اليهود اليمنيني اإىل فل�سطني.

وعلــــى الرغــــم مــــن اأن م�ساألــــة الهجــــرة مثلــــت بعــــدا اأ�سا�سيــــا يف

ال�سرتاتيجيــــة الإ�سرائيلية اإزاء اليمــــن حيث ل تزال الوكالة اليهودية

ت�سعــــى جاهــــدة اإىل نقل ما تبقــــى من اليهود اليمنيــــني اإىل اإ�سرائيل.

لكــــن اهتمام اإ�سرائيــــل باليمن يتعدى ذلك اإىل م�سائــــل تتعلق بالأمن

باإعانــه يف �ســهر ت�ســرين االأول/ اأكتوبــر 2008، القب�ــض علــى خليــة اإرهابيــة مرتبطة باال�ســتخبارات االإ�ســرائيلية

)املو�ســاد(، اأثار الرئي�ض علي عبد اهلل �ســالح ده�سة الكثريين. وقد اعترب البع�ض هذا االإعان رواية مفربكة الدعاء

انت�ســار وهمي �ســد اإ�ســرائيل. غري اأن املتتبع لل�سيا�ســة االإ�ســرائيلية اإزاء املنطقة يعرف اأن م�ســاألة تورط اإ�سرائيل يف

اأعمال تخريبية اأو جت�س�سية هي م�ساألة واردة يف اأي وقت.

عبد الغنــي املـــــاوري

اليمن فـي اال�سرتاتيجية

االإ�سرائيلية

عبدالغني املاوري �سحفي وكاتب من اليمن.

حتليلت اليمن والعامل

Page 9: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 18 19ا�سرتاتيجية

الإ�سرائيلــــي، فقد مثل وجود اجلي�س امل�ســــري يف اليمن يف �ستينيات

القــــرن املا�ســــي تهديــــدا مبا�ســــرا للم�سالــــح الإ�سرائيليــــة يف البحر

الأحمر، وقــــد حاول الإ�سرائيليــــون بطرق �ستى اإغــــراق امل�سريني يف

الرمــــال اليمنيــــة املتحركة، فعمــــدوا اإىل الدخول كطــــرف يف احلرب

اليمنيــــة من خلل توفــــري ال�سلح والغــــذاء والأدوية للقــــوات املوالية

للإمــــام البــــدر يف حماولة منهــــم لإنهاك اجلي�س امل�ســــري الذي كان

يقاتــــل اإىل جانــــب قوات الثــــورة، وقالت �سحيفــــة �سلح اجلو

الإ�سرائيلــــي اأن الطريان الإ�سرائيلي نفذ عــــددا من الطلعات اجلوية

فــــوق اليمن اأ�سقط اأثناءها ال�سلح والعتاد للقوات املوالية للبدر، وقد

ك�سفــــت ال�سحيفة وثائــــق �سرية توؤكــــد ذلك. ويف هــــذا ال�سياق، ذكر

ال�سحفــــي امل�ســــري حممد ح�سنني هيكل يف �سيــــاق حديثه عن الدور

الربيطــــاين يف حــــرب 1967 اأن اإ�سرائيــــل كانــــت متورطــــة يف احلرب

يف اليمــــن وذلك بح�سب الوثائــــق الربيطانية، وهو مــــا يتقاطع مع ما

تناقلته و�سائل الإعلم موؤخرا حول دور اإ�سرائيل يف حرب اليمن، واأن

العلقة بني اإ�سرائيل ونظام البدر بداأت عرب و�ساطة جمموعة �سباط

كومانــــدوز بريطانيــــني. ومن غــــري امل�ستبعــــد اأن تعمــــل اإ�سرائيل على

الدخــــول جمــــددا يف ال�سراعات الداخلية يف اليمــــن، ذلك اأن فل�سفة

ال�سرتاتيجية الإ�سرائيلية جتاه الدول املطلة على البحر الأحمر تقوم

على ا�ستمالتها اأو حماولة تفجريها من الداخل.

وتعــــد العلقة القويــــة التي تربط اليمــــن بالف�سائــــل الفل�سطينية

اآمنــــا لن�ساطها يف الأرا�ســــي اليمنية اأحد اأهم التــــي كانت جتد ملجاأ

العتبارات التي جعلتها يف موقع متقدم يف ال�سرتاتيجية الإ�سرائيلية،

وقــــد لفتت عمليــــة اختطاف طائرة لوفتهانزا اأملانيــــة اإىل مدينة عدن

عام 1972 مــــن قبل اجلبهة ال�سعبية، اهتمــــام اإ�سرائيل التي مل تخف

خ�سيتهــــا مــــن تو�ســــع عمليــــات احلــــركات الفل�سطينيــــة املقاومة �سد

اأهــــداف خا�ســــة بها يف البحــــر الأحمر، وقد اأدى دخــــول اليمن طرفا

يف احلــــرب الأهليــــة اللبنانية التــــي تفجرت يف عــــام 1975 اإىل جانب

احلركــــة الوطنية التــــي اأ�س�سها الزعيم اللبناين كمــــال جنبلط �سد

اجلبهــــة الوطنية التي كانت متثــــل الأحزاب امل�سيحيــــة اأو ما ا�سطلح

على ت�سميته باليمــــني امل�سيحي املدعوم من قبل اإ�سرائيل، اإىل ازدياد

اهتمام الأخرية باليمن.

علوة على ذلك، مثلت طبيعة النظام الذي كان قائما يف اجلنوب

وكلت لل�ستخبارات الإ�سرائيلية عن�ســــرا اإ�سافيا لهذا الهتمام، اإذ اأ

مهمة التج�س�س على الدول التي كان يعتقد اأنها مبثابة قواعد للحتاد

ال�سوفييتــــي يف ال�ســــرق الأو�ســــط، وكان جنوب اليمن اأحــــد اأهم هذه

الــــدول، وقد امتد ن�ساط اإ�سرائيل التج�س�سي اإىل �سمال اليمن، وذلك

مــــن اأجل معرفة تفا�سيــــل القوة البحرية اليمنيــــة، ولعل من املنا�سب

ر ق�ســــة اجلا�سو�س الإ�سرائيلي بــــاروخ مرزاحي الذي مت القب�س تذك

عليه يف مدينة احلديدة يف عام 1973.

غــــري اأن اأهم مرتكــــزات ال�سيا�سة الإ�سرائيلية جتــــاه اليمن هو ما

يتعلق ب�سمان الهيمنة علــــى البحر الأحمر، وهذه امل�ساألة متثل اأولوية

متقدمــــة يف ال�سرتاتيجيــــة الإ�سرائيلية الأمنية، فقد بــــداأت اإ�سرائيل

يف عــــام 1949، اأي بعد �سهور قليلة مــــن اإن�سائها بتاأ�سي�س وجود لها يف

البحر الأحمر، و�سول اإىل ال�سيطرة التامة عليه.

وقد عــــرب اأول رئي�س حكومة اإ�سرائيلية بن غوريون عن ذلك بقوله

اأحلم باأ�ساطيل داوود متخــــر عباب البحر الأحمر”، وا�سفا “اأننــــي مينــــاء اإيــــلت املطل على البحــــر الأحمر مبــــوت اإ�سرائيــــل وحياتها،

واملعروف اأن الإ�سرائيليني اأعــــادوا اكت�ساف خطورة �سل ميناء اإيلت

اأثناء حرب ت�سرين الأول/ اأكتوبر 1973، عندما قامت اليمن بالتعاون

مع م�ســــر باإغلق م�سيق باب املندب، وكان مــــن نتائج هذا الإغلق

منــــع و�سول اإمــــدادات النفط اإىل اإ�سرائيل، وهو مــــا اعتربته الأخرية

عمل ع�سكريا �سدها.

وكان مــــن نتائج هذه احلــــرب �سقوط نظرية احلــــدود الآمنة التي

اعتمدتها الدولة العربية منــــذ قيامها، وبح�سب تقرير رفعه اأبا اأيبان

اإىل الكني�ســــت عام 1973 فاإن الإ�سرتاتيجيــــة الإ�سرائيلية جتاه البحر

الأحمــــر، تقوم على �ســــرورة اأن تدافع اإ�سرائيل عــــن خمرجها الآمن

واحلر اإىل هذا البحر باأي ثمن، وقد عرب عن هذه ال�سيا�سة من خلل

تهديد الدول املطلة على البحر الأحمر - ومن بينها اليمن - باحلرب

يف حال قامت باأعمال عدائية �سد الوجود الإ�سرائيلي يف هذا البحر.

كمــــا ا�ستطاعــــت تل اأبيــــب تثبيت مبداأ اإبقــــاء البحر الأحمــــر مفتوحا

اأمــــام امللحــــة البحريــــة الإ�سرائيليــــة يف اتفاقية “ف�ــــس ال�ستباك”

التــــي وقعتهــــا مع م�سر عــــام 1974. وعلى الرغم مــــن اأن هذا التفاق

اأعطى اإ�سرائيل اأهم ما كانت تطالب به منذ فرتة طويلة، فاإنها عملت

علــــى تدويــــل باب املندب واجلــــزر التي تتحكم فيــــه، ويف موازاة ذلك

ا�ستطاعــــت من خــــلل علقات خا�سة مع اإثيوبيــــا واإريرتيا احل�سول

علــــى مواقع يف جزر دهلك وفاطمة وحالب وتعزيز وجودها الع�سكري

يف البحــــر الأحمر، و�ساعدهــــا ذلك يف بناء اأنظمــــة ات�سالت حديثة

يخطئ من يعتقد اأن اإ�ســرائيل ال متلك �سيا�ســة

جتاه اليمن، ذلك اأن اإ�سرائيل تقدم نف�سها على

اأنها دولة حمورية يف منطقة ال�ســرق االأو�سط،

وبالتايل فاإنها متتلك �سيا�ســة خا�ســة جتاه كل

دول املنطقة

حتليلت اليمن والعامل

لغر�ــــس التج�س�ــــس على دول املنطقة ومن بينهــــا اليمن، لذلك مل يكن

م�ستغربــــا اأن يكــــون راديو اأ�سرائيــــل اأول من اأعلن عــــن هرب الرئي�س

علــــي نا�سر حممد اإثــــر اأحداث كانون الثاين/ ينايــــر 1986 بعد ر�سد

الرادارات الإ�سرائيلية لطائرته املتوجهة اإىل �سمال اليمن.

والوا�ســــح اأن كل هــــذه التحــــركات �سكلت تهديــــدا مبا�سرا للأمن

القومي اليمني والعربي. ويف هذا ال�سياق، ميكن فهم الدور الإ�سرائيلي

يف احتلل جزر اأرخبيل حني�س نهاية 1995، من خلل توفري الأ�سلحة

املتطــــورة للجانب الإريرتي و�سمان جناح العمليات التي قادها مايكل

دوما، وهو طيار مقدم اإ�سرائيلي.

ويف اأعقــــاب حرب غزة نهاية العام املا�ســــي ومطلع العام اجلاري

)2009( اكت�سفت اإ�سرائيل مهمة جديدة ميكنها من خلل وجودها يف

البحــــر الأحمر القيام بها على اأكمل وجه، وهــــي منع و�سول الأ�سلحة

اإىل حركــــة حما�ــــس الفل�سطينيــــة. ويف هــــذا الإطــــار، نقلــــت �سحيفة

�ساندي تاميــــز الربيطانيــــة يف منت�سف ني�سان/ اأبريــــل املا�سي عن

م�ســــادر اأمنيــــة اإ�سرائيلية اأن الغــــارة التي ا�ستهدفــــت قافلتي اأ�سلحة

كانت تعرب ال�ســــودان يف طريقها مل�سر، متت بوا�سطة طائرة انطلقت

مــــن اإريرتيا برغم نفي هذه الأخرية، ما يعني اأن اإ�سرائيل باتت تعترب

نف�سهــــا اأكرب قوة يف البحــــر الأحمر، ومن حقها املبادرة اإىل �سرب ما

تعتقد اأنها اأهداف معادية، وهو اأمر لبد اأن يثري قلق الدول املطلة على

هــــذا البحر، التي - ل�سوء احلظ - مل تبــــال كثريا بهذا الهجوم الذي

�ستظهر نتائجه اخلطرية على الأمن العربي يف امل�ستقبل املنظور.

والواقــــع اأن اإ�سرائيل حتــــاول الإيحاء باأن هــــذه املنطقة الهامة يف

العامل غــــري اآمنة واأن حركة امللحة الدولية فيها تظل مهددة، و�سول

اإىل اأن ت�سبح فكــــرة تدويل مياه البحر الأحمر مطلبا دوليا. ويف هذا

ال�سيــــاق، قد يكون مــــن املنا�سب الإ�سارة اإىل احتمــــال تورط اإ�سرائيل

يف ات�ساع ظاهرة القر�سنــــة يف خليج عدن والبحر الأحمر، خ�سو�سا

اأن القر�سنــــة ت�ســــب يف حتقيــــق حلــــم اإ�سرائيل القدمي، وهــــو تدويل

الأمــــن يف البحر الأحمر وباب املندب، واإخــــراج الدول العربية نهائيا

مــــن املعادلــــة ال�سيا�سية والأمنية يف هذا املمر املائــــي الهام. وقد تنبه

جمل�س ال�ســــورى اليمني لوجود اأطماع لإ�سرائيل يف تدويل مياه البحر

الأحمر، معتربا اأن ظاهرة القر�سنة البحرية املتزايدة تخدم امل�سروع

الإ�سرائيلــــي الداعــــي اإىل التدويــــل. وقــــال املجل�س يف تقريــــر له حول

ظاهــــرة “القر�سنة البحرية يف خليج عــــدن واملحيط الهندي” �سدر

يف اأواخر اآذار/ مار�س املا�سي اأنه “ل يخفى على اأحد م�سروع الكيان

ال�سهيــــوين لتدويل البحر الأحمر، وما لهذا امل�سروع من خماطر على

الأمن القومي العربي”.

علــــى اجلانــــب الآخر، تبــــدو الدولة العربيــــة اأكرث ارتياحــــا، فثمة

اجتــــاه يف اإ�سرائيــــل يــــرى اأن فكرة التدويــــل مل تعد تلــــك الفكرة التي

تخيــــف الدول العربية، وبالتــــايل فاإن مواجهة الأخطــــار امل�سرتكة قد

تكــــون فر�سة منا�سبة لإيجاد علقات جيدة مع هذه الدول، خ�سو�سا

اأن مفهــــوم العدو قــــد تغري؛ فلم تعد اإ�سرائيل هــــي العدو، واإمنا اإيران

التي تعد عــــدوا م�سرتكا لإ�سرائيل والعرب معــــا. ويدلل اأ�سحاب هذه

النظريــــة على �سحــــة فكرتهم بــــاأن اإ�سرائيل تبدي احرتامــــا متزايدا

للأنظمة العربية، فيما حتر�س اإيران على التدخل يف ال�سوؤون الداخلية

للدول العربية ودعم املنظمات واجلماعات اخلارجة على هذه الأنظمة.

ومبـــوازاة ذلـــك، يرى بع�س ال�سا�ســـة الإ�سرائيليني اأنـــه ينبغي العمل

علـــى اإقامة علقات اقت�ساديـــة متميزة مع دول املنطقـــة، خ�سو�سا اأن

مرحلـــة اإدخال ب�سائع اإ�سرائيليـــة اإىل الأ�سواق العربية باأ�سماء م�ستعارة

قد اأثبتت اأن موجة املقاطعـــة القت�سادية للمنتوجات الإ�سرائيلية اآخذة

يف النح�سار. ويف هذا ال�سياق، نقلت جملة “الوطن العربي” يف عددها

ال�ســـادرة يف الأول مـــن ني�سان/ اأبريـــل 2009 عن �سحيفـــة “هاآرت�س”

الإ�سرائيليـــة اأن جتارا اإ�سرائيليني باعوا اأ�سلحـــة لدول عربية منها ليبيا

واليمن. ويف مو�سوع اأكرث خطورة، زعمت املجلة نف�سها، نقل عن تقرير

ل�سحيفـــة الوورلـــد تريبيون الأمريكيـــة، اأن �سركة الغـــاز امل�سال اليمنية

وقعـــت موؤخرا عقدا مع �سركـــة اإ�سرائيلية �سمـــن كون�سورتيوم يف جمال

الطاقـــة تقوده �سركة توتال الفرن�سية العملقة، واأن ال�سركة الإ�سرائيلية

م�ساركة ولكن من الباطن.

ويف حـــال �سحـــت هذه الأخبار وهي بحاجـــة اإىل مزيد من التدقيق،

فـــاإن هذا يعني اأن اإ�سرائيل قد قـــررت الدخول اإىل ال�سوق اليمني

مـــن بابه الوا�ســـع، وهو باب ال�ستثمـــار يف جمال الطاقـــة، ولو بطريقة

غـــري معلنة، ما يدل على وجود توجه اإ�سرائيلي ر�سمي يق�سي بالبدء يف

قـــرع الأبواب الر�سمية اليمنية. ولكن هذا ليعني باأي حال اأن اإ�سرائيل

قـــررت نهائيا التخلي عن اإ�سعال احلرائـــق يف الدول العربية ومن بينها

اليمـــن التـــي متثل تهديدا لأمنها ولو نظريا، يف �ســـوء ما يقال يف دوائر

بحثيـــة اإ�سرائيلية من اأن اليمن مـــن �سمن عدة دول قد ت�سقط يف اأيدي

الأ�سوليـــني الإ�سلميـــني الذيـــن ل يخفون عدائهـــم للغـــرب واإ�سرائيل

بطبيعة احلال.

العاقة القويــة التي تربط اليمن بالف�ســائل

الفل�سطينية التي كانت جتد ملجاأ اآمنا لن�ساطها

يف االأرا�ســي اليمنيــة اأحــد اأهــم االعتبــارات

التي جعلتها يف موقع متقدم يف اال�ســرتاتيجية

االإ�سرائيلية

Page 10: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 20 21ا�سرتاتيجية

هـــذه احلتميـــة جعلـــت مـــن م�ساألة قيـــام علقـــات م�ستقرة

وطبيعية تنطوي على قدر منا�سب من التفاهم بني البلدين اأمر

ل منا�ـــس منه، ول ميكن جتاهله. مبعنى اآخر، اإن العلقات بني

اليمن وم�سر مل تكن - ولن تكون - قائمة على م�سالح وظروف

اآنيـــة اأو روؤى �سخ�سية، ول من باب الرتف، اأو املجاملت بحيث

جتعـــل من وجود هذه العلقـــات كغيابها، اأو ميكـــن للدولتني اأو

اإحداهما اأن تقرر اأنها يف غنى عن علقات م�ستقرة بينهما، بل

اإن وجود مثل هذه العلقات اأمر حتمي ل ميكن للدولتني جتاهل

�سرورة تنظيمها وتطويرها.

وتت�ســـح الآلية التي تبني كيفيـــة ارتباط، وتاأثر العلقات بني

اليمن وم�سر مبوقعهما ال�سرتاتيجي، من خلل معرفة النقاط

الرئي�سية التالية:

الأوىل: روؤية الدولتان لأهمية موقع كل منهما، اأي ماذا يعني

هذا املوقع بالن�سبة لأهداف وم�سالح وقيم الدولتني.

الثانية: كيف ترجمـــت الدولتان روؤيتهما تلك يف �سكل �سلوك

مبا�سر، اأو غري مبا�سر جتاه بع�سهما، مع الإ�سارة اإىل ردود فعل

القوى الإقليمية، والدولية يف هذا الإطار.

الثالثـــة: كيـــف انعك�ـــس موقـــع الدولتـــني علـــى �سيا�ساتهما،

ومواقفهما جتاه الق�سايا ذات الهتمام امل�سرتك، وعلى اأمناط

التعاون الثنائي وجمالته.

ويف حديثنـــا عن النقطتني الأوىل والثانيـــة، �سيكون الرتكيز

علـــى الروؤيـــة، وال�سلوك امل�سري علـــى افرتا�ـــس اأن م�سر هي

الطرف الأكرب، والأقـــوى، والأكرث تاأثريا وتاأثرا، وعلى افرتا�س

اأي�سا اأن ال�سلوك اليمني هو رد فعل يف اأغلب الأوقات، ولعل اأبرز

دليل على ذلك اأن التاريخ �سجل لنا اأكرث من حالة وجود م�سري

يف اليمن، ولي�س العك�س.

تعـــد اليمـــن مـــن الناحيـــة الإ�سرتاتيجية خط الدفـــاع الأول

بالن�سبـــة مل�ســـر، فالبحـــر الأحمر بحـــرية �سبه مغلقـــة، تتحكم

م�ســـر يف مدخلهـــا ال�سمايل، بينمـــا تتحكم اليمـــن يف مدخلها

اجلنوبي عرب م�سيق باب املندب، من خلل حتكمها يف مفاتيح

هـــذا امل�سيق، وهي اجلزر اليمنيـــة الإ�سرتاتيجية، واأهمها جزر

)بـــرمي، وزقر، وحني�ـــس( بالإ�سافة اإىل خليـــج عدن، الذي يعد

اأحد بوابـــات باب املندب، وقـــد ازدادت اأهمية اليمـــن بالن�سبة

مل�ســـر بعـــد �سق قناة ال�سوي�ـــس، التي جعلت مـــن البحر الأحمر

�سريانا مهما، للموا�سلت بني ال�سرق والغرب، وللتجارة الدولية

خا�سة جتارة النفط. وبالتايل، عندما يتعر�س املدخل اجلنوبي

للبحـــر الأحمر لأي هزة تهـــدد باإغلق باب املنـــدب، اأو عندما

تكـــون الأو�ســـاع يف اليمن غـــري م�ستقرة، فاأمن قنـــاة ال�سوي�س،

والأمن القومي امل�سري عموما، الطرف الأكرث ت�سررا، وعر�سة

للتهديد.

هـــذه الو�سعية جعلـــت ال�سلـــوك امل�سري جتـــاه اليمن ياأخذ

اأمنـــاط الحتـــواء، اإن مل نقـــل ال�سيطـــرة اأحيانـــا والتحالف، اأو

التن�سيق اأحيانا اأخرى، ومن اأبرز الدلئل التاريخية على ذلك:

- يف القـــرن اخلام�س ع�سر، عندما اأراد الربتغاليون اإخ�ساع

م�ســـر، بهدف ال�سيطرة على جتارة ال�ســـرق القادمة من الهند

وجـــزر جنوب الهند ال�سرقية، قرروا بدايـــة ال�سيطرة على مياه

البحـــر العربي، و�سد منافذ جنوب البحر الأحمر، اأي ال�سيطرة

على ال�سواحل اليمنيـــة كاملة، وكانت النتيجة اأن واجهت م�سر

اأزمـــة اقت�سادية خانقة ب�سبـــب احل�سار الربتغـــايل امل�سروب

على موانئها، ويف املقابل كان ف�سل احلملة الربتغالية على عدن

بداية انح�سار هذا احل�سار.

وعلـــى اإثر تلك الأحداث، �سعـــت الدولة امل�سرية اململوكية

اإىل اإقامـــة حتالـــف مع الدولة اليمنيـــة الطاهرية حينئذ، فلما

العامل اجليو�سرتاتيجي

فـي العالقات اليمنية - امل�سرية

حممد حممد الغرا�سي

على الرغم من انتفاء حالة التام�ض احلدودي بن م�ســر واليمن، فاإن املعطيات اجلغرافية االأخرى، املتمثلة يف حتكم

الدولتن مبداخل البحر االأحمر، جعلت من عملية االحتكاك والتوا�سل بينهما حتمية اإ�سرتاتيجية، اأك�سبت عاقات

البلدين مزيدا من العمق والثبات.

حممد حممد الغرا�سي كاتب ميني.

عني على اليمنحتليلت فـي 60 يوماوجهات نظر

اليمن والعامل

رف�ـــس ال�سلطان عامر هذا التحالـــف، بدافع اخلوف من فر�س

ال�سيطرة ال�سيا�سية والع�سكرية امل�سرية على اليمن، دفع حياته

ثمنـــا لذلـــك، بالإ�سافة اإىل �سقوط الدولـــة الطاهرية يف اليمن

علـــى يد املماليـــك الذين اأتبعـــوا بعد ذلك خطـــة دفاعية كانت

مبقت�ساها ال�سواحل اليمنية هـــي خط الدفاع الأول يف مواجهة

الأ�سطول الربتغايل يف البحر العربي، وجنوب البحر الأحمر.

- عندمـــا حكـــم العثمانيون م�سر يف �سنـــة 1517، ركزوا على

ال�سواحـــل اليمنيـــة لكونهـــا متثل القاعـــدة، اأو اخلـــط الأول يف

الدفـــاع عن م�ســـر العثمانية. وفى القرن التا�ســـع ع�سر ا�ستعاد

العثمانيون ال�سيطرة على اليمن ملحا�سرة حممد علي يف م�سر،

ولل�سبـــب نف�ســـه اأي�سا احتلت بريطانيا عـــدن التي اأ�سبحت بعد

فتح قناة ال�سوي�س حمطة هامة جدا يف الطريق اإىل الهند.

- وا�سلت الدولـــة امل�سرية خلل الفرتات اللحقة �سيا�سات

الحتواء اأو التحالف مع اليمن، ففي العهد الأمامي كانت هناك

معاهـــدة الدفـــاع امل�سرتك ثم احتـــاد الدول العربيـــة مع م�سر

و�سورية.

- كان قرار م�سر م�ساندة الثورة اليمنية يف بداية ال�ستينيات،

يهـــدف اأ�سا�ســـا اإىل حماية الثـــورة امل�سرية، مـــن خلل اإغلق

جميـــع املنافذ التي قد توؤدي اإىل الأرا�سي امل�سرية، ولي�س فقط

تاأمني حدودها الإقليمية.

- يف حرب 1973 قامت القوات امل�سرية بال�سرتاك مع القوات

اليمنية، باإغلق م�سيـــق باب املندب ملنع اأي حماولة اإ�سرائيلية

لحتلل اجلزر الإ�سرتاتيجية يف جنوب البحر الأحمر.

6. مع انتهاء القطيعة العربية امل�سرية على اإثر كامب ديفيد،

كانـــت م�سر يف تنظيـــم اإقليمي واحـــد مع اليمـــن، وهو جمل�س

التعـــاون العربـــي، الذي اإنتهـــى باندلع حرب اخلليـــج الثانية،

لتدخل م�سر يف علقة حتالفية مع دول اخلليج العربي يف اإطار

دول اإعلن دم�سق.

نتيجـــة للح�سا�سيـــة امل�سريـــة جتـــاه موقع وحتكـــم اليمن يف

البوابـــة اجلنوبية للبحر الأحمر، وللرغبة امل�سرية امل�ستمرة يف

تاأمـــني الأو�ساع يف هذه املنطقة، كان لبد من ظهور حالت من

التوتر والتوج�س، اأو الريبة التي اأحاطت بعلقات البلدين �سواء

علـــى امل�ستوى الثنائي، اأو على امل�ستوى الإقليمي، وظهر ذلك يف

حالت وجوانب عدة منها:

- كانت اليمن يف كثري من الأوقات تخ�سى، وتعمل على منع اأن

يتحـــول �سلوك م�سر جتاهها اإىل نـــوع من ال�سيطرة اأو التحكم،

وتوؤكد علـــى ا�ستقللها و�سيادتها وخ�سو�سيـــة اأو�ساعها. فقد

عرفنـــا الثمـــن الذي دفعه ال�سلطـــان عامر نتيجـــة رف�سه فكرة

التحالـــف مـــع الدولـــة امل�سريـــة اململوكية، وكذلـــك كانت حالة

الريبـــة قائمـــة بـــني الطرفني اأثنـــاء الوجود امل�ســـري يف اليمن

خلل الفرتة التي تلت قيام ثورة 26 اأيلول/ �سبتمرب 1962، وما

اخلريطــة كقــدر: املعطيـــات اجلغرافية جعلـــت عملية الحتـــكاك والتوا�ســـل بني اليمن

وم�سر حتمية ا�سرتاتيجية

Page 11: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 22 23ا�سرتاتيجية

�ســـاب تلـــك الفـــرتة مـــن خلفـــات بـــني القيـــادات اليمنية

وامل�سريـــة، و�سلت ذروتهـــا باعتقال رئي�ـــس واأع�ساء احلكومة

اليمنية يف القاهرة.

- كانـــت اليمـــن تـــدرك اأنهـــا �ساحـــة للتناف�ـــس ال�سعودي -

امل�سري خلل ال�ستينيات، ورمبـــا ما يزال هذا الإدراك قائما

مـــع ا�ستمـــرار التناف�ـــس ولو ب�سكل غـــري ملمو�س بـــني الريا�س

والقاهـــرة، ل�سيما واأن موازين القوى ت�ســـري اإىل اأنهما تعدان

مـــن اأبرز القـــوى ال�سيا�سيـــة والع�سكرية يف املنطقـــة؛ فقد كان

الوجود امل�سري يف اليمن حمل رف�س كامل من قبل ال�سعودية؛

ول غرابـــة يف ذلك، فهذا الوجود جعـــل م�سر مت�سك مبداخل

وخمـــارج البحر الأحمر، وت�سيطر على خط يبلغ األفي كيلو مرت

مـــن �سمال البحر الأحمر اإىل جنوبه، بالإ�سافة اإىل اأن القوات

امل�سرية كانت يف موقع ميكنها من فر�س طوق بري كامل على

ال�سعوديـــة، فاليمـــن بحكم موقعها هي القاعـــدة التحتية ل�سبه

اجلزيرة العربية.

وقـــد زاد من حدة هذه التوتـــرات، ت�سريحات عبد النا�سر

بـــاأن القوات امل�سريـــة �ستهاجم قواعد القـــوات امللكية اليمنية

يف الأرا�ســـي ال�سعوديـــة، التي كانـــت تدعم النظـــام امللكي يف

مواجهـــة الثـــورة وقـــوات النظام اجلمهـــوري. وبعـــد ان�سحاب

القوات امل�سريـــة من اليمن بعد هزمية 1967 كان من الطبيعي

اأن ت�سعـــد بعد ذلك يف اليمن القوى التـــي كانت تدعو اإىل حل

واتفاق مع ال�سعودية.

- يف بداية الت�سعينيات توترت العلقات اليمنية - امل�سرية

عندما اعتربت القاهـــرة اأن اليمن حمطة انطلق للمتطرفني

امل�سريـــني من باك�ستـــان واأفغان�ستـــان، ثم اليمـــن، فال�سودان

وم�ســـر، بالإ�سافـــة اإىل قلـــق م�سر مـــن تنامـــي دور احلركة

الإ�سلميـــة يف اليمن، وقد تقل�ست هـــذه التوترات بعد التوقيع

على التفاقية الأمنية بني البلدين يف 1996.

بالن�سبة للنقطة الرئي�سة الثالثة املتعلقة ب�سيا�سات ومواقف

البلدين جتـــاه الق�سايـــا الإقليمية والدوليـــة، ل�سيما املرتبطة

مبنطقـــة البحـــر الأحمـــر، ميكـــن التاأكيـــد علـــى اأن الدولتـــني

تواجهـــان حتد واحد، هـــو اأمن وعروبة البحـــر الأحمر، وذلك

طبعـــا مع ا�ستبعـــاد اأي احتمـــالت لقيام اأي مـــن الدولتني باأي

ن�ساط ي�ستهدف اأمن وم�سالح الدولة الأخرى.

كمـــا ميكـــن التاأكيـــد اأي�سا علـــى اأن الهـــدف ال�سرتاتيجي

للدولتـــني هـــو ا�ستقـــرار الأو�ســـاع الأمنية، مبا يحفـــظ ويوؤمن

�سلمـــة امللحـــة البحرية يف البحـــر الأحمر وقنـــاة ال�سوي�س،

ومبا ي�سمن انتفاء اأي اأخطار تاأتي عرب هذه املنطقة تهدد اأمن

وم�سالح الدولتني، ويرتبط حتقيق هذا الهدف باأمرين:

الأول: العمل على منع اأو احتواء اأو الت�سوية ال�سلمية لأي نزاع

يف البحـــر الأحمر، غري اأننا جند اأن هذا البحر يعد اأبرز بوؤرة

لل�سراع الـــدويل، وذلك ب�سبب النزاعـــات احلدودية بني دوله

التي تختلف �سيا�ساتها وا�سرتاتيجياتها، بالإ�سافة اإىل ت�سابك،

وت�ســـارع م�سالـــح وا�سرتاتيجيات القوى الدوليـــة التي ترتبط

بالبحر الأحمـــر، اإ�سرتاتيجيا و�سيا�سيـــا واقت�ساديا وع�سكريا

يف مقدمتهـــا دول اخلليج والوليـــات املتحدة الأمريكية واأوروبا

واليابـــان وال�سني. فقد كان البحـــر الأحمر، وما يزال م�سرحا

لكثري مـــن النزاعـــات، مثل احلـــروب العربيـــة - الإ�سرائيلية

وحـــروب اخلليج، بالإ�سافة اإىل التوتـــرات الثنائية مثل التوتر

امل�ســـري - ال�سوداين، والتوتر ال�ســـوداين - الأثيوبي، وم�ساكل

اإريرتيـــا )احتللهـــا جزيرة حني�ـــس اليمنية، وتوتـــر العلقات

ال�سودانية - الإريرتية وكذلك الإريرتية - الأثيوبية(، والوجود

الع�سكـــري الفرن�سي يف جيبوتـــي، ونزاع اأوجادين بـــني اإثيوبيا

وال�سومـــال، كذلك م�ساكل بع�س الدول مثل امل�سكلة ال�سودانية

وامل�سكلة ال�سومالية .

الثاين: حتقيـــق الرقابة الفاعلة التـــي ت�سمن تاأمني �سلمة

مداخـــل البحـــر الأحمـــر، وبالـــذات املدخل اجلنوبـــي يف باب

املندب، وهنـــا اأي�سا جند اأن هذه املنطقة ت�سهد حاليا عمليات

قر�سنـــة ت�سكل تهديـــدا حقيقيـــا ل�سلمة هذا املمـــر، و�سلمة

التجارة الدولية عربه.

اأمـــا بالن�سبـــة لعروبة البحـــر الأحمر، فهو هـــدف اإ�سرتاتيجي

للدول العربية املطلة عليـــه، وذلك يف مواجهة حماولت تدويل

هذه املنطقة، من خـــلل وجود القوات الأجنبية فيها مبربرات

متعلقـــة باأمن وم�سالح تلك القوى، وباأعذار خمتلفة منها على

�سبيل املثـــال اإنهاء عمليات القر�سنة. وترف�ـــس الدول العربية

املطلة على البحر الأحمر تدويل نزاعات هذا البحر وم�ساكله،

وتوؤكد على اأن حماية اأمنه م�سوؤولية عربية. ويف هذا الإطار، كان

هناك حتـــركات �سيا�سية عربية تهـــدف اإىل و�سع اإ�سرتاتيجية

حتليلت اليمن والعامل

عربيـــة موحدة جتـــاه البحر الأحمر، اأو اإن�ســـاء منظمة اأو هيئة

عربية اأو جمل�س عربي حلماية اأمن البحر الأحمر.

بيـــد اأن هـــذه التوجهـــات مل تلـــق جناحـــا، ب�سبـــب الوجـــود

الع�سكري الأجنبي يف البحر الأحمر وحوله، ولعتبارات داخلية

واإقليميـــة قد ت�سكل خماوفـــا عربية متبادلة مـــن �سيطرة دولة

اأو حمـــور معني على املنطقـــة. فم�سر ترى اأنها مـــا تزال اأكرب

قوة ع�سكرية عربيـــة، وال�سعودية ترى اأنها اأكرب قوة اقت�سادية

عربية، ومعـــروف لدينا تناف�ـــس الدولتـــان ال�سرتاتيجي حول

زعامـــة النظـــام الإقليمـــي العربـــي ب�ســـكل عام، وقـــد تتلقى

م�سالح القـــوى العربية الكربى، وجتد الـــدول الأخرى، ومنها

اليمـــن نف�سهـــا حم�ســـورة بـــني عـــدة قـــوى م�سيطرة قـــد تكون

اإ�سرائيل اأحدها.

ومـــع غياب اإ�سرتاتيجيـــة عربية موحـــدة يف البحر الأحمر،

ولرتكـــز معظم النزاعـــات وامل�ســـاكل يف جنوب البحر

الأحمـــر، تتحمل اليمن اأكرث من غريها عـــبء الرقابة الفاعلة

على بـــاب املندب، وهو الأمـــر الذي �سكل دافعا قويـــا لها باجتاه

تطوير قدراتها الع�سكريـــة البحرية، وتكثيف جهودها الدبلوما�سية

بهدف تنويع، وتكثيف اآليات التن�سيق مع دول جنوب البحر الأحمر.

ويف هـــذا الإطـــار، ياأتـــي دور اليمن البارز يف اإن�ســـاء جتمع �سنعاء،

الـــذي ي�ســـم اإىل جانب اليمن كل مـــن ال�سودان وجيبوتـــي واإثيوبيا

وال�سومال، بالإ�سافة اإىل اجلهـــود واملبادرات اليمنية التي هدفت

اإىل ت�سويـــة عـــدد من النزاعـــات، مثل النـــزاع الإثيوبـــي الإريرتي،

والنزاع ال�سومايل.

ونفرت�ـــس يف كل تلك اجلهود، وجود تن�سق ميني - م�سري على

الرغم مـــن غياب حقائق دامغة يف هذا الإطـــار، كما نلحظ غياب

التوجهات التحالفية امل�سرية ال�سابقة جتاه اليمن، ولعل اأبرز مثال

علـــى ذلك املوقف امل�ســـري اإزاء احتلل اإريرتيـــا جلزيرة حني�س،

اإذ ظـــل املوقف امل�ســـري يدعو اإىل احلل ال�سلمـــي خوفا من حدوث

�سراعات يف املنطقة تهدد حرية، و�سلمة امللحة فيها.

وفيمـــا يتعلق مب�ستوى التعاون القت�ســـادي بني اليمن وم�سر

يف �ســـوء موقعهما امل�سرتك على البحر الأحمر، جند اأن معطيات

ثـــروات هذا البحـــر ال�سمكية واملعدنيـــة والنفطيـــة، ت�ساعد على

تكوين قاعدة كبرية لإقامة علقات تعاون، بل، وتكامل اقت�سادي

ا�ستثمـــاري بني الدولتني، اإل اأن م�ستوى هذا التعاون يبدو متاأخرا

نوعا ما مقارنة بتلك املقومات القت�سادية امل�سرتكة. يف املقابل،

كان البلدان يواجهان م�ساكل فيما بينهما حول ال�سطياد يف املياه

الإقليميـــة من قبـــل ال�سيادين امل�سريني، عمومـــا فاإن التفاقات

املوقعة بني البلدين يف جمالت التعاون القت�سادي كثرية، اإل اأن

تطبيقها، وتنفيذها يبدو مرهونا بعوامل �سيا�سية اأخرى.

يف اخلتـــام، نوؤكـــد علـــى حقيقـــة اإ�سرتاتيجية تقـــول اأنه مهما

اأحاطـــت بـــوؤر التوتـــر بالعلقات اليمنيـــة امل�سريـــة، اإل اأن هذه

العلقات �ستظل بعيدة عن التهور الذي يوؤدي بها اإىل مزيد من

التاأزم، ومرد ذلك حتمية املوقع ال�سرتاتيجي؛ التي اأك�سبت هذه

العلقـــات نوعا مـــن الثبات ال�سرتاتيجـــي، فمهما بلغت درجة

التوتـــر والختلف يف الـــروؤى ووجهات النظر، فـــاإن العلقات

بـــني �سنعاء والقاهرة �ستظل قائمة على الأقل عند م�ستواها

العـــادي، اأي اأنها لن ت�سل اإىل حالـــة القطيعة الكاملة اأو

العداء وال�سراع املبا�سرين.

العاقــات بن اليمن وم�ســر مل تكــن - ولن تكون

روؤى اأو اآنيــة وظــروف م�ســالح علــى قائمــة -

�سخ�سية، وال من باب الرتف، اأو املجامات بحيث

جتعــل من وجود هذه العاقــات كغيابها، اأو ميكن

للدولتــن اأو اإحداهمــا اأن تقــرر اأنهــا يف غنى عن

عاقات م�ســتقرة بينهما، بــل اإن وجود مثل هذه

العاقــات اأمــر حتمــي ال ميكن للدولتــن جتاهل

�سرورة تنظيمها وتطويرها

Page 12: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 24 25ا�سرتاتيجية

عني على اليمنحتليلت فـي 60 يوماوجهات نظر

اليمن والعامل

اليمـــن التـــي تقدمت ر�سميـــا بطلـــب الن�سمام اإىل

جمل�س التعـــاون يف قمة الدوحة عام 1996، ما زالت

حتى اللحظة تاأمل يف التفاتة حقيقية من دول اجلوار

من اأجل و�سع خطة زمنية لتاأهيلها، و�سمها يف هذا

الكيان الإقليمـــي، لأن بقاءها خارج املجل�س لي�س يف

�سالح دول اخلليج، ولي�س يف �سالح اليمن اأي�سا وفق

كل احل�سابات ال�سيا�سيـــة والإ�سرتاتيجية. وقد ثبت

بالتجربـــة اأن بقاء اليمن خارج هـــذه املنظومة رمبا

يدفعهـــا اإىل حتالفات خارج النطاق اجلغرايف ي�سر

بـــدول اخلليج ب�سكل اأو باآخر، كما حدث اإبان ت�سكيل

جمل�ـــس التعـــاون العربي، الـــذي مثل وجـــوده خلطا

لـــلأوراق وفرز حمـــاور عدائية يف اجل�ســـد العربي،

قادا اإىل نتائج وخيمة على كل دول املنطقة.

مـــن الوا�ســـح اأن دول جمل�ـــس التعـــاون اخلليجي مل

حت�سم اأمرها بعد حيال �سم اليمن اإىل املجل�س، وما

زالت هناك اختلفـــات وتباينات يف الروؤى بني هذه

الـــدول اإزاء هـــذه الق�سية وغريهـــا يف اإطار الت�ساد

احلا�ســـل حـــول ق�سايا وم�سالـــح بينيـــة، وكل دولة

مـــن دول جمل�س التعاون لهـــا ح�ساباتها وم�ساحلها

ومنظورها للعلقات مع اليمن.

على �سعيد الواقع العملي، مل يلتم�س املغرتب اليمني

يف دول اجلـــوار اأو اليمنيـــني يف بلدهم اأي تطور يف

العلقـــات مع دول اخلليج ب�ســـورة جتعلهم يدركون

اأن بلدهـــم باتـــت قاب قو�ســـني اأو اأدنـــى من دخول

جمل�ـــس التعـــاون، اإن على �سعيد امل�سالـــح املتبادلة

اأو الت�سهيـــلت املقدمـــة لهم يف التنقـــل والإقامة يف

دول اجلوار، ومـــا زالت اجلن�سيـــات الآ�سيوية تتمتع

بت�سهيـــلت واأف�سليـــات يف دول اخلليـــج اأكـــرث مـــن

اليمنيني.

اإن العلقـــات اخلليجيـــة اليمنيـــة ينبغـــي اأن تغـــادر

مرحلة ال�سكوك وعدم الثقـــة بني النظم ال�سيا�سية،

ولبـــد اأن تبنـــى هـــذه العلقـــات علـــى امل�سارحـــة

واملكا�سفـــة ون�سج �سبكة من امل�سالح امل�سرتكة، فمن

الوا�سح اأن الأزمات واحلروب التي عا�ستها املنطقة

ما زالـــت عالقة يف ذاكرة النظم ال�سيا�سية، التي مل

تغادر بعد تلك احلقبة.

اليمن ودول اخلليج

عادية عالقات

�سالح القا�سي

متر العاقات اليمنية اخلليجية بحالة من اال�ستقرار والهدوء يف حاالتها االعتيادية، غري اأنها

مل ت�ســل بعد اإىل مرحلة التميز والثقة املتبادلة بن النظم ال�سيا�ســية يف دول جمل�ض التعاون

اخلليجــي واليمــن، رغــم ما يبــدو يف الظاهر ويف الت�ســريحات الر�ســمية من تقــدم يف العاقات

والتن�سيق الثنائي، الذي ميهد الندماج كامل يف منظومة جمل�ض التعاون اخلليجي.

�سالح القا�سي اإعلمي وباحث ميني مقيم يف دبي.

Page 13: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 26 27ا�سرتاتيجية

مـــن وجهة النظر الواقعية، علـــى دول جمل�س التعاون اأن تتعامل مع

اليمن وفق منظور �سيا�سي واقعي ووا�سح دون اخلو�س يف املجاملت

ال�سيا�سيـــة التـــي ل تف�سي اإىل اأي نتيجة عمليـــة، وذلك عرب تقدمي

خطـــة اإ�سرتاتيجية حقيقيـــة لليمن تت�سمن ا�سرتاطـــات ومتطلبات

الن�سمـــام الكامـــل اإىل املجل�ـــس يف خمتلـــف اجلوانـــب ال�سيا�سية

والقت�ساديـــة والأمنيـــة والت�سريعية، مقابل ا�ستعـــداد اليمن عمليا

بتنفيـــذ برنامـــج زمني يوؤهلهـــا للع�سوية الكاملة مـــن خلل تعديل

ومواءمـــة الأنظمة والت�سريعات مـــع دول اخلليج، واإنهاء كل مظاهر

الختـــللت الأمنية، والق�ساء على انت�ســـار ال�سلح، وب�سط �سلطة

الدولـــة علـــى كل املحافظات، والغزل على منـــوال �سيا�سات مواكبة

لتوجهات دول اخلليج.

وب�ســـرف النظـــر عن اختلف النظـــم ال�سيا�سية بـــني اليمن ودول

اخلليـــج، ف�ســـل عن النظـــام الأ�سا�ســـي للمجل�س ومـــا يحتويه من

ن�سو�ـــس مقيدة، فاإن ق�سية ان�سمام اليمن ملجل�س التعاون متثل يف

حقيقتهـــا بعدا �سيا�سيا �سرفا ورغبة خليجية يف القبول من عدمه،

واليمـــن يف الظـــروف القت�ساديـــة ال�سعبـــة التـــي تعي�سهـــا تعتقد

مب�سئوليـــة دول اجلـــوار يف م�ساعدتهـــا ودعمها للنهو�ـــس واللحاق

بركـــب التنميـــة، وبالتايل تاأهيلهـــا للنخـــراط يف منظومة جمل�س

التعـــاون، و�سنعاء بذلك ت�ستح�سر دائما منـــوذج الحتاد الأوروبي

الذي تبنى دعم اأ�سبانيا وتاأهيلها لدخول الحتاد.

واقـــع احلال، اأن اليمـــن يف ظروفها احلالية بحاجـــة اإىل “م�سروع

مار�سال خليجي” لدعمهـــا ا�سرتاتيجيا واقت�ساديا، �سمن م�سروع

�سامل ي�ساعد يف حتقيـــق تقدم تنموي يقلل من الهوة ال�سحيقة بني

اليمـــن، ودول اجلـــوار على �سعيـــدي م�ستوى دخل الفـــرد والتنمية

القت�سادية، اإن كانت هناك رغبة حقيقية و�سادقة من دول اخلليج

ب�سم اليمن اإىل هذا التكتل الإقليمي.

من الناحية ال�سيا�سية، ومن منظور العلقات اخلارجية، فاإن اليمن

�ســـارت اليوم اأقرب اإىل دول اخلليج من اأي وقت م�سى يف مواقفها

ال�سيا�سيـــة جتـــاه خمتلف الق�سايـــا الإقليمية والدوليـــة والتطورات

احلا�سلة علـــى ال�ساحة العربية على �سعيد امللفات ال�ساخنة، وهذا

هـــو الو�سع الطبيعـــي لليمـــن، اأن تن�سق مع دول اجلـــوار لرتباطها

الع�ســـوي وامل�سلحـــي معهـــا، وقـــد اأ�سبحـــت �سنعـــاء حتر�س على

التن�سيق مع دول اجلوار وطرح م�ساحلها معها يف �سلم الأولويات.

ويرى البع�ـــس اأن ان�سمام دولة معينة اإىل تكتل اإقليمي جماور لها،

ويل�سقها جغرافيا، مل يعد مرهونـــا بت�سابه الظروف القت�سادية

وال�سيا�سية والثقافيـــة والتكنولوجية، بل اأ�سبح الأمر متعلقا بحجم

امل�سالـــح امل�سرتكة بني الطرفني، ومـــاذا ميكن اأن يحقق كل طرف

للآخر من تلك امل�سالح.

ل�سك، اأن ان�سمام اليمن اإىل جمل�س التعاون اخلليجي �سيعيد ر�سم

خريطـــة اخلليج واجلزيـــرة العربية من الناحيتـــني اجليوبوليتيكية

والإ�سرتاتيجيـــة جلهة حتقيق م�سالـــح م�سرتكة، وي�ساهم مبعاجلة

حتليلت اليمن والعامل

رغبة تنتظر القدرة: على دول جمل�س التعاون اأن تتعامل مع اليمن وفق منظور �سيا�سي واقعي دون اخلو�س يف املجاملت ال�سيا�سية التي ل تف�سي اإىل نتيجة عملية

و�سد الثغرات الدميغرافيـــة والبنيوية لدى دول املنطقة، و�سي�سبح

احلجـــم الكلي لل�سكان يف هذا التجمع الإقليمي ما يربو على اأربعني

مليـــون ن�سمة، وهو ما �سي�سكل قوة ب�سرية يعتد بها يف ميزان القوى

الإقليمية.

اإن املحددات القت�سادية بني اليمن ودول اخلليج لها اأهمية كربى،

قد تفوق خـــلل ال�سنوات القادمـــة العوامل واملحـــددات ال�سيا�سية

والأمنيـــة، رغم اأن التن�سيق الأمني يف مواجهـــة الأن�سطة الإرهابية

�ســـار يحتل بندا هاما يف الأجنـــدة ال�سيا�سية على �سعيد العلقات

اخلارجيـــة. وقـــد �سهدت م�ســـرية العلقـــات القت�ساديـــة اليمنية

اخلليجيـــة خلل ال�سنـــوات املا�سية تطورا ملحوظـــا، مبا يعزز من

فر�ـــس التكامل للقت�ساد اليمني مـــع القت�ساديات اخلليجية، اإذ

ك�سفت الإح�ساءات اليمنية الر�سمية ارتفاع حجم التبادل التجاري

بني اليمن، ودول جمل�س التعاون اخلليجي اإىل اأعلى م�ستوى له منذ

خم�ـــس �سنـــوات لي�ســـل اإىل 646،6 مليار ريال خـــلل العام املا�سي

2007 مقارنة بـ 443،7 مليار ريال يف 2006.

متثـــل الـــدول اخلليجية �سريـــكا جتاريا مهمـــا بالن�سبـــة لليمن، اإذ

ت�ستحوذ على الن�سيب الأكرب من واردات اليمن من ال�سلع املختلفة،

كما ت�سكل �سوقا مهما لل�سادرات اليمنية غري النفطية، وبالأخ�س

ال�سلـــع الزراعيـــة وال�سمكية، حيث احتل جمل�ـــس التعاون اخلليجي

املرتبة الأوىل خلل ال�سنوات املا�سية.

ول ميكـــن التقليـــل باأي حـــال من الأحـــوال مما حتقق علـــى �سعيد

التقارب بني اليمـــن ودول جمل�س التعاون اخلليجي خلل ال�سنوات

القليلـــة املا�سية، وما اتخـــذه املجل�س من خطوات جتـــاه اليمن، اإذ

مثـــل قرار قمة م�سقط يف دي�سمرب 2001 الـــذي ت�سمن موافقة دول

جمل�ـــس التعاون على الن�سمام اجلزئي لليمـــن اإىل اأربع موؤ�س�سات

رئي�سية يف املجل�ـــس، هي مكتب الرتبية وال�سحـــة والعمل وال�سوؤون

الجتماعية ودورة كاأ�س اخلليج، هذا القرار مثل نقطة حتول بارزة

يف م�سرية العلقات اليمنية اخلليجية، كما وافق جمل�س التعاون يف

عام 2008 على ان�سمام اجلهاز املركزي للرقابة واملحا�سبة اليمني

اإىل اأجهـــزة الرقابة واملحا�سبة بدول املجل�ـــس، ف�سل عن ان�سمام

مكتب براءة الخرتاع لأقرانه يف دول املجل�س.

وال�ساهـــد، اأن احلكومـــة اليمنيـــة تبـــذل جهـــودا �ستى علـــى �سعيد

تعزيـــز العلقـــات مع دول جمل�ـــس التعـــاون والإيفـــاء باللتزامات

وال�ستحقاقـــات املطلوبة للن�سمام اإىل املجل�س وفقـــا لإمكانياتها

وقدراتهـــا املتاحة، وقد ك�سفت م�سفوفة خارطـــة الطريق لندماج

اليمـــن يف جمل�ـــس التعاون لـــدول اخلليـــج العربية املعـــدة من قبل

احلكومـــة اليمنيـــة عـــن خم�ســـة م�ســـارات رئي�سيـــة لتاأهيـــل اليمن

للن�سمـــام الكامـــل للمنظومة اخلليجيـــة وفق روؤيـــة عملية ترتكز

على حتقيق التكامل القت�سادي مع دول جمل�س التعاون اخلليجي.

وتتمثل هذه امل�سارات يف م�سار ال�سراكة التجارية، ودورها يف عملية

التكامـــل القت�سادي، واندماج اليمـــن يف اقت�ساديات دول جمل�س

التعاون اخلليجـــي، وم�سار ال�سراكة ال�ستثماريـــة لتعزيز التكامل،

والندمـــاج للقت�ساد اليمني يف اقت�ساديـــات دول جمل�س التعاون

اخلليجـــي، وم�سار العمالة اليمنية اإىل جانب م�سار البناء املوؤ�س�سي

اللزم لتاأهيل اليمن للن�سمام اإىل جمل�س التعاون اخلليجي.

اإن الأزمـــات ال�ساخنة التـــي تعي�سها دول اخلليـــج العربي مع بع�س

القـــوى الإقليميـــة مثل اإيـــران، تدفع دول اخلليج اأكـــرث من اأي وقت

م�ســـى اإىل اللتفات اإىل اليمن وا�ستيعابها ملا متثله من كتلة ب�سرية

وعمـــق تاريخي وا�سرتاتيجـــي حا�سن لدول املنطقـــة، ملواجهة مثل

هذه التطورات والأخطار التي تهدد كينونة املنطقة واإرثها التاريخي

والعروبي.

بكل املقايي�س، فـــاإن العلقات اليمنية اخلليجية متر اليوم بظروف

اأن�سج من ذي قبل، �سيما واأن اليمن طوى كل امللفات احلدودية مع

كل مـــن ال�سعودية و�سلطنة عمان، ومل تعد هناك عوائق ومنغ�سات

حتـــول دون تطويـــر العلقـــات الثنائيـــة بـــني �سنعـــاء وكل الـــدول

اخلليجية.

وتبقى الق�سية الأ�سا�سية يف توافر اإرادة �سيا�سية حقيقية من قبل

دول جمل�ـــس التعاون اخلليجي جتـــاه ا�ستيعاب اليمـــن و�سمها اإىل

املجل�ـــس، ولو مت ذلك �سمن خطـــة اإ�سرتاتيجية زمنية حمددة، يتم

مـــن خللها و�سع م�سارات وا�سحة وجليـــة وا�ستحقاقات تلتزم بها

اليمن اأمـــام دول املجل�س، مقابل دعم وم�سانـــدة خليجية مربجمة

للنهو�س بالقت�ساد اليمنـــي واإخراجه من غرفة الإنعا�س اإىل واقع

اأكـــرث قبـــول ومواءمـــة مـــع دول اجلوار الرثيـــة، وتلك هـــي املعادلة

احلقيقية بني الطرفني، ما مل �ستظل امل�ساألة تدور يف اإطار ما ي�سمى

»حـــوار الطر�سان« واملفاو�ســـات طويلة املدى، والتنظـــري ال�سيا�سي

املحلق يف اآفاق بعيدة عن اأر�س الواقع.

ب�ســرف النظر عن اختاف النظم

ال�سيا�سية بن اليمن ودول اخلليج،

ف�سا عن النظام االأ�سا�سي للمجل�ض

ومــا يحتويــه مــن ن�ســو�ض مقيدة،

فاإن ق�ســية ان�ســمام اليمــن ملجل�ض

التعــاون متثــل يف حقيقتهــا بعــدا

�سيا�سيا �ســرفا ورغبة خليجية يف

القبول من عدمه

Page 14: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 28 29ا�سرتاتيجية

مكانة اليمن فـي اال�سرتاتيجية االأمريكية

من االأربعينيات حتى اليوم

احتواء ال�سيوعية

من

اإىلاحتواء القاعدة

عبداهلل الفقية اأ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف جامعة �سنعاء.

عبداهلل الفقيه

عني على اليمنحتليلت فـي 60 يوماوجهات نظر

اليمن والعامل

Page 15: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 30 31ا�سرتاتيجية

اأمريكا واالإمام حاول الإمام عقب ا�ستقلل �سمال اليمن

عن تركيا وتاأ�سي�س اململكة املتوكلية اليمنية يف عام 1918، ا�ستغلل

التناف�ـــس الربيطـــاين الأمريكي واحل�سول على اعـــرتاف الوليات

املتحدة الأمريكيـــة ودعمها الع�سكري يف مواجهـــة الربيطانيني يف

اجلنوب وال�سعوديني يف ال�سمال. وا�سطدمت جهود الإمام بالنفوذ

الربيطـــاين الكبري داخل دوائـــر �سنع القـــرار الأمريكي من جهة،

وبتنامي مكانة اململكة العربية ال�سعودية يف الإ�سرتاتيجية الأمريكية

من جهة ثانية.

وتغري حـــظ الإمام يحيـــى بعد اأن و�سعـــت احلرب العامليـــة الثانية

اأوزارهـــا، اإذ بـــداأت الوليـــات املتحـــدة يف تو�سيع دائـــرة علقاتها

ن يف املنطقـــة كي تقطع الطريـــق على الحتـــاد ال�سوفييتي، وحت�سر

م�ساحلهـــا املتناميـــة يف ال�سعوديـــة واخلليـــج العربـــي. وقـــد عمل

الكولونيل ويليام اإيدي �سابط البحرية ال�سابق، وامل�سئول حينها عن

بناء العلقات الأمريكية مع ال�سعودية ودول اخلليج، والذي مل يكن

ليفوتـــه الأهمية الإ�سرتاتيجيـــة لليمن ال�سمايل، علـــى التوا�سل مع

اململكـــة املتوكلية والتفاو�س معها ب�ســـاأن العرتاف واإقامة علقات

بني الدولتني. وتكللت جهـــود اإيدي بتوقيع الوليات املتحدة والإمام

يحيـــى على معاهـــدة �سداقة وجتـــارة اعرتفت مبوجبهـــا الوليات

املتحـــدة الأمريكية باململكـــة املتوكلية اليمنية كدولـــة م�ستقلة ذات

�سيادة يف 4 اآذار/مار�س 1946.

ورمبـــا جاء العـــرتاف الأمريكـــي مـتاأخـــرا بع�س ال�ســـيء بالن�سبة

للإمام يحيى الذي كانت املعار�سة حلكمه تتنامى ب�سرعة. وهناك

من يذهب اإىل القول باأن العرتاف الأمريكي قد �ساهم يف التعجيل

بـــزوال الإمام يحيى، اإذ اغتيـــل يف عام 1948 بعد مرور عامني على

العـــرتاف، وقبل اأن يتمكن مـــن توطيد علقتـــه بالأمريكيني. اأما

ابنـــه الإمـــام اأحمد الـــذي �سعـــد اإىل العر�س عقب ف�ســـل ثورة عام

1948، فقـــد تعامـــل مع الأمريكيـــني بحذر �سديـــد. وبينما جنح يف

فتـــح بعثـــة دبلوما�سية مينيـــة يف وا�سنطن يف عـــام 1951، فاإنه ظل

يف املقابـــل مياطـــل الأمريكيني يف م�ساألة ال�سماح لهـــم باإن�ساء بعثة

دبلوما�سيـــة يف اليمن. وحاول الإمام اأحمد التـــزام �سيا�سة احلياد

يف التعامل مع الأمريكيني من جهة ومع ال�سوفييت من جهة اأخرى،

اأمل يف احل�سول على الدعم القت�سادي والع�سكري من اجلانبني

ومبـــا ميكنه من مواجهـــة الربيطانيني يف اجلنـــوب وال�سعوديني يف

ال�سمال. وقد حتقق ذلك للإمـــام، بالرغم من املعار�سة ال�سعودية

والربيطانيـــة، يف عام 1957. ومتكن الأمريكيون بدورهم، وبالرغم

من تردد الإمام اأحمد، من افتتاح بعثة دبلوما�سية يف تعز يف اأيلول/

�سبتمـــرب 1959. واإذا كان الإمـــام يحيى قد قتـــل بعد حوايل عامني

ى مـــن اعرتاف الوليات املتحدة مبملكته، فاإن الإمام اأحمد قد ق�س

ومعـــه اأي�سا اململكة املتوكلية اليمنية بعد حـــوايل عامني من افتتاح

الأمريكيني لأول بعثة دبلوما�سية يف اليمن.

ثورة اأيلول/�سبتمرب 1962 تلقى جمل�س الأمن القومي

الأمريكي يف 14 اأيلول/�سبتمرب 1962 مذكرة من ال�ستخبارات تقول

»يخطـــط جمموعـــة من �سباط اجلي�ـــس اليمني، رمبـــا للتنفيذ عن

قريب، لغتيال الإمام واعتقـــال البدر، وتاأ�سي�س جمهورية، ويعتقد

اأن املخططـــني يحظـــون بدعم نا�ســـر )جمال عبـــد النا�سر( وبولء

زعمـــاء قبليني مهمني”. ويف 20 اأيلول/�سبتمرب، اأي يف اليوم التايل

حتليلت اليمن والعامل

نــــال اجلزء ال�سمايل من اليمن ا�ستقلله عن تركيا يف عــــام 1918. وحاول الإمام يحيى حميد الدين

ب�سكل متكرر لفت انتباه الوليات املتحدة اإىل مملكته القرو�سطية دون حتقيق قدر كبري من النجاح.

ومــــع تنامي الدور الدويل للإمرباطوريــــة الأمريكية ال�ساعدة ازداد اهتمــــام الإمام باحل�سول على

اعرتافها، ومنت تطلعاته للح�سول على دعمها الع�سكري يف مواجهة خ�سومه ال�سعوديني يف ال�سمال

والربيطانيــــني يف اجلنوب. ومرت ثلثة عقود تقريبا قبل اأن يحظــــى الإمام، وبف�سل التطورات التي

اأتت بها احلرب الكونية الثانية، باعرتاف الوليات املتحدة بـ “اململكة املتوكلية اليمنية.”

وكان هنــــاك ثلثــــة عوامل اأ�سا�سية لفتت انتبــــاه الأمريكيني اإىل �سمال اليمــــن حينها، هي: جماورته

للملكــــة العربيــــة ال�سعودية، واخلوف مــــن حتوله اإىل منطقة نفــــوذ �سوفييتي، وفتح البــــاب لل�سركات

الأمريكية للتنقيب عن النفط. وظلت مكانة اليمن يف ال�سرتاتيجية الأمريكية ثابتة ن�سبيا على الأقل

حتــــى نهايــــة القرن املا�سي. اأما اليوم فاإن هناك موؤ�سرات متزايــــدة على اأن الإدارة الأمريكية جتري

عملية مراجعة لإ�سرتاتيجيتها يف اليمن ويف الدول العربية الأخرى.

لوفاة الإمام اأحمد، رفع ال�سابط املخت�س ب�سوؤون اجلزيرة العربية

يف اخلارجيـــة الأمريكيـــة اإىل الرئي�ـــس الأمريكي جـــون اإف كنيدي

تقريـــرا حول ما �سيرتتب علـــى وفاة الإمام اأحمد مـــن �سراع حول

ال�سلطـــة. وحيـــث اأن الأمري احل�سن، �سقيق الإمـــام الراحل ورئي�س

البعثة اليمنية يف الأمم املتحدة، كان قد طلب من الأمريكيني دعمه

لتـــويل الإمامة بعد اأخيه، فقد مت اإل�ساق ورقة على التقرير موؤرخة

يف 21 اأيلول/�سبتمـــرب تقول “نعتقد اأن على الوليات املتحدة جتنب

التدخـــل يف ال�ســـراع الدائر حول ال�سلطـــة يف اليمن ما مل تنحرف

اليمن ب�سكل كبري يف اجتاه املع�سكر ال�سوفييتي - ال�سيني«.

ويـــورد التقريـــر �سببـــني يجعـــلن اأمريكا متتنـــع عن دعـــم الأمري

احل�ســـن: الأول هـــو اأن الأمري احل�سن ينتمـــي اإىل اأ�سرة بيت حميد

الديـــن التي فقـــد النا�س الثقة بها، وتعي�س خـــارج الع�سر و”قد ل

ت�ستمـــر طويل”، واأنه، واإن كان يحظى بدعـــم بع�س اأفراد الأ�سرة

املالكة وبع�ـــس القبائل، اإل اأنه ل يحظى بدعم كبري من “العنا�سر

امل�ستنـــرية”. ويف الوقـــت الـــذي ي�سري فيـــه التقريـــر اإىل اأن الأمري

احل�ســـن منحـــاز لأمـــريكا ومعـــاد لل�سيوعيـــة، فاإنـــه يـــرى يف ذلك

عامـــل �سعف للح�سن ولي�ـــس عامل قوة. اأما ال�سبـــب الثاين لرف�س

الأمريكيـــني دعـــم احل�ســـن، فهو وجود �ســـك كبري لديهـــم بجدوى

“الدعم املحدود” الذي ميكن لهم تقدميه، اأي بقدرة ذلك الدعم علـــى اإي�سال احل�ســـن اإىل ال�سلطة ناهيك عن اإبقائـــه فيها يف ظل

وجود العديد من اجلماعات التي تتناف�س على وراثة الإمام.

ويبـــدو اأن التقريـــر املرفـــوع اإىل الرئي�ـــس كنيـــدي يف الع�سرين من

اأيلول/�سبتمرب 1962 قد و�ســـع اأهم معامل الإ�سرتاتيجية الأمريكية

يف اليمـــن، وهي: 1. عدم التدخل يف ال�سوؤون اليمنية اإل يف احلدود

ال�سيقة جدا؛ 2. رفع م�ستوى التدخل عندما يزداد خطر وقوع اليمن

حتـــت النفوذ ال�سوفييتـــي؛ 3. عدم الهتمام مبا يجري يف اليمن اإل

من حيث اأثره املتوقـــع يف الأمن بالدول املجاورة؛ 4. النحياز لقوى

التحديث وال�ستنـــارة يف بلد يعي�س ظروفا م�سابهة ملمالك الع�سور

الو�سطى.

عمـــل الأمريكيـــون، وفـــق تلـــك اخلطـــوط العري�سة، علـــى مقاومة

ال�سغوط ال�سعوديـــة والربيطانية لدفعهم للتدخل يف ال�ساأن اليمني

ب�سكل اأكرب خلل ال�ستينيات. وعلى عك�س الربيطانيني وال�سعوديني،

الذيـــن راأوا يف الدور امل�ســـري يف اليمن خطرا يجب مقاومته، راأى

الأمريكيون اأن نوع العلقة التي �سرتبط احلكومة اليمنية اجلديدة

يف �سمال اليمن باحلكومة امل�سرية غري مهم طاملا اأدركت احلكومة

امل�سريـــة باأن للحكومة الأمريكية م�سالـــح حيوية يف احلفاظ على

الأمـــن يف اخلليج، ويف حمميـــة عدن، وطاملا ح�ســـرت احلكومتان

اليمنية وامل�سرية جهودهما يف تثبيت الأو�ساع يف اليمن دون خو�س

اأي مغامرات يف ال�سمال اأو يف اجلنوب.

ومـــع اأن الأمريكيـــني اأدركـــوا جيـــدا اأن التدخل امل�ســـري يف اليمن

�سيزيد من حـــدة ال�سغوط على الأنظمة املحافظة يف اخلليج وعلى

الوجود الربيطاين يف اجلنوب، اإل اأنهم كما يبدو مل ينظروا اإىل

مع�ســلة ال�ســجناء: اجلـــدل الدائـــر حول

ال�سجناء اليمنيني يف �سجـــن جوانتناموا ي�سري

اإىل اأن ال�سرتاتيجيـــة الأمريكيـــة القادمـــة يف

اليمن �ستتميز بدرجة عالية من املرونة

Page 16: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 32 33ا�سرتاتيجية

تلـــك ال�سغوط على اأنها عامل �سلبي، بـــل حاولوا توظيفها لتحريك

امليـــاه الراكـــدة يف املنطقة. وعلـــى عك�س الربيطانيـــني يف اجلنوب

وال�سعوديـــني يف ال�سمـــال، مل يـــر الأمريكيـــون اأن ال�ســـراع امل�سلح

يف �سمـــال اليمن ميكنـــه اأن ي�ساهـــم يف انت�سار ال�سيوعيـــة. واأظهر

الأمريكيـــون منـــذ البدايـــة، ورمبـــا كان للتطورات داخـــل الوليات

املتحدة دورها يف ذلك، درجة عالية من اليقني اأنه ومهما

طالـــت احلرب بـــني امللكيـــني واجلمهوريـــني، فاإن

النهاية �ستكون ل�سالح اجلمهوريني.

وتعك�س الوثائق الأمريكية التي مت الإفراج

عنهـــا اأن اإدارة الرئي�ـــس كنيـــدي، وقـــد

انحـــازت اإىل النظـــام اجلمهـــوري منذ

اأول وهلـــة، اأجلـــت العـــرتاف بالنظام

اجلديد حتـــى ت�ستطلع نوايـــا امل�سريني

واجلمهوريـــني يف �سنعاء وحتـــى تطمئن

بالنظـــام اعرتافهـــا بـــاأن ال�سعوديـــني

اجلمهوري ل ياأتي على ح�ساب التزامها باأمن

اململكـــة. وملا حتقق لها ذلك اأعلنت اإدارة كندي يف

19 كانـــون الأول/دي�سمـــرب 1962 اعرتافها بــــ »اجلمهورية

العربية اليمنيـــة«. ويف 20 كانون الأول/دي�سمرب، اأي بعد العرتاف

الأمريكـــي بيوم واحد، جل�ـــس حم�سن العيني علـــى مقعد اليمن يف

الأمم املتحدة بعد اأن كان الأ�ستاذ اأحمد حممد ال�سامي رئي�س وفد

اململكـــة املتوكليـــة قد ترك مقعـــده يف اليوم ال�سابـــق احتجاجا على

العرتاف الأمريكي.

احتواء ال�ســيوعية �سعى الأمريكيون منذ عام 1946،

وبنجـــاح كبري، اإىل منع �سمال اليمن من التحول اإىل منطقة للنفوذ

ال�سيوعي. وف�سلـــت احلكومة الربيطانية املحتلـــة جلنوب اليمن يف

القيـــام بنف�س الـــدور. وبينما متكنـــت عنا�سر الي�ســـار من الهيمنة

علـــى ال�سلطة يف اجلنوب وحولته اإىل منطقة نفوذ �سوفييتي، متكن

اجلمهوريـــون مـــن الو�ســـول اإىل ال�سلطـــة يف ال�سمـــال وحولوه اإىل

جبهـــة من جبهات املواجهة والحتواء لل�سيوعية. وات�سمت ال�سيا�سة

الأمريكيـــة يف اليمـــن خلل عقـــدي ال�سبعينيـــات والثمانينيات من

القـــرن املا�سي باللتزام بال�سرتاتيجيـــة التي تبلورت ب�سكل وا�سح

خلل ال�ستينيات.

من جهة، ترك الأمريكيـــون ملف �سمال اليمن وم�سكلته الداخلية

للمملكة العربية ال�سعودية. وذهبوا اأبعد من ذلك فجعلوا علقاتهم

مع �سمال اليمن متر عرب الو�سيط ال�سعودي رغم املحاولت احلثيثة

للنظـــام اليمني، وخ�سو�سا يف عهـــد الرئي�س علي عبد اهلل �سالح،

التعامـــل مـــع وا�سنطـــن مبا�سرة. وميكـــن اإرجاع ذلـــك التوجه اإىل

عدة اأ�سباب اأبرزها عدم وجـــود م�سالح اأمريكية كبرية يف اليمن،

والرغبة يف تطمـــني ال�سعوديني باأن الوليات املتحدة ل تلعب بالنار

يف بلـــد نظروا اإليه علـــى اأنه مبثابة احلديقة اخللفيـــة، وهروبا من

التكلفـــة املرتفعـــة لأي تعامل اأمريكـــي مبا�سر مع اليمـــن وم�ساكله

الكبرية، وخ�سو�سا يف اجلانب القت�سادي والتنموي.

ويلحـــظ اأن التعامل الأمريكي املبا�سر مـــع �سمال اليمن قد ارتبط

بنمو امل�سالح القت�سادية الأمريكية. فعلى �سبيل املثال، فاإن زيارة

نائـــب الرئي�س الأمريكي جورج بو�س يف عام 1986، وهو اأول م�سئول

اأمريكي رفيع يزور اليمن ال�سمايل، ارتبطت بامل�ساركة

يف افتتـــاح م�سفاة �سافر لتكريـــر النفط التي

مت اإقامتهـــا يف حمافظة مـــاأرب، بعد جناح

اكت�ســـاف يف الأمريكيـــة هنـــت �سركـــة

النفط بكميات جتاريـــة. ويف 26 كانون

الثاين/ينايـــر 1990، وبعد تلقيه دعوة

مـــن ال�سيد جورج بو�س الـــذي كان قد

مت انتخابـــه رئي�سا للوليات املتحدة يف

عـــام 1988، �سافر الرئي�ـــس �سالح اإىل

وا�سنطـــن ليكـــون بذلـــك اأول رئي�س ميني

يـــزور الوليات املتحدة. وقـــد جاءت الزيارة

مبـــا حتمله مـــن رمزية، وما تـــدل عليه من حتول

يف طريقـــة التعامـــل الأمريكي مـــع اليمـــن، متزامنة مع

التح�ســـريات القائمـــة على قدم و�ســـاق لتوحيد �سطـــري اليمن يف

دولـــة واحـــدة مع ما يحمله مثـــل ذلك التطور مـــن اأهمية للم�سالح

الأمريكية.

مـــن جهة ثانيـــة، حافـــظ الأمريكيـــون رغـــم اإيكالهم ملـــف اليمن

لل�سعوديـــة علـــى درجة منخف�سة مـــن احل�سور يف ال�ســـاأن اليمني،

هدفت فيما يبدو اإىل مراقبة ما يجري والتاأكد من اأن جبهة �سمال

اليمـــن غري معر�سة للخرتاق من قبـــل ال�سوفييت. وقد متثل ذلك

احل�سور يف التمثيل الدبلوما�سي والقن�سلي، ويف الدعم القت�سادي

والإن�ساين.

مـــن جهـــة ثالثـــة، حافـــظ الأمريكيون علـــى م�ستـــوى منخف�س من

ال�سراع بني �سطري اليمن وداخل كل �سطر. وقد ظهر ذلك وا�سحا

من خلل الطريقة التي مت بها التعامل مع طلبات الأ�سلحة اليمنية

اأو مـــع النزاعات التي اندلعت بـــني ال�سطرين. ولعل الأمريكيون قد

�سعروا، وعلى نحو م�ستمر، باأن اأي �سراع طويل اأو وا�سع النطاق بني

�سطـــري اليمن �سيكون له اآثاره ال�سيئة علـــى ال�ستقرار يف اخلليج.

واأكد املوقف الأمريكي من حرب عام 1994 ا�ستمرار ذات التوجه.

احتــواء القاعــدة دعمـــت الوليـــات املتحـــدة توحيد

تعزيـــز عامـــل ذلـــك يف وراأت ،1990 عـــام يف اليمـــن �سطـــري

لل�ستقـــرار يف املنطقـــة وت�سفية جليب من جيـــوب ال�سيوعية. ومل

يهتـــم الأمريكيون مع مطلع الت�سعينيات كثـــريا مب�ساألة تبني الدولة

اجلديـــدة للدميقراطية خوفا من اأن يوؤدي ت�سجيع مثل ذلك التوجه

اإىل حالـــة من عدم ال�ستقرار يف الدول املجاورة لليمن. واإذا كانت

اإدارة الرئي�س كنيدي مل تعرتف بالنظام اجلمهوري يف �سمال اليمن

اإذا كانت

الوليات املتحدة قد اكتفت

باإهداء الإمام يحيى جهاز اإر�صال

اإذاعي للفت انتباهه اإىل الع�صر

املتغري خارج حدود مملكته، فاإنها

تدرك اليوم اأن اليمن يحتاج اإىل

الكثري من اجلهود ل�صمان اللتحاق

بالع�صر وعدم حتوله اإىل تهديد

لذاته اأو جلريانه

اأو املجتمع الدويل

حتليلت اليمن والعامل

اإل بعـــد احل�سول علـــى تطمينات من اأن اليمنيـــني ل يطمحون اإىل

ت�سديـــر ثورتهم اإىل الدول املجاورة، فقد حذر م�سئولون اأمريكيون

نظرائهـــم اليمنيني يف ال�سنوات الأوىل من الت�سعينيات من حماولة

ت�سدير الدميقراطية اليمنية اإىل جريانهم.

ورغم اأن التطورات التي �سهدها اليمن مع نهاية الثمانينيات وبداية

الت�سعينيات مثلت اأحـــد الرباهني على انت�سار الوليات املتحدة يف

�سراعهـــا مع املع�سكـــر ال�سرقي، اإل اأن التطـــورات التي �ستتلو ذلك

�ستربهـــن بدورها علـــى اأن ك�سب احلرب البـــاردة مل يكن من دون

تركـــة، وتركة ثقيلة. فل ميكن ف�سل الغزو العراقي للكويت يف عام

1990، والتدخـــل الع�سكري الدويل لتحريـــر الكويت، وظهور تنظيم

القاعدة وتطوره، وحرب عـــام 1994 الأهلية يف اليمن، واأحداث 11

اأيلول/�سبتمـــرب 2001، والغزو الأمريكي لأفغان�ستان والعراق، وغري

ذلك مـــن الأحداث علـــى امل�ستويـــات الدولية والإقليميـــة واملحلية،

عـــن �سراعات احلرب البـــاردة وعن ال�سيا�ســـات وال�سرتاتيجيات

التـــي مت اإتباعها. وبنف�س الطريقـــة، فاإنه ل ميكن ف�سل ال�سيا�سات

التـــي تتبعها الوليـــات املتحدة اليوم لحتـــواء القاعدة واجلماعات

الإرهابيـــة الأخـــرى يف اليمن اأو غريها من الـــدول عن تلك التي مت

اإتباعها لحتواء ال�سيوعية.

لكـــن الوا�سح اأن عامل اليـــوم يختلف كثريا عن عـــامل الأم�س. واإذا

كانت الوليات املتحدة قد اكتفت يف عام 1946 باإهداء الإمام يحيى

جهاز اإر�ســـال اإذاعي للفت انتباهه اإىل الع�ســـر املتغري خارج حدود

مملكتـــه، فاإنها تـــدرك اليوم بالتاأكيـــد اأن اليمن يحتـــاج اإىل الكثري

مـــن اجلهود ل�سمـــان اللتحـــاق بالع�سر وعـــدم حتولـــه اإىل تهديد

لذاتـــه اأو جلريانـــه اأو املجتمع الدويل. وتدرك كذلـــك اأن التهديدات

التـــي تواجهها ال�سعوب من الداخل هي اأكـــرث تعقيدا من التهديدات

خارجيـــة امل�ســـدر. واإذا كان الإمـــام يحيى وجنله الإمـــام اأحمد من

بعـــده قد حـــاول يف القرن املا�ســـي عزل اململكة املتوكليـــة عن العامل

كا�سرتاتيجيـــة للبقاء يف ال�سلطة ولو لبع�ـــس الوقت فقط كما اأثبتت

الأحـــداث اأو للحفـــاظ على ال�ستقرار، فاإن احلكومـــة اليمنية تدرك

اليوم اأنـــه، ويف ظل قوى العوملة ال�سيا�سية والقت�سادية والجتماعية

والثقافيـــة والتكنولوجية التي ل تتقيد بـــاأي حدود، ل ميكن احلفاظ

علـــى ال�سلطة اأو حتقيق ال�ستقرار اإل من خـــلل الندماج يف العامل

ولي�ـــس النعزال عنه، ومواجهة امل�ســـكلت ولي�س ترحيلها اأو الهروب

منها.

ومع اأنه من ال�سعب يف ظل فرتة م�سطربة مثل التي تعي�سها املنطقة

والعـــامل، احلديث عن ملمح معينـــة لإ�سرتاتيجية اأمريكية م�ستقرة

نحـــو اليمن، اإل اأن الوا�سح اأن �سيا�سة حتقيق ال�ستقرار باأي ثمن مل

تعد ممكنة، واأن ال�ستقـــرار املطلوب والذي يحقق م�سالح الوليات

املتحدة وم�سالح �سعوب املنطقـــة ينبغي اأن تخلق �سروطه احلقيقية

التـــي ت�سمن ا�ستمـــراره، �ســـواء على م�ستـــوى املنطقـــة ككل اأو على

م�ستوى كل دولة.

واإذا كان اجلدل الدائر حول ال�سجناء اليمنيني يف �سجن جوانتناموا

يوؤ�ســـر اإىل �سيء فاإنـــه اإمنا يوؤ�ســـر اإىل اأن ال�سرتاتيجيـــة الأمريكية

القادمـــة يف اليمـــن �ستعطـــي اهتمامـــا كبـــريا لل�سراكـــة يف التنمية

ومواجهة التحديات، و�ستتميز بدرجة عالية من املرونة.

�سيا�سات الواقع: تدرك احلكومة اليمنية اأنه ل ميكن حتقيق ال�ستقرار اإل من خلل مواجهة امل�سكلت ولي�س ترحيلها اأو الهروب منها

Page 17: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 34 35ا�سرتاتيجية

علــــى مــــدى التاريــــخ والقــــادة الإ�سرتاتيجيــــون يعرفون اأهميــــة اليمن

وتاأثرياتهــــا ال�سلبية والإيجابية عليهــــم، وكان ر�سول اهلل حممد �سلى اهلل

عليــــه و�سلم الــــذي يعتربه غري املوؤمنني بــــه اأعظم القــــادة الذين عرفتهم

الب�سريــــة، كان قــــد نبه واأكد على الــــدور الإ�سرتاتيجي الهــــام لليمن. كما

اأن قــــادة وموؤ�س�سي دول اجلوار وبنظرتهــــم الثاقبة، وكما يردد الرواة، قد

اأو�ســــوا خلفائهم باأن خريهم و�سرهم من اليمن، وبالغريزة الفطرية لدى

الإن�ســــان، وباحل�سافة والبديهــــة مت تقدمي خيــــار درء املف�سدة على خيار

جلب امل�سلحة يف علقاتهم معنا. وكذلك فعل الأبعدون.

ملــــاذا اقت�ســــر خيار اجلميــــع يف علقتهم معنا علــــى اإ�سرتاتيجية درء

املف�ســــدة وهــــي حالــــة ا�ستثنائيــــة وموؤقتــــة يف كل العلقــــات بــــني ال�سعوب

والأمم؟ وملاذا مل ينتقلوا اإىل اإ�سرتاتيجية جلب امل�سلحة بالرغم من اأنها

هي العلقة الطبيعية وامل�ستدامة يف العلقة بني ال�سعوب والأمم؟

ل اأريــــد اأن اأحمل الآخرين امل�سئولية وتربئة الــــذات، كما اإنني ل اأحب

جلــــد الــــذات اأي�ســــا. �ساأكتفي بالقــــول اإننا نحــــن اليمنيــــون مل نتمكن من

التعــــرف علــــى اليمن كما هو بــــكل مكوناته واكتفينا مبعرفــــة ما هو ظاهر

وبــــارز لنــــا كيمنيني من ميننا، و�ساق بنا الأفق اإىل حد اأننا مل نعد نرى يف

اليمــــن �سوى كثافــــة �سكانية وموارد �سحيحة م�ستنزفــــة. ت�سورنا هذا عن

ذاتنا بلغ اإىل عقول وتفكــــري التكنوقراط املهتمني باليمن من اجلوار ومن

القوى الدولية.

وبالنتيجة �سمرت طموحاتنا وتراجعت من اإ�سرتاتيجية اإدارة التنمية

اإىل مهارات اإدارة الفقر، ومعها تقزمت اآفاق علقاتنا مع اجلوار والعامل

مــــن اآفاق ال�سراكــــة اإىل قنوات امل�ساعــــدات، واأ�سبحنا نتعامــــل مع العامل

واجلوار كمانحني ل ك�سركاء.

مين كهذا ل ي�ستطيع اأن يحقق �سوى حتفيز وا�ستنفار املخاوف الغريزية

لدى اجلــــوار والعامل ويعزز لديهــــم �سوابية اختيارهــــم لإ�سرتاتيجية درء

املف�ســــدة يف علقتهم معنا. باملقابل، وكرد فعــــل غريزي اأي�سا، فقد تعزز

لدينــــا الرتياب والتوج�س منهم، وكحلقة مغلقــــة تعززت اإ�سرتاتيجية درء

املف�سدة وجتنب املخاطر املتبادلة بيننا وبينهم.

ميــــن كهــــذا لي�س هو اليمــــن الذي يبحث عنــــه الدور، ميــــن كهذا غري

موؤهــــل خللــــق اإ�سرتاتيجية علقات مــــع الآخرين قائمة علــــى اأ�سا�س جلب

امل�سلحــــة. فاأي ميــــن يبحث عنه الدور املحلق يف مــــدارات اليمن وافقها؟

اإنــــه اليمن الذي يتجاوز حــــدود الكثافة ال�سكانية واملــــوارد امل�ستنزفة. اإنه

اليمن بتاريخه العريق، وموقعه الإ�سرتاتيجي الهام، وغنى تنوعه: البيئي،

الطبيعي، الجتماعي، الثقايف، ال�سيا�سي، الإعلمي.

اإنــــه اليمــــن كما هــــو فعــــل ل كما نــــراه نحن اليــــوم. اإنه ميــــن النخبة

ال�سيا�سية والثقافيــــة والقت�سادية املقتدرة على التخيل والإبداع، ومتتلك

الأفــــق الوا�ســــع النظر بامتــــداد خارطة العامل لرتى باأن النمــــو والتنمية ل

تعتمــــدان على املوارد الطبيعة فقط، فكثري مــــن دول العامل الغنية باملورد

الطبيعيــــة تعاين من �سقاء التخلف وكثــــري من الدول �سحيحة املوارد تنعم

بالرفاه.

اإنه اليمن �ساحب الإرادة الوطنية الواثقة واملقتدرة على اإعادة �سياغة

اأ�س�س العلقة مع الآخرين، من اإ�سرتاتيجية درء املف�سدة اإىل اإ�سرتاتيجية

جلــــب امل�سلحة. فما الذي لــــدى اليمن كل اليمن ليقدمــــه للجوار والعامل

كم�سلحة هم بحاجة اإليها لي�ستطيع يف املقابل طلب م�سلحة مقابلة متثل

الثمن العادل ملا يقدمه؟

لنبــــداأ بالنظــــر اإىل الطرف ال�سرقــــي لليمن، والذي ميثــــل بوابتنا نحو

اخلليــــج العربي، حيث تتوفر كل ال�سروط واملتطلبــــات لنقل وتخرين جزء

كبري من نفط اخلليج باأمان ومبا يجنبه خماطر املرور يف م�سيق هرمز.

يبحث عن

ل�ســت بحاجــة اإىل تركيز النظر الأرى يف اأفق اليمــن دورا حملقا يبحث عن مين ليحط رحالــه فيه. فاملحيط االإقليمي

والبعد الدويل بحاجة ما�ســة ليمن قادر على القيام بدور يتوافق مع احلديث النبوي ال�ســريف الذي اأو�سي باليمن اإذا

ما ا�ستدت املحن. وهم فعا اليوم يواجهون حتديات وحمن �سديدة، وقد ا�ستخدموا كل ما هو متاح اأمامهم ملواجهة هذه

التحديات، اإال اإنهم مازالوا بحاجة اإىل دور ال اأحد ي�ستطيع اأن يوؤديه غري اليمن.

علي �سيف ح�سن

علي �سيف ح�سن رئي�س منتدى التنمية ال�سيا�سية ب�سنعاء.

دورمين

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليالت

اليمن والعامل

وجهات نظر

Page 18: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 36 37ا�سرتاتيجية

هذا الدور ميثل حاجة اإ�سرتاتيجية ملنتجي النفط وم�ستهلكيه يف اخلليج

والعامل. وهذا اجلزء من اليمن ميثل املوقع الإ�سرتاتيجي الأن�سب.

وبالن�سبــــة لنــــا فاإن م�سروعــــا كهذا يحقــــق عوائد تنموية نحــــن باأم�س

احلاجة لها، وي�ستحق اأن نقاي�سه مب�سالح ل تقل اأهمية لنا كما هو بالن�سبة

لهم. املانع اأو العائــــق الوحيد اأمام جلب امل�سلحة املتبادلة من خلل هذا

امل�ســــروع هو هيمنة ثقافة التوج�س والرتياب لدى الأطراف امل�ستفيدة من

امل�ســــروع، وهــــي هواج�س م�سروعــــة ومنطقية يف ظل �سيــــادة اإ�سرتاتيجية

درء املف�ســــدة، اإل اإنها ميكن اأن ت�ســــع لها الحتياطيات واملعاجلات اإذا ما

توفرت الإرادة لعتماد اإ�سرتاتيجية جلب امل�سلحة.

كل مــــا حتتاجه هــــذا الأطراف جمتمعة، اأو مببــــادرة اأحدها، هو فقط

الإ�ســــرار على تبنــــي امل�سروع باعتباره اأ�سا�س ملزيد مــــن م�ساريع امل�سالح

املتبادلة، وحينها �ستوجد الكثري من املتاحات للتعامل مع مربرات التوج�س

والرتياب. اإن اأب�سط البدائل املتاحة واملمكنة والفاعلة لتحقيق ذلك تتمثل

مبنح حق اإدارة ت�سغيل واأمن هذه الأنابيب واخلزانات اإىل �سركة خمتلطة

ن�ساهم نحن يف تاأ�سي�سهــــا مع بقية ال�سركاء امل�ستفيدين من امل�سروع، من

منتجي النفط اخلليجيني وال�سركات النفطية العاملية.

واإذا مــــا و�سلنا اإىل مثلث عدن الكربى، والــــذي ميكن حتديده مبدئيا

بذلك املثلث املمتد من �سقرة اإىل املخاء مرورا مبنطقة العند، والذي ميثل

واجهة اليمن التاريخية وامل�ستقبلية نحو العامل واملنفذ الأكرث تنا�سبا لدول

اخلليج العربي نحو اأفريقيا، �سنجد مو�سعا ا�سرتاتيجيا منا�سبا ومناف�سا

ل�ست�سافة املخازن التجارية وجممعــــات ال�سناعات التجميعية لل�سركات

اخلليجية و العاملية املتطلعة اإىل الأ�سواق الأفريقية.

ونبقــــى يف مداراتنــــا حــــول ال�سواطــــئ واجلــــزر اليمنية مبــــا متثله من

منتجعــــات �سياحيــــة و�سحية يحتاجهــــا ال�سياح من خمتلف بلــــدان العامل

و�سعوب الأر�س، ومبا ميلكونه من ا�ستعداد ومقدرة على دفع الثمن العادل

لذلك.

تتجــــه املــــدارات نحــــو العمــــق اليمنــــي ومرتفعاته، الــــذي ميثل ح�سن

اليمــــن وحت�سيناته عنــــد ال�سرورة واحلاجة. هنا �سنجــــد التاريخ اليمني

العريــــق متج�سدا باملواقع والآثار التاريخية للعديد من الديانات ال�سماوية

واحل�سارات الإن�سانية. هذه املواقع متثل بالن�سبة لليمن، كما هي بالن�سبة

لبقيــــة �سعوب الأر�ــــس، ثروة هائلة وم�ســــدرا مل�سالــــح م�ستدامة. وكل ما

حتتاجه هو اإعادة تاأهيلها واملحافظة عليها وجعلها متاحة واآمنة للراغبني

بزيارتها من كل بقاع الأر�س ك�سياحة دينية وثقافية متزايدة.

ومــــع ارتفــــاع مداراتنا يبــــدو اليمن اأمامنــــا كيانا واحدا بــــكل مكوناته

ومبوقعــــه الإ�سرتاتيجــــي الهــــام، الــــذي قد يبدو بعيــــدا عن حــــدود الدول

العظمــــى اإل اأنــــه يف الواقع قريب جــــدا من م�ساحلها واأمنهــــا. فما الذي

يحتاجــــه العامل من بلد يحتل هــــذا املوقع الإ�سرتاتيجــــي الهام، وما الذي

ميكننا اأن نقدمه نحــــن للعامل من خلل علقة جديدة قائمة على اأ�سا�س

جلب امل�سالح املتبادلة.

اإن العامل ودل اجلوار معا باأم�س احلاجة اإىل الأمن وال�ستقرار يف هذه

البقعة مــــن الأر�س، وهم يعلمون جيدا وبحكــــم تقييمهم لدور اليمن على

مر التاريخ، وملا متثله املكونات الطبيعية وال�سكانية لليمن من م�سدر خري

اأو �ســــر للآخرين. لقد عرفوا يقينــــا اأن اليمن احلايل مقتدر على اأن يكون

م�ســــدرا للمخاطــــر، وعلى هذا الأ�سا�ــــس تبنوا اإ�سرتاتيجيــــة درء املف�سدة

يف علقتهــــم احلالية مع اليمــــن. لكن املنطق واحل�سافــــة توؤكد حاجتهم

وا�ستعدادهــــم للنتقــــال اإىل اإ�سرتاتيجيــــة جلــــب امل�سلحــــة كونها اخليار

الطبيعي واملنطقي القابل لل�ستدامة لهم ولنا.

فهــــل نحن قادرون علــــى توفري الأمن وال�ستقرار لنــــا ولهم؟ نعم نحن

قادرون على ذلك، ولدينا كل املقومات اللزمة لذلك. وكل ما نحتاجه هو

اإرادة وطنية جمعية واثقة ومقتدرة على التغلب على الهواج�س والرتياب،

وجتــــاوز علقــــة درء املف�ســــدة اإىل علقة جلــــب امل�سلحة مــــع الأهل ومع

الآخريــــن. اإن اإرادة كهــــذه ل ميكن اأن تتوفر مــــن دون وفاق وتوافق وطني

جمعــــي يعزز هذا الختيار ويبدد م�سادر التوج�س والرتياب، ويوفر الثقة

والقتدار الوطني للتعامل مع احتمالت الكمائن ال�سيا�سية.

هــــذه جمرد ملمح ملا ميكن اأن يقدمه اليمن للجوار والعامل وي�ستطيع

اأن يتبــــادل معهم امل�سالح، واأن يرتقي بعلقته معهم من م�ستوى املانحني

اإىل م�ستــــوى ال�سركاء. وما زال بالإمــــكان روؤية فر�س وممكنات ومتاحات

كثرية، املهم اأن تتوفر الإرادة والتوافق الوطني لذلك.

اإن مينــــا كهــــذا �سيكــــون قادرا على توفــــري متطلبات الــــدور احلائم يف

مــــدارات اليمن، و�سيكون قادرا اأي�سا على اأن ينتقل بنا نحن اليمنيون من

حالــــة ان�سغالنا ببع�سنا - كما هو حا�سل حاليــــا - اإىل حالة ان�سغالنا عن

بع�سنا، كما يجب اأن تكون عليه حالتنا.

اإن التعمق يف البحث عــــن الأ�سباب احلقيقية وراء الكثري من الأزمات

وامل�ســــاكل التي نعي�سهــــا حاليا، مبا فيها امل�ســــاكل يف اجلنوب اأو يف �سعدة

ترجــــع اأ�سا�ســــا اإىل متركز كل م�ساحلنا كاأفــــراد وجماعات حول ما تبقى

من مــــوارد م�ستنزفة وحــــول ما يتاح لنا مــــن منح وم�ساعــــدات. �سيتزايد

تكالبنــــا وتنازعنــــا بل وت�سارعنا حــــول ما تبقى لنا من مــــوارد على و�سك

ال�ستنزاف، وحول ما تي�سر لنا من منح وم�ساعدات من مانحني متوج�سني

منــــا، ما مل حتــــدث املعجزة ال�ستثنائية لهذا اجليــــل وميتلك اإرادة وطنية

واثقة ومقتدرة، حممية ومعززة بوفــــاق وطني، ت�ستطيع تفعيل وا�ستخدام

كل املكونــــات اليمنية وتوفر املجال والفر�س لكل منــــا، اأفرادا وجماعات،

لتحقيــــق الــــذات وجني امل�سالــــح امل�سروعة ب�سورة عادلــــة تتنا�سب مع ما

بالإمــــكان اأن يقدمه كل من مكونات اليمن الب�سريــــة والطبيعية والثقافية

وال�سيا�سية يف عملية تبادل جلب امل�سالح مع الآخرين.

نحن اليمنيون مل نتمكن من التعرف على

اليمــن كمــا هو بــكل مكوناتــه واكتفينا

مبعرفة ما هو ظاهــر وبارز لنا كيمنين

من ميننا، و�ســاق بنا االأفق اإىل حد اأننا

مل نعد نرى يف اليمن �سوى كثافة �سكانية

وموارد �سحيحة م�ستنزفة

وجهات نظر اليمن والعامل

�سدر حديثا �سمن

�سل�سلة درا�سات �سيا�سية

االإرهاب .. اإ�سكالية املفهوم

اأحمد عبدالكرمي �سيف

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 19: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 38 39ا�سرتاتيجية

يرجـــع علماء ال�سلوك الإن�ساين ذلـــك اإىل امتلك اأولئك النا�س

للتوازن بني القدرات والأهداف التي ي�سعونها لأنف�سهم بو�سوح

وب�ساطـــة، ووجـــود الأنظمة العامة التي ت�سمـــن لهم حتقيق تلك

الأهـــداف اأو الو�ســـول اإىل غاياتهـــم بجدارة. وهذا مـــا يفتقده

جمتمع مثل جمتمعنا اليمني اليوم فالكثري من معدومي القدرات

ي�ستطيعـــون الو�سول اإىل مراتب ومكانات تخ�س اآخرين ل ينظر

اإىل قدراتهـــم ول يهتـــم بها، كما اأن تغري قيمـــة العمل واحرتامه

ه، والعطاء من اأجل الآخرين ومن اأجل وانعكا�سهـــا �سلبا على حبر

تطـــور العمل، تنتج العجـــز عن التكيف مع امل�ســـكلت والأزمات

اليومية اأو العار�سة، وتقتل القدرات الكامنة يف الإن�سان، لتجاوز

نكت�سف يف معظ م الأحيان اأن خلفية كثري من الب�سر الذين جنحوا يف تقدمي اأعمال جليلة ملجتمعاتهم

واأثبتوا ذواتهم وتركوا ب�سمات موؤثرة وم�ستمرة التاأثري، اأنهم مل يكونوا من الأغنياء اأو اأ�سحاب اجلاه،

كمـــا اأنهـــم مل يكونوا من اأ�سحاب ال�سلطة اأو القريبني منها. لقد كانوا من الب�سطاء �سديدي التوا�سع

يف اإطارهـــم الجتماعـــي اأو العلمي اأو العملي، والأمثلة على ذلك كثـــرية �سرقا وغربا، �سمال وجنوبا.

لقـــد كانوا يتمتعون بقـــدرات عادية جدا، وا�ستثنائية جدا. عادية يف ذاتهـــا الإن�ساين، وا�ستثنائية يف

القدرة على املبادرة وال�ستمرار يف خدمة الآخرين، بل والتفاين يف ذلك.

جودة احلياة

اأوالال�سحة النف�سية كمقدمة

الإعادة بناء االإن�سان اليمني حممد اأحمد الكهايل

حممد اأحمد الكهايل كاتب وباحث ميني.

عني على اليمن فـي 60 يوماوجهات نظر حتليالت

اليمن والعامل

الـــذات والعمـــل مـــن اأجـــل الآخرين الذيـــن ي�سكلـــون بفرديتهم

املجموع العام امل�ساوي للوطن كقيمة ح�سية ومعنوية.

هـــذا التفكيك للم�سكلة من منظور ال�سحـــة النف�سية وال�سلوكية

يك�سف عـــن حقيقة خطـــرية تتمثل يف فقـــدان الإن�ســـان اليمني

اليـــوم لكل هـــذه العنا�ســـر جمتمعـــة؛ فالتفوق العلمـــي والعملي

اليوم ل ي�سمن لل�سبـــاب الذين ي�سكلون اأكرث من ن�سف ال�سكان

الفر�ـــس التـــي ي�ستحقونها يف الأعمـــال اأو التعليـــم اأو الرتقي اأو

الأجر اأو املكانة. وتعاين الأعمال اليوم يف البلد من ندرة الكفاءة

واخلـــربة، ويتبنى اخلطاب ال�سيا�سي فتح بـــاب الهجرة للعمالة

املاهرة. وهذا ما يولد هذه احلالة امل�ستغربة من اللمبالة وعدم

الكرتاث لكثري من الأمور التي اأ�سبحت �سمة غالبة لدى العامة

واخلا�ســـة، وحالـــة الن�سحاب مـــن الفعل الجتماعـــي والتفاعل

مـــع املتغريات وامل�سكلت، وظهور م�ســـكلت اجتماعية و�سلوكية

خطـــرية يتطـــور البع�ـــس منهـــا اإىل حـــد الظواهـــر الجتماعية

كالتطـــرف اأو الإدمـــان اأو النتحـــار اأو الهجـــرة، وبـــروز م�سكلة

�سعـــف النتماء ب�سكلهـــا اخلطري وم�سكلتهـــا املتعددة. �سحيح

اأن الفقر والأو�ساع القت�ساديـــة غري امل�ستقرة تخلق الكثري من

امل�ســـكلت املت�سابهة، لكنها ل ت�سل اإىل حـــد ا�ستلب الهوية اأو

اإ�سعاف النتماء والدافعية.

اإن مـــا يوؤكـــده الواقـــع اليوم هـــو ا�ست�سراء مر�س خطـــري اأ�ساب

النف�س اليمنية التي هي جزء من حميطها العربي النادر تعافيه

خـــلل احلقبة احلالية من هذا املر�ـــس املرتبط ب�سلمة النف�س

و�سحتها وقدرتها على العمـــل والتحرك واكت�ساب املعرفة وفهم

الآخـــر، واملحيط العام الداخلـــي واخلارجي لها وامتلكها للثقة

وتقديـــر الـــذات، واحرتامها. ولـــو فح�سنا النظريـــات اخلا�سة

بت�ســـكل ال�سخ�سية الإن�سانية، لوجدنا اأننـــا اإزاء م�سكلة من نوع

جديد ومر�س يتطلب تطعيما ووقاية من نوع خا�س اأي�سا.

اإن دور احل�ســـارة يف ت�سكيل ال�سخ�سية اليوم ي�سعب حتديده اأو

الإ�ســـارة اإىل اأثر من اآثاره يف حياتنا، بل اإننا كثريا ما نقف اأمام

�سوؤال وعتب دائم: »ما هكذا كنا!«، وهل نحن اأبناء هذه احل�سارة

حقا؟! كما اأن الأخذ بنظرية التفاعل القائم بني الفرد واملجتمع

وموؤ�س�ساتـــه واأثر ذلـــك يف بناء وتكويـــن ال�سخ�سية �سيذهب بنا

اإىل البحث عن املوؤ�س�سات القائمة املوؤثرة يف ال�سخ�سية اليمنية

اليـــوم، والتي افتقدت قدرتها على التاأثـــري يف التكوين الإيجابي

لوقوعها يف ذات املر�س واإل ملا كان هذا حال املتفاعلني معها.

اإن هـــذا الإ�ســـكال يعيدنا اإىل البحث يف مـــدى توافر اأو ا�ستقرار

اأنظمـــة احلاجـــات الأ�سا�سية اخلم�س التي و�سعهـــا عامل النف�س

ال�سهـــري اإبراهـــام ما�سلو. فالإن�ســـان يعي�س منتقـــل من مرحلة

اإىل اأخرى ابتداء باحلاجـــات الف�سيولوجية )الطعام، ال�سراب،

الهـــواء، النوم( وكل الحتياجات املرافقة اخلا�سة بالبقاء على

قيد احلياة، وهي من اأخطر املراحل التي قد يوؤدي النق�س يف

Page 20: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 40 41ا�سرتاتيجية

اإ�سباعها اإىل �سيطرة ذلك النق�س على باقي املراحل.

يقول ما�سلو اإن جنة اجلائع املكان الذي يوجد به اأكرث قدر ممكن

مـــن الطعام، وي�سيطر على تفكـــريه اأن توفري حاجته من الطعام

باقي حياته �سيكون مفتاح ال�سعادة الدائمة ولن يحتاج اإىل �سيء

اآخر. فال�سعور بالنتمـــاء واحلرية واحلب والحرتام، والتعليم،

وكل القيـــم ت�ستبعـــد وتو�ســـع يف اإطار الكماليـــات غري املجدية،

لأنها ل ت�ستطيع اأن توقـــف �سوت اجلوع. تقول ليندا دافيدوف،

عاملـــة النف�س وال�سلـــوك، يف �سرحها ل�سلم احلاجـــات اأن اإ�سباع

احلاجات الف�سيولوجية الأ�سا�سية وتكون �سعور بالأمان اإزاءها،

يدفـــع الإن�سان مبا�ســـرة اإىل ال�سعور باحلاجـــة للحماية والبعد

عـــن اخلطر؛ فالأطفال مثل يرغبون يف طريقة حمددة روتينية

ميكن العتماد عليها يف حياتهم بينما يبحث الكبار عن وظائف

م�ستقرة وتكوين املدخرات، وقد يقراأ الأفراد الديانات ووجهات

النظر الفل�سفية لتنظيم حياتهـــم واإعطائهم الح�سا�س بالأمن

التي مبجرد حتققها تظهر احلاجة اإىل احلب، والألفة والنتماء،

حيث ي�سعى الأفراد اإىل احلب واإىل اأن يكونوا حمبوبني.

تـــربز عقب ذلك حاجات الحـــرتام وال�سعور بالقبـــول والقدرة

علـــى الإجناز والتقدير والعرتاف بالكيان الفردي واإ�ستح�سانه

لينطلـــق الإن�ســـان اإىل املرحلـــة اخلام�سة والأخـــرية املتمثلة يف

حتقيق الذات وحتقيق الإمكانات والقدرات.

اإن عـــدم ا�ستقرار هذه املنظومة مـــن الحتياجات لدى الإن�سان

اليمني اليـــوم يعني اأن جودة احلياة مبعنى اأدق منخف�سة وغري

م�ستقـــرة، وهذا يحيلنـــا اإىل حقيقة افتقادنـــا لل�سحة النف�سية

التـــي ل تعني املر�س النف�سي بل تعني جـــودة احلياة. اأي - كما

اأ�سلفنـــا - امتلك الإن�سان اليمني للتوازن بني قدراته واإمكانياته

وروؤيتــــه للم�ستقبــــل، وكيفية العمــــل لتحقيق اأهدافــــه، ور�سوخ حب

العمــــل والعطاء يف العمل، والعمــــل من اأجل الآخرين حوله، وهو ما

يقــــود اإىل اأهم عنا�سر ال�سحــــة النف�سية وهو قــــدرة الإن�سان على

مواجهــــة الأزمات وال�سدمــــات وامل�سكلت، وبالتــــايل القدرة على

جتــــاوز الــــذات اإىل الآخريــــن والعمل مــــن اأجلهم ومــــن اأجل القيم

واملثل، ور�سوخ النتماء للوطن واملجتمع.

اإن احلرمــــان مــــن هــــذه املقومــــات لل�سحــــة النف�سيــــة يخلق هذه

وجهات نظر اليمن والعامل

على حافة االإرهاق: عدم ا�ستقرار منظومة الحتياجات النف�سية للإن�سان اليمني جعل جودة احلياة التي يعي�سها منخف�سة واأقل ا�ستقرارا

امل�ســــكلت املعا�سة اليوم؛ فغيــــاب ال�سعور بالإنتمــــاء وال�سلبية اإزاء

الق�سايــــا العامــــة مرجعها افتقادنــــا لل�سعور باأن لنــــا دور يف كل ما

يجــــري حولنا ويف كل م�ســــكلت البلد والنا�ــــس، ويف متكن ال�سعور

بالقهــــر والظلــــم وعــــدم القدرة على حتقيــــق العدل وغيــــاب حرية

الراأي الفاعلة وال�سعور بالأمان على امل�ستقبل.

كمــــا اأن العمل ال�سيا�سي املنفتح على املجتمع واملتفاعل معه واملولرد

للطاقات املبدعة واخللقة غري موجود اليوم يف جمتمعنا، ون�ساط

الأحزاب ل يتعدى جتنيد املنا�سرين حتى �ساخت وترهلت يف زمن

قيا�ســــي، ويف طياتها منظمات املجتمع املدين التــــي يعول عليها يف

احلفــــاظ على موؤ�سرات عدة مثل موؤ�سر حماية احلقوق ال�سخ�سية

والعامة وتر�سيخ قيم النظــــام والقانون واحلريات والعمل الطوعي

واخلدمة املجتمعية.

والتعليم اليوم يف حالة من الرتدي تزداد خطورته كل يوم، وتقول

الكثـــري من الدرا�ســـات اأنه مب�سكلته احلالية مـــن �سعف املنهج

و�سعف املعلم والإدارة وغريها اأخطر عنا�سر م�سكلت امل�ستقبل،

واأكـــرب اأبواب غياب ال�سحة النف�سيـــة يف املجتمع. يكفي اأن ندلل

بوفرة خمرجات العملية التعليمية ووجود البطالة. التعليم اليوم

ل ينتج عمالة ماهرة، اأو عمالة يتطلبها �سوق العمل!

ـــر البنى التعليمية الأهلية العامة بيئة خ�سبة للقيم ال�سالبة وتوفر

اأي�سا عرب �سعف الأداء والإدارة وع�سوائية املناهج و�سعف املتابعة

وت�سليـــع التعليم يف كل م�ستوياته، ما ي�سرب ال�سمري اجلمعي يف

ال�سميـــم وينتـــج املزيد من الأزمـــات النف�سية التـــي تظهر اليوم

ب�ســـكل العجز النف�سي وال�سلوكي، و�سيزيـــد هذا العجز م�ستقبل

لأن قاعدة من العجز تنتـــج اأخرى اأكرث ات�ساعا. كما يولرد �سعف

اللغة وتعليمها مزيدا من امل�سكلت النف�سية وا�سطراب ال�سلوك

كونها اأداة التفكري والإبداع.

وكثـــريا ما يلحـــظ اأن العقدين الأخريين قد مثـــل نقاط حتول

قويـــة بالن�سبة لل�سخ�سيـــة اليمنية، والعربية عمومـــا، عرب الآلية

الإعلمية والنفتاح املباغت علـــى عامل الف�ساء والف�سائيات يف

ظل عجز داخلي تام عن املناف�سة اأو حتى البقاء يف قائمة اهتمام

الإن�ســـان اليمني باإعلمه املحلي، وبالتايل انفتاح �سخ�سيته على

ثقافات وفنون واألوان و�سخ�سيات جاذبة وجذابة جنحت بالفعل

يف اإحـــداث الكثري من التغـــري يف ال�سخ�سية، ويف ال�سلوك اآثارها

ونتائجهـــا وخا�ســـة ال�سالبة منهـــا وا�سحة للعيـــان وخا�سة على

الفئات العمرية ال�سغرية واليافعة �سريعة التاأثر والتقبل والتبني

لـــكل ما جتد فيـــه �سالتها اأو حت�س اأنه معربر عنها اأو اأنها يجب اأن

تكـــون يف ذات الو�سع، ل�سيما يف تلـــك الق�سايا املتعلقة باحلرية

ال�سخ�سيـــة اأو العامـــة اأو الأمثلـــة املتجـــاوزة ل�ســـراع الأجيـــال

وبالفـــروق وال�سمـــات ذات البـــون ال�سا�سع التي تذيبهـــا الأ�سواء

واملوؤثرات لتجعل منها اأهدافا حمققة.

اإن اأبـــرز ملمـــح التاأثري غـــري ال�سحي يف النف�سيـــة اليمنية عرب

الإعـــلم تتمثـــل يف حـــالت ال�ســـراع الوا�سحـــة مع الـــذات ومع

الآخـــر يف املحيط ذاته التي نلحظهـــا ب�سهولة يف النقا�سات، ويف

الهتمامـــات، ويف الأزياء، ويف الأذواق العامة التي �سابها الكثري

من اخللل امللحوظ.

احلديـــث عن مر�ـــس اإن�ســـان مرتبـــط بهويـــة تاريخيـــة ووطنية

وح�سارة وتراث، اأمر فيه الكثري من اخلطورة والكثري من اجلدية

واحلـــذر، اإل اأن الأعرا�س املر�سية وما تفرزه من اإ�سكالت جتعل

للحديـــث اأهميتـــه ال�ستثنائيـــة بـــل و�سرورته. ومـــن املوؤ�سف اأن

املكتبـــة اليمنية واملوؤ�س�سات املتعاملة مـــع الإن�سان اليمني خدمية

كانت اأو غريها تفتقر اإىل املوؤ�سرات العلمية والبيئية والدرا�سات

اجلـــادة والدقيقة حـــول هذا الإن�سان، وحتديـــدا حول �سخ�سيته

ومـــدى ثباتهـــا والعوامـــل املوؤثـــرة فيها مـــن داخلهـــا وخارجها،

والأمرا�س التي اأ�سابتها عـــرب التاريخ، وكيف واجهتها، وماهية

الآثـــار املرتتب عليها؟ واإذا كانت ال�سحة النف�سية لهذا الإن�سان

يف حالـــة مر�سيـــة، فمـــا هـــي ال�سمات والقـــدرات التـــي حتملها

ال�سخ�سيـــة اليمنية لكي تو�سع علـــى �سوئها التدخلت واحللول

واملعاجلات املنا�سبة؟

من املهم اليوم، يف �سياق تعاظم الأهميات والأولويات التي يجب

اأن يبـــداأ العمل لأجلها، الهتمام بال�سحـــة النف�سية وال�ستقرار

النف�ســـي للإن�سان اليمني حمور كل ما يبذل من جهد، وما ينفق

مـــن اأموال، وما ينفذ مـــن بنى، واأن نبحث عن احللول احلقيقية

واجلادة لكل ما يعرتي ال�سخ�سية اليمنية من علل ينتجها الفقر

اأو غيـــاب القدوة واملثل من احلياة اأو احلرمان املركب من فر�س

احلياة الكرمية واحلرية والقدرة على املناف�سة وامتلك القرار

وحب العمل واملبادرة لأجل الآخرين كقيم اجتماعية و�سلوكية.

مــن املهم اليوم، يف �ســياق تعاظــم االأهميات

واالأولويات التي يجب اأن يبداأ العمل الأجلها،

االهتمام بال�ســحة النف�ســية واال�ســتقرار

النف�ســي لاإن�سان اليمني حمور كل ما يبذل

مــن جهد، ومــا ينفــق من اأمــوال، ومــا ينفذ

من بنــى، واأن نبحث عن احللــول احلقيقية

واجلادة لكل ما يعرتي ال�سخ�ســية اليمنية

مــن علــل ينتجهــا الفقــر اأو غيــاب القــدوة

واملثــل مــن احليــاة اأو احلرمــان املركــب من

فر�ــض احليــاة الكرمية واحلريــة والقدرة

على املناف�سة وامتاك القرار

Page 21: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 42 43ا�سرتاتيجية

متويل �سعيف

وا�ستقاللية م�ستباحة

منظمات املجـتمع املدين فـي اليمن

اأزمــةوقـــد �سهدت منظمات املجتمع املدين يف اليمن منذ بداية ت�سعينيات

القـــرن املا�سي منوا مطردا، بفعـــل اأجواء النفتـــاح والتعددية التي

�سهدتهـــا اليمـــن بعـــد اإعادة حتقيـــق وحدة البـــلد واإقـــرار النظام

الدميقراطي يف الثاين والع�سرين من اأيار/ مايو 1990. فطبقا لآخر

الح�ســـاءات الر�سمية، فاإن عدد منظمات املجتمع املدين يف اليمن

و�ســـل حتى منت�سف عام 2008، اإىل نحو 5،620 منظمة، منها 4،045

منظمـــة اأهليـــة، يف حني كان العدد قبل قيـــام الوحدة ل يتجاوز 286

منظمة يف ال�سطرين.

اإل اأن امل�سكلـــة الأ�سا�سية التـــي تواجهنا هنا تتمثل يف اأن معظم هذه

املنظمات تظل عدمي الفاعلية اأو متعرثة، لأ�سباب عديدة من بينها:

الفتقار اإىل اخلربة الكافية، وال�سخ�سنة، و�سحة م�سادر التمويل،

وعـــدم ال�ستقلليـــة، وغريها مـــن الأ�سباب الأخرى التـــي ل ي�سعنا

اخلو�ـــس فيهـــا. اإل اأن اإ�سكاليـــة التمويل حتظى بالأولويـــة لأهميتها

يف اإجنـــاح عمل منظمات املجتمع املدين، وتعزيـــز قدرتها يف تنفيذ

م�ساريعها واأهدافها، خ�سو�سا يف املجتمعات حديثة العهد بالتجربة

كمـــا هو حال اليمن، التي ما زالت تفتقـــد اإىل قيمة العمل التطوعي

الهادف خلدمة ال�سالح العام.

واملوؤكـــد اأن فقد منظمات املجتمع املدين م�ســـادر التمويل الكافية،

وعـــدم قدرتهـــا على تاأمـــني احتياجاتهـــا املالية ال�سروريـــة ينعك�س

بال�ســـرورة علـــى اأدائهـــا لدورهـــا وفاعليتهـــا يف املجتمـــع. ويرتبط

باإ�سكاليـــة التمويـــل اإ�سكاليـــة اأخـــرى ل تقـــل اأهمية، وهـــي اإ�سكالية

ال�ستقلليـــة. ففي خ�ســـم البحث عن م�سادر متويـــل، تفقد بع�س

منظمـــات املجتمـــع املـــدين ا�ستقلليتها الذاتية ل�سالـــح تف�سيلت

اجلهات املمولة الداخلية واخلارجية.

متويــل �ســعيف تاأتـــي اإ�سكاليـــة التمويـــل بدرجـــة رئي�سية

مـــن �سعف التمويل املحلـــي باأنواعه الثلثة )احلكومـــي، وال�سعبي،

والذاتـــي(. فرغم اأن القانـــون اليمني رقم )1( لعـــام 2001 اخلا�س

باجلمعيـــات واملوؤ�س�سات الأهلية، قد منح منظمـــات املجتمع املدين

ميـــزات عديدة كنوع من الدعم، منهـــا: اإعفاء جميع م�سادر دخلها

وعوائدها مـــن ال�سرائب، واإعفاء كل ما ت�ستورده اأو تتلقاه كمعونات

وهبـــات من اخلارج مـــن ال�سرائب والر�ســـوم اجلمركية، وتخفي�س

%50 مـــن تكلفة ا�ستهـــلك املياه والكهرباء ملقراتهـــا الرئي�سية. كما

ن�ـــس القانون علـــى منح املنظمـــات الأهلية ذات النفـــع العام دعما

حكوميـــا، اإذا مـــا ا�ستوفـــت �سروطا معينة مـــن بينهـــا: اأن يكون قد

م�ســـى علـــى تاأ�سي�سهـــا ومبا�سرتهـــا لن�ساطها الفعلـــي امللمو�س عام

علـــى الأقـــل، واأن يكون ن�ساطهـــا حمققا للمنفعة العامـــة، واأن تقدم

�ســـورة من ح�سابها اخلتامـــي ال�سنوي املقر مـــن اجلمعية العمومية

اإىل وزارة ال�ســـوؤون الجتماعيـــة. ومـــع ذلـــك فاإن الدعـــم احلكومي

ل يـــزال حمـــدودا، ول ي�ستفيـــد منه �ســـوى عدد قليل مـــن منظمات

املجتمع املـــدين. فوفقا للم�سح امليداين الذي اأجـــراه مكتب ال�سوؤون

2008/7/15 - الجتماعيـــة والعمل باأمانة العا�سمة خلل الفرتة 5/1

فـــاإن 86 منظمة من اأ�سل 493 منظمة يف اأمانة العا�سمة تلقت دعما

حكوميـــا ماليا وعينيـــا، و44 منظمة منها تلقت دعمـــا حكوميا ماليا

يقدر بـ 6،170،000 ريال، اأي مبتو�سط 140،000 ريال �سنويا لكل منها،

وهو مبلغ �سئيل وبالكاد يغطي الإيجارات وامل�ساريف الت�سغيلية على

مدار العام، ف�سل عن اأن�سطة املنظمة الأ�سا�سية.

اأمـــا ما يتعلق بالدعم ال�سعبي، �سواء املقدم من اأفراد اأو من القطاع

اخلا�ـــس، فاإنه ووفقـــا للم�سح ذاتـــه، يعد امل�ســـدر الرئي�سي لتمويل

املنظمـــات الأهليـــة )217 منظمة من اإجمـــايل 493 منظمة يف اأمانة

العا�سمـــة(، وهـــو يف كل الأحوال يعـــاين من �سعوبات، لعـــل اأهمها

�سعـــف الوعي املجتمعـــي باأهميـــة منظمات املجتمع املـــدين، وعدم

الثقة يف قدرتها على امل�ساهمة يف تنمية املجتمع وحل م�ساكله، �سواء

من قبل الأفراد اأو القطاع اخلا�س اأو رجال الأعمال.

ومـــا زاد الطني بلة، اأن منظمات املجتمـــع املدين تعاين من عجز يف

قدرتها على التمويل الذاتي وتنمية مواردها الذاتية. نتيجة لعوائق

خالد اأحمد الرماح

ازدادت يف العقديــن االأخرييــن، وب�ســكل ملفت، وتــرية االأدوار التي ت�ســطلع بها منظمات املجتمع املــدين، وتنوعت املهام

والوظائــف التــي تقوم بها. وتنبع اأهمية منظمات املجتمع املدين من كونها قطاع حيوي ي�ســغل احليز االجتماعي املمتد

بن االأ�ســرة والدولة، ويلعب دورا مهما يف تو�ســيع فر�ض االأفراد على امل�ســاركة يف احلياة العامة، وتنمية روح املبادرات

الطوعية، وتعميق م�ساعر االنتماء املجتمعي وال�سيا�سي. واالأهم اأنه ي�سارك الدولة يف الوظائف التي ال ت�ستطيع القيام

بها، مبا يحقق التكامل الوظيفي بن الدولة واملجتمع املدين يف خدمة اأهداف التنمية ال�ساملة والنهو�ض باملجتمع.

عني على اليمن فـي 60 يوماوجهات نظر حتليلت

اليمن والعامل

خالد الرماح باحث يف مركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية.

Page 22: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 44 45ا�سرتاتيجية

رئي�سيـــة اأهمها: الفتقار اإىل روؤو�ـــس الأموال )اأو قرو�س مي�سرة من

دون فوائـــد( لإن�ساء م�ساريع ا�ستثمارية اأو وقفيات ت�ساهم يف متويل

اأن�سطـــة هذه املنظمات على املـــدى الطويل. ف�سل عن �سعف البنية

املوؤ�س�سيـــة لكثري منها، وغيـــاب ال�سفافيـــة والدميقراطية الداخلية

وامل�ساءلـــة، مـــا يجعلها عر�ســـة للف�ســـاد و�سوء ال�ستغـــلل من قبل

القائمني عليها وحتويلها اإىل و�سيلة للنتفاع ال�سخ�سي.

.. وا�ســتقالية م�ســتباحة جممـــل املعوقـــات امل�ســـار

اإليهـــا �سالفـــا دفعت بع�ـــس منظمـــات املجتمع املـــدين يف اليمن اإما

اإىل ا�ستـــرياد اأجنـــدات اأطـــراف خارجيـــة، اأو العمـــل خلدمـــة قوى

�سيا�سيـــة داخلية، وهو ما ميثل يف حد ذاته م�سكلة حقيقية، ذلك اأن

ال�ستقللية �سرط �سروري ل�سمان فعالية منظمات املجتمع املدين،

وقيامهـــا بدور ايجابي ومثمر يلبي حاجات املجتمع، وي�ساهم يف حل

م�ساكله بحيـــاد ومو�سوعية. وتعني ال�ستقلليـــة اأن تكون منظمات

املجتمـــع املدين م�ستقلة يف حتديد اأولوياتهـــا واأجندة ق�ساياها بناء

علـــى الغر�س الذي وجدت من اأجله، وبنـــاء على احتياجات املجتمع

واأولوياتـــه الأكرث اإحلاحـــا، بعيدا عن تف�سيـــلت الأطراف املانحة.

وكذلك اأن تكون م�ستقلة �سيا�سيا؛ مبعنى اأن تناأى بنف�سها عن هيمنة

الأحزاب ال�سيا�سية، اأو اأن تكون طرفا يف ال�سراع ال�سيا�سي، والذي

ل يحرمهـــا فقط مـــن ال�ستقلليـــة، بـــل ويبعدها عن الـــدور الذي

وجـــدت ومن اأجله، وهو خدمة املجتمع بكل اأطيافه وقواه ال�سيا�سية،

دون ا�ستثنـــاء اأو متييـــز. ف�سل عـــن اأن ت�سنيفهـــا �سيا�سيا يحرمها

احل�سول علـــى التمويل من امل�سادر الأخـــرى لدخولها يف ح�سابات

ال�سراع ال�سيا�سي من قبل هذا الطرف اأو ذاك.

وغالبا ما تثار اإ�سكاليتـــي التمويل وال�ستقللية عندما يتم احلديث

عن التمويل الأجنبي، والذي اأ�سبح يف الوقت الراهن م�سدرا مهما

لتمويل كثري مـــن منظمات املجتمع املدين، يف ظـــل اجتاه املنظمات

الدوليـــة والدول الكربى اإىل ر�سد مبالغ كبرية لدعم هذه املنظمات

واأن�سطتها كجزء من دعم عملية الإ�سلح يف املنطقة. وتعترب اليمن

مـــن البلدان العربيـــة القليلة التي �سمحت ملنظمـــات املجتمع املدين

باحل�سول على متويل اأجنبي ب�سرط اإبلغ وزارة التاأمينات وال�سوؤون

الجتماعيـــة بذلك، واحل�سول على موافقة الوزارة على الأن�سطة اأو

امل�سروعات التي �ستمول من اأموال الدعم الأجنبي.

التمويــل كمقدمــة للتطويع اإن �سعي منظمات املجتمع

املدين املحلية لزيادة مواردها التمويلية من املانحني الأجانب �سواء

كانـــوا دول اأو منظمـــات، كان ول يـــزال حمل خـــلف وجدل �سديد

بني فريـــق معار�س واآخـــر موؤيد، وفريـــق ثالث ي�سعـــى اإىل املوائمة

بني ال�ستفـــادة من التمويل الأجنبي، واحلفـــاظ على ال�ستقللية،

وتاأمني امل�سلحة الوطنية للبلد يف الوقت ذاته.

ينطلق الفريق الأول يف معار�سته من كون املانحني يفر�سون �سروطا،

وجهات نظر اليمن والعامل

غزل منقو�ض؟: معظم منظمات املجتمع املدين يف اليمن تظل عدمية الفاعلية اأو متعرثة

واأجندة ق�سايـــا خا�سة حتقق م�ساحلهم، والتـــي قد ل تتطابق مع

امل�سالح الوطنية، كما ل يخلو الأمر من خماطر التبعية، وا�ستخدام

املنظمات املحلية لتنفيذ اأهداف وم�سالح اأطراف خارجية، ف�سل

عـــن ا�ستخدام الدعـــم الأجنبي ملنظمـــات املجتمع املـــدين كو�سيلة

لخرتاق املجتمع، وحماولة خلق تغيريات ثقافية واجتماعية عميقة

يف ن�سيجـــه، تخدم م�سالح القوى الغربية علـــى املدى البعيد. ولعل

الأثر املبا�سر ملخاطر العتماد احل�سري على التمويل الأجنبي، اأنه

يحول اجتاه ودور منظمات املجتمع املدين من تنفيذ ورعاية اأجندة

ق�سايـــا واأولويات نابعة من حاجات املجتمع وق�ساياه الأكرث اإحلاحا

اإىل ا�ستـــرياد اأجنـــدة ق�سايا واأولويـــات جاهزة تراعـــي تف�سيلت

وم�سالح الأطراف اخلارجية املقدمة للدعم.

ويف املقابـــل، يـــرى موؤيدو التمويل اخلارجي اأنـــه ل ميكن ال�ستغناء

عن الدعم املقدم من اخلـــارج، نتيجة لل�سعوبات املتعلقة بالتمويل

املحلـــي، واأنـــه ل يتم تبنى اأجنـــدة ق�سايا اجلهـــات املمولة، بل يتم

التقاطـــع معهـــا يف الق�سايـــا ذات الهتمـــام امل�ســـرتك. وبالتـــايل،

فالتمويـــل الأجنبـــي فر�سة لإنعا�ـــس وتفعيل دور منظمـــات املجتمع

املـــدين املحليـــة، يف ظـــل احل�سار الـــذي تفر�ســـه احلكومات على

بع�سها.

وبغ�س النظر عن هذا الـــراأي اأو ذاك، فاإن ال�سواهد الواقعية توؤكد

اأن بع�س اجلهـــات املانحة متار�س اأحيانا �سغوطـــا معلنة اأو مبطنة

على منظمات املجتمع املدين املحليـــة لتحديد اجتاهاتها ومواقفها

يف ق�سايـــا اأخـــرى ل علقة لها بالق�سايا امل�سرتكـــة. ومن ال�سواهد

اجلديرة بالذكر هنا اأن اإحدى املنظمات الدولية املانحة العاملة يف

اليمـــن اأوقفت متويلها مل�ساريع م�سرتكة مع اإحدى منظمات املجتمع

املـــدين املحليـــة ب�سبب تكـــرار الأخـــرية ملواقفهـــا املوؤيـــدة للق�سية

الفل�سطينيـــة، لأن ذلـــك ل ير�ســـي الداعمـــني )اليهـــود( للمنظمة

الدولية على حد زعمها.

اأما النتائج بعيدة املدى على امل�ستوى الجتماعي- ال�سيا�سي للتمويل

الأجنبـــي، اأن املنظمـــات الطوعية غري احلكوميـــة املمولة خارجيا،

ت�سبـــح يوما عـــن يوم جزءا من حركة دوليـــة ذات تاأثري متزايد يف

�سنـــع ال�سيا�ســـات املحلية، خ�سو�سا يف بيئة الـــدول النامية يف ظل

اأجـــواء العوملة والتحلـــل التدريجي للحدود ال�سياديـــة للدول، بحيث

ت�سبـــح هذه املنظمـــات اأكرث ارتباطـــا باأهداف القـــوى اخلارجية،

واأدوات بيدها توجهها كيف ت�ساء.

وتوؤكـــد التجربة حتـــى الآن على النتائج ال�سلبيـــة للتمويل اخلارجي

ال�سخـــم والزائد عن احلاجة، والذي كان �سببـــا يف انت�سار الف�ساد

يف اأو�ســـاط منظمـــات املجتمع املدين، فاأ�سبح البحـــث عن التمويل

الأجنبـــي هدفـــا يف حـــد ذاتـــه، بغ�ـــس النظـــر عن طبيعـــة وجدوى

الأن�سطـــة املمولـــة. واأغرى وفـــرة الدعـــم الأجنبي البع�ـــس لإن�ساء

منظمـــات جمتمع مدين لي�س خلدمـــة ق�سايا معينـــة اأو اإميانا بها،

بقـــدر ما اأ�سبحت و�سيلة �سهلة للإثـــراء والك�سب ال�سخ�سي. لذلك

غالبـــا ما يظهر على ال�سطح اخللف علـــى الغنائم بني املوؤ�س�سني،

والتعامـــل مع الق�سايا التي تعنى بها املنظمـــة بانتهازية وبرغماتية

�سديدة.

ولتـــليف هذه ال�سلبيـــات، فاإن الأمر يتطلب قيـــام منظمات املجتمع

املـــدين بو�ســـع معايـــري �سارمة لتلقـــي التمويـــل �ســـواء كان داخليا

اأو خارجيـــا، والتاأكيـــد على مبـــداأ ال�سفافيـــة الكاملـــة يف اأعمالها،

واملحا�سبة الذاتيـــة، والدميقراطية الداخلية. و�سرورة وجود حوار

م�ستمـــر ودوري بني الطرفني املانح واملمنوح لـــه يف وجود احلكومة

كطرف ثالث، وو�سع خطط اإ�سرتاتيجية جلذب التمويلت املحلية،

وتنمية الوعي لدى املواطن العادي باأهمية منظمات املجتمع املدين

ودورهـــا يف خدمـــة املجتمع، وت�سجيـــع العمل التطوعـــي يف اأو�ساط

ال�سبـــاب كجزء مهـــم لتنمية القـــدرات الذاتية لهـــذه املنظمات يف

تنفيذ اأن�سطتها.

وعلـــى الدولـــة مـــن جانبهـــا اأن تقـــوم بدور اأكـــرث ايجابيـــة يف دعم

املنظمات الأكرث فاعلية بحيادية و�سفافية، خ�سو�سا تلك التي تعنى

بالق�سايا الأكرث حيوية يف املجتمع، كمحاربة الفقر والبطالة وحمو

الأميـــة وغريهـــا، لتحقيق ال�سراكـــة الفعلية بني الدولـــة ومنظمات

املجتمع املدين، مبا يخـــدم التنمية وي�ساهم يف حل م�ساكل املجتمع

الأكرث اإحلاحا.

املنظمات الطوعية غري احلكومية املمولة خارجيا،

ت�ســبح يوما عــن يوم جــزءا من حركــة دولية ذات

تاأثري متزايد يف �ســنع ال�سيا�ســات املحلية، خ�سو�سا

العوملــة اأجــواء الناميــة يف ظــل الــدول يف بيئــة

والتحلل التدريجي للحدود ال�سيادية للدول، بحيث

ت�ســبح هذه املنظمات اأكرث ارتباطــا باأهداف القوى

اخلارجية، واأدوات بيدها توجهها كيف ت�ساء

Page 23: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 46 47ا�سرتاتيجية

عني على اليمن فـي 60 يومـا

�سهرا اآب/اأغ�سط�ض و اأيلول/�سبتمرب 2009

وجهات نظرحتليالت

اليمن والعامل

اآب/اأغ�سط�ض 2009

5 التقى وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكر القربي، ب�سنعاء، نائب املدير الإقليمي لربنامج الغذاء العاملي فليب وارد. وجرى يف اللقاء

ا�ستعرا�س اأن�سطة الربنامج وجمالت التعاون معه، وال�سبل الكفيلة

بتو�سيع اأن�سطته ملواجهة ظاهرة اجلفاف ودعم جهود حتقيق الأمن

الغذائي يف اليمن.

5 وقـــع ب�سنعاء على مذكرة تفاهم بـــني �سركتي النفط اليمنية و�سركـــة كوراك البحرينية القاب�سة، لدرا�سة اإن�ساء �سركة م�سرتكة

مينية - بحرينية، وتاأ�سي�س جممع لل�سناعات النفطية يف اليمن.

7التقـــى نائب رئي�س الوزراء ل�ســـوؤون الدفاع والأمن وزير الإدارة املحليـــة الدكتور ر�ساد العليمـــي بال�سفري الربيطـــاين ب�سنعاء تيم

تورلـــو، والقائم باأعمـــال ال�سفري الأملـــاين ب�سنعاء مايـــكل ريو�س،

لبحـــث نتائـــج التحقيقـــات يف جرمية الختطاف الـــذي تعر�س لها

ت�سعة اأجانب يف �سعدة خـــلل حزيران/يونيو املا�سي بينهم �سبعة

مواطنـــني اأملـــان ومواطن بريطـــاين ومواطنة كوريـــة جنوبية، وقتل

ثلث ن�ساء من بني املختطفني.

7 قـــررت ال�سلطـــات الق�سائيـــة الأمريكية اإطلق �ســـراح ال�سيخ حممد علـــي املوؤيد ومرافقه حممد زايد امل�سجونني يف �سجن بولية

كلـــورادو على خلفية حكمني ق�سائيني كانا قـــد �سدرا �سدهما قبل

�سنوات من الق�ساء الأمريكي.

8 التقى وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكر القربي، �سفري الوليات املتحـــدة الأمريكيـــة ب�سنعـــاء �ستيفـــن �سي�ـــس، تناول اللقـــاء قرار

احلكومة الأمريكية الإفراج عن ال�سيخ املوؤيد ومرافقه حممد زايد،

والتفا�سيـــل املرتبطـــة بنقلهما اإىل اليمـــن، بالإ�سافـــة اإىل ق�سايا

املعتقلني اليمنيني بجوانتنامو وباجـــرام. وبحث اللقاء الأو�ساع يف

ال�سومال و�سرورة تنفيذ قرارات جمل�س الأمن والحتاد الأفريقي

املتعلقـــة بدعـــم احلكومـــة الفيدراليـــة النتقاليـــة مبا يعـــزز الأمن

وال�ستقرار يف ال�سومال ويحقق امل�ساحلة.

9 الرئي�ـــس علي عبداهلل �سالح ي�ستقبل �سفـــري الوليات املتحدة الأمريكيـــة ب�سنعـــاء �ستيفـــن �سي�س، و�سفـــري اململكـــة املتحدة تيم

تورلـــو، وال�سفـــري الهولندي هـــاري بوكيما، ونائـــب ال�سفري الأملاين

مايـــكل روي�س، وجرى خـــلل اللقاء ا�ستعرا�س علقـــات اليمن مع

الـــدول املانحة، اإ�سافة اإىل ا�ستعرا�ـــس توجهات احلكومة للمرحلة

القادمة.

9التقـــى وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكـــر القربي، �سفري اليابان ب�سنعـــاء تو�سيكاجي. وجرى خلل اللقـــاء بحث العلقات الثنائية

بني البلدين، والدعم اليابـــاين خلفر ال�سواحل يف اليمن، واجلهود

امل�سرتكة يف مكافحة القر�سنة.

10 الرئي�ـــس علي عبـــداهلل �سالـــح يتلقى ات�ســـال هاتفيا من مدير مكتب التحقيقات الفيدرايل الأمريكي )اإف. بي. اآي( روبرت

موللـــر، والذي اأبلغـــه اأن الوليات املتحدة الأمريكيـــة قد ا�ستجابت

تفاعالت اليمن

يومافـيوالعامل 60للجهـــود والت�سالت املكثفة التي اأجرتها اليمن بهدف الإفراج عن

ال�سيخ حممد علي املوؤيد ومرافقه حممد زايد.

12 الرئي�ـــس علي عبـــداهلل �سالـــح يتلقى ات�ســـال هاتفيا من الرئي�ـــس ال�سومايل �سريف �سيخ اأحمد رئي�ـــس احلكومة النتقالية

ال�سومالية، اأطلعه فيه على تطورات الأو�ساع يف ال�سومال واجلهود

املبذولة لتعزيز دعائم الأمن وال�ستقرار هناك.

12 التقى وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكر القربي املمثل املقيم لربنامـــج الأمم املتحـــدة الإمنائي ب�سنعاء براتيبـــا مهتا. جرى يف

اللقاء بحث تطورات الأو�ساع يف حمافظة �سعدة يف �سوء ا�ستمرار

احلرب مع املتمردين، ومناق�سة ال�سبل الكفيلة باإي�سال امل�ساعدات

الإن�سانية للنازحني من املناطق املت�سررة من القتال.

15 وقـــع بالعا�سمـــة اليمنيـــة علـــى اتفاقيتـــي متويـــل، تقـــدم مبوجبهـــا اليابـــان لليمن منحـــة قيمتها 15مليـــون و100 األف دولر.

وقع التفاقيتـــني وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكـــر القربي وال�سفري

الياباين ب�سنعاء ما�ساكازو تو�سيكاجي.

15 قـــال ال�سفري الهنـــدي ب�سنعاء، برافني فريمـــا، اأن حجم - التبـــادل التجـــاري بني اليمـــن والهنـــد ارتفع خلل عامـــي 2007

و486 مليـــون دولر. واأو�ســـح ال�سفري ملياريـــن اإىل لي�ســـل 2008فريما خلل احتفال نظمته �سفارة الهند ب�سنعاء احتفاء بالذكرى

الثالثـــة وال�ستني لعيد ا�ستقلل الهند، اأن قيمة �سادرات اليمن اإىل

الهنـــد خلل نف�س الفـــرتة بلغت مليـــار و469 مليـــون دولر، متثلت

بالنفـــط اخلام واخلـــردة واجللـــود واحلجر اجلـــريي، بينما بلغت

قيمة واردات اليمن من الهند مليار و17 مليون دولر و�سملت ال�ساي

والأرز والقمح واحلبوب والدواجن والتوابل والتبغ ومنتجات اللحوم

والأدوية وامل�سغولت اليدوية واملواد الكيمائية.

16 تلقى الرئي�س علي عبداهلل �سالح ر�سالة خطية من العاهل ال�سعـــودي عبـــداهلل بـــن عبدالعزيـــز اآل �سعـــود، تتعلـــق بالعلقات

الثنائيـــة و�سبل تعزيزها. كما ت�سمنـــت الر�سالة التي قام بت�سليمها

ال�سفري ال�سعودي ب�سنعاء علي بن حممد احلمدان، دعوة الرئي�س،

حل�سور الفتتاح الر�سمي جلامعة امللك عبداهلل للعلوم والتقنية يف

اأيلول/�سبتمرب 2009.

16 الرئي�ـــس علـــي عبـــداهلل �سالـــح ي�ستقبل املبعـــوث اخلا�س للأمـــني العام لـــلأمم املتحـــدة اىل ال�سومال اأحمـــد ولد عبداهلل،

الـــذي اطلعه على تطـــورات الأو�ســـاع يف ال�سومـــال واجلهود التي

تبذلهـــا الأمم املتحـــدة لدعم احلكومة ال�سوماليـــة احلالية بهدف

تعزيز الأمن وال�ستقرار يف اأنحاء ال�سومال.

17 الرئي�ـــس علـــي عبـــداهلل �سالـــح ي�ستقبل وفـــد الكوجنر�س الأمريكي الذي يـــزور اليمن برئا�سة ال�سيناتور جون ماكني، وجرى

خـــلل اللقاء بحث العلقـــات الثنائية وجمـــالت التعاون امل�سرتك

و�سبـــل تطويرها يف كافة املجالت، وعلى وجـــه اخل�سو�س التعاون

يف املجال القت�سادي والأمني وجمال مكافحة الإرهاب.

17 تلقـــى رئي�ـــس جمل�س الـــوزراء الدكتور علـــي حممد جمور ر�سالـــة جوابية من نظريه الفرن�سي فران�سوا فيون، ردا على ر�سالته

حـــول اجلهود التي تبذلها ال�سلطات الفرن�سيـــة ل�ستكمال التحقيق

واإجراءات البحث وانت�سال ال�سندوقني الأ�سودين للطائرة اليمنية

املنكوبة قبالة �سواحل جزر القمر اأواخر حزيران/ يونيو املا�سي.

17 التقـــى وزيـــر اخلارجيـــة ال�سفـــرية كري�ستـــني روبيت�ســـن املكلفـــة من قبـــل رئي�س الـــوزراء الفرن�سي مب�ساعـــدة ومتابعة اأ�سر

�سحايـــا حادثة حتطم الطائرة اليمنيـــة، والتي قامت بتقدمي عزاء

فرن�ســـا حكومة و�سعبـــا يف �سحايا احلـــادث. كما مت خـــلل اللقاء

تناول جمريـــات التحقيق اخلا�ســـة بتحطم الطائـــرة والبحث عن

ال�سندوقـــني الأ�سوديـــن، واأهمية الو�ســـول بالتحقيـــق اإىل اأ�سباب

احلادث احلقيقية.

17 التقـــى وزيـــر الدفاع حممـــد نا�ســـر اأحمد نائـــب ال�سفري الرو�ســـي ب�سنعاء اأوليـــغ ليفني. جرى خلل اللقـــاء بحث علقات

وجمالت التعاون الع�سكري بني جي�سي البلدين، خا�سة يف جمالت

التدريـــب والتاأهيل وتبادل اخلـــربات واملعلومات فيما يخ�س العمل

امل�سرتك ملكافحة الإرهاب والقر�سنة البحرية يف املنطقة.

18 اأعلـــن ال�سندوق الدويل للتنميـــة الزراعية )الإيفاد( عن تقـــدمي منحة اإ�سافيـــة لليمن بقيمة �سبعة مليـــني وخم�سمائة األف

دولر، تكر�س للم�ساهمة يف تغطية الفجوة التمويلية املتعلقة مب�سروع

التنميـــة الريفية يف اليمن. جاء ذلـــك خلل املباحثات التى عقدت

بني اليمن وال�سندوق الـــدويل للتنمية الزراعية )الإيفاد( برئا�سة

وكيـــل وزارة التخطيـــط والتعاون الـــدويل لقطاع برجمـــة امل�ساريع

املهند�س عبـــداهلل ال�ساطر وم�ست�سار )الإيفاد(

اإفران لوكا.

وزيـــر ناق�ـــس 18ال�سناعة والتجارة

Page 24: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 48 49ا�سرتاتيجية

الدكتور يحيى املتوكل مع ال�سفري الأمريكي ب�سنعاء �ستيفن �سي�س،

الرتتيبـــات اجلاريـــة لعقـــد املجل�س اليمنـــي الأمريكـــي لل�ستثمار

والتجـــارة خلل الأ�سهر القليلـــة املقبلة. وتطرق اللقاء اإىل م�ساعي

اليمن للن�سمام ملنظمة التجـــارة العاملية واخلطوات التي قطعتها

يف هـــذا اجلانب، �سواء على م�ستوى املفاو�سات الثنائية اأو املتعددة

الأطراف.

19 التقـــى وزيـــر اخلارجية الدكتـــور اأبو بكـــر القربي، �سفري الوليـــات املتحدة الأمريكيـــة ب�سنعاء �ستيفن �سي�ـــس. تناول اللقاء

التعـــاون بني البلديـــن يف املجال التنمـــوي والدعم الـــذي �ستقدمه

الوليـــات املتحدة لليمن يف الفـــرتة املقبلة، كما تناول اللقاء ق�سايا

املعتقلني اليمنيني بجوانتانامو.

20 التقـــى وزير اخلارجيـــة الدكتور اأبو بكـــر القربي، �سفراء كل مـــن الحتاد الأوروبي والدول الأع�ســـاء الدائمة مبجل�س الأمن

و�سفري تركيا وممثل الأمم املتحـــدة املقيم ب�سنعاء، وممثل البعثة

الأوربية ب�سنعاء. كما التقى وزير اخلارجية ب�سفراء الدول العربية

يف اإطار اللقـــاءات الدورية لبحث الأو�ســـاع يف املنطقة والتطورات

علـــى ال�ساحـــة اليمنية. وقـــد اأطلع الدكتـــور القربـــي ال�سفراء على

تطورات الأو�ساع يف حمافظة �سعدة.

23 التقـــى وزيـــر اخلارجية الدكتـــور اأبو بكـــر القربي ممثلي منظمـــات الإغاثـــة الدوليـــة واملنظمـــات الإن�سانية غـــري احلكومية

العاملة يف اليمن. وكر�س اللقـــاء ل�ستعرا�س الأو�ساع الإن�سانية يف

حمافظة �سعدة ب�سبب الأعمال القتالية يف املحافظة.

23 التقـــى وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكـــر القربي ب�سنعاء، �سفراء الـــدول الأفريقية والآ�سيوية املعتمديـــن لدى اليمن يف اإطار

اللقـــاءات الدوريـــة لبحـــث الأو�ســـاع يف املنطقة والتطـــورات على

ال�ساحة اليمنية، ل�سيما الأو�ساع يف �سعدة.

24 بحـــث وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكـــر القربي، مع �سفري الوليـــات املتحـــدة الأمريكيـــة ب�سنعـــاء �ستيفن �سي�ـــس، العلقات

الثنائيـــة بني البلديـــن. وتطرق اللقاء اإىل التطـــورات يف ال�ساحتني

املحلية والعربية.

25 نقل الدكتور عبدالكرمي الإرياين امل�ست�سار ال�سيا�سي لرئي�س اجلمهورية، خلل لقائه �ساحب ال�سمو ال�سيخ حمد بن خليفة اآل ثاين

اأمـــري دولة القطر، ر�سالـــة �سفوية من الرئي�س علـــي عبداهلل �سالح،

تتعلـــق بالعلقات الثنائية بـــني البلدين وامل�ستجـــدات على ال�ساحات

الإقليمية والعربية والدولية والق�سايا ذات الهتمام امل�سرتك.

26 بحـــث وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكر القربي، مع �سفري اليابـــان ب�سنعاء ما�ساكازو تو�سيكاجـــي، التعاون القائم بني اليمن

واليابـــان يف جمـــال مكافحة الإرهـــاب و�سبل دعم وحـــدة مكافحة

الإرهـــاب يف اليمن. كمـــا جرى بحث �سبل تعزيـــز علقات التعاون

بني البلدين يف خمتلف املجالت.

26 ا�ستقبـــل وزيـــر خارجيـــة احلكومـــة النتقاليـــة الفدرالية ال�سوماليـــة علي اأحمـــد جامع يف العا�سمة مقدي�ســـو، �سفري اليمن

لـــدى ال�سومـــال اأحمد حميد عمـــر، الـــذي �سلمه تهنئـــة من وزير

اخلارجية الدكتور اأبو بكر القربي مبنا�سبة تعيينه وزيرا للخارجية.

وبحـــث ال�سفري عمر مع الوزير ال�سومـــايل التطورات اجلارية على

ال�ساحـــة ال�سوماليـــة واجلهود املبذولة لراأب ال�ســـدع بني الفرقاء

ال�سومالـــني، ودعـــوة الرئي�ـــس ال�سومايل للمعار�ســـة وقف القتال

خلل �سهر رم�سان املبارك.

29 اأجـــرى الرئي�س علي عبداهلل �سالح ات�سال هاتفيا بالأمري حممـــد بـــن نايف بن عبدالعزيـــز اآل �سعود م�ساعد وزيـــر الداخلية

باململكـــة العربية ال�سعودية، اطمئن خلله على �سلمته بعد جناته

مـــن احلادث الإرهابي الذي كان ي�ستهدفه، وهناأه بالنجاة من هذا

احلادث الإجرامي.

29 التقى وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكر القربي �سفري جنوب اأفريقيا غري املقيم لدى اليمن جون ديفيز. جرى خلل اللقاء بحث

العلقات الثنائية بني البلدين، واآخر امل�ستجدات يف �سعدة. وت�سلم

الدكتـــور القربي ر�سالة تت�سمـــن دعوته لزيارة جنـــوب افريقيا يف

كانون الأول/دي�سمرب املقبل لتوقيع اتفاقية تفاهم بني البلدين.

تقـــدمي للتنميـــة اعتزامهـــا الوكالـــة الأمريكيـــة اأعلنـــت 30م�ساعـــدات غذائيـــة للنازحني جـــراء التمرد والقتـــال يف حمافظة

�سعـــدة بتكلفـــة تزيد عن 2.5 مليون دولر. واأو�ســـح بيان �سادر عن

ال�سفـــارة الأمريكيـــة ب�سنعـــاء اأن امل�ساعدات ت�سمـــل3440 طنا من

القمح، و460 طنا من الفا�سوليا.

31 بحـــث وزير اخلارجية اأبو بكر القربي، مع �سفري جمهورية العـــراق طلل جميل العبيدي العلقات الثنائية بني البلدين، واآخر

امل�ستجدات على ال�ساحة الإقليمية والدولية واأهمها تطورات الو�سع

يف العراق.

31 بحـــث وزيـــر اخلارجية اأبو بكـــر القربي مـــع املمثل املقيم لربنامج الأمم املتحـــدة الإمنائي براتيبا ميهتا، الأو�ساع الإن�سانية

فـي 60 يومـا اليمن والعامل

للنازحني جراء احلرب يف �سعدة.

31 بحـــث وزير اخلارجية اأبو بكـــر القربي، مع �سفري الوليات املتحـــدة �ستيفـــن �سي�ـــس، العلقـــات الثنائية بـــني البلديـــن و�سبل

تطويرها، بالإ�سافة اإىل التطورات يف ال�ساحتني املحلية والعربية.

31 بحث وزير اخلارجية اأبو بكر القربي، مع �سفري دولة قطر ب�سنعاء جا�سم عبد العزيز بوالعينني، اأوجه العلقات الثنائية بني

البلدين وتطورات الأو�ساع يف املنطقة.

31 قال الأمني العام ملجل�س التعاون اخلليجي عبد الرحمن بن حمـــد العطية، اأن اليمن “يحتل مكانة خا�سة لدى جمل�س التعاون،

واأن دول املجل�ـــس تدعم وحدة وا�ستقرار اليمن فاأمن اليمن جزء ل

يتجزاأ من اأمن دول املنطقة”.

اأيلول/�سبتمرب 2009

1 عقدت بالعا�سمة الليبية طرابل�س جل�سة مباحثات بني الرئي�س علي عبـــداهلل �سالح، والعقيد معمر القـــذايف قائد ثورة الفاحت من

اأيلول/�سبتمـــرب الليبية، حيث بحثا �سبـــل تعزيز العلقات الثنائية،

كمـــا بحثا تطورات الأو�ساع العربية الراهنة وامل�ستجدات الإقليمية

والدوليـــة التـــي تهم البلديـــن ويف مقدمتها التطـــورات يف فل�سطني

والعراق وال�سودان وال�سومال.

2 ا�ستقبـــل عبدربه من�سور هادي نائب رئي�س اجلمهورية، �سفري جمهوريـــة ال�ســـني ال�سعبية اجلديد لـــدى اليمن ليـــو دنغلني ومعه

املحلـــق الع�سكري يف ال�سفـــارة. جرى خلل املقابلـــة مناق�سة عدد

من الق�سايا واملو�سوعات املت�سلة بعلقات ال�سداقة احلميمة بني

اليمن وال�سني.

2 اأكـــدت دول جمل�ـــس التعـــاون اخلليجي، دعمهـــا لكامل لوحدة وامن وا�ستقرار اجلمهوريـــة اليمنية، جمددة الدعم لكافة اجلهود

الهادفـــة لتعزيز احلـــوار وتغليب امل�سلحة ال�ساملـــة. وكلف املجل�س

الـــوزاري اخلليجـــي على م�ستـــوى وزراء اخلارجيـــة يف ختام دورته

الــــ 112 بجـــدة، الأمني العام ملجل�س التعـــاون عبدالرحمن بن حمد

العطيـــة بزيـــارة �سنعـــاء للت�ســـاور مع احلكومـــة اليمنيـــة، كما اأقر

املجل�ـــس الـــوزاري اخلليجـــي ان�سمام اليمـــن اإىل اللجنـــة الوزارية

للربيد والت�سالت، ورفع تو�سية بذلك اإىل القمة اخلليجية املقبلة

التي �ستنعقد يف كانون الأول/دي�سمرب 2009 يف دولة الكويت.

4 ا�ستقبـــل الرئي�س علي عبداهلل �سالح اأمني عام جمل�س التعاون

لدول اخلليـــج العربية عبدالرحمن العطية، الذي اأطلعه على نتائج

اجتمـــاع املجل�س الـــوزاري لدول املجل�ـــس الذي انعقـــد يف الريا�س

موؤخـــرا، وما اتخـــذ من قرارات ب�ســـاأن اليمن ومنهـــا املوافقة على

ان�سمام اليمن اإىل هيئة الربيد والت�سالت.

6 ا�ستقبل الرئي�س علي عبداهلل �سالح، عثمان �سالح حممد وزير الدولة لل�سوؤون اخلارجية بدولة اإريرتيا، الذي نقل له ر�سالة خطية

مـــن الرئي�س اأ�سيا�سي اأفورقي رئي�س دولة اإريرتيا، تتعلق بالعلقات

الثنائيـــة، بالإ�سافة اإىل الت�ساور اإزاء تطـــورات الأو�ساع يف منطقة

القرن الأفريقي ويف مقدمتها الأو�ساع يف ال�سومال وتن�سيق جهود

البلدين من اجل حتقيق الوفاق بني خمتلف الأطراف ال�سومالية.

6 ا�ستقبل الرئي�س علي عبداهلل �سالح م�ساعد الرئي�س الأمريكي ل�ســـوؤون الأمن ومكافحة الإرهاب جـــون برينن، الذي نقل له ر�سالة

خطية من الرئي�س الأمريكي باراك اأوباما، تتعلق بالعلقات الثنائية

وال�سراكـــة والتعاون القائم بـــني البلدين ويف مقدمتهـــا التعاون يف

جمال مكافحة الإرهاب.

7 بحـــث وزير اخلارجيـــة الدكتور اأبـــو بكر القربي، مـــع ال�سفري الأمريكـــي ب�سنعاء �ستيفن �سي�س، العلقـــات الثنائية بني البلدين،

كما بحث اجلانبان الأو�ساع يف ال�سومال وجهود مكافحة الإرهاب

وجهود احلكومـــة اليمنية لتوفري احلمايـــة للنازحني جراء احلرب

يف �سعـــدة. كما بحث الدكتور القربي، مع وزير اخلارجية الإريرتي

عثمان �سالح حممد وم�ست�سار الرئي�س الإريرتي لل�سوؤون ال�سيا�سية

ميـــان جـــرب اآب، العلقـــات الثنائيـــة بني البلديـــن واأهميـــة انعقاد

اللجنـــة التنفيذية لبحث العديد من امل�ساريـــع املقدمة من البلدين

واإقرارها.

8 ناق�ـــس وزير اخلارجيـــة الدكتور اأبو بكـــر القربي، خلل لقائه يف القاهـــرة الأمـــني العـــام جلامعـــة الـــدول العربية عمـــر مو�سى،

املو�سوعـــات املدرجة على جدول اأعمال اجتمـــاع الدورة العادية الـ

132 ملجل�س جامعة الدول العربية على امل�ستوى الوزاري.

9 وقـــع ب�سنعـــاء، بح�سور رئي�ـــس جمل�س الـــوزراء الدكتور علي

حممد جمور، على مذكرة تفاهم بني وزارة النفط واملعادن و�سركة

ب�ساأن اإجراء درا�سة اجلدوى القت�سادية �سيتي” اخلليجية “جاز لإقامة م�سروع مدينة غـــاز مينية ت�سمل

علـــى جتمعات �سناعيـــة ملختلف

ي�ستخدم التـــي ال�سناعات

فيها الغـــاز مبا يف ذلك

�سناعة

Page 25: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 50 51ا�سرتاتيجية

البرتوكيماويات، اإ�سافة اإىل حمطة للطاقة الكهربائية وحتلية املياه

وغريهـــا من امل�ساريع وال�ستثماريـــة املرتبطة بالغاز. وقع التفاقية

وزيـــر النفط واملعـــادن اأمري العيدرو�ـــس، فيما وقعها عـــن ال�سركة

الرئي�س التنفيذي بدر حميد جعفر.

12 ا�ستقبـــل الرئي�ـــس علي عبـــداهلل �سالح، علـــوي بن �سهاب ممثـــل الرئي�س الإندوني�سي. وجرى بحث جوانب التعاون بني اليمن

واإندوني�سيـــا ومنهـــا رغبـــة اجلانـــب الإندوني�سي ممثـــل يف �سركة

اأندورامـــا الإندوني�سية العاملية، ال�ستثمار يف جمالت النفط والغاز

وال�سناعـــات البرتوكيماويـــة خا�ســـة �سناعـــة البول�ســـرت باأنواعـــه

البل�ستيكية والن�سيجية.

13 التقـــى وزير اخلارجية الدكتـــور اأبوبكر القربـــي ب�سنعاء مديـــر مكتب تن�سيق امل�ساعـــدات الإن�سانية بـــالأمم املتحدة را�سيد

خاليكوف، واملن�سق املقيم لهيئات الأمم املتحدة والربنامج الإمنائي

لدى اليمن براتيبا مهتا. جرى خلل اللقاء بحث تطورات الأو�ساع

يف حمافظة �سعدة وال�سبل الكفيلـــة باإي�سال امل�ساعدات الإن�سانية

للنازحني من مناطق املواجهات الع�سكرية.

13 اأكد الربملان العربي النتقايل دعمه الكامل للوحدة اليمنية وتاأييـــده للحكومة اليمنية وما تتخذه مـــن اإجراءات لدعم الوحدة،

ورف�سه الكامل لأي تدخل يف ال�سوؤون الداخلية اليمنية.

14 التقـــى وزيـــر اخلارجية الدكتـــور اأبو بكـــر القربي ال�سفري اليابـــاين ب�سنعـــاء ما�ســـكازو تو�سيكاجـــي الذي بحث معـــه، اأوجه

التعاون بني البلدين علـــى �سعيد مكافحة الإرهاب والقر�سنة، كما

ناق�ـــس اللقاء املعونة اليابانية خلفـــر ال�سواحل يف اليمن والعلقات

الثنائية بني البلدين و�سبل تعزيزها.

15 التقـــى وزيـــر اخلارجيـــة الدكتـــور اأبـــو بكر القربـــي وكيل م�ساعـــد وزارة اخلارجية الأمريكية لل�سوؤون العربية ال�سيدة جانيت

�ساندر�ســـون التي بحثت معه العلقات الثنائيـــة بني البلدين و�سبل

تطويرهـــا، كما بحـــث اللقاء ق�سايا الإرهاب ودعـــم برامج التنمية

وال�ستثمار يف اليمن.

15 اأقـــرت الوليـــات املتحـــدة الأمريكيـــة رفـــع �سقـــف الدعم التنموي املقدم لليمـــن لي�سل اإىل 121 مليون دولر يف مبادرة متثل

نقلة نوعية يف م�سار التعاون الثنائي مع اجلمهورية اليمنية.

16 وقع بوزارة التخطيط والتعاون الدويل، على اتفاقية اإطار 2011 مببلغ 121 مليون - امل�ساعدات الأمريكية لليمن للأعوام 2009

دولر. تكر�ـــس التفاقيـــة التي وقعهـــا نائب رئي�س الـــوزراء لل�سوؤون

القت�ساديـــة وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبي،

ومديـــر الوكالة الأمريكيـــة للتنميـــة الدولية الدكتور جيـــف اإ�سلي،

لدعـــم برامـــج وم�ساريع فنيـــة وماليـــة يف القطاعـــات الجتماعية

وبخا�ســـة التعليم وال�سحة والتنميـــة القت�سادية وجمالت احلكم

اجليد والتنمية الدميقراطية.

16 التقـــى وزيـــر اخلارجية الدكتـــور اأبو بكـــر القربي، �سفري ايطاليـــا ماريو بوفو والقائم باأعمال بعثة املفو�سية الأوروبية ميكلي

�سريفونه والقائم باأعمـــال ال�سفارة ال�سبانية ب�سنعاء فران�سي�سكو

خافري بوغا. جرى يف اللقاء بحث التح�سريات اجلارية لجتماعات

جلنـــة احلوار ال�سيا�ســـي اليمني - الأوروبي املقـــرر انعقادها نهاية

�سهر ت�سرين الأول/اأكتوبر 2009 يف بروك�سل.

17 ا�ستقبـــل الرئي�ـــس علي عبـــداهلل �سالـــح م�سطفى عثمان م�ست�ســـار الرئي�ـــس ال�ســـوداين عمر الب�ســـري، الذي نقل لـــه ر�سالة

خطية من الرئي�س الب�سري تتعلق بالعلقات الثنائية، بالإ�سافة اإىل

تطـــورات الأو�ساع يف ال�سودان واملنطقة ويف مقدمتها التطورات يف

ال�ساحة الفل�سطينية والأو�ساع يف ال�سومال، كما ت�سمنت الر�سالة

تاأكيـــد وقوف ال�سودان وت�سامنه اإىل جانب اليمن واأمنه وا�ستقراره

ووحدته.

18 رحـــب م�سدر م�سئول بدعوة ال�سيـــد ح�سن ن�سر اهلل، اأمني عام حـــزب اهلل اللبناين، بوقف اإطلق النار بـــني الدولة واملتمردين

احلوثيـــني. وقال امل�سدر يف ت�سريـــح لوكالة الأنبـــاء اليمنية )�سباأ(

“اإننـــا يف الوقـــت الـــذي نقـــدر فيـــه لل�سيد ح�ســـن ن�ســـر اهلل دعوته وحر�ســـه على جتنب اإراقة الدم اليمني، فاإننا نوؤكد له باأن الدولة قد

فر�ست عليها احلرب فر�سا وكانت دوما - وما تزال - حري�سة على

اللجوء اإىل كل اخليارات ال�سلمية من اأجل جتنب احلرب وعدم اإراقة

الدماء، واأر�سلت العديد من اللجان ومن خمتلف الفعاليات ال�سيا�سية

والجتماعية لإقناع العنا�سر املتمردة اخلارجة على النظام والقانون

بالكف عن اأعمالها الإرهابية والتخريبية واعتداءاتها على املواطنني

واأفراد القوات امل�سلحـــة والأمن واجلنوح لل�سلم، اإل اأن تلك العنا�سر

ظلـــت على غيها وا�ستمـــرت اأعمال القتل والتخريـــب وقطع الطرقات

ونهـــب وتخريـــب املن�ســـاآت العامـــة واخلا�ســـة، ممـــا اأ�سطـــر الدولة

لل�سطـــلع مب�سئوليتها مـــن اأجل اإخمـــاد الفتنة التـــي اأ�سعلتها تلك

العنا�سر واإجبارها على اللتزام بالنظام والقانون«.

23 و�ســـل الرئي�ـــس علي عبـــداهلل �سالـــح اإىل مدينة جدة يف زيـــارة للمملكـــة العربية ال�سعوديـــة، تلبية للدعـــوة املوجهة اإليه من

العاهل ال�سعودي عبداهلل بن عبدالعزيز اآل �سعود، وذلك للم�ساركة

فـي 60 يومـا اليمن والعامل

يف حفل افتتاح جامعة امللك عبداهلل للعلوم التقنية.

24 وقعت اجلمهوية اليمنية وجمهورية الدومنيكان بنيويورك اتفاقية متثيـــل دبلوما�سي يف اإطار توجه اليمن نحو تعزيز علقتها

مـــع دول اأمريكا اللتينية، وقعها وزيـــر اخلارجية الدكتور اأبو بكر

القربي، ووزير اخلارجية الدومنيكاين كارويل مورالي�س.

24 اأقـــر جمل�ـــس حقـــوق الإن�ســـان التابـــع لـــلأمم املتحدة يف اجتماعـــه بجنيـــف التقرير الوطني ال�سامل عـــن حقوق الإن�سان يف

اليمن يف اإطار املراجعة الدورية ال�ساملة حلقوق الإن�سان.

25 انتخبـــت اجلمهوريـــة اليمنية بالإجمـــاع رئي�سا ملجموعة )الــــ 77 + ال�سني( للعـــام 2010 يف الجتماع الذي عقد مبقر الأمم

املتحدة بنيويورك. و�ستت�سلم اليمن الرئا�سة من جمهورية ال�سودان

بعد انتهاء رئا�ستها نهاية العام 2009.

26 التقـــى وزيـــر اخلارجيـــة الدكتور اأبـــو بكـــر القربي، مبقر الأمم املتحدة بنيويورك م�ساعد وزيرة اخلارجية الأمريكية ل�سوؤون

ال�ســـرق الأو�سط جيفري فليتمـــان. جرى خلل اللقـــاء ا�ستعرا�س

جوانب التعـــاون الثنائي بني اليمن والوليـــات املتحدة يف املجالت

التنموية والقت�سادية وحماربة الإرهاب، واأهمية تقدمي املزيد من

الدعم لليمن ملواجهة الآثار القت�سادية الناجتة عن الأزمة املالية،

ودعـــم برامج احلكومـــة للحد من الفقر والبطالـــة وتنفيذ الأجندة

الوطنية للإ�سلحات.

27 اأعلـــن الأمني العام ملنظمة املوؤمتـــر الإ�سلمي الربوفي�سور اأكمـــل الدين اإح�ســـان اأوغلو عن اإدانـــة وا�ستنـــكار املنظمة لأعمال

العنف التي يقوم بها املتمردون يف �سعدة.

27 اأكد وزراء خارجية الوليات املتحدة ودول جمل�س التعاون اخلليجي وم�سر والأردن والعـــراق يف بيان م�سرتك، دعم بلدانهم

الكامل حلكومـــة اجلمهورية اليمنية وجهـــود الرئي�س علي عبداهلل

�سالح، للحفاظ على وحدة واأمـــن وا�ستقرار اليمن. واأ�سار الوزراء

يف البيـــان ال�سادر عقب اجتماع مغلق عقدوه على هام�س مداولت

اجلمعيـــة العامـــة لـــلأمم املتحـــدة يف نيويـــورك، اهتمـــام بلدانهم

بالو�سع يف اليمـــن. واأكدوا دعمهم الكامل جلهود احلكومة اليمنية

املكر�ســـة من اأجل احلفاظ على وحدة واأمن وا�ستقرار اليمن، وكذا

لبذل جهود حثيثة لإيجاد حوار �سلمي.

29 عقـــد نائـــب رئي�ـــس الـــوزراء لل�ســـوؤون القت�ساديـــة وزير التخطيـــط والتعاون الدويل عبد الكرمي الأرحبـــي، لقاء مو�سعا مع

�سفراء كل من الوليات املتحدة الأمريكية واململكة املتحدة ومملكة

هولنـــدا وجمهوريـــة اأملانيـــا الحتادية والقائـــم باأعمـــال املفو�سية

الأوروبيـــة ب�سنعـــاء. تطـــرق اللقـــاء اإىل بحث ومناق�ســـة جملة من

الق�سايا املت�سلة بالتعاون القائم بني اليمن وجمتمع اأملانحني و�سبل

تطويـــره وتعزيزه ومبا يتواءم والتطلعات امل�سرتكة، كما بحث اللقاء

الق�سايا املت�سلة بتعزيز جهود الإغاثة الإن�سانية للنازحني املدنيني

من حمافظة �سعدة.

29 وقع ب�سنعاء بني احلكومة اليمنية ممثلة بوزارة التخطيط والتعـــاون الدويل واحلكومـــة الأمريكية ممثلة بالوكالـــة الأمريكية

للتنمية الدوليـــة على مذكرة تفاهم تق�ســـي بتعديل اتفاقية املنحة

الأمريكيـــة اخلا�سة بدعـــم مراكز التدريب املهنـــي وبرامج الدعم

الفنية لقطاع التعليم الفني والتدريب املهني يف اليمن، وبحيث يتم

رفـــع قيمة املنحة الأمريكية لت�سل اإىل ثلثة مليني و�سبعمائة األف

دولر.

29 اأقـــر الجتماع الـــوزاري لدول جتمع �سنعـــاء اإعداد ميثاق للتجمع وخطة عمل طويلة املدى بحيث تقدم اإىل الجتماع الوزاري

يف ت�سرين الثاين/نوفمرب 2009. واأكد الجتماع املنعقد على هام�س

اجتماعات اجلمعية العامة للأمم املتحدة يف نيويورك برئا�سة وزير

اخلارجية الدكتور اأبوبكر القربـــي، على متابعة تنفيذ قرارات قمة

جتمـــع �سنعاء اخلام�سة املنعقدة يف اخلرطـــوم اآذار/مار�س 2009،

وحتديد مواعيد اجتماعـــات اللجان الفنية لدرا�سة امل�ساريع املعدة

من الدول الأع�ساء لتعزيز التعاون وال�سراكة. وا�ستعر�س الجتماع

تفعيل اللجان الفنية للتجمع، و�سبل دعم حكومة ال�سومال املوؤقتة،

وحتديد موعد القمة القادمة للدول املن�سوية يف التجمع.

30 ا�ستقبل الرئي�س ال�سوداين عمر ح�سن الب�سري يف العا�سمة ال�سودانيـــة اخلرطـــوم، نائب رئي�ـــس اجلمهورية عبدربـــه من�سور

هادي الذي يزور ال�ســـودان للم�ساركة يف احتفالت املوؤمتر الوطني

يف دورته الثالثة.

30 ا�ستقبـــل رئي�س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جمور، ب�سنعـــاء، املديـــر الإقليمـــي اجلديد للبنـــك الدويل ل�ســـوؤون اليمن

وم�ســـر وجيبوتي ديفيد كريج، وجرى مناق�سة العلقات بني اليمن

والبنك الدويل وتوجهاتها التنموية للفرتة املقبلة.

Page 26: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 52 53ا�سرتاتيجية

بعيدا عـــن اأنظار اجلمهور وو�سائل الإعلم،

تزداد اأهمية اليمن باعتباره �ساحة لل�سراع

بني القـــوى الإقليمية. وعلى مـــدار ال�سنوات

الأخـــرية �ســـكل القتـــال الدائـــر يف الأجزاء

ال�سمالية الغربية من البلد م�سدر التهديد

الرئي�ســـي لليمن، والـــذي اندلع جمـــددا يف

اأوائـــل اآب/ اأغ�سط�ـــس، واأ�ساف بعـــدا اآخر

لعـــدم ال�ستقـــرار يف بلد يعـــاين بالفعل من

مواجهـــة النـــزاع النف�ســـايل يف اجلنـــوب

والن�ســـاط اجلهـــاد العاملي، والتـــي اأ�سبحت

موؤخرا حمطة على الطريق ملهربي الأ�سلحة

املوجهة يف جزء منها حلركة حما�س.

جولتـــه يف احلـــايل القتـــال مـــن كجـــزء

القـــوات احلكوميـــة )ال�ساد�ســـة(، حتـــاول

اإخماد التمرد الذي يقوده عبد امللك احلوثي،

الذي ي�سيطر رجاله على املناطق اجلبلية يف

حمافظة �سعدة �سمال غـــرب البلد، والتي

تقع بالقرب من احلـــدود مع اململكة العربية

ال�سعوديـــة. ويـــدور القتال ما بـــني احلوثيني

منـــذ دوريـــة ب�ســـورة اليمنيـــة واحلكومـــة

حزيران/يونيو 2004، ومع كل موجة من هذا

القتال تـــزداد الو�ساع وح�سيـــة، مما اأ�سفر

عـــن اآلف اجلرحـــى واأ�ســـرار هائلـــة. رغم

اأنـــه ل يوجد اأ�سا�س لدعاء احلكومة اليمنية

اأن النتفا�ســـات الثـــلث - النف�ساليني يف

اجلنوب، وتعزيز قـــوة اجلهاديني املرتبطني

مـــع تنظيم القاعدة، وحركة التمرد ال�سيعية

يف ال�سمال - متحدون �سدها، واجلمع بينها

هو اأمـــر مقلق. اإن اأعمـــال العنف احلالية ل

تهدد وحدة اليمن وا�ستقراره فح�سب، ولكن

تهدد اأي�ســـا اأمن اململكة العربيـــة ال�سعودية

و�سبـــه اجلزيـــرة العربيـــة. وين�ســـم اإليهـــا

املحاولت املتزايدة مـــن املنظمات املرتبطة

مع تنظيـــم القاعـــدة التي حتـــاول الإطاحة

باحلكومـــة اليمنية، وكذلـــك بالعائلة املالكة

يف اململكـــة العربيـــة ال�سعوديـــة، حيث ميكن

ال�ستـــدلل علـــى ذلك من حماولـــة الهجوم

والتـــي كان م�سدرهـــا الأخـــري، الإرهابـــي

اليمن وا�ستهدفـــت العائلة املالكة ال�سعودية.

يف هذا الهجوم الذي ا�ستهدف الأمري نايف

بن عبدالعزيز، والـــذي يعد واحدا من قادة

اململكـــة يف احلـــرب علـــى الرهـــاب، وجنل

الرجـــل الثالث يف الت�سل�ســـل الهرمي للعائلة

املالكة يف ال�سعودية، اأ�سيب بجروح طفيفة.

اإن القتال الـــذي تخو�سه احلكومـــة اليمنية

�ســـد املتمرديـــن احلوثيـــني ميثـــل اإىل حـــد

كبـــري منوذجـــا م�سغـــرا للتوتـــرات الدينية

وال�سيا�سيـــة، والقت�ساديـــة، والجتماعيـــة

والقليميـــة التي تغلـــي حتت ال�سطـــح. ومن

بعيـــد، ميكن للمـــرء اأن يفرت�س بـــاأن النزاع

هـــو عبارة عن �سراع م�سلـــح بني اجلماعات

امل�سلحـــة واحلكومـــة - وهـــو م�ساألـــة مينيـــة

حمليـــة – ولكـــن ال�سراع ي�ســـم يف �سفوفه

اأطراف ا�سافية اخرى، مـــن بينها ال�سراع

بني اإيران التي تقود الكتلة الراديكالية وكتلة

الدول الربغماتية، والذي يف جزء منه تقوده

اململكة العربية ال�سعودية.

اجلولة الأخـــرية من القتـــال اندلعت نتيجة

لنهيـــار وقف اإطلق النـــار، الذي دخل حيز

التنفيـــذ يف 16 حزيران/يونيو 2007، والذي

جـــاء خرقا للتفـــاق الر�سمي الـــذي وقع يف

الدوحة يف الثاين من �سباط/فرباير 2008،

بو�ساطـــة مـــن اأمري قطـــر، اآل ثـــاين. ووفقا

للتفـــاق كان مـــن املفرت�س علـــى احلكومة

تعوي�س امل�سابني اأو املت�سررين من العمليات

الع�سكريـــة، وامل�ساعدة يف اإعادة بناء القرى

التـــي حلقت بها الأ�ســـرار من جراء القتال،

والكـــف عن �ســـن هجمات ع�سكريـــة اأخرى.

يف املقابـــل، تعهد احلوثيون بالقاء اأ�سلحتهم

واحلفـــاظ على ال�ســـلم يف الأقليـــم. وعلى

الرغم من النخفا�س يف نطاق القتال اإل اأن

ال�ستباكات املتقطعة بني اجلانبني ا�ستمرت

حتى بعـــد اأن اأعلـــن الرئي�س اليمنـــي �سالح

وقفـــا لطلق النار مـــن جانب واحد احتفاء

عني على اليمن فـي 60 يومـا وجهات نظرحتليالت

اليمن والعامل

يوئيل جوزن�سكي

معهد درا�سات االأمن القومي )اإ�سرائيل(

11 اأيلول/�سبتمرب 2009

اليمن واأهميته املتزايدة يف ال�سراع االإقليمي

حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*

* التحليلت الواردة تعرب عن اآراء كتابها فقط.

مب�سي 30 عاما على توليه من�سبه، ورمبا مع

العلم اأنه كان عاجزا عن و�سع حد لنتفا�سة

احلوثيني.

الطائفـــة اىل املتمـــردون ينتمـــي حـــني يف

الزيدية مـــن ال�سيعة والتـــي تختلف اإىل حد

مـــا عـــن ال�سيعيـــة احلاليـــة املوجـــودة عادة

يف اإيـــران، اإل اأن اإيـــران مل تـــرتدد - وفقـــا

للحكومـــة يف العا�سمة �سنعـــاء – يف تقدمي

الدعـــم للمتمرديـــن فـــى اأوائل عـــام 2004،

حيث اأكد كبار م�سوؤويل احلكومة اليمنية ويف

اأكرث من منا�سبة اتهاماتهـــم لإيران بتزويد

احلوثيـــني بال�سلحـــة، والتمويـــل، وتدريـــب

)حركـــة للمتمرديـــن الع�سكـــري اجلنـــاح

ال�سباب املوؤمن(. ويف )مطلع اأيول/�سبتمرب

2009( اتهـــم وزيـــر الإعلم اليمنـــي اللوزي

»عنا�سر اأجنبيـــة« بتزويد املتمردين ال�سيعة

يف حمافظة �سعدة بامل�ساعدات القت�سادية

وال�سيا�سيـــة واإحلـــاق »ال�سرر باأمـــن اليمن

وا�ستقـــراره«. عـــلوة على ذلـــك، فقد اأعلن

اأن وزيـــر اخلارجيـــة اليمنـــي مـــن جانبه قد

اجتمع مـــع ال�سفري الإيـــراين يف �سنعاء من

اأجـــل »حتذيـــر اإيـــران حول اخلطـــوات التي

�ستتخذهـــا احلكومـــة اليمنيـــة... ردا علـــى

حقيقة ان و�سائل العلم املرتبطة مع اإيران

هي التي ت�سعل نار النزاع، ويف الواقع الفعلي

هي عبارة عـــن اأدوات للمتمردين.. واأ�ساف

الوزير اأنه يف حال ا�ستمر هذا الو�سع �سوف

يرتتب عنه اآثار �سلبية من �ساأنها اأن توؤثر يف

العلقة بني اإيران واليمن«.

يف خطـــوة ميكـــن ان تف�ســـر علـــى اأنها دعم

للمتمرديـــن، قال وزيـــر ال�ســـوؤون اخلارجية

الإيـــراين متكـــي، الـــذي اجتمع مـــع ال�سفري

اليمني يف طهـــران، والذي اأعرب عن »قلقه

العميـــق لو�سع ال�سيعـــة يف اليمن«، ويف نف�س

الوقت اأكد على اأهمية العلقات ال�سحيحة

بني احلكومة يف �سنعـــاء وال�سيعة يف اليمن.

وخـــلل الأ�سابيـــع الأخرية اأ�ســـارت م�سادر

اإعلمية حم�سوبة على طهران اإىل اأن �سلح

اجلـــو ال�سعـــودي �ســـارك يف ق�ســـف معاقل

اليمنيـــة )يف الأرا�ســـي داخـــل املتمرديـــن

حماولـــة ملنع القتال مـــن النت�سار اإىل داخل

حدودهـــا(، وباأن اململكة العربيـــة ال�سعودية

قد وعـــدت الرئي�س اليمني عبـــد اهلل �سالح

بتمويـــل حربـــه �ســـد املتمرديـــن. علمـــا اأن

اململكة العربية ال�سعودية مل ترد ر�سميا على

هـــذه التقاريـــر الإعلمية، ولكـــن ال�سحف

ال�سعوديـــة كثريا مـــا تتهم اإيـــران مب�ساعدة

املتمردين. ويف اجلولـــة احلالية من القتال،

رف�ـــس كل اجلانبني اقرتاحـــا لوقف اإطلق

النـــار؛ حيـــث زعمـــت احلكومـــة اأن العر�س

ومت جديـــدا«، »�سيئـــا يحتـــوي ل الخـــري

مواجهة القرتاح من خلل تقدمي احلكومة

لئحة من املطالـــب للمتمردين: فتح الطرق

امل�ســـدودة، واإزالة الألغام؛ ان�سحاب احلركة

املتمـــردة من معاقلهـــا يف اجلبـــال، واإعادة

املعـــدات امل�سروقة ؛ اإطـــلق �سراح الأ�سرى،

ووقف كل تدخل يف ال�سيا�سة الداخلية.

وفقا مل�ســـادر احلكومة اليمنية، فاإن اجلولة

الرابعـــة مـــن القتـــال )�سباط/فرباير حتى

حزيران/يونيو 2007( �سهدت تهديدات من

قبل احلوثي �سد اجلالية اليهودية يف �سعدة،

وقـــد كـــذب املتمـــردون ادعـــاءات احلكومة

ونفـــوا اأن يكونوا قد وجهوا تهديدات للجالية

اليهوديـــة يف �سعدة. ومع ذلـــك، وخوفا من

ان تتعر�ـــس اجلالية اليهودية لل�سطهاد يف

مناطق القتال، فقد قامت احلكومة برتحيل

عدد من العائـــلت اليهودية من �سعدة اإىل

�سنعاء، ويقال اأنها وفرت لهم ال�سكن.

ما هـــي مطالـــب املتمردين؟ ب�سفـــة عامة،

ي�سعـــى املتمـــردون لتحقيـــق قـــدر اأكـــرب من

احلكـــم الذاتـــي يف اإدارة �سوؤونهم اخلا�سة،

وكذلك الإفـــراج عن ان�سارهـــم امل�سجونني

وو�سع حـــد للهجمات من جانب قوات الأمن

اأنهـــا يزعمـــون والتـــي املتوا�ســـل، والقمـــع

ال�سفـــة الغالبة ل�سلـــوك احلكومة جتاههم.

كما اأنهم يعار�سون الـــدفء املتزايد وزيادة

التعـــاون بـــني اليمـــن والوليـــات املتحـــدة،

وخا�سة يف جمـــال مكافحة الإرهاب، ف�سل

عـــن تدخل ال�سعوديـــة يف ال�سيا�سة الداخلية

اليمنيـــة. ويتهـــم املتمردون اململكـــة العربية

ال�سعودية بتمويل احلكومة اليمنية يف حربها

�سدهم وتقدمي امل�ساعدات للعنا�سر القبلية

ال�سنية.

وب�سبـــب التعتيـــم الإعلمـــي، فـــاإن الأعداد

الدقيقة للخ�سائر يف اأي من اجلانبني لي�ست

وا�سحـــة، ولكن مـــن املعـــروف اأن احلكومة

اليمنيـــة تقـــوم با�ستخـــدام قواتهـــا املدرعة

واملدفعية والقوات اجلوية ل�سحق النتفا�سة

مـــرة واإىل الأبـــد )وفقـــا لعـــلن اأدىل بـــه

الرئي�ـــس �سالح(، ورمبا اأي�ســـا للإ�سارة اإىل

النف�ساليني يف اجلنوب اأن احلكومة عاقدة

العزم على الن�سال من اأجل الوحدة الوطنية.

ت�ســـري التقديـــرات اإىل اأن حـــوايل 100،000

ن�سمة، معظمهم من الن�ساء والأطفال، فروا

مـــن منازلهم، ولكـــن حدة القتـــال، وطبيعة

الت�ساري�ـــس، والتعتيـــم مـــن قبـــل احلكومة

يجعل مـــن ال�سعوبة مبـــكان م�ساعدة قوات

الأمم املتحدة وو�سائل الإعلم على الدخول

ملناطق القتال.

حتـــى لو كانـــت اتهامـــات من جانـــب اإيران

واململكة العربية ال�سعودية هي عملية دعائية

اأكرث منها واقعية، فاإن احلرب لي�ست جمرد

تهديـــد داخلـــي لوحـــدة اليمن، ولكـــن اأي�سا

تهديـــدا متزايدا للمملكـــة العربية ال�سعودية

و�سبه اجلزيرة العربيـــة، واملنطقة باأ�سرها.

والقتال الدائـــر يف اليمن عمل اإىل حد كبري

يف حتويـــل اليمن اإىل �ساحـــة اأخرى لل�سراع

)الأهميـــة الكبـــرية للموقـــع ال�سرتاتيجـــي

لليمـــن( بـــني ال�سنـــة الواقعيـــة التـــي ت�سعى

لحتـــواء اليمن يف �سفوفهـــا واإيران ال�سيعية

الراديكاليـــة، التي ت�سعى اإىل تو�سيع نفوذها

الإقليمي، واإن�ساء وجود لها يف منطقة البحر

الأحمـــر والقرن الأفريقي. وقد عملت اإيران

على زيادة تواجد قواتها البحرية يف منطقة

خليج عدن )وتزعم اأنها تهدف اىل التعامل

مـــع تزايـــد اأعمـــال القر�سنـــة يف املنطقة(.

كمـــا اأنها تعمل على تعزيز نفوذها ال�سيا�سي

وعلقاتها القت�سادية مع ال�سودان وجيبوتي

واإريرتيـــا وبطريقـــة مـــن �ساأنهـــا اأن ت�سمـــح

لهـــا باحلفاظ على وجـــود ع�سكري ن�سط يف

البحر الأحمر، وحتمل اإيران خيار ا�ستخدام

هذا الوجود الع�سكري �سد ا�سرائيل.

خلفا جلريانها يف �سبه اجلزيرة العربية

Page 27: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 54 55ا�سرتاتيجية

باأن ت�سري التي الأخـــرية التقارير جــددت

مقاتلي تنظيم »القاعدة« يغادرون باك�ستان

املجموعة تــكــبــدت حــيــث ــان، ــت ــس ــ� واأفــغــان

باأن الدولية املخاوف خطرية، انتكا�سات

كملذا اأخـــرى مــرة للظهور تــعــود اليمن

من الرغم وعلى واآمــنــا. رئي�سيا اإرهــابــيــا

»تنظيم ظهور معاودة حول التقييمات اأن

يعود ل دقيقة، هي اليمن« يف »الــقــاعــدة«

الــوليــات اإىل جنــاحــات الــو�ــســع تــدهــور

نتيجة هــو بــل اآخـــر، مكان اأي يف املتحدة

على واليمني الأمــريكــي الهتمام تــراجــع

وميكن املا�سية. اخلم�س ال�سنوات مــدى

�سنعاء بــني الــتــعــاون جتــديــد ي�ساعد اأن

»القاعدة« تنظيم التعامل مع ووا�سنطن يف

احلد يف املنهجية، اليمن م�ساكل ومعاجلة

من جاذبية املنظمة الإرهابية يف هذا البلد

امل�سطرب.

الهزمية الظاهرة لـ »تنظيم

»القاعدة« يف اليمن«

»تنظيـــم هـــزم ،2003 عـــام اأواخـــر يف

»القاعدة« يف اليمن« اإىل حد كبري من خلل

التعاون الوثيق بـــني الوليات املتحدة وقوات

الأمـــن اليمنية. وبلغ هـــذا التعاون ذروته يف

ت�سريـــن الثاين/نوفمـــرب عـــام 2002 عندما

اغتالـــت وكالـــة املخابرات املركزيـــة، رئي�س

التنظيـــم »اأبو علـــي احلارثـــي«، ولكن وزارة

الدفاع الأمريكية جتـــاوزت »رواية التغطية«

املتفق عليها و�سربـــت )تفا�سيل( العملية اإىل

ال�سحافـــة. لقد كانـــت وا�سنطن حتتاج اإىل

)اإظهار نوع من( النت�سار يف وقت مبكر من

احلرب علـــى الإرهـــاب، وكان اغتيال زعيم

»تنظيـــم »القاعـــدة« يف اليمـــن« اأكرث من اأن

يكون جيدا لكي يبقى دون اعرتاف.

ولكن اليمـــن، نظرت اإىل ذلـــك باأنه قد »مت

بيعها« على ح�ساب م�سالح الوليات املتحدة

الداخلية. وقد دفع الرئي�س اليمني علي عبد

اهلل �سالـــح ثمنـــا باهظا ب�سماحـــه للوليات

املتحـــدة بتنفيـــذ الهجـــوم -- وهـــي )حجة(

ل يـــزال تنظيـــم »القاعـــدة« ي�ستخدمهـــا يف

دعايتـــه حيـــث يجد لهـــا تاأثري كبـــري – وقد

ا�ستغرق اأكرث من عام من الزمن لكي تعرتف

احلكومـــة علنـــا باأنها قـــد اأذنـــت لوا�سنطن

بتنفيذ )الغتيال(.

ويف ت�سريـــن الثاين/نوفمـــرب 2003، كانـــت

الوليـــات املتحـــدة ل تزال تدفـــع ثمنا لذلك

اخلطـــاأ عندمـــا اعتقلـــت اليمـــن يف �ســـوارع

�سنعـــاء »حممد حمـــدي الأهـــدل«، )الرجل

الثـــاين يف »تنظيـــم »القاعـــدة« يف اليمـــن«

الـــذي ا�ستلـــم( من�ســـب القيادة بعـــد مقتل

»احلارثـــي«. وبـــدل من اأن متنـــح للم�سئولني

الأمريكيـــني اإمكانيـــة الو�ســـول املبا�سر اإىل

»الأهدل«، ا�سطر هوؤلء اإىل العمل عن طريق

و�سطاء مينيني؛ ومع ذلك، ففي الوقت الذي

كان قـــد مت اغتيال قيادتـــه اأو كانت تقبع يف

ال�سجون، وبنيتـــه التحتية قد دمرت اإىل حد

كبـــري، ومقاتليه كانوا اأكـــرث ميل للن�سمام

اإىل التمـــرد يف العـــراق منـــه اإىل اجلهاد يف

الداخـــل، كان يبدو اأن »تنظيم »القاعدة« يف

اليمن« قد هزم اإىل حد كبري.

تنظيم »القاعدة« يعيد بناء �سفوفه

لقد اعتربت كل من الوليات املتحدة واليمن

بـــاأن ذلـــك النت�ســـار كان مطلقـــا، حيث مل

تدركا بـــاأن عـــدوا مهزوما لي�ـــس بال�سرورة

اأن يكون مقهـــورا. ويف الواقع، �سطب تنظيم

»القاعدة« من قائمة اأولويات البلدين، ومتت

ا�ستعا�ستـــه مبوا�سيـــع مقلقة اأخـــرى، كانت

تبدو اأكـــرث اإحلاحـــا. وبالن�سبـــة لوا�سنطن،

هيمنت الإ�سلحات الدميقراطية وحملت

الأعمـــال جـــدول علـــى الف�ســـاد مكافحـــة

الثنائي )بني البلديـــن( باعتبارها جزءا من

رغبـــة اإدارة بو�ـــس يف جت�سيد �ســـرق اأو�سط

جديـــد. وبالن�سبـــة لليمـــن، حتـــول الهتمام

ب�سكل متزايـــد اإىل احلرب الأهلية الطائفية

الدائـــرة يف ال�سنـــوات اخلم�ـــس الأخرية يف

ال�سمـــال، واإىل تهديـــدات النف�ســـال )التي

ظهرت( موؤخـــرا يف اجلنوب. وخلل عامني

متتاليـــني من الهـــدوء الن�سبي التـــي اأعقبت

واخلليج الفار�ســـي التي تريد اأي�سا احلد من

نفوذ اإيران، فاإن اليمن غري قادر على ال�سيطرة

الفعالــــة علــــى جميع اأرا�سيهــــا واحلفاظ على

�سيادتهــــا، وهذا يوفــــر بدوره فر�ســــة �سانحة

اأمــــام خمتلــــف املت�سددين للو�ســــول اىل دول

اخلليــــج ومنطقــــة القــــرن الأفريقــــي، والدول

املطلــــة على البحــــر الأحمــــر. كمــــا اأن اليمن

اأبــــدى يف الآونــــة الأخــــرية اهتمامــــا متجددا

باإقامة قاعدة اأمريكية ب�سبب القلق الأمريكي

من حماولت تنظيم القاعــــدة ليجاد قاعدة

له. وقبل نحو �سهر قام قائد القيادة املركزية

الأمريكيــــة اجلــــرال برتايو�س وتعهــــد لليمن

مب�ساعــــدة احلكومة على مكافحــــة الإرهاب.

لي�س من الوا�ســــح اإذا كانت الوليات املتحدة

اأي�سا �ســــوف تدعم احلكومــــة يف �سنعاء �سد

النتفا�ســــة يف ال�سمـــال، واإذا كانـــت الزيارة

�سملت هذا الهدف.

حتى لـــو كان النزاع يف اليمن مـــا يزال بعيدا

عن �سا�ســـات التلفزيون، اإل اأنه يتمتع باأهمية

اإقليميـــة رئي�سيـــة يف املنطقـــة. وبعيـــدا عـــن

ا�ستقـــرار اليمن الدخلي، وهـــي امتحان اآخر

لقـــدرة ال�سعوب الربغماتيـــة على كبح جماح

النفـــوذ الإيـــراين القليمـــي، وهكـــذا حتى لو

انتهـــت موجـــة العنـــف احلاليـــة بوقـــف اآخر

لطـــلق النار فـــاإن ثباته لن ميـــر عليه وقت

طويـــل دون اأن يتعر�ـــس وقـــف اإطـــلق النار

للختبار.

جريجوري جون�سون

معهد وا�سنطن ل�سيا�سات ال�سرق االأدنى

14 متوز/يوليو، 2009

تراجع اليقظة: ظهور تنظيم »القاعدة«

من جديد يف اليمن

عني على اليمن اليمن والعامل

)هزميـــة تنظيـــم »القاعـــدة«(، مت بالتاأكيـــد

جتاهل التهديد الذي ي�سكله التنظيم، ولكن،

لي�ـــس مـــن ال�ســـروري باأنـــه قـــد مت ن�سيانه.

وزارة وبـــادرت ال�سياحـــة، ازدهـــرت وقـــد

اخلارجية الأمريكية بطرح برنامج )لت�سجيع

الأمريكيني( على الدرا�سة يف اليمن.

وع�ســـرون ثلثـــة هـــروب مو�ســـوع وحتـــى

اإىل بانتمائهـــم امل�ستبـــه مـــن )حمتجـــزا(،

تنظيم »القاعدة«، من ال�سجن يف مطلع عام

2006 - والذي األقى فيه م�سئولون اأمريكيون

اللـــوم ب�سورة �سريـــة على تعـــاون احلكومة

اليمنية - متت معاملته ب�سورة اأكرث كعملية

انحـــراف، من )اعتبـــاره و�سيلـــة( لفتح وابل

معركـــة جديـــدة. وكان مـــن بـــني الهاربـــني

»قا�ســـم الرميـــي« و»نا�ســـر الوحي�سي«، وهو

واأحـــد بـــن لدن �سكرتـــري �سابـــق لأ�سامـــة

املخ�سرمـــني مـــن القتال يف تورا بـــورا. وقد

اأوجـــد اإهمال احلكومة الـــذي دام ما يقرب

مـــن عامني ون�سف العـــام الكثري من املجال

للرجلني لكـــي ينتظما من جديد ويعيدا بناء

»تنظيم »القاعدة« يف اليمن«.

ويـــدل تـــورط »الرميـــي« و«الوحي�ســـي«، اإىل

جانب عـــدد كبري من اليمنيـــني من خمتلف

اأنحـــاء البلد، اإحدى اأكـــرث احلقائق املثرية

لتنظيـــم احلـــايل التج�سيـــد حـــول للقلـــق

»القاعدة«: منظمة لها متثيل اأكرب يف البلد،

حيث يتجاوز )وجـــود( »تنظيم »القاعدة« يف

اليمن«، املنزلة الطبقيـــة، والقبيلة، والهوية

القليمية، ب�ســـكل ل ميكن مظاهاته من قبل

اأي جماعة اأو حـــزب �سيا�سي يف اليمن. وقد

اأثبت »الوحي�سي« وغريه )من اأع�ساء القيادة(

داخل التنظيم موهبة خا�سة يف التعبري عن

�سرد يهدف اإىل جذب جمهور حملي، وذلك

با�ستخدام كل �سئ بدءا من فل�سطني وحمنة

ال�سيـــخ املوؤيد - رجل دين ميني كان يعمل يف

جمعيـــة خريية وا�سعة النت�سار، )وكان يقبع(

يف �سجـــن اأمريكـــي ب�سبـــب توفـــريه الأموال

للإرهابيـــني )قبل اأن يطلـــق �سراحه موؤخرا(

اأجل زيادة جاذبيتهم اخلطابية )لكي – من

ت�ستلهـــم( مينيني �سبان. لقـــد كانت حكومتا

الوليـــات املتحـــدة واليمـــن عاجزتـــان عـــن

الت�سدي لهذا النهـــج، ومن الناحية الفعلية

تركتا ال�ساحة )مفتوحة( لتنظيم »القاعدة«.

تنظيـــم اأعلـــن ،2007 حزيران/يونيـــو ويف

»القاعـــدة« ر�سميـــا عـــن وجـــوده يف البـــلد

»الوحي�ســـي«. ويف غ�ســـون هـــو قائـــده واأن

اأيـــام قليلة، �سدد على نوايـــاه بقيامه بهجوم

انتحـــاري على فوج من ال�سيـــاح الأ�سبانيني.

ومنذ ذلك احلني، ازدادت املنظمة قوة. ففي

كانـــون الثاين/يناير 2008، قامـــت باإ�سدار

العـــدد الأول مـــن جملتها الن�ســـف �سهرية،

»�ســـدى امللحـــم«، ويف ذلك ال�سهـــر نف�سه

�سنت �سل�سلة من الهجمات، بلغت ذروتها يف

العتداء علـــى ال�سفارة الأمريكية يف اأيلول/

�سبتمـــرب 2008. ويف وقـــت �سابـــق مـــن هذا

العام، قامت بهجومـــني انتحاريني ا�ستهدفا

مواطنـــني من كوريـــا اجلنوبيـــة، الأول �سد

جمموعة من ال�سيـــاح والثاين �سد م�سئولني

اأر�سلوا للتحقيق يف احلادث )الأول(.

وقـــد ا�ستفـــاد تنظيـــم »القاعـــدة« اأي�سا من

جناحاته الأخـــرية، بجذبه جمندين من كل

من اليمـــن واململكة العربيـــة ال�سعودية. ويف

كانـــون الثاين/يناير )املا�سي(، ان�سم اثنان

من ال�سجناء ال�سابقني يف معتقل جوانتانامو

وقـــادا )ميدانيـــني(، كقـــادة اإىل اجلماعـــة

عملية دمج الفروع املحلية يف اململكة العربية

اقليميـــة »وكالـــة« اإىل واليمـــن ال�سعوديـــة

واحدة. ومنذ ذلك احلني، قام اأحد القادة،

»حممد العويف«، بت�سليم نف�سه اإىل ال�سلطات

ال�سعودية، ولكن يبدو اأن لفتته اندفعت اأكرث

مـــن الرغبـــة يف حمايـــة اأ�سرته مـــن حدوث

تغيري يف مواقفه.

اإن هـــذه املنظمـــة الإقليمية اجلديـــدة، التي

تطلق علـــى نف�سها ا�سم »تنظيـــم »القاعدة«

يف �سبه اجلزيـــرة العربية«، تدل على تنامي

طموح »الوحي�سي«. فطـــوال العامني الأولني

من قيادته، كان يعمل بجد لتهيئة بنية حتتية

دائمـــة ميكنهـــا اأن تبقى حيوية بعـــد فقدان

قـــادة رئي�سيـــني. وقـــد ثبت جناحـــه يف هذا

املجال من خلل الواقع العملي باأنه حتى مع

خ�سارة املنظمة لـ »حمـــزة القعيطي«، قائدا

حمليـــا ماهـــرا ب�ســـورة خا�ســـة، يف تبـــادل

لإطلق النار جرى مع قـــوات الأمن اليمنية

ل التنظيـــم كان ،2008 اآب/اأغ�سط�ـــس يف

يـــزال قادرا علـــى �سن هجوم علـــى ال�سفارة

الأمريكيـــة بعد �سهر واحـــد فقط من مقتله.

وينظـــر حاليـــا »الوحي�ســـي« اإىل ا�ستخـــدام

املناطـــق اليمنية »املحكومـــة ب�سورة جزئية

جدا« كنقـــاط انطلق ل�ســـن هجمات، لي�س

يف اليمن فح�سب ولكن اأي�سا يف جميع اأنحاء

�سبه اجلزيرة العربية والقرن الأفريقي.

الدرو�ض امل�ستفادة

ل ينبع ظهـــور تنظيم »القاعـــدة« من جديد

يف اليمن من جناحـــات الوليات املتحدة يف

اإزاحتهـــم من اأماكن اخرى. وبدل من ذلك،

مـــن ال�ســـروري اأن تفهم الوليـــات املتحدة

وحلفائها بـــاأن هزمية جيل واحد من تنظيم

»القاعـــدة« ل يزيل اخلطر متاما. يجب على

وا�سنطن اأن ت�سع ا�سرتاتيجية ذات م�سارين

للق�ســـاء على »تنظيم »القاعـــدة« يف اليمن«

بالتعـــاون مع اليمن وحلفاء الوليات املتحدة

بـــني دول »جمل�س التعـــاون اخلليجي«. وعلى

املدى الق�ســـري، يجب على الوليات املتحدة

اأن ت�ســـارك مـــرة اأخـــرى مع كل مـــن اليمن

واململكة العربية ال�سعودية ب�سورة منف�سلة،

ل�ستهـــداف قيادة تنظيـــم »القاعدة« وبنيته

التحتيـــة. وعلـــى الرغـــم مـــن اأن النجاح يف

ذلك �سيكون اأ�سعب بكثـــري يف املرة الثانية،

اإل اأنـــه بالإمكان حتقيق ذلك عن طريق �سن

�سربات دقيقة ومن�سقة.

ومع ذلك، فـــاإن تنفيذ النهـــج الطويل الأمد

هو اأكرث اأهمية واأكرث �سعوبة على حد �سواء.

ولدى التج�سيد احلايل لـ »تنظيم »القاعدة«

يف اليمن« عددا اأكرب من املجندين – والذين

هم اأ�سغر �سنا - مـــن اأي وقت م�سى، نظرا

Page 28: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 56 57ا�سرتاتيجية

للدعايـــة القوية التي يقوم بها »الوحي�سي«،

ف�سل عن انعدام الفر�س والنهيار الأويل

لل�سلطـــة الجتماعيـــة التقليديـــة. وعـــلوة

على ذلك، فاإن اليمـــن من�سغلة، واأجهزتها

الأمنيـــة مرهقـــة بدعـــوات النف�سال عن

اجلنـــوب التـــي تـــزداد عنفـــا، وبتهديدات

لتجـــدد القتـــال يف ال�سمـــال، والأهـــم مـــن

ذلك، )تعـــاين( مـــن اقت�ساد متعـــرث يجعل

الأ�ساليـــب التقليديـــة لتبـــاع حوكمـــة مـــن

»منـــط الرعاية واحلماية« �سبـــه م�ستحيل.

كما تواجه الوليات املتحدة واليمن جماعة

من تنظيـــم »القاعدة« اأ�سبحـــت الآن اأكرث

قبـــول كمنظمة م�سروعة. و�سيكـــون قتل اأو

اإلقاء القب�س على قادة »تنظيم »القاعدة«

يف اليمـــن«، وتفكيك بنيتـــه التحتية خطوة

هامـــة اإىل الأمـــام، ولكن مـــن غري املرجح

الق�ساء على هذه امل�سكلة على املدى البعيد.

و�ستكون معاجلة الق�سايـــا الأ�سا�سية، واإن

كانـــت �سعبة جدا، عن�سرا رئي�سيا ل�سمان

عدم ظهـــور تنظيم »القاعـــدة« مرة اأخرى

من جديد يف اليمن.

ما العمل؟ ل �سك، اأن مواجهة تزايد الن�ساط

امل�سلـــح �سروري، بيد اأن احللـــول الع�سكرية

وحدها ل ت�سمن الن�سر من دون توافر اأفق

�سيا�سي معقول.

هناك جـــدل دائر يـــزداد �سخبـــه يوما بعد

يوم حـــول ال�سيا�سات الواجـــب اتباعها فيما

يخ�ـــس عـــودة الن�ســـاط امل�سلـــح اإىل عـــدد

مـــن بـــوؤر التوتـــر ال�سيا�ســـي يف اأفغان�ستـــان

و�سمال اليمن ومناطـــق القبائل الباك�ستانية

وال�سومـــال. البع�س يوؤيـــد ال�سيا�سات التي

تدعـــو اإىل الت�سعيـــد الع�سكري �ســـد العمل

امل�سلـــح، والبع�ـــس الآخـــر يف�ســـل اأن تكـــون

هنـــاك اأفـــكار اأو اأطروحات تتجنـــب اإر�سال

اجلي�ـــس – اأو املزيد من اجلنـــود يف احلالة

الأفغانيـــة- لأن من �ساأن ذلـــك اأن يذكي نار

تلـــك املواجهات، ويت�سبب على املدى الطويل

يف انفلت املواجهات من عقالها.

مواجهـــة طالبـــان اأفغان�ستـــان، اأو طالبـــان

باك�ستان، ومثـــل ذلك احلوثيـــون واملقاتلون

العراقيون هو يف حقيقته مواجهة جلماعات

متتلـــك زخمـــا يف حميطها وجـــذورا حملية،

وهو اأمر �سعب بالن�سبـــة حلكومات مركزية

ل ت�سيطـــر علـــى كامـــل الأر�ـــس. احلركات

امل�سلحـــة ترفع �سعار مواجهة املحتل يف حالة

اأفغان�ستـــان اأو العـــراق، اأو قتـــال احلكومـــة

املارقـــة يف حالة باك�ستان واليمن، وما يجعل

التحـــدي مزدوجـــا هـــو كـــون مواجهـــة هذه

احلـــركات مكلفـــا علـــى ال�سعيديـــن املادي

وال�سيا�ســـي، كما اأن جتنـــب مواجهتها يعني

اخل�ســـوع لأحكامهـــا. ل�ســـك اأن اأي حكومة

�ست�سعـــى ملواجهـــة خ�سومهـــا امل�سلحني اإذا

ما كانـــت واثقة مـــن النت�ســـار اأو م�سطرة

اإىل القتـــال، ولكـــن يف احلـــالت التي ميلك

القـــادة ال�سيا�سيون فيها ن�سف اخليار، كاأن

تكون مواجهة اخل�ســـوم مكلفة من الناحية

ال�سيا�سيـــة بو�سفهـــا خيارات غـــري �سعبية،

اأو لأنها خيـــارات تت�سمن لزامـــا خ�سائر يف

الولءات والتحالفات -ل�سيما يف دول قبلية

وع�سائرية-، فـــاإن اخللف حول ال�سيا�سات

الواجب اتباعها منهك ومدمر.

يف الوقـــت الراهـــن حتـــاول اإدارة الرئي�ـــس

اإذا كانـــت �ست�ستجيـــب اأوبامـــا تقريـــر مـــا

جنـــود باإر�ســـال اجلـــرالت ل�سغـــوط

اإ�سافيـــني يف حـــرب غري �سعبية بـــل وبوجود

�سغـــوط داخلية اأمريكية متمثلـــة يف الهموم

القت�ساديـــة والرعايـــة ال�سحية. اأمام هذه

اخليارات املعاقة هنـــاك �سندوق )بندورا(

من املفاجـــاآت ال�سيئة، فالرتكيـــز الأمريكي

على العراق بنتائجه املتوا�سعة، حجب متدد

منظمـــات م�سلحـــة متطرفـــة، ففـــي منطقة

وزير�ستان ووادي �سوات منت حركة طالبان

باك�ستان والتي تفـــوق يف تهديدها وتطرفها

الأيديولوجـــي نظريتهـــا الأفغانية، ثم هناك

التمـــرد احلوثـــي يف اليمـــن حيـــث مزجـــت

الدعايـــة احلوثيـــة بـــني معـــاداة احلكومـــة

واحلـــرب �ســـد اأمريـــكا واإ�سرائيـــل، وميكن

ملحظـــة اأنـــه يف الوقـــت الـــذي تراجعـــت

فيـــه ن�ساطـــات تنظيـــم القاعـــدة يف العراق

وبع�ـــس البلـــدان التـــي كانـــت نا�سطـــة فيه،

عادت اأفغان�ستـــان وال�سومال لت�سبح ماأوى

ح�سينـــا للن�ســـاط املتطـــرف واخلـــارج عن

ال�سيطـــرة واملتابعة. اأي اأنـــه يف الوقت الذي

ذهبت اأمريـــكا لت�سفي القاعدة هناك منت

عـــدة مواطـــن للقاعدة. اليـــوم، يعترب بع�س

املراقبـــني اأن تهديد طالبـــان باك�ستان يفوق

تهديـــد الطالبـــان الأ�سلية، ثـــم اإن الن�ساط

الع�سكـــري اليـــوم يف�ســـل يومـــا بعـــد يوم يف

اأفغان�ستـــان باعرتاف اجلـــرال ماكري�ستال

حيث باتت طالبان ت�سيطر على ثلث م�ساحة

الأرا�سي الأفغانية.

ما العمل؟ ل �سك، اأن مواجهة تزايد الن�ساط

امل�سلـــح �سروري، بيد اأن احللـــول الع�سكرية

وحدهـــا ل ت�سمـــن الن�سر بـــدون توافر اأفق

�سيا�سي معقول. الزخم )momentum( ال�سيا�سي

والع�سكري مهمان، وهما مرتبطان ببع�سهما

البع�س. اإدارة الرئي�س اأوباما ل تريد خ�سارة

احلرب هناك اأو فقدان ثقة اجلرالت، كما

اأنهـــا ل تريد اأن تدعم حربـــا ل تتمتع بغطاء

�سعبي ل�سيما من رئي�س يفرت�س به اأن يكون

قائد �سلم حائز على جائزة نوبل. يف الوقت

ذاته، جتد احلكومـــة الباك�ستانية نف�سها يف

موقع �سعب، حيـــث ت�ست�سعر تنامي التهديد

الأ�سويل يف منطقة القبائل، وكما جربت يف

العمليات الع�سكرية الأخرية يف وادي �سوات

فاإن التكلفة الب�سرية ل�سيما �سقوط املدنيني

واآلف املهجريـــن يخلـــق ال�سغائـــن واملقـــت

عادل بن زيد الطريفي

جريدة »الريا�ض« ال�سعودية

14 ت�سرين االأول/اأكتوبر 2009

جدل حول ال�سيا�سات .. من �سعدة

اإىل وزير�ستان

عني على اليمن اليمن والعامل

رغـــم الإخفاقـــات العديـــدة التـــي منيت بها

الرئي�ـــس يف منطقـــة القاعـــدة يف معقلهـــا

القبائل على احلدود الباك�ستانية ـ الأفغانية،

فـــاإن التنظيـــم مـــا زال ميار�ـــس ن�ساطاتـــه

ب�ســـورة متزايـــدة وبقوة اأكـــرب يف عديد من

مناطـــق العـــامل، مـــن اأهمهـــا اليمـــن. فقد

�سهدت ال�سنوات الأخرية تناميا ملحوظا يف

العمليات التي تقوم بهـــا القاعدة يف اليمن.

ويزداد الأمر خطورة يف ظل الأزمات العديدة

التـــي تع�سف بالدولة اليمنية �سواء من جهة

اأو الدعـــوات متـــرد احلوثيـــني يف ال�سمـــال

النف�سالية املت�ساعدة يف اجلنوب.

ويف هـــذا ال�سياق نظمت موؤ�س�ســـة كارنيجي

لل�ســـلم الدويل ندوة حتت عنوان “القاعدة

يف اليمن” موؤخرا اأدارها كري�ستوفر بو�سيك

الباحـــث بربنامـــج ،Christopher Boucek

ال�ســـرق الأو�ســـط باملوؤ�س�ســـة، و�ســـارك فيها

Gregory D. كل مـــن جريجـــوري جون�ســـون

Johnsen، الذي عمل مبوؤ�س�سة فولربايت يف

اليمن، و�ساري فيلرو�سا Shari Villarosa، نائب

من�ســـق ال�ســـوؤون الإقليمية يف مكتـــب من�سق

مكافحة الإرهاب.

يـــرى جريجـــوري جون�ســـون اأن هنـــاك قلقا

متزايـــدا مـــن اأن ال�سغـــط املتنامـــي الـــذي

تتعر�س له القاعدة يف باك�ستان واأفغان�ستان

قـــد يدفعهـــا اإىل اإعـــادة جتميـــع نف�سهـــا يف

اأماكن مثـــل اليمن. ورغـــم اأن جون�سون يقر

بوجود اأ�سباب ثيولوجية )لهوتية اأو عقدية(

واأ�سبـــاب ظرفية تدعم هذا القلق، فاإنه يرى

اأن امل�سلمة القائلة باأن ال�سغط الأمريكي يف

اأحد اأجزاء العامل م�سئـــول ب�سورة مبا�سرة

عـــن اإعـــادة ظهـــور املنظمـــات الإرهابية يف

اأماكـــن اأخـــرى لي�ســـت حقيقية، علـــى الأقل

عندمـــا يتعلـــق بعـــودة القاعـــدة للظهـــور يف

اليمن. فالقاعدة، طبقـــا جلون�سون، اأعادت

جتميـــع وتنظيم نف�سها يف اليمن لي�س ب�سبب

جناحات الوليات املتحـــدة يف اأي مكان من

العـــامل، بل علـــى العك�ـــس كنتيجـــة مبا�سرة

لف�سل اليمن والوليات كل على حدة.

وي�سري اإىل اأن تنظيـــم القاعدة يف اليمن قد

مر مبرحلتـــني رئي�سينت: املرحلـــة الأوىل يف

الفرتة من اأكتوبـــر 2000 اإىل نوفمرب 2003،

والثانيـــة، وهـــي املرحلة احلاليـــة، بداأت يف

نوفمرب 2006 مع هروب ما يقرب من 23 من

عنا�سر القاعدة امل�ستبه بهم من اأحد

�ســـد احلكومة اأكرث ممـــا ي�ساهم يف ت�سفية

الطالبـــان. احلكومة اليمنية كذلك، واجهت

خيـــارا �سعبـــا يف تنفيـــذ ال�سربـــات اجلوية

ملعاقـــل التمـــرد اجلبلية املح�سنـــة، وهي ما

تزال حتى ال�ساعة جتاهد حل�سر املواجهات

خارج التجمعات املدنية.

يف بداية ا�ستداد الت�سعيد احلربي يف فيتنام،

كان الأمريكيـــون بـــني خيارين اإمـــا تخفيف

تواجدهم واإعـــادة التمركز يف مكان اآخر يف

�سرق اآ�سيا، اأو ار�سال املزيد من اجلنود وقد

فعلوا، وطالـــت احلرب ل�سنـــوات. هل كانت

�سروريـــة؟ رمبا، فمعايري الربـــح واخل�سارة

يف املقايي�س ال�سرتاتيجية خمتلفة. بالن�سبة

لأولئـــك الذيـــن دعمـــوا احلـــرب كان ذلـــك

الوليـــات تنت�ســـر مل واإن حتـــى �سروريـــا

املتحـــدة ب�ســـكل كامـــل �ســـد خ�سمهـــا، لأن

الهـــدف الأهم هـــو اأن ل يحـــدث الن�سحاب

الأمريكـــي اأ�ســـرارا جيو�سيا�سيـــة مل�سالـــح

الوليـــات املتحـــدة يف اآ�سيـــا وبقيـــة العامل،

ومن اأجل اأن يـــدرك اخل�سوم –واللعبون

ال�سغـــار الذيـــن تتبـــدل ولءاتهـــم ل�سالـــح

القـــوي- اأن الوليات املتحـــدة ل تت�ساهل يف

مواجهة الذين يتحدون �سيا�ساتها.

�سواء كان ذلك �سحيحا اأم خاطئا، فاإن الأهم

بالن�سبـــة لأولئـــك الذيـــن يدعمـــون مواجهة

الن�ساط امل�سلح هـــو اأن ل يت�سبب الن�سحاب

للدولـــة. الأ�سا�سيـــة امل�سالـــح تقوي�ـــس يف

احلكومـــة اليمنيـــة تواجـــه التمـــرد احلوثي

لأن القبـــول به يعني فتح بـــاب التق�سيم لكل

جماعة ترغب يف حتـــدي احلكومة. مواجهة

طالبـــان يعني اأن ل تتكرر اأحداث 11 اأيلول/

�سبتمـــرب. مواجهة القاعـــدة يعني اأن ل يعود

م�سل�سل العمليات النتحارية اإىل الواجهة يف

بلدان املنطقة.

املع�سلـــة هنا، اأن اإر�ســـال املزيد من اجلنود

يعنـــي �سقوط املزيد مـــن ال�سحايا الأبرياء،

اأو اإيجاد الظروف املنا�سبة للتغرير بع�سرات

ال�سبان ملواجهة املحتل اأو احلكومة. اإذا ازداد

زخم الن�ساط امل�سلح ا�ستطاع انتزاع ولءات

النا�ـــس بالقوة لأنهم يدركـــون اأنه الرابح يف

املعركـــة، وازدادت قدرته على جتنيد املزيد

اإىل �سفوفـــه. يف املقابـــل، اإذا ازداد زخـــم

النت�سارات الع�سكريـــة مع قدوم املزيد من

اجلنـــود ازدادت قدرة اجليو�ـــس على فر�س

الأمـــن وا�ستعادة ال�سيطـــرة، وبالتايل ازداد

الزخـــم ال�سيا�سي الداعـــم لتوجهات القادة

ال�سيا�سيني. كمـــا نرى م�سكلة “الزخم” اأنه

ي�سلح تف�سريا لكل الطرفني.

بيـــد اأن الأكيـــد هـــو اأن املكا�ســـب ال�سيا�سية

تتغري بتغـــري الظروف وامل�سببات، متاما كما

يدور احلكم مع العلة وجودا وعدما. املواجهة

الع�سكرية لها اأبعاد فنيـــة حربية و�سيا�سية،

ولكنها حتمل قدرا كبريا من املقامرة، فكما

يقال للفوز األف اأب، والهزمية يتيمة.

ندوة

موؤ�س�سة كارنيجي لل�سام الدويل

7 متوز/يوليو 2009

»القاعدة« فـي اليمن

Page 29: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 58 59ا�سرتاتيجية

�سجـــون اليمن. وبني هذيـــن املرحلتني، كان

هناك فا�سل زمني ملـــدة عامني، بدا خلله

اأن القاعدة قد هزمـــت ب�سورة كبرية. لكن

بدل مـــن تاأمني هذا الفـــوز، تعاملت كل من

احلكومة اليمنيـــة والأمريكية مع الفوز على

القاعـــدة كاأنـــه مطلـــق وم�سمـــون، ومن ثم

تراجعـــت القاعدة مـــن اأولويـــات الطرفني،

ومت ا�ستبدالهما باأمـــور اأخرى اأكرث اإحلاحا.

)للمزيد من التفا�سيل، اأنظر مقال جون�سون

ال�سابق ايراده �سمن »عني على اليمن«(

من جهتهـــا، ت�سري �ســـاري فيلرو�سا اإىل اأن

الو�ســـع الأمني يف اليمن قـــد تدهور ب�سورة

ملحوظـــة، ونتيجة لذلـــك فاإن موقـــع اليمن

اجلغـــرايف، وافتقـــاره للتنميـــة القت�سادية

و�سعـــف املوؤ�س�ســـات احلكومية، يثـــري القلق

من اأن يتحول اليمن اإىل ملذ اآمن للقاعدة.

وبجانب هذا الو�سع الأمني املتدهور، يعاين

اليمن من م�ســـكلت واأزمات اأخرى عديدة،

ح�سبما تذكـــر فيلرو�سا. فمعظـــم اإيرادات

احلكومـــة اليمنيـــة تاأتي من النفـــط، ويتوقع

معظـــم املحللـــني اأن يتحول اليمـــن من دولة

م�سدر للنفط اإىل دولة م�ستوردة يف غ�سون

اخلم�س �سنوات القادمـــة. كما يعاين اليمن

من نق�س يف كميات املياه املتاحة، وانخفا�س

يف موؤ�ســـرات التنمية مقارنة بالدول الأخرى

يف ال�ســـرق الأو�ســـط، ب�ســـكل يجعـــل اليمـــن

اأقـــرب اإىل دول اأفريقيـــا جنـــوب ال�سحراء

منـــه اإىل دول ال�سرق الأو�ســـط. اإ�سافة اإىل

اأن احلكومـــة املركزية ل ت�سيطر ب�سكل كامل

علـــى كل اأجزاء البلد، ففـــي ال�سمال هناك

متـــرد مت�ساعـــد مـــن قبـــل احلوثيـــني، ويف

اجلنوب هناك توترات م�ستمرة.

وبالإ�سافة لهذه امل�سكلت، يعاين اليمن من

م�سكلت �سبـــط احلدود، والأمـــن البحري

غـــري الكفء. كما ميثل املواطنـــون اليمنيون

ن�سبـــة كبرية مـــن املقاتلني الأجانـــب الذين

يحاربـــون مـــن اأجـــل القاعدة حـــول العامل،

وخا�ســـة يف العراق وباك�ستـــان واأفغان�ستان.

وهنـــاك موؤ�سرات علـــى اأن هـــوؤلء املقاتلني

ا، ح�سبما يعـــودون اإىل اليمن. وهنـــاك اأي�س

تذكـــر فيلرو�ســـا، ق�سية تهريـــب الأ�سلحة،

فاليمـــن، الذي يبلـــغ عدد �سكانـــه 22 مليون

ن�سمة، لديـــه ما يقرب مـــن 60 مليون قطعة

�ســـلح. وهـــذه الأ�سلحة لي�ســـت فقط يف كل

مـــكان، بـــل اإنهـــا تنقل ب�ســـورة �سائعـــة اإىل

ال�سومال وتغذي عدم ال�ستقرار ال�سائد يف

املنطقة.

وفيما يتعلق مبواجهة القاعدة، فرغم اإبداء

احلكومـــة اليمنيـــة لرغبتها يف التعـــاون مع

الوليات املتحدة، واتخاذها بع�س اخلطوات

يف هذا الإطار من قبيل اعتقال امل�ستبه بهم،

فـــاإن القدرات اليمنية يف هذا املجال ل تزال

حمدودة، ومن ثم يتطلع اليمن اإىل الوليات

املتحدة وغريها من الدول لتقدمي امل�ساعدة

من خلل التدريب والت�سهيل.

ومن جانبها تريد الوليات املتحدة م�ساعدة

اليمـــن، “لأنها ل تريد اأن ترى اليمن يتحول

اإىل اأفغان�ستان اأخـــرى، حيث بو�سع القاعدة

اأن تدرب وتخطط وتنفذ العمليات الإرهابية

�سواء �سد الوليات املتحدة اأو �سركائها حول

العـــامل اأو يف اأي مـــكان يف املنطقة”، وذلك

ح�سب كلمات فيلرو�سا. وتتمثل ا�سرتاتيجية

الوليـــات املتحدة يف تقليـــل التهديدات التي

تواجهها م�ساحلها القومية وحماولة حت�سني

ال�ستقـــرار يف اليمن، الأمـــر الذي من �ساأنه

اأن ي�ساعد يف توفري ال�ستقرار الإقليمي.

ويف هـــذا الإطـــار تقـــوم الوليـــات املتحـــدة

بعديد من اخلطـــوات هدفها حتقيق التنمية

القت�سادية والب�سرية، وتعزيز الدميقراطية

واحلكم الر�سيد وحت�ســـني التعليم والرعاية

ال�سحية، وذلك ملواجهة القاعدة يف اليمن،

طبقا لفيلرو�سا. فمـــن ناحية تدفع الإدارة

باجتـــاه اإ�ســـدار اليمـــن لت�سريع قـــوى يتعلق

مبكافحـــة ومتويل الإرهاب، ميكن اليمن من

حماكمة الإرهابيني ومن ميولهم باملال. كما

حتـــث الوليـــات املتحـــدة احلكومـــة اليمنية

على تطوير برنامج لإعادة تاأهيل املتطرفني

املوجودين يف ال�سجون اأو الذين �ست�ستقبلهم

معتقلـــي مـــن %40( امل�ستقبـــل يف اليمـــن

جوانتانامـــو هـــم مـــن اليمن(. ومـــن ناحية

ثانية تدفـــع الوليات املتحـــدة اليمن باجتاه

تعزيـــز التدابري الأمنية على احلدود، وذلك

للحد مـــن تهريب ال�سلح، ومـــرور املقاتلني

الأجانب.

ومـــن ناحية ثالثـــة توفـــر الوليـــات املتحدة

برامج “تدريب لفر�ـــس القانون”، بوا�سطة

مكتـــب الأمن الدبلوما�ســـي، وذلك منذ عام

1998. ورغم اأن بع�س املحا�سرات التدريبية

قد اأ�سبحت اأكرث �سعوبة يف ال�سنوات الأخرية

ل�سيمـــا يف ظل الأو�ســـاع الأمنية املتدهورة،

فـــاإن الإدارة الأمريكية ت�سعى للح�سول على

متويـــل اأكرث لهذه الربامـــج. ويف هذا الإطار

قام فريـــق لتقييم نظم التمويـــل بزيارة اإىل

اليمن يف عام 2007.

ومـــن ناحية رابعـــة تتطلع الوليـــات املتحدة

مل�ساعدة اليمنيني يف بناء وحدة ا�ستخبارات

خا�سة مبكافحة متويل اجلماعات الإرهابية،

وتوفري التدريب لعنا�ســـر هذه الوحدة حول

كيفية اإجـــراء التحقيقـــات املتعلقـــة بتمويل

املنظمات الإرهابيـــة، وكذلك تعليم املدعني

والق�ساة اإجراءات مكافحـــة غ�سيل الأموال

املتعلقة بتمويل الإرهاب.

ومن ناحية خام�ســـة قامت الوليات املتحدة

بزيـــادة امل�ساعـــدات التـــي يقدمهـــا برنامج

USAID اإىل اليمن من 9.3 مليون دولر عام

2008 اإىل 24 مليون دولر عام 2009. وتركز

هـــذه امل�ساعـــدات، طبقـــا لفيلرو�ســـا، على

جمالت: ال�سحة والتعليم واحلوكمة وتعزيز

النمـــو القت�سادي. واإ�سافة لذلك فقد تلقى

مليون دولر اليمن يف عـــام 2009، نح���و 2.8

كتمويل ع�سكري اأجنبـــي، و60 مليون لتمويل

وت�سليـــح قـــوات الأمـــن، و 3.4 مليـــون لدعم

ا�سرتاتيجيـــة “ارتبـــاط مـــا بعـــد القبلية”.

واإ�سافـــة اإىل ما �سبـــق، تقـــوم وزارة الدفاع

الأمريكيـــة وقـــوات خفـــر ال�سواحـــل بتوفري

الدعم والتدريب لقوات الأمن اليمنية.

هـــذه اخلطـــوات التـــي تقـــوم بهـــا الوليات

املتحـــدة، ح�سبمـــا تـــرى فيلرو�ســـا، لي�ست

فقـــط من اأجـــل اليمـــن، “فـــاإذا نظرنا اإىل

اخلريطـــة �ســـرى اأن تدهـــور الأو�ســـاع يف

اليمـــن �سيوؤثر لي�س فقـــط يف اململكة العربية

يف �سيوؤثـــر بـــل اخلليـــج، ودول ال�سعوديـــة

ال�سومـــال ب�ســـكل خا�ـــس”. فاأكـــرب جتمـــع

لل�سوماليـــني يف اخلارج موجـــود يف اليمن،

كمـــا اأن عدم ال�ستقـــرار يف اليمن يوؤدي اإىل

عـــدم ال�ستقـــرار يف ال�سومـــال. ولذا ت�سري

فيلرو�ســـا اإىل اأن ال�ستقـــرار يف اليمن اأمر

هام لي�س فقط ملنطقـــة ال�سرق الأو�سط، بل

ا ملنطقة القرن الأفريقي. ومن ثم تنظر اأي�س

الوليات املتحدة اإىل اليمن وال�سومال كاأحد

اأولويـــات حماربـــة الإرهـــاب بعـــد باك�ستان

واأفغان�ستان.

عني على اليمن اليمن والعامل

قــــد ينفجر التوتر القائم منــــذ فرتة طويلة بني

احلكومــــة اليمنية وع�ســــرية متمردة يف منطقة

نائيــــة على احلدود )مــــع ال�سعوديــــة( اإىل اأزمة

اإقليميــــة كــــربى، حيــــث ت�ســــري تقاريــــر و�سائل

الإعلم بــــاأن التوتر القائــــم يتميز بخ�سائ�س

اندلع حــــرب بالوكالة بني ال�سعوديــــة واإيران.

ففــــي 10 ت�سريــــن الثاين/نوفمرب، حــــذر وزير

اخلارجية الإيــــراين منو�سهر متقي من حدوث

تدخل اأجنبــــي، يف اإ�سارة وا�سحــــة اإىل اململكة

العربيــــة ال�سعوديــــة. وهناك احتمــــال وارد باأن

ت�سبــــح اليمــــن دولة فا�سلــــة، يف الوقــــت الذي

اأ�سبحــــت فيه بالفعل مــــلذا لعنا�ســــر تنظيم

»القاعــــدة«. يبدو اأن التعامل مــــع هذا التحدي

�سيكــــون مبثابــــة اختبــــار مبكــــر لل�سلحيــــات

التنفيذيــــة التــــي يتمتع بها اجليــــل اجلديد من

القيادة ال�سعودية.

هجوم القوات احلكومية

يعــــود القتــــال الدائــــر حاليــــا )بــــني احلكومــــة

اليمنيــــة واملتمردين( اإىل �سهــــر اآب/اأغ�سط�س

املا�ســــي، عندما بداأت حكومــــة �سنعاء هجوما

�ســــد املقاتلــــني مــــن ع�ســــرية احلوثــــي الذيــــن

كانــــوا يحا�ســــرون الطرق يف املناطــــق اجلبلية

�سمــــال غرب البلد، قرب احلــــدود مع اململكة

العربيــــة ال�سعوديــــة. واأطلقــــت احلكومــــة على

ذلك الهجوم ا�سم عملية “الأر�س املحروقة”،

واعتربت اأعمال املتمردين انتهاكا للهدنة التي

مت ترتيبها يف العــــام املا�سي. لقد كانت هناك

�سعوبات يف عملية مكافحة املتمردين: فقد مت

اعتقــــال بع�س اجلنود من القــــوات احلكومية،

كما اأظهرت لقطات فيديو عر�سها املتمردون،

مدرعــــات مينيــــة مدمــــرة. وقد فــــر الكثري من

اللجئــــني من املنطقة، كمــــا كان هناك بع�س

املدنيني من بني ال�سحايا.

يقــــول احلوثيــــون، الذيــــن ي�ستمــــدون ا�سمهــــم

مــــن عائلــــة زعيمهــــم، باأنهــــم يريــــدون املزيد

من احلكــــم الذاتــــي املحلي ودورا اأكــــرب لأتباع

مذهبهم الزيدي ال�سيعــــي الأ�سل يف الإ�سلم،

الذي عادة ما يعتــــرب معتدل. وتتمتع املجموعة

بعلقة وثيقة مع ال�سنة املحليني، الذين ي�سكلون

الأغلبيــــة. ويف الواقــــع، اأن الرئي�س اليمني علي

عبد اهلل �سالح هو نف�ســــه زيدي. وحتى اندلع

القتــــال الخــــري، عــــادة مــــا كانــــت التحليلت

امل�ستنــــدة علــــى املناق�سات املتعلقــــة بالنق�سام

ال�سني ال�سيعي غري منا�سبة لليمن، بالرغم من

اأن تلك التحليلت كانــــت يف كثري من الأحيان

و�سيلة مفيــــدة لفهم اأجزاء اأخــــرى من ال�سرق

الأو�ســــط. ومع ذلك، فاإن القتــــال الدائر حاليا

يف �سمال اليمــــن لديه ما يوؤهله لأن يكون حربا

بالوكالــــة، تقوم فيــــه اإيــــران )ال�سيعية( بدعم

املتمردين احلوثيني بينمــــا ترد اململكة العربية

ال�سعودية )ال�سنية( على ذلك بدعمها الرئي�س

اليمنــــي علي عبــــد اهلل �سالــــح. ويعــــود القتال

بــــني احلوثيني والقــــوات احلكومية اإىل الأعوام

2005، وا�ستمــــر حتى بعــــد مقتل زعيم - 2004

املتمردين ح�سني احلوثي. ويف عام 2007 اندلع

املزيد مــــن القتال، ولكن القائــــد اجلديد عبد

امللك احلوثي، �سقيق ح�سني احلوثي، وافق على

اتفاقيــــة لوقف اإطلق النــــار. لكن ال�ستباكات

اندلعــــت مرة اأخــــرى يف اأوائل عــــام 2008، قبل

اأن يتمكن الدبلوما�سيون القطريون من ترتيب

هدنة بني الطرفني.

وعلى الرغــــم من اأن القــــوات احلوثية ل متلك

طائــــرات وعربــــات مدرعــــة، يقــــال اإن لديهــــا

ميزة تكتيكية يف عمليــــات املواجهة مع القوات

اليمنيــــة ب�سبب اأعدادهــــا وتدريبها، ف�سل عن

ا�ستخدامهــــا املاهر للألغــــام الأر�سية. وتظهر

املواقــــع احلوثيــــة على �سبكــــة الإنرتنــــت اإقامة

جتمعــــات وا�سعــــة مب�ساركة ح�ســــور كبري، اإىل

جانب قيــــام تدريبات متوالية على درجة عالية

ــــر )املتتبعــــني( بن�ساطات مــــن الن�سبــــاط تذك

حــــزب اهلل يف لبنان. وتدعــــم ادعاءات حكومة

�سنعــــاء عــــن وجــــود تــــورط اإيراين مــــن خلل

ن�ســــر ال�سعارات علــــى اإحدى مواقــــع احلوثيني

علــــى �سبكة النرتنت وهــــي: “اهلل اأكرب، املوت

لأمريكا، املوت لإ�سرائيــــل، اللعنة على اليهود،

والن�سر للإ�سلم”. ويوحي هذا الإ�سلوب عن

وجــــود اأهداف تتجــــاوز بكثري ال�سعــــي لتحقيق

احلكم الذاتي املحلي.

ويف 4 ت�سريــــن الثاين/نوفمــــرب، �سنــــت القوات

اجلويــــة ال�سعوديــــة هجمــــات �ســــد املتمرديــــن

احلوثيــــني با�ستخدامهــــا مقاتــــلت مــــن طراز

اإف -15 وطائــــرات تورنادو للهجوم على املواقع

الأر�سيــــة. ووفقــــا ملــــا اأعلنتــــه الريا�ــــس، كان

املتمــــردون قد عربوا احلدود اإىل داخل اململكة

العربية ال�سعودية، وقتلوا عددا من ال�سعوديني.

وقد نفت كلتا العا�سمتني تقارير و�سائل الإعلم

عن ق�سف الطائــــرات ال�سعودية لأهداف عرب

احلــــدود يف اليمن. وبعــــد ذلــــك، يف 8 ت�سرين

الثاين/نوفمــــرب، حتطمــــت مقاتلــــة مينيــــة يف

حــــادث ن�ســــب م�سوؤولون يف �سنعــــاء وقوعه اإىل

م�ســــاكل ميكانيكية؛ بيد ادعــــى املتمردون باأن

نريانهم امل�سادة للطائرات هي التي جنحت يف

اإ�سقــــاط تلك املقاتلة. وترجــــع الق�سة احلالية

حــــول قيام تــــورط اإيراين حمتمــــل، اإىل اأواخر

ت�سرين الأول/اأكتوبر املن�سرم، عندما اأوقفت

اليمــــن �سفينة اإيرانية حمملــــة بال�سلح �سملت

اأي�سا اأ�سلحة م�ســــادة للدبابات. ومما ي�ساف

اإىل هــــذه الق�ســــة املثــــرية، هو اأحــــدث �سريط

فيديو مت بثه على اإحــــدى مواقع احلوثيني على

�سبكــــة النرتنــــت، يظهــــر جنديــــا �سعوديا من

القــــوات اخلا�ســــة وقــــع يف الأ�ســــر، ف�سل عن

اأ�سلحة ومركبات �سعودية كان قد مت الإ�ستيلء

�ساميون هندر�سون

معهد وا�سنطن ل�سيا�سات ال�سرق االأدنى

10 ت�سرين الثاين/نوفمرب، 2009

حرب �سغرية اأو م�سكلة كبرية؟ القتال

على احلدود اليمنية ال�سعودية

Page 30: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 60 61ا�سرتاتيجية

عليهــــا، بالإ�سافــــة علــــى مــــا يبدو اأنهــــا طائرة

�سعودية تق�سف الفو�سفور الأبي�س على مواقع

املتمردين يف اجلبال.

التداعيات االإقليمية

قد تكون للأزمــــة يف اليمن عواقب وخيمة على

اأمــــن اخلليــــج. فاليمــــن، الدولة الأكــــرث كثافة

يف �سبــــه اجلزيــــرة العربية من ناحيــــة ال�سكان

والأكــــرث فقرا فيها – هي اأي�سا اأفقر بلد عربي

ب�ســــورة اإجمالية، ح�سب قيا�ــــس الناجت املحلي

الإجمايل للفرد الواحد. وتقع القارة الأفريقية

علــــى بعد ثمانيــــة ع�سر ميل فقــــط من اليمن،

عرب م�سيق بــــاب املندب، الذي مير من خلله

اأكــــرث من ثلثة مليني برميل من النفط يوميا

يف طريقــــه اإىل اأوروبا. كما تقع دولة ال�سومال

الفا�سلــــة عــــرب خليج عدن، الــــذي اأ�سبح حاليا

“وعاءا للقر�سنة”، كما اأنه كان موقعا لهجوم من قبــــل تنظيم »القاعدة« علــــى ناقلة نفط يف

عام 2002. هــــذا وينحدر اأي�سا والد اأ�سامة بن

لدن مــــن اليمن، التي ما زال يجد فيها الآلف

، وفقا للم�سئولني مــــن مقاتلي »القاعدة« ملجــــاأ

يف �سنعــــاء. وبالرغــــم مــــن اأن البــــلد كانــــت

قائمــــة ب�ســــورة اأو باأخرى مئات مــــن ال�سنني،

يعــــود ت�سكيلها احلايل اإىل عــــام 1990، عندما

احتدتا اليمــــن ال�سمالية واليمن اجلنوبية. ويف

عــــام 1994، �سحقت احلكومة متردا من جانب

جنوبيني �سعــــوا اإىل احل�سول على الإ�ستقلل،

ولكــــن ال�ستيــــاء مــــن هيمنــــة �سنعــــاء اآخذ يف

ال�ستمرار.

االآثار املرتتبة على ال�سعودين

مــــن الناحية التاريخية، حتــــذر اململكة العربية

ال�سعوديــــة مــــن التــــورط يف ال�ســــوؤون اليمنية.

فخلل احلرب الأهليــــة اليمنية يف ال�ستينيات

مــــن القــــرن املا�ســــي، وقــــف ال�سعوديــــون مــــع

اجلانــــب امللكي، يف حني دعمــــت م�سر القوات

اجلمهوريــــة التي انت�ســــرت يف النهاية. وكانت

القــــوات امل�سريــــة قــــد ا�ستخدمــــت الأ�سلحــــة

الكيميائيــــة يف تلــــك احلــــرب. وبعــــد عقود من

الزمــــن، عندمــــا دعــــم الرئي�س علــــي عبد اهلل

�سالح الرئي�س العراقــــي ال�سابق �سدام ح�سني

يف غــــزوه للكويت عــــام 1990، قامت ال�سعودية

بطرد مئــــات الآلف من اليمنيني، الذين كانوا

حتــــى ذلــــك احلــــني جــــزءا رئي�سيا مــــن قوتها

العاملــــة. كمــــا اأن احلــــدود بــــني البلدين كانت

اأي�سا مو�سع ت�ســــاوؤل، حيث طالب اليمنيون يف

ال�سابــــق باملحافظــــات اجلنوبيــــة للمملكة. ويف

حني مت الآن حل تلك امل�ساألة - على ما يبدو -،

تقوم الريا�س يف بع�س الأحيان باإهانة ال�سكان

املحليني، الذين غالبيتهــــم من الزيديني )كما

هو احلــــال بالن�سبــــة لليمنيني عــــرب احلدود(،

والإ�سماعيليــــني. وتتعر�ــــس كلتــــا املجموعتــــني

للتمييز مــــن قبل ال�سرطــــة الدينيــــة ال�سعودية

)التــــي تتبع املذهب الوهابــــي(. ويف اأوائل عام

2001، فقدت ال�سلطات ال�سعودية ب�سورة موؤقتة

ال�سيطرة على العا�سمــــة الإقليمية جنران بعد

اأن قامــــت ال�سرطة الدينية بحملة اتخذت فيها

اإجراءات �سارمة �سد اجلماعات املحلية.

خــــلل الأزمة احلاليــــة، تعهد جمل�ــــس الوزراء

ال�سعــــودي بـ “عدم الت�سامح مع املت�سللني”، يف

اإ�سارة وا�سحــــة اإىل املتمردين احلوثيني. ومن

املثري للإهتمام، اأن امللك عبد اهلل كان قد منح

وب�سورة فعالة، تفوي�س لإدارة )بع�س املنا�سب

احلكومية( اإىل اجليل املقبل من الأمراء. ففي

8 ت�سريــــن الثاين/نوفمــــرب، قــــام الأمري خالد

بــــن �سلطــــان، م�ساعد وزير الدفــــاع وجنل ويل

العهد املري�س الأمري �سلطــــان، بزيارة القوات

ال�سعوديــــة على احلدود حيث خ�س�س )حزام(

ميتد �ستــــة اأميال داخــــل الأرا�ســــي ال�سعودية،

كـ “منطقــــة تخ�سع لعمليات القتــــل”. وهناك

�سخ�سيــــة رئي�سية اأخرى مثل الأمري حممد بن

نايــــف بن عبــــد العزيز، رئي�س جهــــاز مكافحة

الإرهــــاب )م�ساعــــد وزيــــر الداخليــــة لل�ســــوؤون

الأمنيــــة(، الــــذي جنــــا مــــن املــــوت املحقــــق يف

اأواخــــر اآب/اأغ�سط�ــــس املن�ســــرم عندمــــا قام

مقاتل تابــــع لتنظيم »القاعــــدة« و�سل لتوه من

اليمن، بتفجري نف�ســــه بينما كان من املفرت�س

اأن يقوم بت�سليم نف�سه. كما ي�سارك اأي�سا جنل

العاهــــل ال�سعودي الأمري م�سعــــل بن عبد اهلل،

)يف املنا�ســــب الإداريــــة احلكوميــــة( حيث عني

يف وقــــت �سابــــق من هذا العــــام اأمــــريا ملنطقة

جنران، بالإ�سافة اإىل تعيني جنل �سقيق امللك

الأمــــري من�ســــور بــــن متعــــب، الــــذي حل حمل

والده الطاعن يف ال�ســــن با�ستلمه يف الأ�سبوع

)الول مــــن ت�سريــــن الثاين/نوفمــــرب( من�سب

وزير ال�ســــوؤون البلدية والقروية. وت�سعر اململكة

بقيام حتد خا�س يتمثــــل با�سطرارها ال�سماح

للحجــــاج اليمنيني بزيارة مدينــــة مكة املكرمة

خــــلل مو�سم احلــــج احلايل، علــــى الرغم من

التوتــــر القائــــم علــــى احلــــدود. ويف 8 ت�سريــــن

الثاين/نوفمرب احلايل، اأوعز الأمري م�سعل بن

عبد اهلل للم�سئولني ال�سعوديــــني باإبقاء املعابر

احلدودية مفتوحة.

�سيا�سة الواليات املتحدة

بالن�سبــــة لوا�سنطــــن، يزيــــد توتر احلــــدود من

تعقيد العلقات التي هي معقدة بالفعل. فمنذ

تفجــــري )ال�سفينــــة احلربيــــة الأمريكيــــة( “يو.

اأ�ــــس. اأ�ــــس. كول” مــــن قبل تنظيــــم »القاعدة«

يف مينــــاء عــــدن يف عــــام 2000، راأت الوليـــات

املتحـــدة بـــاأن اليمـــن مل تت�ســـرف بقـــوة كافيـــة

�ســـد مقاتلـــي »القاعدة«. وحتـــى اأولئك املقاتلني

طلـــق �سراحهم الذيـــن مت �سجنهـــم، غالبا مـــا اأ

اأو �سمـــح لهم علـــى ما يبدو بالفـــرار. ويعقد هذا

ال�سيناريـــو جهـــود حكومـــة الرئي�ـــس الأمريكـــي

اأوباما لإغـــلق معتقل جوانتانامـــو، الذي ي�سكل

فيـــه اليمنيـــون اأكرب وحـــدة وطنيـــة متبقية. وقد

ف�سلـــت حتى الآن جهود الوليـــات املتحدة لإقناع

الرئي�ـــس علي عبد اهلل �سالـــح بال�سماح باإر�سال

هـــوؤلء املعتقلـــني لي�ساهمـــوا يف برامـــج اإعـــادة

التاأهيـــل ال�سعوديـــة، لأن وا�سنطـــن ل تثق بقيام

اليمـــن برعايـــة املعتقلني مبا فيـــه الكفاية. ومن

ناحية اأخرى، عملت وا�سنطن بنجاح مع �سنعاء

لرتتيـــب هجـــرة اأع�ساء مـــن اجلاليـــة اليهودية

املتبقيـــة يف اليمـــن، التـــي كانـــت م�ستهدفة من

قبل كل مـــن احلوثيني وتنظيـــم »القاعدة«. وقد

اأو�سحت وزارة اخلارجيـــة الأمريكية راأيها باأنه

لن يتـــم حل ال�ســـراع بني احلوثيـــني واحلكومة

اليمنيـــة املركزية بالو�سائل الع�سكرية. ولكن من

جانبهم، يحذر امل�سئولون اليمنيون ب�سورة غري

علنيـــة باأن الدولـــة قد ت�سبح مهـــددة اإذا ل تتم

م�ساعدة �سنعاء بالإمـــدادات الع�سكرية وتعطى

لها حرية الت�ســـرف ملوا�سلة حملتها الع�سكرية.

وعلـــى اجلبهـــة الدبلوما�سية، تاأمـــل �سنعاء باأن

تتمكـــن مـــن جعـــل علقاتهـــا مـــع اإيـــران خالية

مـــن اللب�ـــس والغمو�ـــس، بينما تطلـــب يف الوقت

الراهـــن من احلوثيـــني، الذين يـــرتاوح عددهم

و7,000 رجل م�سلــــح، بالتخلي عن ب����ن 6,000

مواقعهــــم الع�سكريــــة. وتخ�سى �سنعــــاء من اأن

يهدف احلوثيــــون - بت�سجيع من طهران - اإىل

تقوي�ــــس م�سالح الوليات املتحــــدة وال�سعودية

يف هــــذه البقعة التي ت�سكل زاوية اليمن يف �سبه

اجلزيــــرة العربيــــة. و�سوف يتــــم اختبار نظرة

كهــــذه خلل اأ�سهــــر ال�ستــــاء املقبــــل، التي هي

اأف�ســــل وقت للقتال يف جبال اليمن، على عك�س

الكثري من بقية مناطق العامل.

عني على اليمن اليمن والعامل

املراقب االإ�سرتاتيجي

�سيا�سات اليوم وم�سارات الغد

ما وراء التقارب ال�سعودي - ال�سوري وما بعده

اإيران ما بعد اأزمة االنتخابات الرئا�سية..ماالذي ينتظرنا؟

م�سري التحالف ال�سوري - االإيراين

حمجوب الزويري

ر�سوان زيادة

معاذ الأ�سهبي

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية

Page 31: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 62 63ا�سرتاتيجية

اعتـــادت اإيـــران يف ظـــل اجلمهوريـــة الإ�سلميـــة علـــى اأن حدث

النتخابـــات املتكـــرر اإمنا هو يف احلقيقة و�سيلـــة لتجاوز الختلفات

وعوامـــل التناق�س بني الـــراأي العام الإيراين وبـــني النظام، من هنا

كان احلر�س علـــى اأن تكون ن�سبة امل�ساركة يف اأي انتخابات يف اإيران

عاليـــة، لأن هـــذه الن�سبـــة العالية لهـــا دللتها الكبـــرية يف ما يتعلق

بعلقة النظام مع ال�سعب.

لقـــد �سكلت نتائـــج النتخابات الرئا�سيـــة الإيرانيـــة بداية ف�سل

جديـــد يف تاريخ اجلمهورية الإ�سلميـــة، هذا الف�سل مل يقراأ منه اإل

مقدمته يف احلقيقة لأن الكثري من حمتويات هذا الف�سل رمبا حتتاج

اإىل مزيد من الوقت لقراءتها وفهمها بعمق. وقد طرح اإعادة انتخاب

الرئي�ـــس الإيـــراين حممود اأحمدي جناد �سوؤال كبـــريا حول ما ميكن

اأن تـــوؤول اإليـــه التطورات الداخليـــة يف اإيران، ومـــدى انعكا�سها على

�سيا�سات اإيران الإقليمية و الدولية وهو مو�سوع هذه الورقة.

الأمـــر الذي يبدو ملفتا للنتباه هـــو عن�سر املفاجاأة الذي اأ�ساب

الكثريين �سواء يف املنطقة اأو يف العامل ب�سبب ما جرى بعد النتخابات،

واإ�ســـرار قـــوى التيار الإ�سلحـــي على ال�ستمـــرار يف الحتجاج على

نتيجـــة النتخابات رغم القب�سة الأمنيـــة احلديدية التي واجهت بها

احلكومـــة تلك التطورات، وعن�ســـر املفاجاأة هذا اأي�ســـا امتد ليوؤكد

علـــى اأن هنالك نق�سا كبريا يف املعرفة حول اإيران، �سواء اأكان ذلك

يف الإقليـــم اأو يف العامل، ولعل ذلك يف�سر ما ذهب اإليه البع�س اأن ما

حدث رمبا يكون بداية نهاية نظام اجلمهورية الإ�سلمية.

النظــام فـــي اأزمــة لقـــد خلفـــت النتخابـــات الرئا�سية

الإيرانية جملة من الق�سايـــا التي ميكن القول باأنها اأ�سحت عنا�سر

�سعـــف للنظـــام بعـــد اأن كانـــت عنا�سر قـــوة، وهـــذه العنا�سر ميكن

اإجمالها يف ما يلي:

اأول: طرحـــت النتخابات الأخرية اأ�سئلة حول مدى نزاهة العملية

النتخابيـــة وجديتها يف اأن تكـــون ممثلة لراأي ال�سعـــب الإيراين وثار

حولهـــا كثري مـــن ال�سك والريبـــة واللغـــط، ف�سل عـــن الت�سكيك يف

الإجـــراءات املتبعة للت�سديق على �سرعيـــة املر�سحني هو الأمر الذي

يقـــوم فيه عـــادة جمل�ـــس �سيانـــة الد�ستور، وهـــذا الأمـــر ل يبدو اأن

النظام بحاجة اإليه يف هـــذا الوقت ل�سيما مع ارتفاع وترية املواجهة

مـــع الغرب فيما يتعلق بالربنامج النووي الإيراين. واملوؤكد اأن عن�سر

ال�سرعيـــة يف النتخابات مهم لأنه يعطي النظام �سرعية �سعبية تعزز

مـــن �سرعيته الدينيـــة التي تاأ�س�ســـت بناء على نظريـــة ولية الفقيه،

وهـــذان العن�سران )ال�سرعيـــة الدينية وال�سرعيـــة ال�سعبية( ي�ستند

اإليهما النظام يف مواجهة خ�سومه، �سواء يف الداخل اأو يف اخلارج.

زيل عنها ثوب لقـــد بدا وا�سحـــا اأن م�ساألة النتخابات يف اإيـــران اأ

امل�سداقيـــة، وهو الأمر الـــذي يرى من خلل املطالبـــة من قبل قوى

التيار الإ�سلحي ب�سرورة عقد انتخابات حرة ونزيهة حتت اإ�سراف

م�ستقل.

ثانيا: حدة اجلدل بني قوى التيار املحافظ وقوى التيار الإ�سلحي

اأخـــذت خلل هـــذه النتخابات منحـــى غري م�سبوق، ومـــع اأن هذا ل

ينفـــي بالطبع وجود تناف�س �سديد بني املحافظني والإ�سلحيني، لكن

الختـــلف هذه املرة و�سل اإىل درجـــة انق�سم فيها كبار قادة النظام

بني التيارين. فاملر�سد الأعلى للثورة الإ�سلمية اآية اهلل علي خامنئي

اأعلـــن بو�سوح اأنه يوؤيد الرئي�س اأحمدي جناد، وبالتايل فقد اأكد على

�سرعية النتخابات الرئا�سية العا�سرة. يف حني بدا رئي�س

ما الذي ينتظرنا؟مل يكن حدث االنتخابات الرئا�سية االإيرانية العا�سرة التي جرت يف 12 حزيران/

يونيو 2009 حدثا عاديا اأو عابرا بالن�سبة الإيران، اإذ اأن االنتخابات، التي دائما

ما تعقد الإعادة ح�سد الراأي العام خلف النظام ال�سيا�سي، اأفرزت هذه املرة نوعا من

االختاف، ال يبدو اأن غيومه �ستختفي �سريعا عن �سماء اإيران ال�سيا�سية.

حمجوب الزويري اأ�ستاذ الدرا�سات ال�سرق اأو�سطية مبركز الدرا�سات ال�سرتاتيجية، اجلامعة الأردنية.

حمجوب الزويري

املراقب اال�سرتاتيجي

اإيران ما بعد اأزمة االنتخابات الرئا�سية العا�سرة..

Page 32: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 64 65ا�سرتاتيجية

جمل�س ت�سخي�س م�سلحـــة النظام ورئي�س جمل�س خرباء القيادة

ها�سمـــي راف�سنجـــاين علـــى النقي�س؛ فموقفـــه بدا اأقـــرب اإىل قوى

التيـــار الإ�سلحي، وكان ذلك وا�سحا من الهجـــوم الذي �سنته عليه

قوىالتيـــار املحافظ ب�سبب عـــدم ا�ستنكاره ملواقـــف املر�سح اخلا�سر

مري ح�سني مو�سوي.

هـــذا النق�سام بني اأهم ال�سيا�سيني الإيرانيني انت�سرت عدواه اإىل

القيـــادات الدينية التي اختارت اأن تكون بعيـــدة عن ميدان ال�سيا�سة

اليومية، واأعني بهم املرجعيات الدينية التي يرتكز معظمها يف مدينة

قـــم. فالنتقادات التي وجههـــا املرجع الدين اآيـــة اهلل على منتظري

اإىل احلكومـــة الإيرانيـــة ب�سبـــب الإجـــراءات القمعيـــة التـــي اتبعتها

يف مواجهـــة املحتجـــني علـــى نتائج النتخابـــات الرئا�سيـــة العا�سرة،

جتـــاوزت جمرد النتقـــاد والحتجاج على تلك الإجـــراءات اإىل طرح

م�ساألـــة غاية يف الأهمية ترتبط بال�سرعيـــة ال�سيا�سية للنظام برمته.

الأمر الـــذي اأ�ساف اإىل اجلـــدل ال�سيا�سي الداخلي بعـــدا جديدا مل

يكـــن مطروحا من قبـــل، والأهم رمبـــا اأنه انعك�س خارجيـــا. فوزيرة

اخلارجيـــة الأمريكية، هيـــلري كلينتون، مل تـــرتدد يف احلديث عن

م�سكلة “امل�سروعية التي يواجهها النظام ال�سيا�سي الإيراين”.

ومل يقف احلد عند اآية اهلل منتظري بل جتاوزه اإىل ع�سو جمل�س

خـــرباء القيادة اآية اهلل د�ستغيب الذي حتـــدث عن جانب اآخر متعلق

بتغييـــب دور موؤ�س�سة جمل�س خرباء القيادة والـــذي تعد مراقبة اأداء

املر�ســـد الأعلـــى للثـــورة الإ�سلميـــة اآية اهلل علـــي خامنئـــي، مهمته

الأ�سا�سيـــة. اإن حديث اآية اهلل د�ستغيب له اأهميته ب�سبب الربط الذي

جرى نتيجة موقف املر�سد املعلن دعم اإعادة انتخاب الرئي�س اأحمدي

جنـــاد. وجوهر طرح املو�ســـوع يعود اإىل اأن املر�ســـد الأعلى يف اإيران

يجـــب اأن ل يتبنـــى موقف اأي تيار �سيا�سي باعتبـــاره مرجعية للجميع

ولي�ـــس لتيـــار اأو ل�سخ�س معني. هـــذا النقا�س ما يـــزال متوا�سل بني

مرجعيـــات متعـــددة وهناك حديث عـــن اجتماعات ليليـــة عقدت مع

مرجعيـــات مهمة مثل اآيـــة اهلل مكارم �سريازي، ويبـــدو اأنها مرتبطة

بتطورات الو�سع يف اإيـــران بعد النتخابات الرئا�سية. غري اأن امللفت

للنتباه اأكرث هـــو توا�سل اآية اهلل علي ال�سي�ستاين واملرجعية ال�سيعية

يف العـــراق مع مرجعيـــات اأخرى داخـــل اإيران ملناق�ســـة النعكا�سات

التـــي ميكـــن اأن ترتكها الأزمـــة ال�سيا�سيـــة التي اأعقبـــت النتخابات

الرئا�سية.

ثالثـــا: ع�سكرة امل�سهـــد ال�سيا�سي الإيـــراين. فالنظـــام ال�سيا�سي

الإيـــراين يعتمد على التفاعل بني رجال الدين ورجال ال�سيا�سة، لكن

التطـــورات التـــي اأعقبت اأحـــداث جامعة طهـــران 1999 يف ظل ولية

الرئي�س الإ�سلحي حممد خامتي، والتي هاجمت فيها قوات التعبئة

)البا�سيـــج( اأماكن �سكـــن الطلبة، اأعـــادت دور املوؤ�س�ســـة الع�سكرية

والأمنيـــة الإيرانيـــة يف احليـــاة ال�سيا�سيـــة اإىل الواجهـــة من جديد.

حينها رد القائد العام للحر�س الثوري والتعبئة رحيم �سفوي بطريقة

قويـــة على منتقدي �سلوك قوات التعبئة، اإذ توعد بقطع األ�سنة ورقاب

من يهددون النظام.

على اأن التدخل الع�سكري يف احلياة ال�سيا�سية تعزز اأكرث وبدا قويا

عقـــب انتخاب الرئي�س اأحمدي جناد يف حزيران/ يونيو 2005. حيث

ظهـــر دعم املوؤ�س�ســـة الع�سكرية له وتعزز طيلة فـــرتة جناد الرئا�سية

الأوىل وكذلك خـــلل اإعادة انتخابه للمرة الثانيـــة، وهو الأمر الذي

اأ�ســـار له املر�سحـــان اخلا�سران مري ح�سني مو�ســـوي ومهدي كروبي،

كمـــا اأ�ســـارت له كذلـــك الت�سريحـــات التي �ســـدرت من كبـــار قادة

احلر�س الثـــوري مثل حممد على جعفري الذي مل يخف رغبته يف اأن

يفوز الرئي�س اأحمدي جناد بفرتة رئا�سية ثانية. هذا كله طرح �سوؤال

حول تاأثري تدخل املوؤ�س�سة الع�سكريـــة يف ال�سوؤون ال�سيا�سية، وعلقة

ذلك مبو�سوع �سرعية النظام.

رابعا: ل يبدو اأن النقاط املثارة اأعله �ستكون بل تاأثري على �سورة

Image اإيران يف املنطقة ويف العامل. اإذ لطاملا عمل النظام ال�سيا�سي

الإيـــراين على اإظهار نف�سه كنظام دميقراطي واإ�سلمي، يعتمد على

ال�سرعية الدينية و�سرعيـــة �سناديق القرتاع معا، لكن هذه ال�سورة

يبدو اأنها تاأثرت مبا حدث داخليا، وهو اأمر �سيت�سح اأكرث يف امل�ستقبل

القريـــب. لذلك يجب عدم ا�ستبعاد ح�سول تغري يف املزاج العام اإزاء

اإيـــران، كمـــا اأن هـــذا املزاج قـــد يتغري بـــدوره اأي�سا يف حـــال حدوث

مواجهة بني اإيران واإ�سرائيل على خلفية طموحات طهران النووية.

تبعات اأزمة الداخل على �سيا�سات اخلارج اإن

العنا�ســـر التـــي �سبق ذكرهـــا ميكن اعتبارهـــا تبعات �سلبيـــة لنتائج

النتخابـــات الرئا�سية الإيرانية العا�ســـرة، على اأنه من املهم الرتكيز

هنـــا على تاأثري كل ذلـــك يف م�سارات ال�سيا�ســـة اخلارجية الإيرانية.

ويف هـــذا ال�سياق، من املهم الإ�سارة اإىل اأن تبعات الأحداث الداخلية

قـــد تدفع اإيران اإىل اإجراء تعديل تكتيكـــي يف مواقفها املتعلقة باأزمة

برناجمهـــا النووي، وهو الأمر الـــذي طرحته اإيران يف اجتماع جنيف

مع جمموعـــة 1+5، حيث قبلت اإيـــران بت�سدير ق�سم مـــن اليورانيوم

منخف�ـــس التخ�سيب )مـــن 3.5 اىل 19( اإىل رو�سيا وفرن�سا وحتويله

اىل �سفائح ت�ستخدم يف املفاعلت الإيرانية لأغرا�س بحثية اأو لتوليد

الطاقـــة. واإن كان هـــذا القـــرتاح - كمـــا يبدو - لن يغـــري الكثري يف

م�سار اأزمة الربنامج النووي ل �سيما يف ظل ا�ستمرار م�سكلة الت�سور

ال�سلبي املتبادل بني الدول الغربية واإيران.

حقيقة اجلغرافيا ال�سيا�سية �ستبقي اإيران العبا ال ميكن اإغفاله يف معادالت املنطقة

بغ�ض النظر عن طبيعة النظام ال�سيا�سي الذي ي�سيطر على مقاليد االأمور

املراقب اال�سرتاتيجي

ويف �سيــــاق مت�ســــل، ميكن القــــول اأن هناك ثلثــــة �سيناريوهات

حمتملة فيما يخ�س م�ســــار ال�سيا�سة الإيرانية اخلارجية والداخلية

خلل الفرتة املقبلة:

ال�سيناريــــو الأول يتمثــــل يف العمــــل علــــى تهدئة جميــــع اجلبهات

الداخليــــة منهــــا واخلارجيــــة تكتيكيا، وهــــذا يعني داخليــــا اطلق

عــــدد مــــن ال�سجناء على ذمة اأحــــداث ما بعــــد النتخابات، وكذلك

ال�ستمــــرار يف احلــــوارات الداخلية بني “كبار القــــوم” كما �سماهم

ها�سمي راف�سنجــــاين. وثمة تاأكيد باأن هناك ت�سور قد مت حت�سريه

وت�سليمــــه اإىل مكتــــب املر�سد الأعلى للثــــورة ال�سلمية اأية اهلل علي

خامنئي. ويف هذا الإطار ميكن فهم اخلطوة الإيرانية حول اإمكانية

قبول اإيران تخ�سيب بع�س كميات اليورانيوم يف رو�سيا اأو فرن�سا.

ال�سيناريــــو الثــــاين يركــــز علــــى اإحتماليــــة اأن تركز اإيــــران على

احتواء تطورات امل�سهد ال�سيا�سي الداخلي وكذلك التبعات املختلفة

لقــــرارات املقاطعــــة القت�ساديــــة. وهذا قــــد يعني ح�ســــول تراجع

ن�سبــــي يف الدور الإقليمي لإيران، ل�سيمــــا يف ملفات �ساخنة كامللف

الفل�سطينــــي واللبنــــاين والعراقي. بيــــد اأنه من املهم هنــــا الإ�سارة

اإىل اأن هــــذا الرتاجع �سيكون بطيئا، كمــــا �سريتبط بقدرة اللعبني

الإقليميني والدوليني الآخرين على تعزيز اأدوارهم يف تلك امللفات.

اأمــــا ال�سيناريــــو الثالــــث فريكــــز على احتماليــــة موا�سلــــة اإيران

لنف�ــــس النهج الــــذي كانت عليه قبل النتخابــــات بالن�سبة ل�سيا�ستها

اخلارجيــــة، بــــل ورمبــــا حتاول زيــــادة وترية هــــذا الــــدور كجزء من

مواجهة اأزمة امل�سروعية التي يتم احلديث عنها ب�سكل وا�سح خارج

اإيــــران وداخلهــــا. وهذا الأمــــر �سيزيــــد بالتاأكيد من توتــــر علقات

اإيــــران اخلارجيــــة مــــع دول الإقليم ومــــع الغرب، واأهــــم موؤ�سر على

هــــذا الت�سعيد �سيكون ما �ستئول اإليه اأزمــــة امللف النووي الإيراين،

خ�سو�سا يف ظل التاأكيد الإيراين على اأن التخ�سيب م�ساألة �سيادية

ل ميكن التخلي عنها.

ومهمــــا يكن من اأمر، فــــاإن حقيقة اجلغرافيــــا ال�سيا�سية �ستبقي

اإيــــران لعبا ل ميكن اإغفاله يف معــــادلت املنطقة بغ�س النظر عن

طبيعة النظام ال�سيا�سي الذي ي�سيطر على مقاليد الأمور. لكن هذا

الــــدور اأمامه حتدي ي�سعــــب جتاهله، وهو الــــدور الرتكي املتنامي،

والذي يــــراه اللعبون الإقليميون وكذلك الدوليون اأكرث توازنا فيما

يتعلق بالتعامل مع ملفات ال�سرق الأو�سط التي تزداد �سخونتها يوما

بعد يوم.

االنق�سام بن اأهم ال�سيا�سين االإيرانين انت�سرت عدواه اإىل املرجعيات والقيادات الدينية التي

يرتكز معظمها يف مدينة قم، والتي اختارت اأن تكون بعيدة عن ميدان ال�سيا�سة اليومية

Page 33: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 66 67ا�سرتاتيجية

وعلى الرغم من الختلفات اجلزئية والثانوية التي كانت تخت�س

بهــــا كل دولــــة من هذه الــــدول الثلث )م�ســــر، ال�سعوديــــة، �سورية(،

فــــاإن املوقف العام جتاه هــــذه الق�سايا كان متفقا عليــــه �سمنيا بينها،

وكان التن�سيق بني هذه الــــدول على اأعلى امل�ستويات ويت�سف بالدورية

الدائمــــة، فمثل التقى الرئي�س ال�سوري الأ�سبق حافظ الأ�سد بالرئي�س

امل�ســــري ح�سنــــي مبارك يف عــــام 1999 ت�سع مــــرات يف كل من دم�سق

والقاهــــرة، يف موؤ�ســــر يعك�س مــــدى الت�ســــاور والتن�سيق بــــني البلدين،

وكذلك م�ستــــوى الزيارات بني ال�سعودية و�سوريــــة مل يكن باأقل حرارة

من مثيله مع م�سر.

العقــد الــذي انفــرط التغيــــريات التي دخلــــت على هذا

املحــــور، اأو بح�ســــب ما ي�سميــــه البع�س انفراط عقد هــــذا املحور يعود

اإىل اأ�سبــــاب داخلية يف كل بلد وخا�سة �سورية، وعوامل اإقليمية ودولية

مل ي�سمــــد املحــــور اأمامها. كانــــت اأوىل هذه التغيريات وفــــاة الرئي�س

ال�ســــوري حافظ الأ�سد وا�ستلم جنله ب�سار الأ�سد ال�سلطة خلفا له. يف

البداية، حاول البلدان )م�ســــر وال�سعودية( احت�سان القادم اجلديد

ودجمــــه اأو اإعادة تاأهيله �سمن املحــــور نف�سه. مل يكن الرئي�س ال�سوري

اجلديد ميانع يف ذلك، �سيما اأن املحور كان مفيدا ل�سورية للغاية جلهة

التن�سيــــق ال�سيا�سي والأمني امل�ستمر والدعــــم القت�سادي الذي كانت

حت�سل عليه من دول اخلليج.

لكــــن امل�سكلة كانت يف عدم تفاعل الكيمياء ال�سخ�سية بني الرئي�س

اجلديد وبــــني كل الزعيمني، الرئي�س امل�ســــري وويل العهد ال�سعودي

اآنــــذاك الأمري عبداهلل الذي اأ�سبح فيما بعــــد ملكا. فالرئي�س ال�سوري

القــــادم اإىل ال�سيا�سة بامل�سادفة بحكم وفــــاة اأخيه الكبري با�سل الذي

ليخلف والــــده، كان اأكرث اهتماما يف بنــــاء �سعبيته، وب�سبب كان مهيــــاأ

عــــدم اخلــــربة الكافية �سببــــت خطاباتــــه يف موؤمترات القمــــة العربية

التــــي عقدت يف عامي 2001 و2002 بع�س احلما�سة يف ال�سارع العربي،

لكنها قوبلت بفتــــور من قبل القادة العرب الذين وجدوا فيها نوعا من

»تعليمهــــم الدرو�س التــــي حفظوها« ممــــن ل يتقن ال�سيا�ســــة اأو يتعلم

فنونها بعد.

ومــــع اغتيال رئي�ــــس الوزراء اللبنــــاين رفيق احلريــــري يف �سباط/

فربايــــر 2005 واتهــــام �سورية باغتيالــــه، دخلت العلقــــات ال�سورية -

ال�سعوديــــة مرحلــــة جديــــدة خا�سة اأن احلريــــري كان ميثــــل ال�سيا�سة

ال�سعوديــــة يف امل�ســــرق العربي، ويحتفظ بعلقــــات تارييخة ووثيقة مع

ال�سعوديــــة، فاغتيالــــه مثــــل ا�ستهدافــــا لل�سيا�سة ال�سعوديــــة يف لبنان،

ولذلك دخلــــت العلقات ال�سعودية - ال�سوريــــة يف مرحلة اتهام و�سك

عميــــق تخللها الكثري مــــن الهجمات الإعلمية بــــني الطرفني، ثم اأتى

خطــــاب الأ�ســــد الــــذي اأعقب حــــرب متوز/يوليو 2006 بــــني حزب اهلل

واإ�سرائيل ليق�سم الق�سة يف العلقات بني الطرفني.

فقد كانت ال�سعودية وم�سر كلتاهما اتهمتا حزب اهلل بتوريط لبنان

كحكومــــة وك�سعب بحرب لي�س له خيــــار فيها، وكلفت لبنان كثريا. ومع

�سمــــود حزب اهلل يف وجه الآلة الع�سكريــــة الإ�سرائيلية، فاإن ذلك دفع

الأ�ســــد لو�سف القادة العرب الذين انتقدوا حزب اهلل باأنهم »اأن�ساف

رجال«.

واإذا عرفنا اأن العلقات العربية - العربية غالبا اأو دائما ما حتكمها

اأو حتركهــــا ال�سلوكيــــات ال�سخ�سيــــة للقــــادة بحكم غيــــاب املوؤ�س�سات

ر�ســـوان زيــــادة باحث يف املوؤ�س�سة الوطنية للدميقراطية )NED( – وا�سنطن.

ما وراء

التقارب ال�سعودي- ال�سوري

وما بعدهعلى مدى �ســنوات الت�ســعينيات من القرن املا�سي �سكل املحور امل�سري – ال�سعودي – ال�سوري حمور ال�سيا�سة العربية،

فقــد كان ي�ســوغ املواقــف ال�سيا�ســية للمنطقــة العربية مــن جممل الق�ســايا الرئي�ســية كاملوقف من عملية ال�ســام

واإ�ســرائيل، واملوقــف مــن العــراق وبالتايل من نظام الرئي�ض ال�ســابق �ســدام ح�ســن، واملوقف من الواليــات املتحدة

كطرف دويل رئي�سي مهتم بل وفاعل وموؤثر يف املنطقة.

ر�ســـوان زيــــادة

املراقب اال�سرتاتيجي

الد�ستوريــــة وال�سيا�سيــــة يف معظم الدول العربية، فــــاإن اتهامات بهذا

احلجــــم �ستنعك�س بكل تاأكيــــد على العلقات ال�سيا�سيــــة بني البلدين.

ولذلــــك دخلــــت العلقــــات ال�سعوديــــة – ال�سورية مرحلــــة عا�سفة من

التهامات ال�سخ�سية و�سلت على م�ستوى وزراء اخلارجية بني البلدين،

ومل تفلــــح عمليات الو�ساطة يف تهدئة الطرفــــني. ومع تدخل الأطراف

الدولية، ول �سيما الوليات املتحدة التي طورت يف عهد الرئي�س ال�سابق

جــــورج بو�س �سيا�سة املحــــاور يف املنطقة العربية اأو هكذا كانت حت�سب

كمحور اإيراين - �سوري وي�سم احلركات الراديكالية يف امل�سرق العربي

كحما�ــــس وحــــزب اهلل واجلهاد الإ�سلمي وغريهــــم، وحمور العتدال

العربي الذي ي�سم ال�سعودية وم�سر والأردن وغريها، وترافق ذلك مع

تعمــــق توتر العلقات ال�سورية - الأمريكيــــة وو�سولها اإىل حد التهديد

بتغيري النظام ال�سوري بعد �سقوط »�سقيقه« يف بغداد.

وهــــذا ما اأجــــج اخللف ال�سعودي - ال�ســــوري، ودفع به اإىل مرحلة

التوتــــر العلنــــي وت�ســــارب امل�سالــــح ولي�ــــس اأقلهــــا تخفي�ــــس التمثيــــل

الدبلوما�سي، كما ظهر ذلك علنا يف عدم ح�سور القادة العرب ل�سيما

الزعيمــــني ال�سعــــودي وامل�سري، القمة العربية التــــي عقدت يف دم�سق

عام 2008.

تقارب معلق؟ يف الواقع اأيا من هذه اخللفات حل، بقدر ما

جرى تركها للزمن وتعليقها بقدر ما تدفع التغيريات الدولية والإقليمية

ملواقــــف جديدة. وفعل مع قدوم اإدارة اأمريكية جديدة بقيادة الرئي�س

باراك اأوباما، والذي تعهد خلل حملته النتخابية بت�سجيع احلوار مع

اإيــــران و�سورية، وهو ما بداأ به منذ اليوم الأول من ا�ستلم اإدارته مما

�ساعد ب�سكل كبري على تخفيف التوتر الأمريكي - الإيراين، وا�ستبدال

�سيا�سة دعم احللفاء وت�سكيل املحاور ب�سيا�سة تهدف ب�سكل رئي�س اإىل

دعــــم ال�ستقــــرار يف املنطقة، وعلــــى راأ�س ذلك حتقيــــق ال�ستقرار يف

العراق. ولذلك فرت التوتر ال�سعودي - الإيراين، وب�سكل مبا�سر التوتر

ال�سوري - ال�سعودي.

ثم اأتت مبادرة امللك عبد اهلل يف قمة الكويت يف جمع القادة العرب

بهــــدف حل اخللفات كمبــــادرة باجتاه حت�سني الأجــــواء ال�سعودية –

ال�سوريــــة، وفعــــل جرى تبــــادل الزيارات بــــني م�سوؤولني علــــى م�ستوى

قــــادة اأجهزة املخابرات يف كل البلديــــن، ثم جرى تبادل الر�سائل بني

الطرفــــني مما مهد لزيارات متبادلة على م�ستــــوى قادة البلدين، فقد

زار الرئي�ــــس ال�سوري الريا�س مبنا�سبة افتتــــاج جامعة امللك عبد اهلل

للعلــــوم والتكنولوجيــــا، ثم قام امللــــك ال�سعودي بزيــــارة دم�سق يف اأول

زيارة له منذ ا�ستلمه العر�س يف ت�سرين الأول /اأكتوبر 2009.

ي وبذلك ميكن القول اأن ملف اخللف ال�سعودي – ال�سوري قد �سور

تقريبــــا، ولكنــــه مل يعد اإىل طبيعتــــه على م�ستوى التن�سيــــق الدائم بني

الطرفــــني كما كانت احلال خلل عقد الت�سعينيات من القرن املا�سي.

فهناك الكثري من امللفات التي مل حتل واإمنا جرى تاأجيلها فقط، ولي�س

اأولهــــا ا�ستكمــــال التحقيقات يف ملــــف اغتيال رئي�س الــــوزراء اللبناين

ال�سابــــق رفيــــق احلريــــري، وملف التحالــــف ال�سرتاتيجــــي ال�سوري -

الإيــــراين، وغري ذلك من امللفات. ومــــا مل تتح�سن العلقات امل�سرية

وا�ستقرت على حال من اأي حت�سن عليها يطراأ التي مل – ال�سورية، الربود، فاإن ملف العلقات ال�سعودية - ال�سورية معر�س للنتكا�س يف

اأي حلظة، ل �سيما اأن ل موؤ�س�سات �سيا�سية ترعاه وحتميه بقدر ما هي

نيات ح�سنة واأمنيات يف طي ملف اخللف.

Page 34: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 68 69ا�سرتاتيجية

فعلى �سبيل املثال، اأتت الزيارة املهمة للعاهل ال�سعودي اإىل دم�سق

)منت�ســـف ت�سريـــن الأول/ اأكتوبـــر املا�ســـي( ولقاءه مـــع الرئي�س

ال�سوري ب�ســـار الأ�سد يف �سياق الرغبة احلثيثـــة لإعادة �سورية اإىل

الف�ســـاء العربي، كما اأن الت�سهيـــلت املتناهية التي وفرها التفاق

احلـــدودي الأخري بني اأنقرة ودم�سق، من �ساأنهـــا جعل تركيا بوابة

�سوريـــة اإىل اأوروبـــا والعامل، ما يعنـــي خرق حمـــاولت العزل التي

ميار�سها الغرب �سد �سورية جراء حتالفها مع اإيران.

ورغـــم هذا، ل يبـــدو، حتـــى الآن، اأن ثمة نتيجة جلملـــة امل�ساعي

الغربيـــة والإقليميـــة بخ�سو�س تفكيـــك احللف ال�ســـوري الإيراين

القائـــم، اإذ ل يـــزال احلليفـــان ي�ســـددان علـــى ثبـــات العلقـــات

الإ�سرتاتيجية القائمة بينهما ويفعلن ما بو�سعهما لتكري�س ال�سورة

العتياديـــة التي يت�سف بها التحالف ال�سوري – الإيراين باعتباره

اأحد املعامل الأ�سا�سية ل�سيا�ســـات ال�سرق الأو�سط، ولتاأكيد اأن هذا

التحالـــف مـــا زال ناجحا ومثمرا منذ تاأ�سي�ســـه قبل اأكرث من ت�سعة

وع�سريـــن عاما، واأن امل�سار الراهن للعلقات ال�سورية الإيرانية ما

يزال را�سخا وقويا مل يتغري، وغري قابل يف الوقت الراهن لأن ي�سهد

حتول جوهريا.

لعبة �ســورية يف التحركات الغربية يف �سبيل ف�سل �سورية

عن اإيران وتفكيـــك حتالفهما، ثمة ت�ســـاوؤلت مفتوحة عن اإمكانية

جناح الغرب يف هذا الف�سل من خلل معادلة غري ناجزة، تلبي ما

حتتاجه �سورية من فر�س اقت�سادية بديلة و�سرعية �سيا�سية اأكرب،

وحتقـــق احلاجات الأمريكية املعلنة جلهة مواجهة اإيران والتطرف

الإ�سلمـــي والقيـــام، بالتـــايل، بتحـــرك ا�ستباقـــي �ســـد الأرا�سي

الإيرانية!

لكـــن امل�ساألة لي�ست بهذه الب�ساطة، ول ميكنها اأن تتم وفق معادلة

حـــة تنزع عن ال�سيا�ســـة ال�سورية كل اأهميـــة ومغزى. �سحيح متبجر

اأن التحالـــف ال�ســـوري الإيراين هو يف املح�سلـــة ت�سكيل جلملة من

العلقـــات الثنائيـــة القائمة بـــني الدولتـــني، لكنها حم�سلـــة تخل

بالتف�سيـــلت املهمـــة، كمـــا اأن اإرها�ســـات هـــذه العلقـــات والتي

ها؛ لأنها جعلتها عن�سرا اأ�سا�سيا يف �سيا�سات املنطقة اأكرب من ن�س

مرتبطة بتاريخ وفعل ي�سكلن ال�سورة الأ�سد لإ�سكالت املنطقة.

ويف هـــذا ال�سياق، فقد فتـــح انت�سار الثـــورة الإ�سلمية يف اإيران

عـــام 1979 البـــاب وا�سعـــا لوجـــود م�سالـــح م�سرتكة بـــني طهران

ودم�سق، ويوؤرخ كثريون تاأ�سي�س التحالف ال�سوري- الإيراين بالعام

املمانعةم�سيـر التحـالــف

معاذ الأ�سهبي باحث وكاتب من اليمن.

لي�ض �ســرا اأن ت�ســاعد االهتمام االإقليمي املكثف ب�ســورية، وخ�سو�ســا خال

االأ�ســهر القليلة املا�ســية، له عاقة بامل�ســاعي املتعددة وغــري الناجزة جلهة

ف�سل �سورية عن اإيران وتفكيك احللف ال�سوري- االإيراين.

معاذ االأ�سهبي

املراقب اال�سرتاتيجي

1980 وهـــو تاريخ بداية احلرب العراقيـــة الإيرانية. غري اأن م�سهد

هـــذا التحالف جتلى بو�سوح يف وقوف �سورية اإىل جانب اإيران �سد

– 1988، واأي�ســـا يف حتول اإيران العـــراق خـــلل �سني احلرب 1980

اإىل طـــرف غري مبا�سر يف ال�سراع مع اإ�سرائيل من خلل حتالفها

مـــع �سوريـــة، ويف مد طهـــران ذراعها اإىل لبنـــان ومتكنها من خلق

»حـــزب اهلل«، كذلك الأمر بالن�سبة اإىل دعم »حما�س« يف فل�سطني.

والواقـــع اأن اإعلن الثورة الإ�سلمية يف اإيران عن رغبتها بت�سدير

نف�سهـــا اإىل دول اجلوار �سجع ال�سيا�ســـة ال�سورية على ال�سطفاف

اإىل جانـــب الإيرانيني يف احلرب بني اإيـــران والعراق بحجة تهدئة

العداء بني الدول العربية واإيران.

والآن اأي�ســـا، كمـــا كان مـــن قبـــل، ل توجـــد اإمكانيـــة يف التقدير

ال�سرتاتيجـــي ال�سوري لرتك الإيرانيـــني جانبا اأو فك حتالفهم مع

طهـــران. ويفهـــم ال�سوريـــون اأن ال�سطفاف اإىل جانـــب العرب لن

ي�ساعـــد علـــى التخفيف من املخاطر الأمنيـــة امل�سلطة على دم�سق،

ول على تعزيز م�سالح �سورية الإقليمية. ورغم تباين وجهات نظر

كل مـــن �سوريـــة واإيران حول الكثـــري من امل�سائـــل، اإل اإنهما كانتا

علـــى اتفاق على امل�ساألة الأهم وهـــي اأن الوجود الع�سكري الغربي

والأمريكـــي، خ�سو�سا يف اخلليج ويف العـــراق، يهدد م�ساحلهما

الإ�سرتاتيجيـــة، وهـــذا �سبـــب كاف لهما لتمتني دعائـــم التحالف

القائم بينهما.

ويف الوقـــت نف�ســـه، يحر�س ال�سوريـــون على ا�ستخـــدام دورهم

املحوري مبهارة لل�ستفـــادة باأق�سى درجة ممكنة من الإيرانيني

والعرب. وقد �ساهمت اإ�سرتاتيجية �سورية يف التعامل مع حميطها،

�ســـواء العربي اأو غري العربـــي، يف تعزيز موقفهـــا الإقليمي و�سط

عزلـــة اأوروبية واأمريكية. ويف ظل الن�ســـاط املحموم الطاغي على

املنطقـــة، ا�ستطاعت �سوريـــة تعظيم قوتها من خـــلل انخراطها

يف لعبة مزدوجة بـــني الطرفني؛ فهي من جهة متنح اإيران فر�سة

ممار�ســـة نفوذ ميتد مـــن �سورية اإىل الأرا�ســـي الفل�سطينية حتت

�سلطة »حما�س« التي تعترب حليف ل�سورية واإيران. ومن جهة اأخرى

تعتـــرب �سورية نف�سها، وهي املرتعة بالطوائـــف الدينية والعرقيات

املختلفـــة، لعبا اأ�سا�سيا �سمن اجلهـــود ال�سنية الرامية اإىل احلد

من متـــدد النفوذ ال�سيعي يف املنطقة، وقـــد �ساعدها هذا التوجه

على اجتذاب ال�ستثمـــارات العربية من اخلليج وحت�سني �سورتها

لدى جريانها العرب.

�ســورية كلعبــة رغـــم ت�سديـــد ال�سوريني علـــى علقاتهم

الوثيقة جدا باإيران، اإل اأنهم يدركون اأن هذه العلقات لي�ست بل

حـــدود، ويفهمون اأي�سا اأنه ل يوجـــد يف ال�سيا�سة اأ�سدقاء دائمون

اأو اأعداء دائمون، واإمنا م�سالح دائمة.

والتفـكيكال�سوري - االإيراين

( )

ال يبدو، حتى االآن، اأن ثمة نتيجة جلملة

امل�ساعي الغربية واالإقليمية بخ�سو�ض

تفكيك احللف ال�سوري االإيراين القائم،

اإذ ال يزال احلليفان ي�سددان على ثبات

العاقات االإ�سرتاتيجية القائمة بينهما

Page 35: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 70 71ا�سرتاتيجية

ومـــا يوؤكد اأن العلقات بني �سورية واإيـــران هي علقات م�سلحة،

واأن الظـــروف التـــي مـــر بهـــا كل البلدين هـــي التـــي اأدت ايل هذا

التحالـــف، اأن اإيـــران، مثـــل، مل تقـــم مب�ساركة �سوريـــة يف املعرفة

النووية التـــي متتلكها اأو يف تكنولوجيا ال�سواريـــخ املتطورة. كما اأن

العلقات بينهما مل ت�سر على منط واحد؛ ففي البداية كانت �سورية

هي التي تقدم الدعم ال�سيا�سي لإيران ولها اليد الطوىل يف العلقة،

اأمـــا الآن فاإيران هي التي لها اليد الطـــوىل يف دعم �سورية، ل�سيما

يف �سوء القـــوة الإيرانية املت�ساعدة والعزل الدويل والإقليمي الذي

تعر�ســـت له �سوريـــة. وب�سبب �سعف هذه الأخـــرية وكثافة ال�سغوط

عليها، اأخذت العلقات مع اإيران تاأخذ منحى خمتلفا يف غري �سالح

�سوريـــة، وباتـــت دم�ســـق تريد من حتالفهـــا مع اإيران حمايـــة اأمنها

املهدد من العراق حيث ترابط القوات الأمريكية، اأو من لبنان حيث

جربت على �سحب جي�سها من هناك.اأ

ويف هـــذا الإطـــار، يـــرى كثـــريون اأن �سورية التي حو�ســـرت عربيا

ودوليا وجدت خمرجا لهـــا اأ�سماه ال�سوريون »علقات اإ�سرتاتيجية«

مع اإيران، واأن ما يفعلـــه ال�سوريون جمرد ا�ستقواء باإيران اأكرث منه

حتالفا معها. وال�ساهد اأن العلقات القت�سادية بني الدولتني لي�ست

مغريـــة كثريا ل�سورية؛ فال�ستثمـــارات الإيرانية يف �سورية ل تتجاوز

املليار دولر، وامليزان التجاري ال�سوري الإيراين عاجز ب�سكل فا�سح

ل�سالح اإيـــران التي تزيد قيمة �سادراتها اإيل �سورية ع�سرين �سعفا

من م�ستورداتها منها، كما اأن العلقات الع�سكرية بينهما متوا�سعة.

ولأن اإيران من الدول القلئل التي تنت�سر ل�سورية وتدعمها وتت�ساور

معهـــا، مل يكن على ال�سوريـــني �سوى احلفاظ علـــى علقاتهم معها

والتاأكيد على اأنها علقات اإ�سرتاتيجية.

لكـــن هذا ل يعني اأن م�سار العلقات ال�سورية – الإيرانية ل ميكن

اأن يتغـــري. وعلى خلفية التحولت التي ت�سهدها املنطقة حاليا، �سار

ممكنـــا احلديـــث بحذر عـــن ح�سول انق�ســـام �سوري – اإيـــراين اأو

فقـــدان حتالف الدولتني قيمته واأهميته مـــن ناحيتني: الأوىل ظهور

بـــوادر خلف بينهمـــا يف ملفات عـــدة اأبرزها العـــراق والعلقة مع

اأمريكا واإ�سرائيل، والثانية �سعي �سورية لتقوية مكانتها والبحث عن

اأفق �سيا�سي واإقليمي اأو�سع.

واحلقيقـــة اأن املرتكـــز الفعلـــي لأي دور رئي�ســـي يف عملية تفكيك

التحالـــف ال�سوري – الإيراين يقوم علـــى متغريين اأ�سا�سيني: الأول

وهـــو املتعلـــق مبلـــف التفاو�س بـــني �سوريـــة واإ�سرائيـــل، وخ�سو�سا

بعدمـــا با�ســـرت دم�ســـق وتل اأبيـــب مفاو�ســـات غري مبا�ســـرة ذات

�سيغة جغرافية برعاية تركية كانـــت ورقة التفاو�س الأ�سا�سية فيها

مرتفعـــات اجلولن ولي�س �سيئا اآخر، ويف هـــذا ي�سر ال�سوريون على

عملية �سلم حمـــددة وممرحلة وحتت اإ�سراف دويل على نحو مينع

حتولهـــا اإىل جمرد تفاو�ـــس هلمي بل ملمـــح يحرجهم يف حالة

قـــررت وا�سنطن وتل اأبيب توجيه �سربة ع�سكرية لإيران. اأما املتغري

الثـــاين فهي املفا�سلة الراجحة التي يقيمهـــا ال�سوريون يف ت�ساوؤلهم

امل�سروع عن المتيازات التي �سيح�سلون عليها من الوليات املتحدة

والحتاد الأوروبي مقابـــل تخليهم عن طهران. ومن املفيد الإ�سارة

هنـــا اإىل اأنـــه يف توقيع دم�ســـق والحتاد الأوروبـــي منت�سف ت�سرين

الأول/ اأكتوبـــر الفائت علـــى اتفاق ال�سراكة ال�سوريـــة – الأوروبية،

ينتهـــز ال�سوريون بابـــا م�سرعا اأتاحـــه التفاق الذي يعيـــد املنا�سط

القت�ساديـــة الأوربيـــة اإىل مـــا كانـــت عليه قبل جتميدهـــا منذ نحو

خم�س �سنوات، وبه يبداأ الغرب خطوات جديدة يف ا�ستقطاب �سورية

واحلد من �سطوة الهيمنة الإيرانية عليها.

وختامـــا، ل تكف التوازنات الإ�سرتاتيجيـــة يف ال�سرق الأو�سط عن

التغـــري، وتفكيك التحالف ال�سوري – الإيـــراين �سيغري بالتاأكيد من

وجه املنطقة وب�سكل م�ساعف، غري اأن فك هذا التحالف لي�س �سهل

يف الوقـــت الراهن، وكي يحدث فاإنه يتطلـــب، يف تقديرنا، �سيئني ل

ثالث لهما: اإما اأن تبا�سر الوليات املتحدة حتول جوهريا ل�سيا�ستها

يف ال�سرق الأو�سط، اأو اأن تتغري �سورية من الداخل.

املراقب اال�سرتاتيجي

ال�ســرق يف االإ�ســرتاتيجية التوازنــات تكــف ال

االأو�ســط عــن التغري، وتفكيك التحالف ال�ســوري –

االإيراين �ســيغري بالتاأكيد من وجه املنطقة وب�ســكل

م�ســاعف، غــري اأن فك هــذا التحالف لي�ض �ســها يف

الوقــت الراهــن، وكي يحدث فاإنه يتطلب �ســيئن ال

ثالــث لهما: اإما اأن تبا�ســر الواليــات املتحدة حتوال

جوهريا ل�سيا�ســتها يف ال�ســرق االأو�سط، اأو اأن تتغري

�سورية من الداخل

فـي بوؤرة االهتمام

قراءات فـي ال�سيا�سة والقت�ساد وال�سوؤون اجلارية

هل ينجح الرهان االأمريكي على ال�سوفية؟

املخا�ض ال�سعب للعملة اخلليجية املوحدة

ملاذا مل تكن القومية العربية ليربالية؟

عمار علي ح�سن

اأحمد اأحمد مطهر

اأحمد عبدالكرمي �سيف

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية

Page 36: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 72 73ا�سرتاتيجية

العملة اخلليجية املوحدة

وخما�سها ال�سعب

فـي بوؤرة االهتمام

ويف هـــذا الإطـــار، اكت�سبت فكرة الندمـــاج والتكامـــل اقت�ساديا

طابعا ملحا بو�سفها اإحـــدى احللول املطروحة بقوة لإنقاذ القت�ساد

العاملـــي، لـــذا اجتهت الكثـــري من ال�ســـركات العملقة واأ�ســـواق املال

العامليـــة يف الفـــرتة الأخـــرية اإىل الأخذ بهذا النهج لتـــليف انهيارها

جـــراء الكارثة املالية. ومل تكن دول جمل�ـــس التعاون اخلليجي مبناأى

عـــن فكرة الندمـــاج والتكامـــل القت�ساديني بطبيعة احلـــال، وحتى

يتبلور ذلك ب�سورة وا�سحة، فقد ا�ست�سعر القادة اخلليجيون �سرورة

امل�ســـي يف م�سروعهـــم القـــدمي اخلا�ـــس باإ�ســـدار العملـــة اخلليجية

املوحدة، وحددوا لهذه اخلطوة اإطارا زمنيا يبداأ العام املقبل 2010.

واملعـــروف اأن فكـــرة اإ�سدار عملـــة خليجية موحـــدة لي�ست وليدة

اللحظة اأو نتاج للأزمة املالية الأخرية، ولكن اأهمية الإ�سراع با�ستكمال

اإجـــراءات اإ�سدار هذه العملة ظهرت على ال�سطح بقوة نتيجة للك�ساد

الـــذي اأ�ساب العامل واأدى اإىل حدوث تدهور يف اأ�سعار النفط ب�سورة

مفزعـــة، مما اأثر ب�سكل كبري يف معظـــم القت�سادات اخلليجية التي

تعتمد ب�سكل اأ�سا�سي على العائدات النفطية.

متتـــد جذور فكـــرة اإ�ســـدار عملة خليجيـــة موحدة لـــدول جمل�س

التعـــاون اخلليجـــي اإىل الفـــرتة نف�سها التـــي �سهدت ن�ســـاأة املجل�س؛

فقد اأ�سارت الوثيقتان الرئي�سيتـــان للمجل�س، وهما النظام الأ�سا�سي

والتفاقيـــة القت�سادية املوحدة لعـــام 1981، اإىل اخلطوط العري�سة

واملعامل الأ�سا�سية والعامة لربنامج تعاون وتكامل اقت�ساديني تنخرط

فيـــه دول اخلليـــج العربية املن�سويـــة يف املجل�س، مبـــا يف ذلك العمل

علـــى توحيد العملة لتكـــون متممة للتكامل القت�ســـادي املن�سود. وقد

وافـــق املجل�س الأعلـــى يف كانون الأول/دي�سمـــرب 2001 على الربنامج

الزمنـــي لإقامـــة احتاد نقدي خليجـــي، والذي يق�ســـي بجعل الدولر

الأمريكـــي مثبتـــا م�ســـرتكا لعملت دول جمل�ـــس التعاون قبـــل نهاية

2002. كمـــا يق�سي الربنامـــج باأن تتفق الدول الأع�ســـاء على معايري

تقـــارب الأداء القت�سادي ذات العلقـــة بال�ستقرار املايل والنقدي،

وهـــي املعايري اللزمة لنجاح الحتاد النقدي قبل نهاية 2005، وذلك

متهيـــدا لإطـــلق العملة يف موعد ل يتجـــاوز الأول من كانون الثاين/

يناير 2010.

اإن حتقيق الوحدة النقدية بني دول اخلليج العربية واإ�سدار العملة

اخلليجيـــة املوحدة لي�ـــس بالأمر الهـــني، واإن كان يف ذات الوقت غري

م�ستحيل. فاإذا اأخذنا التجربة الأوروبية بعني العتبار، فاإننا جند اأن

دول املجموعـــة الأوروبية قد اأم�ســـت نحو ن�سف قرن منذ بزوغ فكرة

الحتاد الأوروبي عام 1946، اإىل اأن متخ�ست معاهدة “ما�سرتخت”

وظهـــرت اإىل الوجود، وهي املعاهدة التـــي و�سعت الإطار العام لقيام

الوحـــدة النقدية الأوروبية وحـــددت مراحل الو�سول اإىل �سدور عملة

موحـــدة وذلـــك مبباركـــة 15 دولـــة اأوروبية، ومـــن ثم دخولهـــا – اأي

املعاهـــدة - حيز التنفيـــذ يف ت�سرين الثاين/نوفمـــرب 1993 اإىل حني

البدء بطرح عملة اليورو يف الأ�سواق يف كانون الثاين/يناير 2002.

لقد قطعت دول الحتاد الأوروبي اأ�سواطا ومراحل عدة متكنت من

خللهـــا الإيفاء باإلتزامات الوحدة النقدية وحتقيق املعايري امل�سرتكة

لهـــذه الوحـــدة، اإىل اأن و�سل اليـــورو اإىل يد مواطنـــي الحتاد بعد اأن

كان جمرد فكرة وحلم يراود خاطرهم؛ فهل من املمكن – يف املقابل

- اأن ت�سبـــح الفكرة واحللم الذي ظل يـــراود املواطن اخلليجي منذ

تاأ�سي�س جمل�س التعاون لـــدول اخلليج العربية، بتتويج عملية التكامل

اأحمد اأحمد مطهر

يف ظل الأزمة املالية العاملية، والتي ع�سفت بالقت�ساديات العاملية الكربى وطالت اآثارها جميع

دول العامل �سواء ب�سكل مبا�سر اأو غري مبا�سر، �سعت الكثري من هذه الدول اإىل اإيجاد حلول

�سريعة وناجعة لعلها ت�ساعد يف ت�سميد جراح ما اأحدثته الأزمة، وخا�سة يف هذه املرحلة التي

ينظر اإليها على نطاق وا�سع باعتبارها اأهم مراحل الأزمة املالية واأكرثها خطورة.

اأحمد اأحمد مطهر كاتب من اليمن.

Page 37: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 74 75ا�سرتاتيجية

القت�ســـادي بـــني دول املجل�ـــس، واإ�ســـدار العملة اخلليجيـــة املوحدة

يف موعدهـــا، حلمـــا ممكـــن التحقيق كمـــا ح�سل يف جتربـــة الحتاد

الأوروبي. واحلقيقة اأن الإجابة على هذا ال�سوؤال لي�س اأمرا �سهل، اإل

اأن الظروف القت�سادية املت�سابهة بني دول جمل�س التعاون اخلليجي،

بالإ�سافـــة اإىل امتـــلك دول املجل�س، بعك�س ما هـــو عليه الو�سع لدى

دول الحتـــاد الأوروبي، مقومات مهمة مثـــل التاريخ امل�سرتك والدين

واللغة والعادات قد ت�ساعد يف اخت�سار الوقت وحتقيق عملية التكامل

القت�ســـادي، التـــي �ستتـــوج باإ�ســـدار العملة اخلليجيـــة املوحدة على

اعتبـــار اأن اإ�سدار العملة املوحـــدة يعد اأعلى مراحـــل عملية التكامل

القت�ســـادي بني الدول، وذلك جت�سيـــدا لرغبة دول املجل�س يف زيادة

التعاون والتكامل بينها، وال�سعي الدءوب ملوا�سلة العمل نحو ا�ستكمال

اإقامـــة هذا التكامل القت�سادي اأ�سوة بالتكتلت القت�سادية العاملية

كالحتاد الأوروبي مثل.

ويف هذا ال�سياق، ت�سري درا�سة اأعدها �سندوق النقد الدويل اإىل اأن

اأي �سلبيات حمتملة للعملـــة املوحدة يف دول جمل�س التعاون اخلليجي

�ستكـــون اأقل �ساأنا مما هي عليه يف التجمعات الأقليمية الأخرى، مثل

منطقة اليورو وغريها، وذلك لأن دول املجل�س مل تلجاأ يف املا�سي اإىل

تعديـــل ترتيبات اأ�سعار �سرف عملتهـــا اإل يف القليل النادر، ما يعني

�ساآلـــة احتمال ا�ستخدامها لهذا املخـــرج يف ظل الظروف الت�سخمية

املختلفـــة اأو لأي �سبب اآخر. اإ�سافـــة اإىل اأن الت�سابه بني القت�سادات

اخلليجية بنيويا، من حيث اعتمادها ب�سورة كبرية على ال�سادارات

النفطيـــة، �سيجعل من اأي �سدمـــة م�ستقبلية حمتملة، تطاول كل دول

املجل�س ولي�س دولة بعينها.

علـــى اأنه، وبالرغم من ذلك، فاإن اللتزامات والرتتيبات اللزمة

لإ�ســـدار عملة موحدة كثرية وتت�سم ببع�س املعوقات التي يتوجب على

كل دولـــة من الـــدول الأع�ساء الوفاء بها، ومن اأبـــرز هذه الإلتزامات

ر�سم حد اأق�سى للت�سخم على اأن ل يتجاوز 2% فوق متو�سط معدلت

الت�سخم يف كل دولة من دول جمل�س التعاون اخلليجي، ووجود هام�س

م�ســـرتك ملعـــدلت الفائدة بحيث ل تتجـــاوز اأ�سعـــار الفائدة ق�سرية

الأجل 2% فوق متو�سط اأدنى ثلثة معدلت يف كل دولة، ون�سبة عامة

للدين احلكومي من الناجت املحلي على اأن ل تتجاوز ن�سبة الدين العام

60% مـــن النـــاجت املحلي الإجمـــايل للحكومة العامـــة و70% للحكومة

املركزيـــة، كمـــا يجـــب اأن يغطـــي احتياطي النقـــد الأجنبـــي واردات

الب�سائـــع لأربعـــة اأ�سهر على الأقل، ول يجـــب اأن يتجاوز العجز املايل

عجـــز املوازنة ل�سنة 3% من الناجت املحلي الإجمايل. كما يجب اإقرار

م�سرف مركزي ونظـــام م�سريف ومايل موحدين قبل اإ�سدار العملة

املوحدة، وهذا - يف ت�سوري - قد يتطلب مزيدا من الوقت خا�سة اأنه

مل يبق �سوى اأ�سهر قليلة حلني املوعد املقرر لإ�سدار العملة اخلليجية

املوحدة، واملحدد بالأول من �سهر كانون الثاين/يناير 2010.

فهنـــاك تباين وا�سح بني دول جمل�س التعـــاون اإزاء مدى الإلتزام

بهـــذه املعايري، خ�سو�سا فيما يتعلق بن�سبة الت�سخم واأ�سعار الفائدة.

وقـــد اأكـــد الأمـــني العـــام امل�ساعـــد لل�ســـوؤون القت�ساديـــة يف جمل�س

التعاون اخلليجـــي، حممد املزروعي، “اأن معيـــار الت�سخم �سيح�سب

انطلقـــا من متو�سط امل�ستويات التـــي �سيكون عليها هذا الت�سخم يف

وقـــت اإطلق الوحدة النقدية، �ســـواء كانت هذه امل�ستويات مرتفعة اأو

منخف�سة مع هام�س اإرتفاع وانخفا�س”، مو�سحا اأن “الدول البعيدة

عن هـــذا املعيار �ستكـــون مطالبة ببـــذل اجلهود واإجـــراءات اإ�سافية

خلف�ـــس الت�سخم”. وقد ذكر رئي�س موؤ�س�سة النقد ال�سعودية، حممد

اجلا�سر، يف وقت �سابق من هذا العام 2009 اأن جمل�س النقد اخلليجي

�سينطلق يف موعده مطلع العام املقبل، مبديا متنياته اأن تراجع الدول

التي رف�ست الن�سمام اإىل العملة اخلليجية املوحدة موقفها.

وكانت �سلطنة عمان قد اأعلنت اأنها لن تن�سم اإىل العملة اخلليجية

املوحدة، “لأن اقت�سادها غري م�ستعد بعد” ملثل هذه اخلطوة كما قال

امل�سئولون العمانيون. ويف وقت �سابق من هذا العام، اأعلنت الإمارات

العربيـــة املتحدة ان�سحابها من اتفاق الوحدة النقدية، احتجاجا على

قرار جعل العا�سمة ال�سعودية الريا�س مقرا للبنك املركزي اخلليجي

املقرتح، اإذ كانت الإمارات ترغب يف اأن تكون هي من ي�ست�سيف مقر

البنك.

ويف �ســـوء هـــذه املواقف، توقـــع م�ســـدر خليجي األ تكـــون هناك

عملـــة خليجية موحـــدة قبل �سنوات، واإن بداأ جمل�ـــس النقد اخلليجي

عملـــه يف كانون الثاين/يناير املقبل. وكانت الكويت وال�سعودية وقطر

والبحريـــن اتفقـــت يف حزيران/يونيـــو املا�سي على ت�سكيـــل املجل�س

النقدي للإعداد لإ�ســـدار العملة اخلليجية املوحدة. ويجمع كثري من

املراقبني يف املنطقة على اأنه حتى لو ت�سكل املجل�س النقدي يف املوعد

املقرر فـــاإن التفا�سيل التقنيـــة وو�سع الجـــراءات واللوائح �سيتطلب

وقتـــا طويل. كما اأنه من غري الوا�سح حتى الآن اإن كان جمل�س النقد

�سيعمـــل بالـــدول الأربـــع اأم �ستمثل فيه اأي�ســـا الدولتـــان املن�سحبتان

مـــن العملة املوحـــدة، اأو كيف �سيكون عمله، وطريقـــة الت�سويت على

قراراته.

وهذا الو�سع قـــد يدعونا للت�ساوؤم بخ�سو�س اإمكانية اإ�سدار عملة

خليجيـــة موحدة يف موعدهـــا املقرر )الأول من كانـــون الثاين/يناير

هو املوعد 2010(، وقـــد رجحت م�سادر خليجيـــة اأن يكون عام 2015

اجلديـــد لإطلق العملـــة اخلليجية املوحدة. ويف هـــذا ال�سياق، اأ�سار

الدكتـــور حمد التويجري، رئي�س ق�سم القت�ساد بجامعة امللك �سعود،

اإىل “اأن اإتفاقية الحتاد اجلمركي اخلليجي اأخذت اأكرث من 25 �سنة

حتـــى مت اإقرارها، وهي يف الواقـــع ب�سيطة باملقارنة مع م�سروع العملة

اخلليجيـــة املوحدة، التي كان قـــرار اإطلقها يف العام 2010 متفائل،

غري اأن الأمر الواقع يوكد �سعوبة تطبيقها يف الوقت نف�سه”.

وجتدر الإ�ســـارة هنا اإىل اأنه من اأبـــرز ال�سعوبات واملعوقات التي

تواجههـــا دول املجل�س تتمثل يف حجـــم النفوذ على ال�سيا�سة النقدية،

التي �ستكون دول املنطقة م�ستعدة للتنازل عنه ل�سالح “بنك مركزي

م�سرتك”، وهذه احلالة تعرف عند دار�سي العلوم ال�سيا�سية مبرحلة

وحدة اإىل املوؤدية املراحل اأهم من وتعد ال�سيادة”، “اخرتاق خط اأعم واأ�سمل، وهي خطوة لزمـــة اإذا ما اأراد القادة اخلليجيون وحدة

اقت�ساديـــة حقيقية بني الدول الأع�ساء. فعلـــى �سبيل املثال، اأ�سحت

العملـــة الأوروبية املوحـــدة مناف�سا قويـــا للدولر الأمريكـــي، ومل توؤدر

فـي بوؤرة االهتمام

اإىل انتقا�ـــس اأي مـــن �سيادة الـــدول القومية الأوروبيـــة، لذا لبد من

التنازل عن حجم النفوذ على ال�سيا�سة النقدية ل�سالح بنك مركزي

م�سرتك، وهذه اخلطوة مهمة ول متثل، يف النتيجة، انتقا�سا اأو تنازل

عـــن �سيـــادة اأي مـــن دول الأع�ساء بل علـــى العك�س من ذلـــك، فاإنها

�ست�ســـب يف �سالح توحيد ال�سيا�ســـات النقدية اخلليجية حتى تتمكن

دول املجل�س من اإ�سدار عملة موحدة.

واحلـــال اأن اإ�ســـدار العملة اخلليجيـــة املوحدة �سيعمـــق الروابط

القت�ساديـــة مـــع الحتـــاد الأوروبـــي وغـــريه مـــن التكتـــلت والقوى

القت�ساديـــة، و�سيعزز موقـــع دول جمل�س التعـــاون التفاو�سي ب�سكل

كبـــري، خ�سو�سا مع الحتـــاد الأوروبي الذي طاملا تـــذرع بعدم وجود

عملة خليجية موحدة متكنه مـــن تخفي�س اجلمارك على ال�سادرات

اخلليجيـــة لـــدول الحتاد الأوروبـــي، اإذ متثل �ســـادارات دول اخلليج

لـــدول الحتاد الأوروبـــي ما ن�سبتـــه 20% من اإجمايل �ســـادرات دول

اخلليـــج. لذا فاإن اإ�ســـدار عملة خليجية موحـــدة �سي�ساهم يف تعزيز

التوجـــه الراهـــن نحـــو تو�سيـــع القاعـــدة القت�ساديـــة لـــدول جمل�س

التعاون اخلليجي، واحلد من العتماد الكلي على العائدات النفطية،

اإىل جانـــب خف�ـــس تكاليـــف املعاملت املاليـــة والتجاريـــة لل�سركات

واملوؤ�س�ســـات بدرجـــة كبرية ممـــا يـــوؤدي اإىل حدوث تو�ســـع يف حركة

املبادلت التجارية املالية.

ومـــن املهم الإ�سارة هنا اإىل اأن دول جمل�س التعاون اخلليجي تنتج

حاليـــا اأكرث من خم�س اإجمايل الحتياطي العاملي من النفط، ومتتلك

نحو خم�ســـي الحتياطي العاملي من النفط، فـــاإذا قررت دول جمل�س

التعـــاون ت�سعري النفـــط بالعملة اجلديدة فاإن امل�ســـارف املركزية يف

الـــدول الأخـــرى �ستقوم بالحتفـــاظ باحتياطياتهـــا بالعملة اجلديدة

لتغطية تكاليف م�سرتياتها مـــن النفط، وبالتايل �سيوؤدي الطلب على

العملـــة اجلديدة من الـــدول خارج نطاق املجل�ـــس اإىل توفري عائدات

مـــن �سك العملة، وهذه اخلطوة �ستـــوؤدي اإىل تقوية العملة و�ستجعلها

عملـــة اآمنة للدول الأخرى و�سيتـــم ا�ستخدامها كمثبت لأ�سعار �سرف

عملتهـــا. ومـــن املفيـــد هنـــا التنويـــه اإىل اأن ت�سعري النفـــط بالعملة

اخلليجيـــة املوحـــدة واعتمادها كغطـــاء عو�سا عن الـــدولر، �سيعزز

موقـــف دول اخلليج التفاو�سي ويجعـــل �سيا�ستها النقدية م�ستقلة عن

الظـــروف التي مير بها القت�ســـاد الأمريكي. ففي الوقت احلايل، ما

زالـــت اأ�سعـــار النفط مرهونة مبدى خف�س اأو رفـــع �سعر الفائدة لدى

الحتياطي الفدرايل الأمريكي، لذا فاإن حتقيق مزيد من ال�ستقلل

يف جمـــال �سعـــر ال�ســـرف لـــدول املجل�س �سيتيـــح لها خيـــارات اأكرب

لتخاذ قراراتها امل�ستقبلية ب�ساأن �سيا�ستها القت�سادية دون اخل�سوع

للظروف القت�سادية الأمريكية كما هو حا�سل الآن.

وثمـــة ميـــزة اأخرى قـــد ت�ســـاف للعملـــة اخلليجيـــة املوحدة حني

اإطلقهـــا، تتمثل يف اإمكانية تقدميها كعملة اإ�سلمية ذات وزن، وهذا

الأمر قد يجعل امل�ســـارف املركزية يف الدول الإ�سلمية مثل ماليزيا

وباك�ستان واأندوني�سيا تتوجه اإىل الحتفاظ مبا تعتربه عملة اإ�سلمية

مقبولـــة �سمـــن احتياطياتهـــا، مما يزيـــد يف النهاية من قـــوة العملة

اخلليجية املوحدة.

اإن اإطـــلق العملة اخلليجية املوحدة وحتقيـــق احللم الذي اأ�سبح

يعانـــق ال�سماء اخلليجية والعربية، �سي�سهم يف اإنعا�س منطقة اخلليج

اقت�ساديـــا، و�ستنعك�ـــس الآثار اإيجابـــا على اليمن التـــي تعترب نف�سها

جـــزءا ل يتجزاأ مـــن دول املنطقة، حيـــث متثل العمـــق الإ�سرتاتيجي

والب�سري لدول جمل�س التعاون اخلليجي. غري اأن ال�سوؤال الذي يفر�س

نف�سه بقـــوة هنا، هو: هل �سي�ساعد اإطـــلق العملة اخلليجية املوحدة

- لو فر�سنا جناحها يف اإنعا�ـــس املنطقة اقت�ساديا وتو�سيع التجارية

البينيـــة بني دول املنطقـــة – على تقارب امل�سافات - اقت�ساديا - بني

دول جمل�ـــس التعـــاون اخلليجي واليمن، اأم اأنه �سيـــوؤدي اإىل تباعدها

اأكرث فاأكرث؟

مـــن املعـــروف اأن التقـــارب يف الظـــروف القت�ساديـــة هـــو الذي

يدعم عمليـــة الندماج وي�سهل عملية الو�ســـول اإىل تكامل اقت�سادي

بغ�س النظـــر عن مدى ت�سابه اأو اختلف اأنظمـــة احلكم فيما بينها.

غـــري اأن و�سع اليمـــن القت�سادي يف الوقت الراهـــن �سعب جدا، ول

يوؤهلهـــا لعملية الن�سمام ملجل�س التعاون اخلليجي قبل اإ�سدار العملة

اخلليجية املوحدة، فما بالك بعد اإ�سدارها وجناحها. فتطور تكاملي

مهم كهذا قد يقود اإىل زيـــادة الفجوة القت�سادية ب�سكل خميف بني

اليمـــن ودول جمل�ـــس التعاون اخلليجـــي، خا�ســـة اأن اإنتعا�س املنطقة

اقت�ساديا يف ظل وجـــود عملة خليجية موحدة �سيعود - يف معظمه -

ل�سالح دول املجل�س اأكرث منه ل�سالح دول اجلوار الأخرى.

�سحيـــح اأن اليمن تبـــدو - نظريا علـــى الأقل - الأقـــرب اإىل دول

املجل�ـــس، لكـــن اليمـــن بحاجـــة اإىل برنامـــج تاأهيـــل يعنـــى بتاأهيلها

اقت�ساديـــا لتحقيق تقـــارب فعلي مع دول جمل�س التعـــاون اخلليجي.

واحلقيقـــة اأن جدية قادة املجل�س بخ�سو�ـــس تاأهيل اليمن اقت�ساديا

�ست�سهـــم يف �سد الفجـــوة القت�سادية احلالية بـــني القت�ساد اليمني

والقت�ســـادات اخلليجية، كما �ست�ساعد علـــى تقوية العملة اخلليجية

املوحـــدة املزمع اإطلقها عاجـــل اأو اآجل، وذلك ملا متتلكه اليمن من

مقومات ل متتلكها دول منطقة اخلليج.

ت�سعري النفط

بالعملة اخلليجية

املوحدة واعتمادها

كغطاء عو�سا عن

الدوالر، �سيعزز

موقف دول

اخلليج التفاو�سي

ويجعل �سيا�ستها

النقدية م�ستقلة

عن الظروف التي

مير بها االقت�ساد

االأمريكي

Page 38: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 76 77ا�سرتاتيجية

�سناعة »امل�سلم امل�ستاأن�س«

الرهان االأمريكي على ال�سوفيةفـي بوؤرة االهتمام

وهـــذا البتعاد عـــن ال�سيا�سة قد يـــوؤدي مع الأيـــام اإىل ان�سراف

النا�س عـــن الطرق ال�سوفية بقدر ان�سرافهـــا عن ق�سية مت�س حياة

كل اإن�ســـان وهي ال�سيا�سة، التـــي تبداأ باخلدمات الب�سيطة يف املجتمع

املحلي، وتت�ساعـــد لت�سل اإىل م�ستوى احلكومـــة املركزية ومنها اإىل

النظام العاملي، ما يجعل من ال�سعب على اأي فرد اأن يتجاهلها، فهي

مقتحمة ل تعرف حدودا ول �سدودا.

لكـــن يبدو اأن احلقيقة ت�سري عك�س هـــذه التوقعات، فطوال القرن

الع�سرين �سارت ال�سوفية يف اجتاه خمالف للر�سم البياين الذي ب�سر

بـــه بع�س الباحثـــني وا�ستطاعت اأن ت�سم بني مريديهـــا بع�س الفئات

املحدثـــة، واأن ت�ساهم يف عملية التحديث الجتماعي. ومل توؤد اأ�سكال

التديـــن الأخرى اإىل تراجع نفوذ املت�سوفة بل حدث العك�س، فالنظم

احلاكمة كان يف م�سلحتهـــا دائما اأن تكون ال�سوفية قوية ظاهرة يف

مواجهـــة القوى الإ�سلمية املناوئة لها ولـــذا عملت طوال الوقت على

اإلهـــاب وقودها لي�ستمـــر م�ستعل، ثـــم دخل الأمريكيـــون على اخلط

فزادوا هذا التوجه عمقا، واأعطوه بعدا دوليا وا�سرتاتيجيا كبريا.

فقبـــل �سنة تقريبا اأ�سدرت موؤ�س�سة راند الأمريكية تقريرا بعنوان

»بناء �سبكات م�سلمة معتدلة« اعتمدت فيه ال�سوفية طريقا اإ�سلميا

يتـــواءم مع امل�سالح الأمريكية، لأنه ميكـــن اأن يكون حائط �سد اأمام

اجلماعـــات والتنظيمات املتطرفة، وج�سرا يفتح الإ�سلم ال�سني على

الت�سيـــع ذي املرجعيـــة الواحد التـــي، اإن احتوتهـــا وا�سنطن، �سمنت

�سلمة لأمنها وحفظـــا لأهدافها ال�سرتاتيجية يف بلدنا، ف�سل عن

اإمكانيـــة اأن يقرب الت�سوف، فكريا وتنظيميـــا وحركيا، بني الإ�سلم

وقيم العلمانية، قيا�سا اإىل التجربة الرتكية، حيث ا�ستوعب املت�سوفة

قيـــم العلمانية، وطوروا روؤيتهم الدينية لتواكب الع�سر، وتتما�سى مع

النهج الدميوقراطي، على م�ستوى القيم والإجراءات.

وقبـــل خم�س �سنـــوات تقريبا ا�ست�ساف معهـــد نيك�سون للدرا�سات

ال�سرتاتيجيـــة موؤمتـــرا حا�ســـدا، �ســـارك فيـــه مت�سوفـــة ومفكـــرون

اإ�سلميـــون ينتمون اإىل خمتلـــف دول العامل الإ�سلمـــي من غانا اإىل

فرغانـــة، لبحث هـــذه الفكرة، التي اختمـــرت يف العقل ال�سرتاتيجي

الأمريكـــي بعد حدث احلـــادي ع�سر مـــن اأيلول/�سبتمرب 2001، حيث

بداأ الأمريكيون، يف �سياق حملتهم ال�ساملة على »الإرهاب«، يدر�سون

اإمكانيـــة تعميـــم »ال�سوفيـــة« بحيـــث ت�سبح هـــي ال�ســـكل امل�ستقبلي

للإ�ســـلم، اأو علـــى الأقـــل تقـــوى �سوكتها علـــى ال�ساحـــة الإ�سلمية،

لتح�سم من ر�سيد اجلماعـــات والتنظيمات ال�سيا�سية املتطرفة ذات

الإ�سناد الإ�سلمي، التي اأنتجت تنظيم القاعدة وما على �ساكلته.

ول تنبع الروؤية ال�سرتاتيجية الأمريكية هذه من فراغ، بل تتاأ�س�س

علـــى اأمرين: الأول هو الأدوات والطرق التي اتبعتها الوليات املتحدة

يف اإ�سقـــاط ال�سيوعية، والثاين هو اجلدل الذي طال بني امل�ست�سرقني

حـــول مـــا اإذا كان الت�ســـوف الإ�سلمـــي ينطـــوي على حلـــول ملع�سلة

التطـــرف، ومـــا اإن كان فيه ما يقرب بني الإ�ســـلم والليربالية، اأو ما

ي�سهـــل مهمـــة وا�سنطن يف جتديد مناهـــج التعليم الدينـــي يف العامل

الإ�سلمي.

وهناك من امل�ست�سرقني من يعترب الت�سوف »قلب الإ�سلم«، ومن

يوؤكـــد اأن »م�ستقبل العامل الإ�سلمي �سيكون حتما للتيار ال�سويف«، بل

اإن هنـــاك من بني فقهاء امل�سلمـــني اأنف�سهم من يوؤكد اأن حل م�ساكلنا

احلياتية املعا�سرة يف يد الت�سوف، وهنا يقول الداعية اليمني علي زين

العابدين بن عبد الرحمن اجلفـــري امللقب باحلبيب علي: »احلقيقة

اأننـــي اأرى اأن لب الق�سية التي تعي�سها الأمة وم�سيبتها الكربى يرجع

اإىل حـــب الدنيا وكراهية املـــوت. والذي يعالج هاتـــني اخل�سلتني هو

علـــم الت�سوف مبعناه الراقي ولي�س الت�ســـوف الهزيل الذي ميار�سه

البع�ـــس اليـــوم. فالت�سوف الراقي هـــو الذي يعتنـــي بتطهري القلوب

و�سفائهـــا ويخل�سها من حب الدنيا وكراهية املوت ويربطها باهلل عز

عمار علي ح�سن

عمار علي ح�سن كاتب وباحث يف علم الجتماع ال�سيا�سي ـ م�سر.

هناك من توقعوا تراجع الطرق ال�سوفية اأو اندثارها يف امل�ستقبل، متكئني يف ذلك اإىل اأ�سانيد

ثلثة، اأولها موجة التحديث التي تت�سرب رويدا رويدا اإىل عقل املجتمع الإ�سلمي، والتي �ست�سع

ظاهرة تقليدية مثل الطريقة يف موقف حرج، وثانيها ظهور وترعرع اأ�سكال اأخرى للتدين تتمثل

يف جماعات �ستى تت�سطر فوق اخلريطة الإ�سلمية راحت تزاحم ال�سوفية، تنتقدها اأحيانا

وجتلدها اأحيانا وت�سربها يف مقتل اعتقادها اخلا�س بكرامات الأولياء والت�سرع للأ�سرحة،

وثالثها غياب الهدف ال�سيا�سي الوا�سح لل�سوفية بينما متتلكه القوى الإ�سلمية الأخرى، ما

جعل املت�سوفة جماعة ل يهمها تغيري املجتمع اأو النت�سار لجتاه �سيا�سي معني واإن كان اأفرادها

يعرفون كالآخرين هموم الوطن ويتاأثرون بها.

Page 39: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 78 79ا�سرتاتيجية

وجـــل. فالت�سوف بهـــذا املعنى هو

القـــادر على حل جميـــع م�سكلتنا

واأزماتنا القت�سادية والجتماعية

وال�سلوكيـــة، لأن هـــذا املعنـــى من

الت�ســـوف هـــو الـــذي اأخـــرج لنـــا

�سلح الدين الأيوبـــي ونور الدين

زنكـــي، والذي يقـــراأ تاريخ الثنني

يجدهما نتـــاج مدر�سة الت�سوف«.

بـــل يذهـــب حممـــد يتيـــم اإىل مـــا

هـــو اأبعد مـــن ذلك حني يـــرى اأن

الت�سوف هو الـــذي يقي ال�سيا�سة

من الف�ساد، حـــني يوفر لها ثوابت

نقية، وي�سمح باجلمع بني »معانقة

احلق وخمالطة اخللق«، اأو الرباط الروحي واملمار�سة ال�سيا�سية«.

ورغم غلبـــة الطابع الفلكلوري فيها علـــى العقدي �سقت ال�سوفية

دربـــا و�سيعا يف تاريخ امل�سلمني، منذ اأن كانت جمرد �سحنات عاطفية

جتي�ـــس بها �ســـدور الزاهديـــن، اإىل اأن �سارت موؤ�س�ســـات اجتماعية

تـــرتاوح يف بع�س الدول بني الديـــن والفلكلور، ويف اأخرى بني العقيدة

وال�سيا�سة. لكـــن هناك فارقا كبريا بني طرق �سوفية تواكب احلداثة

وتنخـــرط يف العمل العام حتى تتمكن من دفع رموزها اإىل قمة الهرم

ال�سيا�ســـي كما احلـــال يف تركيا، وطرق �سوفيـــة متاهت يف الفولكلور

وباتت ظاهـــرة احتفالية بعـــد اأن الت�سقت بثـــوب التقليدية وتكل�ست

عن اإنتـــاج اأي ممار�سات �سيا�سية اإيجابية اإل ما ت�ستفيد منه ال�سلطة

يف تكري�ـــس �سرعيتهـــا كما الو�سع يف م�سر، التـــي اإن كان ميكن على

ا�ستحياء ت�سنيف طرقهـــا ال�سوفية باأنها اأحد روافد املجتمع الأهلي

اعتمـــادا على الن�ســـاط اخلريي لبع�سهـــا، فاإن مـــن ال�سعوبة مبكان

الطمـــوح اإىل تثويرها اأو اإنهـــاء م�ساألة ان�سحابهـــا الوا�سح ن�سبيا من

احليـــاة ال�سيا�سية، اأو على الأقل تنقيتها مـــن بع�س مظاهر اخلرافة

والدجـــل التي �سقطت فيهـــا، وبالتايل تفتقد اإىل مـــا يجعل امل�سلمون

يتقبلونها طريقا متكامل نقيا للإ�سلم.

فال�سوفية امل�سرية مثل اإن كانت قد فرزت يف ع�سور غابرة، وملرات

قليلة، �سيوخا ناطحـــوا ال�سلطني با�ستنادهم اإىل التفاف جماهريي

منقطع النظري ين�ساق حول اأعمال بارا�سيكولوجية واأ�سطورية ومنافع

ماديـــة، فاإنها حتولت يف الوقـــت املعا�سر اإىل جمرد خـــادم للحكام.

وهي م�ساألة ل تخطئها عني من يتابع الحتفالت ال�سوفية ول يهملها

عقـــل من يفكر يف خطاب املت�سوفة حيـــال ال�سلطة من جهة، واحلبل

ال�ســـري الذي يربط تنظيمهم ب�سقيه الإداري والروحي بجهاز الدولة

الأمنـــي والديني من جهـــة ثانية. اأما يف تركيا، فبدءا من جنم الدين

اأربـــكان زعيم حزب الرفاه واأحد رموز الطريقـــة النق�سبندية و�سول

اإىل اأحـــد مريديـــه وهـــو طيب رجـــب اأردوغـــان زعيم حـــزب العدالة

والتنمية، تغالب الطرق ال�سوفيـــة تقليديتها وت�ستغل الف�ساء الوا�سع

الذي يتيحه الفكر ال�سويف من ت�سامح واعرتاف بالآخر يف و�سع اأطر

وو�سائط �سيا�سية جتعلها متناغمة مع احلياة الدميقراطية التي تعتمد

على التعددية، كما ت�ستخدم ما يف

ال�سوفيـــة من ح�س على الرتاحم

والتما�ســـك وال�سرب علـــى املكاره

يف تعزيـــز ثقافة الإجناز، ومن ثم

ال�سري قدما على درب التنمية.

الأمريكيـــة الت�ســـورات لكـــن

هـــذه، والتي �سبق الإ�ســـارة اإليها،

تتعامـــل مـــع الت�ســـوف يف بعـــده

احلركـــي على اأ�سا�س اأنه اإما منط

واحـــد اإيجابي ميكـــن تعميمه، اأو

اأنه حالة جوانيـــة فريدة تعلي من

تقديـــر طويـــة الإن�ســـان وحريته،

وتزيـــد مـــن ت�ساحمـــه يف التعامل

مع الآخريـــن، واإميانه بحقوق الإن�سان، وبذلـــك ميكن ا�ستخدامه يف

حماربة التطرف، وا�ستخدامه على اأنه الإطار الديني لثقافة �سيا�سية

اإ�سلمية ذات �سمت دميقراطي.

اإل اأن الت�سوف، يف حقيقة الأمر، مل يعد حالة من الزهد والتعبد

الفـــردي، كمـــا بداأ، فقـــد �سار موؤ�س�ســـات �سخمة لها امتـــداد، عابر

للقـــارات كافـــة، بع�سهـــا يجتهـــد يف اأن يلعـــب دورا تنمويـــا و�سيا�سيا

واجتماعيـــا، وبع�سهـــا متاهى يف الفلكلـــور ومت اختزالـــه اإىل ظاهرة

احتفاليـــة، بع�سهـــا مت�سامـــح يف التعامـــل مع الآخريـــن، مبا يف ذلك

اأتبـــاع الطرق ال�سوفية املناف�ســـة، وبع�سها يدخل يف تناحر مع الآخر

ويعاديـــه، بع�سها تعاون مع ال�ستعمـــار - ورمبا هو ما تريده الوليات

املتحـــدة يف الوقت الراهـــن - لكن اأغلبها حـــارب امل�ستعمر ب�سراوة،

وجزء منها �ساهم يف التنمية باأبعادها ال�ساملة.

ويبدو اأن النظرة الأمريكية القا�سرة تدور فقط يف حيز �سيق ينظر

اإىل املت�سوفة بو�سفهم »خونة« اأو »عملء« اأو متقاع�سني عن املقاومة

واجلهـــاد، قيا�ســـا اإىل ما قامت به جماعات مـــن التيجانية يف خدمة

ال�سلطة اأيام ال�ستعمار الأوروبي لأفريقيا. فامل�ستعمر �سجع التيجانية

علـــى النت�سار، لأنـــه راأى يف تعاليمها ما ي�ســـرف النا�س عن اجلهاد

والتفكري ال�سليم وعن �سحيح العقيدة وال�سريعة، ويلقيهم يف غياهب

اخلرافات. وقد مل�س الأوروبيون رغبة رجال الطريقة يف احل�سول على

املـــال والنفوذ فراحوا يغذون هذه الـــروح، وي�سرتون ولء هوؤلء باملال

واملنا�سب، فاأثمر هذا وقوف التيجانية اإىل جانب ال�ستعمار يف بع�س

املواقف احلا�سمة، ويف مقدمتها م�ساعدة الفرن�سيني �سد الأمري عبد

القادر اجلزائري، ما حـــدا بالقائد الفرن�سي بيجو اإىل اأن ير�سل اإىل

�سيـــخ الطريقة قائل: »لول عطفكم لكان ا�ستقرار الفرن�سيني يف هذه

البلـــد اأ�سعب بكثري مما كان... عندمـــا ت�سعر بحاجة اإىل �سيء ما اأو

خدمـــة من اأي نـــوع كانت فما عليـــك اإل اأن تكتـــب اإىل مرافقي الذي

�سي�سره اأن يبلغني رغباتك«.

كمـــا ينظر الأمريكيون باإيجابيـــة اإىل القاديانية، التي لب�ست رداء

الت�سوف، لتخدع منا�سريها باأن م�سلكها �سليم، مع اأن موؤ�س�سها املريزا

غلم اأحمد، مل يكن �سوى عميل ي�ساعد الإنكليز لب�سط نفوذهم على

فـي بوؤرة االهتمام

�سبـــه القارة الهندية واأفغان�ستان، فها هـــو يقول: »لقد ق�سيت معظم

عمري يف تاأييد احلكومة الإنكليزية ون�سرتها، ويف النهي عن اجلهاد،

ووجـــوب طاعة ويل الأمر، وكان هـــديف اأن ي�سبح امل�سلمون خمل�سني

لهذه احلكومة... اإن عقيدتي التي اأكررها اأن للإ�سلم جزئني، الأول

طاعة اهلل، والثاين طاعة احلكومة التي ب�سطت الأمن واآوتنا يف ظلها

من الظاملني، وهي احلكومة الربيطانية».

وتن�ســـى الروؤية الأمريكية هـــذه اأو تتنا�سى تاريخا طويل من كفاح

املت�سوفـــة �ســـد ال�ستعمار. فقـــد تكفلت الطـــرق ال�سوفية يف �سمال

وغرب اأفريقيـــا بكبح جانب من النزعـــة ال�ستعمارية التي ا�ست�سرت

لـــدى الأ�سبـــان والربتغاليـــني بعد متكنهم مـــن اإخـــراج امل�سلمني من

الديـــن يتعقبـــوا اأن اأرادوا 1492. فامل�ستعمـــرون الأندل�ـــس عـــام

الإ�سلمي جنوب املتو�سط ويف عمق ال�سحراء الأفريقية، ل�سيما بعد

اأن ر�ســـدت البابوية مبالغ �سخمة لتحقيق هذا الهدف، وراحت تنفخ

يف اأو�سال حكام اأوروبا، ليتحم�سوا يف تنفيذ هذه ال�سرتاتيجية. لكن

مريدي اجلازوليـــة والقادرية والتيجانية وال�ساذلية وال�سنو�سية كانوا

لهم باملر�ساد، وحولوا �سواحـــل اأفريقيا يف القرن ال�ساد�س ع�سر اإىل

�ساحة مواجهة �سد امل�ستعمرين.

ولـــول ن�سال م�سايـــخ ال�سوفية مثل اخلليفـــة الطاهر يف نيجرييا،

و�سامـــوري تـــوري يف بـــلد املاندوجنو، وعبـــد القـــادر اجلزائري يف

�سمال اإفريقيا، وعمر الفوتـــي التكروري يف الغرب، وحممد عبد اهلل

ح�سن يف ال�سومال، ورابح ف�سل اهلل يف و�سط القارة ال�سمراء، لتغري

الرتكيـــب الديني الراهن لأفريقيا متاما. فهوؤلء مل يكتفوا بالت�سدي

لل�ستعمـــار، بـــل كونـــوا دول وممالـــك متما�سكة، اأعطـــت مقاومتهم

للم�ستعمـــر عمقا وقـــوة ودميومة. ومـــا كان لهذه الـــدول واملمالك اأن

تقـــوم لول جناح م�سايخ الطرق ال�سوفية يف ن�سر الإ�سلم على نطاق

وا�ســـع، بني اأعـــداد غفرية من الب�ســـر، وعلى نطاق جغـــرايف مرتام.

فحا�ســـل �سرب الب�سر املوالني لهوؤلء امل�سايـــخ، واجلغرافيا املنطوية

حتت اأقدام الأتباع، اأنتج على الفور كيانات جتمع بني ال�سلطة الدينية

وال�سلطة ال�سيا�سية.

اإن ن�ســـاط الطـــرق ال�سوفية يف ن�سر الإ�سلم بالقـــارة الأفريقية،

واإن كان قـــد بـــداأ متاأخرا ع�سرة قـــرون كاملة عما قـــام به التجار يف

هذا ال�ساأن، كان وا�سحا وحا�سما اإذ اأن املت�سوفة، مل يكتفوا باإدخال

جماعـــات متفرقة تعي�س بالقرب من خطوط التجارة اأو بع�س قاطني

املـــدن يف الإ�سلم، بل توغلـــوا اإىل قلب القارة، حيث القبائل الوثنية،

التـــي ت�سكـــن القـــرى والنجـــوع، فحولوهـــا اإىل

الإ�سلم. ونقلوا الدعوة من �سكلها الفردي اإىل

�سيغة جماعية موؤ�س�سية.

اأمـــا يف قـــارة اآ�سيـــا فـــربز دور النق�سبندية،

التـــي وجدت نف�سهـــا، حني ا�ستـــد �ساعدها، يف

حاجة اإىل النخراط يف حركة اجلهاد مبنطقتي

ال�سي�سان وداغ�ستـــان �سد القي�سرية الرو�سية،

التـــي كانـــت حتتـــل اآ�سيـــا الو�سطـــى والقوقاز.

فلمـــا قامـــت الثـــورة البل�سفيـــة عـــام 1917

عـــاود الحتاد ال�سوفيتي املنهـــار زحفه جنوبا ليطـــوي القوقاز واآ�سيا

الو�سطى، ف�سحذ مريدو النق�سبندية هممهم، وا�ستجمعوا عزميتهم،

التـــي مل تنل منها املاآ�سي التاريخية، وراحوا يقاومون اجلي�س الأحمر

بكل ما و�سعهم من قوة، حتت قيادة ال�سيخ جنم الدين دي جوت�سو يف

داغ�ستان، وال�سيـــخ اأوزون حجي يف ال�سي�ســـان، وا�ستمرت مقاومتهم

اأحد ع�سر عاما، مب�ساعدة الدولة العثمانية. ويف �سبه القارة الهندية

لعـــب النق�سبنديون بقيـــادة ال�سيخ اأحمد بن عبـــد الأحد ال�سرهندي

الفاروقـــي دورا يف ن�ســـر الإ�سلم بني �سفوف املغـــول. وظهرت حركة

ال�سيخ اأحمد بن عبد احلليم الدهلوي الذي دعا اإىل الت�سوف القائم

علـــى العتقاد والعمـــل مبا جاء يف الكتـــاب وال�سنة، لتقـــف للإنكليز

باملر�ســـاد حني اأخـــذوا ي�ستبدون بالأمر، ويقل�ســـون �سلطات احلاكم

ر وجود ملك م�سلم من امل�سلـــم، واأطلق الكلمة املاأثورة: »اإنـــه ل يت�سو

دون نفـــوذ، اإل اإذا ت�سورنا ال�سم�س من دون �سوء!«، ثم فتواه الأ�سهر

»اإن الهنـــد قد اأ�سبحـــت دار حرب ل دار اإ�سلم، وعلـــى امل�سلمني اأن

يهبوا جميعا للجهاد بعد اأن اأ�سبح اإمام امل�سلمني ل حول له ول قوة، ول

تنفذ اأحكامه، واحلل والعقد �سار بيـــد الإنكليز... يعينون املوظفني،

ويدفعون الرواتب، وي�سرفون على الق�ساء وتنفيذ الأحكام«. واإثر هذه

الفتوى قـــاد العلماء اجلهاد، وخا�سوا غمار احلروب واملعارك لإنقاذ

امل�سلمني من الإنكليز، ومن ال�سيخ الذين لقوا دعما من املحتلني.

وكان من تلميذه ال�سيـــخ اأحمد بن حممد بن عرفان الذي اأ�س�س

دولـــة ذات �ســـاأن، خا�ست جهادا طويـــل �سد ال�سيـــخ، وهزمتهم يف

معـــارك عدة، اإىل اأن �سقـــط �سهيدا، بعد اأن دبـــت الفتنة يف �سفوف

تابعيـــه، لكن راية اجلهاد مل ت�سقط بعـــده، بل حملها اأتباعه، لت�ستمر

�ســـد ال�سيخ والإنكليـــز معا. ولعب مريدو الطريقـــة املحمدية دورا يف

مقاومة ال�ستعمار الهولنـــدي لإندوني�سيا وجنوب الهند، ومتكنوا من

اإبـــرام حتالـــف مـــع الهندو�س يف هذه احلـــرب الطويلـــة، التي انتهت

باإجبار امل�ستعمر على الرحيل. ويف تايلند، ن�سطت الطرق ال�سوفية

يف منطقة فطاين، التي تقع بني ماليزيا وتايلند ويعود اأ�سل �سكانها

للمجموعـــة املليويـــة ويتكلمون اللغـــة املليوية ويكتبونهـــا حتى الآن

باأحرف عربية.

يف خامتة املطاف، ميكن القول اإن ال�سرتاتيجية الأمريكية الرامية

اإىل تعزيـــز الت�ســـوف يف وجـــه اجلماعـــات والتنظيمـــات ال�سيا�سية

الراديكاليـــة، حمكوم عليهـــا بالف�سل الذريع. ورمبـــا يغري الأمريكان

وجهة نظرهم، حال قراءة متعمقة ملا ينتجه الفكر ال�سويف من ثقافة

�سيا�سيـــة من ناحيـــة، والإطلع علـــى تاريخ

الطـــرق ال�سوفية يف اآ�سيا واأفريقيا من جهة

ثانية، ورمبا مي�سون يف ا�سرتاتيجيتهم، لكن

الثابـــت يف كل الأحـــوال اأن ال�سوفية �سكلت

علـــى مـــدار التاريخ اأحـــد جتليـــات الإ�سلم

يف اأبعاده الدينيـــة وال�سيا�سية والجتماعية،

و�ستظـــل تـــزاول هـــذا التجلـــي يف امل�ستقبل

املنظـــور، مـــن دون اأن تكـــون مطيـــة يف يـــد

الأمريكيني.

اال�سرتاتيجية االأمريكية

الرامية اإىل تعزيز

الت�سوف يف وجه اجلماعات

والتنظيمات ال�سيا�سية

الراديكالية، حمكوم عليها

بالف�سل الذريع

Page 40: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 80 81ا�سرتاتيجية

ولو اأن طرح هذا الإفرتا�س ل ي�ستقيم يف منطق �سياق التاريخ، ولكن

طرحه ي�ساءل تيار القومية العربية الآن - يف العقد الأول من القرن

احلادي والع�سرين – اإذا كان �سياق الأحداث يف املا�سي قد فر�س

علـــى القوميـــة العربية م�سارات وماآلت ا�سرتاكيـــة قد تكون مربرة

اأو مفهومـــة على الأقل، لكـــن ملاذا مل يتنب اأي من تيـــارات القومية

العربيـــة طرحـــا ليرباليـــا حتـــى الآن؟! والتاريخ يقدم لنـــا �سواهد

عديدة علـــى اأمم تبنت القوميـــة الليربالية وحقـــق بع�سها النجاح

علـــى مثال اليابان واأملانيا يف بدايات القـــرن الع�سرين. فهل هناك

فـــراق اأبدي بني القومية والليربالية يف تاريخنا العربي! وطرح هذا

الت�ســـاوؤل ل يعني رف�س اأو قبـــول اأي من التيارات الفكرية القومية،

ول هـــو دعوة لقومية ليربالية ول رف�ـــس لغريها، بقدر ما هو �سوؤال

فكري مطروح للبحث على الفل�سفة واملفكرين وال�سيا�سيني.

تتفـــق غالبيـــة الأدبيات املتعلقـــة بالفكر العربـــي احلديث، على

اعتبار اأن مرحلة ما قبل احلرب العاملية الأوىل متثل مرحلة اليقظة/

النه�ســـة/ البعث/ ع�ســـر التنوير العربـــي، واإن كانت تختلف هذه

الأدبيـــات على بداية هـــذه احلقبة التاريخية. فيوؤرخهـــا فاروق اأبو

زيد بــــ 1828 تاريخ ن�ساأة ال�سحافة العربية، ويوؤرخها حليم بركات

ب� 1789 تاريـــخ الثورة الفرن�سية، ويوؤرخهـــا البع�س بظهور حركات

الإ�سلح الديني يف القرنني الثامن ع�سر والتا�سع ع�سر: الوهابية،

وال�سنو�سيـــة، واملهديـــة، فيمـــا يوؤرخهـــا البع�س بتاأ�سي�ـــس اجلامعة

الإ�سلميـــة على يد جمال الدين الأفغـــاين )1838 � 1897(، واآخرون

يرون بدايتها متزامنا بدخول نابليون اإىل م�سر 1798.

اإن الو�سع ال�سيا�سي والبنى الجتماعية والقت�سادية للمجتمعات

العربية يف ظـــل املرحلة العثمانية خلل القـــرن التا�سع ع�سر ميثل

مرحلة تبلور ع�سر التنوير العربي احلديث، هذه املرحلة التاريخية

مثلـــت اخللفية املو�سوعية لظهـــور الفكر القومـــي العربي، وحتليل

هذه الفرتة يلقي ال�سوء على اجتاهات القومية العربية فيما بعد.

متيز التاريخ العربي ال�سيا�سي والجتماعي والقت�سادي خلل

الفـــرتة املذكـــورة بعدد مـــن اخل�سائ�ـــس؛ منها �سيـــادة العلقات

القطاعيـــة على م�ستوى البناءيـــن التحتي والفوقي، هيمنة القطاع

الزراعي يف منوذجه املتخلف على احلياة القت�سادية والجتماعية

ومثلـــت 85% من اإجمـــايل الن�ساط القت�سادي، فيمـــا �سيطر على

15% املتبقيـــة يف القطاعـــات القت�ساديـــة احلديثة مثـــل التجارة

وال�سناعة الأقليات القومية والأوروبية )اأوربيون، يونانيون، اأرمن،

يهـــود(. وقد تعاي�ســـت العلقـــات الراأ�سماليـــة الأوروبيـــة الوافدة

)خ�سو�سا بعد توقيع نظـــام الإمتيازات اجلائر ل�سالح الأوروبيني

بني دول اأوروبا وال�سلطـــان العثماين حممود الثاين عام 1828( مع

العلقات مـــا قبل الراأ�سماليـــة ال�سائدة يف املناطـــق العربية حتت

مثلت القومية العربية يف نظر موؤ�س�سي النه�سة العربية الرافعة ال�سرورية خلروج العرب من عباءة العثمانيني

ومن ربق ال�ستعمار وطريقا للحاق بركب املدنية واحلداثة. ولكن ال�سوؤال: ملاذا اتخذت القومية العربية م�سار

الي�سار ال�سرتاكي؟ مبعنى اآخر، مل مل تكن ليربالية؟ ونعني بالليربالية املنظومة الفكرية الليربالية الراأ�سمالية

متكاملة. ولو كان الأمر غري كذلك، فكيف كان �سيكون تاريخ العرب املعا�سر؟

ملاذا مل تكن القومية

العربية ليربالية؟

فـي بوؤرة االهتمام

اأحمد عبدالكـــرمي �سـيف رئي�س التحريـــر، واملدير التنفيذي

ملركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية.

اأحمد عبدالكرمي �سـيف

ال�سلطة العثمانية.

اأدت هذه الزدواجية اإىل خراب القت�ساد الفلحي واحلريف،

حيـــث ترك الفلحـــون اأرا�سيهـــم هربا مـــن ال�سرائـــب التي زاد

عددهـــا على املائة نوع، وزاد من عـــبء ذلك نظام الإلتزام، حيث

يلتزم كل وايل للباب العايل بتوريد مبلغ مقطوع من وليته مما دفع

الولة للمبالغة يف جبـــي ال�سرائب للح�سول على فائ�س الإلتزام.

هـــذا دفع لتل�سي ال�سناعات اأمـــام املناف�سة غري املتكافئة يف ظل

نظام الإمتيازات ل�سالح الواردات الأوروبية، ونظام الإلتزام دفع

لتـــدين العمـــل يف الزراعـــة اإىل 40% من قوة العمـــل بنهاية القرن

الثامن ع�سر. وانح�سرت امللكية يف اأملك الدولة )املريي( وكان

ال�سلطان العثماين نف�سه يعترب املالك احلقيقي لها، ودائما ما كان

يقطعها ويلزمها لأ�سحابه واأتباعـــه؛ والأرا�سي الوقفية )الرزق/

احلبو�ســـات( وكانـــت تخ�ســـع عمليا لكبـــار رجال الديـــن الوثيقي

ال�سلة بال�سلطـــة وبالقطاع؛ وامللكية الفردية اخلا�سة ال�سغرية ،

والتي كانت تتل�ســـي تدريجيا ل�سالح ال�سنفـــني الآخرين. بينما

انخرطـــت 60% من قوة العمل املتوفـــرة يف اإعمال غري منتجة مثل

الع�ساكر، اأ�سحاب عقارات، رجال دين، جتار، خدم.

لقـــد انعك�س هـــذا الواقع الجتماعي والقت�ســـادي بال�سوء على

احليـــاة الفكرية العربيـــة، وزاد من فداحة الأمـــر �سيا�سة الترتيك

التي �سرعت تتبعها حكومة ال�سلطني العثمانيني. يف هذا الواقع من

القهر والتخلف، و�سلت اأفكار الثـــورة الفرن�سية )احلرية، الإخاء،

امل�ســـاواة(، وانهزام النظام القطاعي، وانت�سار الثورة ال�سناعية

بقيادة الطبقة الربجوازية الأوروبية النا�سئة، وظهور الفكر القومي

الأملاين، وتل�سي المرباطوريات املمتدة ل�سالح الدول القومية...

الخ وذلك عرب منافذ متعددة اأبرزها م�سر ولبنان.

اإرها�ســات يقظة عربيــة اأدى تداخل وتناق�س

جانبـــني اإىل يقظـــة عربيـــة: اجلانـــب الأول؛ �سيطـــرة الإحتـــكار

الراأ�سمـــايل الغربـــي وال�ستبـــداد القطاعـــي الرتكـــي، واجلانـــب

الثـــاين؛ انت�سار اأفـــكار حركة التنوير الأوروبيـــة يف احلرية والخاء

وامل�ســـاواة والليربالية والدميقراطيـــة. واأدى ذلك اإىل يقظة متثلت

يف جمموعـــة من احلـــركات والثورات املبكرة قبـــل احلرب العاملية

جتلت يف احلركة ال�ستقللية عن الدولة العثمانية يف كل من م�سر

وفل�سطـــني )حممد علي با�سا، ظاهر العمر(، ثورة كتلة من زعماء

م�سر وقادتهم �سد الحتلل الفرن�سي مل�سر، احلركة ال�ستقللية

التي حمل لواءها الزيديون يف اليمن لجلء العثمانيني، احلركات

الدينية ال�سلحية )الوهابية، ال�سنو�سية، املهدية(، ثورة ال�سباط

امل�سريـــني بقيادة اأحمد عرابـــي �سد اخلديوي توفيـــق 1882. كما

انتع�ســـت النه�سة الأدبية والعلمية التي متثلـــت يف انت�سار املدار�س

املختلفـــة: ابتدائيـــة، اعدادية، عاليـــة، وت�سارع اإن�ســـاء اجلمعيات

الأدبيـــة والدينيـــة وال�سيا�سية )العلنيـــة منها وال�سريـــة( يف بع�س

الأقطار العربيـــة، واأبرزها رابطة الوطن العربـــي )1904(، جمعية

الإخـــاء العربي العثمـــاين )1908(، املنتدي الأدبـــي )1909(، حزب

اللمركزيـــة )1912(، املوؤمتر العربـــي يف باري�س )1913(، اجلمعية

القحطانية )1909(، اجلمعية الثورية العربية، حزب العهد، جمعية

العلم الأخ�سر، جمعية العربية الفتاة )1911(.

يف هـــذا املنـــاخ، وقبـــل احلـــرب العامليـــة الأوىل، بـــرزت ثلثـــة

تيـــارات. الأول، التيار الديني؛ الـــذي انطلق يف القرن التا�سع ع�سر

لتقويـــة اخللفـــة ال�سلميـــة يف وجـــه الغـــزو الأوروبـــي امل�سيحي.

وقـــد �سم هذا التيـــار جماعتني متناف�ستني همـــا: جماعة تقليدية؛

ارتبطـــت باخللفة العثمانيـــة وحاربت كل دعـــوة لل�سلح، وهي

اجلماعة التي ارتبطت با�سم اأبو الهدى ال�سيادي )ت 1900( الذي

كان م�ست�ســـارا لل�سلطـــان عبداحلميد، والذي �ســـارك يف اإ�سطهاد

الأفغاين والكواكبي. واجلماعة ال�سلفية ال�سلحية، ومثلها جمال

الديـــن الأفغاين )1839-1898( وحممد عبده )1849-1905( وحممد

ر�سيـــد ر�ســـا )1865-1935(، واهتمـــت باحيـــاء الديـــن ال�سلمـــي

والعـــودة بـــه اإىل نقاوتـــه الأوىل، والتي انتقـــدت املوؤ�س�ســـة الدينية

الر�سمية، وعار�ست ال�سلطة يف كثري من الأحيان.

التيـــار الثـــاين، الليـــربايل؛ يف �سوريـــة وم�ســـر خا�ســـة، حيث

�ســـدد هذا التيار علـــى الهوية القومية كبديـــل للخلفة اأو اجلامعة

ال�سلمية، وعلى العلمانية كبديل لل�سلطة الدينية، وعلى العقلنية

كبديل للميانية املطلقة، وعلى التحرر الجتماعي )وخا�سة حترر

املـــراأة( كبديل للنزوع التقليدي، وعلى التطلع نحو امل�ستقبل كبديل

للتطلـــع نحو املا�ســـي، وعلى الوعي القومي كبديـــل للوعي الطائفي

والقبلي واملحلي، كما نادى هذا التيار باأفكار الندماج الجتماعي،

و�سرورة اإحيـــاء اللغة العربية والقبال علـــى التعليم احلديث. اأما

اأبرز ممثلي هذا التيار فهـــم: بطر�س الب�ستاين وابراهيم اليازجي

ويعقـــوب �سروف وجرجي زيـــدان وقا�سم اأمـــني و�سدقي الزهاوي

وحممـــد كرد علي ورفيـــق العظم و�سكيـــب اأر�ســـلن واأحمد لطفي

ليرباليةLiberalism

Page 41: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 82 83ا�سرتاتيجية

ال�سيد ويل الدين يكن ومعروف الر�سايف.

التيار الثالث، التقدمي؛ الذي التقى مع التيار الليربايل يف اأفكار

القومية والعلمانية والعقلنية والتحرر الجتماعي، ولكنه زاد عليه

يف اأنـــه كان اأكـــرث راديكالية، واأنه كان على متا�ـــس مع قيم ومبادئ

ال�سرتاكية )العلمية والوطنية(. وكان من اأبرز اأعلم هذا التيار:

�سبلي �سميل، وفرح اأنطون، و�سلمة مو�سى.

�ســدمة اال�ســتعمار بعد احلرب العالية الأوىل برزت

جملة من التغريات والأحداث ترتب عليها عدد من النتائج ال�سلبية،

فقـــد انتقل الوطن العربي من حتت احلكـــم العثماين املتهاوي اإىل

نـــري ال�ستعمار الراأ�سمايل الأوروبي الفتـــي والقوي والنهم لرثوات

العـــامل الثالـــث لت�سغيل اآلتـــه ال�سناعيـــة ال�سخمـــة، ومتت جتزئة

الوطن العربي اإىل كيانات هجينة مفتعلة، وحتويلها اإىل م�ستعمرات

تقا�سمتهـــا الـــدول املنت�سرة يف احلـــرب، الأمر الـــذي تكر�س معه

الـــولء القطري حمـــل الولء القومـــي، والولء الع�سبـــوي )القبلي

والدينـــي والطائفي واجلهـــوي والع�سبوي( حمل الـــولء الوطني.

و�ســـدر وعد بلفـــور امل�سوؤوم املتعلـــق باعطاء فل�سطني وطنـــا قوميا

لل�سهيونية العاملية، الأمر الذي ترتب عليه بداية انتداب بريطانيا

العظمي علـــى فل�سطني، ولحقا طرد ال�سعب الفل�سطيني من وطنه

واإحـــلل الكيان ال�سهيوين حمله. وكذلـــك مت انت�سار ثورة اأكتوبر

ال�سرتاكيـــة يف رو�سيا وقيام الحتـــاد ال�سوفييتي 1917 التي مهدت

لربوزه كقوة عظمى �ستدخل العامل مع الوليات املتحدة يف احلرب

البـــاردة

والإ�ستقطـــاب العاملي بعد احلرب العاملية الثانية، والتي كان العامل

العربي م�سرحا لكثري من ف�سولها.

املحافظة �سيا�سة العربي للوطن الأوروبي ال�ستعمار اإتبع وقد

على علقات الإنتاج الإقطاعية، بعد تهجينها ببع�س علقات الإنتاج

وطردها التقليدية الوطنية ال�سناعات وحما�سرة الراأ�سمالية،

من ال�سوق ل�سالح ال�سناعات الراأ�سمالية الوافدة )وهي اإ�ستمرار

الوطنية الزراعية القت�ساديات وت�سويه الإمــتــيــازات(، لنظام

مثال ال�ستعمار، اقت�سادات موجهة تخدم م�سانع اإىل وحتويلها

ذلك فر�س زراعة القطن يف دلتا م�سر واأبني اليمن لتزويد م�سانع

لتزويد م�سانع العنب يف اجلزائر وزراعة مان�س�سرت، الن�سيج يف

النبيذ يف بوردو، وبهذا جعلت القت�ساديات العربية وحيدة اجلانب

ال�ستعمار وحافظ الغربية. ال�سناعة م�سلحة فيه مبا والجتــاه

على النق�سام العمودي يف املجتمع العربي )قبلي، طائفي، ديني،

قومي، جهوي( وتوظيفه يف خدمة �سيا�سة فرق ت�سد ال�ستعمارية

املعروفة، ون�سر وتعميق الفكر والإنتماء القطري يف الوطن العربي

القومية ح�ساب على الأمازيغية( ال�سورية، القومية )الفرعونية،

بوا�سطة وال�سلم العروبة العلقة بني تفكيك العربية، وحماولة

ت�سجيع كل من التطرف القومي والتطرف الديني.

ومع ذلك ح�سلت تطـــورات اإيجابية مثل ن�سج الوعي ال�سيا�سي

القومـــي مب�سمونه الجتماعـــي للعدالة، والنت�ســـار الن�سبي للفكر

العلمـــي على ح�ساب الفكر الغيبـــي امليتافيزيقي واخلرايف، وتنامي

اأعـــداد املثقفني والطلبة والع�سكر واملوظفـــني، وظهور العمال كقوة

اأ�سا�سيـــة ذات اأفـــق طبقـــي، وظهـــور النق�ســـام الأفقـــي )الطبقي

اأ�سا�ســـا، واإن كان ل يـــزال الرتاتب الجتماعي هـــو ال�سمة ال�سائدة

يف املجتمـــع العربـــي علـــى ح�ساب الطبقـــة مبفهومهـــا القت�سادي

والقانـــوين( يف املجتمـــع، اإىل جانـــب النق�سام العمـــودي، وتراجع

القت�ســـاد الطبيعـــي )الزراعـــي اأ�سا�ســـا( جزئيا ل�سالـــح اأمناط

الإنتاج احلديثة )القت�ساد ال�سناعي ب�سكل ب�سيط، واخلدمي وهو

الغالـــب(، ومنو القطاع احل�سري، وتطـــور اخلدمات ال�سحية وما

ترتب عليها من الزيادة ال�سكانية ومنو املدن. اأدى ذلك اإىل تقل�س

النفـــوذ ال�سيا�سي والأدبي للربجوازية الوطنيـــة ولأحزابها، مقابل

تزايـــد كم وكيف ونفوذ الفئـــات املتو�سطـــة والربجوازية ال�سغرية

النا�سئة. وبغياب الربجوازيـــة الوطنية فقدت الليربالية ال�سيا�سية

والقت�سادية اأهم مدافع عنها وم�ستفيد منها.

هـــذه التطـــورات دعت املثقـــف وال�سيا�سي العربـــي مل�سائلة واقع

التخلف والبحث عن خمـــارج من هذا الواقع. لذ البع�س باملا�سي

املجيـــد للأمة كمهرب من حا�سرها البائ�ـــس، نهاية القرن التا�سع

ع�سر ومطلع القرن الع�سرين. بينما جلاأ البع�س للح�سارة الغربية،

يف �سورة هروب اإىل الأمام حيث اليديولوجيات اجلاهزة ول�سيما

الإيديولوجيتـــني الرئي�سيتني؛ الراأ�سمالية وال�سرتاكية، ظنا باأنهما

فـي بوؤرة االهتمام

الطريـــق للنتقـــال مـــن املجتمـــع القطاعي

التقليـــدي اإىل املجتمـــع ال�سناعـــي احلديث

دون اإعتبـــار لظـــروف التطـــور القت�ســـادي

والجتماعـــي املختلفـــة. وهناك اجتـــاه ثالث

)الـــرتاث( املا�ســـي ايجابيـــات ا�ستح�ســـر

ومزجهـــا بايجابيات احلا�ســـر )احلداثة(،

للو�ســـول اإىل جمتمـــع عربي موحـــد ومتقدم

قائـــم علـــى املزاوجـــة بـــني العقـــل والنقـــل،

وبـــني القوميـــة وال�سرتاكيـــة، وبـــني العروبة

وال�سلم، واأبـــرز رموز هـــذا الجتاه �ساطع

احل�ســـري وزكـــي الأر�ســـوزي ومي�سيل عفلق

واأكرم احلوراين و�ســـلح البيطار، وبالتايل

حـــزب البعـــث العربـــي ال�سرتاكـــي وحركـــة

القوميني العرب بكل فروعها العربية.

حتوالت ما بعد احلقبة

اال�ستعمارية ب�سبب احلرب

العاملية الثانية خرجت الدول الراأ�سمالية

الغربية والوليات املتحدة على اخل�سو�س

ولها اليد الطوىل على امل�سرح العاملي.

وح�سل عدد من الأقطار العربية على

ال�ستقلل ال�سيا�سي ولكن بحدود جديدة

م�سطنعة مثلت قنبلة موقوتة فيما بعد، وات�سعت رقعة ونفوذ

املع�سكر ال�سرتاكي، وخا�سة بعد تبني ال�سني للنظام ال�سرتاكي،

و�سدر قرار تق�سيم فل�سطني بني العرب وال�سهاينة يف التا�سع

والع�سرين من نوفمرب 1947 وت�سويت الحتاد ال�سوفييتي اإىل

جانب هذا القرار، وبالتايل قبول معظم الأحزاب ال�سيوعية

العربية بهذا القرار، الأمر الذي اأدى اإىل انق�سام حركة التحرر

الوطني العربية حول الق�سية الفل�سطينية.

ترتـــب علـــى هـــذه املعطيـــات اجلديـــدة بـــروز دور اجلي�س على

امل�سرح ال�سيا�ســـي، ب�سبب ال�سراع العربي - الإ�سرائيلي من جهة،

ولكـــون �سريحة ال�سباط تعترب فئة اجتماعيـــة متطورة، قيا�سا اإىل

الفئـــات الجتماعيـــة الأخرى، ذلك اأنها فئـــة متعلمة، وعلى علقة

بالتقنية احلديثة املرتبطة بتكنولوجيـــا ال�سلح، ا�سافة اإىل كونها

فئة مرتابطة ومن�سبطة وظيفيا. اإ�سافة لذلك جاء معظم ال�سباط

واجلنـــود العـــرب من الريـــف، امل�سحـــوق �سابقـــا، حاملـــني معهم

اإدراك م�سبـــق بـــاأن برجوازية املدينـــة، احلاكمة �سابقـــا واملتعاونة

مـــع العثمانيـــني ومن ثـــم ال�ستعمـــار والتـــي مثلت نـــواة برجوازية

�سناعية وجتارية ومل متنح فر�سة النمو لتكري�س ليربالية �سيا�سية

واقت�ساديـــة، هذه الربجوازية مت حتميلها امل�سئولية يف حتالفها مع

امل�ستعمر عن التخلف والبوؤ�س العربيني.

لذا مت اجتثـــاث هذه الربجوازية الوطنيـــة وم�سادرة راأ�سمالها

وم�سانعهـــا ل�سالح الفئات املهم�سة خطابا، ول�سالح القطاع العام

فعل، والذي �سرعان ما نخره الف�ساد واأ�سبح عبئا حيث كان يرجى

منـــه اأن يكون رافـــدا للقت�ساد الوطني على خطـــى �سعار »تعظيم

الإنتـــاج وعدالة التوزيع« فل تاأتى هذا ول حت�سل ذاك. وترافق مع

ذلك تزايد الوعي املعادي لل�ستعمار والمربيالية وبروز ظاهرتان

جديدتـــان همـــا: ظاهـــرة ال�سعـــب الفل�سطينـــي امل�ســـرد، وظاهرة

الـــدول النفطيـــة، واللتـــني �سيكون لهمـــا الأثر الكبـــري والبارز على

عملية التطـــور والتغري الجتماعي اللحقة يف املنطقة. وقد تنامى

الوعي ال�سعبي بتحميل �سياع فل�سطني وهزمية 1948 على الأنظمة

العربية املتولدة عن التق�سيمات اجلديدة لل�ستعمار، مما اأدى اإىل

�سقوط عدد من الأنظمة امللكية والتقليدية العربية، ل�سالح اأنظمة

جمهوريـــة جديـــدة، وذلك على يد اجلي�س والقـــوات امل�سلحة، ثورة

23 يوليـــو 1952 يف م�ســـر، ثورة 14 متوز 1958 يف العراق، وثورة 26

�سبتمرب 1962 يف اليمن.

كانــــت راأ�سماليــــة الربجوازية الوطنيــــة )على �سعفهــــا وبدايات

ن�سوئها(، وممالئة قوى ال�ستعمار، والتهاون يف ق�سية فل�سطني، اأهم

مــــربرات – واقعا اأو وهمــــا - التيارات الفكريــــة القومية واحلركات

الوطنيــــة لنق�س �سرعية الأنظمة ال�سابقة، لذا ما كان لهذة التيارات

مــع اأن تراجــع القومية العربيــة كحركة دافعة لل�سيا�ســة يف احلياة العربية،

بداأ بهزمية 1967، اإال اأن هذا الرتاجع و�ســل ذروته بغزو العراق للكويت 1990.

وبــذا خلــت ال�ســاحة منــذ اأربعينيات وخم�ســينيات القــرن املا�ســي لليربالين

الدميقراطيــن العــرب مدفوعن بت�ســجيع اإدارة كلينتون، ومــع ذلك مل ينجح

االأمر يف بروز تيار قومي ليربايل

Page 42: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 84 85ا�سرتاتيجية

فـي بوؤرة االهتمام

واحلــــركات اإل اأن تتبنــــى �سرعية مناق�سة تقوم علــــى اأقانيم ثلثة:

حماربة ال�ستعمار )التحرر(، والعدالة الجتماعية )ال�سرتاكية(،

وا�ستعــــادة فل�سطني )على طريــــق الوحدة العربية(. هــــذة الأقانيم

الثلثــــة وجــــدت رافعاتها الثــــلث يف التحرر الوطنــــي وال�سرتاكية

والوحدة.

وارتكبــــت حــــركات التحرر الوطنــــي العربية )با�ستثنــــاء اجلبهة

القوميــــة يف جنــــوب اليمن( خطيئة زج اجلي�ــــس يف ال�سيا�سة كحامل

مل�ساريعهــــا باإعتبــــاره املوؤ�س�ســــة الوحيــــدة املحتكــــرة لو�سائــــل العنف

امل�سروعــــة، الأمــــر الذي جعــــل اجلي�س بعــــد و�سوله لل�سلطــــة اإما اأن

ي�سخــــر اخلطــــاب ال�سيا�ســــي حلــــركات التحــــرر الوطنيــــة ل�ساحلة

وبالتايل ي�سخر احلركات نف�سها لتربير حكم اجلي�س، اأو اأن يبعدها

عــــن ال�سلطــــة ويطــــارد رموزها بحجــــة خيانتها مل�سالــــح اجلماهري

امل�سحوقة. لذا تراجع التيار القومي الليربايل والتيار الديني ل�سالح

تيار الفكر القومي ذي امليول الي�سارية وامل�سيطر عليه من اجلي�س.

وتكر�س النهج الي�ساري ال�سرتاكي للقومية العربية بعدة عوامل.

الأول؛ حالــــة ال�ســــراع بني اأجنحــــة متناف�سة داخــــل حركة القوميني

العرب وذلك كانعكا�س لرتكيبها الجتماعي والطبقي والإيديولوجي

تبعا لتباين الأقطار العربية وتفاوتها قليل اأو كثريا، يف �سلم التطور

الجتماعــــي والقت�ســــادي والثقــــايف وال�سيا�سي، واأي�ســــا يف احلجم

ال�ســــكاين وامل�ساحــــة اجلغرافيــــة، والأكــــرث اأهمية تفاوتهــــا جغرافيا

و�سيا�سيا واأيديولوجيا وقوميا قربا اأو بعدا من الق�سية الفل�سطينية.

العامــــل الثــــاين؛ تبايــــن الأقطــــار العربيــــة من حيث الــــرثوة، ول

�سيمــــا بني الدول النفطية )اخلليجية خا�ســــة( والدول الأخرى غري

النفطيــــة، وتعميم اخلطــــاب ال�سيا�سي القائل باأن هــــذه ثروة عربية

ويجــــب اأن ت�سخر للمعركــــة العربية مقابل اتهامــــات باأنها ت�سخر يف

اجتاه معاك�س.

العامـــل الثالث؛ متثـــل يف العدوان الثلثي علـــى م�سر يف 1956

وان�سحاب اأمريكا من متويل بناء ال�سد العايل وعقد �سفقة الأ�سلحة

الت�سيكيـــة مل�سر، مما زاد من عداء اأمـــريكا والغرب لنا�سر الأمر

الـــذي دفعه اأكرث باجتاه املع�سكـــر ال�سرتاكي، و�سبغ بالتايل حركة

القومية العربية بلون اأكرث ي�سارية.

العامـــل الرابع؛ متثل يف احلـــرب العربية البـــاردة بني املع�سكر

التقدمـــي واملع�سكـــر الرجعي )وفقـــا مل�سطلحات تلـــك احلقبة(،

وت�ساعد هذا ال�سراع اإىل ال�سدام الع�سكري بني م�سر وال�سعودية

يف اليمن بني 1962-1967. العامل اخلام�س؛ كان هزمية النظامني

امل�سري وال�سوري اأمام ا�سرائيل يف حرب يونيو 1967، التي �سكلت

نقطـــة اإنعطـــاف حا�سمة، يف تاريـــخ الفكر العربـــي املعا�سر، ذلك

اأنهـــا اأ�سقطـــت القناع عن نقـــاط ال�سعف يف مكونات هـــذا الفكر،

ول�سيما الفكر ال�سلطـــوي باإ�سم القومية العربية، الأمر الذي ق�سم

حركة القوميني العـــرب وجعلها تبتعد عن نا�سر وتتبنى نهجا اأكرث

ي�سارية.

هذه العوامل جميعا ت�سافرت لأن تكون احلركة القومية العربية

ي�سارية ا�سرتاكية ولي�ست �سيئا اآخر.

ا�ســتمرار االإخفــاق مـــع اأن تراجـــع القوميـــة العربية

كحركـــة دافعـــة لل�سيا�ســـة يف احليـــاة العربية، بـــداأ بهزمية 1967،

اإل اأن هـــذا الرتاجع و�سل ذروته بغزو العـــراق للكويت 1990. وبذا

خلـــت ال�ساحة منـــذ اأربعينيات وخم�سينيات القـــرن املا�سي لليرباليني

الدميقراطيني العـــرب مدفوعني بت�سجيع اإدارة كلينتون ووعودها بدعم

التوجهـــات الدميقراطية، ومع ذلك مل ينجح الأمـــر يف بروز تيار قومي

ليربايل.

اأحـــد الأ�سباب لهـــذا الف�ســـل يعـــود لرتاجـــع الإدارة الأمريكية

وتف�سيلهـــا ال�ستقـــرار علـــى الدميقراطيـــة يف دول املنطقـــة؛ اأول

لأن جتـــارب الإنفتـــاح الدميقراطي اأفرزت القـــوى الإ�سلمية غري

املرغـــوب يف بع�سها اأمريكيا، جتلى ذلك بو�سوح يف اليمن والأردن

وم�ســـر والكويت والبحريـــن، وثانيا جاءت اأحـــداث احلادي ع�سر

من اأيلول/�سبتمـــرب 2001 وبدء اإدارة بو�س البن عقيدة احلرب

علـــى الإرهـــاب لتوؤكد تغري اأولويات اأمـــريكا يف املنطقة. ومع ذلك،

يعـــود اأهم اأ�سباب ف�سل بروز تيار قومي ليربايل اإىل ه�سا�سة البنى

القت�ساديـــة امل�ستقلة عـــن الدولة والتـــي تفرز طبيعيـــا برجوازية

وطنيـــة حاملة للمد الليـــربايل، ذلك اأن القطـــاع اخلا�س يف اأغلبه

يف معظـــم الدول العربية يظـــل جتاريا ولي�س �سناعيـــا، ومنى هذا

القطـــاع اخلا�ـــس، ول يـــزال، يف ظل القطـــاع العـــام م�ستفيدا من

العقود التف�سيليـــة واحل�سول على تراخي�ـــس ال�سترياد والإعفاء

وعلـــى احل�سول علـــى املعلومات وجتاوز القانـــون؛ كل ذلك يف ظل

قطـــاع الدولة، لـــذا مل يكن من م�سلحته حتريـــر القت�ساد يف ظل

مناف�ســـة كاملـــة، ول يزال القطـــاع اخلا�س يحقـــق اأرباحا اأكرب يف

ظـــل الأو�ساع الرمادية ما بني التاأميم والتحرير اأكرث مما لو حترر

القت�ساد متاما.

اإذا تراجـــع املد القومي العربي ول اأمل يرى قريبا لتيار ليربايل

قـــوي، وبداأ تراجع مـــد الإ�سلم ال�سيا�سي بعد خمـــود فورة التاأييد

لـــه التـــي �سهدهـــا العقد الأخـــري من القـــرن املا�ســـي، ورمبا يكون

الرتاجع الكبري الذي �سهـــده التيار الإ�سلمي يف انتخابات الكويت

الربملانية يف �سهـــر اأيار/مايو 2009 بداية ل�سل�سلة من تراجعات

تيـــار الإ�سلم ال�سيا�سي �ست�سهدها الدول العربية قريبا. هذا ي�سع

ت�ســـاوؤلت اأكرث مـــن تلك التي بداأنا بها هـــذا املو�سوع، فمن �سيملأ

الفراغ يف ظل تراجع التيارات ال�سيا�سية والفكرية الرئي�سية؟

املحـــور

ق�سيــــة العـــدد

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية

�سراع االأدوار فـي

املنطقة العربية

حممد �سيف حيدر

غ�سان العزي

عمرو حمزاوي

�سامح را�سد

علي ح�سني باكري

Page 43: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 86 87ا�سرتاتيجية

ل يخفى على متابعي و�سع املنطقة العربية وحال نظامها الإقليمي

اأن �ســـراع الأدوار و�سيا�ســـة املحاور التي تلقي اليـــوم بظللها الثقيلة

علـــى امل�سهـــد ال�سيا�سي العربـــي، ل تخرج عما هو ماألـــوف ومعتاد يف

�ســـريورة هذا النظام، الذي اقرتن ظهوره تاريخيا مع ظهور اجلامعة

العربيـــة، وزوال ال�ستعمار وحتـــرر الدول العربية تباعـــا من قب�سته

الع�سكرية العاتية، وتوجهها اإىل بناء ذاتها كدول حديثة ومقتدرة على

مواجهة التحديات على اختلفهـــا، �سيا�سيا واقت�ساديا واجتماعيا..

الـــخ. وقد عـــرف النظـــام الإقليمي منذ حلظـــة ن�سوؤه هـــذا النوع من

ال�ســـراع والتناف�س الإقليميني، والنق�ســـام والتكتل يف حماور عربت

عـــن نف�سها من خـــلل انق�سام العرب، خـــلل خم�سينيات و�ستينيات

وكانت القـــرن املا�سي، بـــني قوى “تقدميـــة” واأخرى “حمافظـــة”.

ال�سمـــة الأبـــرز لهذا ال�ستقطـــاب تكمن يف دخول هذه الـــدول اأو تلك

�سمن دائـــرة ال�ستقطاب الأيديولوجي الذي ميز النظام الدويل بني

اأمريكا والغرب والحتاد ال�سوفيتي واملنظومة ال�سرتاكية الدائرة يف

فلكـــه، وهو ا�ستقطاب اأفـــرز حربا عاملية باردة طويلـــة ا�ستمرت نحو

ن�سف قرن من الزمان.

اإن �سيا�ســـة املحـــاور، كمـــا �ســـراع الأدوار بـــني كبـــار اللعبـــني

الإقليميني، ل تختلف اليوم كثريا عن �سابقاتها بل هي امتداد طبيعي

لهـــا، وهي جتـــل جوهري ومتوا�ســـل لل�سراع العربـــي - العربي حول

اأجندة تبدو يف الظاهر عربية خال�سة، لكنها يف واقع الأمر مل )ولن(

تخدم �سوى اإ�سرتاتيجيات القوى الإقليمية والدولية وتوجهاتها ب�سكل

اأ�سا�ســـي. واملده�س يف الأمر اأن تو�سيف الت�سدع العربي الراهن كما

هـــو احلال مع الت�سدعـــات والنق�سامات ال�سابقـــة، وفرز العرب بني

قـــوى “اعتـــدال” يف مقابل قـــوى “ممانعة” اأو “متطرفـــة”، قد اأتى

مـــن خارج املنطقة باعتباره فرزا بني اأ�سدقاء اأمريكا – القوة الأوىل

يف العـــامل - وبقية دول الغرب وبني خ�سومهـــا، وكما يف املا�سي فقد

�ساهمـــت اإ�سرائيل يف بلورة هذا التو�سيف، والنفخ فيه وترويجه بقوة

على ال�سعيد العاملـــي. وبالفعل فقد متكن الأمريكيون والإ�سرائيليون

مـــن ت�سييـــد �سيا�سة حمـــاور وحتالفـــات اإقليميـــة ترتبـــط باأجندتهم

اجليو�سرتاتيجية اأول واأخريا.

ولعل حرب غزة مطلع العام اجلاري كانت قد عك�ست ذلك النجاح

بو�ســـوح. فعلى �سبيـــل املثال، اأ�ســـارت وزيرة اخلارجيـــة الإ�سرائيلية

ال�سابقـــة ت�سيبي ليفني، يف ت�سريح لها اإبان احلرب، اإىل اأن ال�سراع

الدائر يف منطقة ال�سرق الأو�سط “لي�س �سراعا بني العرب واإ�سرائيل،

بـــل هو �سراع بني قوى العتدال وقوى التطرف” فيها. وبالطبع، فاإن

اإ�سرائيـــل تقـــف اإىل جانب قوى “العتدال” العربيـــة، كما اأن اأمريكا

ودول الغرب ت�سد على اأيدي هذه الدول كذلك.

واحلال اأن هذه املحاجة الإ�سرائيلية، املدعومة اأمريكيا واأوروبيا،

قـــد لقيت اأ�ســـداء وا�سعة النطـــاق، �سمنية حينا و�سافـــرة يف اأحيان

اأخـــرى، توؤيـــد م�سمونها وتوؤكد عليـــه. وهكذا اأ�سبـــح الفرز حا�سل،

واأ�سحـــت �سيا�سة املحاور الطابع الغالب على �سيا�سات املنطقة. ففي

مع�سكـــر “املمانعـــة”، وبتاأييد مطلق من اإيـــران الإ�سلمية، تقف كل

مـــن �سورية وزوائد الـــدول ال�ساهرة لل�سلح )حـــزب اهلل واحلركات

الفل�سطينيـــة املقاتلـــة(. ولهـــذه القـــوى جميعـــا مواقـــف وا�سحة من

�سراع االأدوار »واملحاور« يف النظام العربي

ك�سف ح�ساب متاأخر!ك�سف ح�ساب متاأخر!

املحور

حممد �سيف حيدر

حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة مدارات ا�سرتاتيجية، وباحث يف مركز �سباأ

للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.

ال�سيا�سة الأمريكية يف املنطقة، وهي ترف�س عملية ال�سلم يف �سكلها

احلايل بـــني اإ�سرائيـــل والفل�سطينيـــني، وتوؤيد اإ�سرتاتيجيـــة املقاومة

“العتدال” مع�سكر اأما امل�سلحة لـ “حترير الأر�س من الحتلل”.

العربي فيقف على قمة هرمه دول كم�سر وال�سعودية والأردن وتون�س،

وتنطوي �سيا�ساتها على “تفهم” للتوجهات الأمريكية يف املنطقة واإن

كانت ل تتفق معها متاما.

ومـــا بـــني كل املع�سكرين تتذبذب �سيا�ســـات ومواقف لدول اأخرى

كقطـــر والإمارات وال�سودان واملغرب واجلزائر واليمن وغريها، وهي

مواقـــف لي�ست وليدة قناعـــة �سيا�سية حمددة توؤيـــد روؤية هذا املحور

اأو ذاك، بل هي انعكا�ـــس مبا�سر حلاجات ذاتية وبرجماتية تفر�سها

اأجندة ال�سيا�سة املحلية وهاج�ـــس ال�سرعية امل�ستدام، وتعزيز املكانة

يف ظـــل التناف�ـــس الإقليمـــي، بالإ�سافـــة اإىل متطلبـــات الدبلوما�سية

العامة.

ويف ظل هذا التنافر يبدو النظام الإقليمي العربي يف حالة فو�سى

�ساملـــة، رمبـــا اأكرث من اأي وقـــت م�سى، ل�سيما

واأن العرب قد انق�سمـــوا يف نظرتهم ملا اعتربوه

زمنـــا طويـــل “ق�سيتهـــم املركزيـــة” اأي ق�سية

فل�سطـــني، واملوقف مـــن اإ�سرائيل التـــي ما تزال

حتتل اأرا�ـــس عربية وتهـــدد الكيانية العربية يف

ال�سميـــم بامتلكهـــا تر�سانـــة ع�سكريـــة هائلة

تت�سمن املئات من القنابل النووية.

والثابـــت اأن هذا التنافر، وتلك الفو�سى، قد

تعززا خلل الأعوام الثلثـــة الأخرية، وانعك�سا

�سيا�سيـــا على الو�سع العربـــي برمته وعلى نحو

�سلبـــي متامـــا متظهر يف �ســـكل حلـــول توفيقية

قابلة للنكو�ـــس تارة، وتارة يف �ســـورة ت�سويات

غري �سوية وغري مر�سية، كما تبدت تارة اأخرى

يف �سورة نك�سات اقت�سادية ونزاعات �سيا�سية

مـــا انفكـــت تتفاقم، واهـــرتاء فكـــرة الت�سامن

ل�سالح فكرة ال�سراع والتناف�س على ال�ستفراد

مبقود قيادة القاطرة العربية، بل وجتاوز الأمر

جمـــرد التناف�س على القيادة؛ لأن التناف�س يتم

وفق قواعد مقبولة بالتبادل من اأطراف النظام

العربـــي، ول يت�سمـــن نيـــة الإ�ســـرار بالآخـــر،

فيما تنطـــوي العلقـــات العربية-العربية الآن

علـــى ممار�سات غري ماألوفـــة مل تتعارف عليها

اأطرافهـــا كافـــة، بالإ�سافـــة اإىل الإعلن ال�سريح عـــن نوايا اإف�ساد

م�ساعي الآخرين والعتزاز بالنجاح يف حتقيق ذلك.

والأخطـــر مـــن ذلـــك كلـــه، تبلور موؤخـــرا توجـــه يق�سي بــــ »رفع

اليديـــن« عـــن التدخل ب�ســـكل اإيجابـــي وبناء يف ق�سايـــا عربية عدة

ملحـــة وجوهرية، وترك ال�ساحة للعبني اآخرين من ذوي التطلعات

والطموحـــات الغابـــرة، العابـــرة للحـــدود، للعـــب دور جيوبوليتيكي

حمـــوري يف املنطقة )تركيا واإيـــران(. وبالتاأكيد، فاإن هذا لن يكون

اإل على ح�ساب الـــدول العربية ذاتها، مهما حاولت املقاومة اأو حتى

ي القائم على اإبـــداء عدم اهتمامها مبا يحدث. كمـــا اأن هذا الت�سظر

م�ستـــوى �سيا�سات الدول انعك�س - ب�ســـورة اأو باأخرى- على مواقف

�سعـــوب املنطقة والنخـــب املثقفة، والعلقـــات الطائفيـــة ال�سائدة،

وتعمقت على اإثره امل�ساعر القومية ال�سوفينية ال�سيقة، التي مل تكن

موجودة يف املا�سي بهذه احلدة، يف �سفوف قطاعات غري قليلة من

اجلماهري العربية.

لكـــن كيف �سيخرج العـــرب من هذا النفق؟ يظل هـــذا هو �سوؤال

ال�ساعـــة، والإجابة عليه لي�ست جاهزة للأ�ســـف، وت�سوب املحاولت

الكثـــرية التـــي حتـــاول �سوغهـــا ت�ساربـــات وتناق�ســـات �سارخة يف

التحليل وت�سو�س كبري يف الروؤية، لكن اخلطوة الأوىل والأكرث اأهمية

حاليا - كما تبدو يل- تكمن يف مل �سعث التنافر احلايل ب�ساأن ق�سية

العرب املركزية وجتاوز النظرة اخللفية حولها،

ولعـــل التوافق على �ســـوغ مقاربـــة عربية موحدة

ومن�سجمـــة اإزاء الق�سيـــة الفل�سطينيـــة العتيـــدة

قد ي�سهـــم بقوة يف التخفيف مـــن حالة الحتقان

الراهـــن، ل�سيما واأن هنـــاك اإقرار عربي، ر�سمي

و�سعبـــي على حـــد �سواء، باأهمية و�ســـرورة اإعادة

الأمور اإىل ن�سابها يف هذا املو�سوع حتديدا.

�سحيح اأن هذا احلل يبدو جزئيا ورمبا مب�سطا،

ـــد بالفعـــل للخـــروج من عنـــق زجاجة لكنـــه ميهر

�سيا�سة املحاور التي تاأخذ وهجها من دبلوما�سية

»الكيـــد والكيد الآخر«، والرمتاء يف ح�سن القوى

الإقليمية والدولية املتوثبة والتي ل هم لها - وهذا

لي�س اإثما اأو عيبا - �سوى احلفاظ على م�ساحلها

الوطنية وتلبية طموحاتهـــا القومية، بغ�س النظر

عن موقف العرب، اتفقوا اأم اختلفوا.

ويف املرحلة التالية، �سيكون من املهم - بالن�سبة

نـــاع القرار العـــرب - اأن يعملوا على مراجعة ل�س

وتقـــومي �سيا�ساتهم الراهنة، وعلى راأ�سها �سيا�سة

املحـــاور الإقليميـــة، والنظر - من ثـــم - اإىل قيم

كالت�ســـدد والعتدال لي�س بو�سفهـــا قيما �سيا�سية

جديـــرة بالحتفاء والتبنـــي، بـــل باعتبارها قيما

واأحكامـــا اأخلقية حدية وتكاد تكون اأيديولوجية،

وعندهـــا �ستت�سح لهم مثالبها اجلمة، واأنها ل تقدم حلول بل تقولب

احلالـــة العربية اأكرث وتزيدهـــا تاأزما وا�ستع�ســـاء. ناهيك عن اأنها

تك�ســـف الدول العربية جميعها، �سواء اأكانـــت »معتدلة« اأو«ممانعة«،

اأمـــام خماطر وحتديـــات متعاظمة ل قبل لهـــا مبواجهتها اأو التكيف

معها دون دفع اأثمان باهظة ل تطاق!

يبدو النظام االإقليمي

العربي يف حالة فو�سى

من اأكــرث رمبــا �ساملة،

اأي وقت م�سى، ال�سيما

واأن العرب قد انق�سموا

يف نظرتهم ملا اعتربوه

“ق�سيتهم طويا زمنا

ق�سية اأي املركزية”

من واملوقف فل�سطن،

اإ�سرائيل التي ما تزال

عربية اأرا�ــــض حتتل

ــة ــي ــان ــي ــك ــــدد ال ــــه وت

العربية يف ال�سميم

Page 44: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 88 89ا�سرتاتيجية

حدود التغيري فـي ال�سيا�سة

االأمريكية جتاه ال�سرق االأو�سط

عمرو حمزاوي

زمن

اأوباما

املحور

اأجاد الرئي�س الأمريكي باراك اأوباما يف توظيف الأ�سهر الأوىل لوليته

ل�سناعة �سورة لدور و�سيا�سة القوة العظمى جتاه ال�سرق الأو�سط مغايرة

عن تلك التي خلفتها �سنوات بو�س بحروبها ال�ستباقية ومغامراتها

الع�سكرية وا�ستهزائها ال�سديد بقواعد القانون الدويل وحقوق الإن�سان.

عمرو حمزاوي باحث اأول مبركز كارنيجي لل�سرق الأو�سط - بريوت.

زمن

اأوباما

Page 45: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 90 91ا�سرتاتيجية

فقد اأ�سدر اأوباما اأوامرا تنفيذية مبعاملة معتقلي جوانتانامو

وفقا للمواثيق الدولية )معاهدات جنيف( وبتعليق حماكماتهم

ال�ستثنائيـــة لأ�سهـــر اأربـــع تراجع خللهـــا اأ�ساليـــب التقا�سي

املتبعـــة اإزائهـــم �سمانـــا لحـــرتام حكـــم القانـــون، وبالإغلق

النهائـــي للمعتقـــل بدايـــة عـــام 2010، وكذلك باإلـــزام وكالت

ال�ستخبـــارات الأمريكيـــة باإغـــلق ال�سجـــون ال�سريـــة ملعتقلي

احلـــرب على الإرهاب خارج الوليات املتحدة وباحرتام مبادئ

حقـــوق الإن�سان. وجـــه اأوباما اأي�سا القيـــادة الع�سكرية للجي�س

الأمريكـــي يف العراق باعتماد خطط للن�سحـــاب ال�سريع وفقا

لوعـــده النتخابي القا�سي باإجناز ان�سحـــاب الوحدات املقاتلة

خلل العام املقبل، كما عـــني ال�سيناتور ال�سابق جورج ميت�سيل

مبعوثا رئا�سيا لق�سايـــا ال�سلم يف ال�سرق الأو�سط، واأر�سله يف

جـــولت متتالية للمنطقة لإحياء امل�ســـار التفاو�سي الفل�سطيني

الإ�سرائيلـــي والنظر يف اإمكانية التفاو�س بني اإ�سرائيل وكل من

�سورية ولبنان.

وتواكب مـــع هذه الفاعلية التنفيذية دبلوما�سية عامة ن�سطة

وجذابة لـــلإدارة اجلديدة قلبها خطابـــات وت�سريحات اأوباما

املتتالية حول اأهمية تطوير علقة اإيجابية بني وا�سنطن والعامل

العربي-الإ�سلمـــي ت�ستنـــد اإىل الحـــرتام املتبـــادل وامل�سالح

امل�سرتكـــة. ول �سك اأن خطاب القاهرة يف الرابع من حزيران/

يونيـــو املا�ســـي كان هو الأبـــرز جلهة عر�س خطـــوط ال�سيا�سة

اخلارجيـــة الأمريكية يف ال�سرق الأو�سط. واحلقيقة اأن الرئي�س

اأوبامـــا اأجـــاد توظيـــف خطابـــه لإظهـــار م�ساحـــات الختلف

والتمايـــزات النوعيـــة بـــني مقاربـــة اإدارته

للعامل الإ�سلمي وممار�سات اإدارة بو�س يف

الفرتة 2000-2008. اأفرد اأوباما ال�سق الأول

من خطابـــه للتاأكيـــد على رغبتـــه يف طوي

�سفحـــة احلرب علـــى الإرهاب ومـــا رتبته

مـــن توتر يف العلقة بـــني الوليات املتحدة

وامل�سلمـــني والتاأ�سي�س لبدايـــة مغايرة تعول

على ال�سلم والحـــرتام املتبادل وامل�سالح

امل�سرتكـــة. ففـــي مقابـــل مغامـــرات بو�ـــس

الع�سكريـــة يف اأفغان�ستـــان والعـــراق، والتي

ولدت انطباعا غالبا بني امل�سلمني باأن القوة

العظمـــى ت�ســـن حربا عليهم، وبعـــد �سياغات الرئي�ـــس ال�سابق

املتكـــررة التـــي خلطت بـــني الإرهـــاب والإ�ســـلم كالفا�س�ستية

الإ�سلميـــة وغريها، �سدد اأوباما على اأولويـــة التاأ�سي�س لبداية

جديـــدة بـــني الوليات املتحـــدة والعـــامل الإ�سلمـــي تعمل على

التخل�س من ال�سور النمطيـــة ال�سلبية لدى اجلانبني وت�ستعيد

القراءة الأمريكية الإيجابيـــة للإ�سلم كدين، وتذكر امل�سلمني

بت�سامح املجتمع الأمريكي الذي يحت�سن اليوم ما يقرب من 7

مليون مواطن م�سلم. وللتدليل يف هذا ال�سياق، ا�ستدعى �ساكن

البيت الأبي�س خربته الذاتيـــة واخللفية الإ�سلمية لأ�سرة اأبيه

يف هـــذا ال�سياق، واأ�سار اأكـــرث من مرة اإىل اللحظـــات امل�سيئة

يف تاريـــخ التعاون بـــني الوليات املتحدة وامل�سلمـــني، وا�ست�سهد

باآيات القراآن الكرمي ليعطي خلطابه روحية خمتلفة بجلء عن

توجهات �سلفه.

تنـــاول اأوباما يف ال�سق الثاين من خطابـــه الق�سايا املحددة

التـــي ت�سكل، كما قـــال، م�ســـادر التوتر يف العلقـــة الأمريكية

مـــع العـــرب وامل�سلمني، مو�سحـــا املبادئ واخلطـــوط العري�سة

ل�سيا�ساتـــه يف املرحلة القادمة، وم�سارحا جمهوره الوا�سع باأن

هدفـــه يظل هو حمايـــة امل�سالح الأمريكية. ت�ســـدرت القائمة

هنـــا الرتكة الثقيلـــة التي ورثها اأوباما عن بو�ـــس يف اأفغان�ستان

والعـــراق وال�ســـراع مع تنظيـــم القاعدة، وكان لفتـــا ا�ستبدال

اأوبامـــا الدقيق لكلمـــة الإرهاب ولعبارة احلـــرب على الإرهاب

بكلمـــات كالعنف والتطـــرف والراديكالية وبعبـــارات كمواجهة

التنظيمـــات العنفية وحتمية ال�سراكـــة العاملية للنت�سار عليها

)وهـــو مـــا ينتقـــد عليه اأوبامـــا اليـــوم ب�سدة من جانـــب اليمني

الأمريكـــي(. وتواكب مع ا�ستبدال املفـــردات �سيئة ال�سمعة بني

العـــرب وامل�سلمني والوعد بالرجوع عـــن النفرادية الأمريكية،

التاأكيـــد على عزم الوليـــات املتحدة اإنهـــاء وجودها الع�سكري

يف العراق وفقا للجـــدول الذي �سبق اإعلنه

)القـــوات املقاتلـــة يف �سيـــف 2010 وجميـــع

القـــوات يف 2012( ودون احتفـــاظ بقواعـــد

ع�سكريـــة هنـــاك، وكذلك نزوعهـــا للخروج

من اأفغان�ستان ما اأن ت�ستقر اأو�ساعها. اأ�سار

اأوبامـــا اأي�ســـا اإىل �سمولية مواجهـــة اإدارته

للتنظيمات العنفية التي تهدد الأمن القومي

الأمريكـــي وجتاوزها اعتمـــاد بو�س الأحادي

علـــى الأدوات الع�سكرية لتدمـــج بينها وبني

البحـــث عـــن حلـــول �سيا�سيـــة، وال�سعي اإىل

تنميـــة املجتمعات واملناطق التي تن�سط فيها

القاعدة وغريها.

اأمـــا فيما خ�ـــس الق�سيـــة الفل�سطينية وال�ســـراع العربي-

الإ�سرائيلي وم�ستقبل الت�سوية ال�سلمية، فتوافق اأوباما يف التزامه

بحل الدولتني وحديثه عن حق اإ�سرائيل امل�سروع يف الوجود وحق

املحور

�سدد اأوباما على اأولوية

التاأ�سي�ض لبداية جديدة

بن الواليات املتحدة

والعامل االإ�سامي تعمل

على التخل�ض من ال�سور

النمطية ال�سلبية لدى

اجلانبن

ال�سعـــب الفل�سطينـــي يف تاأ�سي�س دولته مع اخلطـــوط العري�سة

ملوقف اإدارة بو�س املعلن. ويف حني عجز بو�س عن حتويل موقفه

اإىل �سيا�ســـة فعالـــة لنحيازه غـــري امل�سبوق لإ�سرائيـــل ورف�سه

ال�سغط عليها، ف�سل عن تاأخر اهتمامه بالق�سية الفل�سطينية

اإىل العامـــني الأخرييـــن من عمر اإدارته الثانيـــة، بدا اأوباما يف

القاهـــرة - وعلى الرغم من عمومية ملحظاته يف هذا املجال

- مبظهـــر الراغب يف ال�سغط علـــى حكومة اليمني الإ�سرائيلية

لإلزامها بحل الدولتني وتعهدات خارطة الطريق، ويف مقدمتها

وقـــف ال�ستيطان يف ال�سفـــة الغربية. امل�ساحـــة الهامة الثانية

للتغيـــري يف ال�سيا�سة الأمريكية جتـــاه الق�سية الفل�سطينية التي

ت�سمنهـــا اخلطاب هي تلك املتعلقة بحما�ـــس التي امتنع اأوباما

عن و�سفها بالإرهابية كداأب �سلفه، بل واأعرتف عمليا ب�سرعية

وجودها ودورها كحركة يوؤيدهـــا قطاع وا�سع من الفل�سطينيني

قبـــل اأن يطالبهـــا باحرتام خارطة الطريـــق. ول �سك عندي يف

اأن تقـــدمي العرتاف ب�سرعية الوجود والدور على املطالب اإمنا

يعـــرب عن انفتاح ولـــو حمدود من جانـــب الإدارة اجلديدة على

حما�س وا�ستعداد على الأقل جزئي للدخول معها يف حوار.

ثم تطـــرق اأوباما اإىل امل�ساألة النوويـــة ويف موقع القلب منها

الربنامج النووي الإيراين ليعمم ويخ�س�س، فعمم بجعل هدف

عامل خال من الأ�سلحة النووية عنوانا عري�سا وعامليا لل�سيا�سة

�ـــس بالقـــول باأن لإيـــران ولغريهـــا من دول الأمريكيـــة، وخ�س

ال�سرق الأو�ســـط احلق يف امتلك التكنولوجيا النووية ال�سلمية

يف اإطـــار املواثيق الدولية )معاهدة احلد من النت�سار النووي(

وعليهـــا المتناع عـــن تطوير برامـــج للت�سلح النـــووي. جمددا،

اختلفـــت مقاربة اأوباما هنـــا عن �سلفه الذي عمـــد للتعامل مع

الربنامـــج النـــووي الإيـــراين كم�ســـدر تهديـــد ينبغـــي حتييده

بال�سغط على اجلمهوريـــة الإ�سلمية من خلل عقوبات دولية

وغربيـــة وتلويح باإمكانية ا�ستخـــدام الأداة الع�سكرية. مثل هذه

املفردات تـــوارت تدريجيا مـــع الإدارة اجلديـــدة وحلت حملها

مفـــردات مغايـــرة �ساغها اأوباما يف خطـــاب القاهرة جوهرها

النفتـــاح الدبلوما�سي علـــى اإيران بعر�س حلـــوار مبا�سر حول

النووي وغريه من الق�سايا العالقة بني الدولتني، وكذلك حتويل

النت�سار النـــووي يف ال�سرق الأو�سط اإىل م�سكلة ل تقت�سر على

برنامـــج اإيراين يتطور اليوم بل متتد اإىل دول اأخرى، يف اإ�سارة

االإ�سغاء اإىل اأوباما: حاول الرئي�س الأمريكي توظيف خطاب القاهرة لإظهار اأنه يختلف كثريا عن �سلفه

Page 46: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 92 93ا�سرتاتيجية

جريئة اإىل ال�سلح النووي الإ�سرائيلي.

مثلت ملفـــات الدميقراطية واحلرية الدينيـــة وحقوق املراأة

والتنمية القت�سادية بقية الق�سايا امل�سببة للتوتر بني الوليات

املتحدة والعامل الإ�سلمـــي وفقا لأوباما، وجاءت مواقفه حولها

م�ستهدفـــة اإزالـــة لب�س من جهـــة، وجتاوز اختـــزال العلقة بني

الطرفـــني اإىل ال�سوؤون ال�سيا�سية فقط مــــن جهة اأخرى. والواقع

اأنه م�ســــار متعرج هذا الذي ت�سري عليــــه اإدارة اأوباما فيما خ�س

ملفــــات الدميقراطيــــة وحقوق الإن�ســــان يف العــــامل العربي. فقد

�سهــــدت الأ�سهــــر الأوىل مــــن عمــــر الإدارة تقلي�ســــا حقيقيــــا يف

املخ�س�سات املالية لربامج دعم الدميقراطية، كان اأكرث حالته

و�سوحــــا طلب البيــــت الأبي�س من الكوجنر�ــــس يف موازنة -2009

2010 اعتماد 20 مليون دولر لربامج دعم الدميقراطية واملجتمع

املــــدين يف م�ســــر، عو�ســــا عــــن 50 مليــــون دولر طلبتهــــا اإدارة

بو�س قبــــل رحيلها يف موازنــــة 2008-2009. تراجع كذلك توظيف

مفــــردات الدميقراطيــــة واحلريــــة وحقوق الإن�ســــان يف اخلطاب

العلنــــي لرمــــوز الإدارة حــــول العــــامل العربــــي وق�سايــــا ال�سيا�سة

الدولية ب�سورة عامة، وتــــرك من�سب امل�سئول عن الدميقراطية

وحقوق الإن�سان يف جمل�س الأمن القومي ومن�سب م�ساعد وزيرة

اخلارجية ل�ســــوؤون الدميقراطية وحقوق الإن�سان والعمل – وهما

املعنيان بالتخطيط الإ�سرتاتيجي وبالت�سيري العملي لربامج دعم

الدميقراطية - �ساغرين دون تعيني اإىل اليوم.

بيــــد اأن اأوباما، وعلى خلف التوقعات الغالبة داخل الوليات

املتحــــدة وخارجهــــا، عــــاد وتطرق يف خطابــــه للعــــامل الإ�سلمي

مــــن القاهــــرة اإىل دعــــم الدميقراطية ب�سياغــــات مركبة دللت،

مــــن جهة، علــــى كونها ما زالت ت�ســــكل اإحدى اأولويــــات وا�سنطن

الرئي�سيــــة، ومن جهة اأخــــرى، على تبلور قــــراءة نقدية يف اأروقة

الإدارة احلاليــــة ملمار�سات �سابقتها يف هــــذا املجال. عرب اإ�سارة

�سالبة �سريحة اإىل احلرب على العراق، �سعى اأوباما اإىل التطهر

مــــن خطيئة اخللط بني الدميقراطية وتغيري نظم احلكم املناوئة

للوليــــات املتحدة با�ستخــــدام القوة امل�سلحة التــــي ارتكبها �سلفه

وولــــدت بني العرب وامل�سلمني العديد من ال�سكوك حول الأهداف

الأمريكيــــة احلقيقية من وراء رفع �سعــــار دعم الدميقراطية. ثم

اأتبع ذلك، وعرب اإ�ســــارة �سالبة ثانية واإن مبطنة لرف�س الوليات

املتحدة العرتاف بنتائــــج النتخابات الت�سريعية الفل�سطينية يف

التي جاءت بحركة حما�س اإىل مقاعد ال�سلطة وما رتبه من 2006

نقا�س وا�سع حول ازدواجية معايري اإدارة بو�س ونزوعها اإىل قبول

املمار�ســــة الدميقراطية فقط حال ر�سائها عن نتائجها، بت�سديد

علــــى حتميــــة احــــرتام حق ال�سعــــوب يف اختيــــار حكامهــــا بحرية

دون تدخــــل خارجــــي وعلــــى اأن وا�سنطن �ستقبــــل كل احلكومات

املنتخبة دميقراطيــــا حتى واإن اختلفت معهــــا، �سريطة التزامها

»راعي ال�سام«: اأظهر اأوباما خلل الأ�سهر الأوىل من وليته اهتماما وا�سحا لتحقيق ت�سوية لق�سية ال�سرق الأو�سط

املحور

�سلميــــة احلياة ال�سيا�سية بالتخلي عــــن القمع وتطبيقها مفردات

الدميقراطيــــة الرئي�سية املتمثلة يف حكم القانون وتداول ال�سلطة

و�سمــــان حريات املواطنــــني وامل�ساواة بينهم علــــى تنوع هوياتهم

الدينية واملذهبية والعرقية.

علــــى هاتــــني الإ�سارتــــني ال�سالبتني، عــــول اأوبامــــا يف خطاب

القاهــــرة لإعــــادة الدميقراطيــــة اإىل �ساحــــة فعلهــــا الواقعيــــة يف

ال�سيا�ســــة اخلارجيــــة الأمريكيــــة كمــــا ر�سمتهــــا اإدارات احلزب

الدميقراطي منذ نهايــــة ال�سبعينيات )كارتر وكلينتون( ونظرت

مــــن خللها وا�سنطن اإىل مفردات حكم القانون وتداول ال�سلطة

واحلريــــة وامل�ســــاواة بني املواطنــــني كحقوق اإن�ســــان عاملية تدافع

عنها وتدعــــم التطور نحوها بالو�سائــــل ال�سلمية حني ل يتعار�س

ذلك مع حماية م�ساحلها الإ�سرتاتيجية الكربى.

مل يكن تطرق اأوباما اإىل دعم الدميقراطية يف خطاب القاهرة

مبجــــرد التنازل العتذاري ملنتقديه داخــــل الوليات املتحدة ويف

العامل العربي الذين لمــــوا عليه عدم التوجه اإىل عا�سمة اأخرى

ذات �سجــــل اأف�ســــل يف جمــــال الدميقراطية

وحقوق الإن�سان، بل تعبري عن مقاربة واقعية

جديدة تعمل اإدارته على تطويرها يف ف�ساء

اإقليمــــي متلــــوؤه جيو-اإ�سرتاتيجيــــا و�سيا�سيا

التحديات والقيود املو�سوعية قبل املحفزات.

فاحلكومــــات العربيــــة ال�سديقــــة لوا�سنطن

تنف�ست ال�سعــــداء بعد رحيــــل بو�س وترغب

يف تكثيــــف تعاونهــــا معها جلهــــة التعاطي مع

امللفــــات الإقليمية التي اأهملهــــا بو�س طويل

كالق�سية الفل�سطينيــــة، اأو اأخفق يف اإدارتها

كتداعيات احلرب على العراق وما �ساحبها

من تهديــــد لرتتيبــــات اأمنية بــــدت م�ستقرة

قبل 2003، ومتدد يف النفوذ الإقليمي لإيران

اأ�سحــــى ي�سكل خطــــرا على امل�سالــــح الأمريكيــــة والعربية. هذه

احلكومــــات �سئمــــت خــــلل الأعــــوام املا�سية خطــــاب بو�س حول

الدميقراطيــــة و�سنفت املمار�سات املرتبطــــة به كتدخل مرفو�س

يف �سوؤونهــــا الداخليــــة، وهــــي اليــــوم اأبعد ما تكون عــــن الرتحيب

بامل�ساعي الأمريكية لتجديد �سيا�سة دعم الدميقراطية حتى واإن

اختلفت الوجهة وامل�سامني مع الإدارة احلالية عن �سابقتها.

الأمر اللفــــت هنا هو اأن بع�س احلكومــــات العربية، مدفوعا

بقناعــــة لها مــــا يربرها تق�ســــي باحتيــــاج الوليــــات املتحدة لها

حلمايــــة م�ساحلهــــا الإ�سرتاتيجية يف عاملنــــا، �سرعت بنجاح يف

التاأ�سي�ــــس مل�سروطيــــة عك�سية تهــــدف ل�سبط احلوار مــــع اأوباما

حــــول الدميقراطية وفقــــا لإيقاعاتها هي ولي�ــــس بال�سرورة لتلك

Wall ال�سادرة عن وا�سنطن. على �سبيل املثال، اأ�سارت �سحيفة

Street Journal يف تقريــــر اأخري لهــــا اإىل اأن اخلارجية الأمريكية

وافقت على طلب القاهرة اللتزام بق�سر تقدمي الدعم حلركات

املجتمــــع املــــدين ومنظمات حقــــوق الإن�سان على تلــــك احلركات

واملنظمات التي حتظى بقبول ال�سلطات امل�سرية.

اأمـــام اإدارة اأوباما اأي�سا حتديان اإ�سافيان حتما �سيعوقان

جهودهـــا لتطويـــر مقاربة واقعيـــة من ق�سايـــا الدميقراطية

وحقوق الإن�سان يف العـــامل العربي، اأولهما يتمثل يف ا�ستعادة

الوليـــات املتحـــدة للبع�ـــس املحدود مـــن امل�سداقيـــة الذي

راكمتـــه يف هذا املجـــال منذ نهاية ال�سبعينيـــات وفقدته على

وقـــع انتهـــاكات وجتـــاوزات احلـــرب علـــى الإرهـــاب، وبفعل

التعامـــل مزدوج املعايري مع نتائج النتخابات الفل�سطينية يف

2006، وكلهمـــا خلـــف مرارة خا�سة بني العـــرب وامل�سلمني.

اأمـــا التحدي الإ�ســـايف الثاين فيتعلـــق، وبالرغم مـــن تاأكيد

اأوبامـــا يف خطاب القاهرة على رغبـــة اإدارته قبول احلكومات

املنتخبـــة دميقراطيـــا �سريطة التزامها �سلمية احليـــاة ال�سيا�سية

حتى واإن اختلفت مـــع وا�سنطن، بال�سعوبات اجلمة التي تعرت�س

ترجمـــة هـــذه اللغة املبدئيـــة اإىل �سيا�سات يف

ف�ساء اإقليمي به مـــن امل�سالح الإ�سرتاتيجية

الأمريكية وما يرد عليها من تهديدات ال�سيء

الكثـــري. واإن حالت نتائج النتخابات اللبنانية

الأخرية التي جرت يف حزيران/ يونيو املا�سي

مبـــا اأف�ســـت اإليه مـــن انت�سار وا�ســـح للقوى

القريبة من الوليـــات املتحدة دون فر�س اأول

اختبار جدي على اإدارة اأوباما يف هذا ال�سياق

كانت �ستواجهه اإن جنح حزب اهلل وحلفائه يف

احل�سول على اأغلبية برملانية، اإل اأن تطورات

امل�سهـــد الإيراين بعـــد النتخابـــات الرئا�سية

متتحن اليوم بدقـــة ويف مو�سع اإقليمي قريب

من العـــرب وموؤثـــر يف �سوؤونهـــم قدرتها على

التمو�ســـع بحياديـــة اإزاء امل�ســـري ال�سيا�ســـي لفريقـــني، اأحدهما

ينا�سبها �سريح العداء بينما يبدو الآخر راغبا يف النفتاح عليها.

لن متكـــن التحديـــات والقيـــود املو�سوعيـــة النابعة مـــن الف�ساء

الإقليمـــي اأوبامـــا مـــن جتاوز م�ســـار اإدارتـــه املتعرج ب�ســـاأن دعم

الدميقراطية وحقوق الإن�سان، بل الأرجح اأن تفر�س عليه، خا�سة

مع ازدحام الأجنـــدة العربية بالنتخابـــات الرئا�سية والت�سريعية

الهامة يف العامني القادمني، املزيد من تعرج الأفعال واملمار�سات

وتراجع تدريجي لحق للغة املبدئية خلطاب القاهرة.

هـــذه، دون مبالغـــات ت�ساوؤميـــة اأو توقعـــات مرتفعـــة ال�سقف،

م�ساحات الختلف والتمايزات النوعية بني اإدارة اأوباما والإدارة

ال�سابقة، ت�سكل جمتمعة تر�سيدا اإيجابيا لل�سيا�سة الأمريكية جتاه

العرب وامل�سلمني، وبحثا عن تـــوازن غاب خلل الأعوام املا�سية

وتطرح علينا فر�سا ينبغي توظيفها بوعي.

حاول اأوباما يف

خطاب القاهرة اإعادة

الدميقراطية اإىل

�ساحة فعلها الواقعية

يف ال�سيا�سة اخلارجية

االأمريكية كما ر�سمتها

اإدارات احلزب

الدميقراطي منذ

نهاية ال�سبعينيات

Page 47: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 94 95ا�سرتاتيجية

ل ت�ستطيـــع اأوروبا جتاهـــل منطقة ال�ســـرق الأو�سط،

وجغرافيـــة تاريخيـــة لأ�سبـــاب فقـــط لي�ـــس وذلـــك

و�سيا�سية واقت�سادية ولكن اأي�سا لأنها م�سئولة معنويا

عـــن �سراعات هذه املنطقـــة )الكولونيالية الأوروبية،

اتفاقيـــة �سايك�ـــس - بيكـــو، وعـــد بلفـــور، النتدابـــان

الفرن�سي والإنكليزي.. الخ(.

وقــــد ت�سكلت املجموعــــة القت�سادية الأوروبيــــة يف العام 1957 من

�ست دول كانت منحازة للدولة العربية النا�سئة قبل اأن ت�سوغ فرن�سا،

بزعامة اجلرال �سارل ديغول، �سيا�سة عربية متميزة جنحت يف دفع

الأوروبيــــني نحو �سيا�ســــات اأكرث اقرتابا من احلقــــوق العربية. �ساعد

يف هــــذا التغــــري القرار العربــــي، غداة حــــرب ت�سريــــن الأول/اأكتوبر

1973، بحظر ت�سدير النفط اإىل الــــدول املنحازة لإ�سرائيل. وبعدها

بعامــــني انطلــــق احلوار العربــــي - الأوروبــــي لكن مــــن دون اأن يحقق

نتائــــج تذكر خارج البيانــــات الأوروبية املوؤيدة للحقــــوق الفل�سطينية،

والتــــي، على اأهميتها، مل تتحول اإىل اأفعال ووقائع. اأهم هذه البيانات

اإعــــلن البندقيــــة يف حزيران/يونيــــو 1980 الــــذي طالــــب باإ�ســــراك

منظمة التحرير الفل�سطينية يف مفاو�سات الت�سوية، واعتبار امل�سكلة

فـي ال�سرق االأو�سط

الدور االأوروبي

املعطل

غ�سان العزي

غ�سان العزي اأ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف اجلامعة اللبنانية، بريوت.

املحور

Page 48: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 96 97ا�سرتاتيجية

الفل�سطينية لي�ست جمرد م�سكلة لجئني اإن�سانية بل م�سكلة �سيا�سية

توؤثر يف ال�ستقرار الدويل، ويطالب بان�سحاب اإ�سرائيل من الأرا�سي

العربيــــة التي احتلتها يف العام 1967 ويعترب امل�ستوطنات غري �سرعية

اأبعد وعقبة يف وجه ال�سلم. هذا الإعلن “التاريخي” الذي ذهب

مــــن معاهــــدة كامــــب ديفيد التــــي اأيدهــــا الأوروبيون، �ساهــــم وقتها

يف تعكــــري �سفو علقتهــــم بالأمريكيني والإ�سرائيليــــني الذين راحوا

يرف�سون كل مقرتحات ال�سلم الأوروبية من قبيل عقد موؤمتر دويل

لل�سلم على �سبيل املثال.

بعد ذلك، ومببادرة من فرن�سا يف ظل الرئي�س فران�سوا ميرتان،

انفتحــــت اأوروبا على منظمة التحريــــر الفل�سطينية، وراحت ت�ستقبل

ممثليهــــا يف وقــــت كان الرئي�ــــس الأمريكــــي رونالــــد ريغــــان ي�سفها

باأنهــــا ع�سابة قتلة اأطفال. يف ال�سبعينيــــات والثمانينيات من القرن

الع�سريــــن ح�سلــــت متغــــريات عديــــدة يف العــــامل وال�ســــرق الأو�سط

)ال�ســــلم امل�سري - الإ�سرائيلي، الثورة الإيرانية، احلرب العراقية

- الإيرانية، الجتيــــاح ال�سوفييتي لأفغان�ستان، الجتياح الإ�سرائيلي

للبنان ...الــــخ( اتخذت املجموعة القت�ساديــــة الأوروبية، يف جلها،

مواقــــف متمايــــزة اإىل حد كبري عــــن حليفها الأمريكــــي لكن دون اأن

يكون لها تاأثري فاعل يف تطور الأحداث.

مــــع انهيــــار املع�سكــــر ال�سرقــــي وانتهاء احلــــرب البــــاردة، �سارع

الأوربيــــون اإىل التكيف مع النظام الــــدويل اجلديد فتم التوقيع على

معاهــــدة الحتــــاد الأوروبي يف ما�سرتيخــــت يف �سباط/فرباير 1992

التي حتمل طموحات احتادية يف كافة املجالت ال�سيا�سية والدفاعية

والقت�ساديــــة وغريهــــا. اأيد الأوروبيــــون اتفاقات اأو�سلــــو يف اأيلول/

�سبتمــــرب 1993 ثم اتفــــاق وادي عربة بعدها بعام واحــــد، رغم اأنهم

غيبــــوا متاما عن موؤمتر مدريــــد يف ت�سرين الأول/اأكتوبر 1991 بدفع

من اإ�سرائيل التي اتهمتهم بالنحياز للعرب.

ويف العام 1996 كان لفرن�سا دور كبري يف ا�ستيلد تفاهم ني�سان/

اأبريــــل عقب العــــدوان الإ�سرائيلــــي الوا�سع على لبنــــان. ويف خريف

العــــام 1995 كان التوقيع على اإعلن بر�سلونــــة وال�سراكة الأورو-

متو�سطيــــة التــــي ف�سرهــــا البع�ــــس باأنها رد علــــى م�ســــروع “ال�سرق

الأو�سط اجلديد” الأمريكي. هذا

الإعلن طــــرح قاعدة للتعاون ال�سامل بني الــــدول الـ 27 املوقعة )15

دولة اأوروبية و8 دول عربية، بالإ�سافة اإىل تركيا واإ�سرائيل ومالطا(،

وعك�ــــس روؤية الحتاد الأوروبي ملا ينبغــــي اأن تكون عليه علقته بدول

حو�س املتو�سط، وذلك من خلل ماأ�س�ستها وحتديدها وحتويلها من

تعــــاون اإىل �سراكة وت�سمينها ال�سيا�ســــة والأمن والثقافة والجتماع،

اإىل جانب الأمور التقنية والفنية بدل اأن تبقى كما كانت عليه جمرد

علقة اقت�سادية فنية.

وعلــــى الرغــــم مــــن اأن الحتــــاد الأوروبــــي عقــــد اتفاقيــــة تعاون

جتاريــــة مع اإ�سرائيل تتيــــح له ممار�سة بع�س و�سائــــل ال�سغط )مثل

وقف ال�سادرات مــــن امل�ستوطنات الإ�سرائيليــــة(، اإل اأنه افتقد اإىل

الإرادة ال�سيا�سيــــة ملمار�ســــة مثل هــــذا ال�سغط بذريعــــة اأن الفل�سفة

العامــــة التي يتبناها تقول باأن ممار�ســــة ال�سغوط ب�سكل عام، وعلى

اإ�سرائيل ب�سكل خا�س، توؤدي اإىل نتائج عك�سية، وبالتايل فهو يف�سل

“الع�سا”. يف املقابل، اإفادة من اأكرث اللجوء اإىل “اجلزرة” لأنها

فاإن امل�ساعــــدات املالية والقانونية وال�سيا�سيــــة التي يقدمها الحتاد

الأوروبي، املمــــول الأول لل�سلطة الفل�سطينيــــة، جنحت يف التاأثري يف

هــــذه الأخــــرية ودفعهــــا اإىل التوقيع علــــى اتفاقيات عديــــدة وتاأجيل

اإعلن الدولة الفل�سطينية من طرف واحد.

ويف املح�سلــــة، رغــــم انعقــــاد موؤمترات عديــــدة يف اإطــــار م�سار

بر�سلونــــة و�سيا�سة اجلوار الأوروبيــــة املكملة له، ورغم �سدور بيانات

مهمــــة عديــــدة خللــــه اإل اأن بر�سلونــــة مل ت�سفــــر عن نتائــــج ح�سية

عــــة، وبالتــــايل بقيت امل�ســــكلت املتو�سطية قائمــــة اأكرث من اأي م�سجر

وقــــت م�سى مع مــــا يرتتب عنها من اأزمات وم�ساعــــر اإحباط. ولهذا

ال�سبب اأراد الرئي�س �ساركوزي اإن�ساء “الحتاد من اجل املتو�سط”،

والذي ما يزال من املبكر احلكم عليه وهو ما يزال يف طور البناء.

بعد تفجــــريات 11 اأيلول/�سبتمرب 2001 ان�ســــم الحتاد الأوروبي

اإىل الوليــــات املتحدة يف حربها على الإرهاب. لكن بعد احلرب على

اأفغان�ستــــان بدا امل�سهد خمتلفا حينما قــــررت وا�سنطن �سن احلرب

علــــى العراق، كذلــــك عندما حاول رئي�س الــــوزراء الإ�سرائيلي اأرييل

�سارون ال�ستفادة من الأجواء الدولية يف حماولة لت�سفية ما ي�سميه

“الإرهاب الفل�سطيني”. لقد عار�سه الحتاد الأوروبي الذي طالب باإجــــراء حتقيق دويل حــــول جمزرة جنني، وعقــــد موؤمتر دويل حلل

امل�سكلــــة الفل�سطينيــــة، واإر�سال مراقبني دوليــــني اإىل فل�سطني وغري

ذلك من املقرتحات التي مل جتد �سبيل اإىل التنفيذ ب�سبب املعار�سة

الإ�سرائيليــــة املدعومة مــــن الأمريكيني. رغم ذلك اأيــــدت اأوروبا كل

امل�ساريــــع التــــي تقدمت بهــــا الإدارة الأمريكية واأ�ســــدت الن�سح اإىل

ال�سلطة الفل�سطينية بالتعامل معها باإيجابية وواقعية. هذا ما ح�سل

خلطــــط ميت�سل وزيني وتينيت وخلارطــــة الطريق التي �سكل الحتاد

الأوروبــــي اأحد اأقطابها الأربع )مــــع الوليات املتحدة ورو�سيا والأمم

املتحــــدة(، والتي اأتت اإثر تغري ا�سرتاتيجي كبري يف املنطقة ناجت عن

الحتلل الأمريكي للعراق، وبعد املبادرة التي اأعلنها العرب يف قمة

بــــريوت يف العام 2002، وروؤية جورج بو�س املتعلقة بدولتني فل�سطينية

واإ�سرائيلية تعي�سان جنبا اإىل جنب ب�سلم.

مع اأن االحتاد االأوروبي

ميتلك الكثري من مقومات

القوة لكنه يبدو عاجزا

عن الفعل والتغيري يف

ال�ساحة الدولية، ومن

�سمنها ال�سرق االأو�سط.

وال�سبب اأنه ي�سكو من

عنا�سر طاردة للفعالية

املحور

ملــاذا يبقى الدور االأوروبي معطا؟ يف احلقيقة

رغم امتلك الحتاد الأوروبي للكثري من مقومات القوة يبدو عاجزا

عن الفعل والتغيري يف ال�ساحة الدولية، ومن �سمنها ال�سرق الأو�سط.

وال�سبــــب اأنه ي�سكو من عنا�سر طــــاردة للفعالية، فهو ما يزال يفتقر

اإىل �سيا�سة خارجية واأمنية م�سرتكة واإىل �سريك يعتمد عليه:

- فحليفــــه الأمريكــــي منحــــاز متامــــا اإىل الطــــرف الإ�سرائيلــــي

وميار�ــــس هيمنة دبلوما�سية وا�سحة على م�سار الت�سوية يف ال�سراع

العربي - الإ�سرائيلي، وعلى م�سار املفاو�سات املتعلقة بامللف النووي

الإيراين، ول يلجاأ اإىل الأوروبيني اإل لتقدمي خدمات ظرفية والتوقيع

على �سيــــكات امل�ساعدة للفل�سطينيني وال�سغــــط عليهم. وقد مار�س

بو�س انحيازا غري ال�سابق الرئي�س “املحافظــــون اجلدد” يف عهد م�سبــــوق لإ�سرائيل، ودعموها يف كل اعتداءاتهــــا على الفل�سطينيني

)جمــــازر جنــــني يف العــــام 2002، والهجــــوم علــــى ال�سفــــة الغربية،

وح�ســــار عرفات و�سول اإىل قتله، واحلرب على غزة يف نهاية العام

الفائــــت والتي ا�ستخدمت فيهــــا القنابل الفو�سفوريــــة �سد الأطفال

واملدنيني، والتي اعتربها تقرير غولد�ستون ترقى اإىل جرمية حرب

وجرمية �سد الإن�سانية، ...الخ(، وعلى لبنان يف �سيف العام 2006

والــــذي اعتربته كوندوليزا راي�س خما�ســــا �سوف ينبثق عنه “�سرق

اأو�سط جديد”، راف�سة اأي وقف لإطلق النار قبل حتقيق الأهداف

الإ�سرائيلية من احلرب رغم وقوع عدد كبري من ال�سحايا املدنيني.

الأوروبيون عموما ان�سموا اإىل املوقف الأمريكي رغم نداءات فرن�سا

املتكررة بالوقف الفوري لإطلق النار، والتي بقيت دون جدوى.

- والعــــامل العربي يتخبــــط يف مع�سلت جتعل منه عبئا على من

ي�ساركــــه ولي�س ذخــــرا اأو عونا. وقد برهن العــــرب عن عجز فا�سح

حيــــال كل ال�سيا�سات العدوانيــــة الإ�سرائيلية، وعن عجز عن فر�س

م�سروعهم لل�سلم رغم اأنه يقدم تطبيعا كامل ناجزا لإ�سرائيل يف

مقابل ان�سحابها من الأرا�سي التي احتلتها يف العام 1967 واخل�سوع

للقانون الــــدويل ولل�سرعية الدولية املتمثلة بقرارات الأمم املتحدة.

وب�سبــــب الفراغ يف راأ�س النظام الإقليمي العربي، فاإن دول كثرية يف

ال�ســــرق الأو�سط ومــــن خارجه ت�سعى مللء هذه الفــــراغ، الأمر الذي

يزيد من النق�سام وال�سعف العربيني.

- يف املقابــــل، ميتلــــك الإ�سرائيليــــون واأن�سارهــــم يف الغربــــني

الأوروبي والأمريكي من النفوذ ما يعيق اأي عمل دويل جدي لفر�س

حــــل دائم ومقبــــول من اأطراف النــــزاع. وقد متتعــــت اإ�سرائيل على

الدوام بروؤ�ســــاء اأمريكيني منحازين لها توجهم الرئي�س بو�س البن

بانحيــــاز اأثار ارتيــــاب عدد من اأع�ساء اللوبــــي ال�سهيوين نف�سه يف

وا�سنطــــن وعدد من اجلــــرالت الأمريكيني الذيــــن، رغم تاأييدهم

لإ�سرائيل، ت�ساءلوا يف ت�سريحات معلنة عن امل�سلحة الأمريكية يف

احتلل بلد مثل العراق اإكراما لعني اإ�سرائيل!. واليوم يقوم الرئي�س

باراك اأوباما بجهود فائقة مــــن اأجل تنفيذ وعوده املتعلقة بالت�سوية

العربيــــة – الإ�سرائيليــــة، لكنــــه ي�سطــــدم بتعنــــت رئي�ــــس الــــوزراء

الإ�سرائيلي بنيامني نتنياهو. وما عجز اإدارة اأوباما عن

حملك �سر: الدور الأوروبي يف املنطقة يعطله تعنت اإ�سرائيلي مدعوم من انحياز اأمريكي وعجز عربي

Page 49: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 98 99ا�سرتاتيجية

املحور

اإقناع احلكومــــة الإ�سرائيلية مبجرد الإعلن عن قبولها بتجميد

ال�ستيطــــان اإل دليــــل ي�ســــاف اإىل دلئــــل كثرية عن النفــــوذ الذي

ميار�سه الإ�سرائيليون على ال�سيا�سات الأمريكية يف ال�سرق الأو�سط.

ول ي�ستطيع الأوروبيون حيــــال ذلك �سيئا ل�سيما اأنهم اأي�سا واقعون

حتت تاأثري مثل هذا النفوذ. ذلك اأنه هناك ابتزاز اإ�سرائيلي م�ستمر

للأوروبيني ب�سبب ما�سي العذابات التي تعر�س لها اليهود يف اأوروبا

ل�سيما يف احلقبة النازية، والتي ا�سرتك يف جرائمها اأو تواطاأ معها

كثــــريون يف دول هذه القــــارة. وتنتهج دول اأوروبيــــة كثرية �سيا�سات

موؤيــــدة لإ�سرائيل على الدوام بفعل هذا البتزاز الذي يرافقه �سعور

عــــام بالذنــــب وتاأنيــــب ال�سمري. ومــــا تــــزال اأملانيا اإىل اليــــوم تدفع

تعوي�ســــات لإ�سرائيــــل �سكلت يف بع�س الأوقات مــــا ن�سبته اأربعني يف

املائة من حجم التدفقات املالية لإ�سرائيل، وت�سببت بتاأزمي العلقة

مــــع العرب. هــــذا دون ن�سيان �سفقات ال�ســــلح ال�سرية والعلنية )ل

نن�ســــى اأن فرن�ســــا هــــي التي بنت مفاعــــل دميونا، وال�ســــلح النووي

الإ�سرائيلــــي اأ�سولــــه فرن�سيــــة(، واآخرها تقدمي غوا�ســــات من نوع

دلفــــني من �ساأنها اأن توؤمن ردعا نوويا نهائيا لإ�سرائيل، على الرغم

مــــن اأن الــــدول العربية ل متلــــك ال�سلح النــــووي ول جمرد التفكري

يف �سناعتــــه. وت�سرتك اأوروبــــا يف كل ال�سغوط على اإيران ملنعها من

الو�سول اإىل العتبة النووية.

مــــن ناحية اأخرى، تنفــــق اأوروبا جمتمعة 280 مليــــار دولر )بعد

التو�سيع الأخري( اأي حــــوايل ن�سف ما تنفقه الوليات املتحدة على

الدفاع )حوايل 450 مليار دولر(، رغم اأن الناجت القومي الإجمايل

مت�ســــاو بني الثنتني. وقــــد ا�ستفادت كثريا من القــــدرات الع�سكرية

وال�سيا�سيــــة والقت�سادية الأمريكية منــــذ نهاية احلرب العاملية اإىل

اليــــوم. يكفي القول اأن اأزمات حلــــت بقلب اأوروبا نف�سها مل تتخل�س

منهــــا هــــذه الأخرية اإل بف�ســــل التدخل الأمريكــــي )اتفاقية دايتون

1995، اإنهــــاء النــــزاع اليرلندي يف العام 1997، اأزمــــة كو�سوفو منذ

العام 1999...الخ(، دون اأن نن�سى اأن حلف الأطل�سي تقوده الوليات

املتحدة عمليا، وي�سكل عتادها وجنودها وقيادتها عموده الفقري.

وعلــــى الرغم مــــن تو�سع الحتاد الأوروبي لي�ســــم �سبع وع�سرين

دولــــة اليوم وقعت يف ما بينها معاهدات عديدة ترافق هذا التو�سع،

مل يح�ســــم الأوروبيــــون بعــــد اأمرهم حيــــال هوية احتادهــــم؛ هل هو

جمــــرد ف�ساء ثقــــايف اقت�ســــادي جتــــاري اأم اأنه قــــوة دولية عظمى

ب�ســــدد التبلــــور. ومن الطبيعي، واحلــــال هذه، اأن يخفقــــوا يف بناء

دفاع م�سرتك و�سيا�سة خارجية م�سرتكة تتوج الجنازات الهائلة يف

املجالت املالية والقت�سادية والق�سائية والجتماعية وغريها.

هــــذا الإخفاق ل ي�ساهــــم اأبدا يف جتاوز العقبــــات التي تنت�سب

يف وجــــه الــــدور الأوروبي، والــــذي يعطلــــه تعنت اإ�سرائيلــــي مدعوم

مــــن انحياز اأمريكي �سافر له ومن عجز عربــــي عن املبادرة والفعل

الدوليني.

على الرغم من تو�سع االحتاد االأوروبي

لي�سم �سبع وع�سرين دولة اليوم وقعت يف ما

بينها معاهدات عديدة ترافق هذا التو�سع،

مل يح�سم االأوروبيون بعد اأمرهم حيال

هوية احتادهم؛ هل هو جمرد ف�ساء ثقايف

اقت�سادي جتاري اأم اأنه قوة دولية عظمى

ب�سدد التبلور

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية 98

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

�سدر حديثا �سمن

�سل�سلة اأوراق بحثية

اآليـات تفعيـل ا�ستفـادة اليمن

من القرو�س اخلارجية

حممد �سالح قرعة

اأروى اأحمد البعداين

تعبئة املوارد يف ال�سيا�سة

اخلارجية اليمنية

جلل اإبراهيم فقرية

البقاء لالأ�سغر:

الدور اجلديد للدول

ال�سغرية يف النظام العاملي

حممد �سيف حيدر

Page 50: Madarat Estratiegyya

ل دافعها والواقع اأن ثمة حقيقة اأ�سا�سية ترتبط بهذه القدرة، وت�سك

وحمركها النف�سي وال�سيا�ســــي الأبرز، تكمن يف البحث الدءوب عن

امل�سروعية التي تعــــاين يف جوهرها من اإ�سكال تاريخي مزمن ميتد

اإىل حلظة اإن�ساء دولة اإ�سرائيل على الأر�س الفل�سطينية ويف حميط

جيو�سيا�ســــي يرف�س وجودها ناهيك عن العرتاف بها، الأمر الذي

خلق لإ�سرائيل – ولفــــرتة طويلة ن�سبيا- م�ساعب وم�ساكل خطرية

عد �ستى. يف علقتها مع املجتمع الدويل على �س

اإنــه »حــق الوجــود« يــا ...! على نحــــو دراماتيكي

ملحــــوظ، وب�ســــكل خا�ــــس بعــــد التوقيــــع علــــى اتفاقيــــات اأو�سلو مع

منظمــــة التحريــــر الفل�سطينية يف مطلع ت�سعينيــــات القرن املا�سي،

وقبلها من خلل اتفاقيــــة كامب ديفيد مع م�سر ال�سادات يف نهاية

ال�سبعينيــــات، متكنــــت اإ�سرائيــــل مــــن جتــــاوز العزلة الدوليــــة التي

عاي�ستهــــا خلل الن�سف الثاين من القرن الع�سرين، وتعززت ثقتها

بنف�سها وبقدرتها على تقــــدمي ذاتها كدولة “دميقراطية ع�سرية”

غايتهــــا الق�سوى وهمهــــا الرئي�س يتمثل – بــــكل ب�ساطة- يف اإقرار

“حقها” يف الوجود، والنخراط من ثم، وعلى نحو طبيعي وبناء، يف املنظومة العاملية.

وتاأكيدا لهــــذا التغري وقيمته، وا�ست�سعــــارا ملحوريته يف ال�سيا�سة

الإ�سرائيلية على املدى املنظور، �سدد اإ�سحاق رابني يف خطابه اأمام

الكني�ست الإ�سرائيلي يف م�ستهــــل رئا�سته حلكومة حزب العمل عام

كنا الذي بالعزلة ال�سعور نتغلب على اأن “لبد اأنه 1992، على اأ�سرى له ملدة ن�سف قرن، ولبد اأن نوقف التفكري باأن العامل باأ�سره

لة عملية تعك�س مدى جنــــاح الدولة العربية يف �سدنــــا”. ويف حم�س

طبقت عليها، والندماج تاليا يف الأ�سرة جتاوز حواجز العزلة التي اأ

الدولية، ارتفع اخلط البياين للعلقات الدبلوما�سية الإ�سرائيلية مع

دول العــــامل، ليبلغ عدد الدول التي تقيم علقات مع اإ�سرائيل حاليا

162 دولــــة منها 63 دولة لها ممثليــــات دبلوما�سية يف اإ�سرائيل، علما

اأن عددها عام 1949 مل يتجاوز 23 دولة فقط.

بيد اأن النجاح الإ�سرائيلي هذا، على اأهميته وفوائده ال�سرتاتيجية

اجلمــــة، مل يكــــن مطلقا وحا�سمــــا، وهو لن يكون كذلــــك يف يوم من

الأيام. وال�ساهد اأن جدوى اإ�سرائيل والأ�سئلة الكربى ب�ساأن وجودها

ذاتــــه والإ�سكاليــــات والق�سايا التي ترتبت عليــــه ما تزال مطروحة،

يف الداخــــل واخلارج على حد �سواء. نتلم�س ذلك، على �سبيل املثال،

يف النقا�ســــات العا�سفــــة التي مــــا فتئت تثــــار بني الفينــــة والأخرى

حــــول موا�سيع من قبيل “ما بعــــد ال�سهيونية” وظاهرة “املوؤرخني

الإ�سرائيليــــني اجلــــدد”، كما نــــراه اأي�سا يف اجلــــدل الدائم املتعلق

بالطابــــع “اخلا�ــــس” للدولة العربيــــة واملع�ســــلت املت�ساربة التي

يثريها تعريف اإ�سرائيل لنف�سهــــا كدولة يهودية و”دولة دميقراطية

قائمة على امل�ساواة” يف الوقت ذاته... الخ هذه امل�سائل.

واحلــــال اأن هذا اجلدل املنطوي علــــى مفارقة وا�سحة، اأثر، بل

�سك وبدرجات خمتلفة، يف ال�سورة التي ظلت اإ�سرائيل ت�سوقها عن

نف�سهــــا عامليا، ونالــــت ب�سببها تعاطفا دوليا اأثــــريا، ل�سيما واأن اأفق

حل الق�سية الفل�سطينية يبقــــى م�سو�سا ومعتما وحتوطه التعقيدات

من كل جانب. ورغم حتقيق اإ�سرائيل اخرتاقات مهمة على �سعيد

تطبيع »الكيان« ت�ستحق دولة الكيان الإ�سرائيلي بعد �ستة عقود من قيامها، اإمعانا اأكرث ودرا�سة اأعمق يف ما يحفل به وجودها

و�سيا�ساتهـــا وا�سرتاتيجيتها كمـــا فل�سفتها اخلا�سة والفريدة احلا�سنة لهذا كلـــه. ولعل احلافز الأهم لهذا

ال�ستحقـــاق يف اعتقادنـــا، قدرة هذا »الكيان« امللفتة علـــى جتاوز الكم الهائل مـــن التناق�سات الذي اأنتجه

وعاي�سه )وما يزال(، بل واللعب على اأوتار هذه التناق�سات جميعا يف �سبيل خدمة الدولة ال�سهيونية، كيانا

وم�سروعا، وتكري�س وجودها – كحقيقة ماثلة- يف املنطقة والعامل.

املحور

حممد �سيف حيدر

دروب اإ�سرائيل ال�سائكة يف ال�سرق االأو�سط

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 101ا�سرتاتيجية

Page 51: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 102 103ا�سرتاتيجية

علقاتهــــا الدولية، وعلى نحو اأ�سبحت معه تــــل اأبيب اأكرث قبول

علــــى امل�ستــــوى العاملــــي، اإل اأنهــــا، يف النتيجة، مل تتخل�ــــس بعد من

هاج�س امل�سروعية الذي ما انفك يلقي بظلله الثقيلة على �سيا�ستها

اخلارجية منذ الوهلة الأوىل، ومل يزل يوؤرقها حتى اليوم.

حتالفات وتناق�سات، والهدف واحد واملعروف،

يف هــــذا الإطار، اأن القائمني علــــى امل�سروع ال�سهيوين اأولو اهتماما

فائقــــا، منــــذ بداياتــــه الأوىل، باتخاذ توجهات �سيا�سيــــة ذات طابع

ا�سرتاتيجــــي، تقوم على اإن�ســــاء علقات وطيدة مــــع الدول الكربى

خ�سو�ســــا ومــــع �سواهــــا ب�ســــورة عامة، وجــــرى الربــــط بني هدف

ال�سهيونيــــة بتاأ�سي�ــــس دولــــة اليهــــود يف فل�سطــــني واحل�ســــول على

العــــرتاف العاملــــي بهــــا. وخــــلل مرحلــــة “الدولــــة القادمــــة على

الطريــــق” اأوىل الن�ساط ال�سهيوين، اأهمية كــــربى لتحويل الهجرة

اليهوديــــة من حالت ت�سلل اإىل اأفواج جماعيــــة تهاجر اإىل فل�سطني

مبوافقة ودعم دوليني )ومتهيــــدا لذلك جرى ا�ست�سدار وعد بلفور

من بريطانيا العظمى يف العام 1917(.

وبعــــد اإن�ساء الدولة عام 1948، ركــــزت الدبلوما�سية الإ�سرائيلية

علــــى تاأمني العنا�ســــر الدولية اللزمة ل�سمان الوجــــود الإ�سرائيلي

كدولــــة ذات �سيادة على اأر�س فل�سطني، ومن ثم �سعت اإ�سرائيل اإىل

�سمــــول علقاتهــــا الدبلوما�سية والقت�سادية اأكــــرب عدد ممكن من

اأع�ساء الأ�سرة الدولية، ب�سكل يدفع معه جريانها العرب للقبول بها

ككيان قومي يف املنطقة. علــــى اأن موؤ�س�سي الدولة ال�سهيونية، وكل

من تلهــــم يف مراكز �سنع القرار الإ�سرائيلــــي، مل يكتفوا ب�سيا�سة

احل�سول على العرتاف الدويل باإ�سرائيل، اإذ عززت هذه اخلطوة،

يف خمتلف املراحــــل، مببداأ رئي�س يقوم على “العتماد على حليف

قــــوي اأو جمموعة من احللفاء الأقوياء”، والدمج تاليا بني اإمكانات

اإ�سرائيــــل الذاتية والدعــــم اخلارجي لها، لتكري�ــــس منط معني من

القوة هو “منط القوة التحالفي”. وقد ت�سمن الهدف املركزي لهذا

الربنامج �سقني اأ�سا�سيني، اأولهما بناء امل�سروع ال�سهيوين وتزويده

ب�سمانــــات البقاء. وين�سرف ال�سق الثــــاين اإىل الت�سدي للتحديات

اخلارجية لإ�سرائيل، ويف �سدارتها الرف�س العربي لهذا امل�سروع.

وحر�ســــا منهــــا على اإعطــــاء هذا املبــــداأ اأبعــــادا جيو�سرتاتيجية

تر�ســــي حلفاءها الكبــــار، قدمــــت اإ�سرائيل نف�سهــــا باعتبارها اأداة

مثاليــــة وراأ�س حربة متقدمة للنفــــوذ الأجنبي الذي ي�سعى لل�سيطرة

على املنطقة العربية. ولكنها �سددت، يف نف�س الوقت، على اأنه لي�س

مبقدورها وحدها القيام باأعباء وجودها ودورها الوظيفي هذا، دون

�سراكــــة ا�سرتاتيجية مــــع الغرب ت�سع م�ساألــــة “تقا�سم الأدوار” يف

العتبــــار. ومقت�سى هذه ال�سراكة وعمادها الرئي�س تاأمني التحالف

مع قوة/ قوى عظمى لل�ستفادة من مكانتها وثقلها يف العامل، وعلى

نحــــو يتيح لها اإمكانية احلركة والعمــــل امل�ستمرين دون اأن تت�سارب

نيطت بها مهمة م�سالــــح اإ�سرائيل مع م�ساحلها، بل على العك�س، اأ

خــــط الدفــــاع الأول عن احل�ســــن الإ�سرائيلــــي الذي ي�ســــكل موقعا

متقدما لتلك القوى.

وكتجــــل عملي لهذه ال�سيا�ســــة، اأتاح البيان الثلثــــي ال�سادر يف

لندن )25 اأيلــــول/ �سبتمرب 1950( لإ�سرائيــــل الن�سواء متاما حتت

مظلة احلماية الغربيــــة، اإذ اتفق ممثلو فرن�سا وبريطانيا والوليات

املتحدة الأمريكية على فكرة اإيجاد توازن قوى بني اإ�سرائيل والدول

العربيــــة جمتمعة، وب�سكل يحول دون حتقيق تفوق عربي على الدولة

ال�سهيونيــــة. ان�سجاما مع روح هذه الفكرة، اأ�سبحت فرن�سا �سريكا

يف املحافظــــة علــــى اأمــــن اإ�سرائيل وم�ســــدرا ل�سلحهــــا )التقليدي

اأول والنــــووي فيما بعد(. وقــــدم التحالف مع بريطانيا خدمة كربى

لإ�سرائيل عرب توا�سل الدعم القت�سادي وال�سيا�سي والع�سكري لها،

و�ســــار التحالف مع اأملانيا الغربيــــة يف اجتاهات ثلثة، هي: التفاق

على التعوي�سات املالية والأملانية على “ا�سطهاد اليهود” اإبان عهد

الرايخ الثالث، وتوطيد العلقــــات ال�سيا�سية والقت�سادية، وتزويد

اجلي�س الإ�سرائيلي بالأ�سلحة املتطورة. ود�سن التحالف مع الوليات

املتحــــدة مرحلــــة نوعية، بتعزيــــزه اعتبارا من اأواخــــر اخلم�سينيات

وحتويله اإىل »علقة ع�سوية خا�سة«)6( تزداد وثوقية كل يوم وعلى

نحو ي�سعب تف�سريه.

ويف �سيــــاق بحثهــــا املحموم عــــن ال�سرعية، مل تلــــق اإ�سرائيل بال

اإىل اأحدى اأهــــم �سمات ومفارقات �سيا�ستهــــا اخلارجية واملتج�سدة

ن�سئت يف كــــرثة التحــــول من مبــــداأ اإىل نقي�ســــه؛ فالدولة العربيــــة اأ

وهــــي تعلــــن عن كونها دولة “غــــري منحازة”، ومــــا اأن انق�ست عدة

�سنــــوات حتى اأ�سحت اأداة النفوذ ال�ستعمــــاري الغربي يف املنطقة.

واإ�سرائيــــل التي بداأت معتمــــدة على وارداتهــــا الت�سليحية والنفطية

من الحتــــاد ال�سوفييتي والعديد من دول اأوروبا ال�سرقية حتولت يف

نهايــــة ال�ستينيات اإىل منا�سبة مو�سكــــو اأ�سد العداء. واإ�سرائيل التي

كانــــت من اأوائل الدول التــــي اعرتفت بجمهورية ال�سني ال�سعبية يف

بداية اخلم�سينيات �سرعان ما دخلت يف حالة �سدام مك�سوف معها

خلل ال�ستينيات، ثم ا�ستقام الأمر ل�ساحلها يف اأواخر ال�سبعينيات

د لل�سني بال�سلح والتكنولوجيا املتقدمة على لتتحول اإىل اأكرب مزو

الإطلق مع نهايــــة الثمانينيات. واإ�سرائيل التي كانت ترف�س ب�سدة

يف بداية ن�ساأتها اعتبارها دولة �سرق اأو�سطية، اأخذت تطرح نف�سها

فيما بعد، وبقوة، دولة اأ�سا�سية يف منطقة ال�سرق الأو�سط؛ ل تنتمي

اإليهــــا فح�سب بل وتدافع يف كل املنا�سبات عن هذا النتماء، مب�سرة

املحور

عملت الدولة العربية

على اال�ستفادة با�ستمرار

ل من ادعائها باأنها ت�سك

»الدميقراطية الوحيدة

يف ال�سرق االأو�سط«

لت�سويغ بقائها كدولة ذات

�سيادة، بل وتر�سيخ قدمها

كقوة مهيمنة يف املنطقة

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية 102

ب�”�ســــرق اأو�سط جديــــد” ت�ســــكل النــــواة الأ�سا�سية فيه

والفلــــك الذي تدور حوله باقي دول املنطقة املغلوبة على

اأمرها.

االأمــن.. اأوال واأخــريا ولأن هاج�ــــس

ال�سرعيــــة مرتبط، قطعا، بهدف مت�ســــل ووثيق يتج�سد

يف تاأمــــني “الكيــــان” و�ســــرورة واأولويــــة التاأكيــــد علــــى

“�سمان الوجود” يف حد ذاته كمطلب حيوي اأويل ومبا ي�ساعــــد على التخل�ــــس من عقــــدة الكلو�سرتوفوبيا )اأي

اخلوف مــــن الأماكن املغلقــــة( والتي ارتبطــــت تاريخيا

بواقــــع اجليتو ثم امل�سروع ال�ستيطــــاين ال�سهيوين، فاإن

ال�سيا�ســــة الإ�سرائيلية ركــــزت، ب�ســــورة م�ستمرة، على

اإعطــــاء مفهوم الأمــــن الإ�سرائيلي اأولويــــة مطلقة يف كل

توجهــــات اإ�سرائيــــل، مبا يف ذلك توجههــــا نحو ال�سلم.

ع هذا املفهوم ومطاطيته وخ�سوعه وعلى الرغم من تو�س

حلركة التطــــور امل�ستمــــر ا�ستجابة للظــــروف ال�سيا�سية

واملتغريات الدولية فاإنه، يف جوهره احلقيقي، يقوم على

الرغبة يف حتقيــــق ال�سيادة الكلية على املنطقة العربية،

وفر�س اإرادة اإ�سرائيل املطلقة على دولها.

واملثــــري للهتمــــام هنــــا، اأن الدولــــة العربيــــة عملت

ل علــــى ال�ستفــــادة با�ستمــــرار من ادعائهــــا باأنهــــا ت�سك

“الدميقراطيــــة الوحيدة يف ال�ســــرق الأو�سط” لت�سويغ بقائهــــا كدولــــة ذات �سيــــادة، بــــل وتر�سيــــخ قدمها كقوة

مهيمنة يف املنطقة. ونظرا اإىل اأن جريانها العرب )حاليا

اإيران( كانوا يهددونها عن قرب ويتطلعون اإىل تدمريها،

فاإنهــــا ظلــــت ت�ستنــــد يف تربيــــر وجودهــــا اإىل املمار�سة

الدميقراطيــــة ونظامها التعددي احلــــر والذي يفرت�س

اأن يثــــري لــــدى مواطنيها بل ويف اخلــــارج اأي�سا، خا�ســــة يف الغرب،

اهتمامــــا اأكرث ببقائها. وكان على الغرب الذي يرى نف�سه ممثل يف

اإ�سرائيــــل، قرينه املحلــــي، اأن ي�سطلع بواجباتــــه “الأخلقية” التي

التجاوزات الإ�سرائيلية من الدولة القيام بحماية “تفر�س” عليه العنيفة جلريانها “ال�سلطويني”.

ويف ال�سيــــاق ذاته، عمــــدت تل اأبيب اإىل انتهــــاج �سيا�سات اأخرى

عديــــدة يف اإدارة علقاتها مع الدول املعادية لها يف املنطقة، هدفت

يف جمملهــــا خدمة اأمــــن الدولة ال�سهيونية و�سمــــان وجودها. فمن

ناحيــــة، جعلت اإ�سرائيل من مبداأ “�سد الأطراف” اأو “ا�سرتاتيجية

اللتفاف” حجر الزاوية يف �سيا�ستها الرامية اإىل اخلروج من اأ�سر

الطــــوق املفرو�س عليها من قبــــل العرب، وال�سعي لإنهائه عن طريق

بنــــاء طوق معاد لهوؤلء ي�سمل ب�ســــكل اأ�سا�سي دول اجلوار اجلغرايف

مثل تركيا العلمانية )قبل اأن تتغري خيارتها حاليا يف ظل حكم حزب

العدالة والتنمية( واإيران يف عهد ال�ساه واأثيوبيا، حتى يتحقق عامل

الأمن عرب متتني روابط التعاون مع هذه الدول. وبالتوازي مع هذا،

ويف اإطار ال�سرتاتيجية ذاتهــــا، حاولت تل اأبيب، با�ستمرار، النفاذ

اإىل الأقليــــات غري العربيــــة )كالأكراد( وغــــري امل�سلمة )كم�سيحيي

جنوب ال�ســــودان( ودعمها ب�سكل يــــوؤدي اإىل ا�ستخدامها وتوظيفها

كورقــــة ح�سا�سة، وقــــت احلاجة، مــــن اأجل �سغل وت�ستيــــت القدرات

الذاتية العربية بعيدا عن ميدان ال�سراع الرئي�س مع اإ�سرائيل.

ومــــن ناحية ثانيــــة، عملــــت اإ�سرائيل علــــى توفري اأ�سبــــاب القوة

الع�سكرية لكيانهــــا “املهدد”، وتعزيز قدرته على الردع يف مواجهة

اأعدائــــه الكثريين واحلفــــاظ على التــــوازن ال�سرتاتيجي يف ال�سرق

الأو�ســــط خمتل ل�ساحلها دوما، وقــــد �سكل ال�سلح النووي �سمانة

اأ�سا�سيــــة لتحقيق تلك القدرة وذلك الهــــدف. هكذا يلخ�س �سلومو

اأهارون�ســــون، اأ�ستــــاذ العلوم ال�سيا�سية باجلامعــــة العربية، امل�ساألة:

“منذ عهد دافيد بن جوريون، الأب املوؤ�س�س لدميونا )املفاعل النووي الإ�سرائيلــــي(، كان موقف اإ�سرائيــــل )...( وا�سحا مبا فيه الكفاية.

فدميونا هي ال�سمان الأ�سا�سي لوجودنا، دون التلويح بذلك علنية.

ففي علقات القوى القائمة حاليا بيننا والعامل العربي – اأي خم�سة

مليــــني يهودي اأمــــام 320 مليــــون عربي، غري اإيــــران - لي�س هناك

دافــــع �سيا�سي اأو ا�سرتاتيجي لدى العرب يجعلهم يتقبلون اإ�سرائيل.

والأكرث من هذا اأنه ل توجد حالة مماثلة يف العامل،

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 103ا�سرتاتيجية

Page 52: Madarat Estratiegyya

يتعهــــد فيها جريان اإحــــدى الدول بعدم تدمريهــــا. ومن هنا، ل

توجــــد علقــــات عادية بني الدول، مبــــا يف ذلك العلقــــات الذرية.

وحتى لو حــــاول اجلريان تدمــــري اإ�سرائيل، �ســــواء بال�سلح العادي

اأو الــــذري، ف�سوف يدفعون ثمنــــا خميفا لن يغامروا به. هذا املنطق

فر�ــــس قيودا كثرية على م�ســــر و�سوريا اأثناء حــــرب عيد الغفران.

وعندمــــا حــــان وقت اإعــــادة بع�س املناطــــق، لعب هذا املنطــــق دورا

حا�سمــــا يف اتفاق ال�سلم مع م�سر، كما لعب دورا حا�سما اأي�سا يف

كبــــح جماح �سدام ح�ســــني اأثناء حرب اخلليج الثانيــــة. وحاليا كبح

جماح �سوريا واإيران”.

ومن ناحية ثالثة، انتهجت اإ�سرائيل �سيا�سة اإقليمية حمورها يدور

حول الحتلل التو�سعي، الذي يتيح لها ا�ستيعاب الوجود العربي يف

فل�سطــــني عام 1948 ومــــن ثم ا�ستئ�سال كل مــــا كان ينتمي اإىل تلك

الأر�س ب�سريا وح�ساريا، واحل�سول على العرتاف الإقليمي العربي

بها مــــن خلل اتفاقــــات الهدنة عــــام 1949 والقبــــول العربي بقرار

جمل�ــــس الأمن رقم 242 عام 1967. كما �سمح لها تو�سعها الحتليل

الإقليمــــي يف عام 1967 با�ستكمال احتللها لكل الأر�س الفل�سطينية

ولأرا�س من ثلث دول عربية ب�سياغة ت�سورها ملبداأ ال�سلم، ومن

ثم التحول نحو النتماء اإىل “ال�سرق الأو�سط اجلديد” الذي ت�سكل

عماده الرئي�س.

ومــــن ناحية رابعة، وعلى الرغم مــــن حر�س الدولة العربية على

البحــــث عن ن�ســــري خارجي لها، اإل اأنها كانت تعتقــــد دائما وت�سدد

على �سرورة اعتماد اليهود علــــى اأنف�سهم وعدم الكتفاء بالعتماد

علــــى احلليــــف اخلارجي فيمــــا يتعلــــق بحمايــــة “الأمــــن القومي”

لإ�سرائيل، واأن احللفاء احلقيقيني الذين ميكن العتماد عليهم هم

دول العديد من اليهودية” املنت�سرة يف اأو اجلاليات “املجموعات العامل.

وفى هــــذا ال�سياق، جــــاءت نظريــــة “املع�سكريــــن” للإ�سرائيلي

مايكل بري�سر، والتي ت�ستند اإىل فكرة تق�سيم العامل اإىل مع�سكرين:

مع�سكر يهودي واآخر غــــري يهودي، واعتبار الأخري مع�سكرا معاديا.

اإن وجهــــة النظــــر الإ�سرائيلية ت�ستنــــد اإىل قاعــــدة اأ�سا�سية وهي اأن

م�سادقة اأو عداء العامل اخلارجي اأو الدول الأخرى مرهون باأفعال

و�سلوكيــــات هذه الــــدول جتاه اجلماعــــات اليهودية. مــــن هنا، جاء

تق�سيــــم احلركة ال�سهيونيــــة للقادة الربيطانيــــني اإىل جمموعتني:

جمموعــــة موالية لل�سهاينة، وجمموعة اأخرى موالية للعرب. اأي�سا،

كان من ال�سعب علــــى الإ�سرائيليني تفهم �سلوك الرئي�س الأمريكي

ال�سابــــق، ريت�ســــارد نيك�ســــون، الــــذي كان يقدم م�ساعــــدات �سخمة

لإ�سرائيل بالرغم من عدائه ال�سديد لليهود.

علــــى اأن هذه ال�سيا�سات الإ�سرائيليــــة مل تكن لتلق جناحا كامل

دول انتهــــاج �سيا�سة النت�ســــار الن�سط يف اإطار التعامل الدويل؛ تلك

ال�سيا�ســــة التــــي قامــــت على خم�سة مبــــادئ اأ�سا�سية غــــري منف�سلة

العرى:

تتحرك اإ�سرائيــــل يف الإطار الدويل وتعلن اأنها قادرة على تقدمي

خدماتها لكل النظم ال�سيا�سية الراغبة يف ذلك.

توثيــــق عرى التحالف مع جميع القوى الكربى اإن اأمكن ذلك، ولو

بدرجات متفاوتة.

التحكــــم يف التوازن الإقليمي و�سول اإىل التاأثري بدرجة اأو باأخرى

يف التوازن الدويل.

اعتماد مبــــداأ »توزيع الأدوار«، وقد طبقتــــه ال�سيا�سة الإ�سرائيلية

املحور

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية 104

على نطاق وا�سع.

جعــــل الوظيفــــة الدبلوما�سية والتعــــاون الدبلوما�سي ينطلقان من

املفهوم الكفاحي.

ت�سويق الذات: اإ�سرائيل »كنموذج« يحتذى! مل

تكتف اإ�سرائيل، وقد �سعرت اأنها “�سمنت” وجودها واأمنها ب�سورة

»حا�سمــــة«، برت�سيخ نف�سها قوة اإقليميــــة رئي�سة يف املنطقة، بل اإنها،

فوق ذلك، اأخذت تطرح نف�سها كنموذج ناجح ميكن – ملن يرغب -

الحتذاء به وتكراره، وذلك يف �سورة الدولة ال�سغرية التي ا�ستطاعت

اأن تتحول اإىل قوة متقدمة �سيا�سيا واقت�ساديا وعلميا، وكذلك كبلد

دميقراطــــي علماين غري ديني يف حميط جغرايف متخلف اقت�ساديا

ومتعرث �سيا�سيــــا وم�سحون مب�ساعر دينية متاأججــــة، �سمته البارزة:

دكتاتورية النظم وه�سا�سة ال�سعوب، وهدر الإمكانات والطاقات.

وامللحــــظ، يف هــــذا الإطــــار، اأن اإ�سرائيــــل اأخــــذت تخ�س�ــــس

للم�سمون القت�سادي لعلقاتها مع دول العامل مكانة مركزية. ومن

م لقت�ســــاد العوملة يف ثــــم �سرعت يف حتويل نف�سهــــا اإىل مركز حتك

ال�سرق الأو�سط، وذلك يف �سوء اعتقاد اأخذ يف الر�سوخ لديها مفاده

اأن الو�ســــع العاملي اجلديد يركز على املناف�سة القت�سادية الإقليمية

مع ت�ساوؤل املو�سوعات ال�سيا�سية، واأن اأهمية العامل القت�سادي يف

العلقات الدولية ت�ستدعي فتح اأ�سواق جديدة اأمام اإ�سرائيل؛ ل�سيما

يف جمال �سناعاتها املتطــــورة التي ي�سكل مردودها نحو %33 من

اإجمايل الناجت املحلي الإ�سرائيلي.

ويبــــدو اأن خمطــــط الإ�سرائيليني ال�سرتاتيجي لخــــرتاق ال�سوق

العامليــــة )خ�سو�سا يف اأمريكا اللتينية وو�سط وجنوب �سرق القارة

الآ�سيوية( واإجناز اأداء اقت�سادي رفيع امل�ستوى فيها يكر�س �سورتها

كنموذج يحتذى يف املنطقة ويف �سواها، ي�ستند، من الناحية النظرية،

اإىل اأطروحــــة اأ�سا�سيــــة، متت هند�ستهــــا يف املركز الــــدويل للتعاون

التابــــع لوزارة اخلارجية الإ�سرائيلية )ما�ساف(، تتمحور حول فكرة

اأن اإ�سرائيل دولة �سغــــرية قيا�سا على ال�سطلحات الفيزيقية، بيد

اأنهــــا دولة “�سخمــــة” باإمكانها اأن تغدو “قوة عظمــــى” مبا متتلكه

من “قدرات عقلية وتقنية وثقافية”. ومبوجب ا�سطلحات القيا�س

القت�ســــادي، فاإن اإ�سرائيل دولة عاديــــة، ولكن يجب األ تكون كذلك

لأنها متثل “ب�سرا غري عاديني”، ويجب األ تنظر اإ�سرائيل اإىل نف�سها

كدولة قوامها من خم�سة اإىل �ستة مليني اأو حتى �سبعة مليني ن�سمة

م�ستقبــــل، بــــل الأحرى اأن تنظــــر اإىل نف�سها كجزء مــــن اأمة يهودية

وا�سعة النت�سار. ولذا، يجب جتذير نظرية “تفرد القت�ساد النوعي

الإ�سرائيلي عامليا ولي�س القت�ساد الكمي”، اأي ينبغي اأن يكون املنتج

الرئي�س يف اإ�سرائيــــل لي�س “الب�ساعة الت�سديريــــة” بل “الب�ساعة

الفكرية”.

وثمة معطيات ي�ستند اإليها اأ�سحاب هذه النظرية، اإذ اأن اإ�سرائيل

ل متتلــــك اأدوات الإنتــــاج ال�سخم مــــن اأر�س �سا�سعة وميــــاه وعمالة

ومــــوارد طبيعية وم�سادر طاقة... الخ. وبذا، فاإن ما متلكه اإ�سرائيل

فعــــل هو “القدرة الفكريــــة”. وبناء على هذا املنطــــق القت�سادي،

يجب على ال�سرتاتيجيــــة الإ�سرائيلية، كي ت�سمن النجاح عامليا، األ

ت�سع العراقيل اأمام تنمية وت�سدير العلم واخلربة والتقنيات.

ونتيجــــة لتعزز مكانة الدولــــة العربية يف املنظومــــة القت�سادية

العامليــــة، فتحت اأمــــام رجال الأعمــــال الإ�سرائيليــــني اأ�سواقا كبرية

يف مقدمتهــــا ال�ســــوق ال�سينية والهندية والرو�سيــــة، التي يقدر عدد

امل�ستهلكــــني فيهــــا بنحــــو 2.3 مليــــار ن�سمــــة )هم عدد �ســــكان هذه

الدول الثلث الذين ي�سكلون ما ن�سبته %38.3 من جمموع �سكان

العامل(. واأ�سبحت اإ�سرائيل، كما يقول رئي�س احتاد اأرباب ال�سناعة

يف اإ�سرائيــــل دان بروفــــر، “تثري الهتمام وت�ستحــــوذ على الإعجاب

من الناحيتني ال�سيا�سيــــة والقت�سادية، واأدرك عامل رجال الأعمال

الدوليني اأنها متتلك طاقات ميكن ا�ستثمارها”.

لكــــن، وعلى الرغم من هذا كلــــه، يبقى هاج�س امل�سروعية قائما

وحا�سرا بقوة يف كل �سيا�سات اإ�سرائيل ودوائر حركتها العاملية، ويظل

احتللها للأرا�ســــي العربية واغت�سابها حلقوق ال�سعب الفل�سطيني

امل�سروعــــة، كعب اأخيل علقتها مع املجتمع الدويل وعامل توتر دائم

يف علقاتهــــا الإقليميــــة، بالأم�س واليــــوم ويف امل�ستقبــــل. واإذا كانت

املفارقة الكربى التي ر�سدناها هنا تكمن يف قدرة اإ�سرائيل، الباعثة

علــــى التاأمل، علــــى التعاي�س مع هاج�ــــس امل�سروعيــــة، واإدارة دورها

الإقليمــــي كمــــا معظــــم علقاتها الدوليــــة باأ�ساليــــب و�سيا�سات عدة

ت�ستمــــد اإيقاعها وحيويتها من احلاجة الدائمــــة وامللحة لتجاوز هذا

الهاج�س الذي اأثقــــل كاهل الإ�سرائيليني جميعا، حكاما وحمكومني،

بيــــد اأن املفارقــــة الأكــــرث اأهميــــة تظل كامنــــة بني ظهرانينــــا )نحن

العرب(؛ فقد اأ�ساأنا اإدارة مواردنــــا واإمكانياتنا وعلقاتنا الإقليمية

والدوليــــة واأ�سعنا حقوقنــــا ومطالبنا العادلة ب�ســــوء قراءتنا للتاريخ

وروؤيتنــــا القا�سرة لواقعنا املعا�سر الــــذي مافتئت اأحداثه ومتغرياته

الكــــربى، يف كل مــــرة، تبعــــث وتعيد اإنتــــاج ال�سوؤال املحــــري والع�سي

علــــى الإدراك؛ لي�س عــــن م�سروعية دولة الحتــــلل الإ�سرائيلي، بل

عــــن م�سروعية وجودنا نحن مع�سر ال�سعفــــاء واملتخبطني وم�سيعي

اأكــــرث الق�سايا عدالة على مر الع�ســــور، يف عامل دارويني النزعة ل

مكان فيه لل�سعفاء واملتخاذلني بل يت�سع فقط للأقوياء واملقتدرين،

اأفرادا و�سعوبا ودول!

اأخذت اإ�سرائيل تطرح

نف�سها كنموذج ناجح ميكن

- ملن يرغب - االحتذاء

به وتكراره، وذلك يف

�سورة الدولة ال�سغرية

التي ا�ستطاعت اأن تتحول

اإىل قوة متقدمة �سيا�سيا

واقت�ساديا وعلميا

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 105ا�سرتاتيجية

Page 53: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 106 107ا�سرتاتيجية

يف م�سهد اإقليمي »ا�ستقطابي« كهذا ل ي�سعب التعرف على موقع

كل مــــن اململكة العربية ال�سعودية واإيران؛ فالأخرية تقف على راأ�س

حتالــــف اإقليمي ي�سمها مــــع �سوريا وبع�س اجلماعــــات والتنظيمات

)حــــزب اهلل، حما�ــــس، اجلهــــاد الإ�سلمــــي( وهو التحالــــف الذي

يتبنــــى - علــــى الأقل علنا - منهج احللول اجلذريــــة، وعدم التهاون

اأو املواءمة يف اأي من الق�سايا املتعلقة باحلقوق وامل�سالح الأ�سا�سية

لأطرافه. وهو ذلك التحالــــف الذي يعترب اأع�ساوؤه اأنهم حاملو لواء

“املمانعــــة” �سد التنازل وال�ست�سلم واخل�سوع لإ�سرائيل والدول الكــــربى يف العــــامل، بينمــــا يعترب خ�سومــــه اأنه حتالــــف ي�سم قوى

املنطقة. “التطرف” يف على ال�سفة الأخــــرى من نهر التفاعلت الإقليمية، تقف اململكة

ال�سعودية �سمن غالبيــــة دول املنطقة املتاآزرة معا للبحث عن حلول

وت�سويــــات لق�سايــــا املنطقــــة دون �سدامات م�سلحــــة اأو ا�سطرابات

تهــــز ا�ستقرارهــــا. فيما يطلق عليــــه من داخله حمــــور العتدال، اأو

املهادنــــة ح�سبمــــا يراه اأ�سحــــاب التيــــار الأول. وحتتــــل الريا�س يف

هــــذا املحــــور موقعا متميــــزا، يجعلهــــا مبثابة قطب رئي�ــــس م�سارك

يف قيــــادة هــــذا التيار، واأي�ســــا يف حتمل ن�سيب معتــــرب من اأعبائه.

ول بد من اللتفات اإىل الدللت التي يحملها موقع كل من الدولتني

الكبريتــــني يف املنطقــــة داخــــل كل مع�سكــــر؛ ملــــا ي�ستتبعــــه ذلك من

انعكا�ســــات ومردود على الــــدور الإقليمي لكل منهمــــا مبا يعنيه من

ارتــــداد عك�سي يف �سكل اأعباء ومنافع ت�سب يف ر�سيد كل منهما يف

�سياق التفاعــــلت الإقليمية اجلارية ككل. فزعامــــة اإيران لتحالف

قــــوى ال�ســــد والتمنع جتعلها دائما يف �ســــدارة الأطراف امل�ستهدفة

بغر�ــــس ك�سر هــــذا التحالف وتقوي�ــــس اأركانه، خا�ســــة اأنه حتالف

حمــــدود العدد والعدة. فاأطرافه هم ح�سريا الذين �سبقت الإ�سارة

اإليهــــم )اإيــــران، �سوريــــا، ن�ســــف لبنــــان بقيادة حــــزب اهلل، حركة

حما�ــــس، ف�سائــــل فل�سطينية �سغرية ن�سبيا(. ومــــن املفارقات التي

ينبغــــي اللتفــــات اإليهــــا اأن هــــذا املوقع القيــــادي قي�س لإيــــران جل

املكا�ســــب التي حققهــــا هذا التحالــــف يف الأعوام الأخــــرية، بحكم

اأنهــــا الراعي الرئي�س لــــه �سيا�سيا وماليا ولوج�ستيــــا، والقائد الذي

مي�ســــك الأوراق ويحــــرك اخليــــوط، بينما كانت الأعبــــاء واخل�سائر

التــــي تكبدها هذا التيار مــــن ن�سيب بقية اأطرافه، ما ميكن قراءته

يف التحولت الدراماتيكيــــة التي طراأت على �سلوك ومواقف كل من

حما�س و�سوريا وحزب اهلل بالرتتيب، كل ح�سب قربه من اإيران.

ال�سعودية واإيران

اإقليـــم الأقطاب والأحلف، ذلك هـــو الو�سع يف ال�سرق الأو�سط حاليـــا.. و�سع يت�سم بقطبية

م�سابهـــة لتلـــك التي �سادت النظام العاملـــي يف �ستينيات و�سبعينيات القـــرن املا�سي، فالو�سع

الراهـــن يف ال�ســـرق الأو�ســـط يحفـــل بدرجة عالية مـــن ال�ستقطاب بـــني تياريـــن اأو توجهني

اأ�سا�سيـــني. كما اأنه ي�سم اأحلفا وحماور بع�سها ي�ستنـــد اإىل القطبية احلا�سلة، بينما ينطلق

بع�سهـــا الآخر مـــن اعتبارات وح�سابات مغايرة للنق�سام العام، فداخل كل تيار اأو مع�سكر يف

املنطقـــة هناك حتالفـــات �سغرية وجزئية، وبع�سها منفتح على قـــوى واأطراف داخل املع�سكر

الآخر، لكن تظل الرابطة الأ�سا�سية هي احلاكمة للتوجهات واملواقف.

�سيا�سات اال�ستقطاب االإقليمي وعواقبه

�سامح را�سد كاتب وباحث مبوؤ�س�سة الأهرام، م�سر.

�سامــح را�ســد

املحور

يف املقابــــل، ل تقف ال�سعودية يف موقــــع القائد اأو املحر�س للتيار

املقابــــل، واإمنــــا ت�ساركهــــا م�ســــر والأردن وال�سلطــــة الفل�سطينيــــة،

مدعومني جميعا مبوقف خارجي تقوده الوليات املتحدة، لذلك فاإن

الريا�س لي�ست الطرف الأكرث حتمل ملهام واأعباء هذا التيار، وهي

اأي�سا لي�ست الأكرث ا�ستفادة من تنامي �سطوة هذا التيار يف املنطقة

اأو جناحه يف فر�س ت�سوراته وتوجهاته على امل�سهد الإقليمي.

املذهبيــة بن التحري�ض والتحييــد مفارقة اأخرى

تزيــــد امل�سهد الإقليمي اإثارة وعمقــــا يف اآن واحد؛ وهي تلك املت�سلة

بالبعــــد املذهبي يف ذلــــك ال�ستقطاب الإقليمي، مــــن خلل موقعي

اإيران وال�سعودية ودورهما فيه. فبينما تتحرك اإيران اإقليميا لغايات

واأهداف ودواعي �سيا�سية براجماتية، وتلب�سها ثوبا طائفيا مذهبيا

م�ستغلــــة اأذرعا �سيعية مزروعة يف الــــدول العربية، مل تلجاأ الريا�س

اإىل الو�سيلة ذاتها؛ اإذ تتعامل مع الأذرع الإيرانية املذهبية مبنطق رد

الفعل وباأدوات �سيا�سية واقت�سادية، على الرغم من اخلطر البادي

جليا من التوظيف الإيراين للبعد املذهبي على ال�ستقرار ال�سيا�سي

والتجان�س الداخلي )الديني واملذهبي على الأقل( يف العراق ولبنان

واليمن والبحرين واملغرب، ويف بع�س املناطق ال�سيعية يف ال�سعودية

ذاتهــــا. يف حــــني مل حتــــاول الريا�س ا�ستغــــلل م�ساألــــة الأقليات يف

اإيــــران، علــــى الرغم من وجــــود اأقلية �سنية لهــــا م�ساكلها ومطالبها

خ�سو�سا اأهل منطقة عرب�ستان )الأهواز(.

كما اأن التناطح الإيراين ال�سعودي غري املبا�سر الذي يجري من

حــــني اإىل اآخــــر يف لبنان، يرجــــع بالأ�سا�س اإىل طبيعــــة وخ�سو�سية

احلالة اللبنانية القائمة على توازن دقيق يحكم خمتلف الف�سائل من

جهة، وارتباط كل منها طوعا اأو كرها باأطراف خارجية، بالإ�سافة

اإىل وجــــود علقة وثيقة وممتدة بني العائلة احلاكمة يف اململكة واآل

احلريري رمــــز اأو راأ�س حربة �سنة لبنان. كما ياأتي الو�سع امل�ستجد

يف �سمال اليمن ليوؤكد تلك الفوارق يف مدى وكيفية توظيف اأو حتييد

العامل املذهبي لدى كل من ال�سعودية واإيران؛ فال�سيا�سة ال�سعودية

جتــــاه اليمــــن ات�سمت دائمــــا باحلر�س علــــى ال�ستقــــرار والتما�سك

الداخلــــي، برغم متركز اأغلبيــــة �سيعة اليمــــن الزيديني يف املناطق

ال�سمالية املل�سقة للحدود ال�سعودية. وكان التعامل ال�سعودي دائما

مبا�سرا وح�سريا مع ال�سلطات الر�سمية اليمنية ويف اجتاه واحد هو

احلفاظ على ا�ستقرار ووحدة اليمن. يف املقابل، ك�سفت م�ستجدات

التمــــرد امل�سلح مــــن جانب جماعــــة احلوثيني يف حمافظــــة �سعدة،

اأن ثمة اأطرافــــا اإيرانية تدعم تلك اجلماعــــة باأ�سكال متنوعة، كان

اأحدثهــــا يف الأ�سبوع الأخري من �سهر ت�سرين الأول/اأكتوبر 2009

عندما �سبطــــت ال�سلطات اليمنية �سفينة يقودهــــا اإيرانيون حمملة

باأ�سلحــــة كانت يف طريقها اإىل احلوثيني. و�ســــواء اأكان ذلك الدعم

ر�سميــــا اأم غري ذلــــك، فاإنه يح�سب يف ميــــزان التفاعلت الإقليمية

علــــى الدولــــة الإيرانية ول ميكن ف�سل مــــردوده ودللته عن النمط

العام لتعاطي اإيران مع بيئتها الإقليمية.

Page 54: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 108 109ا�سرتاتيجية

وبربــــط م�ساألة حوثيي اليمن مع دور اإيــــران املت�سخم يف العراق

ووجود حزب اهلل وكيل لها يف لبنان ومواقفها من اأو�ساع وحتركات

ال�سيعة يف دول اأخــــرى مثل البحرين واملغرب، فاإن التحليل النهائي

يف�سي اإىل وجود “مظلة اإيرانية” لأي طيف �سيعي يف املنطقة ككل.

وتت�سع هذه املظلة اأو ت�سيق ح�سب تطورات وم�ستجدات كل حالة.

يف املقابل، ل تتخذ ال�سعودية من العامل املذهبي متكئا اأو مدخل

لــــدور اإقليمــــي، كمــــا ل تعتربه بذاتــــه هدفا اأو غايــــة توظف حتركها

الإقليمي خلدمته. بيد اأن هذا ل يعني ا�ستبعاد العامل املذهبي ب�سكل

كامل ومطلق من ح�سابات الريا�س وهي ب�سدد النظر والتعامل مع

بيئتهــــا الإقليمية؛ فل �سك يف اأن ال�سيا�ســــة ال�سعودية تعترب اململكة

مبثابة رمــــز للإ�سلم ال�سني يف العــــامل، وت�ست�سعر م�سئولية خا�سة

يف هــــذا الجتــــاه، بيد اأن هــــذا الوعي بامل�سئوليــــة مق�سور يف حدود

الرمزيــــة، وخ�سو�سا املظاهر ال�سعائريــــة املرتبطة بوقوع الأرا�سي

املقد�سة حتت الرعاية ال�سعودية.

والأمــــر بالــــغ الدللة يف هــــذا ال�سيــــاق، اأن تلــــك امل�سوؤولية �سواء

علــــى م�ستوى الإدراك اأو يف جتلياتهــــا ال�سلوكية، ل تخرج عن نطاق

العــــامل العربي ب�ســــكل اأ�سا�سي، وبع�س الــــدول الإ�سلمية بطبيعتها

خا�سة تلــــك التي ا�ستقلت بعد انهيار الحتــــاد ال�سوفيتي. فل ميتد

الهتمام اأو النخــــراط ال�سعودي يف �سوؤون “ال�سنة” خارج اململكة،

اإىل الــــدول الأجنبية ذات الأقليات امل�سلمة، اأو حتى الإ�سلمية ذات

الأقليــــة ال�سنية. اأما يف الدول العربيــــة اأو الإ�سلمية الأخرى امل�سار

اإليهــــا، فاإن اأيا مــــن اأ�سكال الدعم اأو امل�ساندة تتــــم بالتوجه املبا�سر

اإىل ال�سلطــــات الر�سمية وبالتن�سيق معهــــا. ويف كافة الأحوال، تناأى

الريا�س ب�سيا�ستها وحتركاتهــــا يف هذا ال�سياق عن اأي بعد �سيا�سي

اأو دللة غري دينية.

حمددات ودوافع ات�سمت العلقات العربية - الإيرانية

يف العقــــود الثلثة املا�سية مــــن تاريخ املنطقة بفتور و�سل يف معظم

تلــــك الفرتة اإىل التوتــــر بل واأحيانــــا املواجهة غري املبا�ســــرة، بدءا

مــــن اندلع الثورة الإ�سلمية عــــام 1979 ثم ن�سوب احلرب العراقية

الإيرانيــــة بعدهــــا بعام واحــــد، وامل�ساعــــي الإيرانيــــة املعلنة يف تلك

الفــــرتة ثــــم املمار�ســــات الإيرانية امل�ستفــــزة لدول جمل�ــــس التعاون

اخلليجي خ�سو�سا اأثنــــاء مو�سم احلج. ثم ت�سعيد املوقف مع دولة

الإمارات العربية املتحدة عام 1992 ب�سم جزيرة اأبو مو�سى وفر�س

اأمر واقع جديد فيها.

بيــــد اأن النقلــــة النوعية التي �سهدها الــــدور والتحرك الإيراين يف

املنطقــــة ككل بعــــد احتلل العراق عــــام 2003، والذي جتلى بو�سوح

ودون مواربة يف النفوذ املبا�سر وا�سع النطاق يف كافة اأرجاء العراق

وخمتلــــف م�سالــــك اإدارة �سوؤونــــه الداخليــــة طوال ال�سنــــوات ال�ست

التــــي مرت علــــى احتلله. ثــــم تل ذلــــك مبا�سرة وب�سرعــــة تكثيف

ورفــــع م�ستوى الدعم املبا�سر متعــــدد الأ�سكال حلزب اهلل يف جنوب

لبنان، ثم حلركتي حما�س واجلهاد يف فل�سطني، ثم لبع�س الأن�سطة

ذات النف�ــــس ال�سيعي يف غري دولة عربيــــة )مثل املغرب التي قطعت

علقاتهــــا مع طهران موؤخرا لهــــذا ال�سبب(، واأخــــريا بالدعم غري

املعلن )ورمبا غري الر�سمي( جلماعة احلوثيني يف �سمال اليمن.

وقــــد انعك�ست تلك التطــــورات املرتاكمة منذ ثلثــــة عقود، على

العلقــــة بني الريا�س وطهران، �ســــواء يف م�سارها الثنائي املبا�سر،

اأو يف �سياقها الإقليمي عرب ملفات وق�سايا املنطقة، فو�سمتها بندية

وتناظــــر اأقرب اإىل التناطح منه اإىل التناف�س، وطغت فيها علمات

الت�ســــارع على اإ�سارات التعاون. ثم كان مــــن �ساأن امل�ستجدات التي

اأ�سيفت اإليها موؤخرا - بعد احتلل العراق - اأن كر�ست حالة تنافر

وا�ستنفار �سيا�سي/ مذهبي بني الريا�س وطهران.

مــــن املهــــم، يف هــــذا الإطــــار، النتبــــاه اإىل اأن تلــــك احلالة التي

�سمحــــت بها التطورات، مل تكن لتوجد لول تلك الروح “الهجومية”

باملعنى ال�سيا�سي يف التحــــركات الإيرانية. ففي الأمثلة امل�سار اإليها

وغريهــــا من م�ستجــــدات املد الإيــــراين يف املنطقة، كانــــت املبادرة

واملبــــاداأة اإيرانيــــة، بينمــــا كانت الريا�ــــس تقف دائمــــا يف موقع رد

الفعــــل اأو الطرف امل�سطر اإىل التعامــــل مع اأو�ساع وظروف فر�ست

عليــــه التحــــرك والت�ســــرف ب�سكل حمــــدد. اإذ مل يحــــدث اأن قامت

الريا�ــــس )ول اأي مــــن دول جمل�ــــس التعاون اخلليجــــي اأو حتى بقية

الــــدول العربيــــة( بتحرك منــــاوئ للم�سالح الإيرانيــــة ال�سيا�سية اأو

القت�ساديــــة اأو غريها، اأو �سرعت يف م�سعــــى ينتق�س من �سيادتها

اأو �سلــــوك مي�س اأو�ساعها الداخلية �سواء ب�ســــكل عام اأو يف اجلانب

املذهبي ب�سفة خا�سة. بل ميكن القول اإن ردة الفعل ال�سعودية على

تنامــــي الدور الإيراين الإقليمــــي كثريا ما تاأخــــرت وا�ستغرقت وقتا

اأكرث من املطلــــوب لتقدير املوقف وح�ســــاب التداعيات واحلذر قبل

التحــــرك، واملثال الأبرز على ذلك الفجــــوة ال�سا�سعة يف العراق بني

زعامة اإيران لتحالف قوى ال�سد والتمنع جتعلها دائما

يف �سدارة االأطراف امل�ستهدفة بغر�ض ك�سر هذا التحالف

وتقوي�ض اأركانه، خا�سة اأنه حتالف حمدود العدد والعدة

املحور

الــــدور الإيراين يف جانب، وكل الأدوار العربية مبا فيها ال�سعودي يف

اجلانــــب املقابل. وينطبق الأمر ذاته بدرجــــات متفاوتة على امللفني

اللبناين والفل�سطيني، مع بع�س الختلف.

ويدفــــع هذا اإىل التاأمل قليل يف حمددات وحدود الدور الإقليمي

لــــكل من اململكة العربية ال�سعودية واإيــــران. واأول ما ينبغي ذكره يف

هــــذا ال�سدد، العامــــل اخلارجي وتاأثريه يف توجهــــات واأدوار ومنط

التناف�سيــــة اأو التعاونيــــة التي متيز التفاعلت بــــني القوى الإقليمية

الرئي�ســــة يف املنطقة ومــــن بينها ال�سعودية واإيــــران. وعند احلديث

عــــن العامل اخلارجــــي، فاإن املق�ســــود حتديدا وب�سفــــة رئي�سة هو

الــــدور الأمريكي. ول �ســــك يف اأن وا�سنطن متثل طرفــــا ثالثا يف كل

التفاعــــلت اجلاريــــة يف املنطقــــة، خا�سة بني قطبــــني كبريين مثل

ال�سعوديــــة واإيــــران. وعلى الرغم مــــن عدم دخــــول وا�سنطن ب�سكل

مبا�ســــر على خط العلقــــات ال�سعودية- الإيرانيــــة، اإل اأن احل�سور

الأمريكي الطاغي يف كل ملفات املنطقة يجعلها رقما جوهريا يف كل

املعادلت الإقليمية �سواء الثنائية اأو متعددة الأطراف.

وبعيــــدا عــــن تفا�سيل العلقــــات الثنائيــــة بني كل مــــن الريا�س

وطهــــران مع وا�سنطن، ميكن القــــول اإن تاأثري العامل الأمريكي كان

دائمــــا يف اجتاه غري اإيجابي جلهة العلقات ال�سعودية – الإيرانية،

�ســــواء الثنائيــــة اأو يف �سياق ميزان القوى الإقليميــــة. وذلك كنتيجة

مبا�ســــرة لعتبارات متعــــددة اأبرزها روؤى وتوجهــــات وا�سنطن نحو

املنطقــــة ككل، وتاريــــخ علقاتهــــا مــــع الدولتــــني، ومــــدى توافــــق اأو

اختلف مواقفهما و�سيا�ساتهما جتاه ق�سايا املنطقة مع احل�سابات

الأمريكية.

ومن املهم، يف هذا اخل�سو�س، لفت النتباه اإىل اأنه حتى عندما

كانت العلقــــات الأمريكية مع الدولتــــني اإيجابية يف وقت واحد، مل

يكن ذلك ينعك�س اإيجابا على العلقات بينهما، وبعبارة اأدق مل تكن

وا�سنطن تعمل على توظيف علقتها الطيبة معهما من اأجل حت�سني

علقاتهمــــا الثنائيــــة، اإل اإذا كان ذلــــك مطلوبــــا اأمريكيــــا اأو يخدم

م�سالــــح واأهداف اأمريكية خال�سة. واملثال الوا�سح على ذلك فرتة

�سبعينيــــات القرن املا�سي عندما كانت اإيــــران يف عهد ال�ساه حليفا

اأمريكيــــا رئي�سا وتلعب دور ال�سرطي الإقليمي يف املنطقة، مع تنامي

علقــــات اأمريكية - �سعودية جيدة وقوية. اإذ كان التوتر هو ال�سائد

يف تلك الفرتة بني الريا�س وطهران. من هنا فاإن هذا العامل ينبغي

اأن يخ�سع لنظرة حمايدة وا�ست�سراف دقيق عند البحث يف م�ستقبل

املنطقة ب�سكل عــــام، والو�سع التناف�سي بني ال�سعودية واإيران ب�سكل

خا�س.

وبالإ�سافة اإىل ما هو معروف من وجود عوامل داخلية وخارجية

تلقي بظللها على حركة ومدى تاأثري كل دولة يف حميطها الإقليمي،

هنــــاك اأي�سا اعتبارات “اإرادية” تاأخذها الدولة يف ح�سبانها، فيما

ميكــــن جمازا و�سفه بقيود ذاتية تفر�سها بع�س الدول على �سلوكها

اخلارجــــي اإعمــــال واإعلء ملبــــادئ اأو قيم اأو قواعــــد تنطلق منها يف

�سيا�ساتها وقراراتها.

ويف احلالتــــني ال�سعوديــــة والإيرانية، تتجلى مفارقــــة اأخرى بني

حدود وم�سمــــون الدور ومدى واجتاه حركة كل منهما. فمعروف اأن

الريا�ــــس ومعظم الدول العربية تطبــــق ب�سرامة مبداأ عدم التدخل

يف ال�ســــوؤون الداخلية للــــدول الأخرى، �سواء اأكانــــت �سديقة اأو غري

ذلك. وهو ما ل ينطبق على ال�سلوك الإيراين اخلارجي ب�سكل ن�سبي

اأحيانا، وعلى نطاق وا�سع اأحيانا اأخرى. ول بد من الإقرار باأن ذلك

التحفظ ال�سعودي عــــن اقتحام امللفات الداخلية لبع�س الدول حتى

يف احلالت ذات النعكا�س الإقليمي، يوؤدي بال�سرورة اإىل احلد من

قطبان لدودان:

امللك عبداهلل

واأحمدي جناد

Page 55: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 110 111ا�سرتاتيجية

املكا�سب الإقليمية للريا�س �ســــواء ب�سكل مبا�سر عرب ت�سييق فر�س

التاأثري يف املحيط الإقليمي، اأو ب�سورة غري مبا�سرة عرب تاأثر الوزن

الن�سبــــي لها يف ميــــزان القوى الإقليمية مقارنة مــــع دول اأخرى مثل

اإيران.

بعبــــارة موجزة، خ�سوع منظومة ال�سيا�ســــة اخلارجية ال�سعودية

لعتبــــارات ومرتكزات قيميــــة ومبدئية، يحرمها مــــن منافع وطنية

ومكا�ســــب اإقليميــــة تتح�سل عليها دول اأخرى مــــن بينها اإيران عرب

�سيا�ســــات براجماتية خال�ســــة وحتركات تنطلق مــــن منظور واحد

فقط هو منظور امل�سلحــــة الوطنية يف �سورته املجردة ال�سيقة، مع

ملحظــــة اأن مفهوم “امل�سلحة الوطنية” يف اإيران ل ينف�سل بحال

عــــن الروؤية الأمميــــة للدولة الإ�سلمية كما يجــــب اأن تكون، كما اأن

م�سلحــــة املواطــــن الإيراين هــــي اأي�سا م�سلحتــــه كم�سلم �سيعي يف

املقام الأول.

هواج�ــض م�ســتقبلية ل ميكن ف�ســــل ال�سورة العامة

للم�سهد الإقليمي امل�ستقبلي عن امللمح اجلزئية لتفا�سيله ومكوناته

ال�سغــــرية. والقا�ســــم امل�سرتك بني تلــــك التفا�سيــــل واملكونات، هو

النخــــراط الأمريكي يف اإدارة امللفات الإقليمية بالتعاون املبا�سر مع

اأطرافهــــا الرئي�سية. ورغم اأن العامل الأمريكي موجود وقائم دائما

ومنــــذ عقــــود، اإل اأنه يف العقد الأخري حتديدا اأ�سبــــح لعبا اأ�سا�سيا

�سريحا يف ال�ساحة الإقليمية، ما يعني اأن اأي تطلع اإىل امل�ستقبل ينبغي

اأن ينطلق من ا�ست�سراف م�ستقبل ومدى ا�ستمرارية الدور الأمريكي

على حموريته ومبا�سرته يف تفاعلت املنطقة وكذلك احتمالية تغري

توجهاته اأو �سيا�ساته، وبالتايل انعكا�س ذلك على طبيعة التفاعلت

وم�سار العلقات التناف�سية اأو التعاونية بني دول املنطقة.

احلا�ســــل حاليا، حالــــة انفــــراج يف ال�سيا�سة اخلارجيــــة الأمريكية

ب�سكل عام ت�سمل خمتلف الأطراف التي دخلت اإدارة بو�س يف عداء

م�ستحكم معها، مبا فيها رو�سيــــا وال�سني واإيران و�سوريا. وتتزامن

تلــــك النفراجة الأمريكية يف علقاتهــــا اخلارجية، مع ن�سج وتبلور

املعطيــــات الداخليــــة يف ملفــــات وق�سايا املنطقة، مبــــا يجعلها اأكرث

قابليــــة للت�سويــــة اأو التهدئة. وينطبق ذلك بو�ســــوح يف امللف النووي

الإيــــراين الذي ي�سهد مفاو�سات وبــــوادر توافق اإيراين غربي للمرة

الأوىل، يف اإ�ســــارة وا�سحــــة اإىل عــــدم اأو على الأقــــل تاأجيل انفجار

املوقــــف وحتولــــه اإىل مواجهة م�سلحة. ويف العــــراق تبا�سر وا�سنطن

عملية خف�س تدريجــــي لقواتها هناك، بينما ينتقــــل العراقيون اإىل

مرحلــــة تويل �سوؤونهم باأنف�سهم مبا�سرة وب�سكل �سبه منفرد )بغ�س

النظــــر عــــن مدى اأهليتهــــم لل�سطــــلع بتلك املهمــــة(. ويف �سوريا

ولبنــــان تتجــــه الأمور اإىل النفــــراج، �سواء يف العلقــــة بينهما اأو يف

الداخل اللبناين على وقع النفراج الأمريكي - ال�سوري، وال�سعودي

- ال�سوري.

املثــــري للقلق يف هذه التطورات الإيجابيــــة، اأنها جميعا ت�سب يف

اجتــــاه تقــــارب اأمريكي - اإيراين، مــــا يعني اأن التحــــركات والأدوار

الإيرانيــــة الإقليميــــة التــــي كانت مثار قلــــق وتوج�ــــس اإقليمي وعاملي

)اأمريكــــي( �ستخرج من نطاق الرف�س الأمريكي. وحتى واإن تزامن

ذلــــك مع انح�سار اأو تعديل يف تلك املواقف والتوجهات الإيرانية، اإل

اأنها لن تتبدل متاما اأو تتناق�س فجاأة اإر�ساء لوا�سنطن.

واإذا كان املتوقــــع تخفيف حــــدة ال�ستقطــــاب الإقليمي احلا�سل

حاليا علــــى خلفية النفتــــاح الأمريكي على اإيــــران، وبالتايل تهدئة

ملفــــات وق�سايا املنطقة، فاإن ثمــــة خطرا كامنا يف ذلك وهو انتقال

اإيــــران مــــن موقع الدولــــة القطــــب املنــــاوئ للم�سالــــح وال�سيا�سات

الأمريكية اإىل قطب اإقليمي ين�سق ويت�سق يف توجهاته مع وا�سنطن،

دون مراعــــاة اأو التفــــات اإىل م�سالح وتوجهــــات الأطراف الإقليمية

الأخرى. اإذ �سيوؤدي ذلك اإىل ا�ستمرار ال�ستقطاب الإقليمي لكن مع

تغري موقع وا�سنطن كطرف خارجي موؤثر فيه، وبالتايل تغري اأوزان

وثقل كل من التيارين الرئي�سيني يف املنطقة.

وملــــا كانت ال�سعوديــــة اأقرب دائمــــا اإىل �سيا�ســــة رد الفعل وعدم

املبــــاداأة يف التعاطــــي مع التحــــولت الإقليميــــة ويف اإدارة العلقات

التناف�سية مع اإيران، فاإن املتوقع بناء على ذلك وبا�ستقراء اإ�سارات

امل�ستجــــدات اجلاريــــة يف املنطقــــة، اأن تكون نهاية التــــاأزم الإقليمي

احلــــايل بانتقال اإيران اإىل م�ستوى الهيمنــــة الن�سبية اأو رمبا العودة

اإىل دور الوكيل الإقليمي عن القوى الكربى. اإنها م�ساألة تدعو لكثري

من التاأمــــل والتفكري العميق، اأن تنفك حالــــة ال�ستقطاب الإقليمي

بفعــــل انفراج فوقي قــــادم من اخلارج، واأن يكون جــــزاء التحركات

الإقليميــــة الإيرانيــــة و�سيا�ساتهــــا “اجل�سعــــة” �سيا�سيــــا ومذهبيا،

انت�سارا ل انك�سارا.

خ�سوع منظومة ال�سيا�سة اخلارجية ال�سعودية العتبارات

ومرتكــزات قيميــة ومبدئيــة، يحرمها من منافــع وطنية

ومكا�ســب اإقليميــة تتح�ســل عليهــا دول اأخــرى مــن بينها

اإيران عرب �سيا�سات براجماتية خال�سة وحتركات تنطلق

من منظور واحد فقط هو منظور امل�سلحة الوطنية

املحور

�سدر حديثا �سمن

�سل�سلة درا�سات جامعية

�سيا�سة اليمن اخلارجية

جتاه دول القرن االإفريقي

حممد علي عمر احل�سرمي

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 56: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 112 113ا�سرتاتيجية

ال�سعود االإقليمي و�سراع االأجندات

يعــــد العام 2002 علمة فارقة يف تاريخ تركيــــا احلديث، اإذ �سهد ذلك العام فوز حزب العدالة

والتنميــــة )AKP( يف النتخابات العامة يف البلد لي�سكل هذا احلدث بدوره مقدمة ل�سل�سة من

التفاعــــلت الداخلية نتج عنهــــا انقلب يف عدد من ال�سيا�سات التقليديــــة للجمهورية الرتكية

ومنهــــا ال�سيا�سة اخلارجية للبلد، مما مهد لدور اأكــــرب لأنقرة على امل�ستوى الدويل والإقليمي

ل�سيما يف املنطقة العربية.

وي�ســــكل عامل »حتقيــــق ال�ستقرار الإقليمي« القا�سم امل�سرتك بني جميــــع التوجهات ال�سيا�سية

والجتماعيــــة والقت�سادية للرتقاء الرتكي يف املنطقة، فهو العن�سر الأكرث اأهمية يف �سيا�سة

تركيا اخلارجية احلالية التي ي�سعى حزب العدالة والتنمية من خللها اإىل جعل تركيا منوذجا

Soft يحتذى به يف املنطقة اعتمادا على �سحر وجاذبية هذا النموذج، اإ�سافة اإىل القوة الناعمة

Power التي ميتلكها، والتي تعمل على تعزيزها نظريات ومفاهيم جديدة يف ال�سيا�سة الرتكية

اخلارجية مثل »العمق ال�سرتاتيجي« )Strategic Depth(، و»دبلوما�سية ت�سفري النزاعات« ب�سكل

يجعل من تركيا املحور املركزي )Central Axis( الذي تدور حوله باقي الدول يف املنطقة.

تركيا اجلديدة

علي ح�سني باكري باحث اأردين يف العلقات الدولية.

علي ح�سن باكري

املحور

Page 57: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 114 115ا�سرتاتيجية

املنطلقــات الداخلية ل�سيا�ســة تركيــا اخلارجية

اجلديــدة يحتل عن�سرا الإ�سلح والتنمية مكانة اأ�سا�سية

يف م�ســــروع حزب العدالة والتنمية منــــذ و�سوله اإىل احلكم. وي�سكل

التقــــدم املحــــرز يف الإ�ســــلح والتنميــــة معيارا لقيا�ــــس مدى جناح

�سيا�ســــة احلــــزب وبرناجمه، ل�سيمــــا يف ظل ف�ســــل و�سقوط معظم

القوى والأحزاب ال�سيا�سيــــة الرتكية، التي �سبق لها واأن و�سلت اإىل

احلكم، يف حتقيق اأي جناح يذكر على هذا ال�سعيد.

ومن املعروف اأن اأي م�سروع تنمية اقت�سادية يحتاج اإىل ا�ستقرار

�سيا�سي واجتماعي داخلي اإ�سافة اإىل بيئة اإقليمية م�ستقرة ون�سطة.

ومــــع حتقيق ال�سطــــر الأول من هــــذه املعادلة، �سعــــت �سيا�سة تركيا

احلديثــــة عرب برنامــــج حزب العدالــــة والتنميــــة اإىل حتقيق اجلزء

الثــــاين منها بالعتماد علــــى نظرية وزير اخلارجيــــة الرتكي داوود

اأوغلــــو، والتي ميكن اأن نطلق عليها ا�سم نظرية »ت�سفري النزاعات«

اأي حل امل�ساكل الإقليمية وتخفي�سها اإىل م�ستوى ال�سفر، اإىل جانب

نظرية »العمق ال�سرتاتيجــــي« التي تتعامل مع تركيا كدولة حمورية

قويــــة، وهي نظريات كانت و�سعــــت مو�سع التنفيذ منذ العام 2002،

ومت ا�ستكمالهــــا بفاعليــــة مع تبوء اأوغلو من�ســــب وزير اخلارجية يف

العام 2009.

بهــــذا املعنى، ت�سعى �سيا�سة اأنقــــرة اإىل اأن تتحول تركيا من دولة

يقــــرتن ا�سمهــــا بالأزمات اإىل دولــــة ذات روؤية وهــــدف وا�سحني يف

جميــــع الق�سايــــا يف املنطقة. فرتكيــــا الآن، وكما يقــــول داوود اأوغلو

نف�ســــه، دولة تنظــــم وترتب اأو�ســــاع املنطقة املحيطة بهــــا وتوؤثر يف

�سري تطوراتها ال�سيا�سية. بهذا املعنى، ن�ستطيع اأن تقول اأن عنا�سر

القت�ســــاد والأمن والديبلوما�سية حتمــــل اأهمية كربى، وهي مبثابة

الرافعــــة لدور تركيا الإقليمي، والذي يحتاج اإىل عامل ا�ستقرار بني

الــــدول املجاورة واملحيطة تعمــــل اأنقرة على حتقيقــــه حاليا لتو�سيع

دائرة نفوذها اإىل املحيط الإقليمي ثم اإىل امل�ستوى الدويل.

مــا وراء �ســعود تركيــا االإقليمــي ل �ســــك اأن

النظريــــات الرتكية ما كانت لتلقى ترجمــــة عملية لول وجود عوامل

مهيئــــة وم�ساعــــدة على حتقيق هــــذه الروؤية امل�ستجــــدة يف ال�سيا�سة

اخلارجية الرتكية وهذا الدور احلديث يف املنطقة، فاجلهد الذاتي

ل يكفــــي لوحده. ومن العوامــــل التي اأتاحت لأنقرة لعب و�سع روؤيتها

مو�سع التنفيذ:

اأول: تزامــــن الطرح الرتكــــي اجلديد مع معطيــــات جيو�سيا�سية

اإقليمية مهمة خلقتها حروب الوليات املتحدة منذ العام 2001، والتي

ترافقــــت مع تغيري الواقــــع الإقليمي للمنطقة يف ظــــل خطة »ال�سرق

الأو�ســــط اجلديــــد« ويف ظلل احلــــرب على »الإرهــــاب«، م�سحوبة

باإعــــادة توزيع لقوى وملراكز القوة وال�سلطة والقرار يف املنطقة التي

ت�سكل ال�ساحة العربية جزءا كبريا منها.

ثانيــــا: وجود فــــراغ اإقليمي وخلــــل يف ميزان القــــوى اإثر احتلل

الوليــــات املتحدة لأفغان�ستان والإطاحة بنظام طالبان العام 2001،

ومن ثم احتلل العراق واإ�سقاط نظام �سدام يف العام 2003، الأمر

الــــذي �سكل القاعــــدة الأولية للمدى احليوي الــــذي ميكن لرتكيا اأن

تبا�ســــر دورهــــا اجلديد فيــــه، يف ظل عمق عرقي تركــــي اإىل ال�سرق

The( اأو »العــــامل الرتكي« كما يو�سف )البلــــدان الناطقة بالرتكية(

Turkish World(، وعمــــق دينــــي اإىل اجلنــــوب )امل�سلمــــون ال�سنة(.

مبعنى اآخر، وجدت تركيا اأن حدود الإمرباطورية العثمانية ال�سابقة

اأ�سبحت �ساغرة لإمكانية القيام بدور يواكب ال�سيا�سة امل�ستجدة.

لعبت طبيعة ال�سيا�سة اخلارجية الرتكية واعتماد الديبلوما�سية وامل�سالح

امل�سرتكة دورا كبريا يف تعزيز �سورتها اليجابية لدى دول املنطقة

و�سعوبها، وقاعدة للنطلق ب�سعودها ال�سلمي

املحور

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية 114

ثالثــــا: تلكــــوؤ الحتــــاد الأوروبــــي يف قبــــول ع�سويــــة تركيــــا رغم

الإ�سلحــــات الكبرية التــــي نفذها حزب العدالــــة والتنمية، وهو ما

-Sphere of I ( ا�سطــــر اأنقرة اإىل البحث جديا عن ف�ســــاء م�سالح

terest( اآخــــر تلعــــب فيــــه دورا رياديــــا، يربهن عن مــــدى اأهمية دور

تركيــــا كج�ســــر يربط احل�ســــارات والأديــــان والقوميــــات وامل�سالح

القت�سادية بــــني ال�سرق والغرب، ويكون بديــــل حمتمل حال ف�سل

الن�سمــــام اإىل الحتــــاد الأوروبي. ولذلك كان مــــن البديهي لأنقرة

التوجه نحو ال�ســــرق الأو�سط واملنطقة العربية حتديدا حيث الفراغ

الذي فر�سته املعطيات اأعله.

رابعــــا: وجود روؤية تركية وا�سحــــة وهدف حمدد وبرنامج واقعي

قابــــل للتطبيــــق، ل�سيمــــا يف ظــــل نظريــــات ومفاهيــــم تتنا�سب مع

متطلبات ال�سعود مثل »العمق ال�سرتاتيجي« و«ديبلوما�سية ت�سفري

النزاعات« اجلاري العمل عليها من قبل القيادة الرتكية.

خام�ســــا: وجود بيئــــة خ�سبة لتقبل الأفــــكار وال�سيا�سات الرتكية

اجلديــــدة، ل�سيمــــا يف املنطقة العربيــــة التي ت�سكل ف�ســــاء �ساحلا

لدائــــرة نفوذ تركيــــا )Sphere Of Influence(، اإ�سافــــة اإىل املعطيات

اجلغرافية والتاريخية التي ت�سكل عامل دافعا وم�ساعدا على و�سع

ال�سيا�ســــة الرتكية مو�سع التنفيذ، وهو ما ح�سل من العام 2002

وحتى اليوم ومن املنتظر اأن ي�ستمر اأي�سا.

املنطقة العربية كمجال حيوي لل�ســعود الرتكي

هيــــاأت العوامل املذكــــورة اأعله للدور الرتكــــي اجلديد يف املنطقة،

و�سكلــــت العديد مــــن العنا�ســــر التاريخيــــة كالإرث امل�سرتك عامل

م�سهــــل ومرحبا بهذا الدور، كما لعبت طبيعــــة ال�سيا�سة اخلارجية

الرتكيــــة واعتمــــاد الديبلوما�سيــــة وامل�سالــــح امل�سرتكــــة دورا كبريا

يف تعزيــــز �سورتها اليجابيــــة لدى دول املنطقــــة و�سعوبها، وقاعدة

للنطــــلق ب�سعودها ال�سلمــــي، ونالت ر�سا حكومــــات املنطقة لأن

جهودها جاءت مــــن بوابة ال�سرعية العربية اإذا جاز التعبري، اأو من

بوابة الأنظمة العربية ب�سكل اأدق.

ولتاأكيد توجهه ال�سلمي، قام اجلانب الرتكي بالعديد من اجلولت

املكوكيــــة لطلع دول املنطقة على م�سروعه عند فوزه بالنتخابات،

ثم عمل على تعزيز عامل ال�سراكة مع هذه الدول عرب توقيع العديد

مــــن التفاقيــــات الإ�سرتاتيجيــــة القت�ساديــــة وحتــــى ال�سيا�سية مع

�سوريا والعراق ودول اخلليج العربي لتكون ذات طابع ربحي متبادل

)Win-Win Situation(. ومت توقيع العديد من التفاقيات مع اجلانب

اخلليجي بداية عرب مذكرة تفاهم مبدينة جدة ال�سعودية يف الثالث

من اأيلول/�سبتمرب 2008 �سكلــــت حدثا تاريخيا لأنها متهد لعلقات

اإ�سرتاتيجيــــة خليجيــــة - تركيــــة علــــى كافــــة الأ�سعــــدة ال�سيا�سيــــة

والقت�سادية والثقافية وحتى الأمنيــــة والع�سكرية، كذلك مت اإن�ساء

جمل�ــــس التعاون ال�سرتاتيجي الرتكــــي - العراقي، وجمل�س التعاون

ال�سرتاتيجــــي الرتكي - ال�سوري الذي عقد اأوىل جل�ساته موؤخرا يف

13 ت�سرين الأول/اأكتوبر 2009 .

وبانفتاحهــــا على جميــــع اللعبني العرب وغــــري العرب، ترف�س

ال�سيا�ســــة الرتكيــــة اأن تكون جزءا مــــن حماور اإقليميــــة، ولكننا اإذا

مــــا راقبنا م�سروعهــــا الإقليمي، �سرى اأنه ي�ســــب ب�سكل مبا�سر يف

�سالــــح الدول العربية لأنه الأقرب اليها والأكرث تعبريا عن تطلعاتها

والأكــــرث ان�سجاما مع رغباتهــــا والأكرث �سمانــــة مل�ساحلها، والهم

لأنه يتعار�س مع امل�سروع الإ�سرائيلي اأو الإيراين من وجهة نظرنا.

طبيعة الدور املميز لرتكيا يف املنطقة العربية قد يدخل اأنقرة رغما عنها

يف مناف�سة ل تطلبها ول تريدها، خا�سة مع اإ�سرائيل واإيران حيث من

املمكن اأن يتحول التناف�س اىل �سدام

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 115ا�سرتاتيجية

Page 58: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 116 117ا�سرتاتيجية

ويعــــرف اجلانــــب الرتكــــي اأهميته يف

هذا الإطــــار، ولذلك يحاول تاأكيد موقعه

ب�ســــكل اأ�سا�ســــي ورئي�ســــي كلعب ميتلك

خطــــوط الت�ســــال والتوا�سل مــــع جميع

الفاعلــــني املوؤثريــــن يف املنطقــــة )العرب

واإيــــران واإ�سرائيــــل والوليــــات املتحــــدة

واأوروبــــا ورو�سيا(، ويطمــــح اإىل تر�سيخ مكانته املميــــزة يف املنطقة

ا�ستنادا اإىل ثقله الذاتي من جهة، واإىل حاجة الآخرين اإىل التوا�سل

واإيجــــاد احللول واملخرجات يف ظل الأزمــــات ال�سيا�سية والع�سكرية

والقت�سادية التي تع�سف باملنطقة ككل من جهة اأخرى.

موقع الدور الرتكي يف ال�سراع على املنطقة

مــــن املهم جدا فهم طبيعــــة موقع ودور تركيا اجلديد يف املنطقة

العربيــــة مــــن بوابــــة املعطيــــات اأعــــله ولي�س مــــن خــــلل ت�سورات

م�سبقة. فاملنطقة التي دخلت تركيا عليها )املنطقة العربية( ت�سهد

تناف�ســــا حادا اإقليميا )اإ�سرائيــــل واإيران( ودوليا )الوليات املتحدة

الأمريكية والدول الكربى(. ول تريد تركيا يف هذا الإطار اأن حتجز

دور اأو مكان اأي طرف من الأطراف املناف�سة من جهة، كما ل تريد

اأي�ســــا اأن تدخل املنطقــــة العربية من البوابة غــــري ال�سرعية، واإمنا

ت�سعــــى للعــــب دور متميز غري حمجوز من قبــــل اللعبني الإقليميني

اأو الدوليني.

وتاأتــــي ال�سيا�ســــة اخلارجية الرتكية يف هذا املجــــال لتعك�س هذه

الروؤيــــا التي ت�سعى اأنقــــرة اإىل حتقيقها. وميكن تلخي�س معامل هذا

الــــدور يف اأن جتعــــل تركيا من نف�سها حمــــورا مت�سل مع جميع هذه

املحاور من جهــــة، و�سبكة اأو ج�سرا )Hub( ت�سب عنده كل امل�ساعي

التــــي توؤدي اإىل حتقيق هدفها الرئي�سي وهو بيئة م�ستقرة واآمنة مبا

يخدم م�ساحلها.

ومن البديهي القول اأن طبيعة هذا الدور املميز لرتكيا يف املنطقة

العربية قد يدخل اأنقرة رغما عنها يف مناف�سة ل تطلبها ول تريدها،

خا�سة مع اإ�سرائيل واإيران حيث من املمكن اأن يتحول التناف�س اىل

�ســــدام. لكن جمرد دخولها الدائــــرة العربية يعني بحد ذاته دخول

بوابــــة ال�سراع يف املنطقة العربية، وميكــــن اأن نعزو ذلك اإىل �سبب

ب�سيط يتمثل يف تناق�ــــس الأجندات والأدوات امل�ستخدمة يف حتقيق

هذه الأجندات اأي�سا بني كل من اأنقرة وطهران وتل اأبيب. ف�سيا�سة

اإ�سرائيــــل وطهران تعمــــد اإىل اإ�سعال احلرائــــق الإقليمية كي ت�سكل

حزاما حاميا للنظامني من جهة، ول�ستعرا�س قوة النفوذ والهيمنة

اخلا�ســــة بهمــــا من جهة اأخــــرى، وغالبا ما تكون هــــذه احلرائق يف

املنطقة العربية وعلى ح�سابها، كما يلي:

اأول: بالن�سبــــة لإ�سرائيل، من املعــــروف اأنها لطاملا اعتمدت على

عاملــــني اأ�سا�سني يف تعاملها مع العرب. العامل الأول يتمثل ب�سيا�سة

التجزئــــة ورف�ــــس اعتبار العــــرب كتلــــة متما�سكة مرتا�ســــة اأو ذات

م�سالــــح م�سرتكة، وبالتايل ال�ستفراد بكل دولة على حده والتعامل

مــــع الدولة نف�سهــــا مبنطــــق تق�سيمي اأي�ســــا طائفــــي اأو قومي، وقد

حاولت حتقيــــق العديد مــــن النماذج يف

الوطن العربي. اأما العامل الثاين، فتمثل

ب�سيا�سة التحالف مــــع الأقليات املحيطة

)Arabs Sphere( بدائرة املحيــــط العربي

كــــدول مثل تركيا واإيــــران واأثيوبيا..الخ،

واأي�سا التحالف اأو التوا�سل مع الأقليات

القوميــــة اأو املذهبية اأو داخل الدول العربية )كالأكراد اأو الدروز اأو

ال�سيعة(.

ثانيــــا: اأمــــا بالن�سبــــة لإيــــران، فقد اعتمــــدت يف دخولهــــا العمق

العربي علــــى عاملني اأ�سا�سيني اأي�ســــا. الأول يتمثل بالبعد الطائفي

مــــن جهة، ف�سكلت بع�ــــس التجمعات ال�سيعيــــة يف العديد من الدول

العربيــــة راأ�ــــس حربــــة مل�سروعها الإقليمــــي )عن ق�ســــد اأو عن دون

ق�سد(، كما ا�ستعانت اإيران كذلك بالق�سية الفل�سطينية »كح�سان

طــــروادة« لت�ســــكل بالتــــايل عن�سرها الثــــاين يف ت�سهيــــل الخرتاق

لل�ساحة العربية.

وقــــد اأحدثت حتركات الطرفــــني الإ�سرائيلي والإيراين زلزل يف

املنطقــــة العربيــــة اأدت – وتوؤدي - اإىل انق�سامــــات على ال�سعيدين

ال�سيا�ســــي والجتماعــــي، واإىل اإ�سعــــاف الــــدول العربيــــة والأنظمة

املركزيــــة واىل تقوي�ــــس �سرعيــــة احلكومــــات، وجتزئــــة املجتمعات

اإىل طوائــــف واثنيات وقوميات. واأحدثــــت اأي�سا �سروخا عميقة على

اأكــــرث من �سعيد )�سني- �سيعي، عربي- غــــري عربي، مع املقاومة-

مع الدولة، مع النظام- �ســــد النظام(، وا�ستفاد الطرفان من هذه

العمليــــة يف اإ�سعاف الو�سع العربي والتلعب به وبالتايل ال�ستفادة

منه يف تو�سيع رقعة النفوذ وال�سيطرة اأو ا�ستعرا�س اأوراق القوة.

لكــــن الو�سع بالن�سبة لرتكيا خمتلف جــــدا، فهي تبدي ح�سا�سية

�سديدة جتــــاه هذه التفاعلت لأنهــــا توؤثر فيها �سلبــــا، ولذلك تبقى

اأنقــــرة الأكــــرث تاأثرا بعــــد العرب بهــــذه احلرائق املرتبطــــة باأجندة

الطرفــــني ال�سابقــــني. ومنبــــع احل�سا�سيــــة تكمن يف اخلــــوف من اأن

تنعك�ــــس احلروب القوميــــة والطائفية على الداخــــل الرتكي، فيوؤدي

بالتــــايل اإىل تق�سيمهــــا كذلك. كما تخ�سى تركيا مــــن اأن يوؤدي عدم

ال�ستقرار الإقليمــــي اإىل ف�سل م�سروعهــــا الإ�سلحي والقت�سادي

الــــذي يرتبــــط ب�سكل وثيق بــــكل من العــــراق و�سوريــــا ودول اخلليج

العربي، ولهذا ت�سكل املنطقة العربية املكان الأكرث مواءمة ملمار�سة

نظريــــة »ت�سفري النزاعــــات« الرتكيــــة وحتقيق الأمــــن وال�ستقرار

للجميع.

ولي�س من امل�ستغرب اأن تثري التحركات الرتكية �سمن هذا الإطار

عــــددا من الإ�سكاليات مع اإيــــران اأو اإ�سرائيــــل اأو الوليات املتحدة،

التــــي دخلت معها يف نزاع اإبان بو�س البن اإثر منع تركيا، الع�سو يف

حلــــف �سمال الأطل�سي، وا�سنطن من ا�ستخدام اأرا�سيها يف احتلل

العراق، كما برزت اإ�سكالية مماثلة مع اإ�سرائيل ب�سكل وا�سح وجلي

يف العــــدوان الإ�سرائيلــــي على غــــزة نهاية العــــام 2008 ومطلع العام

2009، ول �ســــك اأن اأنقرة �ستدخل يف اإ�سكال مــــع طهران اأي�سا حال

بقاء التناق�س م�ستقبل.

املحور

مدار االأفكار

املائدة امل�ستديرة �سجال ب�سراحة

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية

االأزمة فـي جنوب اليمن .. اإىل اأين؟

تقييم قوة تنظيم القاعدة فـي اليمن

جدلية الديني وال�سيا�سي فـي امل�سهد اليمني الراهن

علي دهم�س، وعلي العمراين، واأحمد ال�سويف، وزايد جابر

عبدالإله �سائع * عاي�س عوا�س

اأحمــد الدغ�ســي

Page 59: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 118 119ا�سرتاتيجية

امل�ستديرةامل�ستديرةاملائدةاملائدة

االأزمة فـي جنوب اليمن

اإىل اأين؟

ب�صراحةاملائدة امل�ستديرة �سجال

مدار االأفكار

منذ ثاثة اأعوام تقريبا وحمافظات اليمن اجلنوبية ت�سهد حركة احتجاج مت�ساعدة، و�سلت يف االآونة

االأخــرية حد اال�ســتباك امل�ســلح بــن املحتجن وقــوى االأمن راح �ســحيتها عدد من القتلــى واجلرحى من

الطرفــن؛ وفيمــا يرجع البع�ض االحتقان ال�سيا�ســي يف اجلنوب اإىل حالة التذمر التي و�ســل اإليها اأبناء

مناطق اجلنوب جراء ما ي�ســمونه “االإق�ساء والتهمي�ض” اللذين يتعر�سون له من قبل ال�سلطة املركزية

يف �ســنعاء وبع�ــض النافذين املح�ســوبن عليها، تقول احلكومة اليمنية اأن اأزمــة اجلنوب مفتعلة من قبل

قوى واأطراف انف�ســالية خ�ســرت مواقعها ال�سيا�سية وم�ســاحلها بعد حرب �سيف 1994، وهي ت�سعى اليوم

اإىل متزيق الوطن والعودة به اإىل املا�سي الت�سطريي.

اأ�ســئلة مركزية اإ�ســرتاتيجية” باأربعة والأهمية املو�ســوع ولكي نلم باأطراف امل�ســاألة، توجهت “مدارات

اإىل نخبــة مــن ال�سيا�ســين والباحثــن املهتمــن باالأزمــة يف اجلنــوب وجذورهــا وتداعياتهــا املختلفة،

وهــم: علــي دهم�ض ع�ســو اللجنة املركزية يف احلزب اال�ســرتاكي اليمني، وعلي العمراين ع�ســو اللجنة

الدائمــة يف املوؤمتر ال�ســعبي العام، واأحمد ال�ســويف اأمن عام املعهد اليمني لتنميــة الدميقراطية، وزايد

جابر الباحث واملحلل ال�سيا�سي. وبح�سيلة اإجاباتهم الرثية، خرجنا مبائدة “مدارات اال�سرتاتيجية”

امل�ستديرة لهذا العدد.

مدارات اإ�سرتاتيجية: ما هي جذور وخلفيات االأزمة

يف اجلنوب اليمني؟

اأحمد ال�سويف: اأرى اأن خلفيات الأزمة وجذورها تكمن يف اأن

حتقيق الوحدة اليمنية مل تكن ق�سية مدرو�سة بل فر�ست الوحدة

نف�سهـــا على القوى ال�سيا�سية التي مل تكن قد تاأهلت لإجناز هذه

املهمة. اأما اأبعادها فتمتد لت�سمل تناق�سات نظامني اقت�ساديني

جعـــل من حتقيق الوحدة �سماء قطـــاع عري�س من املجتمع خارج

املظلـــة احلمائية �سحيا واقت�ساديا وتعليميا ون�ساطا وظيفيا، اأي

اأن اجلنـــوب ع�سية حتقيق الوحدة كان بل اقت�ساد جنوبي متاما

مثل مـــن قاد عمليـــة التوحيد، ومل يكـــن لديهم برنامـــج لتجاوز

مرحلـــة الإعلن عـــن الوحـــدة اإىل تكري�سها يف الواقـــع، ثم اأتت

حـــرب �سيـــف 1994 لتزيد الطني بلة وتخرج مـــن م�سرح التاريخ

ال�سيا�ســـي وجوها وموؤ�س�سات اأمنية وع�سكرية، اإل اأن هذه الوجوه

التي اأعلنت زوال دولة هي اليوم من تريد ا�ستعادتها.

علــي دهم�ــض: ميكـــن القـــول اأن جـــذور الأزمـــة بـــداأت يف

ال�سنـــوات الأوىل لتحقيق الوحدة اليمنية، حني راأى ال�سريك من

اجلنـــوب اأن الوحدة �ستكـــون عامل رخاء و�سعـــادة وتنمية لليمن

وطريقـــا لبناء دولـــة مينية قـــادرة ترتكز على النظـــام والقانون

والعـــدل واملواطنة املت�ساوية، ف�سل عـــن اأنها �ست�سع حدا ملعاناة

اليمنيني من الت�سطري واحلـــروب. غري اأن �سنعاء - يف احلقيقة

- تعاملـــت مـــع الوحدة ك�سم واإحلاق وزيـــادة رقعة نفوذ احلاكم

وزيـــادة ثروته وهيمنته، باخت�ســـار �سديد راأت يف الوحدة »عودة

للفرع اإىل الأ�سل«.

لكن بعـــد حرب 1994 الكارثية جتلت رغبـــة املنت�سر واأف�سح

عن نواياه، فا�ستباح اجلنوب وجعل من اأموال اجلنوب وممتلكاته

وثرواتـــه غنيمة لـــه وحلا�سيتـــه واملتنفذين. ومل يكتـــف املنت�سر

بت�سريح موظفي اجلنـــوب يف املوؤ�س�سات املدنيـــة والع�سكرية، بل

مار�س كل اأ�ساليب النهب وال�سلب ملوؤ�س�سات اجلنوب القت�سادية

والجتماعية، ونهب الأرا�سي العامة و�سادر موؤ�س�سات اقت�سادية

كانـــت قائمة ل�ساحلـــه واملح�سوبني عليه. كما عمـــل على طم�س

املعامل احل�سارية والتاريخية والثقافية والجتماعية املعروفة يف

املحافظـــات اجلنوب، وعلى الأخ�س مدينة عدن، وحتى ال�سوارع

عمـــد اإىل تغيـــري اأ�سمائها من �سهـــداء ثورة 14 اأكتوبـــر، وانتهك

حرمـــات الأ�سرحة واملقابر اخلا�سة ب�سهـــداء الثورة يف اجلنوب

ورموزها حتى مت نهب واإتلف كل الوثائق وال�سجلت والأر�سيف

وما يت�سل بتاريخ الثورة ومراحلها ورموزها.

هـــذه الت�سرفات وال�سلوكيات التـــي مار�سها احلاكم املنت�سر

تـــدل على اأنه ميار�ـــس رغبة الثـــاأر والنتقام وت�سفيـــة ح�سابات

قدمية مع اجلنوب و�سعبه وثورته ورموزها، واإل ماذا ن�سمي هذه

الأعمـــال من النهب وال�سطو والطم�س لكل ما هو موروث يف دولة

اجلنوب. وقد ولدت هذه الأعمـــال وال�سلوكيات الهوجاء احتقانا

�سيا�سيـــا واجتماعيا ونف�سيا يف اجلنـــوب انعك�س يف ذلك ال�سرخ

العميق يف اجل�سم اليمني، اإذ ولد الكراهية بني املواطن اجلنوبي

واأخيـــه ال�سمايل، وهذا فعل �سلـــوك داأب عليه املنت�سر يف اإيقاع

الفـــنت وال�سغائـــن بني اأبناء الوطن الواحد كـــي ي�ستمر يف حكمه

اإىل ما ل نهاية.

اجلنـــوب ي�سهد اليوم اأزمة حقيقـــة هي الق�سية اجلنوبية بكل

عناوينها، وهي اأزمة وطنية ت�سع الوطن على كف عفريت وت�سريه

نحـــو م�ســـري جمهول، يف حـــني يبقى احلاكـــم مت�سبثـــا بن�سره،

وراف�سا كل املبادرات الوطنية ملعاجلة الأزمة امل�ستحكمة واآخرها

وثيقـــة »الإنقـــاذ الوطني« التي تقدمت بها جلنـــة احلوار الوطني

واأحزاب امل�سرتك.

علــي العمراين: بعد حرب 1994 عانت اليمن من تداعيات

احلـــرب ولأ�سبـــاب متعـــددة، منهـــا ما يرجـــع اإىل نـــدرة املوارد

املاليـــة اأو مـــا يرجع اإىل �ســـوء الإدارة والف�ســـاد، ومنها ما يرجع

اإىل ق�ســـر النظـــر ال�سيا�سي، فلم تتمكن الدولـــة اأن تتبنى حلول

ناجحة لتداعيات احلـــرب واآثارها، ومن ذلك ق�سية الع�سكريني

الذين تقاعدوا اختياريا ب�سبب احلرب اأو اإجباريا لأ�سباب لي�ست

وا�سحة يل حتـــى الآن، اإذ اأن ق�سية املتقاعدين هي البداية التي

تفاقمت بعدها الأحداث والتداعيات اإىل حد املطالبة بالنف�سال

من قبل البع�س، مع اأن الأخ الرئي�س علي عبداهلل �سالح قد بذل

جهـــدا مقدرا ملعاجلـــة ق�سية املتقاعدين، و�سرفـــت مبالغ هائلة

لكن يبدو اأن الوقت كان متاأخرا.

اأ�سف اإىل ذلك، اأن ال�سلطة ظنت اأنه مبجرد اإ�سراك جنوبيني

يف احلكم، وح�سول بع�سهم على امتيازات مالية وثروات ب�سبب

الف�ســـاد، فـــاإن هـــذا كاف للإح�سا�س بـــاأن اجلنـــوب ممثل، ول

داعـــي لللتفات اإىل الآخرين واإىل ال�سركاء ال�سابقني يف حتقيق

الوحـــدة وخ�سوم حـــرب 1994 لإجراء م�ساحلـــة نهائية حتفظ

كرامة اجلميع ومتكنهم من العودة اإىل الوطن.

وبغ�ـــس النظـــر عـــن نتيجـــة احلـــرب، كان يجـــب اأن حت�سل

م�ساحلـــة �ساملة حتفـــظ للجميع الكرامة واملكانـــة اللئقة على

اأ�سا�ـــس ت�سامح غـــري ممنون، وعفو غري منقو�ـــس، وكانت هناك

�ســـروة لإجراء م�ساحلة بعد حـــرب 1994 مبا�سرة، وهذا هو ما

يطرحه الرئي�س علي نا�سر حممد، وهو حمق يف ذلك.

زايد جابر: هناك ما ي�سبه الإجماع على اأن جذور وخلفيات

الأزمة يف اجلنـــوب تعود اإىل اآثار حرب �سيف 1994 وتداعياتها،

والتـــي تركـــت - كاأي حرب اأهلية - يف اأي بلـــد جروحا اجتماعية

و�سيا�سية عميقة مل تعاجلها الدولة اأول باأول، واإمنا تركتها ترتاكم

وغذتها �سيا�سات خاطئة وممار�سات غري م�سئولة. وعندما بداأت

حركـــة املتقاعدين الع�سكريني يف اجلنوب عـــام 2007، وطرحت

مطالـــب حقوقية مت جتاهلهـــا واإدانتها يف حـــني مل تتفاعل معها

اأحزاب اللقاء امل�سرتك بال�سكل املطلوب بل اإنها

Page 60: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 120 121ا�سرتاتيجية

ذهبـــت للتفاق مع حزب املوؤمتر احلاكـــم ب�ساأن الإ�سلحات

النتخابيـــة دون اأن تتبنـــى املطالب احلقوقيـــة للحراك اجلنوبي

الـــذي كان يف بدايته، با�ستثناء ا�ســـرتاط اإطلق �سراح املعتقلني

علـــى ذمة مظاهرات احلراك يف تلك الفرتة. وقد ذهب الدكتور

حممـــد حيـــدرة م�سدو�ـــس، وهو اأحد اأبـــرز قيادات تيـــار اإ�سلح

م�سار الوحدة ومنظري الق�سيـــة اجلنوبية منذ العام 1995، اإىل

اأن توقيـــع امل�سرتك على وثيقة اتفـــاق مبادئ حول النتخابات مع

ال�سلطة وجتاهـــل الق�سية اجلنوبية اأو اعتبارهـــا ق�سية حقوقية

فح�ســـب، كان اأحـــد اأ�سبـــاب انفجار احلراك اجلنوبـــي ب�سورته

احلاليـــة، حيث ف�سلـــت الوثيقة متامـــا بني امل�ســـرتك واجلنوب

ح�سب قوله. لقد تراجع البعد املطلبي واحلقوقي الذي كان الغالب

على اأطروحات معاجلة اآثار حـــرب 1994 قبل واأثناء النتخابات

الرئا�سية الأخرية، ل�سالح البعد ال�سيا�سي الذي تطور هو الآخر

مـــن املطالبة بت�سحيح م�سار الوحـــدة واحلوار بني طرفيها وفقا

لقـــرارات جمل�س الأمـــن اأثناء احلرب وتعهـــدات احلكومة بعد 7

متوز/يوليو 1994 اإىل املطالبة بــــ »فك الرتباط« وا�ستعادة دولة

اجلنوب.

مدارات ا�سرتاتيجية: كيف تقيمون موقف ال�سلطة

واملعار�سة من االأزمة يف اجلنوب؟

علي دهم�ــض: موقف املعار�سة )اللقـــاء امل�سرتك( وا�سح،

اإذ ي�ست�سعـــر م�سئولياتـــه الوطنية جتاه الوطن فقـــدم املبادرة تلو

املبادرة لكن احلاكم يدير ظهره لها. احلزب ال�سرتاكي اليمني

طـــرح العديد من املعاجلـــات منذ اأن حطت احلـــرب اأوزارها يف

اإطار معاجلة اآثـــار احلرب واإ�سلح م�سار الوحدة، وهي الأخرى

مل تلق اأي جتاوب من احلاكم.

واليـــوم الأزمة م�ستفحلة والبلد ت�سري نحو الهاوية؛ فالق�سية

اجلنوبية ت�سكل عمق هذه الأزمة، وق�سية �سعدة هي الأخرى قد

تت�ســـع رقعتها واأطرافهـــا، وهناك م�ساكل وحـــروب اأهلية داخلية

يف العديـــد من املناطق اليمنية مـــا خفي منها وما علن؛ كل ذلك

يعطـــي موؤ�ســـرا خطريا بـــاأن البـــلد ت�سري نحو م�ســـري جمهول

وخميـــف. واإذا مل تذعـــن كل القوى الوطنيـــة، ويف مقدمتها قوى

احلاكم، للجوء اإىل حوار �سامل ل ي�ستثني اأحدا، حوار مبني على

ال�سدق والعـــرتاف بوجود هذه الأزمة، فـــاإن الوطن مقبل على

كارثـــة حقيقـــة من ال�سعب التنبـــوؤ بنتائجها، ولـــن يكون اأحد يف

مناأى منها.

رت، علــي العمراين: اإذا كانت الدولة قد ق�س

كمـــا �سبـــق واأن ذكـــرت، يف معاجلـــة اآثـــار حـــرب

�سيـــف 1994 وتداعياتهـــا، مما �ساهـــم يف مفاقمة

الو�ســـع يف املحافظـــات اجلنوبية، لكـــن املعار�سة،

بدورهـــا، �ساعـــدت كثـــريا علـــى تاأجيـــج الو�سع يف

اجلنـــوب وا�ستغلـــت التذمـــر املوجود هنـــاك، وكان

منت�سبو املعار�سة موجودين بقوة يف داخل احلراك

خ�سو�سا يف البداية، وكان اإعلم املعار�سة موؤازرا

للحـــراك بقـــوة. وكان موقـــف املعار�ســـة - ول يـــزال - ينبع من

نكايتها بال�سلطة.

وبالرتكيز علـــى موقف التجمـــع اليمني للإ�ســـلح، باعتباره

حليـــف املوؤمتر يف ح�سم حرب 1994، فاإنـــه مل يعرف عنه اأنه قد

طـــرح حلول جـــادة ت�ستهدف معاجلة اآثار تلـــك احلرب يف وقت

مبكـــر. ولعل كثريا من املواقف التي �ســـار الإ�سلح يتبناها منذ

فـــرتة اإزاء اجلنوب، اأتت باإحلاح من احلـــزب ال�سرتاكي الع�سو

يف جتمع امل�سرتك.

زايــد جابــر: تتحمل ال�سلطـــة واملعار�ســـة – واإن بدرجات

متفاوتة – امل�سئولية الرئي�سية يف ظهور الأزمة اجلنوبية وتطورها

اخلطـــري، وحتى اأو�سح هذا الأمـــر كما يجب �ساأ�سطر للإ�سهاب

بع�ـــس ال�سيء يف تناول هذه النقطة. لقـــد ظلت ال�سلطة تتجاهل

اأ�سباب الأزمة املتمثلة بتداعيات حرب �سيف 1994 ول تعرتف بها

يف حـــني اأن اأحزاب املعار�سة )اللقاء امل�سرتك(، واإن ظلت توؤكد

علـــى �سرورة معاجلة اآثـــار احلرب، اإل اأنهـــا مل توليها الهتمام

املائدة امل�ستديرة مدار االأفكار

اجلنوب ي�صهد اليوم

اأزمة حقيقة هي الق�صية

اجلنوبية بكل عناوينها،

وهي اأزمة وطنية ت�صع

الوطن على كف عفريت

وت�صريه نحو م�صري

جمهول دهم�ض

الكايف مقارنة بق�سية الإ�سلح ال�سيا�سي الذي حتول اإىل اإ�سلح

العملية النتخابية باعتباره مدخل الإ�سلح )ال�سيا�سي(.

وبعـــد بروز احلراك اجلنوبي وتطـــوره ال�سريع – كما وكيفا-

تغريت مواقـــف ال�سلطـــة واملعار�سة، ولكن كـــردود اأفعال لتطور

احلـــراك وجماراته. لقد انتقل تيار اإ�ســـلح م�سار الوحدة الذي

ظلـــت اأحـــزاب امل�ســـرتك ترف�س مطالبـــه بالعـــرتاف بالق�سية

اجلنوبية وطابعهـــا ال�سيا�سي املتمثل باإلغـــاء ال�سراكة بني طريف

الوحـــدة )ال�سمـــال واجلنوب( اإىل مربع احلـــراك املطالب بفك

الرتبـــاط، الأمـــر الذي دفع امل�ســـرك للتقدم خطـــوة اإىل الأمام

اأي اإىل املربـــع الـــذي كان ي�سغلـــه تيـــار اإ�ســـلح م�ســـار الوحدة،

حيث اعـــرتف امل�سرتك بالق�سية اجلنوبية، مطالبا

ال�سلطـــة – كمـــا كان تيـــار اإ�سلح م�ســـار الوحدة

يطالبهـــا – بالعرتاف بالق�سية اجلنوبية وطابعها

ال�سيا�ســـي اإىل جانـــب البعـــد احلقوقـــي واملطلبي،

واإعـــادة ال�سراكـــة للجنوب التـــي اأطاحت بها حرب

�سيف 1994.

لقـــد اأ�سبح موقـــف امل�سرتك ال�سابـــق الذي كان

يح�ســـر الق�سيـــة باجلانب احلقوقـــي الذي يتطلب

معاجلات ولكن دون احلاجة اإىل العرتاف مب�سمى

الق�سيـــة اجلنوبيـــة اأو طابعهـــا ال�سيا�ســـي، لأنهـــا ق�سيـــة وطنية

وطابعهـــا ال�سيا�سي املتمثل بالإ�سلح ال�سيا�سي والوطني ال�سامل

مهمـــة القـــوى والأحزاب ال�سيا�سيـــة يف ال�ساحة �ساغـــرا، بعد اأن

انتقل امل�سرتك اإىل مربع تيار اإ�سلح م�سار الوحدة وتبنى روؤيته.

هنا وجدت ال�سلطة نف�سها م�سطرة للتقدم خطوة اإىل الأمام اإىل

مربـــع امل�سرتك )�سابقا( فتبنت مطالبه التي كانت ترف�سها اإىل

ماقبـــل احلراك. لقد اعرتفت ال�سلطة بوجود اأخطاء فاقمت من

تداعيات حرب �سيـــف 1994، ووعدت بحلها بل و�سرعت يف هذه

احللول )اإعـــادة املبعدين واملتقاعدين اإىل اإعمالهم(، والبدء يف

حـــل بع�س م�سكلت الأرا�سي..الخ، كما طرحت ق�سية الإ�سلح

ال�سيا�سي واأهميته و�سرورته.

لكن مواقـــف ال�سلطة واملعار�سة هذه مل ت�ســـكل حل للأزمة،

بقـــدر ما اأ�سبحت مثار اأزمـــة جديدة لي�س فقط ب�سبب جتاوز كل

طـــرف ملطالبه ال�سابقة التـــي اأ�سبحت مطالـــب الطرف الآخر،

واإمنا لختلف م�سامني هذه املطالب يف املواقف اجلديدة لهذه

الأطـــراف عن م�سامينها عند اأ�سحابهـــا الأ�سليني. فالعرتاف

بالق�سيـــة اجلنوبيـــة وطابعهـــا ال�سيا�ســـي الذي يتبنـــاه امل�سرتك

موؤخرا يختلف عما كان يتبناه تيار اإ�سلح م�سار الوحدة، اإذ كان

الأخـــري يرى اأن ذلك يتطلب حوارا علـــى اأ�سا�س �سطري )�سمال

وجنوبـــا( والبحث من ثـــم عن �سمانات د�ستوريـــة ل�سراكة اأبناء

اجلنـــوب يف ال�سلطـــة والرثوة، وهو مـــا يتطلب اإعـــادة النظر يف

اتفاقيـــة الوحدة نف�سهـــا ولي�س يف م�سار الوحـــدة بعد احلرب يف

1994، وهـــو ما مل تتفق مكونات امل�سرتك عليه حتى اليوم. فرغم احلديـــث عن الفدرالية داخل امل�سرتك ويف جلنة احلوار الوطني

اإل اأنهـــا ل تـــزال حمل خـــلف، الأمر الـــذي جعل معـــدي وثيقة

الإنقاذ الوطني يرتكوا احل�سم ب�ساأنها للحوار الوطني املقبل.

وباملثـــل، فـــاإن الإ�ســـلح ال�سيا�ســـي والتعديـــلت الد�ستورية

لتو�سيـــع امل�ساركـــة ال�سيا�سيـــة وال�سعبيـــة، والتـــي كان يتبناهـــا

امل�سرتك �سابقا - وتبناها املوؤمتر موؤخرا كجزء من ت�سوره حلل

الأزمـــة - تختلف يف م�سمونها عن الإ�سلحات التي كان يطالب

بهـــا امل�سرتك، اأو لعل ذلك اأحـــد اأ�سباب تعرث احلوار بني املوؤمتر

وامل�سرتك وفقا لتفاقية �سباط/فرباير 2009، والتي مبوجبها مت

تاأجيل النتخابـــات الربملانية ملدة عامني - اإىل جانب اخللفات

حـــول الأزمات الأخرى طبعا - هو ما دفع املوؤمتر للتلويح بامل�سي

بهـــذه الإ�سلحات منفردا بح�سب روؤيتـــه، وهذا بالتاأكيد �سيزيد

من تعقيـــد الأزمة الوطنية، ولن ميثل حل للأزمة اجلنوبية التي

مل يعد املوؤمتر وامل�سرتك هم املعنيان الرئي�سيان بها، اإذ ل ميكن

جتاهل احلـــراك وقيادات املعار�سة اجلنوبيـــة يف اخلارج يف اأي

حل حقيقي للأزمة.

اأحمــد ال�ســويف: وا�ســـح اأن املعار�سة حتـــاول اأن ت�ستقوي

بق�سية اجلنوب لتتغلب على ال�سلطة وال�سلطة تريد اأن توظف

املعار�صة حتاول اأن ت�صتقوي

بق�صية اجلنوب لتتغلب على

ال�صلطة وال�صلطة تريد اأن توظف

الأزمة يف اجلنوب لتحد من

م�صروعية مطالب املعار�صة،

لكنهما يتفقان على اأن الق�صية

اجلنوبية ما زالت يف دائرة

احلل الوطني

امل�ستديرةامل�ستديرةاملائدةاملائدة

ال�سوفـي

Page 61: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 122 123ا�سرتاتيجية

الأزمـــة يف اجلنـــوب لتحد مـــن م�سروعية مطالـــب املعار�سة،

لكنهمـــا يتفقـــان - اأي ال�سلطـــة واملعار�ســـة - علـــى اأن الق�سيـــة

اجلنوبيـــة ما زالـــت يف دائرة احلل الوطني ولكـــن جراأة التفكري

ونق�ـــس اخلربة يجعلن املناورات اأهم مـــا مييز موقفي ال�سلطة

واملعار�سة من الق�سية اجلنوبية.

مدارات ا�ســرتاتيجية: ما عاقة االأزمة يف اجلنوب

واالأحداث يف �سعدة؟

اأحمــد ال�ســويف: يف ت�ســـوري اأن العلقـــة بـــني الأزمة يف

اجلنوب وال�ســـدام امل�سلح يف �سعدة تكمـــن يف اأن كليهما ينتمي

مل�ســـروع �سغـــري ذي طبيعـــة تفتيتية لليمـــن، كما اأنهمـــا يجرتان

م�ساريـــع �سغـــرية اأفلـــت واأكل الدهر عليهـــا و�سرب، كمـــا اأنهما

يرتبطـــان بقوى اإقليميـــة ترى من م�سلحتهـــا ا�ستنزاف م�سالح

هـــذه البلد، ولكن الطريـــف يف الت�سابه بينهمـــا اأن احلوثي يريد

الإمامـــة من خارج بيت حميد الدين والبي�ـــس يريد مينا جنوبيا

دميقراطيـــا عار مـــن النزعـــة ال�سرتاكيـــة وم�سبع بـــكل دواعي

التفجري ال�سلطيني لكيان اجلنوب.

علي العمراين: يف راأيي اأن هناك علقة مبا�سرة بني الأزمة

يف اجلنـــوب والأحـــداث يف �سعدة، ويبـــدو اأن التخلخل ال�سيا�سي

الذي اأحدثته اأزمة وحرب الت�سعينيات، وعوامل ال�سعف والتفرق

التي جنمت عنهـــا، قد اأوجدت مناخا ملئمـــا لن�ساط احلوثية،

وحاولـــت الأخـــرية اأن ت�ستفيد من خلف الأطـــراف التي حملت

امل�سروع الوطني منذ الثورة وان�سغالهم ببع�سهم البع�س، واأمكن

للحوثيـــة اأن تبنـــي م�سروعـــا »�سغـــريا« اأخذ يكـــرب ويت�سع مبرور

الزمـــن، طاملا والـــكل - بدورهم - من�سغلـــني يف م�ساريع �سغرية

غري وطنية.

ومع مرور الوقت، ات�ســـح اأن الطرفني )احلراك واحلوثيني(

يتعاطفان مع بع�سهما، ويتبادلن الر�سائل واملواقف، والناظم يف

ذلـــك هو معاداة النظام والعمل علـــى اإ�سعافه وتقوي�سه. وي�سعر

كل طرف اأن دور الطرف الآخر حمفز له وم�ساعد وم�سجع. ويبدو

اأن هنـــاك حتالفا غـــري مكتوب بني الفريقني، لكنـــه لي�س حتالفا

ا�سرتاتيجيـــا �سيدوم لو قـــدر لأي من الفريقـــني النجاح وحتقيق

ماآربـــه مثل النف�سال ل �سمـــح اهلل. ومن غري �سك، فاإن ال�سلطة

ت�سعر اأن تعاظم قوة وخطر اأي من الفريقني هو قوة للآخر.

علي دهم�ض: من الطبيعي اأن يكون هناك رابط بني ما يحدث

يف اجلنـــوب ومـــا يحـــدث يف �سعدة. ففـــي اجلنوب

حراك ون�سال �سلمي و�سعب يخرج ب�سكل يومي اإىل

امليادين ي�سكو العامل ق�سيتة وعدالتها، وما يتعر�س

له من نهب حلقوقه ال�سيا�سية واملدنية وتاريخ دولته

وثورتـــه وحقه ك�سريك يف الوحـــدة ال�سلمية غدر به

ال�سريك املنت�سر و�سادر كل حقوقه، وترك ال�سعب

ميـــوت ويت�سرع جوعا ومع ذلـــك ي�ستكرث عليه حتى

اأن يقوم باملظاهـــرات والجتماعات ال�سلمية، حيث

يواجههـــا بالقمـــع والتنكيل وي�ستخـــدم كل الأ�سلحة

�ســـد النا�ـــس امل�ساملـــني العـــزل من ال�ســـلح، ويعتقـــل ويختطف

النا�سطني ويحاكم الآخرين يف حماكمات �سورية.

ويف �سعدة هناك حرب �سرو�س �سد جزء من الوطن واأبناءه،

ل يعرف النا�س اأ�سباب ودوافع هذه احلرب الطاحنة التي ت�سهد

حربهـــا ال�ساد�سة. هذه احلرب حت�سد الب�سر دون متييز، فكلهم

اأبنـــاء الوطن والوحدة، وتزج القـــوات امل�سلحة اليمنية �سد اأبناء

اليمن. اإنها حرب ظاملة بكل املقايي�س.

اإن مـــا يحـــدث يف اجلنـــوب ويف �سعـــدة ي�ســـكل عمـــق الأزمة

اليمنيـــة التي ي�سهدها الوطن، وهما بالتايل ا�ستحقاقان وطنيان

لبـــد من معاجلتهما �سريعا دون اللجـــوء اإىل املكابرة وال�سطط،

فلي�ـــس هناك من هو منت�ســـر ومن هو مهزوم. هـــذه هي طبيعة

الرابط بينهما.

زايــد جابر: اإن حـــرب �سعدة واأزمة اجلنـــوب وغريها من

الأزمات التي ي�سهدها الوطن، هي مظاهر خمتلفة لأزمة امل�سروع

الوطني الدميقراطي الذي تعر�س ل�سربة موجعة يف حرب �سيف

ا�صتمرار الأزمة يف اجلنوب يفتح

اأبواب التدخل اخلارجي ويجعل

اإمكانية التدويل اأمرا ممكنا

ومتوقعا، اإذ لي�ض من م�صلحة

اخلارج اأن ت�صبح املحافظات

اجلنوبية التي تطل على البحر

العربي واملحيط الهندي وباب

املندب، منطقة غري اآمنة جابر

املائدة امل�ستديرة مدار االأفكار

1994، ثـــم ما لبث املنت�سرون يف احلرب اأن تركوا جراحه تنزف، الأمر الذي اأدى اإىل تعرث هذا امل�سروع وت�سرب الياأ�س اإىل �سفوف

اجلماهـــري رغـــم الوجود ال�سكلـــي ملقت�سيات هذا امل�ســـروع )بناء

الأحـــزاب ال�سيا�سية وا�ستمرار اإجراء النتخابات الدميقراطية(،

حيـــث اأ�سبحت هـــذه املظاهـــر اأداة لتكري�س الواقـــع و�سلبياته مع

تفاقم امل�ســـكلت القت�سادية والجتماعية..الخ، الأمر الذي اأدى

اإىل انبعاث امل�ساريع ال�سغرية املذهبية واملناطقية والقبلية، بدعم

ومتويـــل من ال�سلطـــة وجتاهل من املعار�سة حتـــى كربت وتطورت

هـــذه امل�ساريـــع وباتت تهـــدده وجود ال�سلطـــة واملعار�ســـة معا، بل

وامل�سروع الوطني باأكمله.

وما من �سك اأن الأزمة اجلنوبية وحرب �سعدة هما

من اأبرز جتليات الأزمة الوطنية، وقد اأثارت حتركات

ومواقف وت�سريحات قادة احلوثيني واحلراك اأثناء

احلـــرب الأخرية ت�ساوؤلت عديـــدة حول العلقة بني

الق�سيتـــني، واأ�سرار حتـــرك اإحداهما عندما تخفت

الأخرى، واإبـــداء قادة الطرفـــني التعاطف املتبادل،

واإطـــلق احلوثي اأ�سرى اجلي�ـــس اجلنوبيني »اإكراما

- كمـــا قال - لقادة احلـــراك، وخا�سة لل�سيخ طارق

الف�سلي«، والذين �سكروا له هذه اخلطوة.

اإن الـــذي يتاأمل يف هـــذه املواقف �سيجد اأنهـــا طبيعية ومتوقعة

ولو من باب »عدو عـــدوي �سديقي«، فما بالك وم�سالح كل طرف

تقت�ســـي دعم الآخر ولو اإعلميا. اإذ يرى احلوثيون اأن م�سلحتهم

يف ا�ستعال اجلبهة اجلنوبية، بل يتمنون اأن تتطور اإىل �سراع م�سلح

لتخفيـــف ال�سغط الع�سكري عليهم، وي�سبح احلوار ولي�س احل�سم

الع�سكـــري هو احلل الـــذي �ست�سطر له ال�سلطـــة. كما اأن احلراك

اجلنوبـــي ل يرغب يف ح�ســـم ال�سراع يف �سعدة لأن من �ساأن ذلك

اأن يعزز من قوة ال�سلطة يف مواجهته ورف�س احلوار معه م�ستقبل،

ومـــن هنا ميكن فهـــم العلقة بني احلراك واحلوثيـــني باعتبارها

علقة م�سالح وح�سابات �سيا�سية، ف�سل عن مواجهتهما خل�سم

واحد هو ال�سلطة احلالية.

مدارات ا�ســرتاتيجية: هــل هناك اإمكانيــة لتدويل

االأزمة يف اجلنوب، وكيف تنظرون اإىل اآفاق احلل؟

علــي العمراين: تبـــدي معظم القـــوى الإقليميـــة والدولية

تاأييدهـــا للوحدة اليمنية، وهذا يعني الوقـــوف اإىل جانب الدولة

اليمنيـــة يف مواجهتها للحوثيـــني والنف�ساليـــني، ولذلك ل يلوح

يف الأفـــق اإمكانيـــة للتدويـــل يف املـــدى القريب علـــى الأقل، لكن

الأزمة اإذا طالـــت وا�ستطالت فاإن التدويل وارد؛ ولعلنا نتذكر اأن

املواقـــف منذ عام 1994 قد تغريت بحيث اأ�سبح كل الذين دعموا

النف�ســـال يوؤيدون الوحـــدة اليوم، وبع�س الذيـــن كانوا موؤيدين

للوحـــدة بقوة تغريت مواقفهم اليوم، وينظر اإليها اأنها على الأقل

مواقـــف غري ودية و�سلبية يف اأح�سن الأحوال )لناأخذ مثل حالتي

قطر وال�سعودية(. والواقع اأنه ل ي�ستبعد تبدل املواقف من جديد،

خا�ســـة يف عاملنا العربي الذي توؤثر فيـــه تقلبات املزاج والأحقاد

ال�سخ�سية اأكرث من اأي �سي اآخر.

اأما اآفـــاق احلل فهي متوفرة ولكنها مل تعـــد ب�سيطة اأو �سهلة،

واحللـــول واملعاجلـــات التي كانـــت ممكنة يف الأم�ـــس اأو اليوم قد

ل تكـــون ممكنـــة ومقبولة يف الغـــد. ووا�ســـح اأن امل�سكلة اأ�سحت

مركبـــة، اإذ �سارت �سيا�سية اأكرث من كونها ق�سية مطالب. وعلى

الرغم من اجلهود التـــي بذلت يف حل ق�سية املتقاعدين واإجراء

انتخابات املحافظني، وهي خطوة مهمة مهما اكتنفها من ق�سور،

اإل اأن كل ذلك مل مينع الأزمة من ال�ستمرار والتفاقم.

ومـــن املوؤكـــد اأن احلكم املحلي وا�ســـع ال�سلحيـــات اأو كامل

ال�سلحيات وحتى الفدرالية، لن حتل امل�ساكل بل قد تزيدها يف

املدى املنظـــور، لكن امل�ساركة والعـــدل والنزاهة والن�سباط هي

التـــي يعول عليها وحدها حلل م�ساكل اليمن. ومن املهم بحث كل

البدائـــل، ولكن تغيـــري ثقافة واأ�ساليب احلكم هـــي ما يهم اأكرث،

واأق�سد بتغيـــري ثقافة احلكم واأ�ساليبه التحول من التغا�سي عن

الظلـــم وممار�سته يف مناح �ستـــى اإىل تر�سيخ العدل، ومن تف�سي

الف�ساد والتعاطي معه اإىل اعتماد مبداأ نزاهة احلاكمني ليكونوا

احلكم املحلي وا�صع ال�صالحيات

اأو كامل ال�صالحيات وحتى

الفدرالية، لن حتل امل�صاكل بل

قد تزيدها يف املدى املنظور،

لكن امل�صاركة والعدل والنزاهة

والن�صباط هي التي يعول عليها

وحدها حلل م�صاكل اليمن

امل�ستديرةامل�ستديرةاملائدةاملائدة

العمراين

Page 62: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 124 125ا�سرتاتيجية

قدوة ح�سنة للآخرين، ومن الفو�سى والرجتال اإىل الن�سباط

Military“ ،اأو ما اأ�سمـــاه »يل كوان يو«، رئي�س �سنغافورة ال�سابق

Discipline”. ول بد من تر�سيخ املوؤ�س�سية وحكم القانون و�سموله مقابل الفردانية وال�ستثنـــاءات عن حكم القانون، ومبعنى اآخر

ل بد من اإعمـــال مبداأ قوة القانون ولي�س قانون القوة كما يقال.

ويظل دائما واأبدا: العدل هو احلل!

اأحمــد ال�ســويف: اأعتقـــد اأن اجلنوب كق�سيـــة ما زالت يف

دائـــرة الإمكان لإيجاد خمارج وطنية اأو ت�سوية �سيا�سية داخلية،

فالحتيـــاج لتدويل الأزمة يف اجلنوب حتـــى الآن معدومة ب�سبب

اأن الـــدول العربية ب�سورة اأ�سا�سية قـــد جعلت من احلفاظ على

الوحـــدة خطا اأحمـــر واأر�سية و�ساطة، وبالتـــايل فاإن غياب هذا

احلافـــز يجعل مـــن طموحات بع�ـــس القوى خللق منـــاخ اإقليمي

كاحلـــادث يف ال�سودان يبدو �سطحـــة �سيا�سية تفتقـــر للواقعية،

فجنوب ال�سودان احتاج اإىل خم�ســـني عاما حتى عرف كق�سية.

اأمـــا اآفاق احلل فتكمن يف اإيجاد م�سروع للوحدة اليمنية؛ فالذي

يحـــدث الآن اأن هنـــاك وحـــدة ينق�سهـــا م�سروع وحـــدوي لهذا

يبـــدو على الوحـــدة العتلل، وعافيتها باإعطائهـــا هذا امل�سروع

التاريخي.

علــي دهم�ــض: اأ�سبح اليمن اليـــوم منطقـــة تتجمع حولها

امل�سالـــح الإقليميـــة والدوليـــة ملـــا لها مـــن اأهميـــة اإ�سرتاتيجية

ملوقعهـــا املطل علـــى البحر الأحمـــر وخليج عـــدن ال�سرتاتيجي

كممـــر دويل، فالو�سع غـــري امل�ستقر الذي ي�سهـــده الوطن وتلك

الأزمات وامل�ساكل الأكرث خطورة كاحلرب يف �سعدة والو�سع يف

اجلنوب ي�سكلن خطورة على املنطقة، لذلك فاإن القوى الدولية

والإقليمية التي لديها م�سالح يف اليمن اأو تلك التي ل زالت لديها

م�ساريع ا�سرتاتيجية قادمة، لـــن ت�سمح على الإطلق با�ستمرار

هذا الو�سع وهذا القلق، لذا فاإنها لبد اأن تتدخل بذريعة حماية

م�ساحلها وحمايـــة املنطقة وتاأمينها، وهناك موؤ�سرات وا�سحة

لهذا التدخل.

لكـــن يبقى ال�ســـوؤال واملخاوف من طبيعة هـــذا التدخل. فاإذا

ح�ســـل تدخـــل غـــري مبا�سر مـــن خـــلل الن�سيحـــة لليمنيني يف

احلكـــم واملعار�ســـة نحو اإ�سلحـــات وطنية و�سيا�سيـــة ت�سهم يف

معاجلـــة الأزمة، فاإن هذا هو املطلوب مـــن الأ�سقاء والأ�سدقاء،

لكن اخلطـــورة اأن يكون التدخل من نوع اآخر، لأن كل هذه القوى

الإقليميـــة والدوليـــة لـــكل منهـــا ح�ساباتها واأطماعهـــا اخلا�سة.

واخلـــوف اأن يف�سي هذا التدخل اإىل انق�سامات داخلية و�سرذمة

الوطـــن، واإذا ما ح�سل ذلك فاإن ذلـــك يتحمله من ميتلك زمام

املبـــادرة وتاأخـــذه العـــزة بالإثـــم، واإن اأو�ســـل البـــلد اإىل ذلـــك

ف�ستلحقه لعنة �سعبنا يف حله وترحاله.

زايــد جابــر: ما من �ســــك اأن ا�ستمرار وتطــــور الأزمة يف

اجلنــــوب يفتح اأبواب التدخل اخلارجــــي ويجعل اإمكانية تدويل

الأزمة اجلنوبيــــة، اأمرا ممكنا ومتوقعــــا، اإذ لي�س من م�سلحة

اخلــــارج اأن ت�سبح املحافظــــات اجلنوبية التي تطل على البحر

العربي واملحيط الهندي وباب املندب، منطقة غري اآمنة ت�ساف

اإىل مناطــــق التوتــــر يف اجلانب املقابــــل من القــــارة الأفريقية

)ال�سومــــال(، ولعــــل حتركات م�ســــر والأمني العــــام للجامعة

العربيــــة موؤخــــرا واحلديــــث عــــن حوار وطنــــى �سامــــل برعاية

اجلامعة العربية ي�سب يف هذا الجتاه.

اأما عن اآفاق احلل، فاإن اأي اأزمة يتطلب حلها اأول العرتاف

بوجودها، ثم ت�سخي�س الأزمة ومعرفة اأبعادها ومظاهرها، ثم

تاأتــــي مرحلة و�سع احللول واملعاجلات. واأعتقد اأنه من املكابرة

عدم العــــرتاف بالأزمة التــــي ت�سهدها املحافظــــات اجلنوبية

وال�سرقيــــة منذ اأكرث مــــن عامني، والتي تتطــــور وتتو�سع – كما

وكيفــــا – كل يوم. اإن اإنكار وجــــود الأزمة والتقليل من �سانها ل

ينفيها من الواقع ول ي�ساهم يف حلها، واإذا انتقلنا من العرتاف

بالأزمــــة اإىل حماولــــة ت�سخي�سها، ف�سنجــــد اأن هناك ما ي�سبه

الإجماع على اأن هذه الأزمة ذات طابعني: الأول حقوقي مطلبي

يتعلق باآثار حـــرب �سيف 94، )نهب الأرا�ســـي، اإبعاد املوظفني،

م�سكلـــة املتقاعدين،.. الـــخ(، والثاين �سيا�سي يتعلـــق بال�سراكة

الوطنيـــة بني طريف الوحدة )ال�سمال واجلنوب( كما كان يطرح

تيار اإ�سلح م�سار الوحدة وبع�س مكونات احلراك اليوم، اأو بني

الأحـــزاب ال�سيا�سية كما هو مطلب الأحـــزاب املعار�سة من قبل

وحتى اليوم.

واأعتقـــد اأن ال�سلطة هي املعنيـــة بالق�سية الأوىل دون غريها،

فمـــن واجبهـــا اأن تقوم بحـــل الق�سايا املطلبيـــة واحلقوقية دون

ت�سويف اأو مماطلة اأو انتقا�س، واإن كان ذلك يتطلب منها حوارا

مـــع اأ�سحاب هـــذه املطالب، والذيـــن اأ�سبح معظمهـــم ين�سوي

يف اإطـــار مكونات احلـــراك اجلنوبي، وهذا احلـــوار هو ال�سبيل

الوحيـــد ملناق�ســـة اجلانب ال�سيا�سي يف الق�سيـــة اجلنوبية، ولأن

هـــذا اجلانب ل يخ�ـــس ال�سلطة وحدها ول احلـــراك وحده فاإن

احلوار الوطني ال�سامل خ�سو�سا بني ال�سلطة وامل�سرتك وقيادات

احلراك اجلنوبـــي يف الداخل واخلارج، هو املدخل ملعاجلة هذه

د الق�سيـــة. واأعتقـــد اأن اإعاقة اأو تاأخري مثل هـــذا احلوار، �سيعقر

الأزمة اأكرث، و�سيجعل احللول املمكنة اليوم التي ميكن اأن يخرج

بهـــا احلوار غـــري ممكنة يف امل�ستقبـــل، وهذا لي�ـــس يف م�سلحة

وحدة اليمن واأمنه وا�ستقراره.

املائدة امل�ستديرة مدار االأفكار

ظاهرة التطرف بني ال�سباب يف املجتمع اليمني:

االأ�سباب واملعاجلات

�سهري علي عاطف

�سدر حديثا �سمن

�سل�سلة درا�سات اجتماعية

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 63: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 126 127ا�سرتاتيجية

ففـــي عمليـــة ال�سفـــارة الأمريكية جنحـــت يف تقم�س الـــدور الأمني

واخرتقـــت احلواجز الأمنية واأدارت معركـــة عند باب ال�سفارة واملدخل

الأمامي، لكنها مل تتمكن من احتجاز رهائن اأو البلوغ اإىل الدبلوما�سيني

الأمريكيـــني، ويف عمليـــة املحققـــني الكوريـــني جنحـــت يف الخـــرتاق

واحل�سول على معلومات ميدانية دقيقة لتحرك الوفد الأمني ومواعيده

ونوع عرباته، اإل اأنها مل تقتل اأحدا �سوى منفذ العملية.

واإىل جانـــب العمليات غـــري املكتملة هناك عمليـــات مت اإحباطها يف

خطـــوات ما قبل التنفيـــذ؛ اأبرزها عملية مطار �سنعـــاء منت�سف كانون

الثاين/ينايـــر املا�ســـي 2009، وعمليـــة جـــازان التي اأعلنـــت ال�سلطات

الأمنيـــة ال�سعودية اأنها قتلـــت اثنني من قائمة املطلوبـــني ال�سعوديني الـ

85 منت�ســـف ت�سريـــن الأول/اأكتوبـــر املا�سي )يو�سف ال�سهـــري، ورائد

احلربي( يف ال�ستباكات، بعد جناحهم يف الت�سلل اإىل داخل اململكة.

القوة وال�ســعف لكن القلق الغربي املتنامي جتاه القاعدة

ومـــا ي�سكله من تهديـــد م�ساحلها على م�ستوى املنطقـــة والعامل، عك�س

نف�سه على واقع القاعـــدة اإقليميا وحمليا حيث بدت يف الإعلم ب�سورة

لي�ـــس بال�ســـرورة اأن تكـــون كمـــا هي علـــى الواقـــع. بينما معيـــار القوة

وال�سعف يتاأرجح اطرادا وفق عوامل اأخرى ل علقة لها بالت�سريحات

الإعلميـــة، التي قد تدخل �سمن توفـــري تربيرات لتدخلت خارجية اأو

�سمن مكايدات وجدل �سيا�سي داخلي.

فالقاعدة تكت�سب قوتها من عدة عوامل ذاتية اأ�سا�سية فيها، وعوامل

م�ساعـــدة من املحيط الـــذي تت�سكل فيه؛ فالعوامـــل الأ�سا�سية تتمثل يف

قـــوة خطابهـــا وب�ساطـــة مفرداتها التي حتمـــل »هموم الأمـــة« وتذكرها

بجراحاتهـــا نتيجة القمع الدويل مل�سلمني يف مناطق خمتلفة من العامل؛

كفل�سطني والعراق واأفغان�ستان وترك�ستان ال�سرقية وغريها من البلدان

الواقعة حتت ظروف القهر وال�سطهاد.

وعلـــى امل�ستـــوى املحلي، تنجـــح القاعـــدة يف لفت النتبـــاه بقوة اإىل

ال�سعـــور بالإذلل نتيجـــة القمع املحلي واملمار�ســـات الداخلية للأنظمة،

وتغييـــب حقيقـــة الناجت القومي للـــرثوات وطرق ت�سريفهـــا، مما يجعل

خطاب املعار�سة يتوافق يف هذه النقطة مع خطاب القاعدة مركزة على

»الف�ساد ال�سيا�سي والقت�سادي«.

وممـــا يزيـــد القاعدة قـــوة اأنها »حركـــة جهادية عامليـــة« مما مينح

ت�سكيلتهـــا األوان الطيف بتعدد اجلن�سيات، ويدفع بحركتها اإىل نطاقات

وا�سعـــة للتن�سيـــق والتدريب، واإك�سابها تعاطفا عامـــا يف مناطق خمتلفة

مـــن العامل يكـــون بناء على حركتهـــا العاملية وجناحات قـــد حتققها يف

مناطق اأخرى كاأفغان�ستان وال�سومال.

ومـــن العوامـــل امل�ساعـــدة اخلارجيـــة، الختـــللت املوجـــودة دخل

الرتكيبة البنيوية للنظام والتناق�سات بني اأطرافه - ال�سلطة واملعار�سة

-، وعـــدم جناح اخلطاب العـــام للنظام، بطرفيه ال�سلطـــة واملعار�سة،

يف توحيـــد مفرداتـــه وتبني اأجنـــدة موحدة حمددة، ممـــا يوؤكد اإخفاقه

يف اإي�ســـال ر�سالة وا�سحة للنا�س، بعك�ـــس القاعدة املوحدة يف خطابها

واملحددة اأهدافها بدقة.

حـــول حقيقتهـــا واختلفهـــا الـــروؤى �سبابيـــة القاعـــدة وي�ساعـــد

وا�ستخدامها كورقة مكايدات بني الأطراف ال�سيا�سية املتخالفة؛ فهناك

اإنه يزداد قوة!مــن يقــراأ ملــف تنظيم »القاعــدة يف جزيــرة العرب«، والــذي يتخذ من اليمــن مقرا للقيــادة االإقليمية وبداأ بت�ســدير

عملياته يف اإطار املنطقة اجلغرافية، يكت�ســف اأن معظم عملياته غري كاملة على رغم قلتها )ال تزيد عن �ســت عمليات

يف ثــاث �ســنوات، ثاثــة اغتياالت وثاث عمليات هجومية(. فمن اأ�ســل �ســت عمليات نفذتها القاعدة نقراأ اأن خم�ســا

منها حملية، وواحدة اإقليمية عابرة للحدود، ون�سبة النجاح الكامل 50% من اإجمايل العمليات، ثاث فقط و�سلت اإىل

اأهدافهــا واأجنــزت مهامها )عمليتي االغتيــال التي طالت قيادات اأمنية حملية )حمود ق�ســيلة، وحممد ربي�ض(، وقتل

�سياح كورين يف ح�سرموت(، بينما العمليات االأخرى جنحت يف خطوات ما قبل الهدف )الر�سد، واالعداد، واالخرتاق،

والتنفيذ(؛ لكنها مل حتقق النتيجة النهائية.

عبد الإله حيدر �سائع �سحفي ميني متخ�س�س يف �سوؤون الإرهاب.

عبد االإله حيدر �سائع

املائدة امل�ستديرة

مدار االأفكار

1

ب�صراحــة�سجـــال

مـــن يعتربها »�سنيعـــة النظام واأداة مـــن اأداوته«، بينمـــا تتهم ال�سلطة

اأطرافا يف املعار�سة بانتهاج »الإرهاب«.

وت�سعـــى اأطراف اإقليميـــة - وحلقتها اأطراف حمليـــة ر�سمية موؤخرا

- اإىل ربـــط القاعدة باحلركة ال�سيعيـــة امل�سلحة )احلوثية( دون تقدمي

اأدلـــة ماديـــة اأو العتبار للتبايـــن الإيديولوجي وال�ســـراع التاريخي بني

ال�سلفيـــة بـــكل اأطرافهـــا خ�سو�ســـا الوهابيـــة واجلهادية منهـــا، ودون

العتبـــار للمواجهـــات امل�سلحـــة والرتب�س امليداين بـــني ال�سيعة وحركة

اجلهـــاد العامليـــة يف مناطق اأخرى من العـــامل اآخرها مـــا �سهده العامل

من جنـــاح جمموعة �سنية اإيرانية على �سلـــة بالقاعدة )جند اهلل( من

اغتيال عدد كبري من قيادات احلر�س الثوري الإيراين بينهم نائب قائد

القـــوات الربيـــة الإيرانية علي نور �سو�ستنـــي، واآمر لـــواء اأمري املوؤمنني

وقائـــد احلر�س الثوري لإقليم بلو�س�ستـــان رجب حممد علي زاده، وعدد

مـــن قيادات الع�سائر املوالية للنظام الإيـــراين يف ت�سرين الأول/اأكتوبر

املا�ســـي؛ مما يجعل حماولت الربط بـــني املت�سادين املتحاربني تندرج

حتت اإطار »الدعاية الإعلمية امل�سادة«.

وتقوم ذات الأطراف الإقليمية املحلية الر�سمية تارة اأخرى مبحاولة

ربط القاعـــدة باحلركة النف�سالية يف اجلنـــوب )احلراك اجلنوبي(،

والقاعـــدة ت�ستفيـــد من تناق�ســـات الروؤى جتـــاه حقيقتهـــا الديناميكية

وحركتهـــا امليدانيـــة، يف تنفيـــذ �سربـــات واخرتاقـــات موجعـــة تفاجئ

خ�سومها بني احلني والآخر.

قلق دويل ي�سبب عدم التفريق بني القاعدة كتنظيم والقاعدة

كمنظومـــة فكرية اإ�سكال وا�سعا لفهـــم الظاهرة، فالتفريق بني الأمرين

مـــن اأهم املداخـــل لإدارك القاعـــدة وحقيقتها، وبنـــاء على ذلك ميكن

قيا�س القوة وال�سعف، واحلقيقة والوهم فيها.

فاملنظومـــة الفكرية للقاعـــدة قائمة علـــى رف�س املنظومـــة الدولية

وت�سريعاتها وقوانينها، وحماولة فر�س نظريات اأخرى تقوم على اأ�سا�س

الت�سريعـــات الإلهيـــة واإلغـــاء احلق الب�ســـري يف الت�سريـــع، ولذلك ياأتي

»تقرير جولد�ستون« عن جرمية اإ�سرائيل يف غزة حماولة لتح�سني �سورة

املنظومـــة الدوليـــة، واإعادة العتبار لهـــا لقبولها مرجعيـــة للتفاو�سات

القادمـــة، وتقدميها لل�سريحة ال�سلميـــة الوا�سعة ب�سورة متعاطفة مع

اأبرز ق�ساياهم، وحلحة العتقاد ال�سائد عن مكانه يف ال�سورة الذهنية؛

اأنها جمرد غطاء للجرائم �سد كل ماهو اإ�سلمي.

وتركـــز احلركة اجلهادية العاملية اليوم بزعامة القاعدة يف اأدبياتها

وم�ســـار عملياتها على ال�ســـري نحو »ال�سيادة العامليـــة وا�ستعادة الهيمنة

املفقودة للم�سلمني« امل�سماة اأيديولوجيا »خلفة الأر�س«، وهذا ما تتفق

عليه اأر�سية وا�سعة مـــن امل�سلمني ولي�س بال�سرورة انتمائها ع�سويا اإىل

القاعدة.

وتقوم املنظومة الفكرية ال�سلوكية عند القاعدة على اأ�سا�س النه�سة

العلمية الدينية، والتقانة الإعلمية الع�سكرية والأمنية جنبا اإىل جنب،

فهـــو ل يرف�س تطويـــر اأ�ساليبه واأدواته واآلياتـــه. بينما التنظيم يتحرك

يف اإطار هذه املنظومة والأر�سيـــة الب�سرية واجلغرافية التي حتمل هذه

القناعـــات بني جمهـــور امل�سلمني الوا�سع يف العـــامل، وهذا مما يوؤخذ يف

العتبـــار حني نف�سر ملاذا بعد ثمان �سنوات من حرب الرهاب، مازالت

نف�س القوى تعلن حرب الإرهاب يف نف�س اجلبهات، بل وتو�سعت وتطورت

جغرافيا، وتقنيا.

وكان التكنيـــك امل�ستخدم يف حماولة اغتيال م�ساعد وزير الداخلية

ال�سعـــودي، الأمـــري حممد بـــن نائف، دللـــة اأكيدة على تفـــوق التنظيم

علـــى جبهة حرب الإرهاب بقيادة اأمريكا وحلـــف الناتو يف هذه التقنية

املبتكـــرة اجلديـــدة، وقـــد

عك�سهـــا الإرباك احلا�سل

الأمن اليوم على م�ستـــوى

اأمـــن خ�سو�ســـا العاملـــي

والطائـــرات. املطـــارات

واملثـــري للنتبـــاه، يف هذا

ال�سياق، اأن القاعدة

تقييم قوة القــــــــــــاعدة فـي اليمن

عبد الإله �سائع

»م�صدر قوة القاعدة

الأ�صا�صي هو قوة خطابها

وب�صاطة مفرداتها التي

حتمل »هموم الأمة«

وتذكرها بجراحاتها نتيجة

القمع الدويل مل�صلمني يف

مناطق خمتلفة من العامل«

؟

Page 64: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 128 129ا�سرتاتيجية

تتحـــدى العـــامل باأن يك�ســـف »�سر العبـــوة املتفجـــرة )امل�ستخدمة يف

حماولة الغتيال( وطريقة تفجريها«، واعرتاف العديد من اخلرباء، يف

املقابل، باأنها مبتكرة ومرعبة وت�سكل تهديدا للعامل يف ال�سنوات املقبلة،

لأنها جتاوزت جميع اأجهزة الك�سف الآلية املتوفرة.

وتعطينـــا العمليـــة الأخـــرية دللـــة وموؤ�ســـرا علـــى م�ستـــوى وحقيقة

القاعـــدة، واأيـــن بلغـــت؟ فقد مثلت حماولـــة الغتيال التـــي مت تنفيذها

يف الأ�سبـــوع الأخري من �سهر اآب/اأغ�سط�ـــس املا�سي يف ق�سر الأمري يف

مدينة جدة ال�سعودية؛ نقلـــة اإ�سرتاتيجية من الناحية الأمنية والتكنيك

الع�سكـــري علـــى م�ستوى العـــامل من حيـــث الخرتاق الأمنـــي حل�سون

اخل�سم، والتكنيك اجلديد.

ورغـــم تاأكيـــد م�سئولني دوليـــني يف حرب الإرهاب علـــى اأن القاعدة

تعاين يف الآونة الأخرية من نق�س حاد يف التمويل، واأن احلملة املتوا�سلة

عليهـــا »اأ�سعفتها« ب�ســـكل وا�سح، لكن ذات امل�سئولـــني ل يخفون قلقهم

مـــن اإمكانية حتول اليمن منطلقـــا لهجمات على م�ساحلهم يف املنطقة

والعـــامل، وحتـــول اليمن اإىل قاعـــد تدريب وجتنيـــد وتخطيط لهجمات

حملية واإقليمية وعاملية.

اأجندة عاملية القلق الآتي من حلف الناتو بقيادة الوليات

املتحـــدة يف حرب الإرهاب جتـــاه اإمكانية حتول

اليمن اإىل مركـــز تدريب وانطلق؛ جعلها توؤكد

اأن احلـــرب الدائرة يف �سمال اليمن - حمافظة

�سعـــدة )240 كلـــم �سمال العا�سمـــة �سنعاء( -

امل�ستفيـــد الرئي�سي منها تنظيـــم القاعدة، مما

دفع بالـــدول الغربيـــة والأمريكيـــة اإىل التنادي

ب�سرورة اإيقـــاف احلرب، والتوجه حلل امل�سكلة

بحـــوار �سيا�ســـي تدخـــل فيـــه جميـــع الأطراف

ال�سيا�سيـــة، والرتكيـــز علـــى اإدارة احلـــرب مع

القاعدة يف مناطق خمتلفة من اليمن.

ورغم ال�سغوط الدولية املتزايدة والزيارات

املتكررة مل�سئولني اأمريكيـــني وغربيني يف حرب

الإرهاب لإيقاف احلرب يف اليمن �سد احلركة

ال�سيعيـــة امل�سلحة، فـــاإن اليمن ل يـــرى خطورة

كربى مـــن القاعدة، ويعزو ذلـــك اإىل معلوماته

حـــول خليا القاعـــدة واأنهـــا مطـــاردة، وتفقد

امللذ الآمن على الدوام، ول تتمركز يف منطقة

جغرافيـــة، بينمـــا حركـــة احلوثيـــني ال�سيعيـــة

امل�سلحة يف �سمال اليمن هي الأخطر من حيث قوتها امل�سلحة، وانت�سارها

اجلغـــرايف، و�سيطرتهـــا على مناطـــق وا�سعة حتكمهـــا يف اأق�سى �سمال

اليمن على احلدود مع ال�سعودية، وامتلكها غطاء حمليا من املعار�سة،

ودعما اإقليميا من اإيران، واحت�سانا دوليا يف اأملانيا الحتادية، وتعاطفا

اأمميا من املنظمات الإن�سانية.

وحتر�ـــس الـــدول الغربيـــة - عرب حلـــف الناتـــو والحتـــاد الأوروبي

واأمـــريكا - علـــى اإظهـــار القلق من القاعـــدة، والرتكيز علـــى اأنها متثل

تهديـــدا خطـــريا على امل�سالح الغربيـــة يف املنطقة خ�سو�ســـا البحرية

منها، لتحقيق اأهداف لها �سلة باأجندة الهيمنة العاملية واأطماع �سركات

اإقليميـــة ودوليـــة وتناف�سها على ثـــروات اليمن من الطاقـــة واإمداداتها

وطريقها ال�ساحلي املمتد عرب ثلثة ممرات مائية دولية؛ البحر الأحمر،

وخليـــج عدن، والبحر العربي، وهـــي ذات املناطق التي يعزز الناتو فيها

من وجوده قبالة ال�سواحل اليمنية.

ولذلـــك تعلن هذه القوى الدولية علـــى الدوام اأن اليمن دولة �سعيفة

تو�ســـك اأن تتحـــول اإىل »فا�سلة« اأو اأفغان�ستان اأخـــرى، والدولة ال�سعيفة

يتـــم جتهيزها وتدريبهـــا مللحقة القاعدة، بينما يتيـــح ت�سنيف الدولة

الفا�سلة لهذه الدول التدخل املبا�سر كحالتي ال�سومال واأفغان�ستان.

املعرفة عن قرب: كاتب املقال مع زعيم تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب نا�سر الوحي�سي

�سجال مدار االأفكار

بداية ل بد من العرتاف ب�سعوبة الو�سول اإىل اإجابة مقنعه ونهائية

ملثـــل هـــذه الت�ســـاوؤلت، لي�س بحكـــم طبيعة املو�ســـوع و�سحـــة املعلومات

املتوافرة بهذا اخل�سو�س وح�سب، واإمنا اأي�سا لغياب املقاربات املنهجية

التي ميكـــن القيا�س عليها، غري اأن بالإمكان القـــول اأن هناك موؤ�سرات

عديـــدة توحـــي برتاجع قوة تنظيـــم القاعدة وح�ســـوره يف اليمن. فعلى

امل�ستـــوى امليـــداين والعملياتـــي، انخف�س عدد الهجمات مـــن 9 عمليات

يف العـــام 2008 اإىل عمليتـــني فقط يف العام اجلـــاري 2009. كما يتبدى

�سعـــف التنظيم من تراجع ن�ساطه على م�ستوى النطاق اجلغرايف، ففي

حـــني كان ن�ساط التنظيم ميتـــد لي�سمل الرب والبحـــر اليمنيني ومناطق

الو�ســـط والأطراف، نلحـــظ اليوم اأن ن�ساط التنظيـــم يعاين من حالة

انكما�س تدريجي، فمنذ حادثة تفجري ناقلة النفط الفرن�سية )ليمربج(

يف �ساحـــل حمافظة ح�سرموت عام 2002 مل تقع اأي هجمات مماثلة يف

املوانـــئ واملياه الإقليمية اليمنية على مدى ال�سنوات ال�سبع املا�سية على

الإطـــلق، وباملثل فقد تراجع التنظيم مـــن التجمعات ال�سكانية الكربى

يف الو�ســـط وانزاح اإىل الأطراف )ماأرب، اجلـــوف، ح�سرموت( ب�سكل

لفت، وبات معظم ن�ساطه وعملياته تدور يف املحافظات النائية.

كذلـــك نلحـــظ ت�سدعـــا ظاهـــرا يف بناء القاعـــدة التنظيمـــي، فلم

تكـــد مت�سي �ســـوى ب�سعة اأ�سابيع علـــى اإعلن تنظيـــم “قاعدة اجلهاد

يف جزيـــرة العـــرب”، حتى قـــام القائـــد الع�سكـــري يف التنظيم حممد

العـــويف بت�سليم نف�ســـه لل�سلطات ال�سعودية. وبغ�ـــس النظر عما اإذا كان

قـــد �سلم نف�سه اأو اأنـــه مت اعتقاله، فاإن النتيجـــة يف كل احلالتني ت�سكل

�سربـــة موجعة للتنظيم ورمبا خلقـــت حالة من الرتباك داخل �سفوفه،

مبـــا يوؤدي اإىل تو�ســـع م�ساحة ال�سك بني جيل القاعـــدة اجلديد واجليل

القدمي، وبالأخ�س املفرج عنهم مبوجب برامج اإعادة التاأهيل.

ناهيـــك عن احتـــواء وت�سفية معظم قيادات اجليـــل الأول، فمن بني

الــــ 23 الذيـــن متكنوا من الهـــروب من �سجن الأمـــن ال�سيا�سي ب�سنعاء

يف عـــام 2006 قتل منهم 6 اأثنـــاء املواجهات مع قوات الأمن، و10 �سلموا

اأنف�سهم طواعية للحكومة، واأعلنوا تخليهم عن ممار�سة اأعمال العنف،

واملتبقـــي منهم يف �سفوف التنظيم حتى حلظـــة كتابة هذا املقال ثلثة

فقـــط، وهم نا�سر الوحي�سي وقا�سم الرميي وحممد العمدة. ومعلوم اأن

فقـــدان قيادات بهذا الوزن الثقيل �سواء عـــن طريق القتل اأو عن طريق

الحتـــواء، ي�سلب التنظيـــم - ول �سك - جزءا هاما مـــن م�سادر قوته،

ورمبـــا يوؤدى يف امل�ستقبل اإىل ترهل التنظيـــم، وانقطاع �سلته بالقيادة

املركزيـــة، وخا�سة يف حال غياب القيادات املتبقية. فهوؤلء الثلثة رمبا

ي�سكلون اليوم اأهم ال�سمانات ل�ستمرار متا�سك التنظيم بحكم الرمزية

واملكانة التي يحظون بها لدى عنا�سره، بفعل �سلتهم القدمية باأ�سامة

بـــن لدن، ويف حـــال غيابهم ل ي�ستبعد حدوث نوع مـــن الفراغ القيادي،

بحيث ي�سعب على اأفراد التنظيم اللتفاف حول قيادة موحدة.

وبالتـــوازي مع ذلك، تراجع حجم التاأييد والدعم الذي كانت حتظى

بـــه القاعدة لـــدى الراأي العـــام املحلى، وفقـــدت الكثري مـــن جاذبيتها

وقدرتها على الإقناع وح�سد الأن�سار واملتعاطفني، وبالأخ�س يف الفرتة

الأخرية، بعد اأن حولت جزءا من ن�ساطها اإن مل يكن معظمه، ل�سرب

تقييم قوة القــــــــــــاعدة فـي اليمن

»القاعدة« اأ�سعف بكثري مما نظن!

عاي�س علي عوا�س باحث يف مركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية.

يف مطلع العام اجلاري 2009، اأعلن ف�ســيا تنظيم القاعدة اليمني وال�ســعودي اندماجهما يف كيان واحد حتت م�ســمى

“تنظيــم قاعــدة اجلهاد يف جزيرة العرب” بزعامة نا�ســر الوحي�ســي ومقــره االإقليمي الرئي�ســي اليمن، ومنذ ذلك احلن تزايدت م�ساعر القلق من تنامي قوة القاعدة وح�سورها يف هذا البلد، خ�سو�سا لدى االأطراف اخلارجية، فما

حقيقة االأمر، وهل مير التنظيم اليوم باأف�ســل مراحله، وهل تعترب قوته يف تنامي وازدياد، بحيث ي�ســعب مواجهته

وك�سر �سوكته، اأم اأ�سابه ال�سعف والوهن، و�سار اأقل فعالية وقدرة مما كان عليه من قبل؟!

2

عاي�ض علي عوا�ض

Page 65: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 130 131ا�سرتاتيجية

اأهـــداف وم�سالـــح حملية بخـــلف مـــا كان عليه الأمـــر يف املرحلة

املا�سية، وهو ما �سحب الب�ساط من القاعدة، وزاد من اأعداد منتقديها

اإىل درجة اأن الراأي العام اليوم مل يعد ينظر اإىل القاعدة كقوة مناه�سة

للهيمنـــة الأمريكيـــة والغربية ومدافعة عن امل�سلمـــني وق�ساياهم، واإمنا

�ســـار ينظر اإليها من قبـــل الغالبية كم�سدر من م�ســـادر تهديد الأمن

وال�ستقـــرار الداخلـــي ول�سيما بعـــد الت�سريحات التـــي اأطلقها حممد

العـــويف للتلفزيون ال�سعـــودي، والتي ذكـــر فيها وجود علقـــة ارتباطية

بـــني القاعـــدة واحلوثيني، ثم زاد الطني بلة يف فـــرتة تالية اإعلن زعيم

التنظيـــم نا�سر الوحي�سي منت�سف هذا العـــام 2009 دعمه ووقوفه اإىل

جانب القوى املطالبـــة بفك الرتباط بني جنوب اليمن و�سماله، وهو ما

مل يكن يتوقعه خ�سوم القاعدة ناهيك عن موؤيديها.

هنـــاك اأي�سا تراجـــع على م�ستـــوى الفكرة، حيث لقـــت اإيديولوجيا

القاعـــدة نقدا جذريـــا يف ال�سنوات الأخـــرية، مما اأفقدهـــا الكثري من

اجلاذبية. فقد تزايدت موجة الرف�س لأطروحاتها، لي�س من املوؤ�س�سات

الدينية الر�سميـــة وح�سب، بل ومن معظم التيـــارات الإ�سلمية وعلماء

الدين املوؤثرين داخل ال�ساحة اليمنية وخارجها، ونلم�س ذلك من تراكم

الكتابـــات النقديـــة لفكر القاعـــدة، وتعايل الأ�سوات املنـــددة بن�ساطها

بعـــد اأن كان الكثـــري من العلماء والتيـــارات الدينيـــة يف ال�سابق يكتفون

بال�سمت.

اأيديولوجيا يف انح�ســار وكان لربنامج احلوار الذي

اتبعته احلكومة اليمنية مع عنا�سر تنظيم القاعدة دور موؤثر يف تفكيك

ونق�ـــس الأ�س�س ال�سرعية التي متثل اإلهامـــا لعنا�سر التنظيم وقياداته،

وخا�ســـة ما يت�سل منها باجلهاد يف بلـــدان امل�سلمني وطاعة وىل الأمر.

�سحيح اأن نتائج الربنامج مل تكن م�سمونة بن�سبة مائة يف املائة، لكنها

يف املجمل كانت اأكرث من اإيجابية، فمن بني حوايل ثلثمائة �سخ�س مت

اإطـــلق �سراحهم مبوجب هذا الربنامج، مل يعـــد منهم ملمار�سة ن�ساط

القاعـــدة �سوى �سبعة يف املائة، وهو اأمر معقول بالنظر اإىل النتائج التي

اأ�سفرت عنها برامج مماثلة يف بلدان اأخرى. واأح�سب جازما اأن ظاهرة

املراجعات اجلهادية التي بداأتها اجلماعة الإ�سلمية يف م�سر، ثم تاليا

يف ال�سعوديـــة عرب م�سروع املنا�سحة الذي يجـــرى تنفيذه منذ �سنوات،

�سيكون لها �سدى وا�سعا داخل اليمن.

ي�ساف اإىل ذلك اأن البيئية الفكرية واملجتمعية يف اليمن غري مواتية

لنت�ســـار فكـــر القاعـــدة واأطروحاتهـــا. فاملجتمع اليمنـــي معروف عرب

التاريخ بالت�سامح والنفتاح على الغري بدليل انت�سار الرعايا اليمنيني يف

خمتلف اأ�سقاع الأر�س، وخفوت حدة التناق�سات املذهبية والدينية بني

مكوناته، وقبول املجتمع اليمني بالتعاي�س مع طوائف لها ديانات مغايرة

ملعتقداتـــه منذ مئات ال�سنني، ويف املقدمة منهـــا الطائفة اليهودية التي

توجـــد يف اليمن من قبل ظهـــور الإ�سلم وحتى يومنا هذا، وبالتايل فاإن

جمتمعـــا منفتحا اإىل هذه الدرجة ل ميكن اأن ينزع اإىل معاداة الأجانب

لأنـــه، اإن فعل ذلك، �سيكون اأول املت�سرريـــن بحكم اأن الكثري من اأبنائه

يقيمون يف دول اأجنبية.

وخل�ســـة مـــا ميكـــن قوله يف هـــذا اجلانب، هـــو اأن الفكـــر املنغلق

واملت�ســـدد يعترب بالن�سبـــة لليمن اأمرا طارئا، ولي�ـــس له جذور عميقة يف

املجتمع اليمني، بحيث ي�سعـــب اجتثاثه والق�ساء عليه، بل على العك�س

مـــن ذلك، ميكـــن ا�ستغلل املـــوروث التاريخـــي يف ن�سر قيـــم الت�سامح

والو�سطية، ونبذ ثقافة العنف والكراهية.

دومينــو ال�ســعف واإذا كان البع�ـــس ينظـــر اإىل اندماج

تنظيمي القاعـــدة ال�سعودي واليمني يف كيان واحـــد كدللة على تزايد

قوة التنظيم وح�سوره يف اليمن، اإل اأن ذلك يحمل - براأيي ال�سخ�سي -

دللة مغايرة، فا�ستنادا اإىل جتربة الفرتة املا�سية، جند اأن قوة ح�سور

القاعـــدة يف الأرا�سي اليمنية، وزيادة قوتها اأو نق�سانها ارتبطت دائما

بعوامل وظـــروف خارجية بدرجة رئي�سية. وعليه فاإن تراجع قوة تنظيم عاي�س عوا�س

»تراجع قوة تنظيم القاعدة

يف ال�صعودية، والتي ظلت

ل�صنوات مركزا رئي�صيا

للعمليات والتجنيد والتعبئة

والتمويل، �صيوؤثر �صلبا يف

قوة التنظيم يف اليمن«

؟

�سجال مدار االأفكار

تقييم قوة القــــــــــــاعدة فـي اليمن

القاعـــدة يف ال�سعوديـــة، والتـــي ظلت ل�سنـــوات كما يـــرى بع�س املحللني

مركـــزا رئي�سيـــا للعمليـــات والتجنيد والتعبئـــة والتمويل، �سيوؤثـــر �سلبا

يف قـــوة التنظيم يف اليمن، بـــل وم�ساعفة حجم العوائـــق اأمام حركته

ون�ساطـــه، ول�سيما بالنظـــر اإىل نتائج التحقيقـــات يف الفرتة املا�سية،

والتـــي اأو�سحت اأن متويل عمليـــات القاعدة ياأتي من م�سادر خارجية،

واأن معظـــم منفذي الهجمـــات العنيفة التي �سهدتهـــا اليمن وبالأخ�س

يف اأواخـــر عقد الت�سعينات من القرن املا�ســـي، وبداية العقد الأول من

القـــرن اجلاري كانوا غري مينيني، اأو مينيـــني مت جتنيدهم يف اخلارج،

وعليـــه فاإن جناح احلكومة ال�سعودية يف ت�سييـــق اخلناق على التنظيم

داخل اأرا�سيها �سيوؤدي اإىل اإ�سعاف القاعدة يف اليمن.

وباملثل، فاإن تراجع قوة القاعدة يف العراق اإىل اأدناها بعد ت�ساعد

موجة عداء الع�سائر العراقية لعنا�سر التنظيم يف الفرتة الأخرية، من

�ساأنـــه اأن يحد مـــن فاعلية القاعدة ون�ساطها يف اليمـــن، خ�سو�سا اإذا

علمنـــا اأن منفذي الهجمات العنيفة التي �سهدتها اليمن منذ عام 2006

كان معظمهم من العائدين من العراق.

واإذا كان البع�ـــس ينظر اإىل حماولـــة اغتيال م�ساعد وزير الداخلية

حممـــد بن نايـــف باعتبارهـــا موؤ�سرا يوحـــي بتنامي قـــوة القاعدة، اإل

اأنـــه ل ميكـــن الت�سليم براأي كهذا على وجه الإطـــلق، فبقدر ما تعك�س

احلادثـــة قـــدرة التنظيم علـــى تطوير اأ�ساليبـــه وجتديـــد تكتيكاته مبا

يتنا�سب وظروف املرحلة، وهو اأمر متوقع

بالن�سبة للتنظيمات العنيفة، والتي دائما

مـــا تفكر خـــارج املاألـــوف وغـــري املتوقع؛

بقـــدر مـــا �ستكـــون دافعـــا قويـــا وحافزا

اإ�سافيـــا لت�سديد الإجراءات الأمنية �سد

القاعـــدة يف ال�سعوديـــة واليمـــن على حد

�سواء. �سحيـــح اأن جهود البلدين يف هذا

املجال ما�سية منـــذ �سنوات لكن الهجوم

يعد الأول من نوعه الذي ي�ستهدف ع�سوا

يف الأ�سرة احلاكمة ال�سعودية، ومن ثم ل

ي�ستبعد اأن يكـــون رد الفعل خلل الفرتة

القادمـــة خارجا عن املاألـــوف اأي�سا ومبا

يقلب املعادلة راأ�سا على عقب.

اإ�سافة اإىل ذلك، فاإن البيئة املحيطة

علـــى امل�ستـــوى الإقليمـــي والـــدويل ل ميكـــن اأن ت�سمح اأو تقبـــل بتنامي

ح�ســـور القاعدة وقوتهـــا يف اليمن؛ ملا ي�سكله ذلك مـــن تهديد مل�سالح

الدول الكـــربى والقوى الفاعلة يف املنطقة واأمنهـــا، ولعلها املرة الأوىل

التـــي يتوحـــد فيهـــا املجتمع الـــدويل �سد عـــدو م�سرتك، وهـــو يف هذه

احلالـــة تنظيـــم القاعدة يف �سابقـــة ل مثيل لها عرب التاريـــخ الإن�ساين

الطويـــل، وي�ستحيـــل بالتايل جنـــاح التنظيـــم يف اليمـــن اأو غريها من

البلـــدان الأخـــرى، وهو يواجـــه هذا العـــدد الهائل من الأعـــداء، ما مل

حتـــدث حتولت جذرية ي�سعب على العقـــل الب�سري تخيلها يف اللحظة

الراهنـــة. ف�ســـل عـــن ذلك، فقـــد تغريت الظـــروف املحليـــة، ومل يعد

باإمكان القاعدة ممار�سة ن�ساطهـــا بي�سر و�سهولة، وخ�سو�سا يف �سوء

التغريات التـــي �سهدتها املوؤ�س�سة الأمنية يف الفـــرتة الأخرية، واملتمثلة

يف اإن�ســـاء اأجهـــزة جديدة متخ�س�ســـة يف مكافحة الإرهـــاب، وتو�سيع

النت�ســـار الأمني، وت�سديد الرقابة الأمنيـــة يف املنافذ الربية والبحرية

وغريهـــا من الإجراءات الأخرى، ول �ســـك اأن خطوات من هذا القبيل

ت�ســـكل قيودا اإ�سافية علـــى ن�ساط تنظيم القاعـــدة وحتركاته. لكن ما

�سبـــق ل يعني اأن التنظيم بات علـــى �سفا جرف هار، اأو اأن نهايته باتت

و�سيكة، واإمنـــا ما نق�سده حتديدا اأن قدرته �ســـارت اأقل فاعلية بكثري

مما كانت عليه من قبل.

Page 66: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 132 133ا�سرتاتيجية

مدارات ا�ســرتاتيجية: يف كتابك االأخري حول »الظاهرة

احلوثيــة: درا�ســة منهجيــة �ســاملة«، ذكــرت اأن احلوثيــن

هــم امتــداد للمذهــب الزيــدي ب�ســقه اجلــارودي، واأنهــم ال

ميتون ب�ســلة اإىل الت�سيع االثني ع�ســري اجلعفري. من اأين

ا�ستنتجت مثل هذه اخلا�سة؟

الدغ�ســي: و�سلـــت اإىل هـــذه النتيجة مـــن خلل وثيقـــة علمية -

اإن �ســـح التعبري - وهي عبـــارة عن در�س م�سجـــل للأ�ستاذ ح�سني بدر

الدين احلوثـــي عنوانه »الإمامية والزيدية«، يتنـــاول فيه اأوجه التفاق

والختـــلف بني الزيديـــة والإمامية. ويبداأ بتقريـــر حقيقة موجودة اأو

مثبتـــة لدى جملة املذاهب الإ�سلمية ال�سنيـــة وال�سيعية وهي اأن هناك

اإماما منتظرا، ولكنه يختلف مع الثني ع�سرية يف هذه النقطة بتقريره

اأن الإمام املهدي املنتظر لي�س هو الإمام الثاين ع�سر الذي تدعيه الثنا

ع�سريـــة، ويو�سعها ت�سخيفا و�سخرية ويت�ساءل: »ملاذا ل يخرج اأو يظهر

هـــذا الإمام حتى لعلمائنا؟«، فهو ي�ستهجن هذه الفكرة جدا، ويعتربها

خرافيـــة بامتيـــاز. ثم ينتقـــل بعد ذلـــك اإىل الآراء الفقهيـــة مثل املتعة

ع كثريا عليها ويحذر مـــن اأن يتقبلها اليمنيون، واخلم�ـــس، واأي�ســـا ي�سنر

»ولـــن يتقبلوها ل�سهامتهم ودينهـــم ومذهبهم« كما يقـــول، وبالتايل ل

ميكـــن قبول املتعة ول اخلم�س، ويحذر متاما من اإحلل املذهب الثني

ع�ســـري يف اليمـــن، واإن كان يقول اإنه يدرك باأن الو�سع املادي ال�سعب

يف اليمن هو من يقف وراء اإحلل املذهب الثني ع�سري يف هذا البلد،

واأن الذين يذهبون اإىل احلوزات يف قم وغريها فاإنهم يذهبون »للرتزق

وطلبة اهلل« على حد تعبريه.

هذه الوثيقة غريت يف نظرتي اإىل الرجل؛ فاأنا كنت اأعتقد، وخا�سة

بعـــد اأن قـــراأت ن�سا لعلي الكـــوراين يف موقعه يورد روايـــات ت�سري اإىل

اأن التمهيـــد للإمام املنتظـــر �سياأتي من اليمن مـــن منطقة بني خولن

و�سعـــدة والرجل الـــذي �سيقود الأمر ا�سمه ح�ســـن اأو ح�سني، فقلت اأن

هـــذا حت�سري اإيراين لل�سيطرة على املنطقـــة بخلفية دينية، لكن ما اإن

ا�ستمعـــت واطلعت بالأحرى علـــى هذا ال�سريط حتـــى اأدركت اأنه لي�س

هناك علقة ول تنا�سب )بني احلوثي والثني ع�سرية(.

وباملنا�سبـــة فقـــد كان ح�ســـني احلوثـــي جاروديا، لكـــن ل يعني هذا

بال�ســـرورة اأنه ملتزم باجلارودية التزاما كليـــا، فهو انتقائي اأكرث منه

ملتزما مبذهب، وهو انتقائي اأكرث منه تقليدي، لذلك ل جتده يتفق مع

اأحد. فهـــو ل يتفق مع الثني ع�سرية ول مـــع الزيدية بفرقها املختلفة،

كمـــا ل يتفـــق مع كثـــري ممن يح�سبـــون عليـــه، فتجـــده ذا روح متمردة

خارجة عن املاألوف. وهذا قد يكون جانبا اإيجابيا يف تكوين �سخ�سيته

لكـــن رف�سه هذا اأف�سى اإىل العنف، حتـــى يف تكوين ال�سخ�سية ذاتها،

اإذ جتده اق�سائيا للمخالف القريب قبل البعيد، فلديه نوع من الغلو يف

اخللف لي�س مع الآخر القريب الن�سبي مثل الثني ع�سرية، ناهيك عن

نة بل يف اإطار الزيدية اخلال�سة كذلك، كاجلارودية والهادوية. ال�س

�سجالاملائدة امل�ستديرة

مدار االأفكار

ب�سراحة مع الدكتور اأحمد الدغ�سي

ابت���داءا م���ن كتابه الأخري »الظاهرة احلوثي���ة: درا�صة منهجية �صاملة«، مرورا بق�صاي���ا �صاخنة على ال�صاحة اليمنية،

كاحل���رب يف �صع���دة واأبعادها املحلية والإقليمية، ومدى تداخل الديني وال�صيا�صي يف هذه احلرب، و�صول اإىل موقع

ودور اجلماعات الدينية وطبيعة حتالفاتها �صمن اخلارطة ال�صيا�صية اليمنية، وحقيقة التحالف بني تنظيم القاعدة

واملتمردي���ن احلوثي���ني، بالإ�صاف���ة اإىل العالقة بني الأحزاب ال�صيا�صية ومدى التف���اق والختالف فيما بينها حول

اأحداث �صعدة؛ كل ذلك وق�صايا اأخرى مهمة وخمتلفة ناق�صها الكاتب والباحث يف �صوؤون احلركات الإ�صالمية نبيل

البك���ريي يف ح���وار �صريح وجريء م���ع الدكتور اأحمد الدغ�ص���ي، الباحث املتخ�ص�ض يف فل�صف���ة الرتبية الإ�صالمية،

واأحد املفكرين املهتمني واملتابعني لن�صاأة وتطور وم�صار احلركات الإ�صالمية يف املنطقة، خطابا وم�صارا حركيا.

جدلية الديني

وال�سيا�سي يف امل�سهد اليمني

((

ب�سراحة

هناك من يقول اأن »الظاهرة احلوثية« يف ن�سختها االأخرية

التــي يقودهــا عبدامللــك احلوثي تقــرتب كثريا يف �ســعاراتها

و�سيا�ســتها واإيديولوجيتهــا مــن جتربة حــزب اهلل اللبناين،

ممــا يعطي انطباعا ما بــاأن هناك طرفا اآخــر يف االأمر ممثا

باإيــران التي اأنتجت وتبنت حزب اهلل يف لبنان. اإىل اأي مدى

ميكن اأن ي�سدق مثل هذا القول؟

اإن التاأكيـــد على احلقيقة ال�سابقة، وهـــي اأنه لي�س هناك علقة بني

املذهـــب الثني ع�سري وفكر ح�سني احلوثي حتديدا، ل يعنى بال�سرورة

اأنـــه لي�ـــس هناك عمليـــة تاأثر ببع�ـــس ال�سخ�سيـــات يف مقدمتها الإمام

اخلمينـــي اأو ال�سيـــد ح�سن ن�ســـر اهلل، فهو يقر ويوؤكـــد هذا بني احلني

والآخـــر حتى يف �سريطه عـــن »الإمامية والزيدية«. لكنـــه يوؤكد اأن هذا

الإعجاب هو اإعجاب بالروح الثورية املتمردة التي يحملها هوؤلء القادة،

ويقول اإن اخلميني لو ظل ملتزما باملذهب الثني ع�سري ملا كان اخلميني

الـــذي عرفناه، وكذلك ال�سيد ح�ســـن ن�سر اهلل. اإن هذين الأخريين قد

جتـــاوزا مذهبهما على حد تعبريه، اأي اأنه بب�ساطة يتخذهم كنماذج يف

التغيـــري ولي�ـــس كمنظومة علمية اأو فقهية اأو فكريـــة ميكن الإقتداء بها،

هذا اأمر.

الأمر الثـــاين، ل �سك اأن راأي ح�سني احلوثي هذا ل يعني بال�سرورة

اأن لي�ـــس هناك من اأتباعـــه اأو من ان�سوى حتت عباءته من يحمل الفكر

ر يف ال�سريط الـــذي اأ�سرت اإليه من الثنـــا ع�سري، ومـــا كان له اأن يحذر

حماولـــة اإحلل املذهب الثنـــي ع�سري لو كانت هـــذه املحاولت لي�ست

ذات تاأثـــري. وكـــوين اأوؤكد اأن ح�ســـني احلوثي لي�س اثنـــا ع�سريا ل ينفى

اأنـــه لي�س هناك حتت عباءته من لي�ـــس اثنا ع�سريا اأو من املتحولني اإىل

الثني ع�سرية، وكونه يحذر يوؤكد ذلك. ثم اأنه عندما قامت املواجهات،

بدا يل اأن هناك تدخل خارجيا اإيرانيا من خلل قرائن كثرية، اأهمها

الدعـــم الإعلمي، واإن كان هذا يف الواقع لي�س دليل يرقى اإىل م�ستوى

الدليل املادي لكن يظل قرينة.

اأمـــا القرينـــة الأكرب والتي قد ترقـــى اإىل م�ستوى الدليـــل وتوؤكد اأن

هنـــاك ارتباطا مـــا، فهي عملية التاأثـــر بال�سعار الإيـــراين اللبناين عن

طريـــق حـــزب اهلل )»اهلل اأكرب، املوت لأمريكا، املـــوت لإ�سرائيل، اللعنة

علـــى اليهود«(. ف�سل عن ذلك، الحتفـــال مبا يعرف بيوم الغدير على

هـــذا النحو الذي مل يكن معروفا يف اليمن بهـــذه الطقو�س. اإن هذا كله

يوؤكـــد اأن هناك تاأثـــرا، لكن هذا التاأثر ما يـــزال - يف ظني - يف اإطاره

ال�سيا�ســـي اأكـــرث منه الفكري، ويوؤكـــد هذا فكر الرجـــل املوؤ�س�س ح�سني

احلوثي، لكن هذا ل ينفى اأن هناك اأتباعا يحملون هذا الفكر ويزعمون

اأنهم حوثيون.

لكن هل �سحيح ما يقال عن وجود جهات يف النظام اأ�سهمت،

ب�ســكل اأو باآخر، يف اإنتاج مثل هذا اجلو املذهبي املوؤدلج الذي

قادنــا اإىل هذه الدوامة التي حولت اليمن اإىل م�ســرح للقوى

واالأطراف االإقليمية والدولية لت�سفي ح�ساباتها على تراب

البلد؟

للإجابـــة علـــى هذا ال�ســـوؤال ينبغي اأن نبحث يف ن�ســـاأة الظاهرة من

اأ�سا�سهـــا، والتـــي �ساهمـــت فيهـــا اأطـــراف حم�سوبة علـــى خ�سوم هذه

الظاهرة اليوم. اإننا اإذا عدنا اإىل ن�ساأتها احلديثة �سنجد اأنها ن�ساأت

اأحمد حممد ح�سن الدغ�سي

باحث متخ�س�س يف فل�سفة الرتبية الإ�سلمية.

مـــن مواليـــد 12 اأيلول/�سبتمـــرب 1966، قريـــة )بيـــت الدغ�ســـي(، احليمـــة

اخلارجية - حمافظة �سنعاء.

حا�سل علـــى بكالوريو�س تربية، ق�سم الدرا�ســـات الإ�سلمية، كلية الرتبية -

جامعة �سنعاء، 1990.

عني معيدا يف كلية الرتبية، حجة – جامعة �سنعاء منذ عام 1991.

حا�ســـل على املاج�ستـــري يف اأ�سول الرتبيـــة الإ�سلمية مـــن جامعة الريموك

الرتبيـــة يف الفطـــري الأ�سا�ـــس الر�سالـــة: )عنـــوان 1995 �سنـــة الأردنيـــة،

الإ�سلمية(.

حا�سل على دكتوراه الفل�سفة يف الرتبية من جامعة اخلرطوم – ال�سودان �سنة

1998 )عنوان الأطروحة : نظرية املعرفة يف القراآن وت�سميناتها الرتبوية(. عـــني عميـــدا لكليـــة الآداب والرتبية يف جامعـــة الأندل�س الأهليـــة ابتداء من

ت�سرين الأول/اأكتوبر 2005.

انتقـــل اإىل كليـــة الرتبيـــة بجامعـــة �سنعاء، اأ�ستـــاذا م�ســـاركا يف ق�سم اأ�سول

الرتبية يف �سهر كانون الأول/دي�سمرب 2005.

ع�سو احتاد الرتبويني العرب.

م�ست�سار تربوي و�سرعي ملوقع الإ�سلم اليوم، مكتب �سنعاء.

اأ�سرف على كثري من ر�سائل املاج�ستري، كما اأنه قد ناق�س عددا من الر�سائل

يف جامعات خمتلفة.

من موؤلفاته املن�سورة:

- نظريـــة املعرفـــة يف القـــراآن وت�سميناتهـــا الرتبويـــة، املعهـــد العاملـــي للفكر

الإ�سلمي: الوليات املتحدة الأمريكية، هريندن – فريجينيا، 2002.

- مواقـــف الإ�سلميـــني مـــن اأزمة اخلليـــج: درا�ســـة نقدية اإ�سلحيـــة، مكتبة

الإر�ساد ب�سنعاء، 1992.

- مقدمـــات اأربـــع اأوليـــة يف فقـــه املـــراأة املعا�سرة، املنتـــدى اجلامعـــي للن�سر

ب�سنعاء، 2002.

- اأهـــل ال�سنـــة واجلماعـــة: اإ�ســـكال يف الفهـــم اأم يف املفهوم؟، مركـــز عبادي

للدرا�سات والن�سر ب�سنعاء، 2003.

- التقريـــب بـــني ال�سنة وال�سيعة واخلـــلف ال�سلفي – ال�سلفـــي يف اليمن: فقه

العـــربة وحتمية املراجعة )ر�سالتان يف كتـــاب(، مركز عبادي للن�سر ب�سنعاء،

.2004- �ســـورة الآخر يف فل�سفة الرتبية الإ�سلمية، �ســـدر عن جملة املعرفة التابعة

لوزارة الرتبية والتعليم يف اململكة العربية ال�سعودية - الريا�س، 2004.

- الأ�سا�ـــس الفطري يف الرتبية الإ�سلميـــة، دار الوفاء بالإ�سكندرية - م�سر،

.2006ـــل الإ�سلم؟، مركز - قـــراءة ح�ساريـــة يف اإ�سكالت فكريـــة معا�سرة: من ميث

الناقد الثقايف بدم�سق، 2008.

- الظاهرة احلوثية: درا�سة منهجية �ساملة، مكتبة خالد بن الوليد ودار الكتب

اليمنية ب�سنعاء، 2010.

Page 67: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 134 135ا�سرتاتيجية

ر�سميـــا بعـــد قيـــام الوحدة اليمنيـــة يف عام 1990، كمـــا اأعلن ذلك

الأمـــني العام الأ�سبق ملا عرف بال�سباب املوؤمـــن، الأ�ستاذ حممد �سامل

عـــزان، لكنها مل تن�ساأ وحدها بعوامـــل ذاتية بل بدعم من ال�سلطة كما

�ســـرح بذلك الرئي�س على عبد اهلل �سالـــح، واأكد ذلك الأ�ستاذ حممد

عـــزان الـــذي ذكر اأنه كان يتلقـــى دعما �سهريا مقـــداره 400.000 ريال

ميني، والرئي�س اعرتف بهـــذا وقال اأنه قام به لدعم العتدال، واأنه ل

يريد اأحدا اأن ميد يده للخارج اإذا مل يجد من مل يعينه من الداخل. ول

�سك يف اأن هذا قد اأ�سهم يف تعزيز وجود الظاهرة احلوثية واإ�سهارها،

لأنهـــا وجدت دعما من ال�سلطـــة والدولة، وهذا ما اأكده بع�س الباحثني

واملراقبـــني باأن امل�ساألة م�سكـــوك فيها من حيث اأنـــه كان يرجى بذلك

دعم العتدال واإمنا كان لغر�س �سحب الب�ساط من حتت اأقدام جهات

اأخـــرى كالإ�سلح، وهـــذه م�سكلة يف النهاية اأف�ســـت اإىل هذه الكارثة.

والواقـــع اأن �سيا�سة الدعم هذه ل�سرب هذا اأو للتقليل من �ساأنه اأف�ست

اإىل هذه الكارثة، ولذا ينبغي اأن نكف عن مثل هذه ال�سيا�سة مطلقا.

مــاذا عن بع�ــض الت�ســريحات والتلميحات التي ت�ســدرها

بــن فرتة واأخــرى جهات يف احلكومة وتذهــب اإىل اأن هناك

تدخــا خارجيا يف االأمر ويق�ســدون بذلك حتديــدا اإيران،

هل تــرى فعــا اأن هناك تدخــا اإيرانيا

يف االأمر من قبيل الدعم والتاأييد املادي

واملعنوي لهذا التمرد؟

اأول، ينبغي اأن ندرك اأن اإيران ذات م�سروع

ل يخفـــى علـــى اأحد، واأبـــرز مناذجهـــا - وهو

منـــوذج �سيء بامتياز - هو متددها احلايل يف

العراق، ولكنها ت�سعى اإىل اأن جتد لها امتدادات

وح�ســـور يف اأكرث من مـــكان بعيدا عن املذهب

لل�سيا�سيـــني اأن ال�سنـــي وال�سيعـــي. واحلقيقـــة

ح�ساباتهـــم. فعندما تدعم اإيران حركة حما�س

اإىل اللحظة، فاإن هذا ل علقة له باملذهب، وعندما وقفت اإيران يوما

مـــع البو�سنة تلك الوقفة امل�سرفة، فاإن هذا اأي�سا ل علقة له باملذهب؛

فالبو�سنيون – كما املنتمني حلركة حما�س - �سنيون.

اإن اإيـــران تت�سرف بربجماتية وا�سحة ومبا يخدم م�سروعها، واإذا

وجـــد من يناف�سهـــا اأو ينازعها فاإنها ت�سعـــى اإىل حتييده كما هو احلال

يف اليمـــن؛ فوجـــود ال�سعودية علـــى اخلط، دفعهـــا اإىل تفويت الفر�سة

على الوجود ال�سعـــودي، فالنزاع بينهما وا�سح. اإننا ل نقول اأنها حرب

بالوكالـــة، ولكن وجود هـــذا العامل - عامل النزاع من قبل ال�سعودية -

جعل اإيران ت�سعى للتمدد اأكرث، واإبداء احلر�س على اأن يكون لها وجود

اأكرب. فل علقة للأمر هنا باملذهب؛ فاملذهب قد يختلف كما يف حالة

احلوثـــي الذي �سدد على هـــذا التباين، ف�سل عن اأن ال�سواهد الأخرى

توؤكـــد اأن ل علقة للمذهب، لكن امل�سروع ال�سيا�سي الإيراين بوجه عام

يريد اأن يكون له ح�سور وامتداد يف اأي مكان ي�سل اإليه.

هل ن�ستطيع القول - يف املقابل - اأن هناك م�سروعا �سعوديا

يف هذا االإطار، ال�ســيما واأن امل�سروع االإيراين بداأ يربز بقوة

يف اأكرث من مكان وق�سية يف املنطقة العربية، من العراق اإىل

لبنان اإىل غزة واأخريا - ولي�ض اآخرا - اليمن، فما هي مامح

امل�سروع ال�سعودي يف خ�سم هذه االأحداث؟

اأعتقـــد اأن هناك م�سروعـــا �سعوديا. نعم، قد يختلـــف عن امل�سروع

الإيـــراين رمبا يف اأهدافـــه ويف طبيعته ويف امتداداتـــه، لكنه يحمل يف

داخله كاي م�سروع التطلع اإىل مد النفوذ اإىل اأكرث من مكان. لقد امتد

امل�ســـروع ال�سعودي اإىل الغرب يف املراكز الإ�سلمية هناك، واأعتقد اأن

امل�سكلة الكربى اأن الأقليات امل�سلمة يف الوليات املتحدة ويف الغرب لها

ارتباطات بالأنظمة ويف مقدمتها النظام ال�سعودي، والذين يعي�سون يف

الغرب ي�سكون كثريا من تدخل ال�سلطات ال�سعودية يف العمل الإ�سلمي

هناك.

اإذا كان امل�سروع االإيراين يف ظاهره م�سروع ثوري تو�سعي،

وترتكــز �سيا�ســاته اأحيانــا علــى مقاربــات ولــو ب�ســيطة يف

املذاهب، لكن امل�سروع ال�سعودي على اأي اأ�سا�ض يرتكز؟

يبدو اأن الذاكرة عندنا �سعيفـــة جدا، فال�سعودية متوغلة يف اليمن

اإىل اللحظة عرب م�سايخ ورموز.

قد يكون هذا �سيا�سيا �سحيح، ولكن فكريا كيف؟

حتى اإيران لي�ست نافذة فكريا، فاإيران لي�س

لهـــا علقة باملذهب واإل مـــا علقتها بحركة

حما�س مثل، وما علقتها باجلهاد الإ�سلمي

والتـــي حتت�سنهـــا اإيران وتدعمهـــا لأكرث من

عقدين من الزمن، ومل توؤثر اإيران فيها �سيئا

يذكر، وعلقتها جيدة باجلهاد وحما�س معا.

اإن هـــذا يعني اأن الورقـــة املذهبية قد ت�ستغل

اأحيانا لتغطيـــة امل�سروع ال�سيا�ســـي ل اأكرث ول

اأقل. اإنها طائفية اأو مذهبية �سيا�سية ل ترتبط

باملذهبية الفقهية اأو الدينية باأي �سلة اللهم اإل

التوظيف ال�سيا�سي. فال�سعودية مثل قد ت�ستغل املذهب الوهابي لت�سل

اإىل اأهدافهـــا اإن �سح التعبري، لكن ل علقـــة لها باملذهب الوهابي ول

علقـــة لها باملذهب ال�سني ابتداء من حيث اللتزام والعقيدة، ويعرف

النا�ـــس جميعا اأن علقة اأمـــريكا بال�سعودية من اأقـــوى العلقات، واإن

تتخللها بع�س الأحيان هزات.

يف ظــل االأزمة اخلانقة التي تعي�ســها البــاد حاليا، يرى

بع�ــض املراقبــن اأن حــزب التجمــع اليمنــي لاإ�ســاح ميــر

باأ�ســعب اأيامــه، �سيا�ســيا، لدرجــة اأن البع�ض يقــول اأنه فقد

بو�ســلة توجهاته و�سيا�ســاته. فاإىل اأي مدى، بح�سب راأيكم،

ي�سدق مثل هذا التكهن؟

يف اعتقـــادي اأن هـــذا الراأي �سحيح، وهو يذكرنـــا اأو يجب علينا اأن

نتذكر اأن هنـــاك اختلفا حقيقيا بني الفكر الذي ينتمي اإليه الإ�سلح

ال�سنـــي والفكر الذي ينتمي اإليه احلوثيون وهو الفكر ال�سيعي مبدر�سته

املعروفة. والطرفان مل يكونا علـــى وفاق طيلة العقود املا�سية، �سحيح

اأن هـــذا التباين مل ي�ســـل اإىل م�ستوى املواجهة لكن لي�س هناك اتفاق.

واجلديـــد يف الأمـــر اأن هنـــاك �سيغة »اللقـــاء امل�ســـرتك« التي جمعت

ب�سراحة مدار االأفكار

(اإيران تت�صرف بربجماتية )

وا�صحة، واإذا وجد من يناف�صها

اأو ينازعها فاإنها ت�صعى اإىل

حتييده كما هو احلال يف اليمن؛

فوجود ال�صعودية على اخلط

دفعها اإىل تفويت الفر�صة على

الوجود ال�صعودي

الطرفني معا بوجه من الوجوه من خلل حزب احلق.

هــل هــذا يعني كما ي�ســاع مــن اأن احلوثيــن مبثابة جناح

ع�سكري حلزبي احلق واحتاد القوى ال�سعبية؟

وا�سح اأن هناك اهتماما وتعاطفا، فحزب احلق هو حزبهم الأ�سلي

)حـــزب ح�سني وحـــزب اأبيه واآل احلوثـــي(، ووجـــود الطرفني يف هذا

الإطـــار على نحـــو اأو اآخر هو اجلديد يف الأمر. ولذلك فاإن الإ�سلح -

اإن �سح التعبري – خمنوق، رمبا لأنه يريد اأن يقول الكثري لكنه خمنوق

ب�سيغـــة »امل�ســـرتك« فيلجـــاأ اإىل م�سايـــرة الأطراف القائمـــة، ول�سك

اأن بع�سهـــا اأقـــرب اإىل احلوثيني من البع�س، فاأنـــت مثل جتد احلزب

ال�سرتاكـــي اأكرث تفهما ملطالـــب احلوثيني بخلف املكونات الأخرى يف

اللقاء امل�سرتك.

ومـــن هنا جند اأن الإ�ســـلح يف و�سع حمرج جـــدا، فهو مل ي�ستطع

الـــذود عن نف�سه حيال ما اأ�سابه من ظلم اأحيانا يف بع�س املناطق مثل

اجلـــوف، كما اأنه اأي�سا �سايع الظاهرة احلوثية، وتبنى موقف املكونات

الأخرى مثل ال�سرتاكي؛ فهو فعل بني املطرقة وال�سندان.

اإن كامــك هذا يعد مبثابة تنبوؤ بانف�ســام عــرى »اللقاء

امل�ســرتك« يف القريــب العاجــل، يف ظل

ا�ستداد االأزمة وعتامة امل�سهد ال�سيا�سي

بوجه عام؟

كل �ســـيء يف عـــامل ال�سيا�ســـة وارد، واإن

اأن هـــذا م�ستبعـــد يف اأرى كنـــت �سخ�سيـــا

املـــدى القريـــب، لكن ل �ســـك يف اأن )املوقف

مـــن ق�سيـــة احلوثيـــني( اإذا مل يكـــن عامل

من عوامل التفـــكك، فاإنه قد ي�سيف م�سكلة

اأخـــرى اإىل الروا�ســـب املوجودة، ومـــن ثم قد

ميثل م�سكلة على املدى املتو�سط.

ح�ســنا، اأيــن اخلطاب الديني الر�ســمي من كل ما يح�ســل،

وهل تعتقد اأن هذا اخلطاب قد �ســاهم يف بلورة خيوط هذه

االأزمــة التي تع�ســف بالباد مــن خال العــودة نحو البحث

عــن الهوية الدينيــة واملذهبية التي كانت قد اأو�ســكت على

االنتهاء بعد 47 عاما من قيام الثورة، لنعود بذلك اإىل نقطة

البداية االأوىل؟

اخلطاب الديني الر�سمـــي يعاين بالفعل من م�سكلة حقيقية، فبدل

مـــن اأن يوجه ال�سا�سة، وبـــدل من اأن يكون مرجعيـــة للنظام الر�سمي،

غـــدا تابعا متغريا يتحرك بتوجيه ال�سا�ســـة ولي�س العك�س. ولذلك فاإنه

�ساهـــم يف تاأكيـــد الواقع الجتماعـــي والديني ال�سائـــد، ومل يكن عامل

اإ�ســـلح اأو عامل توجيـــه اأو اإر�ساد. اإنه - كما نقول نحن - موظف عند

هـــذه ال�سلطة، اأو - كما يقول البع�س – اأ�سبح هناك وعاظ لل�سلطني

اأو علمـــاء لل�سلطـــني، وهذا هو ماآل اخلطاب الدينـــي الر�سمي. ائتني

مبوقـــف جيد واحـــد للموؤ�س�سة الدينية يف اليمـــن اأو يف غري اليمن فيما

يتعلق بالتوجيه والإ�سلح والوقوف ال�سلب اأمام �سقطة اأو خطاأ النظام

ال�سيا�ســـي. ولأن الأمـــر كذلك، فاإن الأنظمة ال�سيا�سيـــة تلجاأ عادة اإىل

و�ســـع هذه املوؤ�س�سات لتلميـــع اأو جتميل اأو �سرعنـــة ممار�ساتها. وهذا

يقودنـــا اإىل نتيجة مفادها اأن اخلطاب الدينـــي الر�سمي اأ�سهم بق�سط

وافر يف التاأزمي الذي ن�ساهده اليوم.

يف حــوار �ســابق قلــت اإن التديــن احلركــي اأخــذ يرتاجع

كثريا حل�ســاب التدين التقليدي املتمثل باجلماعات ال�سلفية

اأو ال�ســوفية، ممــا يعني اأن هناك تراجعــا يف العمل احلركي

املنظــم كمــا هــو حــال حــزب االإ�ســاح. اإىل اأي مــدى ممكن

الوثوق مبثل هذا اال�ستنتاج؟

اأعتقـــد اأن هـــذا الأمـــر �سحيـــح على امل�ستـــوى العـــام، اإذ اأن هناك

انح�سارا يف اللتزام التنظيمي واحلركي ل�سالح النتقال اأو الجنذاب

ل�سالح اخلطاب ال�سويف وال�سلفي. واأنا اأت�سور اأنه لو اأردنا اأن ن�سقط

هـــذا علـــى اليمن، فاإننـــي لن اأ�ستطيـــع اأن اأحـــدد بال�سبـــط اإذا كانت

ال�سوفيـــة يف توجهها وامتدادها اأكرب مـــن ال�سلفية اأو اأن ال�سلفية اأكرب

مـــن احلركية، لكن ل �ســـك يف اأنها تتو�سع من يـــوم اإىل اآخر، وهو اأمر

ياأتـــي بال�سرورة على ح�ســـاب احلركيني �ســـواء كانوا اإخوانـــا اأو كانوا

�سلفيني اأو حتت اأي اإطار اآخر.

ومـــع اأنني اأميـــل اإىل اأن هناك جماعة �سلفية

منظمة وهي يف احلقيقة توافق على بع�س الأمور

لكنهـــا لي�ســـت منظمـــة علـــى غـــرار املنظمات

احلركيـــة الإخوانية، وبرغم ذلـــك فاإنني اأظن

اأن ثمة تراجعا حركيا تنظيما ل�سالح اخلطاب

التقليـــدي ال�ســـويف وال�سلفـــي واإن كان هذا ل

يعني اأن هـــوؤلء �ســـاروا اأغلبية وهـــوؤلء اأقلية.

واإذا قارنـــت الو�ســـع احلايل ب�سنـــوات ما قبل

الوحدة، �ستلحظ اأن الأمر يختلف.

يف �سوء هذا كله، هل تعتقد اأن النظام

ال�سيا�سي اليمني - بعد فك حتالفه االإ�سرتاتيجي مع جماعة

االإخوان - �سعر مبثل هذه النتيجة فبداأ بالبحث عن حليف

اآخــر ومــن نف�ــض الن�ســق االأيدلوجــي الديني كال�ســلفين اأو

ال�ســوفين مثا؟ وهل هناك من هذه اجلماعات من ت�ستطيع

اأن تقوم بنف�ض الدور ال�سيا�ســي الذي قام به االإخوان، وهل

هناك اأمل يف اأن يعود النظام اإىل التحالف مع االأخوان مرة

اأخرى؟

ندرك جيدا اأن التهديدات الداخلية واخلارجية للنظام تقريبا كلها

انتهت، فالنظام يف تلك الفرتة كانت علقته بال�سعودية متوترة واأحيانا

كثـــرية كانت ت�سل اإىل درجة املواجهـــة، اأما الآن فالنزاع احلدودي مع

هـــوؤلء اجلريان انتهى اليـــوم، مع ال�سعودية ومع عمـــان واإريرتيا اأي�سا

انتهى.

علـــى امل�ستوى الداخلي، بعد حرب 1994 �سيطر النظام على مقاليد

الأمـــور مبحاورهـــا املختلفة، ومل يعد هناك خوف مـــن غائلة اأو فاجعة

علـــى امل�ستوى الداخلي واخلارجـــي. يف هذه اللحظة بداأ التفكري اجلاد

من قبل النظام باأن التكاء على الإ�سلميني مل يعد واردا بال�سرورة؛

(الإ�صالح يف و�صع حمرج جدا، )

فهو مل ي�صتطع الذود عن نف�صه

حيال ما اأ�صابه من ظلم اأحيانا،

كما اأنه اأي�صا �صايع الظاهرة

احلوثية، وتبنى موقف الآخرين

مثل ال�صرتاكي؛ فهو فعال بني

املطرقة وال�صندان

Page 68: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 136 137ا�سرتاتيجية

فـــاإذا طالب الإ�سلميون باأي مطالـــب اأو اأن يكون لهم دور اأو مواقع

فاإن هذا الكلم انتهى اأوانه، ولي�س اأدل على ذلك من اأنه يف عام 2001

وبالذات عندما جاءت اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب وكانت

هنـــاك مطالب نذكرهـــا جيدا من عـــام 1990 عندما اتفـــق كل فرقاء

ال�سيا�ســـة حينهـــا على اأن تدمـــج موؤ�س�ســـات املعاهد العلميـــة يف اإطار

التعليـــم العام، و�سدر القرار عـــام 1992 ومل يطبق لأن النظام كان ما

زال يحتاج اإىل حلفائه يف الإ�سلح.

ولكـــن بعد اأن اأطماأن النظام اأنه مل يعـــد يحتاج اإليهم على امل�ستوى

الداخلي واخلارجي، وجاءت اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب،

مت تطبيـــق القرار والقانـــون يف ذلك احلني، وحينما جـــاءت انتخابات

2006 �ســـرح الرئي�ـــس علي عبـــداهلل �سالح مبقولته ال�سهـــرية »اأنهم - اأي الإ�ســـلح - جمرد كرت احرتق«. مبعنـــى اأن كل املعطيات اأكدت له

يف الفـــرتة ال�سابقـــة باأنه مل يعد حمتاج لأحد، غـــري اأن الأزمة احلالية

ذكرتـــه باحلاجـــة اإليهم، ولعلنا نذكر يف عـــام 2004 اأنه كان هناك نوع

مـــن املغازلة للإ�ســـلح، عندما قـــال اأن موقفهم كان م�سرفـــا، مع اأن

موقـــف الإ�ســـلح يف ذلك احلـــني مل يختلف عن موقفهـــم ال�سابق من

حيث اإعلمهم ومواقفهم الر�سمية يف اإطار امل�سرتك.

لكـــن كان ثمة حماولة جلعـــل الإ�سلح يعود

لأن الرئي�س كان بحاجة اإليه، بحكم اأن الإ�سلح

كان حمكومـــا بنظـــام اأو ن�ســـق امل�ســـرتك الذي

مل يتغـــري اأبـــدا وظل التوتر قائمـــا، والآن اأظن

اأن النظـــام يبحث له عن حليـــف اإ�سرتاتيجي،

وحتديدا يبحث عن الإ�سلح.

بالن�سبة للإ�سلح، يبدو اأنه قد اتخذ قراره

يف اإطار امل�سرتك، وامل�ستقبل ل ميكن لأحد اأن

يدعـــي علمه اأو يجزم بـــه. ففي املدى املنظور ل

ميكن اأن يتحالف مع ال�سلطة، ول ميكن اأن يعود

ملـــا كان عليه من قبل. اأنا اأوؤكـــد على اأن هذا يف املدى املنظور، ومن ثم

فال�سلطـــة تبحـــث لها عن حليـــف ديني قوي وت�سعـــى الآن اإىل اأن توجد

بع�ـــس الأفراد املح�سوبني علـــى الإ�سلح اأو على ال�سلفيـــة لت�سعى بهم

اإىل اجلبهـــة حتت �سعار التوعية والتثقيـــف والتعليم، ومن ثم امل�ساركة

يف القتال.

هل تعتقد اأن النظام جلاأ اإىل اجلماعات ال�سوفية ليعو�س مثل هذا

التحالف املنفرط؟ ومـــا موقف هذه اجلماعات ال�سوفية، التي تعد يف

هذه اللحظة حليفا رئي�سيا للنظام، مما يجري يف �سعدة؟

لقد حر�س النظام ال�سيا�سي يف اليمن على اأن تكون هذه اجلماعات

ال�سوفيـــة بديل للإخـــوان لكنهـــم مل ي�ستطيعوا اأن يثبتـــوا اأنهم بديل

منا�ســـب. وعلـــى اأية حـــال، فاإن هـــوؤلء لي�ـــس لهم موقـــف ر�سمي مما

يـــدور اليوم يف �سعـــدة على عك�س موقفهم الدائـــم من عمليات تنظيم

القاعدة.

ومــاذا عن بوادر التحالف االأخري مع اجلماعات ال�ســلفية

التي تعد اجلماعة الدينية الوحيدة التي وقفت اإىل جانب

النظام �سيا�ســيا �ســد ما يتهدده من قبل احلوثين من خال

موؤمترهم الذي عقدوه يف اأيار/مايو املا�سي؟

بالن�سبـــة لل�سلفيـــني فاإنهـــم يبدون مـــن ال�سعف والت�ســـرذم حدا ل

ميكنـــه – اأي النظام - مـــن العتماد عليهم. فالوا�ســـح الآن اأنهم لن

ميثلـــوا بديل لأحد، رغم اأن موقفهم الإجمـــايل تقريبا يختلف بح�سب

القـــرب والبعد )مـــن اجلانب الر�سمي(، لكنهـــم متفقون على اأن خطر

احلوثيـــة، ومن ي�سمونهم بالراف�سة، اأكرب من اأي خطر اآخر. ومع ذلك

فهم لن ي�سدوا الفراغ.

ما تف�ســريك لت�سريحات عبد امللك احلوثي االأخرية التي

تقــول باأنــه يقبــل باحلوار مــع الدولــة على قاعــدة وثيقة

االإنقــاذ الوطنــي، التــي متثــل روؤية اأحــزب اللقاء امل�ســرتك

ال�سيا�سية لاأزمة يف اليمن؟

هذه م�ساألة فل�سفية باملنا�سبة.

كيف ذلك؟

خـــذ مثل رمـــوز وثيقة الإنقـــاذ الوطني. علـــى �سبيل املثـــال حميد

الأحمـــر، جتد اأن موقفه �ســـارخ ووا�سح جدا من احلوثيني، والأطراف

الأخـــرى اأي�سا متثل تبعا حلميـــد الأحمر. هكـــذا امل�ساألة يف احلقيقة،

فيجب اأن ل نخدع اأنف�سنا، وهذا ما قاله حميد

الأحمـــر عرب قنـــاة اجلزيرة. وكـــون احلوثيني

يقولون اأنهـــم موافقون )علـــى الوثيقة(، فاإن

هذا يوؤكد اأن و�سعهم امليداين والع�سكري جد

�سعـــب، واأنهم يبحثون عـــن خمرج باأي ثمن؛

فالوثيقة - مهما تكن - فاإن الذي �ساغها هو

خ�سم لهـــم، اأي اأن حميد الأحمر هو الرجل

الأول يف املو�ســـوع. �سحيـــح اأنـــه لي�س هو من

�ساغهـــا بالكامل، لكن ل �ســـك اأن روؤيته متثل

جل ما تدور حوله الوثيقة.

فلـــو كانت امل�ساألة فعل مبدئية اأو �سيا�سية اأو مطالب معقولة لكانت

مطالبهـــم موجهة لبع�س الأطراف التي ميكن اأن تكون ذات حياد ذات

مرجعية كاجلامعة العربية منظمة املوؤمتر الإ�سلمي اأو الأمم املتحدة،

لكنهـــم تلقفوا وثيقة الإنقاذ هـــذه وكاأنها جاءت معجزة من ال�سماء. ل

تن�ســـى اأي�ســـا اأنهم بعد اأن كانـــوا يتحدثون عن اأن النقـــاط ال�ست التي

و�سعتهـــا احلكومة متثرل انتحارا، وعلى حـــد تعبري يحيى احلوثي، فاإنه

يقبـــل باأن تتحول اليمن اإىل بحرية مـــن الدماء دون اأن يقبل بال�سروط

ال�ستة.

مــاذا عما بات يعــرف بتنظيم القاعــدة يف اليمن، اأين هو

االآن؟ وهــل �ســحيح اأنه اأ�ســبح العبا رئي�ســيا على ال�ســاحة

اليمنية؟

الأمـــر حمري جدا، اأين القاعدة الآن؟ يف الظروف الراهنة يفرت�س

اأنهـــا مـــن اأ�سنـــح الفر�س لهـــا لتنق�س علـــى النظام خ�سمهـــا اللدود.

�سحيـــح اأن اخل�سومة التي بني التنظيم وال�سيعة كما يقال كبرية، لكن

اإذا عدنا اإىل الأبعاد الإقليمية واخلارجية، �سنجد اأن هناك كلم يكاد

يكون متواترا باأن ثمة علقة بني القاعدة يف العراق والدعم الإيراين،

(اخلطاب الديني الر�صمي بدل )

من اأن يكون مرجعية للنظام

الر�صمي، غدا تابعا متغريا

يتحرك بتوجيهاته. ولذلك

فاإنه �صاهم يف تاأكيد الواقع

الجتماعي والديني ال�صائد،

ومل يكن عامل اإ�صالح

ب�سراحة مدار االأفكار

وي�ست�سهـــد بع�س املحللني كعبداهلل النفي�سي واآخرون باأن احتجاز - بل

بقـــاء - �سيف العـــدل امل�سري و�سعد الدين بـــن لدن )يف اإيران(، يدل

علـــى اأن هـــوؤلء لي�ســـوا معتقلني يف احلقيقـــة، واأنهم موجـــودون هناك

باعتبـــار اأن ذلك املكان اأح�سن من اأي مـــكان اآخر، وهذا يجعلهم ورقة

من الأوراق.

واإذا كانت اخل�سومة بني الطرفني موجودة وحقيقية، ملاذا ل ت�ستغل

عنا�سر التنظيـــم الفر�سة وتنق�س على خ�سومها ال�سيعة اأو الرواف�س

كمـــا ي�سمونهم. اإن عـــامل ال�سيا�سة عامل عميق، واأنـــا باملنا�سبة اأزعم

منذ وقت اأن القاعدة يف اليمن لي�ست بالوجود الذي ي�سورونه اأحيانا؛

اأي اأن وجودها يظل اأقرب اإىل الظاهرة الهلمية، واأقرب اإىل النتقام

مـــن اخل�سوم ال�سيا�سيني اأو من ال�سلطـــات الأخرى، اأكرث منها تنظيم

معقـــد ويتكون من خليا و�سبكات وله جانب عملياتي منظم. قد يوجد

تنظيم للقاعدة، لكنها لي�ست بهذا التهويل والت�سخيم الذي يقال، واإل

فـــاإين اأت�سور اأن هذا الظـــرف يعد اأ�سنح الفر�س لهـــم. ففي الأو�ساع

الأخـــرى جتد خطابهم ي�سور اأن هذه ال�سلطـــة هي عدوهم احلقيقي،

واأن الق�ســـاء عليهـــا مقدم على اأي �سيء اآخـــر، وعليه اأظن اأن هذه هي

فر�ستهم الذهبية. وهذا التناق�س والغمو�س وا�سحان منذ عام 2004،

اإذ كلما دخلت ال�سلطة يف �سراع مع احلوثيني

ي�سكتـــون، �سعب اأن نقول اأن هذا توزيع اأدوار،

لكـــن يبـــدو يل اأن الإعلم اأحيانـــا ي�سنع لهم

هالة اأكرب من حجمهم احلقيقي.

حللحلــة براأيــك اإذن املخــرج مــا

هــذا كل ظــل يف القائمــة االأزمــة

التعقيــد والتداخــل والت�ســابك بــن

الديني وال�سيا�ســي، واملدن�ض باملقد�ض

اإن �سح التعبري؟

اأنـــا قدمـــت ت�ســـورات يف درا�ستـــي عـــن

املو�ســـوع. اأول ل بـــد من اأن يكون احلوار قاعـــدة اأ�سا�سية بغ�س النظر

عن الأطـــراف؛ فل يقال هذا كبري وهذا �سغـــري، ول يقال هذا متمرد

وهـــذا �سرعي. يف النهاية هـــوؤلء النا�س عندهم مطالب، قد تكون غري

مقبولة من حيث الأ�سا�س، اأو يف بع�سها تعجيز لكن اأنا اأعتقد اأنه يجب

اأن تو�ســـع البندقيـــة جانبـــا، واأن ن�سلـــم بوجود دولـــة ذات �سيادة، واأن

نحتكـــم اإىل د�ستورهـــا وقوانينها جميعا، وعلى الدولـــة اأن ترتك اللعبة

التي كان يلعبها بع�س رموزها يف تفريخ اجلماعات و�سرب هذا بذاك،

فكما يقال “قد ينقلب ال�سحر على ال�ساحر”. وينبغي اأن نحتكم جميعا

اإىل الد�ستور واإىل القوانني النافذة.

ففـــي تقديـــري اأن اأكـــرب واأخطـــر مـــا تطرحـــه اجلماعـــة احلوثية

يتمثـــل يف البعـــد الفكري ذي ال�سلـــة التعليمية والرتبويـــة؛ مثل ق�سة

اجلامعة الزيديـــة واملدار�س واملعاهد الزيدية... الخ، هذه املطالب قد

تبـــدو غريبة، لكنها لي�ســـت اأي�سا تعجيزية. فاأنا اأعتقـــد اأننا لو نحتكم

اإىل قانـــون 45 ل�سنـــة 1992 الـــذي يتحدث عن نظـــام التعليم يف اليمن

وال�سيا�سيـــة التعليمية، ويتحدث باإ�سهاب عن التعليم الأهلي واخلا�س،

خا�ســـة واأنه قد �سيـــغ يف فرتة حرجة هي فرتة املعاهـــد العلمية وما كان

يناظرهـــا يف اجلنـــوب حينها مـــن مدار�س البـــدو الرحـــل واملعاهد ذات

ال�سبغـــة ال�سرتاكية املارك�سية، لتجاوزنا الكثري من امل�ساكل التي جندها

اأمامنا اليوم.

وباخت�ســـار �سديـــد، اأعتقـــد اأنه ل بـــد، اأول، اأن نعـــرتف اأن هوؤلء هم

مينيون واأنهم جزء من املكون املذهبي لهذا ال�سعب كغريهم من الأقليات

الأخرى كالبهرة ونحوهم، وهوؤلء كلهم مكون من مكونات الن�سيج الوطني

بجانـــب اأكرثيـــة املذهـــب ال�سافعـــي. مبعنى اأن مبـــداأ امل�ســـادرة والإلغاء

مذمـــوم ومرفو�س، هـــذا اأمر. الأمر الثاين من ال�ســـروري اأن يتم ت�سكيل

جلنـــة حقيقـــة ولي�ست �سكليـــة من خـــرباء وتربويني وذوي �سلـــة بالرتبية

الإ�سلميـــة ب�سكل اأو باآخر من خمتلف املكونات املذهبية املوجودة، بحيث

تنظر يف املناهج احلالية �سواء يف التعليم احلكومي الر�سمي على م�ستوى

التعليم الأ�سا�سي والثانوي اأو العايل من جهة اأخرى، وكذلك ما هو موجود

الآن يف التعليـــم الأهلـــي واخلا�س على م�ستـــوى التعليم العـــام اأو الثانوي

اأو العـــادي اأي�ســـا، وكذلـــك ل بد اأن يـــدرج اإىل جانب هذا مـــا يعرف الآن

باملراكـــز العلمية. وباملنا�سبة املراكز هذه، �سواء كانت حتت رداء ال�سلفية

اأم الزيدية اأو ال�سوفية اأو غريها، ل بد اأن تخ�سع جميعها لقانون التعليم

الأهلي واخلا�س.

هــل مــن املمكن اأن تكــون فكــرة العلمنة

التعليميــة - علــى االأقــل - خمرجــا وحا

للتعــدد املذهبــي والطائفي الذي ي�ســعف

احل�ض الوطني لدى الفرد ويح�ســر والءه

يف اإطار مذهبي طائفي �سيق؟

ل، اإن هـــذه �ستكون جرمية ترتكب بحق الأمة

كلهـــا. فال�سعـــب اليمنـــي �سعـــب م�سلـــم، و�سعب

متديـــن، وباتخـــاذ نهـــج العلمنـــة التعليميـــة فاإننا

�سن�سادر حق اجلميع، وهذا ل يجوز.

ا�ســتطاعت التعليميــة العلمنــة لكــن

اأن حتــل م�ســكلة االختاف االثنــي والدينــي يف ماليزيا، رغم

اأنــه اأكرث تعقيــدا مقارنة بب�ســاطة االختــاف املذهبي هنا يف

اليمن؟

عندنا الختلف �ســـيء حمدود وهني، ول بد اأن نذكر باأنه من اأح�سن

واأعظـــم ما اأوجدته الثـــورة اليمنية اأنها ق�ست علـــى امل�سكلة املذهبية مبا

يكاد يكون ح�سنة ينبغي اأن ي�ستند اإليها الآخرون. فمن اأهم ما ا�ستطاعت

اأن حتققه هذه الثورة هو اأنها قربت الفجوة بني التعليم املذهبي مبختلف

مكوناته، بحيث اأنه اأنا واأنت مل نعرف هذا التنازع، فقد در�سنا على اأ�سا�س

اأننـــا م�سلمني وكفى، فلم يظهر مثل هذا التنـــازع اإل بعد عام 1990 حني

جـــاءت التعددية، وقبل ذلك كان هناك �سيغـــة جيدة �سواء يف املعاهد

العلمية اأو يف التعليم العام. فقد در�سوا فقط الراأي الراجح الذي قالت

بـــه جلنة املناهج يف الرتبيـــة الإ�سلمية ومل تكن هـــذه امل�سكلة قائمة،

وعليـــه فاإن طرح العلمانية بديل يعد طرحا كارثيـــا، وبدل من اأننا قد

نظلم فئة من النا�س، كرثت اأم قلت، فاإننا )مبثل هذه اخلطوة( �سنظلم

املجتمـــع كله لأنه جمتمع متدين. وباملنا�سبة م�سكلة التعليم يف اليمن ل

متثـــل م�سكلة حقيقة يف ظل النوايا ال�سادقة، واأنا زعيم بتقدمي ت�سور

نظري ميكن اأن يناق�س.

(وجود القاعدة يف اليمن يظل )

اأقرب اإىل الظاهرة الهالمية،

واأقرب اإىل النتقام من اخل�صوم

ال�صيا�صيني اأو من ال�صلطات،

اأكرث منه تنظيما معقدا ويتكون

من خاليا و�صبكات وله جانب

عملياتي منظم

Page 69: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 138 139ا�سرتاتيجية

�سدر حديثا �سمن

�سل�سلة درا�سات اقت�سادية

اأثر تقلبات االأ�سعار العاملية للقمح يف االقت�ساد اليمني

درا�سة قيا�سية

اأروى اأحمد البعداين

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

الفهر�ست

مراجعات للكتب وعرو�س موجزة

العنف ووهم الهوية املتفردة

معنى اأن تكون مواطنا

باالإ�سافة اإىل عرو�ض موجزة

اأمارتيا �سن/حممد عبداهلل حممد

ديريك هيرت/حممد �سيف حيدر

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية

Page 70: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 140 141ا�سرتاتيجية

مـــن الكتب املهمة التي �ســـدرت موؤخرا )حتديـــدا يف العام

2006 يف اأ�سلـــه الإجنليزي، والعام 2008 يف ترجمته العربية(،

كتـــاب الفيل�سوف والقت�سادي الهنـــدي اأمارتيا �سن، املو�سوم

»الهويـــة والعنـــف: وهـــم امل�ســـري احلتمـــي«. وهو عمـــل يوؤكد

فيـــه موؤلفه علـــى مقولة اأن الهويـــة الإن�سانية »متعـــددة الأبعاد

ومعقـــدة«، وبالتايل يرف�س اختزالهـــا اإىل البعد العقائدي كما

فعل املفكـــر الأمريكي �سامويـــل هنتنجتـــون يف كتابه املعروف

عـــن »�سدام احل�سارات«. وبهذا املعنى يرد �سن على اأطروحة

هنتنجتون، ويـــرى اأنها تقدم مقاربـــة »ذات بعد واحد« ملفهوم

الهويـــة، اأي تق�سيـــم العـــامل اإىل »طوائف«، وبالتـــايل اإىل قوى

»متنازعـــة« بالطبيعـــة، ذلـــك اأنها تعرب عن »كتـــل ذات هويات

حمددة ومتنا�سقة فيما بينها«.

ويجـــادل �ســـن بـــاأن املقاربة الدينيـــة للعلقات بـــني الب�سر

يرتتـــب عليها ت�سنيـــف اأحادي، ي�ســـع كل كتلـــة ب�سرية تنتمي

لديـــن معـــني، وربطهـــا بح�سارة معينـــة، يف �سنـــدوق مغلق يف

مواجهـــة ال�سناديـــق الدينيـــة/ احل�ساريـــة الأخـــرى، وهو ما

�سمـــاه »التق�سيـــم ال�سندوقي اجلامد« للأفـــراد/ اجلماعات،

وهـــذا النوع من التق�سيم ي�ستبعـــد اأي تنوعات داخل ال�سندوق

احل�ســـاري الواحد. وخطـــورة طرح هنتنجتون اأنـــه ينتج فهما

�سديد الت�سليل لل�سعوب عرب العامل وللعلقات متعددة الأ�سكال

والتنـــوع بينهم، كما اأنه يوؤدي اإيل ت�سخيـــم فارق واحد بعينه،

بني كل كتلة واأخري مت ت�سنيفها وفق الدين فقط.

وكمـــا هي عادته يف �سائر كتبه وموؤلفاته، يكتب اأمارتيا �سن

باختزال واأكادميية لي�س فيها اإطناب وح�سو، وينجح يف ت�سهيل

املـــادة املعقدة التي ي�سرحها للقارئ عن طريق جعل ال�ستدلل

حول معـــاين التعابري املتخ�س�سة ممكنا مـــن خلل امل�سمون

العام للكتاب، ويعمد اأحيانا اإىل تو�سيح هذه التعابري على نحو

خمت�ســـر وحمدد. ومما ل �ســـك فيه اأن الكتـــاب يحمل �سبغة

اأكادمييـــة ظاهرة ت�سمـــل تعابري متخ�س�سة وجمـــل مت�سابكة

حتمـــل فهمـــا مركبا. لكـــن املحاججـــات التي يقدمهـــا ويدافع

عنهـــا تقود اإىل نتيجة نهائية، بعيـــدة عن ال�سعاراتية اأو اجلمل

الطنانة.

بـــداأت فكـــرة الكتـــاب - كمـــا يذكـــر املوؤلـــف يف مقدمته -

مبحا�ســـرات األقاها يف جامعـــة بو�سطن يف عامي 2001 و2002

عن »م�ستقبل الهوية«، اإ�سافة اإىل حما�سرات األقاها يف جامعة

كامربدج عن دور العقل والتفكري يف اختيار الهوية حتت عنوان

»العقـــل قبل الهويـــة«. وينطلـــق اأمارتيا �ســـن يف حتليلته من

حـــادث حمدد كان قد عا�ســـه هو نف�سه عندمـــا كان يف حوايل

العا�سرة من عمـــره يف بلدة داكا حيث كان يعي�س مع اأهله عام

1944. فـــذات يوم وجد رجل م�سرجا بدمـــه عند باب حديقة

املنـــزل. كان مطعونا بعدة �سربات من اآلـــة حادة، وكانت تلك

هـــي املـــرة الأوىل التي ي�ساهـــد فيها الطفل مثـــل ذلك العنف.

لكن امل�سهد مل يبارحه طيلة حياته. ومنذ ذلك اليوم طرح على

نف�سه �سوؤال كبري: ملاذا حاولوا قتل ذلك الرجل؟

وكانـــت الإجابـــة الوحيدة التي تو�سل اإليهـــا هي اأنه قد فقد

حياته ل�سبب واحد هو اأنه كان م�سلما، واأن �سوء حظه قد دفعه

اإىل اأن يكـــون يف »املكان ال�سيـــئ« ويف »اللحظة ال�سيئة«، بحيث

ت�سافـــرت ال�ســـروط لرتكاب اجلرميـــة وخا�سة توفـــر خلفية

احلقد وعـــدم الت�سامح حيـــال »الآخر« لكون اأنـــه »الآخر« دون

اأن يختار ذلك. وفهـــم اأمارتيا �سن اأن ذلك الرجل - ال�سحية

كان قـــد تلقى من زوجتـــه يف �سباح ذلك اليوم الن�سيحة بعدم

اخلـــروج من املنـــزل، لكن عدم اخلـــروج كان يعني عدم توفري

الطعام لأ�سرته، وبالتـــايل )مل يكن حرا( يف اتخاذ قرار عدم

اخلروج. وهـــذا يعني اأن ال�سروط القت�سادية ميكنها اأن تكبح

عرو�ض م�ؤجزة مراجعات

الفهر�ست

العنف

ووهم الهوية املتفردة

ممار�سة احلرية.

هكذا خـــرج املوؤلف انطلقا من تلك احلادثة بقناعة كبرية

تقول بوجود »ارتباط كبري بني القت�ساد واحلرية«. و�سرح مثل

هـــذه العلقـــة الوثيقة يجدهـــا القارئ يف جميـــع اأعمال حامل

جائـــزة نوبل للقت�ساد مبا فيها هذا الكتاب »الهوية والعنف«.

لذلـــك يخرج املوؤلف من احلادثة نف�سها بــــ »در�س اآخر« هو اأن

العنـــف الإن�ساين، ومهما بلغت درجـــة �سرا�سته، ل ي�ستطيع اأن

ينهـــي كل بعد اإن�ساين لـــدى الب�سر. هكذا يـــروي كيف اأن اأباه،

غري امل�سلم، مل يرتدد حلظة واحدة يف نقل ذلك الرجل اجلريح

ب�سيارته اإىل امل�ست�سفى اأمل باإنقاذ حياته، لكن الفر�سة كانت

قـــد فاتت. وما يوؤكـــده املوؤلف هو اأن فهم تلـــك احلادثة يتطلب

الذهـــاب اإىل مـــا هو اأبعد مـــن اعتبارها »ق�سيـــة هندية ونزاع

عقائـــدي، ديني« فقـــط. واإمنا البحـــث عن خلفياتهـــا العميقة

يف »املفاهيـــم املحـــدودة واجلامـــدة للهوية«. ويعتـــرب اأن جميع

التعريفـــات القائمة علـــى اأ�سا�س النتمـــاء اإىل جمموعة معينة

اأو طائفـــة معينة اإمنا تقوم بعملية »اختزال«، و»ق�سر« الإن�سان

على بعد واحد، بينما اأنه جت�سيد لـ»هويات متعددة«، واأن هذه

»التعددية« هي م�سدر ثراء كبري له.

يوؤكـــد املوؤلـــف علـــى تعقيد مفهـــوم الهويـــة وتنوعه،

وي�ســـرب حالتـــه ال�سخ�سيـــة كمثـــال علـــى الهوية ذات

الأبعـــاد املتنوعة. فهو مـــن مواليد الهنـــد ويعي�س حاليا

يف الوليـــات املتحدة، حيث يقـــوم بالتدري�س يف جامعة

هارفـــارد، وبريطانيـــا والهنـــد. ويوؤكـــد اأنـــه معجـــب بـ

»املطبخ النكليزي« واأطباقه ال�سهية، وي�ستمع كثريا اإىل

مو�سيقى اجلاز والـــراب ولكن اأي�سا املو�سيقى الهندية.

ويخـــرج بنتيجة مفادها اأنه ل يح�س اأبدا اأن ذلك التنوع

يلغـــي واقع اأنه هنـــدي الأ�سل ومتعلق جدا بهويتـــه »البنغالية«.

و�سمـــن هذا النهج من التحليل يدين املوؤلف، باأ�سكال خمتلفة،

كل تلـــك التيارات التي حتـــاول »�سجن« الإن�ســـان داخل اأ�سوار

»هويـــة مغلقة« و»منغلقة على ذاتها«، مما يفتح اآفاق النزاعات

واحلروب علـــى م�سراعيها ومتنع الإن�ســـان نف�سه من »حتقيق

اإن�سانيته ذات الأبعاد العديدة«.

ويف اإطار حتليله لق�سية الهوية يبدع �سن يف طرحه املنطقي

واملقنـــع القائل باأن الأفراد يتمتعـــون - ب�سكل واع اأو غري واع -

بحريـــة الختيار يف جمال حتديـــد هوياتهم الجتماعية. ويرى

اأن اأحـــد الأدوار املهمـــة للهويـــة الجتماعية هـــو »التو�سيف« -

تخ�سي�ـــس اجلماعات املختلفة بهويـــات خا�سة بها - وهو اأمر

ي�سمـــح – بالطبـــع - بالختيـــار وبحاجة الفـــرد اإىل ا�ستخدام

العقل، حيث ميكن لل�سخ�س اأن ميتلك هويات م�سرتكة مع اأكرث

مـــن واحدة من تلـــك اجلماعات املو�سفة، ويكـــون عليه اأحيانا

اأن يختـــار من بني جمموعة من الهويـــات البديلة اأو املتناحرة.

وبالتايل، فاإن �سن - القادم من الهند والربيطاين اجلن�سية-

الهويـــة والعنف: وهم

امل�سري احلتمي

اأمارتيا �سن

ترجمة: �سحر توفيق

املعرفة عـــامل �سل�سلة

الكويتية؛ 352

حزيران/ يونيو 2008

215 �سفحة.

بيانات الكتاب

غاف الطبعة العربية

اأمارتيــا �ســن

غاف الطبعة االإجنليزية

Page 71: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 142 143ا�سرتاتيجية

ر يف اأرقى جامعات العامل املن�سغل بهموم عاملثالثيـــة، واملحا�س

الأول، واملتعـــدد الهويـــات، يبحـــث عـــن �سيغـــة تت�سالـــح فيها

الهويات التي تبدو متناق�سة.

غري اأن اإ�سكال الهويـــة، واختيارها، كما الإ�سكالت الأخرى

ذات الـــوزن الثقيـــل ل تقع يف دائـــرة القرار الفـــردي فح�سب،

وال�سوؤال الذي يطرحـــه ويتناوله �سن اإزاء هذه النقطة هو: األ

ي�ســـكل املجتمع ككل موؤثـــرا كبريا على تفكري الفـــرد، واأل يحد

هـــذا من قدرة الفـــرد على الختيـــار؟ ولتنـــاول الإجابة يرجع

اإىل »الوظيفـــة الإدراكيـــة« للهوية الجتماعيـــة، وهي الطريقة

التي ميكن لأفراد اجلماعة بوا�سطتها اإدراك العامل، والتو�سل

اىل اأحكام عقلنيـــة، والتاأثري على بع�سهم البع�س. ويف نهاية

املطاف ميكن لعقل الفرد اأن يتاأثر بالأفكار الجتماعية اخلا�سة

باجلماعـــة، لكـــن هـــذا ل يقيـــد املـــرء بالتفكري »فقـــط �سمن

عـــرف ح�ساري حمـــدد، ذي هوية حمـــددة«. فالأفراد قادرون

علـــى ممار�سة طرق اأخـــرى من التفكري خارج حـــدود املواقف

احل�سارية الأ�سا�سية املتجذرة يف اجلماعة التي ينتمون اإليها،

بـــل حتى �سمن املنظومة احل�سارية الواحدة يوجد عادة طيف

وا�سع من املواقف واملعتقدات، ي�سمح بالختيار ويتداخل اأحيانا

مع مواقف ومعتقدات الآخرين.

ومــــن هنــــا، تظــــل الختيــــارات قائمة رغــــم وجــــود املوؤثرات

احل�سارية، وهو اأمر يوؤكد عليه �سن تاركا كوة من الأمل والباب

املفتوح لنظرية الهويات املت�ساحلة والختيارية. بناء على ذلك،

يرف�س �سن الــــراأي القائل بـ »اكت�ســــاف« الهويات الجتماعية،

وهــــو الراأي الذي يوؤكد اأن الأفراد ل يختارون هوياتهم اخلا�سة

اإمنــــا يكت�سفونها فقط كجانب من جوانب حتقيق الذات. ويعزز

املوؤلــــف وجهة نظره باحلقيقة التــــي تفيد باأن الختيار ميكن اأن

يقع - وهو يقع بالفعل - حتى بعد ح�سول »الكت�ساف«. ومي�سي

قدما ليجادل باأن اإنكار الختيار عندما يكون الختيار موجودا،

ورف�ــــس ممار�ســــة التفكــــري ميكــــن اأن يقــــود اإىل الت�سليــــم غري

امل�سروط بالظلم والإجحاف و�سلوك القطيع. فلو كان اخل�سوع

للأعــــراف هــــو القانــــون ال�ساري علــــى ال�سلوك ملــــا ظهرت اإىل

يومنا هــــذا حقوق املراأة - على �سبيل املثال ل احل�سر- كتعبري

ر �سن من العواقب املظلمة ناهيــــك عنها كحقيقة ماثلة. ويحــــذر

ل�سلــــوك القطيع كما �ساهدها بنف�سه عندما كان �سبيا يف الهند

يف اأربعينيــــات القرن املا�سي، عندما اندلع العنف الطائفي بني

امل�سلمني والهندو�س يف اأعقاب نزاعات �سيا�سية.

واحلال اأن قدرة املرء على التفكري خارج منظومته احل�سارية

وحريته يف القيام بذلــــك، اإىل جانب قدرته على ال�ستفادة من

التنوع املتاح داخل ذلك النظــــام، ت�سكل مو�سوعا مركزيا يعود

لــــه �سن يف نهايــــة الكتاب. ولذا يطرح �سوؤالــــه عن الكيفية التي

ينبغــــي بها الأخذ بنظر العتبار الهويات امل�سرتكة عرب احلدود

الوطنيــــة للدول؛ هويات مثل الطبقة، اأو اجلنو�سة، اأو املعتقدات

ال�سيا�سيــــة والجتماعيــــة. وميكــــن اعتبار هذا ال�ســــوؤال النقطة

احليويــــة يف اجلــــدل املعا�سر حــــول حقوق الإن�ســــان: هل هناك

�سيء ا�سمه القيم الكونية? ويبدو هنا اأن �سن يعتقد اأن اجلواب

هــــو نعم. فاإذا كان بو�سع املرء اأن يتقبــــل وجود جمال للختيار

وحرية يف التفكري عند تقريــــر املرء لهويته، فاإن جميع احلدود

عندهــــا - جغرافيــــة كانــــت اأم ح�سارية - تكف عــــن لعب ذلك

الدور امل�سريي الذي غالبا ما يعمي اجلن�س الب�سري ويف�سده.

يرف�ض �سن الراأي القائل بـ »اكت�ساف« الهويات

االجتماعية، وهو الراأي الذي يوؤكد اأن االأفراد

ال يختارون هوياتهم اخلا�ســة اإمنا يكت�سفونها

فقط كجانب من جوانب حتقيق الذات. ويعزز

املوؤلــف وجهة نظره باحلقيقــة التي تفيد باأن

االختيــار ميكــن اأن يقــع - وهــو يقــع بالفعل -

حتى بعد ح�سول »االكت�ساف«.

مراجعات الفهر�ست

حممد عبداهلل حممد

كاتب من اليمن.

علـــى الرغـــم مـــن اأن فكـــرة املواطنيـــة/ املواطنة باتـــت ملمحا

اأ�سا�سيـــا مـــن ملمـــح ع�سرنـــا؛ بالنظـــر اإىل اأن مفهـــوم املواطنية

الـــذي ت�ستمد منه هيئة املواطنـــني يف اأي جمتمع قوتها ووجودها هو

الركيـــزة الأوىل واملبداأ الأ�سا�سي لأي نظام يعترب نف�سه دميقراطيا،

ومن دونـــه ل تتحقـــق الدميقراطية مبفهومها احلقيقـــي. لكن هذا

مل مينع ا�ستمرار اجلدل وال�سجـــال حولها؛ فاملواطنية، �ساأنها �ساأن

مو�سوعـــات ومفاهيـــم عدة مثل احلريـــة وامل�ســـاواة والدميقراطية

واحلريـــات الفرديـــة والعدالة، مل تزل ت�سكل مـــادة بحث هامة لدى

دوائـــر اأكادميية متنوعة وبخا�ســـة حني جتري معاجلتها يف اإطار

جمتمـــع متعدد باملعنـــى امل�سطرد للكلمـــة، اأي املواطنية

يف جمتمعـــات حتت�ســـن ثقافـــات وحتـــدرات اإثنيـــة

وذاكرة تاريخيـــة ومنظومة قيم وعادات وم�سالك

متنوعـــة. ويتنامى التناظر بـــني علماء الجتماع

وال�سيا�سة حول اإمكانية حتقق املواطنية الكاملة

يف جمتمعـــات متعـــددة، ناظريـــن اإىل �سياقـــات

تاريخيـــة حمـــددة كان فيهـــا امل�سعـــى احلثيـــث

مـــن قبـــل دول عديدة جلهـــة و�سع حـــد اأو تقلي�س

للفوا�ســـل والختلف بـــني جمتمعات يـــراد اي�سالها

اإىل درجة متقدمة من الوحدة الداخلية والن�سجام تعزيزا

لقواعد ال�ستقرار وحتديدا ال�سيا�سي منها.

واحلـــال اأن املواطنية متثل �سكل تتحدد عربه الهوية الجتماعية

وال�سيا�سيـــة للأفـــراد، وهي ق�سية معقـــدة للغايـــة ومت�سابكة، ميتد

تاريخهـــا اإىل ما يقارب ثمانية وع�سرين قرنـــا. وعلى الرغم من اأن

دميقراطيا اأ�سيل، غدت - ل�سيما املواطنيـــة، بو�سفها فكرة ومبداأ

يف ال�سنـــوات الع�سرين الأخرية - عنوانا مثريا للهتمام البالغ على

م�ستـــوى العامل يف ثلثـــة ميادين: امليـــدان ال�سيا�ســـي- الجتماعي

والأكادميي والتعليمي، وهو الهتمام الذي نتج عنه كتابات وموؤلفات

�سخمـــة. لكن، ومع هـــذا، مل ي�سدر كتاب واحـــد ي�ستعر�س التاريخ

الكامـــل للمبـــادئ واملمار�ســـات اخلا�سة باملواطنية خـــلل م�سارها

التاريخـــي الكامل. ومن هنا تاأتـــي اأهمية كتاب ديريك هيرت املعنون

ب���� “تاريخ موجـــز للمواطنيـــة”؛ اإذ يت�سمن م�سحـــا �سامل وممتعا

وا�ستعرا�ســـا ممتازا ومكثفـــا للمواطنية، ورغم اإيجـــازه فاإنه يت�سم

بالعمـــق واملتانـــة اللذين نفتقدهما يف كتابات اأخـــرى، يقدمه باحث

متخ�س�س له باع طويل يف هذا املو�سوع، تعك�سه من�سوراته العديدة

التـــي ت�سمل: ما هي املواطنيـــة؟ )1999(، املواطنية العاملية: التفكري

العـــايل ومناه�ســـوه )2002(، تاريـــخ الإعـــداد الرتبـــوي للمواطنيـــة

)2003(، املواطنيـــة: املثـــل املدنيـــة يف التاريـــخ العاملـــي، ال�سيا�ســـة

والرتبية )2004(.

وكتاب “تاريخ موجز للمواطنية” مبني على )وي�ستمد

�سرعيتـــه واأهميتـــه مـــن( الت�سليم بـــاأن الأو�ساع

الراهنـــة والنقا�سات ب�ساأن املواطنية ل ميكن

فهمهـــا دون معرفة اخللفيـــات التاريخية.

ومن هـــذا املنطلق، ي�سعـــى موؤلفه ديريك

هيرت اإىل تاأمني املادة التاريخية الأ�سا�س،

من خلل ال�سرد التحليلي بدءا من زمن

ا�سبارطة وروما مـــرورا بالقرون الو�سطي

وع�سر الثـــورات يف اأوروبـــا واأمريكا وحتى

الوقـــت احلا�ســـر، اأي ما بـــني 700 قبل امليلد

حتـــى 2000 بعد امليلد، �سامل �سواهد اقتب�ست من

الن�سو�س الأ�سلية ذات الأهمية يف هذا املجال.

ومنـــذ البدايـــة ي�سدد املوؤلف علـــى اأن املواطنيـــة ل حتدد علقة

الفرد بفـــرد اآخر مثلما هو احلال بالن�سبـــة اإىل الأنظمة الإقطاعية

وامللكيـــة وال�ستبدادية ول مبجموعة مثلمـــا يف القومية ولكن بفكرة

الدولة ب�سكل اأ�سا�سي التي يكون فيها الأ�سخا�س م�ستقلني ومت�ساوين

يف اأو�ساعهـــم ال�سرعيـــة، وهو مـــا يولرد فيهم الح�سا�ـــس بامل�سئولية

ويكر�ـــس اإنتماءهم اىل الوطن؛ لهذا حت�ســـر الدولة كلعب رئي�سي

يف الكتـــاب، وحت�سر نظرتهـــا اإىل رعاياها باعتبارهـــم مواطنني اأو

اأقـــل من ذلك، �ســـواء يف اأثينـــا اأو ا�سبارطة حتـــى املجتمع احلديث

ومتييزه �سد فئات بعينها مثل املراأة اأو ال�سود اأو العبيد.

ويف هذا الإطار، مييز هيرت بني خم�سة اأ�سكال رئي�سة من الهوية

معنى اأن تكون مواطناالتاريخ الطويل وال�ساق للمواطنية، فكرة وممار�سة

Page 72: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 144 145ا�سرتاتيجية

يتعاطـــى معهـــا الب�ســـر يف وظيفتهـــم كحيوانـــات اجتماعيـــة -

�سيا�سيـــة، جت�ســـدت يف الأنظمـــة القطاعية وامللكيـــة وال�ستبدادية

والقوميـــة واأن�ســـاق املواطنيـــة. يرتبـــط كل �سكل منهـــا باأ�سل معني

وحتيط كلهـــا بالفرد وجتعل له مكانة و�سعورا يحددان �ساأن العلقة

واأهلية الت�سرف والطريقة املنا�سبة يف هذا ال�سياق.

ثم يطوف بنا املوؤلف تدريجيـــا بني خمتلف الع�سور التي عرفها

الإن�ســـان. فيتطرق يف الف�ســـل الأول اإىل بلد الإغريـــق )اليونان(

وحتديـــدا اإىل بع�ـــس املـــدن التـــي بنيت �سنـــة 700 قبـــل امليلد مثل

مدينـــة ا�سبارطـــة وهي عبارة عـــن اأربع قرى اإغريقيـــة �سغرية تقع

اإىل اجلنـــوب مـــن �سبـــه جزيـــرة بيلوبونيـــز، ويتحـــدث، مـــن وجهة

نظر فل�سفيـــة، عن اأوجه املواطنية عند اأفلطـــون واأر�سطو. يناق�س

املوؤلـــف اأ�سول املواطنيـــة يف روما ويرى اأنها خمتلفـــة يف الكثري من

خ�سائ�سهـــا عن اليونانية، فقد اأ�سبحت حالة املواطنية، من خلل

التطور التدريجي، اأكرث مرونة باأ�سواط من احلالة اليونانية، اإذ اأقام

الرومان مواطنية على درجات متنوعة واأتاحوا الفر�سة اأمام العبيد

ـــم بكرامة املواطن. من هنا، ميكن القـــول اأن اأ�سول املواطنية للتنع

ع عظيم الرومانيـــة هي اأكرث �سبابية من اليونانيـــة، فل يوجد م�سرر

مثـــل �سولون ول حتـــى �سخ�سية ن�سف اأ�سطورية مثـــل ليكورغو�س،

كمـــا اأن املواطنية كانـــت موجودة ب�سكل اأو اآخـــر يف ال�سنوات الأوىل

للجمهورية.

كانـــت املواطنيـــة يف العـــامل اليوناين - الروماين، طـــوال خم�سة

قـــرون، ميزة جوهريـــة ل�سكل احلكـــم وحتى لنمط احليـــاة. اأما يف

اأوروبـــا فكانت للمواطنيـــة، خلل القرون الو�سطـــى، اأهمية جانبية

ن�سبيـــا با�ستثناء املدن- الـــدول الإيطالية. غري اأن هـــذا الو�سع بداأ

يتغـــري مع قدوم القـــرن ال�سابع ع�سر؛ اإذ برزت اآنـــذاك - خ�سو�سا

يف اإنكلـــرتا ويف م�ستعمراتهـــا الأمريكية - وجهة نظـــر جديدة جتاه

املبداأ الذي ننطلق منه اليوم يف تعريف املواطنية. كانت لغة احلقوق

هي ما يجـــري التحدث بها حينذاك. على �سبيـــل املثال، بينما كتب

ماكيافيللـــي عن الواجبات حتدث الكولونيل رينبورو عن احلقوق.

منذ ذلك الوقت، خا�سة يف القرنني التا�سع ع�سر والع�سرين،

برز منطـــان من التفكـــري حـــول املواطنية، يتناف�ســـان فيما

بينهمـــا مـــن اأجل اإحـــراز التاأثري ومـــن اأجـــل ال�سيطرة هما

اجلمهـــوري والليـــربايل. يذهب التفكري اجلمهـــوري املدين

يف راأيـــه حول املواطنيـــة اإىل القول باأن اأف�ســـل �سكل للدولة

يقـــوم علـــى دعامتـــني، همـــا مواطنيـــة اأ�سخا�ـــس يتمتعـــون

بالف�سيلـــة ال�سيا�سية ومنـــط عادل للحكم. ينبغـــي اأن تكون

الدولـــة “جمهوريـــة” مبعنى اأنهـــا دولة حمكومـــة بالد�ستور

ولي�ســـت حمكومة كيفيا ول ا�ستبداديـــا. اإن كل العن�سرين،

ال�سلـــوك املدين ال�سالح وال�سكل اجلمهـــوري للدولة هما اأ�سا�سيان،

لهـــذا ال�سبـــب جـــاء تعبري “اجلمهـــوري املـــدين”. اإن وجود جمتمع

من املواطنني الأحرار م�ستحيـــل حتت ال�ستبداد والطغيان، كما اأن

“اجلمهورية” كانت م�ستحيلة من دون الدعم الفعال من املواطنني وم�ساركتهـــم. اأما النظرة الليرباليـــة البديلة فتذهب يف حجتها اإىل

اأن الدولـــة موجودة ملنفعة مواطنيها وهي ملتزمـــة فعل باأن ت�سمن

لهم حقوقا يتمتعون بها.

ويف اأواخـــر القـــرن الع�سريـــن عـــاد اجلـــدل حـــول املواطنية من

جديـــد ولكن ب�سيـــغ وم�سامني اأخـــرى اأكرث تعقيـــدا، وكان الهدف

من اإعـــادة اإحيـــاء املواطنية يف النظريـــة والتطبيـــق، تعزيز الوعي

لقيمـــة الدميوقراطية وتبنيهـــا كنمط للحكم من قبـــل عدد متزايد

مـــن البلدان يف اأوربـــا واإفريقيا واأمريكا اللتينيـــة. وكان من نتائج

ذلـــك وعي الأفـــراد “لهوياتهـــم املتعـــددة” ب�سكل متزايـــد، بحيث

دخلـــت اأهميـــة الدولـــة واملواطنيـــة فيها، يف طـــور النح�ســـار: فاإذا

كانـــت العائلت واعية بعمـــق ملعتقداتها الدينيـــة وتقاليدها الإثنية

املن�سلخة عـــن التيار الثقايف لبلد اإقامتهـــا، واإذا عمل النا�س يف جو

من ال�سبـــكات العاملية للأعمال والت�ســـالت املحرتفة، واإذا اأرادت

لن حياتهـــن والتزاماتهن بطرق اأنثويـــة معينة؛ اإذا الن�ســـاء اأن ي�سكر

ا�ستمـــرت التطورات مـــن هذا النـــوع يف النمو، فـــاإن املواطنية التي

تدعـــي وظيفة احلفاظ علـــى التما�ســـك ينبغي اإمـــا اأن تتقل�س اإىل

�سكل اأ�سعف من الولء املتناف�س مع غريه، اأو تتو�سع لت�سملها جميعا

وبذلـــك تفقد متا�سكها. اإ�سافة اإىل ذلك، فـــاإن قوى العوملة والدمج

�س �سلطة الدولـــة لكن املواطنية القـــاري يف اأوربـــا، واملناطقية، تقور

تطورت تدريجيا يف اجلوهر، ن�سبة اإىل املواطنية البلدية يف القرون

الو�سطـــى، كعلقة الفرد بالدولة، واإذا �سعفت الدولة فمن البديهي

اأن ت�سعف املواطنية نتيجة لذلك.

وبح�سب املوؤلف، تقدم هذه العتبارات قائمة �ساقة من امل�سكلت

ح - ، وبالإمـــكان حلهـــا م�ستقبل - كمـــا يو�سر التـــي حتتـــاج اإىل حل

تاريخ موجز للمواطنية

ديريك هيرت

ترجمـــة: اآ�ســـف نا�سر

ومكرم خليل

ال�ساقي)بـــريوت( دار

بال�ســـرتاك مـــع مركز

البابطني للرتجمة

2007224 �سفحة.

بيانات الكتاب

غاف الطبعة االإجنليزيةغاف الطبعة العربية

مراجعات الفهر�ست

من خـــلل ثلث طرق لها �سوابـــق تاريخية مثـــرية للهتمام: اأول،

توفـــري موؤ�س�سات فعالـــة لتمكن املواطنني وت�سجعهـــم على امل�ساركة

يف مظاهرهـــم املواطنيـــة املتعـــددة. ثانيـــا، اأن يكـــون هنـــاك قبول

بـــاأن املواطنة، مهمـــا كانت مرونة تعريفها، لي�ســـت كل ما يهم هوية

ال�سخ�ـــس الجتماعية. ثالثا، اإر�ساد الأفـــراد اإىل هوياتهم املتعددة

وكيفية التعامل معها ب�سكل توافقي.

لقد تبني للموؤلف، من خلل متابعته خلطط بع�س البلدان، التي

حاولـــت ا�ستنباط اأ�سكال منا�سبة مـــن الرتبية املواطنية، اأن العملية

لي�ســـت مي�ســـرة؛ ففي ظـــل عدم التفـــاق اأو اللتزام بـــني الرتبويني

املخت�ســـني اأو يف غيـــاب الإرادة ال�سيا�سيـــة لـــدى احلكومـــات، فاإن

اجلهـــود الكبرية املطلوبة للتغلـــب على ال�سعوبـــات ت�سافرت ولكن

ب�ســـكل جزئي وبطـــيء. ولكن ال�ســـوؤال الذي يطرح نف�ســـه هو: كيف

ميكـــن لوعي طبيعـــة املواطنية يف املا�ســـي، مـــع كل ت�سويهاتها عرب

الع�سور، اأن ي�سيء على حالتها الآن؟

واإذا كان بيرت رايز نبريغ، يف كتابه “املواطنية يف العرف الغربي

من اأفلطون اإىل رو�سو”، قد �سور تاريخ املواطنية على اأنه يك�سف

اخلطـــوط امل�سيئة ل�سل�سلة من “اللحظـــات الكاملة”، غري اأن هيرت

يـــرى اأنه حتى بداية القرن احلـــادي والع�سرين، مل ي�سل العامل اإىل

حلظـــة الكمال بـــل، عو�سا عن ذلك، و�سل اإىل زمـــن املاأزق، بحيث

يواجه الآن اأربع مع�سلت:

املع�سلـــة الأوىل، هي كيفية اإقامة توازن بني الواجبات واحلقوق.

لقد بدا للعديد من املراقبني يف القرن الع�سرين اأن التقدم يف �سكل

املواطنيـــة الليربالية، بت�سديدها على احلقـــوق، قد ذهب اأبعد مما

يجـــب. فقـــد حجب الرتكيـــز الأ�سلي علـــى الواجبـــات وامل�سوؤوليات

واللتزامـــات. لكـــن اإلغاء مـــا تراكم من حقوق لي�ـــس واردا بالطبع.

اأما املع�سلة فكانت، يف كيفية حياكة اخليوط لنمط �سمويل لنظرية

املواطنية وممار�ستها. من الوا�سح اأنه، يف �سبيل حتقيق ذلك، يجب

تقويـــة املثل العليـــا اجلمهورية للمجتمع والف�سيلـــة بطريقة ل توؤدي

اإىل تقوي�س حقوق الفرد. وقـــد ا�ستخدمت تعابري مثل “التبادلية”

و“التفاعـــل امل�سرتك” لو�سع ت�ســـور حلقوق الآخرين فيما يتمتعون

بحقوقهـــم اخلا�ســـة، كما يقـــرون، اأي�سا، باأن احلقـــوق ل ميكن اأن

توجـــد اإل يف ال�سيـــاق املجتمعـــي. اإل اأن التطبيـــق العملـــي ملثل هذا

الت�سور، كما يقرر هيرت، لي�س باملهمة ال�سهلة.

املع�سلـــة الثانية: اإن ال�سراع املوروث علـــى الأولوية - اأو التوازن

املن�سود- بـــني الواجبات واحلقـــوق مرتبط، ب�سكل وثيـــق، بالكيفية

التـــي ميكن مـــن خللها حتقيـــق التجان�س ما بـــني املواطنية املدنية

وال�سيا�سيـــة من ناحيـــة واملواطنيـــة الجتماعية من ناحيـــة اأخرى.

ولكـــن الوعـــي لتاريخ اأطـــول واأكرث تنوعـــا بني هـــذه املكونات يطرح

اأ�سئلة اخرى، من قبيل: هل متنح احلقوق الجتماعية كم�ستحقات،

اأو كتنازلت، اأو كنتيجة ل�سيا�سة حكيمة؟ وما هو الرابط ال�سببي بني

املواطنية املدنية/ ال�سيا�سية والجتماعية.

وتتعلـــق املع�سلـــة الثالثة بالختـــلط الأكرث فائدة بـــني امل�ساركة

يف ال�ســـوؤون العامـــة والمتنـــاع عنها. ففـــي نهاية القـــرن الع�سرين،

لت عدة �سكاوى حول ال�سعـــور بخيبة الأمل حول ال�سوؤون العامة �سجر

واللمبـــالة جتاههـــا. ومما جرى مناق�ستـــه اأن املواطنيـــة الفاعلة

�سرورية لدولة �سليمة وحمكمة التنظيم. لذلك فاإن املواقف ال�سلبية

الوا�سعـــة النت�سار غري �سحية، حتى اأنها خطرة. ويف الطرف الآخر

للطيـــف املقابـــل للمبـــالة الباردة هنـــاك احلما�سة احلـــارة. فقد

ا�ستكـــى �سانت جو�ســـت – وهو اأحد رجالت الثـــورة الفرن�سية - اأن

واأن مواطني فرن�ســـا يجب دفعهم من خلل متجمدة”، “الثـــورة حـــرارة حكم الإرهاب كي ي�ستعيدوا حميا ال�سري ب�سرعة يف خطوات

التغيـــري. وهكذا، يـــربز ال�سوؤال مـــرة ثانية، كيف نحـــرك مواطنني

م�ست�سلمـــني دون اإثارة انفعالهـــم الذي ل ميكن �سبطه؟ وهذا، بحد

ر حتى ولو بـــدا اأن ممار�سة التع�سب املدين يف لة للمنظر ذاتـــه مع�س

العـــامل احلديث، يف حقبـــة النازية واحلر�س الأحمـــر ال�سيني، قد

باتت بعيدة عن الع�سور املا�سية.

اأما املع�سلة الرابعة والأخرية فهي تناق�س ي�سيب قلب املواطنية.

فالهتمـــام مبو�ســـوع املواطنية ومكانتهـــا هو الآن اأعظـــم مما كان

عليـــه منـــذ مئتي �سنـــة اأو اأكرث؛ لكنهـــا يف الوقت عينه تبـــدو وكاأنها

اأخـــذت تتفتت يف القرن احلادي والع�سرين، من حيث كونها مفهوما

متما�سكا .. ولهذه املع�سلـــة الأخرية بالتحديد تعقيدات واإ�سكاليات

�ست�ستثريها �سجالت �ساخبة ل تهداأ، وبالتاأكيد فاإن لها ق�سة اأخرى

�ســـرتوى يف زمن لحـــق وكتاب اآخـــر ندرك معه نحـــن احليارى من

جديـــد، وكالعـــادة، اأي �سيء �سعب ومعقد هو ذلـــك الكائن امل�سكني

الذي يطلق عليه اإعلمنا املبجل - ليل نهار- “مواطنا”!

االهتمام مبو�ســوع املواطنيــة ومكانتها

هــو االآن اأعظم مما كان عليه منذ مئتي

�ســنة اأو اأكــرث؛ لكنهــا يف الوقــت عينــه

تبــدو وكاأنهــا اأخــذت تتفتــت يف القرن

احلــادي والع�ســرين، مــن حيــث كونهــا

مفهوما متما�سكا

حممد �سيف حيدر

Page 73: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 146 147ا�سرتاتيجية

الظاهرة احلوثية.. درا�سة منهجية �ساملة

اأحمد حممد الدغ�سي

مكتبة خالد بن الوليد ودار الكتب اليمنية

)�سنعاء(، 2010

135 �سفحة

جـــاء كتـــاب »الظاهـــرة احلوثيـــة .. درا�سة

منهجيـــة �ساملة« للأكادميـــي اليمني اأحمد

الدغ�ســـي يف وقت تلقى فيه هـــذه الظاهرة

الإعلمـــي، الهتمـــام مـــن حيـــزا هائـــل

وم�ساحـــة وا�سعـــة مـــن اجلـــدل ال�سيا�ســـي

والثقايف والفكري على ال�سعيدين الداخلي

واخلارجي، خ�سو�سا مع اندلع املعارك يف

جولتهـــا ال�ساد�ســـة بني احلوثيـــني واجلي�س

اليمني. وتنبع اأهمية الكتاب من كونه غطى

معظم جوانب واأبعـــاد الظاهرة احلوثية من

حيث طبيعة الن�ساأة والتكوين، وعوامل الظهور، وجدل العلقة باخلارج،

وكـــذا حاول املوؤلـــف ا�ست�ســـراف م�ستقبل الظاهرة احلوثيـــة وتداعياتها

املختلفة.

ويف تعريفـــه للظاهرة احلوثية، يقول الدغ�ســـي »اإن احلركة احلوثية، اأو

ذلك التنظيـــم الفكري ال�سيا�سي امل�سلح الـــذي اأعلن عن نف�سه يف العام

1990، با�ســـم تنظيم اأو جماعـــة اأو منتدى »ال�سبـــاب املوؤمن«، كاإطار تربـــوي وثقايف و�سيا�ســـي )�سمنا(، بحيث اقت�ســـر اهتمامه على تاأهيل

ال�سبـــاب بدرا�سة بع�س علوم ال�سريعة مع الأن�سطة امل�ساحبة، وفق روؤية

مذهبيـــة زيدية غالبـــة، قبل اأن يتحـــول اإىل تنظيم ع�سكـــري م�سلح بعد

ذلـــك«. ومن بني اأهـــم النتائج التي تو�سل اإليهـــا املوؤلف يف نهاية الكتاب

اأن هناك عاملني رئي�سيني: داخلي وخارجي، يعزى اإليهما ظهور احلوثية

بهـــذا ال�سكل يف اليمن. وميكن اإيجاز عوامل الظهور الداخلية يف: جذور

الت�سيـــع ال�سيا�سي التي حت�سر حق احلكم يف �سللـــة بعينها، كما تعزى

اإىل التكوين العلمي والفكـــري والأيديولوجي للموؤ�س�س ح�سني بدر الدين

احلوثـــي، واإىل اخللفات الداخلية بني موؤ�س�ـــس تنظيم ال�سباب املوؤمن،

ويف مقدمتهـــم ح�سني بدر الديـــن احلوثي من طرف وحممد �سامل عزان

من الطـــرف الآخر. اأما العامـــل اخلارجي، فيعـــزوه الدغ�سي اإىل فكرة

ت�سديـــر الثورة التي تبنتها الثورة الإ�سلميـــة يف اإيران عقب انت�سارها

عام 1979.

دارفور.. من اأزمة دولة اإىل �سراع القوى العظمى

عبده خمتار مو�سى

الــدار العربية للعلــوم )بــريوت( ومركز اجلزيرة للدرا�ســات

)الدوحة(، 2009

390 �سفحة

يف كتابه الذي �سدر موؤخرا “دارفور.. من

اأزمـــة دولة اإىل �ســـراع القـــوى العظمى”،

حاول موؤلف الكتـــاب الدكتور عبده خمتار

مو�ســـى الغو�ـــس يف خفايـــا وتفا�سيل اأزمة

دارفـــور، وحقيقة ال�ســـراع الدائر هناك.

فامل�سكلـــة يف اإقليـــم دارفور ال�ســـوداين قد

ي�ســـدق القول عليه - كما يـــرى املوؤلف –

اأنها كانت حتمية، واأن انفجارها كان ينتظر

اللحظة التاريخيـــة املنا�سبة. فقد توافرت

كل املعطيات وكل الظروف املو�سوعية التي

جتعل منها اأمرا حتميا لي�س بح�ساب ال�سراع التقليدي الداخلي فح�سب

بل وفق معطيات التفاعلت الإقليمية والتغريات الدولية اأي�سا. وقد كان

وا�سحـــا يف ثنايا الكتاب �سعي املوؤلـــف لو�سع امل�سكل ال�سوداين الأ�سا�سي

يف اأبعاده الكاملة، والرتكيز على فهم طبيعة املجتمع ال�سوداين وتركيبته،

وهيـــكل القـــوى وعلقاتهـــا بالرتكيبة الجتماعيـــة. كما تطـــرق الكاتب

لـــدور النخبة ال�سيا�سية، وكيف اأ�سهمت يف تعقيـــد امل�سكلت املوروثة يف

منـــط الدولة ال�سودانيـــة العاملثالثية، فزادتها تعقيـــدا. ومع مرور الوقت

تولـــدت اأزمات لولبية ك�سفـــت ه�سا�سة بنية الدولـــة يف ال�سودان، وبداأت

تهدد متا�سكها ووجودها. ولعل ما زاد من اأهمية الكتاب هو عدم اكتفاء

املوؤلـــف بعر�س اأزمـــة دارفور يف اإطارهـــا املحلي، بل بحـــث يف خلفياتها

والتطـــورات اجلاريـــة يف الإقليـــم، وعلقة تطـــور امل�سكلـــة بالديناميات

القومية والإقليمية والدولية.

النجم ال�ساعد، ال�سن: ديبلوما�سية اأمنية جديدة

بايت�ض غيل

ترجمة: دالل اأبو حيدر

دار الكتاب العربي )بريوت(، 2009

373 �سفحةمـــع تربعم اأهمية ال�ســـني يف امل�سرح الدويل، اقت�ساديـــا و�سيا�سيا،

عرو�س موجزة الفهر�ست

عرو�س موجزة

ثمــــة توق �سديــــد عرب العــــامل اإىل فهم اأف�سل

لهذه القــــوة الآ�سيوية ال�ساعدة، واإمكاناتها،

وتاأثري �سعودها يف ال�سوؤون الدولية والإقليمية

والوطنيــــة، ويف امل�سالح امل�سرتكــــة مع القوة

اخلا�ســــة. حياتنــــا ويف الكــــربى، الدوليــــة

ويف هــــذا الإطــــار، جــــاء هــــذا الكتــــاب الذي

و�سع خ�سي�ســــا لأ�سحاب املهــــن، واملحللني

ال�سيا�سيني، والطلب، واآخرين من املراقبني

املطلعني الذين ي�سعون اإىل التعمق يف حوافز

ومنجــــزات ومدلــــولت ال�سيا�ســــة اخلارجيــــة والأمنية لل�ســــني التي تزداد

ديناميكيــــة وفعاليــــة. ويحاول موؤلف الكتــــاب تقدمي نظرة اأكــــرث تف�سيل،

وذات بعد �سيا�سي اأكرب، عــــن تاأثري ومعنى ال�سيا�سات الأمنية لل�سني على

ال�سعد الإقليمية والدولية.

يقدم الكتــــاب اأول اإطارا موجزا لفهم اأهــــداف »الديبلوما�سية الأمنية

اجلديــــدة« لبيجينغ. وانطلقا من ذلك، ي�سف وي�ســــرح �سعي ال�سني اإىل

حتقيــــق هــــذه الأهداف عرب �سيا�ســــات عملية ت�سمــــل جمموعة حمددة من

الق�سايا ذات ال�سلة بالأمن: الآليات الأمنية واإجراءات بناء الثقة الإقليمية

والدوليــــة؛ »�ســــراكات« ثنائيــــة؛ علقــــات ع�سكريــــة؛ روؤى اإزاء التحالفات؛

اإجــــراءات منــــع انت�سار الأ�سلحــــة النووية؛ واحلد من الت�سلــــح على ال�سعد

املتعــــددة الأطراف والثنائيــــة واملحلية؛ تبــــدل الآراء يف ال�سيادة والتدخل؛

املقاربات لق�سايا خمتلفة كمحاربة الإرهاب وحفظ ال�سلم يف العامل.

ويقــــر الكتاب على مــــدى �سفحاته باأن الديبلوما�سيــــة الأمنية اجلديدة

لل�ســــني تولــــد حتديات كبــــرية بقدر مــــا تولد فر�ســــا للعبــــني اآخرين يف

النظام العاملي. وهو لذلك يخ�س�س ف�سوله الأخرية ملاهية هذه التحديات

والفر�س، وملا ميكن اأن يكون عليه رد املجتمع الدويل، ويف املقدمة الوليات

املتحدة.

ما بعد النفط: منظورا اإليه من ذروة هابرت

كينيث �ض. ديفي�ض

ترجمة: �سباح �سديق الدملوجي

املنظمة العربية للرتجمة )بريوت(، 2009

336 �سفحةيحـــذر موؤلـــف كتـــاب »ما بعـــد النفط«، كينيـــث ديفي�ـــس، العامل من

مواجهـــة مع�سلة مل ي�سبق لهـــا مثيل، فقد توقف النمـــو يف اإنتاج النفط

يف العـــامل و�سيبداأ النخفا�س يف الإنتـــاج قريبا، و�سوف لن يلبي الإنتاج

اجليولوجي ملورد حيوي املتطلبات وذلك

للمـــرة الأوىل منـــذ الثـــورة ال�سناعيـــة.

وي�ســـع املوؤلف اأ�سئلة تـــوؤرق �سناع القرار

القت�ســـادي وال�سناعـــي وال�سيا�ســـي يف

خمتلـــف اأقطار العامل، وتوؤثر يف حياة كل

فـــرد �سواء اأكان يف ناطحات ال�سحاب يف

مانهاتن اأم يف واحات ال�سحراء الكربى

اأم يف اأدغال الكونغو.

خبـــري وهـــو ديفي�ـــس، يركـــز كمـــا

جيولوجـــي نفطي، علـــى امل�سادر الأخـــرى للطاقة التي ميكـــن اأن توفر

البديـــل، وذلك علـــى الرغم من راأيه يف اأن البحث عـــن اجلدوى الفنية

والقت�ساديـــة ل�ستغـــلل هـــذه امل�سادر كان يجـــب اأن يبـــداأ قبل ع�سر

�سنـــوات �ساعت من دون اإجناز �ســـيء يذكر. ويخل�س املوؤلف اإىل القول

باأن ا�ستمرارية عامل الأعمال على املنوال الذي كان عليه لي�س م�سمونا،

والتخبـــط امل�سو�س لي�س بالدواء ال�سايف. و�سواء اأحببنا ذلك اأم مل نحبه

ف�ستكـــون هنـــاك اإعادة تنظيم كـــربى يف اقت�ساديات العـــامل، و�سيكون

التنظيـــم اجلديد اأكرث منهجية فيما لو اأنتجنـــا ت�سميما ملجتمع تكبحه

نـــدرة املـــوارد. و�سنكون عند ذلـــك بحاجة اإىل م�سلك ل تعتـــوره املاآ�سي

ليو�سلنـــا مـــن مو�سعنا احلايل اإىل املو�سع الـــذي مت ت�سميمه. ومرحبا

بعامل ما بعد هابرت، اأو عامل ما بعد النفط.

احلرب والتغيري يف ال�سيا�سة العاملية

روبرت غيلنب

ترجمة: عمر �سعيد االأيوبي

دار الكتاب العربي )بريوت(، 2009

307 �سفحاتيف والتغيـــري »احلـــرب كتـــاب يقـــدم

العـــادي للقـــارئ، العامليـــة« ال�سيا�ســـة

واملتخ�س�س، نظرية جديدة مهمة عن تغري

ال�سيا�ســـة الدولية، واإطـــارا فكريا ميكن اأن

يحول طريقة تفكرينا يف العلقات الدولية.

اإذ يـــرى موؤلـــف الكتـــاب، الدكتـــور روبرت

غيلـــنب اأ�ستاذ العلقـــات الدولية يف جامعة

برن�ستون الأمريكية، اأن الطبيعة الأ�سا�سية

للعلقات الدولية مل تتغري على مر اآلف

Page 74: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 148 149ا�سرتاتيجية

ال�سنـــني. وهو ي�ستخدم التاريخ وعلم الجتماع والنظرية القت�سادية

لتحديـــد القوى التي حتـــدث التغيري يف النظام العاملـــي. ويركز يف بحثه

علـــى النمو التفا�سلي للقوة يف النظام الدويل، وعلى نتيجة عدم التكافوؤ

هذا.

اإن حدوث تغري يف ميزان القوى – القت�سادية والع�سكرية – ي�سعف

اأ�س�س النظام القائم لأن من يكت�سب القوة يرى تراجعا يف تكاليف تغيري

النظـــام وتزايـــدا يف منافع ذلك. ونتيجة ذلك، كمـــا يوؤكد غيلنب، ت�سعى

اجلهات الفاعلة اإىل اإحداث تغيري يف النظام من خلل التو�سع الإقليمي

اأو ال�سيا�سي اأو القت�سادي حتى تفوق التكاليف احلدية ل�ستمرار التغيري

املنافع احلديـــة الناجتة عنه. وعندما تكت�سب الـــدول القدرة على تغيري

النظام وفقا مل�ساحلها، فاإنها ت�سعى اإىل حتقيق ذلك اإما بزيادة الكفاءة

القت�سادية وتعظيم املكا�سب املتبادلة، واإما باإعادة توزيع الرثوة والقوة

وفقا مل�سلحتها.

االقت�ساد العاملي: ن�ساأته، وتطوره، وم�ستقبله

غريغوري كارك

ترجمة: اأمن االأيوبي

موؤ�س�ســة حممــد بن را�ســد اآل مكتــوم )دبي( والــدار العربية

للعلوم نا�سرون )بريوت(، 2009

533 �سفحة

العـــامل املناطـــق يف بع�ـــس اأن ملـــاذا جنـــد

وا�سعة الـــرثاء وبع�سها الآخر �سديدة الفقر؟

ملـــاذا حدثـــت الثـــورة ال�سناعيـــة – والنمـــو

القت�سادي غـــري امل�سبوق الذي واكبها – يف

اإجنلـــرتا يف القـــرن الثامن ع�ســـر، ولي�س يف

مـــكان اآخـــر، اأو يف زمـــان اآخر؟ ملـــاذا مل يوؤدر

الت�سنيـــع اإىل اإثـــراء العامل باأجمعـــه، وملاذا

جعل مناطق وا�سعة مـــن العامل اأفقر من ذي

قبـــل؟ يعالج غريغـــوري كلرك، وهـــو رئي�س

ق�سم العلوم القت�سادية يف جامعة كاليفورنيا

الأمريكيـــة، يف كتابـــه »القت�ساد العاملي« هـــذه الأ�سئلة العميقة ويقرتح

ر مبوجبها الثقافـــة – ولي�س ال�ستغلل، اأو طريقـــة جديدة ومثرية تف�سر

اجلغرافيا اأو املوارد – ثراء الأمم وفقرها.

يف رد علـــى النظريـــة ال�سائـــدة التـــي تقول بـــاأن الثـــورة ال�سناعية

انطلقـــت نتيجـــة لتطـــور مفاجـــئ يف املوؤ�س�ســـات ال�سيا�سيـــة والقانونية

والقت�ساديـــة امل�ستقرة يف اأوروبا يف القـــرن ال�سابع ع�سر. يبني كلرك

اأن هـــذه املوؤ�س�سات وجدت قبل زمن طويل من ظهور ال�سناعة. ويجادل

باملقابـــل باأن هـــذه املوؤ�س�سات اأدت بالتدريج اإىل تغـــريات ثقافية عميقة

عـــرب ت�سجيع النا�س على التخلي عـــن غرائز املجتمعات التي تعي�س على

ال�سيد وعلى جمع احلبوب )العنـــف، وقلة ال�سرب، واقت�ساد اجلهد(،

وعلى تبني عادات اقت�سادية )العمل الدءوب، والعقلنية والتعليم(.

امل�سكلـــة، كمـــا يقول كلرك، هـــي اأنها وحدها املجتمعـــات التي كان

لديهـــا تواريخ طويلـــة بال�ستقرار والأمن ا�ستطاعـــت تطوير خ�سائ�س

ثقافيـــة وفـــرق عمـــل فاعلـــة مكنـــت من حتقيـــق منـــو اقت�ســـادي. اأما

املجتمعـــات التي مل تنعم بفرتات طويلـــة من ال�ستقرار، فلم حتل عليها

نعمـــة ال�سناعـــة. كما يحلـــل كلرك الفكـــرة التي دافع عنهـــا جريارد

داميونـــد يف كتابه »اأ�سلحـــة، وجراثيم، وفولذ«، والتي تقـــول باأن منحا

طبيعيـــة مثل اجلغرافيا هي امل�سئولة عـــن الختلفات يف ثروات الأمم.

اإن هـــذا الكتاب حتدي ذكي ور�سني للفكرة التي تقول باأنه ميكن تطوير

املجتمعات الفقرية عرب التدخل اخلارجي، ورمبا يغري كتاب »القت�ساد

العاملي« طريقة فهم التاريخ القت�سادي العاملي.

االقت�ساد العاملي: املرحلة التالية؟ حتديات وفر�ض يف عامل

با حدود

كيني�سي اأوهمي

ترجمة: مركز التعريب والربجمة

الدار العربية للعلوم نا�سرون )بريوت(، 2006

336 �سفحة

يقـــول كيني�ســـي اأوهمـــي »اأن هنـــاك قوتان

�ساهمتـــا يف ت�سكيـــل كتابـــي هـــذا، اأولهما

ال�سهـــادة علـــى تغـــري الظـــروف. اإذ تغـــري

العـــامل بقـــوة خـــلل العقديـــن املا�سيني،

كما اأن القواعـــد القت�ساديـــة وال�سيا�سية

والجتماعيـــة امل�سرتكـــة وال�سخ�سية التي

تطبـــق اليـــوم حتمـــل يف طياتهـــا علقـــة

�سحيحـــة طبقـــت علـــى قواعـــد العقديـــن

ا املا�سيـــني. فالأوقات املختلفة تتطلب ن�س

جديـــدا. اأما القوة الثانية التي حـــددت امل�سرح العاملي التايل فهي اأنني،

على مدى الع�سرين �سنة املا�سية، �سهدت على بروز بع�س رواد القت�ساد

العاملـــي املبا�ســـر. وكان هري ويندوت املدير التنفيـــذي ال�سابق ل�سميث

كليـــن بي�سام، اأحد اأوائل قادة الأعمال املتعاطفني مع مفهوم القت�ساد

العاملـــي احلقيقي. فقد اعترب التحالفات املتقاطعة احلدود منقذا كامنا

لل�ســـركات ال�سيدلية الأمريكيـــة، واعرتف باأن التحالفـــات املبنية على

ال�سرتاتيجية العاملية قد ت�سبح مهمة، ل بل حيوية«.

ويك�ســـف اأوهمي النقاب عن عامل ما بعد العوملـــة، ويحدد بالتف�سيل

متطلبات النجاح على �سعيـــد ال�سركة والدولة والفرد، كما يو�سح �سبب

انهيـــار نظريـــات القت�ســـاد ال�سابقة، ويلقـــي ال�سوء على عـــامل جديد

تقـــوده »الدولة الإقليمية« والربامج القت�ساديـــة اجلديدة، ولي�س الدول

التقليدية اأو علوم القت�ساد التقليدية. بالإ�سافة اإىل ذلك، يقدم اأوهمي

يف هـــذا الكتاب روؤى ثاقبة حـــول تاأثريات التعقيدات التـــي ل �سابق لها،

وحول مراكز العمل امل�ستقبلية اجلديدة ومراكز النمو اجلغرافية، وحول

ن�سوء جمتمعات الإنرتنت العاملية ودور القادة يف عامل بل حدود فعليا.

ال�سن يف اأفريقيا: �سريك اأم مناف�ض؟

كري�ض األدن

ترجمة: عثمان جبايل املثلوثي

هيئــة اأبوظبــي للثقافة والــرتاث »كلمة« )اأبوظبــي( والدار

العربية للعلوم )بريوت(، 2009

197 �سفحة

عرو�س موجزة الفهر�ست

قدميا قال القائد الفرن�سي امل�سهور نابليون

بونابـــرت: »دعـــو ال�سني نائمـــة لأنها �ستهز

العـــامل اإذا مـــا اأ�ستيقظـــت«، وبالفعـــل يبدو

اأن حد�ـــس بونابـــرت كان �سائبـــا؛ فال�سني

اليـــوم باتـــت قـــوة اإقليميـــة كـــربى ي�سعـــب

جتاهلهـــا يف النظـــام العاملـــي اجلديد، وقد

ا�ستطاعت الآن من خلل علقات ال�سراكة

التجارية والقت�سادية، التغلغل ا�سرتاتيجيا

يف خمتلـــف قـــارات العـــامل، ومـــن اأهم تلك

القـــارات التي غـــدت �سريكا رئي�سيـــا لل�سني

قـــارة اأفريقيا. يبحث كري�س األـــدن يف هذا الكتاب يف العلقات النا�سئة

بـــني ال�سني واأفريقيا لتحديد ما اإذا كانت هذه العلقة �ستكون علقات

�سريك يف التنمية، اأم مناف�س اقت�سادي اأم نوع جديد من الهيمنة.

لقـــد اأثارت �سرعة وتـــرية التغري يف العلقات ال�سينيـــة- الأفريقية

جدل كبريا يف دوائـــر �سنع القرار وبني �سفوف الأكادمييني يف اأفريقيا

واأوروبـــا والوليـــات املتحـــدة موؤخـــرا، ولكـــي نفهـــم م�سمـــون امل�ساركة

ال�سينيـــة يف القارة، كما يقول األدن، علينا اإدراك الأ�سباب القت�سادية

والدبلوما�سية والأمنية التي تكمن وراء �سيا�سة بكني يف اأفريقيا. وكذلك

ردود النخـــب الأفريقيـــة علـــى مغـــازلت ال�سني. عندئذ فقـــط �سيكون

بالإمكان تقييم التحديات والفر�س القائمة اأمام اأفريقيا والغرب ب�سكل

دقيق.

العوملة والهويات القومية.. اأزمة اأم فر�سة مواتية

حترير: بول كندي، وكاثرين جي. دانك�ض

ترجمة: فا�سل جتكر

الهيئة العامة ال�سورية للكتاب )دم�سق(، 2009

�سفحة 400

تقـــوم ف�ســـول هذا الكتـــاب الثلثـــة ع�سر

النظريـــة امل�ســـكلت بع�ـــس با�ستك�ســـاف

والعمليـــة املفتاحيـــة التـــي تثريهـــا زحمـــة

التفاعلت املعقدة اجلارية بني ما قد ميكن

عدهمـــا الظاهرتني الأ�ســـد اإحلاحا اللتني

تواجهـــان املواطنـــني، ال�سا�ســـة واأ�ساتـــذة

العلـــوم الجتماعيـــة، هذه الأيـــام، واللتني

تبـــدوان �ساغلتني جميع العقول يف الأوقات

الراهنة. تتعلق الظاهـــرة الأوىل بالأهمية

املتزايدة التي ن�سفيها على م�سائل الهويات

ال�سخ�سية والقومية وغريهمـــا يف مواجهة التمزق الجتماعي والثقايف

وال�سيا�سي جنبا اإىل جنب مع الرغبة يف امتلك قدر اأكرب من ال�سفات

الفردية واحلريات ال�سخ�سية. وترتكز الثانية على العوملة وما اإذا كانت

تهديـــدا اأم فر�سة مواتيـــة بالن�سبة اإىل الأفـــراد واجلماعات والأمم يف

طول العامل وعر�سه.

وبال�ستنـــاد اإىل �سل�سلة من الأبحـــاث امليدانية الإقليمية التي �سملت

اثنـــي ع�سر بلـــدا واأحاطـــت باأربع قـــارات، تتوىل ف�ســـول الكتاب مهمة

معاينـــة �سل�سلة طويلة مـــن الق�سايا الناجمة عن احلاجـــة الداعية اإىل

اإعادة ك�سف، واإعادة تاأكيد اأو اإعادة بناء نوع من الوعي بهوية قومية يف

مواجهة زحمة قوى العوملـــة. ففي حني يرى البع�س تطاير هويات كانت

را�سخـــة وحلول اأخرى جديدة متعددة حملها عـــرب عملية العوملة عاملي

متزيق خطريـــن على ال�سعيديـــن ال�سيا�سي والجتماعـــي، ثمة اآخرون

يت�ســـدون للعوملـــة بو�سفهـــا حتديـــا زاخرا بعـــدد غري قليل مـــن بواعث

الريبة، ولكنـــه غني اأي�سا بعدد مماثل من فر�س التكيف ون�سوء هويات

جديدة اأو هجينة.

من يتحدث با�سم االإ�سام:

كيف يفكر – حقا – مليار م�سلم؟

جون اإ�سبوزيتو وداليا جماهد

ترجمة: عزت �سعان

دار ال�سروق )القاهرة(، 2009

239 �سفحة

هــــل نحــــن علــــى م�ســــارف حــــرب �ساملة بني

الغــــرب ومليار وثلــــث املليار م�سلــــم؟ عندما

تبحث و�سائــــل الإعلم عن اإجابــــة على هذا

ال�ســــوؤال، فاإنهــــا يف العــــادة تتجاهــــل الآراء

احلقيقية للم�سلمني يف العامل. اإن كتاب »من

يتحــــدث با�ســــم الإ�ســــلم؟« يدور حــــول هذه

الأغلبيــــة ال�سامتــــة بالإكراه. وهــــذا الكتاب

نتــــاج درا�ســــة ل�ستفتــــاء عاملي هائــــل اأجرته

موؤ�س�سة »جالــــوب« – اأهــــم موؤ�س�سات قيا�س

الــــراأي العــــام يف العــــامل – علــــى م�ستويــــات

متعــــددة. وقد اأجرت »جالوب« يف هــــذا امل�سروع املثري ع�سرات الألوف من

املقابــــلت مــــع املواطنني يف اأكرث مــــن خم�س وثلثني دولــــة اأغلب �سكانها

مــــن امل�سلمــــني، اأو حتتوي على ن�سبة كبرية من امل�سلمــــني. �ساألت »جالوب«

الأ�سئلــــة التي تخطــــر على بال املليني: هل يــــلم الإ�سلم على الإرهاب؟

ملــــاذا يكون هنــــاك قدر كبري مــــن الروح املعــــادي لل�سيا�ســــة الأمريكية يف

العــــامل الإ�سلمــــي؟ من هم املتطرفون؟.. اأين املعتدلــــون؟ ما الذي تريده

حقا الن�ساء امل�سلمات؟

ي�ستح�سر الكتاب بيانــــات فعلية من ا�ستفتاء »جالوب« العاملي - ل من

اخللفات الكلمية - وهي تقدم الأدلة النابعة من اأ�سوات مليار م�سلم ل

اأولئك الأفراد من »اخلــــرباء« اأو »املتطرفني«، وتدل على جدل حول واحد

من اأهم واأ�سخن املو�سوعات يف ع�سرنا.

اإن قائمة »الكت�سافات« التي قدمها الكتاب، والنتائج التي تو�سل اإليها

موؤلفاه، طويلة، منها مثل اأن امل�سلمني يدركون اأن الغرب لي�س كتلة واحدة،

ولكنــــه دول �ستى، تختلــــف يف مواقفها و�سيا�ساتهــــا. وانطباعات امل�سلمني

عــــن هــــذه الدول تختلــــف باختلف مواقــــف قادتها اإزاء ق�سايــــا الإ�سلم

وامل�سلمني، منهــــا اأي�سا اأن امل�سلمني لي�سوا من�سغلــــني باجلهاد امل�سلح �سد

الغــــرب، ولكن اأعدادا كبرية منهم م�سغولة باحل�سول على وظيفة اأف�سل،

منها اأي�سا اأن امل�سلمني معجبون بالدميقراطية يف الغرب وينتقدون التحلل

الأخلقــــي وانهيار القيــــم الجتماعية فيه، واأن ن�ساءهــــم ين�سدن امل�ساواة

مــــع الرجال... اإىل غري ذلك من النطباعات التــــي تك�سف عن »اإن�سانية«

امل�سلمني، والتي ل يختلفون فيها عن بع�س الغربيني اأنف�سهم.

Page 75: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 150 151ا�سرتاتيجية

�سدر حديثا �سمن

�سل�سلة درا�سات اقت�سادية

ان�سمام اليمن اإىل جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية:

روؤية اقت�سادية

من�سور علي الب�سريي

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

جيوبوليتيك

طريق الربازيل

اإىل القطبية

فـي جذور الفو�سى

ال�صومالية

�سقاف عمر ال�سقاف

عبدالغفار فرح

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية

نظرات فـي ق�سايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�سرة

Page 76: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 152 153ا�سرتاتيجية

قطب اجلنوب الناه�س

مل يكن م�صتغربا على الإطالق فوز الربازيل يف �صهر ت�صرين الأول/اأكتوبر املا�صي

با�صت�صاف���ة دورة الألع���اب الأوملبية يف العام 2016؛ فربازيل القرن احلادي والع�صرين

تختل���ف عن برازيل القرن الع�صرين التي كان���ت مثقلة بالديون واقت�صادها متهالك

ون�صب البطالة والت�صخم يف اأعلى م�صتوياتهما. الربازيل اليوم مل تعد حم�صوبة على

الفقراء، فهي متر بطفرة حقيقية يف املجالت ال�صيا�صية والقت�صادية والجتماعية

افتقدتها طوال تاريخها احلديث. اإن زوال فرتة احلكم الع�صكري الديكتاتوري الذي

دام لأك���رث م���ن ثالث���ني عاما ومن ث���م الولوج يف الع�صر الدميقراط���ي منذ منت�صف

ت�صعيني���ات الق���رن املن�صرم، حفز الربازيل ملمار�صة دور اأكرب على امل�صتويني الإقليمي

وال���دويل؛ والربازي���ل لديها الآن من الإمكانيات ما يوؤهلها لحتالل مكانة مرموقة

يف النظام العاملي اجلديد.

الربازيل

�سقاف عمر ال�سقاف باحث وكاتب من اليمن.

�سقاف عمر ال�سقاف

جيوبوليتيك

Page 77: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 154 155ا�سرتاتيجية

قبـــل اأ�سهر وحتديـــدا يف كانـــون الأول/دي�سمرب مـــن العام 2008

�سخـــر الرئي�س الربازيلي لوي�ـــس اإغنا�سيو لـــول دا �سيلفا يف قمة دول

اأمـــريكا اللتينية والكاريبي، مـــن الرئي�س الأمريكـــي ال�سابق جورج

بو�ـــس بعد حادث قذفـــه باحلذاء من قبل الإعلمـــي العراقي منتظر

الزيـــدي؛ والواقـــع اأن تلك ال�سخريـــة مل تكن جمـــرد �سخرية عابرة.

لأنها يف اعتقادي حملـــت اأبعادا وم�سامني رمبا تتخطى روح الدعابة

التـــي يتحلـــى بها الرجل لتنم عـــن ثقة �سيا�سية عاليـــة، لي�س بالنف�س

فقـــط واإمنا مبوقع ومكانة وقدرة البلد الذي ينتمي اإليه ويرتاأ�سه هذا

الزعيم اللتيني.

اإنهـــا الربازيـــل، عملق القـــارة اللتينيـــة واأكرب دولهـــا مب�ساحة

تقدر بــــ8.547.430 كيلومرتا مربعا، اأي حوايل ن�سف م�ساحة اأمريكا

اجلنوبية، وبهذه الرقعة اجلغرافية ال�سخمة ت�سبح الربازيل خام�س

اأكـــرب دولة يف العامل بعد رو�سيـــا وال�سني والوليـــات املتحدة وكندا.

ويبلغ عدد �سكانها اأكرث من 180 مليون ن�سمة، ما يجعلها اأي�سا خام�س

اأكـــرب دولة يف العامل من حيث ال�سكان بعـــد ال�سني والهند والوليات

املتحدة واإندوني�سيا.

قــدرات الربازيــل االقت�ســادية يف اإحـــدى

تقاريرهـــا، اأ�سارت جملة نيوزويك الأمريكية اإىل اأن علماء القت�ساد

اأبدوا تذمرهم “عندما ت�سلم الرئي�س النقابي ال�سابق الكثيف ال�سعر

لول دا�سيلفا احلكم يف الربازيل عام 2002، ولكنه �سرعان ما اأذهلهم.

فالربازيل التي كانت على �سفـــري النهيار لديها الآن احتياطي نقدي

يبلـــغ 207 مليـــارات دولر، وتتمتـــع باأدنـــى معـــدل ت�سخـــم يف العامل

النامـــي. وبف�سل حنكة لـــول املالية اأ�سبح القت�ســـاد الربازيلي اأكرب

القت�سادات النامية �سلمة يف العامل”.

والواقـــع اأن الربازيل تعد اليوم من بني اأكرب ع�سرة اقت�سادات يف

العـــامل بعد اأن رفعت ناجتهـــا املحلي اإىل 1665 مليـــار دولر يف العام

2008، وهي ت�سهد منذ �سنوات منوا م�سطردا. وتعترب الربازيل البلد

الأكرث ت�سنيعـــا يف اأمريكا اللتينية، حيث ي�سغـــل القطاع ال�سناعي

24 يف املائة من ال�سكان الن�سيطني، وي�ساهم بـ37 يف املائة من الناجت

الوطني الإجمايل، كما ت�ساهم املنتجات ال�سناعية بثلثي ال�سادرات

اخلارجيـــة، وتعـــد مناف�ســـا قويـــا لل�سناعـــات الأخـــرى يف الأ�ســـواق

اخلارجيـــة. والربازيل هي ال�سريـــك الأكرب يف املريكو�ســـور )ال�سوق

امل�سرتكة لأمريكا اجلنوبية( التـــي ت�سم اإىل جانب الربازيل كل من

الأرجنتني والأورغـــواي والرباغواي، وت�سيلـــي وبوليفيا. واملريكو�سور

التي حتدث الرئي�س الربازيلـــي عن �سرورة حتولها من جمرد احتاد

جمركي اإىل منطقة تلقي بني دول القارة على كل الأ�سعدة التجارية

وال�سناعية والزراعيـــة والعلمية والثقافية، تعد املجال احليوي الأول

بالن�سبـــة للتحركات ال�سيا�سية والقت�سادية للربازيل، وذلك يف اإطار

�سعيهـــا املتوا�سل لتفعيـــل امل�سارات الإقليمية وتر�سيـــخ اإرادة التكامل

بني دول املنطقة دون ا�ستثناء.

اإن تنـــوع قاعدة الربازيـــل القت�سادية على نطاق وا�سع مكنها من

تو�سيع وا�ستثمار القطاع الزراعي الذي ميثل 35 يف املائة من الوظائف

و40 يف املائة من ال�سادرات، اأ�سف اإىل ذلك اأن العدد الكبري لل�سكان

يف الربازيـــل دون الت�سعـــة وع�سرين عاما، ووفرة املـــوارد الأولية مثل

احلديـــد، والنيكل، والفو�سفات، واليورانيوم، والبرتول، وموارد توليد

الكهربـــاء؛ كل ذلك اأعطى الربازيل قـــوة ديناميكية وحيوية لي�س لها

مثيـــل يف القارة، واأهلهـــا لتلقي اأكرب قدر من راأ�ـــس املال الأجنبي يف

العامل بعد ال�سني مبا�سرة.

واليـــوم ت�سع الكت�سافات البرتولية اجلديدة الربازيل يف م�ساف

القـــوى البرتوليـــة العامليـــة يف العقد املقبـــل، فقبل عامـــني تقريبا مت

اكت�ســـاف م�ستودعات نفطيـــة �سخمة قبالة �ساحـــل الربازيل، وطبقا

لأكـــرث التقديرات توا�سعا فاإن هذه الحتياطات تبلغ 30 مليار برميل.

ومـــن املعلوم اأن الربازيل كانت من اأوائل الدول امل�ستهلكة للنفط التي

عقـــدت العزم علـــى البحث عن م�ســـادر بديلة للطاقـــة والتنقيب يف

مياهها الإقليمية، وذلك خوفا من التاأثريات ال�سلبية على اقت�سادها

يف حال انقطاع الواردات النفطية جراء احلروب والنزاعات الدولية

امل�ستمرة خ�سو�سا يف منطقة ال�سرق الأو�سط.

اإن الكت�سافـــات النفطية يف املياه الإقليمية للربازيل تعد الأ�سخم

مـــن نوعها، وهي ت�سع الربازيـــل يف املرتبة الثامنة بني الدول املنتجة

للنفـــط قبل نيجرييـــا وفنزويل، والربازيل على ما يبـــدو عازمة على

اإدارة هـــذه الـــرثوة النفطية بطريقة خمتلفة تهـــدف من خللها اإىل

ت�سحيـــح اخللل القت�سادي بـــني دول املنطقة، ومبـــا يدعم التكامل

الإقليمـــي ويعـــزز دور الربازيـــل القيـــادي وذلك من خـــلل ا�ستثمار

العائـــدات النفطية يف �سندوق نقدي مدعوم بن�سبة 70 يف املائة من

املـــوارد املالية الربازيلية، وت�ستثمـــر اأموال هذا ال�سندوق يف م�ساريع

البنـــى التحتية يف دول اجلوار مثل الأورغواي والربغواي وغريها من

الدول الفقرية يف القارة.

بنــاء القدرات الع�ســكرية مقارنة بدول اأمريكا

اجلنوبية يبدو اأن الربازيـــل لديها اإمكانات وقدرات ع�سكرية اأف�سل.

�سحيـــح اأنـــه ل تتوفر هنا اأرقـــام ومعلومات دقيقة عـــن حجم الت�سلح

والقـــدرات الع�سكريـــة للربازيل، ولكـــن املوؤ�ســـرات املختلفة تدل على

اأن الربازيـــل بداأت يف ال�سنوات الأخرية تـــويل م�ساألة الت�سلح وتعزيز

قدراتهـــا الع�سكرية اأهمية خا�سة، ومبا يتنا�سب مع مكانتها الإقليمية

ومقوماتهـــا القت�ساديـــة. والواقـــع اأن الربازيل تتميـــز عن باقي دول

اأمريكا اجلنوبية ب�سناعة اأ�سلحة متطورة من بينها �سواريخ وطائرات

ع�سكريـــة والكثـــري مـــن الأ�سلحـــة املختلفة؛ ويكفـــي اأن ن�ســـري اإىل اأن

الربازيـــل قد ت�سبح يف غ�سون �سنـــوات �ساد�س دولة يف العامل متتلك

غوا�سة نووية، ففي ر�سالة وجهها اإىل القادة الع�سكريني اأواخر العام

املا�سي قـــال الرئي�س الربازيلي اأن بلده �ست�سبـــح بعد �سنوات قليلة

جزءا من جمموعة �سغرية مـــن البلدان متتلك غوا�سة نووية، واأ�سار

دا �سيلفـــا يف الر�سالـــة اإىل اأن التفاقات الرامية اإىل بناء اأول غوا�سة

نووية برازيلية ت�ســـري بالدفع النووي اأحرزت تقدما ملمو�سا، واأكد اأن

اكت�ساف حقول نفطية �سا�سعة يف املياه العميقة على ال�ساطئ ال�سرقي

للبـــلد يف الفـــرتة الأخرية هو اأحد الأ�سباب التـــي تربر ال�ستثمار يف

بناء غوا�سة نووية برازيلية.

وقـــد اأجـــرت الربازيـــل يف الآونـــة الأخـــرية مفاو�ســـات �سراكـــة

اإ�سرتاتيجيـــة مـــع فرن�ســـا ل�ستخـــدام غوا�ســـة �سكوربـــني الفرن�سية

جيوبوليتيك

التقليدية كنمـــوذج لتطوير الغوا�سة الربازيليـــة. واجلدير ذكره هنا

اأن اجلهود الربازيليـــة لرفع م�ستوى جاهزيتها الع�سكرية تتزامن مع

اإعـــلن بع�س دول القـــارة، وحتديدا فنزويل، عـــن �سراء كميات

كبرية مـــن الأ�سلحة، وهذا ما يدفع اإىل الت�سور باأن هناك �سباق

ت�سلـــح يف املنطقة، ولكن وزير الدفاع الربازيلي نفى ذلك واأكد اأن

التجهيزات الع�سكرية يف الربازيل لي�س لها علقة برغبة الرئي�س

ت�سافيـــز يف رفـــع م�ستـــوى جي�سه و�ســـراء كميات كبرية مـــن الأ�سلحة

املختلفة.

وبالرغم من اأن الربازيل لديها علقات تعاون ع�سكري مع الوليات

املتحـــدة، ولكنهـــا حفاظا علـــى ا�ستقللهـــا ال�سيا�ســـي والقت�سادي

ت�سعـــى اإىل تنويع م�سادر ال�سلح. ومتا�سيا مع هذا التوجه، �سدر يف

ت�سرين الثـــاين/ نوفمرب 2008 بيان م�سرتك عن الرئي�سني الربازيلي

والرو�ســـي يف ريـــو دي جانـــريو، جاء فيـــه اأن رئي�ســـي البلدين ينويان

اإقامـــة �سراكـــة اإ�سرتاتيجية يف تطوير التكنولوجيـــا اجلديدة املتعلقة

باملجـــال الدفاعي، كما اأعربا عن ارتياحهمـــا بتوقيع اتفاقية التعاون

يف املجال التقني الع�سكري الذي من �ساأنه تفعيل القدرات الع�سكرية

والدفاعية لدى البلدين.

مل يتوقـــف الأمر عند هـــذا احلد بل اإن الربازيـــل يف اإطار �سعيها

اإىل دور قيـــادي يف املنطقـــة وتقليـــل العتمـــاد الع�سكـــري وال�سيا�سي

على اأمريكا وبقيـــة القوى الدولية، قامت موؤخرا مع بقية دول اأمريكا

اجلنوبية باإن�ســـاء املجل�س الع�سكري للدفاع امل�ســـرتك لبلدان اأمريكا

اللتينية، ويهدف املجل�س اإىل اإيجاد منظومة دفاعية م�سرتكة ل�سد

اأي عـــدوان خارجـــي قد تتعر�س لـــه دول املنطقة، واأي�ســـا من املتوقع

اأن ي�ساهـــم املجل�س يف ف�ـــس النزاعات بني الـــدول الأع�ساء وتن�سيق

التعاون الع�سكري فيما بينهم.

�سيا�ســة خارجيــة م�ســتقلة رمبـــا كان رئي�ـــس

جلنـــة العلقـــات الدوليـــة يف جمل�س النـــواب الأمريكي هـــري هايد

حمقا مـــن منظور ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية عندما كتب للرئي�س

ال�سابـــق بو�س فور انتخـــاب دا �سيلفا رئي�سا للربازيـــل يف نهاية العام

2002، حمـــذرا اإيـــاه من اأن الرئي�س الربازيلـــي املنتخب ي�سكل خطرا

لأنه مقرب من كا�سرتو، واأنه ارتدى حلة العتدال لأهداف انتخابية،

كما اأن لول - بح�سب هايد - ميكن اأن ي�سكل مع فيدل كا�سرتو ورئي�س

فنزويل هوغو ت�سافيز “حمور �ســـر جديد يف الأمريكيتني”. والواقع

اأن خمـــاوف هايد، ومن وراءه يف العا�سمة الأمريكية وا�سنطن، كانت

نابعة مـــن اخللفية الي�سارية للرئي�س الربازيلي اجلديد، اإذ اأنها املرة

الأوىل يف تاريـــخ الربازيـــل التـــي يفوز فيها مر�ســـح ي�ساري من حزب

ال�سغيلـــة )العمال( يف النتخابـــات الربازيلية، وذلك يف مرحلة بدت

وكاأنها موؤ�سر على ولدة قوى ي�سارية جديدة يف اأمريكا اللتينية.

وقـــد تعهد العامـــل ال�سابق يف م�سانع ال�سلـــب، والزعيم النقابي

البارز دا �سيلفا فور انتخابه، بنقل الربازيل اإىل م�ستوى اأعلى ومنحها

مكانـــة مرموقة علـــى ال�ساحـــة الدولية، واأكـــد اأن اأولويـــات ال�سيا�سة

اخلارجية الربازيلية �ستكـــون يف اأمريكا اجلنوبية حيث ينبغي تعزيز

الثقـــة والتكامـــل الإقليمي بـــني دول القارة. يف نف�ـــس الوقت، حتر�س

ومتوازنـــة الربازيل على اإقامة علقات قويـــة

ال�سيا�سات مع الوليات املتحدة والبتعاد عـــن

ل مينعهـــا مـــن نهج ال�سداميـــة معهـــا، ولكـــن ذلـــك

�سيا�سة خارجية م�ستقلة على النطاقني الإقليمي والدويل. فالربازيل

عار�ست ب�سدة قبل �سنوات م�سروعا لل�سلم يف كوملبيا مت دعمه ماديا

من الحتاد الأوربي واليابان ودول اأخرى، ب�سبب اأنه يت�سمن وجود اأو

زيادة للقـــوات الع�سكري الأجنبية يف كوملبيـــا، وذلك ملوقف الربازيل

املعار�س دوما لوجود اأي قوات اأجنبية يف القارة.

مواقـــف دا �سيلفـــا الأخـــرية، وت�سريحاته حول �ســـرورة اأن تكون

لأمريكا اللتينية ا�ستقللية تامة عن اأمريكا، ترجمت العام املا�سي

يف قمـــة زعمـــاء اأمـــريكا اللتينية والكاريبـــي التي ح�سرهـــا زعماء

ر بحد ذاتهـــا اإىل عزم الربازيل 33 دولـــة يف املنطقـــة يف خطـــوة توؤ�سر

ممار�سة دور قيادي رائد يف القارة. وقد دعت القمة يف ختام اأعمالها

اإىل اإن�ســـاء كيـــان اإقليمي ل ي�سم الوليات املتحـــدة ويعار�س التدخل

اخلارجـــي يف �سوؤونهـــا، كما رحب زعماء املنطقـــة بان�سمام كوبا اإىل

مـــا يعرف مبجموعة “ري���و” لدول اأمريكا اللتينيـــة والكاريبي، وهو

مـــا يـــوؤدي اإىل ا�ستقللية اأكـــرب عن الوليـــات املتحـــدة. وتعترب كوبا

واحـــدة من كبار امل�ستفيدين من القمة التي تعطي انطباعا قويا بفك

عزلتهـــا ورفع احل�سار عنها ولو اإقليميا، كما اأن القمة متثل - يف حد

ذاتها - حدثا مهما وجديدا لعدم ح�سور الوليات املتحدة اأو اأ�سبانيا

نظـــرا لعتياد الدول واحلكومات يف املنطقة على الجتماع مع ح�سور

اأمريكي اأو اآخر اأوربي.

ومـــن املعـــروف اأن الربازيل كانت مـــن اأوائل الدول التـــي اأعادت

روابطهـــا مع كوبا يف العام 1986 وذلك لي�ـــس نتيجة ملتغريات داخلية

يف كوبا اأو ب�سبب حتولت اإقليمية ودولية، واإمنا متا�سيا مع م�ساحلها

و�سيا�ستها اخلارجية امل�ستقلة. ومن هذا املنطلق، ت�سعى الربازيل اإىل

نيـــل الع�سوية الدائمة يف جمل�س الأمن الدويل؛ ويف هذا ال�ساأن يقول

وزير اخلارجية الربازيلي �سيل�سو اأمورمي: “اإن �سعينا للح�سول على

مقعد دائم يف جمل�س الأمن لي�س هو�سا من الربازيل بهذه امل�ساألة،

Page 78: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 156 157ا�سرتاتيجية

جيوبوليتيك

Page 79: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 158 159ا�سرتاتيجية

واإمنا هـــو جزء من اهتمامنا بعملية اإ�ســـلح نظام الأمم املتحدة

التـــي ل ميكنهـــا ال�ستمـــرار يف العمل بنظـــام مت و�سعـــه يف الن�سف

الثـــاين مـــن القرن املا�ســـي. اإن هذا الو�سع مل يعـــد ممكنا يف الوقت

الراهـــن لأنـــه يقو�س �سرعية القـــرارات التي يتخذهـــا جمل�س الأمن

الـــدويل”، وي�سيف اأمـــورمي: “اأعتقد اأننا و�سلنـــا اإىل حلظة حا�سمة

تفر�ـــس اإدخال اإ�سلحات على نظـــام الأمم املتحدة، ومن بينها منح

دول العـــامل ال�سائر يف طريـــق النمو مثل الربازيل والهند ودول اأخرى

الع�سوية الدائمة يف جمل�س الأمن”.

ومـــن املعلـــوم اأن الربازيـــل �ساحبة اأ�سخـــم اقت�ســـاد يف اأمريكا

اللتينيـــة متار�س �سغطا من اأجـــل اأن يكون لها �ساأن اأكرب يف ال�سوؤون

العاملية، خ�سو�سا منذ بدء الأزمة املالية العاملية الراهنة، وقد �سرح

الرئي�ـــس الربازيلي اأكرث مـــن مرة اأن العامل بحاجـــة اإىل نظام عاملي

مـــايل و�سيا�سي جديـــد ياأخذ بعني العتبـــار راأي وم�سالح دول كثرية

يف هذا العامل.

حتديات البد من جتاوزها اليوم، وعلى الرغم

من اأن القت�ساد الربازيلي ي�سري بوترية مت�سارعة على خط التنمية،

اإل اأن املديونيـــة العامـــة يف الربازيل ما زالت عالية. ف�سل عن ذلك،

تعاين الربازيل من م�سكلة عوي�سة تتمثل يف الفوارق الطبقية الهائلة

داخـــل املجتمع، فالهوة بني الفقـــراء والأغنياء هي الأو�سع والأكرب يف

العـــامل. فعلى �سبيل املثـــال، الطبقة الغنية يف الربازيـــل التي ل تزيد

عـــن 10 يف املائـــة من املجتمـــع حت�سل على 54 يف املائـــة من كل ثروة

املجتمـــع، و10 يف املائـــة مـــن ال�سعب هم مـــن كبار ملكـــي الأرا�سي

ي�ستحـــوذون على 40 يف املائة مـــن اإجمايل اأرا�سي البلد، يف حني اأن

الفقـــراء ون�سبتهـــم 53 يف املائة ميلكون 3 يف املائة فقط من الأرا�سي.

كمـــا اأن مظاهر الغنى والفقـــر يف الربازيل من ال�سهـــل ملحظتها يف

�ســـوارع املدن الربازيلية، فهناك الأحياء ال�سكنية الراقية واإىل جانبها

مدن ال�سفيح ومظاهر البطالة والأحياء الفقرية جدا، هناك الأثرياء

الذين يق�سون عطلة نهاية الأ�سبوع يف نيويورك، بينما ل تك�سب �سرائح

وا�سعة من النا�س اأكرث من دولرين يف اليوم الواحد.

وعلـــى الرغـــم مـــن اأن امل�سكلـــة ترجـــع يف جذورهـــا اإىل الفـــرتة

ال�ستعماريـــة الأوىل يف البـــلد ومنح امل�ستعمريـــن الربتغاليني اأرا�سي

وا�سعـــة ل�ست�سلحها زراعيا، فاإن هناك م�ساع وجهود حقيقية تبذلها

احلكومـــات الربازيلية املتعاقبة لت�سييق الهـــوة بني الفقراء والأغنياء.

وقـــد بادر الرئي�ـــس الربازيلي احلايل دا �سيلفا، وهـــو الذي ينحدر من

اأ�ســـرة فقـــرية، منـــذ اليـــوم الأول لتوليه ال�سلطـــة اإىل اإطـــلق مبادرة

“اجلـــوع �سفـــر”، اأي الق�ساء على اجلوع والعمـــل على توفري الغذاء اللزم لكل برازيلي.

ويف ال�سنوات الأخرية ظهرت موؤ�سرات خمتلفة تدل على اأن الربامج

وال�سيا�سات احلكومية للق�ساء على الفقر، ورفع م�ستوى معي�سة ال�سعب

كلها؛ فالطبقة الفقـــرية بداأت تت�ساءل ل�سالح الربازيلـــي بداأت توؤتي اأ

الطبقـــة الو�سطى والأخرية بداأت بدورهـــا تتقل�س ل�سالح طبقة غنية

جديدة. ورغم كل ذلك ما زال اأمام الربازيل وقت طويل ملعاجلة اخللل

البنيـــوي يف املجتمـــع والناجـــم عن التفـــاوت يف م�ستـــوى الدخل، واإىل

جانـــب ذلك على الربازيل بذل جهود اأكـــرب ملكافحة اجلرمية والف�ساد

والجتـــار باملخـــدرات، وكلها م�ســـاكل وحتديات تعيـــق التنمية يف هذا

البلد الطامح للعاملية.

عندما ت�سلم الرئي�ض النقابي

ال�سابق الكثيف ال�سعر لوال دا�سيلفا

احلكم يف الربازيل عام 2002

اأبدا علماء االقت�ساد تذمرهم،

ولكنه �سرعان ما اأذهلهم. فبف�سل

حنكة لوال املالية اأ�سبح االقت�ساد

الربازيلي اأكرب االقت�سادات

النامية �سامة يف العامل

جيوبوليتيك

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

�سنعـاء، 24-25 كانون الثاين/يناير 2010

مركز �سباأ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية

هاتف: 682144 1 967+ فاك�س: 677879 1 967+ �س.ب: 16822 �صنعاء - اجلمهورية اليمنية www.Shebacss.comE-mail: [email protected]

املحور الأول: الأطر الت�شريعية املنظمة لواقع العمالة فى اليمن واخلليج.

املحور الثاين: العمالة اليمنية كمحدد للعالقات اليمنية - اخلليجية.

املحور الثالث: �شوق العمل اخلليجي واحتياجاته.

املحور الرابع: العمالة اليمنية ومتطلبات تاأهيلها ل�شوق العمل اخلليجي.

املحور اخلام�س: الأبعاد والآثار القت�شادية للعمالة يف اخلليج.

حمـاور املوؤمتــر

للمزيد من املعلومات، الرجاء التوا�سل مع من�سق املوؤمتر:

ماجد �شراج، باحث يف وحدة الدرا�شات ال�شيا�شية - مركز �شباأ للدرا�شات الإ�شرتاتيجية

[email protected] :الربيد الإلكرتوين

ينظم مركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية

موؤمتــرا حــول

»العمالة اليمنية ومتطلبات �سوق العمل اخلليجي:

الفر�ض والتحديات«

Page 80: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 160 161ا�سرتاتيجية

االأمن املفقود فـي ال�سومال

جيوبوليتيك

روؤية من الداخل

اأوال: املعار�سة امل�سلحة للحكومات ال�سومالية

الرئي����ض عبد القا�صم ح�صن �ص���الد واحلكومة النتقالية )2000 -

:)2004

يف عام 2000 ت�سكلت احلكومة ال�سومالية النتقالية يف مدينة عرتا

بجيبوتـــي، ومت انتخـــاب عبد القا�ســـم ح�سن �سلد رئي�ســـا جديدا

لل�سومـــال، ولكـــن مـــا اأن تولـــت احلكومـــة اجلديـــدة مهامها حتى

واجهت معار�سة �سيا�سيـــة وع�سكرية من قبل زعماء احلرب الذين

مل يكـــن هدفهم �ســـوى اإثارة القلقـــل والفو�سى يف البـــلد، لأنهم

يعرفون اأن ا�ستعادة النظام والقانون يعني نهاية ملنهجهم الع�سكري

الذي ينتهجـــوه يف ال�سومال. ومن ثم ن�ســـب القتتال بني احلكومة

اجلديـــدة ولوردات احلـــرب، حيث رجحـــت كفة الأخرييـــن الذين

اأ�سبحـــوا اأكرث قوة مما كانوا عليه قبل 2000، وانتهى عهد احلكومة

الوطنيـــة النتقاليـــة دون اأن ت�سهد البلد جناحـــا كبريا يف القطاع

الأمنـــي. وجتدر الإ�ســـارة اإىل اأن حكومة �سلد النتقالية �سعت اإىل

خلق قوة اأمنية لكن جهودها يف هذا الإطار ذهبت اأدراج الرياح.

وراأى املجتمـــع الـــدويل والبلدان املجـــاورة لل�سومـــال اأن احلكومة

النتقاليـــة قـــد واجهـــت معار�سة قوية علـــى اأيدي زعمـــاء احلرب

امل�سلحني خلل ال�سنتني الأوىل من ت�سكيلها، لهذا كان التفاق على

عقد موؤمتر م�ساحلة لت�سكيل حكومة جديدة ت�سمل زعماء احلرب

مـــن ذوي النفوذ حتى تتجنب البلد ويـــلت الفو�سى العارمة. ومت

عقد هذا املوؤمتر يف كينيا، و�سارك فيه عدد كبري مبن فيهم ممثلي

الإدارة الإقليميـــة يف »بونـــت لنـــد«، ومل يتخلـــف عـــن املوؤمتر �سوى

�سمـــال ال�سومال الـــذي كان ي�سعى لل�ستقلل عـــن بقية الأرا�سي

ال�سومالية.

الرئي����ض عبد اهلل يو�ص���ف اأحمد واحلكوم���ة الفدرالية النتقالية

:)2008 - 2004(

بعـــد انتهاء ذلك املوؤمتـــر الطويل الذي انفق عليـــه املجتمع الدويل

مليـــني الـــدولرات لكي يكلـــل بالنجـــاح يف ت�سكيل حكومـــة تخلف

احلكومـــة الوطنيـــة النتقاليـــة، مت انتخاب عبـــد اهلل يو�سف اأحمد

لقيـــادة احلكومـــة الفدرالية النتقاليـــة التي ي�سيطـــر عليها زعماء

احلـــرب. ومـــا اأن �سرعت احلكومـــة اجلديدة يف عمليـــات النتقال

اإىل البـــلد حتى ظهرت اأ�سوات معظم زعماء احلرب التي اأظهرت

اإ�سرارا على نقـــل العا�سمة ال�سومالية مقدي�سو اأول ومن ثم �سراء

كل الأ�سلحـــة التـــي بحوزتهـــم و�ســـم ملي�سياتهـــم اإىل قـــوى الأمن

ال�سوماليـــة اجلديدة. وهنـــا ظهر اخللف بـــني احلكومة وزعماء

احلرب هـــوؤلء، وبداأ النق�ســـام حيث انتقل معظـــم زعماء احلرب

اإذا م���ا نظرن���ا اإىل الو�ص���ع الأمني يف ال�صوم���ال جند اأنه يزداد �صوءا منذ ع���ام 2000 وحتى يومنا هذا، وقد

لت خ���ارج ال�صومال، حتدي���دا يف جيبوتي ع���ام 2000 ويف كينيا عام واجه���ت احلكوم���ات املتعاقب���ة والت���ي �صك

2004 وم���ن ث���م م���رة اأخ���رى يف جيبوتي ع���ام 2009، واجه���ت خالل هذه الف���رتة نف�ض التحدي���ات الأمنية.

و�صننوه هنا اإىل بع�ض من هذا التحديات التي جعلت من ال�صومال بلدا يفتقر اإىل النظام والقانون.

عبدالغفـــار فـــرح باحث �سومايل متخ�س�ـــس يف ال�سوؤون الأمنية والدفاعيـــة. واملقال يف الأ�سل

حما�سرة األقاها الباحث يف مركز �سباأ للدرا�سات ال�سرتاتيجية يف 11 اأيار/ مايو 2009.

عبد الغفــار فـرح

Page 81: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 162 163ا�سرتاتيجية

ال�سوماليـــني وعـــدد من اأع�ســـاء جمل�ـــس النـــواب ال�سومايل اإىل

مقدي�ســـو بينما ذهب من تبقـــى اإىل مدينة جوهر، الواقعة على بعد

90 كيلومرت �سمـــال العا�سمة مقدي�سو. ويف غ�سون فرتة وجيزة بداأ

زعماء احلـــرب اأنف�سهم بالتدخل يف �ســـوؤون اجلماعات الإ�سلمية

يف مقدي�سو مما اأدى اإىل ا�ستئ�سالهم من جنوب ال�سومال يف عام

2006، وبهـــذا ن�ساأ احتـــاد املحاكم الإ�سلمية وات�ســـع نطاق نفوذه.

ورحبت احلكومة الفدرالية بزوال زعماء احلرب، ولكنها ظلت على

خلف مع املحاكم الإ�سلمية يف ق�سايا عدة.

ودعـــت حكومة ال�سودان كل من احلكومة الفدرالية واحتاد املحاكم

اإىل اخلرطـــوم بغر�ـــس التو�سط بينهمـــا، غـــري اأن املحاولتني باءتا

لقي باللوم على احتاد املحاكـــم الإ�سلمية. ويف الواقع بالف�ســـل، واأ

كان هناك خلف بني قادة احتاد املحاكم الإ�سلمية، وكان ال�سبيل

الوحيـــد لتخفيـــف حدة ذلك اخللف هو �سن حـــرب �سد احلكومة

الفدرالية ال�سعيفة.

ولدحر قوات احتاد املحاكم �سعت احلكومة الفدرالية، التي مل تكن

متلك القـــوة الكافية، اإىل احل�سول على م�ساعـــدة جارتها اأثيوبيا،

و�ســـرح بع�س قادة املحاكـــم باأنهم �سيجتاحـــون العا�سمة الأثيوبية

اأدي�ـــس اأبابا اإذا تدخل الإثيوبيون مما دفع الأخريين اإىل عقد النية

على مهاجمة الإ�سلميـــني وهزميتهم يف عقر دارهم قبل و�سولهم

اإىل الأرا�سي الأثيوبية، وقد مت هذا بالفعل يف كانون الأول/دي�سمرب

عام 2006، لكن التمرد ظل يع�سف بالبلد طوال ال�سنتني التاليتني

حتى ان�سحـــاب القوات الأثيوبية من كل الأرا�ســـي ال�سومالية عام

2009. ومنذ ذلك الوقـــت واخللف قائم يف اأو�ساط �سفوف احتاد

املحاكم الإ�سلمية بني املعتدلني منهم واملت�سددين.

الرئي�ض �صيخ �صريف واحلكومة املوحدة )2009(:

عندمـــا راأى الرئي�س يو�سف اأن املجتمع الدويل غري راغب يف تعزيز

حكومتـــه رغم منا�سداته املتكررة، قرر تقـــدمي ا�ستقالته قبل نهاية

فرتتـــه الرئا�سية. وبعد مغادرة الرئي�ـــس يو�سف بفرتة وجيزة، بادر

املجتمع الدويل اإىل عقـــد موؤمتر يف جيبوتي من اأجل تفادي الفراغ

الذي خلفه يو�ســـف، ولكي يوحد �سفوف احلكومة الفدرالية املوؤقتة

وعنا�ســـر احتـــاد املحاكـــم الإ�سلميـــة املعتدلـــني. وقـــد مت حتقيق

الندماج بني عنا�سر الطرفني، وازداد عدد اأع�ساء جمل�س النواب

مـــن 275 اإىل 550 ع�ســـوا، ومت انتخاب زعيم احتـــاد املحاكم �سيخ

�سريـــف �سيخ اأحمـــد رئي�سا جديدا لقيـــادة احلكومة التـــي اأ�سميت

»احلكومة املتحدة الوطنية«.

وقبـــل النق�سام بني �سفوف عنا�سر احتـــاد املحاكم كان امل�سلحون

الإ�سلميـــون املناه�ســـون حلكومة �سريف ي�سكلـــون العمود الفقري

لحتـــاد املحاكم الإ�سلمية، ولكـــي يوحد كل عنا�ســـر الحتاد قبل

الرئي�س �سريف بتلبية مطالبهم )مثل تبني منهج ال�سريعة الإ�سلمية

الذي اأقره فيما بعد جمل�سي الوزراء والنواب(. لكن الرئي�س مل ي�سر

اإىل التوقيت الزمني ملغادرة قوات الحتاد الأفريقي حلفظ ال�سلم

يف ال�سومال التي طالبت املعار�سة الإ�سلمية امل�سلحة وبع�س كبار

مواطني مقدي�سو اأن يكون 120 يوما.

تقـــوم قـــوات حفظ ال�ســـلم يف ال�سومـــال بحماية املرافـــق التابعة

للحكومـــة الفدرالية يف العا�سمة ال�سوماليـــة مقدي�سو )مثل مطار

عبـــدول الدويل، وميناء مقدي�سو البحري، وق�سر الرئا�سة ومناطق

اأخـــرى هامة يف العا�سمـــة(. ومن املوؤكد اأن ان�سحـــاب قوات حفظ

ال�سلم من مقدي�سو �سيوؤدي اإىل زعزعة اأمن حكومة �سريف، حيث

اأن القـــوة احلاليـــة التابعـــة للحكومة املوحـــدة ل تكافئ قوات حفظ

ال�سلم فهي تفتقر اإىل التدريب والأ�سلحة التي متتلكها قوات حفظ

ال�سلم.

ومـــع اأن الرئي�س �سريـــف يحاول ا�ستمالة قلـــوب اأ�سدقائه القدامى

الذين اأ�سبحوا من العنا�سر املعار�سة حلكومته، اإل اأنهم مل ير�سوا

عنـــه وطالبوا بتنحـــي حكومته التي يعتقدون اأنهـــا اأ�سواأ من حكومة

�سلفـــه. لـــذا ل متلك حكومة �سريـــف احلاليـــة اإل اأن تقنع املعار�سة

امل�سلحة عن طريق احلوار، واأن تكون م�ستعدة للقتال ع�سكريا نظرا

ل�سيطـــرة املعار�سة على معظم اأرا�سي جنوب ال�سومال وعلى %60

من مقدي�سو يف حني ت�سيطر احلكومة على مناطق حمدودة )داخل

العا�سمة فقط( مب�ساندة قوات حفظ ال�سلم.

�سجعت اأعمال القر�سنة اجلنود الذين تركوا

القوى االأمنية يف ال�سومال ليلتحقوا مبهنة

تدر لهم املال الوفري، وهذا بدوره اأ�سعف قوى

االأمن التابعة للحكومة ال�سومالية

جيوبوليتيك

ثانيا:االفتقار اإىل قوة اأمنية �سومالية

اإن عـــدم وجود قوة اأمنية �سومالية يعد من الأ�سباب الرئي�سية التي

اأدت اإىل �سقـــوط احلكومات املتتالية يف ال�سومال منذ 2000 وحتى

2009. اأي�ســـا هناك عـــدد من الأ�سباب الأخرى التـــي نورد منها ما

يلي:

غيــاب االإرادة ال�سيا�ســية: فـــكل احلكومـــات التـــي تولت �سدة

احلكم يف ال�سومال منذ �سنة 2000 مل تبد رغبتها الفعلية يف اإن�ساء

قوة اأمنية متمكنة، اإذ اختلف القادة حول نوعية القوى الأمنية التي

حتتاجها ال�سومال مما اأدى اإىل �سياع الفر�س الذهبية.

عملية التجنيد االأخــرق: اأغلبية املجندين )منذ �سنة 2000(

ر، بالإ�سافة اإىل وجود »اجلنود الأ�سباح«، هم من امل�سنني اأو الق�س

اأي الذيـــن ل يظهـــرون اإل يف وقت حت�سيل الرواتـــب اأو الإكراميات

بينما يختفون يف الوقت الذي يكون البلد يف اأم�س احلاجة اإليهم.

التدريب ال�ســيئ وغياب ال�سباط ال�ســباب: اإذا ا�ستعر�سنا

اأنواع التدريب التي تلقتها قوى الأمن يف ال�سومال منذ 2000 لوجدنا

اأنهـــا مل تكن متميزة وفعالة، اإذ جند اجلنـــود املتدربني قد اأخفقوا

يف اأداء مـــا تدربـــوا من اأجلـــه، وبالتـــايل انك�سفت النوعيـــة ال�سيئة

لتلـــك التدريبات. لقـــد تلقت بع�س عنا�سر قـــوى الأمن ال�سومالية

تدريباتهـــا يف عدد من البلدان املجاورة مثل كينيا واأثيوبيا واأوغندا

وروانـــدا، ولكن بعد عودتهم اإىل ال�سومال اأدى اختلطهم بالقوات

غـــري املدربة اإىل نتائج عك�سية حيث تثبطت معنوياتهم مما دفعهم

يف الأخري اإىل الفرار من اخلدمة.

الأمـــر الثاين الذي هو يف غايـــة الأهمية هو غياب ال�سباط ال�سباب

يف �سفـــوف القوى الأمنيـــة ال�سومالية، فحتى اأولئـــك الذين تلقوا

التدريبـــات يف اخلـــارج مل يكونـــوا كافني من حيث العـــدد لتلبية ما

حتتاجـــه قوى الأمن يف ال�سومـــال، كما اأن القـــادة الكبار اأ�سبحوا

غـــري قادرين على الأمـــر والنهي، وهذا بحد ذاته مثـــل م�سكلة لكل

احلكومات التي تعاقبت منذ 2000 وحتى 2009.

الف�ســاد و�ســوء االإدارة املاليــة: ل �ســـك اأننـــا ل جند يف عامل

اليـــوم اأي قـــوة اأمنية تعمـــل دون مقابل، فل بد مـــن وجود الرواتب

واملكافاآت وما �سابـــه ذلك، غري اأن هذا مل يكن منطبقا على القوى

الأمنيـــة يف ال�سومـــال �سابقـــا اإذ اأنها كانـــت تـــوؤدي واجباتها دون

ا�ستلم م�ستحقاتها املالية ولأ�سهر متتابعة يف بع�س الأحيان. وهذا

الأمـــر نـــادر عندما نقارنه مبا هو عليه احلـــال يف البلدان التي متر

مبرحلـــة ما بعد ال�سراع. وجتدر الإ�ســـارة هنا اإىل اأن املبالغ املالية

التي ت�سلـــم با�سم ال�سومال، �سواء كانت م�ساعدات اأو �سرائب من

داخل البلد، كانت كافية لتلبية القوى الأمنية ال�سومالية املطلوبة،

لكـــن �ســـوء الإدارة وتف�ســـي الف�ســـاد وحمابـــاة الأقـــارب كانت هي

ال�سبب احلقيقي وراء عـــدم ت�سليم م�ستحقات اأفراد القوى الأمنية

ال�سومالية، وبالتايل تدهور اإمكانات قوى الأمن ال�سومالية.

ثالثا:القر�سنة البحرية يف ال�سومال

اأ. ن�صوء القر�صنة يف ال�صومال:

بعـــد انهيار حكومة �سيـــاد بري عام 1991 اأ�سبحـــت املياه الإقليمية

لل�سومـــال دون حماية، حيث تفككت قوة خفر ال�سواحل ال�سومالية

ومل تعـــد قـــادرة على القيام بدورهـــا بفعالية، ولـــذا اأ�سبحت �سفن

ال�سيـــد الأجنبيـــة جتـــوب ميـــاه ال�سومـــال دون وجه حـــق، وتقوم

باإر�ســـال ما ت�سطاده مـــع �سفن النقل الأخرى حتـــى تبقى ت�سطاد

فرتة اأطول.

ونظرا لل�سرر الذي حلق بال�سيادين املحليني الذي خ�سروا م�سدر

رزقهم نتيجة ملمار�سات �سفن ال�سيد الأجنبية التي دمرت قواربهم

وقطعت �سباك ال�سيد، قام اأولئك ال�سيادون بحمل ال�سلح حلماية

اأملكهم وم�سدر رزقهم، لكن اتهمهم العامل باأ�سره بالقر�سنة. ول

�سك يف اأن اأعمال القر�سنة خارجة عن القانون ولي�ست �سرعية، اإل

اأنه من املهم تتبع اأ�سباب ظهور هذه الظاهرة لإيجاد العلج الناجع

لهذا اخلطر الذي يهدد امن طرق التجارة البحرية الدولية.

لقد التحق ال�سباب ال�سومايل العاطل عن العمل بعنا�سر القر�سنة

يف حربهم التي ي�سنوها على ال�سفن العابرة، لأن ذلك القتال اأ�سبح

مـــورد رزق. بالإ�سافة اإىل هـــذا، �سجعت اأعمـــال القر�سنة اجلنود

الذين تركوا القوى الأمنية يف ال�سومال ليلتحقوا مبا يدر لهم املال

الوفـــري، وهذا بـــدوره اأ�سعف قوى الأمن التابعة لـــكل من احلكومة

الفدرالية وحكومة »بونت لند« الإقليمية.

املي���اه الأجنبي���ة يف ال�صي���د ل�صف���ن ال�صرع���ي غ���ري الوج���ود ب.

الإقليمية لل�صومال:

يعتـــرب ال�سيد غري ال�سرعي ظاهـــرة �سائعة يف اأرجاء العامل، وجتد

»مافيـــا البحر« املياه غـــري املحمية لقمـــة �سائغة. وامليـــاه الإقليمية

لل�سومـــال لي�ست مبناأى عن ذلك نظرا لطـــول �سواحلها التي ت�سل

اإىل 3300 كـــم وهي تزخر باملـــوارد البحرية. لكن �سفن ال�سيد غري

ال�سرعي عاثـــت فيها ف�سادا ودمرت �سفـــن ال�سيادين الفقراء، بل

وت�ستخـــدم و�سائـــل �سيد حمرمة دوليا ممـــا اأدى اإىل تدمري املوارد

البحرية.

ال متلك حكومة �سريف احلالية اإال اأن

تقنع املعار�سة امل�سلحة عن طريق احلوار،

واأن تكون م�ستعدة للقتال ع�سكريا نظرا

ل�سيطرة املعار�سة على معظم اأرا�سي

جنوب ال�سومال

Page 82: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 164 165ا�سرتاتيجية

جيوبوليتيك

Page 83: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 166 167ا�سرتاتيجية

ل دوره ويتخذ اإجـــراءات اأكرث فعالية ولبـــد للمجتمع الـــدويل اأن يفعر

لي�ســـع حدا لظاهـــرة القر�سنة. �سحيح اأن الكثـــري من الدول اأخذت

تر�ســـل احلماية لبع�ـــس ال�سفن اخلا�ســـة، ولكن ل يوجـــد حتى الآن

برنامج موحد ل�ستئ�سال �ساأفة القر�سنة يف هذا اجلزء من العامل.

ج. كب النفايات ال�صناعية وال�صامة يف املياه الإقليمية لل�صومال:

منذ عام 1991 واملياه الإقليميـــة لل�سومال م�ستباحة وغري حممية،

ممـــا اأعطـــى ع�سابـــات املافيـــا الدوليـــة فر�ســـة لرمـــي النفايات

ال�سناعيـــة وال�سامـــة يف تلك امليـــاه، وتقوم ع�سابـــات املافيا بهذه

الأعمال الإجرامية مقابل مبالغ مالية.

وبالتاأكيـــد ك�سفـــت العديد مـــن املقـــالت والأعمال البحثيـــة كثريا

مـــن ال�سركات الكـــربى التي تتخل�س من نفاياتهـــا برميها يف املياه

الإقليميـــة لل�سومـــال، و�سيك�ســـف التاريـــخ عن املزيد مـــن العملء

وال�ســـركات املتورطة يف مثل هذه الأعمال مثلمـــا ك�سفت كارثة املد

البحري العظيـــم )ت�سونامي( عن وجود اأكرث من ع�سرة براميل يف

املياه ال�سومالية حتتوي على نفايات �سامة )مثل مواد امل�ست�سفيات

ومواد كيميائيـــة ومواد اليورانيوم الإ�سعاعيـــة(، و�سيكون لها �سرر

علـــى البيئـــة يف امل�ستقبل القريب فقـــد اأكدت العديد مـــن التقارير

موت ما يزيد عن 300 �سحية من جراء النفايات ال�سامة.

د. دور املجتمع الدويل:

يدرك املجتمع الـــدويل متاما مدى الأ�سرار التي تعر�ست لها املياه

الإقليميـــة لل�سومـــال لكنـــه ي�سلـــط تركيزه علـــى ال�سفـــن التجارية

ومعاقبـــة القرا�سنة ال�سوماليني من خلل القرارات ال�سادرة عن

جمل�ـــس الأمن التي تعطي القوى البحريـــة املختلفة احلق يف حماية

�سفنهـــا من القرا�سنة، وبهذا تقبع امليـــاه الإقليمية لل�سومال حتت

وطاأة وجود القوى البحرية املختلفة، والتي لكل منها م�سالح خا�سة

يف تلك املياه حيث تزداد اأعمال القر�سنة يوما بعد يوم.

ل دوره ويتخذ اإجـــراءات اأكرث فعالية ولبـــد للمجتمع الـــدويل اأن يفعر

لي�ســـع حدا لظاهـــرة القر�سنة. �سحيح اأن الكثـــري من الدول اأخذت

تر�ســـل احلماية لبع�ـــس ال�سفن اخلا�ســـة، ولكن ل يوجـــد حتى الآن

برنامج موحد ل�ستئ�سال �ساأفة القر�سنة يف هذا اجلزء من العامل.

ه�( تو�صيات ملعاجلة ظاهرة القر�صنة يف ال�صومال:

اإن م�سالـــة القر�سنة من �سنع الب�سر، وهذا يعني اأنها قابلة للحل اإذا

عوجلـــت بالطريقة املنا�سبة ودون حتيز، لذا نطرح احللول املقرتحة

التالية:

ينبغـــي علـــى العـــامل اأجمـــع تقـــدمي الدعـــم ال�ســـادق لل�سلطـــات

ال�سوماليـــة )الإدارات الإقليميـــة منها واحلكومـــة الفدرالية( حتى

تتمكـــن مـــن اجتثاث جـــذور مع�سلـــة القر�سنـــة، اإذ اأن القرا�سنة ل

يعي�ســـون يف البحـــر واإمنـــا لهـــم قواعد علـــى الأرا�ســـي ال�سومالية،

وبالتايل من ال�ســـروري اإن�ساء خفر �سواحل قوي على طول ال�سواحل

ال�سومالية لكبح جماح تلك العنا�سر.

تقـــدمي الدعم ملجتمعـــات ال�سيد حتـــى ت�ستاأنف مهنتهـــا بطريقة

اأف�ســـل مما كانت عليه يف ال�سابق، وذلك عن طريق م�ساعدة برامج

التنميـــة التابعـــة للمجتمـــع الدويل. ومـــن ل يرغب يف مهنـــة ال�سيد

ميكنه مزاولة مهنته التي كان يعملها من قبل.

يجـــب منـــع �سفـــن ال�سيد غـــري ال�سرعية مـــن الدخـــول اإىل مياه

ال�سومال الإقليمية، فلم يعد هناك حديث حول نهب املوارد البحرية

ال�سوماليـــة بينمـــا حتظـــى اأعمـــال القر�سنـــة البحريـــة بالهتمام

الكامل.

ينبغـــي حما�سبة من يلقون النفايـــات ال�سناعية وال�سامة يف املياه

الإقليمية لل�سومال، فاإن مل يتخذ الإجراء اللزم حيال ذلك �سي�سهد

امل�ستقبـــل اآثـــارا �سلبية لن ت�سر بالبيئة البحريـــة فح�سب بل واحلياة

الب�سرية اأي�سا.

جيوبوليتيك

ترجمات

روؤى وحتليلت من ال�سفة الأخرى

األوية اإيران االنتحارية على اأهبة اال�ستعداد

ملاذا منح الرنويجيون جائزة نوبل الأوباما؟

لفونه علي اأ

جورج فريدمان

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية

Page 84: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 168 169ا�سرتاتيجية

وتظهـــر مثل هذه الإ�سرتاتيجية جلية يف عمل مركز التحليل املذهبي

لأمـــن بل حدود، وهـــو عبارة عن موؤ�س�ســـة تفكري تابعـــة لهيئة احلر�س

الثـــوري الإ�سلمـــي الإيـــراين. وقد قام مديـــر املركز، ح�ســـن عبا�سي،

باحت�ســـان موؤ�س�ســـة الإرهـــاب النتحـــاري. ففـــي 16 �سبـــاط/ فربايـــر

قيمت 2006، األقـــى عبا�سي خطابا رئي�سيـــا خلل فعاليات احللقة التي اأ

يف جامعـــة خاجـــة - نا�سر لإحيـــاء ذكرى فتوى اآيـــة اهلل اخلميني بقتل

الكاتـــب الربيطاين �سلمان ر�سدي. وكمـــا كان اخلميني يفعل عادة، بداأ

عبا�ســـي حما�سرته باإتباع اأ�سلوب النقد الأدبي؛ من خلل حتليل اإحدى

املطبوعـــات الأمريكية التي ن�سرت �سنـــة 2004. فهذه املطبوعة، بح�سب

ر ر�سول الإ�سلم كنبي جـــاء لإراقة الدم ون�سر العنف«. عبا�ســـي، »ت�سور

األوية اإيران االنتحارية

اإرهاب ناه�س

ترجمات

بعد م�سي عدة �سنوات على اإعان الرئي�ض االأمريكي )ال�سابق( جورج دبليو بو�ض احلرب العاملية على

االإرهاب، ال زال النظام االإيراين يحت�سن االإرهاب االنتحاري باعتباره مكونا مهما من مكونات مذهبه

ري النظام الع�سكري. وللرتويج الأعمال التفجريات االنتحارية واأعمال اإرهابية اأخرى، قام منظ

با�ستغال الدين بهدف ا�ستقطاب االنتحارين وجتنيدهم وت�سويغ اأعمالهم. والأن بع�ض التيارات

داخل جمهورية اإيران االإ�سامية تدعم تطوير ما ي�سمونه باالألوية اال�ست�سهادية، فاإن تركيبتها

ون�ساطاتها توحي باأن الغاية منها اأن تكون اأداة اإ�سرتاتيجية لي�ض فقط ل�سرب الغرب وردعه، ولكن

اأي�سا كو�سيلة الإخماد اأي حماوالت داخلية تهدف اإىل زعزعة االإرث الثوري للجمهورية االإ�سامية.

لفونـــه Ali Alfoneh باحث اإيـــراين وزميل دكتوراه يف ق�سم العلـــوم ال�سيا�سية علـــي اأ

بجامعـــة كوبنهاجـــن، وزميل باحـــث يف كلية الدفـــاع الدمناركية امللكيـــة. والعنوان

الأ�سلـــي للمقـــال Iran’s Suicide Brigades: Terrorism Resurgent ون�ســـر يف ف�سلية

ال�سرق الأو�سط The Middle East Quarterly، عدد �ستاء 2007، ال�سفحات 44-37.

علي األفونه

وب�سيغـــة بلغية، طرح عبا�ـــس الت�ساوؤلت الآتية: »هـــل �سيفهم الرجل

الغربـــي معنى ال�سهادة ولديه هذه الفكـــرة املتحيزة؟ )وهل باإمكانه( اأن

ـــر الإ�سلم باأي �سيء عدا اأنه الإرهاب بعينه؟« اإن الغرب ينظر اإىل يف�سر

العمليـــات النتحارية علـــى اأنها اإرهاب، ولكنهـــا بالن�سبة لعبا�سي تعبري

نبيل عن الإ�سلم.

وبالتـــايل فمـــا هـــو الإرهـــاب اإذا مل يكـــن العمليـــات النتحاريـــة؟

بالن�سبـــة لعبا�سي، يت�سمن الإرهـــاب اأي حديث اأو عبارة يعتربها مهينة

للإ�سلم. وح�سب التغطية الإعلمية ملحا�سرته، فقد لحظ عبا�سي اأن

“)امل�ست�ســـارة الأملانية( مريكل و)الرئي�س الأمريكـــي ال�سابق( بو�س قاما بتقدمي الدعـــم للجريدة الدمناركية التي ن�سرت ر�سوما م�سيئة للر�سول

)�ـــس(، مما اأدى اإىل ت�سويه �سمعتهما يف العامل الإ�سلمي، كما اأن هذا

الدعـــم اأثار ت�ساوؤل حـــول اإذا ما كانت امل�سيحية، علـــى عك�س الإ�سلم،

ذات طبيعـــة اإرهابيـــة”. ومـــن منظور القيـــادة الإيرانية، تعـــد الر�سوم

Jyllands-Posten’s الكاريكاتورية التي ن�سرتها جريدة جيلندز بو�سنت

الدمناركية دليل يثبت وجود الإرهاب امل�سيحي.

ووفـــق تعبري عبا�سي، فاإن اإيـــران ل ميكن اأن ترعى الإرهاب، ولكنها

لـــن تتورع عن موؤازرة وترويج الهجمات النتحارية. وقد اأعلن اأن حوايل

40 األفـــا من الإيرانيني الباحثني عن ال�سهادة م�ستعدين للقيام بعمليات

انتحاريـــة �سد “ت�سعـــة وع�سرين هدفا مـــن الأهـــداف الغربية التي مت

حتديدها”، يف حال توجيه الوليـــات املتحدة �سربة ع�سكرية للمن�ساآت

النووية الإيرانية.

مثـــل هـــذه التهديدات لي�ســـت جديدة. ففـــي اإحدى املقابـــلت التي

اأجرتهـــا وكالة اأنباء فار�س مع عبا�سي، واملن�سورة يف موقعه الإلكرتوين،

دعـــا اإىل تبني ما ي�سمى »بالإرهاب املقد�س« منذ �سنة 2004. وكما كتب

عبا�ســـي، فاإن “جبهة الكفر هي جبهة اأعـــداء اهلل وامل�سلمني. واأي عمل

فا”. ي�سبب الرهبة والرعب يف اأو�ساط الكفرة يعترب عمل مقد�سا وم�سرر

ويف 5 حزيران/ يونيو 2004، حتدث عبا�سي عن اإمكانية تغلب العمليات

النتحارية على قوة ع�سكرية متفوقة، قائل: »طاملا وجد العتقاد القائم

علـــى التوكل علـــى اهلل، فاإنه لي�س هنـــاك حاجة لوجـــود تكافوؤ ع�سكري

ز نف�سه لل�سهادة بخلف ملواجهة العدو... فالرجل املتوكل على اهلل يجهر

غريه من الآدميني، الذين يكافحون من اأجل قتل الآخرين«.

وقد تزامن ح�سور عبا�سي، كما تزايدت اأهميته، يف اأجهزة الإعلم

الإيرانيـــة احلكوميـــة مع منو العديد من املنظمـــات التي قامت بتحجيم

اأولئـــك الذين مييلـــون اإىل العتدال داخل اجلمهوريـــة الإ�سلمية. خذ

على �سبيل املثـــال، موؤ�س�سة اإحياء �سهداء احلركـــة الإ�سلمية العاملية(

�س�ست يف 2004 ملناه�سة حماولت الرئي�س حممد خامتي وهي منظمة اأ

حت�سني علقات اإيران مع م�سر.

وقـــد اأخذ �سيت املنظمة ينمو على مدار ذلـــك العام. ففي اخلام�س

من حزيـــران/ يونيو 2004، خ�س�ست جريدة ال�ســـرق Shargh اليومية

الإ�سلحيـــة ال�سفحة الأوىل ملقابلة مع حممد علي ال�سمدي، املتحدث

الر�سمي با�سم املنظمة. وال�سمـــدي وثيق ال�سلة بالثوريني املت�سددين،

والذين لهم تاريخ حافل. كما اأنه ع�سو يف هيئة حترير جملتي �سلم�سي

Shalamche وباهـــار Bahar التابعتني لأن�ســـار حزب اهلل املت�سددين –

Jomhouri- جمموعـــة حار�س، وكذلك جريـــدة اجلمهورية الإ�سلميـــة

Page 85: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 170 171ا�سرتاتيجية

ye Eslami، التـــي تعتـــرب �ســـوت وزارة

ال�ستخبارات.

وقـــد ذكر �سمـــدي اأنه �سجـــل 2000

متطوع للقيـــام بعمليات انتحارية خلل

قيمـــت قبل ذلك حلقـــة النقا�س التـــي اأ

بيـــوم واحـــد. وتظهـــر ن�ســـخ ا�ستمارات

الت�سجيـــل )اأنظـــر ال�ســـكل رقـــم 1( اأن

ال�سهـــادة” ي�ستطيعون عن “الباحثني التطـــوع للقيام بعمليـــات انتحارية �سد

ثلثـــة اأهـــداف رئي�سيـــة، هـــي: القوات

الأمريكيـــة يف املـــدن ال�سيعيـــة املقد�سة

بالعـــراق، والإ�سرائيليـــون يف القد�ـــس،

و�سد �سلمان ر�ســـدي. كما تظهر قوائم

الت�سجيل اقتبا�سا من اإعلن اخلميني،

الذي قال فيه: “اإذا قام العدو مبهاجمة

اأرا�سي امل�سلمني وحدودهم، فقد وجب

علـــى كل امل�سلمـــني الدفـــاع عنهـــا بكل

الو�سائل املمكنة )مبا يف ذلك( الت�سحية

بالنف�س واملال”.

وكذلك ملحظـــات القائـــد الأعلى

احلـــايل، علي خامنئي، التـــي تفيد باأن

“البحـــث عـــن ال�سهـــادة ميثـــل اأعظم تاأكيد علـــى عظمة الأمـــة، واأرقى ملحمة ميكـــن جت�سيدها يف هذا الباب. فالرجل وال�ساب والولد والبنت

اجلاهزون للت�سحية بحياتهم مـــن اأجل اأمتهم ودينهم، يعتربون )رمز(

الفخر الأعظـــم، والإقدام، وال�سجاعة”. وبح�سب تقارير �سحفية، فقد

ح�ســـر حلقـــات النقا�س التـــي تقيمهـــا املوؤ�س�سة عدد من كبـــار م�سئويل

النظام الإيراين.

الوحدات االنتحارية يبدو اأن امل�سئولني الإيرانيني

�سادقون يف كلمهـــم. ففي اأيلول/ �سبتمرب 2004، وخلل اإلقاء خطاب

يف بو�سهر حيث يوجد املفاعل النووي الإيراين الأبرز، اأعلن �سمدي عن

تكوين وحدة للباحثني عن ال�سهادة من بو�سهر. يف حني اأن ال�سيد ح�سني

�سريعتمـــداري، مدير حترير جريدة كيهـــان Keyhan الر�سمية اليومية

قـــال “بـــاأن اأفـــراد اجلي�ـــس الأمريكي �سيكونـــون رهائننـــا يف العراق”،

ـــل القـــدرات التكتيكية للعامل وتفاخر بـــاأن العمليـــات ال�ست�سهادية متثر

الإ�سلمي.

وبعـــد ذلك، وبالتحديد يف ت�سرين الثـــاين/ نوفمرب 2004، وردا على

احلملـــة الع�سكريـــة التـــي قامت بها القـــوات الأمريكية �ســـد املتمردين

طلق يف الفلوجـــة، اأعلن �سمدي عـــن تكوين اأول وحدة انتحاريـــة. وقد اأ

علـــى هذه الوحـــدة ا�ســـم اأكرب �سانعـــي القنابـــل يف حركـــة “حما�س”

)الفل�سطينيـــة(، يحيى عيا�س، املعـــروف اأي�سا با�سم “املهند�س” والذي

اغتيـــل يف 5 كانون الثاين/ يناير 1996، وهـــذه الوحدة تتكون من ثلث

فرق ل يعـــرف حجمها بال�سبط: فرقة رمي �سالـــح الريا�سي، ن�سبة اإىل

اأول امراأة تقـــوم بعملية فدائية ل�سالح

حركـــة “حما�ـــس”؛ وفرقـــة م�سطفى

حممود مازح، املواطـــن اللبناين البالغ

من العمر 21 عاما، والذي لقي حتفه يف

غرفة مـــن غرف فندق بادجنتون اأثناء

اطلعه على كتاب ل�سنع القنابل، ومن

املرجـــح اأنـــه كان يخطـــط ل�ستهـــداف

�سلمـــان ر�ســـدي. اأمـــا الفرقـــة الثالثـــة

فاأطلـــق عليها ا�سم اأحمـــد ق�سري، وهو

�ساب يبلغ مـــن العمر خم�سة ع�سر �سنة

ويعترب اأحد منفذي العمليات النتحارية

حل�ساب »حـــزب اهلل« اللبناين، وكانت

عمليته قد دمرت يف 11 ت�سرين الثاين/

نوفمـــرب عام 1982 بنايـــة �سكنية تتكون

من ثمانيـــة طوابـــق كان يقطنها اأفراد

من القوات الإ�سرائيلية يف مدينة �سور،

بجنوب لبنان.

كمـــا اأفـــاد �سمـــدي باأنـــه �ستتكـــرر

الدعـــوات للمزيـــد مـــن املتطوعـــني يف

مقـــربة فاطمـــة الزهـــراء، وهـــي اأكرب

مقـــربة يف طهـــران ل�سهـــداء احلـــرب

العراقيـــة - الإيرانية، وذلك يف الأ�سبوع التـــايل، ووعد باإن�ساء مدار�س

ابتدائية خا�سة للتدريب على العمليات النتحارية.

وقـــد اأوفـــى بكلمتـــه، اإذ قامت قيـــادة املوؤ�س�سة يف الثـــاين من كانون

الأول/ دي�سمـــرب 2004، بجمع ح�سد غفـــري يف اجلزء اخلا�س بال�سهداء

يف مقـــربة فاطمة الزهراء، وذلك لتكرمي اأولئـــك الذين قاموا بعمليات

انتحارية. وبناء علـــى اإفادة وكالة الأنباء الإيرانية )مهر(، فقد ك�سفت

املنظمة عـــن ن�سب تذكاري لتكـــرمي ال�سهداء الذيـــن قتلوا يف هجمات

1983 التي ا�ستهدفت مقر م�ساة البحرية الأمريكية، “حزب اهلل” �سنة والثكنـــات الع�سكرية جلنود حفظ ال�سلم الفرن�سيني يف بريوت. وقد مت

و�ســـع هذا الن�سب بجانـــب الن�سب التذكاري اخلا�ـــس بقاتل )الرئي�س

امل�سري( اأنور ال�سادات.

وقد اختتم �سمدي الفعالية بخطاب حما�سي، معلنا فيه “اأن العملية

التـــي نفذت �سد البحرية الأمريكية كانت �سربـــة قا�سمة للأمريكيني،

وبينـــت باأنه على الرغم من �سمعتهم اجلوفـــاء وقوتهم اخليالية... فاإن

)لديهـــم( نقاط �سعـــف كثرية وه�سة جدا. ونعترب هـــذه العملية منوذجا

جيـــدا. اإن املقابـــر التي دفن فيهـــا قتلهم تعطي منظـــرا جميل يبهج

القلب ويفـــرح اخلاطر، وتثلج �سدور اأولئـــك امل�سلمني الذين ذلوا حتت

اأحذية اليانكيز فيما مل يول املجتمع الدويل اأدنى اهتمام لهم”.

ـــع بالرغم مـــن اأن هناك ولقـــد ا�ستمـــر فيلق النتحاريـــني يف التو�س

دلئـــل على اأن رعاتهـــم مل يجعلوا منهـــم عنا�سرا جاهـــزة للعمل بعد.

ففي ني�ســـان/ اأبريل عام 2005، اأعلنت جريدة اإيران Iran اليومية �سبه

�سكل رقم )1(

ترجمات

طلق عليها ا�سم الر�سمية اأنـــه مت ت�سكيل وحدة من الإناث النتحاريات اأ

ن�سر املوقع الإلكرتوين الإخباري )بازتاب كما الزيتون”. “بنات Baztab(، والـــذي يرتبـــط مبح�سن ر�سائي، الرئي�ـــس ال�سابق لهيئة

احلر�س الثـــوري الإ�سلمي من �سنـــة 1981 اإىل 1997 والذي ي�سغل منذ

ذلك احلني من�سب �سكرتري جمل�س ت�سخي�س م�سلحة النظام الإيراين،

ن�سر اقتبا�سا لأحد الأ�سخا�س ويدعى فريوز رجائي- قار، ذكر فيه “اأن

الن�ســـاء والفتيات الإيرانيات الباحثات عـــن ال�سهادة اأ�سبحن جاهزات

للم�ســـي على درب اأخواتهـــن الطاهرات من املقاتـــلت الفل�سطينيات،

اللتي �سبنب اأفظع الكوابي�س والرعب يف اأو�ساط ال�سهاينة”.

وفـــريوز رجائي- قـــار هو حمتجز رهائن �سابق مـــن ال�سفارة الأمريكية

يف طهـــران، ولديـــه ترخي�ـــس لإدارة جملـــة دوكـــوه Do-Kouhe )اأي

اجلبلـــني، ن�سبة اإىل اإحدى �ساحـــات القتال الأعنف يف احلرب العراقية

– الإيرانية(، التابعة ملنظمة احلار�س - اأن�سار حزب اهلل.وقـــد قام اآية اهلل ح�سني نوري حمداين باإ�سفاء �سرعية لهوتية على

هـــذا النوع من العمليات النتحاريـــة يف ر�سالة وجهها للجمع الغفري من

منا�ســـري هـــذه العمليات، موؤكدا اأن ح�سور مثل هـــذا التجمع يدل على

املوافقـــة الكلية على القيام مبثل هـــذه العمليات، وكذلـــك اإن�ساء �سبكة

منا�سرة لها.

وقـــد ح�سر هذا الجتماع ممثرل حركة »حما�س« الفل�سطينية )يف اإيران(

اأبو اأ�سامـــة املطاوع؛ وحممد ح�ســـن رحيميان املمثـــل ال�سخ�سي للقائد

الأعلـــى ملوؤ�س�سة ال�سهيد وتعتـــرب اأقوى موؤ�س�سة من هـــذا النوع؛ ومهدي

ك�ســـك زاده ع�ســـو الربملان الإيـــراين؛ وم�سطفى رحمـــان د�ست الأمني

العـــام جلمعية ن�ســـرة ال�سعب الفل�سطيني؛ ومرزيـــه حديده دباغ املمثل

الأعلى للن�ساء املقاتلت.

ومـــع هذا، فاإن اأكرث التعبريات الدالـــة على ال�سلبة والت�سامن )يف

جممل هذه اخلطابـــات( ظلت حمدودة. وقد قامـــت وكالة مهر للأنباء

بن�ســـر اإعـــلن واحد فقط يتنـــاول مو�ســـوع الت�سامن، يعـــود للمتحدث

الر�سمـــي بجامعة با�سيج يف فرع طهران التابع جلامعة اأزاد الإ�سلمية.

ويف اخلطـــاب، قـــام املتحـــدث مبقارنة الأعمـــال النتحاريـــة املعا�سرة

بالأعمـــال الثورية التي قـــام بها مرزا ر�سا كرمـــاين، قاتل ن�سر الدين

�ســـاه، امللك الإيـــراين يف القرن التا�ســـع ع�سر والذي تذمـــه اجلمهورية

الإ�سلميـــة، كما قارنها باأعمال نافاب �سافـــايف موؤ�س�س منظمة فدائيي

الإ�سلم، والأخـــري م�سهور باغتياله الكاتب واملـــوؤرخ القومي الليربايل،

اأحمد ك�سروي.

لكـــن الأمـــر املهم هـــو قيام جمموعـــة مـــن جامعـــة اأزاد الإ�سلمية

بامل�سادقة على هذه املنظمة. اجلدير بالذكر اأن جامعة زاد الإ�سلمية

ن�سئـــت بغر�س تو�سيـــع الرقعة التعليميـــة بعد قيام الثـــورة الإ�سلمية. اأ

ولـــدى اجلامعة العديد من الفروع يف اأنحاء البـــلد، وتعترب اليوم اأكرب

�سرح للتعليم العايل يف اإيران.

ويف 13 اأيـــار/ مايـــو 2005، اأعلـــن امل�سئولـــون الإيرانيـــون عن تكوين

الوحـــدة الثانية للعمليـــات النتحاريـــة الإرهابية حتـــت م�سمى “وحدة

طالب ال�سهادة”، واملكونة من ثلثمائة باحث عن ال�سهادة، اجلاهزين

للعمـــل. ويف غ�ســـون ب�سعة اأ�سهر، كان هناك ح�ســـد كبري للباحثني عن

ال�سهـــادة يف جامعـــة �سهرود. وبينما مل يح�ســـر ممثل “حما�س” الذي

دعـــي ر�سميا لهـــذا الجتماع، فقـــد �ساهد احلا�ســـرون، وبالبث احلي،

الرئي�ـــس حممود اأحمدي جنـــاد وهو يلقي كلمته خـــلل فعاليات موؤمتر

�سهيونية”. دون من “عامل وعلـــى الرغم من اأن و�سع لوائي العمليات النتحارية الثالث والرابع

يظـــل غـــري وا�سح، فاإن هنـــاك وحـــدات انتحارية جديدة مل تـــزل تعلن

عـــن ا�ستعدادها للقيـــام بهذه العمليات. ففي اأيـــار/ مايو 2006، اأعلنت

على الرغم من خطاباتها الباغية

والتجمع اال�ستعرا�سي، فاإن هناك

القليل من ال�سواهد على اأن احلكومة

االإيرانية قد اأقامت خميمات

لتدريب االإرهابين االنتحارين

Page 86: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 172 173ا�سرتاتيجية

الوحدة اخلام�ســـة للباحثني عن ال�سهادة ا�ستعدادها للدفاع عن اإيران،

طلق عليها ا�سم القائد نادر مهـــدوي الذي قتل �سنة 1988 وهي وحـــدة اأ

يف مهمـــة انتحارية �سد القوات البحرية الأمريكية يف اخلليج الفار�سي.

وقـــد ادعت قيادة املوؤ�س�سة اأنها جندت “خم�سة وثلثني يهوديا اأجنبيا”

للقيام بهجمات انتحارية.

اإن قيام »حزب اهلل« اللبنـــاين باختطاف جنديني اإ�سرائيليني يف 12

متـــوز/ يوليو 2006 قد اأعطى الألويـــة النتحارية الإيرانية فر�سة اأخرى

للح�ســـول على �سهـــرة اإعلمية وتغطية �سحفية اأو�ســـع. ففي 17 متوز/

يوليو 2006، اأعلنت وكالة اأريا الإخبارية، يف تقرير لها، عن اإر�سال بعثة

تتكـــون من وحدتني للباحثني عن ال�سهـــادة اإىل لبنان، ت�سمنت اأولهما

ثمانيـــة ع�سر �سخ�سا، يف حني تكونـــت الثانية من ت�سعة اأ�سخا�س. وبعد

ع�سرة اأيام من هذا الت�سريح، واأثناء املظاهرات العارمة التي �سهدتها

كل من طهران وتربيـــز، اأعلن متطوعون عن ا�ستعدادهم خلو�س حرب

مقد�ســـة. كما كان هناك ح�سد كبـــري يف را�ست عا�سمة مقاطعة جيلن

يف بحر قزوين، يف 29 متوز/ يوليو. وبالرغم من ال�سجاعة )التي اأبداها

هـــوؤلء(، فقد قامت ال�سرطة الإيرانية باإيقاف قافلة من الذين ي�سفون

اأنف�سهـــم بــــ “الباحثني عـــن ال�سهادة” يف احلـــدود الرتكية. وقد ذكر

اأحـــد املواقع الإلكرتونيـــة الي�سارية نقل عن حاكـــم مقاطعة اأذربيجان

الغربية حيث يقع احلد الفا�سل مع تركيا، تكذيبه )املزاعم التي اأفادت(

تلقيـــه ات�ســـال هاتفيا من اأحمدي جناد يطلب منـــه منع هذه الوحدات

النتحارية من العبور.

التدريــب والقيــادة يف حـــني ت�سعى احلكومـــة الإيرانية

للح�ســـول علـــى قيمـــة دعائيـــة مـــن خـــلل اإعلناتهـــا عـــن الوحدات

النتحاريـــة اجلديـــدة، فـــل يزال هنـــاك �سكوك حول مـــدى م�سداقية

جتنيد هـــوؤلء النتحاريني. عندما قامت جملـــة ال�سباب الإيراين بعمل

مقابلـــة مـــع ال�سيدة رجائـــي- قار، التـــي نظمت وحدة »بنـــات الزيتون«

)النتحاريـــة(، ظلـــت تـــراوغ حـــول مـــدى جديـــة املجنـــدات يف الوحدة

والتزامهن بالنتحار.

وعلـــى الرغـــم مـــن خطاباتهـــا البلغيـــة والتجمـــع ال�ستعرا�ســـي،

فـــاإن هناك القليل مـــن ال�سواهد على اأن احلكومـــة الإيرانية قد اأقامت

خميمـــات لتدريب الإرهابيني النتحاريني. وبينمـــا قام احلر�س الثوري

بت�سغيـــل �سبكة من القواعد داخل اإيران، فـــاإن التغطية ل تزال �سعيفة،

علـــى الأقل من قبـــل ال�سحف وو�سائل الإعـــلم الإيرانية ذات امل�سادر

املفتوحـــة، حـــول اأن�سطة التدريـــب الفعلية للذيـــن مت جتنيدهم من قبل

قيـــادة املوؤ�س�ســـة. وثمـــة اإ�سارتـــان اثنتـــان تفيـــدان بح�ســـول تدريبات

ع�سكرية قامت بها الألوية النتحارية حول �سد كاراج، وقد اأ�سار حممد

ر�سا جعفري، قائد خميم تدريب »احتاد ع�ساق ال�سهادة« اإىل اأحد هذه

التمارين، بالقول “لبيك يا خامنئي”.

وبا�ستثنـــاء متثيل حركـــة “حما�س” خـــلل مرحلـــة التطوير املبكر

لوحـــدات “الباحثني عن ال�سهـــادة” الإيرانية، هناك اإثباتات قليلة على

وجود ارتباطات تنظيميـــة مع منظمات اإرهابية خارجية. اإن تدريب اأي

وحـــدة )انتحارية( ل يدل بال�سرورة على اأن احلكومة الإيرانية م�ستعدة

لن�سر تلـــك القوات )بهدف تنفيذ اأعمال اإرهابية(. ففي حزيران/ يونيو

2004، اأو�ســـح �سمـــدي اأن »اأن�سطة قيـــادة املوؤ�س�سة �ستبقـــى ذات طابع

نظـــري طاملا اأنـــه ل يوجـــد اأي تفوي�س ر�سمـــي بذلك، كمـــا اأن عمليات

الباحثـــني عن ال�سهادة لن تبداأ اإل اإذا �سدرت الأوامر بذلك من القائد

)علي خامنئي(«.

ومع هذا، مل تزل اجلهات التي ت�سدر الأوامر والتي لديها ال�سيطرة

علـــى هذه العنا�سر مبهمـــة وغري معروفة. فقد �ســـدد ح�سني اهلل كرم،

وهو اأحد الأ�سخا�س امل�سهورين من عنا�سر اأن�سار حزب اهلل واإن كان ل

يتمتع بعلقات ر�سمية مع »الباحثني عن ال�سهادة«، �سدد على اأن �سدور

اإذن مـــن خامنئي لي�س �سروريا للقيام باأي تدريبات طاملا كان املتدربني

غري م�سلحني. ويف حماولة للتمل�س من �سوؤال حول احلاجة اأو ال�سرورة

لإن�ساء وحدات للباحثني عن ال�سهادة توازي وت�ساهي البا�سيج، رد كرم

قائـــل: “اإن جمموعات الباحثني عن ال�سهـــادة هي عبارة عن منظمات

غري حكومية”، ولي�ست جزءا من التكوينات الر�سمية الإيرانية.

والبا�سيـــج هـــي ميلي�سيات �سعبيـــة �سبه ع�سكرية مـــن خمربين غري

�سندت اإليها مهمة حماية الثورة وعلى نحو مطلق، ومل ت�سعر نظاميني، اأ

هذه امليلي�سيات بال�سعادة حيال هذا التناف�س. وقد اأدان قائد البا�سيج،

حممد حجازي، اإعـــلن قيادة املوؤ�س�سة نيتها اإر�ســـال وحدات انتحارية

اإىل لبنـــان، اإذ �سرح قائـــل اأن »هذه الأعمال ل متت بـــاأي �سلة للجهاز

الر�سمـــي )الإيراين(، ولكنها تخـــدم اأهدافا دعائية ل غـــري«. وباأ�سلوب

يحمـــل نقدا غـــري مبا�سر لقيادة الوحـــدات النتحاريـــة، اأ�ساف قائل:

“هنـــاك بع�ـــس املجموعات التي تبدو وكاأنهـــا م�ستقلة حتاول جذب.. ال�سبـــاب ودون التن�سيـــق مـــع املوؤ�س�ســـات الر�سميـــة اأو موافقة اجلهات

الآمرة، وذلك لأغرا�ـــس دعائية. قد تكون غاياتها نبيلة ولكن اأ�ساليبها

غـــري �سحيحة”. وقد عزز غـــلم ح�سني اإلهام الناطـــق الر�سمي با�سم

احلكومة الإيرانية، هذه املحاجة.

كمـــا مت تاأكيـــد املكانـــة غـــري احلكوميـــة لقيـــادة املوؤ�س�ســـة ووحدات

»الباحثـــني عـــن ال�سهـــادة« يف بع�ـــس امللحظـــات والت�سريحـــات التي

اأدىل بها اأحد قادة احلر�س الثـــوري املجهولني، وذلك ل�سحيفة ال�سرق

Shargh، حيـــث اأفـــاد قائـــل: »مبا اأن قيـــادة املوؤ�س�سة لي�ســـت حكومية،

فـــاإن املنظمة ل تنتظر الأوامر من اجلي�ـــس يف حالة قيامها باأي اإجراء.

فعملياتهـــا لبد اأن تقارن بالعمليات ال�ست�سهادية للفل�سطينيني، والذين

لي�س لهم اأي علقة مع حكومة اإيران«.

اأمـــا وزارة اخلارجيـــة، التي كانـــت يف عهد الرئي�ـــس حممد خامتي

اإ�سلحيـــة اأكرث من احلر�س الثوري ذي الطابع املتزمت واملتحجر، فقد

�ســـورت عنا�سر قيادة املوؤ�س�سة باأنهم »عنا�سر غري م�سئولة«، واأنهم »ل

يعك�ســـون توجه احلكومة«. ويف 3 اآب/ اأغ�سط�ـــس 2006، واأثناء فعاليات

احل�ســـد اجلماهـــريي يف مقـــربة فاطمة الزهـــراء )املخ�س�ســـة لقتلى

احلـــرب الإيرانيـــة - العراقية(، قال اأحـــد اأع�ساء الربملـــان الإيراين،

ال�سيـــد مهدي ك�ســـك زاده باأن قيـــادة املوؤ�س�سة عبارة عـــن منظمة غري

حكومية.

ترجمات

وقـــد رد موقع بازتاب Baztab الإلكرتوين الإخباري بغ�سب على ن�سر

،Partov اإعلنـــات تخ�س »العمليـــات ال�ست�سهادية« يف جملـــة بارتوف

وهـــي جملة �سهرية مت�سددة ي�سدرها معهـــد الإمام اخلميني للأبحاث

يف مدينـــة قـــم، حيث اتهـــم املوقع قيـــادة املوؤ�س�ســـة ومدير املعهـــد، اآية

اهلل حممـــد تقي م�سباح يزدي والـــذي يعترب اأكـــرب املنظرين الدينيني

الأ�سوليني للجمهورية الإ�سلمية، باإعطاء الغرباء الفر�سة لل�سق تهمة

رعاية الإرهاب باإيران.

وباملثل، عرب نائب الرئي�س الإيراين حممد علي اأبطحي عن امل�ساعر

ذاتها. اإذ كتب: »لبد اأن تكون العمليات ال�ست�سهادية �سد م�سالح الدول

الأخرى طي الكتمان... واإظهار مثل هذه التجمعات على امللأ هي مبثابة

الدليـــل القاطع على اأنهم لن يقوموا بعمـــل اأي �سيء«. وقد وجه اأبطحي

التهامـــات اإىل يـــزدي باأنـــه يعمل على اإيـــذاء م�سالح اإيـــران الوطنية،

واأكرث من ذلك، باأنه يقوم مبحاولة اإن�ساء موؤ�س�سات موازية داخل اإيران

بغر�س قمع واإنهاء اأي معار�سة داخلية مل�ساحله ال�سيا�سية«.

وقـــد دفعت هـــذه التهامات �سكـــر اهلل عطار زاده، ع�ســـو الربملان،

اإىل اتخـــاذ موقف املدافع عـــن م�سباح يزدي. وقد اأفـــاد �سكر اهلل باأن

هنـــاك متطوعـــون ل تربطهم �سلة باآيـــة اهلل قاموا بتنظيـــم »العمليات

ال�ست�سهاديـــة«، وهـــذه العمليات حتـــت اأي مقيا�س تعد اأعمـــال دفاعية

�سرفة.

اأداة لل�ســراع على ال�ســلطة للطابع العدائي الذي

يحمله موقع بازتاب جتاه م�سباح يزدي مغزى مهم. فقد اأيدت جمهورية

اإيران الإ�سلمية، ولفرتة طويلـــة، ال�ستخدام الوا�سع النطاق للإرهاب

وامللحقـــة الأمنيـــة يف مواجهة الأخطـــار الداخلية وتطويـــع مواطنيها.

ولعـــل املثال الأبرز على ذلك هو �سل�سلة جرائم القتل التي ا�ستمرت منذ

1997 اإىل 1999، اإذ قامـــت القوات ال�سريـــة الإيرانية بت�سفية املفكرين

واملثقفـــني الإيرانيـــني ب�سكل منظـــم، وذلك بهدف ترهيـــب املعار�سني.

وهـــذه الق�سيـــة ظلت حمـــل جدل كبري، ممـــا اأدى اإىل حـــدوث بلبلة يف

اأو�ســـاط العامة يف اإيـــران. وتدعي وزارة ال�ستخبـــارات والأمن القومي

باأن جرائم القتل ارتكبتها خليا مارقة يف الوزارة. وعلى اأية حال، فاإن

ال�سحفـــي واملعار�س ال�سيا�ســـي الأكرث �سهرة يف اإيـــران، اأكرب قاجني،

قـــد وجه اأ�سابع التهام اإىل وزير ال�ستخبـــارات ال�سابق، علي فلحيان

و)املر�سد علي(خامنئي، وحملهما م�سئولية ارتكاب جرائم القتل تلك.

واأثناء احلملـــة النتخابية الرئا�سية �سنة 2005، حذرت �سحيفة روز

Rooz اليوميـــة ذات التوجـــه الإ�سلحـــي، من ت�سكيل جماعـــة »فرقان«

جديدة، وهي عبارة عن جمموعة اإ�سلمية اأ�سولية يرجع تاريخ ن�ساطها

اإىل الأيام الأوىل للثورة الإ�سلمية. وقد اأظهر كل من علي يون�سي وزير

ال�ستخبارات و )نائب الرئي�س حممد علي( اأبطحي املخاوف نف�سها.

كمـــا وجـــه الناطـــق الر�سمي حلملة علـــي اأكرب ها�سمـــي رف�سنجاين

النتخابية، باقر نوبخت، �سهام النقد اإىل يزدي، وذلك من خلل القول

بـــاأن الأخري ي�سعى اإىل ا�ستخدام “جي�س الباحثني عن ال�سهادة” للقيام

بعمليات �سد اأعدائه ال�سيا�سيني داخل اإيران.

لأكرث من قرن من الزمان، جلـــاأ امل�سئولون املت�سددون اإىل ا�ستغلل

املجموعـــات التـــي متيـــل اإىل ا�ستخـــدام العنف خلل مراحـــل ال�سراع

ال�سيا�ســـي املختلفـــة. ومـــن الوا�سح اأن لهـــوؤلء نفوذ �سيا�ســـي ملحوظ.

وقـــد زاد من قوة و�سلبة مثل هذه التوجهـــات وامليول، قيام ثورة 1979

الإ�سلميـــة، ول يوجـــد اأدين �سك بـــاأن اأولئك الذين يرعـــون »الباحثني

عـــن ال�سهادة« قد ا�ستغلـــوا املوؤ�س�سة كاأداة للحفاظ علـــى القيم الثورية

يف ني�سان/ اأبريل عام 2005، اأعلنت

جريدة اإيران Iran اليومية �سبه

الر�سمية اأنه مت ت�سكيل وحدة من

االإناث االنتحاريات اأطلق عليها ا�سم

»بنات الزيتون«

Page 87: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 174 175ا�سرتاتيجية

ومواجهة كل من ت�سول له نف�سه دح�سها اأو تغيريها.

ومـــن هنا يت�سح باأن الأزمـــة فيما يخ�س تغيري �سيا�ســـة اإيران جتاه

م�ســـر تبقى ذات طابع تعليمي. فمنذ بداية قيام اجلمهورية الإ�سلمية

تقريبـــا، يوجد توتـــر �سديد بني طهـــران والقاهرة. فقد اأبـــدى اآية اهلل

اخلمينـــي معار�ســـة �سديدة لعـــرتاف الرئي�س امل�سري اأنـــور ال�سادات

باإ�سرائيـــل وتوقيع معاهدة ال�سلم معهـــا، وبعد اغتيال ال�سادات، قامت

ال�سلطات الإيرانية بت�سمية اأحد �سوارع )العا�سمة طهران( با�سم قاتله،

خالـــد الإ�سلمبـــويل. وطيلة ال�سنـــوات التالية، ظل هـــذا العمل م�سدر

اإزعاج وتوتر للعلقات الإيرانية - امل�سرية.

لكـــن يف كانون الثاين/ ينايـــر 2004، وقرب نهاية الفـــرتة الرئا�سية

)الثانيـــة( ملحمد خامتي، ن�ســـرت وكالة مهر للأنبـــاء تقريرا حول طلب

احلكومـــة الإيرانيـــة مـــن جمل�س مدينـــة طهـــران تغيري ا�ســـم ال�سارع.

وقـــد اأذعن جمل�س املدينة للطلـــب، ومت تغيري ا�سم ال�ســـارع اإىل »�سارع

النتفا�سة«. واأفاد املتحدث الر�سمي با�سم وزارة اخلارجية حامد ر�سا

اآ�سفـــى، باأن هذا القرار هو مبثابـــة خطوة لتح�سني العلقات بني اإيران

وم�سر.

وقـــد عار�ست قيـــادة املوؤ�س�سة هذا القرار من خـــلل اإر�سال ر�سالة

اعرتا�ـــس اإىل حممـــود اأحمـــدي جناد، حمافـــظ طهران اآنـــذاك. لكن

اأحمـــدي جناد دافع عن القرار بحجة اأن هـــذا �سيعزز من وحدة الدول

الإ�سلميـــة، »وذلـــك لكـــي يت�سنـــى لهـــا مواجهـــة احلركـــة ال�سهيونية

العاملية«.

ومل تقـــف قيـــادة املوؤ�س�سة مكتوفة الأيدي بل قامـــت بالرد على ذلك

بن�ســـر بيـــان �سحفـــي، وتنظيم مظاهـــرة مناه�سة لهذا القـــرار. وذكر

مهـــدي ت�سمـــران، رئي�س جمل�ـــس مدينة طهـــران والأخ ال�سقيـــق لقائد

احلر�ـــس الثوري الراحل م�سطفى ت�سمـــران، اأن وزارة اخلارجية قامت

ل بقاء ال�سم تكرميا للإ�سلمبويل. بفر�س القرار، ولكنه يف�س

وبالأ�سلـــوب الإيـــراين املعتـــاد يف امل�ساومـــة، �سمي ال�ســـارع يف نهاية

املطاف بـ »�سارع حممد الـــدرة«، ن�سبة لفتى )فل�سطيني( يبلغ من العمر

اثنـــي ع�ســـرة �سنة قتل يف تبـــادل لإطلق النار خلل الأيـــام الأوىل من

النتفا�سة الفل�سطينيـــة الثانية. ولكن قيادة املوؤ�س�سة جنحت يف اإف�سال

عملية التقارب مع اأكرب دولة عربية عقدت معاهدة �سلم مع اإ�سرائيل،

ويف 28 كانـــون الثـــاين/ ينايـــر 2004، اأعلنـــت جريدة ال�ســـرق الأو�سط

اليوميـــة وال�سادرة باللغـــة العربية من العا�سمـــة الربيطانية لندن، اأن

الرئي�ـــس امل�ســـري حممد ح�سني مبـــارك لن يزور اإيـــران، نظرا لوجود

�ســـورة خلالد الإ�سلمبـــويل يف اإحـــدى الواجهات العامـــة يف العا�سمة

طهران.

واجلدير بالإ�ســـارة اأن اأولئك الذين تربطهم علقة بقيادة املوؤ�س�سة

يبدون وكاأنهـــم عازمني على ا�ستخدام قوات غري نظامية �سد الأعداء،

لي�س فقط يف اخلارج ولكن حتى اأعداء الداخل. وقامت جمموعات ذات

علقـــة وطيدة مب�سباح يزدي يف 5 حزيران/ يونيو 2006 بالتهجم على

رف�سنجـــاين يف حماولة لإخافته خلل وجوده يف مدينة قم. يف املا�سي،

كان امل�سلحون واملفكرون الأحرار يتعر�سون ملثل هذه الهجمات من قبل

احلر�ـــس، ولكن نف�س املعاملة يتـــم توجيهها الآن �ســـد اجليل الأول من

الثوار الإيرانيني اأمثال رف�سنجاين.

وكمـــا يف املا�ســــي، فــــاإن العنــــف اأخذ ي�ســــل اإىل نف�ــــس املجموعات يف

ال�سيا�سة الإيرانية؛ ومثال ذلك مدير حترير جريدة كيهان، �سريعتمداري،

واملقرب مــــن قيادة املوؤ�س�سة، ويعــــد اأحد املفكريــــن املنا�سرين ل�ستخدام

العنف يف مواجهة العنا�سر الليربالية. وكذلك ح�سني اهلل كرم الذي ينتمي

اإىل اأن�ســــار حزب اهلل، ولديه باملثل علقات وثيقة بوحدات »الباحثني عن

ال�سهادة«، لكنه اأكرث ارتباطا مبجموعة اأن�سار حزب اهلل، والتي تقوم بن�سر

اإعلنات للموؤ�س�سة وكذلك املقابلت مع الناطقني الر�سميني با�سمها.

ا�ســتنتاجات منذ اأحداث 11 اأيلول/ �سبتمرب 2001 يف وا�سنطن

ونيويورك، اأف�سى الرتكيز املتزايد على الإرهاب الدويل اإىل تعاظم اخلوف

من الإرهاب. ونظرا لت�سكل وحدات انتحارية، فاإن طهران با�ستطاعتها على

الأقل ا�ستغلل مثل هذه املخاوف. وما يح�سل الآن، اأن �سانعي ال�سيا�سات

يف الغرب اأخذوا يطلقون التحذيرات من اأن اأي هجوم على اإيران قد ي�سعل

رد فعــــل عنيــــف ذي طابع اإرهابي تدعمه اإيران. ومــــا يعزز هذا الدعاء اأن

اجلمهوريــــة الإ�سلمية قامت بتكوين الأولويــــة النتحارية، لكن حقيقة اأنه

قــــد فر�س على القيادة الإيرانية تبنى مثل هذه الأ�ساليب غري التقليدية يف

الردع، رمبا ي�ســــري اإىل اأن طهران تدرك باأن اجلي�س الإيراين اأ�سعف مما

يدركه اأو يعرفه م�سئوليها.

وعلــــى اأية حال، قد تكــــون للوحدات النتحارية وظيفــــة مزدوجة. فمن

ناحيــــة الفاعليــــة، تعترب هــــذه الوحــــدات من اأكــــرث املجموعــــات املت�سددة

جهوزيــــة حلمل ال�سلح، واأعظمها ولء، وعنا�سرهــــا م�ستعدين للموت من

اأجــــل حمايــــة القيم الثوريــــة. وعليه، فــــاإن املت�سددين الإيرانيــــني ميكن اأن

ي�ستغلوا هذه الوحــــدات للمناو�سة، وكذلك جلعل الإ�سلحيني والليرباليني

ل تهديــــدا ملحا، حتــــت ال�سيطــــرة. بيد اأن هذا الأمــــر، يف املقابل، قد ي�سكر

نظــــرا لرغبــــة املتزمتني الإيرانيــــني ا�ستخدام العنف �ســــد مناف�سيهم من

ال�سيا�سيــــني املحليني، كما يعتــــرب اأعظم عائق تقريبا اأمـــام اأولئك الذين

ي�سعون اإىل »لربلة« اجلمهورية الإ�سلمية من الداخل.

للوحدات االنتحارية وظيفة مزدوجة.

فمن ناحية الفاعلية، تعترب هذه الوحدات

من اأكرث املجموعات املت�سددة جهوزية

حلمل ال�ساح، واأعظمها والء، وعنا�سرها

م�ستعدين للموت من اأجل حماية القيم

الثورية. وعليه، فاإن املت�سددين االإيرانين

ميكن اأن ي�ستغلوا هذه الوحدات للمناو�سة،

وكذلك جلعل االإ�ساحين والليربالين

حتت ال�سيطرة

ترجمات

�سدر حديثا �سمن

�سل�سلة درا�سات جامعية

�سورة املراأة اليمنية

فـي الدراما التلفزيونية املحلية

�سالح حممد حميد

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 88: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 176 177ا�سرتاتيجية

جلائزة نوبل

اجلغرافيا ال�سيا�سية

اأمـــا اللجنـــة التـــي منحـــت جائـــزة ال�ســـلم لأوباما فتتكـــون من

ثوربيورن ياغلنـــد Thorbjorn Jagland كرئي�س للجنة، وهو رئي�س

الربملـــان والرئي�س ال�سابق حلزب العمال ووزير اخلارجية الرويجي؛

ومـــن كا�ســـي كوملـــان Kaci Kullmann، الع�سو ال�سابـــق يف الربملان

Sissel الرويجـــي ورئي�ـــس حزب املحافظـــني؛ و�سي�سل مـــاري رونبك

Marie Ronbeck، الع�ســـو الدميقراطـــي الجتماعـــي يف الربملـــان الرويجي؛ واإنغر ماري يرتهورن Inger-Marie Ytterhorn، الع�سو

ال�سابق يف الربملان الرويجي وكبري م�ست�ساري حزب التقدم؛ واأوغوت

فـــال Agot Valle، الع�ســـو احلايل يف الربملـــان الرويجي واملتحدثة

الر�سمية حول ال�سوؤون اخلارجية حلزب الي�سار ال�سرتاكي.

اأي اأن جلنة جائزة ال�سلم تتكون من جمموعة �سيا�سيني، بع�سهم

اأع�ساء حاليني يف الربملان والبع�س الآخر اأع�ساء �سابقني فيه، ثلثة

منهم ينتمون للي�سار )ياغلند ورونبك وفال(، بينما ينتمي الع�سوان

الباقيان )كوملان ويرتهورن( اإىل اليمني. وهذا يعني اأن جلنة جائزة

ال�سلم متثرل بكل اأمانة طيف ال�سيا�سة الرويجية باأكمله.

اجلائــزة التي تثري الده�ســة كثريا طاملا اأثبت

حائزو جائـــزة نوبل اأنهم مثـــريون للده�سة. فعلى �سبيـــل املثال، كان

ثيـــودور روزفلت اأول رئي�ـــس اأمريكي ينال اجلائزة عـــام 1906 مقابل

جناحه يف حتقيق مفاو�سات ال�ســـلم بني اليابان ورو�سيا. وبل �سك

كان روزفلـــت ي�سعـــى باإخل�ـــس لتحقيق ال�ســـلم، ولكن دافعـــه، اأول

واأخـــريا، كان خ�سية بـــلده من اأن جتد لحقا يابانـــا جاحما ي�سعب

ال�سيطرة عليـــه، ويهدد امل�سالح الأمريكيـــة يف املحيط الهادي. فقد

�سعى لتحقيق ال�سلم حتى ل تقوم اليابان با�ستئ�سال القوة الرو�سية

من املحيط الهادي وال�سيطرة على ميناء اآرثر اأو اأي جائزة من جوائز

ح يف احلـــرب الرو�سيـــة اليابانيـــة. ولكي يحقق ذلـــك الهـــدف، كان يلمر

خطاباته باأن الوليات املتحدة قد تتدخل �سد اليابان.

وبقيامـــه بالتو�سط يف املفاو�سات كمحاولة ملنع اليابان من ا�ستغلل

انت�سارهـــا علـــى القـــوات الرو�سية، تـــورط روزفلـــت يف �سيا�ســـة القوة

اخلال�سة، واأ�سبحت البابـــان ناقمة من التدخل الأمريكي )اأما الرو�س

فقـــد كانـــوا م�سغولـــني بال�سطـــراب الداخلـــي يف بلدهـــم(. علـــى اأن

فـــاز الرئي�ـــس الأمريكي باراك اأوبامـــا )مطلع ت�سرين الأول/اأكتوبـــر( املا�سي بجائزة نوبل لل�ســـلم، وهي اجلائزة

التـــي خ�س�سهـــا األفرد نوبل، خمـــرتع الديناميت، بحيث متنح ملن يقـــوم باجناز »اأف�سل عمـــل لتحقيق التاآخي بني

الأمم، ومن اأجل اإلغاء اأو تقلي�س اجليو�س الدائمة، وكذلك من اأجل الت�سجيع على عقد موؤمترات ال�سلم«. وتختلف

اآليـــة منـــح جائزة ال�سلم عن باقي جوائز نوبل، اإذ تقوم هيئات اأكادمييـــة، مثل الأكادميية ال�سويدية امللكية للعلوم،

ت على اأن يقوم الربملان الرويجي Storting، باختيار بتحديـــد الفائز باجلوائز الأخرى مع اأن و�سية األفرد نوبل ن�س

جلنة من خم�سة اأع�ساء ملنح اجلائزة.

جورج فريدمان George Friedman موؤ�س�س ومدير موؤ�س�سة �سرتاتفور

وقد Nobel Geopolitics البحثية الأمريكية. والعنوان الأ�سلي للمقال

ن�سر يف موقع موؤ�س�سة �سرتاتفور على النرتنت.

جورج فريدمان

ترجمات

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية 176

املحادثــــات متخ�ست عن اإبرام معاهدة بني الطرفني، وعم ال�سلم. ومع

اأن الدافع وراء م�ساعي روزفلت لل�سلم هو احلفاظ على توازن القوى يف

املحيط الهادي اإل اأن جلنة جائزة نوبل، كما يبدو، مل تعر ذلك اهتماما.

ومبــــا اأن األفرد نوبل مل يقدم الكثري مــــن الإر�سادات يف و�سيته عن كيفية

ا�ستحقــــاق اجلائزة، فقد كان اختيار روزفلت اأمرا مقبول كغريه ممن مت

اختيارهم لنيل جوائز نوبل لل�سلم.

واملن�سقــــني للمعار�ســــني منحــــت اجلائــــزة الأخــــرية ال�سنــــوات ويف

ال�سيا�سيني ممن توافق عليهم اللجنة، من اأمثال دالي لما وليخ فاون�سا،

اأو اأ�سخا�ــــس يدعمون ق�سايا تقبل بها اللجنة مثل اآل جور، واآخرون كانوا

ناع ال�سلم على نهج روزفلت، من اأمثال يل دوك ثو وهري كي�سنجر من �س

لعملهما من اأجل حتقيق ال�سلم يف فيتنام، ويا�سر عرفات واإ�سحق رابني

مل�ساعيهما لإحلل ال�سلم بني الإ�سرائيليني والفل�سطينيني.

مــــن املهــــم اأن نتذكر اأمرين عن جائــــز نوبل لل�سلم، وهمــــا: اأول، اإن

نوبــــل مل يكن وا�سحا ب�ساأن نوايــــاه بخ�سو�س اجلائزة. ثانيا: قراره - اأي

نوبــــل - اأن يتوىل منح اجلائزة - مع خال�س العتذار مقدما للرويجيني

الذيــــن ناأمــــل اأن يقبلــــوه - �سيا�سيــــون من بلــــد هام�سي و�سغــــري بالن�سبة

للنظــــام الــــدويل. ول نق�سد من هــــذا توجيه النقد للرويــــج، البلد الذي

طاملــــا اأحببناه يف املا�ســــي، واإمنا لدى الرويجيني اأحيانــــا طريقة غريبة

يف روؤية العامل.

لـــذا فاإن اجلائزة التـــي منحت لأوباما مل تكن اأكرث اأو اأقل غرابة من

بع�س اجلوائز ال�سابقة التي قررت منحها جلنة ال�سيا�سيني الرويجيني

اخلم�ســـة، الذيـــن ل يعرفهم اأحد خـــارج الرويج. لكن فـــوزه باجلائزة

يعطينـــا فر�سة التاأمل يف ال�سوؤال التـــايل: ملاذا يح�سن الأوروبيون الظن

باأوباما اإىل هذا احلد؟

اأوبامــا واالأوروبيــون بدايـــة دعونا نبدي احلذر عند

ا�ستخدام م�سطلح “الأوروبيني”، لأن �سكان اأوروبا ال�سرقية والرو�س

كلهـــم اأوروبيـــون ولكنهـــم ل يح�سنـــون الظـــن باأوباما كثـــريا. كما اأن

الربيطانيني متحفظـــون بهذا ال�ساأن. لكن اإجمال، فاإن �سعوب اأوروبا

القاطنة غرب الدول التابعة للحتاد ال�سوفيتي �سابقا وجنوب القناة

الجنليزيـــة و�سرقها يح�سنـــون الظن به كثـــريا، ويعك�س الرويجيون

هذا الإعجاب. ومن املهم اأن نعرف �سبب كل هذا الظن ال�سامي.

لقـــد واجه الأوروبيون كوارث عدة خلل القـــرن الع�سرين، اإذ اأردت

احلربـــان العامليتان اأجيال منهم ودمـــرت اقت�ساد اأوروبا. وبعد احلرب

مبا�ســـرة كان م�ستـــوى املعي�سة يف القارة ل يختلف كثريا عن ما هو عليه

يف بلـــدان العـــامل الثالث اآنذاك، فقـــد فقدت اأوروبا كل �ســـيء تقريبا -

مليـــني من الأرواح، واإمرباطورياتهـــا، وحتى �سيادتها يف ظل احتللها

من قبل الوليات املتحدة والحتاد ال�سوفيتي وتناف�سهما عليها. فكارثة

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 177ا�سرتاتيجية

Page 89: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 178 179ا�سرتاتيجية

القرن الع�سرين هي من حدد اأوروبا واأبرزها، وهي ما حتاول �سعوبها

الهرب منه.

وبعـــد ذلـــك منحـــت احلـــرب البـــاردة اأوروبـــا الفر�سة كـــي تتعافى

اقت�ساديا، ولكن فقط يف �سياق الحتلل وتهديد احلرب بني ال�سوفيت

والأمريكيـــني. فقد اأحـــرق ن�سف قرن مـــن الحتلل ال�سوفيتـــي اأرواح

�سعـــوب اأوروبا ال�سرقية، يف حني عا�س باقـــي القارة يف خ�سم الزدهار

املتنامي وبوادر حرب اأخرى تو�سك اأن تندلع. ومل يكن باأيدي الأوروبيني

منـــع حدوث احلرب اأو معرفة اأين وكيـــف �ستدور رحاها. لهذا انق�سمت

اأوروبـــا ق�سمني، اأحدهما هو الق�سم الأوروبي الذي ر�سخ لحتلل اأملانيا

النازيـــة اأول والحتاد ال�سوفيتي ثانيا، وهو مـــا زال يعي�س حتت �سيطرة

�سبـــح الكارثتني معا. اأما الق�سم الثاين، وهـــو اجلزء الأكرب، فيعي�س يف

ظل احلماية وال�سيطرة الأمريكية.

وبـــني عامـــي 1945 و1991 عا�ســـت اأوروبا الغربية حالـــة مواجهة مع

ال�سوفيت، وعا�ست �سعوبها حتت هاج�س اخلوف من الحتلل ال�سوفيتي،

جربت ولكنها ورغم الإغراء مل ت�ست�سلم لل�سوفيت. اأي اأن تلك ال�سعوب اأ

علـــى العتماد على الوليات املتحدة للدفاع عن نف�سها وعن ا�ستقرارها

القت�ســـادي، وبهذا ر�سخـــت للرغبة الأمريكية. ومـــا كان يقرر ن�سوب

احلـــرب من عدمه هـــو الطريقة التي ينظر بهـــا الأمريكيون وال�سوفيت

اإىل بع�سهم، ولي�س ما كان يدور يف عقول الأوروبيني.

ـــم حجم اأي عمل عـــدواين من جانب وكانـــت العقـــول الأوروبية تعظر

اأمريكا، مهما كان تافها، خوفا من ردة فعل

الأمريكيـــون كان احلقيقـــة ويف ال�سوفيـــت.

مقيديـــن اأثنـــاء احلـــرب البـــارة اأكـــرث ممـــا كان

الأوروبيون يعتقدون وقتئذ. ولو األقينا نظرة للوراء

لوجدنا اأن و�سع الوليات املتحدة يف اأوروبا نف�سها

مل يكـــن فعال، لكن الرعـــب الأوروبي كان م�سدره

اأن ما يحدث يف بع�س اأنحاء العامل - كوبا وال�سرق

الأو�سط وفيتنام - قد يدفع الحتاد ال�سوفيتي اإىل

الـــرد داخل اأوروبـــا، الأمر الـــذي �سيكلفهم كل ما

بنوه.

اأن الأوروبيـــة العقـــول يف يع�س�ـــس كان ومـــا

الأمريكيـــني قبل عـــام 1945 كانوا هـــم املحررون،

وبعد ذلك اأ�سبحوا احلماة، ولكن احلماة ل ميكن

العتماد عليهـــم يف جتنب اندلع حرب اأخرى من

خلل التهـــور والطي�س. وقد هيمنت على الأوربيني فكرة اأن الأمريكيني

كانـــوا غري نا�سجـــني ومتقلبي املزاج ولكنهم ميتلكـــون قوة كبرية ميكن

الوثـــوق بها. اأما يف املنظور الأمريكي، فاإن الأوروبيني كانوا هم اأنف�سهم

الأوروبيـــون الذين �ساركوا يف اأعمال وح�سية ل مثيل لها بني عامي 1914

و1945. وبعـــد عـــام 1945 - عندمـــا �سيطـــر الأمريكيون علـــى اأوروبا –

نعمت القـــارة بال�سلم والزدهار اأكرث من الفـــرتات التي �سبقتها. لكن

القناعة الأوروبية بـــاأن الأوروبيني هم ال�سيا�سيـــون املحنكون واحلكماء

بينمـــا الأمريكيون عك�س ذلك مل يكن بحاجة اإىل قاعدة جتريبية، لكنه

بنـــي على حقيقة اأخرى، وهـــي اأن اأوروبا خ�سرت كل �سي، مبا يف ذلك

القدرة علـــى ال�سيطرة على م�سريها، واأن الوثوق بحاميها كان اأمرا

�سعبا.

لقد كان الأوروبيون ميقتون العديد من الروؤ�ساء الأمريكيني، مثل

لينـــدون جون�سون، وريت�سارد نيك�ســـون ورونالد ريجان. كما مل يح�س

جيمي كارتر بالحرتام، والرئي�سان اللذين حظيا باحلب، هما: جون

ف. كينيـــدي وبيـــل كلينتون. وقـــد اأراحهم كينيدي مـــن عبء دوايت

د. اآيزنهـــاور ووزير خارجيته ال�سارم جـــون فو�سرت دال�س، الذي مل

يكـــن موثوقا به البتة. اأما كلينتـــون فقد كان حمبوبا، وذلك لعدد من

الأ�سبـــاب الهامة التي يتطلـــب فهمها درا�سة فـــرتة ما بعد احلرب

الباردة.

اأمــريكا واأوروبــا بعــد احلرب البــاردة مثلت

�سنة 1991 نهاية احلرب الباردة، واأ�سبح الأوروبيون لأول مرة منذ

عـــام 1914 ينعمـــون بالزدهار والأمـــن، كما ا�ستعـــادوا �سيادتهم.

اأمـــا الوليات املتحـــدة فلم تكن حتتاج مـــن الأوروبيني �سوى اأ�سياء

ب�سيطـــة مما اأ�سعـــد الأوروبيـــني، ومثل هذا حلظـــة تاريخية نادرة

�ســـاد فيها �سعور بوجود حتالـــف موؤ�س�سي بني الطرفني، ولكن لي�س

ب�ســـورة كبرية وفعالة. اإذ كان لبد مـــن تويل اأمر منطقة البلقان،

مع اأنها مل تكن منطقة القلق الرئي�سي.

اإن اأوروبا ميكنهـــا اأن ترتاح اأخريا؛ فلم تعد هناك حرب عاملية

اأخـــرى تهدد مبحـــو ازدهارهـــا، واأ�سبحـــت �سعوبها تنعـــم بحرية

ال�ستقـــلل من ال�سيطرة الأمريكية، وبات الأوروبيون قادرين على

ت�سكيـــل موؤ�س�ساتهـــم. وكان ذلـــك هـــو اأف�سل

الأوقـــات بالن�سبة لهم، واعتقـــدوا اأنه �سيدوم

اإىل الأبد.

وبالن�سبـــة للوليـــات املتحـــدة فقـــد غـــريت

اأحداث احلادي ع�ســـر من اأيلول/�سبتمرب 2001

كل �ســـي. وقـــد تعاطـــف الأوروبيـــون متامـــا مع

الوليـــات املتحـــدة بعـــد ذلـــك، وكان تعاطفهم

�سادقـــا، لكنهم اعتقـــدوا اأن الرئي�س الأمريكي

الأ�سبـــق جورج دبليو بو�س بالغ يف ردة فعله على

الهجمـــات، مهـــددا باإطـــلق العنـــان للإرهاب

�سدهـــم وخو�ـــس حـــروب غري �سروريـــة، وقبل

كل �ســـيء، فاإنـــه مل يهتـــم با�ست�سارتهم. لكن

هـــذا الدعاء الأخري مل يكن �سادقا بكل معنى

الكلمـــة، فقد كان بو�س يقـــوم غالبا با�ست�ســـارة الأوروبيني، وكانوا

غالبـــا يرف�سون مطالـــب اإدارته. وقد اأ�سيـــب الأوروبيون بالذهول

عندما م�سى بو�س يف �سيا�ساته رغم معار�ستهم لها، و�سعروا اأنهم

يعودون اإىل و�سع احلرب الباردة لأ�سباب تافهة.

واملعـــروف اأن رحـــى احلرب البـــاردة كانت تدور حـــول ال�سيطرة

ال�سوفيتية على اأوروبا. ولكن يف نهاية املطاف مهما كانت التهديدات

واملخاطـــر، فـــاإن احلـــرب البـــاردة كانـــت ت�ستحـــق املخاطـــرة واأمل

ال�سيطـــرة الأمريكية. وكان خطر اجلهاديـــني بالن�سبة للأوروبيني ل

ي�ستحـــق اجلهد الـــذي كانت الوليات املتحدة م�ستعـــدة اأن تبذله، اإذ

منح ال�سيا�سيون

الرنويجيون جائزة نوبل

لل�سام الأوباما الأنهم

اعتقدوا اأنه �سيرتك

االأوروبين ينعمون

بازدهارهم املريح دون

تقدمي الطلبات غري

املنطقية. وهذا هو

تعريفهم لل�سام

ترجمات

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية 178

كانـــت الوليات املتحـــدة تبدو �ساذجة

ومتهورة كرعاة البقر.

القدميـــة الأوروبيـــة النظـــرة اإن

للوليـــات املتحـــدة بـــداأت تظهـــر مرة

اأخـــرى، وكذلـــك املخـــاوف القدميـــة.

فخـــلل فرتة احلـــرب البـــاردة كانت

خمـــاوف اأوروبـــا تنبـــع مـــن اأن �ســـوء

يجـــر قـــد الأمريكيـــة احل�سابـــات

الأوروبيـــني اإىل حرب اأخـــرى مدمرة،

وقد اأرعبتهـــم طريقة بو�س يف احلرب

على املجاهدين وعمقـــت امتعا�سهم،

اإذ اأ�سبح ازدهارهم الذي حتقق ب�سق

ـــة للخطـــر مـــرة اأخرى الأنف�ـــس عر�س

ب�سبب الأمريكيني، وهـــذه املرة ل�سبب

يـــرى الأوروبيـــون اأنـــه غـــري مقنع مبا

يكفـــي. ومرة اأخرى، راأوا اأن الأمريكيني يبالغون يف ردة الفعل، وكان

هذا هو خوف اأوروبا الأكرب يف فرتة احلرب الباردة.

لقـــد اأ�سبح الزدهار بالن�سبة لأوروبا غاية يف حد ذاته. فما يدعو

لل�سخريـــة اأن الأوروبيني يعتربون الأمريكيني مهوو�سني بحب املال يف

حني اأنهـــم – اأي الأوروبيني – هم من و�سع العتبارات القت�سادية

فـــوق كل العتبارات الأخرى. لكن الأوروبيـــني يف احلقيقة يق�سدون

�سيئـــا اآخر حني يتحدثون عـــن املال، فهم ل يعتـــربون امل�ساألة جمرد

تكدي�س للنقود، واإمنا املال هو الأمن. وهدفهم القت�سادي لي�س الرثوة

واإمنـــا الراحة. ف�سعوب اأوروبا اليوم ي�سعون الراحة القت�سادية فوق

كل العتبـــارات الأخرى. وبعد احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب بدت

الوليات املتحدة راغبـــة يف املخاطرة بالراحة القت�سادية الأوروبية

التي مل يرغب الأوروبيون اأنف�سهم املخاطرة بها. ولهذا كانوا ميقتون

جورج دبليو بو�س لقيامه بذلك.

يف املقابـــل، فاإنهـــم يحبـــون اأوبامـــا لأنـــه تـــوىل الرئا�ســـة، واعدا

با�ست�سارتهـــم. وقد فهموا ذلك الوعد ب�سورتـــني: اأولهما اأن اأوباما

با�ست�ســـارة الأوروبيني �سيمنحهم حق الفيتـــو؛ وثانيهما اأن اأباما مثل

كينيدي، اأي اأنه ل يرغـــب يف حتمل املخاطر الطائ�سة. ومن ال�سعب

فهم كيف يتذكرون كينيدي بهذه ال�سورة بالرغم من ف�سل غزو خليج

اخلنازيـــر، واأزمة ال�سواريخ الكوبية، والنقلب �سد دمي يف فيتنام!

وبالطبع، فـــاإن الكثري من الأمريكيني يتذكرونـــه بنف�س الطريقة. اإن

مقارنة الأوروبيني اأوباما بكينيدي يظل اأمرا خياليا، لكن ما يعتقدونه

فعل هو اأنه كلينتون اآخر.

وكلينتون كان كلينتون نظرا لظروف الوقت الذي عا�س فيه، ولي�س

ب�سبب طبيعته. فقد خلق انهيـــار الحتاد ال�سوفيتي فرتة من ال�سلم

مل يحتـــاج فيهـــا كلينتـــون اإىل فر�س طلبات علـــى الزدهار املريح يف

اأوروبـــا؛ بينما عا�س جورج دبليـــو بو�س يف عامل خمتلف، ما دفعه اإىل

املخاطرة وفر�س املطالب.

اأمـــا اأوباما فهـــو ل يعي�ـــس يف الت�سعينيات. اإنه يواجـــه اأفغان�ستان

واإيران وعـــددا من الأزمات الأخرى ت�ســـل اإىل ظهور رو�سيا جديدة

تبدو بو�سوح مثل الحتاد ال�سوفيتي الأ�سبق. ومن ال�سعب ت�سور كيف

باإمكانـــه مواجهة هذه املخاطـــر دون اتخاذ الإجراءات التي تتعار�س

مع الرغبة الأوروبية يف البقاء على كفوف الراحة، والأ�سواأ من ذلك،

عدم جتاهل الرغبة الأوروبية يف تفادي ما يعتربونه مطالب اأمريكية

غري منطقيـــة. ويف احلقيقة اأن العلقات الأمريكية - الأملانية لي�ست

الآن علـــى ما يرام، فقد طالـــب اأوباما باإر�سال املزيد من اجلنود اإىل

اأفغان�ستـــان وكان الرد عليه بالرف�س، كما ظل يدعو اإىل تو�سيع حلف

الناتو، وهو الأمر الذي ل يريده الأملان.

وقـــد منـــح ال�سيا�سيون الرويجيـــون جائزة نوبل لل�ســـلم لأوباما

لأنهم اعتقدوا اأنه �سيرتك الأوروبيني ينعمون بازدهارهم املريح دون

تقدمي الطلبات غري املنطقية. وهذا هو تعريفهم لل�سلم، وقد بدا اأن

اأوبامـــا يعد بذلك. ويبدو اأن الرويجيني القائمني على جلنة اجلائزة

ل يدركـــون امل�سار الذي اتخذتـــه العلقات الأمريكيـــة - الأملانية، اأو

الو�ســـع يف اأفغان�ستـــان واإيران. فرمبـــا يعتقدون اأن اأوبامـــا ي�ستطيع

الإبحـــار يف تلك املياه دون اللجـــوء اإىل احلرب. ويف تلك احلالة، من

ال�سعـــب ت�سور مـــا يحققونه من املحادثات الأخرية مـــع اإيران اأو ما

يخططون له يف اأفغان�ستان.

لقد منـــح الرويجيون جائزة نوبل لل�ســـلم اإىل رئي�س اأحلمهم،

ولي�ـــس اإىل الرئي�ـــس الذي يتعامـــل مع اإيـــران واأفغان�ستـــان. فاأوباما

لي�ـــس فاعل حرا؛ فهو عالق يف واقع وجـــد نف�سه فيه، وهذه احلقيقة

�ستدفعـــه بعيـــدا عن اخليـــال الرويجـــي. ويف نهاية املطـــاف، تبقى

الوليـــات املتحدة هي الوليات املتحدة، وذلـــك هو الكابو�س الذي

تعي�ســـه اأوروبا لأن الوليات املتحـــدة لي�ست مهوو�سة باحلفاظ على

ازدهار اأوروبا، ولن تقبل هي - ول اأوباما يف الأخري - فكرة جائزة

نوبل لل�سلم من عدمها.

ي�ستحقها اأم ال ي�ستحقها؟: اأثار ح�سول الرئي�س اأوباما

على جائزة نوبل لل�سلم جدل وا�سع النطاق

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 179ا�سرتاتيجية

Page 90: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 180 181ا�سرتاتيجية 2009Ȫ°ùjO/Ȫaƒf ,∫hC’G Oó©dG á«é«JGΰSG5

ÊhεdE’G ™bƒŸG GƒëØ°üJ

á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôŸ

w w w . s h e b a c s s . c o m

هاتف: 682144 1 967+ فاك�س: 677879 1 967+ �س.ب: 16822

�صنعاء - اجلمهورية اليمنية

www.Shebacss.com E-mail: [email protected]

Page 91: Madarat Estratiegyya

العدد الأول، نوفمرب/دي�سمرب 2009 ا�سرتاتيجية 182 2009Ȫ°ùjO/Ȫaƒf ,∫hC’G Oó©dG á«é«JGΰSG 2

á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôe

Sheba Center for Strategic Studies

w w w . s h e b a c s s . c o m

Relating Policy to Knowledgeá````aô©ŸÉH á``````°SÉ«°ùdG ó``````aQ