-١-

وءـة ضـبقع

-٢-

تصميم الغالف فراس نعوف

-٣-

رياض عصمت

وءـة ضـبقعدراسات تطبيقية املسرح العربي

منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب م٢٠١١ دمشق -وزارة الثقافة

-٤-

-.رياض عصمت / سرح العريب دراسات تطبيقية يف امل : بقعة ضوء ٢٨٨ - .٢٠١١اهليئة العامة السورية للكتـاب، : دمشق - .٢ط

سم٢٤ص؛ عصمت-٣ العنوان -٢ ع ص م ب ٧٩٢,٠٩ -١

مكتبة األسد

صدرت الطبعة األوىل

١٩٧٥عـام

منشورات وزارة الثقافة

-٥-

ع. ر

-٦-

-٧-

ملاذا؟» بقعة الضوء«

...عزيزي القارئهذا : قد تطرح السؤال على نفسك وأنت تتناول هذا الكتاب بين يديك

لى عروض مسرحية تومض ؟ ما هي حاجتنا إليه؟ وكيف ننظر إالكتاب لماذا اب؟ثم تختفي كشه

، اسمح لي أيها القارئ أن أعتقد أن أهمية هذا الكتاب تكمن في ريادته ،فهو في تقديري أول كتاب في النقد المسرحي التطبيقي يصدر في سورية

. يرصد مرحلة هامة من تالطم أمواه مسرحنا العربيويحاول أن، وفيها )١٩٧٤ –١٩٦٩(ي يضمها الكتاب تمتد بين عامي المقاالت الت

.. أن أمسك نجما.. دربا مجهوال مليئا بالعثرات واألشواكستلمأأن حاولت الشخوص أن أجعل النجم بقعة ضوء تنصب على المنصة الجرداء فتبعث في

.ثم تجمد هذه الحياة على صفحات الورق.. الحياةالواقفين عليهاأن األحكام التي أطلقها مطلقة، وإنما هي تمثل لست أحاول اإلدعاء

.نسبة لي موقفا حاولت دائما أن أدعمه بالتفسير والتبريربال دون أن ، تظل هناك آراء أخرى ووجهات نظر متعددة أحترمها،بالطبع

.يعني ذلك التخلي عن رأيي الخاصوأحب أن أشير إلى أن هذا الكتاب يتحدث بشكل رئيسي عن المسرح

طار عربية أق حتى عندما يطرح نماذج األدب المسرحي من ،في سوريةنها اسية لمثل هذه البقعة من الضوء تأتي من كو األسة ولعل الحاج.أخرى

:تضع في اعتبارها أمرين

-٨-

أولهما أن كثيرا من الزوايا التي كتبت عن المسرح كانت تعليقات غير، سلبا كانت تتحدث أم مسؤولة يكمن فيها الخطر والضرر في اآلن نفسه

وللمسرحيين من المديح الضار أكثر مما كنت ي للمسرح ثرأبل كنت . إيجابان معظم من كتب كان يفتقر ألي اتجاه أو إي لهم من الهجوم المقذع، إذ ثأر

.منهج نقدي واضح المعالمظ على أكبر قدر ممكن من افح، فهو أني جهدت ألأما األمر الثاني

اولة الموضوعية العلمية واإلنسانية في التصدي لكل عمل مسرحي على حدة، ومح .آن واحد تسجيال أمينا للنص والعرض في معالجته من داخله، بحيث يكون البحث

ن حساب صحافة ع البحث عن منهج فني موضوعي كان غائبا إنالمسرح في سورية، بحيث كانت معظم الكتابات تعتمد الموقف اإليديولوجي

ي ضباب السذاجة كان النقد يتوه ف،بهذا. بق، أو التعامل مع النص األدبيالمس .حينا، والدعاية حينا آخر، ويضيع كثيرا من القيم الجمالية واإلنسانية لفن المسرح

وصعوبة االحتفاظ بأهمية ما يكتب ،العرض المسرحي» آنية«أما عن المسرح ليس نصا، ونحن بحاجة إلى . ن فهي نقطة أختلف فيها مع كثيري،عنه

نجد فعال أن من هذا المنطلق،. ر لألمامالنظر إلى الوراء حاجتنا إلى النظان المسرح، يغني، وأن تحليل المسرح من وجهات نظر مختلفة،»نقد النقد«

متد شعاع ضوئي نافذ إلى عناصر ا إال إذا - لألسف – ال يأتي ولكن هذاي اإلضاءة واألزياء وبقدر مصمم،المسرح جميعا، فالممثل مهم بقدر المخرج

ت معظم الكتابات النقدية في السابق تدور حول النص األدبي إذا كان. والديكورالشكوى والتذمر وإذا كانت ... عاجزة عن تلمس جوانب العرض المسرحي

من غياب النقد الموضوعي قد أصبحا عادة عند رجال المسرح في بلدنا أقدمها لهم، نيت لبناتها من جهودهممحاولة متواضعة بذي الصغير، فها هي

. بعض الفائدةلعل فيها

-٩-

قيمة مطلقة، فالفن يثرى بتعدد الحكم النقدي ليس ، إن قلتسبق وكما في النقد » منهجا« كل ما أتمناه أن أصنع منه .اآلراء، بل وبتصادمها أحيانا

المسرحي في بلدنا، أو أسسا أولية لمنهج متكامل في المستقبل، وأن أكون قد من هنا. كما أفهمها،س الموضوعيةاة، فهما أستحدثت دائما بصدق وبحري،

أحب أن أعترف بأن كل بارقة أمل أو إشعاعة نور وسط ركام الظالم كانت تلقى مني التصفيق والتشجيع، كما كانت كل مظاهر الغرور الفني واإلدعاء

.توجب مني التعرية والقسوةسالكاذب تأو الرسم أو يماثل فنون األدب إن النقد المسرحي ليس علما، ولكنه فن

. فهو مثل باقي الفنون يطمح ويسعى للعلمانية..التمثيل، ومع ذلككان الطموح يراودني منذ تصديت لمهمة الناقد المسرحي أن أجعل من مقاالتي المتفرقة في المسرح وجهة نظر تحليلية لمرحلة هامة من مراحل

رة شمسا ثاالمسرح العربي المعاصر، وأن أجعل من األشعة الصغيرة المتن . بما فيها الجمال والقبح في آن واحد،جوانبهمختلف ساطعة النور تضيء

بحرا من ضياء، وأن تتزايد ) بقعة الضوء(أخيرا، أتمنى أن تصبح أهمية وفعالية النقد المسرحي كي يكون جديرا بالوجود جداره المسرح،

.وخليقا بالتطور المواكب لتطورهن أطلت، وأتركك اآلن برفقة صفحات إعذرا ... عزيزي القارئ

.يفيد ويمتع أكثر من كلماتي هذه آمال أن تجد فيها ما ،الكتاب ...كرا لكـ وش

رياض عصمت

* * *

-١٠-

-١١-

اتــمقـدم

-١٢-

-١٣-

بدهيات مسرحية

أن العرض ة معينة هييينفرد المسرح بين باقي الفنون واآلداب بخاص إلى عدد ، بالتالي،هذا يؤدي. و االكتمال الفني للنص المسرحيالمسرحي ه :من البدهيات

ناقص، ألن المسرح هو تزاوج األدب فقط عملالمسرحية مكتوبةنقص النص المسرحي ال إن . إحياء ألحدهما على حساب اآلخر، وليسبالفن

كالديكور واألزياء (، ية اإلضافيةلكيأتي نتيجة لغياب المؤثرات الش .النص على المسرح» حضور«، وإنما نتيجة لعدم )كسوارواال

كي يكتمل في إلى زمن كالهالل الناقص، يحتاج ، إذن،العمل المسرحي .صورة قمر ساحر تام

أيضا ال يقوم نه ليس ارتجاال، وهو والمسرح ليس نصا فحسب، كما إالمسرح . جمهورلمة وممثل و المسرح ك.في طقوس مغلقة تؤدى في الفراغ

تشترط فيه اإلنسانية، ألنه يقوم داخل نطاق المجتمعات عالقة واتصال حيوي،البشرية ومن أجلها، وهو السبب الذي أدى إلى انطالقه من قاعات المعابد إلى

نه السبب في تحوله من الميتافيزيقيا والخوارق ليؤكد إجماهير الشعب، كما النص على » حضور«عندما تحدثنا عن . وحريتهصلته باإلنسان وأزماته

حتى مع توفر (،فقط» لقاءإ« أن يكون هناك المسرح، ولم يكن المقصود، »تجسيد«، بل ال بد أن يكون هناك )العناصر األساسية الثالثة لقيام مسرح

..األدبية متوفرة في النص المسرحي كأساس وكجوهرة ألنه إذا كانت الرؤي . من خالل عمل المخرج،فنيا، بل خلقها فال بد من وجودها

-١٤-

دة ومحددة تضاف و ليس عمال تقنيا يقوم على معطيات محد،إذن ،اإلخراج .كل مرة إلى النص المسرحي حسب ما تقتضي األمور، بل هو عملية إعادة خلق

الفنية رؤيته األدبية تظل غير مكتملة إلى أن يلبسها المخرج ة الرؤينإهذه : من تفسيره للنصأي .. النابعة من وجهة نظره هوه تالمتجسدة، رؤي

ةعلى الخشبة في عالقة مباشرة بالجمهور، هذه الرؤي» الحاضرة «ةالرؤيلى كل النص لتحول األصوات المتحجرة إالممتدة كالنسيج اللحمي على هي

.المسرحجوهر حياة، والدمى المتخلية إلى بشر، هي

* * *

بما ذكرنا من ين جميع الفنون واآلداب األخرىبما أن المسرح ينفرد بصفات، يصبح للحديث حول ارتباطات الشكل بالمضمون فيه حيثيات أخرى

فإذا افترضنا أن الداللة التي تعطيها كلمة . تفرضها عالقاته ومتطلباته الخاصةتمثل العرض المسرحي الذي يقدم على خشبة المسرح أمام جمهور، ) شكل(ه مخرج يقود حركة الممثلين وأداءهم، ويوجه الفنيين، يقف وراءالذي و

واإلضاءة كسسوار واألزياءويوزع األدوات الضرورية للعرض كااليبقى في النص المكتوب على شكل حوار ما بين مون والديكور، فالمض

.حوار يطرح أفكارا أو مواقف أو أحاسيس: أصوات وشخصيات متخيلة ،»نمضموال« في التعبير عن ف ينحصر، فجأة، نجد أن دور المؤلهكذا

ناسبه يما لهذا المضمون » شكل«بينما يكون دور المخرج هو إعطاء لكن األمر ليس كذلك، وإال فالسؤال هو من الذي يقوم بعملية . شى معهاويتم

الخلق؟ أهو المؤلف وحده؟ أم هو المخرج الذي يبعث الحياة في الكلمات لعمل المؤلف؟ وكيف ينسجم فنانان تكملةمكتوبة؟ هل عمل المخرج مجرد ال

؟بمزاجين مختلفين أحيانا في مماشاة بعضهما خالل العمل المسرحي المشترك كباقي الفنون األخرى، نتاج تصور للعالم، وليس مجرد فكر ،المسرح

.مطلق يصب في قوالب ومجردات

-١٥-

، وهو تحليل فكري لها )على رأي أرسطو (،و محاكاة للحياةهالمسرح ، وتصوير )على رأي برشت (،لمشكالتها االجتماعية واالقتصادية القائمةو

مأساوي إلنسانها الممزق في وجود غير مبرر إلهيا وغير منظم اجتماعيا، رغم ب - لكن المتفق عليه). على رأي بيكيت (،لعزلة والتحلل والخوفايعاني .. صراع أن جوهر المسرح هو الوه –ع اختالفات الفكر والتكنيك جمي

الصراع بين قوى اإلنسان ..قدرهالصراع بين اإنسان واآللهة، وبين اإلنسان وبين وعيه وعقله الصراع .. والصراع بين اإلنسان وذاته،مع اإلنسان

من أجل تحقيق أيضا بين عقله ورغباته المكتوبة، والصراع وربما .. الباطنرهاب واالستغالل م اإل الرعب والدم وجرائالم يغمرهالعدالة البشرية في ع

عبارة عن كشف ساخر هكذا، فالملهاة بمفهومها الصحيح تصبح. وقمع الحريةستار ة لتجاوزها من خالل هتك اإلوانتقادي لألوجه السلبية في المجتمع، والدع

يا يكاد يتجاوز المأساة بسبب والملهاة لها دور كبير اجتماع. رياتيعنها كاريكاوع مثالي نحو الحقيقة ز فهي ن،أما المأساة. معتاد عليهاقبال الجماهيري الاإل

، الذي في عالم صار فيه استنباط المثل واجبا جديدا يقع على عاتق اإلنسانية مسؤولية تحقيق واسع بسبب اكتشافه حتميسانفتح في أعماقه شرخ نف

» لهيةإلا«اة والقدرة والفعل، بدال من ردالمعتمدة على اإل» دالة اإلنسانيةالع«على الحلم بعالم أو .. القائمة على االنتظار الالمجدي لضربة منقذة مفاجئة

ن في عالمنا الحقيقي غارقون في نح العدل والحب والصفاء، بينما يسودهآخر . الظلم والكبت والعنف والخديعةمعاناة

كل هذا الذي ذكرت يؤكد تأكيدا جازما أنه ال بد من شكل يولد مع لف، ألنه ال بد أن يتوحد المضمون مع الشكل ضمن نطاق ما مضمون المؤ

»فكرا مجردا«، وألن االهتمام بالمضمون وحده يصنع » الفنيةةالرؤي«يسمى بـ و استعراض مبهر أ الشكل وحده ال يكون سوى ارتجالنإ، كما »دراما«وليس

.» مسرحأدب«ليس وفارغ، لكنه

-١٦-

ه ليس إن. وليس خارجه، العمل شكل متخيل موجود داخل، إذن،هناك ، لكنه يرسم ويلهم حدودا ما، ألنه ينسجم أو يوحيثابتا بالضرورةال . »المعالجة«، بشكل أدقا،إنه. يتضمن أيضا األسلوببالمضمون، وهو

الملحمي والتسجيلي من (،أعتقد أن االتجاهين النقيضين في المسرح المعاصر اتصال الشكل بالمضمون يختلفان في مبدأ ،)معقول من جهة أخرىالجهة وال

وتوحده معه، دون أن يعني هذا تطويعا للشكل حسب المضمون وال العكس، حقق أفضل طريقة للتعبير عما يريد المؤلف أن يقوله، وهو الذي تبل يعني

ينعكس بالتالي على اإلخراج بشكل أو بآخر، مع حساب ظروف الزمان .. هو نافذة النور، إذن،سرحي في النصالشكل الم. والمكان والجمهور

وعنصر المعادلة الهام في العمل المسرحي، ألنه ليس المهم ما يرغب المؤلف . كيف يقول ما يريد قوله:في قوله فحسب، بل المهم أيضا هو

نع يبتدع شخصياته؟ هل هو مقكيف يبني المؤلف مسرحيته؟ كيف يطرحها ه؟ كل هذه أسئلةومنسجم مع جوهر العمل؟ إلى ماذا يؤدي مسرح

أما كيف نفسر هذا العمل؟ كيف نجسد شخصياته ونجعل . النص المسرحيل الحوار إلى حياة؟ كيف نمنحه بعده وللحركة فيه مدلوالت؟ كيف نح

الجمالي؟ وكيف نطرح رؤية معينة على الجمهور؟ فهي أسئلة يجيب عليها ا أن عمل المؤلف ليس عمل المخرج ليس عمال تزيينيا وحسب، كم. المخرج

عناصره في يتميز عن غيره من الفنون بانصهار المسرحنإ. ذهنيا وحسب والمخرج يشارك في عملية ،يحاء بالشكلفالمؤلف يشارك في اإل. وتقة واحدةب

. إعادة خلقه كحياة، بلطرح المضمونطبيعة المسرح طبيعة خالقة بالنسبة لجميع عناصره بين مؤلف إن مثل وفني، ألن مضمونه ال يبرز إال من خالل عرض ذلك ومومخرج

المعالجة . ألدب والفنالمضمون، لما فيه من تكثيف وحيوية وتمازج بين ااكتمال ضروري ال غنى عنه للعمل إذن، كالشكل المسرحي، النصية

رتبطة ارتباطا وثيقا بهدف المسرح م ألنها ،المسرحي، وهي شديدة األهمية

-١٧-

العريضة، خلق الحس والفكر لديها،هو مخاطبة الجماهير أال و،الرئيسيهم يستمدون : بعالقة جدلية قوية مع الناسينفرد المسرح. متاعها وتغييرهاإ

هتاد هم م.د منهم الحياة واالستمرارمنه فهما انضج وأوعى للعالم، وهو يستمأي (،رحقضية الشكل األدبي للمس. الخصبة، وهو المحاكاة لحياتهم وأزماتهم

ةخ وليست مجرد حفنة ملح ترش على طب مسألة هامة وخطيرة،،)المعالجة فإن للحديث عن اتجاهات المسرح ،وبسبب كونها عنصرا أساسيا. المضمون

أهمية فنية وجماهيرية في آن واحد، وهو ليس غرقا في دهاليز مظلمة مزينة لمجرد جلب األنظار بالفسيفساء، وال لهوا في متاهات مستوردة أو مستنبطة

- كما سبق وأشرنا - اض العضالت، وإنما هو تحديد ضمني أو استعر مدى ارتباطاته القومية ..لطبيعة العالقة بين المسرح واإلنسان، وبالتالي

. وبشكل طبيعي الجماهيرية أيضا..واإلنسانية اتجاهين ثوالغريب أن يلهم المسرح الشرقي في آسيا المسرح الحدي

).برشت وآرتو (:ين تمامامتعارض ارتباط المسرح بالظروف االجتماعية ، من جهة أخرى، يؤكدلكن هذا

واالقتصادية والسياسية والثقافية القائمة في زمان ومكان ما رغم مصدر .اإللهام الفني الواحد

فهما ، إذن،الحديث عن اتجاهات المسرح العربي المعاصريتطلب . ويتطلب وعيا لمقوماته الالزمةت المنصبة عليه،لبدايات المسرح والتأثيرا

حاجة الفن أوال ثم حاجة : رضاءهماإهناك ناحيتان نفترض من المسرح يتم االنفصام وهنا، يبقى من واجب المسرح تحقيق ،أحيانا. الجمهور ثانياتغييرا، وأحيانا أخرى يتم التزاوج بين ألنه أكثر بقاء أو .. حاجة الفنالفن : نصل إلى ذروة هدف المسرح العظيم، وهنا.رضاءهما معاإن والحاجتي

إلى أن يتم تحقيق هذا المثال، ال بد للمسرح أن يكون سباقا . والجمهورالمسرح يطرح . لعصره، ومبشرا بالتقدم، دون أن يفقد خلفيته الواقعية الصلبة

اع، وعنصر أبعادا مستقبلية من ناحيتي الفكر والفن، وهو لهذا عنصر صر٢ م -بقعة ضوء

-١٨-

، رفض الفن الواقعي خالف أحيانا مع الجمهور، هذا ال يعني، على أية حالالمتصل بزمانه ومكانه وجمهوره على أسس سليمة، ألنه حتى عبر الواقعية

نعمان (،يمكن استجالء المستقبل من خالل وجهات النظر الدرامية في الواقعلتاريخ وأحداثه، وتفسيره ، كما يمكن استجالؤه من خالل استلهام ا)عاشور

نجيب و فرجالفريد(، على ضوء الحاضر بنظرة متجاوزة نحو المستقبل لألزمات، والمشكلة عويصة الحل حتى على ربحإن المسرح ). سرور

،»المثال«؟ لكن الصراع والبذل من أجل يالمستوى النظري، فما بالنا بالعملن أجله اإلنسان الفنان، ألنه هدف يستحق أن يبذل م،)الفن والجمهورإرضاء (

يعني خلق مجتمع أفضل وتسليط الضوء على السلبيات والعيوب القائمة، . للتقدم واالزدهار والحريةعالم الصحيحة الموجودة والمطلوبةواستجالء الم

* * *

-١٩-

جذور املسرح العربي املعاصر

كبيرة تنعكس على للحديث عن بدايات المسرح العربي الجاد أهميةالحاضر وتؤثر فيه، والسبب هو أنه يمكننا من خالل دراسة نقدية لماضينا

لتي المسرحي اكتشاف العثرات التي وقفت في طريق تطوره، واألسباب اتجنب نهدف إلى السعي ل ،بالتالي. شهادعت إلى انحراف مفاهيمه وتشو

.العثرات وسد الثغرات في تطورنا المسرحي المعاصر نجد حاجة لتكرار الكالم حول بدايات المسرح العربي، ألن هذا ال

محمد يوسف نجم، حاث األساتذة والدكاترة محمد مندور،متوفر في كتب وأب .علي الراعيزيزة، وأحمد رشدي صالح، وومحمد ع

أبو ،)أبو نضارة(يعقوب صنوع لقد بدأ مارون النقاش، سليم النقاش، ومهما كان طابع . ت إلقامة مسرح من ال شيءخليل القباني وغيرهم محاوال

ضحكا من وجهة نظر عصرنا، فال شك تلك المسرحيات ساذجا أو تافها أو مللمسرح على األرض العربية، والشرف في لهم الفخر في إرساء وجودأن

طرح ومعالجة قضايا اجتماعية لها أهميتها البالغة، مما دفع بالسلطات الحاكمة لى إ–الكلمة الصريحة وجرأة كعادتها أمام خطر –والفئات الرجعية المستبدة

.غالق مسارحهم وكبت حرياتهمإ، الضغط على هؤالءبرزت ثالثة اتجاهات مسرحية في مصر، مركز تجمع المسرحيين العرب بعد لجوئهم إليها من سورية ولبنان، هذه االتجاهات هي نجيب الريحاني

، )قمة الميلودراما(ستعراضي، ويوسف وهبي المسرح الكوميدي واالقمة (كانت ظروف المسارح الثالثة وما ). قمة االقتباس والترجمات(وجورج أبيض

ينضوي تحت اتجاهاتها ظروفا صعبة، فقد كانت هناك عقبات مادية استطاعت

-٢٠-

أن تسقط هذه المسارح مرات، كما كانت هناك عقبات بالنسبة للتأليف واإلعداد، تراوح بين كبار رجال ذلك العصر وجماهير طلبات الجمهور الممتومراعاة

عنصر عريضة من رواد الكباريهات ودور اللهو، كما كانت هناك عقبة ال لتي يمكن أن نراها اليوم بمنظار عصرنا، فهية اأما العقبة الرئيس. النسائي

ر على قبال الجماهيإ و،ارتباط مفهوم الفن لدى فناني ذلك العهد بشباك التذاكر من االهتمام، فصار الفنانونالجيدةالمسرحيات سقاطها إ و،مسرحيات رخيصة

يتفاعلون مع رغبات الجمهور ويفصلون له مسرحا على قياسه ولو كان ذلك إذا - وال بد .، بداية مهزوزة وتجارية إذنبدأ المسرح،. على حساب الفن

الطويل بين المسرح نقطاعال أن نعزو السبب في ذلك إلى ا-ا العدل ابتغين وبين تاريخ العرب الحديث، ،)الفرعوني أو البابلي أو الفينيقي مثال (،القديم

رغم استقائهم لباقي ،اليوناني» الدراما«لفن التام من العرب تجاهلالوإلى ذلك التي لم يعرف خاللها ،وتعود تلك الهوة الواسعة. المعارف والعلوم عن اليونان

حبس المسرح .لى عدة أسباب حضارية ودينية ولغويةإ ،العرب فن المسرح ولم ينطلق انطالقه المسرح ،نيةالديني القديم نفسه داخل هياكل المعابد الدي

كأنه لقد كان يمارس. ين إلى الشعبمن الد) شكال وموضوعا(ي اإلغريق. التي تحكي عن آلهة الخصب وآلهة الخير والشروحسب، طقس من الطقوس

زعا يمنعهم من تبني الخلق المسرحي، ا في اإلسالم وا فقد وجدو،ربأما الع وليس من شأن ، هو من شأن اهللا وحده- كما كانوا يعتقدون -ألن الخلق

خلو الحياة العربية : أولهما،سببان آخران هناك .البشر حتى بوسائل مختلفةو ما كان متوفرا في وه(األساسي في المسرح، » الصراع«من عنصر

سان واآللهة، بينما فصل العرب في ظل اإلسالم بين اإلن ).يةاألساطير اإلغريقواكتفى العرب بعزل . في تصويرهم آللهتم)الناسوتية(لى عمد اليونان إ

الذي ،تجنبا لذلك الخلط) عبقر(لهام في وادي الجن الشعر واإلشياطين .اعتبروه خارجا عن مفاهيمهم وديانتهم

-٢١-

، ينبع من اعتماد الشعر العربي على تلغوي بح فأما السبب الثاني ،لى الدراماإالتي قادت اليونان (، وابتعاده أساسا عن الملحمية،غنائية التعبير

ظه على ذاتية األسلوب والمعالجة، ، وحفا)رغم اختالفها في الحصيلة عنهاعر لقد ساد الش. وعلى الحذلقة اللغوية في رواية الحروب والبطوالت والمفاخر

أدب العرب، بل كاد أن يكون أدبهم الوحيد، وهو بالتأكيد لم يكن يصلح ألدب إلى ا– ليهاإأشرنا التي - اتهه أساء بتأثيرنإلالستخدام المسرحي، كما

.النثري المزخرفكل هذه التأثيرات شديدة القدم انعكست على بدايات المسرح العربي،

طبيعي من ال. ما محاكاة غريبة للحياةتة، وإنصول ثابأفجعلتها غير نابعة من أن المسرح أخذ مع األيام طابعه المحلي، لكنه لم يكن طابعا فنيا ذا مستوى

ليب اللغوية قيا، ألنه عجز عن تجاوز األساا، ولم يكن طابعا أدبيا رعالح تلك الفترة الطويلة التي سببت في القديم نسيان المسروالحضارية القائمة،

على روح ، إذن، المسرح الكوميدي والغنائي قام .همال والتجاهل اإلفي دفتر، الفودفيل الفرنسي واالستعراض الشعبي، ورفعته عبقريات فردية في التمثيل

سيد (، مثلوفي الموسيقا ،) فاطمة رشدي– الكسار –نجيب الريحاني (مثلوميديا لم لكن تلك الك). بديع خير والريحاني (، مثلعداد وفي اإل،)درويش

رغم أنها كانت تعكس بين ب و.، بل كانت تجارية محضةتكن هادفة وال مقنعة ربما أغضبت السلطة واالستعمار، إال حين وآخر قضايا اجتماعية حساسة

الالهي وصندوق أرباحها المهدد هاسرعان ما كانت تعود إلى عنصرأنها يعتمد ،ين متقاربينلى اتجاهإ فانقسم المأساوي،أما المسرح . دوما بالخطر

السائد في ذلك الحين الفرنسي-ولهما على ترجمة وتمصير األسلوب اإليطاليأ، التي كانت يلودراما والمسرحية محبوكة الصنعفي أوروبا، وهو اتجاه الم

ن تندفع الشهقات المحترقة أذروة نجاحهما هي أن تعصر المناديل دموعا، و هدة والجماهير الحزينة المستغرقة،تقراطية المشارساأل صدور الطبقة من

أو ،شفقة على بطلة مغرر بها، أو بطل أصيب بعاهة، أو رجل محترم أفلس

-٢٢-

لقد مست تلك المسرحيات قلوب . عشق غانية ال يرضاها له أهله األكابرآخر تها، كثيرين وأثارت عواطفهم، لكنهما لم تكن في جوهرها تغييرية رغم جدي

كصدقة من أكف السادة إلى صالح الممكن اإلتخرج عن ولم تكن نظرتها الظروف التي عالجتها مسرحيات . ذروة الحقلديها تلك كانت ف الفقراء،

، يوسف وهبي المتبناة عن المسرح البورجوازي األوروبي ظروف شخصية وقف إنه دور . ال أكثرتمهيدا، كان دورها من هنا. وليست طبقية أو فكرية

الذي أجاد التالعب بأحاسيس ، يوسف وهبيمثل الكبيرلى أكتاف المعمع طاقم ممثلين أكفاء، منهم النجمة الكبيرة أمينة (، الجمهور العربي طويال

التي ، فاعتمد على جهود جورج أبيض ومريديهأما ثاني التيارات،). رزق األوروبي بحكم التأثر–كبرى المسرحيات العالمية وإحياء هدفت إلى ترجمة

» طرطوف« ولسوفوكليس» أوديب ملكا«لشكسبير، » لعطي« فكانت – .لموليير

نرى محاوالت ، نستطيع أنمن خالل هذا االستعراض شديد اإليجازلكن المرء ال يستطيع أن . اي إما مباشرة أو ضمن،بدائية للتعريب واالقتباس

اد رغم الروح التجارية واالرتجالية والساذجة، فقد تأثر هؤالء الرو،ينكر أنهعانوا في سبيله في مساعيهم، وأخلصوا لفنهم أشد اإلخالص، بل الجادون ذاته تحديا للظروف القاسية، لقد كان وجود مسرحهم بحد . هانةالفقر واإل

صحيح أن مسرحهم كان . السعي لإلصالح االجتماعيمن تمكنوا أحيانا بحيثة، وصحيح ألصاليفتقد الطابع األدبي أحيانا، وكان يفتقد قبل أي شيء آخر ا

، بالظروف االجتماعية والسياسية القائمةقبل أنه كان إصالحيا فحسب، وي التحسين من خاللها، دون استجالء معنى الثورة، لكننا ال نملك إال أن حاوالم

ال إ، و نحن وليس بمقياس عصرناهم،نحاكمهم بمقياس عصرهم وإمكانياتمن الطبيعي أن . يس األشخاصاط، ولنمنحاكم األنحن . أللحقنا بهم الظلم

يتغير المنظار والعين اليوم، وأن نرفض في عصر التكنولوجيا والصعود إلى صالحي، باحثين عن مسرح ريري اإلالقمر منطلقات ومعطيات المسرح التب

-٢٣-

لنا من أن نحترم جهود ال بدولكن، . ثوري، إنساني الهدف، قومي المنطلقمة حمراء أمام استمرار أنماطهم ه ال بد من وضع عالنأ الرواد، رغم في عالمنا هذا، ألن المسرح اليوم هو مسرح اإلنسان بمأساته المسرحية

الساخرة وتهكمه الحزين، إنسان النكبة والنكسة والتمرد على التخلف والكبت .والسلبية

:توفيق الحكيم وأسطورة المسرح الذهني، رح العربي الجادال شك أن توفيق الحكيم رائد كبير من رواد المس

عالج الحكيم في مسرحه . سيد الحوار، وصاحب أفكار متألقة وثقافة غنيةوأنهويمكننا تقسيم . قضايا شتى، تجعل من فنه خليطا غير منسجم الشكل واالتجاه

:مسرحه إلى أربعة أقسام رئيسية هيلطبقة ا وقد عالج فيه مشاكل الساعة بنظرة ابن :مسرح الحياة

النائبة -المرأة الجديدة (،، حيث برزت مشكلة المرأة والتحررلبارا المتوسطةسطحية المعالجة وبعيدة عن لكن قضايا هذا المسرح ظلت وقتية، ).المحترمة

لقد أفلت اليوم . فنية، فابتلعها الزمن في طياته عبر تطوره الحتمية رؤيةأيقتصارها على معظم مسرحيات تلك الفترة الفتقادها الخلود اإلنساني، وا

معطيات جاهزة ومباشرة، أساسها الفكر وليس الدراما، مما مهد بدوره .للمرحلة التالية

ي المرحلة التي طغت على مسرح وه):الذهني(المسرح التجريدي ومسرح الحكيم . الحكيم بسبب صوالته وجوالته في شتى المذاهب والمواضيع

ا ذكيا دون واقعية حياتية، ألن هنا أصبح يعتمد على الشخوص التي تتبادل نقاش، »أهل الكهف«وهكذا ولدت . حياة مبدعها هو الموقف الفكري وليس الهمما ي .»رحلة إلى الغد«و» بجماليون«، »سليمان الحكيم«، »لو عرف الشباب«

سار الحكيم نحو قضايا المجتمع الراهنة مرة أخرى :المسرح الهادف عن فكر شخصي بل عن الذي ال يعبر،بروح جديدة هي روح النقد الشامل

-٢٤-

»األيدي الناعمة«، »الصفقة«: ، ظهرت أعمال مثلهنا. موقف اجتماعي .»أشواك السالم«و

وفيه عاد الحكيم، على حد قوله، يتلمس أصول :المسرح الحديثقول في نفس الوقت الذي يتشبه بكتاب الالمع،المسرح الشعبية القديمة

- رغم الهجوم الذي واجهها به بعضهم -لة لكن هذه المرح. األوروبيينتعتبر جزءا من فكر مسرحه النقدي، فهي مرحلة دعامتها اإلنسان، وجوهرها

يا طالع «مسرحيات كانت ،هكذا. صراعاته االجتماعية واالقتصادية والنفسية .»مصير صرصار«و» الطعام لكل فم«، »الشجرة

يم، أما بالنسبة للمسرح لى ثغرات مسرح الحياة عند الحكإلقد أشرنا الذهني، فيجدر بنا أن ندرك أن ذهنيته ما نتجت إال عن عدم االحتفاء العملي

إلى فقدانه للتجربة ..، وبالتالي مطبوعةبمسرحيات الحكيم لدى ظهورهاعالم الصحفية و- المسرحيةنحو، وإلى تحوله اإلجباري العمليةالمسرحية

.األدب هناك فعال أعمال كتبت لغاية الحوار، .المسرح الذهني ليس مسرحا

- في الوقت نفسه -تحمل بعض خصائص المسرحية، بينما هي هي و ،تينيسون نكليزيكمسرحية الشاعر اال (،شعرية غنائيةتجريدية أو فكرية أو

يولد على منصة وأمام جمهور، فالمسرح الذهني ن المسرح إذا قلنا إ). مثال عنصر الفكر، فالمسرح الذهني أصاليحتويرح المسنإوإذا قلنا . مرفوض

ن عالم المسرحية، فكيف نفصله ممرفوض أيضا، ألن الفكر جزء ال يتجزأ ؟ وكيف نبرر »غير مسرحي« إيجاد مسرح عن المسرح في محاولة لتبرير

. فنان وجمهورنفصامه عن المشاهد؟ المسرح عالقة بيننقصه واجتزاءه والقد كتب سارتر وكامي حقا . الفن والفكر والحياةوالمسرح نماذج تجمع بين

احتفظت دائما بعنصر الدراما وقابلية مسرحيات فكرية، لكن أعمالهما فكان منفذه الوحيد الواسع هو سالسة حواره، وانسيابية ،أما الحكيم. لعرضا

-٢٥-

، فالعصر وبالرغم من كل ذلك. ة معالجته لهاعوبرافكره، وطرافة موضوعاته، مشكلة توفيق الحكيم هي أنه . لى مسرح أكثر اتساعاز مسرحه البراق إقد تجاو

فها هو . دون منهج أو موقف،ظل تجريبيا يعمل على هواه ومزاجه كيفما اتفق، مبرزا فيها في مبالغة ظاهرة حسب نظرية فرويد» أوديب«ينتقل من تفسير المرأة لديه في التي عكس فيها أزمة» بجماليون«لى إ ألمه، حب االبن الشبق

ومشكلة الحكم في طراز » جورابراكسا«الصراع بين عالمي الجنس والفن، إلى ذات السخرية االجتماعية الالذعة، إلى » األيدي الناعمة«لى إي صرف، أغريقالطعام لكل «والالمعقول المصري أو منطق الحلم، إلى » طالع الشجرةيا« ،برنارد شوب يتأثر وتارة،اإلغريقب ي، يحتف تارة.إلكترا الشهيرةوعقدة » فم

وما تالها » يا طالع الشجرة « مسرحيةعتقد أنأ .يحاكي مسرح العبثوأخرى إال بحثا عن أشكال جديدة للتنويع والتغيير بعد إفالس القديمة، لعل ما لم تولد

. لكن هذا الطريق مسدود، ألنه في حد ذاته نهاية. فات يعاد بثوب جديد قشيب. شكلية» لعبة استغماء«ذات منهج متصاعد، وليس .. »دراما«وب هو فالمطل

ذكية وممتعة، لكنها ليست نهجا، مسرحية» يا طالع الشجرة« مسرحية نإألم : نها واحدة من تجارب الشكل ال أكثر، والسؤال هوإ. حتى بالنسبة لمؤلفها

يتجاوز المسرح العربي ذلك؟همها جديته وثباته أمام ، ألقد امتلك مسرح الحكيم خصائص جيدة

ا بسبب مإر تطورا سليما، طوت ولكنه مسرح لم ي،همال والتجريحعواصف اإللقد انطبعت آثار الحكيم على عدد . بسبب ظروف موضوعيةونظرة كاتبه، أ

فرج، لكن الفريدالدين وهبة وكبير من كتاب المسرح العربي، أذكر منهم سعد إنه جزء . ذ جمدت صاحبها ضمن خط تطور متعرجبداياته النظرية أسقطته، إ

من كالسيكية المسرح العربي، لكنه ليس المسرح العربي السائد والصالح الذي يتميز بالجدية ،هذا االتجاه أحمد باكثيرى لإونضيف . والملهم دائما أليامنا

.والموهبة، ويستحق أيضا أن يصنف كرائد للمسرح العربي الحديث

-٢٦-

:، المسرح الشاعري، والشعر في المسرحالمسرح الشعري :يقول الكاتب الجزائري كاتب ياسين متحدثا عن المسرح الشعري

إنك إذا .. أعتقد أن الشعر المتفجر يتضمن قوة للتحرر يجب أن ال نشك بها«.. قول فإنك تصبح في لحظات تجريديا وغامضاتلى غاية ما إأردت أن تصل القوة المفجرة التي يتمتع بها الشعر، وذلك حال واثق منةولكني على أي

».بمقدار ثقتي في وسائل المسرح الواقعية واللغة المقننة ذات الصياغة المتقنةدائرة «لم يكن فهم كاتب ياسين للمسرح الشعري نظريا، فثالثيته الشهيرة

يةلقد تطورت وظيفته الشعر. خير مثال يمكن أن يورد على ذلك» االنتقاممن الغنائية الصرفة والغموض، إلى حوار يسمو باألشخاص ويمأل فيها

.بالحياة» متفجرا«كالمهم إحساسا لقد ظهرت في اآلونة األخيرة مسرحيات شعرية استطاعت تجاوز

رح العربي بمسرحيتي المساضي، فأغنى الشاعر نجيب سرورمثالب الممن أجمل المالحم ن تعتبران ي اللت،»ه يا ليل يا قمرآ«و» ياسين وبهية«

الشعرية المعاصرة التي تطرح مفهوم البطل الشعبي في رؤيا قومية، وفي نفحة شعرية رقيقة تجللها غمامة حزن عميق ورصاصات االستبداد في قلب

. كل شهيد، وصرخة مفجوعة من صدر بهية، ثم » الحالجمأساة«الشعرية كتب صرح عبد الصبور مأساته كما

.»األميرة تنتظر« ثم ،»سافر الليلم«مسرحيته القصيرة ،»مأساة جميلة«: وكتب عبد الرحمن الشرقاوي في تطور تصاعدي نسبي

متراوحا بين ،»الحسين ثائرا وشهيدا«له، ثم أفضل أعما» الفتى مهران«ثم فكان ،أما رواد المسرح الشعري األوائل. الشعر في المسرح والمسرح الشعري

.روراته فادحينلتقليدي وجهلهم بالمسرح وضرامهم بالشعر العربي اغن ووزم ي الشعر عموما هو أن ليس كل ما هو لدينا فالمنطلق األساس

الشعر ليس رصف صور وتعابير . حساس متدفق ورؤياإالشعر . شعر حقا

-٢٧-

ق منطإن الشعر يحتاج إلى . تفعيالت، فهذا أردأ أنواع الشعربالغية في ، فما بالنا بالمسرح الشعري،هذا شأن الشعرإذا كان . حساس متفجرإخالق و لما يحوي التزاوج في حد ، أصعب أنواع المسرح وأصعب أنواع الشعروهو

ليه لى قدرة خاصة وإدراك معين للسيطرة عإتناقض يحتاج .. ذاته من تناقض والوصول إلى المثال المطلوب؟

الشعر العربي في أصوله التقليدية شعر غنائي الطابع، خطابي األسلوب، ينحصر في الوصف والمدح والهجاء والتفاخر، ويتميز بالذاتية

بإبداع الصور المجزأة الشخصية أو القبلية، وبالتالعب اللغوي والجمالي، و وليس على وحدة ،أساسا على وحدة البيتقام الشعر العربي . الناجحة .القصيدة

توظيف كل هذه عيوب خطيرة في عالم المسرح، يجب تالفيها قبل والبساطة في ، حدة الصراع، الحيويةةالشعر فيه، لما يتطلب من وحدة الرؤي

وهو( ،الملحمة، أو الصراع الملحميلم يعرف الشعر العربي القديم . يرالتعب بسبب طبيعة الشعب ومعتقداته القائمة،)قرب الفنون إلى الدراما في جوهرهأ

بتعاد أساسا عن فن المسرح، وإلى إلى اال، بالتالي،أدى هذا. العصرفي ذلك .في العصور الحديثة» المسرح الشعري«ساءة فهم اصطالح إ

الشعري مسرح قبل أن يكون شعرا، مسرح قالبه الشعرالمسرح إذن، ،إنه مسرح شاعري. والموقف الشعري المشبع باإلحساس والعظمة

،إنه. يوظف لغة الشعر لإلفصاح عن موقف وشخصيات لها تلك األبعاد إذن، حتى دون ، شعري الطابعيمكن أن يكون المسرح. ، ضرورةعندئذ

تسي يليوت وبتلرإ. س. تفليس . استخدام لغة الشعر جزئيا أو كلياكا هناك لورنإن في هذا المجال في األدب الغربي الحديث، إذ االوحيد

وهو ، من الجوهر، إذن،الشعرينبع . نويوأودن، وهناك كلوديل وكوكتو وآ .ليس طالء يغطي السطح أو القشرة

-٢٨-

الذي كتب ،بدأ المسرح الشعري العربي على يد الشاعر أحمد شوقيالست «، هي ست مسرحيات تاريخية شعرا، وملهاة واحدة اجتماعية نثرا

ة ظهور المسرحية لبداييؤرخ تعتبر مسرحيات شوقي تراثا كالسيكيا . »هدى للمسرح، لم يكن صالحا- ما هو واضح ك-سرحه لكن م.الشعرية العربية

بسبب تغلب عنصر الغنائية الشعرية فيه على عناصر المسرح، وافتقاده بعض كان النتاج على أية حال . األسس الهامة لنمط مختلف عما عهده الشاعر

مجنون «، »علي بك الكبير«، »قمبيز«، »مصرع كيلوباترا«: ياتمسرح على ذات النهج - لألسف –تبعه .»أميرة األندلس«و» ةعنتر«، »ليلى

– المقيد شكال ومضمونا، والمفتقد لإلحساس المسرحي السليم –واألسلوب ، »قيس ولبنى«: مسرحيات التاريخيةعزيز أباظة في سلسلة أخرى من ال

. الثورة بعد وكتب األخيرة ،»غروب األندلس«و» شجرة الدر«، »العباسة« هي جديد في كل هذه التجارب الشعريةهرت من القديمة التي ظالمشكلة األساس

.مشكلة التعارض بين الشعر الغنائي وبين الشعر الملحمي والدراميكانت تلك المسرحيات تملك أسلوبا أدبيا شيقا، وحوى بعضها على

. كالسيكية الجديدة في أوروبا في القرن الثامن عشرل تذكرنا بامواقف ناجحةنتوني أ« مثال بمسرحية درايدن اإلنكليزي تذكرنا» مصرع كليوباترا«

امة واعتماد الشعر وسيلة من حيث الحرارة العاطفية والفخ» باتراوكليولم . ها ألنها لم تلمس جوهر الدراما وحقيقت، لكنها ظلت غير مقنعة.للتعبير

بين المسرح الشعري والشعر في ، إذنيفرق المسرح الشعري العربي،شبه ما وقع فيه توفيق الحكيم في الدعوة للذهنية، إذ المسرح، فوقع في خطأ ي

ما يمثل على خشبة نإ أحدا لم يقل نإ. جعل المسرح أدبا ال يمثل إال بصعوبة، وليس دخيال يحترم ويقيم كنمط أدبي قائم بذاتهبل ،أدبا يقرأالمسرح ليس

ال . مثيليعرض تى لإ عليه أن يملك إمكانية التحول لكن.على عالم األدبمزج ي مركب انفصام إذن بين المسرح عمليا والمسرح نظريا، فالمسرح فن

.مفهوم الفن بمفهوم األدب في بوتقة واحدة

-٢٩-

لقد سقطت بدايات المسرح الشعري العربي في إساءة الفهم، لكن فقد تطور . باظة في هذا الميدان كانت مفيدة لمن تالهماأتجارب شوقي و

ي أبو كى مرحلة رومانتيكية مهتزة على أيدي أحمد زالمسرح الشعري إلشادي وعلي محمود طه، ثم إلى رمزية على أيدي بشر فارس وسعيد عقل،

اضجة على أيدي صالح عبد الصبور، حتى وصلت إلى أساليب متنوعة ن، كاتب ياسين وجورج شحادةجاء ثم .نجيب سرور وعبد الرحمن الشرقاوي

جدير بنا أن ننوه بعدة محاوالت سورية . المسرح يتميزان بالشاعرية فيوهما، وهي دوح عدوانملم» المخاض« منها مسرحية ،سرح الشعريمفي الرائدة

وهي ،لعلي كنعان» السيل«ومسرحية . تنتمي إلى أسلوب تعبيري شعبي ومسرحية ن مدرستين هما الرمزية والواقعية،مسرحية تمزج بي

لكن أهم سؤال يجب أن يطرحه أي و. لعلي عقلة عرسان» الفلسطينيات« :ه عن طريق المسرح هوتشاعر يرغب في طرح رؤي

يضيف شيئا؟ وهل ينسجم مع طبيعة العمل؟ لما جدوى الشعر هنا؟ ه

:اتجاهات المسرح العربي المعاصرلقد تعرض المسرح العربي لتأثيرات غربية متعددة االتجاه والقوة، برز

ونيل، ثم تأثير أرثر ميلر وآوخصوصا مسرح ،منها تأثير المسرح األمريكي بين التعبيرية تراوحثم تأثير المدارس الجديدة التي تبرتولد برشت،

كما تعرض المسرح العربي بشكل خفي لتأثير المسرح الواقعي . والالمعقول وكان من الطبيعي أن يحافظا على وجودهما، وبرز فيه ،والواقعي االشتراكي

ر محمود دياب، خصوصا األخير الذي ساهللا ونوس ونعمان عاشور وسعد ا. وما بعدها» ليالي الحصاد«نحو آفاق واسعة ومتطورة للواقعية الحديثة في

، فأهمها الدكتور رشاد رشدي، مصطفى الحالج، أما دعائم المسرح التعبيري الذي ،هناك أيضا سعد الدين وهبه. ميخائيل رومان وأحمد الطيب العلج

أنه وك، دون صدق، محاوال االقتراب من الواقعية دائما، المذهبينيتراوح بين

-٣٠-

لى أن وفق في التخلص من محاوالته غير إالوريث الشرعي لتوفيق الحكيم، الذي،هناك علي سالمو. » سواقي٧«و» المسامير« عبر الفانتازيا في المجدية

يعيد تفسير الذي ، فرجالفريدناك أيضا و. يقف في مقدمة كتاب الكوميدياالتاريخ في أطر معاصرة، وهو أيضا واحد من أقطاب المسرح العربي

حديثا أسماء كتاب مسرحيين انتقلوا من فظهرت،أما في سورية. المعاصرالفنون األخرى ليحلوا ضيوفا على المسرح، أو بدؤوا مسرحيين فعال، ولمعت

بشكل خاص من أزمة ن المسرح العربي ال يعانيإ. سماؤهم في هذا المجالأ، إذا النصوص، وهي أزمة عالميةتلك بل من أزمة مستوى ،عدد النصوصن العائق إ. للتشديد عليها أكثر من الالزم داع، فليس ثمةلذلك. توخينا الصدق

،الرئيسي أمام تقدم مسرحنا هو عدم االرتباط القومي واإلنساني أحيانا الفنية، ةقة، وعدم وضوح الرؤيومعالجة األمور الخطيرة من زوايا ضي

..أخيرا. والوقوع في مغالطات فنية بسبب الفكر الجاهز والتمذهب المتطرف الذي يدعو بالتالي إلى الشك في موهبة الكاتب ،عنصر التقليد والتغير المستمر

.وأصالة نتاجه

* * *

-٣١-

املسرح سورية :ة المسرحأنش

ا المسرح العربي الحديث بوجه عام هي أن مشكلة يواجههلعل أهميستقي منه، ويطوره نحو راء فال يجد تراثا يعتمد عليه، لى الوإالمرء يلتفت

ؤوا دلقد توجب على المسرحيين كتابا ومخرجين أن يب. مزيد من المعاصرةدائية بأنفسهم بناء هذا التراث، فالماضي لم يترك لنا أساسا أكثر من بدايات ب

كراكوزالحكواتي، صندوق الدنيا، خيال الظل وسير في نصوص تجسدت مثل تمثيل ،، كما تجسدت في الطقوس الدينية في بعض المناطق)قره غوز(

ال وهو المسرح في ا عدنا إلى مركز بحثنا، أوإذ. مقتل الحسين في العراق نإة تكاد تتركز فيها بجميع ظروفها وأبعادها، إذ ، لوجدنا أن المشكلسورية

أن ينفي جميع البدايات الخيرة التعنت الديني من قبل السلطة العثمانية استطاع كانت حيث، لتجد موطنا لها في مصر ويبعدها،التي انطلقت من دمشق

ت منذ منتصف القرن التاسع عشر جهود ، تضافرذاكه. الرقابة أقل صرامةويعقوب صنوع كل من مارون النقاش وسليم خليل النقاش وأبي خليل القباني

قوبلت بعض أعمال ، ورغم هذا.أبو السعودونجيب حداد ثم عبد الوهاب هؤالء من السلطة بالقمع والمنع كلما حاولت خرق القشرة الرقيقة التي تفصل ما بين التسلية والنقد، وبدأت تمس فيما تمس الطبقة االرستقراطية وجود

والسوري ،عربي عموما كان المسرح ال،لهذا. األحكام وارتفاع الضرائب في عروض يتعثر كلما بدرت بادرة تدل على تقدمه، ويسقط،خصوصا

مأمونة الجانب، وفي الفودفيل والغناء واالستعراض، الكوميديا التجارية

-٣٢-

دون أن يغامر بالبحث عن هوية ويعتمد أساسا له الترجمات واالقتباس، .أصول ترسخه وتدعم خطوات مسيرتهو

ات على يد كل من يمسرح الحديث في سورية في الستينبدأت نهضة الرفيق الصبان وشريف خزندار، بعد أن عادا من فرنسا حيث تلقيا التدريب على يد جان لوي بارو وجان فيالر، ليقدما نماذج من المسرح العالمي كما خبراه في

.خشبة مسارحنا، محاولين وضع أسس لثقافة مسرحية واعيةالخارج على اتجاهات تجارية أخرى تنحصر في نفسههناك في الوقتوكانت

كوميديات مقتبسة ومحورة لتالئم الواقع المحلي، وهو اتجاه كان سائدا في وكان اسم عبد اللطيف فتحي كممثل كوميدي متميز في ذلك . مصر أيضا

سمعته التجارية التي كونها مع فرقة ناديا ، اعتمادا علىبارزااسما الحين .يس من قبلالعر

عاءات المسرح الشعبي لم يكونا ليطورا دلكن المحاوالت الفردية واسهم في صنع الكاتب الجيد تها لم نأمسرحنا من الناحيتين التقنية واألدبية، إذ طمح ا مثاال راقيا تضع في حسابها لم تأو الممثل الجيد أو المخرج الجيد، ألنه

.للوصول إليهكتور رفيق الصبان بتأسيس نواة مسرحية كان لها قام الد،اتيفي الستين

ة الفكر وند«، ولكن أعمال رة المسرح في سوريةيالفضل األكبر في تقدم مسه، ولم تسع ت على تقليد المسرح العالمي وتبني ترجماةظلت مقتصر» والفن

لم تكن لها بالتالي، . لي يكون لبنة في بناء النص السوريلتقديم أي عمل مح .مسرحية فيما تقدم من أعمالوجهة نظر

بحماسة وتضحيات أعضائها وبالجهد والمال اللذين - كانت ،مع ذلك قادرة على وضع الحجر األول في بناء تقاليد مسرحية في - بذلهما الصبان صنع ممثلين لهم من الثقافة والتجربة ما يكفي الستمرار تجربة سورية، وفي

.المسرح في سورية ونجاحها

-٣٣-

انطلقت ،من هنا. قائما على الهوايةرح ليس جهدا فرديالكن المس الضئيل )الكادر(عايته وتمويله وتوجيهه، فأسست معتمدة على هذا الدولة لر

التابعة »المسرح القومي« التابعة للتلفزيون، ثم فرقة »فرقة الفنون الدرامية«لمتحدة هو ، مرفودة بمخرج شاب تلقى دراسته في الواليات الوزارة الثقافة القطري للمسرحالذي قام فيما بعد بوضع حجر االساس ،هاني صنوبر

وسرعان ما عززت هذه الفرقة قواعدها بمخرجين رفدوها من . األردنيومصر بعد تخرجهم من معهد التمثيل العالي هناك، وبجميع الطاقات التمثيلية

، وبدأت ونةآلونشطت الحركة المسرحية فعال في تلك ا. الموجودة في القطرلكنها ظلت تتجه بحكم طبيعة أعمالها إلى الفئات تصنع جمهورها ومعجبيها،

.المتعلمة وحدها، والمهتمة وحدها بالظاهرة الثقافية الجديدةقدمت حوالي التابعة للتلفزيون » فرقة الفنون الدرامية«جدير بالذكر أن

مسرحيات : ا مع مسرحية على شاشة التلفزيون وعلى خشبة المسرح)١٢(، مولينا دو، وماريفو،كامي، برناردشو، شكسبير، سوفوكليسلتوفيق الحكيم،

خرجها جميعا مخرج واحد ، أ١٩٦٤ – ١٩٦٣ بين عامي غوركي وتشيخوف .هو رفيق الصبان

المسرح « قدم ، على سبيل المثال،١٩٦٤ – ١٩٦٣وفي موسم عام ، ويليامزستويفسكي، لشريدان، بن جونسون، دومسرحيات أيضا » القوميخضر ، علي عقلة عرسان أخرجها كل من أسعد فضة، بال،ت وكلودبرش

األخوة «نهاد قلعي وسليم قطاية، وكانت ، شريف خزندار، الشعارد يؤك مما - استمر عرضها قرابة ثالثة أشهر أكثرها نجاحا، إذ » كرامازوف

هداف التي وضعها ة وفشله في الوصول لألتراجع مسرحنا في السنوات التالي .نصب عينيه

فاستمر على – أي المسرح الكوميدي التجاري –أما المسرح الشعبي ، عليه مع ظهور نجم جديد موهوب اجتذب ضحكات الناس واهتمامهمما هو

٣ م -بقعة ضوء

-٣٤-

الستطاع أن ،ولو التزم محمود جبر بخط الكوميديا الراقية. هو محمود جبرولكنه اتبع الطريق السهلة، فظل واحدا يفتتح طريقا مشرقا للمسرح الكوميدي،

.من دعاة المسرح التجاري الترفيهي، ال أكثر ٥٤ويبلغ حوالي ( ،لكن الغريب أن المتفحص لنتاج المسرح القومي

، يجد أن هذه الفرقة ) في أوائل السبعينياتمسرحية حتى إعداد هذا البحثإذا استثنينا منها و .قريبا قدمت سبعة نصوص سورية فقطالرسمية اليتيمة ت

نصين كوميديين ضعيفين، لوجدنا أن الباقي عبارة عن خمسة نصوص محلية أغلب كتابها دخلوا المسرح في زيارة من عوالم الشعر والصحافة واألدب

وهكذا لم يعن المسرح القومي بالنص المحلي إال متأخرا، وظلت . واإلخراج، وعلى المصادفة ود فرديةقضية الكاتب المحلي قضية شخصية تبنى على جه

من أن نصوصا لكل من ونوس، عرسان، الحالج، الماغوط، رغمفبال. وحدها إال ،رحا قدمت على المس،خالصي، كنعان، بلبل وعصمتإ مقدسي، عدوان،

أحيانا دون بعض هذه العروضنكا كما نسبيا،أنها قدمت في وقت متأخروالجهد الفردي النجازه، وقبول ، بسبب ارتجال في العمل المطلوبالمستوى

عمر مثل (، جدير بالذكر أن كتابا آخرين. تقديمه مع عناصر هاوية أحيانا . لم تظهر مسرحياتهم المطبوعة على المسرح،)غسان جزائري والنص

التزامه هو لعل االتجاه العام لألدب المسرحي المعاصر في سورية مستخدما في ذلك مختلف ،سياسيداء دور أبقضايا األمة العربي والتزامه ب

ديا الذعة إلى تراجيديا قاتمة، ومن تغريب من كومي،األشكال المسرحية .حتى اإليهام العاطفيبرشتي

:مصاعب على الطريقالمسرح ليس ترفا ثقافيا وإنما عالقة تواصل تتفاعل مع اآلخرين

على يةفنمسرحنا ما زالت تعوزه التقنية والن إوكما . بصدقها وروعتهاإال ( هير على مستوى واسع لم يتحقق بعد،مستوى عال، فإن اتصاله بالجما

-٣٥-

في عروض عوضت عن ذلك بجرأتها وجماهيريتها خصوصا في التعرض محاكمة الرجل الذي لم «لونوس و» حفلة سمر« مثل ،بالنقد لموضوع السلطة

لرقابة ويبدو أن المنع من قبل ا. )للماغوط» المهرج«لعدوان، و» يحاربوبالرغم من .المسرحي كي يصل إلى الشهرةصار جواز مرور جيد للكاتب

لكن األمر بدأ يأخذ صبغة تتعلق أن المنع ال يعني حذف كل األعمال الجيدة، .طالق غير فنية على اإل، وبقضايابالمضمون دائما

المترجمة، الكالسيكية بدأ المسرح القومي غالبا بتبني اتجاه المسرحيات وابتعد عن هدفه المحدود فارتبك،كن هذا االتجاه أضحى هشا من الداخلل

قدمت مسرحيات لسيمنوف وفيجويردو وشفارتس نجد أنه قدبينماو. هذا مسرحية ليوربيديس وراسين ة لم تقدم أي،وفيشنفسكي وحكمت وريتشر

ن الفئة ، فإمن البدهي. وسواهموفايس ونيسكوأونيل وأوكيزي وأوكورني وهذا، ونجد أن المسرحيات . ثانية أجدر بالتقديم وتعريف الجمهور عليهاال

منها مسرحيات للحكيم في دمشق،العربية قليلة في عروض المسرح القومي وللطيب العلج ،من مصروالشاروني دياب محمود و فرج الفريدوعلي سالم و . عشرات من الكتاب العرب اآلخرينت أسماء بينما غاب،من المغرب رفيق فقد تضاءل وتالشى بغياب مخرجه،مسرح التلفزيونا أم، وكانت هناك محاولة أخيرة رائعة انحسرت عنها الظالل قبل أن الصبان

الذي اشترك في ،)أيام األسود واألبيض(، »قوس قزح«تثمر في برنامج في مضمونه تحقيقه كل من رفيق الصبان وفيصل الياسري، فخرج جيدا

.وشكله اج المسرح القومي نظريا إال محرضا للفرق األخرى كيتنلم يكن

المستقلة تتحرك وتضحي، ولكن هذا األمل لم يشع نوره، وحلم الفرق الجادة شكسبير وبرنارد شو وسارتر في دمشق» المسرح القومي«قدم . ظل حلما

وميلر وغيرهم من كبار مسرحيي العالم، وحافظ على جدية نتاجه ونظافته من

-٣٦-

أو ا، ولم يقفز بالمسرح،حافظكان م أنه كانت مشكلته. ب التجاريةالشوائوهو لم . وذاكرتهم وعي الناسدى ال يزول منيفجره ليصبح لدويه ص

الذين للمسرح، فظل نجوم التمثيل أولئككاديميةأيستطع تجاوز مشكلة غياب منى واصف وثناء دبسي : الخاصة» ندوة الفكر والفن«بدؤوا المسيرة في

وسليم كالس سامة الروماني ويوسف حنا ورياض نحاس وهاني الروماني أو. لى جانب آخرين مثل أحمد عداس وعبد اللطيف فتحيإوعصام عبه جي،

لقائمة منهم من درس التمثيل ومنهم ى الإقليل من الممثلين الجيدين أضيفوا من اكتفى بالموهبة، بينما انحسر ممثلون وممثالت من مستوى جيد عن

.مسيرة المسرح ألسباب عامة أو خاصة

فرق المحافظات بدأت بعض الفرق الجادة تكسر طوق الجمود الفني ،منذ سنوات قليلة

. فقطظاهرة تجمع الحركة المسرحية في العاصمةتخرق في المحافظات و التي قدمت مسرحيات ،حلبفي » مسرح الشعب«أبرز هذه الفرق فرقة

خرج معظم أعمالها حسين أ و،ي وغيرهمخالصإلبرشت ودورنمات ووليد دته من النمسا، كما شارك في مسيرة الفرقة الممثل بشار عودلبي بعد اإل

، مال إلى حرصا منه على جماهيريته،»مسرح الشعب«لكن . القاضيقبال الجماهير، وبذلك لم يتمكن من تطوير إاستدرار التصفيق والكوميديا و

سنوات، بل ظل بعناصره رة لدى ظهوره قبلزته األولى المبشعناصره منذ قف ظاهرةلكن. بطا هاخرآ و،الفنية ال يزيد كثيرا عن بداياته، يقدم عمال جيدا

قيام مسارح الشعب في المحافظات أمر صحي، وال يكاد يكلف شيئا من كونها المسرح الوحيد الجاد في المحافظة يعني تقاطب الجمهور ألن ،المال

ق التزامها الفني مما يمكنها بالتالي من تحقي،وبعليها من كل ص تأسس في حمص مسرح آخر للشعب، ومن المحتمل أن هكذا،. والجماهيري

.تظهر فرق أخرى قريبا

-٣٧-

:المسرح العسكريتقريبا، » المسرح القومي«زمانيا » المسرح العسكري«ة فرقواكبت . أبناء القوات المسلحة أساسا ترفيه وتثقيف المقاتلين منتستهدففهي فرقة ا

ولكن بسبب ضياع خطة العمل المنهجية، فقد قامت عروض هذه الفرقة في فترة ازدهارها على الكوميديا الخفيفة الترفيهية، وعلى عروض قومية مليئة

الحالين قد جانبت النجاح الحقيقي الذي يعني في بالتوجيه المباشر، وهي في. لجماهيرية واالتصال بالمقاتلين ومشاكلهمهذه الحالة التطور نحو مزيد من ا

الراجل اللي «ولم تقدم الفرقة في األعوام األخيرة سوى مسرحية طويلة هي وعرضت على ، محمود الطوخياجخر، من إلعلي سالم» ضحك عالماليكه

التي اقتبسها نجاة قصاب حسن ،»مدرسة النساء«نطاق ضيق جدا، ومسرحية وجدير . وعرضت على نطاق أوسع، العظمة وأخرجها ياسر،عن مولييرما لكن و .أخرجه حسن عويتي، »ليلة القتل«آخر هو عمال جيدا ت قدمابالذكر أنه

.قت بأكثر مما حقية مطالبة المسرحت هذه الفرقةزال

:فرق مسرحية أخرىالمسرح « على »المسرح الجوال« لم تقتصر فكرة ،من جهة أخرى

، يستمد من الريف لها الثقافة مسرحا جواال تابعا، بل أقامت وزارة»العسكري ثم ،١٩٦٩وقد بدأت فكرة هذا المسرح عام . عرضها على أبنائهمشاكل ي

ت وقدمت الفرقة،سس حيث أ،١٩٧٢تعرقلت، لتعود إلى التحقق عام » سهرة فالحية«: هماى والتجمعات الفالحية رمسرحيتين عرضتا في الق

وما زال هذا المسرح رهن تجربته . ألحمد قنوع» الخوف« ولممدوح عدوان .الميدانية من خالل الممارسة واالحتكاك مع الناس وردود أفعالهم

» تسييس«يجدر بنا اإلشارة على تجربة سعد اهللا ونوس في أخيرا، ار الرابع بين الممثل المسرح والجمهور، وخلق تواصل جديد يخترق الجد

-٣٨-

التي ضمت بين أعضائها عددا ، »لمسرحفرقة ا« تأسست ،هكذا. والمتفرجامة الروماني وهاني أس وفي مقدمتهم عالء كوكش و،من خيرة فناني القطر

الروماني ويوسف حنا ولينا باتع ورضوان عقيلي وسليم كالس وخزيمة ٥حفلة سمر من أجل « بنجاح كبير الفرقةوقد قدمت هذه . علواني وغيرهم

له ثم قدمت . د على أربعين عرضا حيث عرضت ما يزي لونوس،»حزيرانها لمدة عام كامل، ب، بعد احتجا أيضا»مغامرة رأس المملوك جابر«مسرحية

العرض، ذلك ولم ينجح . »مهرجان دمشق الرابع للفنون المسرحية«في وذلك .تشتت شمل الفرقةإلى مما أدى

ت ما يمكن أن يكون أساسا لمسيرة إذا كانت هذه التجربة قد خط وبداية تفاعله مع الجماهير، فإنها لم تضع أسسا ،في سوريةالجاد مسرح ال

للمسرح، بل اكتفت بواجب هام هو )تجريبية (أو طليعية، )محترفة(أكاديمية أال وهو وضع تقاليد مسرحية من طراز ،جزء من مهمة المسرحيين عموما

..لتالي الجمهور وفهمه، وبا في اعتبارها أول ما تضع قدرات تضعمعين . بل ملحة، قائمةتظلمحترفة ترفدها ختبارية االحاجة إلى فرق ف

عبد اللطيف فتحي ومحمود ييدأ فاستمر على ،أما المسرح الكوميديجبر وسعد الدين بقدونس واألخوة قنوع، واستطاع أن يجذب عددا آخر من

سرح الم، مثل والممثلين المعروفين من خالل الفرق التي تأسستالمخرجين . الربح السهل، مستهدفةالضاحك ومسرح القهوة

:المهرجانات المسرحيةبدأت منذ سنوات تتزايد في التي ،هناك عدد من المهرجانات المسرحية

الذي ، »مهرجان دمشق للفنون المسرحية«أول هذه المهرجانات هو . سورية ،)مع صدور الطبعة األولى من هذا الكتاب ( الخامسهمن العمر عامبلغ

. والموسيقاوتتقاسم مسؤوليته كل من نقابة الفنانين ومديرية المسارح

-٣٩-

، ١٩٧٥في عام فقد بلغ عامه الرابع أيضا ،لقطراأما ثاني مهرجان في الهواة المسرحية لجميع محافظات القطر، وأقيم في دمشق فرقوهو مهرجان

.محلية النصترط ش كما ي،يشترط الهواية في التمثيل واإلخراجهو أيضا، و، ويشترك فيه مؤلفون هو مهرجان الفنون الجامعيةالمهرجان الثالث

محاكمة « إذ قدم بسام العيد نصا لممدوح عدوان هو ،محترفونومخرجون ، بينما قدم خليل طافش مسرحية جورج شحادة»الرجل الذي لم يحارب

حية مسيرته المسر، ويتابع المسرح الجامعي »مهاجر بريسبان«الشهيرة قبال حققت مسرحياته مستوى معقوال من الفن واإلالجادة الملتزمة، و

الجامعية التي سبقته كان لكن نتاج الكليات في هذه المهرجانات. الجماهيرين تقدم كل أ ينتظر ويكاد يقتصر على الترفيه والغناء والفكاهة، بينما،هزيال

شكل يمنح المهرجان اسمه ، بكلية عمال مسرحيا جيدا، عالميا أو محليا .بجدارة

:المسرح الجامعي والمدرسي

على المهرجانات التي بدأت حديثا، لم يقتصر نشاط الجامعة المسرحي حيث قدم ،األجنبيةوأقسام اللغات فقد بدأ متقطعا ومقتصرا على كليات اآلداب » تاجر البندقية«و» ماكبث« من قسم اللغة اإلنكليزية على فترات كال

أساتذة خراجهاإوقد تولى . لسوفوكليس» أوديب ملكا«و» جعجعة بال طحن«وجعجعة بال «وكانت أفضلها فنيا دون منازع زائرون ومخرجون من القطر،

وعرضت ، التي أخرجها الدكتور رفيق الصبان بشكل حديث ورائع،»طحنة في الجامع/ وست هول/مسرح (وبيروت ) مسرح الحمراء( بنجاح في دمشق

اللغة هذه المسرحيات قدمت ب كل ن، إجدير بالذكر. ١٩٦٧عام ) ةمريكياأل منها ،فوي فقدم عدة مسرحيات لمولير ومار،أما قسم اللغة الفرنسية. اإلنكليزية

.»لعبة الحب والمصادفة«

-٤٠-

الرابع للمسرح المدرسي، أقيم في الالذقية المهرجان،١٩٧٣في عام فيه أفضل تشتركي طرطوس وفي حمص، وا دير الزور وفقيم فيبعد أن أ

يهدف إلى تشجيع هو و،العروض المسرحية والفنية من جميع أنحاء القطر . ونشر الثقافة المسرحية بين جماهير الطلبة،ورعاية النشاط الفني المدرسي

على تقديم عمل مسرحي ) الالييك سابقا (» معهد الحرية«كما درج لى جانب أعمال قصيرة أخرى من المسرح إ ،كبير كل عام باللغة العربية

سوفوكليس بنجاح كبير » لكتراإ« ١٩٦٧العالمي باللغة الفرنسية، فقدم عام » مقالب سكابان« و» نساء متحذلقات«وأخرجها رفيق الصبان، كما قدم

خرجها يوسف حرب، كما أ لكورني و» السيد«لموليير، وقدم في العام التالي مرة في ، وألول من إخراجي سوفوكليس»أنتيغون« ١٩٧٢قدم أخيرا في عام

يجلس كان الجمهور المسرح السوري الحديث في طراز مسرح الحلبة، حيث على مدرجات خشبية أعدت خصيصا محيطا بمنصة التمثيل من ثالث جهات

عادة خلق تأثير المشاركة العميقة التي يحققها المسرح القديم، في محاولة إلله . نفسهاألسلوبب» هاملت«) ١٩٧٣ ( في العام التالين أخرجتت أوما لبث

-٤١-

خامتـة

شهد القطر العربي السوري في السنوات األخيرة أحداثا مسرحية هامة، ، وتزايد ظاهرة » لمسرحافرقة «، وأعمال »مسرح الشوك«كان منها

بعض مسرحيات شكسبير وتجارب و» الزير سالم«المهرجانات، وعرض ، قليلة ما زالت والفرق الجادة،لكن هذه األمور تظل فردية. لشكلمجددة في ا

الكبيرة، وطالما تلتهم وتستهلك تتجه باتجاه األعمال أنها وأعمالها أقل طالما اإلذاعة والتلفزيون طاقات ممثلي المسرح، وهو استهالك ينبع من عدم تأمين

.حاجتهم الماديةعاما يبحث ) ١٢( من أكثرإن المسرح الحديث في سورية ما زال بعد

وأشد ما يحتاجه هو الدراسة المحترفة . لشكل وعن اعن الهوية، عن النص الدراسة رات المسرحية، بل لعلأكاديميا في التمثيل واإلخراج والنقد والمؤث

ألنه من خالل ،هي الطريق الوحيدة أمام مسيرة مسرحنا نحو األمامالمنهجية لجمهور إلى المسرح، وحل معضلة االنقسام الفني يمكن جذب ااإلتقانفترض أن االلتزام بقضية ن بين الفن الرفيع وبين الناس العاديين، إذ الحاصل

، وهذا يجعل تعامل لدى المسرحيين الجيدينمتوفر بدهيا الفن واإلنسان اللذين ال ،مسرحنا مع جمهوره ومع العالم كله قائما على هذين المنطلقين

.دون االعتماد على اآلخروحده أن يقف حدهمايمكن أل

* * *

-٤٢-

-٤٣-

وريادة الكاتب العربي... مسرح املخرج

كانت القيمة ترتكز على المؤلف المسرحي العشرين، القرنفي أوائل

تحوال خطيرا بدأ يطرأ على لكن .بعد أن كانت تعتمد على الممثل في السابقالمسرح موجة الكتاب العظام فيالمسرح العالمي، خصوصا بعد انحسار

عقب انتهاء تأثيرات الحرب العالمية الثانية على األدب والفن، وانتشار أنواع ثم تتالشى كالمشاكل التي ،شتى من األدب المسرحي كانت تزدهر حينا

وأشدها ،هذا التحول هو اعتبار المخرج أهم عناصر المسرح .تتحدث عنهاوبدال من أهمية . حتى النصرورا من التمثيل ، متأثيرا على باقي جوانبه

شو وسارتر وجيرودو وويليامز، بل بدال من أهمية بسن وبرناردإنصوص وكيف يقدم ،هم هو المخرجراسين وشكسبير وسوفوكليس، صار األ

سسا أعتمد كل منها ارت هناك مدارس شتى لإلخراج، تصبالتالي، . المسرحية ، إلى غوردن كريغ،من منهج ستانسالفسكيف، افكرية وفنية تميزه عن غيره

ر حتى بيتلى برشت، إلى جان فيالر، إلى جان لوي بارو، إ ،لى ميرهولدإبل صار بعض المخرجين هم مبدعو أعمالهم . ا وغيرهمبروك وغروتوفسكي

ثر حرية من حدود أكا وتمثيال وتأثيراتخراجإالمسرحية، وصار المسرح بل أصبحت ، أو المؤلف المسرح لم يعد مهمة الممثلنإ أي اللفظة المسرحية، الذي يمكنه أن يخرق جميع الحدود ،» المؤلف–للمخرج «الكلمة العليا فيه

وال يظل رهين الصفحات حيا،داع يتجسدإب.. المعروفة في سبيل إبداع جديدلعل هذا هو السبب الكامن وراء تجدد األشكال المسرحية واتخاذها . المطبوعة

بدأت من رفض المسارح المؤسسة ورغم أن هذه االنطالقة .يغا بال حدودص

-٤٤-

في البالد التي ترعاها كفرنسا خالل زمن طويل على قواعد كالسيكية با الشرقية أيضا تجارب مثيرة األهداف، ووانكلترا، إال أنها وجدت في أوراقعية الجديدة فكانت مرحلة الو،أما في أمريكا. وهي تحمل جميعا طابع الثورة

وثورنتون أو التعبيرية ما زالت مهيمنة، وظلت مسرحيات يوجين أونيل ومتنامية ، متربعة على العرش المسرحيميلروآرثر وتنيسي ويليامز وايلدر

يتس الشهيرة وظلت مسرحية كليفورد أود. تعبيريةباستمرار باتجاه مزيد من ال عمال من الجامعات حتى اليوم، تقدم في ما تزال، التي »اليسارفي انتظار «

ولكن المسرح كان مؤسسا على قاعدة متينة من . كالسيكيات المسرح السياسيون السريع والمحدث بحكم التك، وعلى قاعدة أقل متانة من التأليف،التكنيك

كان الحل لمواجهة تفوق المسرح التقليدي المزدهر ، لذا.ألمريكا وحضارتهاالتعلق بأحداث الساعة ، شديد البساطة، وشديد هو البحث عن مسرح فقير

مسارح خارج برودواي، : ت ثورة الشباب في المسرحهكذا، ولد. وقضاياهاواألقبية الكراجات المفتوحة فيمسارحال برودواي، و–وخارج خارج

التجارب وكانت هذه . أو مسارح الجريدةوالساحات العامة، والمسرح الحيلكنها في الوقت نفسه طر المدرسية لفن المسرح، جميع األ تحطم يةرحالمس

ب منهم بشكل ومست قضايا الناس في الشارع، والشبا،أعادت للكلمة صفاءها . الجائرة التي تبرر حرب فييتنامخاص، وناضلت ضد المزاعم

فقد ظل ، لم تعمل على تدمير المسرح، على أية حال،هذه التجارب ن المسرح األوربي تميز عن األمريكيكل. تقليدي وتجريبي: للمسرح وجهان

بيين في أصول المسرح وبعمق وكثافة التجربة الفنية، حيث بحث بعض األورستلهم برشت المسرح الصيني، القديمة ووجدوا فيها مستقبل المسرح، فبينما ا

إلى الوجود حياته التعسة القصيرة أصول المسرح جاري خاللالفريدأعاد والمسرحيات التي » بو ملكاوأ«رحيته الشهيرة بشكل عبثي معاصر في مس

نظريته في المسرح » المسرح وبديله«رتو في كتابه آنتونين أتلتها، كما وضع الحديث معتمدا على األصول البدائية للمسرح في جزر الشرق األقصى

-٤٥-

معيدا ازدهار البانتوميم والرقص، وحاول )األندونيسية تحديدا/ بالي/جزيرة (كي شق طريق جديد للممثل يتجاوز فيه حدود العقل والقيود غروتوفس

وإلى نسانيته،إاالجتماعية التي جمدت اإلنسان وحرمته في عصر اآللة من جانب اتجاهات المسرح االشتراكي الذي تطور من بسكاتور وبرشت

داموف، وإلى جانب مسرح العبث الذي بدأ بالفلسفة أباتجاهات غاتي وفايس ورابال أكثر مما آونيسكو وأنتر وووجد تحققه الشكلي عند بيكيت وب، الوجودية

» سوء تفاهم« رغم نجاح األخير في مسرحيتيه ،وجده عند سارتر وكاميجون الذي تطور من ،مسرح الغضبتيار ، وإلى جانب »كاليغوال«و مؤلف ،ردنأمثال جون آ ،خرينوزبورن إلى كتاب المسرح البريطاني اآلأ

شهدت أوربا وأمريكا ،إلى جانب كل هؤالء. » كالخنازيرعيشوا«مسرحية موسيقية امتد من برودواي إلى كبريات مسارح ازدهارا في عالم الكوميديات ال

ية، وهكذا من األلحان تعويضا عن عظمة الباليهات الروس وباريس، ربما لندنوفي الكالسيكية الخالدة في أعمال تشايكوفسكي وغيره لعشرات فرق البالية

غراد، ازدهرت مسرحيات موسيقية ينمقدمتها فرقة البولشوي وفرقة ليندائها عن أخراجها وإ وإن كانت تختلف تماما في ألحانها و،معاصرة وحيوية، ثم »صوت الموسيقا«و» سيدتي الجميلة« ولدت ،هكذا. فن الباليه التقليدي

وعروض وغيرها من المسرحيات الموسيقية المغناة والراقصة، » هير« .المسرح الشامل

ا أرى أن كل هذا جدير ما عالقة كل هذا بمسرحنا العربي؟ أن: تساءلقد نإذا نجحت في أن أؤكد أن قيمة . بالمقارنة مع حصيلة مسرحنا العربي واتجاهاته

حدد ألبداع هذا المخرج، فقد فعلت ذلكإالمسرح اليوم تتركز في مخرجه ومدى اع المسرح من مسرح العربي ولدت مع صنحقيقة واقعة هي أن بدايات ال

أدوارا مسرحية كما يتولون،عداد واالقتباس والتعريبمخرجين كانوا يتولون اإلرر ما قيل مرارا عن تلك البدايات عند أبي ولن أعود ألك. خراجيةإومهمات

أبو السعود خليل القباني ومارون النقاش ويعقوب صنوع وعبد الوهاب

-٤٦-

ف وهبي ونجيب الريحاني، وعن النجاح والفهم لدور وجورج أبيض ويوس .تباع رغبة الجمهور وذوقه أحيانا رغم اضطرارهم إل،المسرح عند معظمهم

: النهضة المسرحية الحديثة

ال يمنع ،)وأنا أصر على اعتبارها كذلك( إن تأكيد هذه الحقيقة التاريخية، من العثرات بعد فترة -من االعتراف بأن المسرح العربي الحديث

حداث واالضمحالل المسرحي على حساب الغزو التجاري واضطراب األضة هالنال تضع . بدأ منذ فترة وجيزة يعيش نهضة حقيقية-السياسية قبال الجمهور على شباك إ مدى في اعتبارها من ناحية القيمة الفنيةالمسرحية

لهذا السبب . وتمثيالخراجاإالتذاكر، بل تراعي التطور الفني للمسرح تأليفا و ناهضا عندما كان في مرحلة االقتباس اعتبار المسرح العربي ال يمكن ،بالذات

ه النصوص المسرحية أن يعتبر مسرحا إال إذا توفرت فيوالتعريب، بل ال يمكن ،يمه يتخذ مسارا جديدا لم تفلح محاوالت المخرجين، فتقيلذلك. الناضجة

رغم كبرياء بعضهم ، أن تضعه وتحدده،)و ضعفهاالمتراوحة في جودتها أ( وهو في رأينا حاضر– المسرح العربي ن حاضرإ. وادعاءات بعضهم اآلخر

يصنعه كتاب المسرح حاضر–تحديده مؤقت لن يستمر المؤلفون وحدهم في أن تتحدد مالمح الجدية يسهل أمام الناقد . لعربي ويوجهونه نحو مستقبل جادا

عمل المؤلف العربي وهو يعرض مسرحيته، كما يسهل انتقاء والجودة في ا جديدة على خارطة هذا دخلت بثقافتها وموهبتها خطوطأاألسماء الكبيرة التي

بهبوط نوعي، أو بتحول أمام عالم المخرجين كثيرا ما يفاجأ لكنه. المسرح .خراج نص تجاري متهافتإ عظيم إلى مخرج من إخراج نص

:ابوريادة الكتالمسرح العربي

كتابه د نجد أن المسرح الجزائري لم يصبح عربيا إال عندما وج،هذال المصري لم ير عصر نهضته الفنية إال عندما برز المسرحنأ و،المسرحيين

جيل من الكتاب بعد رائدهم توفيق الحكيم استطاعوا شق طرق مختلفة

-٤٧-

لمسرح العالمي المسرح السوري ظل تائها في خضم انإاالتجاهات، والكالسيكي حتى بدأت النصوص المحلية تزداد كما ونوعا، وكذلك بما يتعلق

.بالمسرح اللبناني والمغربي والعراقي واألردني والفلسطينيضعف الثقافة العامة لدى بعض فناني المسرح، وكونهم تقنيين إن

أكثر فحسب، يجعل الحركة المسرحية تدور في فلك كتاب المسرح العربي أن تأسيس المسرح ، بالطبع،هذا ال ينكر. مما تدور حول فنانيه اآلخرين

كان لهم من الثقافة ،عموما في الوطن العربي اعتمد على مخرجين عظامولكن هذا دائما . والفهم والتضحية ما جعل للمسرح وجودا وقواعد يرتكز إليها

فكان ، التي تلت المراحل أما في.احل األولى لتأسيس المسرح العربيالمر فيفاقا ، ويستجلون لها آ هم الذين يسيرون الحركة المسرحيةالكتاب وحدهم

.ةدجدي

* * *

-٤٨-

-٤٩-

حبوث تطبيقية

٤ م -بقعة ضوء

-٥٠-

-٥١-

املسرح السوري

شك أن ما سنعرضه من نماذج المسرح الحديث في سورية ال يمثل ال – التطبيقية لطبيعة هذا الكتاب–لكننا اكتفينا . حركة التأليف المسرحي فيهالامك

رح، والتي سجل مؤلفوها ا المساتبتحليل النصوص التي قدمت على خشبولم نتمكن أيضا من تقديم أكثر من عمل واحد . استمرارا مسرحيا أكيدا

. لضيق صفحات الكتاب، إال فيما ندر،للكاتب

مثل محمد الماغوط والدكتور عمر ،سماء مسرحية هامةوهكذا غابت أ كان عرضا سواءالنص، وأغفلت أسماء المسرحيين من ذوي العمل الواحد،

علي كنعان ويوسف مقدسي وغسان الجزائري، وحجبت أعمال مثل ،أم نصاها مسرحيات فرحان بلبل في السبعينيات، ومنأعمال أخرى قدمتها فرق الهواة

.ومسرحياتي .لذا وجب التنويه

المؤلف

* * *

-٥٢-

-٥٣-

خالصيإوليد

دـكيف تقع دون أن تصع

) حلب–مسرح الشعب (

»على قد حلافك مد رجليك« مثل شعيب

إذ ، صعودا ملحوظا١٩٧٢بعد أن صعد مسرح الشعب في حلب عام

الثلج يذوب عن جموده الطويل ليعرض عمال متقنا من حيث االختيار جعل اركاتمسرح الشعب تلك الخطوة المباركة ، بعد أن حقق )١( والتمثيلواإلخراج

مفاجئة عميقة في نفوس المشاهدين الذين اعتادوا برودة عروضه وضعف هذا في مبرر، نجده ندو وأ التقنية بمبرر» الفذلكات«تأثيرها وتالعبها بـ

، فإذا على عجلسلم عود لصيابه بالمسامير التي أعدها تعلق ثيتعثر فنيا لالعام » المنتصر«ال يصعد على سلم المسرح إال كصعود به يتراجع فنيا وفكريا و

الجماهير ج أي الصعود الذي يستدر،»كيف تصعد دون أن تقع«في مسرحية .إلى مسرح يشتم بحدة أكبر من الفن فيه

خالصي أنسب إلقد استعجل مسرح الشعب الصعود، واختار وليد ذلك، وهو دغدغة عواطف الجمهور السياسية بنص جريء الكلمة، الطرق ل :حداهما هي، إ عبر شخصيتين أساسيتينية ألساليب االنتهازفاضح

.من إخراج بشار القاضي» قبل أن يذوب الثلج «مسرحية) ١(

-٥٤-

عبر أنفاق الدجل لى وزيرإالذي يتحول من أستاذ ) المنتصر(الذي يمهد له صعود ،)المؤيد( واألخرى هي ،واألقنعة الزائفة ىوالرشاونلمح م وعبر أخشاب السل، أكوام الضحاياس تتكدسلم الدرجاتعلى . الساللم

بل تدين ، فالمسرحية ال تدين بطلها وحده،بذلك. وجوه المنافقين والدجالين. )المنتصر( صعود قبلوا وسكتوا عن جهل أو منفعة إزاءع الناس الذين جمي

وهي من جهة أخرى تؤيد أولئك الذين ظلوا محافظين على قيمهم ونقائهم زوجة المنتصر أمل (، وبقائهم على ما هم عليه،)المنتصر(صعود رغم

).شاب جامعي مثاليولست أبالي كثيرا بإجراء مقارنات بين نص وليد ونص حسيب كيالي

تشابه سطحي سببه االنطالق من أرضية مجرد هذا ف ،»في خدمة الشعب« التي ية،هاز مجتمعنا يشكو من نماذج االنتنإكما ، الواقع الواحدة والملحة

.تدب وتنخر فيه بل هو،نص وليد إخالصي ليس قفزة نوعية في عالم التأليف المسرحي

فهو يحوي كثيرا من ، لكنه أيضا ليس بالجيد، ليس بالرديء،نص عادي، لم يستطع المخرج إال أن )الفصل األولفي خصوصا (،التثاقل في مواقفه

أبرز إن. شار القاضي األولى وكانت هذه غلطة ب،ال يحذفهايرأف بها و الذي يجعل من كل مظهر ،هو المنحى القصصيإخالصي عيوب نص وليد

. مشهدا سرديا منفصال)المنتصر(من مظاهر صعود وليس من شأن المشاهد أن يأتي إلى المسرح . المسرح فن اإليجاز

ل المحدد خال،هذا اإلنسان» فعل«إنه يأتي لكي يشهد . ليشهد سيرة إنسان فمن المستحيل أن نلغي ،إذا أغفلنا العنصرين األخيرين. ان ومكان محددينزم

وهي القيمة التي تؤدي بنا إلى مجموع عناصره ،قيمة الفعل في المسرح لذا فليس من الضروري أبدا ،الباقية من صراع وحوار وشخصيات وأحداث

ن خالل خالل استعراض شخصية االنتهازي الذي يصعد على سلم السلطة م

-٥٥-

ممل وبطيء جميع مظاهر هذا ادعاءات ثورية زائفة أن نستعرض بتكرار . كما حدث فعال بدل أن تصعد، وإال لهبطت المسرحية نفسهاالصعود،

ثم ، ثم عاشقا، وأستاذا مرة أخرى، عالما مرة)المنتصر(لقد شهدنا ،لبياتوسيلة رخيصة لكسب التصفيق ضد السإنها . الخ... ثم... ، ثمشيخا

وبذلك يتناسى إخالصي قيمة الفن ،)المنتصر(التي يتم انتقادها عبر شخصية نإ أي ،»ما تقول«يتمتع بأفضلية على » كيف تقول« تجعل التي،المطلقة

عمل الفني تسارع ومؤيده تصبح سلبيات في ال)المنتصر(السلبيات في سيرة على الفصل األول ن هذا الشعور ظل مسيطرا، إالحقيقة. به إلى السقوط

جمعه أ بعد انتهاء العرض لماذا لم يحذف هذا الفصل ب حتى تساءلنا،جمعهأبض مدة تزيد على من خالل التجربة الفعلية التي أتت عن استمرار العر

ولكن الفصل الثاني أتى أكثر إمتاعا وحركة وحيوية شهرين ونصف الشهر؟ في الوحيدة المتكاملة مسرحيا وفيه تبرز الشخصية ،من جميع النواحي الفنية

. )المؤيد( وهي شخصية النص، بل واآلراء ،إذا استعرضنا من جديد أحداث المسرحية وشخصياتها

إذا تذكرنا جيدا النقاشات التي و،المتناقضة سلبا وإيجابا مما دار حولها فإننا ، بين شتم مسرح الشتيمة أو مدح مسرح النقد السياسي الجريءتتراوح هذه المسرحية ما نالت كل هذا صل إلى حقيقة صغيرة وبسيطة هي أنسن

الحياتي اللغط وهذا النجاح الجماهيري وهذا النقاش إال ألنها تنطلق من الواقع ض يأتي من تناسي الواقعية في ، فإن الخطأ في العرمن هنا. كأرضية لها

.ر المستحبتين واالتجاه نحو المغاالة والمبالغة الكاريكاتيرية غي،الشكل فإننا نقول ، ولكنه ليس حسنا جدا، النص ليس رديئانإعندما قلنا

يجابي إ أي موقف سياسي ةصلحم وليس ل،ذلك انطالقا من اعتبارات فنية شخصيات وجدت وتوجد كالطحالب تعالج المسرحية .أم سلبي تجاهه

انة لجميع وصعودها يجب أن يكون إدالنباتات المتسلقة مع كل الثورات،و

-٥٦-

وال . وليس إدانة للثورة بحد ذاتها،)من غير الثوريين (،الذين ساهموا في ذلك مدعما بديكور ، لتقديم هذا العمل»فانتازيا«أدري لماذا اختار المخرج أسلوبا

! طالما أن النص واقعي الطموح،عبد الرحمن حمود الرمزييذوب قبل أن «ة في مسرحيهل نجا مسرح الشعب من لعبة الشكل مرة

ما المبرر لذلك؟ وما هو هذا المسرح الذي ليقع مرة أخرى فيها؟» الثلج أم ماذا؟، أم نقدي، أم رمزي،مسرح تجريبيهو نشهده؟ أ

أساليب شتى من اإلخراج واألداء واإلضاءة والديكور تجعل الدهشة الذي يكمن في حي يستحيل أمامه ، في حلب»مسرح الشعب«تعتريك أمام

ة التي ظل هذا ل ثم بحجم المنصة وبالتجهيزات القلي،ستنتاج بوجود مسرحاالوتكتمل الدهشة الحقيقية واالستغراب عندما . المسرح يعمل بها طيلة سنواتمتفرج إلى تقود القطعبر المناظر وحشدها ينجد كل تلك اإلرباكات في تغي

!الغضب والملل بآن واحدصة ال تصلح إال لمسرح حديث من ومثل تلك ال،مثل هذا النص كلمة

سبعين النفس في لعبة فاشلة بعد ما يناهز فلماذا التعب وتوريطوفقير، ؟»لحافنا على قد رجلينا«عرضا؟ لماذا ال نمد

أما اإلضاءة فساهمت أيضا في إضفاء طابع من التجديد الزائد والزائف دف ودون ه،أنوار حمراء وزرقاء وصفراء دون حساب: على العرض

.أيضا لوجدنا أن ممثلي مسرح الشعب لم ،إذا انتقلنا إلى األداء التمثيلي

زائدة الحرفية ال وإنما تشبثوا ب، خالل السنوات الماضية من أخطائهمايستفيدو كال منهم صار ينفرد بأسلوب نإ كما التي تبعدهم عن التأثير المطلوب،

وهذا ما .. تي يمثلهاخاص من األداء هو أقرب لشخصيته منه للشخصية ال وأدى إلى ارتفاع ،جعلهم فرادى فقضى على االتصال الوجداني بين الممثلين

فهو ،لكني أخص بالذكر عمر كردي. بعض المشاهد وأفول بعضها اآلخر

-٥٧-

يحمل معه دوره وكأنما يحمل معه المسرحية ،ممثل حقيقي بكل معنى الكلمةقبل أن يذوب « فيها تفوقه بعد لحظأ وهذه هي المرة الثانية التي ،بأكملهاتفوقا يدل على الجهد الكبير الذي بذله من أجل الدور ويبذله كل ليلة » الثلج

. يحبه ويقدسه ويؤمن برسالته،كأي هاو حقيقي للمسرح فهو خامة مسرحية جيدة لو ،)المنتصر(أما عبد الرحمن حمود في دور

حدث هو أنه يستعجل ولكن الذي ،استمرت في صعود السلم خطوة خطوة من الكوميديا وال مغاالة في أداء ليسمما جعله يلجأ إلى ، كما يبدو،الصعود

.من التمثيل الجاد في شيء* * *

إلى التعرض لمسألة أضحت شائعة هذه يقودني الحديث عن اإلخراج ، وهي اللجوء إلى مسرح سياسي ناقد يستدر إعجاب الناس وإقبالهم،األيام

ومهما كان شكله م ومشاكلهم بهذه السخرية الالذعة،يتعرض لهمومهطالما . يصعد يفترض أنه فهو،الفني

وال نستطيع أن نكون ضده ،هذا النوع من المسرح نوع قائم بحد ذاته ولكن ال بد لنا من أن نضع في اعتبارنا أن ،لمجرد إعجابنا بأسلوب مغاير له

فيما لو ، والمزايدة حينا آخر، حينانيةهذا المسرح قد يسقط في لعبة الشكالل بين االحتجاج وبين فاص فال،أصبح في حد ذاته هدفا بديال لهدف الفن العظيم

.شعرة دقيقةالتفريغ وأقول . من يركب مركب الخطر يجب أال يأبه للتوافه،على كل حال

في النص بدا لي وكأنه يريد أن يغطي جرأة ما يحدثهذا ألن بشار القاضي أي أن يجعل من إيالم الواقعية الجارح : بقالب من العمومية والتجريد الشكليين

كما بدا لي واثقا من . قصات المداعبة يقترب أحيانا من ع،وخزا ذهنيا عابرا إذ على ،ر األخطار عليهبمن أك وهذا ، يلعب بورق مضمونالنجاح وهو

عوامل المخرج إلى عدم قادت هذه ال. فنان دائما أن يلعب وكأنه سيخسرال

-٥٨-

وإلى رسم حركة ، الفن فيهةصلحمشطب ما كان يجب أن يشطب من النص ل وصل إلى بطء في اإليقاع العام .. وبالتالي،معقدة من أجل خدمة المضمون

. إخالال بتوازن العمل- التي أشرنا إليها - زادته العوامل األخرى ،للعرض يعيد علينا ما نعرفه؟ أليس فهل مهمة المسرح الوحيدة هي أن،وبعد

والمجتمع أهم من الفرد؟،العام فيه أهم من الخاص ،ختالف في المناهج الفنية فحسبالأال ترون معي أنها ليست مسألة ا

تدخل في صلب التأثير الفكري للعمل؟ وال ننسى أخيرا أن التأثير العام الوإنما المسرح ليس قراءة . للعرض على المتفرج الذكي هو سر المسرح وجوهره

إنه حياة ، جريئة حول واقع أو رمز ما وليس عرض أفكار،لنص فحسب يكون الجمهور قد حضر طيلة أنوال يهمنا. ، فتثير وتؤثرجديدة تولد أمامنا

فهذا في حد ذاته فهم ركيك -» كيف تشتم الحكومة« ليرى العروضمدة. جيدا يمسه بعمق أن يأتي الجمهور ليشهد عمال وإنما يهمنا-ومهزوز

والعمل الذي ال ينقل تأثيره الفني المتالئم والمنسجم مع مضمونه إلى السلم كله دفعة واحدة يقع تماما كالرجل الذي يريد أن يصعد .. يقع.. الجمهور

فإنه هو الذي يقع حتى على أكثر الساللم سهولة ،لألسف الشديد. دون أن يقع .وأمانا

* * *

-٥٩-

قي إمساعيلصد

بني صدق التاريخ » أيام سلمون«

وصدق الفن املسرحي

»سورية -دمشق املسرح القومي «

قوة مسيطرة وقوة : هناك قوتان تتصارعان. عالمسرح فن الصرا كما ،ا بانتصار الخير على الشرمإوينتهي الصراع في كل مسرحية . مدافعة

كما في ، في آن واحدشرلا باستشهاد الخير ومصرع و أ،في الكوميديا .غياب الصراع يعني غياب المسرح الحقيقي وتأثيره. التراجيديا

ولم يكن ، ناقدا وأديبا يتسم بالصدق واإلنسانيةكان صدقي إسماعيل نظلم إننا. بل كان يعمل بصمت وتفرد،يحمل كغيره لواء التبجحات الكبيرة

تماما كما نظلمه عندما نقلل ،هصدقي إسماعيل إذ نمنحه أكثر مما أراده لنفس. وكان صوتا أدبيا متميزا، فهو رجل جعل من الصدق قضية،من أهميته

. لكنه لم يكن كاتبا مسرحيا قط، كان صدقي رجل أدب،أجلحقا بدقة الناقد صنفها م» أيام سلمون«وصدقي إسماعيل عندما كتب

ه لم يعتبرها نأ أي ،»قصة تاريخية في حوار مسرحي«ها الموضوعي على أن الخاص بالمسرح »الموقف األدبي« ولكنها لكونها قد نشرت في عدد ،مسرحا

عنصرها - فالحوار،ليست مسرحية فعال» أيام سلمون«. اعتبرت كذلكأساس المسرح وهو ،الصراعإن . حوار غير مسرحي- المسرحي الوحيد

. غائب هنا، جماهيريا أم تجريبيا،حواريا كان أم إيمائيا

-٦٠-

» األحذية «،»سقوط الجمرة الثالثة«: في مسرحيات صدقي األربعأديبا إسماعيل كان صدقي ،»أيام سلمون « وتجاوزا،»عمار يبحث عن أبيه«

وتضيع من يده ،يجرب الكتابة للمسرح ويتوه على ساللمه وفي دهاليزهاء عندما كما ضاعت من يد أسالفه العرب القدم،خطوط الصراع المختلفة

ابتعدت مصادر حياتهم وطبيعتهم ومعتقداتهم عن ذلك الصراع القدري أو . فاكتفوا بالشعر والمالحم،النفسي

بأفضل إسماعيل لن يمكننا التعبير عن هذا النقص في مسرح صدقي التي » الموقف األدبي«مما كتبه علي عقلة عرسان في دراسته المنشورة في

:ثالثة الهامةاقتطف منها هذه المقاطع ال يتراءى لنا صدقي إسماعيل وكأنه ال يعرف شيئا ،في بعض األحيان«

وال يمكن شخوصه ، فهو ال يتقن حبك حوادث مسرحياته،عن حرفية المسرحمن الصدام الحي حول موضوع أو هدف بحيث يحقق صدامها والدة ونمو

». وبالتالي روح الدراما،وتصاعد الصراعا في مسرح صدقي إسماعيل ال يسمح هناك نفس سردي عموم«

للشخصيات بأن تتقابل ندا لند على خشبة المسرح فتصنع الحوادث وتمارس لذا تبقى شخوصه أسيرة .. الحياة من خالل تجسيد التناقضات القائمة فيما بينها

وال تستطيع أن تفصح عن ذاتها من خالل سلوك حر خاص بها يمليه ،لهمقومات يعطينا إحساسا بأنها شخوص ال تتمتع بكل وهذا ،تكوينها وتكاملها

».الشخوص المسرحية الحية مفقود بشكله المقبول في مسرح – عصب الدراما –إن الصراع «

وهو ناتج عن تالحم األضداد في مواقف تتكافأ فيها قدرات ،صدقي إسماعيل ،ةحد أو غاية موحدا والتي تلتقي أهدافها في موضوع و،الشخصيات المتضادة

لى ويسعى كل منها للفوز دون غيره بالموضوع المتنافس عليه أو بالحصول إ ».الغاية التي يبتغيها اآلخرون

-٦١-

هذه األضواء على محاوالت صدقي إسماعيل المسرحية تلقي كثيرا من ، ففيها استسلم الكاتب لوحيه وصدقه الفني،»أيام سلمون«الوضوح على

ولكن ، عبر التاريخ بعمق إنساني كبيرر عن الموضوع الذي تراءى لهوعب . وليس مسرحية، فأتى عمله قصة تعتمد الحوار، الفنيدون اكتراث بـالنمط

كاعتماده على التاريخ بشكل ملح،وقد امتد هذا إلى جوانب عديدة في العمل وطول المقاطع ، واعتماده على بطل واحد هو الوالي سنان باشا،وسردي

. بل مستحيلة األداء على المسرح،لها مملةجعيالحوارية إلى حد فسنان باشا ،وقد حاول أيضا أن يسقط الفترة التاريخية على العصر

يشتري من السلطان العثماني أن فقرر ،صنع شيئافريد أراد أن ي شخص بإصالحات جذرية م فيقو، وأن يقيم يوتوبيا من العدل المطلق،والية الشام

ويحد ،في الحكم ويقاسمون الجنود حمل السالحويجعل الفالحين يشاركون ، ويجعل الفقراء ينعمون بالخبز والحرية دون استغالل،من سلطة االنكشاريين

،ويتخلى عن زوجته عندما تحاول أن تتدخل في شؤون الحكم بما ال يرضيه ولكنه في الوقت نفسه ،)أشهر مومس عرفتها دمشق( ويدافع عن سلمون،التي كادت أن توقع الفتنة وتؤلب رجال الدين والشعب ،يقضي على سلطتها

.. تجربة حكم رائعة وعابرة ومستحبة االستمرار، إذن،إنها. على السلطة وأيهما أجدر ،تجربة فيها نزاع فكري وسلطوي بين الدولة وبين البندقية

، ولكنها ال تنتظم في عقد واحد، من اللمسات تمس أيامنا هذهكثير. بالحكم !كم هو صعب أن نعيد كتابة التاريخ و وتظل تاريخا،، بريقها وتأثيرهافتفقد

فماذا نختار؟ ولماذا نختار؟ وكيف نفهمه؟،التاريخ واسع امل طموح جماهيري أكثر منه فنيا،إن طموح أسعد فضة نحو المسرح الش . وهذا ليس في صالحه تماما،طموح يضع المسرح المصري نصب عينيه

استطاع معه أن يخلق ، هذا العمل بإعداد مسرحيةتناول أسعد فضمن المحتمل أن العرض المسرحي قد خان بعض . شيئا مقبوال لمنصة العرض

-٦٢-

ومن المحتمل أنه حجب ،الصدق التاريخي واإلنساني الذي أراده صدقي كما ،الجانب الفكري وبعضا من الجوانب النفسية والدوافع العميقة لسنان باشا

وقد يكون . االنسجام المتناقض بين العاهرة والقديسة في سلمونخفف من ذلكمليء » قصصي«باإلضافة إلى حيرة المخرج أمام نص - األداء التمثيلي

قد أدى إلى تواري صدقي - بوصف وتفاصيل ومالمح يصعب تجسيدها خصوصا مع أسلوب ،إسماعيل في الظل وإرباك المخرج في الوقت نفسه

محاوال تأصيله على ،ذي نحا إليه فضة الفترة األخيرةالمسرح الشامل الغنائه النص مسرحيا إرغم -ولكن األمر الجدير بالتنويه هو أنه . مسرحنا

–القليل األمر ليس ب إذ حوله من الالمسرح إلى المسرح، وهو،عداده هذاإب. واستخدامه خامة غير مسرحية،فهذا ال يبرر ركوبه هذا المركب الصعب

بسطحية غير مثيرة في تاريخ ا هذا الجهد في افتعال صراع المجموعاتلماذ. ال شيءغا على العصر والمكان؟ هو إسقاط الوالي أو سلمون أو اآل ماقديم؟

وإذا كان عيب أسعد فضة المتكرر . إذن،إنه مجرد انبهار شكلي بعمق النص ميزته المشهودة فإن،والقديم هو ابتعاده عن التحليل النقدي والفكري للمسرح

. وحسن اختياره للعمل الذي ينجح،هي حسن توزيعه لألدوار أيام – براويظ –السعد (،لعل هذا هو سبب حرصه في أعماله األخيرة

عبد (، على إدخال عوامل تساعد على نجاح عروضه جماهيريا،)سلمونولكن ). مشاهد اإلغراء والجنس– االستعراضات الراقصة –اللطيف فتحي

وأسعد فضة ،طريق المسرح الشامل يختلف عن طريق المسرح االستعراضي بحيث أصبح يلجأ إلى هذا األسلوب ، على ما يبدو،يحار فكريا بين هذا وذاك

. وليس كضرورة نابعة من صلب العمل المسرحي نفسه،كبدعة أن يصنع مسرحية جماهيرية من خامة ليست ، إذن،حاول المخرج

. المسرح الشامل ال يعني إلغاء المسرح متناسيا أن،كذلك فقد أتى إخراج أسعد فضة لهذا العمل جيدا في دقته وعدم ،مع هذا

، فقد حافظ على خطوط حركة متوازنة توازن النص الذي بين يديه،بهرجته

-٦٣-

كما أوجد حلوال قارب بينها في األهمية واألضواء،وتوازن الشخصيات التي وزادت من جمال ،ي صنعه ببراعة علي الحامضشكلية استغلت الديكور الذ معتمدا على تشكيالت ثنائية أو ثالثية تشكل هرما ،بساطته وهدوء ألوانه

،يقترب ويبتعد األبطال من ذروته حسب ارتفاع وأفول أهميتهم في الحوار .وتصارعهم حول مركز الصدارة في السلطة

شبه ثابتة خالل بل كانت ذات طبيعة ، اإلبهار اإلضاءةلم تحاول وكان ممكنا أن تحقق تأثيرا أفضل يتالءم مع ،مشاهد العرض المختلفة تبرز موهبة أسعد فضة في السيطرة ، كما قلنا،هنا. طبيعة العرض الشامل

التي تتعلق بتفاصيل ،غنائه باللمسات الصغيرةإ و،على الميزانسين المسرحي وقد ساعده على حركته، يترك له حرية االرتجال في فال،حركة الممثل

جانبي المسرح لتغيير ، كعادته، كما استغل.تحقيق ذلك معظم الممثلين .المشاهد بسرعة وذكاء

،إذا كان الفصل األول قد بدأ واستمر بإيقاع معقول في سرعته وحيويته دون أن تنقذه المشاهد ،فإن اإليقاع في الفصل الثاني خفت إلى حد اإلمالل

والتي لم تكن بالكفاية التي تجعل من هذا النص الداخلي ،ميةالعابرة لفرقة أواتضحت الفوارق بين إتقان . »السعد«في معالجته مسرحا شامال كما في

وبين رداءة اإللقاء على وجه العموم عند معظم ممثلي ،إخراج الحركة وأدائهاقائية وعدم إتباعهم قواعد إل،»سلمون«المسرح القومي المشتركين في أيام

كما ساعد هذا على إبراز خطأ . سليمة ومتنوعة تقضي على الرتابة والتكرار وبالدوافع التي وضعها ،مما أخل بالصورة العميقة. آخر هو أحادية األدوار

ولكن إعداد النص جعل كثيرا من مقاطع ،لها المرحوم صدقي إسماعيل . والشخصيات غير مقنعة،الحوار تبدو مبتسرة

أمام عبد اللطيف فال بد لنا من وقفة احترام،ا إلى األداء وصلنطالماهذه المرة بإصرار كبير عن تراث كامل من الكوميديا الذي تخلى ،فتحي

-٦٤-

وهو دور ، واحتفظ بطابع من الوقار واالتزان في دوره كسنان باشا،التجارية وظهرت قدرته كممثل التصق بخشبة. بعيد عن طبيعة أدواره الماضية جميعا

،المسرح عشرات السنوات في السيطرة التامة على حركته الخاصة والعامة .والتزامه بتعليمات المخرج بدقة

لنا مكبلين ومفتعلين وغير هراظولكن أداء فتحي الصوتي وإلقاءه بل خاضعين ألسلوب قديم من اإللقاء المسرحي ،خاضعين النفعال سليم

كان يتحدث فسنان باشا. طقهاغ في ن ويبال،يضغط على األحرف دون مبرر وباألخص ،بنفس النمطية التي يتحدث فيها مع زوجته أو سلمونمع وزرائه كما زاد هذا اإللقاء بحد . اضح بين تلك المواقف مع االختالف الو،مع ابنته

وهبط باإلتقان والسيطرة اللذين ، شعورنا ببطء اإليقاع في الفصل الثانيذاته .في الفصل األولفتحي ف أدهشنا بهما عبد اللطي

فكان ،اض نحاس في دور الراوي رائعا في بساطته وحيويتهيظهر رإنه ممثل غير مؤهل . أكثر شخصيات المسرحية إقناعا بإنسانيته وحقيقته

ولكن يندر أن نجد مثله ممثال ألدوار ،ألدوار األبطال والملوك والفرسانوربما كان . تفهمه ألدواره ببساطته وحسن،بطل العصر.. اإلنسان العادي

من حيث االنسجام » أيام سلمون«رياض نحاس أفضل ممثل ظهر في عرض .والتأثير

في واحد من أنسب فكانت أيضا،»سلمون« في دور أما مها الصالح ، ووفقت في الحفاظ على تنويعات مختلفة للدور، من أصعبهاأدوارها، ولعله

ك اإلحساس المزدوج للعاهرة والقديسةذلرغم أنها لم تصل بنا إلى نهاية .ممتزجين معا

لفت النظر خالل عامين فقط، واحتل بسرعة ممثلعدنان بركات ولكن عدنان بركات ظهر في هذا العرض ، بين ممثلينامكانا بارزا الئقا

وربما ، أال وهو أحادية األداء وتكراره،مهددا بأشد خطر يتعرض له ممثل

-٦٥-

بحيث يبهر دون صدق بقوة شخصيته ،دوار نفسهاأحادية وتكرار األعدنان . عليك بل يمثل، لكلثتكتشف أنه ال يم ولكنك بعد فترة ،وصوته

رعاية تثقيفية وتوجيهية كي تعطي إلى تحتاج بركات خامة مسرحية ممتازة .للمستقبل ممثال مجيدا

،ىوفق سهيل عرفة في وضعه الموسيقى المرافقة والتأثيرات األخر . العرضلىكما كان لحركات فرقة أمية اإليقاعية تأثير إيجابي ع

عرض حاول أن يكون ، عرض جيد لنص غير مسرحي»أيام سلمون« دون أن يتمكن تماما من القضاء على العنصر الذهني ممتعا وجماهيريا

.واألدبي في الحوار الملل أحيانارغم جميع - » لمونأيام س«كم كنا نتمنى رغم كل شيء لو استطاعت

ال تظل مجرد حلم وأ، تحكي عن أيامنانأ -ما بذل فيها من شذرات معاصرة . عن تجربة حكم عابرة ومستحيلة من أغوار التاريخ»يوتوبي«

* * *

٥ م -بقعة ضوء

-٦٦-

-٦٧-

لكسانأجان

كفر قاسم

»سورية -دمشق املسرح القومي «

.. الخشبة: يحتاج إلى تغيير جذري في كل شيءحنا رإن مس«

قال هذه العبارة أو ما أذكر أن الشاعر اآليرلندي ييتس» .والممثلون والنظارةتعودني هذه . يرلندا آنذاكي آيشبهها في معرض نقده للواقع المسرحي القائم فدتني و ولكني ال أذكر أنها عا،العبارة كلما ذهبت إلى المسرح منذ سنوات عدة

لكسان أ عرض المسرح القومي لمسرحية جان بمثل هذا اإللحاح إال وأنا أشهد .خراج محمد الطيبإمن » كفر قاسم«

فإنها ، أن تلعب دورا جديدا١٩٦٧إذا كانت الثقافة مطالبة ما بعد نكسة هي ليست مدعوة ألن . طالبة أيضا بمضاعفة هذا الدور م١٩٧٣بعد حرب

أن األدب العربي ففي رأينا،، بل متابعة لهتكون عودة لما قبل هذا التاريخ وفي ، بقليل١٩٦٧الحديث لم يبدأ مرحلة وعي الذات إال قبيل حزيران

. نبدأ محاكمتنا للمسرحيةهكذا. أعقابهخليط عجيب من المسرحية التسجيلية والميلودراما » كفر قاسم«

تحت –ية دعداث خرجت شديدة الشبه بما تقدمه المدارس اإلي بح،واألوبريتعودة بالمسرح السوري » كفر قاسم« لذا كانت - » يةتمثيلية قوم«اسم

وال يقدم ،وبفرقته األولى إلى اصطالح ومستوى ال يعرفه تاريخ المسرح .عادة إال في أعمال الهواة

-٦٨-

فجان . ال أعتقد أن كال من المؤلف والمخرج راض عن عمل اآلخر. لكسان كان يضع في ذهنه طموح المسرح التسجيلي عندما كتب المسرحيةأإذا ، فقد كانت المهمة ملقاة على عاتق المخرج، ف كان التوفيق قد جانبهإذا

مبتعدا به عما ،بمحمد الطيب يحاول إضفاء بصماته الخاصة على العمل كان ،من هذه الزاوية. رسمه المؤلف من طموحات الشكل المسرحي التسجيلي

.غناء لهإ ولمؤلف بدال من أن يكون احتواءخرج تفريغا لعمل امعمل الالمخرج الفرصة كان النص قاصرا على أن يعطي ،من جهة أخرى تقديم عرض شامل فيه توثيق للقضية الفلسطينية عبر التي يطمح إليها فيوبالتأكيد كان األفضل االكتفاء بالحادثة ذاتها كي ال يصبح (،مجزرة كفر قاسم

).العمل شديد التوضيحية والسذاجةن انتقاء قصاصات جرائد في حبكة غير عال تخرج المسرحية

فمن خالل نقاش نظري بين رئيس تحرير صحيفة ما واحد ،مدروسةل شخصيات تتجمد فجأة هنا ثم من خال،محرريها حول القضية الفلسطينية

منى ( ومن خالل تعليق الراوية ،)سكان عرب ومسؤولون صهاينة( وهناك، الصراع فيما إذا استمد المؤلف نتساءل،هنا. يتركب بناء المسرحية،)واصف

!األساسي من حياته وعمله فالمسرح ة تسجيلية بالمعنى الصحيح ألنقذت،لو كانت المسرحي

واإللحاح على مسألة الشكل في المسرح نصا (،التسجيلي شكل مسرحي قائم والمسرح التسجيلي يعتمد نصا على الشعر ،)وإخراجا ليست هواية مترفة

كما يعتمد عرضا على عناصر التهريج ،)ر فايست بيبحس(، واألغنيات ، ويدخل فيه اإليماء واألجواء الرمزية،وألعاب السيرك والميوزيك هول

.وتشارك فيه الموسيقا واألصوات الغنائية واللوحات الراقصة والكورالوليس استخدام . المباشرة دون فن هي العلة. ليست المباشرة هي العلة

الغناء الملحمي والموسيقا الراقية هما اللذان ،ذا للعرضالغناء وحده منق

-٦٩-

وبريت المدرسية وبين المسرح الشامل أو ذلك هو الفارق بين األ،ينقذانهال شيء ينقذ المسرحية التسجيلية من الجفاف سوى القدرة . المسرح التسجيلي

با وسوى الشاعرية والشمول اللتين تعالج بهما فكرا وأسلو.. على اإلمتاع . الوثائق التي تحتويها

ألننا مقتنعون بما ،كان هناك خليط ال ينقل إلينا فكرا» كفر قاسم«في وال ينقل لنا انفعاال ألنه يعتمد أسلوبا ال إنسانيا في معالجة ،تقوله سلفا

السؤال يظل مطروحا حول عالقتنا نحن بالمسرح . الشخصيات والحدث وهل نحن بحاجة إلى وثائق عن ،لملحمي نفسه بل ربما بالمسرح ا،التسجيلي قضايانا؟

* * *

فمن تصوير العدو بصورة ،يحار المرء ماذا يعالج في هذه المسرحية وهي صورة بعيدة عن خيال المحرر ،كاريكاتيرية ساذجة ملطخا بالدماء

باألخص في أعقاب حرب ، وبعيدة بالتأكيد عن خياالتنا،ورئيس التحرير واكتشف أنه ليس ،ن واجه مقاتلنا المقاتل اإلسرائيلي بشجاعةتشرين حي

.. ويقهر.. قد يخطئ.. بل مجرد شخص مدرب،أسطورة وال وحشا كاسرا بحيث تتناقض مع ، إلى اختيار شخصية المختار كنموذج ثوري،ويموت

كونوا من المسؤولين وال إن الثوريين آنذاك لم ي. الواقع التاريخي في المنطقة ، فالمختار ال يمكن أن يكون ثوريا، بل كانوا بسطاء الناس وفقرائهمهاء،الوج

وأن يكون !! كهالة شوكت» شقراء«تماما كما ال يمكن لزوجته أن تكون !عصرنا» خنافس« السكان العرب من بعض

والطابع ، فهناك فجاجة الموسيقا وعادية الغناء،أما في المساعدات الفنية ،البعيد كل البعد عن بساطة وتجريدية المسرح التسجيليالتلفزيوني للديكور

كما ،فهو يبدو متناقضا بحد ذاته بين التكوينات التكعيبية وبين الخلفية الواقعية .تفتقر جهته اليمنى إلى الجمال والفن

-٧٠-

وإن افتقرت إلى ،ولعل اإلضاءة وحدها قد تميزت بالجودة إلى حد ما فقد افتقد في معظم الحاالت إلى ،كة أما رسم الحر.تركيز بقع الضوء

ه على واعتمد أسلوب المساحات الثابتة المدروسة بدال من اعتماد،الجمالية بل تركهم مقيدين ،ممثليه بالحركةمحمد الطيب لم يغن . العنصر البشري

وأحيانا في حركات بال معنى ،وجها لوجه أمام المشاهد في مواضع مختلفةمن هذا الحصار لطبيعة دورها وللموهبة التي تمتلكها هي الممثلة التي أفلتت

وذلك بحضورها المسرحي المتميز وبساطتها وصدقها الرائعين ،منى واصف . وربما أيضا الستيعابها مسألة األداء الملحمي،على المسرح

ولكن في اتجاه ،جهودا كبيرة بالتأكيدكمخرج لقد بذل محمد الطيب وعاد . ن آماال كبيرة لم تتحقق على منصة العرضلكساأوبذل جان . خاطئ ألن الفرصة لم تتح لهم ،إلى مرحلة تجاوزوها منذ سنوات» القومي«ممثلو

في الوصول إلى مستواهم - رغم خبراتهم العريضة -عبر هذا العمل .الحقيقي

،مسرحية كتبت قبل حرب تشرين» كفر قاسم«بقي أن نعرف أن ). لذلكداعمن وأيضا لم يكن هناك (،تبت بعدهوطوعت لتبدو كأنها قد ك

،ها خرجت دون المستوى المسرحي في النصنورغم أهمية موضوعها إال أ . والنواحي الفنية األخرى، والتمثيل،واإلخراج

شبة أين ضيق خ. وبعيدا جدا.. إن طموح المسرح التسجيلي بدا بعيدا المسرح من اتساع أفق السماء؟

* * *

-٧١-

عمر حجو

مسرح الشوك

من أين؟ وإىل أين؟

كان قنبلة مضيئة تفجرت وسط ،١٩٦٩عندما بدأ مسرح الشوك عام

عظيما ألنه » مسرح الشوك«كان . مهرجان دمشق األول للفنون المسرحية على لم ينتزع اإلعجاب بجرأته. حيكان مفاجأة في عالم الركود المسر

بل استقطب اهتمام رجاالت المسرح ، فحسب السياسي واالجتماعيالصعيدين وتلعب في ، ألنه كان تجربة فنية جديدة تعتمد البساطة والوضوح،ونقاده

في كأن حل معضلة المسرح العربي وبدا لوهلة ،الوقت نفسه دورا اجتماعياوك محط كان مسرح الش. اللقاء بين الكلمة الفنية الصادقة والجماهير قد تحقق

كما بذلت محاوالت عدة ،مؤيدةو وكتبت عنه زوايا شتى مدافعة ،األنظار وبأصوله األكثر قدما في ،لتأصيله وربطه بتراث مسرح الكباريه السياسي

.تاريخ المسرح الشعبي .»عالمكشوف «:كانت مزية مسرح الشوك هي تلك الكلمة البسيطة

إنه مسرح كلمة . ا سر نجاحهوكانت هذه الكلمة والشكل الذي يستتبعها هم الممثل فيه إنسان عادي قد تجده إلى جوارك أو تقف إلى جانبه في وجمهور،

أضعف بعض فنحن نجد أن ، خصائص غير عاديةة ال تميزه أي،ة عامةسيارين بعض غير المشهور و، في سوريةيالممثلين على الصعيد المسرحي التقليد

-٧٢-

منهم أو محترفو شوك ما لم يلقه النجوم منصة ال القوا من النجاح على،منهم مسرح الشوك بحكم نإكما . من قبل في أنماط مسرحية أخرىصنعة التمثيل

، إال بالقدر الذي وال عوامل إبهار مساعدة،طبيعته الفنية ال يحتاج مخرجا حقيقي يجب أن يسهل نقله مقهى ألنه مسرح ، وهو قدر ضئيل،يخدم أهدافه

وهكذا كان ،»مرايا«هكذا كان عرض الشوك األول . نوتنفيذه في أي مكا وبحكم ،لكن مسرح الشوك بحكم المناخ المسرحي الرديء. يجب أن يكون

أضاع جهد ،اهتمام بعض الفنانين بالكسب المادي عوضا عن الكسب الفنيالمسرح عن القيام بدوره هذا حرف ، فانمبدعه األصلي الفنان عمر حجو

أصبح بحكم تمركزه في مسرح قل بين جماهير الناس، فتنالشعبي كامال والية من ستمرار عن طريق المحسنات التحسينمغلق وسط العاصمة مضطرا لال

وسط قطاعات شعبية ه تواجد بدال من االستمرار عن طريق ،صوت وضوء وأصبح لمسرح الشوك وجود ،»جيرك« انبثق عرض ،من هنا. كبيرة

- ال يستطيع أن ينقله ينحرف عنه، بل نمسرحي في العاصمة ال يستطيع أمن » جيرك« كان عرض ،مع ذلك. أينما شاء-كما كان قادرا أن يفعل

فيه من خفة الدم ولذعة ،وجهة النظر الفنية عرضا أخاذا من الكوميديا الراقية ولكنه كان يتحدث عن أشياء أكثر عمومية في حياتنا ،االنتقاد الشيء الكثير

دون ،أزمة األعالم العربيلوزراء إلى أجهزة المخابرات إلى ا من ،اليومية ،وكانت سخريته هذه المرة مقبولة. ن موضوعاته القديمةعأن يتخلى تماما

» الشوك« ولكن مسرح ،تدعو للضحك والسخرية أكثر مما تدعو إلى الثورةح صحي. رغم جميع تحوالته الصغيرة هذه، وظل إيجابيا وفعاال،ظل مستمرا

،نتقاديا عاديااأنه أضاع شيئا ثمينا من روح وجوهر التجربة ليصبح مسرحا جوما معروفين وجذب ن،ولكنه من ناحية أخرى أغنى عرضه بوسائل اإلمتاع

كان ال ،من هنا. ائه منحى أكثر كوميدية وتهكمالعي إلعطكدريد لحام ونهاد قلظروف والمفاهيم وأن يكون على ضوء ا،أن ينجح» جيرك«بد لعرض

. على منصة مسرح مغلق»الشوكمسرح «الجديدة أفضل عروض

-٧٣-

األول، »مسرح الشوك« قصة طريفة على عهد العرض أحب أن أذكر إذ استمرت عروضه خالل ،حين كان في أقصى سخريته االنتقادية

بل وجد ،المهرجان المسرحي األول وبعده دون أن يجد من يعترض سبيله إلى حد أن عددا ،لم يكن مؤلفه ومخرجه عمر حجو يحلم به من التشجيع ما

دون أن ترتفع هراوة شرطي ،من كبار المسؤولين آنذاك حضروا العرضأو يلوح خطر الرقابة أو حتى يتعرض لمؤامرات تغرق جرأة وخطورة

نت تلك وكانح مسرح الشوك تقديرا من الدولة، بل فوجئ الجميع بم،التجربة أتبعتها بهمسة في األذن مطالبة ها لوال أن بها الحكومة،أعظم خطوة تقوم

ن الوسائط والبيروقراطية في بحذف إحدى فقرات العرض التي تتحدث ع أن وأتمنى من القلب، فإن الفقرة قد حذفت،وعلى ما أذكر. )وزير(عمل

وضعناه إال إذا لآلمال، هذا لم يكن مخيبا كللكن .تكون ذاكرتي قد خانتني إلى االنحدار في مهرجان »مسرح الشوك«ت مجموعة األسباب التي قادفي

انحدارا ليس -» براويظ« عندما قدم عرض - دمشق الرابع للفنون المسرحية» مسرح الشوك« ألن ،تهفنيعلى صعيد هو على صعيد جماهيريته، وإنما

ي ف وأصبحت الكوميديا التي يقدمها تنم عن ترد،دوره جزء من عنتخلىيضاف . يالمسرحالنمط عن سوء فهم شكلي لطبيعة هذا فضال،الذوق العامبالبساطة بعده في المضمون عن معالجة هموم الناس وقضاياهم إلى هذا

ذنب من هو؟ ذنب عمر حجو . المسؤوليةتسعتهنا . والصراحة التي بدأ بهاكمؤلف؟ أم ذنب أسعد فضة كمخرج يتصدى ألول مرة لمعالجة عرض من

السلطة قد أحاطته خفية مما أدى نإهذا النوع؟ أم ترى هو ذنب الممثلين؟ أم إلى تراجعه وفساده؟

وكما ونجح، كما بدأ »مسرح الشوك« وتوظيف الظاهرة هي سوء فهم التساؤالت التي ، فتكمن في أجوبة جميعأما أسبابها. كان لزاما عليه أن يستمر

هموم الناس ل التصدين واالبتعاد به م فكلها تكاتفت على إحباطه،طرحناها كما جاء ،وما دونها) الحمير(بهم إلى مرتبة اليومية إلى انتقاد الناس والنزول

-٧٤-

يدين الضحية وينسى » مسرح الشوك «هكذا صار. في عرضه الثالث همبعضللذمة تؤهل ينسى الرجعية واستخدام الدين كوثيقة براءة ..األسباب

أمراض بعض أجهزة السلطة ووقوعها في وينسى،الستغالل الناسولم تنفع .أصبح إدانة للناس» مسرح الشوك «نأ أي ،البيروقراطية والتعسف

طلحت حمدي : منهم (ضاءة واالستعانة بمثلين معروفين،جميع أالعيب اإل خلق التأثير الذي كانت تفعله الكلمة الصادقة السهلة في في ،)وعدنان بركات

بحيث ، عن المسرحبعاد الجمهور الواعيإفي التغيير ك بل زاد ذل،الناسالطريف في األمر . في نظر اآلخرين مجرد ترفيه وترويح عن النفساعتبر إلى ةاجعاش على بقايا سمعته الماضية، ولم يكن في ح» مسرح الشوك«أن

،إنه مسرح بسيط. وال إلخراج بالمعنى األكاديمي للكلمة،مخرج كأسعد فضة فقد بعض المميزات التي بدأ ورغم أن عمر حجو. احه في بساطتهيكمن نج

هي ما ساعد في هذا فإن العوامل األخرى ، وتحول إلى التجريد والتعميم،بهاة أن ينتزع منا ضحكة صادق» براويظ « ولم يستطع عرض، لهالتردي ومهد

ثة ألن السخرية فيه كانت قد بلغت أسوأ مستوياتها بين العروض الثال،واحدة تركت تأثيرها في نإ و- فهي ،واتسمت بفجاجة الذوق الفني حتى في االنتقاد

رغم بالتهكم على المسرح الحديث أو الموسيقا العالمية أو أي شيء آخر في بخفة دم تفوق أضعاف» يركج«فقد فعلت ذلك في -سذاجة الطرح

الذي مولم تستطع جهود الممثلين أن تمحو ذلك النخر المنتظ. »براويظ«» مسرح الشوك«زاد الطين بلة تعرض . كأصبح يدب في عظام مسرح الشو

بل وتعرض ،لالنتقاد بطريقة خاطئة تتهمه بأنه مجرد تهجم على السلطة ألن الصحة ،كل هذا خطأ. للهجوم ألسباب شخصية بعيدة عن روح الفن

تلك . قدرته على أن ينبه ويلدغ ببراءةفي و،»الشوكمسرح «تكمن في جرأة .بدأ انحداره. .بدأ يفتقدهاحين هي الصفات التي

* * *

-٧٥-

استمرار ناجح للشوك... »ناحموتسا ال«

) دمشق-فرقة املسرح املعاصر (

التي قدمت،» فرقة محترف دمشق للمسرح« من المعروف أن ،»فرقة المسرح المعاصر« و،»أنت يللي قتلت الوحش «مسرحية علي سالم

فرقة «ا على أنقاض ت قد نشأ،»وناال تسامح«ضها األول عرلتي قدمتا إال أن ،إذا كانت ظاهرة انتشار الفرق الخاصة قد أصبحت شائعة. »المسرح

لتتيح المجال لفرق ،النزعة التجارية التي تغلب عليها تقتصر على بعضها فقط . المستقلتينجادة كهاتين الفرقتين

فرقة «مستوى طموحهما ما سعت إليه لكن الواضح أيضا أنهما لم تبلغا في حفلة « مسرحيته ومن خالل،من خالل بيانات سعد اهللا ونوس المسرحية» المسرح. ا من وجهات نظرم بغض النظر عن موافقتنا أو اختالفنا مع ما جاء فيه،»سمر

عالقة ممتع وذي، طليعي، وطموحا لشيء جاد،كلتا الفرقتين تعتبران طموحاالتي ال يمكن - ولكن معاصرته هذه ،هذا طموح جميل. ي وهمومهباإلنسان العربفرقة المسرح «تقدم . نفسه الطموح أقل بكثير مما يفترضه- فهمها إال فنيا

هذا .بشكل كوميدي ممتع معاصرة لها عالقة بمشاكل الناس مسرحيات» المعاصرد من فهل حققت المقصو. ولكن هذه الفرقة فنيا لم تطرح أي جديد،صحيح

التي نالت ،»مسرح الشوك«ها أتت استمرارا لتجربة نإ. المعاصرة؟ نشك في ذلكوسخريته » الشوك« وهي قد أضافت إلى متعة ،صدى كبيرا على المستوى العربي

تعدتب بينما ا،من فن المسرحيةبالتالي، اقتربت . الحبكة الدراميةبراعة الالذعة

-٧٦-

نحن نفترض أن المسؤوليات ملقاة . و المقهى مسرح الكباريه السياسي أقليال عنعلى عاتق بعض الفنانين المخلصين والمبدعين أكثر مما نفترضه في العاديين

ويكون حرصنا على نظافة إنتاجهم ، لذلك تكون مطالبتنا لهم باألفضل،منهم» ال تسامحونا«إلى وصل فيصل الياسري وعالء كوكش . وروعة الخلق فيه كبيرا

» جزيرة اهللا «قدم الياسري. طويلة خاضها كل منهما في الوسط الفنيبعد رحلة ،في التلفزيون» قوس قزح«و» حكاية تلفزيونية« و،في المسرح» الرابع«والفيل يا «و» حفلة سمر«أخرج للمسرح ، فشعالء كوكأما . في السينما» الرجل«و

مذكرات «ثل ت الطويلة م ولمع في التلفزيون من خالل المسلسال،»ملك الزمانلذا، . هذه التجربة معايخوضان وها هما .وغيرها» حارة القصر«و» حرامي

خرجت هذه التجربة عمال ممتعا للغاية ال يخلو من الفن الذي يعتمد على نص » السكرتيرة الخاصة«. هناك فقرتان من المسرح السوفييتي المعاصر (،مدروس

من ويعتمد على ممثلين ،)نعن يوري يوري» شو هالمسرح «،وسبينسكيأعن ناجي –رضوان عقيلي (،جددمن ال و،) لينا باتع–سليم كالس (،قدامىالكفاء األ

إخراج مدروس بعناية بحيث يخدم النكتة المكتوبة بإيجاز ى وعل،)جبر وغيرهم بل يسعى إلى تصوير شخصيات ، دون أن يلجأ إلى التهريج وال إلى االفتعال،ودقة

–السكرتيرة الخاصة (،تمدا على كوميديا الموقف والسلوك مع،حقيقية بصدق ). شو هالتوعية– شو هالمسرح – رحلة فنية –شوها الصحافة

مجموعة متفاهمة من » المسرح المعاصر«المجموعة التي تضمها فرقة بحيث ال نرى مبررا لمعالجة ، رغم بعض التفاوت في أداء ممثليها،العناصر

برز من . ما نتوقعه منهإذ بذل الجميع جهدا مقبوال وأدى ، على حدة منهاكل فأدى مجموع أدواره بإتقان معقول خطا واثقة ناجي جبر،الوجوه الشابة وب، أما مفاجأة الفرقة. ا إلى حدود اإلبداع، رغم أنه لم يصل بهوحيوية كبيرة

الجار ( ، الذي قدم لنا بأستاذية مدهشة عددا من الشخصيات، عدنان حبالفكان وقد بلغ في،) المخرج– المدير – المسؤول اإلداري – سكرتير التحرير –

نتهازي في أقصى مراحل إتقانه لدور المسؤول اإلداري اال) رحلة فنية (لوحة

-٧٧-

ستانسالفسكي بشكل منهج بل ،ي متبعا أسلوب المسرح الروس،مؤسسة فنيةيشة نفسية تعتمد في إدراك ومعايشة الممثل للشخصية المسرحية معا،خاص

واالعتماد على الجوهر اإلنساني ،على التركيز واالنتباه واسترخاء العضالتظله على ب هذا الدور ألقى. اقعي في اإلضحاك دون مبالغات أو حذلقةالو

عدنان حبال عن أسلوبه بينما انحرف،)كالجار والمدير (،الشخصيات األخرىعتقد أنه أصبح أ و،)شو هالمسرح(لوحة المجموعة نحو االفتعال في هذا مع

فال تجمعها وحدة ،واضحا أن المقاطع نفسها تتراوح في أساليب بنائها الفني) رحلة فنية(لوحة فبينما كسبت . وتتفاوت في مستوياتها تماما كالممثلين،واحدة

معالجة مسألة واردة في مجتمعنا نفسه الوقت ، وفي أكبر حظ في إمتاع الجمهور في أن تكون محبوكة دراميا بشكل )السكرتيرة الخاصة(لوحة ونجحت ،الوظيفي في كسب تصفيق الجمهور بسبب نقدها )شو هالتوعية( ونجحت لوحة ،ناضج

شو ( نجد أن لوحتي ،السياسي الالذع الذي يبدو واضحا أنه دائما ورقة رابحة إذ لجأت ، بعيدتان عن اإلقناع مسرحيا وواقعيا)شو هالمسرح(و) هالصحافة

غير وارد موقفى منهما إلى أسلوب كالمي، واتخذت موضوعها من األول ولجأت الثانية . على الرغم من جميع مثالبها وارتجالها،أصال في صحافتنا الفنية

ألنه يصعب جدا ،إلى مبالغات كاريكاتيرية وقع فيها الممثلون جميعا بشكل حتمي .إتباع منهجين مختلفين في عرض واحديجب ، وموهبة عالء الدين كوكش الفنية،إن طموح فيصل الياسري وثقافته

اتهما تتيح لهما التعاون لخلق ي إمكاننإ إذ ،»ال تسامحونا«أال تنتهيا عند عرض بل وتتيح لهما ذلك في مجال ، أشبه بالمختبر،تجريبيوجديد ،مسرح طليعي

أما ما . الذي شاهدناهالشديد فال يمتنع الناس عن اإلقبال ،الكوميديا بشكل خاصكل . إلى بعيد ولكنه ال ينظر ، بل وناجح، فهو مسرح ممتع جدا وناقد جداقدماه

خوفنا على هذه المجموعة اللطيفة المتعاونة من الفنانين أن تظل تنظر إلى أرنبة . فال ترى الشمس المشرقة من بعيد،أنفها ضاحكة

-٧٨-

مصطفى احلالج

ريزدنداحتفال ليلي خاص ل

»سورية -دمشق املسرح القومي «

بل يعم جميع اإلمبراطوريات الظالمة في ،دريزدناالحتفال ليس خاصا ب

وجميع الصروح التي بنتها آلة الحرب والدمار من أجل السيطرة ،تاريخ اإلنسانيةه ريمون كارتييه في كتاب وإنما كما يصفه،واالحتفال ليس ألعابا نارية. واالستغالل

هو وسط ٦٥٠,٠٠٠كان هدف القنابل المحرقة الـ «: »الحرب العالمية الثانية« بما اشتمل ، المثلث الذي يغطي الحي التاريخي بكامله، وعلى سبيل الدقة،المدينة

أما الذين اعتصموا ... عليه من شوارع ضيقة وبيوت قديمة ذات عوارض خشبيةزفت . النيران فقد ابتلعهم خضم،وا منها وأما الذين خرج. فقد ماتوا خنقا،بالمالجئ

اشتعلت جماعة غفيرة من الناس ،»التماركت«وفي ساحة . قالشوارع نفسه احتريها الغرق فرارا من والذ مئات األشخاص بمياه األلب يطلبون ف،ما تشتعل الغابةك

ويتابع كارتييه في وصف الصورة البشعة التي انتهت إليها ».عذاب النار ويعتبر ،شخص) ١٣٥,٠٠٠( إذ يقدر عدد الضحايا بـ ،رية الحربإمبراطو بما في ذلك قصف ، يفوق كل ما عرفته الحرب العالمية الثانيةدريزدنقصف .هيروشيما إنها آخر معقل ، في كل عصر وزماندريزدن الحالج هي كل دريزدنإن

الحالج ليس ومع هذا ف. ويدنسون صورة السالم،لهؤالء الذين يشنون حربا ضاريةحرب .. ب هي حرب نبيلة إن الحرب ضد الحر،ضد الحرب بشتى أنواعها

-٧٩-

ال ،حرب فردريك.. لقد كانت حربهم«: كما تقول جيني العاملةإنها،. ضرورية . تلك الحرب ال بد أن يحارب ضدها من الداخل والخارج».هنريتش

كثفها -صية شخ) ١٦( فجمع ،اختار المؤلف لمسرحيته موقفا دراميا مكثفاتمثل مختلف القطاعات في قبو للخمور خالل القصف - ١٣المخرج في إعداده إلى

، إلى ضباط جيش هتلر، فمن صاحب المصنع الرأسمالي،دريزدنالذي تعرضت له كل هؤالء يمرون . العجوز والساقي والعمال و إلى المهندس،إلى أستاذ الدراسات

ويصبح حوار . لكل منهم ردة فعل مختلفةولكن. واحدة هي تجربة الموتةبتجربوتسد منافذ . دريزدنالحوار األخير ل.. القبو هو حوار المدينة المدمرة في تلك اآلونة

. ويحكم على تلك المجموعة بالموت، ويصبح القبو قبرا،القبو جميعاالمكونة من » الشرذمة من الرعاع« وإذا بتلك ،عندئذ تسقط جميع األقنعة

هؤالء العمال الذين ،ميليا وهينريش وجيني هي األقوىأربعة كارل والعمال األا بذلك صك فمهرو،يندمون ألنهم سكتوا ولم يثوروا على اإلمبراطورية الغاشمة

كلهم ساهموا ببناء اإلمبراطورية النازية ، تعم الجميعإذن، المسؤولية. إعدامهملذي يصنعه المستغلون ويصبح من الواضح والحتمي أن الشر ا،بنسب متفاوتة

،الرأسماليون وضباط النازية القديمة والجديدة سوف يؤدي إلى دمارهم هم أنفسهم ، إلى قديسة حقيقية- كما كانوا يسمونها محتقرين- »الداعرة«ميليا أوتتحول

.عذوبة األنثى وحكمة اآللهة ،ويتكشف فيها ضياء اإلنسانية الرائع وكأنها رمز للضحية ،لى صدرها نادمينيلجأ اآلخرون مطأطئي الرؤوس إ

. والتي تمنحهم في لحظة الفناء بركاتها ببراءة،التي صنعتها مطامحهم الدموية يعتمد على تفسير ،عمل درامي متين البنيان» مصطفى الحالج«مسرحية

. من خالل موقف حاد وحار في مواجهة الموت، وليس على تحليلها،الشخصيات ،د بالحرب العدوانية التي شنتها ألمانيا وتشنها إسرائيل اليومهي مسرحية كتبت لتند

ألن النهاية قد تأتي في ،وتنادي بالعمل ألجل السالم حتى عن طريق الكفاح المسلح .لحظة ال ينفع فيها الندم

-٨٠-

إنها تبدأ . وكثير من اللمسات اإلنسانية المتألقة،مسرحية فيها كثير من الشعر التي ة، لكنها تملك أيضا عيوب مسرح الحالج،يكيمن أصول المسرح الكالس

وهي اإلطالة واإلسهاب إلى ،»الدراويش يبحثون عن الحقيقة«تظهر لنا أيضا في والمباشرة أحيانا في التعبير عن األفكار،ة في صياغة الحوار واألسلب، التكرارحد ،

ا رؤية المؤلف ويفرض عليه..مما يقطع تسلسل رؤية الشخصيات لواقعها ولنفسها .من الخارج

أن المسرحية تنتمي فال ننس، عن عدم االقتناعاإذا كان النقد الرئيسي ناجم . الواقعية ال،إلى المدرسة التعبيرية

* * *

» دريزدناحتفال ليلي خاص ل«أتى عرض المسرح القومي لمسرحية خالل فترة انلقد استطاع المخرج علي عقلة عرس. مفاجأة سارة في موسم بارد

بل ربما أفضل ،تدريبات قصيرة أن يقدم واحدا من أفضل أعماله على المسرح وأن يصل بنص الحالج،حتى اليوم لكاتب محلي» المسرح القومي«عرض قدمه

أكد على دراميتها إعداداحية ر المسوقد أعد عرسان. ى درجة تركيزه الدراميإلكسبها أ ف، وحجب عنها ميلودراميتها،رية واحتفظ لها بمميزاتها الشع،وحرارتها

فدمج ،كما حافظ على التفسير األساسي الذي يلهمه النص للقارئ. اإلقناع والحياة بل ، وتل أبيبدريزدن مبررا تلك العالقة الداخلية بين ،مفهوم النازية بالصهيونية

ا إلى حد مكسبا الحدث التاريخي عبرة عميقة وإيحاء مشرق،بين كل األمم الباغية وكانت ،لقد دفعت مدن ألمانيا الحساب«: وكما يقول. التفاؤل بنهاية المعتدين

ولوالها الجتاح ،الحرب التي شنها الحلفاء ضد النازية حربا عادلة ومشروعة ندم العمال األلمان وإن«: ويتابع». وحكموه بالدم والحديد والنار،النازيون العالم

».ت الوقت ال يعفيهم من المسؤولية وبعد فواوغيرهم في أثناء المحنةهو تخليه الجديد في إخراج علي عقلة عرسان لهذه المسرحيةإن -

آلية عن و، عن كثير من تصنع التشكيالت وجمودها-خصوصا في الفصل األول

-٨١-

بشكل واسع لحيوية وعفوية في إفساح المجال.. وبالتالي،الحركة عند الممثلينكبل كواهلهم ويلنا القومي التخلص مما يثقع معهما نجوم مسرحستطاا ،األداء على الصعيدين الفردي فإذا بهم هذه المرة يظهرون تفوقا وانسجاما،أقدامهم

ها أكثر المرات التي أجدهم منسجمين فيها بروح الفريق نإ بل أكاد أقول ،والجماعيا على جمال قد أثر سلبررهم من ربقة التشكيل وقد يخيل للمرء أن تح. الواحدلكن الحقيقة أن جمال المسرح يبرز أكثر وأعمق من خالل مثول ،العرض

من الداخل ينفرد على المخرج ظل. ، وليس على السطحالمخرج في العمق يفقد ..ظل المخرج أمامه على المنصة لهذا فعندما يلمح المتفرج الذكي ،المسرحية

. المخرج بخيوط يشهد دمى يحركها ذلك اهتمامه وحماسته بالعمل ويدرك أنه ، في هذا العمل أن يتخلى عن ميكانيكية العمل نحو حرية اإلبداعاستطاع عرسان

وفي ،إذا كانت هناك نقاط تلفت االهتمام في إعداد العمل. دون سعي نحو التزيين وخلق التشكيالت ، وفي استخدام المستويات المتعددة،إتقان إضاءته وجودتها

، كمايسترو بارع أن يسيطر على مجموع فرقته فقد استطاع عرسان،سقةالمتنا ، أن يتجنب أي عثرة بالغة تعلق بالذهن،)بما في ذلك الديكور والتمثيل واإلضاءة(

:من هذه الهنات. جها إلى هنات بسيطة هنا وهناكفيصبح االنتقاد موثر على ا أ، بم وإهمال األيسر،إغناء الطرف األيمن من المسرح بالحركة •

هنة أخرى أتت مع برود اإليقاع في الفصل الثاني إلى . توازن المنصة فصل ..وإن كان من المحتم على الفصل الثاني. حد يبعث على الملل

شاعة الملل في فإن هذا ال يعني إ،ا وجموداء أن يكون أكثر بط..الموت . المسرحصفوف المتفرجين، ألنه الخطر األساسي في

بينما ،صل الثاني يستعرض الممثلون عضالتهم واحدا تلو اآلخرفي الف •كاتهم إال بقليل من ردود ال تكتسي مالمحهم وحر،يظل الباقون جامدين

. الفعل

.ال يخلو رسم الحركة من بعض االفتعال أحيانا •

٦ م -بقعة ضوء

-٨٢-

ساد التقارب واالنسجام الممثلين بحيث تصعببالنسبة لألداء التمثيلي، كانت. التي وصلت إليها عن جدارة، في القمةظلت منى واصف. همالمفاضلة بين

بتنوع مشاعره - ألن دورها ،أخصها بهذا. ومعبرةمقنعة ،بسيطة ،واثقة وألن جميع ،هو أصعب دور في المسرحية -الداخلية وعالقة اآلخرين به

. دير أو صيغتين على أكبر تق،ا صيغة ثابتة طوال العملمإاألدوار األخرى تأخذ كما أبدت .ة أمامناحيمحبة كانت ، داعرة وقديسة،إنسانة وفكرة) ميلياأ(لقد كانت

جديرة باالحترام و ومها الصالح قدرة مشابهة ،ثراء دبسيممثلتا المسرح القومي .أيضا بكل ما بذلتاه من جهد وموهبة وحيوية

قا التي من الموسي،لعبت العناصر التأثيرية المساعدة دورها بشكل جيدإلى ،ساعدت على إضفاء منحى تعبيري على المسرحيةاختارها حسين نازك، و

وحبذا لو كان أكثر ، الذي اتسم بمستويات عديدة وألوان هادئةديكور نيرة ثابت، . كأن توضع براميل حقيقية ويخفف وضوح األلوان،واقعية

سحة من ساعد على إضفاء م دورها بإتقان– كما أشرنا –لعبت اإلضاءة . دون بهرجة أو مبالغة،لعرضى ال عالجمال والتركيز الدرامي

تلك هي واحدة من المرات القالئل التي شعرت فيها بالفخر وأنا أشهد عمال . دون افتعال وال صراخ،تتكامل عناصره وتتعاون من أجل خلق إبداع وفن جيدين

ر في وإن كان قد قص. بسيطا وجميال، عمال مركزا»المسرح القومي«لقد قدم ن النص المكتوب فإن هذا هو الفارق الحتمي بي،توصيل جميع ما قاله المؤلف

أنه قدم وجهة نظر خاصة بعرسان، وليست يكفي المخرج. والعرض المسرحي .فقطمصطفى الحالج والمؤلف دريزدنبخاصة

* * *

-٨٣-

ممدوح عدوان

حماكمة الرجل الذي مل حيارب

»فرقة فتحمع - دمشق-املسرح اجلامعي فرقة «

المتهمون –المخاض (،هي أول عمل بين مسرحيات عدوان الثالث األولى

يقدمه أول عرض هنأ كما ، يرتقي إلى خشبة المسرح،)ومسرحيتنا األنفة الذكر .المخرج بسام العيد في سورية

ر مسرحية ممدوح عدوان مسرحية سياسية ساخرة تعتمد على استدرا تدور في عصور إنها. سته من خالل التنكيت السياسيتصفيق الجمهور وحما

تتحدث - وبشكل يجعل الرمز فجا -لكنها . الخالفة وتتحدث عن غزو هوالكومن خالل محاكمة ها وخلفياتها المعاصرة وتحمل أبعاد،١٩٦٧عن نكسة عام لوكه ويتقاذفه كل بينما ي، موضوع في قفص وممنوع عليه الكالم،رجل لم يحارب

عبة كبيرة مكشوفة قمتها وهما كما يبدو قاعدة ل،من النائب العام ومحامي الدفاع ،كله من خالل هذا .لحكم جاهزا في جيبه بحق المتهمالقاضي النائم الذي يحمل ا

أمام المشاهد عن طريق االستعادة شهود التي تتجسد في لوحات مغربةشهادة الو يتقصى ممدوح عدوان أسباب امتناع الرجل عن ، داخل المسرحالذهنية أو المسرح

ألنه ، إنه لم يحارب ألنه كان جائعا.ما إذا كان هو الوحيد الذي امتنع وفي،الحرب وألنه يعاني قهرا في وطنه يجعله يعجز عن مواجهة أعين الرجال ،لم يتدرب جيدا

وأن الذين يجيدون ، يحاربوسرعان ما نكتشف أنه ليس الوحيد الذي لم .في القتال . حمل السالح خسروا المعركة دون قتال أو بسبب األوامر

-٨٤-

والمحكمة العوراء تنتقل ، تحت أقدام التتار رقعة والبالد تطير رقعة،أخيراإلى الوراء بجميع طاقمها وبالشاة المقيدة في قفص كما قيد اإلنسان الفلسطيني

ر حاجب المحكمة أن يفرج عن المتهم ليرفعا يقر،السنين الماضيةفي وجر به وتحية تعيد رإنها مس. ألن هذا هو الحل الوحيد،سيفيهما معا ويقاتال حتى النهاية . األوطانداخلفي من الداخل وأسباب النكسة إلى قهر اإلنسان

لكن ، طبقات من الشحم قد تكون كل واحدة منها مغرية وحدهاتعلو النصأما مشاهد ). مهما كان شكلها (،ة البناء الدرامي للمسرحيةتراكمها ال يخدم رشاق

رغم أنها تطرح أمورا إنسانية و. هي كثيرة ومربكة للمخرج ف،االستعادة الذهنية إلى برود ، مما أدى إال أنها تظل جزئيات ال تلتحم تماما بالمحور،عميقة وهامة

إن ما يدور . حركة النص منذ منتصف الفصل األول وحتى نهايته بشكل خاصلكن . يمة هي ما حاول أن يعرضه عليناداخل ذهن عدوان من أسباب للهز

الصراع بين الرمز والحياة لدى كل من الشخصيات األساسية يجعل إنسانيتها .تضيع وما تنطق به من عبارات مؤثرة أحيانا غير مقنع

. ةهيئة المحكم، وبما يتعلق ب)المتهم(أقول هذا بما يخص أبو الشكر أما ما بقي فهي ، الزوجة والحاجب علىتالشخصيات المقنعة إنسانيا اقتصر

.وسيلة وليست غاية.. أصداء لتقديم فكرة ماه تقنية جديدة على مسرحنا تضيف خطوة إلى ما قدمتقدم مسرحية عدوان

لكنها تظل من ،»رأس المملوك جابرمغامرة «و» حفلة سمر«سعد اهللا ونوس في وألنها ، وليس من اإلحساس، تنطلق من األفكار، ألنها تركيبية،مسرحأسهل أنواع ال

إذا كانت سخريتها سوداء . اجئة كالطلقة لكي تثير الجمهورأيضا تعتمد النكتة المف طالما أجزاء ، فألن الموضوع السياسي الذي اتخذته يدعو لذلك، بل وجارحة،وسلبية

القهر داخل ىن العربي بوجه عام يلق وطالما أن اإلنسا،من الوطن ما تزال مغتصبة مثل ،حتى الشخصيات الثانوية. ويحاول أن يتنسم شيئا اسمه الحرية،حدود وطنه

الشائعة والقائمة على تمثل نوعا من السلبية،)أبو سليم وعبد اهللا بن عبد ربه( .الخاطئ» األرض وال العرض« أو على مفهوم ،المفاخرة الكاذبة

-٨٥-

ثم يصوغه ،ي أنه يحول اإلحساس الصادق إلى فكرإن مشكلة عدوان ه. حا دون انفعال وجداني وإنساني صادقه يصوغ من الفكر مسرنإ أو ،مسرحيا

التي الرائدة تظل واحدة من أبرز النصوص » محاكمة الرجل الذي يحارب«لكن أفضل ما كتب عدوان للمسرح ، هي منبالتأكيد، وظهرت في المسرح السوري

. ، تضع األصبع على الجرح بل ألجل قتامتها الالذعة، مع قتامتها، إنها.حتى اآلنلقد أحببت هذه المسرحية لعفويتها وجرأتها في طرح . كلنا مسؤولون.فلنتألم قليال . ولصدق كاتبها،تلمس الجراحل و،األمور

إلى جانب جرأته - األمر الذي يشهد لممدوح عدوان بالموهبة الحقةإن هو أننا نكاد ال نلمح فيه آثار الشاعر - وتكنيكه الحديث والجيدوطرافة حواره

بل يحاول ، يظل مقيدا بشكل إبداعه األساسيه النإ أي ،الذي يكتب للمسرح قسرا .تلمس النواحي التقنية للفن الجديد الذي يمارسه

،قدمت المسرحية ألول مرة في مهرجان الجامعة المسرحي مع ممثلين هواة ونالت النجاح ، حينئذ المخرج الشاب بسام العيد كأول عمل له في القطرجهاأخرو

كما القى ممثلوها التشجيع لكونهم هواة موهوبين في المقام ،كنص في المقام األول .الثاني

لكنها تحتاج إلى تحريك النص من خالل ،المسرحية ليست صعبة اإلخراج، فضال عن اإليماء والكاريكاتيراللعب بأسلوب األداء التمثيلي واالعتماد على

ذلك ألن النص يفرض هذا البرود الملحوظ ،اللعب بالمؤثرات الضوئية والصوتية –القاضي ( هم ،في الحركة من خالل جمود خمسة أشخاص خالل مشاهد عديدة

لذا أتى إخراج الفصل األول وكأن المخرج ). والمتهم- الحاجب -النائب المحامي حتى ، بدأ الفصل الثاني منذ دخول الزوجةنإولكن ما . العرضغائب تماما عن

مخرج لكنه ك. سم حركة المشاهد المختلفةبدا جهد بسام العيد واضحا وجيدا في ر فأخذ كل ، على توجيه أسلوب األداء في عرضه- وهذا ما يدهشني -لم يعمل

منه مع أسهل مع الهواةو رغم أن هذا التالؤم يبد،ممثل يلعب على هواه .المحترفين

-٨٦-

ظل معتمدا على أسس تلقائية دعت ، و دون المطلوبظل األداء عموماإن الجامعة ال تخلو من مواهب . وهذا سيء للغاية،بعض الممثلين إلى االرتجال

وإذا وضعنا في اعتبارنا وجوب . لسيطرة وتوجيه وتعبإلى الكنها تحتاج ، حقيقية لوجدنا أن اإلضاءة لم تلعب إال ،رضه المسرحيسيطرة المخرج التامة على كل ع

مما زاد من نقص جمالية التكوين ،دورا ضعيفا وغير منتظم في المسرحية بينما كان لها أن تلعب أهم دور في تلوين مشاهد االستعادة الذهنية ،والحركة من النص .. حيث تضافرت جميع العناصر،وقد تحسنت في الفصل الثاني. وتنويعها . على إعادة ما افتقده المتفرج منذ أواسط الفصل األول..ى اإلخراج والمؤثراتوحت

الحركة مكانيةإبسبب من افتقاد النص ( باهتا،يظل إخراج هذه المسرحية فقد نجح بسام ، وإذا كان اإلخراج قد اقتصر على تدريب الممثل الهاوي،)ربما

ح في اللعب بالممثل عموما لكنه لم ينج، العيد مع بعض الموهوبين ممن ذكرت ولم ، يضحك للنكتةكان الجمهور. النص كوميدية وسخريةلجعل العرض يوازي

. ما في العمل هو النص بالتأكيدبرزأ كان ، من هنا.يضحك أبدا للنكتة الممثلة فيها نإ إذ ، يقدم أعماال قليلة العدد من حيث العناصرنأتمنى لو حاول بسام العيد أ

. يثبت قدرته كمخرجوحدها ما

:عرض فرقة فتحالمسرحية من جديد في مهرجان دمشق الرابع للفنون المسرحية وهاهي

ج من ويخرجها مخرج شاب أيضا تخر،المسرحية» فرقة فتح«تقدم باسم كما يلعب . هو حسن عويتي،حية ناجحةربلغاريا وأخرج للمسرح القومي مس

. هو خليل طافش،لتمثيل العالي بمصربطولتها شاب آخر من خريجي معهد ا فماذا كان مصير العرض ومدى نجاحه؟

لكن المالحظ ،ال أود أن أعقد مقارنة بين عرض الجامعة وعرض فتح بدا واضحا على الثاني ،أنه بينما تميز العرض األول ببحثه عن مسرح فقير

-٨٧-

ها الصحيح الكلمة عن مسارةضاعإ تعلقه بالزخرف والبهرجة التقنية إلى حد، .وانحدر حتى بمستوى الكوميديا إلى نوع من التهريج المفتعل

لمحمود دياب » اضبطوا الساعات«النجاح الذي حققه حسن عويتي في ر المشاهد ابهإ ولم ينجح في ،تدهور في عمل تعس الحظ هو هذه المسرحية

ن كل عنصر في عرضه ورغم أ. جميع الوسائل التي لجأ إليهامن رغم الب ، واإلضاءة تؤدي دورها جيدا،فالحركة المسرحية حيوية: ن مكتمالكا

ولم يصل ، لكن االنسجام في العرض لم يتحقق،وتأثيرات الصوت ممتازة بل أصبح كل هذا الشكل والجهد التقني بهرجة ،بالكلمة إلى مآلها عند المتفرج

نص ن، إالغريب في األمر. تخون النص أكثر مما تخدمه،لها مبررليس حي وممثل ر مسإلى ذوق وإنما يحتاج ،ممدوح عدوان ليس بهذه الصعوبة

. أكثر من حاجته إلى كل هذه االرتباكاتذكي، رغم احترافه – )أبي الشكر(وزاد الطين بلة محاولة بطل المسرحية

التزام خط ال يحيد عنه من األداء الواقعي الهادئ –وجودة إلقائه الواضحة فكان في موقفه مخال بأسلوب ا األساسية غير واقعية،ية تركيبتهفي مسرح

ميلودراميا في ء أدا أداه تماما كما أخل به أحمد خنسا عندما–التمثيل العام خالال في عرض مليء بالبهرجة إأشد بدا هنا بل –عرض الجامعة

.والالمعقول الذي تركه ممدوح ،كما وقع المخرج في لبس تفسير شكل مسرحيته

متفرجو الصالة وهل يجري الحدث في محكمة حقيقية ترى، : وان غامضاعدد في خيال هيئة تجسما هي سوى فالمشاهد التي نراها .. وبالتالي،هم روادها

األمر ببساطة هو لعبة هلالمحكمة من خالل حوارهم مع الشهود؟ أم مسرحية معلنة صراحة للمشاهد تقدم فيها محاكمة رجل لم يحارب؟

** *

-٨٨-

-٨٩-

علي عقلة عرسان

اءــالغرب

» سورية- دمشق املسرح القومي «

ال أن جتعل احلياة على ،إن املسألة هي«

» . عل املسرح حيياجت بل أن ،املسرح جان كوكتو

مسرحية ، من تأليف وإخراج علي عقلة عرسان،»الغرباء«مسرحية - تمرار لما بدأه الكاتب إنها اس. ويصعب الحديث عنها،تدفع إلى الحيرة

إذ ،لكنه. من عرض تاريخي للقضية الفلسطينية» الفلسطينيات«المخرج في ،مع ذلك . فقد سعى لكتابة الثانية بطابع درامي،كتب األولى بطابع تسجيلي بل ألنها طراز واضح ، ال ألنها صعبة أو مبهمة،تظل المسرحية محيرة للناقد

ال تمثل، لكنها في رأينا،ادة وهدفها كبيرإنها مسرحية ج .جدا من المسرح .المسرح

المسرح هو دراما . كثيف ومركز ، شيء مضيء،المسرح شيء آخر بحيث يستثير المشاعر ويدفع ،نساني المرهف والمقنع في آن معاالصراع اإل

المسرح يبعث في روح المشاهد متعة خفية إن كان .العقل إلى التفكير والتأمل .إنه يكشف وينور. أو عن طريق الضحك، والشفقةعن طريق الخوف

-٩٠-

وعلي عقلة عرسان (،رغم جميع طموحاتها الجادة» الغرباء«مسرحية ساعات ٣ فعرضها يستمر ،حية غير ممتعةر مس،)جاد دائما في كل أعماله

. وبشكل تقليدي إلى حد بعيد،ليقول ما هو معروف تماما ومفهوم تماما هون العرض دون أن يدري هل أحب المسرحية أم يخرج المرء مبالتالي،

ولكني بالتأكيد خرجت من المسرحية ، ولن أسجل جوابا على هذه النقطة!ضدها وهذه الظاهرة البسيطة جدا هامة جدا ،دون رغبة في أن أشاهدها مرة أخرى

.أي مسرح.. على المسرح، ال شخصي،بالنسبة لي في إصدار حكم عام

: السهلةالغرباء والرموزعرض علينا كامال من خالل قصة غرباء تاريخ القضية الفلسطينية ي

ثم ما لبثوا أن استطالوا في ، واستوطنوها،زرعوا فيها الفتن، أتوا إلى قريةحكمهم وتحكمهم إلى أن هبت القرية المستسلمة تدافع بالسالح عن حريتها

اليهودية وحتى معارك تعرض المسألة منذ الهجرة، إذن،المسرحية. وسالمها فتركب كل قضية ، وال تهمل كل ما جرى بينهما من أحداث هامة،تشرين

الدخول في فهل وفقت؟ إن .عامة على مسألة فردية لتنقل الوثائق إلى دراماالدراما تعتمد االختيار إن . أمر غير مقبول درامياجميع التفاصيل الحديثة

.واالختزال المسرحية ظلت في العيب البارز هو أن كان،»الفلسطينيات«في حاول ،هذه المرة. من خالل قضية خاصة أحداثهاعرض ولم ت،العموميات

لم . ، فبنى حبكة درامية من قصة قريةعرسان أن يتخلص من العيب المذكور بل ، لم يتحقق على المسرح،اإلنساني والحي ، ألن الخاص،يكن الحل موفقا

بال دمى.. المخرج–مى تحركها وتنطقها إرادة المؤلفدظل ما شاهدناه مجرد تجهز الرغبة السياسية في قول كل األشياء دفعة واحدة ،ومرة أخرى. حياة

وأحيانا عبر (، فإذا بنا أمام سلسلة من الحبكات والصراعات،على فن المسرح

-٩١-

واألسوأ من ذلك أنها ،لكن كل هذه التفاصيل باهتة وغير مقنعة ،)حوار ذكي ،ذلك ألنها تروي حكاية مركبة في رموز هشة ،ائما متوقعة من قبل المتفرجد

، ال تخرج عن المعهود فيما يقال حتى في الكتب المدرسية،أحادية التفسير .ال تخرج عن التقليدية في فن العرض المسرحيكما

نجده ، مسرحي فني نص إلىعندما ينقل علي عقلة عرسان أفكاره تدهش ، فيفاجئنا بعد حين الهث األنفاس بتفاصيل منسية،اهروظاليغرق في

وتختلط ،ه المؤلف هو عكس ما يضمرهالمتفرج ألنه يكتشف أن ما يظهر .األمور إلى حد كبير

الذي هبطت فيه على جميع ، في الفصل الثاني من المسرحية هذاتأكديإنها هبطت بل قد أقول أيضا، من النص إلى األداء إلى اإلخراج..المستوياتبرز هذا العيب بشكل خاص في أدوار . الفكر أيضا من حيثفي نهايتها .)سعيد( وبسام أبو غزالة )المختار(عدنان بركات ، )يوسف(يوسف حنا

فمسرحيته غنية ومألى ،أساس المسرح وهو الصراععرسان لم ينس من ألنه ال يحمل أي طابع واقعي ، لكن هذا الصراع ال يثيرنا،بالصراع

وأعني بالواقع ،)رغم أن األحداث التاريخية حدثت على خارطة الواقع (،جهة كما ، القرية التي كان ممكنا أن تتحقق من خالل جو،هنا المدرسة الواقعية

.خليقا بكاتب كمحمود ديابكان وهو (، ألنه ال يحمل أيضا أي طابع شعري،كما أن الصراع ال يثيرنا

،الرمز هنا مسطح إلى حد السذاجة). جيديات الممتازة في كل التراما نجده كانوا يعرفون قصص ما يشاهدون اإلغريقصحيح أن . والنتيجة سهلة التنبؤ

لكن المعالجة كانت تثري الموضوع كل مرة وتمنحه أبعادا ،من مسرحيات . في الوقت نفسها أكثر شموال وإيهام،جديدة

مسبق على الرؤيا ،كما يبدو ، فالفكر أصال ،يختلف األمر ،هنا . وبكامل الوعي والتخطيط، فجرت محاولة لتفصيلها على قياسه،الدرامية

-٩٢-

ال ، فالحدث الحقيقي اإلنساني يظل من البداية يحلق في آفاق الرمز،لذا ويصر المؤلف على ذلك في اللجوء إلى وسائل غير درامية أحيانا كي .الواقع

.يسوق لنا فكرة سياسية ما نجد معالجة المسرحية عبارة عن ، على صعيد الفكر السياسيحتى

ة دون تركيز على البعد ألنه يتلمس جوانبها المختلف،عرض مسطح لألشياءدعم ويغني البعد الفكري وهو ما كان يمكن أن ي،العميق ألحداثهااإلنساني ا نحن ال ننسى م،السذاجة ليست العلة التي أدت إلى مأساة فلسطين. والعام

وعن طبقة األثرياء ،ت المالاغواءإ وعن ،يقوله التاريخ عن الخيانة حينا وليس ساذجا فحسب في ،كان لهم دور رجعي تماماممن والتجار وغيرهم

.القضيةمسار ،لقد حاول عرسان تدارك ذلك الهث األنفاس في الفصل الثاني

إلى قيادة ثم ما لبثت أن سارعت ،فاضطربت شخصية المختار بين يديه .كيف؟ لست أدري. حركة التحرير

أشرار تماما فهم ، كشخصيات مسطحةاملهمعي ، نجدهحتى الغرباء طالما أن المسرحية - إن اإلدانة األساسية لهم. ومخادعون إلى حد أسطوري

تعتمد األفكار والرموز بشكل مباشر من وراء ستار الحدث الدرامي للواقع مارسن وأن فتياتهم تلبسن التنانير القصيرة وت، هي أنهم يرقصون- الشفاف

لهم عيوب أخرى عديدة في ، للغرباءبالطبع !يةالجنس مع شباب القر ولكنها نادرا ما ترتفع إلى مصاف التحليل السياسي والنفسي ،المسرحية

هم المسؤولون نإ فيكاد عرسان أن يقول لنا ،أما أهل القرية. للشخصية الصهيونية .حدهم تحمل جميع التبعاتو -بالتالي - وعليهم ،جرى لهموحدهم عما أكثر تماسكا، على أية حال، المسرحية فصليالفصل األول منبدا

، فقد بدأ بتقديم شخصيات،وإقناعا من الفصل الثاني بكثير تركيزاوعرض قدوم الغرباء بشكل موضوعي إنه ي. بل تتصارع،وشخصيات تتحاور

-٩٣-

. ء من اإلثارة المسرحية الناجحة يعرض تصرفاتهم بشي كما بدأ،إلى حد ماكان ممكنا للمسرحية أن تنتهي تماما مع الفصل األول نهاية أكثر نجاحا

ون أن ولكن المؤلف لم يشأ إال أن يطيلها ليعرض بقية التاريخ د. وإيحاء الفصل األول كان فصال جيدا نإيمكننا القول . يفسره بشكل جديد أو عميق

.لى وجه اإلجمالعقد تمتعت ف، اضطراب مشاهد الحوار الثنائية في الفصل الثانيرغم

لها من قبل المؤلف قد مهد ولو كان، العبارةبأسلوبية جيدة ومركزة من حيث على الصعيد اإلنساني،أن يحدد بوضوح موقفه من الشخصياتواستطاع

بل -أسف بكل - لبلغت ذروة من التوفيق لم تصلها ،وليس الرمزي فقط .لهثت على سفوحها بشكل يدعو للرثاء

:العرض المسرحيفقد أغنى إخراج علي عقله عرسان ،أما من ناحية العرض المسرحي

خصوصا في - واستطاعار المنهج التقليدي الذي عمل فيه، ضمن إطهنص ، أن يجعل الحركة تدب في أرجاء المسرح بعفوية وحرارة- الفصل األول

.ة في الوقت نفسهجماليالالتكوينات بتفاصيل مهتما يرتفع مستواه عند ،كان اإلخراج يسير في خطه البياني مع النص

استغل عرسان المجموعات الكبيرة . ويهبط عند مقاطع الرداءة،مقاطع الجودة وخلق لنا على المسرح ، الطبيعيةائهاتفاصيل أد كما اهتم بد،إلى أقصى ح

بينما جعل أولئك الذين ،وقاس بشكل حاد فيها الخطوط حركة دائبة تتعارض ،لذا. يتحركون في خطوط دائرية لينة- كالمختار –يقفون موقفا وسطا

تظل علة . شكل المسرحية اإلخراجي أتى متوافقا مع محتواهانإيمكننا القول سيرية من أية رؤية جمالية أو تفغالباحرمها أن يخرج المرء مسرحيته، ألنه ي

ضطرنا للحكم بأشد موازين القسوة على لتالي ي وبا،خارجة عما أراده كمؤلف . ألنه يشكل كال متكامال،العمل الذي نشاهده

-٩٤-

أن يثبتوا طاقات ،)الشباب هذه المرة (،استطاع ممثلو المسرح القوميولوال المالحظات األساسية التي . وبرز بعضهم بشكل متألق وملحوظ،جيدة

كمجموعة في لجوئهم إلى المبالغة في األداء والتصنع في اإللقاء تحيط بهم نشهد للمرة األولى عموما إجماعا في نا نإ لقلنا ،والحركات الزائدة التفصيلية

اسكندر مثل (، أكثر عصبية مما يجب حينالقد كان الممثلون. األداء الجيدانوا أكثر نمطية مما أو كالممجوجة،لميلودراما اأساليب فلجؤوا إلى ،)عزيزفيما (مفتعل فلجؤوا إلى اإللقاء المتصنع الممطوط ال،)يوسف حنامثل ( ،يجب

مثل بسام أبو (، أو كانوا هائمين في فهمهم ألدوارهم،)عدا المشاهد األولىأما . )عدنان بركاتمثل ( كانوا يؤدون دورهم بمفهوم مسطح، أو،)غزالة

رهف ال بد وأن نتوقف عنده قليال، ألني م فتمتع بأداء نفس،عبد اهللا عباسي. يانا إلى حد فائق وملفت للنظر لكنه ينجح أح،عبد اهللا عباسي ال ينجح دائما

أعتقد أن السبب هو محاولته للحفاظ على جو نفسي مبدع في العرض المسرحي هنا، وجدته . كان يفلت من بين يديه أحيانا األمر الذي ،على منهج ستانسالفسكي

الذي جعل ، مستفيدا من لحظات الصمت بالتعبير المستمر الحي والهادئ،تألقامكان . مته وحركته وإيماءاته المختلفةالسكون يدب في أرجاء الصالة مع ص

لكنه يكشف ، ساذجإنه. الوحيد تقريبا الذي امتأل دوره بالغنى النفسي والتطور، فيمر بتجربة اليأس،د ذراعه ثم يفق، فيقاتل،عةي ويدرك أبعاد الخد،الحقيقة

دور إنساني بارز ومتكامل من هذا . يقاتل حتى االستشهادوينهض من جديد ل لكن عرسان لم يهتم به بحيث يصبح الدور ،يعلق بالذهنف ،التأليف وحتى التمثيل

. وعامل الربط األساسي فيها،المحوري في المسرحيةعن الحداثة واالستفادة وبعيدا ، تلفزيونيا مرة أخرىبدا الديكور

ن الديكور الذي ، إفي رأيي. المسرحية الرمزية من معطيات الفن التشكيلي . ألنه ال يحققها إال بنسبة ضعيفة،يتلمس الواقعية على المسرح يفشل

لكنها ليست ،إلى النور مسرحية جادة ومرهقة» الغرباء«لقد خرجت .مكن أن ينور الجمهور ويمتعه بحيث ي،المسرح كما نفهمه ونحبه فكرا وشكال

* * *

-٩٥-

سعد ا ونوس

حزيران٥حفلة مسر من أجل

» دمشق- فرقة املسرح«

:مسرح اليسار السياسي

هي أهم مسرحية ظهرت عقب » حزيران٥حفلة سمر من أجل «لعل هي عمل يستفيد بآن واحد من أسلوب لويجي و ،١٩٦٧هزيمة حزيران

الليلة «يد من مسرحيتيه وعلى وجه التحد،)اخل المسرحالمسرح د(بيرانديللو ومن المسرح التسجيلي الذي ،»ست شخصيات تبحث عن مؤلف«و» نرتجل

عبر فيها لي،)١(» صادا–مارا «فايس مؤلف يتزعمه اليوم في العالم بيتريجيب على جميع األسئلة التي تتبادر إلى ذهننا ونوس عن هموم الهزيمة و

لة لها كيف صنع سعد اهللا ونوس ذلك؟ المسأف. محاور شتىحول أسبابها مندم عمال مسرحيا عن حزيران نحن في مسرح يق. واقعي ورمزي: ناعدب

الذي يشير إلى – المسرح فوق. ، ويحضر العرض عدد من الرسميين١٩٦٧ككرة الثلج وهي نراها ، نرى قضية مصيرية تتعرى- أبعاد أكبر من حجمه أن يقدم قصة الهزيمة كمهزلة يريد المخرج. ا وكبراخمتنحدر فتزداد تض

اضطهاد «: عنوان فايس الكامل هو. استعار ونوس من فايس حتى أسلوب العنوان )١(

واغتيال جان بول مارا كما قدمته فرقة تمثيل مصحة شارنتون تحت إشراف السير حزيران يشترك فيها ٥حفلة سمر من أجل «: هوعنوان ونوس الكامل. »دي صاد

.»الجمهور والتاريخ والرسميون وباإلضافة إليهم ممثلون محترفون

-٩٦-

وعندما يثور المتفرجون ويطردونه ليقولوا كلمتهم هم ،تعتمد التزييففي اللحظة وفجأة - نرى ،ويناقشوا من هزيمتهم األسباب والنتائج الحقيقية

كما منعتهم من قبل عندما أتت - كيف تقفز قوى القمع فتمنعهم- الحاسمة، ومن ثم المشاركة في من ممارسة حقهم في التعبير والفهم- الفعللحظةقد تكون جرأة هذه المسرحية في التعرض لسياسة اإليهام والكبت . النضال

خصوصا وأنها منعت من العرض ،هي أحد األسباب التي صنعت شهرتهالكن ذلك من جهة أخرى أدى ببعضهم إلى إساءة ،)١(طيلة سنوات ثالث

وخافت ، فرحبت بها جماعات على أنها إحدى أصوات الثورة المضادة،تفسيرهاورغم هذه . منها جماعات على اعتبار أنها طعنة موجهة إلى القوى التقدمية

. غير ذلك» حزيران٥حفلة سمر من أجل « كانت ،العوامل الجانبية أراد لها كاتبها أن تكون عمال تقدميا يحرض ويحض »حفلة سمر«

ساخرة ،أراد لها أن تكون صرخة سياسية جريئة.. من الثورةعلى مزيد ما الذي أغنى تلك الصرخة وجعل من ،لكن. بقدر ما هي مفجعة،متوجعةو

لفني الذي يحطم الجدران األربعة في مباشرتها فنا طليعيا رفيعا؟ أهو الشكل ا ،والصالة أو يبنيها بناءا جديدا يضم الخشبة ، واحدجدارآن واحد بدال من

الجرأة في طرح أمور افتقدنا سماعها طويال؟ هي والمتفرج؟ أم ترى الممثل التحريض أم التنفيس؟ : ظهورهاوماذا كان التأثير والدافع من تقديمها متأخرة عن

ة تتشبث بموقف واضح حير فهي مس،يظل اإلخالص» حفلة سمر«أهم ما في اسي القائم على اإلحباط والقمع في حر أمام ضغوط األحداث العامة والبناء السي

.ية واعية وواعدة لمسرح اليسار السياسيا إنها بد.عديد من األقطار العربية بل ،لم تعالج الحدث السياسي الواقعي بتسجيلية محضة» حفلة سمر«

تنويع والمسرحية ضمن أعمال سعد اهللا ونوس. وجسدتها،بحثت في مسبباته

كما ،في أثناء منع عرض المسرحية في سورية عرضت في لبنان بأداء ممثلين سوريين) ١( . في فرنسا١٩٧٢ وأشيع أنها ستقدم خالل عام ،قدمها المسرح السوداني في عرض آخر

-٩٧-

،يه الخوف هنا ليس مفهوما سطحيا مباشراسمما أ. جديد على لحن الخوف» الفيل يا ملك الزمان« وحتى في معالجة ،»مأساة بائع الدبس الفقير«كما في أي ما يتضمن ، معناه الديالكتيكي،بمعناه األشمل» الخوف«لكنه ،البارعة

،األمر ال يقتصر على مضمون المسرحية. وهو الشجاعة.. النقيض أيضا ،لقد عبر ونوس عن موقف تقدمي دون ريب. ذاتها كبناء فنيوإنما عليها ب

وإنما ،لكن ما يلفت نظر الجميع وإعجابهم بالمسرحية ليس تقدميتها فحسب وثانيهما ،وتهكمها على أساليبها المزيفة» الدعائية«أولهما بعدها عن : أمران

ضية االنطالق من واقع هذه األمة وآالمها للتحدث عن أخطر القضايا وهي قالحرية والمسؤولية في أي ،الحرية وقضية المسؤولية تجاه أحداث الوطن

،»حفلة سمر«استطاعت . والهزيمة في الداخل والخارج ،الداخل والخارج

وتطرح التساؤالت الخطیرة حول ما كان وما یجب ، أن تمس صلب أزمتنا،فعال

فیھا جمیع ما ،وھي تنتھي من دون حل جاھز نھایة مأساویة ساخرة. أن یكون

لكن الغریب فیھا أنھا حاربت الخطابة . واقعنا من تبریر وتزییف وإحباطفي

! ن والیسار في آن واحدی وأنھا عالجت واقع أمتنا بطریقة تبناھا الیم،بالخطابة

فالعوامل التي أدت ،لقد كان للزمن أثر مخرب في ھذه المسرحیة بشكل عمیقالتي أدت إلى انحرافھا عن نفسھا العوامل نجاحھا الجماھیري والفني ھي ى لإ

دعونا ، قبل ذلك،لكنو. أھدافھا الواضحة نحو النقیض على ھذین الصعیدین

مة المضمون مع الشكل وبناء دراما ءمالفي نستعرض محاولة ونوس الناجحة

.جدلیة في المسرح العربي

:أسس لبناء دراما جدليةمحلي هو عدم فهم طبيعة فن إن أكبر النواقص وأخطرها في المسرح ال

ذلك الجهل الذي يقود إما إلى مسرح تجاري رخيص يفتقد المالمح ،الدراما وتلجأ إلى ، وإما إلى محاوالت تفتعل التجديد عن ضعف،األصيلة الجادة

٧ م -بقعة ضوء

-٩٨-

. )١(مسرحيطابعها الة والرمز واللغة حتى تفقد شكليالالذهنية واإلغراق في وفي ،أن تعي تجربة المسرح األصليةإن انطالقة أي مسرح ناشئ يجب

وبذلك عليها أن –اعتقادي أنها شرط أساسي ومسبق على الظاهرة المسرحية ومن خالل ذلك تضع أسسا ،تدرس تكنيك الدراما التقليدية بل والميلودراما

أحد أفرعه التي تنضوي تحت لواء » حفلة سمر« أجد في ،لمسرح حديث ، المسرح أن يحتمل صعوبة التجربة ومزالقها على،إذن. »الدراما الجدلية«

على . تشع هنا وهناك ثم تنطفئ، التيوأال يقفز قفزات مفاجئة كاألضواءالمسرح المحلي أن يلتفت إلى التراث الشعبي في نفس الوقت الذي يتحتم عليه

ليس . فيه أن يعي تماما أبعاد التجربة المسرحية العالمية وأحد اتجاهاتها فزمن توفيق الحكيم ،»هواية تجريب«كالمي هذا أن القضية هي المقصود بالقضية على وجه التحديد هي . قضية استيراد شكلتها ليسنإ كما ،لن يتكرر

– نقديا قبل كل شيء –استيعاب شكل أو أشكال تنطلق من فهم أسس الدراما في أعمال ستصبح وتتكاثر ويكون لها ، رغم عثرات البداية،وتطبيقها

مجرد ، وليس إلى لترحيب الجماهيري حتى تتحول إلى ظاهرة مسرحيةاهذا ما كان بالنسبة لنماذج مسرحية مشابهة في أرضيتها . تجارب في المسرح

وعلى وجه التحديد عند ، والسياسية واالقتصادية لمجتمعنا العربيةاالجتماعي ،ثيا لوركاغارفريدريكو والكاتب االسباني ،الكاتب االيرلندي شون أوكيزي

لعله أصبح . وعند عديد جدا من كتاب دول العالم الثالث في أفريقيا وآسيايتوجب علينا قبل التردي في مزيد من الضياع أن نعود إلى األصول البدائية

لدينا عديد من األمثلة على المسرح التجاري ومعظمها يدور في فلك الكوميديا ) ١(

أما النموذج . »مسرح القهوة«و» فرقة المسرح الحر« محمود جبر مسرحيا: الفودفيليةعبد المعطي تأليف » القمر والشياطين«الثاني فسأذكر نصوصا حديثة كنماذج عنه

بعض مسرحيات ،غسان ماهر الجزائريأليف ت» عالم واسع فسيح اإلرجاء «،سويد أي ،)theatrical(فهي ترجمة لكلمة » طابع مسرحي«أما كلمة . و الهيجاءبنواف أ

.مالئمة النص ألن يكون عرضا مسرحيا ممتعا وناجحا

-٩٩-

نه قد أصبح الزما أن ننظر إأي . وإلى التقاليد والبديهيات المسرحية،القديمة وإلى ، وإلى التراجيديا اليونانية،بعمق وتفحص إلى مسرح الشرق األقصى

كما أصبح الزما . مع وعي معاصر لتراثنا الشعبي،المسارح الشعبية األصيلة التي شابت تاريخ تعااأن نحذف كل المغالطات واالنحرافات والصر

لة سمر من أجل حف« نتساءل هل فعلت ،بعد هذه المقدمات الطويلة. المسرح تقف على ذات أن ولكنها مع ذلك حاولت ، ليس تماماكل ذلك؟» حزيران٥

. وأن تحصل على النتائج المطلوبة ذاتها،األرض الصلبة التي نادينا بها بعد درامي متماسك نحو مسرح طليعي، قفزة ذات »حفلة سمر«كانت

ثم ،خطر أن تكون ضوءا يشع قليال: وكان للتجربة خطرها الكبير بالطبع تكون عظمتها نكنت أخشى في البداية أ. أسسبال .. ألنه بال تيار،ينطفئ

، من التريث قبل إطالق األحكامدب وكان ال ،كامنة في أنها تجربة جديدة يتيمةلكن سعد اهللا ونوس كان أكثر ذكاء وخبرة من معظم من سبقه من كتاب

إذ عاد ليستلهم التراث : نقديا وفنيا وأكثر وعيا ألهداف مسرحه،المسرح السوري ستترك أثرا بارزا في بناء ،قيمتهاني مع مسرحه نظرة نقدية ال شك في يبو

فكانت ،»الفيل يا ملك الزمان«كتب ونوس . ظاهرة المسرح السوري الحديثدعمها فيما بعد بنص أكثر تكامال مع منطلقات مسرحه وأهدافه هو بارقة أمل

عدد مسرحيات ( التي نشرت في مجلة المعرفة ،»مغامرة رأس المملوك جابر«وزارة الثقافة، وفي الكتاب الثالث من المكتبة المسرحية الصادرة عن ،)جديدة

يعبر ونوس عن هاجسه اإلبداعي . املولكنها حجبت عن العرض لمدة عام ك : قائالوتصوره لدور الكاتب المسرحي بشكل عام ضمن هذه الظروف السائدة

التالؤم البد أن يكون إن أي موقف يحاول الخروج من خدر الكذبة و«مراجعة داخلية قاسية تكشف انعكاسات أجهزة التخدير على تكوينه الداخلي،

)١(».وعلى تشوهاته في الداخل والخارج

هكذا يتكلم ١٩٦٩ – ١٢عدد » الطليعة القاهرية« سعد اهللا ونوس، شهادات واقعية، )١( .ي الوطن العربياألدباء الشباب ف

-١٠٠-

يقاعات التأثيرية للدراما نفس اإل، رغم طليعيتها،»حفلة سمر«تحمل ألحرى على كيفية أو با،فهل نلقي معا نظرة جديدة على المضمون. العظيمة

معالجة المضمون؟في أنها صراع درامي بين مجموعة في المسرحية أن تلخص يمكن

عبر سؤال تبحث عن هويتها،)أصبحت تحل محل البطل التراجيدي (،الصالةها وضياعها الذي أدى إلى الهزيمة عبر سؤال وعن سبب إحباط» من نحن؟«تجسدة على هذه المجموعة الحقيقية تناضل ضد قوى التزييف الم»ولماذا؟«

ضد قدر لم إن نضال المجموعة هو . المسرح في مجموعة فنانين زائفينالهزيمة . قبل الهزيمة يوجد السؤال«: تصنعه لها السماء، وال العدو وحده

وعن المسؤولية، عن والسؤال هو عن الهوية» ،تنفض عنه الغبار ال أكثر نحن هل«. وعن خنق تلك الحرية في لحظة المواجهةحرية الفعليتساءل أحدهم، وينمو تركيب آخر يشير إلى أن هذه ليست » موجودون؟: وإنما هي في األصوات التي أحبطتهم قائلة عبر مكبرات الصوت،القضية

،نقدر عواطفكم، ولكنكم تسهلون مهمة أعداء الشعب والمتآمرين على النظامء مذياعاتكم وعودوا إلى بيوتكم وتابعوا من ورا» ،الحرب ليست من شؤونكم«

.بطوالت جيشنا الباسل. وسالت بنا الشوارع.. «: بعاد القضيةأبكلمات قليلة يلخص ونوس يريدون أن الذين ال..يريدون أن يغتصبوا آالف من الناس البسطاء الذين ال

ماذا تطلبون؟.. هتاف وجيز وبسيط.يزدادوا فقرا ومذلة .»السالح: المجموعة

وسبب جوهري لها، فاللصوص عددهم ،قضية الظلم أساس في الإن كانت تلك حرب الجماهير . كبير، وحماة اللصوص أكثر عددا من اللصوص

وتمنينا جميعا أن نكون ذلك الذي . ذات األبعاد الواسعة ضد شتى أنواع الظلمإنه . وعن الجنود يختلف..يلبس ثيابا خضراء كالجنود يحمل بندقية، لكنه ال

-١٠١-

ليمارس ، بحثا عن الكرامة اإلنسانية وعن الحرية، إذن،صراع ضد الخوف ويخترق الحجب التي تفرض جهله وفقره، ،الشعب دوره في تحمل المسؤولية

تنفذ إليها الشمس ولو مرة تنس أن للمصلحة الوطنية سجونا ال ال«.. لكنإن بقية القصة هي في محاولة . تلك هي الحقيقة المرة» .واحدة في العام

عندما «: يدرك المتحدثون أنه حيث ال،ير والتزييف الملحقة بالهزيمةالتبر ».يهة، ينبغي أال يتكلم اإلنسانتكون رائحة الفم كر

مقولة .. سؤال وجواب.. هناك دائما تقابل جدلي،في هذه المسرحيةونقيض، دون أن يحول ذلك من اتصال أجزاء المسرحية ببعضها وترابطها

نابعا من طبيعتها بها، شكال دراميا خاصا » حفلة سمر «من هنا تأخذ. الوثيقهناك اتساق شديد االنسجام بين الشكل . تتصاعد حدته تدريجيا،الخاصة

محض بحيث يصعب فصلهما، فالعالقة بينهما أيضا عالقة ،والمضمون .جدلية

تحوي كل مرحلة منها ،»حفلة سمر«هناك ثالث مراحل أساسية في . »التركيب«مقولة ونقيض يلعب تكنيك المسرحية بينهما دور : ينيقاعين جدليإ

هناك دافع كالسؤال يستثير نتيجة كالجواب، ثم يقودنا برفق ،في كل مرحلةبناء معماري دقيق إنه : واستثارة إلى المرحلة التالية، مستمرا حتى الخاتمة

يأتي عن طيط نقدي مسبق بقدر ما خه يأتي عند ونوس عن توصعب ال أظن أنإنه انعكاس للمادية التاريخية على الخلق اإلبداعي، تجعل لهذه . حس حدسي أصيل

.المسرحية شرف الريادة الماركسية في شكل المسرح العربي وبنائه المعماري

:في المرحلة األولىمحاولة لتقديم عرض مسرحي مفتعل يزيف حقائق المجتمع : المقولة

.والهزيمة .مؤلف عبد الغني الشاعر رفض االشتراك في اللعبةمحاولة ال: التركيب

-١٠٢-

ظهور متفرجين حقيقيين عانوا الهزيمة والنزوح فعال، : النقيض .جهل والهمال، الفقروطرحهم للخلفية الواقعية للمأساة المتمثلة في اإل

:في المرحلة الثانية . ومطالبة من نزح بالصمود والوعي،التساؤل عن سبب النزوح: المقولة

–المتفرجون «الفيتناميون يناضلون بأسلوب آخر كما يردد : تركيبال .٦ – ٥- ٤ – ٣خصوصا أدوار » الممثلون

هل نحن : هوية وبال فهم سياسي، والسؤال البكوننا : النقيض .هوية موجودون؟ ونحن بال وجوه وال

:في المرحلة الثالثة

ضت الرغبة هناك قوى عرقلت مسيرة الثورة الشعبية، وأجه: المقولة .في النضال الجماهيري

نوع من االحتجاج والتمرد يتفجر بين الحاضرين مجسدا من : التركيب .جديد اإلحساس بالتمرد

القوى الرسمية تتحرك لقمع تلك التساؤالت والمحافظة على ما: النقيض .هو سائد بالقوةن المسرح قناع بواقعية الصلة القائمة بي يمكننا أن نقبل محاولة اإل،طبعا

والصالة من جهة، أو يمكننا أن نقبل محاولة جعل المسرح ومخرجه رمزا ؟معقودة بين النظرتين المتفاوتتينهي الصلة ال ولكن ما. ألشياء أكبر

وأفضل أنواع الرمز، كما هو معروف، ما. هناك صلة رمزية محضلة مقنعة نجد محاو» حفلة سمر« في .الحقيقة والداللة: هو مبني على مستويين

كانت المحاولة في دور المخرج الذي يساعد . قامة مثل هذه الصلةجزئيا إلحباط، على رفع حدة الصراع الدرامي مع القوة المتمردة والمحكومة سلفا باإل

-١٠٣-

لة اوكان يساهم في خلق صلة بين الحدث الصغير الذي يدور في الص والذي ،التناقض القائملكن ذلك لم يلغ . واألحداث األكبر التي تدور خارجها

على الطريقة المصرية التقليدية، داء بعض الممثلينأساهم في دعمه فنيا بشكل منظم صوتا حياناأ ، واستخدام الجوقة) يوسف وهبيبأسلوب تيمنا(

قناع وهو اإل،كان يضعف ماتريده المسرحية كعرض أساساوحركة، مما يعرض زاء ماإى جمهور المشاهدين بالمشاركة واالرتجال، وخلق االنفعال لد

.أمامهم من قضايا جوهرية في عالم السياسة اليومي

:مسرح الممثل ومسرح المتفرج بدءا من دإن عملية البحث عن شكل أصيل ومجد«: يقول ونوس

الجمهور، كفيلة بأن تزيح عن كاهل المسرح العربي ثقل أسئلة كثيرة تطرح )١(»..ة اللغة، والشكل واستلهام الفولكلورغالبا بشكل مبتور ومجرد متناول

.إذن، فالبحث عن شكل من خالل الجمهور هو هدف سعد اهللا ونوس المسرحيأجل، هي مغامرة أقدم عليها ونوس، وحاول تأطيرها من خالل كتاباته

» مسرح التسييس«القليلة والمقدمات التي كتبها لمسرحياته كدعوة لما أسماه ألنني أشك في ،سميها مغامرةأ. لمسرح السياسيكمرحلة متطورة عن ا

إذا افترضنا ، بالطبع، هذا.سرحيين السوريين على جعلها ظاهرةقدرات المفي ذلك من ل لونوس نجاحه المبدئي سجأن نلكننا البد من . قبولنا النقدي لها

وهو ما يجعلنا نقول بأن المسرح الذي يدعو إليه ونوس ،»حفلة سمر«خالل تعداه هو نفسه، ألن نجاحه مرتبط بطرح فني معين من خالل فهم قد ال ي

يتم إال من خالل موهبته ورؤياه كفرد، تماما كما يديولوجي معين، وهذا الأتنقل اللغة مضمون وتكنيك العمل األدبي، لكن هذه الوسيلة قد تعجز عن

.االمتداد والتوسع لتكون مدرسة أو اتجاها ناجحا متين البنيان

نحو مسرح عربي (عدد خاص : المعرفة. بيانات لمسرح عربي جديد. سعد اهللا ونوس )١( .١٩٧٠) جديد

-١٠٤-

البحث عن شكل جديد لمسرح يضع الجماهير الواسعة في حسابه إنكان مرهونا بثقل » فرقة المسرح« ولكن نجاحه عند ،ه له مزالقاألول أمر

تجمع مسرحي هي بل إنها ليست فرقة جديدة،. ة وخبرتهاالعناصر المساهم، فال »فرقة المسرح«ورغم أنني ال أنكر نجاح . لبعض المحترفين الجادين

تفترض » مسرح جديد«إن الدعوة إلى . تطيع اعتبار حركتها ظاهرة شاملةأسيمكن الوصول إلى أن يكون الكادر العامل فيه جديدا بأفكاره وأشكاله، إذ ال

. بتوظيف عناصر تقليدية في مسرح جديد األعلىذروة المثال

:العرض المسرحي أن عالء الدين كوكش بعد» حزيران٥حفلة سمر من أجل «أخرج

نجاحا كرسه مخرجا مسرحيا واعدا » الفيل يا ملك الزمان«نجح في إخراج لكن اإلخراج في هذه المسرحية لم ،بعد سلسلة من نتاجات التلفزيون الجيدة

لفا تخمتفوقا ومتميزا وم ولم يعط العرض شكال ،يضف كثيرا إلى رؤيا النصخطر في ثبات وجهة النظر هذا ال. طار الذي رسمه لها ونوسأيضا عن اإل

ألن ،»رأس المملوك جابر«الفنية سيظهر أيضا في إخراج ونوس لمسرحيته ه ب للعرض المسرحي ضمن أطر جامدة تصبح مجرد ثوب يكساافي هذا قسر .رؤيا جديدة تعيد خلقه النص، ال

ألنها جميعا في ، األخرىوراءلن أدخل في التفاصيل الفنية واحدة وقد لعبت دورا ارة المسرحية، ثهناك دور إيجابي لإل. إجماال مستوى مرض

. في إيحاء رمزي أحيانامع اختيار األزياءسجل بشكل خاص التقدير لمستوى األداء الممتاز لدى كل من هاني أ

الروماني، سليم كالس، رضوان العقيلي، محمد صالحية، عدنان حبال، عبد لحايك، ويوسف حنا، العجيب أن الرحمن آل رشي، جميل والية، صالح ا

فأدوا أدوارهم بحرارة ،النص الجيد فجر طاقات هؤالء الممثلين جميعا الذي كان يرافق كل عرض، ومدى ،االرتجالهو ولعل ما أسهم بهذا . وليونة

-١٠٥-

تجاوب الجمهور مع ما يراه وما يسمعه، والتصفيق الحار للجرأة في طرح بعد سنين من مشاهدة عروض تدعي األمور ألول مرة على خشبة المسرح

في » المخرج«تزيد كثيرا عن العرض الذي كان وال،صفة المسرح السياسي .يحاول فرضه علينا» حفلة سمر«

كنت تسمع من الجمهور همسات التقطت بعضها خالل العروض التي :حضرتها من المسرحية

».اني مرة أدخل فيها مسرح الحمراءهذه ث.. « - ».هؤالء ممثلون في الصالة.. اغبينوا مشهؤالء ليس.. « - ». سنوات ثم سمح اآلن بعرضها٣المسرحية كانت ممنوعة طيلة .. « -

الجمهور، ماذا نريد أن نقول ةإن هدف مسرح ونوس هو دراسة تركيب .له، ثم كيف؟ وهو اتجاه يستحق كل المتابعة، لكنه ليس بالوحيد

لتقديم مثال جيد، ففي وقد يعطينا المسرح فرصة «:وكما يقول ونوسأريد مسرحا يعلم، ويحفز : المسرح الذي أحاوله تبدو األمور مكثفة في كلمتين

أن يزعجه ويدفعه . أي أن يزيد احتقان المتفرج وهو يعلمه. على العمل )١(».للمبادرة، للتساؤل لماذا وكيف، ثم ما العمل

مسرح شحن أم مسرح تنفيس؟ألهداف العامة البعيدة للمسرح الذي يدعو إليه ال أعتقد أن أحدا يختلف مع ا

وأحيانا كثيرة في المضامين ،االختالف يكمن في النهج وفي التكنيك: ونوس هو هالمسرح العربي الذي نريد«: شعار ممتاز لمسرح أصيل فعال. المطروحة

هو المسرح الذي ال . الذي يدرك مهمته المزدوجة هذه أن يعلم ويحفز متفرجه المسرح الذي يقلق، بل على العكس هو... متفرج أو ينفس عليه كربتهيريح ال

.)٢(»يزيد المتفرج احتقانا، وفي المدى البعيد يهيؤه لمباشرة تغيير القدر

.»الطليعة القاهرية«. شهادات واقعية– سعد اهللا ونوس )١( . المعرفة،)بيانات لمسرح عربي جديد(. سعد اهللا ونوس )٢(

-١٠٦-

كم هو رقيق وشفاف الخيط الفاصل بين نهاية تشحن وأخرى «.. ولكنوكان بوسعي أن أسوق أمثلة كثيرة عن مسرحيات وعروض لم .. غتفر

أن تتبين هذا الخيط فانتهت رغم مقدماتها الحادة إلى نتيجة تخديرية تستطعفي كل هذه األمثلة كان المتفرجون . تريد أن تنقده وخدمت رغم ادعاءاتها ما

يخرجون بشوشي الوجوه يتنفسون بصمت ومسرة، كما لو أنهم قد تركوا )١(».ثقالهم الداخلية على الكراسي قبل أن يخرجواأ

س على صواب في تخوفه، وليس األمر مقصورا على أجل، كان ونوبسبب المسرحية وإنما بسبب ال- » حفلة سمر«النهايات، فقد سقطت

سقطت عند – وهو المتفرج ،العنصر الذي كان مؤلفها يتوجه أساسا إليهالمشاركة .. التصفيق الحاد.. اإلقبال الجماهيري. عرضها في وهدة التنفيس

، ولكن).نحن ضده وليس هذا ما (،ا بالجرأة والتجديدلم تكن إال ترحيب.. وكانت . لم تشحن المسرحية ولم تحفز، بل كانت تفرغ،طارضمن هذا اإل

الهموم تترك على الكراسي، ويغادر المعجبون المسرح وهم يتنفسون وباألخص في » ملك الزمان الفيل يا«لهذا كله أرى في . »بصمت ومسرة«ملين أكثر اتساقا وانسجاما مع أهداف مسرح ع» رأس المملوك جابر«

إن هذا الخطر ذاته . وليس مسرح التفريغ،مسرح التسييس والشحن: ونوس ثم بدأت تتحول ، التي بدأت بداية غير عادية،»مسرح الشوك«يتهدد تجربة

وبدأ يفقد ،إلى مجرد تخلص من همومنا الملحة المفجعة عن طريق الضحك .ه سياسيوجهه الحقيقي ككباريوإن لم يعرف كيف يبني عمله، ويستخدم وسائله «:ويتابع ونوس

وأدواته كي يحقق المتفرج، ويحفزه إلى العمل، يتحول إلى أداة تفريغ، تطهر ويزيد في قوة احتمالهم وامل النقمة أو الغضب، أو القلق،المتفجرين من ع

» .ئم رسوخا ومتانة تخدر المتفرج، وتزيد الوضع القا، وفي النهايةمأساتهم،ل

. المصدر السابق )١(

-١٠٧-

فحطم الغاية الرئيسية التي ،»حفلة سمر« ما حصل مع مسرحية ، بالذات،هذا .كتبت من أجلها

وإذا تحرينا عن سبب هذا التناقض الجوهري بين هذا الطرح النقدي لوجدنا أن التنفيس يعود هنا إلى ،وبين تأثيرات العمل بعد تحققه وعرضه

:ثالثة أسباب التي كانت تنتزع الضحكات ،كوميدية والعبارات الساخرة اللمسات ال– ١

يدور حوله ليس فتعيد إلى ذهنه فورا أن كل ما،والتصفيق من الجمهور .إال لعبة مسرحية طريفة بعض الشيء

قناع بواقعيته يفترض اإل استخدام الكورس في عمل يفترض فيه أول ما– ٢ين، وفي يامنيتتماما، خصوصا في الحديث بصوت واحد عن الف

.تشكيالت اإلخراج الذي يجعل المتفرج يشارك باللعبة المسرحية ، جو االرتجال الكوميدي– ٣

أفضل من » حزيران٥حفلة سمر من أجل «لهذا كله أجد نص . الجديدة. العرض، رغم اإلبهار الذي يخلقه لدى المتفرج عند المشاهدة األولى

مما أفقده كثيرا ،كان تنفيذا له خراجا للنص بقدر ماإوالعرض لم يكن من حيويته، وكان المنقذ الوحيد هو قدرات التمثيل الكبيرة التي احتواها

.العمل تأخر عرض العمل مدة عام كامل، وتضاؤل أهمية الحدث الذي يطرحه – ٤

.لحاح أحداث أخرى جيدة على حياتنا ومشاعرناإل

-١٠٨-

بيانات مسرحية جديدة

عندما يتوفر ممثل ومتفرجون يتابعون لعبة الممثل المسرح يبدأ فعال « ».وغياب أحد العنصرين فقط هو الذي يلغي الظاهرة. أو يشاركونه فيها

.هذا صحيح. المسرح ممثل ومتفرجما التحكم بالمتفرج ومستواه في لمؤكد أنه يمكن التحكم بالممثل، أمن ا

ن واقع المتفرج ليصنع ونوس ينطلق م اهللاسعد. بلد نامي الثقافة فهو محاولةلكي . مسرحا جماهيريا في الغاية وفي الوسيلة، في المضمون وفي الشكل

من ذلك تقوله، واألهم يجب أن يكون لديك ما،تصنع مسرحا جماهيريا كهذايديولوجيا يجعل أمن المؤكد أن لدى ونوس فكرا . يجب أن تعرف كيف تقوله

يهضم تكنيك المسرح إلى حد هنألمؤكد من اولديه مايقوله وما يعبر عنه، كبير، لكن مسألة المسرحية المعروضة ليست مسألة كاتب فحسب، وإنما هي

ضم بكلمة ممثل الطرف اآلخر كله المقابل للمتفرج من أو (،مسألة ممثل ).ضاءةإمخرج ومدير منصة ومهندس ديكور وخبير

تضم » رحفرقة المس« ومجموعة –لديه الممثل الجيد ونوس يفترض يعني أن ولكن هذا ال–م خبراتهم الطويلة والجادة هبالفعل ممثلين جيدين ل

يزال مسرحنا ال. ا الفنية ضعيفة وناقصةندرواتزال ك ال. الحال ظاهرة عامة ونحن ،فكيف نطلب أو نطالب بمسرح جماهيري. داخل المدينة قاصرا يعرج

أود أن أطرح تساؤال ،وتبسيطايضاحا إنملك أبسط أدواته؟ لكي أكون أكثر اللو قدمتها فرقة أخرى » حفلة سمر«ما الذي كان جرى لعرض : صغيرا

أما كانت تحول النص القوي فرقة من هواة المسرح مثال؟.. رينبممثلين آخالرائع إلى مهزلة؟ أما كانت المشاهد األولى المتخيلة قد أخرجت بفجاجة ذوق

عتقد بتنفيذ فكر المؤلف دون أن يعي ما يلحق حسن نية يين عن وافتعال سخيف –هذا بالعرض من خلل وضرر؟ ترى ماذا سيحدث لو بدأ كالم الممثلين

-١٠٩-

لعوامل ال تسقط مثل هذه اقناع؟ أالمتفرجين أدائيا وفصيحا إلى حد عدم اإل ؟»حفلة سمر«عمال جيدا مثل

.عتقد أننا نتفق على اإلجابة بنعمأطليعيا كان أم غير طليعي، : حدث ألي نص جيدهذا الشيء يمكن أن ي حقيقة هامة هذايؤكد . ي، تقدميا كان أم رجعياسياسيا كان أم غير سياس

هي حاجتنا الملحة إلى الشطر الثاني من و ،غابت عن بيانات ونوس المسرحيةوال أعتقد أن . ال وهي الممثللتي تحدد وجود الظاهرة المسرحية، أالثنائية امكانيات بناء إ ولسببين ينطبقان مع ،غفل هذا الشطر إال متعمداأونوس . وليس المسرح الذي يؤمن به بشكل عام،مسرحه

هو ما أدعو إليه، وهو مسرح يفجر جميع الطاقات » الممثل«مسرح الخالقة والمتحركة في لحظة انسجام داخلي كالصالة البدائية بين عنصري

وصرخة حادة . . صوفية تشبه المناجاةلحظة.. المسرح الممثل والمتفرجضاءة إليست جميع الوسائل األخرى من مكياج وديكور و. تحمل عذاب العالم

.خراج سوى عناصر مساعدة في إقامة هذه الصلةإووأعتقد أن . هو واقعي في إطار ال واقعي مسرح الممثل هو تقديم ما

وإنما ،ختياراالتجاه للشكلية في المسرح لم تعد قضية ترف أو مجال اضرورة مرتبطة أشد االرتباط بالمسرح نفسه كفن معاصر البد أن يساير القرن العشرين، وبالمتفرج كطاقة البد من تحريكها وتوعيتها وجذبها

ي أتشكك في ظاهرة مسرحية نلكن. ستمرار، فال مسرح من دون جمهورباإن . يحيد عنه التنمو وتكبر في اتجاه واحد يتخذ من الجمهور منطلقا أساسيا لكن ليس عليه ،على المسرح أن يكون نابعا من إرادة الجماهير وحبها

عليه فقط أن يكون جماهيريا في . بالضرورة أن يكون جماهيريا منذ البداية .في حساباته األولى) شباك التذاكر(الهدف وفي األمنية، دون أن يضع

-١١٠-

لتعبير جميعا، بما فيهاتفيد من طاقات اإنني أضع في خيالي مسرحا يسأعتقد أن مستقبل . الممثلة/، ويجمع بينها في إطار الكلمةغناءالرقص وال

، يكمن في تبن جاد لشكل المسرح )خصوصا في الدول النامية(المسرح، لح أ كما ،الشامل، والعودة إلى التجارب البدائية للدراما في الشرق األقصى

في الشعبية كما نادى برشت، أو حكايانتونين آرتو، أو في األساطير والأ في - خصوصا الجانب الديني منه - التراث الشعبي العربي الذي بدأ ينتشر

.رؤى معاصرةبد إذن من تحطيم الشكل اإليطالي التقليدي للمسرح، وخلق إبداع ال

مسرحي يحطم الحدود ويستفيد حتى من أصغر عضالت الممثل في نقل شحنة البد لنا من مسرح . ساؤل الملح حول القضايا المصيريةمن االنفعال والت

هذه ليست سوى تباشير . تجريبي يبحث عن أشكال جديدة للمسرح العربي . أما تنفيذه فهو األصعب،يطلبه المرء سهل الطرح ما. محاولة

* **

-١١١-

مغامرة رأس اململوك جابر

بني مجال النص وضالل العرض» دمشق- رحفرقة املس«

قد ال يتسع هنا مجال الحديث عن دعوة سعد اهللا ونوس الشهيرة إلى

عن المسرح » فوارق كبيرة«، هذا المسرح الذي يملك »مسرح التسييس«لكنني أجد جديرا بالذكر أن األهداف التي يضعها . السياسي، على حد قوله

مساحتي هذا المسرح نصب عينيه ليست جديدة، وأن طموح الحوار بين لقد طرق كل هذا في محاوالت مختلفة قد . الصالة والمنصة ليس جديدا أيضا

،الرتي-دي-وطرح منذ الكوميديا. الوحيد لهاال يكون التسييس هو الدافع بيرانديللو في مسرحيتيه الشهيرتين ، واعتمد على تكنيك)ل أكثر عفويةبشك( طرح في عروض ، كما) ست شخصيات تبحث عن مؤلف–الليلة نرتجل (

.اإلضافة الوحيدة إلى هذه التجارب العالمية هي النكهة المحلية. المسرح الحيي من هموم الشباب المثقف بشكل طبيعي، فإن تلك سوبما أن السياسة هم أسا

فا بسيطا في التكنيك التي زعمها ونوس ليست إال اختال» الفوارق الكبيرة«رح التسييس عن نه ال وجود منفصل لمس يمكننا أن نستنتج أ،بهذا. المسرحي

. يتجاوز حدود اللعبة اللفظية ح يكاد الالمسرح السياسي، وأن هذا المصطل تعويد الجمهور على خرق التقاليد ة في مثل هذا المسرح هيرتظل الخطو

–المسرحية قبل أن تؤسس جيدا، بحيث يتحول أي عرض مسرحي مهما كان إن كان ، االبتذال في ردود الفعل الجماعية إلى نوع–وقد حدث هذا فعال

-١١٢-

–قبال هذا الجمهور في حال غياب المسرح السياسي إبالتصفيق أم بالتعليق، و التي تقوم ، على عروض المسرح التجاري–أو باألحرى مسرح نقد السلطة

.أحيانا بالمهمة ذاتها واضحا ال لوجدنا فيها مثا،»مغامرة رأس المملوك جابر«إذا انتقلنا إلى

،فيها أن ينقلنا كمتفرجين إلى جو المقهى الشعبيلما ذكرنا، إذ يحاول ونوس حمل موته تحت فروة رأسه ولم « الذي ،حيث الحكواتي يروي حكاية جابر

وذلك ألنه اعتنق مذهب » ،يدر، قطع البراري يحمل قدره على رأسه ولم يدرتلك هي العبرة التي » .ا نناديه عمناومن يتزوج أمن… فخار يكسر بعضه«

يؤكد إنه. إلينا.. وبالتالي،نقلها لرواد المقهى من شخصياتهييريد ونوس أن ونأخذ فيه ،أن سيرة البطوالت واالنتصارات لن تأتي حتى نمر بذاك الزمان

سقاط واضح على العصر، يزيد من وضوحه وجود زبائن اإل. مواقف واضحة .يجابيتها وتقدميتهاإثنان في معناها وفي إيها يختلف عل والعبرة يكاد ال. المقهى

لمسرحية، إذ يغيب إلى اها أقرب للحكاية منها نألكن مشكلة حبكة جابر ،فيها التصاعد الدرامي إلى الذروة، بل إنها حتى في مشهد قطع رأس جابر

والسبب أن بناءها يعتمد . ال تهز الفكر وال العاطفة،)وفيه حكمة المسرحية(ا إلى ملحمية في وليس متصاعدة، دون أن يشير توازيه،اث متوازيةحدأعلى

تقوله في حبكتها ذاتها لو عولجت بمهارة تقول ماإنها. التكوين المسرحيالتفسيري من قبل درامية أكبر، دون حاجة للجوء إلى جذب التصفيق والتعليق

سلبية التي جابر وحده نموذجا واضحا لالنتهازية والليسأ. زبائن المقهى تقتصر على خلق تلك ، إذن،تنتهي بالمرء نهاية مفجعة؟ إضافة زبائن المقهى

اركة حيث المش» حفلة سمر« على عكس –المشاركة المفتعلة مع الصالة .مقنعة ومحرضة في الوقت نفسه

كما يقول المسرحي الهندي الثوري يوتبال دت في حوار نشرته مجلة وإنه لمن الخطورة أن تسأل المتفرجين «: مادةبراهيم حإ. الكاتب وترجمه د

ضة ألن تنحرف إلى أن يشتركوا في العرض، وإال كانت المسرحية عر

-١١٣-

لعله من المهم أن نعرف أن يوتبال دت وظف مسرحه » .الطريق الخاطئلصالح االشتراكية والجماهير، وقدم عروضه السياسية في الشوارع والساحات

.الثورة بين أفراد الشعب جميعالينشر التوعية والدعوة إلى مركب تركيبا ذهنيا، ،»المملوك جابر« كما رأيته في عرض ،الشكل

بياتا بدال من أن يترك الرؤية أومضاف إلى رؤية ونوس، تماما كالذي ينظم .تتدفق على سجيتهاالشعرية

»مغامرة رأس المملوك جابر«هذا ال يمنع من االعتراف بأن نص مع، بل ربما كان واحدا من أفضل النصوص التي تستفيد من نص جيد وال

على عكس – نقاها فنا، ففيهأ ومن أوضحها فكرا و،التراث القصصي العربي ، شخصيات لها كيان، واستخدام واع للعبة تبادل األدوار–» حفلة سمر« بحيث تتأكد ذهنية ونوس حول لعبة األقنعة ،) الرجل الرابع–الملك والوزير (

.والمراكز والمواقف السياسيةولكن الغريب أن قراءة النص تعطي المرء متعة أكبر من رؤيته على

.المسرح، فقد تفوق ما يقال على ما يفعلعلى يحتوي ولم ينجح العرض المسرحي إخراجا نجاحه كنص

. على مجرد أصوات»حفلة سمر«شخصيات نابضة بالحياة، وليس مثل في تصدي الكاتب سعد اهللا ونوس ألن يلعب أعتقد أن السبب يكمن

. ه الفكرية كمؤلفتدور المخرج، فجمد بشكل طبيعي العرض عند رؤييانا كالسينما على وحدة الخلق، صحيح أن المسرح الحديث صار يعتمد أح

أي . » المخرج–المؤلف «، وليس » المؤلف–المخرج «ظل مسرح يلكنه لعرض نفسه وليس من النص، وهذا قيمة المسرح الحديث تأتي من انإ

، يبدو أن ونوس يعوزهما كمخرجإلى خبرة فنية طويلة وحس خاصيحتاج .وإن امتلكهما كمؤلف

كان واضحا في العرض فقدان الحركة المسرحية المتماسكة، مما أدى داء كمحترفين، بل بالممثلين إلى االعتماد على مواهبهم الخاصة في األ

٨ م -بقعة ضوء

-١١٤-

لقاء، التي تحتاج إلى جهد قديمة في ممثلينا وهي أخطاء اإلوبرزت تلك العلة الإضافي من أي مخرج يعمل معهم ليستطيع تجاوز صعوبة جهلهم بها

يقاع بطيئا، تغذيه مباشرة المشاهد المتجسدة كان اإل،كذلك. ب حناجرهميوتخرداء، مما جعل بعض الشخصيات ال أخراجا وإأمامنا من كتاب الحكواتي

بل دمجا مغلوطا ،»البرشتية«هذا ليس سعيا لتحقيق . إنما تحدث، وتتحدثفقد بلغت رغبة التجديد . بين هذه الشخصيات المتخيلة وبين مصدر تخيلها

تتداخل مع والتبسيط بونوس أن جعل شخصياته تتجاوز حدود الوهم و، وهذا ال ا تشرب معهم الشاي وتشكو لهم همومه..شخصيات زبائن المقهى

. وليسوا خياالت متجسدة،ال إذا كان هؤالء ممثلون في المقهىيأتي إية التي واجهته بطريقة غير لقد أجاب ونوس على المعضلة الفن

ثم يحطمه بيده، إذ حطم كل ما ، كان كمن ينحت تمثاال جميال،بهذا. صحيحة يهام المتفرج العادي بواقعية جو المقهى الشعبي، بدال من أنإقامته من إحاول

كما كان –يجعل ممثلين من القهوة أو شخصيات من زبائنها يمثلون الحكاية أمامنا خليطا عجيبا بين التمثيل ونوس خلق،بذلك. برشت خليقا أن يفعل

واستخداما غير صحيح للعبة طريق االستعادة الذهنية والتجسيد،والتجسد عن . يكون مسرحاال أالمسرح داخل المسرح، حتى كاد الذي شاهدناه أمامنا

إذ أكد اصطناع ،كما كان استخدام عامة بغداد كجوقة مسيئا للعمل سعد اهللا ونوس حر في طرح رأيه السياسي في الصراع بين إن. العرضالخ، .. عب شلصراع بين السلطة والا أو ، أو الصراع على السلطة،الطبقات

تقان يوازي إ يريد قوله وبلكن المهم في األمر أن يقدم هذا بانسجام فني مع ما .عمق مضمونه

مسرح «حاولة بحثه عن خالل من سعد اهللا ونوس، كما رأينا، ولك وواضح، وقع في مسرح فقير فنيا، متسيب في إخراجه إلى حد ، بسيط»فقير »أين المخرج؟«: عضهم إلى التساولدفع بب

-١١٥-

اضار ،طالة فيه وعدم تخفيف اإل، كان ترفق المؤلف بحوار نصه،طبعا به في أول ليلة قدم أ الذي لم ينقذه من السقوط التام الذي بد،بإيقاع العرض

.داء بعض الممثلين الموهوبينأفيها سوى جودة الحوار األصلي و، لينا باتع )جابر(يقف في صدارة هؤالء كل من أسامة الروماني

ي رش، وعبد الرحمن آل)الرجل األول(ي ، رضوان عقيل)المرأة الثانية( ).الحكواتي(

يكاد دور جابر أن يكون مفصال على أسامة الروماني في حيويته وخفة وهو يتميز عن غيره من الممثلين بطواعية وجهه ألدوار عديدة، . حركته

وبأنه يقترب من ممثلي السينما والتلفزيون بهدوء مالمحه وبساطة تعبيره، ، وأنه تشعر أنه اليمثل،تراهعندما . يمثله حين والواقعية التي يتمثل بها دوره

ويتميز أسامة . يكاد من يعرفه يلمح فيه فعال مالمح من جابرجابر فعال، بل الفن هذا لقائه السليم، رغم أنه كغيره من الممثلين لم يتلق أصول إأيضا ب

لقاء ناتجا عن بساطة أدائه وعدم افتعاله وربما كان هذا اإل–أكاديميا حضور ). ارو إلى جابرمن فيغ (،ها أو يقبل أن يمثلهايمثلللشخصية التي

ليس كبيرا على خشبة – إذا جاز التعبير –أسامة الروماني الفيزيولوجي لكن حيويته الشديدة وحسن ه وال بميزات صوتية نادرة لديه، ال بشكل،المسرحه مقنعا ومحببا، األمر الذي أراد، فيجعالنه على ذلكدواره يطغيانتمثله أل

.ونوس لبطله جابر كي يجعل من نهايته التعسة أمثولة فعادت متألقة تألق األثر ، التي غابت عن المسرح طويال،أما لينا باتع

بانفعال داخلي حار ، كما يبدوتتمتع لينا،. الزمنالقديم تزيد قيمته كلما مر ساس حل إلى كتلة نابضة باإلحوت فت،نثوي يرتسم على مالمحها وهي تمثلأو

وال ،تقانه عن اآلخرإيتميز جزء منها في ية، الاإلغريقواالنسجام كالتماثيل املها لحظتها عن مجموع التكوين العام الذي تشكل جزءا منه، وهي تعيش بك

-١١٦-

انة تهز الشعور دون أن تسقط في تشتيت الدور على المسرحية بعاطفة أسياتع تبدو دائما امرأة تحاول لينا ب. حساب سرقة المشهد بأداء ميلودرامي منفعل

هذا الكالم . خفاء انفعالها، وبذلك تنجح في أن تعيش أدوارها على المسرحإتنبع . لحاح هو رضوان عقيليإينطبق على ممثل جيد جدا بدأ نجمه يعلو ب

ضوان من معايشته الدائمة والمرهفة في تعبيرها لدوره حتى في رروعة أداء يتكلم دون إنه. بلغ من الكالمأيكون صمته ما كثيرا لحظات الصمت، بحيث

رضوان عقيلي قد ال . ، وببالغة يفتقدها كثير من أقرانهاأن تسمع له صوتيصلح بطال شابا، ولكنه يقدم على مسرحنا نموذجا فريدا لشخصية جانبية ذات

ن تقاوقد بلغ مشهده مع لينا ذروة النجاح واإل. نسانية وتراجيدية عميقةإمالمح .بين مشاهد المسرحية المختلفة

، »حفلة سمر«يضاف إلى هؤالء ممثل قدير كان العمود الفقري لـ عبد . رشي هو عبد الرحمن آل،»المملوك جابر«وواحدا من أبرز عناصر

تشعر معها أنه يحمل ،الرحمن ممثل يتمتع بموهبة صوتية عميقة ومتميزة. وشعبيالوقت نفسه، بسيط، واثقمز في هو فرد ور. وأنه يمثل أمة،تراثا وأنه ..، بحيث تشعر أنه قريب منكيحمل في أدائه حضورا وأصالةإنه مشكلته . أو ربما أن يكون قريبا لك.. أن تلمسه..ك أن تراه في الشارعبإمكان

الوحيدة هي صالحيته الدوار محددة فقط، ولكنها ليست مشكلة هامة أمام .الميزات التي يتمتع بها

أن مصممها منرغمعلى الضاءة المسرحية كانت رديئة غالبا، إلا أتت األضواء .، وهو سمير سمارةواحد من أبرع العاملين في هذا المجال

يهام إعندما ينادي برشت بكسر . زعجة في مجابهتها لعين المتفرججامدة وم فهو يحاول معاكسة المسارح ،ة بترك البروجكتورات واضحة للعيانضاءاإل ،تنطبق على مسارحنا لكن هذه النظرية ال. سيكية التقليدية المجهزة جيدالكالا

-١١٧-

زعاج عيون إحيث البروجكتورات ظاهرة تماما، وبرشت ما كان لينادي ب .المشاهدين لصالح وهم التغريب

فأتى فقيرا في إيحائه بأي ،أما الديكور الذي صممه لبيب رسالن مما حدا بالمخرج في العرض الثاني ،ركة وفقيرا في تفاصيله المتح،مضمون

وإذا كانت الالفتة الصريحة ذات الخط العريض التي .لالستغناء عن بعضها ..مايحاء بشيء إذات » ،الطاقة يلي بيجيك منها ريح سدها واستريح«تقول .لكن المقهى الشعبي صمم ونفذ بشكل واقعي وناجح. يحاء ساذجإفهذا

مكانات العرض إنص جميل يحفل ب» برمغامرة رأس المملوك جا« لكنه ضاع في ضالل عرض فقير وقف مترنحا على أكتاف ممثلين ،الناجح .مجدين

* * *

-١١٨-

-١١٩-

املسرح املصري

لعل بداية هنضة املسرح املصري احلديث أتت مع ظهور الواقعية ولعل مصر اليت . »الناس اللي حتت«مسرحية نعمان عاشور الشهرية

تتصدر احلركة املسرحية العربية، كما على األقل، متلك عديدا من كتاب ما ألننا مل نشهد ن أغفلنا ذكرهم هذا الكتاب، إاملسرح مم

م ميثلون مناذج متشاهبة مع مسرحياهتم حية على منصة املسرح، أو ألهن مل ،لذا. ثن اخرتناهم ليمثلوا اجتاهات املسرح املصري احلديبعض الذي

نقدم أي عمل لرائد املسرح العربي توفيق احلكيم، ومل نقدم نعمان عبد الرمحن دريس، وال ميخائيل رومان، والإعاشور، وال يوسف

غفلنا هذه النماذج ألننا مل نشهد أ لقد .جنيب سرور الشرقاوي، والقدمناه من مناذج يكفي لرسم أعماهلا األدبية على املسرح، وألن ما

ة متكاملة عن احلركة املسرحية املعاصرة مصر العربية خالل صور .السنوات األخرية .ح هذه الصورة دراسات قادمةمكمال مالإوقد نقوم ب

المؤلف

-١٢٠-

-١٢١-

حممود دياب

ةــالزوبع

)سورية -دمشق –املسرح القومي (

هو محصور بين ماشائع أن هناك صراعا في األدب العالميمن ال

وبين ما يمتد عبر حقب التاريخ كمطلق أو زمنية وحيز مكاني من جهة،بفترة . من جهة ثانيةكقيمة خالدة

يستخدم هذا الرأي الشائع حجة لضرب األعمال الواقعية، فالواقعية بنت وما يلبث التطور التاريخي أن يلتهم األزمة . تولد نماذجها لتموت..الساعة

. يخلو من صدق هذا ال. الفني من قيمة فال يعود للعمل،الراهنة في طياته فقيمة جميع األعمال الواقعية تنحصر في وثائقيتها ، كان كله صحيحا، إذالكن

وليس في قيمتها الفنية ،ومدى التأثير المباشر الذي أحدثته في جيلها . كل تعميم يقع في الخطأ تماما، إذ أن األمر ليس كذلك.واإلنسانية

بل كلما كانت ،ا كانت محليته صحيحة وصادقة مهم–فاألدب المحلي والمسرح . متلك في أعماقه البعد اإلنساني أدب عالمي بالتأكيد طالما ي–كذلك إذا ،ةوز أزمته الراهنة، ووقتيته المزعوم يمكن أن يتجا، بالتالي،الواقعي

ولم يقتصر على االهتمام بمشكلة محدودة ،نسانية شموليةإ ةانطلق من رؤيطار، وهو األمر الذي افتقدناه في كثير من المسرحيات العربية واإلالزمن

.المعاصرة ومن هنا.بين األدب المرحلي واألدب العظيم يبرز الفرق ،من هنا

يجب أن نتلمس األخطاء الساذجة التي وقع ويقع فيها كثيرون فداء أيضا

-١٢٢-

ن الواقعية جيدا كيف تكوعرف محمود دياب . مجد اللحظة والشهرة المؤقتةل رغم جميع التيارات القوية ،الحقة، وكيف يكسب من خاللها الجماهير

.المغرية من حولهبمزيج من البساطة والرقة والسخرية » الزوبعة«تعالج مسرحية

والقسوة قضية اجتماعية وإنسانية خطيرة هي قضية الوازع األخالقي عند رد الثائر والجماعة المتسلطة ذلك الصراع الحتمي بين الف..الجماعة، وبالتالي

نقيادية بحثا عن حقيقة العدل في عالم ظالم يسوده الجهل والتخلف وتحكمه اال فالجماعة إبسن بهذا الصدد،ومحمود دياب يتخذ موقفا شبيها بهنريك . الساذجة

وكما يقول . ذات أحكام ارتجالية وغوغائية بسبب الجهل والتعنت والمصلحة لم يعد أمام من وهب العقل والقلب في بالدنا هنأيلوح لي كثيرا ما« :سنبإ

فظ لسوى أن ينكص على عقبيه كالغزال الجريح، ويهرع إلى األحراش لييمكن أن يحل ببالدنا هو كارثة خير ماإن. أنفاسه األخيرة في هدوء وسكينة

فقد ، أما نحن». لنا في الحياةحق قومية عظمى، فإن عجزنا عن تحملها، فال »الزوبعة«، نفس العام الذي كانت فيه ١٩٦٧واجهنا الكارثة في حزيران

والثرثرة، ) الفهلوة( سلبية من حياتنا، تفضح دياب تعصف بجوانبالتي أطلقهاء، وتكشف المبالغة والسذاجة بين الفقراترام المنطق اإلقطاعي السائد احتزيل رشاد السليم والقدرة على اإلتين عن الجهل المطبق واالرتجال وانعداممجالنا

ة في مأساوي بالتخلف والجعجعة والبدائيرهاصإ» الزوبعة«إن . تلقيه أصال ،أما المرحلة التالية. النكسةتلك العناصر التي كشفتها.. لحضاريقلب كياننا ااختارت ؟ »الزوبعة«هو موضوع ماذا تغير؟ وإلى أي مدى؟ ما: فهي التساؤل

سیحدث في حدث وما زة ومكثفة جمعت فیھا ماتمیمیة ملحظة درا» الزوبعة«حسین أبو شامة الذي أدخلتھ القریة ظلما إلى السجن قبل عشرین . بوتقة واحدة

ولده وابنتھ لیعود وینتزع حقوقھ وحقوق ،سنة بتھمة السرقة والقتل سیفرج عنھكل شخص .... ھا رؤوس عشرین منھم من مغتصبیھا، ومع - صالح وصابحھ- تجتر أحالم االنتقام مع مرضھا أمھ الحاجة . لسجنعام قضاه في سعیر اقابل م

-١٢٣-

جدوى، بینما یعاني صالح من وصمة دونوكبر سنھا، وصابحة تحلم بالحنان بنت الشیخ یونس الذي آواھم في ، حلیمةمن فشلھ في نیل قلب، و»األھطل«

تتضخم ئحھا الھاد فمن وراء سط،أما القریة. داره بسبب فقره المادي والمعنوي أھلھا قانعون بتأدیة فروض الدین، وتمجید صاحب القرش، ، إن الساكنةالعفویة

، وتجاهل واضطھاد أي نزعة فردیة خارج نطاق تقییمھم المحدود لألمور وتأتي ريح الموت ، تهب زوبعة حسين أبو شامة،فجأة. العدالة واإلنسان

عن الوازع الخلقي الديني ... لكالحةعفراء داكنة لتهتك األستار عن الوجوه اومن يدري من األول؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ فإذا .. الموت ينتظرهم . الزائف

ومن جلسة دينية الطابع يبارك فيها . عظماءاألخيار أشرار، وإذا البؤساء شعالن حجته ينقلب الموقف إلى صرخة الحاجة صابحة في يالناس للثر

:وجههطب كان ... ينفع لك منين يابو سعد... شعالن اوأنت ينفع لك حج ي«يا أخي خلص ضميرك .. وهي حجتك تنفع.. خويا تاكل مال الناس بالش يا كسالم أبو سليم والخالة زكية ،»الضاليلية«يهرع الناس وسرعان ما» .األول

فيستيقظ لديه الوازع أما األعرج،. ليعيدوا لألبناء حقوقهم المسلوبة ،وشعالن وأن شهادته هو وخليل أبو عمر كانت ،ي ليكشف أن حسين قد ظلماألخالق . ألنهما ارتكبا الجريمة بأنفسهما،زورا

جحيما ال ليصبح اإلحساس بالذنب ينبع من داخل صدر اإلنسانإن هل : ، يجب أن نتساءل أخرىمرة. ارتكبوا يطاق، ويشعر الجميع بفداحة ما

حدث تغيير؟ وتلصق التهمة هوجائيا بأبي شامة ،ي الجامعاألعرج يقتل مخنوقا ف

ابنته مرة ثانية، وينطلق الجميع الصطياده كوحش هارب بين مخاوف ابنه وخرون في آ و،عي بعضهم أنه رآه في حقول الذرةيد. المنتظرين في شوق

يصل ،وفجأة. إلى أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى أسطورة،منطقة ثانية

-١٢٤-

خبرهم أن حسين أبو شامة مات في السجن منذ أربع زميل له في السجن لينة ألحد، وأن الخبر من األساس دون أن ينطوي صدره على ضغي،سنوات

أن يزول الكرب عن وجوه المذنبين الذين يريدون أيضا،فجأة. جاء مغلوطايريدون استالب الحقوق التي أعادوها لصالح .. تعود حياة القرية إلى مجراها

لكن الزوبعة لم تمر هكذا دون بصمات، بل . ين للمرة الثانيةوأخته مرغمصالح قد اشتد وقويت إرادته، وآخرون : تركت أثرا عميقا في بعض النفوس

ويجري . وذنبهم في السلبية والقبولالقرية أدركوا حظهم في المسؤوليةفي بعد خليل أم عكاشة؟ لن تمر األمورهذا أم ذاك؟.. حول قاتل األعرجالنقاشإن . ن بالتقرير السطحي، فمن التساؤل تولد الحقيقة، ومن الشك يخلق العدلاآلير الشامل يرهاص بالتغإ ، بالطبع،هذا. حظة االكتشاف هي لحظة الالرجعةل

في العالقات بين األفراد في ظل ، و المجتمع السياسي واالقتصاديفي بناء إلى ،)والد صالح وجده (،إرادة الفردن م، إذن،نه انتقالإ. نظام إشتراكيليس لن تأخذ ما: اإلرادة التي تقف ضد المستغل لتقول له: إرادة الجماعة

وليس مجرد أوزان تضاف اعتباطا إلى ،صبحنا منذ اليوم ميزان العدالةأ.. لكرهاص، على أية حال، ال يستخدم تعقيد الرمز ودالالته إإنه . كفة واحدة منه

إذا وقع الخطأ مرة، وكاد أن يقع . يحاء الشفاف وسيلةالمعقدة، وإنما يتخذ اإلالفيلسوف بكلمات يذكرنا محمود دياب . فيجب أال يقع مرة ثالثةثانية،

إنني ... أهو الخير أم الشر؟ كال«: »أو.. إما«يغادر في كتابه كالوجودي كير على هذا يتوقف كل. أحملكم إلى حيث يكون االختيار ذا أهمية بالنسبة لكم

مفر أمامه فلو أننا استطعنا الوقوف باإلنسان في مفترق الطرق حيث ال. يءش ».ختيار، لكان اختياره صائبامن اال

نرى نمو الضمير ،مباشرة ساذجة في النهاية، ودون خطابية أو الريف كله أو القرية التي ربما تمثل.. التجربةاالجتماعي في القرية عبر

، مع الحفاظ على واقعيتها المجتمع اإلنساني، أو ربما أيضااألمة بأجمعهاربما أوحت المسرحية لنا بذات اإلحساس الناتج عن التفكير . دقةالمحلية الصا

-١٢٥-

وعجز المجتمع .. فقدان العدالة.. أسباب خسارتها والهزيمة.. بقضية فلسطينإن حسين أبو شامة ليس قوة خارجية تهدد القرية الظالمة . الدولي عن التدخل

ب، بل إن أبا شامة ضميرهم الذي سجنوه طويال وراء القضبان، والذي فحسليهم إ فيعيد ،أما موته. يعذبهم بالخوف إذ عاد ليقاضيهم الحساب عسيرا

حيث يرون في عالمهم انسجاما تاما وتوافقا ضميريا ،طمأنينتهم الدينيةلبداية وهم يهنئون ون عليه في اينا، توافق السطح الذي كانوا يطفوأخالقيا مت

لكن الزوبعة تركت أثرها البليغ . في خدر ديني لذيذ وهمالحاج شعالن بعودتهوإذا كان مات يبجى .. »ما ماتش«نجد أنه » يمسح دموعه بكم جلبابه«(حقا

).ال إيه الل جلب البلد بالشكل دهأم.. دبت الروح صابحة لخبر ومرافقة موت الحجة ،ذلك التصعيد الختامي لكل األحداث

وإيقاعا واقعيا دون مغاالة ودون .. يعطي إيقاعا شعريا للمسرحية،موت األب األمر الذي يسيء إلى كثير من المسرحيات المعاصرة ويسبب –افتعال .ةالرؤيفي ضبابية

هو امتالؤها، وعدم وجود نتوءات في » الزوبعة«يميز مسرحية أهم مادة إلى المسرحية التقليدية المحبوكة هي عو. تسلسلها الدرامي المكثف

الواضحة، فيها تركيز متين بالنسبة لوحدات الزمان والمكان والحدث، وعناية إحدى تقان وانسجام ودون قوالب، إنإيرسم شخصيات متعددة ومقنعة ب

ميزات المسرحية الهامة هي ذلك التداخل الذكي بين مشاهد مختلفة، ليس وإنما بقصد استنباط عالقة مركبة، ،حسبيجاز فبقصد المزج أو اإل

.تزال في حيز المجهول رهاص بأشياء الواإلدون جعجعة وتزييف تصوير شريحة واقع » الزوبعة«استطاعت

دراسة مرهفة لعالقات إنسانية حول مفهوم العدالة والوازع : نساني حيإ بين ..ال تضع حاجزا سميكا بين الخير والشر» الزوبعة«إن . األخالقي

وليس بالنماذج التقليدية ،إنها تهتم بالظالل والعالقات. األبيض واألسود

-١٢٦-

ليست هناك هوة بين المستغل والمستغل، فالمسألة . البائسة لشخوص مسطحةتكمن في قبول نوع النظام والسلوك اإلقطاعي القائم أو رفضه، بل حتى براءة

. خرين لينقذ والده المظلومآم ت، فهو يكاد يظلتخلو من زال صالح وصابحة الدون تدخل قسري من قبل .. للشخصياتتلك المعالجة اإلنسانية والموضوعية .مؤلفها ميزة أخرى لصالح العمل

إذ ، دياب يكشف أوراقه دفعة واحدةجعلت المغاالة في التقليدية محمودن تبدأ المسرحية بالصورة الساكنة أ – وهذا رأي خاص –نه من األفضل أ وكأن حياة أهلها سالم في سالم، لكن الكاتب قدم لنا ،وديعة الراكدة للقريةال

تالحقه، بينما هو أكثرهم » األهطل«صالحا بصورته المأساوية ووصمة هو لقد أضاع دياب مفاجأة إبراز التناقض الحاد دراميا بين ما. إنسانية وحسا

عنصر أساسي من التهكم الالذع في المسرحية إن. ظاهر وما هو فعليتخذ معنى ي - باإلضافة إلى كيانه الجزئي في الحوار - عناصرها، وهو

يرتد عن ظلمه ألن ضميره استيقظ أو أن أحدا في المسرحية الأشمل مفادهخوفه على : ألن الندم تحرك في وجدانه، بل ألن الخوف من الثأر يحكمه

الخوف .. ويسير أمورهالخوف الذي يحكم العالم المعاصر.. رقبته ومصالحه .تحت ظل مأساوي كبير» محالها عيشة الفالح«الذي أجهضت فيه كلمة

المسرح ) تايريزياس(ة، فهو يأما الشيخ يونس، األب الروحي للقرإنه . ة على الفعلالمعلم الذي يملك القدرة على الرؤية ويفتقد القدر: ياإلغريق

ورغم . ال يأخذون برأيهه ويلإيستمعون . في استسالمينطق الحق، لكنيخلو من مسؤولية، ألنه يمثل موقف الدين المرشد من بعيد نزاهته فهو ال

المقهور والظالم تماما كما هو دون أن يصبح جزءا من الصراع بين اتق –الشيخ يونس «. ومن هنا يبرز دوره، في المسرح اليوناني)تايريزيس(

فيه ... يملك من أمر نفسه شيئا نسان الاإل.. بني اتق اهللا يا.. صالح اهللا يا ... بني كل شيء مكتوب يا.. إرادة فوجنا بتدبر كل شيء

-١٢٧-

؟ وهو ربنا يرضى الظلم يابا يونس»في هدوء «-صالح ناوي تجف ضد إرادة اهللا يا صالح؟ و–الشيخ يونس

» .أنا أجف ضد البلد دي.. ابا يونس ال ي–صالح وكأن محمود دياب يريد أن يقول إن ع،قنا يونس هو الحق دون اإلإن

فإرادة اهللا ال،إرادة اهللا ال شأن لها بالظلم الذي يرتكبه البشر في حق بعضهمإنها محاولة المنتفعين لدرء . يمكن أن ترتضي ظلم اإلنسان ألخيه اإلنسان

لكن » ،اهللا قد خلق الناس درجات«و» فهذا هو القدر،«ة عن أكتافهم، المسؤولين ننتظر التغيير أ ..مضطهد يظل في الدفاع عن حقه ضد مضطهديهواجب ال

فالتغيير يأتي عبر الثورة، يأتي من اإلنسان على ،محض سخافةخو من أعلى وليس من أرجاء السماء الصامتة في ،هذه األرض المغمورة بالدم والرعب

.جاللوأثرت، كأي عمل جيد، بأعمال أخرى » الزوبعة«أخيرا، لقد تأثرت

» بير السلم«لمحفوظ، و» الطريق«منها : ال الحصرعلى سبيل المثال، أذكرها .للرحابنة» لولو«لوهبة، و هو» الزوبعة« األساسي الذي تدلل عليه مسرحية محمود دياب يءالش

ى لإ فإنه يصل ،نه عندما يبتعد الفنان عن األفكار لصالح فن واقعي صادقأ أي -والعمل . فنه أو يسف أو يبالغن لجماهير العريضة دون أن يتنازل عا

يستطيع أن يصمد ويخلد إذا كان - اي ميلودرامم تعبيريا كان أم واقعيا أ،عمل . وبالحياةنسانهإنسانيا، وثيق االرتباط بأرضه، بإ

آثارا عميقة ناضجة في خط ، بساطتها، رغم»الزوبعة«لقد تركت .تطور تراثنا المسرحي العربي

-١٢٨-

:لمسرحيعن العرض ايرة، التي فازت همسرحية محمود دياب الفالحية الش» الزوبعة«كانت

ل المسرح القومي باكورة أعما، ١٩٦٩ح العربي عام بجائزة اليونيسكو للمسر وأول مسرحية يخرجها له حسين اإلدلبي بعد تجربة ،١٩٧٢في موسمه لعام

ومه تبلغ تضم مجموعة كبيرة من نجبحلب، وهي » مسرح الشعب«طويلة في عنصرا، وقد أعدها للغة الفصحى علي عقلة عرسان، وكلنا يذكر كيف ٢٣

.»زقاق المايلة«أعدت للتلفزيون بشكل مطول ومحرف في مسلسل يرتبط كل عرض مسرحي بمنهج فني يفترضه العمل ككل منذ البداية،

. وإنما ينميه، من اإلبداع اإلخراجي للعمليحد وهو منهج ال ،مسرحية تنطلق من الواقع بشكل كثيف ومركز» زوبعةال«ومسرحية

لكن ، وتمتد حتى مشتقاتها، احتماالت تفسيرها فنيا تبدأ من الواقعيةوبذلك فإنالعمل في الوقت نفسه يحتفظ بعدة مستويات تصل إلى حدود الرمز، وتمس أخطر معالم الشخصية العربية ال بالريف وحده وإنما بشكل عام، بل تكاد

ألم يتعرض حسين أبو شامة للسجن مدة . بحدود معينة قضية فلسطينتمس نفس المدة التي احتلت فيها فلسطين حتى ساعة ظهور ، أيسنة) ٢٠(أو ذلك (،؟ أليس أهل القرية هم المسؤولون عن ضياع ذلك الرجل»الزوبعة«

وعن تشرد أوالده، ألنهم اختاروا الصمت غير الفعال من أجل ،)الوطن مما أدى ألن يصبحوا شركاء في الجرم؟ أليست سر المأساة ،شخصيةمطامع

هي تلك القشرة الرقيقة من األخالق الزائفة التي تحمي االستغالل والعفن؟عندما اختار علي عقلة عرسان اللغة الفصحى للعمل، أبعده عن جو

ذا بدا الديكورإو. في ذلك ديكور خزيمة علوانيالقرية الطبيعي، وساعد فإنه ابتعد عن ، واستطاع بنفس القطع أن يركب مشاهد مختلفة بذكاء،حامري

واقعية القرية، على الرغم من محاوالته لتضمين أشياء أخرى من الفن التشكيلي اإلسالمي والعربي، وتلطيخ الجدران ببقع كالخطايا في نفوس أهل

-١٢٩-

رمزي أي منحىنحو فلم ينح بالعمل ،أما المخرج حسين اإلدلبي. القريةمما أشرنا إليه، بل التزم محاولة واقعية االتجاه، وبنى حركة مسرحية متماسكة بشكل جيد مأل بها مساحات مسرحه جميعا، وأغناها كفنان

.الزخرفة بالتفاصيل الحركية الصغيرةضاءة بيضاء ثابتة على إ العرض محافظا على حسين اإلدلبيأدار

مما رجة، معتمدا على تشكيالت أفقية أكثر عكس أسلوبه السابق الذي يميل للبه فقد بدت ، وعلى الرغم من جمالها.يجب على عرض المسرح وفي عمقه

على شيء من االفتعال والتصنع، زاده إنهاء فصول المسرحية الثالثة بتجميد المشهد، وتالشي اإلضاءة التدريجي، مما يخل أيضا بالطابع الواقعي

ضناه من خالل الحركة المسرحية والتمثيل في والدرامي للعمل، الذي افتر .العرض نفسهمنهج البساطة التي تخفي » الزوبعة«في ، نهج حسين اإلدلبي الواقع

أن اعلميدة في تاريخه المسرحي، وراءها فنا وصنعة، وبذلك فتح صفحة جد . اتسم باإلطالة وبطء اإليقاعا النص جدير بعرض أفضل، وأن ما شاهدناههذ

نأذا المنهج أتى مختلفا عن خط الديكور وعن خط اللغة الفصحى، كما لكن ه هي أن اإلضاءة الثابتة والمنهج الواقعي يحتاجان ،مشكلة خطيرة تعترض ذلك

.إلى ممثلين فائقي القدرة، ال أعتقد أن لدينا كثيرين منهمسام ب( من بداع كلإ أعتاب التمثيل، فال شك لدينا أنه لوال طالما بلغنا

منى – عصام عبجي – أحمد عداس – أميمة الطاهر – مها الصالح –لطفي يهز المشاعر بصدق إحساسه وتوازن بداعا رائعاإ) عدنان بركات–واصف

النص المتين انفعاله، لما استطاع العمل أن يجذب اهتمام الجمهور، ولفقدفتقدا للتركيز، يئا وممال، وم بطبدأ العرض. الدراميتماسك حبكته وتطوره

لكنه ارتفع منذ منتصف الفصل األول وحتى نهايته إلى مستوى عال من لبث أن أصبح يتراوح الحيوية والتشويق عبر األداء واإلخراج الجيدين، ثم ما

.صعودا وهبوطا مع تفاوت الطاقات التمثيلية

٩ م -بقعة ضوء

-١٣٠-

محمد شفيق المنفلوطي شخصية الشيخ يونس بشكل واقعي أكثر كما قدم.. بة بعدها العميق المتعدد الجوانب ألنه أفقد تلك الشخصية العجي،الالزممن

.خرآ في إخراج )تايرزياس(ذي كان ممكنا أن يصبح البعد العلى القرية الظالمة وتركت أثرها، وكلنا أمل أن » الزوبعة«لقد هبت

:مي أيضا، كي يتسنى لنا أن نقولتكون قد تركت أثرها في مسرحنا القو كأنها لم ته ثم تالشتمس خفيفة ريحا ال.. وبعة قد هبت على مسرحناإن ز .تكن

* * *

-١٣١-

رشاد رشدي

ظالم النور مسرح رشاد رشدي

) مصر-مسرح احلكيم (

رشاد رشدي وإخراج كمال .من تأليف د» نور الظالم«مسرحية كانت ن دمشق الرابع للفنون المسرحية، أول عروض مسرح الحكيم في مهرجايسن

في مقدمتهم يوسف وهبي وسناء جميل وحمدي ،وقد لعب بطولتها نجوم كباريحة حمدي وناديا دين مت الممثلفي ت باإلضافة إلى وجوه واعدة تجل،غيث

.الشناوي» خيال الظل «،»حالوة زمان«، »الفراشة«كتب رشاد رشدي من قبل

يظل هنا أسير المشكلة الواحدة التي تراوحت وهووغيرها، » بلدي يا بلدي«و، ذلك »البحث عن الذات« أال وهي مشكلة ،نسبتها في مسرحياته المختلفة

هائما بين و بفراغ مفجع ألحالم اإلنسان، ليتيه مسلوبا، قلقاالبحث الذي ينتهي ا كلما الح النور ابتلعه لماذ«: أصداء السؤال التراجيدي الملح في مسرحيتنا

»لظالم؟اا حديقتها قديمة انتزعو)لوكاندة(تدور أحداث المسرحية في إرجاء

تبتدئ المسرحية . حلحاإ جديدة تظهر في الخلفية ب)لوكاندة(وبنوا مكانها مايفتأ يظهر بين المشاهد مهد الذي ال،)يوسف وهبي(بشهاب العجوز

» ؟ح لوينجاي منين وراي«: يطرح تساؤالت فلسفية حول الحياة،تعباوم.. شهاب كذاب يا«: مع ذاته فقط حول قتله لبهية التي يحبها شهابويتحاور

-١٣٢-

وتتكاثر الشخصيات األخرى لتدور ».قتلتها باألمل اللي ما يتحققشأنت اللي منها غارق في ذاته يفتش عن وجهه في المرايا حول المحور نفسه، كل

نسان إكل . ويحلم بوهم كاذب..يحادث شبحا.. المتناثرة على جدران اللوكاندة تجهض المحاولة تلو المحاولة من ،بهذا. يرة معزولة، وال أمل في اللقاءجز

ولعل مأساة شهاب هي الموجز لنهاية جميع . أجل الفرح والحب والتواصلا ، مرددالملك لير، مثل يتوه بين األروقةذا الشخصيات األخرى، فها هو

.ة ضياعه التعسنشودأبمزيج من الجنون والحكمة شخاص يشبهوننا بتمزقهم الداخلي أرسم إلى ،إذنتسعى المسرحية،

، ومع ذلك فهم ليسوا بأسوياء )يتنازعهم الواقع والرمز (،وخياناتهم االجتماعية ،) انفصام الشخصية–شهاب : (كل منهم له وهمه أو مرضه النفسي .تماما

وتتناقص .)ور بالذنب الشع–حمدي (،) اليأس النرجسية وسن–عواطف (حةل حول الخيانة الزوجية وحيط هذه العلل، حتى تصل إلى مستوى سأهمية

. الزائفةالحبأوهام ، إلى أن تبدأ دون تأزم أو تصاعد،تمتد أحداث المسرحية متوازية

لتترك ، وتبدأ صروح األحالم باالنهيار واحدا تلو اآلخراألمور بالتكشف،لمسة الحب والحنان، ولكنها تدرك أن ما كانت تسعى تلهف لتأجسادا مسلوبة

في متاهة اللعبة عندما يقع رشدي . خالص شديد ليس إال مجرد وهمإليه بإ. يهتتحول القضية إلى ظالم ومظلوم أحيانا، ويفلت زمام السيطرة عليها من يد

يتوه في دنياه، وتكاد مأساتهم تتلخص في أن اإلنسان كل من الشخصياتلتي تتهاوى الجسور ا وسرعان ما. يحب من يحبه يحبه، وال اليحب من

ببعض الحكمة والتوازن على الوضع ويعلق الراوي. تربط الجزر المعزولة :قائال

الفرق بيننا وبينه أنه يبحث عن . زيه شهاب زينا.. شهاب مش مجنون« فهو ي أما النور الكهربائ».حنا الجبناإ شجاع، و.نفسه ونحنا نهرب منها شهاب

-١٣٣-

ألن المولد ،معادل موضوعي لنور الوهم إذ ال يفتأ ينطفئ بين الحين والحينهذا الصراع . واحدقتفي ويستطيع أن يزود اللوكاندتين القديمة والجديدة ال

بين القديم والجديد يتجسد هنا، بينما الظلمة تكتنف هذا العالم وتغمر شخصياته ى لإ الذي يرمز ،)محروس( يهرع وفي كل مرة يطفأ فيها النور. باليأس

ويظل صديقه . ليعيده إلى اللوكاندة،لعامل البسيط المزود بخبرة التكنولوجيااالمهندس الزراعي الشاب يحلم بإعادة الحديقة القديمة الجميلة إلى الوجود،

أما البستاني . ا أساسات اللوكاندة الجديدةتماما كما كانت قبل أن تنتهك جماله التي ظلوا أربعة أيام ،حلم في حزن بصالبة وصمود النخلة العجوزيف المسن،

تحلم بدورها،.يصارعونها بالفؤوس وهي تئن وتقاوم قبل أن تهوي أخيرا تحلم بالطائر األبيض الجميل ..اءتها وصدقهانوال فزعة واألخطار تهدد بر ثم غرق في الطين عاجزا عن الطيران ،الذي صادفته مرة في الغابة

.التحررويته، وبين الجديد بقلقه صراع بين التعلق بالقديم وشاعر: كلهم يتنازعون

يتوضح أمامنا الموقف الفكري لرشاد رشدي وهو يسعى من ،هنا. وضياعهلعل هذا يتكشف و.ية باطنا عذبة ظاهرا إلى تأكيد قيم رجعخالل رومانسيات

ظهوره ن خالل يحاء على لسان شهاب، مبأسلوب آخر غير التضمين واإلالشكسبيري بين المشاهد المختلفة للحب والخيانة والغيرة، كاشفا البعد السياسي

الحيرة بين نحو ون األجيال بشكل يميل نحو التشكيك،لهذه القضايا في الصراع بيترتسم في النهاية إال شظايا بحيث المحو المعاناة إلى حد بعيد،اليمين واليسار، و

.منحصرة في أفراد من منشأ طبقي واحداإليجابية رته لمجتمع منهار، صوفول البورجوازية، لوال الموقف أل ممكنا أن تكون المسرحية رثاءكان

السلبي المسبق الذي اتخذه المؤلف من بشائر التغيير المتمثلة بالمهندس اء بشكل مباشر، وبشخصيات أخرى بشكل أقل بالزراعي وعامل الكهر

تتحدث عن مصر بالذات، وليس عن » نور الظالم «نإ. مباشرة ووضوحا

-١٣٤-

تتحدث عنها دون رؤية لعربي، أو عن اإلنسان بشكل عام، وهي اإلنسان ا .فكرية واجتماعية واضحة

ينبع من النص وينعكس في « شكال جديدا »نور الظالم«ال تتبنى كما جاء في كلمة مخرجها كمال يسن، بل هي مسرحية تقليدية » ،اإلخراج

بكل ما فيها، تحاول التمسح بكتاب المسرح العالمي، فتستعير بعضا من أجوائهم وشخصياتهم، ولكن تلك اللمحات اإلنسانية الرائعة تضيع في غمرة

» العامية«الترهل الكبير في عدد المشاهد والشخصيات، واإلفاضة في الثرثرة .إلى حد التشابه مع األفالم المصرية التقليدية

وليس في عمقها، ،على سطح الحياةث المسرحية لهذا السبب تدور أحدا. فاألزمة النفسية نادرة الوجود، وتقتصر على شهاب ونوال وعواطف فقط

. تكنيك، بل تكاد تكون مسرحية دونإنها ليست مسرحية حديثة التكنيكإذا كان ظل تشيخوف واضحا على رشاد رشدي في هذا النص، فإن

شظايا صغيرة متناثرة تحت أقدام التشتت واإلطالة هذا الظل يتكسر إلى وإنما تضعفه ، الموضوع كما عند شكسبيريتغن والحبكات الجانبية، التي ال

لسان وتخل بالتأثير التراجيدي، خصوصا عندما يتالعب المؤلف باأللفاظ على ورغم بصمات . والتصفيق أحيانا أخرى،تثير الضحك أحياناشهاب العجوز ل

إال أن ،بسن وكوميديا األخطاء وبيكيت وشكسبير على المؤلفإوف وتشيخورغم التعلق باألساليب . يضعفها» محبوكة الصنعة«التأثير السيء للمسرحية

واالعتماد على المبالغة في األداء من ،التعبيرية، خصوصا في الفصل الثالث، فال تنجو طيةالنم ونقاذ العمل من هوة العاديةإقبل المخرج، فهو يفشل في

.منها سوى شخصيات ومواقف قليلة فلم يكن يوما من األيام أسلوبا مسرحيا منفردا في ،أما المنولوجعندما يلجأ رشاد لذا، . ية بل عنصرا في بناء المسرح،المسرحية الطويلة

-١٣٥-

البحث «حجة واهية هي ، فهو يتجاهل حقيقة واضحة وراء رشدي إلى ذلكإن . ية في المسرحذا الجديد ليس إال تكريسا للسلف، ولكن ه»عن الجديد

هو » البحث عن الذات« حيث ،التقليدية والذاتية هما مشكلة مسرح رشدي .المحور

إدعاء اقتصار المشكلة التي تطرحها المسرحية على مصر نإكما نه من المستبعد أن تكون لمصر مشاكل خاصة تنفرد إ إذ ،وحدها ادعاء باطل

، وحتى لو افترضنا صحة ذلك.قطار الوطن العربيأر بها عن سائان عربي، وذات منطلق إقليمي، ضيق، فالمسرحية تغدو غير صالحة لمهرج

.متعصب ومريضقضية الصراع بين القديم والجديد ال تثار هنا إال من منظور رجعي إن يضع في حسابه القوى المنتجة إال بدافع من الرثاء والرغبة في يكاد ال

اللذين تتالعب ،عند معالجة شخصيتي العامل والمهندس الزراعي (،لتعاليابعواطفهما أهواء بطالت المسرحية البورجوازيات بشكل يبعث على السخرية،

الذي يمثالنه وبطموحهما نحو ،نهما ينتهيان في الحضيض بعالمهماإكما .)يعترفان بيأسهما من إصالح النورالتغيير، إذ تفككها هو جزء نإ يقال من طراز مسرح العبث كيرحية ليستالمس

ورشاد . من األفالم المصرية - كما ذكرت - من تكنيكها، بل هي تقترب ، غارق في ذاتهلمن يوجه إدانته؟ كل: ولكن السؤال هو.. رشدي يدين حقا . والوطن ضائع،والفساد مستشر

حجاب وراء آخر منم ولكن هل يكون الحل باستلهام وه،هذا صحيحي هيكله الميت الظلمة عن طريق النواح على القديم ومحاولة بعث الحياة ف

إن األمر يكاد يكون أكثر خطورة عندما تتأكد رغبة تحت شعار التجديد؟ ال يخفي قيمة إيجابية،ن هذاأاألشخاص في هدم وهجر اللوكاندة القديمة، إذ

اعتراف بأن األمر هو ، بل هوين في العرضشار بعض المشتركأليس كما

-١٣٦-

بما أن العودة إلى الشكل المادي ها في الجديد،ساستلهام لروح القديم وغر . واقعيا على األقل،القديم أصبحت شبه مستحيلة

عيب المسرحية األساسي هو أنها قد جانبت الصدق أن، أخيرا،نعتقد رشاد ولو عوضنا . كما أنها جانبت الفن،اإلنساني في طرحها للموضوع

، لحقق شيئا ألكثر القضايا تشاؤما وقتامةرشدي بمعالجة فنية جريئة أو جديدة .لكنه لم يفعل –مثال » بلدي يا بلدي« كما فعل في –له قيمة

استقبل جمهورنا نجوم مسرح الحكيم بحفاوة تليق بأدائهم الجيد إجماال، كل من يوسف فرغم صغر األدوار التي لعبها. رغم وضوح تفاوت التمثيل

إال أنهم أكدوا خبراتهم الكبيرة عبر ،وهبي وسناء جميل وحمدي غيث وجذبوا ،عشرات السنين في فن التمثيل المسرحي، فانتزعوا إعجاب الجمهور

اهتمامه وتصفيقه، وذلك ألنهم أغنوا أدوارهم بعطاء كبير من العناية ا كان أداء كل من كم. بتفاصيلها الصغيرة وإضافة اللمسة اإلنسانية إليها

شابتين تبشران بمستقبل فتا للنظر كطاقتين المديحه حمدي وناديا الشناوي البنت )مها( استطاعت األولى أن تجسد بأداء طبيعي جدا شخصية .ممتاز

اللعوب العاشقة، وقد وصلت إلى قمة أدائها في حديثها مع زوجة الرجل الذي أما ناديا الشناوي فقد بذلت عناية .تهتحبه على الهاتف دون أن تعلم أنها زوج

شديدة بتفاصيل حركتها وتعبيرها، خصوصا وأنها تؤدي شخصية فتاة مرهفة الحساسية تعيش حالة شعرية من النقاء والحب وتذكر بجمالها وبراءتها بإحدى

وكما انفردت الشخصية بجو . زهرات تشيخوف في عالم من الفساد المدمر .نسياب والرقةردت الممثلة بأداء كالسيكي شديد االشاعري مرح ومؤثر، انف

من الممكن جدا أن يعطي تقليديا إلى حد كبير، وكانكان الديكور للمسرحية عمقا أكبر ورمزا أعمق، خصوصا لو استغلت فكرة المرايا على

عادية، كانت الموسيقا اإلضاءةبينما كانت . األعمدة والجدران بشكل واسع .ار ومؤثرةجيدة اإلختي

-١٣٧-

: هو، السؤالأخيراهل مستوى هذه المسرحية مع حساب تكاليفها ينسجم مع عرضها في مهرجان المسرح العربي؟ لقد سبق أن وقعت مصر في نفس الغلطة لدى

، فهل تمثل هذه »نور الظالم «قبل» سكة السالمة«و» بير السلم«ها عرض القضية نإية وفن، أم األعمال آخر ما وصل إليه المسرح المصري من طليعل لجنة قراءة عربية عليا ال تتعدى لعبة النجوم؟ لعل هذا يؤكد وجوب تشكي

إن لم يتوفر لها اإلطالع على ،على األقل، » دمشقمهرجان«لنصوص .عروضه

* * *

-١٣٨-

-١٣٩-

سعد الدين وهبه

احليطة بتتكلم....يا سالم سلم

) مصر-يم مسرح احلك(

إن الشجرة الظليلة التي تعطي الناس الثمار وتمنحهم الظل قد تمنح « ».الثعابين فرصة العيش بين فروعهاليه مسرحية سعد الدين وهبة تكز إتر، الذي هذا هو محور المضمون

من إخراج نبيل األلفي، وهي العرض الثاني ،»سالم سلم الحيطة بتتكلم يا« .للفنون المسرحية دمشق الرابع لمسرح الحكيم في مهرجان

كما يقول ، هجرية٨٧٤ – ٨١٣فتدور فيما بين ،المسرحيةأما أحداث كل شيء يمكن أن يتصوره «الراوي المؤرخ لتلك الفترة التي حدث فيها

من الوالي الغارق : ويقدم الراوي لنا الشخصيات واحدة تلو األخرى».عقلى عموم الشرطة الشبق، إلى القاضي تابك األكول، إلفي الخرافات، إلى األ

المرتشي، إلى الوزير المتآمر، وصوال إلى الداعر المهذار، إلى المحتسب تتردد قصة الحائط الذي تكلم فجأة في أحد أحياء ،خالل هذا التقديم. السلطان

جواب، حتى يب له يخ فال ،القاهرة الشعبية، وأخذ يجيب على أسئلة الناس . ينشدون له ويتبركون بهأخذواتجمعوا حوله،

من شأن هذه نإوبدأت خطورة الحائط تتضح سريعا لرجال الحكم، إذ على كثرة الضرائب وجور المعجزة أن تنور الشعب وتدفع به إلى التمرد

ويزورون الحائط، فإذا بهم أن يتنكرون رجال السلطة ، يقرر هكذا. األحكام

-١٤٠-

قي بالحكمة على الناس، بينما يكتشفون أن هناك امرأة تختفي وراءه وتلمن المعجزة الزائفة، فيلقون القبض عليها ليحاكموها ) عمر(يتكسب شريكها

تتناقض األقاويل . قيقة مقصدها من تحريض الناسفيما بينهم ويعرفون ح، وتثير المرأة الغريبة احترامهم وإعجابهم جميعا بجمالها وثقتها واآلراء حولها :بنفسها وتحديها

. كنت مغنية وغانية. كنت زوجة وعاشقة. فعلت كل شيء «-: أةالمروهي » .كنت أميرة وشحاذة وفي النهاية صرت حائطا من الطوب والحجارة

:قد اخترعت ذلك الوهم الزائف في أذهان الناس ألنه ».رائجة فال بأس أن نشتري به الخيرلعندما يصبح الكذب هو العملة ا«

السلطنة قتل المرأة، ولكن بعد أن ينال يقرر رجال السلطة في مجلس األخبار التي سبب بيتعثر هذا القرار فجأة،. ويرضي رغائبهكل منها مآربه

ادهم أن صمت عتقى هجرها اللإتصل من القاهرة بأن الناس في سبيلهم .المعجزة يبشر بالمصائب وغضب الرب/الحائط

،دة إلى وراء الحائطناع المرأة بالعوقإ يقر قرار المجلس على ،عند ذلكتكون لسانا طيعا ة بما يوحيه إليها مجلس السلطنة، بحيث ولكن لتتكلم هذه المر

خيرونها وي،يواجهونها باألمر. مره مقابل إشراكها كأحد أعضائه يأتمر بأ،له مبررة قبولها ،تقبل الخضوعالصعب، أمام االختيار . بين القبول والموت

، واعتباره ضحية لمجموعة من األعوان الفاسدين، بحبها للسلطان عندما رأتهويعود الحائط للكالم، . وألن صوتا شريفا في مجلس السلطنة خير من الشيء

،مع ذلك. ماما ألن الصوت لم يعد صوتهم ت،ولكن الناس يبدؤون بالتناقصوما أن . من تأثيره عليهميقرر مجلس السلطنة إنهاء أسطورة الحائط خشية

ر نفسه وقد اتخذته حتى تفاجأه بالقرا،السلطان المرأة ليخبرها بقرارهيستدعي لكن رسوال يأتي ليخبرها أن الحائط تكلم بصوت آخر فعزل . لصالح الشعب

السلطان ونصب الوزير سلطانا، وينقض الحرس عليهما ليودعانهما السجن

-١٤١-

خان واجبه في ويتبادل االثنان اللوم ألن كال منهما. في انتظار حبل المشنقة ،فجأة. اس وسيلة يرقى بها فوق أمانيهم وجعل من خداع الن،سبيل اآلخر

وبينما يتسلل السلطان إلى الريف ليعد .ايظهر قائد حرس السلطان لينقذهم تتجه المرأة إلى الحائط الذي أصبح لسانا ينطق ،قواتا يستعيد بها عرشه

.هن هؤالء على الحائط ويهدمو فينقض،بأوامر السلطة لتكشف حقيقته للناس تختفي المرأة ، في حينتعلن األنباء انتصار السلطان وعودته إلى عرشه

. كما ظهرت فجأة،وتابعها فجأةتتميز هذه المسرحية بين مسرحيات سعد الدين وهبة بمرونتها وقابليتها

حيث يتصدى ،للتفسير، األمر الذي يجعل منها أكثر خلودا من باقي أعمالهسبع «و» المسامير«عل في ما فمواضيع الساعة بمباشرة فانتازية، مثلمعالجة ل

األول هو محور القصة : مسارين متوازيين» سالم سلم يا«تتخذ . »سواقيالتي استلهمها وهبة من التاريخ العربي حول الحائط الذي تكلم، والثاني هو

قابلية للتفسير هو لعل أكثر األمور .المدلوالت السياسية التي يطرحها العمل ،مدلول الحائط، وإلى ماذا يرمز؟ إن اإلجابة تفترض تناسينا لألسطورة

.وتركيزنا على البعد المعاصر للموضوع أم ماذا؟ في رأينا ،شتراكي أم اإلتحاد اال، أم الثقافة،ترى أهو اإلعالم

، هو لسان كان ينطق بالحقا محدد الحائط هو شيء مجرد أكثر منه شيئاأنللمواجهة يضطر ثم قبل المهادنة حفاظا على وجوده، ولكنه بدافع الصدق

إنها حكاية الثقافة والصدق في الثقافة أمام .وكشف موقف اإلدعاء والتزييف .هاتصلحممحاولة السلطة لتوظيف صوت المثقفين ل

لقضية التي يبدو لي أن سعد الدين وهبة منسجم مع نفسه ومخلص لكما هي مشكلة مسرح - هاوعيبالمسرحية لكن مشكلة . اتهتميزت بها مسرحي

فقد وضعت تفسيرا محددا وثابتا لدور : هو التساؤل عما يعنيه التبرير -وهبة السلطان عندما جعلت منه ضحية وبرأته من أخطائه، األمر الذي يمكن أن

! على جميع السالطين قديما وحديثا دون تمييزسحبين

-١٤٢-

كنت أفضل لشخصية السلطان فنيا أن تكون أكثر غموضا وتعقيدا وتراجيدية، وربما في إطار المسرحية أكثر حماقة، كي يتورط في مجموعة

شخصية نإكما . من األخطاء، ويتجاهل تشذيب سلطته من المستغلينعدا عن كونه و. اإلنساني من خالل أداء كمال يسنالسلطان لم ترتسم ببعدها

فإنه فشل في تقديمها كإنسان ،يرسم أمامنا شخصية محببة أو عظيمةلم وضحية، وهو أمر يحتاج إلى حضور معين ورهافة كبيرة في الحس التمثيلي

يجسدها وال،يفيدها اإللقاء المحترف ذو الوتيرة الواحدة إلى حد االصطناع ال .بتناقضها السياسي واإلنساني فأغنت المسرحية بشخصيتها ،)ة دور المرأفي(، أما سميحة أيوب

ه المرورالذي صقلعي البسيط دون افتعال، القوية المسيطرة وأدائها الطبي إال ،ورغم صعوبة وازدواج طبيعة دورها كرمز وكإنسانة. بتجربة برشت

هي كل النساء في كيان واحد، )المرأة(إن . أنها حققت توازنا يثير اإلعجابتبرر أن الغاية ال من أجل الحب، وتكتشفتساومتكذب من أجل الخير، و

ألن الوسائل أحيانا تغرقنا عن غاياتنا في مستنقعاتها الموحلة، فتقرر ،الوسيلةجوهرها الطيبة والحب، ولكن إن . المواجهة والتحدي لصالح النقاء) المرأة(

بطلة حديثة : إنها البطلة التي تخطئ. لعبتها تسفر عن خيانة للنفس وللهدف .ي حقاه وكأنها تقانإمسرحية قديمة األحداث، قدمتها سميحة أيوب بفي

القاضي ( فتميز كل من شفيق نور الدين ،أما بين باقي الممثلين، فقد أدى كل )قائد عموم الشرطة الشبق( ، وعبد الرحمن أبو زهرة)الماجن

ثا ته، فبعمنهما دوره بإطار إيمائي كوميدي يوازي طرافة الحوار وحالوة نكت ضمن مجموعة الروح في الفصل األول، كما انتزعا الضحك والتصفيق،ب اللهجة يلقاء رتإكبيرة من الممثلين الذين يؤدون أدوارهم بافتعال حرفي و

ليا على الصيغ التقليدية ويعتمد اعتمادا ك،يكاد يخلو من فن التمثيل النفسي . تفاعل الممثل مع الدور نفسهبدال من

-١٤٣-

من ذلك لتمثله أسلوب المهرج الشكسبيري، من أبو زهره نجا عبد الرح تابع المرأة، ولكن هذه المرة )عمر(وكذلك فعل فاروق نجيب في دور

. حينا آخرف تتألق حينا وتس،بطريقة مصرية تهريجية أكثر منها كاريكاتيرية فلم يواز النص بطاقاته الفنية وحواره المكثف، ،أما إخراج نبيل األلفي

م يستمد من تغريب بداية الفصل األول شكال خاصا يضفيه على العرض ول .عن طريق بقع الضوء والحركة

إال أن ،رغم أن األلفي حافظ على تكوينات معقولة وجيدة جماليابومثلين نقلت مرسمه للحركة افتقد الحيوية والعفوية، فاعتمد على وقفات جامدة لل

يبدو أن المخرج كان . وأثرت على اإليقاع، الجمود إلى مشاهد الفصل الثاني واحدة هي أنه كلما حرك ممثليه محاوال ربط محقا في تخوفه من ناحية

ضفنا لذلك سوء أإذا . حركتهم مع كالمهم، جاءا غير متماشيين مع بعضهماعال (مستويين عدم اعتماد إيحاءات نفسية عبر الحركة على تقطيع الكالم،

وفقدان إيقاع موحد للعرض بحيث ظهر الفارق بين ،اءاإللق، رتابة )ومنخفضالفصلين األول والثاني، يتأكد لدينا أن نصا كهذا يحتاج إلى حساسية إخراجية

. ذات إيقاع معين لم يحققها نبيل األلفي إال بشكل محدود

* * *

-١٤٤-

-١٤٥-

فرجألفريد

ير ساملالز نص صعب وتفسريات متعددة

)سورية -دمشق –املسرح القومي (

في دمشق العتيقة يمتد زقاق ضيق على كتف الجامع األموي محاطا

ببقع الضوء والظلمة، بالتعاويذ واألساطير وأغاني بالدكاكين الصغيرة، ينتهي الزقاق بدرجات قليلة حيث تقع قهوة اسمها . الصبية في الشوارع

يروي أساطير عنترة والضاهر والزير ) الحكواتي(، وفيها ما زال »وفرةالن«فما «. سالم الشعبية، ويستصرخ لجمهوره صورا من تاريخ قديم شديد الثراء

لهم أجيال المصريين والعرب، وثبتهم على كراسي المقاهي وندوات أالذي ول يقكهنا من »تون لسيرة األمير سالم العجيبة؟االستماع مئات السنين ينص

ولكن ما هو السر الذي يجعل من األسطورة شيئا حيا ،ه انطلقنإ فرج ألفريدخرج من باقيا في خيال الناس؟ لقد طرحت على نفسي التساؤل نفسه وأنا أ

.ماع إلى الحكواتيبعد االست» النوفرة«قهوة

:الملحمة والتراجيديالشعبية وفن جذب صديق انتباهي إلى عالقة ممكنة بين السير ا

ا م رغم سذاجة تركيبه،ياتاإلغريق تماما ك،ام وعزا إلى ذلك خلوده،التراجيدياما لبثت أن رفضت الفكرة نهائيا عندما وجدت أنه من الخطأ الفادح .فنيا

١٠ م -بقعة ضوء

-١٤٦-

. اعتبار شخصية الزير أو عنترة صورة تقترب من البطل التراجيدي في شيءمة صورها خيال شاعر مجهول، إن هذه السير ليست إال مالحم شعبية قدي

تتناقلها األلسن والكتب بسبب اتساع إطار الملحمة بوجدانيات الشعب الذي .تعبر عنه

» األلياذة« في أبطالها وبنيانها من تقترب الزير سالم كأسطورة شعبيةسخيلوس ألهوميروس أكثر بكثير مما تقترب من تراجيديات » األوديسة«أو

بناء تراجيديا : فرجتلك كانت محاولة ألفريد. سس أو يوربيديأو سوفوكلي ،مستوى فلسفي مطلق (،عربية معاصرة وملحمية الطابع لها أكثر من مستوى

، تستلهم التراث الشعبي )اسية تتبدى مع اختالف العروضيثم تفسيرات س مستفيدا من تأثيرات سوفوكليس وشكسبير ،لقد حاول فرج. وتستفيد منه

ربية حول أن يقدم مأساة ع،يم والمسرح الشعبيوبرشت وتوفيق الحك هل نجح؟. موضوع طلب العدل المطلق

العدد (» المسرح والسينما« فرج في حوار أجرته معه مجلة ألفريديقول . كلهم يبحث عن العدل المستحيل«: متحدثا عن أبطاله مفسرا مواقفهم) ٥٠

أو .. ع قوى عليا التراجيديا هي صراع منإفإذا كان من حقي أن أقول .. تطرف في طبع اإلنسان، فإن ما أستطيع قوله هو أن اإلنسان طموح

ومصدر قلقه أنه ال يستطيع أن يحقق المطلق، بينما هو يفهم المطلق، يعرفه وال يستطيع تحقيقه، فالكون بطبيعته ال يعطي المطلق تحت أي ظرف من

الشيء يحقق الظروف، فقلق الزير سالم من أجل العدل يكمن في أنكان الزير قلقا ألن الكون يعبث باإلنسان، لكن هذا . إال عودة كليب» المطلق«

».العدل ال يشترى ألنه حق مشروع. .القلق أخذ شكله الحاد بعد مقتل أخيه هل ، ولكن»العدل المطلق«ألفريد فرج عن بهذه الكلمات الجميلة يتحدث

قبل بالتسوية في ختام الزير وييصدق؟ ألم يسقط طالب العدل المطلق سالم ؟ ألم »تراجيديا عربية معاصرة«لمسرحية هو تقديم األم يكن هدف المسرحية؟

-١٤٧-

» حالق بغداد«و» سقوط فرعون« فرج المتصاعدة منذ ألفريدتكن هذه أهداف التبريزي على جناح «ثم كوميديا » الزير سالم« إلى ،»سليمان الحلبي«و

هي مجرد إذن، أم ترى، واتصالها بناسرحية؟ أين معاصرة الم»وتابعه قفة قالب فني لقضية فلسفية؟

:قصة الزير

محور المسرحية هو أن جساس البكري يقتل ابن عمه كليبا ملك ، عن القصر سالم الزير،التغلبيين بعد أن أبعدت الملكة جليلة أخا كليب

ما ،كليب يمامةابنة مع رافضا ،يصمم الزير على االنتقام. لمجونه واستهتارهيعرضه أمراء بكر من تعويض إال أن يعود كليب حيا، فذلك هو العدل

خالل وبعد معارك تسيل فيها دماء الطرفين. معقول رغم أنه عدل ال،المطلق جريحا سبع أن الزير قد قتل، بينما يرقد يظن البكريونحرب البسوس،

الذي أخفته أمه عن ،ويلتقي هجرس ابن كليب. سنوات يفقد بعدها ذاكرته، فيقتالن جساس، بأخته يمامة، ويلتقي الزير بخصمه القديم وقاتل أخيه،العدو

ليحل السالم بين الطرفين بعد حرب ،يعتلي هجرس العرش. بعضهما . مناديا بفكرة االئتالف القومي،ضروس بين األخ وأخيه

تراجيديا أم ملحمة؟» الزير«هل

ل ظاهرة األسطورة الشعبية عند العرب من أفضل أال نتوقف هنا لتحلي رغم ما لذلك من أهمية لفهم حضارتنا وأنفسنا، بل أن ،وجهة نظر علم االجتماع

. قبل أن ننتقل لمناقشة المضمون من خاللهبحث في الشكل الفني للمسرحيةنشخصيات : روبيةوعبارة عن تراجيديا عربية في ثياب أ» الزير سالم«

يخ العربي تتحرك على صلبان وألوان وأشكال هندسية لها أصول في التار .وعالقات مدروسة

-١٤٨-

ببساطة في إطار الصعيد قصة العدل المطلق كان يمكن أن تدور ألم يقدم محمود دياب تراجيديا عربية في . المصري أو أي ريف عربي

؟ كذلك فعل يوسف »ليالي الحصاد«؟ ألم يستلهم التراث الشعبي في »الزوبعة«الزير «، ماذا أضافت إذن). بلدي يا بلدي–الفرافير (رشاد رشدي ادريس و

؟»سالمبية الشكل، فكثير و، لبناء تراجيديا كالسيكية أورإنها محاولة، كما ذكرنا

وهجرس في المقبرة مماثل يذكرنا بشكسبير، ومشهد لقاء يمامةمن المشاهد بطال األسطورة أتحول . ورست عند سوفوكليسألكترا وإتماما لقرينه بين ا

لفريدأواستطاع . »زلة«فعال إلى أبطال تراجيديين يقع كل منهم في الشعبية - عدا هجرس -فرج في هذا أن يحقق أقصى النجاح، إذ جعلهم جميعا

.متساوين في أخطائهمنكاره لجساس وهمام وسلطان أوالد إإهماله، وه، ؤخطأ كليب هو كبريا

إلى مما أدى ، هو ويمامة،العدل المستحيلخطأ الزير هو المطالبة ب. عمهخطأ جليلة أنها تسببت . حشية سقط فيها المئات من الطرفين إبادة وحمالت

خطأ . مدا في طرد سالم من قصر زوجها، فأفسحت لقاتله مجال الطمأنينةعسوة وخطأ جساس هو التحول إلى الشر والق.يمامة هو جنون مطلبها

لكنه لم ،على األصل النبيل للبطل التراجيديج ألفريد فرحافظ . المطلقين محققا المزاوجة بين ،)هد األول، الفصل الثالثشالم(يغفل عنصر الشعب

خصوصا في ختام ،واستطاع تحقيق رعشة الخوف والشفقة .أرسطو وبرشت، وفي مشهد لقاء هجرس بيمامة، وفي مشاهد )مقتل الزير (،الفصل الثاني

. ثم على أخيها نفسه،زوجها الذي قتل بسبب أخيها وهي تنوح على ماءأس في عرض المسرحيةفي القاهرةالمصري المسرح القومي يوم قدم

عبد اهللا ت دور البطولة فيه سميحة أيوب مع أخرجه حمدي غيث، وتقاسممجلة ( فبينما امتدحها فاروق عبد القادر .غيث، القت نقاشا طويال بين النقاد

-١٤٩-

، ووقف أمامها الدكتور عبد القادر القط وقفة )الكاتب(هر ، وبهاء طا)المسرح، هاجمتها بحدة شديدة الناقدة صافي ناز كاظم، ولم )المسرح(مناقشة حيادية

والذي يبدو أن عرض المسرح القومي في ،تنجح جماهيريا النجاح المتوقع لها .سورية قد القاه

لعربي سيف عربي وهاج اخترق جدار المسرح ا» الزير سالم«المعاصر فعال، ولكن هذا السيف ما عاد عربيا تماما، وهذا السيف حمل

أعمال المسرح تخفى عن عين ناقد على حده كثيرا من الثلم التي الالكالسيكي نفسه، ال لشيء ألنه صار من الممكن االستغناء عنها في المسرح

سعى لتحقيقها عن التراجيديا التي ت» الزير سالم«لقد ابتعدت . الحديثمفهوم المسرح جهة، وكأنما من لكثرة مشاهدها إلى حد الترهل ،بكمال

سهاب دون معنى، فمشهد قتل التبع حسان يروى الحديث يفرض هذا اإلكل . ثم نراه ممثال، وكذلك مشهد محاولة اغتيال الزير وخطف جثته،أوال

منا منها سوى يه ألحداث ال، وليس تصاعدا هرميا،هذا مجرد سرد أفقي أتى هذا السرد ،لذا. دالالتها التي تعمق مفهوم الشخصية والحبكة المسرحية

،»التركيبي« على أسلوب الملحمة ،)ربما الالشعورية (،من قبيل المحافظةأتى كمحاولة لإلبهار كما . »التحليلي«ى أسلوب التراجيديا وليس عل

ضاءة ومسرح دوار ومتفرج باستغالل التقنيات المادية للمسرح الحديث من إعنف على ال،في التراجيديا الكالسيكية. اعتاد متابعة السينما والتلفزيون

تل في خصوصا عروض المبارزات والق(كما قدمت المسرحية -المسرح فرج إذا حاسبناه على لفريدأ لكننا نظلم - ) عرض المسرح القومي السوري

مؤكدا : د رواية الحدث مقلوباية بحتة، ألنه منذ البداية أعاأرسطأسس إن االعتراض يأتي هنا على اإلفاضة التي . استفادته من أسلوب برشت

يملي على كاتب كشكسبير كان نقص المتطلبات الفنية. ثيرتضعف التأ، ولكن هل نحن مضطرون في مسرحية طويالا ذاتيامونولوجات وحوار

-١٥٠-

ميع الشخصيات في محاولة أن نوزعها بالتساوي على ج» الزير سالم«مثل وليس ،إلقناع الجمهور باألفكار الفلسفية الذي تطرحها المسرحية كمقالة

كمسرح؟ و فرج أن يقرر هل يرغب في خلق تراجيديا معاصرة أ لفريدأكان على

مسرحية ملحمية معاصرة؟تلك ثغرات تفرضها صعوبة المحاولة التي تظل عالمة مـضيئة فـي

. فرج حتى اآلنلفريدأ ما كتب وأفضل،المسرح العربي

؟من هو الزير

ملك بني قيس، بكريين وتغلبيين، وأخو كليب صاحب ،هو ابن ربيعة«بادية الشام وتخوم دولة الروم وشمال الجزيرة العربية وسيد القيسيين، الشاعر الخالد، الماجن العربيد المنتقم لمقتل أخيه انتقاما داميا عنيفا تحدث به التاريخ، أبو ليلى المهلل، األمير سالم، زير النساء، فارس الوقائع العجيبة وصاحب

الفارس المغوار، والمحب ألخيه فوق كل اعتبار، «: هو».السيرة الغريبة ».الداعر الماجن، الداهية، والبطل المدافع عن حقه

ه الذي اغتيـل و هي أن يعود أخ ، يطلب معجزة صغيرة فقط كان الزير منـذ هردتأف«: الزير مخاطبا جليلة . التوحد إلى حد التقمص ويصل هذا .حيا

: ويـضيف ».من خاللي أنا يسامحك أو ينقم عليـك . أنا حامل وصيته. ذلك في قلبي ».أنا هو كليب، األب والملك«

وال يعيدها، ،الزمن جدار يسرق اللحظة. ال رجعة فيه،لكن الزمن قاسولما كان سالم الزير عربيدا في «.وبه يبطل كل أثر رجعي للعدل المطلقعر ال يطلب إال الحقيقة لشا في ادالحب ال يطلب إال اللذة الكاملة، عربي

».كر ال يطلب إال الحقيقة الكاملةالكاملة، فقد كان عربيا في الف

-١٥١-

، فيقدم كليبا كطاغية، على أية حال، السيرة الشعبيةيناقض التاريخ فرج استلهم السيرة وليس لفريدألكن . الةكثائر يقتله ألجل العدوجساس

.بعالتاريخ، فالسيرة أكثر خياال وأكثر التصاقا بالش

:اتهامات خطيرةاتهامات يوم ظهرت، سأحاول عدة » الزير سالم«مسرحية إلى وجهت :التاليأن أكثفها في

سطورة غير واقعية أضحت ساذجة بمفهوم أإن هذه المسرحية تعالج -فهومها المطلق، وهي ال تصلح موضوعا للمسرح العصر حتى بم

الحديث، ألنها مجرد شيء من التراث الشعبي يتداوله الناس في أوساط .غير متعلمة

ئة بالدسائس إن هذه المسرحية تعالج فترة حالكة من تاريخنا القديم، ملي - فهي تطرح اليوم صورة غير مشرفة عن ، لذا.والمؤامرات والتجزئة

.ياإلنسان العرب

سلمي حلجاد يفسر بعضهم المسرحية عندما ظهرت بأنها دعوة إلى إ -جنون، ويصبح طلبا لهدف لقضية الشرق األوسط، إذ يبدو فيها االنتقام محض

مع مطلب » كليب حيا« تتساوى استحالة مطلب يمامة والزير ،بذلك. مستحيل .»تحرير فلسطين«العرب

منطلقين من ،هامات واحدا واحداجد لزاما علينا أن نناقش هذه االتنالسياسية أيضا لم يكن إن - افتراض إخالص الكاتب لمواقفه الفكرية والفنية

. وإال فسيكون من العبث الكتابة عنه أصال-على » الملك لير«عندما قدم المخرج اليساري البريطاني بيتر بروك

للسينما » لملك ليرا«و » هاملت« وعندما أخرج الروسي كوزنيتسيف ،المسرح

-١٥٢-

شمولها : تلك هي ميزة مواضيع الفلسفة. كانا يعالجان قضايا العصر،أيضال أبعادا معاصرة خلف حمالمسرح اليوناني مسرح سياسي يمكن أن ي. وخلودها

فرج نفسه في حوار مجلة لفريدأوال أجد خيرا من إجابة . صراع اإلنسان والقدر يقول شارحا رأيه في عالقة التاريخ باألدب ، الذي أشرنا إليه، إذ)المسرح(

:ومعاصرتهغراب بقصد معايشة إنه نوع من االغتراب لالقتراب، ونوع من اإل«

ه هذا األسلوب من فيالواقع، وألن مسرحي مسرح فكري، وألن فن المسرح التجريد، وألن الذي يستهويني هو الحقائق األساسية واألفكار األساسية، فربما

الشخصية التاريخية شخصية دعأإنني . التاريخ والفلكلور لتحقيق هذاألجأ إلىهي تصور العصر . معاصرة بكل معنى الكلمة لكنها شديدة التركيز والتكثيف

الحياة والبيئة بنوع من الشمول والدقة قد ال يتوافر لها إذا اختلطت بظروف ».وكليشهات الحياة اليومية

،ن أن يواجه إعادة تركيب األسطورةسؤال المعاصرة سؤال نسبي يمكها اآلن في إحدى الفيالت تماما كما يمكن أن يواجه مسرحية تدور حوادث

. أو الشوارع الحديثةاألنيقة المسرح والفن عموما تسجيل نإأما بالنسبة للقتامة، فال أدري من قال !أن تكون متفائلة على التراجيديا نإللحظات المضيئة من التاريخ، وال أدري من قال

وقسره في ،»الواقعية االشتراكية«موقف مدرسة بدعاء اإلمن السخف إذا تبنينا . وال يمكن أن تكون،الحكم على أعمال ليست لها فنيا هذه الصفة

امنون الفاسدة، وكل فضائح عائلة أغ» أوديب ملكا«عدمنا أل،مثل هذا الموقفاسين وكورني وأوكيزي وأونيل ولرفضنا هاملت وعطيل ولير، ومسرحيات ر

لناه من ف دوماس ورافائيل ساباتيني وما أغوويليامز وبيكيت، وقصص اسكندر . هراءعديد األسماء بينها، وهذا

-١٥٣-

تستطيع أن تضعني «: فرج عن سؤال حول فكره السياسيلفريدأيقول بمعزل عن » يسار عربي« ترى هل هناك فعال ، ولكن».في اليسار العربي

إلى هذا اليسار العربي المطروح؟فرج حقا ينتمي ؟ وهلالعالمياليسار ألول مرة موجة من الفكر » الزير سالم« ظهور مسرحية ترافق

ائي إلمكانية وجود تسوية سلمية لمشكلة الشرق األوسط، فظهرت عالد - »إلقاء اليهود في البحر« تحقيق العدل الكامل ونإالمسرحية وكأنها تقول

فكرة - التي روج لها الصهاينة على لساننا للدعاية واستدار الشفقة وهي الفكرةا حقن فقط العدلنه ال بد من قبول بعض التنازالت، وشيء منإمستحيلة، و

.لدماءل التي ،»النار والزيتون« فرج بمسرحية لفريدأ يخرج علينا ، فجأة،ولكن

ف صة بوحدة البلمطاضمير العالمي حول قضية فلسطين، تحمل راية إثارة ال . سوى لغة النار مع العدو الصهيونيواستحالة إيجاد تفاهم

في صياغة مسرحياته الرأي العام العربي ، إذن، فرجلفريدأهل يتبع المطالية ووجوب قبول تسوية مع رواج الدعوة لذلك ىبمسرحية حول ال جدو

فلسطين الثورة بدفع من الدول الكبرى واألمم المتحدة، ثم يأتينا بمسرحية عن ية علينا مع تصاعد نشاط المقاومة العربية؟ أم نرى أن تأثير السياسة اليوم

لها عالقة بالمسرح؟يجعلنا نتوهم أشياء ليس. قد حملت أكثر مما تحمل»الزير سالم« أرى أن أسطورة ،مع ذلك

وإذا كان التفسير المطروح هو الدافع لكتابة مثل هذا العمل، فهو دافع مهلهل أر والدم والعدل ثكلة الشي ال أعتقد أن منلكن. وإنما فنيا، سياسيا فحسبليس

األول بين صديق وعدو، : يمكن أن تثار على نفس المستوى في صراعين ، تتحدث عن الصراع الثاني»الزير سالم«إن مسرحية . والثاني بين أخ وأخيه

به، وهيوف المحيطة بالمطالبة بمعزل عن الظر،وليس عن عدل مطلق

-١٥٤-

إذا كان معروفا أن الكاتب المسرحي ال يصوغ . ميو القاالئتالفدعوة إلى وأحيانا في سنين، لرأينا أن ربط العمل ، وإنما في شهور،مسرحية في أيام

بتفسير أحادي يعتمد على األحداث السياسية واإلعالمية اآلنية المرافقة له هو تقديم المسرحية في مصر في كان ، ذلكرغم. فيه كثير من التعسفربط

فرج هو إلى يمين اليسار العربي إلى درجة تثير لفريدأحينها مشككا في أن ولكن هل . التساؤل، إذ ارتبطت آنذاك بالظروف العامة المحيطة بالبالد

المسرح دعوة؟ وهل تتضمن المسرحية دعوة إعالمية أو دعائية لفكرة ما؟ أم حلول؟دونعاد واقع أب، مع تحميلها المسرح هو إعادة خلق األسطورة

ء إلى مسرحيته بالكلمات األخيرة التي ا فرج أسلفريدأ أن ،في رأيناإنه في هذا . »بعض العدل«، جاعال إياه يقبل وضعها على لسان بطله الزير

ما كان لها من » موعظة«قد خرج عن فن المسرح الحديث إلى تضمين رغم تساقط ،النهاية مأساويتهاوهو يضعف بهذه . حتى فنيا،ضرورة

.واحدا تلو اآلخر ينيأبطالها األساس وعلى رأسها تعدد المشاهد ،هناك سلبيات أشرنا إليها في بناء المسرحية

الزير «لكن . التراجيدية والمسرحية الملحميةوالخلط بين روح المسرحية في بعض تدل على وعي كاتبها وثقافته المسرحية الغنية، فقد برزت » سالم

، )مشهد جليلة وهجرس الصغير والكبير (،مواضعها لمحات رائعة من الفنمشهد لقاء الزبير بشبح كليب مثل (كما رقعت بمشاهد لم تكن أكثر من تقليد،

مونولوج الزير الطويل الذي يبرر به دمويته ولقاء هاملت بشبح أبيه، لل ثماالم ).ل أخرىوأعما» ماكبث«وانتقامه يحوي عبارات كلمة من

لى ع أضفاه المؤلفلكن من األشياء المثيرة لإلعجاب ذلك البريق الذيبينما كانت .ةحجالكاتب الذكي لحبكات جانبية ناشخصية الزير بفضل استخدام

في إرشاداته المسرحية والتعليق شودرالمونولوجات تماما كمحاولة برنااإلضافة في .ا يعطيه العمل نفسهممرحياته إضفاء إبعاد أوسع وأدق على مس

-١٥٥-

:والنقد.. المسرحيةالنقد الذي كتب عن المسرحية عندما قدمها الدكتور رفيق الصبان في

، وفي ولكنه مجمع على االهتمام بالمحاولة الكبيرة،سورية مختلف المستوىما هو لم يكتب معلقو الصحف اليومية . اإلساءة المعتمدة إليها.. نفسهالوقت

والتوقف، بينما كتب أحدهم عن المسرحية دون أن يراها جدير بالمناقشةالزير « عن كتب سعد اهللا ونوس. وليس عرضا» لبروفة جنرا« وفي ،كاملة لكنها لم تأت من وجهة نظر موضوعية، ومن هنا ،كتابة رشيقة وذكية» سالم

جاءت محاولته كتفسير جديد لألسطورة الشعبية يهتم فيها بقضية الصراع . سبب من أجل خالفات أسيادهمدونالناس البسطاء الذين يموتون الطبقي و

. فرجلفريدأ ولكنه ليس المحور الرئيسي الذي ارتكز عليه ،هذا تفسير جيد ،»رأس المملوك جابر« ونوس فعال ما دعا إليه في مسرحيتهلقد كتب

فهل هي الموضوع الوحيد المطروح؟ لم يركز اهتمامه على فرجلفريدأرغم أني أوافق ونوس في أن بو

مقطع وسأضطر هنا إلى إيراد .أيضا لم يغفلهر، إال أنه كالموضوع الذي ذ وقد سعى إلى ذلك عرض -يمكن أن يطرح شديد األهمية في المسرحية، :إنه بداية الفصل الثالث. تفسيرا للنص- المسرحية القومي في سورية

ءباآ الشنيعة، فضال عن ذلك ففي هذه المجزرة. طياف الكارثةيا أل: هجرس« ألم يتكلم عنهم أحد؟ال أ. وأبناء ليس لهم في الحرب ناقة وال جمل

؟يجأر أحدهم بالشكوى والرفض بينما األمراء يتطاحنون بهذه القسوةيخرج من الجمهرة ثالثة جنود على سيماهم عنف المعركة ولكن (

).هجرسإلى يتقدمون . بال عاهات جعل المخرج الصبان األمراء يديرون في العرض المسرحي(

).ظهورهم تماما متجاهلين سماع الكلمات التالية

-١٥٦-

سنتكلم نحن صغار الناس، أولئك اآلباء واألبناء الذين اصطلوها آلخر : الجنود. نحن لسنا طالب معالي لنفكر في األمور المعقدة. لسان لهيب فيها

، وحرسان وصناعاالطبيعة هيأتنا لنكون طالب حياة، رعاة وزارعيلسنا من أمراء بكر أو . طيبةسواعد قوية ومطامع صغيرة ونفوسا

نحن حملنا . معظمنا أقرباء لهم بالطاعة، أو رعايا صغار.. تغلب فلم تكن بالحرب الوطنية ،ومع ذلك. عبء الحرب كله على سواعدنا

لنجاهد فيها ضد الغزاة دفاعا عن أرضنا وأرزاقنا، ولم تكن الحرب. ن تعرض لالعتداء فاستصرخ جارهإالتي يفرضها البر بالجار

خوته، إالمهزوم فيها يبكي شرف .. كانت حرب األهل واللحم والدمحرب الفوضى والضياع حملنا . هموالمنتصر يبكي شرف أوالد ع

عرفنا الخوف بالليل من لقاء النهار، وخوف . عبأها على سواعدناالسهد الذي يشكوه المترفون، ولكنه الليل مع الجسد المرهق ليس ب

نوم مفزع وغرق في مستنقع . استغراق تدهمه الكوابيس البشعة ةعرفنا الخوف تحت لفح الرياح الحادة تلهبها الشمس وروع. العذاب

الصدام العنيف بالسيف والرمح والدرقة، كأن جبال ارتطم بالجبل، فإذا ألف ..لجوادوويل لمن هو أقل في الوزن، ينخلع من فوق ا

حة الخصم بوحشية ي الرمح وجذبة السيف وصوطعن. حافر تمزقةتلقي الروع في الوجه وموت الصديق يوصي أخاه والولد، والغصة

الحياة بعد الصدمة، .. واألفظع من ذلك. بعد ذلك قبل ظالم النهايةخلف الصفوف، بعاهة عاهرة، تقلب العامل شحاذا والكريم متسوال

ناهيك بخوف العجز وخوف الصدمة وخوف ! والعجز.قوت أوالدهذلك يجعل الرجل الشريف ضيفا بال شرف، يقتل مواجهة . الموت

ويقتل من خلف، يقتل بضربة ثم يمثل بالجسد الساكن بعد الموت، وحرارة التشفي .. يقتل الصامد ويقتل المذعور المستسلم أو الهارب

ليل، وقلق الضمير وزيارة ثم الكدر في هدأة ال.. تمأل عروقه وحشية ).٨٧ صفحة - الزير سالم (».ال تذكرناأآه .. األطياف البشعة

-١٥٧-

ة الزير حول قبول بعض كلم« فرج في حوار معه أن الفريدأكد لي ».ة لشخصه ولذاته فقط، أما كلمة المسرحية فيقولها هجرسالعدل منسوب :وتابع قائال الزير إذا أخذنا بالعدل العدل كلمة غنية ولها أوجهها، وفي حادثة«

ما كان ينشده الزير سالم هو . القانوني ال يمكن أن يتعدى القصاص من القاتلحين أن عدل على نوع مختلف ألنه في مواجهة الكون، عدل ضد الموت، في

دل السياسي وهو قد شرحه في منولوجه األخير ما كان ينشده هجرس هو الع :»من المسرحية

..واآلن تطلعوا إلي«سكبت الدموع . ي وحقيقتكم، بال زيفتأنا أقف تحت الشمس بكل حقيق

استفزتني . الصادقة على قتالكم أعماما وأخواال، ولكنني فكرت مع ذلك .، والمتصدية، ولكنني مع ذلك فكرتةنيسيوفكم المتج

فكروا، ما مناط الحياة لكم وألوالدكم، ما مناط المنعة ضد أعدائكم؟ فهل تبصرون ! ئتالف ضد محرضيكم والمفسدين فيكماال.. ئتالفاال

).١٢٤ ص-الزير سالم (»!قانوني؟والعدل السياسي هو األمن االجتماعي وتماسك «: ويتابع فرج قائال بينها من خالف على أسس موضوعية وثورية شج القوى الثورية وتقييم ما

أنهم ارتكبوا و،اوالحظ أن الخصوم في الزير سالم كانوا رفاق. إيجابيةالخطيئة التراجيدية في إضفاء صفة العام على خالف شخصي وخاص، وهي

وانتقام الزير يصد الزير عن ألم . جريمة جساس ذات الدافع الشخصي ».المهم عندي هو اإلنسان. شخصي لفقد األخ وليس نتيجة لموقف عام أيضا

ت المضيئة هي واحدة من أوائل المحاوال» الزير سالم«من هنا نجد أن تراجيديا خلفيتها التراث، .. في المسرح العربي لبناء تراجيديا عربية معاصرة

.وزمانها العصر الحاضر، ومحورها اإلنسان

-١٥٨-

:عن العرض

ليس هنا حيث يحكون أ«: وقف رجل مسن يسأل،باك التذاكرش أمامكيف لنا مثل «: خرج شابان يتحدثان متسائلين،عقب العرض» ؟حكاية الزير

»لم؟عنهذا التراث الجميل ونحن ال كمضمون يقبل » الزير سالم«إذا كانت اتهامات شتى قد وجهت إلى

أر ثبدال من العدل المطلق، ويتنازل لقبول تسويات بدال من ال» بعض العدل« فقد حدث هذا ،وطلب الحق الكامل، ولكونها تعالج فترة حالكة من تاريخنا

لكن العرض الذي يقدمه . رها في مصرظروف التي أحاطت ظهوبسبب المختلف، المسرح القومي من إخراج الدكتور رفيق الصبان يطرح تفسيرا جد

وأضاف ، فرج نفسه بعض التعديالتلفريدأخصوصا بعد أن أجرى عليها .بعض المقاطع ليحملها داللة معاصرة أكثر وضوحا ودقة، وربما إيجابية

: اإلخراجيات والشكسبيريات يماثل في صعوبته اإلغريق- في عمل صعب للغاية

عمل يجمع بين التراجيديا الكالسيكية والملحمية الحديثة، يجمع بين -أو يزيد شيخ «ن أرسطو وبرشت، استطاع رفيق الصبان أن يثبت أنه يضيالنق

في سورية، وأن يقدم عرضا جميال للغاية، فيه تجديد، وفيه » المخرجينمثلين، وقد فعل ذلك في مدة قصيرة محسن توزيع للفيه واتساق في الحركة، .جدا تقل عن شهرين

المخرج الذي يتابع باستمرار آخر منجزات -ليس رفيق الصبان هو -ته متابعته لتجارب المسرح المصري المسرح العالمي، والذي أفاد

في دمشق، فالواقع أن نجوم المسرح القومي »الزير سالم«الوحيد الذي صنع ساعدوا في تبلور - وأؤكد بثقة أن يعضهم صار يستحق كلمة نجم أو نجمة -

-١٥٩-

وأغنته بشخصيتها ،ت منى واصف دور جليلة بقوة وعمقأد. العمل وتحقيقه. المسرحية القوية وحضورها الدائم على المسرح، فكان أحد أدوار عمرها

في الصبان)نسينميزا(ويبدو أنها كانت أكثر الممثلين استفادة وانسجاما مع كذلك لعب كل . »الباليه«و» ياإلغريقالمسرح «ذي يقترب من وال،المسرحية

وفايزة شاويش ) الزير سالم (يدوطلحت حم) هجرس(سامة الروماني أمن ببراعة تستحق اإلعجاب، وتؤكد أن مأدواره) يمامة(وثناء دبسي ) أسماء(

إليه هو المؤلف المحلي وأن ما نحن بحاجة ،وفر فعالتالممثل الجيد قد كما لفت الممثل عدنان بركات األنظار فعال بأداء بارع . ينوالمخرج المتمكن

كنا في مجال الحديث عن االلتزام في ذاإو. ومتقن جدا لدور الطاغية جساس . في حد ذاتهاالمسرح، فنحن نجد اإلخالص للفن وللجمهور التزام

» لكتراإ«: قدم التالي ي١٩٧٦الصبان منذ عدوان ذا وها هو » بنادق األم أمينة«سوفوكليس محملة بتفسير سياسي عن الصمود والتحدي،

مأساة بائع الدبس «لناظم حكمت، و» حكاية حب«عن مسرحية لبرشت، ف ا محملة بمواقمإ و،ا سياسيةمإلسعد اهللا ونوس، وكلها مسرحيات » الفقير

هو كسر قواعد » الزير سالم «الجديد في. مرتبطة بهموم اإلنسان العربيداء بتقطيع حركات من األةدج ومحاولة الوصول إلى ،التمثيل الكالسيكية

بل للتعبير بها ،الجسم والوجه والمبالغة بها للوصول ال إلى اإلقناع بواقعيتهاوقد استغنى الصبان في تصميم الحركة عن كثير من تلك . بشكل مؤثر

ا على أصول التراجيدياحفاظ للجمهور ، كإعطاء وجه الممثلالقواعد بين المسرح الحديث بكل وسائل إبهاره من الكالسيكية، فمزج مزجا جزئيا

استعراض وقتل ورقص وسرد أفقي تركيبي لألحداث يتقرب من السينما، – وبين صنع تراجيديا يونانية أو شكسبيرية الطابع تعتمد القواعد الكالسيكية

).ج، كان من الممكن أن يسيء إلى العمل فرريدألف وهو أمر جريء من

-١٦٠-

:مالحظات :وهنا نجد. ال يخلو أي عمل من بعض الهنات التي تبدو فيه

إذ لم يعط للشخص المناسب ضمن ، بشكل جيد لم يؤد)عجيب( أن دور •األسلوب العام للعمل، وليس هذا تشكيكا بمواهب نور كيالي التمثيلية،

وليس المهرج ذا الطابع المصري في،بيريفعجيب هو المهرج الشكس .لكنها ترتدي بكل ما فيها لبوس المسرحية األوروبيةمسرحية عربية حقا،

هذا هو المأخذ الثاني الذي أراه على تقديم أسطورة شعبية بتقاليد • أو ، وكأن الجمهور ال وجود له،مسرحية مختلفة عنها تمام االختالف

. وليس دمشق،سي بارها تقدم على أحد مسارحنإمشهد صحوة الزير بعد سبع سنين وعجيب ضعيف إخراجيا وتمثيال •

من ضعف عام ال ) من العرض(وغير مقنع، وال يخلو الفصل الثاني كله كمنى واصف وأسامة الروماني ،ينقذه منه سوى جهد بعض الممثلين

عبد وثناء دبسي وفايزة الشاويش وعدنان بركات ويعقوب أبو غزالة و .اهللا عباسي

لتدريب زاده ضعف اكما تقديم االستعراضات غير ضروري من جهة، •على حركات السيف إلى قصور تلك االستعراضات عن أن تكون رقصا

ولكنه ،إنها من نوع اإلبهار في المسرح. ائيا بالشكل األمثلتعبيريا إيح .نيللم يكن إبهارا حقيقيا يحقق الشعور بالخوف والشفقة كام

،أحب أن أشير إلى الديكور البارز الذي قدمه الفنان خزيمة علواني فأغناه بالبعد السياسي ،وحمل النص فيه نفس التفسير الذي أراده المخرج

ه إال عندما وضع(، الطبقي الذي أغفله الكاتب واضطر إلى إغفاله المخرجعل عندما ج،)في المشهد األول من الفصل الثالث في النص األصلي

التناقض حادا وقويا بين فخامة العرش وبؤس الخيام، وأعطى في الوقت ،هذا الديكور الرائعلشوه كان الشيء الوحيد الم. والدمارنفسه تأثير الحرب

-١٦١-

هو أطراف المسرح المرسومة ،الذي اعتبره من أفضل ما قدم الفنان علواني .بألوان فاقعة ومصطنعة

ساعدت على نقل المشاهد المتعاقبة كانت اإلضاءة جميلة وموحية، و وعلى ،) بحيث كان يجب حذف بعضها،مضرةكانت كثرتها رغم أن(، بكثرة

.عة الخشبة لتشمل الصحراء والمضارب والقمر والتاللقتوسيع ر بين أسلحة مسرحنا النصلكسيف عربي متوهج» الزير سالم«خرجت

.المختلفةالسوري

* * *

١١ م -بقعة ضوء

-١٦٢-

-١٦٣-

جنيب حمفوظ

؟م حوارياتأمسرحيات ) مصر-مسرح اجليب (

زمة العصر هو المسرح، إن الشكل األدبي المناسب أل«: حفوظيقول م

باعتبار أن المسرح هو الشكل الفني الذي يرتكز أساسا على الجدل والحوار خصائص قصصه القصيرة يمتلك مسرح نجيب محفوظ ».وصراع األفكار

.. نفسهالوقت، وفي ية، مسرح تعوزه الشخصيةإنه مسرح يفتقد الدرام. تقريبا، لكنه ليس مسرحا »مسرح الال معقول«ربما كان فنيا أقرب إلى . الملحمية

مسرح نجيب محفوظ ليس كل المسرح، بل هو نمط . بل مسرح ملتزم،ايبثعنمط يتسم بالجدة والمغامرة والتجريب، مسرح يقوم : ومشروعمسرحي قائم

وارع وفي الساحات العامة والحدائق واألندية الصغيرة في عادة في أركان الش على الكلمة أكثر مما يقوم على يقوم مسرح محفوظ. با وأمريكابلدان أورو

اتساع حجم اإلمكانيات المسرحية، وهو بهذا انطالقة من أرض بكر بالنسبة مسرح المائة كرسي عندما بدأ(، إذ حتى العام الماضي، للمسرح العربي

الشخصيات في هذا المسرح ال تملك . كان هذا النوع ظاهرة مفقودة،)عمله. بين-، بل هي بينخصائص ذاتية، لكنها في الوقت نفسه ليست تجريدية

المرأة نمط من النساء، والرجل نمط من الرجال، لكنهما ليسا كل النساء أو مجلة ه على صفحات ومحفوظ يقول في حوار أجري مع. كل الرجال

أما حين تتحول الحياة إلى مشكلة، ال يصبح اإلنسان شخصا «: )الكاتب(

-١٦٤-

عن سائر الناس بتفاصيله معينا، بل مجرد إنسان هو شخص بالذات يتميز حساس إ، بلب مسرحيات المجموعة حافلة، كقصص محفوظأغ» .وذاتيته

إحساس استفزازي قاتم، يصعب إدراك كنهه إنه . سياسي يحركها ويدفعهاوضوع مهل أن ينقلك إلى نوع من التساؤل القلق والشعور بالبدقة، ومن الس

اإلنساني المتأزم، أي نفس المرحلة الشعورية التي يصل إليها أي منا وهو إنها مسرحيات محكمة اللغة، . يفكر بالمأساة القومية الناتجة عن الهزيمة

.متماسكة الشكل، تعتمد على رؤيا فكرية أكثر منها حياتية أو واقعيةكمعالجة » ويحييتيمي« يمكننا أن نصف مسرحية ،منطلق هذا المن

كرصد لالنتقال من عصر » التركة« ومسرحية ،مباشرة لموضوع النكسةمشروع «سيطرة الدين إلى عصر سيطرة العلم مرورا بالمغامرة، ومسرحيات

س الكثير من الح ظاهراكمسرحيات إنسانية تحمل» المهمة«و» النجاة«و» للمناقشةشعور بالذنب، السياسي واالجتماعي والنقدي الشديد حول الحياة والفن تبدأ من ال

.سفةل بهذه األفكار إلى مستوى الفواإلحساس بالمطاردة والموت، وتسمو* * *

أشواق القلب الخالدة يساومها . ينابيع الحياة الحقة مهددة بالجفاف« ». ذاهبإني. ني األشياءسحقا للوحشة التي تذبل فيها معا. الضياع

مسرحية تجريدية تعتمد على مناقشة أزمتنا » يميت ويحيي«مسرحية . السياسية الراهنة أساسا لها، وهي بذلك أكثر المسرحيات الخمس مباشرة

األول بين الفتى وعدو مجهول، أما الثاني فصراع بين الفتى :انعهناك صراحسرتاه يا «: والفتاة التي تقول» ،ردسحقا للخمول في حدائق الو«: الذي يقول

الفتاة تبحث عن الحب والسعادة، تغمرها رغبة ».على حكمة األيام الناعمةوالفتى يمثل الرغبة المتدفقة لتجاوز . استسالمية، وقبول بالحياة السهلة

ليس ».صون كرامتي حتى الموتأس«: الهزيمة، والصبوة المستمرة لالنتصارلعلهما ترمزان إلى قناة (، نخلة يتيمة وساقيةهناك على المسرح سوى

-١٦٥-

سالف وقد جللها الظالم هناك قبور األ.. وفي خلفية المسرح،)السويس في مجرى ، واحدة تلو الثانية،تتدخل شخصيات رمزية أخرى. والصمتص للفتى أعراض مرضه، فإذا هو وباء وفد من الطبيب يشخ. األحداث

التردد، : اض الوباء كثيرة أهمهاأعر. راقيةالخارج واستفحل في البيئات ال فاخر، العجز عن مواجهة الحقيقة، المبالغة، التهرب، التهجم، الغوغائيةتال

وجميع الناس ،)وكلها صفات تتسم بها المجتمعات المتخلفة(والهذيان، فهو أن يستخدم اإلنسان حواسه معكوسة، ،أما الدواء العجيب. مصابون بها وكي يشفى من ،خدع بالمظاهروحة كأقصى ما يكون كي ال يتوأن يتركها مف

االمبريالية ى يمثل القو، الذيثم يظهر العمالق. أعراض الوباء الخبيثعب مقابل نيله ته على الفتى في صراعه الصالكبرى، فيحاول فرض مساعد

حين يكتشف ، وما يلبث العمالق. مما يريد العدو نفسهحقوقا ثابتة هي أسوأ ينضم إليه هنإ. عزيز عليه، ألن ذاك قريب له، أن يرفض التدخل،العدوهوية

.عندما يرفض الفتى قبول السالم االستسالمي رغم توسالت الفتاةإنها الشحاذ الذي يمثل . فشخصية رمزية غريبة،أما الشخصية الثالثة

لى عاذ الشحتمرد . الطبقة الكادحة التي تعاني خيبة أمل مريرة في المسرحيةجأ القديم، لكن شيئا كثيرا لم يتغير في حياته، وهو ال يستطيع أن يتمرد لالم

من ألن صاحبه رجل عادل أمين رحيم، لهذا ال يجد بدا،على الملجأ الجديد يقف الفتى وحيدا صامدا في عزلته بعد أن رفض منطق ،في النهاية. الهربلنصر ليصارع العدو والعمالق في يقف مستندا إلى عزمه األكيد على ا.. الفتاة

الذين هبوا من ،إنه يتحرك في تصميم مع أشباح األسالف. وقت واحد .قبورهم لخوض المعركة المحتومة

* * *

إنهما . في الغابة أخطار ال حصر لها. مرأة يلتقيان في الغابةارجل و« لها يحصنانه ضد أهوال ال حصر. يبحثان عن مأوى على درجة من األمان

-١٦٦-

ناق وفي لحظة من لحظات الع،يمضيان أوقات الراحة في عناق حار. وال عد ».الحار يسقطان جثتين هامدتين

» المهمة«و» مشروع للمناقشة«، »النجاة«: مسرحيات محفوظ الثالث: »مشروع للمناقشة«تدور حول حكاية جوهرها واحد التي رواها المؤلف في

. خطرإنها البحث عن الحب في عالم دموي

:مشروع للمناقشةمخرج ومؤلف وممثل وناقد مجتمعون في غرفة لتبادل النقاش حول

المخرج يطالب بحريته، الممثل يبحث عن دور بطولي، . عمل الموسم القادمنتظر دور حب خالد، الناقد يريد توازنا ووضوحا، أما المؤلف فيبدو تالممثلة

الحياة تغيرت، وأن أحالم الحب إذ يحاول إقناعهم بأن صورة ،أنه الضحية بل من قوة قدرية ،والبطولة قد انتهت، وأن المأساة ال تنبع من صراع معين

: وسرعان ما نكتشف أن حديث الفن هو حديث عن الحياة. عبثية غامضة إن!لماذا؟ من يدري. فحب ثم موت.. فمأوى.. فخطر.. مرأة، غابةارجل و

لبقاء مع الحب، والبحث عن األمان في ا:المسرحية تدور حول صراع البقاء .غابة مليئة باألخطار

:المهمةشاب ينتظر فتاته في . تتضح معالم المطاردة،»المهمة«في مسرحية

منطقة صحراوية، ثم يشعر بأن رجال يالحقه، فالرجل موجود بالمصادفة في يجلس تأتي الفتاة إلى موعدها الغرامي، و. ل مكان زاره الفتى خالل النهارك

الذي ، من وجود الرجل الغريبتبادالن الحديث في ظل قلق متزايدياالثنان الرجل . بحالفتاة تنس. القلق يغدو خوفا. يبدو أنه يجد السعادة في وجودهما

والشاب يخوضان نقاشا متوترا حول المصائب التي جرها وجود اآلخر على ة قبول التعايش ستحال ا..الشاب وعلى مدى معقولية ذلك، وبالتالي طبعا

-١٦٧-

يقع أرضا ،وفجأة. أنه ال يبحث إال عن لحظة تعارفيؤكد الرجل . اإلنسانيبسبب ألم حاد في ركبته، فيطلب معونة الرجل وبقاءه، لكن ذاك يريد أن

به ليتركه وحيدا في الخالء والظلمة يغادره اآلن دون اكتراث لما ألم من بين حجب الظالم . شمسروب الوالصمت، ويتجول ليشهد منظر غ

يظهر رجالن في ثياب حمراء يحمالن مشعلين، وآخرين عن كثب ،الكثيف السواد يحمل كل منهما سوطا وحبال معقودا، يقترب اآلخران من الفتى يف

ويحقق .عاز فيقيدانه بينما يفتح عينيه ف،المستغرق في النوم في وحشة الخالءإن أردت الرحمة قتلناك بال تحقيق، وإن «: الرجالن معه بسبب ذنب مجهول

يق، وإن أردت الحرية فاقتل نفسك بالوسيلة التي قأردت العدل قتلناك بعد تح هل هم زبانية أي اختيار ذاك الذي نتيجته المحتومة هي الموت؟» .تفضلهاوا يقاضونه الحساب؟ إن ذنب الشاب، كما يقولون، هو أنه لم ينفذ تالجحيم أ

ه في هذا الكون؟ إنه يعمل أهي مهمة تبرير وجود. وكلت إليهالمهمة التي أسان القديم الذي اكتشف للتاريخ، ويتحدث كل يوم عما فعله اإلنمدرسا

لكن تجارب التاريخ . هزم وانهزمات، بنى األهرامالزراعة، صنع التقويم، كان . مجرد كالم بال مغزىحديثه ودالالته العميقة غابت عن الشاب، فأصبح

أن ضاع ذلك المزيج العجيب بين الدمعة مه الحب والسعادة، إلىل هج أما حامال. نه بالسياطإن مالكي الموت يجلدا. لجد واللهوواالبتسامة، بين ا

يه حتننذكر أن الطفل يبكي حين «: فيحمله أحدهما بينما يتلو اآلخر،المشاعل ».واه في ثديها األيسرلجد في اللحظة التالية سه عن ثديها األيمن، ولكنه يمأ

في تحقيق مهمة الوجود مسعاه ما الموت إال الحل الوحيد لمن خاب عمل » المهمة«مسرحية . إن الحياة والموت عنصران لجوهر واحد. ةبالصع

كابوسي الرؤيا، يختلط فيه القلق المعاصر بمسرحيات الوعظ األخالقية السائدة .كافكا» محاكمة« وينتهي نهاية ،في العصور الوسطى

لكن محفوظ . »هو اآلخرونالجحيم « فكرة سارتر تتضمن المسرحيةيتجاوز جلسة المفكر الوجودي السرية إلى تحديد أكثر اجتماعية وتخصيصا

-١٦٨-

إن العالقة اإلنسانية عالقة متناقضة في حد . للجحيم الذي يشكله اآلخرون اآلخر ما دام يحداإلنسان يرفض وجود . تحمل السلب واإليجاب معاذاتها، فهي

إنه في الوقت نفسه : من حريته، لكنه يلتصق به بحثا عن التواصل االجتماعي .يحتاج إليه

إن محفوظ، كما قلنا، يتجاوز مفهوم سارتر كما تجاوزه هو نفسه بعد ، ألن صراع اإلنسان مع المجتمع صراع يفتت الجهد اإلنساني »جلسة سرية«

هذه في الوقت الذي تعكس. تحيلةكون مسويجعل مهمة اإلنسان في هذا التعكس إحساسا ملتزما ورغبة فإنها رؤيا فلسفية شمولية، ة الصغيرةالمسرحي

،ن مهمتهإسار الخوف الذي يحاصر وجودنا فيفرغه ممحلية في االنفكاك من .ويقيد حريتنا بإحساس مقيت

* * * . مضحك تفكير الحياة الحق نقيض الراحة، والرجوع إلى الخرافة« ».ال بد من مواصلة حياتنا. نا شيءقصلعله ين

فتى وفتاة يدخالن بيت الشيخ : لها الطابع نفسه» التركة«مسرحية طلبا لتركة مجهولة تحقق أحالمهما في ، والد الفتى وصاحب المعجزات،التقي

زوجته الفتى يحلم بأن يصبح قوادا عالميا، والفتاة التي تلعب دور . عالم الثراء. بأن تصير نجمة في كباريه عظيمتحلمبحيث –مرأة سوء ا وهي -المصون

ينتظر االثنان في البيت القديم، وما يلبث صبي أن يظهر فيرشدهما إلى مجموعة من الكتب ومبلغ نقدي كبير، لكنه يوصيهما بأال يمسا المال قبل

، فيغادرهما بالطبع،يتجاهالن النصيحة. إكمال معرفتهما عن طريق الكتب وإذا برجل ضخم ،ينهمكان في عد النقود. مكسوفة حزينةي عينيه دمعاتوف

الجثة يقتحم عليهما الدار متقمصا دور مخبر، ويعلمهما بأنه قد عثر على ويحاول إقناعه بشتى السبل ،يرجوه الفتى. وأن الفتى متهم بقتله،الشيخ مقتوال في نقودا، فيطلب المزيد، ويتفقانيعرض عليه. دون فائدة،ببطالن التهمةلكن الفتى يحاول طعنه بسكين واستخالص المال منه، فإذا . بادئ األمر

-١٦٩-

يعاني االثنان في البيت . جل يتغلب عليه ويقيده مع الفتاة، ثم يهرب بالمبلغبالرالغريب الموحش شتى ضروب التساؤالت والقلق، ويفكران في إمكانية كون

يطل الصبي في منتصف . اح األسالف وأصحاب الكراماتأشبالبيت مسكونا ب .الليل، لكنه يرفض أن ينقذهما ألنهما خالفا أوامر سيده الشيخ المرحوم

س وسكرتير تمضي ليلة مزعجة ويشرق الصباح، وإذا بضابط بولي بأن المهندس يريد شراء البيت ىيخبر الضابط الفت. ومهندس يدخلون البيت ، حتىن یرى الفتى المھندسأما لكن و .جهزة االلكترونيةليحوله إلى مصنع لأل

فالرجل ،یتبین لھ أنھ لص البارحة نفسھ، فیحاول االحتجاج والصراخ دون جدوى

. بیع البیت بالتركة التي خلفھا الشیخى لإ أخیرا الفتى المھندسیضطر. مرمھندس محت

. لقد انتقل بیت صاحب المعجزات إلى صاحب معجزات آخر

الفتى ھو وریث أبیھ . في إطار مسرحي» حارتنادأوال«لقصة تعید فكرة إن ا

ي أعاشر نإ. ورثت عنھ الدجل الستثمره في مجالھ الطبیعي«: صاحب الكرامات

». وكان یعاشر مغفلین،مغامرینالمغامرة، فال بد أن يبدأ عهد جديد هو عصر كما انتهى عهد الدجل ثم ، المهم. ا إلى شيء من الدجل والمغامرةاج أيضتعصر سيطرة العلم الذي يح

رع الطمأنينة في قلوب ان الهزيمة قد لحقت بالفتى صاحب الخمارة وزإالبيت يع صاحب الطمأنينة المشابهة، والبشر، كما لحقت بأبيه الشيخ الصر

.مصنعا لألجهزة االلكترونية: القديم سيصبح بيتا جديدا :متناقضتينصراع بين عقليتين » التركة«مسرحية

النا ولو بل التقدم يا مو «».الطمأنينة هي هدف النفس البشرية« ».بالجهد والقلق

هذه الفكرة أننا ىمؤد«لكن الناقد المصري جالل العشري يعتقد أن يجب أن نحرص على تراثنا بجانبه الروحي والمادي، ألن التفريط في أحد

-١٧٠-

ليس هذا ما يريد محفوظ قوله، ال،» .يعني التفريط في الجانب اآلخرالجانبين الحياة الحقة نقيض الراحة، الرجوع إلى الخرافة تفكير « :فالفتى يقول

».ولكن ال بد من مواصلة حياتنا. ءلعله ينقصنا شي. مضحكن المفتقد الذي يتحسر عليه وما الشيء الذي ينقصنا سوى ذلك اإليما

ومع .ألكبر الجبالويبعد تسببه في موت الجد ا» حارتنادأوال« في )عرفة(والقلق المؤرق على .. واالنفصام.. على الرغم من العزلة الروحية، وهذا

ياب أي مبرر للحياة، ال مناص من أن يستمر المرء في تقبلالدوام وغ : هي كما يعبر عنها الدكتور علي الراعي، إذن،القضية. وجوده قدما، بل ل أقالتقدم ال يكون باالنتقال من خرافة قديمة إلى خرافة«

».غييرا أساسيايكون بتغيير منهاج الحياة تإنه االنتقال من عصر الخرافة إلى عصر العلم، لكنه انتقال ال يخلو من

فيخسر المعركة دائما، فهو ، الذي ال تهمه سوى طمأنينته،أما الفتى. ضحايا غزو يستمد من الماضي خبرة، وال من المستقبل عزيمة، وهو لدى أدنى ال

.. دون شك من إحساس سياسي واع ينبع مسرح محفوظ.خارجي ينهزمإحساس استفزازي قاتم يصعب إدراك كنهه بدقة، ومن السهل أن ينقلك إلى نوع من التساؤل والقلق والشعور بالوضع اإلنساني المتأزم، أي نفس المرحلة الشعورية التي

الناتجة عن الهزيمة منا وهو يفكر في المأساة القوميةيصل إليها أي . أن تفهم على أكثر من مستوى، وإن تقدم » التركة«يمكن لمسرحية

ا، نجد أنه تفإذا تغاضينا عن النقد العام للعرض مؤق. فسير وشكلتبأكثر من االهتمام تتجلى في الممثل الشاب حمدي قد كشف النقاب عن موهبة جديرة ب

ة محسنة ء مع الممثلة الكبيردا الذي لعب دور الفتى بتوازن في األأحمد، الحيوي بعض المبالغة في الحركة، الممثلأداءيشوب هذا لقد كان . توفيق

تقان مع محسنة لكنه كشف عن خامة طيبة، وخلق تفاهما تاما في النوعية واإل رغم ، وبينما كان الديكور ملونا وموحيا، كانت اإلنارة متوسطة الجودة.توفيق

-١٧١-

من خصائص المسرح نإ. النسبة لعمل كهذا بالذاتأهميتها المفترضة بالتجريبي البساطة في كل شيء، لكننا افتقدنا هذه البساطة في عرض مسرح

النفسي وهما كان أفضل المشاهد مشهد توفز البطل والبطلة. مصرالجيب من مقيدان على الكراسي، فقد أفلح االثنان في نقل الجو النفسي المشحون بالقلق

أما الموسيقا . تفرج كما لم ينقل في أي جزء آخر من المسرحيةإلى الم فكانت ممتازة في قدرتها على مواكبة النص، وإيجاد الثغرة ،التصويرية

.المناسبة للنفوذ، واإليحاء بالجو المطلوب

:»الجريمة«مفتاح » المطاردة«بمسرحية عبثية الشكل » الجريمة«يفتتح محفوظ مجموعته القصصية

ألنها تحوي مضمونا بعيدا عن التساؤالت ، أقول عبثية الشكل.واحدمن فصل .نها عمل سياسي قد يكون مفتاحا لباقي قصص المجموعةالوجودية اليائسة، وأل

وهي عبارة عن مقاطع حوارية بين ،»المطاردة« عنوان المسرحية وجعل ،شخصين أطلق على أحدهما اسم األبيض وعلى الثاني اسم األحمر

،ا ثالثا عمالقا يظهر صامتا وبيده سوط، فيخلق الذعر في قلبيهماشخص ،ويتجنب جميع أالعيبهما إلخفاء نفسيهما، ليظل مسيطرا على مصائرهما

.وعلى حبيبتهمالبيكيت، والمتشردان » انتظار غودوت«صورة أخرى عن إنها

المضمون لكن في األبيض واألحمر، استراغون وفالديمير يجدان لهما قرينا وإنما يمران بكل البنى االجتماعية ،ن، والمتشردان ال ينتظراناوالهدف مختلف

مسرحية. دون جدوى، فظل العمالق مهيمن وسوطه يثير الرعب في القلوبوالحوار (،عبارة عن استمرار لنهج محفوظ المعقد في الحوار »المطاردة«

اء جو من الغموض وعلى إضف،)الذهني أكثر منه الدرامي بصفة رئيسية الفكرة كلها بحيث يجعل الصورة النهائية للعمل هي التي تحمل،الرمزي

.ي في آن واحدبشكل شعوري وذهن

-١٧٢-

أمام القارئ أو المتفرج أسئلة أكثر مما تقدم له » المطاردة«تطرح لكن ماذا يمثل العمالق؟ و. حلوال وإجابات، شأنها في ذلك شأن كل فن جيد

القدر الغاشم؟إلمبريالية أمأهو إسرائيل أم اتعدد مستويات الفهم هي الميزة الثانية للعمل الفني الجيد، حيث هناك

نجد القوة الخفية تدمر ،في التفسير الشامل. ، وتفسيرات جزئيةتفسير شاملحياة األفراد، تقودهم في متاهات الهرب والتخفي، أو ترقب تعثرهم ودمارهم

ر قراءتنا للمسرحية إلى أن عبأن نصل مباشرة من السذاجة . دون أن تتدخل كذا، من السذاجة أن يكون هذا هدفا للكاتب، ومن السذاجة للقارئ أن =س

المهم هو . أساسي وأولي عند القراءة وأن يؤرق نفسه به كهم،يبحث عن ذلك، يكون الرمز مجهضا، عندما يحدث غير ذلك. اإلحساس الشامل بالفكرة

. خبر كانفي هو السائد، ويصبح الفن ينمويكون التخ. رحية سياسية في المقام األول مس- رغم تعدد جوانبها - » المطاردة«

نها تحكي بأسلوب مسرحي معاصر عن تاريخ اإلنسان العربي في الزمن إ هوية إلى تزييف حياته بمواضعات دونالحديث، وانتقاله من طفولة الضياع

ث بمواجهة أحداث عرضية دون كبير اكتراشكلية، واالهتمام بما يطرأ من عبر هروب األحمر . في صمتهدد دائما الشيء األساسي الخطير الم

واألبيض من العمالق صاحب السوط، تتشكل رحلة حياة كاملة، ويغوص الرجالن في لعبة رجال األعمال والموظفين، ثم لعبة الزواج، ثم الشيخوخة،

الوقوف ، بدل الهرب من المشكلة،أجدر بهماأما كان . لعبة التجميل..وأخيرا هو الموقف الذي س لي، في حقيقة األمر،ومجابهة الخصم؟ لكن وضعهما

.يدعو إليه محفوظ، بل هو الموقف الذي يدينهإن محفوظ ينقد حياتنا الزائفة، فنحن نستعيض عن العمل بشكل العمل،

اية شيخ وعن الشباب بشكل الشباب، وعن الحب بزواج يتم تحت رع .وشرطي، ثم ينقد تهتك الجيل الجديد في الزواج الثاني

-١٧٣-

لكن . وعبثي األسلوب حق في حوار قصير، متالتسير المسرحيةوسرعان ما تبدو . المضمون الذكي ما يلبث أن يتوضح شيئا فشيئا

مسرحية سياسية تعالج الواقع العربي داخليا وخارجيا، وتعالج » المطاردة«اطع من سأورد هنا ثالثة مق. ي مسألة الصراع مع إسرائيل فكرعلى مستوى

:المسرحية توضح هذا .واضح أنه يتبعنا أينما نذهب ولكنه ال يتعرض لنا يسوء: األبيض«

ألم يجعلنا طول العمر نتوقعه ونفكر فيه ونضيق به ) في غيظ: ( األحمر ونتوجس منه؟

.٣٩ ص».نحن الذين نفعل ذلك ال هو: األبيض !كيف فاتنا طيلة عمرنا أن نهاجمه ولو مرة؟: مراألح«

. تفكر في ذلكن أحذار: الزوجة .لم نعد أهال للمعارك: األبيض !ولكننا كنا أهال لها يوما ما: األحمر .٤٠ ص».شغلتنا المعارك األخرى: األبيض

لم لم نلجأ إلى المسؤولين عن األمن؟: األحمر«

!لنا نخشاهمألننا كنا وما ز: األبيض )ولكن الزوجة تفصل بينهما مرة أخرىيتبادالن نظرة تحد .( األمن ولكن ماذا كانت النتيجة؟لجأ كثيرون إلى رجال: الزوجة

رتكب جريمة يعاقب عليها القانون، ولعله يعتمد يوهو ال . ال شيء على صالته بأناس في أقوى مواقع السلطة، بل علمت أن كثيرين من

».األمن أنفسهم يعانون منه مثلنال رجا

-١٧٤-

أن الحديث يدور عن إسرائيل المهددة دائما في صمت، والتي واضح نتجت عن وجودها لعبة التخفي عبر الزواج وعبر األقنعة المختلفة التي

وواضح أيضا أن المسؤولين عن األمن هم . شوهت صورة الحقيقة دائماخشيان الثقة بها بسبب ذكاء العمالق األمم المتحدة، وأن األحمر واألبيض ي الواليات المتحدة ون إلىرمزالذين ي ،الصامت وصالته بالناس األقوياء

ثنين عن النضال، منشغلين ه من الواضح تقاعس االنأكما . األمريكيةبالمعارك الجانبية، تاركين الشيخوخة تدب فيهما والثقة تدب في الخصم

وجة الشابة بالقوة وهي ترقص أمامه بكل يهيمن على الزالذي ما يلبث أن كما استسلمت األرض العربية تماما ما يتمثل فيها من الشباب والنضارة،

الوقت الذي تفشل فيه جميع محاوالت يدة لالحتالل اإلسرائيلي، في الجداألبيض واألحمر للمفاوضة والتفاهم مع العمالق، فيدبان على أطرافهما

لتبقى العروس ترقص وحدها أمام العمالق ،تمامامنسحبين إلى أن يختفيا . في مكانه بخطوات عسكريةالذي يراوح

لقد استطاع محفوظ أن يجسد رموزه في قالب فني القصد، يبذل جهدا مع ذلك بقي طابع من االفتعال والذهنية يسودان . لالبتعاد عن المباشرة

األفكار والرموز، ة متماسكة على صعيد يالمسرحية، ألنها ظلت تدور بجدهل هذا بسبب االتجاه العبثي في . بحيث ال ترتبط بالواقع بوشائج متينة الشكل؟ أم هو بسبب اإلغراق في الرمز؟ بين البعد الال معقول والبعد مرهف حسبإن أجود أنواع العبث هو ما يمزج

.دة أو شحاحياة، كما في مسرحيات بيكيت أو بنتراليومي، بين الرمز وبين اليتطلبها ألحمر واألبيض هي حاجة درامية محضة، الحاجة لوجود اإن

نهما إ. لمللإلى اصار مونولوجا طويال يدعو الإ و،الحوار في المسرح ولكن هذا يظل أكثر ذهنية مما يجب، ،يمنحان المسرحية حيوية وجودهما

-١٧٥-

أو قلقا عاطفاتهذا ال نكاد نلمح فيهما اإلنسانية التي تخلق في نفوسنا بورى هل في اختيار تثم لماذا أسماهما محفوظ األبيض واألحمر؟ . تجاههما

ى الحل العسكري والحل السلمي؟هذين اللونين ما يشير إل لكنها لم تصل بعبثها ،إذن، فالمسرحية ناجحة بتركيبها الرمزي

ها إن. قطه باألفكار فتغنأ ولم تغنه بالشاعرية، بل ،اإلنساني إلى أقصى حدوده ودقيقة البناء، لكنها تبقى إطارا ضيقا محدودا مسرحية تجريدية، ذكية، عميقة

.يف المسرحيللفن التأ* * *

»إذا انقطع األمل فعلينا أن نعاشر اليأس معاشرة حسنة« »النجاة«

الشرطة . تهمتها مجهولة. رجل ال تعرفهمرأة مطاردة تأوي إلى شقةا

ومن خالل . هو أيضا خائف من أشياء يحرص على إخفائها. تحاصر العمارةذلك اللقاء المؤرق بالشكوك والخوف والشعور بالذنب والصراع والجريمة

ورغم االنفصام ، ويلتقى الجسد بالجسد رغم تهديد المخاطر،ينبثق حب عجيبلعزلة المفروضة، وما تلبث القلوب أن تتحد أيضا بحب عن العالم الحي بتلك ا

، والموت أو أشياء مخيفة أخرى تترصدهما،ال تعرفه وال يعرفهاإنها . فطري ». باهتمام وجنس يمارس بال اهتمامجرائم ترتكب«: هكذا العالم يسير.. ومع هذا

خوف من المجهول، ومن تهمة تلتصق كالرمل على ظهر اإلنسان نحن في زمن الخوف من الشرطة، أما «: ترعش قلبه بالذعر ف،المعاصرأخيرا، واالثنان في حالة سكر شديد، » !األساطير فقد ولى زمانهاشهامة

وتتبادل إطالق النار مع عدو ما عبر الشارع، وتكون ،تقتحم الشرطة الشقة ،ذلك، الذي ال يدرك لكن الرجل. صريعةت وسقطالمرأة قد تناولت سما

. بين ذراعيه وهو يعتقد أنه سيسير بها نحو بر األمانيحملها

-١٧٦-

. إن الخوف هو اإلحساس المتأزم المسيطر على إنسان القرن العشرين، وبشعور بالذنب يقض على الدواماإلنسان مهددا بخطر محدق مجهول أليس

إلى » النجاة« في نهاية مضجعه؟ الجريمة المجهولة، على أية حال، تنقسم :جريمتينفهناك الخطر المحدق بهما بسبب . مة كبرى وجريمة صغرىجري

ن كانت أسبابها دعارة أم قتل أم سياسة، وهناك الخطر إالتهمة التي ال ندري والمتمثل في عدو خارجي يهدد ال حياتهما ،اآلخر المقبل على العمارة ككل

من بين عناصر الصراع هذه تتمثل نواة . ، بل حياة الناس كلهمفحسب هذا االتصال في االتصال المتناقض بين الحب والموت،» لنجاةا «مسرحية

ية والسياسية انها، وإزاء التناقضات الوجوددالمفعم باإلنسانية، والرعب إزاء فق .آن واحدالخارج في من الداخل والكبرى التي تتهدد اإلنسانية

من ديكور ناجح وإضاءة، العوامل الفنية الكافية لهذه المسرحيةتوفرت، فقد قدم عبد ممتازة وموسيقا معبرة وممثلين محترفين لهم من التجارب الكثير

بقة وليس دور الرجل زير النساء معتمدا على قدرته المسرحية السااهللا غيثنا عليه ممثل دعو ما ، بالطبع،ليس هذا .متقن على دراسة الدور بشكل دقيق

دي مزالق مسرحية تعتمد على كعبد اهللا غيث، فقد لجأ إلى حرفية التمثيل لتفا فكانت أكثر تمرسا ،أما عائدة عبد العزيز. التوازن الدقيق للكلمة والحرف

بالوقفات المسرحية - كالعادة -دورها، لكن أداءها اتسم وفهما لطبيعة هناك إيقاع . والحركات المفتعلة التي آن لمسرحنا العربي إجماال التخلص منها

كمشهد الصديق (، المرح والمبالغة واالفتعال أفسدهمسرحي ال بأس به، لكن ).بعد انتحار المرأة المجهولة

* * *

-١٧٧-

الحقيقة أنني أهتم بالسياسة كما أهتم «: يقول محفوظ في مقابلة معهوما تسميه .. تكامال شامال يقوم بينهمانإ وال أراهما متعارضين، بل ،بالفلسفة

و بالتحديد التجسيد الحي لفلسفتنا على مستوى بالسياسة على مستوى الواقع هالواقع وما فوق الواقع، نستطيع بالتالي أن ننفذ إلى إحداهما عن طريق األخرى

ما أريد أن أقوله صراحة ردا على سؤالك أنه ليس هناك حدث . دون أي جهد هذا صحيح، ».ولكن هناك حدثا سياسيا في ثوب فني.. سياسي وحدث فني

نجيب محفوظ يقوله فقط، بل ألنه قائم داخل أعماله المسرحية ليس ألن مسرح العربي، ونعتبرها نقطة كسبالصغيرة التي يعتبرها على هامش ال

من المحتمل، وأقول » التركة«في . والمسرح الجديدصالح الكتاب الشبابل، من المحتمل فقط، أن نرى في ضابط الشرطة الرأي العام أو األمم المتحدة

دون مع الضحية التي أضاعت ما تملك لكونها حالمة مغامرة و يبدألتحقيقاف ولكون طرف الصراع اآلخر يعتمد ،أسس، ولكون أصولها قائمة على الدجل

من المحتمل . عالم اليومعلى العلم وريث الدجل والخرافة والمغامرة وسيد ، وخارجيااسي داخليايعناصر الصراع الس» النجاة«أيضا أن تتمثل لنا في

حيث يتوه اإلنسان مهددا على الدوام في تلك الدوامة المفزعة من المخاطر، بحتمية ، ورغم كل شيء،لكن محفوظ يؤمن دائما. دون أن يملك للنجاة سبيال

، فهي تستحق أن الحرية واالنتصار، وأن الحياة مهما كانت مرعبة وقذرةا النصر ال يؤخذ إال مضمخليأس، وأن وأن القيمة تنبع من قلب اتعاش،

علي الراعي . مسرحيات محفوظ كما يؤمن دنإ. بالمعاناة والخوف والدم وهي أيضا ».نقاذ الفردي، وضرورة العمل الجماعياستحالة اإل«تعبر عن

. الخوفالمهددة بالضياع في عالم يسودهبحث عن القيمة اإلنسانية إحساس سي متأزم،حساس سيا انعكاس إل، مرة أخرى،المسرحية

نسان يحيا في كهف اإل. له، ويتخذ من الفن صورةيرتفع إلى مستوى الفلسفةخطر : خارجي في آن واحد/الخطر داخلي. ويظل يحلم بالنجاةمهدد باألخطار

عور شيتمثل في جريمة المرأة المجهولة التي تمأل الحياة بالقلق والتهديد وال١٢ م -بقعة ضوء

-١٧٨-

إطالق تبادالنطقة مجاورة م يحتل م مجهولبالذنب، وخطر يتمثل في عدو في معركة ، إذن،نساناإل. ة الرجلف رجال األمن المتمركزين في صعر مالنا

مستمرة، مطارد بالرغبة المؤرقة في الحب والسعادة، مطارد بالقلق وبالموت، . الحلم الزائف بالنجاةهو أقسى من الموت، وهووبما

عندما تحولت ثالثية نجيب . حقيقة أن العرض كان مفاجأة قاسيةال كان من الصعب لمن يحب نجيب ،محفوظ ذات مرة إلى عرض مسرحي. ا، تماما كما جرى لبعض أفالم رواياتهويفهمه، ولو قليال، أن يحتمل مشاهدته

لرحب المذهل كوميديا رخيصة تجلب أكبر اكانوا قد جعلوا من عالم الثالثية ماذا جرى؟ أمامنا مسرحيتان هنا، .رجين إلى شباك التذاكرعدد من المتف

وتناقشان بعضا من أشد األفكار أهمية ،تتسمان بالغموض واإلثارة والمعاصرةوعمقا، ومع ذلك فقد ارتأى المخرج أحمد عبد الحليم أن يقدمهما في قالب

ل عمال جادا يحمل أغلب و إنها مهزلة أن تح!كيف؟ من يدري. يفكاه من بين مسرحية الوعظهصولأأوربا، ويتراوح بخصائص مسرح الطليعة في

األدوار ىإلى ملهاة تؤد ،العصور الوسطى ومسرح الال معقول المعاصراإلخراج ال غبار عليه من حيث . خاللها في إطار من المبالغة الال واقعية المفتعلة

ةالتكنيك والخبرات وتوزيع الحركة، لكن ما قيمة كل هذا إذا لم تدعمه الرؤيحوار ذكي يمت بكثير من . تلك هي المشكلة. صحيحة والتفهم العميق للنصال

في «يل بيكيت في رائعته الصغيرة ئوصالت القربى إلى سالسة وشاعرية صم: ربال فرناندو آنتر أو تكون بمواقف هارولد ب، مواقف أشبه ما»انتظار غودوت

.. لشعور بالذنبا.. الخطر المحدق.. الخوف من المجهول.. المطاردة.. الحصار من خوف وجنس خالل ذلك كله مع كل ما تتضمنهالموت، والحياة من .. الموت، متماسكة المضمون، التي تتجاوز لكن هذه المسرحيات محكمة اللغة.وسياسة

!، صارت مضحكة وليس عن جهل،الواقعية عن تفهمة أنا أعتقد أن االتجاه إلى المسرح وإلى مناقش «:إن محفوظ الذي يقول

قد جعل الحوار والعرض أمام الجمهور ضرورة فنية واجتماعية .. مستمرة

-١٧٩-

. إلى جانب الخطأ،م على المسرح تقديما متماسك العناصر الفنيةدق )١(»،معا ال بالمعنى السياسي وال ، لكنه غير جاد وغير ملتزم،عرض مسلالنتيجة

. اللذين يعبر عنهما أديبنا الكبير،بالفلسفة العميقةنجاح مسرحيتين صغيرتين مثل إبالرغم من توفر العناصر الكفيلة ب

كان . ، فلم يكن ما عرض أمامنا يمثل نجيب محفوظ»النجاة« و»التركة« يخون إن من. نه مفعما بالخيانة لنجيب محفوظ لك،ممتعاو عرضا جذابا

. يخون المسرح،النص

* * *

.١٩٧٠ لعام ٢ب محفوظ، الهالل العدد حوار مسرح مسرح نجي)١(

-١٨٠-

-١٨١-

لي ساملع

أنت يلي قتلت الوحش »حمرتف دمشق للمسرح«

لمع نجمه . علي سالم واحد من أبرز كتاب المسرح العربي المعاصر

وحققت مسرحياته األخيرة نجاحا باهرا يوم ،بشكل خاص في ميدان الكوميديااالرتكاز إلى الواقع لحلوة، بوعلي سالم كاتب يتميز بالنكتة ا. عرضت

المسرحي كثيرا من األمور، ففي عالج في تاريخه. الساعةومعالجة قضايا الناس « عالج فساد الجو الفني وابتذاله التجاري، وفي »وال العفاريت الزرق«

سلوب فنتازي معادال موضوعيا لعالمنا هو عالم أقدم ب» اللي في السماء الثامنةلقانون، المستقبل على ظهر أحد الكواكب حيث الحب جريمة يعاقب عليها ا

ثير تأعالج » الملوك يدخلون القرية«و» الرجل اللي ضحك عالمالئكة«في و يعيش علي سالم كان،في كل هذه المسرحيات. المال والشهرة على اإلنسان

رغم قض إلى أقصاه بين الفساد والنقاء، وكان يؤكد مرة تلو المرة،التناأنه نظيف وجريء، وه، أن اإلنسان في جوهرالدوافع الخبيثة في هذا العالملعل في هذا سبب . نا يحب وينادي بالقيم النبيلةقادر دوما على أن يستمر إنسا

ات المثالية والمبالغات الدرامية وبعض المواعظ والشخصيات حطالشلكن أهم أعمال الكاتب كانت . في أعمال علي سالم التي ذكرناالمسطحة

إذ ،جديدا عليههذا لم يكن . جداتتحدث عن السياسة بجرأة وبأسلوب فني راق وقد كتب نصا رائعا . فتنعكس عليه،تدخل السياسة دائما عنده كخلفية للمجتمع

-١٨٢-

، »البوفيه«تعبير عن الرأي اسمه من فصل واحد يتحدث عن الحرية في الجمعوا على أن أعظم كوميديا عربية ظهرت حتى اآلن هي ألكن النقاد

وفيها ينقد ،»أنت اللي قتلت الوحش«أو » أوديبكوميديا«مسرحية علي سالم يكتاتوري مستخدما األسطورة المعروفة في إطار فرعوني دأخطاء النظام ال

عرض لعلي سالم نص احتجب في األدراج طويال اسمه كما . خاذأممتع وعندما ظهرت العفاريت في النصف الثاني من القرن العشرين في القسم ثاني «

.وهي مسرحية تنتقد نظام المخابرات» ليال.. يدةبوليس مصر الجدال نجد كلمات تعبر تعبيرا أدق وأوضح عن مسرحية علي سالم

كأول عمل »محترف دمشق للمسرح« التي تقدمها فرقة ،»كوميديا أوديب« :لها، أكثر من كلمات الدكتور علي الراعي كما جاءت في برنامج المسرحية

يمكن أن يهم المتفرج في النصف الثاني ماذا : سأل علي سالم نفسه« وبعد مواجهة مؤلمة مع قوات ،من القرن العشرين، وفي األقطار العربية

ة يونانية قديمة كأسطورة أوديب والوحش؟رسطوأ من ،عدوان عالميليست مأساة زواج المحرمات، وال شبكة القدر . ليست التفاصيل طبعا

..ه أوديب وجوكاستاالمحكمة، وال المصير الذي انتهى إليما الذي يجب أن يتركه .. دور الفرد في التاريخ: إنما الذي يهمه هو

.للشعب.. للغيرنقاذ نقذ طيبته، وفي رأي علي سالم أن هذا اإلحل أوديب اللغز وأ

الفردي البطولي هو جزء من التاريخ يجب أن يبقى بين دفتي كتاب، وال .يتكرر أبدا

قادرا على إنقاذ الشعوب، في عصر -لت قدرته مهما ع-فلم يعد الفرد وحتى إذا حدث وتصدى. بمفرده.. م يعد قادرا على إنقاذ نفسهلبل .. الشعوب

وأفلح في هذا، فإن العين البصيرة ال تلبث أن نقاذ أمة،إفرد بعمل بطولي مثل

-١٨٣-

هو في الحقيقة تأجيل .. وزائف.. إن اإلنقاذ وهمي.. تتبين حقيقة ما فعل .ت لهزيمة ال مفر منهامؤق

مة ذلك أن الوطن ال يمكن أن يقوم إال إذا نبع من أمة، وكانت هذه األوالبطولة هنا ليست مجرد العتاد المادي والقوى .. ذاتها تتمتع بالبطولة

. بل هي أساسا قوة الروح، التي ينبع منها الوعي باألشياء واألحداث. العضلية هكذا قيل على لسان خبراء الدعاية في وأ.. أنقذ أوديب طيبه من الوحش

وانصرفوا إلى أعمالهم اليومية، وانقطع أوديب ،وصدق الناس النبأ. المدينة. الختراعاته ومكتشفاته ليبني أمنه على أساس من المنجزات المادية وحدها

.وهنا كمنت المأساةس وبناء المصانع والمدار. يقوم ما لم تدعمه القوى وتحميه فالسالم ال

وسواء أكان ما قام به أوديب من .والمعامل ينبغي أن يصحبه بناء الناسره شك، وصييمكن أن فإن شيئا واحدا ال،التصدي للوحش حقيقة أم أسطورة

ذا لم نسع إلى مالقاته إوهو أن الوحش يبقى دائما ويتهدد المدن باستمرار والقوة، وبناء الناس باألسلوب الوحيد الذي يمكن أن يطهر الوحوش، بالعلم،

وتأهيلهم لخوض المعركة، ألن الحرب حربهم هم، والمصير مصيرهم هم، .ه فييمكن لغيرهم أن يشكله أو يبت وال

يخرج لذلك يعود الوحش من جديد في مسرحية علي سالم يعود وهو .نجازلسانه لما قام به أوديب من إ

. شياء من جديدويكون على أوديب في قمة مجده، أن يعيد اكتشاف األالسالم ال تصنعه مجرد الرغبة في : أن يتعلم الدرس الذي تلقيه األحداث

.السالمال مكان للبطل الفرد . السالم تبنيه القوة دائما، قوة البشر وقوة السالح

وحين يتقدم كريون في آخر المسرحية لمالقاة الوحش . في عصر المجموع ،نه يقدم على عملية افتداء أ- أوديبعلى النقيض من - الجديد يعرف تماما

.نقاذإوليس على عملية

-١٨٤-

ة، وأن الشعب وحده ثبات أن الفرد ال ينقذ أمإيضحي بنفسه في سبيل ».نقاذ نفسهإهو القادر على

لعل هذا العرض مثال نموذجي لمعظم المشاكل والعقبات الفنية . ق تطورهالعويصة التي تواجه مسرحنا الجاد وتقف حجر عثرة في طري

سير فيخرج عن الت خراج هاني الروماني الإالعرض الذي قدمته الفرقة من وإذا كانت مسرحية علي سالم من ألمع ما كتب في .طالقاإالمذكور للنص

المسرحية نأالكوميديا العربية، فإن نقطة الضعف الوحيدة فيها هي آنيتها، أي ما قبل النكسة وبعدها يمكن أن تطبق على واقع مصر السياسي في فترة

، لهذا السبب. تفقد على مرور السنين وبالتدريج خلودهاحرفيا، وهي بذلكل عنصر من عناصر المسرح على كنت تجد المتفرج في المسرحية معجبا بك

حساس حيادي تجاه إ ولكنه أمام ،)إلخ.. الديكور- خراج اإل– النص(حدة ه اآلن في الصميم كما كان يمس الشعب يمسالعمل، ألنه لم يعد يقول له شيئا

. ظهورها قبل سنواتبانإالعربي في مصر العرض من أساس طموحه يستهدف أن يكون جماهيريا جذابا، ففرقة ا، محترف دمشق للمسرح فرقة خاصة أوال، وعملها األول جماهيري ثاني

هجة العامية عداد هاني الروماني للإ كان ، لذا.وعناصرها لهم شعبيتهم ثالثاخراجه للمسرحية على بهرجة الشكل، إالسورية وليس للفصحى، كما اعتمد

لكن محترف .سهيل عرفه تصويرية محلية الطابع ألفها واالستعانة بموسيقامشق للمسرح لم يستطع بذلك تجاوز أي مشكلة من المشاكل المطروحة أمام د

م يضف جديدا، لم يقدم ه لإن .مسرحنا، سوى مشكلة تحقيق التزام فني نظيفيتفق مع تجربة، لم يخلق طموحا، وإنما استمر في ممارسة دور قديم ال

الطموحات النظرية لهذه المجموعة من الممثلين الذين صنعوا على مدى يزيد يمكن ألحد أن ينكر عن عشر سنوات مسيرة المسرح في قطرنا، والتي ال

معركة من أجل القيمة الخالصة وال،واحدإن الصدق في الفن . دورهم فيها

-١٨٥-

وانتهت كل الخطوات ،هذه المعركة شارك فيها هؤالء مرات عدة .واحدةإلى أي مدى استمر الصدق الفني والقيمة ف.ولى بالتعثر لتبدأ من جديداأل

الخالصة؟ وهل أصحبت المشكلة الحقيقية هي خلق مسرحي جديد ينمي معرفة .. ت مدى نجاح العمل تجاريا؟ كلها أسئلةاإلنسان ويجلب له المتعة؟ أم أصبح

ة ن األعمال القادمه فالجواب ر،مجرد أسئلة نطرحها بموضوعية دون جواب .ال يمكن الحكم من اختيار وتنفيذ عمل واحدلهذه الفرقة انتقاء وتنفيذا، إذ

من تنهج خطا أكثر فنية»محترف دمشق للمسرح«ن أعمال ، إالمؤكدالمشكلة األساسية أن هذه المسرحية . ألخرىعروض الفرق الخاصة ا

رغم أنها ،قبال الجماهيري المتوقع لهاالجماهيرية الممتعة لم تحظ باإليحضر من أنرغم و، ورغم األسماء الكبيرة المشتركة فيها،كوميديا نظيفة

. العرض يخرج بانطباع طيب عنه مهما كان رأيه الفني والفكري في العمل! إنها مأساة المسرح في بلدنا! ب هذا غري! جمهوردونمسرح جماهيري

نمو بال جمهور؟ أم ترى هناك خلل في تيف للطموحات والتجارب أن ك ديم جعل الجمهور يمله ويبتعد عنه؟جهازنا المسرحي القور مشكلة خطيرة فعال، والكلمة الذكية التي قدم بها همشكلة الجم

شل عدة مرات وما الفشكلة،لم عمله تؤكد وجود ا»محترف دمشق للمسرح«يلة متاعه إال وسإما حاجتنا إلى تبصير الجمهور و. إال دليل يؤكد على ذلك كتابا ،شك أن مسرحيينا ال، من جهة أخرى،لكن. لردم الهوة بين الفن وبينه

أشد مظاهر التخريب تنعكس نأ من الداخل، و، قد تخربواومخرجين وممثلين :على المعروفين منهم

عظم ممثلي العالم يفشلون إذا لم يعملوا مع مخرجين كبار يوجهونهم إن أ • .ويغنون قدراتهم

،إن أي ممثل يرهق نفسه بالعمل في اإلذاعة والتلفزيون والمسرح •ويمارس نشاطات أخرى تعرضه من جهة إلى تخرب حنجرته، خصوصا

-١٨٦-

ر أمام كما أن ظهوره الكثي.ن إلقاء صحيحةيوأنه لم يتلق منذ البداية تمار .قناع المتفرجينإالجمهور يجمد شخصيته ويقف حجر عثرة أمام

بداعيا على وجه العموم، إإن اإلخراج أصبح عمال تنفيذيا أكثر منه عمال • . قليلة لمخرجين قالئلعدا أعمال

سرحية الم النأ وضعت نصب عيني حقيقة واضحة هي في الواقع، يقال عنها قد قيل في كتابات ألن ما يجب أن،تستفز المرء للكتابة

يضيف كما أن العرض نفسه ال. رجاء النقاش وعلي الراعي وغيرهما فقط بعض المالحظات التي اكهن. مجال التحليل المسرحي كثيراإلى

:نعتبرها أساسيةد ظالل شخصيته ولكن أيا منهم لم يفق،رفية وحنكةلعب الممثلون بح •

إذا لم يتمكن اإلخراج .ه يؤثر على صدقهم ألن،ر طبعاهذا خط. الحقيقية فإن ، أي خلقها إنسانية داخل الممثل،من تعميق بعد الشخصية المسرحية

تألق منهم سوى محمد لم ي. جزءا هاما من نبضها وحيويتهااألدوار تفقد ،)سنفرو(وبسام لطفي ) لوالح(، هاني الروماني )تايرزياس(صالحية

لقد ترك المخرج كال يلعب . متهم ألدوارهموالسبب يعود إلى حسن مالء . ففقد وحدة األداء وانسجامه،ن يفعل في السابقأكما اعتاد ، على هواه

تقودنا النقطة السابقة إلى ظاهرة عامة أساسية من أشد ظواهر المسرح •غموضا، ألنها ال تتجاوز مسألة حلول الشكل إلى مسألة وحدة التأثير، إن

سالم من شأنها أن تشعل الصالة بذكائها مسرحية كمسرحية علي ألن ، مداهذلكن هذا التأثير لم يأختها ولقطاتها السياسية البارعة، وسخرية التأثير مرهونة حد. عليها - أي الصنعة - ظال من الفن الواضح هناك

ميع من في المسرح من جوانب العمل، وهو تمكن ال تكفيه الخبرة جبتمكن يجب أن نتوخاه قان الفني، ألنه يأتي أحيانا صدفة، ولكنناالطويلة وال اإلتيزالون يحارون به وما ،هذا شيء يحسه المسرحيون. بالعمل والمران . وحتى اليوم، أيام أرسطو إلى أيام ستانسالفسكيويسعون إليه من

-١٨٧-

مثيلية، وقد بذل كل طاقاته أسامة الروماني واحد من ألمع وجوهنا الت • ألن غلطة سوء ،كان واضحا أن هذا الجهد يضيع هدرا ،مع ذلك. للعمل

دور أوديب، جادا كان أم كوميديا، ال .صالحهاإيمكن توزيع الدور ال ظهر أسامة، لذا.تى مدلوله المعاصر ظل بعيدا عنهيصلح ألسامة، بل ح

وإنما ،ليست القضية هي فقدان دور في مسرحية. المعتاددون بريقه وإنما صار ،نه لم يعد في مجال التجربةنى، ألأأن يتأصبح على أسامة

أين . كل دور له يدخل في عداد الخسارة والربح، حيث ال مكان للخسارةمن ) برالمملوك جا(في دور أو أسامة ) فيغارو(في دور مالءمة أسامة

مالءمته لدوره هنا؟ المخرج هو الطاقة األساسية المحركة للعمل نأأصبح من المؤكد •، هكذا. مكاناتلمسرحي المعاصر، فهو البوتقة التي تصهر فيها جميع اإلا

روفة ورغم اشتراك كل من األسماء المع.فإن لعبة النجوم لم تعد واردة، يوسف حنا )حورمحب(، أنور البابا )جوكستا(هالة شوكت : التالية

ن هناك أ باإلضافة إلى محمد صالحية وأسامة الروماني، إال ،)كريون(هذا الشيء ليس الديكور، وليس اإلضاءة، . ناقصا في العمل ككلظل ا شيئ

وليس الموسيقا، وليس رسم الحركة المسرحية على عدة مستويات داخل كل هذا، ، وإنما شيء آخر يسريوتشكيالت كبيرة، ليس كل هذا

كما يبدو -يدركه عقل هاني الروماني الباطني كممثل، ولكنه ربما شيء هناك لمسة اإلخراج السحرية .ن تمثله وخلقه كمخرجمكن ملم يت - لي

، والتي ال يمكن لعرض مسرحي من دونها أن يكون المفقودة في العمل .عظيما

إن مسرحية علي سالم تقول شيئا هاما، إلى جانب تأريخها لمرحلة ، النصر على الوحشنإ الخوف يدمر اإلنسان، ونإتقول إنها :سياسية معينة

الحكمة والسيف، .. عن طريق المعرفة والقوة إاليأتيال ،كل الوحوشبل

-١٨٨-

.. نسان جيد الصنعإ الحاجة األساسية هي تحقيق نإ وتايريزياس وكريون،يصنع نسان يكون في النهاية قادرا على الفداء والتضحية ليثبت أن الفرد الإ

.وحده التاريخ وال االنتصاراتاب جميل ظاهرا ومحكم الصنع، لكنها هذه المسرحية قدمت بشكل جذ

ة مضيئة ن تجعل منها نقطأ التي كان ممكنا ،افتقدت لمسة اإلبداع اإلخراجيبحا تجاريا جذب إليها الجماهير نفسها لتحقق رفي عالمنا المسرحي، وأن ت بدءا من النص وحتى استخدام مختلف ، أساساكبيرا يفترضه المشروعمستوى العروض التجارية إلى ذلك دون أن نتردى المساعدات الفنية، كل

. وتكون وصمة في جبين الفن والثقافة،التي تهتم بالربح الرخيص

* * *

-١٨٩-

صالح عبد الصبور

مأساة احلالج ) سورية- محص– فرقة املسرح العمايل(

ولد الحسين بن منصور الحالج في مقاطعة فارس بإيران في سنة« بعد أن أفتى ، بأمر من الخليفة المقتدر،وصلب في بغداد) م ٨٥٧(هـ ٢٤٤

قضاة المذاهب بكفره، ثم أحرقت جثته وألقي رمادها من فوق مئذنة مرتفعة )١(». هـ٣٠٩إلى مياه دجلة في سنة

من هذه الشخصية التاريخية النادرة في عالم استقى صالح عبد الصبور كما فعل غيره في العودة إلى ،»ساة الحالجمأ«التصوف مسرحيته الشعرية .حيائه بأشكال ومضامين معاصرةإ ومحاولة ،التراث العربي والتاريخي

حصلت هذه المسرحية على الجائزة التشجيعية في التأليف المسرحي لعام . في مصر، ونالت حينما ظهرت على المسرح اهتمام الناس والنقاد١٩٦٦

واحدة من أشهر شخصيات التاريخ ولعل شخصية الحالج األصلية ، العربي وأكثرها غموضا وبلبلة لآلراء، إذ اختلفت فيه أقاويل المؤرخين

كان من الحكمة وحسن التقدير أن جعل ، لذا.يمانه أم كفرهإحاروا في شأن فاضح المعاصر الذي أعطاه عبد الصبور هذه القضية أقل أهمية من التفسير الو

ج قد أعدم وأحرق ال من أجل حديث الحب، بل من وهو أن الحالللمسرحية، : يحاكمونهنفسه معرفا إلى القضاة الذينيقدم ذا وها هو . أجل حديث القحط

.٤٥فاروق عبد القادر، الصدق التاريخي والصدق الفني في مأساة الحالج، المسرح عدد ) ١(

-١٩٠-

.ولدت كآالف من يولدون، بآالف أيام هذا الوجود« سعى نحو حضن فقيرة،- بذات مساء-ألن فقيرا

.وأطفأ فيه مرارة أيامه القاسية ..حين يقتاتون خبز الشموسنموت كآالف من يكبرون،

.ويسقون ماء المطر افعين حزانى على الطرقات الحزينة،وتلقاهم صبية ي

كيف نموا واستطالوا، وشبت خطاهم،فتعجب )١(» .وهذي الحياة ضنينة

صراع «عبارة عن -كما قال عنها أحد النقاد في مصر - المسرحية.. ليس ملكا وال أميرا..فقير.. شديد وعنيف بين شخصين من غمار الموالي

ا ييطالب بأن يح.. يطالب بحق البسطاء في رغيف خبز وبقعة ظل وشربة ماء إنها ليست بشائر والدة رجل )٢(».نسانالناس في ظل قاعدة هي احترام اإل

. بل والدة ثائردين، لم يفقد في مسرحية عبد الصبور معالم ، على أية حال،الحالج

رجل إنه. لديني والسياسي اينحساسع ما بين اإل فهو يجم،شخصيته األصلية يصرخ ضد كل ما يشوه صورة نأ فأراد ،لم يكفه التوحد الصوفي مع اهللا

أال نستطيع أن . صورة اإلنسان هي صورة اهللا على األرضاإلنسان، ألننلمح من خالل هذا التكوين العام للشخصية تفاصيل تشير في مدلولها إلى

، وفي الوقت »أنا عليا«» اهللا« وتجعل من ،ية بين االثنينعالقة دياليكتيك : الحالج وهو يقولإلىلنستمع قضية؟ .. نفسه

،أراد اهللا إن تجلى محاسنه، وتستعلن أنواره«

.١٧٢مأساة الحالج، ص ) ١(

.٤٧منبر عامر، ليلة في ظل العامة والحالج، المسرح عدد ) ٢(

-١٩١-

،نايفأبدع من أثير القدرة العليا مثاال، صاغه ط ،وألقى بين جنبيه ببعض الفيض من ذاته

.ه وزينه، فكان صنيعه اإلنسانوجال فنحن له كمرآة، يطالع فوق صفحتها )١(».جمال الذات مجلوا، ويشهد حسنه فينا

مواجده وليست ثورة فعل، بل لعل، ثورة الحالج هي ثورة كلمةلكن يكون نتاجها التي الصوفية أمر ضروري للحفاظ على الحقيقة التاريخية،

ويجعل الكلمة يجعل الحالج غاندي جديد أو مارتن لوثر كينغ آخر، اتفسير مأساة الحالج األولى هي إن. دي بصاحبه إلى نهاية مفجعةؤسوطا الذعا ي

يمان والتداخل عدم قدرته على كتمان الوجد كباقي أئمة الصوفية، ألن هذا اإلمن نور يجب أن يهدي الناس ويبعث العاطفي مع مفهوم اهللا عند الحالج قبس مة شعاعا نافذا قد يدفعهم إلى ما عجز في عقولهم المخدرة وأجسادهم المحرو

إنه الشعور الحالج الذي . راديا بل والتبشير به، أال وهو الثورةإعن تحقيقه يقول في نقاشه مع إنه. عن خرقة الصوفية لينزل إلى الناسيدفعه إلى التخلي

: مدافعا عن يقينه هذا،زميله الشبلي ،أهل النعمةينقص نور اهللا إذا ما فاض على وكما ال« )٢(».ينقص نور الموهوبين إذا ما فاض على الفقراء ال

لكن مأساة الحالج في اعتقادنا ال تكمن في حيرته بين البوح والكتمان، شعر بالظلم يإنه بطل . بل بين الخوف واإلقدام، بين اإلحجام وااللتزام

ثورة لكنه بطل لم يصل بعد إلى مرحلة الاالجتماعي ويصرخ محتجا ضده، رغم رغبة الحالج في االستشهاد تقربا من ،لكننا. ه صوت نذيرإن: والتمرد

.٤٧مأساة الحالج، ص ) ١(

.٣٤ مأساة الحالج، ص )٢(

-١٩٢-

حراج من نجده في لحظات اإل المسالم لدعوته واحتجاجه، اهللا، ورغم الطابع :حرقةصديقه وزميل طريقته الشلبي يصرخ في مناقشاته مع

.الشر استولى في ملكوت اهللا« اكيف أغض العين عن الدني.. حدثني )١(»إال أن يظلم قلبي؟

على الدنيا، فالدنيا ملكوت اهللا، وهو كجميع ، ذنإ ،قلب الحالجكان قلب الحالج على . األبطال الوجوديين يجعل نفسه مسؤوال عن كل شيء فيها. ، أو كان اهللا فيهالدنيا بعد أن كان قلبه وعقله مع اهللا، بل ألنه كان مع اهللا

لو أعمل . لناس، وأبقى فكره فقط حائرا يتأملجعل نوره يشع على اهكذا، لكننا يجب أال . ، ألصبح ثائرا حقيقا وأصمت صوت الفكر فيه،الحالج قلبه

شخصية تظل شخصية الحالج عند عبد الصبور.ننسى العصر الذي وجد فيها شخصية رجل دين، فهو ينطق تارة مزودا باإليمان مصلح سياسي أكثر منه

يصرخ تارة إنه. يمانه وكأنه مبطن باإللحادإ وأحيانا يبدو ، المطلقالمتصوف كلماته تتجاوز . تارة أخرىيلبث أن ينطلق بالحكمة صرخة موجوعة، لكنه ال

شارات معاصرة تنطلق من إعلى يد الشاعر حدود الزمان والمكان لتكون :واقعنا السياسي أكثر مما تنطلق من زمن الحالج التاريخي

الوالي قلب األمة نإوأقول لهم « هل تصلح إال بصالحه؟

فإذا وليتم ال تنسوا أن تضعوا خمر السلطة )٢(».في أكواب العدل

.٣٦لمصدر، ص نفس ا) ١(

.٤٥نفس المصدر، ص ) ٢(

-١٩٣-

أقصى وضوحه ،»الكلمة« والمسمى ،يبلغ الجزء األول من المسرحية عندما يقرر خلع خرقة الصوفية ،براهيمإلقه في حوار الحالج مع تلميذه أوت

نسان بلغ إداخل كل في ن حلول في داخله، بل والبوح بما وهبه إياه اهللا مإن البؤس والظلم والفاقة . النقاء اإلنساني، بحيث يتوحد الخالق والمخلوق

إذ عيد الواقع أكثر من معلمه الحالج،براهيم الشاب على صإهموم تحرق قلب نجد التعارض بين ،هنا. حساسه بالمأساةإيدخل العامل الذاتي الديني في

فإبراهيم الشاب يكاد ينطق ج االحتجاجي وبين ردة فعله تجاهه،منطوق الحال :بدعوة ال ترضى بالسلم واالستسالم حال

يا موالي،: براهيمإ« ، وضنينفي عصر ملتاث، قاس

ى من هلكلن يصنع ربي خارقة أو معجزة كي ينقذ جيال .قد ماتوا قبل الموت

!يا ولدي، كم أخطأت الفهم: الحالج داربي أن يصنع معجزة، بل أن يعطيني جلال أطلب من

)١(».كي أدرك أصحابي عندهلرمادية للشخصية لكن نفس المحسن الجمالي في االعتماد على الظالل ا

الحالج دون تفسير ، إذ تظل شخصيةعيبابالذات تبدو في هذه المسرحيةة، وكلهم نجده يثور بالكلمات فقط، ويقتل بيد أصدقائه والعام. معاصر للتاريخ

ليس بأبي ذر الغفاري الذي يقول قولته إنه. موته كي تحيا منه الكلماتلبقيخرج على الناس كيف ال،يجد القوت في بيته العجبت لجائع «:المشهورة

لو تمثل لي الفقر واهللا«: إنه أقرب لقول علي بن أبي طالب»؟شاهرا سيفه .ين التمرد بالكلمة إنه الفرق بين الثورة وب».برجل لقتلته

.٥٣نفس المصدر، ص ) ١(

١٣ م -ة ضوء بقع

-١٩٤-

كما قد يتراءى ، وليس بطال ثوريا،بطل شهيدهو إذن، كما قلنا، وإنما ،هذه داللة ال تتحرى فقط الصدق التاريخي لشخصية الحالج .للبعض

الذي تعبر عن طبيعة فكر صالح عبد الصبور المهادن والمتوازن سياسيا، :ج فهو يقول على لسان الحاليمسك العصا من الوسط،

مل السيف، ولكني أخشى أن أمشي به،ال أخشى ح« )١(». عمياء أصبح موتا أعمىفالسيف إذا حملت مقبضه كف

مسرح عبد الصبور مسرح سياسي بالدرجة األولى، وهو يؤكد إن مأساة «وإذا كان هذا على مستوى الحوار في . هويته ومعاصرته بذلك

ليلى «مسرحياته الالحقة فإنه يصبح على مستوى الحدث في ،»الحالجلهذا لكن الهوية السياسية . »األميرة تنتظر«و» مسافر ليل «،»والمجنون

. ومتزنةالمسرح هوية معتدلة، محافظةتحار في بدايتها بين أساليب مسرحية مختلفة، إذ » مأساة الحالج «إن

دام ريب والعقالنية في سرد الحدث من نهايته، وبين استخستخدام التغتجمع بين االجوقات المختلفة من صوفية ومن عامة بغداد، وبين الحوار الكالسيكي الذهني

وهو حوار يبدأ من مفاهيم الدين ( ،الشعري المتبادل بين الحالج والشبلي وإذا كانت المسرحية تبدو في .)والتصوف وينتهي بآالم الواقع وحديث السياسةتصبح - » الموت«المسمى بـ -قسمها األول هكذا، فهي في القسم الثاني منها

أكثر متانة ومأساوية، وتصبح اإلفادة من تراث المسرح الشعري العالمي أكثر .عمقا وتفهما

فتظل عذاباته ذهنية ،مام أفكار الحالجأنفسنا أ نجد ،في القسم األول ال نلمح فيها تماما ظله اإلنساني، وبهذا تنقص التراجيديا ، بحيثالطابع

في القسم الثاني منها نجد األمر مختلفالكننا. من عناصرهاعنصرا هاما

.١٣٥نفس المصدر، ص ) ١(

-١٩٥-

ال تنقصها بأسرها، وكأنه يحمل بداية جديدة للمسرحية،»الموت«المسمى يكمن في أن فعل هذا اللعل. »الكلمة«طع من القسم األول سوى بضع مقا

لجة يكمن في حسن المعا، بل لعله »الكلمة«عمق تأثيرا من أصداء أ» الموت« ه يقدم الحالج نفس،واخر القسم الثاني مثالأفي . وبونضج التكنيك واألسل

بأروع األبيات وأشدها شفافية، ألول مرة في المسرحية في مشهد محاكمتهإن عبد الصبور هنا يعطي تفسيرا اشتراكيا . )١(وربما من أشدها أهمية

بل تشيع هذا لها، المبرر كي ال ترضى بما منحه اهللالحالج، يمنح شخصيتهلأن يهان اإلنسان واهللا قد أوجده، فذلك الحالج يرضى ال. الكنز لخير الناس

فيما يعتقد إهانة هللا نفسه الذي خلقه على مثاله، والذي يبقى صبوة الكمال عتني عبد الصبور برسم جميع ي ، في هذا القسم.المطلق لدى اإلنسان

اهتمامه على الحالج بداية ، بعد أن قصر في الشخصياته على حد سواءوحده، بل على أقوال الحالج وحدها، جاعال اآلخرين مجرد ظالل ومقدمات

وسخريته وأبعاده إن التكنيك الداخلي للقسم األخير غني بمفارقاته. ولكالمهله - المسيحما صلب تماما ك - في السجن مع لصين الحالجلقى ي.الرمزية

أو بمعنى آخر ينجو، يبقى اآلخر ، ويهرب فعال..وبينما يقرر أحدهما الهرب :مع الحالج ناذرا نفسه للموت

:، حين دعاني أن أهربيولهذا قلت لنفس« ماذا يجدي روحي أن تخرج من سجن ضيق )٢(»؟كي تلزم سجنا أهون ضيقا

ومع أن الكلمة خرجت من بين شفاه الحالج لتصبح شعاعا ونورا ي أن يموت كلبدي إلى بطل شهيد، وقمن رجل عامع أنه تحول .. وثورة

.١٧٢نفس المصدر، ص ) ١(

.١٣٩نفس المصدر، ص ) ٢(

-١٩٦-

تحيا الكلمة، فإن هذه الكلمة ظلت محور تساؤل فلسفي محض، ولم تتجاوز أين لي «، وأمام كل تساؤل حاد ومؤرق،هكذا. الفعلنفسها إلى مرحلة

، يترك بطل عبد الصبور الجواب لألقدار»بالسيف المبصر؟ ماذا أختار؟اهللا قد «يفرح ألن .. تي به حتى ولو كان يخفي نهايتهويفرح بالحل الذي يأ

وإذا خير صدق الفني هنا مع الصدق التاريخي؟ ترى أال يتعارض ال».اختاراب حاسم من طبيعة هل العجز عن اتخاذ جو،رىالفنان بينهما ماذا يختار؟ ت

عبد الصبور؟ أم هو من ،مأساة الحالجطالما - الناحية الفنية الصرفة يمكن أن ننكر من ذلك، ال رغم،لكننا

صالح عبد نأ -اعترفنا ضمنا بتحقق الصدق التاريخي للشخصية الصوفية الصبور حقق بعدا تراجيديا عميقا، ورسم شخصية تراجيدية عظيمة بذكاء، بل

فنيا في لعل ما ننكره عليه من ناحية الفكر والموقف الوجودي الحاسم مبرر بياض الحالج تعطي ظالال قاتمة بعض الشيء علىيديةتراج »زلة«ضفاء إ

إن تراجيديا . قناعاإنسانا أقرب إلينا بأخطائه، وأكثر إالناصع، وتجعل منه ، أتت المسرحية قسمين، لذا.حيرته وموته: ينالحالج تحمل معنيين مزدوج

ة ومنهما معا تكتمل الصورة التراجيدية والتاريخي،»الموت«و» الكلمة «هما .للعمل

،»مأساة الحالج«مسرحية لعل خير ما نختم به محاولتنا التحليلية هذه ل الذي يؤكد ما ، هي حوار البطل مع اللص الثاني،كما عالجها عبد الصبور . ورائدا، ولكنه ليس ثائرا تماما إال مبشرا، داعيةذكرناه في أن الحالج ليس

اته المهدورة كي تحيا منه ه رومانسي آخر يموت لقاء أحالمه وصرخإن :الكلمات

،خلوا الدنيا الفاسدة المهترئة: فأنا أحيانا أصرخ فيهم: الحالج« .حالمكم تفسح دنيا أخرىأودعوا

..دنيا أخرى من صنع األحالم: الثاني

-١٩٧-

الحلم جنين الواقع: الحالج ..أما التيجان

،فأنا ال أعرف صاحب تاج إال اهللا ،والناس سواسية عندي

،من بينهم يختارون رؤساء ليسوسوا األمر الوالي العادلف

.قبس من نور اهللا ينور بعضا من أرضه أما الوالي الظالم

يحجب نور اهللا عن الناسفستار كي يفرخ تحت عباءته الشر

)١(».يا ولدي.. هذا قوليمسرحيته وطبيعة معالجته الشعرية في ،ليوتإ. س .إن ظل ت

ية عبد الصبور مسرح، طبعا أثرهما على»كاتدرائيةجريمة قتل في ال«تأثيرات مباشرة ومختلفة لكتاب بطبع مسرحياته األخرى األولى هذه، كما ست

ويظل .جانبه حينا آخرب و،تقليدهم، فيواكبه النجاح حيناإلى يسعى سآخرين الشعر قوي الصوت في المسرحية، مما يسم بعض مقاطعها بالجمود،

شعر أعلى من غاية المسرح، كما يصبح الشكل المسرحي وتصبح غاية البعدا خارجيا، والحوار صوتا منفردا تخدمه وتمهد له جميع األصوات

مع - »مأساة الحالج«لكن . ن تملك تميزها اإلنساني والفنياألخرى، دون أ تظل في رأينا أعظم عمل مسرحي شعري ظهر حتى - جميع ما ذكرناه

تملك أبعادا ال حدود إنها . ، في المسرح العربيده بسنين وربما بع،تاريخها مسرحية غنية باإلمكانيات وباحتماالت هي. ا للتفسير والتقديم المسرحيله

.العرض المسرحي، وستظل محتفظة بهذه القيمة واإلمكانات زمنا طويال

.١٢٥-١٢٤نفس المصدر، ص ) ١(

-١٩٨-

:»مأساة الحالج«عرض

وكان جان فرق الهواة الثالث للمسرح،رعرضت المسرحية في مه بالتأكيد، ألن فرقة نادي ،عرض حمص يقف في طليعة عروض المهرجان

الفنون عودتنا دائما على األعمال الجادة، وألن هذه الفرقة أصبحت تملك عددا الذين يستحقون بجدارة أن ينتقلوا إلى مصاف ،من الممثلين المبدعين

غم غياب ور. وأن يؤسس على أكتافهم مسرح للشعب في حمص،المحترفين وفي مقدمتهم ،رغم ذلك من العناصر الموهوبة عدد جيدب فقد بقي ،عدد منهم

الذي يستحق على أدائه جائزة أفضل ممثل ،)الحالج(في دور أحمد منصور القاضي أبي (، رئيس أتاسي )الشبلي(مهرجان ذلك العام، باسم الخطيب في ؤالء حملوا على ه. وعمر قندقجي)القاضي ابن سريج( محمود قوير ،)مرع

تلك المسرحية : »مأساة الحالج«كاهلهم عبء صالح عبد الصبور الثقيل في ولم يكونوا . الشعرية النادرة في جودتها الفنية بين أعمال المسرح العربي

التي كان من شأنها أن تخفف االفتعال في ،بحاجة إال لبعض اللمسات القليلةلكن الطابع الفلسفي الحيادي لفكر . ، وتحقق مزيدا من الصدق الفنيالتمثيل

صالح عبد الصبور، خصوصا في تصديه بأمانة المؤرخ لشخصية صوفية هذا الطابع يجعل .، واستشهدت من أجل الثورةسالمية بحثت عن العدلإيجعل من هذه التراجيديا و بالذات، سرحية كثيرة المزالق في زمن عرضهاالم

جريمة قتل في «ليوت إادال لمسرحية مع- كما نوهنا من قبل – العربية .حيادهافي وربما ،في شكلها وطموحها» الكاتدرائيةالزلة التراجيدية للحالج هي أنه آثر القول على الفعل، واكتفى إن

الصراع هنا ليس صراعا بين اإلنسان . بالتحريض مستسلما لقضاء اهللااألول : ع هنا صراع ذو وجهينوالقدر، بين القوة الدنيا والقوة اإللهية، الصرا

حقيقة اهللا، والثاني واألهم هو الصراع و داخلي بين االلتزام بحقيقة الواقع أ .بين حقوق الفقراء وقوة رجال الحكم األغنياء

-١٩٩-

ن هذا الفهم الناضج للمسرحية من قبل مخرجها فرحان بلبل لم المشكلة أمسرحية طابعا تغلب على خشبة المسرح، إذ اتخذت ال هنفسالمستوى بيتجسد

. وصراع الحالج الداخلي الديني،عليه النزعة الصوفيةعدادا فكريا إعداد النص إ عدم ، أولهما.يعود األمر في رأينا إلى سببينيد إلى حد ما فهم الذي يخالف بالتأك،يتناسب مع رؤية المخرج وتفسيره

،ف المسرحي الجاد المؤل بلبل، فهو أن فرحان، أما ثانيهما.المؤلف لموضوعهخراجيتين، فأتى عمله مجرد تنفيذ للنص المكتوب إ يملك تجربة ورؤية ال

وبأقل قدر ممكن من اإلخراج المسرحي،بأكبر حجم ممكن من األمانةا، فمن موسيقى ، إلى حد أن تذوقه للتأثيرات المسرحية كان معدومالمبدع

لصوفية عند الحالج، المرافقة لحاالت الوجد ا) ورسكيتشايكوفسكي وموز(هرة في معظم مراحل العرض، إلى تسيب نفسي في مبضاءة إإلى استخدام

، إلى القبول بديكور جميل جدا من )الميزانسين (الحركة المسرحيةدوافع صممه الفنان (، وفقير إلى أقصى الحدود كديكور مسرحي..الناحية التشكيلية المنصة المختلفة، كما ضاعت غابت عنه ضرورة مستويات، و)عبد اهللا مراد

مجموعات الفقراء في فراغ مسرح الحمراء المتسع واقتصار قطع الديكور على لوحات تجريدية قليلة، بحيث أصبحت واقعية الحركة مفتقدة تماما،

لقد سيطر . خصوصا عندما ينتقل بنا المشهد من شارع إلى سجن إلى محكمة فأوصل النص إلى الناس بشكل ،رحيالمخرج بشكل أساسي على اإللقاء المس

خطوة تستحق »الحالجمأساة « فإن مجرد تقديم ،رغم كل ذلك. واضح مفهوم .كباراإل

* * *

-٢٠٠-

-٢٠١-

املسرح اللبناني

: ، مثلغابت عن الكتاب اإلشارة إىل كثري من املسرحيني لبنان

.ييعقوب الشدراو -أبو الدبسمنري -ملتقىأنطوان - جالل خوري فقد إىل دمشق، وبسبب قلة العروض اللبنانية اليت وصلتنا،أيضا

،غابت عن الكتاب بعض أمساء املؤلفني املسرحيني اللبنانيني املعروفني.. ميل البستاني وهنري حاماتيأو مقدمتهم عصام حمفوظ وأدوار

.وغريهم

املؤلف

-٢٠٢-

-٢٠٣-

ةــالرحابن

جبال الصوان ) لبنان- فرقة الرحابنة(

عندما يزهر القهر أعراسا وأعياد عنب، ومن خضم الظلمة واليأس

ا تعود ابنة الوطن غربة الخانقة تضيء الثورة بإيمان متقد، عندهواألعين نقاذ وطنها من إعلى جناح غيمة حمراء إلى ذرى جبال الصوان لتفي نذر

ألرض حساس المحبة لإ تعود بأصداء صوتها الثائر و..الغاصب المحتل وتمأل البلد األجساد وتمحو الشحوب عن الوجوهواإلنسان لتمزق السواد عن

ببساطة الطير في حنينه إلى عشه، وخضرة )غربة(تعود عندما أغنيات، تعود كألق الفجر، كنجمة صبحية، بيع وهي تمسح جبين األرض المنهك،الر

ى خاف يخاف، ومت أن لجانببد لتعلمهم طعم الشجاعة، وأنه عند الصراع ال السجون مهما كبرت فهي ال تسع ن، فيقرون أن ال استسالم، ألفقد هزم

الناس، والسيوف مهما كثرت فهي ال تكفي لقتل كل الناس، وألن الحق في إرادة الحياة تظل أقوى من إرادة الموت، وطالما نإالنهاية البد سينتصر، إذ

كل هذا . اةر على الطغوب أن تنتصالشعوب تحمل نفحة الحياة، فال بد للشعأن أيضا بل بالفعل واإلرادة الصلبة، وتعلمهم ، ال بالكلمة،ياه غربةإتعلمهم

اإلنسان عندما يؤمن بأن الحياة من خالل الموت خير من الموت في الحياة، ه وأن يعض الجرح على نصل الخنجر،وأن الفداء هو أن يتحدى القتيل قاتلي

عندما يدرك شعب مهزوم كل . صليب وعلى شفتيه ابتسامةفإنه يموت على ال . فقط تزف ساعة االنتصار، عندئذ ويؤمن به في أعماقه،ذلك

-٢٠٤-

بعد أن تشتت » جبال الصوان« أمام بوابة )مدلج(ذات يوم وقف البطل وهدتهم مائة ليلة من القتال الضاري وحصار جيش الغازي ،شمل رجاله

وال تتراجع ساقه ، ال تطرف له عين،س رافع الرأ، وقف وحيدا)فاتك(. ج على بوابة بالده مضرجا بدمه سقط مدل،وبسهم استقر في صدره. خطوة

ة بالسالسل والجراح، وقد هيمن تمر سنوات والبالد تحت أقدام الظالم مقيدكان الدرب يوما تحفه . جبال الصوان شعور الحزن والقحط واليأسعلى

كان لكل طفل رفيقه ووردة وقطعة من خد القمر والزهور وترنيم العندليب، .يزرعها أحالما هنيه

ل يرمي لها في األمسيات من الشباك الف،كان هناك عاشق لكل حسناء، لكن كل هذا مختلفكان للمعول صوت آخر، ولصفير الريح نغم. والياسمين

حمراء، تعلو ذرى الجبال غيمة ،ذات يوم. ب وراء السواد واألعين الخائفةغا ترى من القادم؟ أتكون » .هي بشارة بعودة غائب«: فيتهامس العجائز والكبار

فأي خير ،ن كانت هيإنقذت؟ تلت أو أها قنإ التي قيل ، بنت مدلج الوحيدة،غربةفي وغريبة؟ منبوذة ،يأتي على يديها وهي التي عاشت بعيدا عن وطنها ضعيفة

لقد عادت العصفورة : عين المنتظرة تنساب غربة تحت وهج األ،رقة النسيمالتحديات، ة على عاتقها ثقل مهمة صعبة ملؤها ملاحلقد عادت غربة . شردةالم

تمسح بمنديل عادت كريح ربيعية لتبذر األمل والشمس في الغصون المجدبة، و شيء واضح بكلمات، فالمعركة التي كل. االصمود عار الهزيمة عن جباه شعبه

. وليس بعد،ها، ليس قبلأوانلصبر ستأتي حين يحين تنتظرها بفارغ اياما سهرنا، وليش اتأخرتي .. ياما .. ياما نطرنا.. غربة.. غربة: الناس« يا غربة؟

لما صار الوقت جيت، صرخلي التراب، صرخوا الناس، : غربة ».ص األرضجاي خل.. ندهتلي البيوت، وجيت

حساب من أجل تبذل نفسها بال، هي جان دارك العربإن غربة . مفعمة باإليمان واألصالة والحب،الوطن

-٢٠٥-

فتاة بسيطة واضحة المعالم، شعرها للريح، عيناها للريح، إن غربة : تغني للحرية يا جبل الغيم األزرق.. وطني«

يينيا قمر الد.. وطني ..والزنبق

ك قصيدةأنا على باب كتبتها الريح العنيدة

.أنا سوسنة.. أنا حجرة »..يا وطني

ومن قبله ، أبوها على بوابة البلدتوغربة أيضا من ساللة أبطال، ما ال األمل السكوني ،تت لتبعث فيهاألقد . ومن قبله أجداد آخرون،جدهالقد أتت تحمل الناس المقهورين على جناح عاصفة، . بل الثورة أيضا،فحسب

تعرف أنه تقول وهي وهي تقف كاألنبياء في المقدمة دون وجل، تقول ما بالتصاقها )فاتك(تتحدى ذي وهاهي . ربما كان وراء كلماتها الموت نفسه

كما يتحدى اليوم آالف ، رغم النفي الطويل عن ترابه،الوثيق بأرض الوطن :من رجال المقاومة العرب

أنت يا طفلة ربيتي بالهرب، يا زهرة الضعف، يا أتعس من عشب : فاتك« الحيط، شو راجعة تعملي؟

.راجعة خلص األرض: بةغروين خيل القوة اللي شعرا .. كنت وحدك، وين رجالأ و،كيف: قايد

والسيوف اللي هي الحق؟.. أبيضأنا حبة .. أنا نقطة الشتي. الحق ما بيموت: قال لي بيي قبل ما يموت: غربة

».جاي انزرع بصدور الناس الللي هون وبكره زرعنا بيطلع.. القمح

-٢٠٦-

التي لن تقف أمام جبروته بعد أن هد ،رقة الصغيرةيستهتر فاتك بالو إذ تعود األغنيات إلى الشفاه، ،لكن أحالمه سرعان ما تخيب. )كعاب الجوز(

والرقصات إلى األجساد، ويصبح الخوف فرحا دائما، فغربة أشعلت الثورة الذي باع ، الخائن)شهوان( وها هم بعد طول الرقاد يعاقبون .تخمد التي الهاهم يدركون أن التقارير والمؤتمرات هراء . وضميره لحساب طمعهوطنه ومتى خاف ،ه ال بد لجانب أن يخافنإ رغ، وأن القضية تكمن فيهم هم، إذفا

يختفي في ظلها السيف ، واألمل منارة مضاءة،الليل عباءة. فقد خسر، ال اسم ومن هويةبد لإلنسان من ال اإلنسان ألمه األرض، فبوالعزيمة وح

الناس ورغم خوف. فيستدعيهايشعر فاتك بالخطر الجسيم،. بد له من وطن، وما دس منهم في السجون أو شاعاتإدسه فاتك بينهم من رغم ماوقلقهم، . )جبال الصوان(وحيدة عند بوابة إلى المشانق، تذهب غربة لتلقاه دفع بهم

وأصبح ،ثورة إلى الناسيهددها دون فائدة، فهي لم تعد شيئا بعد أن انتقلت ال .يخفي نور الحقيقة عنهم قتلها التجعليهن خبز وال. بعرض عليك تروحي. اتركيهم وروحي: فاتك«

.األرض، ويرجع شجركن يزهر الطرحات السودأنا اللي بعرض عليك . فتحوا شبابيكن، شمسن ما عادت تغيب: غربة

».تروح يخرج أهلها ،وانوعندما يزحف فاتك بجيشه يريد تأديب جبال الص

اإليمان، وتخرج غربة إليه بثوب سلحين بالسيوف والعصي والحجارة وإليه مو د أمام تهديد الع صامدة، وتقف أمام بوابة البلد كأبيها مدلج،زفاف أبيض

لكن فاتك يفاجأ . شهيدة على البوابة، فتسقط يستقر سهم في صدرها. ووعيدهيصرخ في . صار الثورة.. هم غربةد صار كل منعندما يجد أهالي البلد وق

رادة الشعوب هي التي إ نأ إذ ، وأن القتال عبث، أن ال فائدة، فجأة،رجالهوبينما ينسحب بجيشه، يحمل الناس غربة كزهرة داستها قدم . تنتصر

-٢٠٧-

ويحلمون من بين دموع انتصارهم الدامي بالمزارع الخضراء .. شريرة .والعدل والمحبة

نوع المسرحيات الغنائية الرحبانية، ألن طبيعة يصعب كثيرا تحديدالغناء العربي إلى جانب طبيعة المضامين الملتزمة عفويا تجعلها مختلفة عن

جوهر النص الذي . هول- والكوميديا الموسيقية والميوزيك من األوبريتكله ينطلق من إن. كتبه الرحبانيان جوهر جيد مفعم بالعاطفة الوطنية الصادقة

عن طريق ، وذلكلتصاق بالواقعمثالية، شديدة االو شعرية بطولية ةيرؤهذه سة اللغة ودرامية التعبير، تجمع بين سالالتي الحكاية الشعبية، استلهام

ون هنا شعري، المضمإن. بالطبع أمور لها أهميتها بالنسبة للمسرح الغنائيعري اح الشيستطيع المرء أن يلمس آثار المسر. وكذلك أتت المعالجة

أصالته، وخصوصا ، دون أن تفقدهاألوربي الحديث تماما على روح النصجان آنوي وجورج شحادة، وبشكل طبيعي من سبقهم من كتاب المسرح

متين سرعان ما نحا نحو السذاجة معلكن هذا الجوهر ال. والشاعريالشعري: البناء المسرحيالمقطع أكثر من تطور األحداث واالهتمام بعاطفة األغنية أو

عنصر -عات المغرضة كانت عابرة وغير مقنعة اش شهوان لإلحادثة بث( وإنما،الصراع بين الثورة والخوف لدى أهالي جبال الصوان لم يبرز مأساويا

).مر بسرعة تكاد تكون غير ملحوظة هناك ظالم ،ظاهرا. هناك أكثر من صراع، »جبال الصوان«في

يقتصر على هذا، لكن األمر ال. ة، خيانة وبطولةومظلوم، طاغية وضحيرادة بجيوش جرارة لتحرر أهالي جبال الصوان، بل أتت باإلفغربة لم تأت

الصلبة واإليمان والتضحية والحب لتحرير النفوس الخائفة من ظالل التردد صراع نفسي بين ،ذنإ ، الصراع. كي تحرر بدورها الوطن،والضعف

يبدأ صراع ،من جهة ثانية. رادتهإ وضع الشعب وبين السلوك والضمير، بين ،مما كان من شأنه التمهيد لالنسحاب األخير (،بد منه في نفس فاتك آخر ال

-٢٠٨-

حساس بأن من اإلينبع هذا الصراع ). وعدم تركه هكذا معلقا بالفراغ كمفاجأةالقاهر يتحول إلى مقهور أمام الصمود، وهو صراع لم يبرز إال في مواقف

قالل من التأثير الشامل كان في غياب هذه الصراعات اإل. رجية وسطحيةخاحراز انطباعات درامية إ في ة الكاملة من المنطلق الفني، ومن االستفاد،للنصمع األخوين رحباني، دائما ممتازة فعال كعهدنا كانت ألحان المسرحية . عميقة

براز إطالة أو ل اإلت دسا من أج دس- وهي قليلة-ورغم أن بعض األغانيتوعية «و» عنبعيد ال«شخصيات جاهزة، فالمجموع يظل مرضيا، وباألخص

».الشعب قبل المعركةوقد . مما يؤكد موهبة الفنان صبري شريف،ممتازا فعالخراج اإلكان

عطاء الجمالية المطلوبة، ومن التماسك داخل إتمكنت حركة المجاميع من لكن الحركة المسرحية الفردية لم تكن . التصميم بارعون طار الديكور المرإ

مكانيات المسرح الذي يعاني إيرام، إما لضعف في الممثلين أو في على ماال أدري إن بروجكتورات اإلضاءة، بحيث من توزيع مكبرات الصوت ومن

!ة أم المكانيات المتاحمكان المخرج أن يتجنبها باإلإكان بحول العمل البد من االهتمام بها جديا هناك بعض المالحظات السلبية

ذ البد لمن إ وهي ليست كبيرة، ،)وخصوصا الرحباني (،في المسرح الغنائيبهالة بارزة ) فيروز(حاطة غربة إ: يسير على درب النجاح أن يتعثر

همال معالجة أي من اآلخرين كشخصيات ذات أبعاد إ و،كشخصية من جهةأعطى ظهور . عدم التوازن في المسرحيةا منمن جهة ثانية، مما خلق شيئ

نفحة تفاؤلية عريضة جعلتها تقترب من -وهو عيب آخر -غربة المتكرر االستعراض، وتسهم في بث آمال من دون قاعدة في نفوس الجماهير، مع

.ر الدرامي للنضال الجماعي ضد المستعمريقالل من التأثاإلين، دون ت التقليدينلمون وهبه ونصري شمس الديف افتعال شخصيتي

غم ما كان يمكن أن تحدثه من أثر ر،يجاد حبكات جانبية ناضجةمحاولة إل .يجابي في العملإ

-٢٠٩-

وليست ،flat شخصيات مسطحة - إن لم نقل كلها- أغلب الشخصياتإنها أنماط ودمى أكثر منها شخصيات من لحم ودم، ولم ينقذ . round ةيدائر

أمر ائية الطابع، أما في مسرحية عادية فهو المسرحية من هذا سوى أنها غن ، هذه الهناتالغم. ذا التجاهل للدوافع اإلنسانيةغير مبرر بهذه الكثرة، وبه

معاصر بمجموعها عمال ناجحا يعالج حدثا » جبال الصوان«تظل مغناة ويسعى ألن يخلق توازنا مقنعا المضمون، شعبي االتجاه، وله أهداف ايجابية،

استطاعت فيروز أن . يمان بحتمية االنتصارحساس بالمأساة واإلبين اإليقاع إخراج وبطء تتحرك في دور غربة أكثر من المعتاد، وذلك بمساعدة اإللكنها لم تصل بعد . حركتها، واستغالل صمتها المعبر في دور واضح المعالم

ق الذي أتحفنا بأصد،وازي روعة صوتها المالئكي المإلى مستوى التمثيل عمل الرحبانيين وصبري إن. وأجمل األغنيات وسط قتامة حياتنا السياسية

أما . الغنائي العربينفس بقدرة اللحن العربي والمسرح الشريف يعيد الثقة لللم تخلق بعد، فقاد جمهور دمشق من أجفانه إلى عوالم وشطآن ،صوت فيروز

دعائية، بل بصدق فني ة بروح السمو والبطولة دون جعجعة أو ابتذال أو حافل .يثير اإلعجاب، ألنه صدق اإلنسان الذي يحلم بالخبز والحب والقمر والكرامة

* * *

١٤ م -بقعة ضوء

-٢١٠-

-٢١١-

ةــاحملط هل هي حمطة سفر أم توقف؟

يقهر، يمانا جازما الإ ويؤمن به ،عندما يتمسك اإلنسان بأهداب الحلم

حالم ليسوا المستفيدين منها، صانعي األلكن. فإن هذا الحلم يتحول إلى واقع وينسون من نادى بالحلم على ،يركب ركبها جميع الناس ذ سرعان ماإ

التي قدمت »المحطة«ا ما تتحدث عنه مسرحية الرحابنة هذ. األرض المقفرة .١٩٧٣على مسرح مدينة المعرض عام

، تأتي من خلف بحار الغربة، من وراء غيم المستحيل)فيروز(وردة ل بطاطا شخصية مسافرة غريبة اعتادت الترحال، تسأل الناس في حقهيئة في

في حلمها يغدو لكن.يدري الناس ماذا يجيبون العن محطة وهمية تتخيلها، فسفر، يتحولون ، يعدون حقائب حياتهم حقيقة يتنازعون من أجلها، يبنون فندقا

يصبح هناك ،ئاشيئا فشي. ، وتتفتح أمامهم آفاق المستقبلعن حياتهم السابقةمحطة، ومسافرون ينتظرون مع قدوم القطار أمال مجهوال، ووردة ما زالت

: وتحدث نفسها عن الحياتين،يمانها تحدث الناس عن حياتهم الجديدةإعلى خالل . التي ستبقىوردةع، وعن وردة التي ستذهب، وحياة الحلم وحياة الواق

.تغني فيروز أعذب األغنياتذلك، ،ا بحر الليلي ساطع يمانيإ« ،يماني الشمس المدى والليلإ

يمانيإ وال بيتعب ..يمانيإما بيتفسر ».أنت اللي ما بتنساني

-٢١٢-

أسوار الواقع، فإذا ةسراكرادة الحلم اإلمن وراء حدود المحال، تحقق وحدها تكتشف أنها لم تشتر بالجميع يركبون، ولكن وردةبالقطار يأتي، وإذا هي التي صنعت من الحلم حقيقة وجعلتها ملك جميع -ها نأتذكرة للرحيل، و

وحدها التي ستبقى بينما الجميع -لناس، وليس ملكا للنزوات الفردية ا .يرحلون

* * * ذه اللقطة الشاعرية الفنية إلى هعاصي ومنصور الرحباني حول

ن والشك أ.نها إلياس الرحباني أيضامسرحية فانتازية شارك في تلحي ومن البحث الدائم الذي عودنا عليه ،بقدر كبير من الجدتحتفظ » المحطة«

في شك ال. غنائي عربي يحمل طابعه المتميزاألخوين الرحباني عن مسرح ها تظل في مجموعها عمال يسر المتفرج وينقله عبر حوار رشيق بارع أن

. رفيعوأغنيات جميلة وصوت ساحر ورقصات متقنة إلى عالم من الفن ال ثم بين ،ولعل أذكى مقاطع الحوار هما المقطعان بين وردة والشرطي

ففي األخير : ففيهما يصل النقد السياسي الساخر إلى أقصاه،الحرامي والشحاذإذن، فهو بطل: األول بالقوة. ناس كالهما يسرق المنهما يكتشف الحرامي أن.

كل وطن فيه أبطال أن ويتفقان على .، فهو سياسيذنإ: قناعوالثاني باإل والحوار هنا يدور برشاقة وكثافة ،وسياسيون يسرقون الناس بشتى الوسائل

ة فيتجاوب معها برد،وسرعة تجعل المتفرج يشعر بالنكتة السياسية كالطلقةا اصطلحنا على أو م، السياسيا كما في الكباريهتمام، يجابية مباشرةفعل إ

».مسرح الشوك«تسميته في مسرحنا مل مطلب صعب التحقق، وهو ينطلق أوال لكن مطلب المسرح الشا

حتى عندما اتخذ المسرح الشامل طابع العرض . وأخيرا من مفهوم الدراما مبتعدا قدر اإلمكان عن الحوار ومتجها إلى الشكلية المعتمدة على ،المسرحي

ن هذه هناك ترابطا تعبيريا بيفإنرقص واإليماء، الضوء والصوت وال .يصاله إلى المتفرجإيحاء المطلوب التأثيرات وبين اإل

-٢١٣-

رغم ، يظل مسرح الرحابنة مسرحا غنائيا وليس مسرحا شامال،لذا بينما تحقق بشكل أفضل ،»المحطة« عناصر هذا النمط المسرحي فيتوفر كل

.»ة المفاتيحرناطو«و» جبال الصوان«في ون حباته ثمينة وجميلة، ولكن جماله ربما تك، الفن المسرحي كالعقدإن .ن إال عندما ينتظم ويتكامليتحققا وروعته ال

ها عمال فنيا متقنا، فيه أناقة مسرحيات في مجمل» المحطة«تظل . ولكن المرء يخرج منها وهو يشعر بأن شيئا ما ينقصها،الرحابنة وجمالها

لعمل بسبب مرضه؟ ترى أهو غياب عاصي الرحباني عن المراحل التنفيذية لأم هو استبدال مخرج الفرقة صبري الشريف بمخرج آخر هو برج فازليان؟

كركال ومستوى رقصاتهم عما عهدناه؟أم هو نقص في عدد راقصي فرقة ل ما غنت فيروز متضم بين جوانحها بعضا من أج» المحطة« أن رغم

حنا - ينة ليالي الشمال الحز- رجعت الشتوية «:وقد اجتمع في عمل واحد ورغم أن ،أغنيات أخرى جديدة، فضال عن »يماني ساطعإ - السكران

ورغم أن حوارها يصل في بعض فقراته ،موضوع المسرحية شعري موفقإلى أقصى درجات الذكاء والسخرية الالذعة والنقد، ورغم أن المسرحية

هي استخدام السينما مع المسرح ( ،ضمت ألول مرة حيلة تكنيكية بارعة حيث تتبادل فيروز الحقيقة مع ،)» ماجيكا- التيرنا«بنجاح تام على طريقة

فيروز الصورة حوارا غنائيا متصال، ورغم استخدام الصوت عندما يأتي القطار إلى المحطة بتلك البراعة التي تشعرنا بأن القطار يدور فعال حول

والتضخيم، إال أنهلمكبرات بطريقة التتابع صالة المسرح عن طريق استخدام اهمت في خفض طموحات العمل عن السابقة أس التساؤالت مجموعيبدو لي أن

، فإن مسرحية رغم كل ما ذكرنا. السلم البياني المتصاعد ألعمال الرحابنة ألنها مسرحية تبتعد عن ،المحطة هبطت عن المستوى المعهود للفرقة

إن لمحات الحوار تضيع ف،بذلك. ح وتقترب من االستعراض الغنائيالمسر

-٢١٤-

يحوي على أي صراع بين فكرة قدوم القطار وعدم للحدث ال هشوسط نمو عتحاول أي جهة من وال،قتنع الناس بسرعة بهذا ويؤمنون بهي إذ ،قدومه

الجميع استغالل قدومه بل يحاول قدومه، كما يحدث في دنيا الواقع،الدراما على جوهر المسرح سبقية الفكرة على أت ، أجهزبهذا. لمصلحتهم

من حوار وشخصيات .. هو حدة الصراع، وعلى جزئيات بناء المسرحيةو: مثل (، ليس لمعظم أغنياته عالقة بالحدث،استعراضياالعمل إثارة، فأصبح و

وأصبحت حتى ،..) حنا السكران- سألوني الناس- يا دارة دوري فيناطالة العمل مبرر إلدون ومقحمة ،الرقصات مفتعلة في سياق الحدث

، وذلك على عكس دورها ) رقصة المطافئ-رقصات الفتيات في المحطة (حاجة إلى وأظن أننا لسنا في . » المفاتيحناطورة«ملتحم بالبناء المسرحي في ال

خصوصا بالقياس إلى ،تأكيد ضعف القيمة االستعراضية منفردة عن المسرحوتنوع فرقة الشعبية اللبنانية الشامل، وضخامة ال» ناس من ورق«استعراض

في غمرة الصعوبات الفنية» المحطة«بل كادت أزيائها في عروضها السابقة، كادت ، وبسبب االنعطاف الفني والتجديد فيها.التي نقدر أسبابها تمام التقدير

األحالم واقعا من من يصنع وهي أن،أن تضيع مقولتها األساسيةالمسرحية ينسونه الذين سرعان ما، الحلم ملكا مشاعا لكل الناس يجعل من،بإيمانه

في غمار تشتتها هنا وهناك وراء الغمزات - ويرحلون، فتصبح المسرحيةلى وشك ع- رجال السياسة، وعن الرحيل والبقاء السياسية عن المخابرات و

ن سبب إلى كواليعزا هل . زلقا وغير واضحأن تطرح مضمونا مغايرا، كانت » الشخص«فمسرحية . تجريدية الطابع وحديثة؟ ال أعتقدالمسرحية

.كذلك، لكنها كانت نصا مسرحيا متكامالساطة واألناقة إخراج برج فازليان للعمل أعطاه طابعا من البنأشك ال

وأن يستفيد بشكل ،العملمفاصل لكنه لم يستطع أن يربط والتعبير الحركي، ليخرج عن الخط المألوف للتمثيل في مسرح أكبر من اإلمكانات المطروحة

أي بازلياندعلم يب. ل فيه عنصر المباشرة واالفتعالالرحابنة، والذي يدخ

-٢١٥-

والصوت تة للنظر، فيما عدا استخدام السينما الفخراجية جديدة أو إحلول كانت اإلضاءة لسبب أجهله في أضعف حاالتها بالنسبة . ين جداالموفق

فائدة دونذ تتابعت أضواء الخلفية زرقاء وحمراء إ ،لمسرحيات الرحابنة األحيان أشد سطوعا مما يجب، وأقل تعبيرا أغلبفي ومعنى، وكان الضوء

ة كبيرة جزءا كبيرا من الديكور روال أدري لماذا اقتطعت ستا. مما يجب .األنيق والمريح والمالئم إلى حد كبير لطبيعة العمل الغنائية المتفائلة

ق ال نهاية وحدها الحلم الطائر دون توقف إلى آفاوسيقا الرحابنة م تظلقد استطاعت تجربتهم أن تنتقل بالموسيقا العربية سنة ل. لها من الحب واألمل

دة من تراث لمية، مستفيا إلى رحاب الع،دون توقفمن و،إثر أخرىال ). لهنديةلموسيقا االموسيقا اليابانية والموسيقا الشعبية الروسية وا (،الشعوبخالص والتفاني في العمل عن العطاء خوة الرحباني عن طريق اإلاإليتوقف

مغمض العينين، فيروز وهوقودهيدري المرء إلى أي شطآن ت الالزاخر، .ر، يلهم ويسحر إلى حد الهالكبصوت كحوريات البح

طاقات، بدءا من أدوار لكنه عمل مشتت العمل أنيق ومتقن، » المحطة«ى وصوال إل و،) السائح-فيلمون وهبه(و) الحرامي-نطون كرباجأ(يل التمث. ضاءة، وقبل كل شيء النص المسرحيخراج، واألغنيات والرقصات واإلاإل

، نتوقع دائما منهم األفضل، فنحن لذا،نحن نحب فن الرحابنة وصوت فيروز .مدهشا -كالعادة - تظل عمال جميال، لكنه ليس » المحطة«و

** *

-٢١٦-

-٢١٧-

رميون جبارة

ومسرح االرجتال: التجربة اللبنانية

لقاء مع املسرحي رميون جبارة

ساهم مع الرعيل ريمون جبارة فنان مخضرم، بدأ في لبنان ممثال، األول في وضع أسس المسرح اللبناني الحديث، واشترك مرات عديدة في

اشترك مع جالل خوري عرفناه ألول مرة مؤلفا عندما . االقتباس والترجمة بعد أحد ، واآلن.»وايزمان وبن جوريون وشركاءهما«في وضع مسرحية

فلتمت «يقدم عمله الكامل األول ذا ها هو ،عشر عاما من العمل المسرحي ..كان لنا مع الفنان ريمون جبارة هذا اللقاء. ، مؤلفا ومخرجا»دزدمونة

. الجديدة فيهاالتجاهاتديث طويل عن المسرح اللبناني ووح

وعن موقع تجربتكم ،هل لك أن تحدثنا عن اتجاهات المسرح اللبناني - المسرحية منها؟

üالحكومة ال تتدخل في المسرح. ليست هناك فرقة رسمية، في لبنان، هناك لقاءات عادة بين أشخاص . د أفرادهولهذا فهو يقوم على ج

بدأت . واألسلوبيرتاحون إلى العمل مع بعضهم لتقاربهم في الفكر مثل ،كنا بضع هواة. ١٩٦٠الحركة المسرحية الحديثة في لبنان سنة

نطوان كرباج، رضا خوري، لطيفة أنطوان ملتقى، منير أبو دبس، أهي كانت تلك . من خالل مهرجانات بعلبك الدوليةوبدأنا آنئذ. ملتقى وأنا

االنشقاق عن منير نطوان ملتقى بأ ثم قام .النواة األولى للنهضة المسرحية التي اشتركت معه فيها خالل ،»حلقة المسرح اللبناني«أبو دبس لينشئ

-٢١٨-

بدأت ،من هنا. وقدمنا مهرجانات في ضواحي بيروت،أربع سنوات .األمور تتفرع

هذا عن تاريخ الحركة المسرحية اللبنانية، ماذا عن حاضرها - ومستقبلها؟

üكما في الوطن ،وبات كبيرة الحركة المسرحية اللبنانية واجهت صع حتى . أن تخلق النص والمخرج والجمهورالعربي كله، فقد كان عليها

لو كنت تبني مسرحا في بلد . ما زالت تواجهنا مشكلة الجمهور،اآلنبدائية جدا لكان األمر أسهل بكثير، ألنه يتحتم عليك هنا أن تزيل من

كالمخدر، وأن تقول للناس أذهان الجمهور الشكل المسرحي العالق بذهنه ،لهذا. فقد قيمته اآلن، والذي كان شيئا في حينه،ن التمثيل الذي عهدوهإ

بشكل خاص مع جماهير الطالب،فنحن نعتمد ونأمل في التواصل بدأ المسرح يرتكز على ،ذنإ .عادةهو خصوصا وأن حضور المسرح

م يطالب بالتأليف،، كان بعضهفي السنين األولى. عداد الممثلإخراج واإلمعظم . يصنعه هكذا الووهذا خطأ، ألن التأليف ينتج عن المسرح،

.. المؤلفين الكبار ظهروا من الصف المسرحي، ألن المسرح لعبة خاصةربما كان هناك كاتب كبير، ولكنه على المسرح قد يغدو . علم خاص

. سرحيةلكنها ليست م ترجمات خليل مطران مثال أدبية، . فيسقط،ضئيال ،ذروة انفعاله وإذا به يتوصل إلى ،قد يؤدي الممثل دورا كما كتب مثال

،لقد تطورت عملية الترجمة واالقتباس. وما زالت هناك كلمات زائدة .لذي بدأ يظهر في المواسم األخيرة ا، نحو التأليف،على أية حال

ام دوار البستاني، عصإنطوان معلوف، أ: ن اآلن همون البارزوالمؤلف .ل خوريجالو محفوظ، هدى زكا، أسامة العارف

؟ هل تشكل عقبة في يماذا عن منافسة المسرح التجار. وأنت طبعا - كم؟حإلهاء الجمهور عن تفهم وحب جدية مسر

-٢١٩-

üاك المسرح مسرح اللهو، وهن.. في كل بالد العالم هناك مسرح البولفار بل غالبا ما يكون خر،وال أعتقد أن أحدهما يشكل خطرا على اآل.. الجاد

العكس صحيحا، إذ يمل الجمهور ويكتفي من مسرح التسلية، فيتحول الخطر الحقيقي هو األشخاص . باحثا عن شيء جديد في المسرح الجاد

. ألنهم يئسوا من االستمرار بنقاء فيه،الذين يزايدون ضمن المسرح الجاد . يكشف هذه األالعيب بسرعة، على أية حال،الجمهور

تعتمد ،ما ذكرتل ه مرحلة ثالثة يمكنني اعتبار تجربتكم المسرحية هذ-ن إنها أقرب ما تكو.تجربة الممثل لخلق العمل المسرحيعلى

ما رأيك؟.للمسرح الحي أو لمسرح االرتجالü أنا أدرس في الجامعة اللبنانية . »لتمت دزدمونة« سأقول لك كيف ولدت

عمالي مع أوقد أكدت لي . ص المسرحي مادة خلق الن- قسم التمثيل - خلق النص أمر سهل جدا إذا توفرت الحالة نأطالبي شيئا هاما هو

ال، ويترك له العنان،عندما يوضع الممثل في حالة معينة. المسرحيةي ليس نصا فقط، وليس كلمة العرض المسرح. يعود للنص كبير قيمة

ننا اعتمدنا على الصمت فإ،»لتمت دزدمونة«كما الحظت في . فقط العرض المسرحي يتألف من ثالثة ن، إفي رأيي. الطويل واإليماء

هذه العوامل الثالثة يجب أن . الصوت والصمت والحركة: عوامل وهيتتوازن، فإذا طغت الموسيقا مثال صار العرض باليه، وإذا طغت الكلمة

عداد إدتني على خبرتي خالل أحد عشر عاما في التمثيل ساع. دباأصار أنا ال . مخرج وراء ما يشاهده أصابع يشعر المتفرج أن بحيث ال،الممثل

نا عندما أو. فإني أكيف النص على أساس الممثل،لذلك. أؤمن إال بالممثلإني . خراج، فأنا ضد األشياء المرسومة سلفاأخرج ال أضع مخططا لإل

ال أستطيع أن . ين ذاتهاأعتقد أن أهم فترة في خلق المسرحية هي التماركونني الخلق مدروس مقرر، ألن هناك بشرا يشار بشيء يآتي لوحد

. وال بد أن يكون لهم رأيهم فيما يحصل،بداعواإل

-٢٢٠-

هذا يقودنا إلى التساؤل عن الدافع التجاهكم الجديد جدا، والذي يبتعد -فسكي وعن منهج ستانسالفسكي وبرشت، ويقترب من منهج غروت

هل ما يشدكم هو الشكل الجديد؟ أم أنها دعوة نابعة من . البولوني حاجات المضمون نفسه؟

ü إني . إني أحد القالئل في لبنان الذين لم يدرسوا المسرح في الخارجليست هنا أشكال . الفن يخلق نظامه. ليس هناك نظام فني.أرفض التقليد

يختار ر الالشعر، فالشاعكل يولد مع العمل، تماما كما الش: للمسرحوهكذا األمر في . البحر لكي يمأل كالما، إنه يضحي عندئذ ناظما

، ولكنه ال ا عظيمايدارإ.. المسرح، فالذي يقوم بذلك يصبح منظما عظيماتجاربي مع طالبي في هو قادني إلى هذه المسرحية ما إن.يصبح فنانادم على أنني لم أتمكن إننا نقوم أحيانا بمشاهد ارتجالية أن. معهد الفنون

قمنا بتمرين ارتجالي استمر ساعتين، لو ،منذ شهر. من تسجيلها بكاميراشخصيا ونفسيا، . لكان عرضا مسرحيا كامال وجيدا،عادتهإتمكنا من

إذ أرى أن عندنا ،عندي رفض لألجواء المسرحية التي عايشتها في لبنانلقد تركت . إلنسان يموت من الجوع من الدجل الفني، إذا لم يسايره اانوع

كل شيء ألجل المسرح، ولم يعد هناك ما يستحق أن أغير ألجله مبادئي كان كل شيء عفويا . كبير للجمهور، هناك تحد»لتمت دزدمونة«في

. حتى بالنسبة للمضمونذن،إ ،وأصيال

هل يمكن لمسرح االرتجال أن يترك تراثا مسرحيا؟-ü أعني ماذا تقصد تماما بالتراث المسرحي؟.. ث المسرحيوما هو الترا

بداع ممثل، إنص يكتب، مع رؤيا مخرج و: عادة المسرح هو - االرتجال يذهب مع . وعناصر أخرى تتكامل جميعا لتخلق العمل المسرحي

ألنه يتخذ كل يوم ، ويصبح من الصعب تقييم العرض المسرحي،لحظته ذن؟إما الذي يخلد . المستوىأشكاال جديدة ومتراوحة

-٢٢١-

üما حدث في دمشق كان متعة حقيقية . المرتجل إنني أتوق إلى المسرح وكان في ديكور قبل رفع الستار بعشر دقائق،لنا، فقد انتهى تجهيز ال

ول مرة أمام لقد كسرنا أل. الذي قدمناه كثير من االرتجالضالعرإلى أساس، وإلى خط االرتجال بحاجة ،بالطبع. الجمهور طوق الوهم

يليق أن يعلو وأعتقد أنه ال،إنني أتوق لذلك. عام يربط العمل الواحد. الممثل في القرن العشرين خشبة المسرح ليقول كلمة مؤلف أو مخرج

.إن عليه أن يقول كلمته هوماذا : كانت أسئلتي عامة، أما اآلن فأحب أن أسألك سؤاال مباشرا -

وهل في نهايتها حل ؟»لتمت دزدمونة«لتم أن تقولوا في حاو ايجابي؟

ü نسانه إ المحور األساسي هو أنه كي يخلق مجتمع جديد البد من تحريرالتحرر من الخوف يعني تحرر اإلنسان من انعزاليته . من الخوف أوال

لقد . فأنا أرفض المسرح الذي يطرح حال،ا بالنسبة للحلمأ. وحقده. م تركت الجمهور ينهي الطريق وحده ث،»لتمت دزدمونة«في مشيت

ألنني عاجز عن تقديم حل، بل ألنني أرفض ذلك، إذ ، بالطبع،ليس هذاالمسرحية دعوة ألن ينتصر اإلنسان . أعتقد أن الحل يأتي عن مجموعة

.الساكن المنتظر على الجالد الكامن داخل نفسه

حظ بعضهم أنك تسقط المسؤولية على ال» لتمت دزدمونة« في -ما هو مفهوم . الجماعة في محاولة لتبرئة الفرد المحاصر الوحيد

الضحية عندك؟-الفردüالمجموعة طيبة أساسا، ولكنها تسقط . المجموعة كان يقودها رجل شرير

البطل في النهاية بالدور الذي يريد أن يفاجئهمعندما . في براثن اللعبةحوله، يتآمر الحاقد وتلتف المجموعة ،يلعبه، ويبني مدينة بال خوف

وليس جزءا من ،ويقتله، دون أن يشعر اآلخرون أن قتله شيء حقيقي

-٢٢٢-

، ولكنه يندم ألنه خدع، يقتل الشعب دون أن يعرف،أحيانا. مسرحية ال تقع على عاتق المجموعة بالدرجة ،ذنإ ،المسؤولية. وألنه بريء

موقفا من لي إن. تدور حول مفهوم الضحية» لتمت دزدمونة«. األولىأنا لست ضد الذي يجد آخر مشنوقا فيقطع الحبل لينقذه، وال ضد : الحياةنا ضد اإلنسان الذي يقف أما نسان الذي يجهز عليه أيضا، بقدراإل

انطلقت في اإلستراحة ما بين الفصلين إلى توجيه ،من هنا. ليتفرج عليهوثائقية المؤلمة اتهام يصدمه ويهزه عبر الصور ال..اتهام عنيف للمتفرج

.لفظائع العدوان على فلسطينثارة األحاسيس وعلى الجو المسرحي إ تعتمد المسرحية كثيرا على -

.من خالل عناصر الصوت والموسيقا والضوءüنما كانت له دالالت ومعنى، فإذا الحظت في إ لم أستغل الضوء جماليا، و

جل وبين نعت من الضوء حاجزا يفصل بين الرصآخر مشهد كيف .المجموعة، وبهذا عبرت عن عزلة اإلنسان وخوفه وهو يموت وحيدا

الضحية؟- هل كان كل فرد من المجموعة مؤهال ليلعب دور البطل- .نسان مؤهال ليلعب دور الضحية أو البطلإفليس كل . ال بالطبع*

مسرحكم يعتمد على نقل شحنة من االنفعاالت واألحاسيس، وعلى - ودفعه إلى المشاركة الشعورية الكاملة في ،رج فيما يشاهدهدمج المتف

هذا المسرح يبتعد عن مسرح األفكار، فهل . الطقس الذي يدور أمامه سياسيا؟ وكيف يكون ذلك من دون فكر؟متعتبر مسرحك اجتماعيا أ

ليس كل مسرح ترد : ولكني أحب أن أقول شيئا. طبعا مسرحي سياسي* . سياسي ليس جريدةالمسرح ال. مسرح سياسي سياسة هو فيه كلمة

.المسرح يبدأ من حيث تنتهي الجريدةعندما أريد أن أحكي شيئا عاديا فإنني أفعل ذلك في صالون أو على

أتكلم عن ، بالطبع،إني. أن أذهب إلى مسرحإلى وال أحتاج ،رصيف

-٢٢٣-

فأنت هناك تدخل إلى صالة ،المسرح السياسي أو التسجيلي في لبنانثم تخرج دون أن يترك .. ستمع ألخبارت.. تتسلى.. تضحك.. العرض

. هذا أثرا لديك. إنني ال أهتم بأي عرض مسرحي ينساه المتفرج وهو على عتبة صالة

» لتمت دزدمونة«إن الذي أحب . إنني مع المسرح الذي يحمله المتفرج معه . تجاههامبال ينساها بسهولة، ولكن لم يكن هناك أحد ال أو كرهها ال

منطلق، ولكنه ليس مسرحكم ذانإ ،ذنإ ، هل يمكننا أن نقول- المسرح التسجيلي؟

üأنا . أنا أعتبر كل عمل صادق عمال ملتزما. ال أقصد موقفا سياسيا معينا.. ال .حساسي وتفكيري كفنانإوأعبر عن .. أتفاعل.. كإنسان أعيش داخل محيط

م، فمن الممكن تقديمه في بلدان أحب أن أسألك عن عالمية عرضك-نها إ أم ،نسانيةإهل هذه في رأيك ميزة . متناقضة البيئة والسياسة

عن األصالة؟بعيدا تمييع في الموقف ينحو به ü ،الحقيقة أننا انطالقا من مشاكلنا وآالمنا ومأساتنا انطلقنا نحو الشمول

، لهذا.اكلنا لقد ضجرنا من المتاجرة بمش.وهذا شيء واضح في العمل وإلى التلميح حول قضايا مثل فلسطين ،لجأت إلى القالب الرمزي

لتمت «هم أحدا في أت أنا ال.أرفض أن أكون مبشرا. ئة العربيةوالتجزال أملك خالصا، فكلنا يبحث عن . بقدر ما أتهم نفسي» دزدمونة. يجده شخص لوحده، بل جماعة تلتقي مع بعضها الخالص ال. الخالص

بين .. كان هناك سعي لخلق مشاركة بين الممثل والمتفرج، عرضنافي .ال أريد متفرجا حياديا، أريد متفرجا يخرج بموقف. الخشبة والصالة

. كان هناك جو من الحصار النفسي على صغر مسرح القباني فعال- هل تعتقد أن هناك ما يسمى بالمسرح الشعبي؟ وهل يدخل ،بالمناسبة

؟ضمن أهدافكم

-٢٢٤-

üهناك مسرح ناجح أو غير . ي وآخر ليس بشعب،ح شعبير ليس هناك مس أنظف جمهور مسرحي هو الذي يأتي من غير ادعاء، ولهذا نإ. ناجح

مشكلتنا في لبنان هي وجود بعض . فإني أقدر جدا الجمهور الدمشقي كانت األمسية لريع العمل ،في ليلة من ليالي بيروت. »المثقفين الغلط«

وليس مجرد رجال ، وكان أن حضر العرض مقاتلون حقيقيون،يالفدائلم تمر . »لتمت دزدمونة«مت فيها دكانت أروع ليلة ق. صالونات وفكر

كانت عالمة . مت إال وفهمتص لحظة رشارة صغيرة إال وفهمت، لم تمإ وآخر غير شعبي، وإنما العمل ناجح ،تدل على أنه ال وجود لعمل شعبي

المسرح . وال جريدة تقرأعندي ليس خبرا يروى،المسرح . فاشلأو حتى في يوجد حل ال. يبدأ البحث،انطالقا من هذه الحالة. خلق حالة .إن خلق الحالة يطرح صبوة للبحث عن الحل. المسرح

اتفق معك أنه لو كان هناك حل واضح لألمور لطبق على مستوى - .الواقع ال الفن

üإن ما . شخص واحدخرج، وزيوس، كلهم ينتظرونه، والم البيك الذي ..أريده هو محاربة االتكال على شخص

.. وأال تنتظر غودو-üكل هذه الشخصيات كيان واحد يضيعنا، بينما الخالص يكمن . بالضبط

ال من .. الخالص يجب أن ينبع من داخل كل إنسان. في ذواتنا.. فينا .وال من االنتظار الالمجدي.. الضحية

* **

-٢٢٥-

رضا كربيت

الستارة ) لبنان-فرقة ميشال نبعة (

على المسرح، بل امتدت إلى جوانب حياتناتقتصر »الستارة«لم تعد

.. س األلعابمارفي كل مكان تحيطنا الستائر، وت. السياسية واالجتماعيةألعاب أكبر من لعبة التمثيل المسرحي، ألعاب ال تقتصر نتائجها على المنصة

هذا ما تقوله مسرحية . تحدد مصيرهة، وإنما تمس شعبا بأسره، فلصغيران التي قدمتها فرقة ميشال نبعة من لبنان الشقيق في افتتاح مهرجا،»الستارة«

.. لعبة ما وراء الكواليس.. من لعبة المسرح. دمشق الخامس للفنون المسرحية موضوع المؤلف رضا كبريت–ولعبة السياسة في لبنان، استمد الممثل

. بها عالم التأليف المسرحيته األولى التي ولجمسرحينحن أمام مجموعة من الممثلين يتدربون على مسرحية بين قطع ديكور

تحاصرهم تعليمات ،)مقصودة طبعا (،غير جاهزة، وأخطاء ضوئية وصوتيةي السائد والمبني يعالج الواقع االجتماع، حادموضوع المسرحية . مخرجهم تتوضح ،شيئا فشيئا. وعلى فقدان الهوية والعدل الصحيح طائفية،على أسس

أبعاد المسرحية، فهناك رجل مدان بجريمة قتل ينتظر الحكم بإعدامه، وهو يا وجالدا وطبيبا ومدعيات تمثل تجارا ورجال دين وسلطةمحاط بشخص

ل نكتشف أن اإلدانة ال تمس الرج،من خالل صراع زوجته الحامل. اعام كل :وإنما تمس جيله بأكمله، بمن فيهم الذين يحيطون به محاولين قتله ،وحدهالجيل الذي صنع .. ةالجيل الذي اعتاد الخنوع والضعف والألخالقيذلك

١٥ م -بقعة ضوء

-٢٢٦-

الهزيمة وسيصنع الهزائم، حكاما ومحكومين، ألنه جيل يمارس حياته تمثيال من . المراءاةرة من الزيف وقناع منفي تمثيل، ويخفي عيوبه خلف ستا تنفلش أمامنا أبعاد أكبر من أبعاد المسرح، ،خالل المشاهد المتتالية والمتقطعة

فالذي يجري هنا يجري في كل مكان، واإلدانة عالقة بالجميع، والمسرحية تصبح الواقع الوحيد الممتد .. تصبح هي الصدق الوحيد في عالم من الكذب

لحدود والمسافات بين الواقع الذي وسرعان ما تتالشى ا. حتى خارج المسرحعد الرمز الذي بدؤوا يمثلونه وهم يلعبون يصورونه والواقع الحقيقي، وينتقل ب

ممثال في - ويتحول الصراع الطائفي معاش فعال،عدأدوارهم إلى ب إلى كتلة واحدة تسكت بالعنف الخروج عن مألوف اللعبة -الشخصيات

األهم، والصمت هو الستار، وأية مطالبة بالعدل المتفق عليها، فالتسلية هي » الممثل–المتهم « يسقط ،كالعادة. وبدور اإلنسان تصبح هي الجريمةالمجرد

وكما كان . يقتلونه لكي يغطوا النتن الذي يفضح الضجيج رائحته.. ضحية لهميمثل دور الضحية التي يتجاذبها رجال الدين والسياسة ليعدمها كل على

.يتآمر الجميع على قتلها فعلية ه يصبح ضحيةنإمذهبه، فطريقته و عناصر عملها األول نإ فرقة حديثة التجمع، كما »فرقة ميشال نبعة«

ص يشكو من بعض ليست عناصر متميزة إذا أخذناها متفرقة، فالن» الستارة« تدر التصفيق، واإلخراج بسيط جدا، كما ال يوجديسالتداخل والتشويش كي

مثيل بالمعنى المعروف طالما أن العرض يدور خالل تمرين على هناك ت فقد استطاع هذا التجمع من الفنانين اللبنانيين أن يقدم لنا ،مع هذا. مسرحية

متكامل العناصر، بحيث يصعب تناوله نقديا، أو وببساطة كبيرة عمال ذكيا ية، بمسه إنه عمل يتفق الجميع على اإلعجاب به، بجرأته السياس. تجزيئه

ها نإ. الصادق لهموم الشارع واستخدامه تلك الصورة غير المباشرة لنقلها الممثل الذي خبر إمكانية المنصة سفمسرحية عرض، كتبها رضا كبريت بن

ولوال العثرات العابرة في تمازج الرمز . وخبر هموم الشارع السياسيةولكنها . النص جيدنإ وفي تشابك الخيوط أكثر مما يجب، لقلنا ،بالواقع

-٢٢٧-

عثرات طبيعية في النص األول، الذي يظل خامة ممتازة لعمل مسرحي، كوميديا «إن الستارة عبارة عن . وعمال فيه كثير من األبعاد الرمزية الذكية

بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهي بحد ذاتها تجربة جديدة وواعدة تنطلق » سوداء وإنما ينقصه ،قصه براعة التوصيلفي بحثها من مسرح فقير وصادق ال ين

.عمق التوصيللكن . ة للنظرتفال تقنية خاصة ةبأيكعرض » الستارة«ال يتميز

خراج استطاعت بفطريتها أن توصل الكلمة إلى الناس، واستطاع اإلالمسرحية هو أهم ما في العرض، وعلى عفوية ساعدت أن يحافظ على إيقاع متناسبكما لعبت اإلضاءة التي صممها رمضان . مقنعاالنص على أن يأخذ شكال

جعفر دورا جماليا وفكريا أضفى كثيرا من التركيز على اإلحساس الفضفاض .بتداخل المسرح مع الواقع االجتماعي والسياسي الخارجي

ليس فيها ما يقف اإلنسان مسرحية ذكية، جريئة وجميلة،» الستارة«بل تكاد بعض انتقاداتها السياسية ال تخرج طويال عنده من النواحي الفنية،

، وإن كانت تصل غالبا إلى الشحن والتوعية واإلثارة،عن الدغدغة الساخرةإنها مسرحية ساخرة سوداء، نالت نجاحا ). خصوصا في فصلها الثاني(

.جماهيريا المعا في بداية المهرجان، وحبذا لو عرضت أكثر من عرضين فيهلين ثابت ، إ)المحكوم(على رضا كبريت من يها كل وقد لمع من ممثل

وكم نتمنى لو تتوصل هذه المجموعة . )المدعي العام(وفؤاد حجيج ) لزوجةا(من الفنانين إلى أعمال أكثر فنية تستطيع أن تقول ما قالت بنفس الجرأة وبمقدرة أكثر فنا وأصالة، تضيف لمسة الثقافة والفكر على جوهر الموهبة

مجرد النجاح والتجاوب لدى الفرقة، وال ينحصر دافعها في ر المتوف . تلك هي كلمتنا قبل أن نسدل الستارة. الجماهيري

* * *

-٢٢٨-

-٢٢٩-

املسرح العراقي

-٢٣٠-

-٢٣١-

عادل كاظم

املسرح العراقي» طوفان « )العراق -بغداد –مية الفرقة القو(

أن قدمت في مهرجان دمشق الثالث ةلفرقة التمثيل القومية العراقيسبق

وذلك ، فقابلها النقاد والمسرحيون يومها بعدم الرضى،»الحصار«مسرحية المسرح العراقي ولكن. التخاذها طابع المباشرة والمبالغة والخطابة نصا وأداء

من ،»الطوفان«ى االحترام عندما قدم مسرحية بعرض جاد وجيد يدعو إلفاجأنا .تأليف عادل كاظم وإخراج إبراهيم جالل

من الصراع بين الخير والشر عمودا فقريا لها، » الطوفان«تتخذ مسرحية كز عليها، لتقدم ت الشهيرة محاور ترغلغامشبينما تستلهم من شخصيات ملحمة

واضح تماما على الواقع المعاصر تفرد ظاللها بشكل،تراجيديا شعائرية الطابعن خالل مواقف على المستويين السياسي والديني خصوصا، وتتصدى لمعالجتهما م

امش سوى خيوط واهية ال تربط أحداث المسرحية بملحمة غلغ. أبطالها الوجودية الفلسفي المعذب أمام غلغامشجدا، فبينما تبحث الملحمة عن سر الخلود في تساؤل

نكيدو صديقه الحميم، يعرض لنا عادل كاظم أ التي تفتح شدقيها لتبتلغ ،تظلمة الموة أشبه ما تكون بكاليغوال في شخصية سلطوية مستغلة وقاسي) غلغامش(هنا في يتخذ من ألوهيته سلطة ، رمزا لنصف إلهغلغامشلقد أصبح . وجبروتهقوته

من جهة . ب وفاقتهوهام معابدها بؤس الشعغرق في أديكتاتورية يحكم بها، وي يتخذ راع على صورة المسيح النقيض الخير لسلطة الكهنوت الوثني ،أخرى

يتمكن الخير في لحظات المواجهة من قهر كما . ، ويجابه ظلمهاالمستغلة هذه

-٢٣٢-

ويحوله عن ذلك التساؤل الفلسفي ،كبير الكهنة) آنام( فيغزو قلب ،شكوك التائهين عندما يحقق الإعتراف بأن تلك الحقيقة ال تتأتى السالب حول حقيقة الوجود إلى اال

هذا الموقف البطولي لإلنسان ». إني أصنع حياتي بنفسي-الراعي«: اإلنسان نفسه» ذبابال«في مواجهة حتمية قدره والسلطة المهيمنة عليه يذكرنا بأورست في

نها ال أن ماهية اإلنسان هي في وجوده نفسه، وأاؤكدلسارتر وهو يتحدى زيوس م) آنام( بدا من قتل غلغامشال يجد . ل معاناة تجربة هذا الوجودتتجلى إال من خال

تكشف النقاب عن ) ننسون(كاهنه األكبر كالشاة الضائعة عن القطيع، ولكن أمه م إث قد وقع في غلغامش وأن ،حقيقة خفية مرعبة هي أن القتيل هو والد القاتل

ممتدة على سطح ، الموقف التراجيدي توتراتتزايد مالمحهكذا، . اغتيال أبيهحزنا منها على حبيبها الراحل، بينما يلقى ذروتها في خبر انتحار الملكة بالسم

يدور . غلغامش الوحيدالقبض على الراعي محرض الشعب ويؤتى به لمواجهة .غلغامش الذي ال يخضع و،الراعي الذي ال يخاف: بين الضدين صراع اإلرادة

أسير انحداره الجنوني نحو غلغامش ويظل .يفوالسيف للس.. للنداع الندصرإنه تماما كماكبث، فيقتل الراعي، ولكن طوفان الشعب الذي نورته ،الهاوية الدموية

فيجتاح أبراج معبده مهددا متوعدا، إذ ذاك ال يجد ،أفكار الراعي ال يمهله كثيرا كما فعل هتلر يوم سقوط ،رامناصا من غرس الخنجر في صدره منتح

.مبراطورية أحالمهإفي تحول الكاهن آنام » الطوفان«ركز معظم النقاش الذي دار حول ت

ومدى ما يعنيه ذلك من أمل في تحول الطبقة المستغلة عن استغاللها بدافع ا يخالف مسار الحل ثلمملة وحدها، وهو أمل يخالف الواقع العاطفة النبي

أن وجد بعضهم لكن. لمسرحيته عادل كاظم نهايةالثوري الذي وضعهمعاصرة المسرحية وموقفها السياسي يتوهان في ضباب من المحاوالت غير

.المجدية لصياغة تراجيديا كالسيكية قديمة الطرازح والفنون لقد طرح بشكل واسع مؤخرا اهتمام غير عادي بتأويل المسر

تجاه ترسخا تكاثر عروض المسرح وقد زاد هذا اال.عموما تأويالت سياسية

-٢٣٣-

ورغم أن السياسة هي عصب الفنون وجزء ال يتجزأ من . السياسي المباشر بمعنى قولبة األفكار ،أعماقها وخلفياتها، إال أن االنطالق من السياسة إلى الفن

أمر يعكس تطور التجربة الفنية ويشوهها، ألن ،الجاهزة في صياغة معينةن من الصياغة الفنية إلى مدلوالتها الواقعية، ومن الرمز االنطالق الصحيح يكو

، ومن الحقيقة اإلنسانية للشخصيات الدرامية إلى ما يمكن أن إليهإلى المرموزالفن ليس تسجيليا بالضرورة، . فسيرات، ومن الرؤيا إلى الواقعتوحي به من ت

ال بد ،لذلك. بموضوعيةوالنظرة الوثائقية له قد ال تصل بالناقد المتجرد إلى أعماقه وليس من ،من النظر إلى األمور أوال على ضوء المعالجة التي تطرحها بنفسها

ترسم البعدين الشخصي » الطوفان« أجد أن شخصيات ،المنطلقهذا من . خارجها لسقطت ،حدهما على اآلخرأ ولو تغلب .والرمزي وتوازن بينهما بقدر المستطاع

الكاهن وتوبته ما كان إال شرخا في الشخصية آنام ، فإن تراجع لذا. المسرحية عادل كاظم قد مهد له نإ وليس نقاء مفاجئا يثير الدهشة، كما ،يهزها ويكاد يدمرها

.في حيرة آنام الفكرية وتأمله في معنى وجودهآنام هنا إنسان قبل أن يكون كاهنا، وهو شخصية تراجيدية قبل أن يكون إن

وإنما ينطلق منه إلى ،د أن عادل كاظم ال يسقط في تيه الشكلرمزا، لذلك أعتقتحليل صادق وعميق لموقف صراع وجودي تطرح فيه تساؤالت شاملة حول

لموت، وهو يقدم ذلك من خالل رؤية شعرية وإنسانية االقوة واأللوهية والحب و جالل عبر فقد استطاع إبراهيم،إلخراجأما بالنسبة ل. ملة تتسم بالعمق والكثافةشا

ي تدل في الوقت نفسه على تفهم ، وهإخراج متقن يتصف بالتكوينات الجمالية تفسيرا تقدميا وإنسانيا دون أن يسقط في هوة هعميق لروح النص وتفسير

أن يقدم من النص المخرج، إذن، استطاع . بل أنقذ المسرحية منها،المباشرة. الشيء الكثيرتلهم من طقسية المسرح أنه اس يزيده قيمة ويبعث فيه،عرضا جميال

كان العرض يدور تحت إضاءة ملونة خافتة تلقي ظالال مبهمة متضادة على وجوه يبدو . وأشكال يغلب عليها لون الدم األحمر، بينما الخلفية شاشة مضاءة بلون أزرق

بدءا من ،ويلة السابقةة خبراته الطع في هذا العرض زهو إبراهيم جالل جمأن

-٢٣٤-

،بشكسبير والشكل الكالسيكي للمسرح، حتى تجربته الطويلة مع برشت القتهعت محل تطهير شكيف حل تغريب بر«: حيث كان موضوع أطروحته هو

أضاف إلى ذلك إبان دراسته في الواليات المتحدة األمريكية، وأيضا » أرسطولسينما التركيب الجمالي لعرضه المشابه في ضبط ودقة عناصره التأثيرية روح ا

اإلخراج ، فقد أغنىأما من حيث المضمون. يطالياإالتي درسها لمدة عامين في األعلى : المسرح مستويين أعلى وأسفلالمخرج عندما جعل نص عادل كاظم

كما مد جسرين إلى المستوى جال السلطة واألسفل للشعب البائس،للكهنة ور السلطة والكهنوت واأليسر األعلى الذي يمثل المعبد، جعل األيمن منهما لرجال

نفس المستوى األعلى في رسمه للحركة على نفس ،ألبناء الشعب مستخدماعندما يجد آنام . مي للمسرحية ونمو الشخصياتاالعتبار حسب تطور الخط الدرا

زام بموقف ذاته يتجه فورا نحو الجسر األيسر ويجلس عليه في تصميم والتع إبراهيم جالل حدود الفارق واضحة بين يض،هكذا. موقف اليسار.. الشعب

ضحية لنقاء .. ر باتجاه اليمين إال ليقتلاليسإلى االيمين واليسار، فال يعود من اتجه موقفه الوجودي ونبله، كما يجتاح طوفان الشعب المستوى األعلى في النهاية من

لروح العرض المسرحي العراقي من استلهامههذا لقد أتى جمال . جميع االتجاهات ومحاولة تقديم أسلوب أدائي يعتمد على ،الشعائر الدينية القديمة في منطقة الفرات

وقد حافظ جالل طيلة العرض على روح الطقس في . اإليماء والحدة في الحركة وتناغم طبقات اإللقاء ية بتوازن تام، وضبط إيقاع العرضرسمه للحركة المسرح

بل حاول إلى المشاهد اإليمائية الصامتة،صوال حتى لتشبه الترتيل أحيانا، والمخرج أن يغرس أسلوبا أدائيا جديدا في ممثليه صوتا وحركة، ولكن هذا لم ينجح

يدي الذي لم يكن مستوى األداء التمثيلي ليحقق االحتفال الطقسي التراج .إال قليالوروح ليه من خالل المزج بين كالسيكية المسرح كان إبراهيم جالل يطمح إ

التجربة الشرقية المتميزة، فقد تعثر األداء وأتى في كثير من األحيان غير نظيف التدريب تماما كضياع ، بحيث بدا تفاوت القدرات واألساليب واضحا،إلقائيا

مع الممثل الذي كاد أن يقف وحيدا في تجاوبه كان . المنهجي على فن التمثيل

-٢٣٥-

الوحيد إنه. غلغامشق فياض في دور فاروأسلوب العرض ورغبات المخرج هو وسيطر على المنصة بطاقات صوته وجسده ،الذي تمثل طريقة األداء الغريبة

الكبيرة، واستخدم كل قدراته الحركية واإليمائية ليعطينا حضورا ثابتا وقويا على . اإلعجابتدفق عبره مشاعر الغضب والعنف والفلسفة في براعة تثير تالمسرح ه كل من فاطمة الربيعي في دور ننسون، وبدري حسون فريد في دور يأتي بعد

.آناملكن أصالة العرض المسرحي تنوء قليال تحت أثقال اإلغراق في الشكلية

عندما يجمد المخرج قدراته في أطر ضيقة، فيبدو جليا أننا ال ،المفتعلة للعرضاطة بكثير من اة لذلك، محنشاهد طقسا حقيقيا أو احتفاال شعائريا، وإنما محاك

يظل إخراج إبراهيم جالل أكثر عناصر المسرح ،مع هذا. الزخارف واأللوانق فياض تميزا وقوة، يأتي بعده النص، وعلى مسافة منهما التمثيل، إذا استثنينا فارو

روعة تصميم اإلضاءة التي ال بد أن ننوه أخيرا إلى . وعناصر أخرى قليلة جدامد، وبجودة الموسيقا التأثيرية الغريبة التي أضفت على العرض وضعها قاسم مح

.طابعا مثيرا مبشرة أخيرا، يجدر بنا أن نسجل للمسرح العراقي تحقيقه هذا العام خطوة» كادر«تعد بمستقبل مسرحي جيد، محترف في عناصره، ال ينقصه سوى خلق

ة بداع ليشق طريقا خاص وتطوير تجربته نحو مزيد من العفوية واإل،من الممثلين .جمع بين التراث والمعاصرةت

* * *

-٢٣٦-

-٢٣٧-

قاسم حممد

»أنا ضمري املتكلم«

)العراق - بغداد -املسرح احلديث (

ال أعني . طبيق فارق كبير في عالم المسرحالفارق بين النظرية والت

حسب، وإنما بإتقان فذ العمل المسرحي بالتطبيق قدرة المخرج والعناصر على تنفيختيار المخرج كان امن هذا المفهوم،. م لمكان وزمان ما يقدمونهحسن اختياره

فعل الماضي بأنا ضمير المتكلم الذي التحم « ألسلوب عرضه العراقي قاسم محمد . التطبيقجسر النظرية فوق هوة اختيارا يطمح إلى» الناقص

درويش والقاسم وزياد أشعار ضععلى مونتاج لب» أنا ضمير المتكلم«تعتمد منذ القضية الفلسطينية تاريخ فايس، صيغت بشكل عرض تسجيلي عن وبرشت و

حول عاشق رومانسي وحتى اليوم، في محاولة كي تتمحور األشعار ١٩٤٨عام .بالثأر والثورة –كالوطن –وحبيبة منتهكة تطالب

عقولنا عامدا بل يخاطب،ال يطلب المخرج فيه تعاطفنا أمام عرض نحنهل يضيف إلينا هذا العرض شيئا من اإلقناع أو : نتساءل مرغمينبحيث ،متعمدا

فهو عرض موجه ومباشر لجمهور ،إذن. الفهم إلبعاد القضية الفلسطينية؟ ال أعتقد . ربمالجمهور أجنبي.. ال يعرف القضية من من االتحاد السوفييتي، ويستطيع١٩٦٨ مخرج تخرج عام قاسم محمد

لكن عاليين، يكتشف فيه دقة تكنيكية وإتقانا فنيا أنيتعرف إليه أو يرى عرضهمن التأثير » الدعاية التسجيلية«أو ) البالكات(القضية هنا تتعلق بمدى قدرة مسرح

-٢٣٨-

من قصائد كمعد للنص مدى مالءمة ما اختاره قاسم محمدو، فينا نحن أبناء القضية كما أراد لها عن طبيعتها إلى مخاطبة العقل،ومة ليحورومانسية عذبة لشعراء المقا ملتزما إلى حد كبير بأسلوب برشت وميرهولد، دون أن ،في طرحه الفني والشكلي

أظن أن هذا واجهة. لميلودرامي المباشر عند ممثليهيسيطر تماما على األداء ا وبين ،العمل التي ألف منها بنية ،للتناقض األساسي بين رومانسية تلك القصائد

. الذي وظفها فيه،الشكل المسرحي ، على وجه العموممن بغداد،» المسرح الفني الحديث«ال شك أن تجربة

تجربة تستحق كل االحترام والتقدير اللتزامها بالجدية والمثابرة مضمونا وشكال، طار من ولحرصها على معالجة ما يمس أوجاع هذه األمة ويتصدى لقضاياها في إ

لكن الفارق يظل بين النظرية والتطبيق، بين الدراسة . ح التقدمية الواعيةالرواألكاديمية وبين اكتشاف ما هو المناسب على مستوى الشكل، ألن الشكل هو األمر

معدا ومنفذا ،هو المسؤول األول واألخيروحده المخرج فيه األكثر أهمية في عرض .)من العراق ( وقاسم محمد)لمغربمن ا (الصديقيالطيب وممثال، مثل عرضي

ها ، لكنها بمجمللقد نفذت تجربة المسرح التسجيلي بدقة من حيث اإلخراج في عام الذي شاهدناه،»النار والزيتون«ثر نظافة من عرض قد تكون أك. طفولية

في الديكور : ألنها اعتمدت البساطة في كل شيءمضى من إخراج سعد أردش،كة في واجهة المسرح بدل الستارة، وفي المقاعد الخشبية المتألف من أسالك شائ

التي استخدمت ألغراض مسرحية شتى في مشاهد الصلب واالستشهاد واالغتصاب، وفي اإلنارة البيضاء والمتوزعة بحيث تركز انتباهك على الجهة

.م في المجموعةه وعلى الممثل األ،الهامة من المسرحمن ومتسما بمسحة ،ل بعيدا عن القلب يظ»أنا ضمير المتكلم «عرضلكن

واعتبرناها جزءا من الطرح الشكلي ،الجمود، هذا إذا تناسينا مباشرته الوعظية الشعريةاختيار األبياتنفسه لم يكن مقنعا تماما في بل حتى النص . نفسه

/أبي/ و/ريتا والبندقية/ مثل قصائد(، وتوظيفها في غير مضامينها األصلية

-٢٣٩-

وهي أشعار معروفة يؤثر عدم توظيفها بشكل جيد ،) لدرويش/١٨ل رقم القتي/و تأثير سلبية طريقة األداء، باستثناء زاد هذا ال.ككل تأثيرا سلبياومناسب على العمل

، كريم عوادى حد ما الفتيات، أي روميو يوسف، وال،الراوي والضابط اإلسرائيلي .حمازينب وناهدة الر

أثير فكري عند المتفرج بدأت تهتز في واقع المسرح إن الدعوة إلى خلق ت وتتخذ سبال عديدة للخالص من وهدة الملل والخطابة عن طريق ،العالمي الحديث

الغناء والرقص ووسائل المسرح الشامل أحيانا، أو عن طريق دمج المتفرج فيما لسبب لعل ا. االرتجال وأساليب المسرح الحييدور أمامه على المنصة عن طريق

ومنهم برشت نفسه في مسرحياته (،في كل هذا يعود إلى اكتشاف المسرحيينلحكاية ا في اعتماده ،»دائرة الطباشير«و» اإلنسان الطيب «، مثلاألخيرة الهامة

استثاره العقل ال تكون خالل العرض نأ ،)واألسطورة وأشكال المسرح الصيني الذي يجعلك تفكر هو العرض الذي وإنما في أعقابه، وأن العرض الحقيقي،نفسه

ورفيق الصبان ،هكذا فعل الطيب الصديقي بأسلوبه. بجدته واستفزازهيدهشك . وجالل خوري وإبراهيم جالل وغيرهم، كل بأسلوبه، هو اآلخربأسلوبه

أعتقد أن علينا أن نسجل احترامنا للتجربة الجديدة الجادة، من هذا المنطلق،لفرقة » أنا ضمير المتكلم«ه عدم تعاطفنا مع عرض في الوقت الذي نسجل في

على الرغم من نواياه الطيبة ومضمونه من بغداد،» المسرح الفني الحديث« .الجيد

* * *

-٢٤٠-

-٢٤١-

املسرح املغربي

١٦ م -بقعة ضوء

-٢٤٢-

-٢٤٣-

أمحد الطيب العلج

»عدــالس« بني الفن والشعوذة

)سورية - دمشق –قومي املسرح ال(

كتبها مسرحي مغربي معروف ، Farceملهاة من طراز تهريجي » السعد«. د فضة من إخراج أسع»القوميدمشق مسرح « وقدمها ،هو أحمد الطيب العلج

رغم ما تحويه من تهريج يعتمد على روح النوادر -هذه الملهاة الشعبية تحمل نفسا تقدميا إلى حد -وحكايا جحا والمقامات ليلة وليلة العربية المستمدة من ألف

. العربية األخرىجعل تقديمها متعذرا على بعض المسارح

؟»السعد«عم تدور •على البحث عن ) جرادة( رجل مفلس كسول تحثه زوجته )عصفور(الفقيه

يذهب » ،حجامفي اإلقدام وليس في اإل«: كما تقوليكمن، ده، وألن السعد سع حيث يكتشف بعض مظاهر الدجل في الحياة، وأن لكل ،ة السعودعصفور إلى مدين

يسلب سعود اآلخرين حظوظها، إنسان سعدا يتبعه كظله، وأن سعد الثري قوي طة صدفة اس إذ يتمكن بو،ويبدو أن الفقيه يلتقي بسعده. تماما كما في الحياة الدنيا

كيم عظيم، ويتخلص من فيدخل القصر كح،من العثور على عقد ابنة الباشا الضائع ويفوز مرة تلو أخرى بثقة الباشا وبنعمه التي ،حيل ومكائد حساده من الحاشية

فيطلب أن ، ويكلف عصفور بإعادتها،لكن أموال بيت المال تسرق. يغدقها عليهتستجاب رغبته، فيقضي . يحل محل الباشا أربعين يوما يكون فيها اآلمر الناهي

. أهديت إليهاتنةف بصحبة جارية ب ولهوأيامه في أكل وشر

-٢٤٤-

إلى طاغية، فينكر زوجته ) في زلة شبه تراجيدية(لكن الفقيه عصفور ينقلب والمرأة التي دفعته ناسيا الفاقة والجوع،ويهمل كل شيء ليغرق في ملذات الدنيا

وأن الدنيا ليست مجرد ،أخيرا، يكتشف عصفور أن زلته مهلكة. إلى العملوما : بل هي موطن الحب واألمل أيضا» ،فيها إال القوي الغالبحرب ال يسود «

الحب هو السعادة في بل «لم يوح بالسعادة ويبعث على األمل؟فائدة الحب إذا أن يكاشف الباشا بالحقيقة، رغم األموال التي عصفوريقررهكذا، » .عمق تعريفها

أريد أن يكون «: حقهأعادها اللصوص خشية منه، فيصرخ بالسعد الذي ال يفتأ يال إنه يكتشف في ».هذا الوهم الخرافي إلى الجحيم.. لي ساعد قوي وليذهب السعد

وحه فالخليفة هو زعيم اللصوص، ور: تلك اللحظة المتألقة أشياء كثيرة دفعة واحدة رغم ما بدلته من ثياب، واالنحناءة ليعبر الباب الواطئ في بيته الحقير هي نفسها

نعم التي يأتي بها المجد مؤقت وزائل، والإن . ام سلطان سعادتهظلت انحناءة أم فهو يذهب ،ورغم أن تلك المكاشفة تكلفه اإلطاحة برأسه. لحظةالدجل يأخذها في للشعب الذي يتجمع في كتلة .. تاركا رسالة االستمرار لآلخرين،راضيا بما فعل

.ة إلى مأساة تتحول الملها،هكذا. احدة متراصة تؤكد وجوده وقضيتهو

:محاولة لبعث تراث الكدية الشعبي •إن أبرز ما تحمله هذه المسرحية المغربية هو محاولتها إعادة خلق التراث

إن نجاحها أقل من المطلوب بعد، ولكن . الشعبي في أعمال معاصرة المضمون ره أكثر نص ال يمكن اعتباإنها. هذا التراث أمر جدير بالتقديرمجرد التفاتها إلى

، ولكني أخشى أال كانت فرصة اإلبداع والتجويد موجودة. من أداة إلبداع الممثل رغم مالءمة الدور جدا ،ها جيدات قد استغل»القوميدمشق مسرح «تكون فرقة

حتى ليشعر خالل قراءته بأنه ما ،للممثل الكوميدي المعروف عبد اللطيف فتحي الكدية بإبطال،وظرفه وشعوذته بفقره ،)عصفور(الفقيه يذكرنا . كتب إال له

. الصعاليك ذوي الدهاء والبراعةبطال المقامات منالمشهورين عند العرب، وبأكشف الظنون عن أسامي «يقول مصطفى ابن عبد اهللا حاجي خليفة في كتابه

-٢٤٥-

ل في جلب المنافع علم يعرف به طريق االحتيا«: إن الكدية هي» الكتب والفنون ويحفز ،ي يباشرها يتزيا في كل بلدة بزي يناسب تلك البلدة والذوتحصيل األموال،

أهلها إلى الثقة بأصحاب ذلك الزي، فتارة يختارون زي الفقهاء، وتارة يختارون ،إن تكنيك المسرحية» .يختارون زي األشراف، إلى غير ذلكزي الوعاظ، وتارة

راث السردية ذات البناء يعقد اتصاال وثيقا مع حكايات الت،بحد ذاته وعلى بساطتهثورة .. ثورة مكبوتةتعبر عن لكن الكدية . ، وليس الهرمي أو المركباألفقيثورة سلبية وفردية تأخذ طريق خداع األغنياء والضحك على لحاهم .. مبتسرة

ونهب أموالهم منهم، وهي لهذا السبب تعبير مموه عن رغبة ملحة من رغبات .الطبقات المسحوقة من الشعب

أدري لماذا زج الطيب العلج مشهد الدجال التقليدي الذي يسخر من عامة الجعلها مأساة في ل بتركيب الملهاة فخ ال أفهم سر هذا التحول الذي أالناس؟ وأيضا

وإنما في البناء؟ فحسب، ال في التأثير،النهاية ضمنا عديدا من التلميحات الثورية ضد اضطهاد نموذج تحوي المسرحية

واؤه ومصالحه بجميع ما في في الباشا الذي تتالعب أه، ممثالسلطة الرجعيةالإن الفقيه عصفور يتحايل . وسيف الجالد المخيف ينتظر كل هفوة أو زلةالبالد،

الحفرة التي وال يالحظ حتى النهاية ،ببراعة ليظفر بالنعم من خالل هذا الظلم صراع لتأكيد ضرورة الثورة؟ إن حلم طبقة؟ أم هو، يا ترى،أهو. يتردى فيها

ضمن هذه اإليجابية . نص المسرحية يحاول أن يقول ذلك، ولكن العرض لم يقله منكان. مثل تزيين لعبة الحظ وتأكيدها نجد سلبيات عديدة،في المضمون

نإ. من خالل ذلكعبثيته اكتشاف ، وتم فضل لو تخلى الحظ عن عصفور مرةاألتحاول أن وهو أمر ( هو فكرة المصلحة الفردية،لمسرحيةأخطر ما تطرحه ا

تماما كما في مسرحيات نجيب الريحاني - فالدنيا ،)تدينه في النهاية بسرعة وهذه الكلمات ليست – مومس تحتاج لمن يخادعها ،والمسرح التجاري العربي وإنما ما تتضمنه المسرحية ككل وتؤكده من خالل ،كلمات المشعوذ الدجال فقط

-٢٤٦-

رغم أن ووم السعد المجسم الذي يتابع أفعالنا ويوجهها، كما يمكن أن يفهم، مفهتناقض، ويخفض من في ال العرضبهذا يقع. نفسه مرفوضةالفكرة عند المؤلف

.مبررا زائفا لالنسالخ الطبقيكان السعد . مستوى النص

:اإلخراج والتمثيل •مسرحيات، فهو من منذ سنوات مبدأ ذكيا في انتقاء الينتهج أسعد فضة

يسعى ،»السعد«إلى وصوال ،»الملك العاري«إلى » التنين«إلى » عرس الدم«لتحديد في انفصام المسرح عن الجمهور، أو على وجه امةلقائالحل المشكلة

تلك الهوة بين . الجادة»القوميدمشق مسرح «انفصام الجمهور عن عروض الجمهور يقبل على فيلم هندي أو على الثقافة وبين الناس، تلك الهوة التي تجعل

ويتجاهل فيلما طليعيا أو عرضا جادا، هي العدو األساسي أمام ،مسرحية تجارية أن المسألة ترتبط بوصول رسالة هذا الفن الراقيتقدم وازدهار الفن في بلدنا، إذ

،من هنا. من جهة، وبتحصيل إمكانية مادية تكفل استمراره ونموه من جهة أخرىترويض «القومي، حيث بدأ في عبد اللطيف فتحي وبين نفهم العالقة بين

وانتهى في عملين ألسعد فضة ذكرناهما قبل قليل، في محاولة لردم ،»الشرسة، لكنه جيد الحل ليس شامال. الهوة بجلب الجمهور إلى كوميديا أكثر رقيا والتزاما

نجد لماذا ثم لماذا..مادام األمر هكذا لبنة في بناء الحل الشامل، ولكن إنه. وبارع النقائص التالية؟» السعد«في مع وال ضمن األداء اإلفرادي، ، ال بشكل عامعدم تعميق المفهوم السياسي، •

.أن هدف المسرحية األساسي هو نقد لالنضواء تحت ظل سلطة رجعيةتقان الممثلين حفظ إ مما أدى إلى عدم ،قطف المسرحية قبل أن تنضج •

وبشكل ، وإعادة الملقن بعد أن غاب عن مسرحنا الجاد سنين طويلة،وارهمأد .يسمع معه صوته حتى منتصف الصالة

ى أن عبد اللطيف فتحي وبعض كبار الممثلين إل المسرحية لقد أدى سلق • وليس ،اآلخرين كانوا يلعبون بخبراتهم السابقة الطويلة على خشبة المسرح

-٢٤٧-

وارهم، رغم أن الفرصة كانت متاحة في هذاألدالخالق بتجسيدهم الحقيقي . أقصى امتدادهاالنص بالذات لعبد اللطيف فتحي كي يبرز مواهبه إلى

موجود حتى داخل كل وهذا - ترابط بين الديكور وبين األزياء هناك عدم •كل شخص كان يعمل لوحده، دون تناسق ووحدة وكأن -منهما على حدة

. الديكور بين القصر والجوانب المحيطة به األلوان، وحتى في تنفيذذوق في

فقد كان جهد أسعد فضة في إخراج هذه المسرحية ،رغم هذه العيوبنها في بداية حيث بلغت تشكيالت الحركة المسرحية أوج جمالها وإتقا،واضحا

اإلضاءة جيدة، كانت . وحيث كان أداء الممثلين متناغما، ونهاية الفصل الثانيم بكثير لو ويا راودني بأنها كان يمكن أن تلعب دورا أهأن شعورا قمع

كما حققت الموسيقا التي وضعها سهيل عرفة التأثير .اختمرت المسرحية أكثرت في مواقع تالدرامي وزادته، وقد كان إيقاعها الشرقي غنيا وأصيال، وأ

ت ت أ، بسبب نقص تجهيزات الصوت وضعف المسرح نفسه، ولكن.مناسبةات مفتعلة بشكل يجعلك تميز مباشرة بين الكالم على المسرح األغني

بشكل وأديت األغاني،كان من األفضل لو سجلت الموسيقا فقط. والتسجيل برز .لكن المخرج بحث عن الطريقة األسهل. حي كل ليلة على الخشبة نفسها

، شفيق المنفلوطي )جرادة(بين الممثلين كل من منى واصف في دور الزوجة ه مستندا إلى أما عبد اللطيف فتحي فلعب دور. )الحكيم قنديل( دور في

ك أمام نأ بحيث يشعرك أمجاده، وهي أمجاد كافية ألن يضحك ويمتع، متحركاه يملك أن يفعل أكثر في هذه الفرصة التي كان يشعرك أيضا إنممثل كبير، و

ومي على من شأنها أن تساعد عبد اللطيف فتحي كما تساعد المسرح الق – إجماال، ليس هناك مستوى هابط في التمثيل، ولكن. استعادة مجد الشباب

ما يصنع األداء فعال نإ. ليس هناك كثير من اإلبداع التمثيلي أيضا-بالمقابل المخرج هو الحركة المسرحية، والفضل فيها يعود بالطبع إلى » السعد«في

نضجا في نص محلي بين فتحي أتمنى أن يكون هناك لقاء أكثر. أسعد فضةوفضة في المستقبل، ألن عبد اللطيف فتحي هو من أشد رجال المسرح

. ولكن إلى مكانها الصحيح،إخالصا، وهو طاقة تمثيلية يجب أن تعاد

-٢٤٨-

كثيرا من ذي صممه الفنان خزيمة علوانيديكور المسرحية اليحمل رغم ب ولكن الديكور .موز الموحية بجو المسرحية الشرقياإليحاءات والر

حيث كان القصر موحيا بفم وحش –جماله من الناحية التشكيلية والشكلية مما ال يتناسب مع النص إذا أخذناه ، كان تجريديا جدا–مكشر عن أنيابه

الخط االجتماعي والخط « فقط إلى الشكلي البسيط، وال مع اإلشارةبمفهومه. عل متهربا من طرح تفسير جريءفكما أراد أسعد فضة أن ي» ،السياسي

هناك تفاوت بين التنفيذ الجيد للمساحة الرئيسية في الديكور وهي القصر، كنت أفضل لهذه المسرحية ديكورا . وبين تنفيذ بيت الفقيه ومكان الحكيم قنديل

الضروري أبدا أن يكون حديثا أو تجريديا من وليس ،أكثر شعبية وبساطة، على أية حال، هذا الديكورأتاح . ح بعض أفكار تقدميةلمجرد أن النص يطر

وزاد من اتساع ،لممثلين حرية الحركة بسهولة كبيرةللمجموعة الكبيرة من اآخر عن طريق اإلضاءة، وهي أمور كافية إلى المسرح واالنتقال من جو

. باإلضافة إلى قيمته الجمالية،لجعله مقنعا ومقبوالهتمام هي اعتماد كثير من مسرحيات المغرب هناك محاولة جديرة باالالرقص الشعبي خيال الظل، الكراكوز و مثل ،على األشكال المسرحية القديمة

ألنه ، أن معالجة دور السعد لم تكن موفقة في هذا العرضمعو. التعبيرين متألقا مغريا ملونا بقناع كاوإن ( ،تحمل أكثر من مجرد شكلهاأن كان ممكنا ربما يصبح أكثر ،، فقد استغل مفهوما يقترب من خيال الظل)أللوانمشرق ا

.نموا وإثارة في عروض أخرى مع بعضها سببا ظل االستعجال وعدم توحيد ومالءمة الطاقات الفنية

القومي لنا فنا رفيعا أم دمشق مسرح هل يقدم : يجعلنا نتساءل داخل أنفسنا نضجه؟شعوذة سببها ارتجال العمل قبل أوان

* * *

-٢٤٩-

حليب الضيوف ) سورية- حلب–مسرح الشعب (

لقد اختلفت . أمامنا مسرحية ال بد أن نبدأ في تقييمها من نقطة الصفرام وبين اعتبارها فشال متراوحة بين اإلعجاب الت، اآلراء وتناقضتاحولهفما . هالكن هذا بالضبط هو ما يجعلنا نؤمن بأهميتها وجودتها وجدت. ذريعا

هو الجديد الذي أضفاه المخرج فواز الساجر في ثاني أعماله على فرقة مع النص المخرج كيف تعامل سنحاول دراسة من حلب؟ »مسرح الشعب«

تجريبيا على مستوى دم شيئا جديدا على مستوى القطر، شيئا والممثلين حتى قد ظل محتفظا وإلى حد ما على مستوى العرض، ومع ذلك فق،منهج التدريب

د بجزء كبير من القدرات العرضية التي نتوقع لها أن تتزايد باضطراد بعد عدقدام الممثلين أ وذلك عندما تزداد نفسه،المنهجقليل من المسرحيات األخرى ب

.ا، وأداءهم ارتجاالا وأصواتهم ليونة، وانفعالهم صدقثبات

:عن النص المغربي المؤلفمسرحية من أحدث ما كتب» حليب الضيوف«

التي قدمها » دالسع«المعروف الطيب العلج، وقد شهدنا للكاتب نفسه مسرحية ة غمزاته، واعتماده على ، وبراعنا فيها رشاقة حوارهمسرحنا القومي، والحظ

الترميز واإليحاء في أسلوب بجمع بين الحيوية الفائقة وبين العمق الفكري، .ي معالجة نقدية ذكيةمعالجا واقعنا االجتماعي والسياس

، وليس مسرحية تعتمد على التجريد، ولكنه تجريد للواقع» حليب الضيوف« . وليس تصويرا أمينا لشريحة منها، خلق فني للحياةإنها. تجريدا ذهنيا محضا

-٢٥٠-

عبر مجموعة من األشخاص يلعبون واقعا عامايعالج الطيب العلج عامة، بعضهم يأخذ سمة التفرد،الساحات الصورة للمجتمع في ساحة من

: واقعا أدى إلى الهزيمةتعالج المسرحية. دون دور المجموعةواآلخرون يؤ. أو عمل من السادة األجاويددهواقعا من الكسل وانتظار الهبات دون ج

ومرورا بالرجولة ، بدءا من اعتياد الفقر،وتتالى سلبيات الشخصية العربيةالجنسي واإلغضاء عن العمل مظاهر الخارجية والهوس هتمام بالالزائفة واال

مبالغ في ربما –والتعلق بالخرافة، حتى ترتسم أمامنا صورة مجتمع مريض يعيش على صراعات هامشية حول مباراة في الضامة أو جسد –مرضه

ه عن طريق العمل وحده يمكنه أن يغير واقعه نأامرأة عابرة، ويتناسى درات أفضل، فتراه ال يصم أذنيه عن سماع الدعوة إلى وقدراته إلى واقع وق

ذوذ في رأي اآلخرين عن هذا بل يوظف قواه جاهدا لمنع أي ش،العمل فحسب وتارة برجل دين دجال، وتارة ، المتخلف، مدعوما تارة بالدراويشالموقف

، ولكن األجاويدالجميع ينتظر الحليب. أخرى بالمرأة مرسولة األجاويدإنه انتظار الذي ال يأتي، ألن العصر . يأتون معهم إال بالماءالويحضرون

. لهاال وليس تسو،عصر صراع من أجل الحياة ذلك الرجل الغني الذي يدعو الناس ،)البشير(ومع ذلك فماذا يمثل

د الذي يعمل ويعود الرجل الوحي، )أبو زيد(للعمل لديه؟ وهل يشير نجاح وهو نموذج ايجابي –ابية؟ ولماذا ينتهي بائع القفف إلى قيمة إيجناجحا وقويا،

إلى تساويه مع اآلخرين في صورة كوميدية قاسية؟ وهل نظرة المؤلف – ،نحو إذالل الرجال على يد النساء تدل على شيء سوى امتهانه للمرأة نفسها

هانة للرجل؟إمصدر بحيث تصبح قوتها التناقضات، تبدأ بالمصالحة أمامنا فكريا عديدا من تضع مسرحية العلج

يجابية أحيانا، وتصل إلى نظرة رجعية حيانا، وتمر بقتل كل البوادر اإلأ

-٢٥١-

ربما كان السبب هو تصديها لموضوع . للمرأة، ولعالقات العمل الصحيحة .االنسالخ الطبقي الحساس

إن تجريد النص وتعدد محاور دالالته، يجعل من الممكن لإلخراج أن وللممثلين ارتياحا في خلق للمخرج اتيح يعمم، منإره أو يخصص في تفسي

: الدالالت المتعددة تشير في آن واحد إلى عدة أبعادنإ بل أكاد أقول العمل،لكنها في النتيجة ، )حضاري(، وعالمي )سياسي(وعربي ، )طبقي(محلي

تحقق صورة شاملة ليس لحدث أو لشخصيات بالمعنى المسرحي المتعارف ه، وإنما لصورة مجردة تمزج فنيا بين ثرثرة العبث وبين الكوميديا علي

، ال ينجو واحد من بذلك. وهي تحلل أسباب الهزيمةالسياسية الشعبية الناقدة .طأ مهما تراوحت مواقفهم ومواقعهم المسرحية من السلبية والخشخوصم توافق رغ- ال تنجو من أخطاء فكرية تنحرف بها أيضا، فالمسرحيةوبذلك

. إلى ضعف فني ناجم عن التكرار والتعميم-أسلوبها مع مضمونها

:عن اإلخراج والتمثيل

لدى فواز الساجر طريقة فريدة في المزج بين منهجين متناقضين ، )ستانسالفسكي(والموافقة بينهما، وهما االتجاه النفسي الكالسيكي لفن الممثل

برشت (يب والمسرح المرتجل لم كالتغرواالتجاهات التجريبية في العا أذهان بعض المشاهدين نظرات دهشة دفعتهم اعترت،من هنا). وميرهولد

الأالحقيقة إنه من ضمن المنهج الجديد ! هذه مسرحية بال مخرجنإللقول يالحظ المتفرج شخصية المخرج تطل عليه عبر أضواء المنصة، وأن يضع

ن يخفف ل، وأ الذاتية مطلقة للمثفي اعتباره أصال أن يترك حرية الحركةبعض الشيء من تحديد خطوط الحركة بدقة، مراعيا فقط الجو المسرحي

.وصدق التعبير واإلحساس عند الممثل

-٢٥٢-

خارج منهج العمل إلى وجهات نظر من » حليب الضيوف«تعرضت ف بقدرة الساجر أضاعت هذه النظرات فيما أضاعت االعتراالفني نفسه، بل

. وهو أمر ال يمكن أن ننكر نجاحه المذهل فيهلممثل،على إعداد ا كما بدا –جديد، فقد اهتم فواز الساجر اهتماما كبيرا وأساسيا ترغم ال

اء توترهم العضلي، وتنمية باسترختصال الوجداني بين الممثلين، باال-لي فرض لم يلجأ إلى الطريقة السهلة، وهي االعتماد على ، بالتأكيد،لكنه. خيالهم

أن يشعرك راه يحركهم من الداخل دون ، فتحركته الخاصة على حركاتهم . بذلك على أدائهم حيوية وعفوية نادرتيناضفيبوجوده مع واحد معهم، م

والواثقة لفن المسرح تشعرنا بتميز نظرته الشاملة، البسيطةنإ إلى وحدات ، استطاع أن يجزئ المسرحية رغم هذا الشمول،وهو. تجربته

على منصة المسرح، ال جهده أن يخلق منها حياة فنية محاو،وأهداف صغيرةوما ظنه بعضهم . وأن يجعل لكل من مشاهدها المتصلة جوه الخاص المؤثر

ضعفا ممال في البداية، أو جمودا في الفصل األول، لم يكن إال إيقاعا أحدا ال نإمقصودا ربط من خالله المخرج الشكل بالمضمون ليقول لنا

تتكرر لعبة اإليقاع . بالغثيان من هذا الصمت المقرفيفعل شيئا، بل ليشعرنان كان على إالذكية هذه في خلق الجو المناسب لمشاهد مختلفة بنفس اإلتقان،

. الصارخة» الفارس«ديا مستوى العنف الدرامي الحاد أو على مستوى كوميلنجاح خالل الفصل الثاني، إلى أقصى ا بالمخرج الساجر األمروقد وصل

لقد حقق اإلخراج . طابع المتعة والمشاركة على العملىوذلك عندما أضفها وحيويتها جدران الذاكرة بكل إقناعشاهد أخاذة ال تنسى، بل تنطبع علىم

واستطاع ،بجرأة وبساطةكمخرج قدم فواز الساجر وجهه الجديد . وجمالها ا في بناء النص، ورغم عدم خبرةأن يصمد رغم بعض نقاط الضعف أحيان

جدير . تفرجمالجميع الممثلين بتجربة التوحد مع المنصة، مع بعضهم، ومع

-٢٥٣-

بالذكر أن ننوه إلى الديكور الرائع الذي صممه عبد الرحمن حمود من قطع تدادا خيش كبيرة، فأعطى طابعا محليا، وجوا يشعرنا بتهاوي المسرح، وام

لكن الموسيقا بدت لي رديئة وغير مناسبة لجو . ةيصل بين الصالة والمنصالعمل، بينما كانت اإلضاءة بسيطة ومقنعة دون بهرجة أو افتعال، وقد

. المخرج نفسه– وهو أمر أؤيده بحماسة –أشرف عليها إذ كان بمجموعه مقبوال، بل وجيدا جدا ،لن أطيل الحديث عن التمثيل

، ولكني أخص بالذكر كال من بشار »لشعبمسرح ا« فرقةبالنسبة لبقية أعمالالجراح، قدير دقاق، إذ القاضي، علي مدراتي، جوزيف ناشف، عبد الوهاب

،أخيرا. ق نفسها خارج العمل أدائيا متميزا دون أن تسوابلغت مشاهدهم نجاحاألصح أن لعل ؟ بل »مسرح الشعب«توقع مفاجآت جديدة من هل ن: نتساءل األمر يتعلق بقدر ما لينا فواز الساجر مفاجآت جديدة؟إ هل يحمل :نتساءل

.يمنح من فرصة للعطاء قبل كل شيء

* * *

-٢٥٤-

-٢٥٥-

الطيب الصديقي

جتربة الطيب الصديقي

»مقامات بديع الزمان اهلمذاني«حتليل وحوار من خالل

) املغرب-دي املسرح البل-فرقة الطيب الصديقي (

عمل ال يمكن فيه فصل النص عن .. نحن أمام عمل غير عادي أو اإلخراج عن الديكور، ألن كل هذه العناصر تنصهر في بوتقة ،التمثيل

واحدة لتخرج متألقة تألق حد سيف عربي يغوص في صدر تاريخنا لينبثق سند كل نحن أمام عمل ي. وأيضا كثيرا من الصديد والعفن.. منه لون بهيج

، لذلك. العرض المسرحي: عنصر فيه العنصر اآلخر ليتشكل كل واحد هو الشكل هو نإ في محاولة معالجة النص على حدة، إذ فمن العبث أن نتلكأ

مقامات بديع الزمان «لكن هذا يخرج عن كون . ، وهو الموقفالمضمون رغم - لالعم. ، كما يمكن أن يفهم خطأ استعراضا جماليا فحسب»الهمذاني

: يطرح تساؤال هاما هو - عدم تبنيه لخط موحد نام من نقطة باتجاه نقطة لماذا اختار الصديقي المقامات؟ وماذا يطرح عصر المقامة من عالقة أو

إسقاط على واقع اإلنسان العربي المعاصر؟ وإنما معالجة مسرحية لعدد من المقامات ، ليس أمامنا نص،هناا أن نقبل فكرة مإ، ونحن ) الخ.. المضيرية– الخمرية –ة المجاعي: (الهمذانية

، يفي رأي. ن لها عالقة بعصرنا أو ال نشعرا نشعر أمإ ..تقديمها أو نرفضهاكثيرا من مالمح اضطراب في متنها تحمل هين المقامات جديرة بالتقديم، وإ

.عصرها لتسقطها على عصرنا

-٢٥٦-

ــشوم ــان م ــذا الزم ه

ــشوم ــراه غ ــا ت كمــ ــيح الح ــه مل ق في

ــوم ــب ول ــل عي والعق

ــن ــف ولك والمــال طي

ــوم ــام يح ــول اللئ ح

لقد قام الصديقي بعمل على مستوى عالمي في وعيه لطريقة اإلسقاط جوانب متفرقة من مالمح إنسان لتراث على ل– وليست المركبة –الحسية

العصر، يربطها التمحور حول مشكلتي الدين والسياسة، وباألخص األولى ا من شعوذة واستغالل في شخصية بطل المقاماتم بكل ما يحيط به،نهمام

لقد جاءت براعة الصديقي من خالل ). سكندريأبو الفتح اإل(الهمذانية الشهير بينما ،(Allegory) الواضح يحاء غير المباشر، بدال من المجازاستخدامه لإل

بدائية – جهة النص األكثر ترابطا ووحدة من–تبدو معظم األعمال العربية وليس على ،(Episode)لقد اعتمد الصديقي على الحادثة . فنيا من هذه الناحية

من األشكال الحديثة للمسرح في مقتربا بذلك ،(Action) أو الفعلالحدثيابان الاألصول البدائية الشرقية للمسرح في الوقت الذي يعيد به ذاكرتنا إلى

في اعتماده على و وتمثيل المشاهد الدينية،وكراكوز والصين ونوادر جحا، وفي تطويره للتراث القديم وبعثه حيا من خالل (Parable)أسلوب الحكاية

رؤيا حادة كالسيف القاطع في سخريتها، مظلمة بقدر ما تثير الضحك في في .. مواقفها، شعبية بقدر ما هي فنية، صممت لتقدم أينما كان ولكل الناس

لقد فعل الطيب . ت العامة والشوارع والمسارح على حد سواءالقرى والساحا كما فعل فيلليني »مقامات بديع الزمان الهمذاني«عندما قدم مسرحيا الصديقي

، الذي يعالج مرحلة االنحطاط في »ساتيريكون« عندما أخرج ئياسينما ودون أن يلبس أبطاله،سقط ذلك دون دالالت مباشرةأالحضارة الرومانية، ف

لم تكن . على أفول وتدهور الحضارة الحديثة وتردي إنسانها،لبوس العصر نإ، كما ها فيلليني الذي لم يصبح كاتب سيناريو ولم يرد، جديدةالصياغة

ه نأكما ولم يحاول أن يجعلها كذلك،،صياغة الصديقي النصية ليست بالجديدة

-٢٥٧-

شيئا عبر ريد أن يقولإنها رؤيا مخرج ي. ايرحسا ميسع ألن يصبح مؤلفلم فالصديقي ،»الحادثة«مهما بلغ من تشتت أسلوب . حكاية شعبية أو حكايا

قد يقترح أحدهم . ويقوله بكثير من الفن المسرحي الناضج.. يقول هذا الشيء سياقخارجكن أال يعني هذا مناقشة العمل إعادة صياغة هذا التراث، ول

مقامات «في عه هذا ولم يدلصديقي لم يفترض الطيب ااألطر التي يطرحها؟ لقد شاهدنا . مسرحيةأدبية، وليست وهي في أصولها ،»بديع الزمان الهمذاني

عمال عربيا أصيال من طراز المسرح الشامل، فيه من المتعة واإلتقان واستطاع تجاوزه،ل المسرح الكالسيكي جيدا ألنه تمث،والتجديد الشيء الكثير

.بالتجريبع كل متفحص لتاريخ أدب الكدية أن يلمح ذلك البعد الطبقي يستطي

وليس ظهور المكدين بالظاهرة «: والصراع السياسي الدائرين في خلفياته برز بينهم من مارس نإ و،هم. قدر ما هو بالظاهرة االجتماعيةاألدبية ب

ف العصر إلى االستجداء فئة كبيرة فقيرة بائسة اضطرتها ظرو،الشعر والنظمولعل فقر هذه الفئة . فإلى التحايل واالبتزاز..إن لم تصب مغنماالتسول، فو

أدب . ئة األخرى، فئة الكبراء واألمراءيبدو جليا حين نقارنه بغنى وثراء الفوقد ازداد . ظاهرة أدبية تعكس ظواهر اجتماعيةكان ، إذن،الكدية في العربية

هذا بما يخص البعد )١(».مانر وأهمية المكدين بازدياد الفقر والحراانتشلكننا لو نظرنا إلى هذا األدب نفسه من . الواقعي ألدب الكدية/االجتماعي

لوجدنا صدق وعمق المحاولة التي بذلها الصديقي، فالمقامات ،الناحية الشكلية ولكن - في الغرب كما في الشرق العربي -هي أصول للرواية والقصة

بعثها ، أمكن بالفهم المسرحي المعاصرهذامع . ح صلة واهيةصلتها بالمسرأبو (ية في أي شارع بأية مدينة عربية، واوهو ر) عيسى بن هشام. (من جديد

ص قردا، يتظاهر بالعمى، هو البطل المشعوذ الذي يرق) الفتح اإلسكندري

. ١٩٦٨ -) ١١٩العدد (- العربي - أدب الشحاذين -غسان المالح . د)١(١٧ م -بقعة ضوء

-٢٥٨-

كل . يلبس مسوح المشايخ، ويتطفل على موائد األثرياء في أي زمان ومكان ت فيها تشخيص لحكايا،ن عالقة خياليةءاخر من جديد، ويبدمنهما يكتشف اآل .المقامات من جديد

ماذا فعلت المقامة في أدبنا العربي؟استمدت شخصياتها من السوق والشارع وقدمتها ضمن إطار السوق «

وضعت اإلنسان في بيئته الصغيرة، وجعلت الحدث ينبع، . والشارع الزاخرينأكدت المقامة على الزمان وعلى . هذه البيئةوتركته يتفاعل مع الحدث في

إذا كانت قد و. المكان، ونظرت إلى اإلنسان ضمن إطار الزمان والمكان لم يفقد ، بل التكلف، فإن هذا التأنق،أوغلت في الزخرف والتأنق في الكالم

اعتمادها الجملة القصيرة، نإحوار الشخصيات دفأه وال التصاقه بالحياة، بل مسجعة، ساعد على احتفاظ بنبرة اإلنسان في حياته اليومية، وعلى ن كانت إو

، إذن،المقامة. عكسها الصوت اإلنساني الذي هو أساس القصة أية قصة زيد السروجي في إطار ء أكان أبا الفتح اإلسكندري أم أباوضعت بطلها سوا

واقعي محدد الزمان والمكان، أجرت على لسانه حديثا فيه نبرة الواقع وجرسه، وضعته في مواقف ليست خارج حدود اإلنسان، ال تتطلب بطوالت

مواقف تنبع من حاجة اإلنسان إلى زاده وإلى : مستحيلة وال أعماال خارقة مؤكدة على ذكائه ،وضعته أمام الحياة، تركته يواجهها. كسب يقيم أوده

)١(».وحسن حيلته وظرفه

* * *

محاولة الستلهام تراث الكدية » يمقامات بديع الزمان الهمذان«عرض ، ذا العربي هذا عن طريق إعطاء المقامات شكال مسرحيا احتفاليا معاصرا

أسلوب شعبي يعتمد الكوميديا، ويجمع حصيلة المسرح االشتراكي بالتجارب

. المصدر السابق)١(

-٢٥٩-

ه القومية، فنجده يوظف هذا األوروبية واألمريكية، ولكن دون أن ينسيه هويتتخدما وسائل الغناء والرقص واإليماء واألقنعة مس،عربي أصيل بإطار

وديكورا مبتكرا حديثا، سهل الحركة، جميل التكوينات، بحيث ،األفريقية انسجاما هخلقيعيد أمجاد الشعائر المسرحية بيتحول العرض إلى احتفال شعبي

لة والمسرح دون أن يلهي المتفرج عن التأمل والتفكير، اوصلة بين الص عرض إنه. لق بذهنه صور المسرحية بإلحاحبعد العرض عندما تعخصوصا

يعيد األصول المسرحية، ويمزج التهريج بالفن، وفنون السيرك بالمسرح فنحن أمام ،بهذا. ميع القواعد واألطر الكالسيكيةالمعاصر، وتتحطم فيه ج

انه نص مرن يأخذ قيمته من عرضه على الخشبة، ويتطور كل يوم حسب زمبة الصديقي هي من ال أريد أن يفهم من كالمي أن تجر. وجمهورهومكانه

نه رغم اعتماده على الرتي أو االرتجال المطلق، أل-دي- طراز الكوميديا هو نفسه خصوصا،ي الفتح اإلسكندري الذي يؤديه في دور أببعض االرتجال

.فإن بنية العمل ككل تظل قائمة ومحددةيرفض موازين النقد والتحليل أمام عمل غير عادي، ، إذن،نحن

وال يمكن محاسبته قد تجاوزها بعد أن تمثلها جيدا،والتأطير التقليدية، ألنه، تماما كاللوحة ن خالل األسلوب الذي يطرحه هو نفسهموضوعيا إال م

ن تكم. وربما كقطعة موسيقية شعبية أصيلة الطراز،السيريالية أو التجريدية شكل التراث لنقد هذا التراث وذلك قي في تبنيهب الصديأهمية عرض الطي .العصر وتعريتهما

روح من النقد للتخلف الديني والفهلوة والتناقض تسري في العمل كله يع إلى جمالصديقي في هذا يلجأ . الفقر المقذع والغنى المفرطالمؤلم بين

. ماء الهزلي من الشتائم المسجعة الطريفة حتى اإليالوسائل، اللفظية والتمثيلية،أدب الشحاذين أمام أعيننا بكل شعوذته وظرفه، ولكن ليجعلنا نأخذ يتجسد

.موقفا من انحطاط الحياة االجتماعية وتردي اإلنسان في زماننا المعاصر

-٢٦٠-

ه كلما قسا معه أنوأتفق. ، كما هو ضد التبريرالصديقي ضد التفاؤلإن فإنه يؤدي دوره بشكل ،ارجياالمسرح في تصويره لفجيعة اإلنسان داخليا وخ

ويدفع إلى التمرد على واقع تعس كي ال تعاد ،بعنفالمجتمع أكمل، إذ يهز .الصورة مرة أخرى

من احتفاء عمله يتضمن بماا أنه فنان أصيل نلقد أكد الطيب الصديقي لتراث العرب وأجواء أفريقيا وحصيلة تجاربه وخبراته في المسرح العالمي ب

الطيب الصديقيوصل. بيا بقدر ما هو فنينتج أسلوبا خاصا، شعالمعاصر، لي . الناسبفنه الجيد، وبتكامل وتماسك عناصر مسرحه إلى كل

لقد سبقت الصديقي إلينا شهرته كمخرج وممثل، فقد لعب أدورا رئيسية - ١٩٥٩(ني شبابه األولى مع جان فيالر بالفرنسية والعربية، وعمل في س

كتبت عنه الصحف كما . في باريسسرح القومي الفرنسي ومع الم)١٩٦٠) سكابان(لعب الطيب دور » .أتى هذا المغربي ليعلمنا مولييرلقد «: الفرنسية

في مسرحية أونيسكو، كما لعب دور )ميديهإ( ولعب دور مرة،٥٠٠أكثر من كما قدم مسرحيات ،»في انتظار غودو«في مسرحية بيكيت )فالديمير(

ها ولعب في،»ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب«دة كان أهمها مغربية عدي الذي ، في الدار البيضاء»المسرح البلدي« مدير شغل منصب. دور البطولة

موسيقا، كوميديات، باليهات، : د من الفرق المختلفةيستقبل سنويا العدي على خشبته الرئيسية، إلى جانباللغات الفرنسية واإلنكليزيةومسرحيات ب

.ي المحليالمسرحإنتاجه في لقاء أجريته مع الطيب الصديقي، الفنان ذي المالمح المغربية الواثقة، البسيط حينا والمعقد حينا والمتواضع حينا آخر، والبوهيمي في كل

:األوقات، دار بيننا الحوار التالي العرض، كما ذكرت في مطلع لقد ذكرت في تقديمك على كراس-

ومسرح » السر« مثل مسرح ، عددا من األشكال المسرحية،»المقامات«

-٢٦١-

وقد سبق للدكتور سلمان قطايه أن ،»الحلقة«و» البساط«و» الشامية«استعرضها في بحثه الموجز الذي نشره في عدد المعرفة الخاص بالمسرح

وأنه ال تراث لدينا ،، بينما هناك نظريات عديدة تؤكد عكس ذلك١٩٧١لعام ، دراسات محمد مندور »اإلسالم والمسرح«تاب محمد عزيزة ك (،في المسرح

من عالقة هأحب أن أسألك عما ترا). في الوطن العربيأراء مخرجين كبار ممكنة بين هذه األشكال وبين مستقبل المسرح العربي؟

üلب ووضعتها في قا، لقد استخدمت هذه األشكال شخصيا في مسرحيأما . اكتسبت العملية قيمتها اإليجابية، هنامن. يالئم العصر، أي وظفتها فيهالبد من إدخال هذه . فستكون العملية سلبية تماما،لو أخذناها كما هي وأعدناها

األشكال األصيلة من تاريخنا في قالب تحمل فيه إسقاطات على عصرنا الذي .نعيشه اليوم زمانا ومكانا

ختار موضوعك كيف ت؟ إلى إحياء التراث، إذن، أنت ال تهدف- وتعالجه؟üإني أحاول في مسرحي إظهار . ليس هناك عالج ألي موضوع

...حقيقة األشياء . ما أقصده ليس العالج بصيغة الدواء، ولكن المعالجة التكنيكية-üوقد قدمت فعال مسرحيات أخرى . إحياء التراث ليس من اختصاصي

.ال تمت للتراث بصلةنعتمد على اختيار موضوع مسرحيتك هل . ما زال جوابك غامضا-

، أم على معالجتها فنيا؟) مثالتالمقاما(üاختيار الموضوع قبل كل شيء. في كل عمل فني هناك اختيار. » جحا في الخطوط األمامية« أقصد كما فعل جالل خوري مثال في -

ية ووظفها في إطار فانتازي معاصر؟عندما أخذ شخصية شعب

-٢٦٢-

üالجندي الشجاع «مامية اقتباس عن مسرحية جحا في القرى األ .عملي يختلف تماما. »شفيك

كيف يمكننا أن نصنفها؟،ذير تجربتك المسرحيةج إذا حاولنا ت-üأن المغامرة الفنية وأعتقد أنني في المراحل األولى للتجربة، أظن

قد يكون لديك. وال يمكن أن نضع مخططا ثابتا للعمل الفنيغامضة تماما، ولكن إذا وقعت أحداث سياسية أو اجتماعية معينة ا،مخطط لسنتين أو ثالث

كل المسرح الذي حاولنا . يصبح مخططك فاشالس ،وهامة خالل هذه السنوات .أن نضعه قبل النكسة مثال أصبح غير قابل للتنفيذ

إذن فمسرحك مرتبط تماما بقضايا الساعة؟-üامشوإال غدا مسرحا على اله. طبعا. أم ،»المسرح السياسي« هل يوجد في رأيك طراز من المسرح هو -

يلعب دورا سياسيا بجميع أشكاله؟ المسرح في نظرك نإüحتى مسرحية الفودفيل . كل حركة مسرحية ولها مفهومها السياسي

. وفيه اختيار سياسي،ذات المضمون الضعيف أو الغائب عمل سلبي مقصود .اعتباري حركة سياسيةكل حركة مسرحية في

إذا كنت تؤمن بااللتزام في المسرح، كيف يمكن تطوير الشكل مع - االحتفاظ بالعالقة التوجيهية التي يفترضها االلتزام في مجتمع كمجتمعنا؟

üننا في الفترة التي نعيشها وفي اعتقادي، إ. لكثير عن االلتزام قيل ا إذا استطعنا أن نجعل أي ،فة اليومفي البلدان العربية وفي كل البلدان المتخل. حقق أفضل أنواع االلتزامن فإننا ،إنسان يبدع في عمله ويخلق فيه شيئا جديدا

نحن بحاجة إلى .. نحن بحاجة إلى كتاب ومخرجين ومفكرين وفنانين وعلماءن ، إالمؤسف. هذا هو أكبر التزام. ن لوطنهم شيئا جديدا ومفيداأناس يقدمو، على العكس،ولكن. ن أن مسرح االلتزام هو مسرح الشعاراتالناس يظنو

-٢٦٣-

ال بد أن تقول كمؤلف أو كمخرج ما تريد قوله . المسرح ليس فنا واقعيا فأنت ،إذن. الحركة المسرحية أمر غير واقعي طبعا. للجمهور بطريقة فنية

تقوله بطريقة غير واقعية لتصل إلى .. تقول ما تريده بطريقة غير مباشرة هل أنا واضح؟. الواقع

على فكرة أحب أن أسألك هل . تفق معك بما يخص الواقعية، وأ طبعا- يسير المسرح المغربي في اتجاه واحد، رأيناه ممثال في مسرحك؟

ü،المسرح . مسرح الطيب العلج يختلف مثال. هناك أشكال مختلفة ال . وله عدة اتجاهات متباينة،المغربي مسرح يجرب

: ح العالمي أسألك رأيك باختصار في بعض تجارب المسر أود أن- .مثال) في بولندا(غروتوفسكي ü بالنسبة للمجتمع الغربي والبولندي أدى غروتوفسكي عمال ممتازا ،

يصبح في البلدان المتقدمة والصناعية كاآللة - كما تعلم -ألن رجل الشارع اإلنسان ،في بالدنا. ا إلنساننانية الطبيعية، خالفتماما ويفقد حركاته اإلنسا

فمن ،لذلك. أكثر طبيعية، وهناك حوار وتفاعل دائما بين الممثل والجمهورحترم أنا أعرف غروتوفسكي شخصيا، وأ. بيالصعب استخدام ممثل غرنا أؤمن أو متفرجا، ٢٥غروتوفسكي يعرض لـ . عمله، ولكن اتجاهي مختلف ،مله فيما يخص التمثيل عمل كبير جدا فع،بذلك. أن المسرح لجميع الناس

.ولكن بالنسبة للمسرح الغربي ؟ والمسرح الحي في أمريكا-ü لقد مات هذا المسرح منذ أربع سنوات، ولكن التجربة كانت جيدة هناك اليوم مسارح وأشكال . يزناوا األولى أيام فرانكشتاين وبارادفي بدايته

برودواي، وإنما –سرح خارج ليس فقط م. أخرى هامة جدا في أمريكاتحت األرض السرية أحيانا، أو برودواي، ومسارح - خارج –مسارح خارج

. وجيدة أيضا، أشكال غريبة جداإنها). آند بوبيت بريد (رحمس

-٢٦٤-

؟ وبيتر بروك في بريطانيا-üوال أملك أن ، هذا الرجل من أهم رجاالت المسرح في هذا العصر

.أضيف شيئا ؟تسجيلي في ألمانيا والمسرح ال-üوأعتقد أن تجارب ، خصوصا في ألمانيا الديمقراطية، تجربة قوية

،»لبرلينر انسامب«ال أتحدث عن . الشتراكي تجارب جيدةالمسرح السياسي ا Deutsche والمسرح األلماني Faulk Theatreوإنما عن مسرح الشعب

Theatreسون، وعن تجارب المخرج المعروف ب. إذا افترضنا ،دد موقع مسرحك من خارطة المسرح العربي أين تح-

أن للمسرح العربي كيانا واضحا؟ü هي أول مرة نجوب فيها بعيدا عن هذه هذا سؤال صعب، ألن

. ال أستطيع المقارنة والتقييم، لذلك.منطقتنا في العالم العربيمسرحك بين بقية العناصر هل لك أن تحدد لنا أهمية الممثل في -

هل يتلقى تدريبا معينا خاصا؟المسرحية؟ü وإخراج ،لها أسلوب عمل مختلف كل مسرحية من مسرحياتي لغوغول، كان المهم هو الممثل، »يوميات مجنون«عندما قدمت . مختلف

ال بد من ،في المقامات .»مقامات بديع الزمان الهمذاني«وذلك بخالف . ناك بطل ليس ه،في المقامات. تلفةاالنسجام وعدم التفاوت بين العناصر المخ

مع البطولة ظاهراسكندري مثال، فرغم أنه يتقاسم لنأخذ دور أبي الفتح اإل. ظهر بين حين وآخر ليقول بيتين أو كلمتين ويذهبي فهو ،عيسى بن هشام

حيث ال يظهر ،)ةيالمجاع(هي غيابه هو حضوره، وأهم المقامات مغزى العمل في . عمل حسب المكان الذي نعمل فيه وظروفهنحن نعيد إخراج ال. أبدا

.قرية يختلف عن العمل على مسرح مجهز في مدينة

-٢٦٥-

األول هو كسر اإليهام عن : الحظت في عرض المقامات أسلوبين-تغيير الديكور أمام المتفرج، تدخل النساء بين حين وآخر (،طريق التغريب

..ر فيما يدور أمامههذا يدعو اإلنسان ليفكو ،)لقطع تسلسل الحدثüلم يكن هناك وجود . أحب أن أشرح نقطة هامة، بالنسبة للمرأة

كما لم يكن للمرأة وجود في المجتمع العربي قبل ،للمرأة في المقامات وقصرت دورهن ، عزلت النساء وأبعدتهن وراء الرجال،لذا. سنة) ١٠٠٠(

.على االستفهام والتساؤل السلبييف وفقت بين عملية التغريب في مسرحك وبين سؤالي هو ك المهم،-

دمج المتفرج مع األداء الجماعي المتقن للممثلين إلى حد المشاركة الشعورية أال ترى أن هناك تناقضا بين األسلوبين؟؟) والسكرمشهد المجاعة(

üالنقطة الثانية أصح من األولى، فأنا لم أقصد التغريب في مسرحي . بعضا من جو نإعن فارق البيئة واستخدام األقنعة، أي ربما نشأ هذا الشعور

الممثل . وليس التكنيك المسرحي،العرض هو الذي أدى لإلحساس بالتغريب بل ومع المسرح، ومحاوال ،كان مندمجا مع دوره -كما الحظت بنفسك -

. ال أعتقد أن هناك تناقضا ما،لذا. دمج المتفرج في االحتفال الذي يدور أمامه

* * *

-٢٦٦-

-٢٦٧-

املسرح اجلزائري

-٢٦٨-

-٢٦٩-

كاتب ياسني

اجلثة املطوقة

والبحث عن اجلذور ) اجلزائر-املسرح الوطين اجلزائري (

أسلحتنا ساذجة وخطرية«

. مثل مجهور جتذبه النبوة فيهرع ،أجل، اهلزمية الدهرية سوف تغسل

».ن جديدوتعود أرضنا طفلة، وتشتعل محياها م

هذا هو صوت الشاعر المنبثق من تراب الجزائر ومن صخور الثورة التي تمتد عبر المسافة والزمن، تنبض بحب اإلنسان .. األوراس

بصوته .. بنزيفه الدامي.. بغضبه المتقد.. برعشات قلبه.. حبه للحرية:طنللو .نهذا هو كاتب ياسي. وجبينه المرتفع دائما صوب الشمس.. الهادر

:كاتب ياسين سميندو من مقاطعات قسطنطينية عام –ولد في مقاطعة كونديه

درس ياسين حتى السابعة من . من رجال القبائل وكان أبوه محاميا،١٩٢٩

-٢٧٠-

عمره القرآن واللغة العربية، لكن أباه أدخله مدرسة فرنسية آمال بمستقبل ،»قةوالجثة المط«وع الحادثة التي ألهمت ياسين موض أما .أفضل البنه الشاب ألف شهيد في شوارع ٤٥قط س١٩٤٥ أيار سنة ٨ففي : فهي مذبحة غادرة

لقد خان المستعمر الوعود التي بذلها سخية، والتي ناضل .الجزائرأصدر كاتب ياسين . إلى جانب الفرنسيين ضد النازيةالجزائريون من أجلها

دخله عقب مجزرة بين جدران السجن الذي١٩٤٦ »مناجاة«وينه اأول دو ،إلى فرنسا بعد ذلكياسين سافر كاتب . الشعر والثورةالمستعمر، وهناك تعلم

حيث عاش أجواء العمال كثائر وكشاعر، لكنه ما لبث أن عاد لوطنه ليعمل ثم حماال في مرفأ الجزائر، ثم ،»الجزائر الجمهورية«محررا في جريدة

في . عامل بناء، فمساعدا كهربائيا عن العمل، ثم عامال زراعيا، فعاطالقامت . وينشر قصائده هنا وهناك ، كان ياسين يجوب العالم،الوقت نفسه

لقضية الثورة الجزائرية البطلة، فخرج كاتب ياسين إلى البلدان المتخلفة داعيا . وقضية الحرية في كل مكان ولكل إنسانالوطن

:مؤلفاته هي »الجثة المطوقة«(ئرة االنتقام دا-) رواية( نجمة -) قصيدة(نجمة

نجمة - حرب المائة والثالثين عاما - ) المسرحيةأولى حلقات هذه الثالثية الرجل ذو – البوليجون المرصع بالنجوم - المرأة المتوحشة- فقدت الذاكرة .الحذاء المطاطي

: جوهر المسرح- األخضر-نجمة ائمة كشبح هذه الههي من هي نجمة؟ من هي المرأة المتوحشة؟ من

الذي يتردد بمالمح مفجوعة؟ من هذا االسم )القصبة(أبيض في شوارع حي هذه المرأة التي يعبث الريح بأطراف وشاحها و عبر عوالم كاتب ياسين،

تهيم وظل جسدها المتمسح بالجدران يض كالجزائر نفسها، وكالبراءة، فاألب

-٢٧١-

ينسونها .. يها الرجال علغامض غموض الخرافة؟ من هي تلك التي يتصارعويقتلون من أجلها؟ من هي التي يدوسها .. تنساهم فيحلمون بهافتلحقهم،

كما لو كانت رغبتهم األخيرة هي أن يسحق بعضهم .. الرجال في المظاهرات فوق جسد امرأة مجهولة؟بعضا

نجمة في الحقيقة هي الجزائر الخالدة، نإ«: يقول الناقد جالل العشريفهي رمز الجزائر التي تحب وتكره في . التي أدمتها جراح الحربالجزائر

.. إنما تسأل األجداد عن تراثها..نفس الوقت، وهي عندما تواجه ما فيها فهي تصاب به من ، أما عندما تصاب بالجنون.تدخل معهم في حوار عنيف

.. كلهنجمة هي هذا» . كما أصيب به األخضر من فرط العذاب،فرط الحسرةأتراها تصل . األخضرعن و، الدائب عن نفسهاالحيرة المعذبة والبحثهي ليس إخالصه . الثورة؟ الرائع عند كاتب ياسين هو فهمه لجوهر المسرحإلى

المسرح هو . وإنما لمسه لهذا الجوهر،أو حماسه أو شاعريته فحسبم هذا ما يميز المسرح عن عالف ،الصراع، وهو الفكرة المجسدة بكثافة وبثقل

ذا كما ال يحققه أسلوب مسرحي والمسرح الشعري يحقق ه. الرواية مثال نجد في مسرح كاتب ياسين تلك النغمة الرخيمة للتراجيديا ،بذلك. آخر

لنعد إلى شخصيات المنطلق،امن هذ. سخيلوس بشكل خاصأ عند ..اليونانيةوجة مع ا فال مجال لفهمها إذا لم نعد إلى األصول المتز،»الجثة المطوقة«

لشعبي ومن الثقافة األوربية المستقاة من التراث األسطوري اعالم الشاعر، فهي نار الشعر ، أما النار التي تصهر هذين العنصرين في بوتقة واحدة.معا

.والثورة والنضال من أجل الحرية التي نراها تارة تتحاور وتتداول ، تلك الشخصيات البطولية النادرةنإ عن حلول تضعها موضع التنفيذ، يقة نفسها أو عالمها، أو بحثا عن حقبحثا

كما قد مناجاة طويلة، ليست شخصيات ذهنية، وتارة أخرى تحدث نفسها في السؤال الخالد في عالم المسرح يدور عما نإ. يتبادر ألول وهلة إلى األذهان

فكار، لى أإذا كان المسرح هو تحويل الفكرة إلى واقع أم هو تحويل الواقع إ .أي استقاء الفكر من الواقع

-٢٧٢-

في أي أدب، أو ضمنا التي ال مناص منها علنا، الجذور الواقعيةإن ، . بركته دوائر عديدة ال متناهيةك الفن من األعماق، وتدفع إلى سطحتحر. االثنين، بمهارة من يسير على حبل، خلق توازن بين أن يتمكن الكاتب،المهم

إنه تجريد الواقع في رؤى منسجمة، . ، وهو ليس نظرية أيضاالفن ليس واقعاورؤيا المسرح والشعر بشكل خاص أكثر ثقال وكمونا متفجرا من الواقع

فأعطت مسرحه ،تلك هي الحقيقة التي تشبث بها كاتب ياسين. نفسهسطورة، من التجريد ومن وشخصياته ذلك البعد المزدوج من الواقع واأل

اهدنا أول بطل ثالثية كاتب ياسين التي ش- ن يكون األخضر يمكن أ. األلفةبديال مسرحيا للمؤلف نفسه، وأن يكون في الوقت نفسه التعبير -حلقاتها

الشامل عن جيل كامل من الشبان الجزائريين في صراعهم الدائب مع قوى البطش القابعة فوق ا إزاء معطيات واقعهم، وإلحاح الثورة وحتميته

تجريد شعري للمناضل أيضا األخضر إنسان وشخصية، وهو . رؤوسهم آخر إنه. لسجون المستعمر وأسير األخضر الجريح رمز للثورة،.الثائر

الجيل الضائع يمثلهووحبات العنقود الذي اهترأ وامتصته شتى الرغبات، القبول واالستسالم لدى طهار ( وبين اآلباء والجدود ،)األصالة(بين األسالف

. وبين حضارة فرنسا التي تغلغت حتى سرقت اللسان،) أمهزوج الإوما صراعه . الضحية/، إذن، الجيلإنه جيل البحث عن الجذور

تباشير يقظة عمالق الحرية من : تقدمي قومي ثوري في مرحلة المهدعصرامستعمر .. ومظلومظالمقضية : لكن القضية ليست بتلك البساطة. غفوته .تعقيداأشد مقا و إنها أكثر ع.وثائر

وأصبح الجو مفعما ، لقد انتقل الصراع من الخارج إلى الداخلعندئذ غادر معظمكم البلد، وسافرتم إلى فرنسا وأكلتم : فدار «،بالتساؤالت

على مائدة أعدائكم وتكلمتم لغتهم وارتديتم زيهم مع أنهم أطلقوا عليكم د كنت أشرب وألهو مع النساء دونه، أما أنا فقتالنيران في الخفاء وأنتم تر

-٢٧٣-

ولكنني ظللت في جلدي، ولذلك فلم أكن جنديا وال عامال في المصانع ».كم بالخيانةمإنني بدوري أستطيع أن أته .المشهورة هناك

إن هذا األدب هو السالح الذي «: على ذلك يجيب كاتب ياسين نفسها يدخل معه في استخدمه ويستخدمه الجزائري كي يرد به على الفرنسي عندماضر أن يتخلى صراع، وعلى ذلك فمن الصعب على الجزائري في الوقت الح

».عن اللغة الفرنسيةهذه الحيرة المطبقة التي تذوب األشياء في ضبابيتها هي حيرة

والتي يصرع أباها أمام عينها ، التي تنفذ األخضر وترعاه،مارغريت أيضا .دون أن يتغير موقفها في شيء

):مشيرا إلى مارغريت: (راألخض« .لقد تأخرت كثيرا في اللحاق بمعسكر الضحايا

.أبدا. أبدا لن أحبها ».لكنني أسفت عليها دائما

اهرون بأنهم ال يرون أو يتظ، من يغطون في نومهمإنها الحيرة إزاء أولئك الذين اعتادوا الذل واالستسالم أمثال طهار وبائع وال يسمعون،

األخضر إذن ليس ثائرا . وأنصار للرجعية،هم أعداء للحريةإن. البرتقالوكيف . ه الصوت الذي ال يصمتإن .» الضحية/الثائر«فحسب، بل هو

بين ة، لكنه الصوت الذي تلفه الحيرةيصمت وهو يرى أمامه الغدر والجريم عانقته وهو ،منذ القديم تلفه الحيرة، منذ عشق أباه فرنسية .نجمة مارغريت

.. فشعر أن لديها أكثر من ثديين، منذ أن كان يلعب مع نجمة في الشارعطفل ه وأب.. هونجمة التي يصرح قبل النهاية بأنها ابنة األجنبية التي اختطفها أب

. مختلطين وحلمالذي حملوا جثته في مالءة بينما كان هو ينتظر خاتمة حكايةر، ويتجسد القبو تظل الثورة حتمية، فصوت األسالف يضج في ،مع هذا

نجمة . تبرعم األغصان، وتنفجر الجذوة من تحت الرماد. في األحفاد المعذبين١٨ م -بقعة ضوء

-٢٧٤-

. ضائعة الجذور.. لجزائر وفرنساابنة ا.. المرأة المفجوعةتمثل هي أيضا كذلك األخضر . هي الوطن المتأرجح على جناح عاصفةو.. التراب الحائرإنها

يبصر نور و.. يده ليتلمس الخصب فيهيمد.. كالهما يدور في فلك آخر: ونجمةع القدر وحتمية الجيل المتحفز بال إيمان، تحركه ذراا من فهم،مع هذا. الحقيقة

يتزاوج إحساس شامل مختلط بين التراجيديا ، وبذلك.الظروف التاريخية ويختلط كل شيء في إحساس حاد بالزمن ،اليونانية وبين المادية التاريخية

.بالذنب، وعجز عن التمسك بتلك الجذور المفقودةوتفرعاته، إحساس :األخضر«

.أبدا لن أستطيع أن أطمئنك أنا آخر الفالحين

لست أدري ما الذي يقيدني .إلى شجرتي المضحى بها

.أهو الرجل الذي كنته »أم الخنجر الذي يحل محلي؟

األخضر هو مسيح آخر، هو غيفارا، هو المصلوب الذي يجد سعادة ستنمو .. ي صلبه، فمن خالل الدماء التي تروي التراب حيث يموتغامرة ف .جيل آخروستتفرع إلى .. الشجرة فال بد أن ،إذا أردتما إخراج الخنجر! ابقيا حيث أنتما.. : األخضر«

حميها ني أفنى ألنأأدير لكما ظهري، وال بد من ترك هذه الشجرة، في حين ».من الجليد

.. سن وجميع الرفاق يتعذبونورغم أن األخضر ومصطفى وحوتعالج بعضهم سكرات الموت، رغم أن الجنون يتملك األرامل .. وبفنون

رغم يخفون وجوههم عن رؤية الحقيقة، والثكالى، رغم الندب والبكاء والذين

-٢٧٥-

رغم الطيور والذين يطعنون الصبوة المنطلقة للحرية بخنجر في الظهر، ل وأن المستقبألسالف تطالب بأن يفتدىباح االمشؤومة التي تحوم وكأنها أش

:يرتبط بجذور الماضي السحيق، تقول الجوقة :الكورس«

هكذا نجومنا تتابع .رجاال ونساء، أجسادا ومتاعا

».ال شيء يقاوم الرحيل

الشبل النضر، .. البرعم الجديد. . الطفل)علي(، يظهر رغم كل شيءشجرة التي رواها األخضر يهرب من نجمة، ليتمسك بمديته ويحوم حول ال

ما مات األخضر إال من . للم يعد األمر بالنسبة إليه يحتاج إلى سؤا. بدمه بالبرتقال على )علي(يلقي . إنه العودة إلى الجذور. إنه الرفض. أجل هذاخذوا هذه .. خذوا«: كأنه يقول، )وفي النص على الجمهور أيضا (،نجمة ويتردد صوت ».الخصب والحياةا بها فهي احتفظو.. إنها ابنة أرضكم.الثمار

:الكورس باألمل واإلصرار !أيها المجاهدون من حزب الشعب«

!ال تغادروا مالجئكم ».ساعة المعركة ال تزال بعيدة

:أين يقف كاتب ياسينومسرحي رابعا، وروائي ثالثا، ومناضل ثانيا،الكاتب ياسين شاعر أو .

. إذن،إنه أديب ثائر ملتزم من قيود االقتباس لتزام ياسين هو ذلك االلتزام الوجودي الحراإن صوت . مفزع ومن ضياع، ألنه انبثق أساسا من معاناة صادقة،النظري

-٢٧٦-

ن كان في الجزائر أو في إ ،كاتب ياسين هو الصوت الهادر بقضية الحرية .نغوال أو في فلسطينأفيتنام أو في

كما هو ،إنه مسرح شعري. يزات خاصةلذلك، فمسرحه يتميز بمتشبث بقوة هائلة وي،واضح، لكنه مسرح شعري يستمد قوله من واقع النضال

ننا نستطيع أن نلمح تأثيرات المسرح الفرنسي على ال شك أ. بقدرات الدرامالكن . مواوي وشيئا من روح كخص كلوديل وجيرودو وآناألياسين، وبكاتب

كان نإ هو ليس مثل أي منهم، و. يقف على حدة- مع هذا - كاتب ياسين . ه في بعض النواحيه يشب كاننإ و،لوركاقريبا من آنوي أحيانا، وليس من

حتى ينسبون مسرحه إلى بيكيت (،إنه غامض وصعب لدى بعضهمحتى لينسبونه إلى برشت والواقعة (، وهو مباشر لدى آخرين )ويونسكوجميعا ليجد تيارا ينفرد ء لكن ياسين يقف بمنحى عن كل هؤال ).االشتراكية

.برشتزيج من بيكيت و هو مبه،، ألنه وهو ليس كبرشت.، ألنه ملتزم وصاحب قضيةإنه ليس كبيكيت

، أن يحكي حكايات بموضوعية وتعقل ظاهري، بل يريد أن يؤثرال يريدعطر الثورة . هو ليس مباشرا، وال غامضا. فيؤكد لآلخرين ولنفسه الحقيقة

ل بعلمية وصدق ب، لكن دون تحيز أو تحامل،رحه الشعرييفوح من مس .كثيرونوجرأة يفتقر إليها

. لقد نشطت الثورة األدبية في الجزائر متمشية مع نشاط الثورة الفعلية ظهرت ،بعد ظهور كتاب كبار كمحمد ديب ومولود معمري ومولود فرعون

ومصطفى الك حداد وموسى األشقرحركة أدب شابة لمعت فيها أسماء كم .ف وآسيا جبار وكاتب ياسيناألشر

في فرنسا وفي الجزائر والجمهورية » دائرة االنتقام«لقد قدمت ثالثية . العربية المتحدة وربما في أمكنة أخرى لتشق طريق الصوت العربي المتميز

يبدو أن الكتاب العرب الذين يكتبون بالفرنسية ينتهجون ألنفسهم أصالة ما .جورج شحادة أيضااللبناني حال هومتفردة، فهذا

-٢٧٧-

:عن اإلخراج والتمثيل

في مهرجان دمشق » الجثة المطوقة«قدم المسرح الوطني الجزائري وقد التزم العرض . الثاني للفنون المسرحية من إخراج مصطفى الكاتب

أن النقد الذي يوجه إلى كاتب ياسين هو غموض معبالنص التزاما وثيقا، ذلك بسبب تجاهله التام لحاجزي الزمان والمكان، واللمسة و،بعض المقاطع

مسرح، إلى الالشعرية المبهمة التي يتميز بها الشعر الحديث ويصعب نقلها . اة واألسلوب المغرق في األدبيةوأيضا طول المقاطع الحوارية والمناج

ولوج الذي يلقيه مون فال،النتيجة أن مقاطع طويلة من العرض كانت مملة كان -رغم مهمته األصلية وتقديمه للمسرحية ككل ب - ضر في البدايةاألخ

ن مسرح ياسين يحتاج أكثر ما يحتاج لدى اإلخراج إلى ، إالواقع. ممال وبطيئا .تحكم مرهف باإليقاع وبالقدرة على التعبير الحركي

إذا اعتبرنا اإليقاع مهزوزا، فإن هناك عددا من الممثلين فقدوا وحدة اعتمد محمد .آلخر فأدى كل منهم دوره التمثيلي بشكل يختلف عن ا،رالتعبي

لكن اإلضاءة الضعيفة وطول ،بن قطاف في دور األخضر على تعبير الوجه .الفاشمقاطعة جعل هذا األسلوب يبدو

فقد كانت قادرة على التعبير الفني بالصوت ،)نجمة(أما وهيبة في دور استطاع ). أم مصطفى(يفة في دور كانت عفوكذلك . والوجه والحركة

المخرج السيطرة على مشاهد الكورس وتقديم تشكيالت ناجحة منه، كما وتحطم ،استطاع أيضا أن ينفذ مشاهد المظاهرات ببراعة تخطف األنظار

، ولكنه ليس مستوى الئقبدت الفرقة، بشكل عام، في . ساكن برشاقةاإليقاع الالتي يتطلبها هذا النص الفني الصعب مكانيات اإل، خصوصا وأن اهرمب

ولم يهبط مستوى أداء أي من الممثلين عن المستوى . إمكانيات كبيرة حقاالمعقول، لكن هذا رافقه تفاوت في أسلوب التعبير، تراوح بين االعتماد على

.رامية أو على اإلضحاكوت أو على الحركة أو على الميلودالص

-٢٧٨-

ضعيفة بحيث كانت اإلضاءة ما، و حدمرتجال إلىكان تنفيذ الديكور الفرقة بالغبن، ألني أعتقد أن السبب هو ضعف التجهيزات في تأصيبرغم هذا، كان مشهد السجن، ومشهد التحقيق مع . »المسرح العسكري«

.األخضر ممتازين فعال، إضافة إلى كانت الحاجة ماسة إلى مزيد من الحرارة،مع نص كهذاكانت الحاجة ماسة إلى اختصار المقاطع كذلك، . كةجودة التشكيل والحر

.الطويلة في النص وعدم التقيد بهاخصوصا القدرة ن اللمسة الواضحة للعمل الشعري، لم يخل العرض م

وليونة، ومعالجة الكورس بشكل بداعلى االنتقال من مشهد آلخر بسرعة .طبيعيا وسلسا

ت ، هو كلما»لمطوقةالجثة ا«لعل أفضل ما أنهي به الحديث عن محاوال ، الذي قدم المسرحية في باريسالمخرج الفرنسي جان ماري سيرو،

،بين مسرح بيكيت الذي يستهدف الوضوح الخاص«تصنيف مسرح ياسين ومسرح برشت الذي يقود العالم في طريق التفاؤل اإلرادي، وهو طريق غير

سين قد شق للمسرح واقعي جزئيا، بين هذين المسرحين يبدو أن كاتب ياطريقا جديدا، إنه يجمع بين المصادر الحية للمأساة القديمة وبين وجهة النظر

ن نقول إنه في نفس الوقت إننا نستطيع أ. الوجودية إلنسان القرن العشرين أما الشاعر الجزائري كاتب ياسين ».ر عبر القروننسخيلوس وفوكمعاصر أل

الشعب سوف يستولي على هذه اللغة وهذه فإن،ن عاجال أو آجالإ«: فيقول ».الثقافة ويجعل منها أسلحة بعيدة المدى للتحرر

-٢٧٩-

املصادر

حرية والثورة في مسرح كاتب ياسين ال. )٤٧( مجلة المسرح جالل العشري،– ١ ).٥٤ص ( -

مقدمة الترجمة الكاملة لدائرة االنتقام في سلسلة مسرحيات حمادة إبراهيم،– ٢ .وهي الترجمة التي اعتمدت عليها في هذا البحثعربية،

منها مقال لفؤاد دوارة، وحديث لهيدي ، راجعت بعض المصادر األخرى أيضا– ٣ . عن المسرحيتين المتبقيتين من الثالثية، وآخر لكرم مطاوع،بانوب

* * *

-٢٨٠-

-٢٨١-

حمتويات الكتاب

الصفحة

٧.............................................لماذا.. بقعة الضوء: كلمة

القسم األول

١١................................................................مقدمات ١٣................................................ مسرحيةتبديهيا

١٩................................جذور المسرح العربي المعاصر ٣١.............................................المسرح في سورية

٤٣.........................وريادة الكاتب العربي.. مسرح المخرج

القسم الثاني ٤٩..................................................بحوث تطبيقية

:المسرح السوري ٥٣.....................! كيف تقع دون أن تصعد-وليد إخالصي

وصدقن صدق التاريخ بي» أيام سلمون «-صدقي إسماعيل ٥٩..................................................الفن المسرحي

٦٧.....................................»كفر قاسم «-لكسان جان أ

-٢٨٢-

الصفحة

٧١............................ من أين وإلى أين؟:»مسرح الشوك« ٧٥..................................................»ال تسامحونا«

٧٨.............»دريزدناحتفال ليلي خاص ل «-مصطفى الحالج ٨٣............»محاكمة الرجل الذي لم يحارب «-ممدوح عدوان

٨٩.................................»الغرباء «- علي عقلة عرسان ٩٥............» حزيران٥جل حفلة سمر من أ «-سعد اهللا ونوس

بين جمال النص » مغامرة رأس المملوك جابر« ١١١...........................................وضالل العرض

:المسرح المصري ١٢١......................................»الزوبعة «-محمود دياب ١٣١............ ظالم النور في مسرح رشاد رشدي–رشاد رشدي

١٣٩................»يا سالم سلم الحيطة بتتكلم «-سعد الدين وهبه ١٤٥.... متعددة نص صعب وتفسيرات:»الزير سالم «- فرج لفريدأ

١٦٣....................... مسرحيات أم حواريات؟–نجيب محفوظ ١٨١............................ أنت يلي قتلت الوحش -علي سالم

١٨٩.........................»مأساة الحالج «- صالح عبد الصبور

:المسرح اللبناني ٢٠٣....................................»جبال الصوان «-الرحابنة

٢١١......................هل هي محطة سفر أم توقف؟: »المحطة« ٢١٧.................... حوار عن المسرح المرتجل–ريمون جبارة ٢١٧......................................»الستارة «-رضا كبريت

-٢٨٣-

الصفحة

:المسرح العراقي ٢٣١.......................المسرح العراقي» طوفان «- عادل كاظم ٢٣٧..............................»أنا ضمير المتكلم «-قاسم محمد

:المسرح المغربي ٢٤٣.............بين الفن والشعوذة.. »السعد «-أحمد الطيب العلج

٢٤٩............................................»حليب الضيوف «- ٢٥٥............»مقامات بديع الزمان الهمذاني «-الطيب الصديقي

: الجزائريالمسرح ٢٦٩...........والبحث عن الجذور» الجثة المطوقة «- كاتب ياسين

-٢٨٤-

-٢٨٥-

رياض عصمت. دمؤلفات

:املسرحيات* ، دار المسيرة، بيروت، ٢ ط– ١٩٧١، دمشق ١ طبعة– نجوم في ليل طويل – ١

١٩٧٩. .١٩٧٤ دمشق، – طائر الخرافة ومسرحيات أخرى – ٢ .٢٠٠٤ دمشق، ٢ ط– ١٩٧٨سيرة، بيروت ، دار الم١ ط– لعبة الحب والثورة – ٣ .٢٠٠٤، دمشق، ٢ ط–١٩٧٩، دار المسيرة، بيروت ١ ط – الحداد يليق بأنتيغون – ٤ .١٩٧٩ دار المسيرة، بيروت، - هل كان العشاء دسما أيتها األخت الطيبة؟ – ٥ .٢٠١١ دمشق، ٢ ط– ١٩٨٢، اتحاد الكتاب العرب، دمشق ١ ط – السندباد – ٦ .١٩٩٤، دمشق، ١ ط –ي شهريار ليال– ٧ .٢٠٠٧ دمشق، ١ ط– جمهورية الموز – ٨ .٢٠٠٨ دمشق، ١ ط– عبلة وعنتر – ٩ .٢٠١٠ ، دمشق، ١ ط– بحثا عن زنوبيا -١٠ . قيد النشر– ماتا هاري -١١

:النقد* .٢٠٠٢ ، دمشق، ٢ ط– ١٩٧٥، وزارة الثقافة، دمشق ١ ط– بقعة ضوء – ١ . ١٩٨٣زارة الثقافة، دمشق، و– ضوء المتابعة – ٢ .١٩٧٨ دمشق، – قصة السبعينات – ٣ .١٩٧٩ دار الطليعة، بيروت، –دراسة في القصة السورية : الصوت والصدى– ٤ .١٩٨٠ دار الطليعة، بيروت، – البطل التراجيدي في المسرح العالمي – ٥

-٢٨٦-

.١٩٨٦ دار طالس، دمشق، – شيطان المسرح – ٦ .١٩٩٥ دمشق، –قوط األقنعة االجتماعية س: المسرح العربي– ٧ .١٩٩٧ دمشق، –ما وراء الواقعية : نجيب محفوظ– ٨ .٢٠٠٢ الدوحة، قطر، – المسرح في بريطانيا – ٩ .٢٠٠٣ الشارقة، اإلمارات، –حلم أم علم : المسرح العربي-١٠ .٢٠٠٥ دار الرائي، دمشق، – الكمبوشة -١١ .٢٠٠٥امة للسينما، دمشق، المؤسسة الع– ذكريات السينما -١٢ .٢٠٠٧ دار الفكر، دمشق، – رؤى في المسرح العالمي والعربي – ١٣ .٢٠٠٩ الشارقة، – المسرح في سورية -١٤ .٢٠١٠ وزارة الثقافة، قطر، – أسرار اإلبداع – ١٥ .٢٠١١ دار الفكر، دمشق، – حداثة وأصالة - ١٦ . تحت الطبع– رؤية جديدة -١٧

:ةالقصة القصري* .١٩٧١ دمشق ، – الذروة البعيدة – ١ .١٩٧٧ بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب، دمشق، – غابة الخنازير البرية – ٢ .٢٠٠٩، دار الرائي، ٢ ط– ١٩٧٨، الطالئع، ١ ط–) لألطفال( حكايات ذلك الصيف – ٣ .١٩٧٩ وزارة الثقافة، دمشق، – الثلج األسود - ٤ .١٩٩٤فة، وزارة الثقا– شمس الليل – ٥ .٢٠٠٥ دار الرائي، – ليلة شاب الغراب – ٦

:الرتمجة* سينما الغرب األمريكي– ١ التمثيل السينمائي– ٢

-٢٨٧-

:سيناريو وحوار مسلسالت تلفزيونية* ).ثالثية، تأليف وإخراج( الفنان والحب، – ١ ).سباعية، سيناريو وحوار( أوراق امرأة، – ٢ ).صة وسيناريو وحوار حلقة، ق٢٠( جلد األفعى، – ٣ ). حلقة، سيناريو وحوار، مستلهم من شكسبير٢٣( تاج من شوك، – ٤ ). حلقة، سيناريو وحوار، مستلهم من أغاثا كريستي١٥( المجهول، – ٥ حلقة، سيناريو وحوار، بعضها مستلهم من األدب ١٥( قصص الغموض، – ٦

).البوليسي ).ر حلقة، قصة وسيناريو وحوا٣٠( هوالكو، – ٧

-٢٨٨-

م٢٠١١/ الطبعة الثانية نسخة١٠٠٠عدد الطبع