١

قراءة في فقه العيش مع اآلخر في المذهب الحنبلي

إعداد مسفر بن علي القحطاني

استاذ أصول الفقه المشارك بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالسعودية :مقدمة

.بسم اهللا والحمد هللا والصالة والسالم على رسول اهللا وآله وصحبه ومن وااله وبعدفالحديث عن التعايش المذهبي في عصر ثورة التواصل المعرفي بات مهما وملحا من حيث التناول واإلهتداء ، فالحاجة المعاصرة للتعايش المذهبي قد ال تكون راجعة للتراث الفقهي العظيم الذي خلفه السلف األوائل وإن كان ملهما من حيث االجتهاد واالقتداء

أن الحاجة أعمق في معرفة قواعد التعايش التي خلفوها ،ولكن أجد من وجهة نظريألتباعهم خصوصا في لحظات التداخل الظرفي بين المذاهب زمانا أو مكانا من أجل اإلهتداء بهذا األدب الرفيع والفقه العميق،فشواهد اإلئتالف بالرغم من عمق االختالف

الظروف والمعطيات الفروعي ،تؤسس في ذهن األجيال الالحقة التي تداخلت كلالتواصلية بين المذاهب والمشارب والتيارات إلى ضرورة استلهام أدب التعايش وفقه التحاور و حفظ القلوب من الشتات والتباعد ،وفي هذا مغنم كبير في تكوين بيئة خضراء منفتحة لالختالف الذي ال يفسد الود وال يذهب العلم ،و لو تم التركيز على هذا

تأصيل مفاهيمه وتنزيلها على واقعنا اليوم لتربت أجيال المسلمين على فقه المعنى والعيش وتعزيز قيم التراحم وتأصيل مبدأ التعارف بين الشعوب والقبائل والمذاهب

.والطوائف وهذه الورقات أردت في تقديمها لهذا المؤتمر المبارك أن أبين معالم التعايش عند

خصومهم من المذاهب اآلخرى ،كما حاولت أن أرصد أهم الحنابلة وفقه اإلئتالف مع إشكالية في توتير العالقة بين الحنابلة وأتباع المذاهب اآلخرى ،ضاربا المثل بأحد

.أعالم المدرسة الحنبلية ودوره الرائد في ذلك

٢

وأحب أن أتقدم بالشكر لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن التي دعمت مشاركتي في مر ،كما أقدم الشكر الجزيل لوزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية العمانية على هذا المؤت

.دعوتي واستضافتي لهذا المؤتمر أدعو اهللا أن يوفقني لمرضاته ويصلح نيتي للقبول ويسددني بالصواب من ..وختاما

.القول والعمل . واهللا تعالى أعلم وأحكم وصلى اهللا وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين

كتبه مسفر بن علي القحطاني

م٢٠١٣مارس - الظهران

٣

الحنابلة في التاريخ اإلسالمي وشبهة التشدد في الخصومة : المبحث التمهيدي صدق الحنابلة هم أتباع المذهب الحنبلي ، وهم من فقهاء األمة وعلمائها ، الذين لهم قدم

محمد بن حنبل الشيباني اإلمام أحمد بنفي دين اهللا ، سموا بذلك نسبة إلمامهم وقدوتهم . رحمه اهللا تعالى صاحب المذهب

مشرق مشرف كانوا وال يزالون يقومون في وجه الفساد والظلم وتاريخ الحنابلة تاريخبالمعروف وينهون عن المنكر وينشرون السنة ويحاربون وتخاذل السلطان ،يأمرون

التأويل ، ووقفوا في وجه الشيعة في قضايا في قضايا البدعة ، فوقفوا في وجه المعتزلةخالف الصحابة وإنكار بعض السنن ، واصطدموا باألشعرية في معارك كالمية طويلة

األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال إسحاق بن أحمد العلثي ، وقد اشتهر عنهمولو وما زال أصحابنا يجهرون بصريح الحق في كل وقت " : الحنبلي رحمه اهللا

اهللا لومة الئم ، وال يبالون بشناعة مشنع ، وال كذب ضربوا بالسيوف ، ال يخافون في: الهني ، وتركهم الدنيا وإعراضهم عنها اشتغاال باآلخرة كاذب ، ولهم من االسم العذب

.١"ما هو معلوم معروف

تبون لهم في واألمراء ، بل وعلى الخلفاء ، ويك وكانوا ينكرون على الملوك والسالطينبالحسبة ، فداروا في األسواق وأراقوا الخمور األمر يرونه مخالفا للشرع ، ويقومونالمصلحة والمفسدة في ذلك ، وكانوا مع ذلك كله وحطموا آالت الطرب ، بحسب تقدير

. الدنيا زهادا فقراء ال يستشرفون إلى مناصب

الوفاء بن عقيل بعضهم إلى أبي كتب: " وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي رحمه اهللا .اإلنصاف صف لي أصحاب اإلمام أحمد على ما عرفت من: يقول له

وغلظت طباعهم عن هم قوم خشن ، تقلصت أخالقهم عن المخالطة ،: فكتب إليه يقولعن ذل المراءاة ، المداخلة ، وغلب عليهم الجد ، وقل عندهم الهزل ، وغربت نفوسهم

التأويل ، وغلبت عوا عن اآلراء إلى الروايات ، وتمسكوا بالظاهر تحرجا عنوفزفي الورع ، وأخذوا عليهم األعمال الصالحة ، فلم يدققوا في العلوم الغامضة ، بل دققوا

٢٦٩ص " ذيل طبقات احلنابلة") ١

٤

خشية باريها ، لم أحفظ اهللا أعلم بما فيها، من: ما ظهر من العلوم ، وما وراء ذلك قالوابظواهر اآلي واألخبار، من ا ، إنما غلبت عليهم الشناعة إليمانهمعلى أحد منهم تشبيه

اإلسالم طائفة محقة ، خالية من البدع غير تأويل وال إنكار، واهللا يعلم أنني ال أعتقد في . ٢"، سوى من سلك هذا الطريق

كل شيء ، وخاصة في وكان أهم ما اتصفوا به التزامهم منهج السلف الصالح فيأسماءه وصفاته من العتقادية كمسائل األسماء والصفات ، فيثبتون هللا تعالىالمسائل ا

. غير تحريف وال تأويل وال تعطيل وال تمثيل

أئمة هدى وصالح ، منهم وكان فيهم من علماء الفقه والحديث والتفسير والعقيدة واللغةعبد العزيز ، وأبو بكر أبو بكر األثرم ، وأبو بكر المروزي ، وأبو بكر الخالل ، وأبو

وابن عقيل ، وأبو داود السجستاني ، وأبو الحسن التميمي ابن حامد ، وأبو يعلى ، ٣.وغيرهم كثير القاسم الخرقي ، وعبد الغني المقدسي ، وأبو محمد بن قدامة ،

.التعايش بين الحنابلة والمذاهب األخرى: المبحث األول المدرسة الحنبلية من مؤسسها األول اإلمام أحمد بن حنبل وكانت تعتبر نفسها إمتدادا لفقه الصحابة والتابعين ونهال من أصول االستدالل الثابتة من الكتاب والسنة ، وتفردها

ببعض األصول مبني على طبيعة فقههم لمنهج االجتهاد الذي رسمه السلف األول يرهم من فقهاء المذاهب األخرى يمكن تصنيفه على النحو والتعايش بين الحنابلة وغ

:التالي

٦١املرجع السابق ص ) ٢القادر بن بدران الدمشقي للعالمة عبد" املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل: انظر بعض املراجع يف معرفة تاريخ احلنابلة ) ٣

،والذيل على الطبقات البن البن أيب يعلى" طبقات احلنابلة. ، وهو من أفضل الكتب يف أصول املذهب والتعريف به باختصار .لعلي بن حممد آل بابطني " سنوات احلنابلة. احلنبلي رجب

٥

التوافق المذهبي في التأصيل الفقهي: أوال

نجد أن أصول الحنابلة مع غيرهم من المذاهب األربعة وبعض المجتهدين المستقلين العودة إلى الكتاب والسنة واالجماع والقياس وقول الصحابة علىتكاد تكون متفقة

لح وسد الذرائع وغيرها ،وهذا يعني توافقا في األصول حتى لو تباينت اإلراء والمصايتميز به كل إمام وهذا يعتبر تميز بديع .في بعض القواعد األصولية والفروع الفقهية

في عصره من طريقة في فهم النصوص وسلوك منهج واضح في االجتهاد عند حدوث دينة يتبعون في األكثر فتاوى ابن عمر ـ المسائل والواقعات ؛ ولهذا كان أهل الم

، وأهل مكة فتاوى ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ وأهل الكوفة -رضي اهللا عنهفتاوى ابن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ وعن هؤالء أخذت األمة مناهجها في النظر

.واالجتهاد أصحاب ابن مسعود والدين والفقه والعلم انتشر في األمة عن ": يقول اإلمام ابن القيم

لموأصحاب زيد بن ثابت وأصحاب عبد اهللا بن عمر وأصحاب عبد اهللا بن عباس ؛ فعالناس عامته عن أصحاب هؤالء األربعة فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد اهللا بن عمر وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد اهللا بن عباس ، وأما

.) ٤("مهم عن أصحاب عبد اهللا بن مسعود أهل العراق فعلوعلى هذا الحال السديد جرت أحوال من بعدهم من التابعين وتابعيهم ومنهم األئمة األربعة على السير في ركب سلفهم الصالح في نشر الخير والهدى والبر والتقوى والعلم والفقه ؛ بالتبليغ والتنقيح والعناية الفائقة في النظر واالستنباط ، فظهر فضلهم

م األصحاب وتنافسوا في جمع أقوالهم وفتاواهم وتصنيفها واحتوشهم الطالب وكثر حوله .وتأصيلها والتقعيد لها حتى بلغ أثر كل منهم مبلغا واتخذ ذلك مذهبا وصاحبه إماما

. ١٧/ ١إعالم املوقعني ) ٤(

٦

فبرز فقه األئمة األربعة وترسخ على مر األعوام واعتناء الطالب واألتباع وأصبحت هداية يستضيء بها من جاء بعدهم مذاهبهم وطرقهم في النظر واالجتهاد مشاعل نور و

.من األئمة والمجتهدين ويمكن القول أن المناهج الفقهية في النظر واالجتهاد قد تأسست وأصبحت لها معالم واضحة في البحث واالستنباط بعد القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع ومنها

.) ٥(المذاهب األربعة وغيرها شطت حركة التدوين الفقهي للمذاهب األربعة والتصنيف وبعد منتصف القرن الرابع ن

فإن تدوينها ـ أي ((:في ذلك ، ويعلل ذلك الشيخ مصطفى الزرقا رحمه اهللا بقوله المصنفات الفقهية لكل مذهب ـ قد سهل على الناس تناولها والناس دائما يطلبون السهل

جتهاد في العصور السابقة اليسير دون الصعب العسير ، وقد كان يدفع الناس إلى االضرورة ملجئة إلى تعرف أحكام حوادث وشئون جديدة ال يعرفون حكمها الشرعي فلما جاء المجتهدون في األدوار السابقة ودونوا أحكام الحوادث التي عرضت والتي يحتمل عروضها ، صار الناس كلما عرضت لهم مسألة وجدوا السابقين قد تعرضوا لها ،

لهم في شأنها ، فسدت حاجتهم بما وجدوا ، فال حافز يحفزهم إلى بحث فاكتفوا بمقا . جديد

وساعد على ذلك ما لألقدمين من موقع علمي كبير جدير بالتقدير وما يكسبهم تفوقهم على مضي الزمن من إجالل ، وما يكون من عناية األمم بتكريم سلفها الصالح ليرتبط

كله انصرف الناس إلى التقليد ، اللهم إال في حاضرها بماضيها برباط متين ، لهذا. تعرف علل األحكام المذهبية أو ترجيح بعض اآلراء في المذهب نفسه على غيرها

.)٦)) ( مجتهدا في المذهب: ويسمى من أوتي القدرة العلمية على ذلك

. ١٢١ – ١١٨دكتور عبد الكرمي زيدان ص املدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية لل) ٥( . ١٧٩/ ١املدخل الفقهي العام ) ٦(

٧

مذهب وال يفهم مما مضى أن جل فقهاء هذه الفترة قد أخلد إلى التقليد بل كان في كل . من أهل االجتهاد المطلق الذي لم يقلد ولكن سـلك طريق إمامه في االجتهاد

والصحيح الذي ذهب إليه بعض أصحابنا ":بقوله ويبين هذه الحقيقة اإلمام السيوطيوهو أنهم صاروا إلى مذهب الشافعي ال تقليدا له بل وجدوا طريقه في االجتهاد والقياس

بد من االجتهاد فسلكوا طريقه وطلبوا معرفة األحكام بطريق أسد الطرق ولم يكن لهم ثم فتوى المفتي في هذه الحالة كفتوى المستقل في العمل بها واالعتداد بها … الشافعي

.)٧("في اإلجماع والخالف ولهذا استقرت مناهج األئمة األربعة على أنها طرق للنظر واالستنباط في بحث أحام

وذلك الستيعابهم لسائر أساليب المتقدمين مما ال يسع أحدا جاء النوازل والمستجدات . بعدهم أن يحدث طرقا تختلف كلية عما قرروه وبينوه من أصول وقواعد

اإلمام أحمد لم يختلف في منهجه عمن سبقه من األئمة في االحتجاج بالنصوص وألخذ بالحديث المرسل واعتبار فقه الصحابة والتابعين إال أنه متميز ـ رحمه اهللا ـ با

والحديث الضعيف المنجبر إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه ؛ وهو األصل الذي رجحه )٨(.على القياس

رأيت أبا عبد اهللا ": رميقول عن ذلك تلميذ اإلمام أحمد ـ رحمه اهللا ـ أبو بكر األثـالنبي صلى اهللا أحمد بن حنبل ، فيما سمعنا منه من المسائل إذا كان في المسألة عن

عليه وسلم حديث لم يأخذ فيها بقول أحد من الصحابة وال من بعده خالفه ، وإذا كان في المسألة عن أصحاب النبي صلى اهللا عليه وسلم قول مختلف تخير من أقاويلهم ،ولم يخرج عن أقاويلهم إلى قول من بعدهم ، وإذا لم يكن فيها شيء عن النبي صلى اهللا

. ١١٤الرد على من أخلد إىل األرض ص) ٧(؛ ١٥٨– ١٤٩/ ١بكر أبو زيـد . التركي ؛ املدخل املفصل إىل فقه اإلمام أمحد د . أصول مذهب اإلمام أمحد د : انظر ) ٨(

-١٧٠سليمان أبا اخليـل ص . ؛ مقدمة يف الفقه د ٢٧-٢٤/ ١؛ إعالم املوقعني ٤٥-٤١املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد ص ؛ ٢/٥٢٨؛ تاريخ املذاهب اإلسالمية أليب زهـرة ١٥٣األشقر ص . ؛ املدخل إىل دراسة املدارس واملذاهب الفقهية د ١٧٣

املدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية ؛ ٨٧-٨٢سيد حممد موسىص. ؛ االجتهاد ومدى حاجتنا إليه د ٢٧-٢٥/ ٢الفكر السامي . ١٤٣زيدان ص . د

٨

وال عن أصحابه قول تخير من أقاويل التابعين وربما كان الحديث من عليه وسلم ،النبي صلى اهللا عليه وسلم وفي إسناده شيء فيأخذ به ، وإذا لم يجد خالفه أثبت منه ، مثل حديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ، وربما أخذ بالحديث المرسل ،

. ) ٩))(إذا لم يجئ خالفه .التواصل المعرفي والنسبي بين أئمة المذاهب : ثانيا

فاإلمام أحمد قد أخذ من عدد من األئمة الفقهاء الكبار مثل ابو يوسف تلميذ أبي حنيفة النعمان وأخذ عن اإلمام الشافعي ولزمه وكذلك عن سفيان بن عيينه و ابن عليه وأبن

ل المعرفي والفقهي الذي المبارك وعبدالرزاق الصنعاني ، وهذا التنوع يؤكد التواص .كان يربط اإلمام أحمد مع بقية شيوخ المذاهب األخرى

وعلى ذلك سار أئمة المذاهب في الطبقات األولى من حيث األخذ من بعضهم والطلب .المتبادل بينهم

.التعايش الفقهي بين الحنابلة وبقية المذاهب : ثالثاى مر بلحظات مد وجزر في العالقة ،كان التعايش الفقهي بين الحنابلة والمذاهب األخر

:أهم تلك األسباب البعد السياسي في الخالف وتحوله إلى سلطة ونفوذ تعزز وجود الفقهاء في - ١

السلطة أو تخرج مخالفيهم منها ، وقد تكررت تلك الحالة في فترة يكون الحنابلة هم من يقمع المخالفين كما حدث في عهد المتوكل العباسي ، أو أن

مون يكونوا ضحية كما حصل في عهد اإلمام أحمد بن حنبل مع المأوالمعتصم والواثق ،ثم ما حصل مع ابن تيمية والمماليك في مصر والشام من

، وبغداد كانت األشد وضوحا في الصراع خصوصا ١٠إيذاء وإذالل واعتقال

. ٥٣٤/ ١الفقيه واملتفقه ) ٩(ما حصل البن تيمية مع ابن خملوف املالكي وبعض الفقهاء االخرين وفتنة االثبات بدون تشبيه أو متثيل وفتوى الطالق : انظر ) ١٠

١٥٤\١بالثالث ، الدرر الكامنة

٩

في فترة تولي بعض الشيعة الوزارة ما جعل الحنابلة بقيادة بعض محتسبيهم في المقابر من شرك القيام باإلنكار على بعض مراثي افمام الحسين وما يفعل

وغيرها من صور أدت غلى مواجهات دامية مستمرة خالل القرن الرابع ١١.الهجري

تحول الخالف الفقهي إلى مفاصلة عقائدية ، تقتضي الحكم على المخالف - ٢بالضالل والبدعة ، وهذا ماجعل التعايش يفقد حيويته في فترة الصراع بين

وهذا ما حصل في فتنة ابن القشيري .الحنابلة والمعتزلة وبينهم واألشاعرة ه في مواجهة ابوجعفر العباسي الحنبلي حيث وصف األول الحنابلة ٥١٤عام

بأنهم مجسمة وحشوية مما أدى إلى تعدي بعض الحنابلة عليه،ما أدى إلى ١٢.إغالق المدرسة النظامية بسبب المواجهات الدامية بين اتباعهما

ن خاموش فقيه أهل الري في عهد محمود ومما يروى في ذلك أن أباحاتم ب، والشك أن هذا ١٣بن سبكتكين كان يقول من لم يكن حنبليا فليس بمسلم

األمر مؤداه إلى الضالل بسبب شناعة التكفير للمخالف على أساس اإلنتماء .المذهبي

عدم وجود علماء كبار يرجع إليهم األتباع ويخففون تغول الصراع وتحوله - ٣مية ، بل كان هناك صمت أو تشجيع أما الكبار من الفقهاء إلى مواجهات دا

أهل الحكمة والفقه فكانوا يرفضون تلك الممارسات ،كما حصل في بغداد في

. ٢٠٦\١١البداية والنهاية ) ١١ ١٩١\١٧املنتظم البن اجلوزي ) ١٢ ٦٢٥\١٧سرياعالم النبالء ) ١٣

١٠

وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين اصحاب ابي بكر حيث هـ ٣١٧سنة غيرهم من العامة ودخل كثير من الجند فيها، وسبب المروزي الحنبلي وبين

عسى أن يبعثك ربك ": تفسير قوله تعالى المروزي قالوا فيذلك ان اصحاب معه على صلى اهللا عليه واله هو أن اهللا سبحانه يقعد النبي "مقاما محمودا

١٤.فقتل بينهم قتلى كثيرة العرش وقالت طائفة إنما هو الشفاعة، فوقعت الفتنة

لعراق التعصب المذهبي الذي تفشى في القرن الرابع والخامس خصوصا في ا - ٤،فقد تحولت بعض المناطق إلى ساحات قتال وصراع بين العوام المتعصبين

عظم أمر هـ ٣٢٣أي سنة وفيها ": قال ابن األثير .ألئمتهم ومذاهبهم الحنابلة وقويت شوكتهم وصاروا يكبسون من دور القواد والعامة و إن وجدوا

اء واعترضوا في نبيذا أراقوه و إن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغنالبيع والشراء ومشي الرجال مع النساء والصبيان فإن رأوا ذلك سألوه عن

الذي معه من هو فأخبرهم و إال ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة وشهدوا عليه بالفاحشة وأرهجوا بغداد فركب بدر الخرشني وهو صاحب

أبي محمد الشرطة عاشر جمادى اآلخرة ونادى في جانبي بغداد في أصحابالبربهاري الحنابلة أال يجتمع منهم اثنان وال يتناظروا في مذهبهم وال يصلي منهم إمام إال إذا جهر ببسم اهللا الرحمن الرحيم في صالة الصبح والعشائين

فلم يفد فيهم وزاد شرهم وفتنتهم واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون إلى المذهب أغروا به العميان فيضربونه المساجد وكانوا إذا مر بهم شافعي

١٢١\٥تاريخ بغداد ) ١٤

١١

بعصيهم حتى يكاد يموت فخرج توقيع الراضي بما يقرأ على الحنابلة ينكر ١٥"عليهم فعلهم

والسؤال االن هل الحنابلة جميعا كانوا على هذه الشاكلة من التشدد والتنفير؟الجواب أن الحنابلة الذين ظهر منهم هذا البغي في الخالف أو ما يحكى عنهم الشدة في االحتساب ،ال يمثلون كل الحنابلة فهناك أكثر من سبعة وعشرين كتابا يجمع تراجم الحنابلة وفي عدد من األقطار اإلسالمية في الحجاز والعراق والشام وفلسطين ومصر

ذا الوصف من التشدد، كما أن الحنابلة نافحوا عن معتقد ونجد وغيرها ،ولم يعرفوا بهأهل السنة وحصل لهم بسبب ذلك عدة إبتالءات ومحن سياسية مما جعلهم مستهدفون من السلطات آنذاك تحذيرا وتشويها،فجاءت بعض تصرفاتهم كردة فعل لهذا المواجهة

.لهم :الحنبلية على ثالثة أصناف :" يقول القاضي ابو يعلى

ف زهاد يصومون ويصلون ، وصنف يكتبون ويتفقهون ، وصنف يصفعون كل صن ١٦"مخالف

كما غلب على الحنابلة الورع والبعد عن المناصب وممارسة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهذه السلوكيات في الغالب تجعل أصحابها في عداء مع الكثير من

.أصحاب السلطة الفقهية والسياسية

.لتمازج التجديدي بين الحنابلة وبعض الفقهاء ا: رابعاحصل هذا التمازج والتوحد اإلصالحي في بعض الفترات التاريخية عندما شكل شيخ اإلسالم ابن تيمية فريقا من المجددين المصلحين في المجال الفقهي قاموا بجهود

ت مشكورة في حفظ السنة ونبذ التعصب والتصنيف االبداعي لعدد من الموضوعا

٣٠٨\٨تاريخ ابن األثري ) ١٥ .٣/٧٦طبقات احلنابلة ) ١٦

١٢

وأقصد بهوالء المتأثرون بابن تيمية ،أمثال الذهبي وابن كثير وابن القيم وابن حجر .وغيرهم ممن يمثل مدارس فقهية مختلفة ومع ذلك ينسبون لمدرسة التيمية

وفي عصرنا الحاضر برزت فكرة التقريب بين المذاهب لتخفيف التعصب وبناء جسور ت في إطارها النظري والنخبوي ولم تنزل للميدان التالحم بين المسلمين ، إال أنها ال زال

.الفقهي والتدريسي ،مع وجود عدد من المشككين والمحذرين من هذه المبادرات

.موقف الحنابلة من الشيعة والمتصوفة :المبحث الثاني .موقف الحنابلة من الشيعة : أوال

:لنقاط التاليةيتلخص موقف اإلمام أحمد وأتباعه الكبار من الشيعة في اانصرف أحمد يجمع السنن وآثار الصحابة، وبحث من خاللها عن أحكام تنقذ -

وكان يجمع ما رواه الصحابة من أحاديث، كل على حدة، ،الناس من الضالل فكان البد أن يجمع ما رواه اإلمام علي بن أبي ،ويسند إلى الصحابي ما رواه

وفي الحق ،طالب ال يبالي في ذلك أن يتهمه أحد بالتشيع أو بالميل إلى العلويين أن اإلمام علي تقرر لديهولكنه ،أنه ما كان متشيعا وال صاحب ميل للعلويين

ي كان أحق بالخالفة من معاوية، وأن معاوية كان باغيا، ودافع أحمد عن رأقال رجل في : "الشافعي شيخهوقد روى أحمد عن ،أستاذه في مواجهة منتقديه

فقال الشافعي كان في علي . ما نفر الناس منه إال أنه كان ال يبالي بأحد: عليكرم اهللا وجهه أربع خصال ال تكون منها خصلة واحدة إلنسان إال يحق له أال

لدنيا وأهلها، وكان عالما، والعالم ال يبالي بأحد، كان زاهدا، والزاهد ال يبالي با

١٣

يبالي بأحد، وكانوكان عالما، والعالم ال يبالي بأحد، وكان شجاعا والشجاع ال وكان علي كرم اهللا وجه قد . يبالي بأحد، وكان شريفا والشريف ال يبالي بأحد

خصه النبي صلى اهللا عليه وسلم بعلم القرآن، ألن النبي عليه الصالة والسالم وكانت قضاياه ترفع ترفع إلى النبي صلى . له وأمره أن يقضي بين الناس دعا

." اهللا عليه وسلم فيمضيها

أن بعض الفقهاء يفضلون العباس على اإلمام علي اإلمام أحمد في عصره الحظ - أحد أحمد ، اإلمام وسمع ،بن أبي طالب، نفاقا للخلفاء واألمراء من بني العباس

علي بن أبي طالب كرم اهللا وجه بما ال ينبغي، ويشكك في يذكر اإلمام الفقهاءمن : "حقه في الخالفة، فأنبري أحمد يقول للفقيه على مشهد من المشهد من الناس

أكان علي كرم اهللا ! .. سبحان اهللا ،لم يثبت اإلمامة لعلي فهو أضل من حمارذ باهللا من أعو.. ؟ !وجهه يقيم الحدود ويأخذ الصدقة ويقسمها بال حق وجب له

بل هو خليفة رضيه أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، .. هذه المقالة وصلوا خلفه، وغزوا موجاهدوا، وحجوا، وكانوا يسمونه أمير المؤمنين راضين

ما ألحد من الصحابة من الفضائل : "ثم قال" .. بذلك غير منكرين، فنحن له تبع ".ين علي بن أبي طالب رضي اهللا عنهباألسانيد الصحاح مثل ما ألمير المؤمن

حالت ؛ ان ظروف المالحقة واالرهاب وأجواء المراقبة الشديدة ألئمة أهل البيت - ، فقد كان هو اآلخر يعيش محنة حقيقية، اإلمام أحمد دون حدوث لقاء بينهم وبين

عدم اللقاء وعدم االجتماع ال يعني وجود تقاطع أو تدابر بل ان الحب ولكنكثير العالقة مع عموم العلويين، حتى قيل ، وكانوالتقدير والتكريم كان قائما

.للمتوكل انه يأوي العلويين ويدعو الى بيعتهم، وقد فتش منزله للتأكد من ذلك

١٤

عهد المتوكل الذي عرف بمعاداته ألهل البيت، ب في وكان يدافع عن علي بن أبي طالوقال ايضا ."ان الخالفة لم تزين عليا، بل علي زينها":البيتحقه وحق أهل ل فيوقد قا

".ما جاء ألحد من الصحابة من الفضائل مثل ما لعلي بن أبي طالب:"

عهد المتوكل وغيره يدل م فيونشر فضائله) عليهم السالم(والدفاع عن أهل البيت .داللة واضحة على حبه لهم ومواالتهم

من عدد ممن عرفوا بالتشيع وقد ذكرهم ابن الجوزي أخذ اإلمام أحمد الرواية - بقوله بسندههذا الحديث الذي نقله الخطيب في مناقب اإلمام أحمد ، كما أورد

بن حنبل فيقربه أحمد أن عبد الرحمن بن صالح الشيعي كان يغشى أحمد "-:قوما ؟رجل أحباهللاسبحان : فقال ،إنه رافضييا أبا عبدأهللا : ويدنيه فقيل له

ثقه( هو : ال تحبهم نقول له) صلى أهللا عليه وآله وسلم ( من أهل بيت النبي

-: أالمام أحمد منهم أما العلماء الذين أخذعنهم. ١٧)"

أبو سحاق بن منصور السلوي،وا أبو أسحاق الكوفي اسماعيل بن أبان االزديتليد بن سليمان ،و )خرج حديثه أصحاب الصحاح السته( عبد الرحمن الكوفي

أن : صحيحه وقال فيه أحمد المحاربي أبو سليمان الكوفي روى له الترميذي فيلحسين بن الحسن الفزاري أبو عبداهللا االشقر ،وا مذهبه التشيع ولم أر به بأسا

أبو الهيثم وكان من كبار خالد بن مخلد القطواني، وخرج له النسائي الكوفيبن أنس في في صحيحه ومسلم والنسائي ومالك شيوخ البخاري وخرج حديثه

. مسنده

.١٠/٢٦١تاريخ بغداد ) ١٧

١٥

واعتقد ان التشيع المقصود هنا التشيع األول المبني على تفضيل اإلمام علي على الخليفة عثمان مع بعض الخالف في ما شجر بين الصحابة رضي اهللا عنهم

جميعا ،كما ال ينبغي ان نفهم أن موقف الحنابلة كان موقف الموافقة دائما ،فاإلمام أحمد مع صراحة موقفه في مدح آل البيت والثناء عليهم ،مع ما يسببه له هذا الموقف من حرج سياسي إال أنه آثر النطق بالحق ، وبيان موقفه القيمي

والديني من آل البيت ،ثم إن اإلمام أحمد كان اليرى الخروج على اإلمام بالسيف ا ،كما خالفهم في كثير من المسائل وهو كذلك موقف قيمي خالف فيه الشيعة أيض

.العقدية في الصحابة واإللهيات والوالية وغيرها

.موقف الحنابلة من الصوفية : ثانيا

كان للحنابلة وعلى رأسهم اإلمام أحمد موقف واضح من الصوفية ،ظهر على شكلين :أثنين

رفض بعض الممارسات الصوفية التي يغلب عليها الوجد والحال الغنوصي ، : األول وأبرز من كان له موقف يخالف فيه بعض ممارساتهم واجتهاداتهم المحاسبي والسري السقطي وذو النون المصري ،وهو ال يخالفهم في أصل التصوف ،ولكنه يرفض

لسلف األول من الصحابة والتابعين الزيادات التي لحقت بالتصوف ولم تكن على نهج ا.

موقف الموافقة والتأييد للتصوف الوليد المقيد بأصول الشرع والعقيدة مثل : الثاني إشادة اإلمام أحمد ببشر الحافي وهو صوفي معروف في كتب التراث ، كما صنف هو

خامس كتاب الورع والزهد ، وال يخفى أن عدد من أئمة الحنابلة في القرن الرابع وال . والسادس كانوا من كبار المتصوفة مثل عبدالقادر الجيالني وابن الجوزي

١٦

وإشكالية تداخل سعة االجتهاد بصالبة االعتقاد.. فقه الحنابلة :المبحث الثالث عقيدة المسلمين على مر العصور كانت ظاهرة جلية في توحيدها هللا تعالى وسهلة و

ول االعتقاد ،ألنها الحق الجلي والمطلب الرئيس واضحة في عرضها وتقريرها ألصللنجاة يوم القيامة ، لذلك كانت أقرب للفطرة و أوفق للعقل و أدعى لإليمان ، هذه األوصاف هي األليق بالعقيدة التي يعتنقها الخلق على إختالف أعمارهم ومعارفهم

الب، وخروج ومشاربهم وأجناسهم ، وأي مؤمن يعتقد ذلك في دينه ومقدسه في الغالنسق العقدي نحو تفاصيل علم الكالم وغموضه أو مجادلة أهل الفرق والملل وخصومهم ؛جعل علم العقيدة شأن الخواص من العلماء والفالسفة ،وألزم مقرري علم االعتقاد عند الشرح والتصنيف أن يدخلوا فيه من المسائل والقضايا التفصيلية مايحول

كالمي ميتافيزيقي، وما تحصل به النجاة من العقيدة الوضوح العقدي إلى غموضيستلزم تقريرات ال تتنهي من المسائل التي دخلها الخالف مثل دقائق الصفات اإللهية وخلق القرآن ورؤية اهللا تعالى في الدنيا والتوسل بالنبي عليه الصالة والسالم بعد مماته

في ظل ر وسيادة الشريعةوالتبرك بآثاره والدجال والمهدي وطاعة ولي األمطلب من العامي في ،ثم وصل األمر أن ي الديمقراطيات المعاصرة وغيرها من مسائل

معتقده في الفرق الكالمية وهو لم يشهد سجالها وال يعرف كنهها إظهار بعض المذاهب .،فيضطرب معتقده في تفاصيل قد تؤثر في إيمانه واطمئنانه

علمائها المتأخرين يختلف عن تناولها وفق التقرير لذلك تناول العقيدة وفق تقريرالقرآني والبيان النبوي المجسد لحقيقة التوحيد والمحذر من الشرك،وهذا الفرق الكبير في التناول جاء بسبب طريقة تناول الدفاع عن حياض العقيدة من خصومها بتطويل

.رهوتصعيب طريق الوصول لعقيدة النجاة وليس إلى تذليله وتيسيهذا الخالف والشغب الكالمي على العقيدة أدى إلى تكاثر علماء االعتقاد وتسيدهم عدة مجاالت تخصصية تتناول العقيدة وحمايتها ومدافعة الفرق المخالفة لها ؛ما أدى إلى حدوث مجال معرفي شامل يقرأ الشريعة وفق المنهج العقدي ويناقش المستجدات بروح

تصنيفا للخلق باعتبار همجادل في العقيدة طوباوية ومثالية تمنحالجدل الكالمي ويمنح ال

١٧

مآلهم األخروي وليس عملهم الدنيوي ، فكانت النتيجة فتاوى توحيدية وفقه عقائدي :السلبية من وجهة نظري ،وأهمها اإلشكاليات،أثمر في مشهدنا اإلسالمي الكثير من

مناقشة الخالف الفقهي على أساس معتقد قائليه ،حتى لو كانت مسائل فقهية عملية :أوال،مما يجعل المخالف في إحدى دائرتين أمام خصمه إما دخوله دائرة البدعة أو دائرة الكفر ،ظهر ذلك جليا في مسائل الخالف بين االشاعرة والمعتزلة في قضايا التكليف

الح العقلية وفق قاعدة التحسين والتقبيح،ولم ينته األمر في والجبر على األفعال و المصجيال السالفة ؛بل انتقل في عصرنا الحاضر في مسائل عديدة مثل؛ النصح لوالة األ

األمر هل هو في العلن ام في السر ؟ وما يتعلق بمستجدات التحوالت الديمقراطية في بالبدعة أو الكفر نتيجة ذلك الوطن العربي، ماأدى إلى تفرق عقدي و رمي المخالف

كما يلحظ أن بعض الفقهاء إذا أراد إقصاء مخالفيه وتعظيم . الخالف الفقهي في أصله ربط خالفه وأياهم ضمن المجال العقدي ليكون أدعى في ممارسة التحذير من ؛قوله

ة تهام لهم، وبالتالي تهميش القول اآلخر إلى قول مضاد لألهل السناإلمخالفيه وتسويغ . أو السلف

،فهذا من عند الحكم على المخالف ر فكرة إنقسام الدين إلى اصول وفروع جذت: ثانيا،والسعة والضيق ، فبعض يأسباب اشكالية التداخل بين الفقهي والعقدي ،والظني والقطع

كله، وهذا التقسيم من حيث اكلها ،والفقه فروع الفقهاء والمتكلمين جعل العقيدة أصوال،ولكن من حيث البناء عليه تأثيما وتكفيرا لمن خالف في إلى حدماسائغ ومقبول األصل

ا بعض السلف، ومن مسائل العقيدة أيا كانت درجتها هو من األخطاء التي حذر منهشيخ اإلسالم ابن تيمية فقد قال في نص نفيس أشهر من أظهر موقفه في هذه المسألة

الحق وأخطأ فإن اهللا يغفر له خطأه كائنا ما فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب:"هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى ، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية ، كان وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر ، عليه وسلم وجماهير أئمة اإلسالم اهللا

األصول وتسميته مسائلفأما التفريق بين نوع . بإنكارها ومسائل فروع ال يكفر بإنكارهاوال فهذا الفرق ليس له أصل ال عن الصحابة، وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع

وأمثالهم وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة، وال أئمة اإلسالم ، عن التابعين لهم بإحسان

١٨

، متناقض وهو تفريق، وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم ، من أهل البدع ، فيها ؟ ما حد مسائل األصول التي يكفر المخطئ: ه يقال لمن فرق بين النوعين فان

مسائل األصول هي مسائل: فان قال ، وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع ؟

فتنازع الناس في محمد هل رأى : قيل له ، االعتقاد ومسائل الفروع هي مسائل العمل وفى كثير من معاني القرآن ، ى أم على أفضل وفى أن عثمان أفضل من عل، أم ال ربه

".بعض األحاديث هي من المسائل االعتقادية والعلمية وال كفر فيها باالتفاق وتصحيحفالمجتهد عند ابن تيمية ال يحكم بكفره وال بإثمه ما دام قد بذل جهده في االجتهاد . ١٨

مسائل خبرية أو في ذلك بين ما يسمى أصول دين أو فروعه أو ما يسمى وال فرقنبه على أن السلف لم يكونوا يتعاملون في مسائل التصويب بناءا ثم، مسائل عملية

واإلشكال أن القصور في ،أصول وفروع كما كان يفعل المتكلمون على تقسيم الدين إلىفهم منهج السلف أورد المجتمعات اإلسالمية الكثير من البغي والعدوان عند الخالف

سارع د الذي بذل وسعه في حكم مسألة ولوكانت في مجال االعتقاد ال ي،لذلك المجتهفي شخصه، بينما مجال مناقشة األفكار وتخطيئتها هو ميدان الحجج باتهامه وتأثيمه

ربط الخالف بمجاله العلمي والبرهاني كما أن ،والبراهين، وهذا أمره واسع ومقبولين وجوهري في منهج البحث أمر متعدون تجاوزه إلى مآل الشخص األخروي

إن هذه الفرق إنما : "قولهفي واالستدالل، ولإلمام الشاطبي توضيح في هذه المسألةتصير فرقا بخالفها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة ال

ها التفرق في جزئية من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ ال ينشا عنه مخالفة يقع بسببواستيعاب هذه القاعدة قد يخفف لدى . ١٩" نشأ المخالفة في األمور الكلية تشيعا و إنما

بعض مشتغلي العقيدة عظم دائرة القطعيات التي تسوغ لهم اإلنكار والتشديد على يصب في أهمية التأكيد على هذا الشيخ عبد الرحمن السعديغيرهم،ولعل ما قاله إن المتأولين من أهل القبلة : " منهج السلف الصالح عندما قالالمنحى التقريري في

١٨ ٢٣/٣٤٦جمموع الفتاوى )

١٩ ٢٠٠,٢٠١/ ٢: االعتصام )

١٩

الذين ضلوا وأخطأوا في فهم ما جاء في الكتاب والسنة مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال، وأن ما قاله كان حقا، والتزموا ذلك لكنهم أخطأوا في بعض

كتاب والسنة على عدم خروجهم من الدين، المسائل الخبرية أو العلمية، فهؤالء قد دل الوعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين، وأجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة

.٢٠" السلف على ذلكإشكالية تأثير الدرس العقدي على الفقهي من حيث غلبة الحسم والجزم في : ثالثا

أو في ذكر الوجوب بشكل أقل حتى لولم يظهر دليل التحريم بنصه، التحريم بشكل أكبر، فالمشتغل بمسائل اإلعتقاد يميل إلى حسم خالفه حتى لو لم يظهر دليل اللزوم بعينه

بالتحريم إذا كان في المسألة نهي دون أن يتحرج في إطالق الحكم المانع بصورة في المتشابه ظ تورع في ذكر التحريم المغلالإلي خالف وعدم جازمة ال تقبل التخفيف

،بينما سلف األمة كانوا يتورعون في اطالق التحريم مع استقراره في من النصوص يستبدلونا و، لهذا كانالجزم بالتحريم ب خوفهم من التألي على اهللا تعالىفقههم ولكن لوغيرها من االلفاظ ، وقد نقل ذلك عن اإلمام أحمد أبالكراهة أو ال يعجبهم لفظة الحرام

ذه اإلشكاليات السابقة وغيرها أعتقد أنها تسوغ لنا ضرورة ه. ٢١. وغيره من السلفمراجعة وفحص خطابنا الفقهي وتداخل العقدي معه ،وإعادة االعتبار لمنهجية النظر في االجتهاد بين ماهو كلي وأصل ثابت في الشرع وبين ما يقبل النظر ويسع فيه الخالف

معتدل ومتسامح اليفرض توجهاته و يتعدد فيه الرأي ، وهذا سيسمح بوجود مناخ فقهيعلى الجميع كقوالب جامدة تضطر البعض إما للمواجهة أو االنسحاب وفي كال األمرين

.سنفقد ثراء علميا وعطاء معرفيا قد يسهم في عالج الكثير من معضالتنا الحضارية

٢٠

٢٠٧: اإلرشاد يف معرفة األحكام، مكتبة املعارف ص ) ٢١

.٤١- ١/٣٩اعالم املوقعني ، ١/٦٦الفروع البن مفلح : انظر )

٢٠

التعايش الحنبلي إنموذج..أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي :المبحث الرابع

، يعتبر ابن عقيل الحنبلي رحمه اهللا من أكثر الفقهاء نبوغا و تصنيفا و سعة اطالعكذلك من أكثرهم إثارة للجدل في الوسط الفقهي والكالمي والسياسي ، هذه السيرة العطرة بالوقائع واألحداث ال تزال تثير الرغبة في قراءتها وتحليلها ،والدافع لكثير من دارسي هذا اإلمام محاولة جمع أجزاء الصورة المختلفة والمتباينة لشخصيته من أجل

. في التفكير والتعبير الديني فهم إدق وأعمق لمنهجهأما الفترة التي عاشها ابن عقيل الحنبلي فقد كانت في القرن الخامس الهجري في الفترة

أي في المرحلة الذهبية للفقه المذهبي ، ) م ١١١٩- ١٠٤٠/ هـ٥١٣ - هـ ٤٣١(من كما أن إقامته في بغداد حاضرة العلم ومأرز العلماء والفقهاء قد جعلته من تلك النجوم

كان من أفاضل العالم :" السيارة وفي عداد الربانيين األفذاذ ،قال ابن رجب عنه ، ومع انتمائه للمدرسة ٢٢".علوموأذكياء بني آدم مفرط الذكاء متسع الدائرة في ال

الحنبلية وتأثره بأعالمها الكبار إال أنه قد تميز عن فقهاء مذهبه وبقية المذاهب بصفات اإلمام :"جعلت له فرادة عن غيره ربما حتى عصرنا الحاضر ،قال عنه اإلمام الذهبي

ذكاء، وكان بحر العالمة، البحر، شيخ الحنابلة، المتكلم، صاحب التصانيف، كان يتوقد ، ويمكن ذكر أهم الميزات التي ٢٣"معارف، وكنز فضائل، لم يكن في زمانه نظير

٢٢ .١/٦١ذيل طبقات احلنابلة )

٢٣ .١٩/٤٣٣سرياعالم النبالء )

٢١

طبعت شخصية االمام ابن عقيل وأثارت عليه النقد والبالء من بعض فقهاء عصره ، :أوجزها فيما يلي

طلبه العلم على أيدي علماء ومشايخ من مدارس مختلفة و مذاهب متنوعة مثل : أوال الدامغاني وابو القاسم ابن برهان العكبري من االحناف وابو الطيب الطبري وابو ابن

اسحاق الشيرازي والخطيب البغدادي من الشافعية وعدد من كبار علماء الصوفية في عصره كالقزويني وابو منصور العطار ، ما شكل منه عقلية متميزة ومناظرة ، تفحص

، وأغلب ما جاء في كتابه العظيم الفنون هو وتنتقد وتجادل بإسلوب منهجي نفيس) الجدل (عبارة عن تلك المناظرات التي عقدها مع مخالفيه ، ويمكن الرجوع لكتابه

. وهو على طريقة الفقهاء ،لتتضح هذه المنهجية العقلية الفريدة في االثبات والحجاجميق باهميته في واستعمال المنطق في كتب ابن عقيل األصولية تدل على إيمانه الع

تجلية أدوات التحليل العقلي وضبط منهجية االستدالل االصولي من االنحراف بسبب التقليد أو العصبية ، وهذا المنحى العقالني لدى ابن عقيل يعتبر من ميزاته الخاصة عن بقية الحنابلة في عصره ومن جاء بعده ،فهم وإن برزوا في مجال المناظرة العقدية إال

.ها بشمولها في الفقه واألصول والكالم أنه خاضبرز من شيوخ اإلمام ابن عقيل عدد من النساء الالتي طلب العلم على أيديهن ، : ثانيا

وهذه األمر لم ، ٢٤.والحرانية وبنت الجنيد وبنت الغراد - كذا تكنى–مثل ماشطة بغداد تعلم وتشارك في مجالس يكن مستغربا في سير علمائنا األوائل كون المرأة كانت تتعلم و

العلم ،وذكر اإلمام ابن عقيل بعض من درسه من النساء ،فهي تأكيد على قيمة المرأة وتمكينها من مجالس العلم ،بالقدر الذي يتفشى فيه الخير دون أن يكون ذريعة للمنكر ، وكم استغرب أن يترفع الكثير من المترجمين المعاصرين عن ذكر تلك التوثيقات عن

.ساء السلف العالمات مع اهمية ذكره في إزالة شبه كثيرة عن دور المراة في اإلسالم ن

٢٤ .١/١١تركي ال يف أصول الفقه البن عقيل ،حتقيق عبداهللا مقدمة حتقيق الواضح )

٢٢

اشتغل ابن عقيل بمذهب المعتزلة، وأخذ علم العقليات عن شيخي االعتزال أبي : ثالثاعلي بن الوليد ، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبي الحسين البصري ، فتأول بعض

الحالج وأراد الحنابلة قتله ، فاستجار بباب المراتب صفات اهللا عزوجل وترحم على كان اصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من :" عدة سنين ، وكان يقول

إلى .٢٥" العلماء وكان ذلك يحرمني علما نافعا ،فأوذيت من أصحابي حتى طلب الدم الشهود هـ ، وشهد عليه جماعة من٤٦٥أن أعلن توبته ، بل كتبها بخطه سنة

والعلماء ، إضافة إلى أنه ألف في الرد على المعتزلة ونقض معتقدهم بما توصل إليه من يقين وحجة ، وال أظن أن ابن عقيل أخفى معتقده في المعتزلة بسبب الضغوط

أنهم مصيبون في االنكار علي ؛لما :" المذهبية عليه ، بل قال رحمه اهللا فيمن استتابهكتب التي أبرأ إلى اهللا منها وأتحقق أني كنت مخطئا غير شاهدوه بخطي من ال

، لم يكن ينقص ابن عقيل حجة في الرد واإلفحام على أحد يخالفه ،فقد كان ٢٦"مصيبفارس المضمار حتى ان الكيا الهراسي من علماء بغداد يطلب منه الترفق عند

صول األمام أحمد ، لذلك المناظرة، ولم يكن كذلك مقلدا ألحد بل متبعا للدليل موافقا ألأعتقد انه تراجع عن المعتزلة طواعية بعدما انكشف له الحق ، ودخل في مدرستهم أيضا برغبة ومقدرة على التمييز ، جعلت منه يفرق بين ما هو منه مقبول وما يستحق الرد ، ويمكن ان نصف ابن عقيل بانه متسع النظر في االستفادة من كل من يرى فيه

ة ،ومع شدة أصحابه الحنابلة على المعتزلة لم يمنعه ان يتعرف على ما عندهم نفع وفائد .من علوم إلى درجة أنهم كانوا ينهونه عن األخذ منهم

مما تميز فيه االمام ابن عقيل كذلك ، إنكاره على األمراء والسالطين في عصره : رابعاوهذا معهود عند ٢٧.م لفعلهم بعض المنكرات ،وقد ذكر ابن رجب عدد من رسائله إليه

٢٥ ١/١٤٣ذيل طبقات احلنابلة البن رجب )

٢٦ .١/١٤٥املرجع السابق )

٢٧ .١٥١-١/١٤٧املرجع السابق )

٢٣

الحنابلة قديما ، وربما كان لزهدهم بالدنيا وتقشفهم عن متاعها وشدة ورعهم أنهم كانوا أن هذه يغلظون في اإلنكار على مخالفيهم من األمراء والعلماء ، وقد صرح ابن عقيل

األسباب وغيرها هي ما جعل مذهبهم ضعيف االنتشار بالمقارنة بأصحابهم من الحنفية الخروج على والشافعية ، إال أن له قول مفرد خالف فيه الكثير من الحنابلة وهو القول ب

اإلمام الظالم، و وافقه ابن الجوزي على ذلك ، وقد استشهد بخروج الحسين على يزيد بينما نصوص اإلمام أحمد أنه ال يحل وأنه بدعة مخالفة للسنة ، كما أنه إلقامة الحق ،

كان يأمر بالصبر ، وأنه إذا وقع عمت الفتنة ، وانقطعت السبل ، وسفكت الدماء ، .٢٨.وتستباح األموال ، وتنتهك المحارم

هذه المقدمات السابقة عن اإلمام الجليل ابن عقيل تؤكد وجود فرادة علمية من حيث التوسع في الطلب والتنوع في األخذ عن المدارس الكالمية والمتصوفة و اختيار اإلتجاه الثوري في تعامله مع السلطة ،والخروج أحيانا عن المفهوم التقليدي لقول المذهب مما يجعله في حرية الترجيح عندما يرى قوة الدليل تلوح في تفكيره ، وقد أنكر عليه في

أنا لي اجتهاد، متى ما طالبني خصمي بحجة كان :" لحنبلي ،فقالقول ليس في مذهبه االواجب اتباع الدليل ،ال :"وكان يقول " عندي ما أدفع به عن نفسي ، وأقوم له بحجتي

ومع هذا فكان شديد االحترام والتقدير ألصحابه الحنابلة حتى في أشد .٢٩" اتباع أحمدذه القامات الفقهية مهم في أوقاتنا المعاصرة أوقات الخالف بينهم ، لذلك كان التذكير به

من أجل تنشيط الفعل التجديدي والتفكير الفقهي اإلبداعي الذي يستلهم تجارب األوائل ويستفيد من منهجيتهم االستداللية في وضع حلول ألزماتنا الفقهية والفكرية الراهنة ،

مه لم يبحث بتوسع ما يجعله وابن عقيل وقد مر على والدته قرابة ألف عام ال يزال علمستحقا أن يفرد بدراسة معمقة وتحليل دقيق لعقله الوفي لدينه وأمته ،لهذا كان ألسمه

.نصيب من إبداعه العقلي

٢٨ .٣١٦\١١الفروع البن مفلح : انظر )

٢٩ .١/١٥٧ذيل طبقات احلنابلة )

٢٤

:ختاما جل أن أكون وفقت في تقديم بعض األفكار الهامة حول موقف الحنابلة ز وأسأل اهللا ع

من التعايش مع اآلخر ،فما أصبت فمن اهللا وحده وما أخطات فمن نفسي والشيطان .واهللا تعالى أعلم وأحكم .

.وصلى اهللا وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم

٢٥

قراءة في فقه العيش مع اآلخر في المذهب الحنبلي

للورقة العلمية ملخصبسم اهللا والحمد هللا والصالة والسالم على رسول اهللا وآله وصحبه ومن وااله

فالحديث عن التعايش المذهبي في عصر ثورة التواصل المعرفي بات مهما وملحا .وبعدمن حيث التناول واإلهتداء ، فالحاجة المعاصرة للتعايش المذهبي قد ال تكون راجعة

عظيم الذي خلفه السلف األوائل وإن كان ملهما من حيث االجتهاد للتراث الفقهي الواالقتداء ،ولكن أجد من وجهة نظري أن الحاجة أعمق في معرفة قواعد التعايش التي خلفوها ألتباعهم خصوصا في لحظات التداخل الظرفي بين المذاهب زمانا أو مكانا من

ق،فشواهد اإلئتالف بالرغم من عمق أجل اإلهتداء بهذا األدب الرفيع والفقه العمياالختالف الفروعي ،تؤسس في ذهن األجيال الالحقة التي تداخلت كل الظروف والمعطيات التواصلية بين المذاهب والمشارب والتيارات إلى ضرورة استلهام أدب

المدرسة الحنبلية من و.التعايش وفقه التحاور و حفظ القلوب من الشتات والتباعدول اإلمام أحمد بن حنبل وكانت تعتبر نفسها إمتدادا لفقه الصحابة والتابعين مؤسسها األ

ونهال من أصول االستدالل الثابتة من الكتاب والسنة ، وتفردها ببعض األصول مبني .على طبيعة فقههم لمنهج االجتهاد الذي رسمه السلف األول

يمكن تصنيفه على النحو والتعايش بين الحنابلة وغيرهم من فقهاء المذاهب األخرى :التالي التوافق المذهبي في التأصيل الفقهي: أوال

نجد أن أصول الحنابلة مع غيرهم من المذاهب األربعة وبعض المجتهدين المستقلين العودة إلى الكتاب والسنة واالجماع والقياس وقول الصحابة علىتكاد تكون متفقة

يعني توافقا في األصول حتى لو تباينت اإلراء والمصالح وسد الذرائع وغيرها ،وهذا .في بعض القواعد األصولية والفروع الفقهية

٢٦

.التواصل المعرفي والنسبي بين أئمة المذاهب : ثانيافاإلمام أحمد قد أخذ من عدد من األئمة الفقهاء الكبار مثل ابو يوسف تلميذ أبي حنيفة

وكذلك عن سفيان بن عيينه و ابن عليه وأبن النعمان وأخذ عن اإلمام الشافعي ولزمه المبارك وعبدالرزاق الصنعاني ، وهذا التنوع يؤكد التواصل المعرفي والفقهي الذي

.كان يربط اإلمام أحمد مع بقية شيوخ المذاهب األخرىوعلى ذلك سار أئمة المذاهب في الطبقات األولى من حيث األخذ من بعضهم والطلب

.المتبادل بينهم .التعايش الفقهي بين الحنابلة وبقية المذاهب : ثالثا

التعايش الفقهي بين الحنابلة والمذاهب األخرى مر بلحظات مد وجزر في العالقة ،كان :أهم تلك األسباب

البعد السياسي في الخالف وتحوله إلى سلطة ونفوذ تعزز وجود الفقهاء في - ١تلك الحالة في فترة يكون السلطة أو تخرج مخالفيهم منها ، وقد تكررت

الحنابلة هم من يقمع المخالفين كما حدث في عهد المتوكل العباسي ، أو أن يكونوا ضحية كما حصل في عهد اإلمام أحمد بن حنبل مع المأمون والمعتصم والواثق ،ثم ما حصل مع ابن تيمية والمماليك في مصر والشام من

إيذاء وإذالل واعتقال

فقهي إلى مفاصلة عقائدية ، تقتضي الحكم على المخالف تحول الخالف ال - ٢بالضالل والبدعة ، وهذا ماجعل التعايش يفقد حيويته في فترة الصراع بين

وهذا ما حصل في فتنة ابن القشيري .الحنابلة والمعتزلة وبينهم واألشاعرة ه في مواجهة ابوجعفر العباسي الحنبلي ٥١٤عام

٢٧

تم بن خاموش فقيه أهل الري في عهد محمود ومما يروى في ذلك أن أباحا - ٣، والشك أن هذا ٣٠بن سبكتكين كان يقول من لم يكن حنبليا فليس بمسلم

األمر مؤداه إلى الضالل بسبب شناعة التكفير للمخالف على أساس اإلنتماء .المذهبي

عدم وجود علماء كبار يرجع إليهم األتباع ويخففون تغول الصراع وتحوله - ٤ت دامية ، بل كان هناك صمت أو تشجيع أما الكبار من الفقهاء إلى مواجها

.أهل الحكمة والفقه فكانوا يرفضون تلك الممارسات التعصب المذهبي الذي تفشى في القرن الرابع والخامس خصوصا في - ٥

العراق ،فقد تحولت بعض المناطق إلى ساحات قتال وصراع بين العوام هـ ٣٢٣المتعصبين ألئمتهم ومذاهبهم كما حصل في سنة

والسؤال االن هل الحنابلة جميعا كانوا على هذه الشاكلة من التشدد والتنفير؟الجواب أن الحنابلة الذين ظهر منهم هذا البغي في الخالف أو ما يحكى عنهم الشدة في االحتساب ،ال يمثلون كل الحنابلة فهناك أكثر من سبعة وعشرين كتابا يجمع تراجم الحنابلة وفي عدد من األقطار اإلسالمية في الحجاز والعراق والشام وفلسطين ومصر

ذا الوصف من التشدد، كما أن الحنابلة نافحوا عن معتقد ونجد وغيرها ،ولم يعرفوا بهأهل السنة وحصل لهم بسبب ذلك عدة إبتالءات ومحن سياسية مما جعلهم مستهدفون من السلطات آنذاك تحذيرا وتشويها،فجاءت بعض تصرفاتهم كردة فعل لهذا المواجهة

.لهم .التمازج التجديدي بين الحنابلة وبعض الفقهاء : رابعا

صل هذا التمازج والتوحد اإلصالحي في بعض الفترات التاريخية عندما شكل شيخ حاإلسالم ابن تيمية فريقا من المجددين المصلحين في المجال الفقهي قاموا بجهود

٢٨

مشكورة في حفظ السنة ونبذ التعصب والتصنيف االبداعي لعدد من الموضوعات ذهبي وابن كثير وابن القيم وابن حجر وأقصد بهوالء المتأثرون بابن تيمية ،أمثال ال

..وغيرهم ممن يمثل مدارس فقهية مختلفة ومع ذلك ينسبون لمدرسة التيمية

٢٩

موجز السيرة الذاتية

.مسفر بن علي بن محمد القحطاني : االسم -

أستاذ مشارك في أصول الفقه قسم الدراسات اإلسالمية والعربية ،جامعة -

.الملك فهد للبترول والمعادن

.دكتوراه في أصول الفقه اإلسالمي -

.ماجستير في السياسة الشرعية -

.خبير في المجمع الفقهي المنبثق عن منظمة المؤتمر اإلسالمي -

خبير في القانون الدولي اإلنساني التابع لمنظمة الهالل األحمر الدولي -

.أحد منظمات المؤتمر اإلسالمي

.المعاصرة خبير في مركز التميز البحثي لفقه القضايا -

.أستاذ زائر للمعهد األوروبي للدراسات اإلنسانية بفرنسا -

عضو اللجنة التنفيذية في مركز التميز البحثي في الدراسات المصرفية -

.والتمويل اإلسالمي

.عضو في الجمعية الفقهية السعودية -

.عضو لجنة المناصحة في قضايا التطرف واإلرهاب بالمنطقة الشرقية -

الطعون والتظلمات بانتخابات المنطقة الشرقية للدورة عضو لجنة -

.األولى

.عضو مجلس األمناء لمنظمة النصرة العالمية -

.عضو مجلس امناء الندوة العالمية للشباب اإلسالمي -

عضو مجلس أمناء مركز األمير عبدالمحسن بن جلوي للبحوث -

.والدراسات اإلسالمية

٣٠

والمساجد بالمنطقة الشرقية عضو اللجنة االستشارية لشؤون الدعوة -

.ه١٤٣٣من التأسيس حتى

عضو اللجنة الشرعية للندوة العالمية للشباب اإلسالمي بالمنطقة -

.الشرقية

عضو في اللجنة التأسيسية لجائزة األمير محمد بن فهد لتوظيف ذوي -

.االحتياجات الخاصة

عضو اللقاء الوطني للحوار الفكري الخامس -

.ة الفقهية السعوديةعضو الجمعية الطبي -

.عضو الهيئة االستشارية لموقع حقوق -

.عضو الهيئة االستشارية لبيت الخبرة العالمي -

.نائب رئيس جائزة اإلبداع والتمييز األهلية للشباب -

وعنوانه . على الشبكة العنكبوتية ) الوعي الحضاري(مشرف على موقع -

:www.alwaai.net

:الكتب المؤلفة -

.حكام النوازل الفقهية المعاصرة منهج استنباط أ - ١ -

.مناهج الفتيا في القضايا الفقهية المعاصرة - ٢ -

.فقه االستطاعة - ٣ -

.فقه الموازنات - ٤ -

.فقه الحقائق - ٥ -

.والعودة إلى الذات.. المرأة - ٦ -

.كلمات في الوعي - ٧ -

.في ترشيد العمل اإلسالمي يأثر المنهج األصول - ٨ -

٣١

.الوعي المقاصدي - ٩ -

.مقاربة مقاصدية لفقه العمران اإلسالمي. الوعي الحضاري-١٠ -

:تحت الطبع -

.الضوابط الفقهية للمعامالت المالية المعاصرة - ١ -

.مقاصد االصالح المدني - ٢ -

.هناك عدد من البحوث العلمية المحكمة في عدد من المجالت العلمية -

٥٥أكثر من (شاركت في عدد من المؤتمرات العلمية المحلية والدولية -

).مؤتمرا

". المجتمع" و " األمة" و" اإلسالم اليوم"كاتب في جريدة اليوم و مجلة -

.الدولية " الحياة " وصحيفة

هناك الكثير من المقاالت في عدد من المجالت والصحف المحلية -

.والعربية وعدد من اللقاءات التلفزيونية واإلذاعية

.المملكة العربية السعودية – ٣١٢٦١الظهران – ١٥١٦: ب .ص :العنوان )٠٠٩٦٦٣( ٨٦٠-٢٧٥٠: مكتب . ت )٠٠٩٦٦٣( ٨٠٩٦٠٦٤:الفاكس )٠٠٩٦٦( ٥٦٩٩٦٦٨٨٨: جوال

mam_١٣٩١@com.hotmail: البريد الكتروني