ءة في قرا–الدرس القرآني وتجاذبات المناهج علوم القرآن عند د. نصر حامد أبو زيد

حيدر حب الله

مدخل ثمة حاجة بالغة اليوم لتجاوز السياج الذي وضعه الزركشي

هـ( على صــعيد علــوم911هـ( ومن بعده السيوطي )794) القــرآن، بمعــنى ضــرورة الســعي العلمي الجــاد واألصــيل لقراءة علوم القــرآن قــراءة تــواكب آخــر منجــزات العلــومــالمية ذات الصلة بالبحث القرآني، سواء داخل الدائرة اإلس التراثية سيما علمي الفقه وأصـوله، أو خـارج هـذه الـدائرة

من األلسنيات وعلوم اللغة وفلسفتها الحديثة. ونعني بهذا الطــرح، ال تجاهــل الـتراث أو القطيعــة الكاملــةــلة معه، وإنما قراءته لتجاوزه، ومن ثم استكماله في سلســر الشــهيد ــان المفك مترابطــة ذات طــابع تطــوري، وإذا ك

ــدما1400محمد باقر الصدر ) هـ( قد نعى علم التفســير عن اعتــبره قــد توقــف عنــد القــرنين الخــامس والســادس

، وهو في نعيه هذا قد ال يكون مصــيبا بالدقــة( [ 1 ])الهجريينــهده علم ــذي ش ــذهل ال ــور الم ــدى التط ــرف م ــدما نع عن التفسير في القرن األخــير، فإنــه يمكن تطــبيق النعي عينــه على علوم القرآن األخرى عدا التفسير، ومن ثم فليس منــه ــ على مــا أتى ب ــوم ـ ــ حــتى الي تفســير واضــح للجمــود ـ الزركشي والســيوطي ســوى حالــة االتبــاع ال االبــداع الــتي مني بها غير ميــدان معــرفي، مــع التقــدير الكامــل للجهــود الــتي بــذلت في القــرن الرابــع عشــر الهجــري على صــعيد

علوم القرآن أيضا.

وفي سياق إنتاج قراءة جديــدة، ظهــرت محــاوالت البــاحث م( سيما1943المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد )متولد:

في كتابه "مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن"، لتقديم قراءة يراها صاحبها ـ على األقل ـــ جديــدة لعلــوم القــرآن، مهما كان موقف معارضــيها، وإذا لم تكن محاولــة أبــو زيــد موفقة في اإلتيان بجديد، فــإن جديــدها أن صــاحبها انطلــق فيها من هاجس االبــداع، وهي خطــوة محمــودة اليــوم رغم األخطاء العلمية المفترضة التي تكتنــف النتــاج نفســه، إنهــا خطوة يقيمها حسن حنفي بأنها ))فتح جديد في الدراســاتــرار ــاوز( تك ــة، )يتج ــة واللغوي ــة واألدبي ــالمية، القرآني اإلســد المحــدثين لعلم ــدا، أو تقلي القــدماء الــذي ال يضــيف جديــة ترجمــة اللسانيات الحديث، وما أكثره لدى إخوتنا المغارب

.( [ 2 ])وتأليفا((ــو ــة أب بدورنا، سوف نحاول في هذه الوريقات دراسة نظري زيــد بصــورة مجملــة للقــرآن وعلومــه، مســجلين تعليقــات

خاطفة وموجزة.بين الخطاب الديني والمنهج العلمي

يحاول الدكتور نصــر حامــد أبــو زيــد في مقدمــة مشــروعه لفهم علــوم القــرآن فهمــا جديــدا، تقــديم تجربتــه بوصــفها مماهاة للمنهج العلمي غير المؤدلج، وهو بذلك يضــع ثنائيــةــازة ــديني عن المنهج العلمي، هــذه اإلم تمــايز الخطــاب ال يجدها أبو زيد في االيديولوجية التي تحكم الخطاب الــديني

ويتفلت منها المنهج العلمي. ان محاولــة أبــو زيــد محاولــة لقــراءة النص قــراءة علميــة

ــو من( [ 3 ])محايدة، دون ممارسة ))توجيه أيديولوجي(( ، وه م(، يــرى1966هنا وتأثرا بمدرســة أســتاذه أمين الخــولي )

في الدراسة االدبية للنص كفيال يحقق وعيــا علميــا، يتجــاوز

ــهيله أو إحيائه ــتراث أو تس ــع ال ــرد جم ــذا( [ 4 ])مج ، ومن هــدل النص ــة وج ــال التاريخي ــد مج ــو زي ــدخل أب ــق ي المنطل والواقع أساسين لتشكيل وعي علمي، فيبــني قــراءة النص])طبقا آلليات العقل التاريخي ال العقـل الغيـبي األسـطوري

5 ] ). وانســياقا مــع ثنــائي العلمــاني الــديني، يحــاول أبــو زيــد أنــا يتقمص دوره، ــه طــه حســين وربم ))يســتلهم في مواقفــدائرة اآلن بين ــة ال ــة الفكري ــبر أن المعرك ــو يعت ــذا فه وله اإلســـالميين وخصـــومهم من العلمـــانيين، هي اســـتمرار للمعركة التي أثارهــا طــه حســين في الثالثينــات من )هــذا(

.( [ 6 ]) القرن )العشرين( حول كتابه: في الشعر الجاهلي((ــد نفســه داخــل التقســيم االجتمــاعي ــو زي وبهــذا، يضــع أبــديولوجيا والسياســي المعاصــر، ومن ثم يصــبح عرضــة الي العلم نفسه، إنه ))ال يقف على الحياد مما يجري، ذلــك أنــهــية ــه السياس ــة وبين هموم ــه األكاديمي ــل بين مهام ال يفص

.( [ 7 ])واالجتماعية(( أما على خط الدراسة األدبية، فإن موقف أبو زيد هذا يشبه إلى حد بعيد ـ وحسب رأي علي حرب ـــ ))موقــف أدونيس الذي يتعامل مع النص القرآني بوصفه أيضا نصا لغويا، يقرأ

على مــا كما يقرأ النص االدبي، أي ))خارج كل بعــد ديــني(( كذلك يقترب جاء في كتابه ))النص القرآني وآفاق الكتابة((

أبو زيد ]ودائما حسب علي حــرب[ في طريقــة تعاملــه مــع القرآن، من أركون الذي يعتبر أن الخطاب القــرآني، شــأنه شأن أي خطاب ديــني، هــو نتــاج معــرفي يخضــع للشــروط النقديــة الــتي تخضــع لهــا النتاجــات المعرفيــة األخــرى، أي

.( [ 8 ])((…خطابات البشر

وثمة انتقاد لخطوة أبو زيــد هــذه، ذلــك أن كلمــة ))القــرآن كلمة عمومية ملتبســة بالنســبة للبعض، ولهــذا نص لغوي((

ــوقت يفضل حرب تعبير نص نبوي، نائيا به عن الدين في ال ،( [ 9 ])ذاته باستحضار تعبير أدونيس عن نفسه ))نبي وثني((

هذا من جهة، ومن جهة أخرى ال معنى لحصر أبو زيــد منهج فهم القــرآن بــالمنهج اللغــوي، فــالقرآن يــدرس طبــق غــير واحد من المناهج، تماما كما فعل أركون، باستخدامه ـ الى جانب المنهج اللغوي ـ المناهج الســيميائية، واألركيولوجيــة،

.( [ 10 ])والسسيولوجية ومنهج النقد التاريخي وبالمنهج اللغوي، ومحاولة اكتشــاف المــدلول عــبره، وضــع أبو زيد نفسه أيضا في مأزق كما يراه البعض، فتحــول الى ألسني كالسيكي يتبع المنهج الــواقعي بــدل ألســني حــديث

.( [ 11 ])يقصر متابعاته على وقائعيات النص بوضعه عنــوان وما فعله أبو زيد في تمهيد ))مفهوم النص((

))الخطاب الديني والمنهج العلمي((، عاد وكرره في تمهيــد بوضــعه عنــوان ))الــتراث بين ))النص والسلطة والحقيقة((

.( [ 12 ])التوجيه األيديولوجي والقراءة العلمية((ــراءة ــا من ))الق ــد انطالق ــو زي ــذا البحث، ســعى أب وفي ه

ــا العلمية(( لتفكيك الدين عن التراث، تفكيكا يلغي تطابقهم محاوال إقصــاء بعض الســنة النبويــة، وتوجيــه نقــده لخطــوة

هـــ( في الســنة نفســها، مســتهدفا تزييــف204الشــافعي ).( [ 13 ])إضفاء القداسة على التراث

ويخصص أبو زيد تمهيده هذا لنقد صارم للنهضــة اإلســالميةــة من الطهطــاوي الى مــا بعــد الهزيمــة / النكســة، الحديث

م( في أخذه بمبدأ1905فيبدي تارة تناقضات محمد عبده )ــه ــة وانتقائ ــتزلي من جه ــدل المع ــاني والع ــار االنس االختي

التوحيد األشعري من جهة أخرى، متذبذبا بعض الشيء في، وأخرى تناقضــات طــه حســين )( [ 14 ])مسألة خلق القرآن

ــاء1973 ــص األنبي ــرآن في قص ــة الق ــار مرجعي م( بين إنك واعتباره مرجعا للحياة الجاهلية، رغم التقــدم الــذي أحــرزه طــه حســين على صــعيد تحويلــه الغــرب الى أداة منهجيــة

، وثالثــة مــع زكي نجيب محمــود )( [ 15 ])لتحليــل الــتراث ، وقـد خلص أبـو زيـد في( [ 16 ])…م( في تراجعاتـه و1993

نقــده لخطــاب النهضــة الى القــول: ))إن خطــاب النهضــة وفكر النهضة صار تراثا يخضع للفهم والتفسير والتحليل، الــاح ــ ــة االنفتـ ــ ــويقه على طريقـ ــ ــه وتسـ ــ ــادة إنتاجـ ــ إلعـ

.( [ 17 ]) ((…االقتصادي ان مشكلة خطاب النهضة عند أبو زيد تتراوح بين التلفيقية ومرجعية النــافع وبين المنهج الــدفاعي الــذي فرضــه عليهــا

، وهــذه التلفيقيــة( [ 18 ])التياران السلفي واالستشراقي معاــة، تجعل الحقيقة هي النافع في نوع من البراغماتية الفكري

، وبهـــذا امتـــاز العلم عن( [ 19 ])فيمـــا النـــافع هـــو الحقيقة االيــديولوجيا، وســقط خطــاب النهضــة في موحلــة التوجيــه االيديولوجي، وفي تناقضات الصالح والنافع حــتى في أرقى أشكاله مع زكي نجيب محمـود وحسـن حنفي، وفي آخرهــا

.( [ 20 ])مع محمد شحرورــ المنهج وفي سياق تعليقنا على مزدوج )العلمي ـ الديني( ـ

الغوي، نسجل وقفات: األولى: إن الثنائيــة )النقيضــين( الــتي يضــعها أبــو زيــد، أيــه ــ ــع للتوجي ــ ـه يخض ــ ـ ــفا األول بأن ــ ــديني / العلمي واص ــ ال االيــديولوجي، يمكن التوقــف عنــدها قليال، ذلــك أن هــذا الثنائي المستورد في حــد ذاتــه، ال يبــدو علميــا دائمــا، ثمــة إسقاطات ايديولوجية من جانب التيار الديني على النص، ال

بل ثمة تالعب به وتطويع لـه، إنهــا مشــكلة قديمــة جديـدة، يبدو من الصعب أن نبرء أحدا منها إال من عصم اللــه، لكن

إشكالية هذا الثنائي تكمن في: ـ أنه يفترض المنهج العلمي، غير مؤدلج، وهذا أمر ثبت ـ1

ربما ـ للجميــع زيفــه، إنـه وهم تقليــدي في دائـرة الحداثــة،ــد نفســه بــأن الوصــول الى الدراســة فقــد أقــر أبــو زي

، إن خلفيــات القــارئ( [ 21 ])الموضوعية للنص وهم ليس إال حاضرة دائما سواء كان دينيا أو حداثيا أو علمانيــا )بــالمعنىــدما ــة عن ــذه المقابل ــة(، ومن ثم فال تصــح ه العلمي للكلم يكــون اساســها مــا يســميه أبــو زيــد نفســه ))التوجيــه

كما تقدم. االيديولوجي(( ـ يجب تحليل هذه المقولة الشائعة التي تصف كل ما هو2

ديني بأنه ايديولوجي بما تحمله الكلمــة األخــيرة من معــنى سلبي لهـا اليــوم تضـم إلى صـف واحــد القــرون الوسـطى

ــارات الماركســية و ــون…والتي ــدما يطوع ــدينيين عن ، إن ال النص يدعون بأن هذا التطويع ناشــيء عن معطيــات دينيــة قبلية مؤكدة، والتي هي بدورها ناشئة عن معطيات سبقتهاــد حتى تصل المعطيات الى قضايا العقل المفارق للنص عنــة ــات علمي ــدخلون معطي ــذلك ي ــاتهم، وهم ب أحســن اتجاه متراكمـــة، غايـــة األمـــر أن بعضـــها ينتمي إلى المضـــمون

الديني. وما دامت معطياتهم قائمة على معطيات تصل في نهايتهــا الى العقل، فإن هــذا يخــولهم إدخالهــا بوصــفها عنصــرا في

التحكيم. وبناء عليه، فالمشــكلة ليســت في تطويــع النص من جــانبــارات التيار الديني طبقا لخلفيات، فإن هذا ما فعلته أيضا تي

علمانية، وتورطت فيه أيضا النهضة الحديثة منذ الطهطاويــراهن، وتفســير الطنطــاوي )1873) ــتى عصــرنا ال م( وح

هـــ( شــاهدان بــارزان على1306م( واالســكندراني )1940ــا، ذلك، إنما المشكلة في ))النص(( واعتباره مرجعــا معرفي

ومن ثم في تحديد عالقته مع العقل، ومن له األولوية، ومن إنها مشــكلة التنــاقض القــديم بين الحقيقــة…ليس له ذلك

هـــ( ومن595والطريقة والشريعة الــتي ســعى ابن رشــد )هـ( لحلها.1050بعده صدر المتألهين الشيرازي )

عنــدما يــولى العقــل ســلطانا مطلقــا فهــذا يــوحي التجــاهــة العقالنية بأن تحريك المعرفة والعلم طبقا للنص هو عملي أدلجة مزيفة، ألننا سلفا لم نقر بالنص مرجعــا معرفيــا، أمــا لو افترضناه مرجعا معرفيا وانطلقنا معــه من البدايــة الــتي هي خلفياتنا التي لم يخلص منها أحد، فـإن نتائجنــا سـتكونــتي ــتمية ال ــاهج االيبس ــس والمن ــق االس ــا وف ــة تمام علمي

انتقيناها. وإذا كــان التيــار الــديني، قــد تالعب بــالنص لحفــظ الواقــع القــائم وتــبريره، كونــه يبقي على التشــكيلة االجتماعيــة والسياســية الــتي تحافــظ طبقيــا على منــافع األوليــاء على الدين وأدعياء الوصاية، فإن التيار العلماني الفاقــد لســلطةــد فشــل ــة واالســالمية ســيما بع ــاة العربي ــذة في الحي ناف المثقف الذي أعلنه تيار النهضة ومن بعده، هو اآلخر ســعى لتطويع النص ــ ولـو من الخـارج أحيانـا ــ أو سـعى لنسـفه تحقيقا لمصــالح أخــرى، إذا أردنـا أن نكــون أوفيــاء لتحليلنــا

…السسيولوجي و

ــزيه ومن ثم، فإطالق عنوان األدلجة على التيار الديني وتـنـ غــيره عن ذلــك مغالطــة، يجــدر لتفاديهــا اســتبدال عنــوانــة تفي ــودة فعال، ونحت مصــطلحات بديل االشــكالية الموج

بحقيقة المشكلة التي نقر بها، وتعبر عنها أحســن تعبــير، أو األخذ بعنصر مرجعية النص وعــدم مرجعيتــه فاصــال بين مــا

هو علمي وما ليس بعلمي. الثانية: إن محاولة أبو زيد في أكثر كتبــه إســقاط األصــولية كلمة لها مداليلها اليــوم ســيما في مصــر والعــالم العــربي،ــذه ــا، إن ه ــد م ــة الى ح ــدو مجحف ــديني تب ــار ال على التي المحاولة تسعى الشتمال طيف وسيع من التيــارات الدينيــةــا، التي قد تتناقض فيما بينها تحت عنوان واحد قد ال يجمعه ومن ثم ففي التيارات الدينية المعاصرة أجنحة ـ ســواء في الوسط الشيعي أو السني ـ بريئة من كثــير من التهم الــتي

يوجهها أبو زيد لما يسميه التيار األصولي. وال تعنينا تبرئة أجنحة سياسية، فهذا ما ال شأن لنا بــه، إنمــاــالمي ــديني االس ــار ال ــل التي ــة داخ ــات فكري ــة اتجاه تبرئ ــا المعاصر لعل أبو زيد استخدم معها منطق المماثلة معممة دون أن نــدخل في أســماء ومســميات، رغم تجارب خاصــ

إقرارنا بأن بينها جميعا مشتركات ال تتعالى عن النقد. وهذا معناه، أن أبو زيــد مطــالب بشــيء من التميــيز الــذي يقتضيه اإلنصاف، وعدم سوق أطــراف فيمــا بينهــا تنــاقض، مساقا واحدا تحت شـعار حمـل في بطنـه مـدلوال تشـاؤميا

اليوم.ــزالي كمــا الثالثة: نشير في مناقشة أبو زيد في قراءته للغ سيأتي، أنه كان يريد نقد واقعه من خالله، إال أن مالحظتنــا العامة على أبو زيد ـ ككـاتب ال كشــخص كــانت لــه حقوقــه الـتي يسـتحق المواسـاة عليهـا ــ أنـه خلـط البحث العلمي االكاديمي بهموم الواقع أزيد من الحد الالزم، بل لقد أفرط أحيانا، وعندما وجه إليه محــاوره االيــراني مرتضــى كــريمي نيــا ســؤاال عن ســبب إدخالــه بعض األحــداث المصــرية في

هامش مفهوم النص، تفلت أبو زيد بــأن الهــامش كــان في ، ويبـــدو أن( [ 22 ])مقدمـــة الكتـــاب ال في المضـــمون عينه

ــا ان المشــكلة تكمن في محاوره قد قنع بهذا الجواب، ظان الدخول في جزئيات يومية، فيمــا تســتكن في الحقيقــة في لغة ذات طابع تعميمي، بيد أنها تحكي عن مشــاكل يوميــة، وهــذه هي اشــكالية خطــاب أبــو زيــد ليس لوحــده، بــل إنــذه الحركة العلمانية )بالمعنى الواسع للكلمة( باتت تلهج به اللغة، األمر الذي أقــدر أن الخصــم هــو الــذي فــرض عليهــا

ذلك، وجر رموزها الى السقوط في لغة غير متعالية. ال نريد فصل المثقــف عن همــوم العصــر أو تلــبيس األمــر، وإنما سعي عنوانه محاولة قــدر اإلمكــان لتحقيــق دراســات علمية أكاديمية تتعالي ـــ كمــا يفهم أبــو زيــد عنــوان المنهجــد جهــد ــط المتعم ــات الخل ــات وعملي ــ عن الخلفي العلمي ـ

المكنة.ــ وهي الرابعة: ثمة دعوة نوجهها ـ يقصدها أبو زيد بالتأكيد ـــرآني ـ ــة النص الق ــا بألوهي ــو اقتنعن ــتى ل ــ ح ــوم ـ ــا الي أننــراءة ــام بق محتاجون لقراءة هذا النص دنيويا، أي يجب القي

ال تأخذ ألوهية المصدر بعين االعتبار. والسبب الذي يحدو إلى ذلك، هو أن القراءة المنطلقة من أســس عقليــة دينيــة، تســاهم أسســها وخلفياتهــا في حــل إشكاليات وتناقضــات باديــة في النص ملقيــة على القلــوب سكينة واستقرارا، وإذا كانت هـذه السـكينة مقـرا بهـا، بيـد أنها ال تجيب عقالنيــا عن اإلشــكاليات الموجــودة من زاويــة

، ومن ثم تغــدو أعجـز عن أن تقـدم( [ 23 ])))خـارج الـدين(( منظومــة منطقيــة تســهم في إقنــاع من ال يأخــذ بالمبــادئ

الدينية، وهذا معناه أن الحاجة متعددة:

ـة أيديولوجية ، تنبـع من ضـرورة عـرض( [ 24 ])أ ـ دينية داخلي الدين بلغة ذات طابع عولمي، أي قادرة على خطـاب حـتىــة ــة، وهي حاج ــة الداخلي ــول الديني ــذي ال يعي األص ذاك ال

ماسة اليوم لم يعد ممكنا التغاضي عنها.ــدة للنص، تســمح ب ـ علمية معرفية، إذ إن القراءة المحاي بمالحظة مساحات مغيبة في القراءة الدينية بفعل سلطان االصول المقررة داخليا، وهذه المساحات المغيبــة أو البقــع الغائمة إذا ما تراكمت فســوف تــؤدي الى نــوع من ارتبــاك

وفوضى معرفية. إذن ثمــة حاجــة لدراســة ال دينيــة )بهــذا المعــنى( للنصــة اليجــاد مكــون متكامــل القرآني بغية كشف مساحاته كاف

الصورة عنه. في نفس الــوقت، ثمــة حاجــة ـــ ال رخصــة ـــ لقــراءة دينيــة داخليــة للنص، الن مســاحات أخــرى منــه ال تبــدو إال إذا مألــوص اإليمان قلب قارئه، وهذا أمر ملموس في قراءة النص األدبية التي تحتاج لتفسيرها الى تفاعــل غــير عــادي، يلعب

في مثل النص القرآني االيمان دورا بالغا فيه. وهذا ما يقودنا إلى ثنائي قـراءة للنص الـديني، ربمـا يكـون أقدر من غيره على إزالــة األسـتار الحاجبـة للنص ودالالتـه، والخطــوة الــتي قــام بهــا أبــو زيـد وإن لم يكن من الممكن حسابها على القراءة الخارجية بيــد أنهــا تحمــل طــابع هــذه

القراءة ونواتها.ــه ــد في رأي الخامسة: أحاول في هذه المالحظة تأييد أبو زي حول ضرورة قراءة خطاب النهضة ال تمثله وإعادة اختباره،ــذي لم ــيعي ال ــدار الش ــة إلى الم ــذه المقول ــتدراج ه واس يالحظــه غالبــا ال أبــو زيــد وال غـــيره في دراســة الفكــر

ــع مــع األســف، وهــذه اإلســالمي، اللهم إال للنقــد أو التقريإشكالية أخرى ال نتحدث فعال عنها.

م(1952إن خطاب النهضة الشــيعي منــذ محســن األمين ) هـــ(1343هـــ( والخالصــي )1355ومحمد حسين النــائيني )

ــر ) ــتاني )1383والمظف ــ( والشهرس ــتى1386هـ ــ( وح هـــدر ) ــ ــري )1400الص ــ ــ( ومطه ــ ــريعتي )1979هـ ــ م( وش

…م( و1983م( والطباطبـــائي )1979م( ومغنيـــة )1977 لم يعد قادرا بحالته الــتي هــو عليهــا على حــل اإلشــكاليات المعاصرة كافة، ومن ثم ال معــنى لــترويج ثقافــة بعثــه بعثــا جسمانيا وروحانيا معا، ثمــة في كــل فكــر عناصــر متحركــةــة، ومن الخطــأ التشــبث ــام وأخــرى ثابت ــزول بمــرور األي ت بالعناصر المتحركة في ظروف تبـاينت فيهـا تلـك العناصــر، ومن ثم كان من الالزم تشــكيل وعي جديــد مخــالف لــذاك الوعي الذي تشـكل في القـرن العشـرين، يسـتمد منــه وال يكون صدى له، وهذا معناه ضرورة أن يكون هناك قراءات ناقــدة علميــة لنتــاج خطــاب النهضــة الشــيعي، ال قــراءات

تبجيلية تستهدف على الدوام استخدام منطق تعتيمي. وال يعني ذلك تغييب هذا الخطاب، كما يحاول تيار أن يفعل ذلـك، فهــذا بـتر لعمليــة التطــور الـداخلي الـتي يجب عـدمــذا الخطــاب واكتشــاف ســلبياته ــراءة ه ــا، ومن ثم ق بتره وإيجابياته هو القادر أكــثر من غــيره على تحقيــق التواصــلــة ــذي يســتطيع الحــد من خلــق فجــوات فكري الطــبيعي ال

واجتماعية أيضا. والسؤال الذي طرحه أبو زيد وغــيره على خطــاب النهضــة العربي هو عينه يمكن توجيهه الى خطاب النهضة الشيعي،

؟ ولمـاذا( [ 25 ])لماذا فشل هذا الخطاب ووقف دونما حراك تســتعيد اتجاهــات مــا قبــل خطــاب النهضــة حياتهــا وبقــوة

لتتسلم مقاليــد األمــور؟ لمــاذا العــودة لعزلــة اإلســالم بعــدــإخراج هــذا1989عقود مضنية مألها اإلمام الخميــني ) م( ب

اإلسالم من القمقم؟! ولماذا النكوص إلى أخبارية مفرطــة…بعد قرن من العقالنية؟

أسئلة يجب دراستها بروح علمية رصينة وبعقــل مســتوعب للتطورات، لنتأكد من أن اإلشكاليات التي عصفت بخطــاب النهضة العــربي أو الســني عصــفت أيضــا بخطــاب النهضــة الشيعي مــع فــوارق بالطبيعــة، دون أن نماثــل بين ظــواهر

تبدو المماثلة فيها مستعصية.أنطولوجيا النص ومدلوالته

يســعى الــدكتور أبــو زيــد في دراســاته عمومــا و ))مفهــوم خصوصــا لتأكيــد أســاس جديــد في قــراءة النص النص((

وآلياتها، وأول أركان القراءة الجديدة للنص القرآني ـ أو ما ــ هـو تحليـل النص ( [ 26 ])يسميه أركـون الخطـاب القـرآني

ــف وغرضــه نفسه، في خطوة تبعدنا فيه عن مقصــود المؤل من وراء الكالم، إنها عملية تحليل لوقائعيــة النص وكينونتــه المســتقلة، ليــدرس تمــايزه، بــل وتميــيزه لذاتــه عن بقيــة النصوص المتشكلة في الثقافة، وهـذه الخطـوة الـتي تبــدو في الفصل األول من مفهوم النص )مفهوم الوحي(، ولــدى

ــل الســور(( في تحليل أبو زيد ))الحروف المقطعة في أوائــاني، بشــكل أكــبر من بقيــة ــالث من البــاب الث الفصــل الثــد في ســياق األلســنيات ــو زي ــواب والفصــول، تضــع أب األبــف، وأعرضــت دون رجعــة الحديثة التي أعلنت مــوت المؤلــات تمنهج ــع آلي ــوده، ومن ثم عن وض ــتنكفة عن مقص مس الوصول الى هذا المقصود النهــائي الــذي أطلــق عليــه علم

أصول الفقه اإلسالمي مصطلح ))المراد الجدي((.

ــتى ــف وح ــدا عن المؤل ــه، بعي ــل النص ذات ــة تحلي إن عملي المفسر، هي الــتي تمنح النص كينونتــه وتجنب هــدرها كمــا

، وأية محاولة للعــودة للــوراء )وفــق( [ 27 ])يقول علي حربــ في الزمن الهرمنيوطيقي( تصب ـ من وجهة النظر هــذه ـ عملية إهدار لكينونة النص ســواء اســتخدمنا المنهج القــديم وآلياته في قراءة النص أو أخذنا بمنهج أبو زيد نفسه الــذي يحاول ربط النص دائما بالواقع، ولهذا تــذهب وجهــة النظــر هذه الى نفي النقــد االيــديولوجي االنطولــوجي للنص، النــه يستهدف تحديد المقول، فيما المطلوب نقد علمي يكشــفــاب أول من فتحــه المســتور والمجهــول في النص، وهــو ب

.( [ 28 ])أركون وغيره أيضاــه ولسنا نمارس إال توصيفا، وال نوافق علي حرب في حملتــاهض ــه بأنهــا خطــاب ين ــد بوصــفه محاولت ــو زي الناقــدة ألب

( [ 29 ])األصولية ولكنه يقف على أرضها ــاه تقــدميا ، معتبرا إي])علمانيا في ملفوظاته لكنه أصولي من حيث بنيــة تفكــيره

، مفضـــال تســـمية أخـــرى لمفهـــوم النص هي ))نقـــد( [ 30 كما فعل هــو في كتابــه الــذي يحمــل هــذا العنــوان، النص((

ــوم ــاره ))مفهـ ــك من اعتبـ ــرب في ذلـ ــق حـ ــد انطلـ وقـ ، مصــنفا ايــاه في( [ 31 ])تحليال نقديا للقرآن وعلومه النص((

])عداد سلسلة نقد الفكر الـديني عمومـا والنبـوي خصوصـاه على ذلـك فقـد أقـر لـه بأنـه حقـق مـا( [ 32 ، وهـو إن عاـب

في كتابـــه الالحـــق تحفـــظ منـــه في ))مفهـــوم النص((.( [ 33 ])))الخطاب الديني رؤية نقدية((

ــة من الواضح أن أبو زيد يقوم في ))مفهوم النص(( بمحاول ، أو فلنقـل( [ 34 ])تغيـير داخلي كمـا يصـرح هـو نفسـه أيضـا

إنقالب أبيض، وهذا المنهج عموما لم يعد يرضــى بــه فريــق من التيــار الموســوم اليــوم بالعلمــاني، انهم يريــدون تجنب

النص نفســه والنــأي بالــذات عنــه، تحقيقــا لمرجعيــة بديلــة كائنة ما كانت، وهو ما لم يقم به أبو زيد في تحليلـه لعلـوم القرآن، حيث حضرته مجمل النصوص التراثية من الغــزالي والباقالني والزركشي والسيوطي والقاضي عبدالجبار وابن

ولم يشــذ عن محاولتــه…خلدون والجرجاني وابن عربي و الداخليــة هــذه ســوى بعض األبحــاث القليلــة مثــل مفهــوم

الوحي ودراسته له. وإذا كانت مكرمة علي حرب ـــ وأدونيس ـــ انــه صــريح فيــذين ــيرين من ال ــإن الكث ــول، ف ــا يق ــفاف فيم ــاره ش أفك يوافقونــه الــرأي، ويعملــون وفقــا لــذلك، يحــاولون تحقيــق الغايـــة نفســـها عن طريـــق إفـــراغ داخلي، وهي مفارقـــة

تستحق التأمل. وعلى أيــة حــال، عنــدما يــدخل أبــو زيــد منطقــة الحــروف المقطعة مستعرضا النظريــات المقولــة فيهــا من التفســيرــاريخ االســالم، مــرورا بالتفســير ــا بت ــذي يربطه العــددي الــا إشــارات لألســماء والصــفات ــل منه ــذي يجع ــزي ال الرمــا و.. اإللهية.. وصوال إلى تصنيفها أسماء للسور الواردة فيهــاع فإن ما يعنيه في تحليل هذه الحروف وما يفهمه من جم

تفســيرا( ليس ســوى إصــرار13التفسيرات الكثــيرة لهــا ) النص في بقعة الغمــوض هــذه على إمــازة نفســه، ومن ثم قدرته على التفاعل مع الثقافة زمكانيا، وهذا ما يــدخل أبــو زيد في عملية تحليل ـ كما أشرنا ـ تتجاوز مدلول الحــروف المقطعة والمقصود اإللهي منها وفق نظم الدالالت، لتصب

في عملية درس النص عينه ومكانته بين النصوص.ــد ــو زي ــتي يمارســها أب ــك المضــنية ال ــة التفكي ــدو عملي وتب لمفهوم الوحي، اكثر تدليال على ما نقول، فعندما يحاول أبوــذا ــط بين ه ــة ليرب ــوحي في الثقاف ــود ال ــير وج ــد تفس زي

في النهايــة، ال الموضــوع واعتبــار القــرآن ))منتجــا ثقافيــا(( يعنيــه عــدا تحليــل مفهــوم النص نفســه، إن النظريــة الــتيــة تقول بأن النص يتولد من الواقع ثم يقوم في حركة راجع بإعــادة صــوغ الواقــع ليركبــه تركيبــا جديــدا، ليســت ســوى

محاولة لتحليل النص ذاته.ــل أبــو زيــد في ))النص والســلطة والحقيقــة(( إعــادة ويحل

إنتاج النص للواقع في حركته الراجعة، ))بعملية إعـادة بنــاءــي، حيث يتم داللة العالقات اللغوية في نظام اللغة األساس تحويل تلك العالقات في نسق العالمات اللغويــة الى نســق العالمات السميولوجية )أو السيميوطيقية(، وبعبــارة أخــرى تقوم اللغة الدينية من خالل عملية التحويل تلــك ـــ ويطلــق

ــةSemiosis عليها مصطلح السمطقة ـ باالستيالء على اللغ االساســية واالســتحواذ عليهــا، واالســتيالء على اللغــة يعــني

الــذي تنظمــه اللغــة من خالل االســتيالء على ))العــالم(( نظامها العالمــاتي، وهــذا يفضــي بـدوره إلى االسـتيالء على

])((…عن طريـق امتالك وعيـه بآليـات التحويل ))اإلنسان((35 ] ).

وبهــذا نفهم الخطــوة المتقدمــة الــتي خطاهــا أبــو زيــد في دراسة النص القرآني من زاويــة حديثــة هــذه المــرة متابعــا

في ذلك أنماط الفهم الهرمنيوطيقي الحديث. واذا كانت علوم القرآن، وعلم الكالم اإلســالمي والفلســفة أيضا، قد درســت النص بهــذه الطريقـة في ثنائيــات عديـدة وضمن اجابــات متنوعــة امتــدت من تحليــل حقيقــة الــوحيــاز ــتى االعج ــارابي( ح ــد الف ــال عن ــة الخي ــه )نظري وأنواع وأشــكاله، وبــذلك نكــون قــد ســجلنا مالحظــة ناقــدة على القطيعــة الــتي ربمــا يحــاول البعض إحــداثها، بــافتراض أنــنية ــبوق في األلس ــير مس ــر غ ــه أم ــة النص بوقائعيت دراس

الحديثة، فيما يتم تجاهل كل الجهود التي بــذلت ســابقا من فــإن مــا يمــيز…جانب فرقاء في الفكر والعلوم اإلســالمية

أبو زيد اعتماده ـ كما يوحي ـ الخروج عن ما يسميه أركون السياج الدوغمائي المغلق، وعن االيديولوجيات المســقطة،ــو إذ إن منهج أبو زيد قائم ـ متأثرا بأفكار توشيهيكو ايزوتس

ــ على فصــل النص عن أربــاب ( [ 36 ])كمــا أقــر هــو نفسه ـ االنــواع )حســب التعبــير اإلشــراقي( الــتي تــدعي أن للنص وجودا قديما أعالئيا منشأة عالقة وطيدة بينه وبين الصفات والذات األزلية كما هو الحال في الفكــر األشــعري، إن نفيــبر االعتقاد بقدم القرآن واألخذ بحدوثه كان هو المفتاح االك الـذي حقـق البـو زيـد تمـايزه عن المحـاوالت السـابقة فيــه ــا أن نأخــذ محاولت ــوم القــرآن إذا أردن مجــال الكالم وعل

.( [ 37 ])ضمن مناخها بوصفه مناخا أشعريا ولكننا ـ وبعيدا عن الجدل الكالمي األشعري المعتـــزلي في خلق القرآن، وما جره من محنة على االسالم والمسلمين ـ نحــاول إثــارة تســاؤل عن مــدى حاجــة أبــو زيــد الســتكمال

مشروعه الى تنحية مقولة قدم القرآن بالكامل. والسؤال هو: ألم يكن بإمكان أبــو زيــد ربــط النص بــالواقع دون المساس بقدم القرآن؟ وهــل صــحيح أن نظريــة قــدمــة تطــوير داخلي على وضــع القــرآن غــير قــادرة في عملي النص موضع المواكبة للواقـع؟ وهـل هي الـتي تتحمـل فعال كـــل تخلفـــات قـــراءة النص الـــديني في اإلســـالم؟ أم أنــير ــرق )غ ــدى ف ــودة ل ــانت موج ــراءة النص ك ــات ق تخلف المعتزلــة( ال تنثــني تنــاهض نظريــة قــدم القــرآن؟ ومن ثم

فالمطلوب مالحقة المشكلة في مكان آخر. ــا ــرآن )وفق ــا بين الق ــة م ــواب يكمن في التفرق ــل الج لع لنظريــة قدمــه( بوصــفه كيانــا انطولوجيــا أزليــا، ومــا بينــه

بوصفه مظاهر تتراءى لنا، إن جعــل وجــود القــرآن أزليــا ال يعــني عزلــه عن الواقــع الــذي نـــزل فيــه، الن معــنى قــدم القرآن ان الكالم االلهي صفة ذاتيــة فهي قديمــة، واذا كــان النص أزليا فهذا معناه تعاليه عن الوقائع الــتي حــدثت زمن

، إال أن هذا الجانب هو الجانب الذي يربط عالقة2 الرسولــا الله بالنص، في حين أننا نريد تحديد الجــانب الــذي يربطن نحن بالنص، وهو جانب يتحرك مع أحداثنا ووقائعنا ولو كان

مكتوبا قبل ذلك لكنه ناظر إلينا. ولتقريب الفكرة نأخذ مثال علم اللــه بالجزئيــات بعيــدا عن جــدل الفلســفة والكالم في هــذا المثــال، فــإن العلم صــفة ذات، لكن هــذا ال يعــني ان هنــاك قطيعــة كاملــة بينــه وبينــق العلم، الواقع الخارجي المتحول، الن هذا الواقع هو متعل فإذا فصلناه عن الواقع فهــذا تحويــل لــه إلى جهــل، وهكــذا مثال االختيار االنساني وفق مقولــة بعض العلمــاء، إن اللــه اراد وشاء أن يقوم االنسان بالصالة عن اختيار، فــإذا صــدر الفعل ال عن اختيار فهذا معناه تخلف الواقع عن إرادة الله، وهذا ما يجعل اإلرادتين االلهية واالنسانية في عالقة طوليــة

وفي نفس الوقت جدل مستديم. إن النص القرآني القديم ناظر إلى واقــع آت، تمامــا كنظــر االرادة لوقوع الفعل عن اختيار، فكما ال يوجب ذلــك ســلب االختيار عن االنسان، كذلك ال يؤدي الى ســلب القــرآن عن الواقــع، إن عالقــة النص باللــه عالقــة تتعــالى عن الزمــان والمكان لهذا فهو قديم، لكن العالقة حينمــا ترتبــط بــالواقع

تعاد إليها سمة الحركية، كعالقة الفعل االلهي بالقدرة. ال نبغي الــدفاع عن نظريــة قــدم القــرآن، وإنمــا نســتهدفــذه التأكيد على أن مشروع أبو زيد لم يكن بحاجة لنسف هــا دون النظرية، بل لتطويرها داخليا، بل كان بإمكانه تخطيه

جعلها االساس الذي تقوم على هدمه كل محاولته، لكن أبو زيــد اكتفى بتقــزيم كــل الفرضــيات األخــرى غــير فرضــيته

، دون أن يحـــاول( [ 38 ])بوصـــفها ذات طـــابع أســـطوريالتفتيش عن منفذ يتجاهل النظرية المذكورة.

إن شاهدنا على امكانيــة التفكيــك هــذه هــو تعــاطي علمــاء القرآن، فقد نقل أبو زيد نفسه عنهم ـــ وعن الفقهــاء ـــ مــا يؤيد مقولته في تاريخية النص وربطه بالواقع، ومن ثم فقد اســتطاعوا في مثــل الناســخ والمنســوخ وأســباب الــنزول والمكي والمــدني.. فهم النص بوصــفه حركــة تفاعليــة مــع الواقـــع، دون أن تمس محـــاولتهم هـــذه ــــ ال أقـــل وفـــق

تصورهم ـ أسسهم الكالمية.تاريخية النص / جدل النص والواقع

وبهذا المــدخل الــذي قطــع أبــو زيــد بــه حبــل االتصــال مــع األعلى دون ان ينكر ألوهية المصدر، وضــع نفســه ومجمــلــع لتخيم على ــة النص والواقـ ــاته تحت مظلـــة جدليـ دراسـ محاولته ظالل المدرسة التاريخية، وهذا الربط الذي قام به أبو زيــد بين علــوم القــرآن والتــاريخ كــان هامــا والمعــا في محاولته، فبعد أن نحى ـ وفق تصوراته ـ مقولة أزلية النص جانبا، أضحى المجال مفتوحا له لكي يعيد انتاج العالقة مــع النص انطالقا من الواقع، فبــدل البــدء في حركــة من النص إلى الواقــع عكس أبــو زيــد المســير من الواقــع الى النص، واذا ما اســتثنينا مبــاحث قليلــة في دراســة أبــو زيــد لعلــوم القرآن ـ كما تقدم ـ فإننا نجد الخط العام الذي سار عليــه، بل واستهدفه، كامنــا في إنشــاء هــذه العالقــة الجدليــة بين

النص والواقع.لقد استعرض أبو زيد هذه العالقة على صعيدين:

ـــ على صــعيد النص نفســه حينمــا ربطــه بــالواقع ليغــدو1 منتجا ثقافيا، ومن ثم ربط الواقع به ليكمــل حلقــة الجدليــةــالقرآن التي طرحها حينما ذهب إلى تأثير النص المتمــايز ك

في الواقع مشكال الثقافة تشكيال جديدا. وقــد كــانت هــذه المحاولــة أهم المحــاوالت، بــل وأساســاــعى في للصعيد الثاني اآلتي الحديث عنه، أي أن أبو زيد س هذه المحاولة هنا لبناء النص من زاوية انطولوجية وجوديــةــوم ــل للشــروع في دراســة عل ــة الســتكمال أو فق كمقدم القرآن بوصفها منهجا ايبستميا دراسة تتناســق وانطولوجيــا ــا ــه مفارق ــون النص في وقائعيت ــدما يك ــه، فعن النص نفس بمعنى من المعاني للذات الصادرة عنه في عينهـا وصــفاتها وأسمائها، ومن ثم ـ كما يـراه أبـو زيـد ــ كيانـا في الزمــانــية ــاء االرض ــني بن ــذا يع ــإن ه ــه، ف ــا عن ــان ال متعالي والمكــفها مقدمـــة ــا، بوصـ ــة النص أنطولوجيـ المناســـبة لتاريخيـ لتاريخيته معرفيا، أي لبناء قراءته وآليات هذه القراءة على أساس تاريخي كما فعله أبو زيد فيما بعد سيما في أســبابــز النـزول والمكي والمدني والناسخ والمنسوخ، وهو ما جه له المجال لتسجيل نقده القوي على الغــزالي في دراســته

االخيرة من ))مفهوم النص((. ـ على صعيد فهم النص وقراءة مدلوالته، أي وضع آليات2

القراءة في سياق تــاريخي، وفي إطــار جــدل، هــذا الجــدليمكن تصنيفه الى صنفين كما نفهمه من أبو زيد نفسه:

ــع ــف والواق األول: جدل النص مع القارئ، مستبعدين المؤلــزت عليــه الدراســات المحيط بالنص نفسه، وهــو جــدل رك الهرمنيوطيقية والسيموطيقية األخيرة، بل هو ـ كمــا يقــول أبو زيد نفسه ـ نقطة البداية والقضية الملحة عنــد فالســفة

، لكنـه تركـيز يـراه أبـو زيـد مبالغـا فيـه( [ 39 ])الهرمنيوطيقا

على حساب كينونة النص، وقد اهتم به كثــيرا في دراســتيه الشــهيرتين حــول التفســير والتأويــل عنــد المعتـــزلة وعنــد])المتصوفة في أرقى أشكالهم مع محـيى الـدين بن عـربي

40 ] ).ــيين ــين االيران ــو للدراس ــا يحل ــامت، كم ــان ص إن النص كيــريعة من ثم المعاصرين توظيف هذا المصطلح كثيرا، والش صامتة ال تنطق، وهذا يعني أن فهم النص عملية ال تبدأ منــة النص نفسه، وإنما من دارسه ومن يقرؤه، تماما كالطبيع ال تحكي عن نفسها وال تنطق عن ذاتها، وإنمــا دارســها هــو

الذي ينطق.ــزن ان الفرضيات القبلية والبنى المعرفية التحتية التي تختـ في ذهن القارئ، كما أن الوضع االجتمـاعي والسياسـي لـه هو اآلخر يكون مع بقية العناصر النظارات التي يضعها لكي يطالع النص، مما يعني أن النص ســيغدو تابعــا للــون الــذي

اكتسبته من قبل النظارة عينها. ))إن اختالف منــاهج المفســرين في العصــر الحــديث فيمــا يتصـــل بتفســـير القـــرآن مـــا تـــزال تـــدور حـــول هـــذينر لتأكيــد النص، ومحــور المحورين((، محــور تجاهــل المفســ التأكيد على عالقة المفسر بالنص، الذي بلغ مع الرومانسيةــة لفهم مبلغا جعل مهمة القارئ فهم المؤلف بوصفه مقدم

.( [ 41 ])النص نفسه كما يقول ابو زيد وانطالقا من هذه الفكرة، تغدو نظرتنا للتراث كله محكومة لنظرتنا لحاضرنا، ويتبدد الوهم التقليدي الذي يريــد الفصــل بين الموقف الحالي للباحث ورؤيتــه للــتراث، ومن ثم يبــدو أمرا متناقضا الحديث بعد ذلـك ــ كمـا يـراه أبـو زيـد ــ عن

للماضي، وهــذا يعــني شيء اسمه ))الدراسة الموضوعية((.( [ 42 ])انه ال توجد ثمة قراءة بريئة كما يقول لوي آلتوسير

ورغم أن أبو زيد يقر بهذه الحقيقة الـتي مــا تـــزال تتحفـظــدعوى إفضــائها الى ــة، ب ــارات الديني ــير من التي ــا الكث عليه النسبية وفساد الحقيقة، اال أن دراسته لعلوم القــرآن الــتي

لم تعتــني كثــيرا بهــذا النــوع من اختـزنها ))مفهــوم النص((ــز أبــو زيــد نظــره هــذه الجدل، جدل النص / القارئ، بل رك

المرة على النوع اآلخر من الجدل وهو: الثاني: جــدل النص / الواقــع، وهــو جــدل يكــون الى جــانب

صاحبه الثالثي الخطير النص / الواقع / المؤلف. أكد أبو زيد مــرارا أن النص بمفارقتــه عــالم األزل والقــدم، لم يصبح عدميا، وإنما أنشــأ عالقــة بديلــة مــع الواقــع، وقــد حاول أبو زيد استدراج بعض علــوم القــرآن لكي تؤيــده في

مدعاه. وفي الحقيقة، فالطابع العــام الــذي يطبــع دراســة أبــو زيــد لعلوم القرآن، طابع واضح التحفظ، ويبدو هذا التحفظ جليا في محاولـة أبـو زيـد جعـل خطوتـه تبـدو وكأنهـا اسـتكمال لجهود السابقين، األمر الذي يحتاجه شديدا لكسب الخطوة الشرعية العامة في المجتمع، ومن ثم تهدئة اآلخــرين عــبر إشعارهم بأن التراث يتحدث نفسه عن هذه األمــور، ولهــذا

النقل المبالغ فيه أحيانــا ـــ كمــا وجدنا في ))مفهوم النص(( ـ لنصوص القــدماء والتركــيز على ( [ 43 ])يصفه حسن حنفي

ــاريخي ــداد الت اختالفهم، بوصف ذلك محاولة الكتشاف االمت لمقولته، بل لقد اعترف أبو زيد نفسه الحقــا بتحفظــه هــذا الذي ألقاه جانبا فيما بعــد في بقيــة كتبــه ودراســاته، وكــانــرا من ــه لم يكن أم ــا أتى ب ــد على أن م ــه التأكي ــد من يري

.( [ 44 ])عندياته، بل مستمدا أيضا من الموروث نفسهعلوم القرآن وتاريخية النص

وعلى أيــة حــال، وجــد أبــو زيــد في بعض العلــوم القرآنيــةمبتغاه، وكان أهمها:

ــد ))ان التفرقــة بين 111 المكي والم11دني:1 ــو زي ــرى أب يــامتين ــتين ه ــة بين مرحل ــدني في النص تفرق المكي والم ساهمتا في تشكيل النص سواء على مستوى المضمون أمــوى على مستوى التركيب والبناء، وليس لذلك من داللة س

.( [ 45 ]) أن النص ثمرة للتفاعل مع الواقع الحي التاريخي(( بهذه الكلمات يفتتح أبو زيد دراسته للمكي والمدني، مؤكدا تاريخية النص وجدلـه مع الواقع، وقد وجد في الفقهاء عينة جيدة لتأكيد نـزعته، حيث رآهم مهتمين بــالمكي والمــدني ـ كما وبأسباب النـزول ـ لكي يحلوا مشــاكل دالليــة من نــوعــد، بيــد الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلــق والمقي أنه يتحفظ على االعتماد على المــدخل الفقهي في دراســة])ـهذا الموـضوع، ذـلك اـنه ـيوجب اـضطرابات مفهومـية خاصة

46 ] ).ــه للمــائز المفــترض بين المكي المــدني، وفي إطــار تحليلــة التصــنيف الى يذهب أبو زيد في منهجة وضع معيار لعمليــع، ــه، وبين الواق ــه بين النص ذات ــط في ــزدوج يرب ــوين م تك فالنص من حيث بنائه ومضــمونه، يقــف الى جــانب حركتــه المتصلة بحركة الواقع عنصرا أساسيا إليجاد تصــنيف يحــدد المكي من المدني، دون أن يــرى في هــذا المعيــار أساســا حديا يشبه الفــرز الرياضــي لألمــور، وهــو من هنــا يجــد في

ــا ))الهجرة(( العنصر الفاصل بين النوعين من حيث مكية م قبلها ومدنية ما بعدها، بوصفها ـ أي الهجرة ـ عــامال محــوال

للواقع.

ــد على صــعيد وضــع مــيزان ــأت بجدي ــد لم ي ــو زي ولعــل أب للتفرقــــة بين المكي والمــــدني، فالخصــــائص البنائيــــة والمضمونية للنص كانت ملحوظة للعلماء قبل ذلــك، ولهــذا تحدثوا عن طول السورة وقصرها، وعن مراعــاة الفاصــلة، وعن خطاب يا أيها الناس وخطاب يا أيهــا المؤمنــون، وعن تفصيل الشريعة وإجمالها.. كما أن خصائص مراعاة الواقــع كــانت موجــودة في وعي العلمــاء المشــتغلين بالقرآنيــات،ــة ــة لمدني ــود عالم ــد وجــدوا في جــدال النصــارى واليه فق السورة انطالقا من احتكاك الدعوة بهم بعد الهجــرة، فيمــا كانت آيات االنــذار والتنديــد والنكــير على عبــادة االصــنام.. مظهرا لمكية السورة انطالقا من احتكاك مماثل مع وثنــيي

.( [ 47 ])قريش، الى غيرها من العالقات ولعل ما ميز أبو زيد او جعل فكرتـه إكــثر إضــاءة، محاولتــه

تسليط الضوء على عناصر: أ ـ خلـع لبــاس التاريخيـة، وجـدل النص والواقـع على النص نفسه بمــا تحملــه هــذه المفــردات من مــداليل لهــا اليــوم، محــاوال بــذلك توظيــف المكي والمــدني لصــالح مشــروعه الشامل الهادف إلعادة انتاج القرآنيات على أســاس واقعي

تاريخي، ووقائعي بنائي ايضا.ــداث ــف اح ــ تركــيزه على رفض معيــار دقيــق، بوص ب ـ االجتمــاع والتــاريخ أحــداثا متحركــة رمليــة الطــابع، ومن ثم فمحاوالت العلماء وضع تصنيف دقيق لآليات والسور تصبح عديمة الفائــدة عنــدما يــراد التعامــل معهــا بوصــفها أرقامــا

ومعادالت. لكن ربط أبـو زيـد المكي والمـدني وفـق مـا تقـدم، يضـعه أمــام اجتهــاد في القرآنيــات يبعــده عن مجــرد عمليــاتــاد الترجيح ما بين الروايات التي مارسها القدماء، وهو اجته

يضــع معيــارا جديــدا يرفــع الحظــر عن تحليــل آخــر للمكيوالمدني، يضعه في خانة جدل القارئ والنص.

ــذي اســتخدمه ــد المنهج التلفيقي ال ــو زي ــا ينكــر أب ومن هنــة واحــدة ــزول آي ــات بادعــاء نـ القــدماء للجمــع بين الروايــذا ــة، إن ه ــة واألخــرى في المدين ــداها في مك ــرتين، إح م المنهج كان مجرد محاولة فرار من تضارب الروايات بخلــق مقولة تجمعها جميعــا دون أن يكـون هنــاك من دليــل ثـالث يفترض ظاهرة الجمع نفسها، ومن ثم فمــا يقولــه أبــو زيــد نقطة جــديرة بفتح نقــاش حولهــا، دون ســد البــاب بالكليــة على احتمال تكرر النـزول كما فعله هــو نفســه، ان عمليــة نقـدنا لظــواهر الجمــع العشــوائية والــتي يطلــق عليهــا علم

،( [ 48 ])اصــول الفقــه الشــيعي عبــارة ))الجمــع التــبرعي(( تنطلق من تأييد أبو زيد في تحليلــه الســيكولوجي لمواقــف العلمــاء الــذين ارتــؤوا هــذا النــوع من الجمــع، إن تقــديس السند، والوقوف عند الرواة هو الذي فعل ذلك؛ وجعــل أي محاولــة تحافــظ على نص ـــ أي نص مــوروث ـــ خطــوةــة مشكورة مهما ضعفت الشواهد عليها، إن افتراض امكانيــه ــذي ال تشــهد ل ــذا التفســير، ال ــبرر ه ــزول ال ي تكــرر النـ المســتندات التاريخيــة حيث لم يتحــدث الصــحابة فيمــا هــوــذه إال في ــاهرة كه ــهم عن ظ ــدماء أنفس ــابت عنهم والق ثــه ــع في نتيجت ــون الجم ــدا، ومن ثم يك ــدودة ج ــاالت مع ح محاولـة حـل مشـكلة في إطـار احتمـال ال دليال على تكـرر النـزول، األمر الــذي إذا الحظنــا خلفياتــه ســنجده ينســحب

على العديد من آليات االجتهاد نفسها في الفقه والتاريخ. ال نريد مجرد تحليل الموقف كمــا فعلـه أبــو زيــد من زاويــة

مكتفين بمجرد استبعاد تكرر النزول، وإن كــان…نفسية أوــنزول تحليال منطقيا، غير أن القنوع بمجرد استبعاد تكــرر ال

ال ينسجم مع نظرية أبو زيد، ألنه مــا دام النص على عالقــة )قائما، فــإن تكــرار آيــةلنثبت به فؤادكبالواقع، وما دام(

نــزوال أمــر منطقي وعقالني، مــا دام نــزول اآليــة ال يهــدف دائمـــا لتقـــديم معطى خـــبري جديــد، بـــل لممارســة دور اجتماعي ونفســي أيضــا، وفي هــذا انســجام تــام مــع ربــط

النص بالواقع. إنما نريد إحداث ثغــرة في الموضــوع على صــعيد الجــوانب الداللية والشواهد التاريخية، انطالقا من التفرقة بين مجــرد احتمال تكرر النزول لرفــع تنــاقض مســتوحى بين روايــتين، وكون الروايــتين فعال تــدالن على تكــرار الــنزول، إن األمــر على نفس المنــوال في آليــات االجتهــاد الفقهي، وإن قــدم األصوليون تبريراتهم الخاصة الــتي ال ننــاقش فيهــا فعال، إنــاء لألخــذ بنتيجــة ــدفع العلم ص المنفصــل ي مجيء المخصــــا: ــإذا قلن ص، ف ــام وال المخصــ ــا ال الع ــدل عليه ــدة ال ي جدي ))أكــرم العلمــاء((، ثم بعــد عشــرة أعــوام قلنــا: ))ال تكــرماق فســاق العلمــاء((، فــإن جملــة "أكــرم العلمــاء إال الفســ منهم" ستكون معطى جديدا ال يفهمه أحــد ال من العــام والــودة في أي نص، ومن ثم الخاص، أي هذه الجملة غير موج فتــبرير وجودهــا يحتــاج الى دليــل كقواعــد الجمــع العــرفيين على حــدة العــام األصولية، ال فقــط الى ثبــوت كال النصــ والخاص، وهذا ما يجعلنا في موضوعنا القــرآني بحاجــة إلىر فكــرة دليل خارج كال النصــين الــدالين على الــنزول يفســ التكــرر الــتي لم يشــر إليهــا النصــان معــا في خطــوة غــير

مفهومة في ديمومتها. يرى أبو زيد أن علم أسباب النـزول 1 أسباب الن1زول:2

ــالواقع ــة والكاشــفة عن عالقــة النص ب ــوم الدال ))أهم العل ، واألمر كذلك، إن النص القـرآني يتـابع( [ 49 ])وجدلـه معه((

عبر منظومة أسباب النـزول حركة الواقــع ويســتجيب لهــا، وليست بينه وبينها قطيعة أو خصــام، واذا كــان تثــبيت قلب النبي سببا لنـزول القرآن نجوما، فإن جعل استجابة أحوالــو المعطى المنطقي ــك هـ ــاس في ذلـ المكلفين هي االسـ

، وعندما يدخل أبو زيــد مــدار الجــدل( [ 50 ])لظاهرة التنجيم الكالمي في ان الله عــالم بالوقــائع جميعهــا قبــل وقوعهــا، فلماذا يكون التنجيم مراعاة لحركة الوقائع واالسباب؟ فإن مفره حينئذ هو الفعل االلهي، إنـه يريـد الخـروج من نطـاق صفة الـذات )العلم( الى نطــاق صــفة الفعــل )الكالم( ممــاــمة ــة س لة النهائي ــ ــرآن( في المحص ــع على النص )الق يخل زمكانيــة تاريخيــة، إن علمــاء القــرآن انتبهــوا بــاكرا ألهميــة التنجيم انطالقا من حاجاتهم العلمية، حيث وجدوا فيه معينا

لكن اعطــاء هــذه…على معرفــة الناســخ من المنســوخ و المحاولة الخجولة طابعا كليــا قواعــديا أمــر لم يتحقــق مــع االسف كما يقول ابو زيد، ومن ثم كان سببه عنده سيطرة

.( [ 51 ])االتجاهات الرجعية على مجمل التراث وإذا ربط أبو زيــد النص بأســباب النـــزول، فإنــه لم يعجــزه عن امتالك قــدرة التعميم، انطالقــا من قناعتــه أن اللغــة

.( [ 52 ])قادرة على تجاوز الوقائع الجزئية ان هذا المـزدوج الـذي يقدمـه أبـو زيـد يبـدو فيـه متحفظـا قياســا بالتيــارات األخــرى في الفكــر االســالمي المعاصــر، فعنــدما يقــدم برهانــا لغويــا من اختصاصــه على عمليــةــرط في ــمولية النص وال يف ــظ على ش ــو يحاف التعميم، فه األخذ بتاريخيته كما فعل فريق معاصــر، لكنــه كــان يخشــى

، حـتى( [ 53 ])إهدار خصوصية السبب لصـالح عموميـة النصــز ال يبدو النص غيبيا على قطيعة مع الواقع كاملة، ولهذا رك على أسباب النـزول بوصفها شواهد لفهم النص ذاتــه بغيــة

ــاخ الــذي تحديد درجة التعميم، الن سبب النـزول يحدد المن جاء النص في سياقه، ومن ثم لم يعــد باالمكــان فهم النص بمعزل عنه مــا دام يشــكل بالنســبة للمؤلــف عنصــرا لفهمــامي والحــالي كالمه، مما يسميه االصوليون ))السياق المق

وغير اللفظي((. وإذا ما نجح أبو زيد في تحليله بناء اللغة ونظامها من حيث قدرتها على التعميم الذي يتجــاوز خصوصــية الســبب، فــإن هذا التحليل ال يحل المشكلة تماما، ذلك أنهــا مشــكلة أكــثر تعقيدا مما نتصــور حــتى لــو كــانت اللغــة مجهــزة بطبيعتهــا

بطاقة التعميم. إن مشكلتنا ليست فقط في اللغة نفسها، وفي إمكانيــة أن يريد المؤلف مدلوال عامــا يتخطى الســبب، بــل في عالقتنــا نحن بــالنص من حيث كونــه مرتبطــا بــالواقع، فــإذا فصــلنا النص عن الواقع صار األمر سهال، وكانت عالقتنا حينئــذ مــع النص فحسب، وهناك يمكن تحديد كــل عناصــر الداللــة مــا دام النص بين أيدينا، أمــا عنــدما نربــط النص بــالواقع فهــذا يعني أن دالالت النص لم تعــد فقــط مــا يــتراءى لنــا، وإنمــا اصبحنا مضطرين ـ كقراء ـ لدرس الواقــع المحيــط مقدمــةــام ــا بتم ــف لن ــير منكش ــع غ لفهم دالالت النص، لكن الواق زواياه ومن ثم فقــدرتنا على فهم النص تغــدو محــدودة، إن روايات أسباب النزول ليســت حســاما يفصــل األمــور كلهــا ويبت فيها، حتى لو قلنا بأنها صادرة وواصلة إلينا على البتــوي على ــادة ال تحتـ ــة عـ ــوالت التاريخيـ واليقين، ألن النقـ مجموعـة من العناصــر طبيعتهـا أنهــا مرتكـزة مسـتكنة في العقل الجمعي والوعي االجتماعي العام مما يجعــل الناقــل مستغنيا عن نقلها ما دامت حاضرة لدى األطراف كافة في عمليــة التحــاور، وعنــدما تحصــل التحــوالت االجتماعيــة

الشاملة تظهر هــذه المعــالم المركــوزة في الــذهن العــام، وتثــير تســاؤالت عن مــدى دخالتهــا في النص نفســه ســيما على الصــعيد التشــريعي، وهنــا من العســير تقــديم شــواهد ترفع احتمال دخالتها، األمر الذي يجعل النص عاجزا ـ وفــقــد، وإن كــان قــادرا ببنائــه ــه ـــ على التعميم المؤك ــا ل فهمنــزمن اللغوي على جعلنا نحس بأننا ما نزال ـ رغم مضــي ال

عليه ـ مخاطبين به. إن النص قادر على التعميم وربمــا أراد المؤلــف ذلــك، لكن اكتشافنا داللة التعميم من النص ذاته خيانة لربطه بــالواقع، وما دامت حيثيات الواقع التي تمثــل قــرائن متصــلة بــالنص تحدد دالالته غــير واضــحة لنــا مــع وفــرة االحتمــاالت ســيماالمعاصرة، فإن النتيجة النهائية من النص ال تبدو ميسورة.

وإذا اردنا استخدام لغـة أصـولية قلنــا بـأن احتمـال القرينـة المتصلة ـــ وهي هنــا من نــوع المتصــل اللــبي المرتكــز في الذهن العام ولو على نحو الكمون والمفــروض وجــوده في الواقع ـــ يمنــع عن انعقــاد داللــة في النص تتخطــاه ولــو لم يكن ثابتا مما يهدم ظهوره بالكامل، وهــو أمــر وافــق عليــه جماعة من االصوليين، وإن لم يتعرضوا ألمثلة معاصــرة لــه

اليوم. ويبدو أن أحد حلول هذه المشــكلة يكمن في النص نفســه، وفق رؤية أيديولوجية من الداخل، ذلك أن النص يقــول عنــان نفسه بأنه بيان ونور و.. جاعال بيانيته ممتدة امتداد الزم والمكان، وهذا يعــني ان القــرائن المختفيــة يجب أن تكــون ذات طابع ممتد كذلك حتى يصح االعتماد عليها بحيث يبقى النص بيانا ومبينــا، وهــذا معنــاه أن خصــائص الواقــع يجب ـــا النص ــ أن يكتنفه ــديولوجي ـ ــذا الوجــوب اي ــول ان ه ونق بإشاراته وروعة بيانه، لتكون معينا على فهمه على الدوام،

ــة وهذه الفكرة ـ إذا صحت ـ قد تنسف كل التفاسير القائم على تحليالت نظريـــة بحتـــة لم يكتنفهـــا النص ولم يمكنـــه االعتماد فيها على السامع بوصفها متحركــة في العقــول، ال

بديهية راسخة. وغايتنا من كل ذلك، اإلشــارة العــابرة إلى أن مجــرد قــدرةــار اللغة في حد ذاتها على التعميم ال يصلح حال لمشكلة اآلث الناجمة عن ربط النص بالواقع، وانما المفــروض اســتكمال

الحل بصورة أفضل. ويبـــدو أن غـــرض أبـــو زيـــد فيمـــا أتى بـــه في ))مفهـــوم

هنا هو ما تكشفه كلماته في ))التاريخيــة: المفهــوم النص((ــة((، إن الملتبس(( ــلطة والحقيقـ ــه ))النص والسـ من كتابـ

طرحــه مســألة تاريخيــة القــرآن دفعت أو من المتوقــع أنــوم ــدأ ))عم ــدم مب ــديث عن ه ــر للح ــرف اآلخ ــدفع الط ت

ومن ثم إحالــة النص القــرآني إلى ))الحفريــات((، الداللة(( وهو خلط يراه أبو زيــد جهال يمــزج بين أنمــاط مختلفــة من الداللة، ويرى أن النصـوص الممتـازة قـادرة على التواصـل

.( [ 54 ])دالليا مع أجيال عديدة كما هو حاصل فعال ولذلك أكد أبو زيـد ــ في درسـه خصوصــية الســبب ــ على عموميــة الداللــة، محــاوال في موضــع آخــر تحليــل البنــاءات الفلســفية اللغويــة للتصــورات النقيضــة في إطــار قراءتــه

العـــالم السويســـري لمعطيـــات ))الفريـــد دي سوســـير((.( [ 55 ])المعروف

وإذا ما سلطت معاول الهدم على روايات اســباب النـــزول في عملية حفر وتنقيب نقدية، فإن أبو زيد ال يشعر بالقلق، الن ما يعنيه ليس مفردة مــا يحــاول اســتنطاق النص فيهــا، وإنما منهجا، أي هو يريــد مبــدأ جــدل النص / الواقــع، مهمــا

كانت العقبات الميدانية كبيرة أمام تحقيق هذا المنهج علىــد ــو زي ــداني، عالوة على أن أب ــافي المي ــعيد االستكش الصــد ــادي في تحدي ــرة ايضــا المنهج االجته ــذه الم اســتخدم هــاريخي ــات المنهج الت ــزول محــاوال تخطي عقب أســباب النـــ من ثم ـ ــورط ـ المدرسي في مالحقة روايات النـزول والت

.( [ 56 ])في تلفيقات تشبه ما حصل في المكي والمدني يصــنف أبــو زيــد ظــاهرة النســخ 1 الناسخ والمنسوخ:3

ــوحي والواقع ])بوصفها أكبر دليل على جدلية العالقة بين ال ، ذلك إن احدى زوايا هذه الظــاهرة تتمثــل في عمليــة( [ 57

التدرج في بيان االحكام وتطبيق عمليــة التغيــير، وهــو امــرــا بين النص والواقع ــئنا أم أبينـ ، وبتحديـــد ( [ 58 ])يربـــط شـوظيفة النسخ تتضح هذه العالقة المتينة.

وفي ســياق استعراضــه ـــ على غــرار مــا فعــل في المكي والمدني وأسباب النـزول ـ معيار تحديد الناسخ والمنسوخ، ال يرفض أبو زيد الحاجــة الشــديدة الى المعرفــة التاريخيــة

، لكنه يعيد هنــا نفس( [ 59 ])الدقيقة بأسباب النـزول وترتيبه الجدل الــذي دخلــه في عمليــة التحديــد من قبــل، وينــاقش

.( [ 60 ])الجمود على الروايات، واستخدام منطق تبريري لها لكن الشيء الملفت عند أبو زيــد إصــراره على وجــود ســر وراء إبقاء اآلية المنسوخة قرآنا متلوا بين المســلمين، وهــوــ فتح في مجــال إعــادة تفعيــل اآليــة ـــ من وجهــة نظــره ـــط المنسوخة عندما تعود ظروفها مرة أخرى، وفي هــذا رب للنص بالواقع من أكثر من جهة، وهــو مــا يضــع الناســخ في

.( [ 61 ])دائرة المنسأ على الدوام لكن هــذا التحليــل يضـعنا أمــام تفســير جديـد يغــير مفهــوم الناسخ والمنسوخ رأسا، وهو تغيير ال نســتنكره فعال، وإنمــا نحاول تلمس معالمـه، إن تفسـير بقـاء المنســوخ على أنــه

إعادة تفعيــل لــدوره على تقــدير عــود الظــروف المشــابهةــه ــا توحي ــد كم ــوخ لم يمت الى األب ــني أن النص المنس يع

اق،( [ 62 ])كلمـات علمـاء القـرآن واألصـول ، ومن ثم فهـو ـب كل ما في األمر أن موضــوعه وظرفــه الــذي يجعلــه حكمــا فعليا قائما عمليــا قــد تجمــد، وهــذا يعــني ان عــودة ظرفــه تعيده الى حالة الفعلية هذه، وهذه العملية تضع التشريعات كلهــا تقريبــا ـــ إن لم نقــل تحقيقــا ـــ تحت ســلطان ثنــائيــخ ــاالت النسـ ــني حـ ــوخ، ومن ثم، فال تعـ ــخ والمنسـ الناسـ المذكورة تاريخيا صيغة نهائية، وإنما مجرد مثال تحقــق في تلك الظروف، كما أن هذا ما يلغي تماما الفكرة التي تقول

ــذي2 بأن النسخ ظاهرة مختصة بزمن النبي ألن المفهوم ال قدمناه للنسخ نوع مفهوم متحــرك، يمكن تطبيقــه في كــل زمان، فلو فرضنا أن أحدا من المسلمين لم يكن مستطيعا للحج وأن هذا الوضع اسـتمر لعـدة سـنوات فهـذا يعـني أن حكم وجوب الحج قد تجمــد، والفائــدة من االبقــاء على آيــةــذا ــودة ه ر على ع ــ ــوى مؤش ــرآن ليس س ــه في الق وجوب الوجوب الى الحياة والتحريك عندما تعود حالـة االسـتطاعة

ولو إلى مسلم واحد مثال. إن فكرة النسخ وفق هذا التصــور تشــبه إن لم تطــابق، مــا يعبر عنه علم أصــول الفقــه بــأن فعليــة الحكم تتبــع تحقــق موضــوعه في الخــارج، وأن األحكــام في حــال تحــول دائم، تبعا لتحول الموضــوعات المترتبــة عليهــا، وهــو مــا يســتنكرــ وفــق علم االصــول عمومــا تســميته نســخا، ألن النســخ ـ التصور المألوف ـ الغاء حكم في عالم التشريع رأسا بحيث لم يؤت به اال لغــرض آني زال وانتهى، وإذا لم يحــدد النصــ مثال ـ نفسه هذا الزمن بداية األمر، فإنما ذلــك لكي يمنح ـ الحكم المنسوخ الحقا طابع الهيبة والديمومة بغية الحد من

، ومن ثم فال معــنى( [ 63 ])تقــاعس المكلفين عن االتيــان به

ــور ــا للتص ــوخ تبع ــاء النص المنس ــادة إحي ــديث عن إع للح المــألوف، مــا دام النص آنيــا في تشــريعه مختصــا بالزمــان

االول. ويستتبع هذه المقولة، تعديل في منهج التعامل مــع الناســخــار والمنسوخ، فبعد أن خضع التعامل الى نظام الدالالت ص من المفترض خضوعه لنظام آخر، وهــو نظــام يربــط النص بالموضوع المفترض تحقق ظروفه كاملــة لكي يأخــذ النص درجة الفعلية والتنجــيز، وهــذا معنــاه أن نســخ دليــل لــدليل ليس أمرا يرتبط بالداللة فحســب، وإنمــا بعالقــة كــل دليــل بموضوعه وتحقــق قيــود الحكم الــتي تــوجب تفعيــل الحكم ووصوله درجة التنجيز، وهذا تحــول أساســي آخــر تســتتبعه

مقولة أبو زيد. وإذا كان النسخ بمعناه المألوف يحقــق البــو زيــد مطلوبــه،ــل ــاج ك ــادة إنت ــل بإع ــد كفي ــالمعنى الجدي ــخ ب ــإن النس ف

التشريعات تبعا لنظام النص / الواقع. لكن مشكلة التفسير الجديد للنسخ ـ وهو تفســير حــق في نفســه، وإن لم تجــر الموافقــة على تســميته نســخا ـــ هي مشكلة تحديد الظرف والموضوع الذي ربطت فعليــة النصــذي به، فإذا أخذنا بالمنهج التاريخي في االجتهاد الفقهي وال يميــل لربــط النصــوص بــالظرف التــاريخي، فقــد تبــدو تشريعات كثيرة جدا منســوخة اآلن، أمــا لــو أخـذنا بــالمنهجــا، وبين المنهجين تصــورات المدرســي لكــان األمــر مختلف

وآراء نعرض عن بحثها فعال.النص والتحول الوظيفي

يفرد الدكتور نصر حامد أبــو زيــد الفصــل األخــير من كتابــه لدراســة مــا يــراه التحــول الــوظيفي في ))مفهــوم النص((

النص، مركزا جهوده جميعها على تجربة ابي حامد الغــزاليهـ( بوصفه نقطة التحول المذكور.505)

ـ كما لقد أحدث االمام الغزالي في كتابه ))جواهر القرآن((ــائف النص ــيرا في فهم وظ ــوال كب ــ تح ــد ـ ــو زي ــده أب اعتم وطبيعتــه، فبعــد أن كــان عمليــة نـــزول من عنــد اللــه إلى االنسان تهدف اإلفصاح، تحولت الى حركــة صــعودية ســعيا الى الله، وأدى ذلك بشــكل تلقــائي الى انصــراف االنســان لبناء حياته األخرويــة بوصــفها المنقلب الـذي ســيؤول اليــه، معرضــا عن بنــاء الحيــاة الدنيويــة واعــادة تشــكيل الواقــع

.( [ 64 ])بهدف صنع الحياة وإشباع الحاجات جميعها أدى التحــول المــذكور الى ان يصــبح الهــدف من النص هــو قائلــه، وأعــرض عن المخــاطب الــذي هــو االنســان نفســه،

وتحولت الحركة تلقائيا محدثة انحرافا كبيرا. هـ( بقــرن638كان ذلك مع االمام الغزالي قبل ابن عربي )

ــالمنحى من الــزمن، هنــاك اختلطت المدرســة االشــعرية بو( [ 65 ])الصوفي راه أـب ــ فيمـا ـي ، وتنطلق تصورات الغزالي

زيد ـ من ثنائي الدنيا واآلخـرة، وهـو ثنـائي أحـدث الغـزالي بينــه قطيعــة، ومن الــدنيا واآلخــرة جــاءت مقولــة الظــاهروالباطن عند الغزالي لتعيد تصنيف علوم القرآن من جديد. يضــع الغــزالي تقســيمه لعلــوم القــرآن وفــق نظــام ثنــائي الظاهر والباطن، فيقسمها الى علوم اللباب وعلوم القشــر

والصدف. في علوم القشــر والصــدف، هنــاك علم مخــارج الحــروف، يليه صعودا علم اللغـة، فعلم النحـو، فعلم القـراءات، فعلم

التفسير الظاهر.أما علوم اللباب فهي األخرى ذات طبقتين سفلى وعليا:

ــار، وعلم1 ـ أما السفلى فقصص القرآن عن االنبياء والكفالكالم، وعلم الفقه.

ـ وأما العليا فهي معرفة اللــه، ومعرفــة طريــق الســلوك2اليه، ومعرفة الحال عند الوصول )الثواب والعقاب(.

وتحتل معرفة الله المرتبة العليا، تبــدأ من معرفــة االفعــال االلهية في عالمي الغيب والشهادة، وتمر بمعرفة الصفات،

لتصل إلى أرقى معرفة أال وهي معرفة الذات. وعبر هذه الطريقة، أصبحت علوم الفقه والتفســير والكالمــتي علوما دونية، فيما كانت معرفة الله، أي تلك المعرفة ال يبلغها الصوفي والعارف، هي األسـاس الـذي ال تـرقى اليــه

معرفة أخرى. واذا ما ضممنا ـ كما فعل أبو زيد ـ مبدأ التوحيد بين القرآنــرا من ــدوره بح ــرآني ب ــدا النص الق ــة لغ ــفات االلهي والص

، وعــبر ذلــك يتم( [ 66 ])االســرار والعلــوم الــتي ال حصــر لها انتاج المنهج الرمزي ومسالك التأويل الباطني، عبر مزدوج

.( [ 67 ])أشعري صوفي كما الحظناــد الثنــائي الــذي وبهــذه المنظومــة، يغــدو من الطــبيعي تولــة ــائي العام ــا، أي ثن ــر االســالمي عموم ــة الفك غطى حرك والخاصة الذي راج في االوساط الصوفية، واخــذه العلمــاء،ــو لم يكن ــه الشــيعة على أنفســهم وغــيرهم )ول كمــا طبقة وأهــل الســنة هم تطبيقا حرفيا( على أســاس أنهم الخاصــ العامة، والنقطة الحساسة عند الغزالي في موضوع العامةــ أي ــاره العامــة خدمــة للخاصــة، فهم ـ والخاصــة هــو اعتب الخاصة ـ متفرغون لله، لهذا كان ال بــد من آخــرين يكــدون

ــق الله ــلوك طري ــة س ــنى للخاص ــدحون، ليتس ،( [ 68 ])ويك

ويعتبر أبو زيد هذا التقسيم قلبا للتقسيم االجتماعي الواقــع.( [ 69 ])في المجتمع

ويــذهب الغــزالي مــذهبا أبعــد من ابن عــربي، حينمــا يضــعــدما يكــون خالص ــائي العامــة والخاصــة، عن الخالص في ثن العامة باالخذ بمجمــل االعتقــادات االشــعرية، فيمــا ينحصــر الخاصة بالمتصوفة والعرفاء، وفي هــذا مــا فيــه من تصــور نهايـــة ســـوداوية لآلخـــر كالشـــيعة والخـــوارج والمعتزلـــةس لــه الغــزالي والفالسفة، وهو اتجاه بــالغ الخطــورة يؤســ

ــاه إلى ثنائياتــه األخــرى ليغــدو مصــطلح( [ 70 ])هنا ، ضــاما إيالخاصة والعامة تعبيرا آخر عن المتصوفة والبله.

ورغم أن الفقهاء فيما بعد وفي عصرنا الحاضــر اســتخدموا هم أيضا منطق الخاصــة والعامــة، إال أن الغــزالي لم ينظــر الى علم الفقه ـ كما يقول أبو زيد ـ إال بوصفه علمــا دنيويــا له في الدرجة الثانية تعلق باآلخرة، وهذا ما أدى الى تحول وظيفي في الفقه نفســه وتبــدل في مقاصــد الشــريعة من إقامــة مجتمــع الى تحقيــق الخالص الفــردي، وهــو مــا دفــع

.( [ 71 ])الغزالي لتسجيل نقده على توسع هذا العلم وبالنسبة لنا، يهمنا جدا تحديد موقف الغــزالي من التفســير والتأويل، فقد اعتبر الغزالي التأويل والوصول الى المداليل الحقيقية للنص أمـرا مرهونـا بالسـلوك الصـوفي، وهـو من هنا يرى النص رموزا وإشارات تحتاج الى من يفسرها على طريقة تعبــير الرؤيــا، مســتخدما منطقــا جديــدا في تحويــل نظام الحقيقة والمجاز، بادعاء ان اللفظ يطلق حقيقة علىــي على خالف النظم معناه الغيبي ومجازا على األمر الحس اللغوية الشائعة، وهو تحول كبير من الغزالي ال يستهان به،

.( [ 72 ])أضحى النص كله معه قابال للتأويل

ــول ــرى في التح ــه ي ــد أن ــزالي بي ــد للغ ــو زي ــد أب ورغم نق الــوظيفي نتاجــا لســيطرة العســكر من الســالجقة والــترك

، وهـو بـذلك يحـاول ربـط( [ 73 ])والديلم ثم الدولة العثمانية المشكلة بعامل خارجي، فاسحا المجــال لمثــل علي حــرب لوضــعه في مصــاف أمثــال الجــابري في تفســيره مشــكلة العقل العربي تفسيرا خارجيا جاء من الهرمسية والغنوصية

دون أن يبحث عن أســــــرار المشــــــكلة من…والمانوية.( [ 74 ])الداخل

وفي سياق تعليقنا على دراسة أبو زيــد للغــزالي من زاويــة التحويــل الــوظيفي للنص نســجل مالحظــات، مؤيــدين من حيث المبــدأ الــدور الســلبي الــذي مارســته الصــوفية على

الصعيد اإلسالمي العام:ــيمه المالحظة األولى: يأخذ أبو زيد على الغزالي ـ في تقس العلوم ـ استخفافه بمثل الفقه، بتحويله ))مقاصد الشــريعةــردي(( ــة المجتمــع الى الخالص الف ــا من اقام ])تحــويال تام

، فيمــا الغايــة هي الصــالح األخــروي، وعنــدما يتعــرض( [ 75 لنقد الغزالي لالكثار والتوسع في علم الفقه نقدا ال يستثني الغزالي منه نفسه، يالحظ عليه ان هذا الموقف منبثــق من تصور الغزالي لغايــة العلم، وحصــرها في المجــال الفــردي

.( [ 76 ])لتحقيق الخالص ولكي نقيم مقولة الغزالي يجب أن نعرف موقفــه الحقيقي من علم الفقه ومن ثم معرفة النزعة الفردية الــتي حكمت

تفكيره من ناحية ثانية.ــوم ــه من العل أما على صعيد استهتار الغزالي بالفقه وأمثال فنالحظ، أن أبو زيد ينطلق هنا من أسس أنسية في تحليــل العلــوم، وكمــا انطلــق الغــزالي من أســاس روحي أخــروي مرتبا العلوم وفقه، فعل أبو زيد الفعــل نفســه من منطلــق

أنسي دنيوي )ال بالمعنى السلبي للكلمــة(، وكمــا ال يرضــى أبو زيد بأن توصف محاولتــه اســتخفافا بــاالمور الروحيــة أو

كذلك ال يعني تقســيم الغــزالي انـه اسـتخف…العقائدية أوبالفقه.

ان علم الفقه علم قانوني ينظم حياة اإلنسان، وفي ســياق المفهوم القرآني لدور الفقه ثمة ترابط بين الدنيا واآلخرة، إن فصل الدور العام للعلوم الدينية عن هــدف الخلــق وعنــة لتشــطير العلــوم النظــام االنطولــوجي االســالمي محاول االسالمية وفق اساس من الخارج ال من الـداخل، إن الـدنيا في المفهوم االســالمي مزرعــة، وال نــدري مــاذا نفعــل فيــد من ــة تتحــدث عن اآلخــرة، وفي العدي ــف آي ــثر من أل اك اآليات الذامة للدنيا؟ هل نستنطق هذه النصوص ـ وال نظن ـــ بصــورة تــوحي بأصــالة الــدنيا واعتباريــة اآلخــرة حســب التعبير الفلسفي؟ ان اصالة اآلخرة مبــدأ يفــترض بــأبو زيــد مثال لكي ينكره تقــديم دراسـة شـاملة تعطينــا انطباعـا عن تصوره مدعما بأدلته، وهذا ما لم يفعله، وانمــا عمــد لواقــع تــاريخي ســلبي لعبت الصــوفية دورا فيــه، ليحمــل تقســيم

الغزالي تبعاته. وما دامت اآلخرة هي االساس، فمن الطــبيعي أن يتعــاطى ــا ـا أداتي ـ ــا آلي ــا تعاطي ــة تنظيمه ــدنيا وحرك ــع ال ــزالي م الغ اســتطراقيا، وهــذا مــا يجعــل علم الفقــه علمــا دنيويــا بهــذا المعنى، إنه علم يريد تنظيم الدنيا لكي تنتظم أمور اآلخــرة ال لكي تنتظم أمور الــدنيا فحســب، لكنــه في نفس الــوقت

يرى أن انتظام أمور اآلخرة ال يتم إال بنظم أمور الدنيا. إن نقــد الغــزالي كــان ال بــد ان ينطلــق من داخــل المنــاخ االســالمي، عــبر اثــارة تســاؤل يســتفهم عن مــدى إمكانيــة

ــورط في اإلفــراط الجمــع بين تقســيم الغــزالي وعــدم التالصوفي؟

واذا تبرهن ان هذا األمر غير ميسور، صح القول بأن دعــوة الغزالي من الزاوية العملية دعوة لتفكيك المجتمع والعودة الى العزلة الصوفية المتمثلـة في الخالص الفـردي، امــا اذا استطعنا الجمع المذكور فلن تكون امامنــا من مشــكلة في القيام بعمليــة دمج تربــط الــدنيا بــاآلخرة مــع حفــظ أصــالة

اآلخرة. هل قال الغزالي ان كون الفقه والتفسير من علوم القشــر او اللباب بالطبقة الســفلى معنــاه أنـه أبطــل مفعــول هــذه العلوم أو دعا الى طرحهــا، رغم تصــريحه بــأن الحاجــة تعملهذا العلم )الفقه( لتعلقه بعالج الدنيا أوال ثم بعالج اآلخرة؟ إن عملية تقسيم العلــوم ال تعــني االســتهانة ببعضــها وانمــا وضع مفاضلة، واذا دعا الغزالي لتجــاوز الشــريعة بحثــا عنــه، لكن ــا مطالبت ــة فمن حقن ــة على أســس الطريق الحقيق وضعه معرفة الله بذاتــه في أعلى الهــرم مــع افتراضــه ان كل العلوم األخرى تقع في سلسلة ال مفر منها أمر ال ضــير فيه، بعيدا عن النقاش األولي مع الصــوفية والعرفــاء حــول

تصوراتهم لمعرفة الله ولقائه. وإذا رجعنــا إلى كلمــات الغــزالي نفســه في التــبرير الــذي وضعه لذاته بجعله الفقه من علوم الدنيا، لرأينا أنه ال يقصد بذلك التهوين من هذا العلم وأمثاله، يقول ـ وهــو في صــدد تحديد المقصود من العلم الذي جعــل في الحــديث فريضــةــذكور في على كل مسلم ـ : "وليس المراد بهذا العلم )المــة ــة )ال علم المكاشــفة( والمعامل ــة( إال علم المعامل الرواي الـتي كلـف العبـد العاقـل البـالغ العمـل بهــا ثالثـة: اعتقـاد،

، وبعد تعرضــه للعلــوم الواجبــة على( [ 77 ])"…وفعل، وترك

قــال: "فــإن…نحــو الكفايــة كــالطب والحســاب والفقــه وــز ــه ع ــاعلم أن الل ــدنيا؟ ف ــه بعلم ال قلت: لم ألحقت الفق

وخلــق الــدنيا زادا للمعــاد ليتنــاول منهــا مــا يصــلح…وجل للتزود، فلــو تناولوهــا بالعــدل النقطعت الخصــومة وتعطــلـدت منهـــا الفقهـــاء، ولكنهم تناولوهـــا بالشـــهوات فتولــ الخصومات، فمست الحاجة الى سلطان يسوسهم، واحتاجــه هــو العــالم ــه، فالفقي الســلطان إلى قــانون يسوســهم ب بقانون السياســة وطريــق التوســط بين الخلــق إذا تنــازعوا بحكم شهواتهم، فكان الفقيه معلم السلطان ومرشده إلى طرق سياسة الخلق وضبطهم لينتظم باستقامتهم أمــورهمــق أيضـا بالـدين، في الـدنيا، ولعمـري إنـه )أي الفقــه( متعل ولكن ال بنفسه بل بواسطة الدنيا، فإن الدنيا مزرعة اآلخرة

.( [ 78 ])"…وال يتم الدين إال بالدنيا وليس هذا هو موقف الغزالي وحده، بل لقــد صــرح العديــد من العرفاء، أن منهجهم قائم على رعايــة الشــريعة وعــدمــة الــولي للنــبي االستخفاف بها، فقد صرح ابن عربي بتابعيــاده ــال، رغم اعتق ــواهر األعم ــة إلى ظ ــور الراجع في األم بأرفعية مقام الوالية عن مقام النبوة، بل لقد صــرح نفســه في فتوحاته بأن ))كل من قال من أهل الكشف أنه مــأمورــرعي ــر ش ــالف ألم ــكناته مخ ــه وس ــأمر إلهي في حركات ب

ــه األمر ، وهــذا( [ 79 ])((…محمــدي تكليفي فقــد التبس عليــدافعوا عن تجــاوز نص واضح، يؤكد أن جماعة العرفاء لم ي الشريعة، بــل اعتــبروا ال الشــروع بهــا بــل المداومــة عليهــا شرطا الزما لسالمة مسيرتهم الروحيــة ورحلتهم الباطنيــة، وإذا كان لنا من مالحظة عليهم فهو ـ كما قال أبو زيد ـ فيــد ــة البع ــة دون مالحظ ــاألمور الفردي ــريعة ب ــرهم الش قص االجتماعي، وهو أمر لم يكن مقصورا عليهم، وإنما كان بالء أصاب كل الفرقاء واالتجاهات، بمن فيهم الفقهاء أنفســهم،

ومن ثم تعددت أسبابه وتنوعت دوافعه بما ال يسمح بتوحيد الســبب وحصــره بجهــة أو بشــخص، أي ال معــنى لحصــره بجماعة العرفاء وال بــالغزالي لوحــده، فالشــيعة مثال كــانت لهم ظــروفهم الــتي فرضــت تنحيهم عن الحيــاة السياســية العامة مما ترك ذلك أثرا في حالة الفردية واالنكماش التي

…غطت فقههم كلــه تقريبــا في بعض الحقبــات الزمنيــة، وــذي وضــعه ــك ال يبطــل التقســيم ال ــذا فضــال عن أن ذل ه الغزالي كما أشرنا، والذي نحن بصدد الحديث حوله ال حول

ــدفاع عنها فليالحــظ…كل المنظومة الفكرية للغزالي أو الذلك جيدا.

عالوة على ذلك، نعرف جميعا بأن الكثير من العلماء ســعوا في مؤلفاتهم للقول بأن العلم الذي اختصوا فيه هو أشرف العلوم أو من أشرفها بحسب تعابيرهم، فالمتكلمون جعلــوا

ــوم ــرف العل ــفة( [ 80 ])علم الكالم أش ــه الفالس ــا جعل ، فيم ، أـما الفقـهاء فأـصروا أيـضا على أن الفـقه ـهو( [ 81 ])الفلسفةــول( [ 82 ])أشرفها ،( [ 83 ])، وهكذا جعل األصوليون علم األص

رون التفسـير كـذلك ، لقـد كـانت هـذه( [ 84 ])وجعـل المفسـ نزعة شاملة بقيت حتى حقبات متأخرة، وإذا كــان الغــزالي قد قسم العلوم جاعال معرفة الذات اإللهية أرقاها، فهو قــد

مارس تطبيقا لظاهرة عامة، ولم يبتكر شيئا من العدم. وحصيلة الكالم، إن مجرد تقسيم الغــزالي العلــوم تقســيما كالذي أسلفناه ال ينبئ عن مشــكلة، نعم في فكــر الغــزالي مشاكل أخرى يشترك في بعضها مع التيار الصوفي عمومــا

سنأتي على ذكر بعضها الحقا. المالحظــة الثانيــة: إن نقــد الغــزالي لبعض العلــوم كــالكالم

ــه و ــح…والفق ــاريخي، وال يص ــياقه الت ــه في س يجب فهم تفسيره بعيدا عن هذا السياق، لقد أقر أبــو زيــد بمالحظتــه

ــاء علــوم الــدين(( و.. بــأن و ))المنقــذ من الضــالل(( ))احيــد بلغت ــائم، لق ــع الق ــل على الواق ــان ردة فع ــزالي ك الغ المجادالت الكالمية مبلغا مفرطا قسم المسلمين واغرقهمــع في جدل ال نتيجة من ورائه، كما بلغ تطور الفقه حــدا دف الفقهاء الى مالحقة مسائل هامشية أضــاعوا بهــا أعمــارهمــة؟ أو من قبيل هل يجوز الزواج من الخامسة إذا كانت جني هل يحســب الجن من أفــراد نصــاب صــالة الجمعــة؟ األمــر

، أمــا علمــاء( [ 85 ])الذي أثار سخرية المستشرقين فيما بعد اللغـــة والتجويـــد و.. فقـــد أفرطـــوا في مالحقـــة تحليالت وتشددات ال محصل من ورائها وال فائدة عملية ترجى منها، شبه صفة التورم التي نعت العالمــة محمــد مهــدي شــمس الدين علم أصول الفقــه بهــا، وفي خضــم هــذا كلــه، شــاهد الغــزالي الفســاد الطبقي واالخالقي في العلمــاء وغــيرهم، كما يبدو ذلك كله جليا من كتابه إحياء علوم الدين فليالحظ

…نقده على الجدل والمناظرة وعلى الكالم و

وال نريد تنـزيه الغزالي فال شأن لنا بــه، وانمــا نريــد تفســير موقف من هذا النوع، إن القيــام بثــورة روحيــة في مجتمــع نضبت فيه القيم وجفت فيه فائدة العلوم ليس أمرا ســلبيا، وال يمكن أن نفهمه على مقاييس زماننا، واذا كانت النتيجــة التي خرج بها الغزالي قابلة للنقــد ـــ وهي كــذلك بالتأكيــد ـ فإن هذا ال يفسر خطوته بوصــفها خطــوة ســلبية وارتداديــة ارتجاعية، ولو أن العلماء الــذين أتــوا بعــد الغــزالي وظفــوا مفاهيمه في سياق مناسب وعصرهم لربمــا اختلــف األمــر، إن هذا هو ما تقتضيه القراءة التاريخية للفكر والــتي تضــعه

في سياقه التاريخي الخاص. وخالصة القول، ان محاكمة النتيجة شيء، وتفســير موقــفــف ــه في موق ــا يجب مالحظت ــر، إن م ــيء آخ ــزالي ش الغ

الغزالي هو قياسه على المناخ المعاصر الــذي كــان بحاجــةــاج ــد انت ــك الدولــة إلى زخم روحي هائــل يعي في ظــل تفك

القيم، وهذا ما أراده الغزالي نفسه في ذاته ومجتمعه. المالحظة الثالثة: لم يحاكم ابو زيد، وهو يمارس في كتابــه

عملية درس قرآني، تجربة االمام الغزالي ))مفهوم النص(( من منطلــق قــرآني، وإنمــا من تصــور مســبق حملتــه إليــه الصراعات االصولية العلمانية، كما تسمى هـذه الثنائيــة في

العالم العربي، وفي مصر بالتحديد. كان أبو زيد يحمل هم إعادة بناء مجتمعنا الممــزق، وكــانت همومـــه هي همـــوم المـــواطن المســـلم والعـــربي، إنهـــا

ــه…الديمقراطية والحرية والتعددية واالختالف و ، وهــذا حق الذي ال يسلب منه، كما ومن حق أبو زيد مقارعــة التخلــف االجتمـــاعي والـــديني، وهـــو تخلـــف ســـببه الجمـــود على

الموروث مع خلع لباس التاريخية عنه. لكن هذا الواقع، ال يــبرر قــراءة تجربــة المــوروث من أعين معاصرة، وكأن أبــو زيــد أراد تصــفية حســاب مــع الخطــاب االسالمي المعاصر عبر مناقشة الغــزالي، انــه يريــد توجيــه ســهامه الى المــوروث المقــدس لينهــار، ممــا يفقــد التيــارة، إن الديني المعاصر مبررات وجوده وفـق تركيبتــه الخاصــ

و))احيــاء نقــد االصــولية المعاصــرة في ))جــواهر القــرآن(( خطأ منهجي جاد، وهو مــا أوقــع أبــو زيــد في علوم الدين((

تجاهل المناخ التاريخي الحــاكم على محيــط الغــزالي، كمــاــبرر ــق معاصــر ال ي ــة الغــزالي من منطل أن محاكمــة تجرب تجاهل تجربته وفق فهم جديد للقــرآن، وبالتــالي فمن حــق قارئ أبو زيد ان يسأله عن تفسيره للنص القرآني في رأيه عن ثنائي الدنيا واآلخرة، سيما بوصفه باحثا قرآنيا، وهذا ماــداخل ال ــة من ال يصحح مطالبته بذلك باعتبار تجربته محاول

نقـد من الخــارج كمــا أراده منــه علي حـرب، ومن ثم فــأي مبرر لهذا التجاهل ما دام النص شديد الحرص على مفهوم

اآلخرة كما يالحظ بوضوح؟ إن الدراسة السيكولوجية والسسيولوجية للخطاب الــديني، ليس مــبررا ـــ لمن يحــاول االنطالق من الــداخل ـــ لتقــديم تقييم نهائي، بل ال يحق له تقديم هذا التقــييم مــا دام النص

ما يزال محافظا على مركز من مراكز الصدارة. المالحظـــة الرابعـــة: كـــأن أبـــو زيـــد افـــترض أن العمـــق االستراتيجي للخطــاب الــديني المعاصــر ينتهي بــأبي حامــد الغزالي لهذا سلط الضــوء عليــه، فيمــا األمــر ليس كــذلك، بمعنى ان االتجــاه الصــوفي والعرفــاني مثــل طيفــا وســيعا اشــتمل تيــارات عــدة بين متطرفــة ومعتدلــة، ومن الخطــأ محاكمة كل تيارات التصوف على اساس مدرســة الغــزالي

، فقـد تطـور التصـوف ــ كغـيره من( [ 86 ])كما يقـول حنفي االتجاهات الفكرية ـ تطورا ملحوظا، بـل لقـد فقـد تسـميته

لتبدو هذه في الفكر الشيعي لتحل محلها كلمة ))العرفان(( كلمة ـ التصوف ـ في هذا الفكــر ذات مــدلول ســلبي، وقــد بلغ العرفان الشيعي ـــ على ســبيل المثــال ـــ مبلغــا كبــيرا، وتطور تطورا مذهال، وحل اكثر من اشكالية يتألم منهــا ابــو زيد، إن العرفان الشيعي في القرن العشرين خــرج الســيدــهيد ــني والش ــام الخمي ــائي واالم ــين الطباطب ــد حس محم مرتضى مطهري، كما خــرج العرفــان أمثــال الســيد جمــال

ــاني ) ــدين االفغـ ــوري )1897الـ ــال الالهـ ــد اقبـ م( ومحمـ م( ممن شكلوا بمجموعهم معالم الجمــع بين دنيويــة1938

الــدين وأخرويتــه، ان تجاهــل هــذا التطــور المــذهل في العرفان االسالمي هو الذي برر البو زيد تســجيل مالحظاتــه على تيار التصوف، إن قـدرة الــدمج الموجــودة عنــد أمثــال

ــة العالمة الطباطبائي بين االتجاه العرفاني الخــالص وحركي الحياة واالنغماس في الوقت نفسه في عملية نقد تحريري للفكر الديني كان يمكنها أن تشــكل مفتاحـا لمثــل أبـو زيــد

،( [ 87 ])لتســجيل مالحظتــه على الخطــاب الــديني المعاصر دون ان يبخس تيارا كبــيرا في االســالم حقــه باختـــزاله في اتجاه واحد بل وشخص واحد، وإذا كانت التيارات األصــولية تستقي معالم طريقها من أمثال الغزالي، فإن من يسميهم أبو زيد أصحاب الخطــاب الــرجعي ليســوا جميعــا على هــذا

الطريق، كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق. المالحظــة الخامســة: ثمــة إشــكالية في تفســير الغــزالي ـ وعمـــوم المتصـــوفة والعرفـــاء ــــ للنص القـــرآني، يربـــطــأن المتصوفة بين باطن القرآن وباطن الوجود فيعتقــدون ب الذي يبلغ باطن الوجـود وحقيقتـه بالكشـف والشـهود يـرىس المتصــوفة هناك باطن القــرآن وجــوهره، ومن ثم يؤســــاء ــات الفقهـ ــاز عن عالقـ ــع النص تمتـ ــدة مـ ــة جديـ عالقـ

والمفسرين المعروفين. يبدو أن هناك مجاال لتأييد نقد أبو زيـد على قضــية التفســير والتأويل عند الغزالي، إن هذه العمليــة في منهجــة التأويــل والتفسير تبدو غير منضبطة في أبسط إشكالياتها العقالنية، ذلــك أن معيــارا لتحديــد المــدلول )وال نتحــدث عن معــايير نهائية( أمر ال يتسنى الحصول عليه في ظــل هــذه التركيبــة الصوفية، انطالقا من عــدم تقــديمهم شــواهد على كالمهم، فكل إنسان بإمكانه أن يسند إلى النص القرآني أي مدلول بحجــة أنــه عمليــة كشــف، وأن يقــرع خصــومه بــأنهم أهــل الظاهر بحجة انهم لم يقتنعوا معه بما يقول، دون أن تكون هناك مواد تجري محاكمة المعطيات وفقها، وهذه المشكلة تضـــع عمليـــة تفســـير القـــرآن برمتهـــا تحت ســـلطان

شخصانيات، إذ يشيع تفسـير ال لشـيء إال لكـون صــاحبه ذاتأثير في القلوب، وهذه مشكلة حقيقية.

وقد حاول المتصوفة والعرفاء فيما بعد تفــادي مشــكلة من هذا النوع، عن طريق إرســال إشــارات قرآنيــة، ولكن ذلــكــه ــرآني نفسـ ــد البالغي في النص القـ ــاء البعـ أدى إلى إلغــاة لصالح التمسك بظاهر النص الـذي يالمس األفكـار المتبن سلفا، فإذا قال تعالى ـ وهذا مجرد مثال قد ال نقف عنــده ـ )ذوقوا ما كنتم تكنـزون( فإن هذا النوع من التفسير يحاولم األعمـــال، أو ــ ــة تجسـ ــذا النص نظريـ ــتنتج من هـ أن يسـ التمسك بإطالق )إنمــا وليكم اللــه ورســوله والــذين آمنــوا(

…إلثبات الوالية التكوينية للرسول واألولياء و

وال نقــول إن هــذه المشــكلة حصــر بالتيــار الصــوفي أوــان ــة ك ــذه الطريق ــار له ــذا التي ــبيق ه ــالغزالي، لكن تط ب ملحوظا، ونحن نكتفي بهذه اإلشارة لتأكيد طــرح أبــو زيــد، والدعوة إلى تقييم علمي رصين لهــذا النمــط من التعــاطي مع النص القرآني والنبوي عموما، ال أقل عن طريق عقلنــةالعرفان بالمعنى الذي يحتمله العرفان نفسه من العقالنية. إن مشكلة التفسير أو التأويل العرفــاني أو الصــوفي للنص القرآني أنه غير منضبط بقواعد يمكن التحاكم إليها، ولهــذا فهي تشكل مرجعا ذاتيا للعارف نفسه دون أن ترقى مجال تقييمها وفــق مــيزان يشــارك األخــر فيــه العــارف، دون أن يعنينا فعال هل هذا التفسير صــحيح على مســتوى الواقــع أو ال، أمـا قـول العرفـاء ــ ومنهم الغـزالي ــ بـأن طي منــازل السير والسلوك هــو المقدمــة لفهم هــذا المعطى القــرآني الباطني، فهذا الكالم إذا أردنا أن نضعه في إطــار محاكمــة ال يرجع إلى محصل على الصعيد عينه الذي أشرنا إليه، هذا

بعيدا عن جدل بنيوي آخر في النتيجة العرفاني نفســها بمــايخرج عن دائرة هذه الصفحات.

*         *          *  

الهوامش:

ـــراجع محمــد بــاقر الصــدر، المدرســة القرآنيــة، نشــر  [ 1 ] المــؤتمر العــالمي للشــهيد الصــدر، إيــران، الطبعــة األولى،

.27هـ، ص1421 ـحوار األجيال، الدكتور حسن حنفي، دار قبـاء للطباعـة  [ 2 ]

.412م، ص1998والنشر والتوزيع، القاهرة، ـمفهوم النص، دراسة في علوم القرآن، الــدكتور نصــر  [ 3 ]

حامــد أبــو زيــد، المركــز الثقــافي العــربي، بــيروت والــدار.10م، ص2000البيضاء، الطبعة الخامسة،

.11ـالمصدر نفسه، ص  [ 4 ] ـــنقد النص، علي حــرب، المركــز الثقــافي العــربي،  [ 5 ]

،205، ص 1995بــيروت والــدار البيضــاء، الطبعــة الثانيــة، والحظ التأويل، الحقيقــة، النص، حــوار أجــراه مــع أبــو زيــد الكاتب اإليراني مرتضى كريمي نيا )مــترجم كتــاب مفهــوم

باللغــة النص الى اللغة الفارسية( نشر في مجلــة ))كيــان((.9م، ص2000، 54الفارسية، العدد

ـاالستالب واالرتداد، اإلسالم بين روجيه غـارودي ونصـر  [ 6 ] حامد أبو زيد، علي حرب، المركز الثقافي العــربي، بــيروت

.94م، ص1997والدار البيضاء، الطبعة األولى،

.98ـالمصدر نفسه، ص  [ 7 ].96ـالمصدر نفسه، ص  [ 8 ].208 ـ 207ـنقد النص، مصدر سابق،   [ 9 ] ، والحـظ أيضـا: حـوار209 ـ 208ـالمصدر نفسه، ص  [ 10 ]

.431األجيال، مصدر سابق، ص.217 ـ 216ـالمصدر نفسه، ص  [ 11 ] ، وانظــر ألبــو زيــد أيضــا: النص29ـمفهوم النص، ص   [ 12 ]

والســلطة والحقيقــة، إرادة المعرفــة وإرادة الهيمنــة، نصــر حامــد أبــو زيــد، المركــز الثقــافي العــربي، بــيروت والــدار

.13م، ص2000البيضاء، الطبعة الرابعة، .20 ـ 13ـالنص والسلطة والحقيقة ص   [ 13 ].31 ـ 28ـالمصدر نفسه، ص  [ 14 ].33 ـ 32ـالمصدر نفسه، ص  [ 15 ] ، وألبـــو زيـــد دراســـة42 ـ 39ــــالمصدر نفســـه، ص  [ 16 ]

مستقلة حول زكي نجيب محمود تحت عنوان ))زكي نجيبــز محمود رمز التنوير((، في كتابه الخطاب والتأويل، المرك الثقــافي العــربي، بــيروت والــدار البيضــاء، الطبعــة األولى،

.88 ـ 67م، ص 2000.53ـالنص والسلطة والحقيقة، ص  [ 17 ].54 و43ـالمصدر نفسه، ص  [ 18 ].54 ـ 53ـالمصدر نفسه، ص  [ 19 ].62ـالمصدر نفسه، ص  [ 20 ]

ــإشكاليات القـراءة وآليـات التأويـل، نصـر حامـد ابـو  [ 21 ] زيد، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، الطبعة

.228 ـ 227م، ص2001السادسة، .11ـمجلة كيان، مصدر سابق، ص  [ 22 ] ــــنقصد بالعقالنيـــة هنـــا االنتظـــام المنطقي الممكن  [ 23 ]

ــع تفسيره عقليا، ال صحة الفكرة أو فسادها وخرافيتها، راج بصــدد تعريفــات العقالنيــة وامتيازهــا عن الصــوابية: مجلــة

م، حــوار حــول2002، خريــف 27المنهــاج، بــيروت، العــدد الدين والعقالنية مع الدكتور مصطفى ملكيان والشــيخ علي

ــا ص ــاوزن، خصوص ــد لغنه ــدكتور محم ــدي وال ـ186العاب193.

ـــنقصد في تعابيرنــا باأليــديولوجي مــا كــاننت نتيجتــه  [ 24 ] معتمدة على معطيات دينية )من داخل(، دون ســلب ســمة العلمية عنها، وبغيره ما كانت النتائج ناجزة فيه دون اعتماد

على مقدمة داخلية.ــه لم  [ 25 ] ـيجب أن نشير إلى أن فشل الخطاب ال يعني أن

يحقق أي هدف في الزمان والمكان، وإنما في عدم قدرتــه ـــ على الصــعيد العــام لألمــور ـــ على الــدخول في مرحلــة جديدة متقدمــة واألهم اســتكمالها نحــو مزيــد من التطــوير الذي يناسب المرحلة، وإال فإن خطاب النهضة حقق أهدافاــه بالفشــل الكامــل، كــان ــيرة وعميقــة، ومن الظلم نعت كب أبرزها إخراج اإلسالم بقوة من القمم مــع اإلمــام الخميــني

رحمه الله. ـــيفضل الــدكتور محمــد أركــون ألســباب تعــود ـــ من  [ 26 ]

ــل ــابي والعق ــل الكت ــارق بين العق ــ إلى ف ــره ـ ــة نظ وجه الشــفاهي، اســتخدام مصــطلح الخطــاب القــرآني بــدال عن

ــة ــائج علمي النص القــرآني، وهــو موضــوع هــام جــدا وذا نتــراد من النص، حساسة أيضا حتى على صعيد اكتشــاف الم الحظ على سبيل المثال ما ذكره في: الفكر اإلسالمي نقــدــيروت، واجتهاد، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي، ب

.77م، ص1998الطبعة الثالثة، .216 ـ 215ـنقد النص، مصدر سابق، ص  [ 27 ].205 ـ 201ـالمصدر نفسه، ص  [ 28 ].200 ـ 199ـالمصدر نفسه، ص  [ 29 ].218ـالمصدر نفسه، ص  [ 30 ]ــه، ص  [ 31 ] ــالمصدر نفس ــتالب200ـ ــا االس ــر ايض ، وانظ

.97واالرتداد، مصدر سابق، ص.201ـنقد النص، ص  [ 32 ]ـالمصدر نفسه.  [ 33 ].15 و 7ـكيان، مصدر سابق،   [ 34 ]ــابق، ص  [ 35 ] ــدر س ــة، مص ــلطة والحقيق ــالنص والس ،7ـ

وانظر تفصيل الفكــرة وتطبيقهــا في الفصــل الخــامس من.285 ـ 213الكتاب نفسه، ص

.12 و 8ـكيان، مصدر سابق، ص   [ 36 ]ــمفهوم النص، ص   [ 37 ] ــ ــ ــلطة74 ـ 31ـ ــ ــ ، والنص والس

.76 ـ 67 و34 ـ 33والحقيقة، ص.8ـكيان، ص  [ 38 ]

ـإشكاليات القراءة وآليات التأويل، مصدر ســابق، ص  [ 39 ]13.

ـأنظر، فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القـرآن عنـد  [ 40 ] محيى الدين بن عربي، نصر حامد أبو زيد، المركز الثقــافي

م،1998العربي، بيروت والــدار البيضــاء، الطبعــة الرابعــة، وانظر لــه ايضــا، االتجــاه العقلي في التفســير، دراســة في قضية المجاز في القــرآن عنــد المعتزلــة، المركــز الثقــافي

م.1998العربي، بيروت والدار البيضاء، الطبعة الرابعة، ـإشكاليات القراءة وآليات التأويل، مصدر ســابق، ص  [ 41 ]

، وانظــر حــول تطــور الــدرس الهرمــنيوطيقي،18 ـ 16 الفصـــــل األول من الكتـــــاب المـــــذكور تحت عنـــــوان

، حيث49 ـ 13))الهرمنيوطيقا ومعضلة تفسير النص((، ص درس أبو زيد هذا التطور ابتــداء من نظريــة المحاكــاة عنــد افالطون.. مــرورا بشــاليرماخر وديلتــاي وهايــدغر.. وصــوال

…الى غادامر وبول ريكور و

.229 ـ 227ـالمصدر نفسه، ص  [ 42 ].426ـحوار األجيال، مصدر سابق، ص  [ 43 ].16 و7ـكيان، ص  [ 44 ].57ـمفهوم النص: ص  [ 45 ].76ـالمصدر نفسه، ص  [ 46 ] ـــاالتقان في علــوم القــرآن، جالل الــدين الســيوطي،  [ 47 ]

تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، المكتبة العصــرية، لبنــان،.49 ـ 47، ص1م، ج1988

ــد األصــول، تقريــر درس المــيرزا محمــد  [ 48 ] ــانظر فوائ ـــاظمي، ــد علي الكـ ــيخ محمـ ــائيني، بقلم الشـ ــين النـ حســـة المدرســين، ــة لجماع ــر اإلســالمي التابع ــة النش مؤسس

، وانظر أصول51، ص3هـ ، ج1409إيران، الطبعة األولى، .204 ـ 201، ص2الفقه، للشيخ محمد رضا المظفر، ج

.97ـمفهوم النص، ص  [ 49 ].99ـالمصدر نفسه، ص  [ 50 ].100 ـ 99ـالمصدر نفسه، ص  [ 51 ].108 ـ 102ـالمصدر نفسه، ص  [ 52 ].204ـالمصدر نفسه، ص  [ 53 ].75ـالنص والسلطة والحقيقة، ص  [ 54 ].80 ـ 79ـالمصدر نفسه، ص  [ 55 ].115 ـ 108ـمفهوم النص، ص  [ 56 ].214ـالمصدر نفسه، ص  [ 57 ].220ـالمصدر نفسه، ص  [ 58 ].121ـالمصدر نفسه، ص  [ 59 ].127 ـ 126ـالمصدر نفسه، ص  [ 60 ].123 ـ 122ـالمصدر نفسه، ص  [ 61 ] ــــأنظر على صـــعيد القرآنيـــات: االتقـــان في علـــوم  [ 62 ]

ــابق، ج ،61، ص3القرآن، جالل الدين السيوطي، مصدر س وهناك فــرق بين المنســوخ والمنســأ، تمامــا كمــا فعلــه من

ــان، ج ــي في البرهـ ــل الزركشـ 43 ـ 42، ص2قبـ ــا ، وأيضـ

التفسير الكبير، اإلمام الفخــر الــرازي، دار الكتب العلميــة، ، وعلى صــعيد أصــول227، ص3طهران، الطبعة الثانيــة، ج

الفقه: الذريعة إلى أصول الشريعة، الســيد المرتضــى علم الهدى، تحقيق أبــو القاســم كــرجي، نشــر جامعــة طهــران،

، والعــدة في أصــول414، ص1م، ج1984الطبعة الثانيــة، الفقه، الشيخ محمد بن الحســن الطوســي، تحقيــق محمــد

، ص2هـــ، ج1417رضــا األنصــاري القمي، الطبعــة األولى، 486.

ـانظر ـ كأنموذج ـ السيد محمــد بــاقر الصــدر، دروس  [ 63 ] في علم األصــول، دار الكتــاب اللبنــاني ومكتبــة المدرســة،

.343، ص1هـ ، ج1406بيروت، الطبعة الثانية، .245ـمفهوم النص، ص  [ 64 ].246ـالمصدر نفسه، ص  [ 65 ].255 ـ 254ـالمصدر نفسه، ص  [ 66 ].257 ـ 256ـالمصدر نفسه، ص  [ 67 ].287 ـ 286 و262 ـ 261ـالمصدر نفسه، ص  [ 68 ].262ـالمصدر نفسه، ص  [ 69 ] .283 ـ 282ـالمصدر نفسه، ص  [ 70 ] ، وانظـر دراسـة أبـو265 ـ 264ــالمصدر نفسـه، ص  [ 71 ]

ــل((، زيد حول مقاصد الشريعة في كتابه ))الخطاب والتأويــاني، ص 201مصدر سابق، الفصل الخامس من القسم الث

ــد208ـ ــة المقاص ــدا لنظري ــا جدي ــه طرح ــدم في . حيث ق يربطها بثالثي العقل ـ الحرية ـ العــدل، بــدال من الخماســي

المشهور.

.281 ـ 280 و 276 ـ 269ـمفهوم النص، ص  [ 72 ].13 ـ 12ـالمصدر نفسه، ص  [ 73 ].214 ـ 213ـنقد النص، ص  [ 74 ].264ـمفهوم النص، ص  [ 75 ].265ـالمصدر نفسه، ص  [ 76 ] ـــإحياء علــوم الــدين، أبــو حامــد الغــزالي، دار الكتب  [ 77 ]

ــــــــيروت، الطبعـــــــــة األولى، م،1986العلميـــــــــة، ـب ، وقد أخــذ الغــزالي هــذا الكالم من أبــو طــالب25، ص1ج

المكي كمـــا أشـــار الى ذلـــك العالمـــة محمـــد بن محمـــد الحسيني الزبيدي المعــروف بمرتضــى في كتابــه: "إتحــاف

،1السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين"، دار الفكر، ج .135ص

.29 ـ 28، ص 1ـالمصدر نفسه، ج   [ 78 ] ـمحيى الدين بن عربي، الفتوحات المكيــة، دار صــادر  [ 79 ]

.179، ص1)الطبعة القديمة(، بيروت، ج ــــيفهم من العالمـــة الحلي في مقدمتـــه على كتابـــه  [ 80 ]

كشف المــراد في شــرح تجريــد االعتقــاد، تصــحيح وتقــديم وتعليق: حســن حسـن زاده آملي، مؤسسـة النشـر التابعــة

هـ، ص1416لجماعة المدرسين، إيران، الطبعة السادسة، 19.

ـــيفهم من تســميتهم لهــا بأنهــا العلم األعلى، راجــع ـ  [ 81 ]ــائي، نشــر كأنموذج ـ بداية الحكمة، محمد حســين الطباطب

هـ،1416جماعة المدرسين، إيران، الطبعة الرابعة عشرة، .7ص

ـــكأنموذج، راجــع الفقيــه المحقــق محمــد بن علي  [ 82 ]ــرائع ــرح ش ــام في ش ــدارك األحك ــاملي، م ــوي الع الموس اإلسالم، نشــر وتحقيــق مؤسســة آل الــبيت عليهم الســالم

.3، ص1هـ، ج1410إلحياء التراث، إيران، الطبعة األولى، ـأصول السرخسي، أبي بكر محمــد بن أحمــد بن أبي  [ 83 ]

سهل السرخسي، تحقيــق أبــو الوفــاء األفغــاني، دار الكتب.3، ص1 هـ، ج1414العلمية، بيروت، الطبعة األولى،

ـفتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم  [ 84 ] التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، عالم الكتب،

ــا12 ـ 11، ص1ج . وتهمنا اإلشارة إلى أن النماذج التي أتين بها ربما كان بعضــها متــأخرا عن زمن الغــزالي، إال أنــه مــع ذلك، فإن هــذه الفكـرة مترقبــة في الثقافــة آنــذاك، عـنيت خصوصا الجــانب النرجســي من الثقافــة الــذي كــان ســائدا أيضا ويعطي إيحــاء بــان تميــيز علم على علم أمــر مــرتقب

ومعقول، مما يجعل تبني الغزالي لها أمرا غير غريب.ــالم،  [ 85 ] ـأجناس جولدتسيهر، العقيدة والشريعة في اإلس

ترجمة محمد يوســف موســى وعبــدالعزيز عبــدالحق وعلي حسـن عبــدالقادر، دار الرائــد العــربي، بـيروت، مصــور عن

.66 ـ 63م، ص1946نسخة ، بـل يـرى الـدكتور416ـحوار األجيال، مصدر سابق،   [ 86 ]

أن الغزالي نفسه ال17 ـ 16حنفي في المصدر نفسه، ص يمكن فهمه من خالل اإلحياء والمنقذ والجــواهر، فقــد كــان

آخر ما كتبه الغزالي، ))المستصفى في علم أصول الفقه(( ولـه فيه مواقف ال تبعد كثــيرا عن مفهــوم النص في علــومــر في ابن رشــد ــغ األث القــرآن، وقــد كــان للمستصــفى أبل

الفقيه، ومن ثم فجــواهر القــرآن إنمــا هــو بحث في علــومالقرآن على األصول الصوفية فقط.

ــويري  [ 87 ] ــائي ودوره التن ــة الطباطب ــول العالم ــانظر ح ـ م، مقال: ))علم2002ـ، 36التحريري، مجلة الكلمة، العدد

الكالم عنــد الســيد محمــد حســين الطباطبــائي، قــراءة في.74 ـ 45جدل العقل والنص((، حيدر حب الله، ص