تاريخ الأقباط زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

85
ف دهــــــــ زُ َ طت ادراد ا رد ء ا ا

Upload: mamdouh-sobhy

Post on 18-Feb-2017

298 views

Category:

Education


19 download

TRANSCRIPT

Page 1: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

����ف

ز� ��ــــــــ�ده

�د�ر ���د ا�درا� ت ا�ط��

ا���ء ا����� ��

Page 2: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

2

ةيموسعة تاريخ األقباط والمسيح

الجزء الثامن عشر

الفتح العربـى لمصــر

تأليف

زكى شنــوده مدير معهد الدراسات القبطية

1998

Page 3: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

3

مقدمـة

عن يقتضينا ذلك أن نسبق الكالم . لكى ندرك حقائق األمور فى بداية الفتح العربى المصر هذه الحقائق ، بالكالم أوال عن إنقسام اإلمبراطورية الرومانية من ناحية ، وعن إنقسام المسيحية من الناحية األخرى ، وأن نبحث أثر هذين اإلنقسامين فى الوضع الذى كان فى مصر عند الغزو العربى

. اإلنسان وفى أقصر وقت يمكن أن يتصوره. لها ، مما جعل هذا الغزو يتم بسهولة غريبة

ففى أواخر القرن الرابع الميالدى تم تقسيم اإلمبراطورية الرومانية بين أبناء اإلمبراطور - 1أحدهما اإلمبراطورية الرومانية : ثيئودوسيوس الكبير، فإنقسمت اإلمبراطورية الرومانية إلى قسمين عليها إسم اإلمبراطورية البيزنطية الغربية وعاصمتها روما ، وثانيهما اإلمبراطورية الشرقية التى غلب

. وكانت تخضع لها مصر . إذ كانت عاصمتها بيزنطة .

وقد أدى هذا المجمع إلى . للميالد أن تم إنعقاد مجمع خلقيدونية 451 كما أنه حدث فى عام - 2ائس إنقسام الكنيسة المسيحية إلى قسمين ، بسبب الخالف الدينى الذى نشب بين كنيسة روما والكن

التى إنضمت إليها من جهة ، وكنيسة االسكندرية القبطية والكنائس التى إنضمت إليها من الجهة ونظرا ألن الخالف بين الفريقين نشأ عن البحث فى موضوع الهوتى يمس العقيدة المسيحية . األخرى

ا منذ بداية العهد إذ تمسكت كنيسة االسكندرية القبطية بالعقيدة التى كانت قد آمنت به. فى صميمها فى . المسيحى ، والتى توارثتها عن آبائها األوائل ، ورفضت أن تتزحزح عن تلك العقيدة قيد شعرة

حين خالفتها فى ذلك كنيسة روما ألسباب سياسية بحتة فى جوهرها ، كما سيتبين لنا فى الشرح ئس التى ناصرتها تسمى ومن ثم أصبحت كنيسة روما والكنا. الذى سنبسطه فى األبحاث التالية

بالكنيسة الخلقيدونية ، فى حين أصبحت كنيسة االسكندرية والكنائس التى ناصرتها تسمى بالكنيسة . أى مستقيمة الرأى . غير الخلقيدونية ، أو األرثوذكسية

وقد إشتد الخالف بين هذين الجانبين إشتدادا أدى إلى كثير من النزاعات والصراعات ولكنها نشبت هذه المرة بين . نيفة التى أعادت إلى العالم المسيحى عهد الشهداء والمعارك الع

بعد أن كانت قبل ذلك تنشب بين مسيحيين ووثنيين ، وال سيما فى مصر . مسيحيين ومسيحيين التى ذاق أقباطها أشد الويالت من البيزنطيين الخلقيدونيين الذين كانوا فى ذلك الحين يسيطرون

ة حربية وسياسية ، ويصرون على فرض مذهبهم فرضا بحد السيف على األقباط الذين عليها سيطرتمسكوا إلى الرمق األخير بعقيدتهم التى كانوا يؤمنون كل اإليمان بصحتها ويأبون التزحزح عنها ولو

. أدى بهم ذلك إلى الموت ، موت الشهداء

Page 4: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

4

أحدهما : تاب فى قسمين رئيسيين ومن ثم يقتضينا منطق البحث أن نتناول موضوع هذا الك فالباب األول : ويشتمل على ثالثة أبواب " ما قبل الفتح العربى لمصر " هو القسم األول وعنوانه

منها نتكلم فيه عن إنقسام اإلمبراطورية الرومانية ، والباب الثانى نتكلم فيه عن إنقسام الكنيسة اشرة قد تعرضت لالحتالل الفارسى ، لمدة عشر ولما كانت مصر قبل الفتح العربى مب. المسيحية

سنوات ، فإننا ينبغى أن نضيف بابا ثالثا نتكلم فيه عن إحتالل الفرس لمصر قبل الفتح العربى ثم . نضيف أيضا بابا رابعا عن هذه . لما كان ذلك الفتح العربى قد مهدت له بعض األحداث األخرى

. األحداث

ن هذا الكتاب فنتكلم فيه عن بداية الفتح العربى لمصر ، ومسيرة هذا وأما القسم الثانى م .الفتح حتى تم للعرب فتح مصر كلها ، وفرض سلطانهم عليها

ولما كان تاريخ العرب فى مصر طويل ، إستمر ، حتى اليوم ، أربعة عشر قرنا متصلة ، نذ الغزو العربى فى عهد الخلفاء فإننا نقتصر فى هذا الجزء من الموسوعة على استعراض األحداث م

الراشدين على أن نوالى الحديث على ما بعد ذلك من عهود ، فى األجزاء التالية إذا شادت مشيئة اهللا . ذلك

Page 5: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

5

القسـم األول

ما قبل الفتح العربى لمصر

البـاب األول

إنقسام اإلمبراطورية الرومانية ول من فكر فى تقسيم اإلمبراطورية الرومانية إلى كان اإلمبراطور الرومانى دقلديانوس هو أ إال أن . وقد بدأ ذلك بتقسيمها مبدئيا إلى أربعة أقسام . أحدهما شرقى والثانى غربى : قسمين

إلى عام 284اإلمبراطورية الرومانية ظلت مع ذلك متحدة فى عهد دقلديانوس الذى استمر من عام كما أن تقسيمها بعد ذلك إلى قسمين فى عهد . ال تتجزاء وظلت تمثل وحدة قائمة. للميالد 305

ولكنها . وقد تم له إعادة توحيدها بتغلبه على منافسيه . قسطنطين الكبير لم يضعف من وحدتها . 350أعيد تقسيمها بعد وفاته بين أبنائه حتى استطاع أحدهم ، وهو قسطنطينوس توحيدها سنة

وبذلك أصبح التقسيم أمرا واقعا . 359ئودوسيوس الكبير سنة ثم قسمت بين أبناء اإلمبراطور ثي للميالد ، 565 إلى عام 527نهائيا على الرغم من جهود اإلمبراطور جستنيان الذى حكم من عام

ثم كان تأسيس مدينة القسطنطينية دليال على . والذى بذل كل ما فى قدرته إلعادة توحيدها من جديد التى أصبحت معروفة باإلمبراطورية . ى اإلمبراطورية الرومانية الشرقية تأسيس دولة جديدا ه

تميزا لها عن . وكانت عاصمتها مدينة القسطنطينية التى أصبحت معروفة بروما الجديدة . البيزنطية وكان السبب فى تسميتها باإلمبراطورية البيزنطية هو . روما عاصمة اإلمبراطورية الرومانية الغربية

ومع ذلك ظل البيزنطيون . ها إلى مدينة بيزنطة التى كانت تقع فى مكان مدينة القسطنطينية نسبتوأصبحوا معروفين عند العرب بالروم ، ولهذا سميت أيضا إمبراطورية . ينعتون أنفسهم بالرومان

. ولكننا سنقتصر على إسم البيزنطيين عندما نتحدث عنهم فى هذا الكتاب . الروم

اإلمبراطورية البيزنطية بالد اليونان والبلغار وجانبا من إيطاليا وآسيا الصغرى وقد ضمت . وبالد الشام وجانبا من بالد العرب ومصر وليبيا وتونس ، فكانت أعظم إمبراطورية فى عصرها

وأصبحت . قبل الميالد 30وكانت مصر قد وقعت فى يد اإلمبراطورية الرومانية منذ سنة وحين تم تقسيم اإلمبراطورية الرومانية على أثر وفاة اإلمبراطور ثيئودوسيوس الكبير . ية والية رومان

أصبحت مصر من نصيب اإلمبراطورية الرومانية الشرقية ، التى رأينا أنها . ميالدية 359سنة

Page 6: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

6

640أصبحت معروفة باسم اإلمبراطورية البيزنطية ، وظلت تابعة لها حتى سقطت فى يد العرب سنة . ميالدية فى عهد اإلمبراطور البيزنطى هرقل األول

ومنذ بداية القرن السابع الميالدى راحت اإلمبراطورية البيزنطية تنحدر إلى سلسلة متوالية بعد أن كانت فى النصف الثانى من القرن السادس قد أبلغ جستنيان . من درجات الضعف واإلنحالل العرب شرقا ، والى مضيق جبل طارق غربا ، وان كان خطر اإلنحالل حدودها إلى بالد القوقاز وبالد

إذ توالت المصائب على الدولة إلى درجة أنها باتت معرضة . قد ظل ماثال حتى فى عهد جستنيان كما إجتاح الوباء بالد الشرق . فمن فساد سياسى إلى فساد أخالقى ، إلى فساد إقتصادى : للزوال

رما فى مصر إلى بالد ليبيا ، وامتد إلى فلسطين وما يكتنفها من بالد فارس إلى كلها من مدينة الفثم أعقب ذلك الوباء تلك الزالزل الرهيبة التى دمرت المدن واشاعت فى البالد الهالك . القسطنطينية

فة فكانت أواخر أيام ذلك العاهل الكبير تغشاها سحابة من الهول ومخافة البالء ، بل مخا. والموت حتى كانت حكومة هذا اإلمبراطور . وما أن كادت أيام خليفته جستينى تقترب من نهايتها . الفناء

578فلما جاء اإلمبراطور طيباريوس سنة . حتى انتهى به األمر إلى الجنون . تتصدع وتتهاوى " موريق " ولكنه لم يلبث أن مات سريعا ، وجاء بعده اإلمبراطور . أصبح هناك أمل فى اإلصالح

والخزائن خاويه والشعب متذمر والدولة متصدعة ، فأزاحه الشعب وجاء بدال منه بجندى جاهل اسمه . فسلط على الدولة سوط العذاب " فوكاس "

فقد سعى جستنيان . ولم يكن فى بالد اإلمبراطورية ما هو أشقى أو أتعس حاال من مصر سعيا متواصال ليجبر األقباط على إعتن ولكن زوجته . اق المذهب الخلقيدونى كما سنرى فيما بعد

اإلمبراطورة تيودورا أفسدت سعيه إذ كانت تعطف على مذهب األقباط غير الخلقيدونيين عطفا ظاهرا .

ومن ثم نشب الصراع فى مصر بين طائفة الخلقيدونيين وطائفة غير الخلقيدونيين الذين وقد . فنشبت المعارك بين الطائفتين والسيما فى االسكندرية . كانوا هم معظم شعب مصر من األقباط

فى حين أن الحكام البيزنطيين . اضطربت األحوال فى صعيد مصر وأوشكت أن تؤدى إلى حرب أهلية وأن تكون لمذهبهم الدينى . كان همهم كله منصبا على جمع األعمال لخزائن اإلمبراطور وحاشيته

. فكان الحكم على أيديهم ال يؤدى إآل إلى الظلم والتعاسة والشقاء .اليد العليا فى البالد

ثم . حتى كانت بالد اإلمبراطورية كلها هائجة تتهيأ للثورة 609وما أقبلت سنة بدأت الثورة بالفعل فى بنتا بوليس ، وهى الخمس مدن الغربية ، إذ أن كريسبوس زوج إبنة فوكاس

ودعا هرقل حاكم أفريقيا . ثم شرع فى تدبير ثورة ضده . عليه فعل ما إستوجب غضب اإلمبراطورفاستعان بإبنه المسمى كذلك هرقل ونائبه . وكان هرقل قد تقدم فى السن . لينفذ المؤامرة التى أعدها

Page 7: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

7

نيكيتاس ، فى تنفيذ هذه المؤامرة ، وفعال لم يلبث هرقل أن استولى على حكم اإلمبراطورية البيزنطية وبعد صراعات عنيفة عاتية بين األطراف المتحاربة استقر األمر وأصبح هرقل سيد . صر ، ومنها م

. اإلمبراطورية ، ومنها القطر المصرى ، بال نزاع

وكانت مصر فى ذلك العصر أكثر بالد اإلمبراطورية هياجا ، وكانت أمورها فى اضطراب س والسابع عهد نضال بين األقباط من وكان القرنان الساد. مستمر منذ إنعقاد مجمع خلقيدونية . كما سنرى فيما بعد . جانب والبيزنطيين من الجانب اآلخر

Page 8: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

8

البـاب الثانـى

إنقسام الكنيسة المسيحية

الفصل األول

المجامع الكنسية قبل مجمع خلقيدونية على بعد أن استقرت المعتقدات المسيحية فى العالم المسيحى كله ، عقدت مؤتمرات اتفق

مجامع مسكونية أى عالمية ، ومجامع : تسميتها بالمجامع أو المؤتمرات الكنسية ، وكانت نوعين . مكانية أى إقليمية

أما المجامع المسكونية فقد عقدت مرات معدودات فى القرون األولى المسيحية ، وشهدها ذاهب دينية غريبة ومخالفة ممثلو الكنائس من جميع األقطار ، وكان السبب الرئيسى لعقدها ظهور م

وأصبح ضروريا فحصها واصدار . لإليمان المسيحى ، العام ، ومن ثم عرفت بالبدع أو الهرطقات . قرارات بأنها وشأن مبتدعيها

وأما المجامع المكانية فهى التى كانت الكنائس ، وما تزال ، تعقدها فى حيزها الخاص إلقرار . نظر فى بعض الشئون المحلية الخالصة عقائد معينة أو رفضها ، أو ال

وقد عقد من المجامع المسكونية ثمانية مجامع ، تعترف الكنيسة القبطية األرثوذكسية . باألربعة األولى منها ، وال تعترف باألربعة األخرى ، والسيما المجمع الخامس وهو مجمع خلقيدونية

: ميالدية 325 مجمع نيقية سنة - 1

مجمع نيقية ، إذ عقد فى مدينة نيقية وأهم المجامع المسكونية يسمىوكان أول وقد حضر . بأمر اإلمبراطور قسطنطين الكبير 325 مايو سنة 20عاصمة بثينية بآسيا الصغرى فى

أسقفا غير القسوس والشمامسة من كل أنحاء العالم 318كما حضره . هذا اإلمبراطور ذلك المجمع وكان بصحبته رئيس . نيسة القبطية فيه البابا ألكسندروس بطريرك االسكندرية ومثل الك. المسيحى

كما حضر هذا المجمع أساقفة . شمامسته الشهير أثناسيوس ، الذى أصبح فيما بعد بطريركا لألقباط

Page 9: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

9

إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا وأنطاكية وقيصرية ونصيبين ونيكوميديا وقبرص والسرب والبلغار . وقد عقد االجتماع فى إحدى ساحات القصر اإلمبراطورى . طبة وقر

وذلك أن المسيحيين . وكان السبب الرئيسى لعقد المجمع هو النظر فى بدعة آريوس جميعا فى ذلك الحين كانوا يؤمنون بطبيعة إلهية للسيد المسيح متحدة بطبيعته البشرية بعد التجسد

كان السيد المسيح يقوم بأعمال ال يمكن أن تكون صادرة عن والتأنس ، وبهذه الطبيعة المتحدةوأما آريوس فقد فصل الطبيعة اإللهية عن الطبيعة البشرية للسيد المسيح . الطبيعة البشرية وحدها

، ألنه لم يفهم الطبيعة الحقيقية له على وجه صحيح ، نظرا لتغلب النزعة البشرية فى آريوس على تجا ببعض عبارات فى الكتاب المقدس ، ومتجاهال عبارات أخرى توضح مفهوم النزعة الروحية ، مح

وقد تصدى له الشماس القبطى أثناسيوس ، أثناء إنعقاد المجمع ، فكشف أخطاءه . العبارات األولى خطأ بعد خطأ ، مستندا إلى عبارات صريحة واردة فى الكتاب المقدس ، مما أدى إلى أن كل أعضاء

تنعوا بمخالفة بدعة آريوس لإليمان الصحيح ، وقرروا باألكثرية الساحقة حرمه وتحريم المجمع إق ووضع المجمع القانون الذى يعبر . بدعته وحرق كتبه ونفيه إلى األليريكون بجوار بحر األدرياتيك

ى عن اإليمان الصحيح ، والذى يلتزم به المسيحيون منذ بداية ظهور المسيحية ، بعد تكملته ف . المجمعين التاليين اللذين عقدا فى القسطنطينية ، ثم فى أفسس

وقد فصل مجمع نيقية كذلك فى مشكلة تحديد اليوم الذى يقع عيد الفصح تحديدا دقيقا وهو وقد كان ثمة خالف بين . عيد قيامة السيد المسيح إلى الحياة بعد صلبه وبقائه فى القبر ثالثة أيام

ومن ثم قرر المجمع تكليف البابا بطريرك االسكندرية القبطى بتحديد موعد . لصدد المسيحيين بهذا ا . نظرا لما كان لألقباط من تبحر فى العلوم الدينية والفلكية . هذا العيد

وقد جمع البابا ديمتريوس علماء األقباط الفلكيين ووضع بواسطتهم الحساب المسمى حديد موعد هذا العيد تحديدا دقيقا مسبقا ، لكل األعوام حساب األبقطى الذى يمكن باستعماله ت .

: ميالدية 381 مجمع القسطنطينية سنة - 2وهو المجمع المسكونى الثانى ، وقد تم عقده فى مدينة القسطنطينية بأمر اإلمبراطور

ثيئودوسيوس الكبير ، وحضره مائة وخمسون أسقفا ، ومثل الكنيسة القبطية فيه البا با تيموثيئوس ولم يكن يمثل أسقفية . األول ، كما حضره أساقفة القسطنطينية وأنطاكية وأورشليم وأيقونية والالذقية

. روما عاصمة إيطاليا أحد فى هذا المجمع ، ومع ذلك وافق أسقف روما على قراراته

الحين وكان الغرض من هذا المجمع محاكمة أصحاب البدع والهرطقات التى ظهرت فى ذلك وقد قضى المجمع بإسقاط مكدونيوس من رتبة . ، ومنهم مكدونيوس وأوسابيوس وأبوليناريوس

Page 10: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

10

وحرم أبوليناريوس أسقف الالذقية واسقاطه من . وقطع أوسابيوس من رتبته الكهنوتية . األسقفية . رتبته الكهنوتية

نيقية ، وهى تبدأ ثم وضع هذا المجمع تكملة قانون اإليمان الذى سبق أن وضعه مجمع " . وحياة الدهر اآلتى آمين " وتنتهى بعبارة " نؤمن بالروح القدس " بعبارة

: ميالدية 431 مجمع أفسس األول سنة - 3وقد عقد فى مدينة أفسس بأمر اإلمبراطور . هذا هو المجمع المسكونى الثالث

وقد . بطريرك االسكندرية القبطى حضره مائتا أسقف برئاسة البابا كيرلس األول , ثيئودوسيوس صحبه خمسون أسقفا قبطيا وكان الغرض , كما صحبه األنبا شنودة رئيس المتوحدين فى مصر .

من عقد هذا المجمع كذلك محاكمة أصحاب البدع والهرطقات التى ظهرت فى ذلك الحين ، وفى . مقدمتهم بيالجيوس ونسطور

. االنجيليزى فى بدعته ثم قطعه وأسقطه من رتبته وقد ناقش المجمع بيالجيوس الكاهن ثم اختاره اإلمبراطور ثيئودوسيوس أسقفا على . وأما نسطور فكان راهبا فى دير بالقرب من أنطاكية

غير أنه ما لبث أن نادى بأن طبيعة السيد المسيح الالهوتية منفصلة عن طبيعته . القسطنطينية يعة اإللهية للسيد المسيح لم تشارك فى الميالد والصلب والموت البشرية ، ورتب على ذلك أن الطب

وقد جاء نسطور إلى المجمع ومعه , والقيامة من الموت وال الصعود إلى السماء مع الطبيعة البشرية .وقد بذل أقصى ما فى وسعه فى إثبات صحة إعتقاده . أربعون أسقفا من أعوانه يساعدونه

يؤمنون منذ البداية بطبيعة إلهية للسيد المسيح متحدة بطبيعته وقد كان المسيحيون جميعا البشرية إتحادا كامال بعد تجسده وتأنسه بهذه الطبيعة المتحدة كان يقوم بأعماله التى ال يمكن أن ,

ألنه على سبيل المثال كان بكلمة منه يقيم الميت بعد . تكون صادرة عن الطبيعة البشرية وحدها وكان بلمسة من يده يفتح أعين المولود أعمى ، أى أنه . عديدة وقد بدأت جثته تتحلل موته بأيام

وكان يخلق كميات ضخمة من الطعام من ال شئ لآلالف المؤلفة من . كان يخلق له عينين من العدم فيأكلون ويشبعون ، ثم تتبقى منهم كميات . البشر الذين كانوا يهرعون إليه ليستمعوا إلى تعاليمه

مما يستحيل أن يحدث . وكان يمشى على الماء . كبيرة من الطعام الذى خلقه خلقا بقوته اإللهية والتى ال . وقد صنع آالفا من تلك المعجزات التى تفوق القدرة البشرية . من أى إنسان من البشر

ا من روح القدس وانم. تقدر عليها إال القدرة اإللهية وحدها ، فضال من أنه مولود ال من زرع بشر ولذلك فإن المجمع بعد أن استمع إلى ردود البابا كيرلس . الذى هو روح اهللا ذاته ومن مريم العذراء

وغيرهما حكم بقطعه نسطور وأثبت أن السيد . البطريرك االسكندرى القبطى وكليستينوس أسقف روما

Page 11: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

11

إتحادا كليا وحقيقيا بغير , قنوم البشرى المسيح إقنوم واحد وطبيعة واحدة بعد إتحاد األقنوم اإللهى باأل . وأن الهوته وناسوته لم يفترقا لحظة واحدة وال طرفة عين . إختالط وال إمتزاج وال إستحالة وال تغير

وتنتهى " نعظمك يا أم النور الحقيقى " وقد وضع المجمع مقدمة لقانون اإليمان ، تبدأ بعبارة " .ارحم يا رب بارك آمين يا رب ارحم يا رب " بعبارة

وأما نسطور فحكم عليه المجمع بالنفى إلى إحدى مدن صعيد مصر ولكنه إنتقل من هناك فأنتشر انتشارا عظيما فى الجزيرة كلها ، وما زال بقية . إلى الجزيرة العربية وأشاع فيها مذهبه

وان كان تحت أسماء أخرى . ات أتباعه فى كل مكان يؤمنون بكل ما زعمه وأذاعه من أكاذيب ومفتري . وقد أقام حينذاك فى الجزيرة العربية كثيرا من الكنائس واألديرة النسطورية .

: ميالدية 449 مجمع أفسس الثانى سنة - 4 ميالدية بأمر اإلمبراطور الرومانى 449هذا هو المجمع المسكونى الرابع وقد عقد سنة

لتماس قدمه إليه أوطاخى المتهم بالهرطقة ، إستئنافا للحكم الصادر ثيئودوسيوس ، بناء على إوقد حضر هذا المجمع المسكونى . بقطعه من مجمع مكانى عقده فالبيانوس أسقف القسطنطينية

وكان . الرابع مائة وخمسون أسقفا برئاسة البابا ديسقورس بطريرك االسكندرية لألقباط األرثوذكس عن أسقف روما ، وبوليناريوس أسقف أورشليم ، ودفنوس أسقف أنطاكية ، من الحاضرين يوليوس

. وفيالبيانوس أسقف القسطنطينية ، واستفانوس أسقف أفسس

وقد حدث أن تطرف فى التعبير عن . وكان أوطاخى رئيسا لدير بالقرب من القسطنطينية ف بتمسكه بقانون اإليمان الذى وقد ناقشه المجمع فاعتر. آرائه فى مجال الجدال مع األريوسيين

. فحكم المجمع ببراءته . سبق أن وضعه مجمع نيقية

وقد حكم المجمع . كما ناقش المجمع األسقف فالبيانوس الذى اتهم بأنه من أتباع نسطور كما حكم بتجريد ثيئورينوس أسقف كورش ، وايريناوس أسقف صور بتهمة . بعزله من وظيفته

. النسطورية كذلك

حتى إذا مات . ولكن قرارات هذا المجمع لم تنل رضاء الون أسقف روما فلم يعترف به أن يوافق – وكان على صلة طيبة به –اإلمبراطور ثيئودوسيوس طلب الون إلى خليفته ماركيانوس

. فوافق اإلمبراطور على ذلك وأمر بعقد مجمع فى خلقيدونية . على عقد مجمع آخر

: ميالدية 451ية سنة مجمع خلقيدون- 5

Page 12: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

12

لم يكن هذا المجمع الذى ترفضه الكنيسة القبطية مجمعا بالمعنى الصحيح ، وانما كان باألحرى مؤامرة دبرها اإلمبراطور ماركيانوس مع الون أسقف روما للتخلص من زعامة الكنيسة

ية لروما عاصمة ورغبة هذين المتآمرين فى أن تكون الزعامة الدين. القبطية للعالم المسيحى بدال من زعامة االسكندرية عاصمة مصر التى لم تكن فى ذلك الحين إال . اإلمبراطورية الرومانية

والية من واليات اإلمبراطورية الرومانية ، بما ينطوى على تغليب االعتبارات السياسية على االعتبارات ف روما منذ البداية ، على تنفيذ خطوات الدينية ، ولذلك عمل على هذا اإلمبراطور باالتفاق مع أسق

ومن ثم تقرر فى البداية أن يعقد المجمع أوال فى القسطنطينية ، ثم . تلك المؤامرة مرحلة بعد مرحلة وقد حضره فى البداية . لم يلبث أن تقرر نقل االجتماع إلى مدينة خلقيدونية بالقرب من البسفور

غير أن الجانب . رس بطريرك االسكندرية ومعه أساقفته كما حضره البابا ديسقو. أساقفة روما خالفا شديدا مع الجانب القبطى ، - فى اليوم األول من إنعقاد المجمع -الرومانى لم يلبث أن افتعل

حتى إذا كان اليوم الثانى صدر األمر من اإلمبراطور بمنع البابا ديسقورس وأساقفته بالقوة من اقفة روما فرصة عدم وجود البابا ديسقورس وأساقفته ، فاجتمع مع حضور الجلسة ، وانتهز أس

بعض أساقفة الشرق وحكموا بعزل البابا ديسقورس ونفيه ونادوا بعقيدة تخالف عقيدة اإليمان التى سبق أن استقر عليها االتفاق فى مجمع نيقية والمجامع المسكونية الثالثة التى تلته ، إذ قالوا

تين المنفصلين للسيد المسيح بدال من القول بالطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة له بالطبيعتين والمشيئوقد حاول اإلمبراطور مركيان بعد ذلك أن يلزم البابا ديسقورس إلزاما بأن . بعد التجسد والتأنس مهددا إياه بالقتل إذا رفضها ، فأجاب ديسقورس قائال . يعترف بهذه البدعة ر ال يلزمه إن اإلمبراطو:

البحث فى هذه األمور الالهوتية الدقيقة ، بل ينبغى له أن يتفرغ لألمور الخاصة بتدبير مملكته ، أال يميل مع . ويدع رجال الكهنوت يبحثون فى األمانة المستقيمة ، فإنهم يعرفون الكتب ، وخير له

" . الهوى وال يتبع غير الحق

حاضرة ، وأمرت جنودها بأن يضربوا البابا ديسقورس وحينئذ غضبت اإلمبراطورة التى كانت على وجهه ، فانهالوا عليه ضربا عنيفا وحشيا حتى تحطمت أسنانه ، وراحوا ينتفون شعر لحيته ، وأخيرا أمر اإلمبراطور بنفيه إلى جزيرة فالغونيا بآسيا الصغرى فظل منفيا هناك حتى مات بعد ستة

الكنيسة القبطية محافظة على اإليمان الذى استشهد فى سبيله ، إلى سنوات موت الشهداء ، وظلت . اليوم

كما . ولم تعترف الكنيسة القبطية ومازالت ال تعترف حتى اليوم بمجمع خلقيدونية وال بقراراته ، الختالف 686 و 610 و 553ال تعترف بالمجامع التى عقدت بالقسطنطينية بعد ذلك فى السنوات

ا فيها ، عن الكنيسة القبطية فى االعتقاد بأن للسيد المسيح طبيعة واحدة بعد االتحاد الذين إشتركو

Page 13: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

13

وليس طبيعتين ، أو بالتغيير الذى درجت عليه الكنيسة منذ نشأتها ، بأن له أقنوما واحدا بعد إتحاد . األقنوم اإللهى باألقنوم البشرى ، بعد التجسد والتأنس

Page 14: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

14

الفصـل الثانـى

ث التى تلت مجمع خلقيدونيةاألحدانرى مما سلف أن المجامع كانت فى بداية أمرها وسيلة للدفاع عن اإليمان المسيحى

القويم ، ثم لم تلبث أن أصبحت بعد ذلك أداة سياسية فى يد اإلمبراطور لتنفيذ أغراضه الخاصة ، هكذا أصبحت المجامع أداة و. مستغال فى ذلك مطامع بعض األساقفة وطموحهم إلى الجاه والسلطان

هدم بعد أن كانت أداة بناء ، وقد فتحت الباب على مصراعيه للخصومة والشقاق بين المسيحين فى إال أن الكنيسة القبطية على الرغم من كل هذه الزوابع واألعاصير التى مرت بها . البالد المخلتفة

وقد حافظت عليها منذ عهد مرقس ظلت متمسكة بإيمانها ، مستبسلة فى الدفاع عن عقيدتها ، . الرسول حتى اليوم ، ولذلك سميت بالكنيسة األرثوذكسية ، أى مستقيمة الرأى

ونرى من قرارات مجمع خلقيدونية أنه على الرغم من أن مجمع أفسس المسكونى حرم قبل ظهر فيه ذلك بدعة نسطور ، إال أن جذور النسطورية إمتدت إلى قرارات مجمع خلقيدونية الذى

كما وضح ذلك فى المذكرة التى . القول بانفصال طبيعة السيد المسيح اإللهية عن طبيعته البشرية الذى رفضته الكنيسة " طومس الون " أرسلها الون أسقف روما إلى المجمع ، المعروفة بإسم

. القبطية ، بينما أخذ به مجمع خلقيدونية

ة تصر على رفض قرارات مجمع خلقيدونية ، ألنه والخالصة أن الكنائس غير الخلقيدوني حكم على البابا ديسقورس ظلما ، إذ أقام عليه دعاوى كاذبة ، وأصدر بناء عليها حكما غيابيا ، وفى جلسة غير قانونية ، وكذلك لالتجاه النسطورى الذى ظهر بوضوع من خالل عدم استخدام مجمع

درها البابا كيرلس الكبير ضد نسطور ، ورفض هذا البابا خلقيدونية لإلثنى عشر حرمانا التى أص . للقول بطبيعتين منفصلين للكلمة بعد التجسد والتأنس

ولم يلبث أن وصل رسول إمبراطورى إلى االسكندرية يحمل قرارا بحرم البابا ديسقورس ، عه رسالة أخرى من كما كان هذا الرسول يحمل م. وتعيين القس االسكندرى بروتيريوس بدال منه

أما المخالفون : " اإلمبراطور يهدد فيها كل من يجرؤ على عصيان أمره بأشد العقوبات قائال فيها الساكنون فى االسكندرية وفى أقاليم مصر ، فإذا لم يرجعوا عن كفرهم ويؤمنوا بما آمن به اآلباء

القديسون ، واذا لم يشتركوا مع المكرم بروتيريوس أسقف االسك ندرية المعترف باإليمان الصحيح فإننا ثم نأمر أيضا بأن ال يرسم لهم ... نأمر بأن يقاسوا العذاب الذى كان يفرضه الملوك السابقون

كما نأمر بأن ال يصير تعمير كنائس لهم وال أديرة ، وال يصح . أساقفة أو قسوس أو شمامسة

Page 15: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

15

ذا فى المستقبل سيتعرض ألبشع صنوف العذاب المنكرة لهم الجدال فى بدعتهم ، ومن يخالف أمرنا ه . "

أما األقباط فإنهم قابلوا هذا التهديد والوعيد بأن أضرموا نار الثورة فى االسكندرية ، ومن ثم أندلعت نيران االضطهاد وتجدد عهد االستشهاد ، وكان معظم الشهداء من األساقفة والكهنة والرهبان

من األساقفة الذين رفضوا تنفيذ هذه األوامر فقد نالهم التنكيل والنفى والتشريد وأما من بقى. األقباط فكانت النتيجة أن ثار شعب االسكندرية وأصروا على الحيلولة دون إعتالء بروتيروس الكرسى .

وكانت النتيجة أن والى االسكندرية باالتفاق مع هذا األسقف الدخيل أصدر األمر بإغالق . المرقسى وقد . ع الكنائس ما عدا القليل منها التى إغتصبها اإلمبراطور وسلمها إلى أنصاره الخلقيدونيين جمي

حتى إذا عادت بعد . إنتهز هذا األسقف الفرصة وسلب كل ما فى جميع الكنائس القبطية من نفائس . ذلك إلى أصحابها وجدوها خاوية خالية من كل ما فيها

خلفه اإلمبراطور الون األول الذى 457ان فى فبراير سنة وحين توفى اإلمبراطور ماركي فاتخذها األقباط فرصة لرسامة بطريرك قبطى هو البابا تيموثاوس الثانى خلفا 474حكم حتى سنة

وبذلك أصبح . 454 سبتمبر سنة 4للبابا ديسقورس الذى كان قد توفى فى منفاه بتاريخ أحدهما من الخلقيدونيين وتتم رسامتهم فى . البطاركة باالسكندرية منذ ذلك الحين سلسلتان من

والسلسلة الثانية من البطاركة األقباط غير الخلقيدونيين الذين تمسكوا بقوميتهم . القسطنطينية . ورفضوا سيسطرة الخلقيدونيين عليهم

من فلما عاد . وقد حدث أن البابا القبطى تيموثيئوس قام برحلة رعوية يتفقد فيها رعيته رحلته تلك وجد أن البطريرك الخلقيدونى بروتيريوس أغلق فى وجهه كل أبواب االسكندرية ليمنعه من

فاضطرم غضب األقباط وانقضوا على بروتيريوس وسحلوه فى شوارع . دخول عاصمة كرسيه وانتهى األمر بصدور قرار من اإلمبراطور الون . 457 مارس سنة 28وكان ذلك فى . االسكندرية

ولكن سرعان ما أعاده . قضى بنفى البابا القبطى تيموثيئوس الثانى إلى جزيرة غنغرا فى بافالجونيا يولما عاد البابا . اإلمبراطور باسيليكوس من منفاه بعد أن خلع اإلمبراطور الون وجلس على عرشه

خمسمائة تيموثيئوس الثانى إلى كرسيه عقد مجمعا فbالقسطنطينية بموافقة باسيليكوس وحضرهكما حرموا . وكان ممن حضروا بطرس الثانى أسقف أنطاكية وقد حرموا مجمع خلقيدونية . أسقف

وأصدر اإلمبراطوران باسيليكوس " طومس الون " الون أسقف روما ومذكرته التى اشتهرت باسم تعليم ومرقس مرسوما يقضى بالعودة إلى قانون اإليمان النيقاوى ، كما يقضى بإحراق أوراق ال

ثم ذهب البابا القبطى . وقد وقع على هذا المرسوم سبعمائة أسقف . الخلقيدونى أينما وجدت . تيموثيئوس إلى أفسس حيث عقد مجمعا آخر حضره ستمائة أسقف وحرموا مجمع خلقيدونية

Page 16: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

16

وأصدر اإلمبراطور باسيليكوس أمره إلى البابا تيموثيئوس بنقل جثمان القديس الشهيد البابا . فنقله إلى االسكندرية فى صندوق من الفضة باحتفال عظيم . يسقورس د

وبعد ذلك زحف زينون إمبراطور روما بجيشه إلى القسطنطينية وخلع اإلمبراطور باسيليكوس ونفاه هو وأوالده إلى والية كبادوكية وألقى بهم هناك بال مأوى وال طعام والماء فماتوا

بإلغاء كل ما قام به 476ثم أصدر زينون مرسوما فى سنة . جميعا ودفنوا فى نفس المكان كما أرسل ضابطا إلى االسكندرية . اإلمبراطور باسيليكوس ، وأرسل يهدد البابا القبطى تيموثيئوس

وفعال لم يلبث أن " . ان اإلمبراطور لن يرانى : " ولكن تيموثيئوس قال له . ليأتى بتيموثيئوس إليه . مرض البابا ومات

وبعد ذلك أقام األقباط البابا القبطى بطرس الثالث على كرسى القديس مرقس باالسكندرية، فأرسل إليه . كذلك حرم الون أسقف روما . فعقد مجمعا فور رسامته وقرر فيه حرم محمع خلقيدونية

وفى نفس . فهرب وراح يتخفى فى بيوت المؤمنون باالسكندرية . اإلمبراطور زينون يتوعده ويهدده ولكن هذا البطريرك الخلقيدونى لم يلبث أن مات . الوقت أمر اإلمبراطور بعودة البطريرك الخلقيدونى

فأقام اإلمبراطور فى مكانه بطريركا خلقيدونيا آخر اسمه . 482سنة الذى كانت " يوحنا طاليا " طورى والكنيسة فى ولكنه لم يكن على عالقة طيبة مع دوائر القصر اإلمبرا. تسانده روما

. القسطنطينية ، ومن ثم انتهى أمره بالهرب إلى روما

وفى هذا الوقت بدأ التقارب بين أكاكيوس بطريرك القسطنطينية والبابا القبطى بطرس بطريرك االسكندرية بعد مكاتبات عديدة انتهت بعودة بطريرك القسطنطينية إلى اإليمان الصحيح على

وقد حدث هذا التقارب بين كنيستى االسكندرية والقسطنطينية فى الوقت . جمع نيقية أساس قرارات موأصبح . الذى أخذ فيه اإلمبراطور يفقد األمل فى كنيسة األقباط فى مصر إلى جانبه عن طريق العنف

واضحا أنه البد من التفكير فى إيجاد حل إلعادة السالم إلى الكنيسة المسيحية الذى كان هذا تمكن أكاكيوس بطريرك 482وفى سنة . مبراطور يؤثره على سالم اإلمبراطورية ووحدتها اإل

. القسطنطينية بعد إقناع اإلمبراطور زينون بالموافقة على المحاولة الجديدة لحل المشكلة اإليمانية ومن ثم أصدر اإلمبراطور مرسوم " مرسوم اإلتحاد " أى " الهينوتيكون " وهى ما عرف بمشروع

غير أن هذا كان إتحادا وقتيا . اإلتحاد والمصالحة بين الكنائس ألنه بمجرد موت زينون عاد . وعادت كنيسة القسطنطينية إلى التمسك بقرارات مجمع . االضطهاد ينكل بغير الخلقيدونيين

ى فلما تول. خلقيدونية وظلت كنيسة االسكندرية صامدة وثابتة على إيمانها االرثوذكسى الصحيح كان على الكرسى 527 إلى عام 518الحكم اإلمبراطور يستينوس األول الذى حكم منذ عام

وقد حاول هذا اإلمبراطور إرغام كنيسة االسكندرية على . االسكندرى البابا القبطى تيموثيئوس الثالث

Page 17: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

17

مذبحة وجرت بسبب ذلك . فأخذ فى اضطهاد البطريرك ثم أمر بنفيه . قبول معتقد مجمع خلقيدونية هائلة قتل فيها آالف من األقباط الذين حاولوا حماية بطريركهم من عدوان الجنود البيزنطنيين الذين

ثم عاد بعد . وقد بقى فى منفاه ثالث سنوات . تمكنوا على الرغم من ذلك من القبض عليه ونفيه إلمبراطور فى عهد ا530ذلك إلى كرسيه واستمر يدافع عن اإليمان الصحيح حتى توفى سنة

. جستنيان األول

وأقام فى القسطنطينية مع 527وقد تبوأ جستنيان عرش اإلمبراطورية البيزنطية سنة زوجته تيودورا ، ولم يلبث أن تدخل تدخال سافرا فى الكنيسة ، وعاد إلى عقيدة مجمع خلقيدونية ،

إذ أراد أن يجعل لإلمبراطورية قانونا . الذى كان قد أصدره اإلمبراطور زينون " مرسوم االتحاد " وآلغى وقد قرر أن يخضع كل شئ فى الدولة لسلطة اإلمبراطور . واحدا ، وعقيدة واحدة ، وكنيسة واحدة

بما فى ذلك الكنيسة التى بذل كل ما فى وسعه من جهد إلخضاعها واخضاع رجالها لسلطانه مهما رعاياه نوعا معينا من العقيدة بل رأى أيضا أن من حقه أن يحدد ل. علت مكانتهم وكان جستنيان .

ومن . وقد قرر أن يحقق توحيد الكنيسة تحت سلطانه ولو بالقوة . خلقيدونيا ويميل إلى الخلقيدونيين ووعده فى مقابل ذلك ، لو . ثم طلب من البابا القبطى ثيئودوسيوس أن يقبل اإليمان الخلقيدونى

وأن يكون أساقفة أفريقيا جميعا تحت . ن البطريركية والمدنية رضخ له ، أن تكون له الرئاستاولكن البابا رفض ذلك رفضا باتا . سلطانه . ثم خرج من االسكندرية ومضى إلى صعيد مصر .

ثم أقام بولس التنيسى بطريركا خلقيدونيا . واعتقاله فى إحدى القالع . وعندئذ أمر اإلمبراطور بنفيه . واما البابا ثيئودوسيوس فبقى فى منفاه حتى توفى .على االسكندرية

وقد استخدم بولس التنيسى ضد األقباط من وسائل االضطهاد ما لم يستخدمه من قبل إال بين أن اإلمبراطور لم يلبث أن عزل بولس التنيسى ، وعين فى مكانه . األباطرة والحكام الوثنيون

م يستطيع أن يتولى كرسيه إال فى حماية جنود اإلمبراطور غير أن هذا ل" زويل " شخصا آخر إسمه وعين فى مكانه رجال آخر يسمى أبوليناريوس 551ثم لم يلبث اإلمبراطور أن عزله هو اآلخر سنة . حتى إذا دخل المدنية . وقد جاء إلى االسكندرية فى حراسة قوة عسكرية متخفيا فى زى قائد حربى.

. زى البطاركة خلع زيه الحربى وأتخذ

وقد استحدث جستنيان أمرا خطيرا كان له أسوأ األثر فى نفسية األقباط ومستقبل مصر قلده فضال عن وظيفته الدينية . إذا أنه حين عين أبوليناريوس لكرسى االسكندرية . السياسى

. والمدنية فجمع بذلك بين السلطتين الدينية. كبطريرك سلطات عسكرية لتنفيذ سياسته المدنية فقد أعطوا ألنصارهم . وكانت هذه سابقة خطيرة لمن جاء بعد جستنيان من البطاركة الخلقيدونيين

ويجددوا عهد االضطهاد . الوسائل التى يمكنهم بها أن ينكلوا بخصومهم الدينيين العزل من السالح

Page 18: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

18

ى أن يهربوا إلى األديرة فى وقد بلغ األقباط من الذعر والفزع ماحدا بهم إل. واالستشهاد مرة أخرى . وهكذا لم ينجح جستنيان فى إخضاع األقباط واجبارهم على إعتناق المذهب الخلقيدونى . الصحراء

ولم . ألنه فشل فى بناء اإلمبراطورية . النهاية لعهد مجيد : وقد جعل جستنيان من عصره من االنهيار الفجائى لعمله أدى إلى وما حدث . يعد فى وسعه أن يعيد الحياة إلى جسم دولة منهارة

فعلى الرغم من انتصاراته الباهرة ترك لمن جاء بعده من األباطرة دولة متداعية . نتائج بالغة الخطورة . وقد تطرق إليها الخراب من النواحى االقتصادية والمالية والدينية جميعا . األركان

إلى 565الثانى الذى استمر من سنة وبعد حستنيان جلس على العرش اإلمبراطور جستين وانتهج منهجه . وقد سار على خطة سلفه بأن ساند البطريرك الخلقيدونى أبوليناريوس . 578سنة

وبينما أخذ عمالء األباطرة المستعمرين الخلقيدونيين . جميع أباطرة القسطنطينية الذين جاءوا بعده على والئهم لباباواتهم الذين كانوا ينتخبونهم من ظل األقباط . يتعاقبون على الكرسى االسكندرى

وكان . وقد أصروا على االحتفاظ باستقاللهم الكنسى . مواطنيهم األقباط بمحض ارادتهم واختيارهم إصرارهم هذا صورة من صور قوميتهم القوية وتصميمهم المستمر على مقاومة االستعمار الفكرى

. خالء والدينى على الرغم من بطش الحكام الد

وفى وسط هذه المصائب توفى البابا ثيئودوسيوس بعد أن قضى ثمانى وعشرين سنة فى حتى حدث أن اإلمبراطور إستبدل والى االسكندرية الموالى للبطريرك . أحد سجون القسطنطينية

لم يلبث أن استمال إليه األقباط ، " أرسطو ماخوس " الخلقيدونى أبوليناريوس بواحد آخر اسمه . وعز إلى المسئولين منهم بأن يقصدوا إلى أحد األديرة المتاخمة لالسكندرية بدعوى إقامة الصالة فأ

ففرح األقباط فرحا عظيما بهذا االقتراح . وهناك يقومون برسامة من ينتخبون للكرسى المرقسى إذ . اعيهم على الرغم من كان سيوفر عليهم ضريبة الدم التى كانوا سيدفعونها حتما لو أنهم انتخبوا ر

فوقع اختيارهم على انتخاب . وقد تشاوروا فى أمر من يرسمونه بطريركا لهم . إرادة الحاكم المدنى فوضع األساقفة اليد عليه باسم بطرس الرابع . راهب اسمه بطرس من دير الزجاج الذى اجتمعوا فيه

األسقف -لما علم أبوليناريوس و . 559فأصبح الخليفة الرابع والثالثين للقديس مرقس سنة . الخلقيدونى بذلك ، جن جنونه واستثار الحكام المستعمرين ومشايعيهم من العمالء ، ليحولوا دون

وعجز البابا . ومن ثم شدد اإلمبراطور على األقباط . دخول البابا ، إلى االسكندرية عاصمة رئاسته ثم أمر اإلمبراطور جوستين بنقل . ر إلى دير بطرس عن دخول االسكندرية فعاش شريدا ينتقل من دي

وعهد إليه بأن يعيد إلى كنائس مصر " فوكين " الوالى المهادن لألقباط وبعث إلى مصر رجال اسمه على أن هذا اإلمبراطور لم يكن موفقا فى اختيار ذلك . الهدوء وجعل له سلطات استثنائية ضخمة

فلما فشل هذا اإلمبراطور فى استمالة . بالجشع والقسوة إذ كان مشهورا . الشخص المسمى فوكين

Page 19: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

19

فاستأنف اضطهادهم من جديد . ميالدية إلى اتخاذ وسائل العنف لقمعهم 571األقباط لجأ فى سنة .

وحين خال الكرسى المرقسى بموت البابا بطرس الرابع أجمع اإلكليروس والشعب على در للبابا دميانوس أن يعيش عمرا طويال حتى أنه عاصر فى وقد ق. انتخاب البابا دميانوس خلفا له

وقد " . فوكاس " و " موريس " و " طيباريوس " و " جوستين الثانى " مدة بابويته أربعة أباطرة هم كان التوتر بين األقباط وبين الدخالء المستعمرين خفيفا فى عهد اإلمبراطورين جوستين الثانى

يكد اإلمبراطور موريس يعتلى عرش القسطنطينية حتى اشتدت وطأة التوتر ولكن لم. وطيباريوس مما دفع األقباط إلى أن يتمردوا على اإلمبراطور ويثوروا عليه بقيادة ثالثة إخوة هم مينا وابسخريون

. ويعقوب

ومن ثم أقام اإلمبراطور . وقد الحقوا القوات البيزنطية فى هجومهم عليها حتى جزيرة قبرص لى القوات البيزنطية المرابطة فى مصر قائدا جديدا شديد البطش ع . فتمكن من تعزيز الجيش سرا .

. كما شرد غيرهم من الزعماء . وقد قطع رؤوس زعمائها الثالثة . واستطاع بذلك أن يخمد نار الثورة لمستعمرين مما أدى إلى إثارة غضب ا. مما أدى إلى ازدياد االضطراب فى كثير من جهات مصر

ولم يكد ينتهى القرن السادس الميالدى حتى بلغت العداوة . على األقباط والمغاالة فى التنكيل بهم والسيما فى بداية القرن السابع فى عهد اإلمبراطور . أقصى مداها بين األقباط وحكامهم األجانب

فوكاس الذى كان أشد تعسفا وبطشا من غيره من حكام مصر وقد أختص الب ابا القبطى واألساقفة فكانت السنوات المتبقية للحكم البيزنطى فى مصر تؤلف . األقباط بالنصيب األكبر من االضطهادات

. فترة من أقسى فترات األقباط امتالءا بااللم واألسى

أن وقع فى 610 إلى عام 602ولم يلبث عرش اإلمبراطور فوكاس الذى حكم من عام وهو اإلمبراطور هرقل الذى كان قائدا لجيوش الدولة . اإلمبراطورى قبضة مغتصب آخر للعرش

وقد عبر البحر األبيض المتوسط وتمكن من إسقاط خصمه واستولى على . البيزنطية فى أفريقيا وبينما كان ذلك يحدث أذا بالجيش الفارسى بقيادة كسرى يجتاح أقاليم . ميالدية 610العرش سنة

وفى لحظة جلوس هرقل على العرش كان الجيش الفارسى . وريا وفلسطين الدولة البيزنطية فى س سقطت فى يده 614وفى سنة . دخل دمشق 613وفى سنة .على مقربة من مدينة أنطاكية

كانت فرقة . بينما كانت إحدى فرق الجيش الفارسى تتجه إلى البسفور 619وفى سنة . أورشليم . أخرى من ذلك الجيش تغزو مصر

Page 20: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

20

الباب الثالث إحتالل الفرس لمصر ثم رحيلهم

الفصل األول إحتالل الفرس لمصر

كانت مصر . حين إستولى اإلمبراطور هرقل على عرش اإلمبراطورية البيزنطية

تعانى من آثار الخالف الذى نشأ عن معتقدات مجمع خلقيدونية ، ووجود إثنين من البطاركة فى ولم تلبث . قيدونى مفروض ، وبطريرك قبطى غير خلقيدونى منتخب مصر ، هما بطريرك أجنبى خل

أن جاءت األنباء بأن الفرس اجتاحوا الشام وتقدموا فيها حتى إستولوا على مدينة القدس فى فسلطين وبعد أن . كما أن اإلمبراطورية البيزنطية ذاتها تعرضت لهجوم الفرس الذى بدأه كسرى الثانى .

. قسم جيشه إلى قسمين ، فتوجه قسم منه إلى الجنوب لإلستيالء على الشام إستولى على أرمنيا وقد فتح الجيش . وزحف القسم اآلخر نحو الجنوب ليجتاز آسيا الصغرى فى طريقه إلى القسطنطينية

والواضح أن كسرى أدرك فى . المتجه إلى الجنوب أنطاكية ، وفى هذه األنباء أصبح هرقل إمبراطورا ومن ثم تطلع ألن يعيد إلى الحياة إمبراطورية الفرس القديمة . أصاب البيزنطنيين من ضعف حربه ما

والسبيل إلى ذلك إال بإخضاع الدولة البيزنطية لحكمه ، والسيما أن جيوشه كانت أكثر عددا وأتم . عدة وأفضل نظاما من جيوش عدوه شعبه كان وأن . فضال عن أن خزانة كسرى كانت عامرة بالمال .

. يؤيده وينصره ، على حين أن الفوضى واالضطرابات والفتن كانت قد سادت اإلمبراطورية البيزنطية . وكادت خزانتها أن تكون خاوية من المال

فسقطت مدينة القدس دون مقاومة بسبب . ولم يصادف الفرس مقاومة فى زحفهم وتقدمهم ه المدينة واحدا وعشرين يوما فى القتل والنهب وأمضى الفرس فى هذ615خيانة اليهود فى سنة .

وقد خربوا كنيسة القيامة والكنائس اآلخرى واستولوا على الصليب المقدس واألوانى المقدسة منهم زكريا بطريرك أورشليم . ووقع فى أيديهم عدد كبير من األسرى . المصنوعة من الذهب والفضة

وأما من هربوا من القدس فقد لجأوا إلى مصر . زوجة كسرى وأرسلوا الصليب والبطريرك هدية إلى. .والسيما االسكندرية

Page 21: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

21

فلما اقترب خريف . وقد ظل الزحف الفارسى مستمرا ، واستغرق فتح الشام ستة سنوات وبدأ الجيش الفارسى مسيرته من مدينة العريش على حدود . تم االستعداد لغزو مصر . 616عام

وبعد أن اجتازوا . لوزيوم ، وهى مدينة الفرما التى لم تبد أى مقاومة للغزاة مصر الشرقية إلى سب. وقد وقع فى هذه المدينة اضطراب وذعر شديدين . الطرف الجنوبى للدلتا زحفوا نحو االسكندرية

وراحوا يخربون على عادتهم . ولكن المدينة صمدت فى مقاومتها فتحتم على الفرس أن يحاصروها التى حول المدينة ، فنهبوا ما كان فى ضواحيها من األديرة واشعلوا الحرائق فى كثير منها كل الجهات

أو . وكان عدد كبير من حامية االسكندرية البيزنطية أن قد تقرر إرساله إلى بالد أخرى من الدولة . ادات من هرقل ، ولم تأت اإلمد. فلما طال أن الحصار ونفدت األقوات . إلى بيزنطة ذاتها للدفاع عنها

، " حنا المتصدق " وقد ارتحل البطريرك البيزنطى المسمى . أوشكت المدينة على التسليم للفرس 11فلما بلغت السفينة به رودس مرض هناك ، فتوجه إلى جزيرة قبرص وهبط بها حيث مات فى

ديعة فى شهر يونيو ولم تلبث االسكندرية أن سقطت فى يد الفرس بالخيانة والخ . 617نوفمبر سنة وفى الميناء وقعت فى يد الفرس السفن . وجرت فى المدينة بعد سقوطها مذابح مروعة . 618سنة

، التى كانت قد شحنت فيها ثروة الكنائس وما كان بها من تحف وأرسلت مع عدد من األسرى إلى . كما أرسلت إليه كذلك مفاتيح االسكندرية . كسرى الثانى

يش الفارسى بحذاء النيل فأخضع سائر بالد مصر دون أن يصادف أى مقاومة ثم سار الجوقد بلغ الفرس فى فتوحهم أطراف وادى النيل . إذ كان األهالى مجردين من أى سالح يقاومون به

. بعد أن كانت الحاميات البيزنطية قد انسحبت من سائر البالد عن مصر نهائيا . حتى أسوان

نيكوس بطريرك األقباط معتكفا فى صومعة بالكنيسة المرقسية كل مدة وكان البابا أندرووتقرر انتخاب البابا . 623ثم توفى سنة . وكانت ست سنوات . جلوسة على كرسى البطريركية

بنيامين بطريركيا للكنيسة القبطية خلفا له وكان البابا بنيامين ، قبل رسامته ، راهبا قبطيا ينتمى . بطية موسرة من قرية فرشوط ، وكان من بين رهبان دير قبريوس الذى كان يقع فى إلى أسرة ق

وكان هذا الدير قد تعرض للنهب على يد الفرس . الشمال الشرقى من االسكندرية على شاطئ البحر واشتهر بشدة التقوى والتبحر فى . وقد ترهب البابا بنيامين فى هذا الدير على يد رئيسه ثيوناس .

وحدث أثناء رهبنته أن اتصل بالبابا أندرنيكوس بطريرك األقباط فأعجبه منه سمو صفاته . العلم ثم حاز ثقة البطريرك فأخذه مساعدا له فى كل . ولم يلبث أن رسمه قسا . فاستبقاه فى المدينة معه

د أوصى بأن وكان ق. ثم بعد شهور قليلة توفى البابا أندرنيكوس . أمور الكنيسة وادارة البطريركية ولم يلبث البابا بنيامين أن أحكم تدير شئون الكنيسة . يخلفه بنيامين على كرسى البطريركية

Page 22: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

22

وقد ظل نحو أربعين سنة يتولى إدارة الكنيسة القبطية ، فى . بشخصيته القوية وحكمته العظيمة . در الحكيم المحنك فكان فى كل ظرف منها مثال الرجل المقت. أحوال وظروف شديدة التقلب والتباين

فلم يطردوه من منصبه على حين أن . ولم يتعرض الفرس للبابا القبطى أندرينكوس " . جورج " فجاء بعده فى مذهبه رجل اسمه . لجأ إلى الفرار " حنا المتصدق " البطريرك البيزنطى س ثم خلفه فى منصبه قير. عقب جالء القوات الفارسية عن مصر . 627وكان ذلك سنة

. الخلقيدونى ، الذى اشتهر عند العرب فيما بعد بإسم المقوقس

ولم يلبث اإلمبراطور البيزنطى هرقل أن أنزل بالفرس هزيمة حاسمة فى معركة نينوى فى فكان على . ثم أعلن استعداده لمفاوضة الفرس ولكن كسرى الثانى لم يستجب . 627ديسمبر سنة

أن جاء إلى . 628 إبريل سنة 3غير أنه حدث فى . القتال هرقل أن يقوم بحملة أخرى لمواصلةينهى إليه ما حدث من موت كسرى وتولى إبنه . هرقل فى مقر قيادته رسول من البالط الفارسى

وتضمن الصلح . وقد عرض شيرويه الصلح على هرقل فقبله عن طيب خاطر . شيرويه الحكم ى اإلمبراطورية البيزنطية التى سبق أن أحتلتها الجيوش والجالء عن أراض. إعادة الصليب المقدس

وبذلك انتهت . 591وبذلك عادت الحدود الرومانية إلى ما كانت عليه فى معاهدة سنة . الفارسية وفى شهر مارس سنة . ونتج عنها جالء الجيوش الفارسية عن مصر . حرب الفرس ضد هرقل

وهو حادت ال تزال تخلده . مقدس إلى مدينة القدس اختتم هرقل انتصاره بإعادة الصليب ال692وحين . مارس من كل عام 14حتى اليوم تقاويم الشرق والغرب على أنه عيد تمجيد الصليب فى

اقترب اإلمبراطور من مدينة القدس فى صحبة الصليب خرج إليه موكب من األساقفة والكهنة والرهبان حتى . وجاءت من ورائهم جموع عظيمة من الشعب . لبخور حاملين األناجيل والشموع ومجامر ا.

إذا بلغ الباب الذهبى بالجانب الشرقى من المدينة كان فى إنتظاره زكريا بطريرك أورشليم الخلقيدونى . ، فسلم عليه وأظهر له الخضوع

Page 23: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

23

الفصل الثانى ما بعد جالء الفرس عن مصر

البابا 623ير الخلقيدونية منذ سنة كان على رأس كنيسة االسكندرية القبطية غ

وبما بذله من جهد . بنيامين الذى اشتهر بما كان له على األقباط من سلطان قوى ونفوذ كبير ليعيد إليها اطمئنانها واستقرارها بعد أن زعزعها ما جرى فى ذلك . إلعادة تنظيم الكنيسة القبطية

ن من محبة األقباط وتقديرهم واجاللهم ، ما لم وقد كسب البابا بنيامي. الوقت من أحداث سياسية إذ كانت مدة بطريركيته أطول عهد فى تاريخ األقباط تقلبا . ينتقص منه توالى األحداث الجسام

ولم يتغاض عن رذيلة فى الدين أو ميل إلى . على أنه لم يتساهل قط فى أمر الدين . وفداحة أحداث فشرع منذ بداية أمره يأخذهم بالشدة والحزم إذا ما بدأ . قباط والسيما من رجال الدين األ. الفساد

. منهم خطأ أو خطيئة أو هفوة من الهفوات

وقد قضى البابا بنيامين أربع أو خمس سنوات فى سالم وهدوء أثناء االحتالل الفارسى . ثم شهد جالء الفرس بعد أن انتصر هرقل عليهم . لمصر

عن طريق البحر جيشا الحتالل مصر من جديد 628ء سنة والراجح أن هرقل أرسل فى شتا . واستعادة أمالك الدولة البيزنطية من فلسطين حتى بنتابوليس وهى الخمس مدن الغربية

وقد كان من أعظم أخطاء هرقل أنه عين قيرس المعروف بالمقوقس بطريركا خلقيدونيا على نسانا خبيثا ماكرا وال خالف فى أن ذلك الشخص كان إ. االسكندرية وكان ألعبانا أثناء الفتح العربى .

وكانت له مطامع شخصية . وقد لعب دور الخائن لمصر ولإلمبراطورية البيزنطية نفسها . لمصر وقد اختلف المؤرخون . يسعى إليها فى قرارة نفسه ليستقل بحكم مصر عن اإلمبراطورية البيزنطية

وهى أن . ولكن هناك حقيقة ال شك فيها . االسم الذى اشتهر به فى أصل هذا الرجل وفى حقيقة ويجمع المؤرخون العرب . المقوقس هو نفسه قيرس الذى كان يحكم مصر فى وقت الغزو العربى

كما يذكر ذلك أيضا المؤرخ القبطى يوحنا النقيوسى . على أن الذى سلم مصر للعرب هو المقوقس " ويذكر بعض المؤرخين أن لقب المقوقس هو تحريف لإلسم . لمصر الذى كان معاصرا الفتح العربى

وهناك احتمال أن يكون . وال يعرف أحد شيئا عن أصله أو منشأة " جورجيوس " أو " جريجوريوس قفقاسيوس " وأن اسمه كان . ، نسبة إلى بالد القوقاز التى جاء منها " قفقاسيوس " لقبه مشتق من

، ومن ذلك االسم جاء اللقب " قفقيوس " وقد نقل إلى اللغة القبطية على أنه باللغة اليونانية ، "

Page 24: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

24

بمعنى أنه الفاجر أو الكافر أو إبن " قيرس " وربما أطلق عليه األقباط اسم " . المقوقس " العربى . وأن عقيدته كانت نجسة ودنسة . الشيطان

توفيق بين المذهبين المتعارضين ولم يكن اإلمبراطور هرقل يدرك أن مذهبه الذى حاول به الفإذا أصروا على رفضه فلن . اللذين ثار بشأنها الخالف فى مجمع خلقيدونية ، قد يرفضه األقباط

يسعه إال أن يفرض مذهبه عليهم فرضا وقد وقع اختيار هرقل على قيرس ليكون هو الداعية . أسقف فى شمال شرقى آسيا وقد سبق لقيرس هذا أن شغل وظيفة . لمذهبه الجديد فى مصر

وقد أطلق عليه العرب اسم . فاختاره اإلمبراطور ليكون داعية للمذهب الجديد فى مصر . الصغرى . المقوقس كما سبق أن ذكرنا

على أن البابا بنيامين بطريرك األقباط فيما يبدو تلقى بالحذر والتوجس قدوم ذلك البطريرك ولم يحاول يتقابل معه وانما . فلم ينتظر حتى يصل إلى مصر . 631الخلقيدونى الجديد قيرس سنة

شهده الكهنة والرعية ، وألقى فيهم خطابا يحضهم فيه على أن . بادر إلى عقد مجمع باالسكندرية ثم كتب إلى أساقفته جميعا ينصحهم بالهجرة إلى الجبال . يثبتوا على عقيدتهم حتى الموت

وأنهم . وأنبأهم بأن البالد سيحل بها الوبال . ع اهللا عنهم هذا البالء والصحارى ليختفوا فيها حتى يرفسيالقون الظلم واالضطهاد زمانا طويال وبعد ذلك تسلل البابا بنيامين خفية تحت جنح الظالم من .

وهى قرية عند مفترق . فسار إلى مريوط ومنها إلى أبو مينا . ولم يكن معه إال رفيقان . االسكندرية ومنها . ثم واصل سيره حتى بلغ أهرامات الجيزة . ريقين بين وادى النطرون وطريق الطرانة وبرقة الط

فلجأ هناك إلى دير . حتى وصل إلى مدينة قوص . اتخذ اتجاه حافة الصحراء أثناء سيره إلى الصعيد اء فيه قيرس وقد صادف هروب البابا بنيامين الوقت الذى ج. صغير بالصحراء غير بعيد عن المدينة

وهربهم خائفين . وقد أدى مجيؤه إلى تشريد رجال الدين األقباط . إلى االسكنرية أو قريبا منها وما من شك فى أن ما حدث من اجتماع السلطتين الدينية والمدنية فى يد قيرس أضعف . مذعورين

وراح يشرح للناس . ولما بلغ قيرس الساكندرية تظاهر بأنه جاء مسالما. مركز البابا بنيامين المذهب الجديد الذى كان اإلمبراطور يأمل من ورائه أن يزيل ما أحدثه مجمع خلقيدونية من شقاق ، فكان عليه أن يستميل الخلقيدونيين وغير الخلقيدونيين على السواء غير أن مذهبه لم يلق منذ أول

قد قيرس باالسكندرية مجمعا عرض ومن ثم ع. أساء الناس فهمه ,األمر التوفيق وألنه أساء شرحه ولكن األقباط رفضوا أن . فيه األمر ، وقد واجه هو المعارضة بكل ما لديه من قوة إرادة وعظيم سلطة

وقد صادف . واعتبروا أى تغيير ، خيانة لدينهم واستقاللهم . يغيروا ذرة واحدة من أصول عقيدتهم أحس بإخفاقه فى أن يجبر األقباط على قبول كما أنه . قيرس معارضة حتى من الخلقيدونيين

" إما : وقد فرض عليهم أحد أمرين " اإلتحاد " المذهب الذى قرره اإلمبراطور وأطلق عليه اسم

Page 25: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

25

. وعاد الجيش البيزنطى إلى احتالل مواقعه فى سائر أنحاء مصر " . االضطهاد " واما " االتحاد ومن ثم تعرض األقباط للضرب بالسياط والتعذيب . وكان البيزنطيون جميعا يأتمرون بأمر قيرس

فكانت النتيجة أن استمر اضطهادهم عشر . وقد فرض عليهم قيرس المذهب الجديد فرضا . البشع فكان األقباط ينعتونه بأنه كافر وزنديق ، وغير . وهى المدة التى قضاها قيرس بطريركا . سنوات

ووقفت مصر كلها ضد . ة ، واصفين إياه بأنه إبن الشيطان جدير بأن يقيم الشعائر والطقوس الدينيألن قيرس . ولعل ذلك اللفظ هو المعنى الحقيقى السم المقوقس . ذلك الذى كانوا ينعتونه بالقوقازى

. بالقرب من القوقاز . كان أسقفا قبل ذلك فى فاسيس

عزيمتهم وصبرهم حتى بيد أن شراسة ذلك الرجل وقسوته لم تزعزعا من ثبات األقباط وقوةبأن أشعل . ومن ذلك أن ميناس شقيق البابا بنيامين تعرض للتعذيب والتنكيل . على االستشهاد

حتى سال دهنه من جنبيه على . رجال المقوقس المشاعل وسلطوا نيرانها على جسمه فأخذ يحترق وضعوه فى حقيبة ممتلئة ثم. حتى لقد راحوا يقتلعون أسنانه . األرض ، ولكنه لم يتزعزع إيمانه

بالرمل واخذوه إلى عرض البحر ، ثم راحوا يعرضون عليه الحياة إذا هو آمن بعقيدة خلقيدونية ، األنبا ( أما صموئيل القلمونى . ولكنه أصر على الرفض ، فألقوا به فى البحر فمات غريقا

وضعوا فى عنقه طوقا من حديد فحملوه إلى قيرس مكتوف اليدين من الخلف ، و) صموئيل المعترف وسأله لماذا يحرض . وقد أمر قيرس الجند بأن ينهالوا عليه ضربا حتى سال دمه كما يسيل الماء .

الرهبان على سبه وسب مذهبه الخلقيدونى إن القداسة هى فى طاعة اهللا وفى " فقال له صموئيل . فأمر " فى مذهب الشيطان يا سليل الشيطان طاعة البابا بنيامين ، وليس فى طاعة مذهبك والدخول

قيرس جنوده بأن يضربوه على فمه ، فأعلن صموئيل إنكاره لمذهب خلقيدونية ولعن المرسوم الكافر الذى أصدره اإلمبراطور البيزنطى ، ولعن كل من يقبله أو يعتنقه أو يعترف به ، فضربوه بالسياط

. حتى إنقلعت عينه

أبى أن يتخلى عن عقيدته من األقباط أو ينازع قيرس فى رأيه وأمره وهكذا فإن كل من كان يوقد تقرر طرد األساقفة والرهبان . أو القى به فى السجن ، أو تعرض للقتل . تعرض للجلد والتعذيب

األقباط من كراسيهم وأديرتهم ، وعين قيرس أساقفة خلقيدونيين فى سائر مدن القطر المصرى ، وقد ظلت المقاومة مستمرة على الرغم . عن البابا بنيامين ، ولكن دون جدوى واشتد السعى والبحث

وقد تم تدبير مؤامرة الغتيال المقوقس ، إال أن خبر هذه المؤامرة وصل إلى . من اإلرهاب واالضطهاد فهاجم المتآمرين وقتل عددا كبيرا م. سمع أحد القادة البيزنطيين ، وكان من ألد أعداء األقباط . نهم

وأما اإلمبراطور هرقل فقد أمر االضطهاد الذى قام به . وقرر قطع أيدى عدد آخر دون محاكمة ولم يستطع هرقل الصبر على الخيبة . ولكن كانت النتيجة أن زادت العاصفة اشتعاال . المقوقس

Page 26: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

26

قطرين إلى فمهد بذلك الطريق فى ال. فعزم على أن يخوض حربا دينية فى مصر والشام . والفشل . وقوعهما فى يد العرب

Page 27: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

27

القسم الثانى وقائع الفتح العربى لمصر

وحكم العرب لمصر حتى نهاية عصر الخفاء الراشدين

الباب األولنشأة الدولة العربية

كما –كانت اإلمبراطورية الرومانية فى النصف الثانى من القرن السابع الميالدى وانتابها الضعف والتحلل ، وبدأ بناؤها يتهاوى ، فى حين برزت فى جزيرة قد تفككت–سبق أن رأينا

570العرب قوة جديدة تتطلع ألن ترث اإلمبراطورية الرومانية ، يتزعمها زعيم قوى ولد فى مكة سنة يجمع صفوف . 610وكان قد بدأ فى سنة . 622وهاجر منها إلى المدينة المنورة سنة . ميالدية

وذلك . ليجعل منهم أمة واحدة قادرة على أن تغزو الممالك التى حولها وتسيطر عليها العرب حوله أن – حين تم انتصار البيزنطيين على الفرس –هو الرسول العربى محمد بن عبد اهللا الذى لم يلبث

يرسل الرسائل إلى رؤساء . 627استشعر القوة فى أن يغزو البالد المحيطة ببالده ، فبدأ فى سنة ويحرضهم بطريق غير مباشر على الخضوع . وزعماء تلك البالد ، يدعوهم فيها إلى ديانته اإلسالمية

وقد لبث برسائل فى هذا الشأن إلى نجاشى الحبشة ، وكسرى ملك الفرس وآمراء اليمن . لدولته . وعمان والبحرين والحيرة

جل القوى فى مصر الذى كان وكان من تلك الرسائل رسالة بعث بها الرسول العربى إلى الروهو قيرس حاكم مصر وبطريركها ، البيزنطى الخلقيدونى ، فى نفس الوقت ، . يحكمها بيد من حديد

وقد . واصفا اياه بأنه عظيم القبط " المقوقس " وقد خاطبه باسم يبدو أنه كان قد إشتهر به وهو . د رسول اهللا إلى المقوقس عظيم القبط من محم. بسم اهللا الرحمن الرحيم :" جاء فى رسالته إليه

يؤتك اهللا أجرك . إسلم تسلم . فإنى أدعوك بدعاية اإلسالم . أما بعد . سالم على من اتبع الهدى يا أهل الكتاب ، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أال . فإن توليت فإنما عليك إثم القبط . مرتين

وال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اهللا . وال نشرك به شيئا. نعبد إال اهللا فإن تولوا فقولوا . ) . إبن عبد الحكم " . ( إشهدوا بأنا مسلمون

Page 28: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

28

ولعلنا ندرك من رد المقوقس على هذه الرسالة أنه كانت لهذا البيزنطى مطامع يخفيها فى ا عن سيطرة يضمرها ليستقل بالسلطان فى مصر بعيد. نفسه ، ويهدف إلى منفعة شخصية له

اإلمبراطور البيزنطى ، بمعاونة صاحب تلك الرسالة الذى طمع فى أن يجعل منه خليفا له فى تحقيق هدفه ، ذلك الهدف الذى تتبين لنا حقيقته فى كل تصرفات المقوقس مع القائد العربى عمر بن

هللا ، من المقوقس عظيم لمحمد بن عبد ا: " العاص أثناء معركة الفتح ، فقد رد هذه الرسالة قائال وقد علمت أن . فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه . أما بعد . سالم عليكم . القبط

وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان . نبيا قد بقى ، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام الطبقات : محمد بن سعد كاتب الواقدى ( ليك عند القبط عظيم ، وأهديت إليك بغلة لتركبها والسالم ع

كما جاء فى السيرة الحلبية لعلى –وكانت هاتان الجاريتان ) . القسم األول . الجزء الرابع . الكبير إحداهما تسمى ماريه واألخرى أختها وتسمى سيرين ، وليس هناك دليل على أنهما –بن برهان الدين

وقد أرسل المقوقس . كما يدل على ذلك إسمهما . هما كانتا روميتين كانتا قبطيتين ، وانما الغالب أنوفوق ذلك أهدى إليه بغلة ) . 643 و 642الجزء الثانى ص ) الطبرى ( معهما غالما يدعى مابور

حمارا اسمه – كما جاء فى السيرة النبوية إلبن هاشم –شهباء أسماها دلدل ، وأهدى إليه كذلك كما أن الغالب أن الثياب التى أرسلها إليه المقوقس كانت من . عسل نبها يعفور ، وعسال من

المنسوجات القبطية ، التى كانت تسمى القباطى ، ألنها كانت مشهورة فى العالم كله لجودتها . ونعومتها

وقد بدأ غزو البالد المحيطة بمدينة مكة واتساع الدولة العربية بعد موت الرسول فى عصر ول أبى بكر الصديق ، فقد بعث بجيوشه إلى أرض الهالل الخصيب وتشمل العراق والشام خليفته األ

وكانت المناوشات تجرى فى ذلك . الذى كانت تتقاسمه إذ ذاك كل من دولتى الفرس والبيزنطيين الوقت فى السهل األدنى للغارات بين الفرس والعرب من بنى شيبان ، وهم بطن من بطون بكر بن

وقد طلب زعيم شيبان وهو المثنى بن حارثة من الخليفة أبى بكر . قيمين على حدود فارس وائل المأن يأذن له فى غزو بالد الفرس ، فبعث أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره بالتوجه إلى فتح العراق ،

بالد شرق ومساعدة المثنى بن حارثه ، ونظرا إلنعدام الفواصل الطبيعية من الناحية الجغرافية بينتلبية ألمر الخليفة ، وفاجأ الحاميات الفارسية فى . الجزيرة العربية ، فقد زحف خالد بن الوليد سريعا

ذلك اإلقليم ، واستولى خالد بن الوليد بمساعدة المثنى بن حارثة الشيبانى على الحيرة التى تقع على وادى الفرات األدنى ، واستولى على بعض وتابع خالد انتصاراته فى . الشاطئ الغربى من نهر الفرات

غير أنه جاءه أمر من الخليفة بأن يترك جبهة العراق ويتجه إلى جبهة الشام . مدنه الهامة . لمساعدة الجيوش العربية هناك

Page 29: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

29

وفى هذه األثناء توفى الخليفة أبو بكر الصديق ، وجاء بعده الخليفة عمر بن الخطاب ، فا فى قومه ، وقد اشتهر بالغلظة والقسوة ، وهى أمور تركت أعمق اآلثر وكان الخطاب ، أبوه ، شري

ولما . فى نفسية عمر بن الخطاب ، وصاحبت هذه الغلظة عمر بن الخطاب بعد اعتناقه اإلسالم سمع بعض أصحاب الرسول أن أبو بكر حين شعر بدنو أجله أراد أن يكون عمر خليفته ، فأشفقوا

وكان . ظته ، واتفقوا على مقابلة الخليفة ونصحه بأن يرجع عن عزمه من شدة إبن الخطاب وغلما أنت قائل لربك إذا سألك عن " المتحدث بلسانهم صلحة بن عبيد اهللا الذى قال ألبى بكر

فكيف به إذا خال لهم بعد لقائك . استخدامك عمر علينا ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه . ر ورفض مشهورتهم فغضب أبو بك" ربك ؟

أما وقد أصبح عمر بن الخطاب خليفة بعد أبى بكر ، فقد تابع الفتوح التى بدأها أبو بكر واذ كان خالد بن الوليد قد تابع انتصاراته فى وادى الفرات األدنى واستولى على بعض مدنه الهامة

يذهب إلى جبهة الشام جاءه أمر من الخليفة الجديد عمر بن الخطاب بأن يترك جبهة العراق وثم قام بتعيين سعد بن أبى وقاص قائدا للجيوش العربية فانتصر . لمساعدة الجيوش العربية هناك

. وكانت القادسية تعتبر باب فارس . ميالدية 637على الفرس فى موقعة القادسية الحاسمة سنة عاصمتها فى ذلك " مدائن ال" وقد تابع العرب منها الزحف على فارس نفسها فسقطت فى أيديهم

. الحين دون قتال

وتتابعت غزوات العرب بعد ذلك فى قلب بالد الفرس ، فاستولوا على معقل جادالء ، وهو وتم النصر للعرب على الفرس فى نهاوند التى تقع فى قلب . اآلن يقع على الحدود بين العراق وايران

ولم يستطع يزدجر " . فتح الفتوح " ى هذا النصر ولذلك أطلق العرب عل. بالد فارس واشدها وعورة حتى ألقى العرب القبض عليه بعد ذلك وقتلوه . آخر أكاسرة الفرس متابعة المقاومة وفر من الميدان

. وصارت بالد الفرس جزءا من الدولة العربية الفتية . فى خراسان أثناء خالفة عثمان بن عفان . م الموالى وكان أهلها معروفين عند العرب باس

وقد كان الخليفة أبو بكر حين بعث بجيوشه إلى أرض الهالل الخصيب الذى ضم العراق هم أبو عبيدة بن الجراح . والشام ، قد خص الشام بأربعة جيوش على رأسها أربعة من كبار القادة

يتجه إلى ويتجه إلى حمص ، وشرحبيل بن حسنة ويتجه إلى وادى األردن ، ويزيد بن أبى سفيان وووجدت هذه الجيوش األربعة مقاومة عنيفة من . دمشق ، وعمر بن العاص ويتجه إلى فلسطين

وبعث الخليفة أبو بكر إلى خالد بن . البيزنطيين الذين كانوا قد سيطروا على بالد الشام منذ زمن بعيد ووصل خالد . لعربية بالشام الوليد الذى استولى إذ ذاك على الحيرة ، بأمره بالتوجه إلى نجدة القوات ا

بن الوليد فى سرعة خاطفة إلى مشارف دمشق ، وانضم إلى القوات العربية وجرت خطة إبن الوليد

Page 30: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

30

على أساس تكوين قيادة موحدة للجيوش العربية ، حتى يفسد على البيزنطيين خططهم وينزل بهم وحدة التى توالها خالد بن الوليد فبدأت بعد ذلك انتصارات العرب فى ظل القيادة الم. ضربات قاصمة

ثم سقط فى . وهى على الطريق بين حيرة وبين المقدس . 636، فاستولى العرب على أجادين سنة وهو حصن يسيطر على مصير األردن ، وقد أدى ذلك على استيالء العرب على دمشق . أيديهم فحل

لساحقة بالبيزنطيين فى موقعة اليرموك إلى وأخيرا أنزل خالد بن الوليد الهزيمة ا. ميالدية 635سنة وحين علم هرقل إمبراطور البيزنطيين بهزيمة قواته فى . 636 أغسطس سنة 23الحاسمة فى

اليرموك فر إلى عاصمته القسطنطينية متخليا عن بالد الشام .

العليا ولم يلبث الخليفة عمر بن الخطاب الذى تلقى أنباء معركة اليرموك أن عهد بالقيادةكما أن عمر ذهب بنفسه إلى . للعرب فى الشام إلى أبى عبيدة بن الجراح بدال من خالد بن الوليد

وكان القائد عمرو بن العاص قد فتح فلسطين وأصر وهو فى طريق بيت . الشام إلتمام تنظيمه بن الخطاب إلى وفعال جاء عمر. المقدس على أن يسلم هذه المدينة المقدسة إلى الخليفة شخصيا

وتسلم بنفسه بيت المقدس ثم عقد مؤتمرا فى الجابية ، وهى مرتفعات الجوالن . 638الشام فى سنة الحالية ، تم فيه تنظيم بالد الشام ، كما تقرر فيه فتح مصر تأمينا لبالد الشام من تجمعات

. البيزنطيين التى انسحبت من فلسطين إلى مصر

اص فتح مصر بعد أن تلقى األمر بذلك من الخليفة عمر بن الخطاب وقد تولى عمرو بن العفى مؤتمر الجابية الحربى ، وبالفعل تم له االستيالء على مصر كلها بالتفصيل الذى سنذكره فى

. الصفحات التالية

كما أن العرب استولوا بعد ذلك على كل البالد التى كانت خاضعة لإلمبراطورية الرومانية لمسماه بالبيزنطية الممتدة من جنوب مصر على طول الشاطئ الغربى للبحر األبيض الشرقية ا

المتوسط حتى بلغوا أسبانيا فى الجنوب الغربى من أوروبا ، فاحتلوها كذلك ، ومن ثم أقاموا . إمبراطوريتهم على انقاص اإلمبراطورية البيزنطية

Page 31: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

31

الباب الثانى غزو العرب لمصر

الفصل األول العرب لمصر قبل الفتحمعرفة

لم تكن مصر بلدا مجهوال للعرب ، إذ كان تجار قريش يأتون إليها من زمن بعيد ، حاملين بضائع الشرق ، فيبيعون ألهلها هذه البضائع ، ثم يشترون منها الثياب الثمينة التى كانت معروفة

. ، والسيما األذرة والقمح والفاكهة كما يشترون الزجاج والمنقوالت والمأكوالت المختلفة . بالقباطى ويذكر البغدادى أن هاشم بن عبد مناف الجد األكبر للرسول العربى قد توفى فى غزة على حدود

. وأن المغيرة بن شعبة دخل مصر قبل إسالمه . مصر

وكان تجار قريش بالذات يعرفون مصر معرفة جيدة قبل اإلسالم ، والسيما بعد تزايد دور ى التجارة الدولية منذ القرن السادس الميالدى ، حتى لقد أصبحت مكة عاصمة ثراء الجزيرة مكة ف

العربية من كثرة ما كان يرد عليها من كنوز الشرق والغرب ، وصار كل واحد من أهل قريش إما تاجرا واما وسيطا حتى ليذكر البالذرى فى كتابه الدولة الرومانية أن دنانير هرقل إمبراطور " فتوح البلدان "

رحلة –ايالف قريش : فيكتور سحاب ( الشرقية كانت تنهال على أهل مكة قبل ظهور اإلسالم ) . 1993 لندن –الشتاء والصيف

وألهمية التجارة البرية فى ذلك الوقت نشأت عن طريق القوافل من الجزيرة العربية واليها وكانت تمتد . أصبحت له شهرة واسعة النطاق عدة محطات وأسواق تجارية ، إزدهر بعضها حتى

على الطريق البرى الذى كانت تسلكه قوافل قريش من عدن جنوبا حتى غزة شماال ، فيما كان يعرف وأما الطريق البرى من مكة إلى فلسطين ، ومنها إلى مصر ، فكان معروفا . بالطرق التهامية

. نة المنورة التى كان اسمها يثرب فى ذلك الحين بالطرق التبوكية ، وكان يمر بالقرب من المديوحينما كانت تعود القوافل إلى مكة كان الجميع يحتشدون فيما يشبه المهرجان ، فيتلقف العرب

وتدور الحكايات عن حضارة مصر وروعة مدنها . بضائع الشام ومصر وتزدهر الحياة التجارية . والسيما االسكندرية

رية من جنوب الشام واليه ، كان هناك طريق بحرى يربط الجزيرة وفضال عن الطرق الب العربية بمصر مباشرة ، حيث ترسو المراكب فى ميناء القلزم ، الذى هو السويس حاليا على شاطئ

Page 32: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

32

وكان . وكان يصدر منه الذرة المصرية ومختلف أنواع الحبوب إلى الحجاز واليمن . البحر األحمر ة قفط المصرية مركزا لهم منذ أزمان بعيدة ، حتى إن المؤلف الجغرافى التجار يتخذون من مدين

انها " سترابو الذى زار مصر فى أوئل العصر الرومانى أثناء القرن األول قبل الميالد يقول عنها لكثرة ما رأيت فيها من العرب والتجار الذى كانوا يأتون إليها عبر وديان " مدينة نصف عربية

" . ية والبحر األحمر الصحراء الشرق

كما كانت االسكندرية مركزا لكثير من التجار العرب الذين يتبادلون البضائع مع التجار وخالل هذا التبادل التجارى عرف العرب عظمة مصر ولمسوا بعضا . اليهود واألقباط والرومان وغيرهم

وظل مجيئهم إليها ال ينقطع فى وظلت فى خيالهم رمزا للوفرة واالزدهار ، . من مظاهر حضارتها رحالت فردية أو جماعية من جزيرة العرب ومن الشام إلى مصر ، ثم العودة إلى بالدهم ، وال

.يبادلهم أبناء مصر هذه الرحالت إلى الجزيرة العربية

ولم تتوقف هجرات قبائل العرب إلى مصر بعد الغزو طوال القرون األولى من ذلك الغزو أصبحوا يجيئونها بإعتبارهم السادة المالكين ممتطين صهوات جيادهم وشاهرين سيوفهم ولكنهم.

ولم تتوقف هجرات القبائل العربية . على المصرين الذين أصبحوا بعد الفتح العربى هم العبيد األذالء . على مصر منذ أن غزوها وطوال القرون بعد ذلك

أن نجارا قبطيا شارك فى بناء الكعبة " ح ذكر األزرقى وفيما عدا التبادل التجارى قبل الفت أن البيت الحرام هدم فى الجاهلية فعهدت قريش ببنائه " ويؤكد الكندى " حين غمرها طوفان السيول

فأدركه اإلسالم وهو على ذلك البناء ، وكان قد تم استدعاؤه من مصر بسبب ما . إلى رجل قبطى 28فضائل مصر ص : الكندى " ( مهارة فى البناء والتشييد والنجارة كان معروفا عن المصريين من

كما أن قبطيا آخر كان قد أهداه العباس عم الرسول إليه ، فعهد إليه بزراعة أرض العالية فى ) . 70ص . الجزء الثانى . تاريخ اليعقوبى " . ( يثرب ، التى أصبح اسمها بعد اإلسالم المدينة المنورة

. (

Page 33: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

33

صل الثانى الف قائد الجيش العربى الذى فتح مصر

كان قائد الجيش العربى الذى فتح مصر هو عمرو بن العاص ، ويقول المؤرخ العربى أبو فى حين يقول ) . 18األغانى الجزء ( الفرج األصفهانى أنه كان إبنا لرجل من أهم أثرياء قريش

زارا وتاجرا للجلود أبو القاسم الخثعمى إنه كان فى بداية حياته ج الجزء الثانى ص . الروض اآلنف ( كان قصيرا عظيم الهامة ناتئ الجبهة واسع " وقد وصف المؤرخ إبن عبد الحكم هيأته بأنه ) . 105

فتوح مصر : إبن عبد الحكم " ( الفم عظيم اللحية عريض ما بين المنكبين غليظ الكفين والقدمين ) . 53ص

شديد الفطنة " لعرب والسيما سعيد بن عفير أنه عمرو بن العاص كان وقال المؤرخون ا وكان مشهورا بسرعة البديهة وحدة الذهن وسرعة الرد فى اإلجابة المسكتة " . والذكاء والدهاء كما .

كان معروفا بطول خطبه وبالغتها ، وكان إماما فصيحا يؤم الناس فى الصالة ، وكان الرسول العربى حسن رأيه وشجاعته واعتزازه بنفسه واعتداده بماله من قوة وبطش ، ولعل هذه الصفات التى يحبه ل

اتصف بها عمرو بن العاص كان لها الفضل األول فى نجاح حملته على مصر وفى حكمة سياسته فى إدارتها بعد استيالئه عليها ، ولواله لكان العرب فد فشلوا فى غزوهم لها وفى إدارة شئونها بعد

. ذلك

كانت عليه من فوق درعه " أما مالبس عمرو فى بداية غزوه فيصفها الواقدى بقوله إنه وقد أدارها حول رأسه لفائف وألقى . جبة صوف وعلى رأسه عمامة من صنع اليمن مصبوغة صفراء

وقد ظل علbتلك الهيئة حتى وهو. وقد تقلد بسيفه واعتقل برمحه . لها عذبة ، وفى وسطه منطقة مم تضحك " فقال له عمرو . متجه إلى أمير الروم فى مباحثاته معه ، وحينما رآه الترجمان ضحك

ما الذى تصنع به وما نريد حربا ؟ قال .. يا أخا النصرانية ؟ قال من دناءة زيك وحملك هذا السالح عمرو إن حمل السالح شعار العرب وهو وطاؤهم ودثارهم ، وانما حملت السالح معى ا ستظهارا لى

ولعلى أن ألقى عندكم حربا فيكون السالح حصنا لى . على عدوى وكان قواد الجيش البيزنطى " . ولكنه بعد أن انتصر عليهم اتخذ لنفسه أبهة . جميعا يسخرون من هيئة عمرو هذه حين يرونه

س والحجاب عددا ، فبدأ يرتدى الغالى من الثياب والحرير الموشى بالذهب ويتخذ من الحر. األمير كما رآه بعد " بأنه " الفضائل الباهرة فى محاسن مصر والقاهرة " وقد وصفه إبن ظهيرة فى كتاب

عليه ثياب موشاة بسبائك الذهب الخالص " أدعج أبلج . الفتح ، كان رجل قصير القامة وافر الهامة . ، تتألق عليه حلة حمراء وعلى رأسه عمامة فاخرة

Page 34: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

34

عمرو بن العاص منصبه وسطوته بعد استيالئه على مصر فى جمع ثروة وقد إستخدم هائلة ، ويقال إنه ترك بعده من الذهب ما يمأل سبعين رقبة جمل ، وما يمأل حلبة ثور به أردبان من

أن عمرو " مردج الذهب " كما يذكر المسعودى فى كتابه ) . الفضائل الباهرة : إبن ظهيرة ( الدنانير وغلة مائتى ألف دينار بمصر ، . ومن الورق ألف درهم . ثالثمائة وخمسين ألف دينار ترك لورثته

) 130الفضائل الباهرة ص : إبن ظهيرة ( وضيعته المعروفة بالوهط وقيمتها حوالى مليون درهم أن عمرو إمتلك بستانا بالطائف يسمى تعريشة الوهط " سير أعالم النبالء " كما نجد فى كتاب . ولم تزل ملوك مصر منذ عمرو بن العاص إلى " ويتابع إبن ظهيرة بيانه فيقول . مته مليون درهم قي

وقتنا هذا يجمع كل واحد منهم أمواال عظيمة ال تدخل تحت حصر ، وكذا األمراء والوزراء والمباشرون .على إختالف طبقاتهم

واليته على مصر ، حتى سمع وقد ذاعت شهرة الثروة التى اقتناها عمرو بن العاص أثناء بلغنى أنك فشت لك " بذلك الخليفة عمر بن الخطاب فأرسل إليه يسأله عن مصدر ثروته قائال له

" صبح األعشى " القلقشندى فى كتابه ( فاشية من خيل وابل ، فاخبرنى من أين لك هذا المال ؟ " الحقيقى لثروته وأجاب قائال ولكن عمرو تهرب من التصريح بالمصدر ) . 386الجزء السادس ص

وأنا . وانه يعرفنى قبل ذلك وال مال لى . أتانى كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه فاشية مال فشا لى أخبر أمير المؤمنين أنى ببلد السعر فيه رخيص ، وانى أعالج من الزراعة ما يعالجه الناس ، وفى

ويتضح من ذلك أن األقباط هم الذين ) . 477المصدر السابق ص " ( رزق أمير المؤمنين سعة كانوا يزرعون لعمرو أرض مصر ، إذ أن العرب اعتبروا األقباط عبيدا لهم يسخرونهم كيف شاءوا فى

. واعتبروا األرض ملكا لهم فى كل أنحاء مصر . كل أنواع األعمال بغير أجر أو أى مقابل

. ث إليه محمد بن مسلمة يقاسمه أمواله ولم يصدق عمر بن الخطاب حجج عمرو وبع إنكم معشر العمال قعدتم على عيون األموال ، فجبيتم الحرام وأكلتم " ومعه رسالة عنيفة يقول له فيها

وبالفعل جاء محمد ) . 146فتوح مصر وأخبارها ص : إبن عبد الحكم " ( وأورثتم الحرام . الحرام قبح اهللا يوما صرت فيه " لكاته ، فقال عمرو ساخطا بن مسلمة وقاسم عمرو بن العاص كل ممت

يلبس الديباج – أبا عمرو بن العاص –فلقد رأيت العاص بن وائل السهمى . لعمر بن الخطاب عامال فرد عليه " يحمل الحطب على حمار بمكة – والد الخليفة –المزركش بالذهب ، والخطاب بن نفيل

ه فى النار ، ولوال اليوم الذى أصبحت فيه تزم اليوم الذى عينك فيه إبن أبوك وأبو" إبن مسلمة قائال الخطاب واليا أللفيت نفسك معتفال عنزة يسؤك غزرها ويسؤك بكرؤها ) المصدر السابق " (

ولم يكن عمر بن الخطاب يطالب عمرو بتقليل حجم الضرائب وعدم جمع األموال من أقباط وجمع كل ما يستطيع من . والحرص على تحصيل الجزية . طالب بزيادة الخراج بل كان ي. مصر

Page 35: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

35

أي فلتخرب مصر " أخرب اهللا مصر في عمران المدينة " خيرات مصر ، وهو صاحب الكلمة الشهيرة نفسه ثروات مصر ، بل يبعث بها ل الوالي ركت يحعلى أال. إذا كان في خرابها عمران المدينة المنورة

وكان عمر بن الخطاب يحرص على جمع ثروات . موطن الصفوة من عظماء قريش . دينة إلى الم في بيت المال الرئيسي وتوزيعها على القبائل العربية حسب منزلة ،البالد التي يتم للعرب احتاللها

ية ز في معاملة أهل مصر وضاعف الج ، الذي جاء بعد عمرو ،ابن أبي سرح إشتد وقد. كل منها انت مفروضة عليهم فزادت األموال التي أرسلها للخليفة عثمان بن عفان ، فاستدعى الخليفة التي ك

قد زاد ، التي هي مصر ،د أن البقرةصوهو يق" حة بعدك يا عمرو قت الللقد در" عمرو وقال له .عا أبناؤها أي شعبها ومات أطفالها جو أي هلك" وقد هلكت فصالها : لبنها ، فأجاب عمرو قائال

ة التي قد تكون لها داللتها على بعض طباع عمرو بن العاص فولعل من األحداث الطريكما أنها قد تكون لها . بأصحاب السطوة والسلطان تليق المظاهر التي رجوولعه بالوجاهه وبه

لتي داللتها على شدة عمر بن الخطاب وسيطرته وحزمه مع الوالة الذين يقون بتعيينهم حكاما للبالد امن أن " غرب المغرب في حليالم" بن سعيد األندلسي في كتابه إستولى عليها العرب ، ما ذكره ي

. عمرو بن العاص ذات مرة فوجده قد صبغ رأسه ولحيته بصبغة سوداء ىستدعإعمر بن الخطاب . شاب عهدي بك شيخا وأنت اليوم: فقال عمر .. أنا عمرو بن العاص : قال . من أنت ؟ : فسأل

.فخرج عمرو وفعل كما أمره الخليفة عمر بن الخطاب " لت هذا غس ما خرجت ف إالكقد عزمت علي

على أن ما يهمنا في هذا المجال أن المؤرخين العرب يذكرون أن معرفة عمرو بن العاص فكان يعرف مصر وطرقها . بمصر قبل الفتح كانت أكثر من معرفة سواه بها من سائر العرب

كها ومدنها وقراها ومكامن ثرواتها ، ومواطن الضعف فيها ، بفضل كثرة رحالته إليها للتجارة ومسالوهذا هو السر الذي أتاح له الفتح السريع والنصر الخاطف على أهلها المصريين ، . قبل اإلسالم

رين على المتعجرفين من الرومان البيزنطيين الذين كانوا مسيطالمتجبرينوعلى سادة مصر السالفين .مصر

Page 36: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

36

الفصل الثالث مصرفتحالجيش العربي الذي

رددا في أن يبعث جيشا عربيا لغزو تكان الخليفة عمر بن الخطاب أثناء وجوده في الشام م مصر بقيادة عمرو بن العاص ، لوال أن ألح عليه عمرو في ذلك إلحاحا شديدا مؤكدا له سهولة

لتي كان يعلم أن مصر تمر بها في تلك األيام إذ كان يعرف أن االستيالء على مصر في الظروف ان من كل سالح ، فلم يعودوا قادرين على صد أي ودهم المحتلون البيزنطياألقباط أهل مصر قد جر

ذلك الغازي ، ومهما كان متواضع الشأن ، في حين أن البيزنطيين أمرغاز يغزو بالدهم مهما هانك يسيطرون على مصر كانوا مشتتين ممزقين في أعقاب حربهم األخيرة مع أنفسهم الذين كانوا حينذا

ستجاب لكثرة ا أن عمر بن الخطاب لم يلبث أخيرا أن وافق على رغبة عمرو بن العاص ودبي. الفرس عد أن ظلوا أكثر من ألف سنة محتلين من ب وقد أكد له قلة خبرة األقباط بفنون القتال ،إلحاحه

لرومان ، ولم يكن مسموحا لهم بحمل السالح أو خوض المعارك فضال عما أكده اليونان ثم من ا ائدة االستيالء على تلك البالد المعروفة بكثرة خيراتها وجمال طبيعتها وطيبة فعمرو بن العاص من

للميالد بغزو مصر 630أهلها ، وفعال أذن عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص في خريف عام ن أربعة آالف من أسوأ المحاربين الذين جاء ثالثة علغرض جيشا ال يزيد تعداده وأعطاه لهذا ا

أرباعهم من أرض اليمن القاحلة التي يتصف أهلها بشدة الفقر وجفوة الطباع ووحشيتهم في المعاملة الدولة اإلسالمية بعد وفاة الرسول لىن اإلسالم الذين انشقوا ععوكان بعضهم من العرب المرتدين . وقد حاربهم أول الخلفاء أبو بكر الصديق وأحرق كثيرا من زعمائهم وظل ،فع الجزيةد رافضين ،

حتى إذا جاء . نضمام أهل الردة إلى جيوش الفتح إوكان أبو بكر يرفض . يبطش بهم حتى أخضعهم عمر بن الخطاب اشركهم في القتال مع الجيوش العربية هادفا إلى أن يشغلهم عما كان يسود

مجتمعهم من الفتن والقالقل والمؤامرات الداخلية ويتيح لهم فرصة الحصول على بعض المنافع ليخرجهم بذلك من حالة الفقر المدقع التي كانت تؤدي بهم إلى التطاحن فيما بينهم والى تحولهم إلى

ك كما انضم إلى جيش الغزو الذي قاده عمرو عدد كبير من الصعالي. عصابات للنهب والسلب كما انضم إلى الجيش العربي في طريق الشام وفلسطين . وقطاع الطرق والمتشردين في الصحاري

باط الذين قاموا في عملية الغزو بدور الجواسيس نعدد من البدو وبعض أوشاب الفرس وعرب األ .والمراسلين والتراجمة واألدالء

Page 37: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

37

لمنتسبين إلى قبيلة قريش وغيرها وأما األقلية الضئيلة من الجيش العربي فكانوا من العرب ا بن المقدادو من القبائل البارزة في بالد العرب واألقوياء من رجالهم من أمثال الزبير بن العوام

يه بن صواب المهدي بر وأبي ذر العقاري ونم وأبي الدرداء عقبه بن عامتاألسود وعبادة بن الصا ،الصفوة العربيةيمثلون وسعد بن أبي وقاص ، وكانوا ورافع بن مالك وربيعة بن شرحبيل بن حسنة

ومن خلفهم آالف الجند الممثلين للقبائل المختلفة العدنانية منها أو ممن كانوا معروفين بعرب الشمالا من حيث الثراء هوتتباين هذه القبائل كل. والقحطانية األصول أو ما كانوا يسمونه عرب الجنوب .

على عرب الجنوب بالمبالغة في األحساب واألنساب ، وحيازة يتبهونالشمال فكان عرب . والمكانة شبه الجزيرة العربية وما يترتب عليه من الثراء العريض ةشرف اإلحاطة بالكعبة ، واحتكار تجار

تتيه على ما عداها ت الحموى في معجم البلدان إن قبيلة قريش ظلتوالمكانة الممتازة ، ويقول يا قو. األغاني : أبو الفرج األصفهاني ( . ئل وتمثل موضع السيادة بينهم قبل اإلسالم وبعده من القبا

) .123ص . الجزء الثامن عشر

وكان الجيش العربي القادم لفتح مصر مكونا من وحدات قبلية تسمى ألوية وترفع كل قبيلة بائل ما يكون على ميمنة الجيش ومن الق. منها رايتها المختلفة األلوان عن رايات القبائل األخرى

.ثم يتوحد الجميع تحت راية القلب حول القائد العام للجيش . ومنها ما يكون على ميسرته

تضم كل قبيلة منها ةوقد جاء من عرب الشمال في هذا الجيش ما يمثل نحو ثالثين قبيلد احتل كبارهم مواقع أمراء وق . فر ، وغفار وثقيمهد ، وعافثالثين بطنا تتقدمهم قبائل قريش ، و

والقادة الذين حكموا ،الجيش وقواده ، وخرج منهم بعد ذلك رجال الشرطة والقضاة ورؤساء الدواوين بعض القبائل الشمالية صاحبة السيادة والنفوذ سوى أعداد عثولم تب. التالية للفتح العقودمصر في

ومن هذه القبائل التي يقل عدد . ء مستقل للقبيلة ال يكاد عددهم يكفي لتشكيل لوا. قليلة من الرجال وقد رفض كل وفد من . قريش نفسها واألنصار وخزاعة ومزينة وأشجع وثقيف وجرش : ممثليها

هؤالء الشماليين األثرياء االنضمام تحت راية قبيلة أخرى حتى ال تنتقص مكانتهم ويصبحوا تابعين ة الداخلية في بقعام بذكائه السياسي التغلب على هذه ال فرأى عمرو بن العاص القائد الع ،لغيرهم

عبد اهللا خورشيد ( بناء الجيش أن يبادر إلى جمعهم معا فجعل لهم رايته هو بصفته القائد العام ) .القبائل العربية في مصر في القرون الثالثة األول للهجرة " البري في كتابه

القادة واألمراء ورؤوس القوم ت حاملة زوجاى قطعان األبلدوفي مؤخرة الجيش كانت تتهاالجزء . السيرة النبوية البن هشام ( والذين خشوا أن يتركوا زوجاتهم في وسط قبائلهم ببالد العرب

طة ي في ميادين القتال السيدة رانوكانت في مقدمة أولئك الزوجات الالتي صحبن أزواجه) الثالث

Page 38: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

38

فتح " ابن عبد الحكم في كتابه ( الجيش عمرو بن العاص بنت منبه بن حجاج القرشي زوجة قائد ) .مصر والمغرب واألندلس

وفي طريق الجيش العربي خالل انطالقه في ارض مصر من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى التي تليها ، كانت جموع الشعب القبطي المحرومين من حمل أي سالح تتابع في حذر وفي هلع

الدائرة بين العرب والبيزنطيين ، ويكاد الرعب من الجانبين أن يقتلهم ، فكانوا شديدين أخبار المعارك . فيتخلصوا منهما معا الجيش اآلخر أن يتضرعوا إلى اهللا أن يهزم كل من الجيشينال يملكون إال

منها زمنا طويال حرمواوبذلك يستردون هم أنفسهم حريتهم التي و .

Page 39: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

39

الباب الثالث لعربي في بالد مصرمسيرة الجيش ا

الفصل األول زحف الجيش العربي على مصر

ولكن عمر بن الخطاب لم . وقد انطلق عمرو بن العاص بالجيش العربي تحت جنح الظالم يلبث أن عاوده الخوف والتردد في القيام بهذه المغامرة فكتب إلى عمرو مع رسول بعث به إليه يأمره

، إذا كانوا لم يدخلوا بعد أرض مصر ، فأدركه هذا الرسول وهو بأن يعود بمن معه من الجنود العرب وكان كما رأينا رجال شديد - في مدينة رفح على حدود مصر الشرقية ، ولكن عمرو راوده الشك

في أن الخليفة يأمره في خطابه بأن يعود بالجيش الذي معه ، فتاخر في استالم الخطاب ، - الذكاء: الخطاب وقرأه ، فإذا الخليفة يقول له فيه نصى مدينة العريش ، وهناك وتابع السير حتى وصل إل

وبها جموع . أما بعد فأنك سرت إلى مصر ومن معك . من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص " ولعمري لو كان شكل أمك ما قرأت كتابي قبل أن تدخل مصر فارجع . الروم ، وانما معك نفر يسير

الحمد " فقال عمرو ،"نت دخلت لوجهك بهم ـ فإن لم تكن بلغت مصر فارجع إلى موضعك ، وان ك .فتقدم ولم يتراجع ، " إنها مصر " قالوا ، " هللا ، أيه أرض هذه ؟

Page 40: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

40

الفصل الثاني الجيش العربي في غزواته األولى

-: في العريش -1 639 سنة ديسمبر12بلغ الجيش العربي مدينة العريش على حدود مصر الشرقية في

وكان عمرو بن العاص قائد الجيش العربي قد بلغ في ذلك الحين الخامسة واألربعين من . ميالدية .عمره

فأعد شيئا من وسائل الدفاع ، . وكان المقوقس حاكم مصر قد سمع بهذه الحملة الغازية ر من المدن ورمم أسوار كثي حول حصن بابيلون ، وزاد فى تحصين الحصون األخرىوحفر خندقا

التي كانت غزوة الفرس قد هدمتها ولكن المقوقس ظل في مكانه لم يحاول صد جيش العرب ، ولم .يأمر بذلك جنوده

على أربعة آالف جندي امتنع عمرو بن يزيد ونظرا لقلة عدد الجيش العربي الذي لم يكنة تلك المدن بجنوده واشعال العاص عن مقاومة سكان المدن المصرية التي كان يمر بها وأمر بإحاط

النار فيها وقتل كل من يفر منهم أثناء احتراقها ، وكانوا آالفا من األقباط مع عائالتهم وزوجاتهم .وأبنائهم

وكانت العريش ذات . ثم عسكرت قوات عمرو على شاطئ البحر على مشارف العريش ن يبدأ من العريش ويتجه إلى حصون وأسوار عالية ، ويذكر المؤرخون أن سور مصر العظيم كا

واذ فشل العرب في اقتحام . القلزم التي هي السويس ، ثم يتجه مع شاطئ النيل الشرقي إلى الجنوب . فيها فاشتعلت كلها بكل الذين كانوا في داخلها الناروامرضأسوار العريش أ

-: في مدينة الفرما -2ا في الطريق المتجه إلى الغرب بعيدا عن وقد غادر العرب مدينة العريش بعد حرقها ، وسارو

ولم يجدوا أحدا من الجنود البيزنطيين حتى اقتربوا من مدينة الفرما التي كان . شاطئ البحر األبيض وكان لها . لوكانت تبعد عن البحر األبيض نحو ميل ونصف مي. لوزيوم ياسمها باللغة القبطية ب

يتصل بالبحر ، وكان فرع من النيل اسمه الفرع البيلوزي يصب صال بالمدينة بخليج تمرفأ لعله كان م .رب منها قفي البحر بال

Page 41: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

41

وكانت مدينة الفرما هذه مدينة قوية الحصون بها كثير من آثار قدماء المصريين ، كما كانت بها بعض الكنائس واألديرة ، وكانت مفتاح مصر من الشرق ، وتشرف على الطريق القادم من

ولم يكن عند العرب الذين جاءوا مع . جري إليها فرع من النيل يؤدي إلى الوجه البحري الصحراء ، ويدة الحصار ، فلم يكن في استطاعتهم االستيالء على المدينة إال باقتحام ععمرو بن العاص شيئا من

لجوع واذ كانوا قليلي العدد ظلوا مرابطين خارجها مدة شهر كامل ، منتظرين حتى يدفع ا. أبوابها أهلها إلى الخروج إليهم وفعال بعد حصار طويل خرجت قوات البيزنطيين من حصونها لمقاتلة العرب

وقد استمر القتال حتى تمكن العرب أخيرا من االستيالء على باب . في هجمات مفاجئة متكررة المدينة فتبعهم المدينة فاندفعوا إليها وقاتلوا البيزنطيين حتى هزموهم فتراجعوا عائدين إلى داخل

. العرب وانهالوا على مباني المدينة ودكوها دكا وخربوا كنائسها وأديرتها وقتلوا اآلالف من سكانها وعمد قائدهم عمرو بن العاص إلى هدم أسوار المدينة وحصونها حتى ال يستفيد بها العدو لو عاد

.إلى احتاللها

رب إلى خيانة عظمى ارتكبها غرخي الوكان سقوط الفرما في يد العرب يرجع في رأي مؤ وأرجعوا تقاعسه عن الدفاع عن العريش والفرما إلى ،المقوقس في حق اإلمبراطورية البيزنطية

مؤامرة كان يهدف بها إلى فصل بطريركية اإلسكندرية عن كنيسة القسطنطينية بالتعاون مع العرب

بالدهم ؟ لعله مما يلفت النظر أن ولكن ما هو موقف األقباط من هذا الهجوم العربي على وهي ما يسمونه كتب التراث ، . استقراء أحداث الفتح العربي لمصر من خالل مصادر التاريخ العربي

نجد أن المؤرخين العرب اغفلوا وجود الشعب القبطي تماما في هذه الفترة فلم يكونوا يهتمون إال بما تصرين غير أن هناك مؤرخ قبطي عاش في أواخر القرن يتعلق بدفع الجزية والخراج إلى العرب المن

ميالدية شيخا كبير السن ، وهو األسقف 698وكان في سنة . السابع الميالدي وبداية القرن الثامن وقد عاصر في شبابه وشيخوخته أحداث الفتح العربي لمصر ورآها رؤية . ىالقبطي يوحنا النقيوس

الذي كان في ،وكان هو الصوت الوحيد للشعب القبطي . العين وسجلها في مخطوطه تحمل اسمهفلم يكن ذلك الشعب يملك سالحا يدافع به عن نفسه ، وليست . ذلك الوقت منذويا في خلفية الصورة

له أي دراية بفنون القتال ، وقد ظل ما يزيد عن الف سنة ممنوعا من االنخراط في سلك الجندية ، والرومان والفرس الذين كانوا يحتلون بالد األقباط ويعاملونهم معاملة العبيد وال سيما في عهد اليونان

وكان هذا المؤرخ القبطي أسقفا لمدينة نيقيوس القبطية وكان البابا القبطي يوحنا الثالث قد عينه . ن وكان بهذا الوادي في ذلك الحي. رئيسا ألساقفة الوجه البحري والمسئول عن أديرة وادي النطرون

ظرا لما حل بتلك األديرة من تخريب الغزاة الفاتحين وآخرهم الغزاة العرب نو. أكثر من مائة دير وقد كتب . أصبحت سبعة أديرة فقط ممتدة غربا على جانب البرية الواقعة بين بالد البحيرة والفيوم

Page 42: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

42

يونانية ، ثم إلى اللغة ثم تمت ترجمتها إلى اللغة ال. وسي مخطوطته تلك باللغة القبطية ييوحنا النق ولم تلبث أن فقدت النسخ القبطية واليونانية ، فلم تبق إال النسخة األثيوبيةاألثيوبية ، وقد ظلت

محفوظة في مكتبة الكنيسة في أثيوبيا حتى قام الدكتور زوتنبرج بترجمتها إلى اللغة الفرنسية هذا المؤرخ القبطي عن أحداث الفتح وقد كتب ،الكنسيةوفأصبحت معروفة في الدوائر العلمية

العربي بالتفصيل مهتما على الخصوص بالشكوى مما لحق باألقباط من عدوان الجيش العربي ، واصفا تفاصيل المعارك الحربية التي خاضها العرب في مصر ، وكيفية سيطرة الجيش العربي على

ض المدن القبطية مقاومة مستميتة في المواقع في كل بالد مصر بالوحشية والشراسة ، ومقاومة بعدفع أولئك المغيرين على بالدهم وشعبهم ، مما أدى إلى قتل اآلالف من األقباط في تلك المعارك غير

صورة حية يكتنفها إطار سميك من الحزن واألسى على القرى ىوقد رسم يوحنا النقيوس. المتكافئة .هوال يقشعر البدن من مجرد تخيلها القبطية التي قاومت الغزاة ، وما القته من أ

عل النار في مدينة الفرما وتركها والنار تأكل مبانيها والساكنين شولم يلبث الجيش العربي أن أ .فيها وأغلبهم من األقباط

-: في قرية مجدلة -3

ثم سار عمرو بن العاص بجيشه من الفرما إلى السنجة التي كانت تحيط بها إلى أرض رملية ليها حتى بلغوا قرية مجدلة ، وهي قرية قديمة كانت تقع في الجنوب الغربي من الفرما ، ثم كانت ت

على قناة السويس توجد فيه اليوم مدينة القنطرة ، وقد لزموا جانب حالياساروا إلى موضع يقعة وكانت مياه بحيرة المنزلة قد طغت على المنطق. الصحراء ولعلهم قصدوا إلى مدينة الصالحية

المحيطة بها ، فأصبح الطريق من هناك صعب المسالك ، وكان جيش عمرو كله من راكبي الخيل ، ولم يكن لديهم شيء من وسائل بناء القناطر على األنهار والترع ، فساروا من الصالحية والقصاصين

بعد في موضع قريب من المكان الذي حدثت فيه فيما ،إلى الجنوب ، واجتازوا وادي الطميالت .موقعة التل الكبير ، فلما خرجوا من الوادي لم يبق أمامهم إال مسيرة ضئيلة إلى بلبيس

-: في مدينة بلبيس -4وفي مدينة بلبيس بدا من البيزنطيين شيء من المقاومة ، وكانت طالئعهم قد خرجت ترقب

بارها قتاال ، وقد عسكرت مناوشة ضئيلة ال يمكن اعتقدوم العرب من الصحراء ، ولكنها لم تحاول إالقوات عمرو حول بلبيس شهرا كامال دار أثناء قتال عنيف خسر فيه البيزنطيون أكثر من ألف قتيل ه

وثالثة ألف أسير ، ثم جاءت من جانب البيزنطيين جماعة يرأسها أسقف بيزنطي وحاولوا مفاوضة ط أن يساعدوا العرب مستندا إلى ويقول الطبري أن عمرو طلب من األقبا. عمرو ولكن بغير جدوى

Page 43: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

43

ما زعم من أنه كانت بين العرب واألقباط قرابة في النسب ، إذ تجمع بينهم هاجر المصرية التي كان قد تزوجها إبراهيم الجد األول لليهود ، ولكن األقباط قالوا إن هذه قرابة بعيدة جدا ورفضوا مساعدة

. إليه بالرأي الذي استقروا عليه ، ولكنه لم يتلق منهم جوابا العرب ، فأمهلهم عمرو أربعة أيام ليأتوا وواضح من ذلك أن األقباط كان يراودهم األمل في أن يتطاحن البيزنطيون والعرب حتى يفنوا جميعا

ولذلك فانهم لم . ويستعيد االقباط استقاللهم فى ارضهم ووطنهم ويعودوا ليكونوا سادة فى بالدهم ا لم يساعدوا البيزنطيين الن الجانبين كانوا بهدفون الى استعبادهم سواء انتصر يساعدوا العرب كم

.أولئك أو انتصر هؤالء

قتال عنيف بين العرب والبيزنطيين هوقد لبث العرب عند بلبيس مدة شهر كامل وقع خالل .وقتل من العرب عدد عظيم

-: في مدينة هليوبوليس -5 مفترق فرعي النيل ، مر أثناءها بمدينة هليوبوليس صار عمرو بعد ذلك مسيرة يوم من

" ام دنين" المسماة اليوم عين شمس ملتزما جانب الصحراء ، ثم هبط الى قرية على النيل أسمها وكانت إلى الشمال من حصن بابليون وموقعها اليوم في قلب القاهرة حيث تقع حديقة األزبكية ،

نا يجاوره ي تنبه إلى الخطر ، وكانت تلك القرية موقعا حصولكن جيش البيزنطيين كان عند ذلك قدمرفأ على النيل فيه سفن كثيرة ، وقد سقطت أم دنين في يد العرب فسارع المقوقس بعد سقوطها

الى حصن بابليون وجمعا فيه عددا " الجئين " ومعه ثيودوروس قائد الجيوش البيزنطية فى مصر وعتادا كثيراجندكبيرا من ال وأستعدوا للقتال ، فأرسل عمرو بن العاص الى الخليفة عمر بن الخطاب

وكانت فى ام دنين ذخيرة عظيمة فكانت فى استطاعة الجيش البيزنطى الذى فى داخل . يطلب المدد الحصن ان يهبط فى اى وقت شاء الى قرية ام دنين لقتال العرب ، ثم يعود اذا شاء الى حصنه امنا

ومضت على ذلك عدة اسابيع فى مناوشات وقتال ضعيف ، ولم يكن قد لحق . لعظيمة خلف اسواره ا للعرب ان يقلل من عدد مناوشاتهمذى كبير ، ولكنه كان من شأن فساد أبالبيزنطيين حتى ذلك الحين

ن عددا كبيرا منهم فى المواقع والمحاربين الذين كانوا مع عمرو بن العاص ، بعد ان قتل البيزنطي وال سيما ان القتال كان قد اتعبهم حتى صاروا غير قادرين على اتمام المهمة التى جاءوا ،سابقةال

.لتحقيقها وهى غزو مصر وامتالكها

Page 44: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

44

الفصل الثالث موقعة الفيوم والمدن التى فى الطريق اليها

وفى هذه االثناء كان عمرو بن العاص قد ارسل يتجسس البالد وعرف انه لن يستطيع فتحوكان , تحيط بكل جوانبه تكادوكانت متصلة بحصن بابليون . مدينة مصر المسماة اليوم بالقاهرة

عمر بن الخطاب قد وعد بإرسال مدد لجيش عمرو ، فأرسل اليه يستحثه على المسارعة بإرساله فلما رأى عمرو بن العاص انه لن يستطيع فتح حصن بابليون بمن معه من . ولكنه أبطأ عليه

وكان عليه إذا فعل ذلك ان يستولى مرة اخرى على مدينة . جنود العرب ، رأى ان يغزو أقليم الفيوم الستولى عليها فملك بذلك مكانا يطل منه على النيل ومن ثم اخذ من السفن ايها وإلفسار ) ام دنين (

. ما يكفى بقية جنده إلجتياز النهر

ل سالمين حتى بلغوا مدينة ممفيس ، وتلك هى سار العرب الى الجنوب بعد ان عبروا النيمدينة مصر التى اصبحت معروفة فيما بعد بأسم القاهرة ، وكان اكثرها يقع جنوب حصن بابليون ،

وكان فى ذلك الوقت مع حاكم االسكندرية . منتيانوسالتى هى الفيوم اسمه دو" بيوم " وكان حاكم وكان امر الدفاع عن االقليم . رب من مدينة نيقيوس انستاسيوس فى بعض بالد الوجه البحرى بالق

وكان مقيما بالقرب من شاطىء " جون " كبير الشأن مرسال من االمبراطور هرقل يسمى لجمنوطا برولكن العرب لم يقدروا على لقائهم فلزموا جانب . لعرب للتصدى لالنيل ، فأرسل البيزنطيون قوة

.الصحراء

حين يذكر غربها ،ى الى مواطن تركز الجيش البيزنطى فى رأس الدلتا وويشير يوحنا النقيوسحصن بابليون الذى فر اليه القادة البيزنطيون ، ومدينة نقيوس التى كانت مكتظة بالسالح والتى تراجع اليها الجند ، ثم يذكر معارك عين شمس ، وطلب عمرو بن العاص من الخليفة ان يمده بمزيد

وقسم عند شمال " طندونباس " قسم عند : ر تقسيم عمرو للجيش ثالثة اقسام من القوات ، ويذكوتقهقر " طندونباس " بابليون ، وقسم عند عين شمس ، وانتصر العرب فى المعركة واستولوا على

ومع كل هزيمة كانت . البيزنطيون بعضهم الى حصن بابليون وبعضم االخر الى مدينة نقيوس ادة البيزنطييين وبدأ عمرو بن العاص يطلب من بعض الحكام البيزنطيون النزاعات تتسع بين الق

مساعدته وقبض على كل من رفض ذلك من اولئك الحكام وكبل اياديهم وارجلهم باغالل الحديد ونهب ان الجيش ىويؤكد النقيوس. الضرائب عليهم فموال كثيرة من االقباط بطريق اإلكراه والعنف وضاعأ

Page 45: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

45

عام فى مصر كلها ، وراح البيزنطيون ذعراثاما كثيرة ال يمكن حصرها ومن ثم حدث رتكب إالعربى ون من المدن االخرى ليتحصنوا فى االسكندرية قبل ان يدركهم عمرو ، تاركين كل اموالهم فري

واما االقباط فظل عمرو يحاربهم ، ويهدم المدن التى قاوم اهلها الجيش . وخزائنهم وكل ممتلكاتهم مصاى من مدن البحيرة ايضا ، ، وود من مدن البحيرة خى مثل سخا وكفر الشيخ الغربية ، ونالعرب

ودمياط وكل مدن الدلتا ، واتصل بجنوده المحاصرين لحصن بابليون ، وامرهم بان يمهدوا طريقا من .وسار العرب الى مدن اخرى ليحرقوها . حصن بابليون حتى يصلوا به الى مدينة رشيد ليحرقها

ا ، وتشاورووا مع االقباط اهل هذه المدينة ليحاربوا أنصنوارسل عمرو بعض الجنود العرب الى مدينة البيزنطيين معهم ، فرفضوا كما رفضوا كذلك طلب البيزنطيين ان يحاربوا العرب معهم ، فاسرع

قباط منهم النهم البيزنطيون وجمعوا كل اموال الضرائب من المدينة وهربوا الى االسكندرية ، فغضب اال . تركوهم فى الميدان بعد ان نهبوا اموالهم

وقد انقسم الجيش البيزنطى الى قسمين ، فمنهم قسم تعاون مع العرب ، و مثال ذلك احد حاكم مدينة القائد البيزنطى ، واباكيرى " جون " رجال ارمياس الذى دل العرب على مكان اختباء

اطفيح الذى امد العرب بسفن الريف ، وجورجيوس الوالى الذى شيد للعرب قنطرة عند النهر بمدينة وذلك فضال عن القادة المترددين بين معاونة العرب والندم على معونتهم ، مثل كالدجى . قليوب

هم ، ثم لم يلبث ان وسبندين ، وكالهما كان ساخطا على عنف رؤساءه فى الجيش البيزنطى نكاية في . ندما وعادا الى صفوف البيزنطيين

حدهما أ الى ثالثة مواقع – ى كما يذكر يوحنا النقيوس-وقد اتجهت حركة هروب البيزنطيين من الشرق الى حصن بابليون ، والثانى من حصن بابليون الى حصن نقيوس فى منطقة المنوفية ،

ت الهروب الكبير للبيزنطيين باالموال والذهب والمنقوالومنه الى حصون االسكندرية وبعد ذلك كانثم كانت هناك اعداد كبيرة من البيزنطيين لم يتمكنوا من الفرار فحصدتهم سيوف . الى القسطنطينيه

.العرب ، او اكلتهم النيران التى اشعلها العرب فى مساحات شاسعة من االرض المصرية

من االقباط فى المدن والقرى ينتظرون فى بداية وفى ذلك الحين كانت هناك جموع ضخمةاالمر تصدى الجيش البيزنطى للجيش العربى ليشتبكوا فى القتال قبل ان يرتفع ماء النيل وتمتلى

ولكن توالى الهزائم التى حلت بالبيزنطيين وكثرة القتل . المزارع بما فيها من نبات فيتوقف القتال .بى ، احدثت حالة من الفوضى والذعر فى كل أنحاء مصر والنهب التى قام بها الجيش العر

ويذكر يوحنا النقيوسى ان المدن التى شرعت فى مقاومة العرب كان عمرو بن العاص يشعل النار فى اسوارها وشوارعها وزروعها ، كما فعل بمدينة دمياط التى قاومت العرب وغيرها من مدن

خرى يقتلون كل من يقف فى طريق الجيش العربى من وكان العرب فى احيان ا. االقباط االخرى

Page 46: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

46

المدنيين االقباط ويستولون على مدينتهم ، كما حدث عندما دخلوا مدينة نقيوس وقتلوا سكانها حد ممن وجدوه فى الشوارع والبيوت والكنائس من رجال ونساء أواحتلوها ، ولم ينج من سيوفهم

، واسروا النساء واالطفال وتقاسموهم فيما بينهم ، وجعلوا وشيوخ واطفال ، ونهبوا كثيرا من االسالب يوصف ، اذ يطالبنا ن ما حدث فيها كان اكبر واخطر من ان أويبدو. صفصفا اعالمدينة قا

نصمت االن ، فانه من غير المستطاع الحديث عن الفظائع التى ارتكبها العرب " هنا بأن ىالنقيوس ان االقباط لم يقفوا وقفة المتفرج المستكين ىويذكر النقيوس" التعيسة حين استولوا على تلك المدينة

او الهارب المذعور امام تلك الفظائع بالرغم من انهم كانوا شعبا اعزل ال يملك السالح او اى وسيلة من وسائل المقاومة ، بل انهم كانوا نواة المقاومة فى تلك المدن التى كان الحرق هو الجزاء االوحد

حتى ان عمرو مكث اثنى عشر شهرا يحارب االقباط الذين . مقاومتها وال سيما فى مدن الشمال لوحتى حين كان عمرو يحرق مدينة كان اهلها يخرجون ليال ويطفئون النار . كانوا فى تلك المدينة

. المتأججة فيها على قدر استطاعتهم

الن يفعل اى شىء مهما كان يذكر النقيوسى ان عمرو بن العاص كان على استعدادومتوحشا وفظيعا ليستولى على مصر ، فلم يدخر وسعا لتحقيق هدفه هذا واستخدام كل وسائل الحرب المشروعة او غير المشروعة فى عصره ، وربما كان الحرق او التهديد بالحرق اكثر الوسائل التى

واما المدن التى عجزت عن . لسالح استخدمها عمرو ضد االقباط المجردين من اى نوع من انواع امقاومته فكان يبادر الى مضاعفة الضرائب عليها الى ثالثة امثالها ، كعالمة من عالمات الخضوع

فكان االساس الذى بنى عليه عمرو سياسته هو ان تدين له البالد بالطاعة او يدمرها عن . والتسليم .خرها ثم يحرقها آ

و البيزنطيين ، سار العرب الى مدينة البهنسا فاستولوا عليها وفى اثناء القتال بين العرب ثم سار القائد البيزنطى جون خلف الجيش العربي . وقتلوا كل من وجدوه بها من رجال ونساء واطفال

" جون " وهناك كمن . فلحق بهم عند مدينة أبويط التي هي اليوم من مدن محافظة بني سويف نخيل ، ولكن عمرو عرف مكمنه فحاصره مع جنده وقتلهم جميعا كما قتل مع جنوده بين غابات ال

.قائدهم جون

فلما بلغ القائد تيودوروس نبأ هذه الكارثة حشد جنوده وبعث بهم إلى جزيرة أليكون ثم أسرع أنستاسيوس وتيودوروس بالعودة إلى حصن بابليون ، وأرسلوا من الحصن سرية بقيادة ليونتيوس

ش في أبويط ، فلما بلغها وجد أن تيودورس قد فر مع جنوده إلى الفيوم وأنه يخرج منها مددا للجيوكان ليونتيوس رجال خامال ، فترك . بين الحين والحين فيهوى على العرب في البهنسا ويقاتلهم

.نصف جنده مع تيودوروس وعاد بالنصف اآلخر من جيشه إلى حصن بابليون

Page 47: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

47

أما . وا فتح مدينة الفيوم ، فعادوا إلى الشمال منحدرين مع النهر غير أن العرب لم يستطيعتيودوروس فقد جاء كذلك مع جنوده إلى حصن بابليون ، وقد اجتمع إليه كل الجنود البيزنطيين من

.كل جهات مصر فأصبح له جيش عظيم

خسر وكان أول سير عمرو إلى الفيوم نحو أول شهر مايو ، وقضى في غزوته بضعة أسابيع عمرو ه قدوم المدد الذي أرسللولع. فيها البيزنطيون خسارة كبيرة ، وغنم فيها العرب مغانم عظيمة

، حاليارب من هليوبوليس التي هي عين شمسقلتقى الجمعان بالا يونيو و6بن الخطاب كان في ه أربعة آالف هو الزبير بن العوام أبن عمة الرسول وأحد مستشاريه ، وكان معدوكان قائد المد

أعقابهم كتيبتان تتكون كل منهما من أربعة آالف جندي ، فكان جميع من فىجندي ، ثم جاءت .جاءوا من األمداد أثني عشر ألفا

القذرةوقد أدرك عمرو بن العاص منذ بداية الفتح مدى الفرق بين مالبس رجاله المهلهلةغيير الصورة واخراجها من جديد بأن فرض على ومالبس جيش البيزنطيين األنيقة الفاخرة فحاول ت

" أن ، إلى جانب ما يؤدونه من الجزية والخراج وواجب الضيافة وتقديم المحاصيل العينية ،األقباط. المقريزى المواعظ واالعتبار ( " وبرنسا وعمامة وخفينةيقدموا لكل رجل من أصحابه دينارا وجب

) .293الجزء األول ص

أحصى المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل منهم جبة " لالذرى هذه الرواية فيقول ويؤيد اصوف وبرنسا أو عمامة وسراويل وخفين فى كل عام ، أو بدال من الجبة الصوف ثوبا قبطيا ) "

) . 253فتوح مصر ص : البالذرى

وأضيف . ن الناعمة الملمسوبذلك تهندم العرب الممزقى الثياب بثياب أهل مصر الغالية الثمعبء هندمة الجندي العربي على عبء تأمين طعامه الذي يقضي به قانون ضيافة الفارس وفرسه

.مدة ثالثة أيام في أي مكان ينزل فيه وتوفير كل ما يحتاج إليه من مأكل ومشرب واقامة

ي الغالب من وبعد أن تأنق العرب بثياب أهل مصر الفاخرة جاء عدد من األقباط وكانوا ف" كيف رأيتم أمرنا؟:" فسألهم عمرو . زعمائهم يستأذنون عمرو في الرجوع إلى قراهم وأهاليهم

.. إذن ال حاجة لنا اآلن بصنيعكم " فقال لهم " حسنا لم نر إال " اوبحكمة المغلوب على أمره قالوالجزء األول ص . مواعظ واالعتبار ال: المقريزي " ( أعطونا عشرين ألف دينارا وعودوا إلى حيث كنتم

293.(

القبلية ، ورغبة كل العنجهياتت نزاعات داخل الجيش العربي ، ناتجة عن صراع ثوقد حد ،ستئثار لنفسها بدرجة أعلى من األخرى وخصوصا بالنسبة إلى قبيلة قريش وقادتهاإلقبيلة في ا

Page 48: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

48

. إلى ثورة الجند عدد مرات عليهم ستحواذا على المغانم ، مما أدىإاألقل عددا واألكثر ).253القسم األول ص . فتوح البلدان : البالذري (

الرسول ، ة ابن عم- حدث سوء تفاهم بين الزبير بن العوام القرشي هويذكر المؤرخون أنيلة مراد وبين شرحبيل بن حجية المرادي من قب-نقاذ جيش عمرو إل الذي جاء دوقائد جيش المد

مسئولة عن سمعتهم السيئة تتصف بطابع بدوى ، ويبدو أن بالدهم الجرداء المجدبة كانتالتي كانتالقبائل العربية في مصر : عبد اهللا بن خورشيد البري ( .وكونهم قطاع طرق ، حتى شاع ذلك عنهم

)214ص

الجندي سخطه في نزاع بين عمرو بن العاص وبين أحد الجنود العرب ، فأظهرد حدث وقإذن فانت أمير " فرد الرجل قائال " أخرس فإنما أنت كلب " وجه عمرو ، فصاح فيه عمرو قائال

) .26ص " . النجوم الزاهرة " ابن تغري بردي في كتابه " ( الكالب

فأرادوا أن يحاربوا ، العميق في منتصف الصيفهوقد علم البيزنطيون أن النيل يعلو في مجراعليها ، ولكن واستولوا " أم دينين " منهم قبل أن يفيض النهر ، فعادوا إلى بلدة إجتمعرب بمن الع

واستطاع من هناك أن " أم دينين " ستطاع أن يعبر النهر بجيشه في موضع أسفل من موضع إعمرو وكانت من أعظم مدن مصر ، وفيها . ويصل بجنوده العرب إلى عين شمس ،يسير للقاء المدد

ولكنها حين جاء العرب لم يكن باقيا من مجدها القديم إال . جامعة عين شمس الفرعونية الشهيرة را ، وقد اصبح أميرا على جيش عدده نحو خمسة عشر ققليل من أسوار مهدمة ، فاتخذها عمرو م

، عبد اهللاابنه وهم عمرو بن العاص ، و. من بينهم طائفة من أبرع فرسان العرب . ألف جندي ة ، وقيس بن أبي فوالزبير بن العوام ، وعبد اهللا بن عمر ، وسعد بن ابي وقاص ، وخارجة بن حذا

هري ، وأبو رافع فالعاص السهمي ، والمقداد بن االسود ، وعبد اهللا بن أبي سرح ، ونافع بن قيس ال . مولى عمرو ىوردانو شرحبيل بن حسنة ، نابإمولى الرسول ، وابن عميرة ، وعبد الرحمن وربيعة

مالنا من حيلة في قوم " وقد انتاب البيزنطيين فزع شديد من قتال العرب ، فكانوا يقولون ومع ذلك كان البيزنطيون أكثر عددا ، وكانت جيوشهم " غلبوا كسرى وهزموا قيصر في بالد الشام

.المهيأة للقتال ال تقل عن عشرين ألفا ، غير الذين كانوا محتمين بالحصون

وقد كانت خطة عمرو أن يجعل البيزنطيين يخرجون إليه فيقاتلونه في السهل وهم بعيدون عن جعل يناوش العرب ، وسار إليهم بجيوشه ،فلما احس تيودوروس من نفسه القوة. حصن بابليون

وكان على الخيل . نحو هليوبوليس ، وكانت على ستة أميال أو سبعة اميال من جيش العرب فلما . أنستاسيوس ، ولكن أكثر رجالها كان بعضهم رماة وبعضهم األخر يحملون الرماح تيودوروس و

Page 49: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

49

أم " مرهم وجه جنوده إلى مواضعهم ، فسار من هليوبوليس للقائهم ، وأرسل كتيبين إلى أعلم عمرو بكان التي تسمى اليوم األزبكية ، وأرسل كتيبة أخرى وقائدها خارجة بن حذافة ، اتجهت إلى م" دينين

ان سير البيزنطيين بين هذين الكمينين من العرب كرب من الموضع الذي فيه اليوم قلعة القاهرة فقبالوكان البيزنطيون قد . ا بأن يهبطا على جانب جيش البيزنطيين ومؤخرته موكان عمرو قد أمره.

وكان . ي السهل خرجوا بين البساتين واألديرة التي كانت إلى الشمال الشرقي من الحصن وانتشروا فخروج البيزنطيين في الصباح الباكر ، ولم يكن لديهم علم بمكيدة عمرو ، وقد كان يسير إليهم في

وأثناء القتال . واشتبك الجيشان في المكان الذي يسمى اليوم العباسية ،جيش آتيا من هليوبوليس البيزنطيون أنهم وقعوا بين فلما رأى. افة تهوي من مكمنها في الجبل حذأقبلت كتيبة خارجة بن

فاختل نظامهم وفروا . دنين ، فلحقهم الكمين اآلخر جيشين دب الفشل في صفوفهم واتجهوا إلى أمهاربين ، وقد لجأ بعضهم إلى حصن بابليون عن طريق البر أو السفن ، ولكن طائفة كبيرة منهم

لموقعة كل من كان بها من الجنود وقد استولى العرب على أم دنين ، بعد أن هلك في ا. قتلوا وحين علم الذين في الحصن بما أصاب إخوانهم حملهم الخوف على أن يتركوا . الثالثمائة البيزنطيين

ومن المعروف أن قاد الجيش تيودوروس والحاكمين . الحصن ويعبروا النهر إلى نيقيوس نضم إوقد . س به بأزنطيين عدد ال أنه بقى من الجنود البي ، و وأنستاسيوس لم يقتلوامنتيانوسدو

وأما العرب فنقلوا . إليهم الذين كانوا داخل الحصن ، فأصبحوا قوة تستطيع الدفاع عن الحصن جنودهم من هليوبوليس وانقضوا على شمال الحصن وشرقه بين البساتين والكنائس وذلك هو

.الموضع الذي أصبح معروفا فيما بعد بالفسطاط

نصر العرب إلى الفيوم غادرها كل الذين كانوا فيها من البيزنطيين ، وخرج ولما بلغت أنباءنتيانوس في الليل إلى أبويط ، ونزل في النهر بجنوده وفر هاربا إلى نيقيوس ، فأرسل عمرو بن مدو

العاص كتيبة من جنوده عبروا النهر وأستولوا على مدينتي الفيوم وأبويط ، وأحدثوا في أهلها مذبحة .مة واستولوا نهائيا على اإلقليم عظي

" ممفيس"على الضفة الغربية للنيل جنوبي " دالص"ثم أرسل عمرو جنوده إلى موضع أسمه غير أن البيزنطيين " . تيلوبوليس"وباليونانية " تيلوج"وهي إلى شرق مدينة الفيوم ، وتسمى بالقبطية

ت حصون تتصل بحصن بابليون ، وتسير وهي جزيرة ذا. يملكون جزيرة الروضة نكانوا ال يزالو . ميالدية 610ولعل موقعة عين شمس كانت في منتصف شهر يوليو سنة . بينهما السفن والقوارب

وقد قضى العرب في فتح الفيوم نحو أسبوعين ، وعلى ذلك لم يبدأ فتح الوجه البحري قبل قبل أن يحول فيضان النيل في أن يبسط يده على تلك المنطقة عشهر أغسطس ، وكان عمرو يطم

.بينه وبين ذلك

Page 50: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

50

ومنوف ، أن العرب بعد أن استولوا على المدينتين الكبيرتين أتريب ىوقد ذكر يوحنا النيقيوس بل أن عمرو بن العاص أمر جنوده بأن ،وبسطوا سلطانهم على إقليم مصر كله ، لم يكفهم ذلك

باألغالل وأرجلهم راسفة في القيود ، ثم أخذ من مصفدة إليه بالحكام البيزنطيين جميعا وايديهمئوايجياألهالي األقباط أمواال طائلة وضاعف عليهم الجزية ، وأمرهم بأن يأتوا إليه باألعالف لخيله وعاملهم

وال عجب فإنه بمثل هذه الشدة قضى على كل مقاومة ، وجعل األهالي ال يعصون له . بقسوة بالغة .لوبهم بالرهبة والرعب من قسوته وجبروته امرا ، وقد امتألت ق

على أن مدينة نيقيوس التي كانت على الفرع الغربي للنيل ظلت بعيدة عن سيطرة العرب ، بعد فما كانت لتؤخذ . أن استولوا على أتريب ومنوف ، وذلك ألنها كانت ذات حصون قوية وأسوار منيعة

حتى يحاصرها العرب حصارا تاما ، ولم يستطع العرب هذا في ذلك الحين ، إذ كانوا ال يملكون العدة للحصار ، وال يتسع لهم الوقت لذلك ، ومن ثم بقيت نيقيوس كأنها قلعة تصل الذين كانوا في حصن

غير أن كبار البيزنطيين الذين كانوا في نيقيوس لم يستطيعوا . بابليون بالذين كانوا باإلسكندرية ولم يتركوا في نيقيوس إال . اإلسكندرية ففروا إلىء فتوح العرب جاءتهم أنباينالبقاء بها ح

اريس في سمنود يأمرونه بان يحافظ دنتيانوس مع قلة من الجنود للدفاع عنها ، وارسلوا إلى مدوزداد ذعر األقباط وغلب عليهم اليأس إوعند ذلك . على ما عنده من البالد التي بين فرعي النيل

كان إلى اإلسكندرية تاركين أراضيهم وبيوتهم وما فيها من زرع وضرع ومتاع فأخذوا يفدون من كل موبذلك خرج األقباط من عهد المقوقس والبيزنطيين واضطهادهم الذي عصف بهم عشر سنين إلى .

.عهد آخر من الخوف والفزع واالضطهاد على يد الغزاة العرب

ال في أعقاب تلك األفواج ولكن عمرو لم يكن عند ذلك يستطيع أن يسير إلى الشمالهاربة ، ألن ماء النيل كان آخذا في االرتفاع والعلو علوا سريعا في أواخر شهر

وكان عمرو فضال عن ذلك ال يريد أن . أغسطس ، فأصبحت البالد ال يمكن السير فيها يخلف وراءه ذلك الحصن العظيم ، حصن بابليون بغير جانب من جنوده يدافع عنه ،

هو شاء أن يجعل من جنوده حاميا له ، كان البد أن يخلف وراءه جانبا عظيما من واذا جيشه فال يبقى له بعد ذلك من الجند ما يستطيع به فتح اإلسكندرية فلم يكن له مفر من

.أن يعمد قبل كل شيء إلى فتح حصن بابليون

الفصل الرابع موقعة حصن بابليون

Page 51: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

51

-:حصار حصن بابليون : أوال ما يدل على ما كانت ، إلى نحو أوائل القرن العشرين ، من حصن بابليون ،كان قد بقى

إذ اجتمعت . وكان الفضل لألقباط في حفظ البقية الباقية منه . عليه هيئته من عظمة وقوة وجالل لهم عدة كنائس داخل أسواره منذ بداية عهد المسيحية في مصر ، ألنهم وجدوا داخل أسواره منعة

وكانت كل أسوار الحصن لألقباط إال ما كان منها للخلقدونيين . في أوقات المحنة والشدة لهموحمايةوالظاهر أن . ، وهو موضع كنيسة مارجرجس ، واال ما كان منها لليهود ، وهو موضع معبدهم

هم مصر ، العرب لم يحفلوا بالمحافظة على ذلك األثر الجليل ، مع ما كان له من الخطر أيام فتحمع كثرة ما كتيه مؤرخوهم عنه ، ولكنه خرب تخريبا شنيعا منذ احتالل اإلنجليز له خالل القرن و

.العشرين

، وكان سمك كل من أسواره ثمانية " مصر القديمة " وموضع ذلك الحصن هو ما يسمى اليوم أبراج شامخة ، وكان له ل كال من الجانبين الجنوبي والشرقي من أسوار الحصن لعشر قدما ، ويتخ

وكان للحصن باب آخر في اتجاه . باب عظيم غطت األتربة والمخلفات نحو ثالثين قدما من ارتفاعه وأما الصروح فكانت أكثر ارتفاعا من ذلك ، فكان . وكان ارتفاع األسوار نحو ستين قدما . نهر النيل

والى الجيزة . جبل المقطم من الشرق الصاعد إلى أعالها يشرف على منظر عظيم يبلغ مداه إلىواألهرام وصحراء ليبيا من الغرب ، والى مساحات شاسعة من نهر النيل من الشمال والجنوب وكان الناظر من هناك في وقت غزوة العرب قبل بناء القاهرة ، ال يحول شيء دون بصره حتى يبلغ مدينة

بلغ إلى الباب األكبر الجنوبي ، والى مرسى وكان النيل أو فرع منه في وقت الفتح ي. عين شمس 1400وكان هذا الباب الجنوبي في عام . كانت ترسو عليه السفن البيزنطية من قبل ذىالسفن ال

.حصن الذي يدخل الناس منه الللميالد ال يزال مدخل

وكانت جزيرة الروضة ذات حصون في ذلك الوقت ، وكانت هذه الحصون تدعم حصن بابليون وكان اإلقليم الذي يقع . يد من قوته وخطره الحربي ، إذا كانت في وسط النهر وتملك زمامه وتز

وكانت إلى شماله تمتد الحدائق وتنتشر . شرقي الحصن في وقت الفتح يحتوي على مزارع فسيحة جامع مزارع الكروم ، وفيما يليها إلى الجبل الشرقي كنائس وأديرة متصلة إلى الموضع الذي فيه اليوم

اليوم ، ويقع بعضها داخل ابن طولون وقلعة الكبش وقد بقيت بعض هذه الكنائس وتلك األديرة إلى .ه القاهرة ويعضها خارجرسو

Page 52: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

52

وكان أول من بني هذا الحصن هو االمبراطور الروماني تراجان في العام المتمم للمائة من إقامه بختنصر وسماه باسم بناءاويقول يوحنا النيقيوسي أن أصل ذلك الحصن كان. الميالد

وذلك حين غزا مصر ، فأقام تراجان أسوار الحصن على اساسه وزاد في " . بابليون"عاصمة ملكه ويقول المؤرخ يوسيفوس أن الحصن لم يتم .بيد أن البناء القائم اليوم ذو طابع روماني. بنائه

.بناؤه إال في أيام غزوة الفرس أثناء حكم الملك قمبيز

وكان اسم . وكان حول حصن بابليون خندق اعاد المقوقس حفره وأقام فوقه قنطرة متحركة " .بابليون مصر"أي " بابليون آت خيمي"الحصن باللغة القبطية في وقت الفتح العربي

ومنها بعضه ما بقى إلى اليوم ، .من الكنائس وكان داخل الحصن ، فى وقت الفتح ، عدد كما كان يوجد . ، والكنيسة المعلقة التي مضت عليها اليوم أربعة عشر قرنا كنيسة أبو سرجة

الذي كان أسقفا للحصن وأسقفا لحلوان ،بالحصن ما يدل على أن البطريرك القبطي البابا بنيامين .وقد جاء في قطعة أثرية وجدت بالحصن نبذة عن حياة البابا بنيامين وقد ورد بها أن الكنيسة

ويوجد بالحصن معبد لليهود كان في األصل . ة قد افتداها األقباط بالمال من عمرو بن العاص المعلق .كنيسة قبطية ترجع إلى ما قبل الفتح العربي

وقد جاء عمرو بن العاص منذ أول شهر سبتمبر إلى حصن بابليون وجهز جيشه ليضيق وكان المقوقس داخل الحصن عند . وكان الخندق الذي حوله مليئا بالماء . الحصار على الحصن

كما كان تيودوروس أيضا داخل الحصن من قبل موقعة عين شمس ، وقد لحق . ابتداء الحصار كما أنه . وكان المقوقس هو القائد األعلى في الحصن . بالهاربين بعد الهزيمة ولجأ إلى اإلسكندرية

ه يلذي كان يدبر امر الجنود هو الذي يسمكان هو خليفة اإلمبراطور هرقل على مصر ، ولكن القائد اقى فيه طوال بوكان في الحصن قائد آخر " . جورج"ولعل ذلك تحريف منهم السم " األعيرج"العرب

نتيانوس ولعل كل الجنود الذين كانوا تحت قيادة جورج ميانوس ، أخو دوقمدة الحصار ، وهو أودووكل الكنائس التي . أن يكونوا أكثر من ذلك يبلغون خمسة آالف أو ستة آالف جندي ، وال يمكن

غيروكان المقوقس على عهده العدو األكبر لمذهب. كانت داخل الحصن يرأسها كهنة خلقيدونيون وأما األقباط الذين كانوا . الخلقيدونيين الذين هم األقباط المصريون ، وقد بقى هذا شانه حتى النهاية

لظن بهم فوضعهم في السجن وأنزلوا بهم عذابا عظيما ، وال داخل الحصن فقد أساء البيزنطيون ا ومن . سيما أن المقوقس كان هو البطريرك الخلقيدوني إلى جانب وظيفته كحاكم عسكري لمصر

وكان المقوقس قد أذلهم إذالال بشعا وكان . المؤكد أنه لم يكن أي قبطي مشاركا في ميدان القتال ما كان لاب المودة والتفاهم بين الحكام األجانب والرعية القبطية ، بل كبتعسفه معهم قد قطع كل أسب

Page 53: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

53

قتاال بين فريقين من غير المصريين ،متوقعا من األقباط أن ينظروا إلى القتال الذي كانت تدور رحاه .ن األقباط ، وليس على األقباط أن يناصروا فريقا منهماع، ومن ثم غريبين كالهما

. على الحصن من حجارة وسهام البيزنطيين ، أقوى أثرا مما كان يرميه العربوكانت مجانيق غير ان صبر العرب وشدة بأسهم في القتال أدت إلى تخاذل الجنود البيزنطيين الذين كانوا داخل

فما مضى شهر من الحصار حتى جمع المقوقس من وثق بهم من رؤساء الحرس ودعا . الحصن يزنطي ، واستشارهم سرا في األمر وبسط لهم رأيه ، وكان ذلك في أوائل شهر معهم أسقف بابليون الب

، وقد قال لهم انه ال يتوقع أن يأتي إليهم مدد من بالدهم يرفع عنهم الحصار قبل 640أكتوبر سنة مضي شهر على األكثر ، وان عاقبه الحرب ستكون وباال عليهم ، فاألفضل لهم أن يفدوا أنفسهم

عطوا العرب مقدارا منه ليرحلوا عنهم ، وبذلك يخلصون مصر فتعود إلى الخضوع بالمال في رتأوا أن من الحزم أالإنضم إلى رأيه المجتمعون معه من أتباعه ، ولكنهم إلإلمبراطورية البيزنطية ، ف

ين منهم على القتال ، حتى يفنوا يزعجوا جنودهم الذين في الحصن ، وال سيما الذين كانوا مصرجميعا ، ولكنهم استقر رأيهم أخيرا على أن يذهب المقوقس وأصحابه تحت ستار الليل إلى جزيرة

.ونه ضاوفشعر بهم أحد ، ومن هناك يرسلوا إلى قائد العرب فييالروضة بغير أن

-:المفاوضات بين العرب والبيزنطيين : ثانيا مفضي إلى النيل واستقلوا السفن من وفي كتمان شديد فتح قواد البيزنطيين الباب الحديدي ال

ولعل جورج . هناك وعبروا إلى الجزيرة ، ونزلوا في الموضع الذي أنشئت فيه فيما بعد دار الضيافة قائد حرس الحصن كان معهم في تدبيرهم هذا ولكنه بقى في الحصن ، حتى إذا حدث أن انتبه أحد

جورج هناك ليخمد الخبر ويقضي على ما كان. إلى خروج المقوقس وذاع خبر خيانته في الناس وقد أمر المقوقس بان ترفع قناطر الحصن حتى يأمن خروج الناس منه إذا هم علموا . يشاع

.بخروجه وخيانته وذعروا

ولما بلغ المقوقس جزيرة الروضة أرسل إلى عمرو بن العاص جماعة كان منهم أسقف إنكم قوم قد دخلتم بالدنا وألححتم على قتالنا "قالوا له بابليون الخلقيدوني ، فلقيهم عمرو وأكرمهم ف

وقد أظلكم البيزنطيون وجابهوكم ومعهم قدر كبير . وانما أنتم عصبة يسيرة . وطال مقامكم في أرضنا فابعثوا إلينا رجاال منكم نسمع . وقد أحاط بكم هذا النيل فانتم أسرى في أيدينا . من القوة والسالح

عل أن يأتي األمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب وينقطع عنكم وعنا القتال م ، فلهمن كالمقبل أن تغشاكم جموع البيزنطيين ، فال ينفعنا الكالم وال نقدر عليه ، ولعلكم أن تندموا إن كان األمر

" .مخالفا لطلبكم

Page 54: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

54

أبيح ال العرب ، إذفلم يبعث عمرو جواب ما أتوا به ، وحبس الرسل عنده يومين حتى يروا حليس بيني وبينكم "ثم بعث عمرو رده مع الرسل يقول فيه . لهم أن يجولوا في المعسكر ويروا ما فيه

وان أبيتم فأعطيتم . ن دخلتم في اإلسالم فكنتم إخواننا ، وكان لكم مالنا إما إ: إحدى ثالث خصال إالبر والقتال حتى يحكم اهللا بيننا وهو أحكم وأما أن جاهدناكم بالص. الجزية عن يد وأنتم صاغرون

" .الحاكمين

هم عمرو ، وجعل يقول ألصحابه سففرح المقوقس لعودة الرسل ، إذ كان قد خاف عندما حبإننا رأينا قوما "ولما جاء الرسل قالوا " . أترون أن العرب يقتلون الرسل ويستحلون ذلك في دينهم ؟"

على إنما جلوسهم ء ،شتهاإ ليس ألحدهم في الدنيا رغبة وال …الموت أحب إلى أحدهم من الحياة ما يعرف رفيعهم من وضيعهم وال السيد منهم من . التراب وأكلهم على ركبهم ، وأميرهم كواحد منهم

".العبد واذا حضرت الصالة لم يتخلف عنها منهم أحد

أن –فيها وال مفاوضة مع من اشترطه العرب من الشروط التي ال هوداه –وقد رأى المقوقس يبدأ في ذلك الوقت بعقد الصلح ، إذ كان العرب تحصرهم مياه النيل قبل أن يهبط النهر ويستطيعوا

مرو يطلب أن يبعث إليه جماعة من ذوي الرأي عالسير واالنتقال ، فيجوسوا خالل البالد فأرسل إلى عمرو إليه عشرة رجال ، أحدهم ليعاملهم ويتداعى معهم إلى ما عساه يكون فيه الصلح ، فبعث

، وأمره أن يكون متكلم القوم ، وال يجيب البيزنطيين إلى دعبادة بن الصامت ، وكان شديد السوافلما دخل عبادة . فركب الوفد السفن إلى الروضة . إحدى هذه الخصال الثالث شيء دعوه إليه إال

إن " فقال العرب جميعا " . موا غيره يكلمني قدأبعدوا عني هذا األسود ، و" على المقوقس هابه وقال هذا األسود أفضلنا رأيا وعلما ، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم وانما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه ."

ثم قال لعبادة بن " إن هذا وأصحابه قد أخرجهم اهللا لخراب األرض " فقال المقوقس ألصحابه حكم على أن نفرض لكم رجل منكم دينارين ، وألميركم مائة ب أنفسنا أن نصالينحن تط" الصامت

".دينار ، ولخليفتكم ألف ، فتقبضونها وتنصرفوا إلى بالدكم

ليس بيننا وبينك خصلة نقبلها منك وال نجيبك إال خصلة من ثالث ، فاختر " فقال له عبادة ".شاء ، وال تطمع نفسك بالباطل تأيتها

مما قال عن شيء ، أو أن يجعله يقبض شيئا مما عرضه عليه فأراد المقوقس أن يستنزله أما األمر األول فال نجيب إليه أبدا ، فلن " فاجتمع المقوقس بأصحابه وقالوا . فلم يقدر على شيء

حنا عبيدا لهم والموت بواذا أذعنا للعرب ودفعنا الجزية أص. نترك دين المسيح إلى دين آخر ال نعرفه ".خير من هذا

Page 55: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

55

طين هم ، مسلريإنهم إن دفعوا الجزية كانوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وذرا" فقال عبادة لهم وال يتعرض لهم أحد . في بالدهم على ما في أيديهم وما يتوارثون فيما بينهم وحفظت لهم كنائسهم

وبين نفسه أن ا بينهنقوفلما قال هذا مالت نفس المقوقس إلى اإلذعان ، إذ كان م" في أمور دينهم العرب البد سينتصرون ، فذهب ذلك بجرأته وكبريائه كما أنه كانت له مطامع في قرارة نفسه كما

ولكنه لقي من أصحابه عزما شديدا على القتال ورفضا لما كان يريده المقوقس من . سبق أن ذكرنا عمرو جوابا قاطعا ، قائال أنه لن إذعان ، وطلبوا أن يهادنهم العرب شهرا ليروا فيه رأيهم ، فأجابهم

فلما عاد أصحابه . غير أن رأي المقوقس لم يلبث أن ذاع بين الناس . يمهلهم أكثر من ثالثة أيام القتال رهم على المقوقس ورفض جند اإلمبراطور إالائمن الروضة إلى الحصن ، إذا بالناس قد ثار ث

الحصن يتجهزون للخروج لقتال العرب ، ولم يبعثوا ردا ، فما انتهت أيام الهدنة حتى أخذ الذين فيوفيما كان عمرو في اليوم الرابع بعد انتهاء الهدنة يفكر فيما عساه أن يصنع إذا . على عمرو

ولكن العرب أسرعوا إلى . يه فوق قناطرهم ، وقد أخذوا جنود العرب على غرة لبالبيزنطيين قد خرجوا إن قتاال عنيفا هم وقاتلوا البيزنطييحسال غير أن العرب تكاثروا . ن عندئذ مستبسلين ووقاتل البيزنطي.

.فلم يسعهم إال أن يتراجعوا ويعودوا إلى الحصن بعد أن قتل منهم عدد عظيم . عليهم

أما المقوقس فإنه استمر متمسكا برأيه الذي يدعو إلى اإلذعان والتسليم للعرب ، وقد رأى في لبيزنطيين فرصة له أمام الذين نبذوا رأيه ، ورأى وهو ممثل اإلمبراطور في مصر أن الهزيمة األخيرة ل

قد الصلح معهم على أن عالنصر على هؤالء العرب لن يمكن له ، ولن يستطيع طردهم من مصر ، فوقد اتفق البيزنطيين والعرب على أن تبقى . ه أصبح نافذا ريبعث بوثيقته إلى اإلمبراطور ، فإذا أم

.الجيوش حيث هي إلى أن يجئ رد اإلمبراطور

رفض اإلمبراطور هرقل للصلح الذى أبرمه المقوقس مع العرب ، :ثالثا :ونفيه أياه

ثم سافر المقوقس مسرعا في نهر النيل إلى اإلسكندرية وبعث إلى اإلمبراطور خطابا يبين فيه إليه من صلح مع العرب ، ويسأله أن يقر ما كان منه ويعتذر عنه بأن الحاجة ألجأته إلى ما لجأ

وقد حار اإلمبراطور في أمر هذا الصلح ، ومن ثم عزم على أن . الصلح حتى يكفي مصر شر القتال . ولعل ذلك كان في أواسط شهر نوفمبر . يدعوا المقوقس إليه ليحاسبه على ما كان منه في مصر

بة ، وراح يجهز ما يقول لمواله إذا هو حاسبه وقد أحس المقوقس بما ارتكب من جريمة وخشى العاق. ثم وصل إلى القسطنطينية ولقي اإلمبراطور وما كان أبشعه من لقاء . على ما بدا منه من خيانة ولكن هرقل ثار ثورة هائلة واحتدم غيظه من أن ينهزم مائه ألف من . وقد راح يدافع عن نفسه

Page 56: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

56

وتخلى للعرب عنها ، وراح تهم المقوقس بأنه خان الدولةجنوده أمام أثنى عشر ألفا من العرب ، وأ .فشهر به وأهانه ، ثم نفاه من البالد طريدا ينعته بالجبن ، وأسلمه إلى حاكم المدينة ،

والحقيقة أن المسؤل عن هذه الفاجعة ، هو اإلمبراطور ذاته ، الذى جمع فى شخص فى المسيحية قط ، حسبما قال السيد المسيح المقوقس سلطتى اهللا وقيصر ، وهو ما ال يمكن جمعه

. إذ أن المسيحية هى دين سماوى روحانى ، له فكر ونظام ال يقبل أبدا أن يمتزج بالسلطة الدنيوية . وقد كانت نتيجة هذا اإلمتزاج الخاطئ بينهما ، أن فشل المقوقس فيهما معا ، وحل الخراب بالديار

. بالنفوس معا

اطور قد أعطى المقوقس ، سلطانه هذا ، ليكون سيفا يجبر به على األقباط كما أن اإلمبرالمسالمين العزل من السالح ، فلما جاء على هذا المقوقس ، الغزاة الشرسين ، خر صريع الجبن

. والخسة والخيانة أمامهم ، وسلم لهم البالد

ء قد بلغ العرب وهو في وما من شك في أن رفض اإلمبراطور للصلح كان في هذه األثناوكان النيل في هذه . وانتهى بذلك أمر الهدنة وعاد القتال 640حصار الحصن قرب نهاية عام

الخندق من رغفلما ف. األثناء يهبط سريعا ، وهبطت معه المياه التي في الخندق المحيط بالحصن فا عند يجعلوا ذلك الحسك كثو. المياه استعاض البيزنطيين عنه بأن ألقوا في قاعة حسك الحديد

ولذلك كان أثر حصارهم . ولكن العرب كان ال علم لهم بفنون الحصار وآالته . مدخل أبواب الحصن للحصن ضئيال وبطيئا .

وقد حدث أن كان العرب مجتمعين للصالة في يوم جمعة ، وراح عمرو بن العاص يحرضهم تهى عمرو من خطبته نزل عن منصته وأم العرب على القتال ، فرآهم البيزنطيون ، حتى إذا ان

. فأوقعوا بهم ، وهم بغير سالح ،للصالة ، وفيما هم كذلك هبط عليهم جنود البيزنطيين

. المرض ، ولم يأتهم المدد ثم فتك بهم. فلما انتهى الشتاء كثر هجوم العرب على الحصن . تيودوروس البحري بين فرعي النيل بقيادة قد أعدوا جيشا في الوجه وقد بلغ عمرو أن البيزنطيين

فترك عمرو من جيشه جماعة تتولى أمر الحصن ، ثم سار على الفرع الشرقي للنيل وعبر مدينة فأرسل تيودوروس أثنين من قواده ليدافعا عن المدينة ، والتقى الجمعان . أتريب واتجه نحو سمنود

لى بوصير وحاصرها ثم رمم حصون أتريب ومنوف ، بالقرب من سمنود وانهزم العرب ، فعاد عمرو إن تيودوروس لم يستطع أن يبعث من جنوده مددا يبلغ كثم عاد إلى حصار حصن بابليون ، ول

.الحصن أو يقترب منه

: موت اإلمبراطور هرقل : رابعا

Page 57: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

57

يون الذين أما البيزنط. وكان األقباط يكرهون اإلمبراطورية البيزنطية ، ولهم في ذلك كل العذر كانوا في الحصن فقد يئسوا وقد بلغهم نبأ غضب اإلمبراطور على المقوقس وحكمه عليه بالنفي

ثم لم يلبثوا أن سمعوا تكبيرا عاليا في معسكر العرب . الذي أبرمه المقوقس مع العرب صلحورفضه لل فخارت نفوس . ، وحين استطلعوا األمر عرفوا أن هرقل قد مات641في أوائل شهر مارس سنة

البيزنطيين ، وأما العرب فازدادوا قوة وجرأة ، ولكن الحصن بقى مع ذلك شهرا لم يسلم ، فاعتلى الهجوم على الحصن ، فاجتمع البيزنطيون إلى كبارهم وطلبوا من على السور وبدأالزبير بالليل سلما

.عمرو الصلح فقبله منهم

- :تسليم حصن بابليونمعاهدة : ا خامسوكتبت معاهدة الصلح على أن يخرج البيزنطيون من الحصن في ثالثة أيام وينزلوا إلى النهر ، ويحملوا معهم ما يلزم لهم من قوت لبضعة أيام ، وأما الحصن وما فيه من ذخائر وآالت حرب

.فيأخذها العرب كلها

أبريل 6ح الموافق وكانت حملة العرب األخيرة على الحصن في يوم الجمعة السابق لعيد الفصوكان البيزنطيون قبل ذلك قد . ، وكان خروج البيزنطيين منه في يوم عيد الفصح نفسه 641سنة

فلما خرج البيزنطيون منه . سجنوا في بداية الحصار كثيرا من األقباط الذين كانوا داخل الحصن م ه أيديهم ، ومن ثم هجاانتقموا من األقباط فسحبوهم من سجونهم وضربوهم بالسياط وقطع الجند

األسقف القبطي يوحنا النيقيوسي هجاء شنيعا ، وقد فعل أولئك البيزنطيون بهم ما لم يكن يفعله وقال األقباط أن فتح . ه بم من المؤمنين هالوثنيون أو الهمج ، وعصوا المسيح الذي يزعمون أن

وهكذا كان األقباط يعيشون . ع ئ الفظاالعرب للحصن لم يكن إال عقابا من اهللا على ما فعلوا بهم من .نار البيزنطيين من ناحية ، ونار العرب من الناحية األخرى : بين نارين

بعد أن استمر هذا الحصار 641 أبريل سنة 9وقد انتهى حصار حصن بابليون في يوم في سبعة أشهر ، وانتهى بمعاهدة حربية ، وقد رضى فيها عمرو بن العاص بأن يشتري الحصن

وانما دفع الجزية . نظير خروج البيزنطيين منه بغير أن يعتنقوا الديانة اإلسالمية أو يدفعوا الجزية وكانت الجزية دينارا ورداءا لكل واحد من جنود العرب . األقباط من أهل مصر طريق ب إبنويذكر .

ددا كبيرا ، كما أسروا أنه بينما كان جنود البيزنطيين يتقهقرون إلى الروضة قتل العرب منهم ع من الناس قتل كثير" كثيرين منهم واستولوا منهم على غنائم كثيرة ، ويتفق معه المقريزي فيقول إنه

وقال السيوطي " إن العرب فتحوا الحصن وقتلوا الذين فيه " وقال السيوطي ". سرت طائفة منهم وأهم سهام العرب بلغ أثني عشر ألفا ممن كانوا والمقريزي إن عدد القتلى من البيزنطيين الذين أصابت

Page 58: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

58

تظنون هل" وقال عمرو بن العاص لألقباط الذين كانوا داخل الحصن " بالحصن بعد انتهاء الحصار ذلك ارواحهم ، أنهم يسلمون قبلأم المسلمين يسلمون هذا البلد ويعودون إلى ما كانوا فيه ؟

بأنفسكم إلى التهلكة ، وادخلوا في دين اإلسالم أو ادفعوا ويقاتلونكم عن ذلك أشد قتال ، فال تلقواوقد قال عمرو ذلك لألقباط إذ علم أن بعضهم يتكلمون ضد العرب وما ". الجزية وانصرفوا إلى قراكم

هم فيه من فقر ، وما هم يتصفون به من خشونة في عيشهم ، فخشى أن يدفعهم ذلك إلى الثورة خيفهم بأن يظهر لهم الفرق بين ترف األقباط وخشونة جيش العرب ، على العرب ، فعزم على أن ي

ويبين لهم أنهم بهذه الخشونة استطاعوا أن ينتصروا على من هم أكثر منهم عددا وأعظم ثروة وترفا أفرادا قالئل بسبب وأما األقباط فلم يسلم منهم إال. وقد دخل كثيرون من البيزنطيين في اإلسالم .

قوا على دينهم وأبدوا االزدراء واالحتقار بوأما سائر األقباط ف. دقع وعجزهم عن دفع الجزية فقرهم الم – ، مما حدا بالخليفة للذين خانوا مسيحيتهم ودخلوا في ديانة مجهولة لديهم ال يعرفون عنها شيئا

ألن يشترط على األقباط أن يوقروا من أسلم ، وال نقض عهده معهم وحا–فيما بعد .ربهم

وهكذا استولى العرب على كل بالد مصر وضاعفوا على األقباط الضرائب ثالثة أمثال وأرسلهم عمرو ،ف بها إال المحكوم عليهم بالسجن المؤبدلكروهم في األعمال الشاقة التي ال يوسخ

إنتصاره فى شمال أفريقيا ، بعد إستيالئه على مصر ، وبعد بن العاص ليحاربوا أهل المدن الخمس لألقباط أن ينالوا نصيبهم من الغنائم ، بل استولى على تلك الغنائم كلها على تلك المدن ، لم يسمح

.وأرسلها إلى بالد العرب

وباستيالء العرب على حصن بابليون ازدادوا جرأة وطمعا في المزيد ، وقد أصبح في يد قائدهم .واحتلها عمرو بن العاص كل مدائن مصر التي انتصر عليها

الفصل الخامس موقعة اإلسكندرية

Page 59: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

59

-:في الطريق إلى اإلسكندرية : أوال ضة ، ثم سار ووقد أمر عمرو بإعادة إقامة جسر من السفن بين حصن بابليون وجزيرة الر

وقد قصد أول ما قصد إليه في سيره نحو اإلسكندرية . بجيشه يتبعون شاطئ الفرع الغربي للنيل وكانت كما سبق أن رأينا مدينة ذات شأن عظيم وحصن قوي ، وهي على الشاطئ . مدينة نيقيوس

الشرقي لفرع النيل الغربي الذي هو فرع رشيد ، على مسيرة يوم واحد من حصن بابليون ، وموضعها ، فكان البد للبيزنطيين أن يحتموا هناك مرة أخرى للقاء العرب " شبشير" اليوم القرية الحديثة المسماه

.

ه وردان موقد ذكر سعيد بن عقير أن عمرو حين توجه إلى مدينة نيقيوس حاد أحد العرب أسإلى قرية في الطريق لقضاء حاجة ، فاختطفه أهل القرية ، فلما علم عمرو بذلك أمر بتخريب القرية

وقيل أن أهل القرية كانوا كلهم رهبانا ، فأرسل إليهم فقتلهم جميعا. واخراج أهلها منها ، واذ كان قد " .خربة وردان " خرب القرية أصبح اسمها

نما اوقد الحت للقائد البيزنطي فرصة مقاومة العرب في نيقيوس ، ولكنه لم يخرج بنفسه ، وانوس ليدافع عن المدينة ، وكانت عنده سفن كثيرة يمكنه بها ينتمأرسل القائد الضعيف الجبان دو

اف وترك جيشه وسفنه وفر هاربا نحو اإلسكندرية ، فلما رأى الدفاع ، غير أنه حين رأى العرب خالجنود أن قائدهم هرب ، وضعوا سالحهم وهبطوا إلى الترعة مسرعين ، ولكن نوتية السفن هربوا هم كذلك يطلبون النجاة ، ففر كل منهم إلى قريته ، وعند ذلك طلع العرب على الجنود البيزنطيين وهم

وقد ذكر يوحنا النيقيوسي . تلوهم عن آخرهم ، ثم دخلوا المدينة بغير مقاومة في الماء بغير سالح فقوا إلى الكنائس أ في الطريق من أهل نيقيوس األقباط ، كما قتلوا كل الذين لجأنهم قتلوا كل من وجدوه

ثم انتشر العرب فيما حول نيقيوس فنهبوا . ، فلم ينجح من سيوف العرب رجل أو امرأة أو طفل وليس من اليسير أن نسرد كل ما كان من العرب من الفظائع بعد . ها با وقتلوا كل من وجدوه بيوته

، وقد كان العرب كما سبق أن رأينا 641 مايو سنة 13أن أخذوا مدينة نيقيوس في يوم األحد .يحيطون بكل قرية تقع في طريقهم ويحرقونها بكل الساكنين فيها

لى نيقيوس ، وتفرقت السفن البيزنطية التي كانت راسية بالقرب حتى إذا تم للعرب االستيالء عاصبح الطريق خاليا ومفتوحا أمام العرب إذا شاءوا السير إلى اإلسكندرية ، . من شواطئ النيل هناك

وكان جيش البيزنطيين عند ذاك بقيادة تيودوروس يتراجع شيئا فشيئا نحو اإلسكندرية ، وقد استمرت وقد سار عمرو يدفع . ذلك الجيش وبين العرب في الطريق إلى اإلسكندرية المناوشات بين

البيزنطيين أمامه حتى بلغ الدلنجات ، ومنها اتجه إلى دمنهور ، وهناك التحم الفريقان ، فانهزم

Page 60: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

60

وكانت مدينة . كريون البيزنطيون وتقهقروا أمام العرب مندفعين نحو الشمال حتى بلغوا حصن وقد عزم تيودوروس على أن . لسلة من الحصون بين حصن بابليون واإلسكندرية كريون آخر س

داد من اإلسكندرية ففاق عددهم عدد الجنود ميقف هناك وقفته األخيرة ، وكان البيزنطيون قد أتتهم اإلالعرب ، فكان القتال هناك شديدا ، ومن ثم استمر نحو أسبوعين ، وقد تساوت كفة الجانبين ، ولكن

وقد كانت الخسائر في األرواح جسيمة بين . عرب انتصروا في النهاية واستطاعوا فتح مدينة كريون الوالبد أن عمرو كانت قد جاءته إمدادات عظيمة في الشتاء أو الربيع ، فلم يكن . كل من الطرفين

على أن يسير إلى اإلسكندرية بأقل من خمسة عشر ألفا أو عشرين ألفا من الجنودرؤيج ولما فتح . وكانت اإلسكندرية أجمل مدن العالم ، وفيها . العرب كريون خال أمامهم الطريق إلى اإلسكندرية

.الكنيسة العظيمة ، كنيسة القديس مرقس

-:حصار اإلسكندرية : ثانيا و� ن "���در�� !وة �ن ا��ز�ط��ن ��م ����ن أ�ف ��دي ، و� �ت

آ#ت !و���%� ����� و�م ��ن �دى ا��رب �رة )( )�ون . �� أ�وارھا�2% ر و%ر1 ، و� �ت �� ��ق ا��ز�ط��ن ��ط .ر ا/�وار .-, ا��رب

ا��4 ل ، و� �ت ا��ر.� و!د � ن ا�%ر �%�( ا��د��� �ن . ) ر�دوا .�� �ن ا���وب �� )-م �ق إ# 4ر!� و��و� ا�4ر!( . و%�رة �ر�وط �%��

ا��رب .�د اضو!د ر�( � /�وار ��ظم �4ر �و��و ، )�رك .�رو ��4 .�د أ�وار ا��د��� ، و� ر �; �ن , �ن ��وده ���� �%و ا�و�1 ا�%ري د �م إ�, �ر�ون ، ?م إ�, د���ور ، و�م ���ط��وا ا#���<ء .-, ط�ط إذ �( و��م ا/! ط � و�� 4د�دة )� روا �%و ا���وب %�, -Aوا طوخ وھ� ك !

��ت د���س " ا �Cس ا�� و�� ?م � روا ��� إ�, د���س ، ا���� ه ا��وم �و.-, ا�� �ب ا�4ر!( �ن )رع د�� ط و����م )4-وا )( ا%�<�� �ب "

�ن ا��دن ا��( )( ا�و�1 . � و�� أھ-�F�4 وا%�C� وھ�ذا �م ���ط��وا ان د .�رو و�ن �وا )( ھذا ا"!-�م إ?�( .4ر �4را ، ?م !ا�%ري ، و!د .

و�رى �ن ذ�ك أن Gزوات ا��رب )( ا�و�1 . ��1 إ�, %2ن -�ون ل �ن ا��رب وا/! ط )( �وا�; �?�رة ، إ���ا�%ري و� و!; )�� �ن ا�

أو��� أن �2ر أذ.�ت : �دل .-, )� د رأ��ن �ذھب إ���� �ض ا�� س ز.�1 ا��ض �ن أن ا/!� ���� �%�ن �-�رب �Aر !� ل ، و?C� ط ر%وا

�وا!; . ا��رب ، ��--�ن ذ�ك ���م رأوا )��م ا��<ص �ن %�م ا��ز�ط��ن ( .أن ا/! ط � �وا ��د)ون إ�, ا��<ص �ن %�م ا��ز�ط��ن وا��رب �-���

Page 61: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

61

-:خيانة المقوقس : ثالثا ون ، وكان ذكرنا من قبل أن اإلمبراطور هرقل مات في أواخر أيام حصار العرب لحصن بابلي

في ذلك الحين يقيم في عزلة بمدينة خلقيدونية ، وكان قد بدا يسترجع قواه العقلية شيئا فشيئا بعد وزاد في سقمه ما كان ينتاب الدولة من تلإع من الجنون ، ولكن جسمه كان قد أن كان قد مس

كان ال يزال قادرا على أن بيد أنه. المصائب والنكبات في الشام وفلسطين ومصر وأنطاكية وقيصرية يبعث من جيوشه وخزائنه إمدادا كبيرا للدفاع عن مصر قبل موته بسنة وكان غزو مصر لم يبدأ إال.

بعد أن حكم اإلمبراطورية 641 فبراير سنة 11واحدة أو تزيد بضعة أشهر ، ثم مات في يوم األحد . وكان موته قبل فتح حصن بابليون بشهرين عاما ،66وكان عمره عند موته . سنة 31البيزنطية

اإلمبراطورة شريكة وقد جلس على العرش بعد هرقل أبناه قسطنطين وهرقل الثاني ، وأقيمتوكان البطريرك الخلقيدوني سرجيوس قد مات قبل موت اإلمبراطور وحل محلة . لهما في الحكم

معه اإلمبراطورة مرتينيه وال أحدا من فبايع قسطنطين على العرش ، ولم يشرك ،روسيالبطريرك ب .البطريرك بيروس وحماله سرا إلى جزيرة في غرب أفريقيا ختطفاإولكن داود ومارينوس . أوالدها

وقد أرسل اإلمبراطور الجديد أسطوال عظيما يعيد المقوقس من منفاه وقد دعى كذلك . لف أنستاسيوس على حكم خستا وما يراهبتيودوروس من مصر لكي يشير على اإلمبراطور

وكان من رأى . اإلسكندرية ومدن الساحل المصري التي لم يكن العرب قد فتحوها إلى ذلك الحين وقد استطاع أن يحمل اإلمبراطور على أن يعد . يدخل البيزنطيون في صلح مع العرب أالتيودوروس

. اإلمبراطور بتجهيز السفن لنقل الجنود بإرسال إمداد كبير إلى مصر أثناء فصل الصيف ، وفعال أمر ولكن هذا اإلمبراطور قسطنطين لم يلبث أن مرض مرضا خطيرا 641 مايو سنة 25ثم مات في .

وكان ،عد أن حكم مائة يوم ، فاتخذت اإلمبراطورة مرتينة موت قسطنطين ذريعة لمبايعة أبنها هرقل ب رجال الدول بايعوا ابن قسطنطين رولكن جماعة كبا. س ليجلس على العرش ناويمعروفا باسم هرقل

وكانت هذه المبايعة في أوائل شهر . في الحكم هرقليوناسوهو قنسطانز الثاني ، وجعلوه شريكا لأن كان المقوقس قد سافر إلى مصر ، وكانت مع المقوقس طائفة عد وذلك ب . 641سبتمبر سنة

العرب ، وأن يقضي على كل قتال بعد ذلك حر أن يصالكبيرة من القسوس ، وقد أباح له اإلمبراطووكان اإلمبراطور ال يزال يساوره األمل في االحتفاظ بسلطان اإلمبراطورية البيزنطية في . في البالد

وقد أظهر المقوقس الجبن والضعف وقد استمال اإلمبراطورة مرتينيه إلى رأيه ، إذا لم يكن قد . مصر وقد أراد الفرار من جرائر تصرفاته ، إذ قضى عشر سنين وهو يحكم . شهر أظهر الخيانة منذ عدة أ

أقباط مصر بالشدة واالضطهاد حتى أجبرهم على اإلذعان له ، ولكنه كان يعرف أنهم لن يلبثوا أن يعودوا إلى عقيدتهم غير الخلقيدونية إذا ما رفع عنهم وطأته ، وقد أدرك أن سياسته في االضطهاد

Page 62: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

62

جناية لم تصادف نجاحا ، وقد طمح في أن يكافئه العرب على مساعدته لهم ، بأن والعسف كانت يبسطوا يده على الكنيسة القبطية في مصر ، ويكون عند ذلك مالكا األمر كله في يده ، وليس ألحد

وقد كان يريد أيضا أن يزيد في سلطانه الديني باإلسكندرية ، ويقيمه . في القسطنطينية سلطان عليه وبذلك نستطيع أن ندرك ما كان بينه وبين عمرو بن العاص من . على أطالل الدولة بعد خرابها

والدليل واضح على أن المقوقس عاد إلى . تكبه من خيانة لدولته البيزنطية إرالت خفية ، وما ص بدعوى ان هذا الجيش يساعدهم على قتال ومعه جيش ليكون لجيش البيزنطيين فى مصر ،مصر سبتمبر سنة 14وقد عاد المقوقس إلى اإلسكندرية في . ب إذا لم يسفر األمر عن صلح معهم العر641.

-:تسليم اإلسكندرية : رابعا حدث في أثناء غياب المقوقس في منفاه أن ثارت خالفات ومشاحنات بين كبار البيزنطيين في

، م الفيوم ونيقيوس وس الذي سلنتيانماإلسكندرية ، وقد انقسموا إلى جزئين أحدهما يتزعمه دونتيانوس ، بسبب موقيانوس شقيق دودوالحزب االخر يتزعمه ميناس ، وكان ميناس هذا يحقد على أو

واذ . الفصح ما ارتكبه من الجرائم الشنيعة ضد األقباط الذين كانوا في حصن بابليون في يوم عيدصريون ، أمكن القول أن عدد األقباط في يذكر يوحنا النقيوس خبر اجتماع األقباط بكنيسة القي

اإلسكندرية زاد في ذلك الوقت زيادة كبيرة ، وأنهم استطاعوا أن يتنسموا شيئا من الحرية منذ غياب المقوقس عنهم في منفاه ، وارتفع عنهم عسفه واضطهاده ، وقد ذهب سرا مع تيودوروس إلى دير

فلما جاء عينه . ى ميناس يدعوه للحضور إلى الدير وبعث إل. التنيسي ، وأمر بإغالق باب الدير نتيانوس من تلك القيادة ، فأسرع أهل المدينة إلى متيودوروس قائدا لحامية اإلسكندرية وعزل دو

. إخراجه منها

الذي أقيم فيه االحتفال بإعالن الصليب ، وقصد بذلك اليوموكانت عودة المقوقس في مثلود البيزنطيين ، ومن ثم ارسل جون قائد الشرطة إلى مصر حامال إلى للجن المعنويةرفع الروح

البطريرك الخلقيدوني صليبا من أعظم الصلبان شأنا ، ولعله كانت فيه قطعة من الصليب األعظم نفسه ، وقد أودع هذا األثر الثمين في دير رهبان تنيسي ، وكان هذا الدير على بعد عشرة أميال من

وكان مقر الرهبان الباخوميين ، وكانوا طائفة قبطية محضة ، . دندرة في صعيد مصر تنيتريا ، وهي فال عجب إذا . ولكن الدير الذي كان في اإلسكندرية استولى عليه المقوقس وجعله للخلقيدونيين

المقوقس هذا الصليب في موكبه إلى الكنيسة العظمى ، كنيسة القيصريون التي أقيمت فيها لحمحية وقد فرشت النمارق في طريق ذلك الموكب من الدير إلى الكنيسة ، وازدحمت طرقات صالة الت

Page 63: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

63

ويبدو أن أنستاسيوس كان . الكنيسة بالناس ، ولقى الحبر األعظم المقوقس مشقة كبيرة في الزحام .الحاكم المدني للمدينة في مدة غياب المقوقس

عنهم المقوقس ولكن المقوقس لم ينس وفي الحق أن األقباط تنفسوا الصعداء منذ أن رحل من الحقد على األقباط لتمسكهم بمذهبهم الديني غير الخلقيدوني ، فكان بهبعد عودته ما كان في قل

راضيا باإلذعان للعرب وتسليم البالد لهم ، ومصالحة الذين ال يؤمنون بدين المسيح ، ولكنه ما كان فيه من ثم عاد عسفه باألقباط وظلمه لهم بقلب ال رحمة يعفو عنهم ، وون يسالم األقباط أأيرضي ب

وأنه من العجيب ان يرى المقوقس جدوى لتعسفه واضطهاده ، فلعله كان يتستر وراء ذلك ليداري . عن أهل اإلسكندرية حقيقة أغراضه ، وهي أن يسلم بالد مصر كلها للعرب ، ولكنه لم يجرؤ على

خداع والخسة والدناءة ، فلم يستطع أن يظهره لكبار قادة الدولة المصارحة بذلك الذي توصل إليه بالوكان النيل . لناس ، فخرج وحده قاصدا إلى حصن بابليون ل هالبيزنطية في اإلسكندرية ، وال إن يعلن

هذ مزقإ. في أوان فيضانه في أواخر شهر أكتوبر بعد نحو عام من صلح بابليون الذي لم يتم تنفيذه وكان عمرو بن العاص عند ذلك قد عاد منذ قليل إلى . رقل في غضب وحنق شديدين اإلمبراطور ه

حصن بابليون ، وكانت قد خرجت كتيبة صغيرة من العرب إلى الصعيد حتى بلغت مدينة أنطونية وكان جنود البيزنطيين ال تزال . وكانت إذ ذاك عاصمة إقليم طيبة " انأنص "المعروفة اليوم باسم

في ذلك اإلقليم ، وطلبوا إلى قائدهم جون أن يتصدوا لقتال العرب ، ولكنه رفض أن يتقدم منهم بقية للقتال ، ثم استولى على األموال العامة التي كان قد جمعها وحملها معه وخرج بجنوده ضاربا في

ين وكان يرى من نفسه العجز عن مقاتلة العرب في ح. الصحراء إلى الغرب قاصدا إلى اإلسكندرية أن العرب لم يجدوا مشقة كبيرة في فتح بالد الصعيد ، وقال يوحنا النيقوسي إن العرب حين رأوا

ه بهم في عهده من االضطهاد عضعف البيزنطيين وعداوة األقباط لإلمبراطور هرقل بسبب ما أوقالعرب ، لوا إلى ميوالحق أن األقباط لم ي. والعسف ، زادت جرأة العرب واشتد ساعدهم في القتال

ولكنهم في الصعيد كانوا يحملون في قلوبهم أشد الضغينة للبيزنطيين الذين طالما اضطهدوهم وعذبوهم ، حتى أن أهل الفيوم بلغ بهم األمر أنهم راحوا يقتلون كل من يجدونه من الجنود البيزنطيين

.

-:عقد اإلذعان والتسليم بين المقوقس والعرب : خامسا بي كان قد عاد إلى الحصن بابليون بعد أن فتح بالد الصعيد ، أو على األقل ولكن القائد العر

ن هناك في ذلك كاوفيما . بالد مصر الوسطى ، كي يستريح ويريح جنوده في أوان فيضان النيل ولما علم منه . فرحب به عمرو . المقوقس ، وقد جاء يحمل معاهدة اإلذعان والتسليم هفااالحصن و

ولعل " إن البيزنطيين ارتضوا دفع الجزية كي تتوقف الحرب " أمر الصلح قائال ما جاء به في

Page 64: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

64

أيام ، ولكنها انتهى أمرها إلى صلح اتفق فيه الطرفان على كل شروطه ، بضعةالمفاوضة قد طالت -:وتمت كتابة عقد الصلح وهي

.أن يدفع الجزية كل من دخل في العقد من البيزنطيين -1

.642 سبتمبر سنة 28 أحد عشر شهرا تنتهي في وحأن تعقد هدنة لن -2

أن يبقى العرب في مواضعهم طوال مدة هذه الهدنة وال يسعوا ألي قتال وأن يتوقف البيزنطيين -3 .عن القتال

أن ترحل القوة المسلحة من اإلسكندرية عن طريق البحر ، ويحمل جنودها معهم متاعهم -4عن طريق البر فله أن يفعل ذلك على أن يدفع كل ل حيعلى ان من أراد الر. وأموالهم كلها

شهر جزءا معلوما . أثناء رحلته ، ما بقى في أرض مصر ،

.أن ال يعود جيش من البيزنطيين إلى مصر أو يسعى الستردادها -5

.أن يكف العرب عن أخذ كنائس المسيحيين وال يتدخلوا في أمورهم الدينية أي تدخل -6

.ي اإلسكندرية أن يباح لليهود اإلقامة ف -7

ددهم مائة وخمسون من جندهم ، وخمسون من غير عن رهائن من قبلهم وأن يبعث البيزنطي -8 .الجنود ضمانا لتنفيذ عقد الصلح

ففي الشرط األول ضمان لألقباط في أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وأن يباح لهم التدين كما لهم هذه الحقوق من ". أهل ذمة " ل جعلهم يشاءون بحسب شعائر ديانتهم ، فإن دفع الجزية واألموا

وقد بلغت . وقدرت الجزية بدينارين على كل رجل ، إال الشيخ العاجز والولد الصغير . الفاتحين الجزية إثني عشر مليون دينارا ، وتساوي إثني عشر مليونا من الدنانير حسب قيمة العملة في ذلك

من ،وهذا يبرر ما جاء في األخبار عن األقباط. عينا وكان الخراج في أول األمر يؤخذ. الزمان وكان على األقباط في مصر فوق هذه . أنهم اضطروا ألن يمدوا العرب بالمؤونة بعد فتح حصن بابل

.الجزية أن يدفعوا األموال عن أرضهم وعقارهم

ن المقوقس إ، فرى بنا أن نجعله خاصا باإلسكندرية حوأما الشرط الثالث في عقد الهدنة فاألوان كان قد صالح العرب فيما يتعلق ببالد مصر كلها ، ما كان ليضمن أن ترضى به كل مدينة وكل طائفة ، وما كان العرب ليمنعوا من قتال من قاومهم من أهل البالد ، وال سيما أن القتال قد وقع في

.مدة الهدنة في بعض الموضع التي لم ترض بالتسليم ففتحت عنوه

.كد ابن خلدون أن العرب طلبوا أول قسط من الجزية بصفة عاجلة ويؤ

Page 65: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

65

- : ثم طرد العرب لهم مرة أخرىعودة البيزنطيين إلى مصر: سادسا عاد البيزنطيون إلى اإلسكندرية فأخذوها يعد ثالث أو أربع سنوات من وقت صلح المقوقس

. ا هذه المرة عنوة وليس صلحا وكان فتحه. وتسليمه مصر للعرب ، ثم فتحها العرب مرة أخرى والواقع أن المقوقس أراد أن يسلم حصن بابليون في أوان فيضان النيل ، ولكن اإلمبراطور رفض

فبقى الحصن إلى أن هاجمه العرب ، ولكن قبل أن يدخلوه خرج أهل الحصن فسلموه . الموافقة عليه ولكن البيزنطيين . ان تسليمها صلحا لهم ، ثم سلمت اإلسكندرية كذلك في أوان فيضان النيل وك

عادوا إلى االستيالء عليها بعد أن بقيت في حكم العرب مدة ، ولم يخرج البيزنطيون منها إال بعد .حصار انتهى بفتحها عنوة

عن عبد اهللا بن العاص ، ان عمرو اجتمع بأصحابه من " البالذري " ويذكر المؤرخ العربي ن بابليون عنوة ، واستشارهم فيما أراده من مصالحة األقباط ، ثم عقد زعماء المسلمين بعد فتح حص

معهم صلحا على أن يفرض دينارين على كل رجل قادر منهم ، وأن يجعل على أصحاب األرض واشترط عليهم فوق ذلك أن يأتوا لكل رجل من المسلمين بكسوة كاملة . ضريبة يؤدونها عن أرضهم

يدخل في ذلك العهد كل بالد مصر ، ولكن أبيح لمن شاء من وطلب المقوقس أن . كل عام أن مصر فتحت عنوة وأن األقباط لم يكن لهم ،ويذكر هذا المؤرخ. البيزنطيين أن يخرج من البالد

وهو يذكر . من األمر شيء ، وأن العقد كان بين العرب والبيزنطيين ، ولكن األقباط كانوا داخلين فيه لقد أقمت بمصر سبع سنوات وتزوجت فيها وكان " الزبير بن العوام أنه قال رواية عن أحد أبناء

مع أن عمرو بن العاص كان ". ذاهم ذلك آالناس بها يفرض عليهم من األموال ما ال طاقة لهم به ، ف .قد جعل لهم فيه شروطا معلومة

عمرو بن هذا ما أعطى: " وقد جاء في كتاب الطبري ذكر شروط ذلك الصلح ، إذ يقول العاص أهل مصر من األمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبرهم وبحرهم ال يدخل فيها شيء من ذلك وال ينتقص ، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت

ن أبي أحد ، وعليهم ما جنى لصوصهم ، فإ) أي خمسين مليونا ( زيادة نهرهم خمسين ألف ألف نهرهم عن غايته إذا صمنهم أن يجيب رفع عنهم من الجزية بقدرهم ، وذمتنا عنهم بريئه ، وأن نق

ومن دخل في صلحهم من البيزنطيين والنوبة فله مثل ما لهم وعليه . رفع عنهم بقدر ذلك ،انتهىيخرج من سلطاننا ، مثل ما عليهم ، ومن أبى منهم واختار الذهاب ، فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو

أي أن الجزية تدفع على ثالثة أقساط كل ( ثلث جباية ثلث ما عليهم كلعليهم ما عليهم ، أثالثا فيعلى ما في هذا الكتاب عهد اهللا وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير ) . مقدار الجزية ثلثمنها

الخليفة عمرو بن الخطاب كان إن" وقد روى عن زيد بن أسلم أن قال .المؤمنين ، وذمم المؤمنين

Page 66: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

66

إن أهل " وقال بن شهاب. "عنده صندوق فيه كل عقود الصلح ، ولم يكن فيها عقد ألهل مصر ويذكر مالك بن . ولكن عمرو جعل في أهلها جميعا ذمة ". مصر أخذ بعضها عنوة وبعضها صلحا

. أن مصر فتحت عنوة ، ونافع بن زيد ، وعبد اهللا بن لهيفة ،انس

-:توقيع عقد الصلح وخروج البيزنطيين من مصر : سابعا ، 641 نوفمبر سنة 8وقد تم عقد الصلح النهائي من العرب والبيزنطيين في يوم الخميس

كما كان البد من إقرار خليفة المسلمين ، من توقيع اإلمبراطور البيزنطي على هذا العقد البدوكانثم عاد . ة الهدنة وهي أحد عشر شهرا متسع يكفي لذلك وكان في مد. عمر بن الخطاب عليه

المقوقس مسرعا إلى اإلسكندرية يحمل معه عقد الصلح ، وكان أول ما عني به أن يرسل شروط ولعل من أعجب . الصلح إلى تيودوروس وهو القائد األعلى ، ثم إلى قسطنطين وهو قائد الحرس

البيزنطي في مصر لم تكن له يد في مفاوضات الصلح األمور أن تيودوروس القائد األعلى للجيشمع أنه كان حاكم المدينة بأمر اإلمبراطور ، ومع ذلك سارع . ولم يحضر كتابته في حصن بابليون

ودعا المقوقس كبار قواد الجيش . شائن بأنه تسليم إلى الموافقة على أمر ال يمكن أن يوصف إالوبهذا خطا المقوقس . وا بالصلح إمتتغ المقوقس يقنعهم حتى وعظماء رجال الدولة ، فما زال بهم

وراح قواد البيزنطيين يخففون من حماس جنودهم من . خطوة جديدة في تنفيذ خطته لإليقاع بمصر ناحية ، ويهدئون من روع األقباط من الناحية األخرى ، عاملين على إقناع الجميع بأنه ال جدوى من

العرب قادمين ، فهاج الناس وثار ثائرهم وذهبوا غير مصدقين رأواه ، وقد القتال ، وال أمل من ورائحتى أتوا إلى قصر المقوقس ، وكان الخطر في تلك اللحظة محدقا بحياته ، إذ تسارع الناس إليه

وا ، ثم راح يحاول أمامهم تخفيف جنايته ، وتهوين أيريدون أن يرجموه ، فأشار إلى الناس ليهدبد ، ألن العرب كما قال قوم طر إلى ركوب الصعب اضطرارا ، إذ لم يكن منه إضال إنه خيانته ، قائ

ن في الصلح حقنا للدماء وتأمينهم على أنفسهم وأموالهم أ غلبوه وقتلوه ، وصد إالتال يتصدى لهم مذوا يجمعون ستسلم الجنود البيزنطيين وأخإستدرارا لعطف السامعين ، فإ ولم يلبث أن بكى ،وديانتهم

بعض من قسط الجزية التي فرضها العرب عليهم ، وزادوا عليها مقدارا كبيرا من الذهب ، وقد ذهب وكان حصن 641 ديسمبر سنة 10المقوقس بنفسه إلى قائد العرب ، وبذلك تم فتح اإلسكندرية في

ولكن 639 ، مع مالحظة أن عمرو دخل أرض مصر عام 641بابليون قد سلم في أبريل سنة حين انقضى موعد 642 بعد ثالث سنوات ، أي في شهر أكتوبر سنة جيشه لم يدخل اإلسكندرية إال

.الهدنة التي كان قد اتفق عليها وهي أحد عشر شهرا

Page 67: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

67

-:عاقبة خيانة المقوقس : ثامنا من المكر السيئ ، وما كان لهوما أثاره منوالبد أن نضع في اعتبارنا عاقبة خيانة المقوقس

عالصلة المريبة بقائد العرب ، وحرصه المذهل في كل وقت من أوقات القتال مع العرب على أن يسر وخيانتهإلى اإلذعان لهم ، وتسليم مصر إليهم ، فإن مرور األيام ال يمكن أن يمحو وصمة جنايته

ن اإلنسان وا. بعد أن لطخت سيرته من قبل حماقته وقسوته في اضطهاد األقباط مدة عشر سنوات غتنام فرصة الخيانة واإليقاع بمصر ، وهي إلتمأله الدهشة من مسارعته تلك المسارعة المذهلة إلى

من جرائر أعماله وتصرفاته ، وال يخفف من جريمته أن يقول قائل أنه كان فرصة ما سنحت له إاللم يكن صلح اإلسكندرية و. يأتمر بأمر مواله اإلمبراطور هرقل ، وقد أتاح له أن يعقد ذلك الصلح

أول العهد بخيانة المقوقس ، بل كانت له سابقة منذ بضعة أشهر في حصن بابليون ، وحسبنا ما ردا على من يريد الدفاع عنه بأنه إنما نزل على حكم الضرورة في ،ن منه في أمر هذا الحصناك

سطوا سلطانهم على أكثر بالد الحرب ، فإذا كان العرب عند طلوعهم إلى اإلسكندرية سبق لهم أن بمصر ، فإن األمر لم يكن كذلك حين كانوا واقفين حول حصن بابليون ، في الوقت الذي أرادوا فيه أن

من حرب يعقد معهم صلحه الذي رفضه اإلمبراطور ، فضال عن أن اإلسكندرية لم يكن قد نزل بها وقد حاول جيش العرب أن يقتحم . نهم العرب أي ضيق وكانت بالد الساحل كلها ال تزال بمنجاة ع

اإلسكندرية في أول االمر ولكنه ارتد عنها عاجزا مخذوال وقد ذكرنا من قبل أنه ليس في األخبار ما . أولهما : يحملنا على الظن أن جيش العرب قد أقام معسكره على مقربة منها ، ويدل على ذلك دليالن

وثانيهما هو قوله أن أهل المدينة عندما . كر لهم هناك إغفال مخطوطة يوحنا النيقيوسي ذكر معسولو كان العرب على مقربة بحيث . رأوا الطغمة من العرب التي جاءت لتأخذ الجزية انزعجوا وثاروا

يمكن رؤيتهم للذين في اإلسكندرية من فوق أسوار مدينتهم كل يوم عدة شهور كما يقول مؤرخو فالحق أن مؤرخي العرب يخلطون في هذا األمر بين . ند اقترابهم العرب ، لما حدث هذا االنزعاج ع

تسليم اإلسكندرية األول باالتفاق وفتحها عنوة في المرة الثانية ، إذ أنهم في المرة الثانية حاصروا المدينة حصارا صحيحا .وأما تسليمها األول فلم تكن ثمة ضرورة من ضرورات الحرب تدعو إليه .

قتلوا من العرب في فتح مصر نحو إثني عشر ألفا وثالثمائة قتيل ، وان يكن وقد كان الذين .هذا التقدير غير مبالغ فيه ، لمن قتلوا في هذه الحرب الطويلة األمد

إن اإلسكندرية كانت من المنعة بحيث ال تكاد تنالها قوة عمرو وجيشه ، فكان طول أسوارها مما يلي البحر ، وأكثر ما بقى منها تحميه الغياض والبحيرات نحو تسعة أو عشرة أميال ، ثالثة منها

وما كان . وقد ظل العرب خارج األسوار تنهال عليهم من داخل المدينة المجانيق القوية المروعة .

Page 68: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

68

ونحن ال نكاد نعرف في تاريخ . يمكن للعرب أن يصدعوا األسوار بما لديهم من وسائل قليلة وضعيفة .ذت عنوة بغير أن يكون االستيالء عليها قد تم بخيانة من داخلها اإلسكندرية أنها أخ

ومن ذلك نرى أن الصلح الذي عقده المقوقس لم تكن ثمة ضرورة في الحرب تدعو إليه ، ما دامت أساطيل البيزنطيين تسيطر على البحر ، وقد يقول قائل أن فتح حصن بابليون قد أوهن

رهبة من العرب ، وان الجيش البيزنطي كان ال يثق في قواده ، وال البيزنطيين وأن جنودهم قد امتلئواوهذا كله صحيح ال شك فيه ، ولكن كان في االستطاعة تغيير الحال . يرى منهم إال الجبن والعجز

غير أن ذلك لم يفكر فيه أحد ، فإن . بأن ترسل جنود غير أولئك الجنود ، أو قواد غير أولئك القواد وكان أهل اإلسكندرية . منذ أن مات عنها هرقل األول لم تجد حاكما يحميها ويلم شعثها اإلمبراطورية

شيعا وطوائف تفصل فيما بينهم المطامع واألحقاد ، ثم جاء بعد ذلك موت هرقل فزاد الحالة سوءا ، شوكة إذ شطر قلب الدولة شطرين ، ليس بينهما إال الشحناء والبغضاء ، فالحق أن موت هرقل كسر

البيزنطيين كسرا خطيرا ، وكانت اإلسكندرية إذ ذاك قطب الحوادث يدور عليها أمر مصر ومصيرها ، فلم تجد الدولة من يأخذ بيدها للتخلص من الهجمة العربية ، وال سيما أن اإلسكندرية كانت تطيق

ريمة التي أوت وقد كان المقوقس هو مرتكب الج. الصبر على الحصار مدة سنتين أو ثالث سنوات إلى ضياع مصر ، فما كان ينبغي النزول عن اإلسكندرية ، بل كان أوجب األمور االحتفاظ بها مهما كان في سبيل ذلك من مشقة ، ولكن المقوقس سلمها للعدو خفية وعندا ، بغير أن تدعو إلى ذلك

.ضرورة

قبول ذلك الصلح والرضا وان اإلنسان يتساءل عن السبب الذي حمل أهل اإلسكندرية على عن المقوقس بعد أن كانوا يريدون القضاء عليه بسبب ما رأوه من خيانته ، ولعلهم قالوا في أنفسهم

عسى أن نجد في حكم العرب اطمئنانا وأمانا على ديننا ، بعد ان أثقل البيزنطيون علينا كواهلهم : لجزية والخراج إال قدرا نحتمله ، في حين كان مدة أربعين عاما ، فتحت حكم العرب قد ال نتحمل من ا

البيزنطيون يجنون من مصر أمواال يتعذر على االقباط أن يعرفوا مقدارها ، إذ كانت كثيرة األنواع ثقيلة الوطأة شديدة األذى ، ولعل ما كان الناس يتوقعونه من العرب من تخفيف عبء الضرائب كان

على أن ما طمع فيه أهل اإلسكندرية من تخفيف . ي فتوحهم كلها من أكبر العوامل على فوز العرب ف .هذه األحمال لم يتحقق لهم ، بل خاب أملهم خيبة عظمى

" وحين أحتل العرب اإلسكندرية رأى عمرو بن العاص أن تكون قصورها وأبنيتها الفاخرة أي أن كل جندي عربي أخذ منزال أصبح ملكا له ولعائلته أو ل" أخائذ فتوح : ابن عبد الحكم ( قبيلته ، فازداد تنازع الجنود على هذه القصور واألبنية التي بلغت أكثر من أربعة آالف قصر مطعم ) مصر

فكان الجندي العربي يضع يده على القصر الذي يختاره . بالرخام الملون ، وفي كل منها حمام خاص

Page 69: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

69

وقد وضع عمرو ) . المصدر السابق : د الحكم ابن عب( ويحتله بعد أن يطرد صاحبه أو ساكنه عالمة تمنع الخالفات بين الجنود العديدين ، وذلك بأن يركز الواحد منهم رمحه في الدار التي يختارها

فكان الرجل يدخل . غير أن هذا النظام لم يضع حدا للنزاعات الشديدة . ، وبذلك تصير له دون غيره . ا ، ثم يأتي اآلخر فيركز رمحه في بعض بيوت هذه الدار نفسها الدار فيركز رمحه في منزل منه

فكانت الدار تكون لقبيلتين أو ثالث قبائل ، مما ادى إلى خراب اإلسكندرية كلها وتشريد جميع ) .ابن الحكم في كتاب فتوح مصر ( الساكنين فيها

: حرق مكتبة اإلسكندرية : تاسعا ستيالئه على اإلسكندرية أشعل النار في مكتبتها وقد حدث أن عمرو بن العاص بعد ا

العظمى الشهيرة التي كانت قد أنشئت في عهد البطالمة والتي تعتبر من أعظم المكتبات في التاريخ ثم استكملها بطليموس الثاني . وقد بدأ بطليموس األول في أواخر عهده إنشاء هذه المكتبة . كله

قبل الميالد ، وكانت تضم أكبر عدد من المجلدات والبرديات 280و288في الفترة الواقعة بين عامي وكانت تحوي النسخ األصلية من المؤلفات . فقد بلغ ما فيها أكثر من سبعمائة ألف كتاب وبردية

التي كانت موجودة في ذلك العصر ، فضال عن الترجمات اليونانية للمؤلفات التي كانت مكتوبة بغير أضافت إليها كليوباترا مائتي ألف . لماء والفالسفة والمفكرين والشعراء واألدباء هذه اللغة ألشهر الع

مجلد أهداها إليها القائد الروماني ماركوس أنطونيوس بعد أن نهبها من مكتبة برجاموس أثناء وقد ظلت مكتبة اإلسكندرية كعبة الباحثين من كل أنحاء العالم طوال . حروبه في آسيا الصغرى

وكان أمناء هذه المكتبة سلسلة من العلماء الذين برز كل . اليوناني والروماني في مصر العصرينمنهم في ميدانه كأروع ما يكون العلماء ، فضال عن أنهم كانوا مربين من الطراز األول ، وقد كان

الم من واجباتهم تعليم أبناء الملوك والمثقفين من عظماء الشعب ، وكان من أولئك األمناء العالجغرافي أراتوسطين وأرسطوفانيس الذي نشر أعمال الشعراء اليونان الذين تبعوا أفالطون ، كما كان منهم ارسطارخوس الذي قام ينشر كل األشعار اليونانية التي كان معروفة في األدب اليوناني من ايام

.هيرودوت إلى أيام بندار

أن استولى على اإلسكندرية أشعل النار وقد أكد المؤرخون العرب أن عمرو بن العاص بعد .في هذه المكتبة

إن رجال يسمى يحيى ) أخبار العلماء بأخيار العلماء ( فقد كتب ابن القفطي في كتابه -1النحوي كان يعيش في زمن الفتح العربي لمصر ، وقد دخل على عمرو بن العاص وطلب

كية ، ويعني بذلك مكتبة اإلسكندرية منه أن يعطيه كتب الحكمة الموجودة في الخزائن المل

Page 70: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

70

ال يمكنني أن آمر فيها بأمر إال بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن " ، فقال له عمرو أما الكتب " ثم كتب عمرو في ذلك إلى الخليفة فجاء إليه الرد منه يقول فيه " الخطاب

غنى ، وان كان فيها ما التي ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق اهللا ، ففى كتاب اهللا عنها فشرع عمرو بن العاص في توزيع " يخالف كتاب اهللا ، فال حاجة إليها فتقدم بإعدامها

وقد قيل إنها استنفذت ستة . هذه الكتب على حمامات اإلسكندرية واحراقها في مواقدها .أشهر حتى تم إحراقها كلها نظرا لكثرتها العظيمة

مطابقة لما كتبه ابن " مختصر الدول " لملطي في كتابه وقد جاءت شهادة أبي فراج ا -2 .القفطي تمام المطابقة

اإلفادة واالعتبار في األمور " كما جاء في شهادة عبد اللطيف البغدادي في كتابه -3دار العلم التي " عند كالمه عن اإلسكندرية أن " المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر

ان فيها خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن من بناها خلفاء اإلسكندر ، ك ".الخليفة عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه

كما أن المقريزي ، ذلك المؤرخ العربي ، كانت شهادته مطابقة تمام المطابقة لشهادة عبد -4 .اللطيف البغدادي

Page 71: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

71

الفصل السادس غنائم العرب الناتجة عن فتح مصر

لعربية واحتالل العرب لمصر إحتالال كامال وقعت كلها بكل مواقعها ومدنها بعد انتهاء الحرب ا وقراها وأراضيها وزرعها وضرعها فريسة للمغيرين فاقتسموها بينهم ونهبوا كل ما في بيوتها وكنائسها وأديرتها وقصورها وكل ما فيها من بيوت فاخرة وفقيرة على السواء ، وكل من فيها من أهاليها وكل

فيها من حيوانات وطيور ، بل لقد طردوا المقيمين في كل مساكنها واحتلوها ، وال سيما بعد أن ماأقبلت القبائل العربية من بالدها أفواجا بعد أفواج ، واعتبروا أنفسهم المالكين للبالد وكل ما في البالد

دا ورقيقا يستخدمونهم في زراعة وأما األقباط أصحاب تلك البالد فقد اعتبرهم العرب الغزاة خدما وعبي. األرض لصالح الغزاة واالستيالء على غلتها وثمرتها ، وفي إدارة المصانع ليستولوا على كل

.مصنوعاتها ومنتجاتها

وقد رأينا أنه فور حلول الجيوش العربية في أرض مصر أدرك عمرو فداحة الفرق بين لبيزنطيين ففرض على أهل مصر إلى جانب ما مالبس رجاله المتسخة الممزقة ومالبس الجنود ا

يؤدونه من الجزية والخراج وواجب الضيافة والمحاصيل العينية ، أن يقدموا لكل جندي من جنوده دينارا وجبة وبرنسا وعمامة وخفين في كل عام وبعد أن تهندم ) البالذري في كتابه فتوح البلدان(

جاء بعض األقباط من زمالئهم يستأذنون عمرو في الرجوع العرب بثياب أهل مصر الغالية الثمن ، " وبحكمة المغلوبين على أمرهم قالوا " كيف رأيتم أمرنا ؟ " إلى قراهم وأهليهم ، فسألهم عمرو قائال

المواعظ ( إذن ال حاجة لنا اآلن بكم ، فأعطونا عشرين ألف دينار " فقال لهم " لم نر إال حسنا ومن ثم أضيف عبء هندمة الجندي العربي إلى عبء تأمين طعامه الذي ) واالعتبار للمقريزي

يقضي به قانون ضيافة الجندي مع فرسه مدة ثالثة أيام في أي مكان ينزل به وتوفير كل ما يحتاج .إليه من مأكل ومشرب واقامة

رغبة وقد وقعت نزاعات عنيفة داخل الجيش العربي ، ناتجة عن صراع العنجهيات القبلية ، وكل قبيلة من القبائل التي كان يتكون منها هذا الجيش ، ورغبة كل قبيلة في االستئثار لنفسها بدرجة أعلى من القبائل األخرى ، وال سيما بالنسبة لقبيلة قريش وقادتها األقل عددا واألكثر إستحوذا على

.المغانم

Page 72: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

72

القبائل المختلفة ، ونظر أصحاب ومن ثم ثارت كثير من الفتن والقالقل بين الجنود العرب منالعطايا األقل إلى من يستحوذون على منابع الثروة ، نظرة حقد وحسد ، ويذكر البالذري نبذة عن

لكل رجل ما بين ألفي دينار إلى ألف إلى تسعمائة إلى " مدى التفاوت في تقسيم العطايا فيقول إن البالذري في كتابه فتوح البلدان " ( ثمائة دينار ولم ينقص عطاء أحد عن ثال. خمسمائة إلى ثالثمائة

وذلك باإلضافة إلى مصادر الثروة األخرى التي استأثر بها القادة والحاشية المحيطة بهم دون ) .غيرهم من الجنود

ولم يكن الخليفة عمر بن الخطاب يطالب عمرو بن العاص بتقليل حجم الضرائب التي فرضها ، وكان يضاعفها بين كل فترة وأخرى ، بل كان يطالبه بزيادة الخراج ، هذا األخير على األقباط

والحرص على تحصيل الجزية ، وجمع كل ما يستطيع من خيرات مصر ، فكانت له كلمة شهيرة يقول على أال يحتكر الوالي لنفسه هذه " المدينة المنورة " أي " أخرب اهللا مصر في عمران المدينة " فيها

يبعث بها إلى المدينة موطن الصفوة القرشية اإلسالمية ، وكان الخليفة يحرص على الثروات ، بلجمع ثروات األمصار في بيت المال الرئيسي في الدولة العربية وتوزيعها عليهم حسب منزلة كل منهم

.

وقد سبق أن ذكرنا كيف أن عمرو بن العاص قائد الحملة العربية على مصر جمع ثروة ماليين الدنانير من استغالله لما وجده في مصر من أموال وخيرات ، كما أكد ذلك ابن طائلة تتجاوز

سير أعالم " كما نقرأ في كتاب ". الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة " ظهيرة في كتابه هم يبلغ ثمنه مليون در" تعريش الوهط " أن عمرو بن العاص إمتلك بستانا بالطائف يسمى " النبالء

" كما نقرأ في كتاب . كما أنه ترك ميراثا البنه عبد اهللا يساوي قناطير مقنطرة من الذهب المصري . المغرب في حلي المغرب .أن عبد اهللا امتلك عن ابيه قرية عسقالن بكل ما فيها وما عليها "

عالمات وقد سبق أن رأينا أنه لم يكن أهل عمرو بن العاص وحدهم هم الذين ظهرت عليهمالثراء الفاحش بعد غزو مصر ، وانما شاركهم في هذا الثراء الزبير بن العوام ، الذي أصبح يملك ضيعة في الفسطاط وضيعة في اإلسكندرية ودارا بالكوفة ودارا بالبصرة ، واحدى عشر دارا بالمدينة ،

ومن كثرة اتساع ثروته أنه وأراضي غابات كان يبلغ ثمنها في ذلك الحين مائه وسبعين الف دينار ،وطبقا . حينما مات وقسمت ثروته على زوجاته األربع أخذت كل واحدة منهن مليون ومائة ألف دينار

ابن (لرواية ابن مسعد أن ثروة الزبير كانت تقدر بما يساوي خمسة وثالثين مليونا ومائتا ألف دينار المغرب فى حلي المغر" سعد االندلسي في كتابه " )ب

أما خارجه بن حذافة الذي كان قاضيا لعمرو بن العاص فقد ترك أمواال ال تحصى ، فضال .عن عدد كبير من العبيد والموالي

Page 73: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

73

ولم تزل ملوك مصر من عمرو بن العاص إلى " ويعلق ابن ظهيرة على هذا الوضع بقوله وكذلك األمراء والوزراء . وقتنا هذا يجمع كل واحد منهم أمواال عظيمة ال تدخل تحت حصر

" ابن ظهيرة في كتابه ( والمباشرون على إختالف طبقاتهم يأخذ كل منهم أمواال ال تحصى في حياتة " ) .الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة

Page 74: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

74

الباب الرابع استقرار العرب في مصر وبناء مدينة الفسطاط

ن عمرو بن العاص ، وقد تمت له هزيمة بعد خروج البيزنطيين نهائيا من مصر ، كاالبيزنطيين وعودتهم إلى بالدهم ، واستقرت للعرب األمور في مصر ، اعتبر عمرو أن أرض مصر ملك للعرب ، أو باألحرى ملك له هو شخصيا ، يتصرف فيها كيف يشاء ، ويتصرف في أهلها األقباط

ما اعتزمه هو أن يبني للعرب مدينة جديدة وكان أول . تصرف المالك فيما يملك من عبيد أو أسرى في السهل الذي يلي حصن بابليون ، وبينه وبين جبل المقطم ، وكان في ذلك الحين موضعا عسكريا

وأما ياقوت فيذكر أربعة أشخاص . وقد روى البالذري أن الزبير بن العوام هو الذي خطط للمدينة . تقسيمها بين قبائل العرب ، بيد أنه ليس ثمة شك في أن أمرهم عمرو بأن يقوموا بتخطيط المدينة و

الذين خططوا للمدينة الجديدة وبنوها كانوا من األقباط ، إذ لم يكن لدى العرب في ذلك الحين من علم وكانت الخيمة عند العرب تتخذ . وقد سميت المدينة باسم الفسطاط ، ومعناه الخيمة . بفن المعمار

" ويظهر أن لفظ فسطاط يرجع إلى اللفظ الروماني . خذ لنفسه خيمة منهامن الجلد وكان عمرو يتوكان في وقت الفتح لفظا شائعا بين العسكر " foss atumفوسا طوم وكان الرومان في حصن .

بابليون إذا ذكروا موضع عسكر العرب سموه الفوساطوم ، فأخذ العرب عنهم اللفظ وأصبح هذا اللفظ ولكن . نة ، بدليل أن ابن الفقيه يقول أن البصرة كان يطلق عليها اسم الفسطاط فيما بعد يعني مدي

مدينة الفسطاط بمصر وان بدأت صغيرة فقد نمت نموا سريعا بعد سنة واحدة من بداية إنشائها منذ ومنذ ذلك الحين . رفض الخليفة عمر بن الخطاب أن يبيح لعمرو أن يتخذ اإلسكندرية عاصمة للبالد

ثم تال ذلك بناء القطائع في شمال . ت الفسطاط عاصمة مصر ، وانتقلت إليها قاعدة الحكم صارفلما انقطعت دولة . المعسكر ، وقد بناها أحمد بن طولون ، واتخذ الطولونيون قصورا لهم فيها

الطولونيون عادت الفسطاط إلى شأنها األول حينا من الدهر ، ثم قضى عليها في أواخر القرن وقد . لعاشر الميالدي ، إذ جاء الفاطميون إلى مصر وبنوا لهم عاصمة جديدة وهي مصر أو القاهرة ا

" أخذ أهل البندقية أسم القاهرة ولم يأخذوا إسم مصر ، ونقلوه محرفا إلى لغات أوروبية منطوقها واننا نرى إلى اليوم جامعا عتيقا في شمال حصن بابليون ويبعد عنه قلي". كايرو ال وهو أقدم مسجد

وقد اختار . للميالد 642 و 641والغالب أن إنشاؤه كان في ذلك الشتاء من سنتي . في مصر وحدث أن بعض األعمدة التي أدخلت في بناء هذا . عمرو لبنائه الموضع الذي كان فيه لواؤه

د منبر كان وقد وضع في هذا المسج. المسجد فيما بعد أخذت من بعض أبنية الكنائس القبطية

Page 75: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

75

عمرو يقف عليه حين يخطب ، وقد وضع فيه ناقوس ، وكانت النواقيس تصنع من الخشب ، وكان المسلمون يكرهون دق النواقيس النحاسية ويعتبرونه . وتستخدم عند المسيحيين من النحاس

.وقد ذكر أبو المحاسن أن المسلمين لم يلبثوا أن أبطلوا دق النواقيس في مصر . حراما

كانت مباني مدينة الفسطاط أغلبها من الطين ، وكانت بعض المساكن يسكنها نحو مائتي و .شخص

للميالد قام عمرو بحفر الخليج المعروف بخليج تراجان ، وكان يخرج 642وفي أوائل عام من النيل إلى شمال حصن بابليون ، ثم يمر بمدينة عين شمس ، ثم يسير فى وادي الطميالت إلى

قنطرة حتى يصل بالبحر األحمر عند القلزم ، وكان أقدم عهدا من عهد تراجان ، وقد سمي موضع الوقد سخر عمرو عددا كبيرا من . وكان طول هذا الخليج تسعين ميال . باسمه ألنه أعاد إصالحه

كن األقباط في حفره ويتبين من ذلك أن العرب لجأوا إلى تسخير األقباط في كل االعمال بقسوة لم تمعهودة من قبل ، حتى لقد وصفهم يوحنا النيقيوسى وصفا بشعا إذ قال إن نيرهم على أهل مصر "

".أشد وطأة من نير فرعون على بني إسرائيل

وكما كان يحدث دائما فيما يتعلق بمكانة القبائل ، استولت قبيلة قريش على نصيبها من تي احتلها عمرو بن العاص ومسجده ، وأخذت مرتع المساحة المحيطة بالمساحة ال: مدينة الفسطاط

زرعها وبهائمها مدينة منف وأوسيم القريبة من الفسطاط حيث كان آل عمرو بن العاص و آل واختار عمرو " ) القبائل العربية في مصر " عبد اهللا خورشيد في كتابه ( ابنه عبد اهللا بن سعد

طاط لنزول القبائل الشمالية ، والمناطق األقل وفرة واالكثر المناطق الوافرة الخيرات القريبة من الفسويذكر ياقوت الحموي أنه أثناء تقسيم مدينة . بعدا للقبائل ذات األصول الجنوبية وال سيما اليمنية

الفسطاط وتخصيص خطة لكل قبيلة ، تنافس الناس في اختيار المواضع ، فولى عمرو بن العاص ج ، وشريك بن سمى ، وعمرو بن قحزم ، وجبريل بن ناشدة المعافرى ، على الخطط معاوية بن حدي

الجزء الرابع . معجم البلدان" ياقوت الحموي في كتابه ( فكانوا هم الذين أنزلوا القبائل وفصلوا بينها " ) .299ص

أما بالنسبة لديوان العطاء ، فقد تم ترتيبه على العموم وفق القرابة للرسول ، مما وضع يش على رأس المنتفعين بهذا الوضع ، وتلتها القبائل العدنانية ، ثم بعد ذلك القبائل ذات األصول قر

وقد حدثت عدة خالفات أثناء توزيع الغنائم ، وقد . القحطانية في مؤخرة ترتيب الديوان والعطايا بير بن العوام رفض عمرو بن العاص مبدأ تقسيم األرض بين الفاتحين ، وتمسك برأيه أمام تعنت الز

الذي كان يريد تقسيم كل الغنائم فيئا ، مما يحفظ لقادة قريش خمس أرض مصر وخمس مالها وخمس شبيها ، وأراد بعض القادة تقسيم سلطيس ومصيل وبلهيت ، وهي ثالث قرى كانت قد انضمت

Page 76: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

76

إلى جانب البيزنطيين وقاتلت العرب قتاال شديدا ، ولكن الخليفة والوالي رفضا ذ : المقريزي ( لك ) .295المواعظ واالعتبار ص

وقد راينا كيف وضع عمرو بن العاص نظام تقسيم بيوت اإلسكندرية وقصورها على أساس أن كل من أخذ منزال صار له ولعائلته ، ورأينا كيف ازداد تنازع الجنود على هذه المساكن التي بلغت

ولمنع الخالفات . تي المنزل الذي فيه صاحبه فيحتله اكثر من أربعة آالف قصر ، فكان الرجل يأ. وضع عمرو قاعدة مؤداها أن يركز الرجل رمحه في الدار التي يختارها فتصير ملكا له دون غيره

ولكن هذا النظام لم يضع حدا للنزاعات الشديدة ، فكان الرجل العربي يدخل الدار فيركز رمحه في ركز رمحه في جزء آخر من الدار ، فكانت الدار تكون لقبيلتين أو أكثر منزل منها ، ثم يأتي اآلخر في

) .فتوح مصر : ابن عبد الحكم (

وعلى الرغم من أن ثلثي جيش عمرو كانوا من أصول يمنية وكانوا أخوال عمرو ، إال أنه وبعد . ي كان يفصل أهل أبيه الذين كانوا من أصول قرشية في توزيع الغنائم فأنزلهم بأجود األراض

وفاة عمر بن الخطاب وتولى عثمان بن عفان ، كثرت شكوى العرب من غير أقارب عمرو بن العاص من تصرفاته فطلبوا من الخليفة الجديد تقييد سلطة عمرو ، فاستجاب لهم وجعل سلطة عمرو قاصرة

" وغيري يحلبها أ أكون كماساك البقرة " فقال عمرو ساخطا . على الحرب وابن أبي سرح على الخراج كان بينها كالم قبيح فأرسل " ونشب خالف عنيف بينه وبين أبي سرح ، فيقول ابن عبد الحكم إنه

عثمان وجمع البن أبي سرح الخراج والحرب والصالة ، وبعث الى عمرو يقول له ال خير فى المقام ابن عبد " ( ر كبير عند من يكرهك فأقدم الى فانتقل عمرو الى المدينة وفى نفسه من عثمان أم

البداية والنهاية " إبن كثير القرشى فى كتابه ( و ) 178ص " فتوح مصر واخبارها " الحكم فى كتابه فانفتح بذلك باب الفتنة الكبرى وكان من أسبابها القوية الفوارق الصارخة بين ثراء الصفوة " ) .

أن العرب ذوى االصول اليمنية ، وكان من واحتكارها لمواطن المال والنفوذ ، فى مقابل األنخفاض لشاثارها ان اخا الخليفة من الرضاعة بالغ فى التضييق على اتباع عمرو من جانب والعرب اليمنية من جانب اخر ، كما بالغ فى جمع الضرائب من االقباط ، وكثرت اموال الخراج فى يد عثمان وانهال عليه

" جالل الدين بن عبد الرحمن السيوفى فى كتابه ( صاره المال من كل مصدر فراح يفرق منه على ان" واشتدت حدة التذمر وال سيما فى مصر حتى اننا نجد فى كتاب " ) . تاريخ الخلفاء امراء المؤمنين

عبد اهللا بن ابى السرح أمر بجلد عبد الرحمن " نقال من الواقدى والمدائنى والكلبى ان " نهج البالغة وحلق رؤوسهما ولحاهما وحبسهما ، وصلب – وهما من قبيلة يمنية –الحمق بن عديس وعمرو بن

قوما اخرين من اهل مصر ، وهى نفس عقوبة المتأخر عن القتال والمخالف لألمير الذى يوقع عليه عقابا فوريا يبدأ بإلحاق االذى بالجسد وبترك عالمة فيه تظل تلحق العار بصاحبها اينما حل ) "

Page 77: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

77

وقد تطورت عقوبة االمير لمخالفيه بعد ذلك فنجد انه لما " ) نهج البالغة " ى فى كتابه الشريف الرضولى بشر بن ابى مروان االموى ، زاد فصار يدفع الرجل عن االرض ويسمره اعوانه بمسمارين فى

. انى الجزء الث" . المقفى الكبير " المقريزى فى كتابه ( حائط فربما مات وربما حزق المسماران يديه ) .429ص

ولم تخمد النار المشتعلة بين الجند اليمنية من جهة واالرستقراطية القرشية من جهة اخرى .حتى خمدت الدولة اليمنية وانتهت على يد العباسيين ، وهم آخر بيت من بيوت قريش

د وقد سجل ادباء الفترة االولى لفتح مصر مظاهر عنجهية القرشيين وتعاليهم على باقى جنوولذلك فان الجندى اليمنى لم يكن ينظر بإرتياح الى المال المشحون الى مكة . الجيش العربى

والمدينة وعواصم القبائل العدنانية المتفاخرة باصولها عليهم ، وقد كان الرجل اليمنى يقف على باب انة القبيلة المسجد نقطة ارتكاز العرب جميعا حيث كان لكل قبيلة فيه عمود ومكان يرتب حسب مك

ما بال : " ونفوذها ، وال يفتأ يردد الدعاء على العرب المستفيدين من وضع االستنزاف ، قائال وذلك ان العرب جميعا فى ذلك الحين سواء اكانوا من الشمال او الجنوب كانوا " مالنا يخرج من بالدنا

أرض وزرع وماء وهواء ، وبكل من يعتبرون مصر بلدهم ، المملوكة لهم وحدهم بكل ما فيها من .فيها من اناس وبهائم

وقد مارس الحكام صفات السيادة وتسخير المصريين االقباط فى كل االعمال الشاقة ، ومن امثلة ذلك ما فعله عمرو بن العاص حيث سخر االف االقباط فى اعادة حفر خليج تراجان الذى

ما سخر عبد اهللا بن ابى سعد آالف االقباط فى بناء اصبح العرب يسمونه قناة امير المؤمنين ، كاالسطول العربى ، وكثيرا ما عبر ملوك بنى امية عن معنى العبودية الصريح فى رسائلهم الى امراء

" ( ان مصر دخلت عنوة ، وانما هم عبيدنا نزيد عليهم كيف شئنا ونضع ما شئنا " مصر بقولهم وكثيرا ما كانت العنجهية تذهب بالعرب الى حد الرغبة في ) 106تاريخ الرسل والملوك ص : الطبرى

االستخدام المباشر لثنائية السيادة والعبودية ، فكان العربى يستخدم القبطى دون مقابل متذرعا بحق .السيادة الذى يخول للعرب استخدام االقباط دون اى اجر او مقابل

Page 78: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

78

الباب الخامس ر بن الخطاب لحكم االقباطالقانون الذى وضعه الخليفة عم

وردت مبادىء السياسة التى وضعها الخليفة عمر بن الخطاب لمعاملة االقباط بعد الفتح تاليف عبد الرحمن الشذرى ، وقام على " نهاية الرتبة فى طلب الحسبة " العربى لمصر ، فى كتاب

انوية بإشراف الدكتور محمد نشره حديثا السيد الباز العربى المدرس بمدرسة الخديوى اسماعيل الثوقامت " وهى جامعة القاهرة االن " مصطفى زيادة استاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة فؤاد االول

. للميالد 1946بطبعة ونشره مطبعة لجنة التأليف والترجمة للنشر ، وهى لجنة حكومية فى عام عة ، والمقصود بالمحتسب الموظف الذى فى هذا الكتاب تعنى المحاسبة او المراج" الحسبة " وتعبير

" .المأمور " او " المحاسب " نطلق عليه اليوم لقب

السالف الذكر " نهاية الرتبة فى طلب الحسبة " وقد ورد فى الباب التاسع والثالثين من كتاب : حرفيا 107 ، 106بالصفحتين

ام ، وال تعقد الذمة إال لمن له ال يصح عقد الذمة إال من اإلمام ، أو ممن يفوض اليه اإلم" وأما غير هؤالء ممن ال كتاب لهم وال . كتاب او شبه كتاب من الكفار كاليهود والنصارى والمجوس

شبه كتاب كالمشركين وعبدة االوثان ومن ارتد عن اإلسالم ، ومن اظهر الزندقة واإللحاد ، فال يجوز .ال يقبل منهم غير اإلسالم له عقد الذمة ، وال يقرون على ما هم عليه ، و

وينبغي أن يشترط عليهم ما شرطه عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه في كتاب الجزية الذي ، ) وهو الملبوس الذي يميز به أهل الذمة عن المسلمين ( كتب ألهل الذمة ، ويؤخذ بلبس الغيار

فإن كان يهوديا وضع على كتفه خيطا أحمر أو أصفر ، وان كان نصراني ا شد في وسطه زنارا )وعلق في عنقه صليبا ، وان كانت إمراة لبست خفين أحدهما ) أي حزام يشده القبطي في وسطه

أبيض واآلخر أسود ، واذا عبر الذمي إلى الحمام ينبغي أن يكون فى عنقه طوق من حديد أو من لخيل وحمل السالح والتقلد ويمنعهم المحتسب من ركوب ا. نحاس أو رصاص ليتميز به عن غيره

واذا ركبوا البغال ركبوها باألكف عرضا من جانب واحد . بالسيوف اى يجعل قدميه كليهما فى ناحية ( وال يتصدرون فى . وال يرفعون بنيانهم عن بنيان المسلمين ) . واحدة وليس كل قدم فى ناحية

وال يبدأونهم . الى أضيق الطرقات المجالس ، وال يزاحمون المسلمين فى الطرقات ، بل يلجأونويشترط المحتسب عليهم ضيافة من مر بهم من المسلمين . وال يرحب بهم فى المجالس . بالسالم

ويمنعون من اظهار الخمر والجهر بالتوارة واالنجيل وضرب . وانزالهم فى بيوتهم وكنائسهم .

Page 79: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

79

فجميع ذلك اشترطه عليهم عمر بن . م ومن إظهار اعيادهم ورفع الصوت على موتاه. الناقوس .فيراعى المحتسب احوالهم فى جميع ذلك ويجبرهم عليه . الخطاب رضى اهللا عنه فى كتابه

على الفقير المعيل دينارا وعلى المتوسط دينارين –ويأخذ منهم الجزية على قدر طبقاتهم ( العامل ألخذ الجزية أقامه بين يديه فإذا جاء المحتسب أو. عند رأس الحول –والغنى أربعة دنانير

، ويخرج القبطى " أد الجزية يا كافر " ويقول له . ثم لطمه بيده على صفحة عنقه ) . اى القبطى ويشترط المحتسب عليهم مع الجزية . يده من جيبه مطبوقة على الجزية ، فيعطيها له بذلة وانكسار

ى عن لزوم االحكام ، او قاتل المسلمين ، او زنا بمسلمة ، أو فإن امتنع القبط. إلتزام أحكام االسالم أصابها بإسم نكاح ، او فتن مسلما عن دينه ، او قطع الطريق على مسلم ، او آوى المشركين أو

دلهم على عورات المسلمين ، أو قتل مسلما ، إنتقضت ذمته فى ذلك جميعا ، وقتل فى الحال وغنم . فعلى المحتسب معرفة هذه . الن اهل الذمة قد شرط عليهم الكف عن ذلك . ماله فى أصح القولين

" .واهللا اعلم . االشياء والزامهم بجميعها

السابق " نهاية الرتبة فى طلب الحسبة " من كتاب 122 الى 120وجاء فى الصفحتين من :ما يلى حرفيا " نسخة اشهاد على اهل الذمة " االشارة اليه بعنوان

اى غير ( واليعاقبة ) اى الخلقيدونيين ( هد عليه كل من فالن وفالن النصارى الملكيين أش" سألناكم : واليهود الربانيين والقرائين والسامرة ، شهود لإلشهاد الشرعى انه قال ) الخلقيدونيين

االمان ألنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهالينا وأهل ملتنا وشرطا لكم على انفسنا أال نحد ث فى مدينتنا وال فيما حولها ديرا او كنيسة وال قالية وال صومعة لراهب ، وال نجددها إذا خربت ، وال نحيى فيها ما كان منها فى خطط المسلمين ، وال نمنع كنائسنا وأديرتنا ان ينزلها أحد من المسلمين فى ليل او

زل من مر بنا من المسلمين ثالثة ايام نطعمهم نهار ، وان نوسع ابوابها للمارة وابن السبيل ، وان نن الضيافة ، وال نعلم اوالدنا القرآن ، وال نظهر شركا ، وال ندعو اليه أحدا من المسلمين ، وال نمنع أحدا من ذوى قربانا الدخول فى االسالم إذا أراد ، وان نوقر المسلمين ، ونقوم ألكابرهم من مجالسنا إذا

لجلوس ، وال نتشبه بهم فى شىء من ملبوسهم حتى العمامة والنعلين وفرق الشعر أراد واحد منهم ا، وال نتكلم بكالمهم ، وال نكتنى بكناهم ، وال نركب السروج ، وال نتقلد السيوف ، وال نتخذ شيئا من

رؤوسنا السالح ، وال نحمله ، وال ننقش على خواتمنا بالعربية ، وال نظهر بيع الخمر ، وال نجز مقادم، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وان نشد زنانيرنا على اوساطنا ، وأال نظهر صلباننا وكتبنا فى شىء من مجالس المسلمين واسواقهم وطرقهم ، وال نرفع اصواتنا بالقراءة فى كنائسنا وال غيرها فى حضرة

اتنا على موتانا وال نظهر النيران المسلمين ، وال نخرج فى الشعانين واالعياد جميعا ، وال نرفع أصومعهم فى طرق المسلمين وال أسواقهم ، وال نجاورهم بموتانا وال نتخذ من الرقيق من جرت عليه سهام

Page 80: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

80

المسلمين وال نطلع عليهم فى منازلهم ، وال نضرب أحدا من المسلمين ، وأن نلزم احكام حكامنا .رب المسلمين وال نعين عليهم بوجه من الوجوه المسلمين فيما يجب علينا فى الشريعة ، وال نحا

وقد شرطنا لكم ذلك على انفسنا وعلى اهل ملتنا ، وقبلنا عليه االمان ، على ان تعطوننا ذمة اهللا وذمة المسلمين أال يكلف أحد منا ما ال طاقة له به ، وال غير ما شرط عليه ، ويظلم أحد منا فى

باع ، وان من ظلم احدا منا كان على المسلمين رد المظلمة على نفس وال مال وال عبد وال ات .صاحبها

ومن خالف ذلك منا فال ذمة له وال عهد ، وحل لكم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق ، وسألوا ذلك ألنفسهم وأن يقروا على ما شرط عليهم ، على الحكم المشروع أعاله ، بعد إشهاد كل

الصحة والسالمة ، فأقروا على ذلك سائلين راجين ، فمن نكث فإنما ينكث منهم على نفسه في حالوفى بذلك فالن . على نفسه ومن وفى نجا ، ومن يق اهللا يجعل له مخرجا وفى الناسخ الفالنى .

.مخرجا

Page 81: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

81

الباب السادس عودة البابا بنيامين ، بطريرك األقباط ، إلى كرسيه

لخلقيدوني قيرس الذي اشتهر باسم المقوقس ، كان البابا بنيامين في أواخر عهد البطريرك ابطريرك األقباط ال يزال مختفيا طريدا يضرب في أنحاء الصعيد ويهيم على وجهه ، فكان يخيل للناس

. أن مذهبه الغير خلقيدوني قد باد وانتهى بسبب ما أصاب األقباط التابعين له على يد البيزنطيين ة البابا بنيامين عشر سنوات على يد المقوقس الذي كان قلبه ال يعرف الرحمة ، وقد إستمرت محن

وقد باتت مصر وليس فيها دين المسيح تحت سلطان الحكم اإلسالمي ، وقد استمر بطريرك األقباط مختفيا ثالث سنوات أخرى بعد الفتح العربي ، ولكن العرب لم يكن لهم اهتمام بالمنازعات الدينية التي

دأت بعد انعقاد مجمع خلقيدونية ، فلما عاد البطريرك القبطي عادت الحياة إلى مذهب األقباط غير بالخلقيدوني ، ولم يلبث أن أصبح هو مذهب األكثرية ، وال سيما أن عمرو بن العاص قرر إعادة

لك ما أبلغه إياه البابا بنيامين بطريرك األقباط إلى كرسيه ، ويقال أن الذي حدا بعمرو إلى المبادرة بذوكان من أقباط مصر ، ولكن كان مع ذلك قائدا في الجيش ) أو شنوده ( رجل يسمى سنوتيوس

البيزنطي ، كما يذكر ذلك المؤرخ القبطي األسقف ساويرس بن المقفع ، ولكن المكان الذي كان يوجد ه ، ومن ثم كان البد من فيه البابا بنيامين لم يكن يعرفه أحد ، ولم يكن يعرفه حتى سنوتيوس نفس

أينما يوجد بطريرك األقباط بنيامين نعده : " كتابة أمر األمان على هيئة خطاب وكانت صورته كاآلتي فليأت البطريرك إلى هنا في أمان واطمئنان ليتولى أمر ديانته ويرعى . بالحماية واألمان وعهد اهللا

".أهل ملته

وقد فرح . نيامين فعاد من مخبأه ودخل اإلسكندرية ولم يلبث عهد األمان أن بلغ البابا باألقباط بعودته فرحا عظيما بعد أن بلغت مدة غيابه ثالثة عشر عاما منذ هجر مقره وهرب إلى

ومن هذه المدة عشر سنوات وقع فيها االضطهاد . الصحراء الغربية عند مجيء المقوقس إلى مصر بعد الفتح العربي وكان البابا بنيامين خالل هذه المدة كلها البيزنطي ، والثالثة أعوام الباقية كانت

ينتقل متخفيا بين بيوت أبناء عقيدته ، أو يقيم مختفيا في أديرة الصحراء مما يدل على أن األقباط . لم يأمنوا إلى الغزو العربي ، واال كان رئيسهم الديني قد عاد من مخبأه بمجرد وقوع هذا الغزو .

بما -ينوتيوس عمرو بن العاص بمجيء البابا بنيامين رغب في رؤيته ، وأمر وحين أبلغ سوقد كان هذا البابا . بأن يقابل بما يليق به من الترحاب والتكريم -عرف عن عمرو من ذكاء ودهاء

Page 82: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

82

وكان عذب المنطق في تؤدة ورزانه ، . تلوح عليه سيماء الوقار والجالل . ذا هيئة جميلة ومهيبة أنني لم أر يوما في بلد " رؤيته أثر عظيم في نفس عمرو بن العاص ، حتى لقد قال ألصحابه فإن ل

ومن ثم إعتبره رئيسا على قومه " من البالد التي فتحها اهللا علينا رجال مثل هذا بين رجال الدين .األقباط ، وجعل له الوالية على أمر ديانتهم

ولم يكونوا في وقت من . ظيم في تفريج كربة األقباط ولقد كان لعودة البابا بنيامين أثر عاألوقات أشد حاجة منهم في ذلك الوقت إلى ذى رأي حصيف وخلق متين يقودهم ويتولى أمرهم ،

وقد كان الهم األول للبابا بنيامين أن يسعى ليال ونهارا في . ولذلك كان لعودته رنه فرح في قلوبهم أيام المقوقس ، حتى إذا تم له جمع قومه تحت رئاسته ورعايته ، إرجاع من ضل من رعيته في

واتجهت همته إلى إصالح ما تهدم من األديرة والكنائس ، وال سيما ما كان منها في وادي النطرون .، وكان قد لحقها من التخريب خالل القرن السابع ما لم تعد معه إلى سابق عهدها

للميالد ، وقد اشتهر ما كان 623الكنيسة القبطية منذ عام وقد كان البابا بنيامين على رأس له على رعيته من سلطان قوي ونفوذ عظيم ، وبما بذل من جهد صادق إلعادة الكنيسة القبطية إلى سابق عهدها ، وقد عمل على أن يعيد إليها اطمئنانها واستقرارها ، بعد ان زعزعها ما جرى في ذلك

نازعات دينية ، ومن ثم اكتسب محبة األقباط وتقديرهم واجاللهم ما لم الوقت من أحداث سياسية ومينتقص منه تقلب األحوال وتكاثر األهوال ، إذ كانت مدة بطريركيته أكثر عهد في عهود األقباط زعزعة

وأعظم أحداثا وأهواال .

Page 83: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

83

الفهرس :مقدمة

. ما قبل الفتح العربى لمصر : القسم األول + + +

. إنقسام اإلمبراطورية الرومانية : باب األول ال + +

.إنقسام الكنيسة المسيحية : الباب الثانى + +

. المجامع الكنسية حتى مجمع خلقيدونية : الفصل األول +

. مجمع القسطنطينية - 1

. مجمع أفسس األول - 2

. مجمع أفسس الثانى - 3

.مجمع خلقيدونية - 4

.األحداث التى تلت مجمع خلقيدونية : الفصل الثانى +

.إحتالل الفرس لمصر ثم رحيلهم : الباب الثالث + +

. إحتالل الفرس لمصر : الفصل األول +

. ما بعد جالء الفرس عن مصر : الفصل الثانى +

. وقائع الفتح العربى لمصر : القسم الثانى + + +

. نشأة الدولة العربية : األول الباب + +

.فتح العرب لمصر : الباب الثانى + +

. معرفة العرب لمصر قبل الفتح : الفصل األول +

. قائد الجيش العربى الذى فتح مصر : الفصل الثانى +

. الجيش العربى الذى فتح مصر : الفصل الثالث +

. سيرة الجيش العربى فى بالد مصر م: الباب الثالث + +

. زحف الجيش العربى على مصر : الفصل األول +

Page 84: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

84

. الجيش العربى فى غزواته األولى : الفصل الثانى +

. فى العريش - 1

.فى مدينة الفرما - 2

. فى قرية مجدل - 3

.فى مدينة بلبيس - 4

. فى مدينة هليوبوليس - 5

. موقعة الفيوم ، والمدن التى فى الطريق إليها : الفصل الثالث +

. موقعة حصن بابليون : الفصل الرابع +

. حصار حصن بابليون : أوال -

. المفاوضات بين العرب والبيزنطيين : ثانيا -

لمقوقس رفض اإلمبراطور هرقل للصلح الذى أبرمه المقوقس مع العرب ، ونفى ا : ثالثا - . عقابا له على خيانة

. موت اإلمبراطور هرقل : رابعا -

. معاهدة تسليم حصن بابليون : خامسا -

. موقعة االسكندرية : الفصل الخامس +

. فى الطريق األسكندرية : أوال -

. حصار األسكندرية : ثانيا -

.خيانة المقوقس تتكرر : ثالثا -

. تسليم األسكندرية : رابعا-

. عقد اإلذعان والتسليم بين المقوقس والعرب : خامسا -

. عودة البيزنطيين إلى مصر ، ثم طرد العرب لهم ثانية : سادسا -

. توقيع عقد الصلح وخروج البيزنطيين من مصر : سابعا -

.عاقبة خيانة المقوقس : ثامنا -

Page 85: تاريخ الأقباط   زكى شنوده - الفتح العربى لمصر

85

. عرب الناتجة عن فتح مصر غنائم ال: الفصل السادس +

. إستقرار العرب فى مصر ، وبناء مدينة الفسطاط : الباب الرابع + +

.القانون الذى وضعه الخليفة عمر بن الخطاب لحكم األقباط : الباب الخامس + +

. عودة البابا بنيامين ، بطريرك األقباط ، إلى كرسيه : الباب السادس + +