الحداثة كحاجة دينية

116
1 د. يق السيف توف

Upload: tawfiq-alsaif

Post on 07-Aug-2015

3.465 views

Category:

Documents


7 download

DESCRIPTION

سلسلة من التساؤلات يتلو كلا منها ما يشبه الجواب ، لكنه جواب مؤقت ، اذ لا يلبث ان يثير سؤالا اخر يتلوه جواب اولي وهكذا. فالغرض اذن ليس تقديم اجوبة نهائية. ... هذه المرافعة تحاول اثارة ذهن القاريء ومجادلته ودفعه للتفكير في السؤال.

TRANSCRIPT

Page 1: الحداثة كحاجة دينية

1

توفيق السيف. د

Page 2: الحداثة كحاجة دينية

2

بسم هللا الرمحن الرحمي

قل إمنا أعظمك بواحدة، أن تقوموا هلل مثىن وفرادى مث تتفكروا

توفيق السيف

اجة دينيةحلحداثة كا 3102 الطبعة الثالثة

talsaif.blogspot.com

Page 3: الحداثة كحاجة دينية

3

فهرس

4 ............................................................................ مقدمة 5 ................................................... الواقع اجلى من اي بيان

6 ........................................................... اسئلة تلد اسئلة 7 ................................................................ قلق التغيري

7 ......................................................... قسر االيديولوجيا 9 .............................................................. موقع التراث 01 ....................................................... له داعيتكلف ال 00 ............................................................... ليس ترفا

02 ........................................................... والذات الدين ( 0) 01 .......................... ماحلق باالسالم من مفاهيم وتقاليد خالل التاريخ 32 ........................... كيف تتحول الرغبات اىل مسلمات مقيدة للعقل

31 ................................................ عقل الفرد وعقل اجلماعة 25 ............................................ ملاذا ال نستعمل ادواتنا اخلاصة

44 .......................................... السؤال اخلطأ: االسالم والنهضة ( 3) 99 ............................................... دعاة التجديد ومحاة التقليد 50 ...................................... احلداثة ؟: ما هو طريق النهضة اذن؟

16 ....................................................... نقد الذات: البداية ( 2) 79 ..................................................... جتربة االنفتاح القدمي

19 ......................................... االنفتاح على الغالب والتحرر منه 89 ............................................................. سؤال احلداثة ( 9)

013 ................................................. االجتهاد وجتديد الدين 017 ........................................................ تعدد القراءات

Page 4: الحداثة كحاجة دينية

4

مقدمة

هذه مرافعة على شكل حوار بني عقلني غرضهها املسها ة حرج ثقافتنها الدينيهة توضيح السؤال الذي احسبه اكثر االسئلة اثارة لل

كيف ينهض املسلمون من سهبامم املهنمن ، وكيهف : ، سؤال املعاصرة .يعودون اىل قطار احلضارة بعدما ننلوا او اننلوا منه

اقول اهنا مرافعة وليست حبثا علميا ، فهي سلسلة من التساؤالت منها ما يشبه اجلواب ، لكنه جواب مؤقت ، اذ ال يلبث ان يهثري يتلو كال

.فالغرض اذن ليس تقدمي اجوبة هنائية. سؤاال اخر يتلوه جواب اويل وهكذاظه ان .حقيقة االمر اين ال اظن ذلك السؤال حمتاجا اىل جواب هنائي

.ها عادة الكتبأليس من نوع االجوبة اليت نقر جواب سؤال النهضة

هنضة االمم تبدأ بوالدة روحية النهضة ، وروحية النهضة هي املقام االول استيعاب شعوري للواقع الذي يعيشه االنسان وتعيشه اجلماعة ،

ة وحبث يتلوه تأمل املخارج ، اي تساؤالت متواصلة عن موضوع النهضهذه االسئلة هي التمهيد الهذه .عن كيفياما وسبلها ومراحلها وحاجاما

مشروع النهضة اكرب من برنامج عمل مثهل تلهك .لوالدة مشروع النهضةالربامج اليت تضعها احلكومات او الشركات ، انه اقرب اىل حراك جمتمعهي

كال حبسب خلفيته وطبيعهة هم ،معتربة منشرحية او مجيع الناسيساهم فيه مث تتكثف نتائج ذلك احلراك على صورة لغهة جديهدة . ومه واهتماماته

Page 5: الحداثة كحاجة دينية

5

وروحية جديدة وعقل مجعي جديد ، جيمع بينها صفات مشتركة ابرزهها . الثقة بالذات واالنفتاح على احمليط واالمل املستقبل

كل سؤال هو نتهاج . ذلكلكل بداية الو ظ ان السؤال هو وال . وهو داللة وعي العقهل ،داية اليقظةوهذا الشك هو ب ، شك الواقع

حيتاج التقدم اىل اكثر من عقول متيقظة تنظر وتعتهرض وتسهعى للفههم .والتفسري والتغيري

الواقع اجلى من اي بيانكل منا يعرف ما يكفي وزيادة عن حال التخلف والوهن الذي

يت نراها كل يوم ، المظاهره .الكالم فيهتكرار لاج تحن فال .يعيشه املسلمون، جلية بينة ، اليت نعلم اهنا تفرعات عنه شكالتاملو ،على حياتناوانعكاساته اعلمال ننتج فنحن .ختلفنا واضح جمال العلم. تعبريمن اي ابلغ ومشهدها

، جمال املعيشة وختلفنا ظاهر .الخرينا ه منناوال نطور ما تعلمرغم .الهله االوليةفاقتصاديات العامل االسالمي كلها ال تو باحلاجات

طبيعية ، وما ميكن ابتكاره مواردضخامة ما تنطوي عليه بالد املسلمني من .لثراءامن امكانات

وما يقوم عليها من قيم ،العامة واالمر ظاهر ايضا الثقافة وال . ل عليها الدهر وشربال زالت حمكومة بتقاليد اك فهي ، وعالقات

، ، ديدهنا البكاء على االطالل اتاخلرافمن احلقائق وطا الخجتمع ا تزالاملسلمني الزال اكثر ، جمال السياسةو .ا سادواعدموالفخر بالذين بادوا ب

ختلص العامل .سائر البشر دون ، قو احل مهدور ، االولية همن حريات احمرومنتج امثال راسبوتني ولويس يمازال االسالمي ناعاملمن الطغاة واعواهنم ، و .جمرد تذكارات متاحف بالدهم اصبحوا الذيناخلامس عشر وستالني ،

Page 6: الحداثة كحاجة دينية

6

اسئلة تلد اسئلة

سالت اهنار ، منذ اواخر القرن التاسع عشر امليالدي وحىت اليوم االوىل واخلطوة، ماهيتها وشروطها احلرب البحث عن مسألة النهضة منجيعل اي كتابة اخرى حول املوضوع تكرارا ملا قيل االمر الذي . طريقها

.هاقبلمن جديدامل يطر عرضتنعم اهنا ت ولذا فان هذه املرافعة ال. سابقا

وقد اسلفت اهنا . هنا تعاجل املوضوع من شىت جوانبهكما ال تنعم ا. هو جتديد الثقافة الدينية اواحد احمورادل اقرب اىل سلسلة من االسئلة جت

الغرض من التجديد املنظور هذه املرافعة هو املعاصرة ، اي اعادة انتاج وهي جتادل بان .الثقافة الدينية ضمن شروط العصر الذي يعيشه انساهنا

املعاصرة تع على وجه التحديد االنعتا من عصر التقاليد واالنضمام اىل بان االنعتا املرجو غري قابل للتحقق دون كما جتادل .مسرية احلداثة

.االنفتاح االجيايب على االخر احلضاري اي الغرب

هذه الدعوة ال تغفل التحديات اليت ينطوي عليها مثل هذا بل وال تغفل حقيقة ان العامل االسالمي مل جين من انفتاحه االول .االنفتاح

ربة بوعي خمتلف وهبدف التج لكنها مع ذلك تدعو اىل تكرار .غري الكارثة اخذما يمثل. حنن حباجة اىل التعلم من املدنية الغربية كي نستغ عنها: خمتلفلقد جرت .طريق حىت يستغ عن املعلمالمث يواصل ، ن معلمهعالتلميذ تعلم العرب من حضارة الفرس : هجاالمم اليت حتضرت على هذا الن سرية

سبقتهم حىت جتاوزوها ، وتعلم الغرب واليونان وغري ا من احلضارات اليت .نا ان نتعلم من الغرب مث نتجاوزهمن املسلمني حىت جتاوزوهم ، وامل

Page 7: الحداثة كحاجة دينية

7

قلق التغيري

الذين كتبوا او حتدثوا هذه املسألة صرفوا جل جهدهم والعالقة مع ، دور الدين النهوض احلضاري : هاتني االشكاليتني جمادلةالغربيني تبنوا فكرة ان السبيل الوحيد اللتحا معظم الباحثني. الغرب

املسلمني بقطار املدنية هو تبنيهم لنموذج احلداثة الغريب ، اي اعادة صياغة -كما فعل بيندر –لكنهم الحظوا ايضا . حيامم كلها وفق ذلك النموذج

ان هذه الدعوة مل تلق استجابة ابدا ، وكان حمور املمانعة الدائم هو متسك .1سلمني بدينهمامل

لنوممتفقون على االسالميني معظم مي فان وعلى اجلانب االسالعلى ما يصفونه باالصالة اليت يعرفها حممد عمارة بهجذور الثقافة ظافاحل

اي هويتها املمثلة للبصمة اليت متينها عن غريها من ثقافات "وثوابتها املستمرة تمسك باالساس االسالمي ومع االحلاح على ال. 2"امم احلضارات االخرى

اختلفوا حدود ،للثقافة ، فان االسالميني الذين حتدثوا مسالة النهضة بني مضيق له اىل اقصى احلدود وبني ، االنفتاح على الغرب اختالفا كبريا

لكن السمة الغالبة على كتابامم هي غلبة القلق من العواقب .متوسع فيهفان تلك الكتابات مالت غالبا اىل تغذية روح ذاول .احملتملة النفتاح كهذا

بدل التفكري الصور املمكنة لتفاعل نقدي ، اي انفتاح على ، املمانعة . وتعلم منه دون التخلي عن دور الناقد له، الغرب دون انبهار به

قسر االيديولوجيا

1 Leonard Binder, Islamic Liberalism, (Chicago 1988), University of Chicago

Press, pp. 78-83 2 .81، ص (8991دمشق (، دار الفكر ازمة الفكر االسالمي الحديثمحمد عمارة،

Page 8: الحداثة كحاجة دينية

8

ومنه –ثالث شك ان الدراسات الغربية حول التنمية العامل الال ري من فرضياما النظرية باالساس االيديولوجي ثك تاثر –العامل االسالمي

التنمية كنظرية ليست جمرد حبث . امت عليه نظرية التنمية والتحديثالذي قميداين موضوعها ، بل ان البحث املوضوع هو فرع عن الفرضيات

.ايديولوجيةاليت تشكل بذاما ايديولوجيا او تطبيقا ملقوالت ، النظرية

واملرجح ان معظم الباحثني يدركون ان نظرية التنمية اليت صيغت قد ال تكون قابلة ، بناء على التجربة التارخيية اخلاصة باجملتمعات الغربية

للتطبيق على جمتمعات اخرى ختتلف من حيث التجربة التارخيية او نظام االطار املعر الذي لكنهم مع ذلك ال يستطيعون االنسالخ من ذلك .احلياة

.3يوفر ادوات البحث واملالحظة والتفسريات وقياس النتائج

ال ميكن احلقيقة الي باحث اي علم من العلوم ان يبدا حبثه هذا الفهم . وع العمل واشكاالتهمن دون فرضيات مسبقة وفهم مسبق ملوض

ولوجيا مقوالت مشوبة بايدي –شاء الباحث ام اىب –وتلك الفرضيات هي ما يبدو من النظرة االوىل . حمددة او قائمة على اساس تلك االيديولوجيا

، اي ان مقوالته مشروطة باملنظومة ردا هو حقيقة االمر علم مؤطرعلما جم .4اليت يقوم ضمنهااملعرفية او االجتماعية

قدرة ال يدعتو، نعلم ايضا ان االيديولوجيا متيل اىل تعميم نفسها . صورة الوحيدة احلقيقية عن العامل، بل تقدمي الكل حقيقة العاملعلى فهم

اسبب ظن ان االرضية االيديولوجية لنظرية التنمية الكالسيكية كانتاو

3 Harry Eckstein, 'The Idea of Political Development', World Politics, v. 34,

issue 4, (Jul., 1982), pp. 451-486, p. 453 4 Thomas S. Kuhn, The Structure of Scientific Revolutions, The University of

Chicago Press, (London 1970), p. 112

Page 9: الحداثة كحاجة دينية

9

النهضة الذين درسوا مسألةالباحثني الغربيني اخفا مقاربات كثري من بني الغرب والعامل اجيابيةلعالقة عمليتقدمي اطار او حاولوا العامل الثالث ،

.االسالمي

رغم ؤالء،فه .والكالم نفسه يقال عن حماوالت الباحثني املسلمنيبكوهنا قناعتهممن نوع ما مع العامل الغريب، و باحلاجة اىل عالقة ماحساسه

مقاربامم، اال ان غلبة االيديولوجيا على ضرورية للنهوض بالعامل االسالميبعض هؤالء ، اصرار و ظ ان . للعالقةصيغة مناسبة اكتشاف اعاقت

مل يؤد ابدا ،على فكرة االصالة سيما املنتمني منهم اىل تيارات حركية دينية ، النظري رغم اجلهد ، اىل توضيح طبيعتها او مكاهنا من مشروع النهضة

كون االصالة على صرار غري املتبصربل ان اال . هذا السبيل وهالذي بذل معىن هااعادة انتاجامثر فعليا عن قد للحداثة ، ( نقيضا)ا معادال موضوعي

احملافظة على التقاليد والبحث عن حلول ملشكالت العصر التراث ، بدل معىن املعاصرة ، اي اعادة انتاج الفكر –كما هو مفترض –ان ختدم

.والثقافة االسالمية وفق حاجات العصر وحقائقه وما استجد فيه

اثموقع التر

ويقودنا هذا املشكل اىل التساؤل عن مدى احلاجة احلقيقية اىل عن مقدار التراث الذي -بشيء من التحفظ -هذا التراث ، او لنقل

وال نتحدث عن التراث هنا باعتباره . يشكل حاجة حقيقية ملسلم العصرن جمرد جتربة او كننا من املعرفة املستقاة من التجارب ، بل باعتباره جنءا م

معرفتنا الدينية ، اي جنءا مما نعتربه دينا لنا ، ومكونا رئيسيا لثقافتنا ومصدرا للمعايري اليت نقيم هبا انفسنا ، وشخصيتنا وافعالنا وعالقتنا بالعامل

.ونعتربها ضوابط لسلوكنا وقيودا على احكامنا وتفكرينا، وغرينا

Page 10: الحداثة كحاجة دينية

11

املتمدنة مع عالقة االمم عالقة املسلمني مع تراثهم ختتلف عن تعامل مع نتعامل معه كما نس جمرد معرفة او مصدر للمعرفة ، فهو لي .تراثها

رغم ان .نه كائن حي يعيش فينا ونعيش فيها. مصادر املعارف االخرىلقد اصبحنا .مات بشخوصه ورموزه واسئلته واالجوبة اليت يقدمهامعظمه

الذين ، تاحف او املقابر بسبب هذه العالقة املعقدة مع التراث مثل حراس امل .يعتمدون معيشتهم على مرافقة االموات او ما تركه االموات من متاع

ال ندعو .ضمن هذا الفهم فاننا نفر بوضوح بني الدين والتراثوقد .اللغاء التراث ، بل ندعو بصورة حمددة اىل وضعه مكانه الصحيح

فقال انه من يضع الشيء سئل علي بن ايب طالب يوما ان يصف العاقلوكي ،ال شك اننا حنتاج اىل بعض التراث كي يعيننا على فهم ديننا. موضعه

يساعدنا اعطاء معىن لبعض جوانب حياتنا ، لكننا ال حنتاجه ابدا كقيد على عقولنا ، وال حنتاجه كحبل يشدنا اىل املاضي السحيق ، ويعطلنا كلما

التراث اجليد هو التراث الذي نسخره . عصرنا اردنا اللحا بقطار احلياةوليس الذي يسخرنا ، التراث اجليد هو املعلم الذي يساعدنا على جتاوزه

.وليس الذي يبقينا اسرى حلدوده

تكلف ال داعي له

قافة واالنفتاح احسب ان اشكالية العالقة بني النهضة والدين والثالنهضة ناقشوا اوال مشكلة الذين حتدثوا حول مسألة. قد اتضحت االن

عن التخلي هو النهضة شرط ان واافترض ، سايرهم ومن الغربيون .الدينيغلب و. ان الدين هو طريق النهضة الوحيد ، واالسالميون افترضوا الدين

.ال ضرورة لهتكلف ينطوي علىالدين والنهضة بني الربط انعلى ظ بكلمة اخرى فان شرط االرتباط قيد . ليس مثة رابط موضوعي بني االثننيف

Page 11: الحداثة كحاجة دينية

11

جنحت بناء حضارات امم تكشف جتربة العامل عن .ال ضرورة له ،زائد. عصرنا احلاضر ازمان سابقة و حصل هذا . عظيمة ومل تكن متدينة

بعبارة اخرى . مع احلضارة ومن دوهناعلى دينها م جنحت احلفاظ أممثة و حياة اهله بغض النظر عن كوهنم متحضرين او فالدين ميكن ان يبقى فعاال

واحلضارة ميكن ان تقوم او تسقط بغض النظر عن تدين اهلها او . متخلفني .كفرهم

هم الدي املشكلة احلقيقية ظ هي قابلية منط معني من الفالسؤال احلرج حول العالقة بني الدين والنهضة ، . العاقة النهوض احلضاري

ن الفروض النظرية وليس ع ، ؤال عن احلقيقة اليت امامناهو جوهره س، وعن انه سؤال عن هذا النموذج الدي الذي نعرفه ومنارسه. وامليتافينيقية

حنن اذن ال . فندعو اليه او ننتقده، هذا النموذج من النهضة الذي نراه امامنا لدين الذي ، وال ااو النظرية اجملردة نتحدث عن الدين صيغته االصلية

لدين الذي منارسه ونعيشه ، ا بل عن صيغته املوجودة بني ايدينانتخيله ، . صوره ونعيد صياغة تطبيقاته ومفاهيمهونؤثر ، ونتاثر مبقوالته

ليس ترفا

ان منط التدين ليس من العسري علي او على غريي الربهنة علىن هذا التدين منتسب اىل لك. معيق للنهضة ، السائد العامل االسالمي اليوم

انه .بدرجة اكرب من انتسابه اىل الوحيالعادات والتقاليد والتجربة التارخيية اذن فاالوىل ان نقول ان الثقافة . ما نصفه بثقافة اجتماعية او تراثاقرب اىل وهذا ال يغري االمر كثريا، . هي اليت تعيق النهضة االسالمي ملالعا السائدة الذي متداخلة مع مفاهيمه ولغته ورموزه ، االمربالدين ةطخمتل فهذه الثقافة

ذاول .عظيمالروحي الاملعنوي ووثقله ة الدين بقداسمن االحتماء مكنها

Page 12: الحداثة كحاجة دينية

12

، االختالط ذلك على الضوء تسليطل املرافعة هذه من رئيسال اجلنء خصصتعباءة والدعوة اىل توضيح اخلطوط اليت تفصل بني الدين والثقافة اليت ترتدي

.الدين

.اهنا دعوة اىل التفكري الذات وما حتتمله من معرفة ومتبنيات ،و اعتقادي ان التفكري الذات هو اخلطوة االوىل حنو حتكيم العقل فيها

فاننا حباجة ، لكي نعيد صياغة شخصيتنا وثقافتنا. وجعله سيدا يقود حركتها عقولنا حتصلمستحيل مامل وهذا . فهم املكون الثقا هلذه الشخصيةاىل

.ما حنمل وما تنطوي عليه نفوسناحيص متلنقد و على فرصة وافيه

عن اسالفنا ، والثقافة ورثناهجتادل هذه املرافعة بان التراث الذي التراث .اليت قامت على اساسه يلعبان دورا معطال لتفاعل االنسان مع عصره

لكل االجابات على االسئلةيقدم نفسه كمصدر ، الذي يرتدي عباءة الدين ان باالمكان نا يصد فعالكثريا مان لةشكاملو .ومالي عامل يطرحها اليت

وهو .احلصول على اجوبة صحيحة السئلة اليوم كتب االموات وسريهمهو الدين ان او هو يعتقد ، يصد هذا النه يظن ان الدين امره بذلك

خالفا هلذا فان هذه املرافعة . وسريهمبالتحديد ما جيده كتب االموات والبحث عن اجوبة ، والتفاعل معه ،تطرح املعاصرة ، اي االنتماء اىل العصر

رح عالقة مع الغرب قتكما ت .باعتبارها اول ضرورات النهضة، اسئلته فيه .وليس التقليد االعمى او تكرار املقوالت، قائمة على النظر والتعلم والنقد

Page 13: الحداثة كحاجة دينية

13

(1 )

والذات الدين

قلنا انه ما من مسلم هذا العصر لوقد ال نبالغ : قلت لصاحيب اال وقد تساءل يوما ان كان مثة عالقة بني حال املسلمني الراهن وبني

اين أجد هذا السؤال كامنا خلفية اجلدال املنمن حول العالقة .اسالمهم، وهو كامن ايضا خلفية وبني االسالم والغرب ، بني االسالم واحلداثة

شؤون احلياة املختلفة اليت مل تتوقف بتحكيم االسالم املطالبات . للمسلمني

لقد اثري هذا السؤال منذ ما ينيد عن قرن من :قال يل صاحيبوكان السبب . انه طرح البارحة كما لواليوم دائرا وما ينال .النمان

لعلوم واملدنية جمال ا املسلمني للفار اهلائل كتشاف اثارته يومذاك هو ا مرحلة ، العامل االسالميو الغرببني تصالالا بدأ .بينهم وبني الغرب

وحلول العلم حمل الدين كمنهج ، شهدت ذروة االنفصال بني الدين واحلياة يقوليومذاك كان االعتقاد السائد بني الغربيني .هلداية احلياة وقيادة اجملتمع

بد منها الطال قوى التقدم اليت امثرت ان التخلص من الدين هو خطوة الب واحلقيقة ان هذا االعتقاد الزال سائدا . مة املدنية الغربية احلاضرةعن اقا

لتنمية الغربيني يرون فاالغلبية الساحقة من منظري ا .حىت اليومالعامل الغريب ، ضرورة من الشان الشخصيتصار دور الدين اىل ، او اخ ان العلمنة

.ضرورات احلداثة

Page 14: الحداثة كحاجة دينية

14

لعل وجود العامل اخلارجي قد اضاف سببا اخر : قلت لصاحيب ان كثريا من قومنا يتجنبون املناقشة . اىل ما نراه من عسر مناقشة السؤال

لكن .اجلادة ، خشية ان تفضي اىل تعنين مقالة الغربيني عن ختلف االسالماملناقشة العلمية هي السبيل .حباجة اىل مناقشة االمرمهما كان احلال فاننا

وهي الوسيلة الوحيدة الكتشاف دواء لعلتنا .الوحيد لالقتراب من احلقيقةم االرض الكربى ، اع التخلف عن قطار املدنية الذي انضمت اليه اكثر ام

.هاخلالص من ين جاد، ال راضني مبا حنن فيه وال وبقينا وحدنا من دوهنم

.جن الناس عن مواجهة حتديات عصرهمسلم اليوم يا صاحيب اع فهو اما مستسلم ملا ميليه االقربون واالباعد ، او منكفيء على نفسه غار

، يعيش نصفه عصره ، او مغترب العاملني معا يداحالم املاضي اجملجملرد فهل نرضى بالبقاء هذه احلال .والنصف االخر املاضي السحيق

. مقالة الغربيني او غريهم ؟ تفضي اىل تعضيداخلوف من ان مناقشته ونقده .جيب ان ال خنشى من البوح مبا انفسنا من اسئلة مهما بدت موجعة

هل االسالم مسؤول عن ختلفنا : وجيب ان ال نتردد طرح السؤال احلرج .فمن هو املسؤول اذن ؟. .واذا مل يكن مسؤوال. .ام ال

اواخر القرن التاسع عشر ، وجهد الهذين : قال يل صاحيب وقد اسهتعانوا .ج من احملنة اال بتجديد الدينرخمتداولوا هذه املسألة ان ال

يومها برواية تنسب اىل الرسول عليه الصالة والسالم فحواها ان اهلل يههيء ل وهي مسألة سبق ان جاد .5لدينه من جيدده على راس كل قرن من تارخيه

جتادلوا .فيها كثري من الفقهاء والرواة واملفكرين خمتلف عصور االسالملكه احسهب ان معظهم .معىن التجديد وتعيني اجملدد وزمنه وغري ذلك

إن هللا يبعث لهذه األمة على رأس كل مئةة سة،ة، مةج ي ةدد }: نص الحديث 5

8473الس،ج ، رقم .رواه أبو داود {لها دي،ها

Page 15: الحداثة كحاجة دينية

15

.لشكلي من املوضوع ، وترك جوهرهانصرف اىل اجلانب ا همنقاش

وبصهورة ،طر اال ملامايوضوع التجديد وعالقته بالنمن مل فماالشخاص الذين فانصرف اىل تعينياجلدل اما معظم . حد كبريسطحية اىل

.عمل الذي اوجب هلم هذا االعتبهار وال، يدعى انطبا صفة اجملدد عليهم ا الهدور ، ال فكان املسالة هناك هي البحث عمن يستحق شرف القيام هبذ

وهذي لعمري . موضوعه او مقدار ما حققه من جناحاو ، فعل التجديد نفسهاالنصراف عهن املوضهوعات اىل : العيوب املشهودة ثقافتنا ، اع من

االشخاص ، بل امليل الشديد اىل شخصنة املوضوعات واخراجها عن اطارها الواقعي عن طريق الغاء صفتها العامة والتركين على نسبتها لفهرد او عهدد

.حمدود من االفراد

دد الغهريب على اي حال فان هنمية املسلمني مواجهة التمعددا من املفكرين وعلماء ، دعاتلك احلقبة ، اع اواخر القرن التاسع عشر

وكانت دعواهم يومئذ ان ضهعف .ىل طرح مسألة التجديد كحلاالدين لكثرة ما احتمهل ، املسلمني امام غريهم مرجعه الوهن الذي اصاب الدين

اصبحت بالتدريج لصقا به وجنءا ، خالل تارخيه الطويل من افكار واعراف وقد رأى اولئك الدعاة . ال يكاد الناس يعرفونه اال هباحىت، من مفهومه

هذه االعراف سببا لوهن الدين وتراجع قوته على اهناض املسلمني ، لكوهنا فكأن جوهر دعومم تلك هو ختليص الدين من . بذاته انعكاسا لواقع متخلف

.اىل نقائه وصفائه كما كان عصوره االوىلواعادته ، هذه االثقال

االسالم مل خيرج يوما من نفوس املسلمني ، لكنه : قلت لصاحيب مع ذلك فقد وظيفته االجتماعية ، وأصبح شأنا فرديا ، يعرب عهن نفسهه

وهذا هو احلد األدىن الذي .بصورة حمددة العبادة واألخالقيات الشخصية

Page 16: الحداثة كحاجة دينية

16

لكن هذا احلد ال ينفع كثريا تطوير .وجوده فيه ينبغي لالسالم أن ميارسانه هذه .االسالم كمنهج تغيري وسبيل تقدماملدنية ، أو استثمار فاعلية

عن أنواع االميان األخرى ، النابعة من تأمل ذايت تماين شيءالصورة ، ال يحهوم وهذا هو التحليل الذي وصل إليه منذ الستينات املر .يروحأو إرث

.6مالك بن نيب ، املفكر اجلنائري املعروف

احد العوامهل املهمهة -كما اظن - هذه النقطة يكمنالتجديد ركهن نعلم ان بعض دعوات .التميين بني مناهج التجديد املختلفة

ذه او ه بدعوى ان، ةاصالح العباد ركن غريها علىو، على اصالح العقيدةمريهرة صراعات اجلماعات الداعية للتغيريت ودخل .جوهر التدين تلك هي

طوائف املسلمني ، حول ممارسامم العبادية او اعتقهادامم او غريها من مع التجديد هذه لكن الذي ارى هو ان . طريقة تعبريهم عن انتمائهم الدي

ال يغري شيئا اجلانب احلرج من حهال – ضرورتهلو قبلنا ب حىت – اجلوانبوغري ذلك من ، وم ، اع ختلفهم االقتصاد والعلم والسياسة املسلمني الي

.جوانب احلياة احلديثة

عبادة الذين يصارعون على اصالح العقيدة او ال: قال يل صاحيب لالمام مالك وهم يتمسكون مبقولة تنسب. يروهنا جوهر موضوع التجديد

اوهلا ، وما مل لن يصلح اخر هذه االمة اال مبا صلح به"بن انس يقول فيها وهم يربطون بني هنضة املسلمني ."ن يومها دينا ال يكون اليوم دينايك

ويرون .عصورهم االوىل وبني التنامهم بصورة خاصة من االعتقاد والعبادةمرهون بعودمم ، بناء على هذا ان عودة املسلمني املعاصرين اىل طريق القوة

. عقيدة قدامى اهل االسالم وعبادمماىل تلك الصورة اليت اذهاهنم عن

6ترجمة عبد الصةبور اةانيج ، ، ( 8911دمشق )، م تمع ميالد: مالك بج نبي

837. صدار الفكر

Page 17: الحداثة كحاجة دينية

17

هو ايامهم االوىل املسلمني حال صلح ابكلمة اخرى فهم يرون ان ما .صفاء عقيدمم وحسن عبادمم لرهبم

ما يسمونه باملصادرة على مثال على اذه: لصاحيب قلت، الستثمارها فكرة السليمة اطار غري اطارها، اي ادراج الاملطلوبلقد افترض . الفا هلا االصل او بعيدا عنهاراي خاص قد يكون خمتثبيت

احملددة هؤالء ان قوة االسالم عصره االول تكمن اختاذه هلذه الصورة. وهم يهملون متاما دور االسالم كمنهج تغيري للحياة. العبادة او االعتقاد

.ة واالجتماعيةالنفسية والثفافيوهذا يرتبط املقام االول بفاعليته

يا وثقافيا من اخلرافة لقد تقدم املسلمون االوائل الهنم حترروا نفسموحهم وحترروا من الشعور بالصغار الذي حصر معرفتهم وط .واالسطورة

ت ، وقوة اصالح كان االسالم قوة حترير للذا. وتطلعامم صحراء حمدودةمل يكن جمرد نوع اخر من و. لعلم واالبتكار، وقوة تطوير لللنظام االجتماعي

. ادات او طريقة معينة العباداتاالعتق

، الذي فقدناه هو االسالم احلضاري وهلذا نقول بان االسالم، ويعيد تشكيل القيم الناظمة الذي حيي روح االنسان ويثري عقلهاالسالم

ث يصبح التمدن كما يعيد جدولة اهدافها و ومها ، حبي، حلياة اجلماعة لدالة اال ترى ان ذروة ما نفخر به من تارخينا هو تلك املظاهر ا. اولوياما اول

ذا كان مثة وا .فهذا دليل على ما نفتقر اليه اليوم. ؟على القوة واملدنية والعلمذا التجديد اىل هذا اهلدف بالذات، ، فيجب ان يتجه ها ية لتجديد االسالم

لمني حنو املدنية شىت للمسكقوة حتفين االسالم استعادة دور :اع .جوانبها

Page 18: الحداثة كحاجة دينية

18

ماحلق باالسالم التاريخ خاللمن مفاهيم وتقاليد

لعل ما تقول دليل على ان العودة إىل األصول : قال يل صاحيب الصافية للدين هي السبيل لتنظيف الثقافة االسالمية مما حلق هبا من شوائب

وهي مهمة يسرية طاملا أن املصدر .ومنا هذاخالل القرون السالفة حىت ي .خيتلف عليه اثنان حكم فصل ال وهو .موجود حمفوظ (القرآن الكرمي ) األول

القول بان السبيل هو العودة اىل ما وصفته :لصاحيب قلتكما ان ادعاء القدرة عليه اهون من . الصول الصافية ال يصح على اطالقهبا

يتجاوز الفصل بني األصول واحلواشي مهمة سهلة مادام األمر ال .حتقيقهإىل مقدمات لكن حتقيقها على أرض الواقع حيتاج .الور أو جمالس الكالماملسألة هنا أشبه بان تدعو رجال من الناس اىل مسح .بعضها غاية العسر

.ذاكرته

وتواترت .سنني الطويلة جرت حتوالت وتطوراتخالل هذه الهذه االضافات اليت . منها شيئا على ما أضافه السابقون، ينيد كل لأجيا

نعتربها اآلن حواشي على األصل ، ليست جمرد أفكار قابلة للتميين والعنل ، وليست جمرد إطارات للحياة والعمل ، إهنا ثقافة كاملة تأسست ثناياها

.أمة جديدة

ثقافة معناها العميق ال .الثقافة ليست ما يقرأه الناس الكتبالذات والغري من البشر ميأل داخل النفس من تصورات حول ما هي

.، اي رؤية االنسان إىل العامل احمليط به وتقديره ملوقعه من هذا العاملواألشياء، بل تتحكم كل ع ال تغطي جانبا حمددا من احلياةوهي هبذا االتسا

Page 19: الحداثة كحاجة دينية

19

اليوم متيين املسلم من غريه من النظرة إنك تستطيع . جانب لالنسان عالقة بهاألوىل، من طريقته الكالم ، من أسلوب تعامله مع اآلخرين وسلوكه

.العفوي حياته اليومية

ليت تفصلنا عن لقد تشكلت ثقافة كاملة خالل السنني الطويلة ا وهي اليت حتدد .هذه الثقافة هي اليت توجه سلوكنا. عهد االسالم االول

حنن اليوم .تتحكم صياغة مواقفنا وآرائنا وهي اليت .ونطا تفكريناطريقة إطارها نفهم القرآن من خالل هذه الثقافة ، نفهمه بالعقول اليت تشكلت

.وباالعتماد على مدخالما

ه كل أيديولوجياك، وهي ه هذه الثقافة هي أيديولوجيا كاملة وادعاء الكمال ،إىل تعميم نفسهاوميالة ، حمملة بوسائل للدفاع عن ذاما

قد تستطيع اختاذ قرار مبمارسة النقد الذايت ، لكن من أين . مواجهة أي نقدلن تصل لغري احلال ف، إذا أتيت به من داخل هذه الثقافة . ستأيت باملنهج ؟، ممارسة النقد قد تتحول إىل نوع من الدوران حول الذات . الذي أنت عليه

، دون أن يكشف عن ات جديدة لتجميل واقع احلالالذي يضيف مربراليت " ليس االمكان أبدع مما كان"، عقلية احلقائق املختفية وراء الركام

من كاملة دورة ل حمصلةمنارس جتسيداما حياتنا ، مل تأت من العدم ، فهي .التفكري داخل احللقة املغلقة

ملها مسلمو اليوم ليست املؤكد أن الثقافة اليت حي: قال يل صاحيب إهنا إسالمية مبعىن االنتماء إىل .إسالمية مبعىن التماهي مع األصول الدينية

قد يكون فيها شيء من األصول ، . املسلمة اليت أبدعتها أو تبنتها اجلماعة .نها بالنسبة للناس إسالمية متامالك .وقد يقتصر األمر على بعض من ظالهلا

وهم ال يفكرون كثريا هذا التميين ، فالناس ال تعبأ مبا يقوله املنصرفون إىل

Page 20: الحداثة كحاجة دينية

21

بذل جهد ، فلسنا مضطرين إىلالناس والن األمر ال يع عامة. كارعامل األف، خبالف أهل العلم الذين يقدر أحدهم على خار القناعهم بالتصحيح

هو َزَبد احتمله تيار احلياة التميين بني ما هو تفريع مباشر على األصل ، وما .وهو يندفع الطريق

التميين بني العامة وأهل العلم ممكن قبل أن تبدأ : قلت لصاحيببل قد يكون األمر على .فلن جتد حمال هلذا التميينفيه ، فإذا شرعت .العمل

ولو . صرا على العامةما تراه من ختلف الثقافة ليس ق .نقيض ما تتمناهفهم .، لفعلوا منذ زمن طويل ذا املأز العلم قادرين على جتاوز هكان أهل

راهن ، هم وأنا وإياك مستفيدون من احلال ال .وأنا وأنت جنء من املشكلةلت باالعتماد على عناصره ، ومصاحلنا تشك ألن حياتنا بنيت إطاره

ايل فإذا بدأ التغيري فسوف يطال كما يطالك ، وليس مؤكدا أن ح .وأجنائهالعلم الذي .ان مستفيد مما أنا فيه .وحالك سيكون أفضل مما هو عليه اآلن

هذا ألن الناس يعتربونه .أمحله يوفر يل عيشا هنيا ومكانة ال تشترى مبالفإذا ذهب اعتباره وتالشت قيمته ، فلن تكون احلال .شيئا يستحق االحترام

.هي احلال

تواطئون على مواصلة هذا م حقيقة األمر أن املثقفني والعامة فهو صاحب مصلحة بقاء ، عضهم ألنه يصعد مسارات احلياةب .الطريق

، باء النفسية واالجتماعية للتغيري، وبعضهم ألنه ال حيتمل االع احلال السائدفهو اآلخر صاحب مصلحة احليلولة دون تغيري يؤدي إىل املشاكل أو

.يوقعه مواقع األذى

هكذا إذن فسر املاء بعد : وكأنه يفكر بصوت عال قال صاحيب، ألننا اصحاب مصلحة فنحن ال نريد العثور على احلقيقة .اجلهد باملاء

Page 21: الحداثة كحاجة دينية

21

ومن . قد عاجنة عن إيصالنا إىل ما نريدوما منلكه من أدوات ن .إخفائهالقد عدنا إىل .نريد العمل هلم ، يشبهوننا ، فهم مثهلنا بني عاجن ومعرض

.اليت بدأنا هبا نقطة قبل

مشكلتنا على اي حال ليست حتديد اجلهة اليت : قلت لصاحيب الوعاء االجتماعي للدين قهد ال . ، بل اخلطاب نفسه ليها اخلطابنوجه اقبهل توعلينها . يؤدي اليه من اثر نفس حامليه ما رقدباال مهمايكون

حنن ال نتحهدث .احلياة حقيقة ان الدين معناه اجملرد غري موجود واقعاالمر عن الدين كما ننل األصل من عند رب السهماء ، بهل واقع

أي عهن فههم ، إىل اشخاص حمددين أو مجاعة حمددةنتحدث عنه منسوبا ومها يتبعونهه مهن ، وتعاملهم معه ، اولئك االشخاص وهذه اجلماعة له

.أساليب تطبيقه

، اي دين ملون بلوهنا الثقا اخلاصو الدين الذي تطبقه اي مجاعة هورؤيتهها لهذاما ، ومنط حياما ومصادر عيشهها ، بنتاج جتربتها التارخيية

قد نسمي هذه االضافات تقاليد او اعرافا ، وقد نسميها االمجال .والعاملواهلويهة ، لكنها على اي حال الطريقة اليت تفهم هبا اجلماعة نفسها .ثقافة

.ومتينهم عن سائر خلق اهلل، اءها اىل بعضهم اليت جتمع اعض

ومن هذه الناوية جتد ان املسلمني خمتلف بلداهنم خيتلفهون أال . هم عليه من ثقافة وخربة تارخييهة فهم تعاليم الدين واحكامه حبسب ما

العمل مطلقا على النساء خارج اترى ان بعض املسلمني أفغانستان حرموبينمها ( 22االحناب –وقرن بيوتكن )إىل اآلية املباركة استنادا، بيومن

يقبل جرياهنم إيران بأن تكون املرأة قاضية ووزيرة ونائبة لرئيس الدولة ، .(70التوبهة –املؤمنون واملؤمنات بعضهم أولياء بعهض )استنادا إىل اآلية

Page 22: الحداثة كحاجة دينية

22

صهيغته فالذي جعل اولئك خمتلفني العمل عن هؤالء ، ليس االسالم النظرية اجملردة ، بل الفهم احلاصل من تفاعل املسبقات الثقافية اليت حيملهها

وبالتايل فان ما يستند اليه كل منههم .كل منهم مع الصيغة النظرية لالسالم .مهم اخلاص للنصليس النص اجملرد احلقيقة ، بل فه

وهذا ما ملح اليه االستاذ فهمي هويدي التقارير اليت سجلها ، حني قال ان قادة احلكومهة إىل أفغانستان ظل حركة طالبانعن رحلته

، وان معظمهم مل يغادر قريته إىل أي نية ينحدرون مجيعا من بيئة ريفيةاألفغانر أي مدينة مكان ، ومل ينر أي دولة خارج أفغانستان ، بل ان بعضهم مل ي

.مل القرية الصهغرية ونظهام حيامها افغانستان ذاما ، ومل يعرفوا غري عاحني جنحهوا احهتالل ، وانعكس هذا على طريقتهم تطبيق االسالم

أي منوذج ،م ارادوا تطبيق النموذج املستقر أذهاهنم هنأفك .العاصمة كابليت عاشت زمنا طويال الانستان جنوب غرب افغالنائية والية ال" قندهار"

لهه عالقة وثيقهة بالهدين هذا النموذج الفقري .العامل ما ميوج ع انقطاعقريهة حياة خاص بمنوذج يبقى ، لكنه هناية املطاف وتارخيه ورموزه

.7ريف معنول

جرى تكييفه حتت ، الذي النفوس إذن هو إسالم خاصاالنسان اكتشاف الفار بني ليس من السهل على لكن .مؤثرات خمتلفة

خيشى من امام ذاته بتشويه األصل ، وألنه -أوال -الصورة واألصل ، ألنه ال -أساسا -، وألنه من امامها بالقصور استيعابه خيشى -ثانيا -

يستطيع رؤية ما داخله جمردا عن االضافات اليت حلقته حلظة انتقل من ألنه ينظر إىل ما داخله ، سابومن التجريد إىل االنت ، الداخلاخلارج إىل

7 (8991ديسمبر 88)الشرق االوسط "في مملكة طالبان": فهمي نويدي

Page 23: الحداثة كحاجة دينية

23

، فهو ال يرى اثنني كي يقارن ، والذي داخله ليس األصل بل الصورة، بل الصورة وحدها متمددة على الطاولة من أدناها إىل أقصاها ، بينهما

.فحيثما توجهت عيونه امتألت هبا أو ببعضها

الرغبات تتحول كيف للعقل مقيدة مسلمات اىل

رمبا نتفق على ان كل جنء من اجناء املعرفة : قال يل صاحيب ، سيما اهل لك اتساءل عن املئات من الناس .ىل اعادة نظرالدينية حيتاج ا

امل يلتفتوا اىل ضرورة متحيصها :م الذين يتعاملون مع هذه املعرفةالعلامل . امل تستثر اذهاهنم مظاهر الوهن والقصور حياتنا ؟. واصالحها ؟انفصال ان هذا الوهن هو نتاج -ولو على سبيل االحتمال –خيطر باهلم

ملاذ غفل معظم الناس عن احلاجة : بكلمة اخرى. معرفتنا الدينية عن عصرنا؟ .التايل جتديد حيامم مبا فيها اجلانب الدي ؟وب، اىل اصالح ثقافتهم

وذلك .ن اصالح الذات ليس باالمر اليسريا: قلت لصاحيب . عن تقييم نفسه – االعم االغلب –يرجع االساس اىل عجن االنسان

حنن نفترض ان عقل االنسان قادر على اكتشاف احلقيقة ، مبا فيها حقيقة قد جتد واحدا بني عشرات . درا ما تصد لكن هذه الفرضية نا .نفسه

، اي قادرا على رؤية االالف من الناس قادرا على الفصل بني عقله وذاتهلكن االغلبية . ان تتحكم هذه الذات عمل العقلدواخل ذاته من دون

–، وهلذا جتدهم يطيقون هذا الفصل العسري لبشر الالساحقة من ا. باهنم يفعلون الصحيح من االمورواثقني امم ،وراضني عن ذ –الغالب

العقل وبني ولسوء احلظ فان هذه الثقة الكاذبة هي اجلدار الذي حيول بني .التامل ذات صاحبه

Page 24: الحداثة كحاجة دينية

24

يفكرون باملعىن الدقيق ان معظم الناس ال تقل لوولعلي ال ابالغ اجنائه ، اي التامل كل امر وتقليبه على وجوهه املختلفة وتفكيك للتفكري

–بالنسبة ملعظم الناس –ما نظنه تفكريا هو . قبل تكوين راي امجايل فيهما نسميه ثقافة .لية حيتملوهنا دون جهد ذه يذكرجمرد انطباعات او

، ما خيطر أذهاننا ، وما نسمعه من الناس أو نقرأه اجلرائد ، سائدةاليت حتسبها ثوابت أو فأكثر ما خيدع العني هي األشياء .حيتاج إىل تقليب

االشياء . ألن العقل أرادها هذه الصورة وهي ليست كذلك إال .مسلماتاليت نتصورها معقوالت هي ه غالب األحوال ه أوهام ، أو لنقل على

.سبيل التحفظ اهنا تصورات عن احلقيقة ، لكنها ليست حقيقة بذاما

باب التسلية ، وليس هذا من الغرائب اليت تدرجها اجملالت فجميع الناس ينظرون وهج ."صد أو ال تصد "حتت عناوين مثل

الظهرية ، فريون الضوء منعكسا على وجه األرض ، فيخالونه ماء ، حىت إذا إنه وهم املاء ، رغم .اقتربوا ، وجدوه جمرد سراب بلقع تصفر فيه الريح

.أن العيون اعتربته ماء النظرة األوىل

، لكن ما نسميه بالتفكري ا ما تسمع زيدا يقول بأنه يفكرريكث ليس حقيقيا عند اكثر الناس ، فتصورهم عن األشياء ورأيهم فيها ، هو نتاج

هلذا جتد . الشيء املنظور ، أو التفكري فيه النظرة األوىل ، وليس التأمل ف ، دون أن الناس يسارعون تقرير اآلراء والرد على األسئلة وتب املواق

تفكيك ينتظروا دقيقة أو بعض دقيقة ، ريثما ينتهي العقل من مهمته ومما ينيد . ها بغريها، قبل إعالن حكمه فيها، ومقارنتاملسألة وحتليل عناصرها

األمر سوء ان العقل بطبعه مربمج لكي يقدم ردودا فورية ، مع انه قادر على ة لكي يعمل ويقارن وينظر تقدمي ردود خمتلفة ، لو أتيحت له الفرص .العواقب ، ومل يطلب منه صاحبه ردا سريعا

Page 25: الحداثة كحاجة دينية

25

مثل كل عناصر الثقافة االخرى ، فان االسالم الذي النفوس بل قد يكون من بعض وظائفه .غري قابل للنقد ، الن العقل ال يرى فيه عيبا

نظر اىل وهلذا فان االنسان ي. تسويغ هذه الصورة اليت يريدها االنسان لذاتهبشكل -الدين الذي نفسه كدين كامل ومربأ من العيب ، ألنه يعكس

وألن األمر على . صورة الذات كما يريد صاحبها ان تكون -غري مباشر هذه الشاكلة ، فان االنسان ال يفكر االسالم الذي تشتمل عليه جواحنه

يط الذي يشد كال اخل ، وحبثا عنقيا، أي تفكيكا لألجناء وحتليالتفكريا حقيأما .وهكذا يبقى الدين غالب األحيان خارج نطا التفكري. منها باآلخر

ما يدعى أحيانا من تفكري الدين فهو جمرد استئناس بالنظر اليه ، حييل .االنسان إىل منيد من االعتناز بنفسه والفخر مبا فيها

هو السؤال احلقيقي إذن: قال صاحيب وكأنه يفكر بصوت عال إننا ال نفكر . . أجاب نفسهمث. ذا الذي النفوس وكيف نفكر فيهعن هنبحث فيه عن تربيرات ألنفسنا ، أو ملا نظنه صحيحا من .. ، ندور حوله فيه

حنن ندور . .أفكارنا وأعمالنا ، لكننا ال نفكر فيه ، وهلذا فأننا ال نكتشفه ..وندور مث نصل إىل ما كنا حنب الوصول إليه

ادرى وقد سألنا بنجد حنن ليطوطريقنا ام اطويل

وكثري من السؤال اشتيا وكثري من رده تعليل

املسألة إذن ليست من نوع التفكري ، بل من نوع البحهث عهن هلذا .نريد ه لسبب ما ه بقاءها وخنشى أن متن .مربرات تسند حالة قائمة

ا حنن فيهه ومها نأخذ من هذا الذي أنفسنا بقدر ما يوفر من مربرات مل

Page 26: الحداثة كحاجة دينية

26

.8نرغب بقائه

إذن فأنت ال تنظر إىل االسالم ه قلت لصاحيب ه أنت تنظر -قد تصطاد عيونك عيبا هنا أو .إىل نفسك فتراها وقد ارتدت عباءة الدين

، ة لتلوين اجلنء املعيب الصورةفتسرع إىل االسالم تستعري منه فرشا هناك،لكنك هناية املطاف ال ترى دينك .فالعني تكره أن ترى صورة معيبة

ختتلف حصة كل ، ، بل خليطا من االثنني جمردا وال ترى نفسك جمردةوهذا بدوره يرجع اىل . منهما فيه حبسب تاثريه يومياتك وتفاصيل حياتك

معرفة االنسان بدينه ، وال سيما تلك القيم القابلة للتشابك والتفاعل مع جع اىل قدرته على ابتكار نقاط اتصال وتفاعل بني احلياة اليومية ، كما ير

فكلما اتسعت .من جهة وشؤون حياته من جهة اخرى مقتضيات دينه –معرفته هبذه اجلوانب ازدادت مساحة االندماج بني الذات والدين ، اي

، وعلى العكس من ذلك . ازداد تاثري الدين حياة صاحبه –بكلمة اخرى هيمنة التوجهات الذاتية وتلبسها بعباءة الدين ، اي فان قلة املعرفة مآهلا

احنسار الدور الفعلي للدين احلياة ، حىت لو اصطبغت كل املظاهر .اخلارجية باللون الدي

املشكلة إذن ليست جمرد االنفصال بني مسار الذات ومسار الذي . ا املساحة اخلاصة باملسار اآلخرالدين ، بل احتالل أحد لقد انتخبنا منه ما يناسبنا ، ما ينسجم مع .أنفسنا هو ما أردناه أن يكون

وصنعنا من هذا . التقاليد واألعراف والتوازنات اليت نريد العيش ظلهامث أحطناها هبالة من . صورة هي اقرب ما تكون إىل صورتنااخلليط

بعض حىت حتولت اىل صندو مغلق حيوي ، االفتراضات واالعتبارات

8ترجمة محمةد علةي ، ( 8998طهران )، العودة إلى الذات : محمد تقي مصباح

881. صالتسخيري ، م،ظمة االعالم اإلسالمي ،

Page 27: الحداثة كحاجة دينية

27

انه اشبه بكنن كهف اسطوري . يقة وبعض الوهم وكثريا من الرغبةاحلقلعله ال يرغب حيميه حراس سحريون ال جيرؤ االنسان على فتحه ، او

نا بني امالكه عصيا حسبه االطمئنان اىل ما يتو ه كن. رؤيته من الداخل .او التفكيك على االخترا

رمبا حاول . عاملنا الذي نعيش تلك هي حقيقة النفس املتدينة العقل املتمرد الدخول إىل هذا الكهف االسطوري بعض األحيان ، من .باب الفضول رمبا ، أو من باب الرغبة اكتشاف اجلوهري من األشياء

لكن هيوىل الصور واالعتبارات تعمل هنا مثل طبقة األوزون ، اليت تدفع كل يباح ال ، انه صندو أسرار ، املدارمتسلل غري مرغوب فيه إىل خارج

حسب االنسان أن ينظر إليه من بعيد ، . ، و ال يباح تفتيش حمتوياتهفتحهللتربك حينا ولالستئناس حينا ، فالنفس القلقة حتتاج ملا يعيد إليها اطمئناهنا ،

.عندما يثور فيها الشك أو يعتلجها قلق اهلنمية

خالصة القول اين ال اجد عقل االنسان قادرا على نقد ذاته ، حني يفكر االنسان ذاته فانه احلقيقة يدور حوهلا. معظم االحوال

مثل فراشة تدور حول شعلة نور ، فهي من فرط انشغاهلا هبالة الضياء عاجنة لة هنا حجاب بينها وبنيفاهلا .عن رؤية الشعلة اليت هي مصدر النور

كذلك الثقافة اليت حيملها االنسان هي حجاب بني عقله وحقيقة .احلقيقة .ذاته

فعقل صاحبها عاجن عن رؤية ، لو قلت ان هذه الذات متخلفة .ولو قلت اهنا متقدمة فالعقل غري قادر على التميين بينها وبني الغري ، التخلف

. شيء اخلارج؟ا بينما هي ترى كل اال ترى ان العني تعجن عن رؤية ذاماحسب ان ما نسميه بالنفس املتقدمة او املتخلفة هي ذات العقل ، واحسب

Page 28: الحداثة كحاجة دينية

28

.ان العقل غري قادر على رؤية ذاته

عقل الفرد وعقل اجلماعة

يل من العسري فيما يبدو . راك ذهبت هبا عريضةا: قال يل صاحيبلى نقد قادرا ع عقل االنسان مل يكن لو .التعميم من دون حتفظ قبول هذا

افكارهم واملشهود ان الناس يغريون. ذاته، ملا كان قادرا على التطور اصالافكار عن ويتخلون ، وعالئقهم ماضيهم قيود من ويتحررون ، موسلوكيام

فهذا . ن اخرى كانت قبلئذ مستحيلة عندهمويتخذو، هبا طيلة حيامم آمنواذلك الصندو التحرر من عقل االنسان قادر على ان على كله دليل

وازيد على ذلك ان جوهر فكرة االصالح . السحري الذي اشرت اليهالدين يكمن حترر الذات من اجلبت ومن الطاغوت ، اي من القيود اليت

.متنع االنسان من رؤية ما وراء املشهود واملرئي

لعلي قد بالغت التعميم ، واخشى ان اكون قد : قلت لصاحيب الذين يصدون الناس ، اىل شلة املخذلني واملثبطني قصدعن غريانضممت

االشارة اىل لنموهلذا فقد ي. بالتعسري عليهم وتثبيط مساعيهمعن سبيل اهللتغيري ذاته والتحرر من اين مل اعن مبا قلت سابقا ان الفرد عاجن مطلقا عن

، اغلب الناس لعامة اليت يبتلى هباوامنا اردت االشارة اىل احلالة ا. النامامالكن . بالنسبة للفرد وبالنسبة للجماعة وهي باملناسبة حالة ظرفية مؤقتة

.املشكلة تكمن ان هذا الظرف املؤقت قد يتمدد زمنا طويال

سهوى اظن ان عقل الفرد الذي نتحدث عنه ليس : قال صاحيباالجتماعيهة البحوث من نعلم. وسطها اجلماعة اليت يعيش عقل عن صورةعمل من دون التجربة الواقعية ان عقل االنسان ال يعمل فراغ ، وال يومن

Page 29: الحداثة كحاجة دينية

29

اة مصهف متهر األشياء بعد أن فهو يستقبل ، وفرضيات مسبقة مقدمات، هي منظومة تصورات اجلماعة عن احمليط ، فإذا فكر ، فانه يعتمهد خاصة

ذا هله . ، كمسطرة قياس ومرجع مقارنة ماعةعلى املسلمات السائدة اجل سهائد ههو ما مع بد أن يأيت منسجما ، اليلعقلهده اجل فان الناتج النهائي

إن عقل الفرد ه حني يفكر وينظر ه لهيس .ومتفق عليه هذه اجلماعةعقال فرديا بل هو عقل اجلماعة الذي اختذ له موضعا رأس فرد معهني ، فجعل شخصيته وسلوكه العفوي وردود فعله ، منوذجا ملا يناظرها عند كل

.9فرد آخر نفس اجلماعة

واملشكلة ان ثقافة اجلماعة ليست الغالب منظورات عقالنية وهم، ولعل ا، بل ان الكثري منها جمرد حساب اصلها ووظيفتها وفوائدهميكن

وقد ادت ، لغرض معني ، بعضها كان افكارا او ردود فعل وجدت زمن لكنها مع ذلك بقيت حية وفعالة .وظيفتها ذلك الظرف وانتهى دورها

حنن نتحدث عن أشياء كثرية . ل مربراما وانتفاء احلاجة اليهارغم زواويبالغ بعض .درجها حتت عناوين منتخبة مثل العادات واألعراف والتقاليدن

التقاليد اخلاصة )املتحذلقني أحيانا، فيضيفون إليها مجالت جذابة، مثل قوهلم خاصة إذا أرادوا تربير سكومم عن شيء ، خيشون التورط ، ( باجملتمع املسلم

ه وأحيانا األكثر قوة ، أما األشخاص األكثر جرأة عواقب احلديث عنه .مة هذه األشياء مباشرة إىل اإلساله فال يترددون نسب

أن أكل الرز كتب اأوربي اصحفي ما مسعت انطرائف اذكر من و". تقليد إسالمي"هو واللحم على الطريقة املتعارفة اخلليج واجلنيرة

واثق من أن القول انه ذكرت هذا ألحد األصدقاء من أهل العلم، ففاجأين بو

9 18 .، صدار الفكر ، ( 8998دمشق )، القضايا الكبرى: مالك بج نبي

Page 30: الحداثة كحاجة دينية

31

، وانه يعرف أدلة كثرية على أن األكل باليد أفضل من استعمال األمر كذلك، إنه واثق من ذلك. اخل.. امللعقة، وان هذا الطعام بالذات اكثر فائدة للجسم

فضال ،بقدر ما أنا واثق من انه مل يقرأ طوال حياته كتابا عن الصحة العامةوما استقرت عليه العادات اجلارية ، لكنها أقاويل الناس ، . عن علم الطب

، مث جتد هلا من أسباب اقتصادية أو غريها هتربر يمعيشاليت تبدأ كنمط ، تصبح ه بعد زمن ه مسلمات بإطار من التنظريات واالفتراضات حييطها، دون أن يتساءلوا أبدا عن الطريق الذي سلكته ، مير عليها الناس وثوابت

.عات توافق عابرة للنمان واملكانحىت أصبحت مسلمات وموضو

، بيج الكالم حول األشياء املتو ةأسهل من تد شيء ال واحلق ان فإذا كانت كل جريدة تستطيع تدبري صفحة كاملة او عدة صفحات كل

، وتستطيع تدبري ست صفحات من أنباء الرياضة، يوم من الشعر النبطياحلبة السوداء ليخربنا أن ويستطيع أحد التجار األذكياء تدبري بروفيسور

، بدء من قشرة الرأس وانتهاء بااليدز ، أفال يستطيع تشفي مجيع األمراض ،حول األكل باليد تدبري نظرية ما شهور أو سنوات، مدى على الناس

.؟وتفضيل الرز واللحم ، وإلصاقها بالتقاليد اإلسالمية

مهمة سهلة إن حتدي املسلمات اليت توافق عليها اجملتمع ليس الغريب هو أن ال يفكر أحد . وهذا ليس باألمر الغريب. على الفرد

واألغرب . األسباب اليت حولت تلك األشياء إىل مسلمات ال خيالفها أحدمنه أن أحدا ال يتوقف عندها ، ليتأمل عواقب التسليم هبا ، وجعلها

.متعالية عن النقد أو حىت جمرد التفكري والتحليل

لصاحيب ان هذا مثال يشري إىل قدرة اجملتمع على فرض قلت نني ثابتة ال مراداته، وحتويلها من تربيرات أولية حلاجاته زمن معني، إىل قوا

Page 31: الحداثة كحاجة دينية

31

، التربيرات تصبح قيودا على القيم مث إن كثريا من هذه. ختطيها بسهولة ميكنتصوير فتكيف القيمة حبسب هذا ال، مبعىن أهنا تفرض صورة خاصة للواقع

واظن ان هذا من اسوأ ما ابتليت به . وتستبعد الصور االخرى املمكنةنعرف ان القيمة السامية . منظومة القيم االسالمية عصر اجلمود والتخلف

قابلة لتفسريات شىت ، كما أهنا قابلة للتفريع حىت تطابق اخليارات املختلفة ، .وهلذا السبب فهي متعالية على النمان واملكان

ان على ان العدل كمثال على هذا ، يتفق الناس كل زمان ومكوليس متوقعا أن يأيت عاقل زمن من األزمنة ، لينعم . حسن والظلم قبيح

لكن . ترقى إىل مرتبة احلقيقة الكاملة فهذه قيمة .أن العكس هو الصحيحليس من املستغرب أبدا أن جتد جمتمعا حييط هذه القيمة بتفسريات

، بل قد توجهها إىل عكس مرادها األصلي ، ، حتدد جمال تطبيقهاراتوتصوي .كما حيصل مثال حينما ُيهقرن العدل بالضعف ، ويقرن الظلم بالرجولة

ء فيه كالنساء واألطفال فاجملتمع بصورة عامة ميارس القهر ضد الضعفابل على العكس من هذا، فالناس . واألجانب، وال يعتربه من مصاديق الظلم

، ، العادل بني أهله ، ضعيفا ناقص الرجولة بيته عتربون الرجل املنصفي .(خاضعا للحرمي) او

ل يتحدث بفخر عن قسوته مع ومسعت مرة أحد رجال األعما، مؤكدين أن احلضور يهمهمون بعبارات اإلعجاب ، بينما كان موظفيه

ن كان لينا فا .انسان هذا النمان حباجة اىل ان يكون ذئبا حىت ينجح عملهان فالنا ذئب ال : وقال احدهم مادحا ذلك التاجر. متساحما اكلته الذئاب

لدهشيت -بينما كنت فابتسم التاجر منتشيا هبذا االطراء املتوقع، .خيشى عليه .أحسب حىت تلك اللحظة أن اإلنسان خيجل من أن يوصف بأنه ذئب -

Page 32: الحداثة كحاجة دينية

32

دمم نصاف ، لوجلو سألت الناس ذلك اجمللس عن العدل واإل، ما تلبث أن لكن هذه القيمة تبقى جمرد رغبة. حمبني لهه طالبا لالتصاف به

توافق أخرى مسلمات فتحاصرها ، مطلوبا اإلنصاف طالب يصبح حينما تتحور، حىت تصرفها عن مضموهنا األصلي وحتيلها إىل عنوان فارغ ، عليها اجملتمع

، فيمارس اإلنسهان الظلهم اضدادهاأو تعيد صياغتها حبيث ختدم ما يوافق وهو يظن انه عادل ، وميارس االثرة والتحكم بغري احلق وههو يهرى أنهه

.منصف

ن ذا علة فلعله ال يظلمالظلم من شيم النفوس فمن يك

هذه القدرة على تبديل القيم واحلقائق وحتويرها ، تستند اىل ما صنفت ت اجتماعية،توفرها مسلما مساعدة ثقافية، من حيصل عليه الفرد

من هنا نفهم أن ما . حتت عناوين من نوع العادات والتقاليد واألعرافتسامل عليه اجملتمع وما قرره من قيم ، هي املنظار الذي ينظر اإلنسان من خالله إىل بقية البشر واألشياء ، كما انه وسيلة الفهم اليت يفسر اإلنسان

.طيع إنكارها أو التنكر هلابواسطتها القيم اجملردة ، اليت ال يست

واريد هنا وصفها بالقيم املنتمية ، بكلمة اخرى فان القيم النسبية،هي اليت حتدد مفهوم القيم املطلقة أو اجملردة وكيفية انتقاهلا من عامل التجريد

تتشكل هذه املسلمات من تفاعل طويل االمد بني االنسان . اىل عامل التطبيقفهي ليست سجالت ملا مسعه االنسان وما قرأه ، بل ، وحميطه االجتماعي

هي تكثيف ذه لتجربة االنسان احلياتية ، وهي تعبري آخر عن مكونات اهلوية اليت جتمعه إىل بقية افراد جمتمعه ، ومتينه واياهم عن غريهم من عباد

. اهلل

ه يقوم ال من هذه املسلمات جانبا فان أخرى من ناحية

Page 33: الحداثة كحاجة دينية

33

لى اطمئنان بالصحة أو ، بل ع اسيس منطقي للنتائجه على ت بالضرورة، عاديا أو لى االنسان العادي ه بل كل انسان، اذ يستحيل ع باالمكانية

أن يتكلف ولو أراد شخص ،حدود املنطق ضمن ه تأطري شخصيته عاملاأي تركيب ، وحيدا بني البشر، فالتوهم نفسه التأطري اجلربي، لوجد هذا

هو اول الدوافع اليت حترك االنسان ، االحتماالت غري املنطقيةالسلوك على .، والتوهم هو الذي جيعل عاطفة االنسان نشطة لصناعة عالقاته االجتماعية

.ولوال الوهم ملا عشق حمبوبا ، وال تذو مجال الورد الربيع

بعد تكييفه مبا ال ، وهكذا فان الفرد واجملتمع ميارس التدين السباب ، أو تبناها ذاته اجملتمع صنعها اليت سلمات االجتماعيةيناقض امل هو ما بكلمة اخرى فان. ضرورة دينية أو مستلهمة من الدينليست بال

مطلق ومتعال من قيم الدين ، يتحول إىل نسيب أو منتم حني يراد تفعيله بيقي ، من عامل اجملردات النظرية إىل عامل االنتساب التط وتشغيله ، النه ينتقل

عرب قناة مهمتها تكييف املطلقات كي تصبح نسبية أي منتمية ، وبالتايل د املالزمة انتناعها من حالة االطال املالزمة للتجرد النظري ، إىل حالة التقيي

وهذا حيصل دائما بانتناعها من اطارها الثقا . لالختصاص مبوضوع معنيتصبح سهلة كي ، للجماعةاالصلي واعادة انتاجها ضمن االطار الثقا

وبالتايل فعالة منح الفعل ، أي قابلة للتطبيق ، الفهم ، سهلة اهلضم . معىن وقيمة االجتماعي

الهيت " الدين املدين"لعل هذا املعىن يقارب فكرة : قال يل صاحيب العقد "وسطرها كتابه الشهري ( 1778 - 1712)ابتكرها جان جاك روسو

هناك يتحدث عن احلاجة اىل تصنيع منوذج ديه ذي فهو. 10"االجتماعي

10 Rousseau, Jean-Jacques, The Social Contract and Discourses. Trans. G.

Cole. (London, 1973)

Page 34: الحداثة كحاجة دينية

34

هذا الدين ال يرتبط .بعد غييب يوفر الشرعية للنظام اجلديد القائم على التعاقد .بالكنيسة ، بل باجملتمع السياسي –ضرورة –

اليت ناقشها اميل " الدين"بل املعىن اقرب اىل فكرة : قلت لصاحيب الذي يعهد حجهر 11"لية للحياة الدينيةاالشكال االو"دوركهامي كتابه

فكرة الدين املهدين الهيت . االساس علم اجتماع الدين الذي نعرفه اليومطورها الفيلسوف الفرنسي روسو ضمن نظريته حول العقهد االجتمهاعي

لكن مهن دون ، يقوم بنفس الدور ، تستهدف اجياد بديل عن دين الكنيسةاالجتماعي ، اي كون اجملتمهع مصهدر ان جيرح القاعدة االساسية للعقد

السلطة ، خالفا لدين الكنيسة الذي يعترب السماء مصدرا للسلطة ورجهال .وبالتايل وعاء للسلطة وحكاما على الناس ، الدين ممثلني للسماء

وهو هبذا .انه بكلمة اخرى حماولة حلل اشكالية الشرعية السياسيةاما التصور الهذي قدمهه . لسياسياىل ما ميكن وصفه بالدين ااملعىن اقرب

(1917-1858)دوركهامي ، وهو ايضا عامل اجتماع وفيلسهوف فرنسهي ، بصهورة عفويهة فيتناول االساس النموذج الدي الذي يطوره اجملتمع

مصدر القيم املعنوية هو عنده فالدين .كجنء من الصياغة العامة لنظام حياتهالشهعائر . واملكون االساس للرابطة االجتماعيةاملشتركة بني افراد اجملتمع ،

لترسيخ رؤية مشهتركة كلها ادوات ، والطقوس واملناسبات والرموز الدينية ، وهي تعبري عن القيم االولية املتفق عليها بني اعضاء اجلماعة .للذات والعامل

هلذا السبب . مجاع واالخوةوبالتايل فان التاكيد عليها هو وسيلة لترسيخ اال -بشهكل طبيعهي –فالدين بالنسبة للجماعة هو القاعدة اليت يقوم عليها

11

Durkheim, Emile, The Elementary Forms of Religious Life. Trans. J. Swain,

(New York 1961)

Page 35: الحداثة كحاجة دينية

35

مثة فار اخر جوهري بني . اعي واالستقرار والتضامن الداخليالنظام االجتمفالدين املدين عند روسو اطار قيمي لصيانة املواطنة ، اي ان فائدته .الفكرتني

ائدة الدين تتعلق اساسها اما عند دوركهامي ، فان ف .الرئيسية متعلقة بالفرد . 12وهو تكليف على الفرد، باجلماعة

اذ .لكننا على اي حال ال نعترب ديننا مثيال الي من النمهوذجني الوقهت . نسلم ابتداء بانه نازل من عند اهلل سبحانه وليس صنيعة اجملتمع

نفسه فنحن ال ننكر التاثري الذي يتركه اجملتمع على الدين من خالل االعراف وتصبح غالب االحيان ، والتقاليد واالفهام املختلفة اليت تضاف اىل الدين

دين اهلل كامل .اهلل ودين عباد اهللهبذا املعىن فنحن نفصل بني دين . جنء منهاما دين العباد فهو حال تغري بني االزمنهة املختلفهة .ومنسجم املكونات

فقد جتد بعض اجنائه متعارضة بني ، وبسبب هذا التغري . ن املختلفةواالماكحبسب اخهتالف مسهتويات النهاس ،وبني مكان وآخر ، زمن وآخر

.وجتارهبم وامناط حيامم واختالف خلفيامم ، املعرفة

ملاذا ال نستعمل ادواتنا اخلاصة

يرى كثري من قومنا ان مشكلتنا الثقافية ال حتل :قال يل صاحيبعالج الدوائنا من داخل استنباط على شئنا قادرون لو واننا ، اال من داخلهاالتميين وهم يقبلون . االخرين عند الدواء من نستعري ان بدل ، نظامنا الثقا

الل القرون بني الدين وما نشأ على حاشيته من معارف واعراف وتقاليد خس ال ميانعون من ناحية ثانية فان كثريا من النا. اليت انطوت منذ ظهوره

12 حول الفوارق االساسية بيج مفهومي روسو ودوركهايم ، انظر

Marcela Cristi: From Civil to Political Religion: The Intersection of Culture, Religion, and Politics, (Waterloo, 2001)

Page 36: الحداثة كحاجة دينية

36

بصورة عامة فان الكالم التقاليد واملعارف أيسر من . نقد هذه احلواشي. ك سيف املمنوع واحملرمالكالم الدين ، فهناك لن جتد من يرفع وجه

الن بعض الناس اعتربوا التفكري فيه امتيازا خاصا ، الكالم الدين عسري ، مشاع أرض فهي التقاليد أما ، خاصة أوصاف ذوي ، ألشخاص حمددين

.تستطيع الوقوف فيها أو تركها كما يستطيع غريك

فالتقاليد إرادات ، كهنا وهنا سواء االمر :قلت لصاحيب أرضها وستجد ، لالرادة االجتماعية اتكثيف لعلنا نسميها، أو اجتماعية

يعتربها جنءا من الدين او من وستجد ، عنها دفاعا من حيارب حىت املوتعلى القدمية االزمان ال سيما ، اعتادوا بل ان الفقهاء. متراسا حيمي جبهته

ما اليت كثري من العاداتاضفاء صفة القدسية اخلاصة باالحكام الدينية على لعلك قرات كتب الفقه مثال ان حاسر الرأس ال . من سلطان اهلل هبا اننل

.تقبل شهادته وال يؤم الصالة ، الهنم يقربون اخلروج عن العرف اىل الفسق

هذه ليست من الدين شيء لكنها اعراف اجتماعية ان فالواضح ، ادراجها كتبهم، زمن حمدد ، رغب الفقهاء بلد حمدد

من ، من مث اىل احكام تنتقل عرب العصور حتولت لكنها .كاعراف حمترمةوقد عرضنا هذا . نقدها او يبادر ، دون ان يسائلها احد ، جيل اىل جيل

ه واال فكتب الفق .ون غريه تالفيا جلدل ال ضرورة لهاملثال البسيط د .هذا واكثرواالخال مليئة مبثل

من ايضاواحلاصل ان الذين ميانعون من الكالم الدين ، ميانعون وخيشون .سورا لذاك ويرون هذه .ظله اليت قامت املعارف الكالم

وهلم ذلك مفاهيم . املساس هبا خشية ان يصل الناقدون اىل ما وراءها منع االفعال مثل قاعدة سد الذرائع اليت تع، وقواعد اسسوها ونظموها

Page 37: الحداثة كحاجة دينية

37

اال ترى اهنم . 13املباحة اليت ميكن ان توصل الفاعل اىل ما هو غري مباحمينعون اشكاال عديدة من احلريات الفردية ومظاهر االنفتاح االجتماعي

املشكلة اذن . لتملص من قيود الدين؟ل باب اوالسياسي والثقا بدعوى اهنني حرية التفكري والتعبري ب ، بل ليست التميين بني الدين وغري الدين

فان موارد التقييد سوف تتعدد ، فما دمنا نسمح او نقبل بالتقييد. وعدمها .ال تقف عن حدووتتسع

مث ان االتفا على تشخيص واحد للحد الفاصل بني ما نسميه امر غاية ، وما نسميه تقاليد اجتماعية ، وما نسميه معرفة دينية ، دينا

اكتسبت لونا التقاليد واالعراف االجتماعية جتد ان كثريا منانت . العسرالفقهاء واملفكرين ظنوا ان اعتياد املسلمني قدامىلشيء اال الن ال ، دينيا

، دليل على وجود مصلحة فيها ، عن حدودها على األخذ هبا وعدم اخلروجرية س"و" الشهرة"وعلى هذا النسق جرى اعتبار ، قد ال تكون معلومة لنا

ان شهرة . تعنين االدلة الضعيفة الفقهيستند اليها اتامار" املتشرعةاملؤمنني على فهم خاص او عادةاو جريان ، بعض االحكام او مفاهيم االدلة

، اليت توافقت ليس حقيقته سوى واحد من االفهام ، سلوك خاصامناط من العيش اعتاد مع تقاليد او اعراف او ، وقت ما او اوقات خمتلفة

لكن الفقهاء اننلوها مننلة الدليل الشرعي الذي .عليها الناس وانسوا هبا .تصدر وفقه احكام ملنمة للناس خمتلف االزمنة واالماكن

ما جرى االمر الفقه على هذا النحو ، فهو جار ايضا مثلوالشريعة محلة علوم وال سيما ، ترى عند اهل االسالم. جوانب احلياة خمتلف

13الشرعي لقاعدة سد الذرائع وتطبيقاتها ، انظةر محمةد لتفصيل حول االساس

اعمةال قاعةدة سةد الةذرائع فةي بةاع البدعةة ، مكتبةة دار : حسيج ال يزانةي لراي معارض حول االفراط في تطبيق القاعدة ، انظر (. 8741الرياض )الم،هاج ،

ص ،4388الفقيه الفضائي ، المركز الثقافي العربي ، بيروت : عبد هللا الغذامي

884

Page 38: الحداثة كحاجة دينية

38

املدنية العلوم قيمة وحول ، والسلطة السياسة حول خاصة مفاهيم ، منهم ، الثقافة والفولكلورو ، والفن واالدب ، واالقتصاد املال وحول ، بانواعها

وحول اهلندسة االجتماعية والعالقات بني الناس ، وحول مراتب القيم مفاهيم ترى عندهم . .رىومصاديق احلسن والقبح ، وموارد كثرية اخ

لكنهم .واقعيات احلياة املعاصرة وحاجات االنسان املعاصر نغريبة جدا عال ، ويبغضون اغيارها ، يانسون هبا ومييلون اليها ويدافعون عن بقائها مع ذلك

وانست ، التراثبعدما تكررت قراءمم هلا كتب الفوهالشيء اال الهنم .ومثاليامارموزها وعواملها نفوسهم ب

لكن . معرض عما جيهل، واالنسان بطبعه ميال اىل ما يعرفاالعراف تلكمن سائر الناس ينظرون اىل وامثاهلماملشكلة اليوم ان هؤالء

او ، لحقيقة الدينيةاو كمصاديق ل ، كتمثيالت للفكرة الدينية والعاداتبل ، فصلة عن الدين وبالتايل فهم ال يروهنا من. ترتديه القيمة الدينية رداءك

وان اختلفت من حيث ، يرفعها اىل مرتبة اجلنء من الكل متصلة به اتصاال .هذا من حيث املوضوع. الطبيعة واجلوهر

اما من حيث املنهج ، فاين اميل اىل االعتقاد بان نظامنا الثقا ال وتلك لعمري طبيعة . دوات لنقده نقدا منصفا غري منحازحيمل داخله ا

اذا استعرنا نظرية الفيلسوف االمريكي . ل االيديولوجيات والنظم الثقافيةكهي paradigmتوماس كون تطور املعرفة ، فان كل منظومة معرفية

دون ان يروا ما هو ، اشبه حبصن يعطي ملن داخله شعورا باالكتفاء سارهم كل نظام معر جمهن بادوات دفاعية تنين العضائه م. خارج االسوار

لبحث ل من الناس مييل القليلفان وبصورة عامة .14وحتجب عنهم عيوبهوالقليل جيرؤ على جمادلة النظام وتتبع . والتنقيب النظام الذي هو جنء منه

14 Thomas Kuhn, The Structure of Scientific Revolutions, pp 150-1.

Page 39: الحداثة كحاجة دينية

39

نظام حيامم او متبنيامم اما االكثرية فاهنم غارقون الفخر ب. عيوبه احملتملة، بل غري قابلة للتفكيك او النقد اتالثقافية ، وهم يأخذون مقوالما كمسلم

لعلهم يشعرون بالقلق حني يسمعون نقدا هلذه املتبنيات او ذلك النظام ، .سيما اذا كان الناقد ينتمي اىل نظام منافس

.كلنا نعرف اننا متخلفون وان ثقافتنا متوقفة عند عصور املاضنيلمون منذ اواخر هو عرض اكتشفه املسفق ان هذا ليس اكتشاف اليوم ، واحل

انظر اىل كتابات ورسائل املرحوم مجال الدين االفغاين . القرن التاسع عشرلتعرف صد هذه املقالة ، وانظر اىل كتابات تالميذه وتالميذهم ،

لتعرف ان ما ، حممد عبده ورشيد رضا والكواكيب والنائي كاملرحومنيلكننا مع سبق . او تنيد السنتهم قبلنا مبائة عامنقوله اليوم قد قيل على

عن التحقق من العلة عاجنين زلنا ما ، التخلف علة اكتشافنا ألعراضوادعي ان السبب وراء هذا . اي حتليلها والتعرف على عالجها ، نفسها

ما . العجن هو اصرارنا على استعمال وسائل تشخيص من داخل ثقافتنا .ها مصابة بدائهادامت هذه الوسائل جنء من تلك الثقافة ، فهي مثل

يستطيع النه ال ، اين ازعم بان االنسان غري قادر على نقد ذاته نقد الذات يقتضي معرفة ملا هو امثل منها ، ولو . استعمال ذاته نقد ذاته

ل ذلك ملا عد طائفة ولو فع. التبعه وتبناهعرف االنسان ذلك االمثل ار ميل االنسان الطبيعي العتبعجن االنسان عن نقد ذاته راجع اىل. املتخلفني

عقيدة وروحية اقرب شبها بهذا االعتبار .ما يراه وما يفعله عني الصوابذاته فان ادلة جم ولو حاول انسان. جمموعها جمموع الذات االنسانيةمتثل

اي انه لن .سيكون اقرب اىل التربير منه اىل النقد والتفسري هاتفكريه فيكال بل ران على )باري عن وعال أليس يقول ال .الدقيقيكون تفكريا باملعىن

ويفصل آية أخرى كيف ان ( 09املطففني – قلوهبم ما كانوا يكسبون

Page 40: الحداثة كحاجة دينية

41

.ة، جتعل االنسان عاجنا عن رؤية احلقيق النفس املتشكلة حبسب ما هو سائدوقالوا قلوبنا أكنة مما تدعونا اليه و )يقول تعاىل حكاية عن املشركني (.5فصلت –..آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب

فكري ، ، فليس مثة بد من استعمال أدوات أخرى للت إزاء هذاكي يكتشف االنسان عيوب نفسه وعيوب . أدوات ال تنتمي إىل الذاتاذا اردنا ان نعرف عيوب .ريضها لنقد االخرينثقافته فهو حباجة اىل تع

فلنضعها على طاولة املقارنة مع ثقافات العامل ، ولنستعمل ادوامم ، ثقافتنا النقدية تشريح ما عندنا ، فهي ستكون اكثر حيادية واقل تاثرا خبطوط

. الدفاع اليت تقيمها ذواتنا وجه النقد

. حاب البىن الضعيفةلقني وأصاعرف ان هذا عسري على القعن احتمال تيارات ، تعجن يت اعتادت احلياة أحواض مكيفةفاألمساك ال

سوف حتتاج إىل الكثري من البأس والكثري من قابلية التحمل ، . البحر املفتوحقبل أن ترى عيون اآلخرين وأفكارهم تنهش ما كنت تظنه اقرب األشياء إىل

احلرب حىت لو لن ختسرلو اقدمت على هذه التضحية ف لكن .نفسكومن .سوف تربح احلقيقة وتربح نفسك .ارهقتك كلفتها النفسية والثقافية

.يضحك أخريا يضحك كثريا ، كما قال أهل األمثال

لك أخشى أن أحتول إىل أضحوكة بدل أن اضحك ، قال -وض حربا بسالح مل ختصاحيب ، فالتوسل بالغري ال خيلو من خماطرة ، انك

.تألف استعماله

أال ترى أن العامل كله . حنن اآلن أضحوكة بالفعل: قلت لصاحيب نا نباهي صباح مساء بعلو احلق وعظمته ، وحنن ، اأال تر .؟يستهنيء بنا

حنن اليوم ياصاحيب مثل . نا أهل احلق ، قابعون األسافلالذين نظن أنفسوإذا .لكنه عاجن عن االستمتاع مبا ميلك غ جاهل ، ميلك كنوز قارون ،

Page 41: الحداثة كحاجة دينية

41

كان أسالفنا : نقول .ناظرناهم بأنسابنا وأفعال آبائنا، ناظرنا الناس بأفعاهلم اننا منلك ما لو توسلنا هبديه ألكلنا . املسلمون أهل علم وقوة وبناة حضارة

من فوقنا ومن حتت أرجلنا ، وصعدنا ذرى اجملد ، لكننا حبسناه قفص ام الباطلة والتصورات السقيمة والتقاليد املتخلفة ، حىت أصبح عاجنا األوه

.عن الفعل ، عاجنا عن التأثري

، وهو أهل ن يقيم حضارة عظمىأل اهلالدين الذي نؤمن به ، وال ميكن ان يكون فاعال .لكنه حباجة إىل تفعيل .هم فيه ألن ينقذ أهله مما

يقول احلق سبحانه .وراء جدرانهإال إذا حررناه من سجنه الذي حبسناه ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء واالرض )

أفأمن أهل القرى أن يأتيهم * ولكن كذبوا فأخذناهم مبا كانوا يكسبون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم * بأسنا بياتا وهم نائمون

أو مل يهد * يأمن مكر اهلل إال القوم اخلاسرون أفأمنوا مكر اهلل فال* يلعبون للذين يرثون األرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوهبم ونطبع على

.)011 -96 االعراف –قلوهبم فهم ال يسمعون

، إعادة التميين بينه وبني الذات هو ، الدين لتحرير مصدا أهم أع حمتواها ، غ الذاتوص مث إعادة ، كل منهما مكانه الصحيح كي يتخذ

عملية هذه .الثقا والقيمي ، مبا يتالءم مع دعوة الدين ونظامه القيميقلبا للمفاهيم اليت شهدت ، تعاكس ما جرى خالل سنوات الركود الطويلة

ملة خابليدة صيغة والقيم ، وشهدت ختريبا لصورة الدين االصيلة ، وتسويد هذا هو . اراداما ، بل وعيوهبااملنهنمة وتربر الذات االجتماعية ، تنسجم مع

هذا هو مصدا االية االمتحان الكبري الذي جيدر بنا احتماله والنجاح فيه ، أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا )احلق سبحانه فيها يقول املباركة اليت

لم وهم ال يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن اهلل الذين صدقوا ويع

Page 42: الحداثة كحاجة دينية

42

(.2-3العنكبوت –الكاذبني

، ورمبا يضحك علينا كثري من الناس ، رمبا تكون البداية صعبة .ا تصرم ربيع العمرمكما يضحكون على كهل عاد إىل مقاعد الدراسة بعد

وإذا جنحنا االمتحان فسوف نضحك ، بل سوف .لكن العربة بالنتيجةأنعمها على قوم حىت يغريوا ذلك بأن اهلل مل يك مغريا نعمة)نضحك كثريا (.52االنفال –ما بأنفسهم

Page 43: الحداثة كحاجة دينية

43

(2 )

:االسالم والنهضة

ؤال الخطأــــــــالس

خالصة ما توصلنا اليه ان ما نفوس املسلمني : قال يل صاحيب هو اسالم ملون بلون جمتمعهم فهو اسالم متخلف مثلهم ، عاجن عن

فاذا كان االمر كذلك فقد . هبم مثل عجنهم عن النهوض بذامم النهوضفنحن ندعي ان .وقعنا دائرة مغلقة من نوع ما يسميه اهل املنطق بالدور

. كما فعل بأمة العرب اول عصره االسالم كفيل باهناض االمم الواهنة ،لكننا ندعي من جهة اخرى ان الوهن الذي اصاب املسلمني جعل دينهم

ان االسالم دواء لعلة املسلم، –من باب املثال –فكاننا نقول .اجنا مثلهمعغري حمتاج اىل اي ، لكنه ال يكون فعاال اال اذا كان املسلم معاىف من املرض

.االمر حقيقة ، الدواء

.حنن ندور دائرة مغلقهة .االمر فعال كما قلت: قلت لصاحيبمناسبة اىل التمسك بعرى الدين ، فما رأينها اال ترى قومنا يدعون كل بهل لعهل . اهلم عن اولئك الذين ختلوا عنهالذين متسكوا به قد اختلفت ح

كيف ، ةيافغانستان اليت حكمتها حركة دين انظر مثال اىل .احلال هناك اسوأ

Page 44: الحداثة كحاجة دينية

44

فاجلامعات اليت هي نبع العلهم اغلقهت ، .ازدادت ختلفا فو ما كانت فيه ، ين بيدهم عصب معيشة الناس فروا من ديارهم اىل املغترباتواهل املال الذ

حهىت ، وتضاعفت العطالة والبطالة ، واصبح الناس ضنك وضيق معيشةاىل االشتغال بنراعة املخدرات او االنضمام اىل قوى القمهع همجلأ كثري من .من أجل تامني خبن يومهم وكفاف اهلهم، احلكومية

فهانظر ، وهاك مثال ايران اليت حيكمها علماء دين اكثر تنهورا ، وكيف قمع الكتاب واهل 15كيف هاجرت خنبتها العاملة زرافات ووحدانا

الراي حىت بلغ ما اغلق من الصحف واجملالت بضعة اعوام ما ينيد علهى لقد سخرت دولة علماء الدين اقوى املنابر ووسائل االتصهال مهن . املائةاعة والتلفنيون والصحف ومنابر اجلمعة لدعوة الناس اىل الدين طيلة ربع االذومع هذا فان معظم الدراسات والبحوث امليدانية تشهري اىل تراجهع . قرن

بل ان الكثري ممن زاروا ايران حهديثا ينقلهون .16مستمر االلتنام بالدينجل الدين بني مشاهدات مريعة ، من قبيل احنسار االحترام الذي كان يلقاه ر .عامة الناس ، ال سيما املدن الكربى مثل العاصمة طهران

وانظر اىل مثال اململكة العربية السعودية اليت مل جتد حكومتها بدا وحل اهليئة الدينية اليت كانت تشرف ، من تعطيل الكثري من االنشطة الدينية

الذي م به الناس البالء بعد ان تكشف قليل من كثري ، 17على تعليم البنات

15االف جامعي يهاجرون مج ايران س،ويا ، بي،هم 831ذكرت احصاءات رسمية ان

عدد كبير مج ذوي المؤنالت العالية ، وتقةدر الحكومةة الخسةائر ال،اجمةة عةج (. 4338مارس 8 ايرانصحيفة )مليار دوالر س،ويا 13نذه اله رة بما يزيد عج

فةان 4334وطبقا الستقصاء للراي بةيج اسةاتذة ال امعةات االيرانيةة فةي العةام

(.4334اغسطس 88) ايران. م،هم يفكر في اله رة الى الخارج% 4316 (.4334مايو 44) ايراندي،داري ونسل جوان امروز ، صحيفة 17ضةمج تسةوية بةيج 8919م تاسست الرئاسة العامةة لتعلةيم الب،ةات فةي العةا

الملك سعود وعلماء الديج الذيج كانوا يعارضون فةي اول االمةر تعلةيم الب،ةات ، / 7/ 48 في( أم القرى)وجاء في االمر الملكي الذي نشرته الم لة الرسمية

صحت عزيمت،ا على ت،فيذ رغبة علماء الديج ): م 48/83/8919نة الموافق 8849

Page 45: الحداثة كحاجة دينية

45

فههذه .وكيلة هلل على عبهاده نصبت نفسها اليت ، من وراء تلك االجهنةوامثاهلا تظهر ان املنيد من التدين مل يغري من واقع احلال شهيئا ، وال دعهاة

.الدين قدموا منوذجا خيتلف عما نعرفه من حال بئيس شىت االقطار

-اخلطأ اليت تؤدي ما قلته مثال على االسئلة : قال يل صاحيبلقد فسر قومنا ختلفهم بانه نتاج لالحنراف . اىل اجوبة خاطئة -بالضرورة لتقدم باملنيد من االلتنام ربطوا ا وبالتايل فقد .او قلة العناية به عن الدين

منهم الدين فقد وجده كل، وحني التفتوا اىل الدين الذي يعنون . بعراه كل من الدول الثالث سائدى الدين الفانت تروهلذا . الذي التنم به هو .عن االخر اىل حد التناقض االيت ذكرت خمتلف

فما قلناه ، . سابقة قد شاركنا الناس هذا اخلطأولعلنا تامالتنا الوان كان مركنا على بيان الفار بني الدين املتجرد والدين االجتماعي ، او

ميه الفيلسوف االيراين عبد الكرمي سروش، كما يس بني الدين واملعرفة الدينيةيح هو السبيل اال ان بعض اشاراتنا رمبا أو ت بان جمرد االلتنام بالدين الصح

.اىل النهوض احلضاري

الكل عامل االسالم ، اههل التقليهد واههل : قلت لصاحيب فجميعهم متفق على ان االلتنام بالدين هو .التجديد يذهبون اىل هذا القول

دارس لتعليم الب،ات العلوم الدي،ية ، مةج قةر ن الح،يف في المملكة في فتح م

وعقائد وفقه وغير ذلك مج العلوم التي تتمشى مةع عقائةدنا الدي،يةة ، كةةدارة الم،زل ، وتربية األوالد وتأديبهم مما ال يخشةى م،ةه فةي العاجةل أو اأجةل أي تأثير على معتقدات،ا ، وتكةون نةذه المةدارس فةي م،ةأى مةج كةل اةبهة مةج

التةةي تةةؤثر علةةى أفكةةار الةة،الء ، فةةي أقالقهةةم وصةةحة عقيةةدتهم المةةؤثرات وتقاليدنم ، وقد أمرنا بتشكيل نيئة مةج كبةار العلمةاء الةذيج يتحلةون بةالغيرة على الديج والشفقة على نالء المسةلميج ، لت،ظةيم نةذه المةدارس ووضةع برام ها ومراقبة حسج سيرنا فيمةا أنشةئت لةه وتكةون نةذه الهيئةة مرتبطةة

حضرة صاحب السماحة المفتي األكبر الشيخ محمةد بةج إبةرانيم ل بوالدنم اما الغاء الرئاسة فقد جاء في سياق امر ملكي اصدره الملك فهد بةج ( الشيخ

(. 4334-8-47)نة83/8/8748عبد العزيز في

Page 46: الحداثة كحاجة دينية

46

وهم يرجعون هذا اىل وعهد اهلل . التقدم ، بل الطريق الوحيد اليه يقطركما يرجعون اىل جتربة املسلمني ان التنموا بدينه ، ملؤمنني اسبحانه بعلو فقد عرب اسالفهم على جسر االميان اىل التقهدم العلمهي .تارخيهم املاضي

التهرابط بهني فهذه وتلك دليل عندهم على .واحلضاري والغلبة االرض .18االميان والتقدم

فلم ال نرى هنوضا ومدنية ، لو صح هذا االمر : قال يل صاحيب ان عدد املؤمنني مبنهج التقليد غري . عند اي من الطرفني ايامهم احلاضرة؟

ومع هذا فال نرى بشارات مدنية عند .قليل ، واملؤمنني باملنهج االخر مثلهمفترضنا سلفا ان التدين والتقدم شي واحد ، او لقد ا. وال ذاكالفريق هذا

وان التخلف واالبتعاد عن الدين . اهنما متالزمان ال ينفك احد ا عن االخرواحلق ان التدين والتقدم شيئان . شيء واحد ال ينفصل احد ا عن االخر

. املاهية وخمتلفان االسباب خمتلفان

الدين ، وامما متخلفة وهي وهلذا جتد امما متقدمة وهي بعيدة عن و ظ ان احالة سؤال التخلف على الدين هو . تبالغ اقامة شعائر الدينطأ وقع فيه املؤمنون بالدين واملخالفون لعله خو. جوهر اخلطأ الذي وقعنا فيه

. لتمسكهم بدينهم نتاجفهؤالء ظنوا ان ختلف املسلمني عن ركب املدنية .لهترك اجملتمع للدين او ماونه االلتنام عائد اىل هملفبينما ظن اولئك ان خت

و ظىن ان املعارضني للدين اقتبسوا التصور االوريب للحداثة من . بتعاليمهذا املنحى من ردة فعل غري بينما انطلقت معارضة املتدينني هل .دون متحيص

. متبصرة

18 . :إ. ، ن مشكالتنا في ضوء النظام اإلسالمي: حسج الب،ا : انظر مثال

http://www.daawa-info.net/books1.php?id=5136&bn=195&page=14

Page 47: الحداثة كحاجة دينية

47

ه لعل االختالط احلاصل بني الدين والتمدن مرجع: قلت لصاحيبحينما يتجادل الناس . ج احلضاري الذي نريد الوصول اليهغياب النموذ هو

اواقعي اتطبيقباعتباره ، فاهنم يضعون امامهم املثال االوريب ، حول احلضارة والتاكيد ، وحنن نعلم ان هذا النموذج قام على انكار دور الدين . للفكرة

كثرية املذهب مربرات وادلة وهلم هذا .على ابعاده عن دائرة احلياة العامة . 19واساس متني ال ميكن انكاره

اكثر قومنا ينظرون اىل التجربة احلضارية السابقة : قال الصاحبورمبا كان . لنموذج االمثل ملن يريد االحتذاء تاريخ املسلمني باعتبارها ا

ورمبا كان . على العالقة بني االميان والتمدن احلاحهم هذا هو السببالنموذج ، منهم املتدينني سيما ، ا سبب االرتياب املشهود بني قومناايض

لكن على اي حال فان .الداعني لالخذ به و دعوات ، االوريب للمدنيةمثل حديثهم عن حضارة ، حديث قومنا عن حضارة املسلمني املاضية

اغوار سرب ، فهو اقرب اىل التسطيح منه اىل ال مثرة فيه، الغرب القائمة .القضايا وحتليل جوهرها

الشكلي بشعائر همرد التنامجملمسلمو االمس مل تقم حضارمم كما ان حضارة الغرب مل . كما هو احلاصل اليوم بالد املسلمني ، الدين

موضوع قائم بناء احلضارة . رد انكار الدين كما ظن البعض مناتقم مبج واحلق. هو االخر قائم بذاتهتلف وخمبذاته ، كما ان االلتنام بالدين موضوع

19لمطالعة نقدية في مكانة العلم،ة ضمج نظرية الت،مية الكالسةيكية وقصوصةا

,C. Benard & Z.Khalilzad, 'Secularization: تطبيقهةا فةي العةالم الثالةث ، انظةرIndustrialization, and Khomeini’s Islamic Republic', Political Science

Quarterly, vol. 94, iss. 2 (summer, 1979), pp. 229-241

Page 48: الحداثة كحاجة دينية

48

بالدين دون ان كما ميكن االلتنام ، بناء حضارة من دون دين انه ميكنلكن ال شك ان اجتماع املدنية مع القيم . ياخذنا بالضرورة اىل احلضارة

هو اعلى ما ميكن ان يصل اليه االنسان سعيه ، ا الدينتضمنهالسامية اليت .حنو الكمال

فلم نكرر الكالم عن ، اذا كان االمر كذلك :لصاحيبقلت ح سؤال ، وملاذا يايت الكالم عن الدين كلما طر العالقة بني الدين واملدنية

.؟احلضارة

سؤالك هذا مثال على اخللط السائد عنهدنا بهني : قال صاحيب. عن فهم احلقائق ومصاديقهاتكرارا بعدنا اوهو خلط .املوضوعات املختلفة

.؟ارتباط سبيب بني الدين واحلضهارة هل هناك: نا سؤال فلسفي فحواه لديمبعىن هل ميكن لنا ان نقيم حضارة من دون التخلي عن ديننا ، او هل ميكن

. ؟املدنية بلوغ عونا على كونان ي – معناه اجملرد على االقل –للدين هل ميكن لنمط التدين السائد : فحواه (اجتماعي)جوار هذا لدينا سؤال اخر

.ام انه عائق طريقها؟، عندنا ان يساعد على اقامة احلضارة املنشودة

. يقوم كل من هذين السؤالني على فرضية خمتلفة عهن الثهاين عالقة جوهرية بهني العلمانيهة دعيفاالول يناقش الفرضية االوربية اليت ت

امكانيهة تصهميم تنعم اليت ، رخييةمقابل الفرضية االسالمية التا ، والتطوربل يستفيد من الفكهرة الدينيهة ، منوذج حضاري ال يتعارض مع الدين

ان قومنا يعيبون على حضارة الغرب ماديتها املفرطهة . نسانتطوير اداء اال ، اىل جمهرد أداة للبنهاء ، وحتول االنسان فيها من هدف للبناء احلضهاري

املتقدمة ونظريما املتخلفة ، متيينا ادى اىل اجهازة ومتيينها البغيض بني االمم

Page 49: الحداثة كحاجة دينية

49

اما السؤال الثاين فهو يناقش النهناع . غالل االوىل للثانية من دون حتفظاست .ل التقليد حول منط التدين السائدالقائم بني اهل التجديد واه

دالتقليمحاة التجديد ودعاة

حنن نعرف ان اهل التقليد يدعون اىل املنيد من االلتنام بتعهاليم والهيت ، وحمل اهتمامهم هو اجلوانب الشعائرية والسلوكية املعروفة .الدين

فحهدود ، وحينما يفكهرون التجديهد . ورثناها من اسالفنا السابقنيعهد وليس املنهج نفسه او القوا، جتديدهم هو الوسائل والصور واالطارات

اما اهل التجديد . املتعارفة اليت ترسخت وجرى العمل هبا منذ مئات السننيوهم يقرون بهان . صورته القائمة ال يغ وال يسمن ان التدين نعمونفي

وب املؤمنني طهوال هذا املنهج قد ساهم احلفاظ على حرارة الدين قلعن الهدين اقصةن سوى صورة ليس - رايهم -مع انه .القرون املاضية

وهم يرجعون هذا النقص . الكامل الذي وعد اهلل اهله النصرة ورغيد العيشاىل االختالط الشديد بني جوهر الرسالة الدينية وقيمهها العهابرة للنمهان

هي بطبعهها مشهروطة وبني الشروح والتفسريات واالفهام اليت ، واملكان .بنمنها ومكاهنا

، فهم الدين اىل مستويات رفيعة عصور االسالم االوىل تطور -وسبقه للعصر جعلهه . فسبق املستوى العام للعلم والثفافة ذلك العصر

بعد اهنيار . دليال حلركة املسلمني سعيهم اىل التقدم احلضاري -بالضرورة تلك التجربة ونكوص املسلمني اىل دائرة التخلف اليت سادت زمنا طهويال

النشاط العلمي واالبداعي ، توقف وتوجت بسيطرة االجانب على بالدهم ، .وانفصل العلم الدي عن العلوم املدنية كما انفصل عن احلياة

ن كانت معاهد العلم الدي منارات للعلم واملعرفة شىت فبعد ا

Page 50: الحداثة كحاجة دينية

51

جوانبها ، تراجع اهتمامها اىل حدود فقه العبادات والقليهل مهن احكهام كما مل يعد العامل ، ومل يعد للعلوم املدنية مكان هذه املدارس .املعامالت

ومل ، احلياةوهلذا انفصل علم الدين عن .الدي منشغال حبياة الناس ومتغرياما، تعد حبوث العلماء واعماهلم العلمية متصلة بدنيا الناس و ومهم اليوميهة

حيسب ان الدين غريب عهن –كما يقول احلكيمي –حىت ان الناظر اليها ادى هذا االنفصال بطبيعة احلال اىل توقف املعرفهة . 20هذه احلياة وحركتها

ت حيهاة النهاس عهاملهم بينما كان .الدينية عند نقطة ما عصر سابق .اجلديد تتحرك دون توقف وتايت جبديد كل يوم

وخالصة الكالم ان ما لدينا من الدين هو حقيقة االمر النسخة وفيها خيتلط اجلوهري من الرسهالة . القدمية من الدين اليت تركها لنا اجدادنانمن رف االجتمهاعي اخلهاص به بالصور واالطارات اليت هي انعكاس للظ

وال ، هذه النسخة من الدين ال عالقة هلا بالعصر الذي نعيش فيهه . االجدادوهلذا يرى اهل التجديد ان املنيد من . وال جتيب على اسئلته، تليب حاجاته

دي نفعا معاجلة املشكالت الكربى جيلن ، االلتنم هبذه النسخة من الدين .التخلف احلضاري وال سيما مشكلة ، اليت يعاين منها مسلم اليوم

مع عصرنا تنسجمنسخة .اننا حباجة اىل نسخة جديدة من الدين وهذا يتطلب بالضرورة اعادة نظهر . ن حاجاته وحتدياته و وم اهلهالراه

املنهج والقيم االساسية والقواعد الناظمة حلركة الفرد واجملتمع ، ولهيس باالمس كان لهدينا . التقليدواالساليب كما ينعم اهل جمرد تغيري االطارات

مساجد وحسينيات ميارس فيها الدعاة الوعظ واالرشاد ، ولدينا اليوم قنوات بهاالمس . تشكل ما ميكن تشبيهه مبساجد وحسينيات على اهلواء، فضائية

20 4/811الدار االسالمية ، ( 8914بيروت )، الحياةمحمد وعلي الحكيمي ،

Page 51: الحداثة كحاجة دينية

51

كتب انيقة مدونةوهي اليوم ، كنا حنتفظ بعلوم الدين اورا خمطوطة .االنترنت اليت يصل اليها القاصي والهداين على شبكةمنشورة واالطباعة ،

.فهل امثر هذا التغيري االساليب عن حتول ملموس احوال املسلمني؟

الن املشكلة مل تكهن ، مل حيصل حقيقة االمر اي تغري جدي بل مادة اخلطاب نفسهها ، ، اسلوب التخاطب او ادوات التوصيل

ات واملصاديق اليت تعاملنا معهها لهنمن طويهل القيم والقواعد والتعبريوهلذا فان التجديد ال ينبغي ان يقتصهر . اعتبارها الصورة النموذجية للدينب

بكلمة . بل ال بد ان يتناول املنهج والقواعد والقيم ، على االشكال والوسائلحنن حاجة اىل اعادة نظر شاملة ، ال تستث مساءلة املتفق عليهه : اخرىارد االمجاع ، الهنا هناية املطاف افهام فرضها البشر على الدين حبسب ومو

وبناء على هذا فهي . حاجامم ومستوى تفكريهم ، اي حبسب زمنهم الثقا بل هي متثيل لظرف تهارخيي خهاص مبهن ، ليست جنء من جوهر الدين

. وليست فرضا علينا او على من يايت بعدنا، وضعها او مارسها

احلداثة ؟: ؟طريق النهضة اذنما هو

لنفترض ان الدين والنهضة موضوعان خمتلفان ، : قلت لصاحيب : فلنحاول اعادة صياغة سؤال النهضة من جديد ، لنقل مثال

.ما هي عناصر النهوض احلضاري وما هي متطلباته ؟ . واقعنا احلاضر؟ املعروفة رغم االشكاالت ةضاراحل نستطيع بلوغ هل

اىل ان مالك بن نيب قد طرح منتصف القرن املاضي واشري االرض واالنسان : للحضارة اي –او االربعة –فكرة االركان الثالثة

فهل ميكن اعتبار هذا .مث الثقافة اليت تلعب دور الرابط بينها ، والنمن

Page 52: الحداثة كحاجة دينية

52

.التصوير العام جوابا مناسبا ملن قد يطلب جوابا سريعا عن سؤال التقدم؟

جواب املرحوم مالك شديد التعمهيم اىل حهد : حيب قال يل صا. رغم انه صحيح على املستوى النظري ، يستحيل معه ان يكون جوابا مفيدا

ولعل املتغريات اليت حدثت العامل خالل العقود االربعة املنصرمة توجهب تهتغري ، مثل كل االفكهار االخهرى ، فكرة التقدم .تقدمي جواب خمتلف

الواحهد مهن القهرن انسان العقد االول .العوامل اخلارجيةوتتطور بتاثري وعلم اليهوم .والعشرين خيتلف كثريا عن انسان الستينات من القرن املاضي

وبالتايل فان فكرة . 21خيتلف عن علم تلك املرحلة كما ختتلف وسائل العملاحلركة والنهوض اختلفت مهن حيهث الشهروط واملتطلبهات واالدوات

.م ان جوهرها ال زال كما كان تلك احلقبةواملقاييس ، رغ

ال بد هنا من القول ان املسلمني ليسوا حباجة اىل اعادة اختراع او اعادة جتريب اجملرب ، فلهم عربة بتجربتهم التارخيية اخلاصة ، ، العجلة

رمم ، فكل وتلك اليت ورثت حضا ، وجتارب االمم اليت ورثوا حضاراماحنن اليوم نتكلم عن احلداثة واملعاصرة وليس عن . قمنها دليل على الطري

رى ان النهوض مستحيل دون ون ، كما اعتاد املرحوم مالك "احلضارة" . احلداثة

احلداثة . فان شروط احلداثة هي شروط النهضةومن هذه الناوية يضم بني اجنائه عناصر تتعلق بالسياسة واالقتصاد ، مفهوم واسع نسبيا

فعلى املستوى السياسي تعترب املساواة . ان واستثمار املواردثقافة واالنسوال

21يقدر زريق ان المعرفة االنسانية كانت تتضاعف مج حيث الح م مرة كل سبع

الى عشر سة،وات فةي اواقةر السةتي،ات ، وان نةذه الفسةحة الزم،يةة سةوف : قسةط،طيج زريةق . ضيق الى اربع س،وات في بداية القرن الواحد والعشريجت

831. ، دار العلم للمالييج، ص( 8913بيروت )، نحن والمستقبل

Page 53: الحداثة كحاجة دينية

53

.ادىن من متطلبات التحديث ادحوحاكمية القانون ومحاية احلريات العامة وعلى املستوى . وصوال اىل الدميقراطية الكاملة، ويتلوها املشاركة السياسية

ر ومحاية فان الشرط االول هو توفر البيئة املناسبة لالستثما، االقتصادي وعلى املستوى االجتماعي جند العقالنية وربط مكانة الفرد .امللكية الفردية

فان احترام ، وعلى املستوى الثقا .فاءته الشخصية ال هويته املوروثةبكهو ، والتعويل عليه تقدمي احللول ، العلم وحتريره من قيود االيديولوجيا

متثل االجناء الرئيسية ملشروع النهضة فهذه العناصر . الشرط االول للحداثة .الذي نبتغيه

حديث احلداثة مثري للجدل ، ولو طرحناه على : قلت لصاحيب .واين االسالم من كل ما ذكر؟: قومنا لبادرنا اوهلم بالسؤال مستنكرا

.وهذا ايضا مثال آخر على االسئلة اخلاطئة: قال الصاحبهو ان هناك حداثة اسالمية وحداثة فالفرضية اليت انطلق منها هذا السؤال

احلداثة منظومة مفاهيم ومعايري تتعلق بسبل . وهذا غري صحيح .غري اسالميةمنها لو نظرنا تطبيقاما املمكنة فلن جند تعارضا بني اي .العمل والتعامل

: لكن ال بد هنا من مالحظة امور ثالثة . واي من قواعد الدين احلنيف

جمتمعات غري مسلمة احلداثة قد تطورت ان جتربة: اوهلاما يهمنا .ولسنا جمربين على ان نأخذها هبذه االلوان .فتلونت بلوهنا

.احلقيقة هو مفاهيمها االساسية

فهو االخر .الدين الذي بني ايدينا ليس مننها عن العيب: الثاينال . حامليهات التخلف اليت طبعت حياة من مس اكثرياحتمل مسار النمن

ما مييت اهلممالستبعاد ، اذن من النظر النقدي هذه النسخة من الدين بدوهذا ال ينتقص من شأن الدين احلنيف ، بل اراه . النهوض يقع، وما ي

Page 54: الحداثة كحاجة دينية

54

اليت تروى عن سيد املرسلني ، فمعىن ، جوهر فكرة التجديد الدين . الواقع اخلاص حبامليهرمان اىلالتجديد فيما اظن هو استنقاذه من قيود اال

تعاملنا مع جتربة البشرية ، سواء تلك اليت محلت طابع : الثالثلكننا ال نتخلى عن .االسالم او غريه ، فاننا ننظر اىل االشياء نظرة اجيابية

عالقتنا مع الثقافات املختلفة والتجارب املختلفةتكون ان ينبغي .دور الناقد لربيقها نستسلم ان ال ينبغي ، نقدي تفاعل عالقة ، ة، مبا فيها جتربتنا اخلاص

عندنا ، نتاج جهود يتفتلك مثل ال. كما ال ننتفخ غرورا وتكربا عليها ،ن الذي سخر اخلالق البشر وحماوالمم الدؤوبة لتطوير عالقتهم مع الكو

جتربة االنسان اي قطر واي دين واي مرحلة من مراحل . موارده للجميعاهنا جتربة . التاريخ ملك جلنس االنسان ، ال هي ممنوعة عنه وال هي قيد عليه

.ويتجاوزها اىل ما هو ارقى فيده ،ما يمنها وحسب ، يأخذ االنسان

حديث املرحوم مالك بن نيب يصلح ظ اساسا : قلت لصاحيبقابلية كبرية على وهو ينطوي .املؤسسة لفكرة النهضة للبحث القيم

يتناسب مع اخلصائص الثقافية واالنسانية ، لتطوير منوذج حملي للنهوض من بني العناصر االربعة املكونة للحضارة اليت اقترحها مالك ، اي . جملتمعاتنا

، فاين اميل اىل التركين على عنصري االنسان والتراب والنمن والثقافةان العنصرين االخرين ، اي االرض والنمن ، مل واحتمل .النسان والثقافةا

يعودا زمننا احلاضر بنفس الدرجة من اال ية اليت كانت هلما منتصف .حني طرح مالك هذه الفكرة ، القرن املاضي

، يرجع اساسا اىل التطور العلمي اهلائل ة العنصرينتقليلنا من ا يكما ان عنصر . جدا عما كان عليه يومذاك الوقت خمتلفاالذي جعل عامل

وامليل ، وسائل االتصال اهلائل التطور بسبب ، اقل ا ية اصبح االرض

Page 55: الحداثة كحاجة دينية

55

ولو ان مالك بن نيب كان . افة واالقتصاد ايامنا احلاضرةاملتنايد لعوملة الثقايا كان .اهاعاد النظر تلك الصيغة على النحو الذي قلن فلرمبا ، حيا اليوم

يشكل بداية قوية لو ، ، فان التركين على عنصري االنسان والثقافة االمر . طريق النهضة السرياردنا

عنصري من االفضل التوسع تعريف لعل :صاحيب يل قالجتعل فكرة النهضة سوف التعريف اعادة ان .ااالرض والنمن بدل ا اهلم

احلقيقة فان . الظروفقابلة لالشتغال حىت مع تغري ، اليت اقترحها مالك و الذي جيعل اعادة ه، دور الثقافة كاداة لربط العناصر الثالثة االخرى

ابرز العوامل الشاخصة االنسان نعتربسوف ، هذا االطار. التعريف فعالة العناءاي ان املدنية اليت تستحق .حنو املدنية ناسعيحمور و، معادلة النهضة

، ن وسعادته وكمالهارتقاء االنساضع اعتبارها هي تلك اليت ت، رأينا االنسان هو هدف النهضة وهو . لكل منهج وكل عمل ىهدف امسك

او التراب حسب تعبري مالك بن نيب –اما االرض . وسيلتها الوقت عينهاملتوفرة فعليا ، املصنعة تشمل املوارد املادية الطببعية و فسوف نوسعها كي –

.او القابلة للتوفري بواسطة اجلهد البشري

تتضمن صرفه اىل ، وعلى نفس النسق فان اعادة تعريف النمن من اجناء ثقافتنا اكثريالن ، وهلذا العنصر ا ية قصوى .فكرة املعاصرة

فاذا حتدثنا عن حضارة ، تذكرنا ما صنعه .ورموزها سجني لتارخيها القدمي عبارةب. استعدنا ايامه االوىل ، واذا اردنا احلديث عن جمد االسالم، اجدادنا واجنازات البشرية زماننا فاننا نشعر بالغربة عن تارخينا املعاصر ، اخرى ولعل . اي اعتبار او قيمة تذكر نقيم له ال بل ، وهلذا ال منجده .احلاضر

، تقديرنا املبالغ فيه للماضي علةهو ، شعورنا بالعجن عن استثمار عصرناال غابرحال تاريخ اي على وهو. التقديس ايشبهاىل ماحيانا والذي يصل

Page 56: الحداثة كحاجة دينية

56

جرت بان ما فات مات سنة اهلل االولني واالخرين الن ، ميكن ان يعود .والفاين ال يعود

من بعد دفنهم صارخناداهم اين االسرة والتيجان واحللل مة اين الوجوه اليت كانت منع

من دوهنا تضرب االستار والكلل فافصح القرب عنهم حني ساءهلم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طال ما اكلوا دهرا وما شربوا فاصبحوا بعد طول االكل قد أكلوا

وما يستوعب نوعية ، ناسب زماننا ان ما يصلح لنا اليوم هو ما ياحلياة اليت نعيشها ، سواء عرفها االجداد ام جهلوها ، احبوها او ابغضهوها

تلك امة قد خلت هلا ما كسبت ولكم ما كسبتم وال تسألون عما كهانوا ) ، املعاصرة اذن هي اعادة التاريخ اىل مكانه الطبيعهي (. 029البقرة -يفعلون

مثال احليهاة . منوذج للحياة الفاضلةال كمثال او ، كمصدر للعربة واملعرفة درا علهى اسهتيعاب قا، ان يكون مناسبا للعصر ، ينبغيومنوذجها الصاحل املعاصرة تع املشهاركة الفاعلهة الثهورة العلميهة . حقائقه وحتدياته

.والتكنولوجية اهلائلة اليت غريت صورة العامل

هذا ارواحنا سجن عقولنا والتاريخ ، بل انشغالنا مبا جرى بقانا مسهتهلكني ملها ، وأ حجب عن عيوننا قيمة املدنية املعاصرة التاريخ ،

كان حريا بنا ان نشهارك .ون من مثار التكنولوجيا واملعرفةينتجه االخرن نبقى زبهائن لغرينها مهن بدل ا ، انتاجها بلداننا ونعيد ، ثورة املعرفةاملثال الذي يضربه املرحوم مالك باب وحيق لنا هنا ان نستذكر . املنتجني

Page 57: الحداثة كحاجة دينية

57

فهؤالء ذهبهوا .املقارنة بني سلوكنا وسلوك اليابانيني عالقتهم مع الغرباستغىن ، حىت اذا امتلك ناصية العلم ، طالب يسعى للتعلم ذهاباىل الغرب ح النبون ، يشهترى السهلعة روا الغرباما حنن فقد رحنا اىل .عن معلمه ينها بق، وهكهذا مرة بعد مرة ، دون ان يتعلم كيف ينتجها بنفسه جاهنة

.ا شاء اهللماىل ، ورمبا نبقى على هذا النحولعة لصانع الس ىاسر

اعادة االعتبار لالنسانوعطفا على عنصر الثقافة ، فان من الواجب هنها االشهارة اىل

وعاء اىل االنسان ك مبعىن اعادة االعتبار .حاجتنا املاسة ألنسنة ثقافة املسلمنيراه من ا هال لالنسهان ا نمل انقول هذا نظر. للقيمة العليا هذا الكون

ان ممن ينعم بان فكرة الفردانية ، اي متجيد الفرد واعتباره مستقال . ثقافتنامكتفيا راشدا ، اليت سادت الغرب منذ بدايات عهد النهضة االوربيهة ،

هذه الفكرة .22ية توماس هوبن العقد االجتماعيوال سيما منذ انتشار نظرولو نظرنا اىل ايات القرآن اليت ذكهر .ذات اصل مكني الثقافة االسالمية

لوجدنا فيها مجيع السمات اليت عرضها هوبن ومن سار على " االنسان"فيها .ن الفالسفة الليرباليني الالحقنيهنجه م

، بعقلهه مكتهف ، فسهانسان القرآن الكرمي كائن مستقل بن بسجود املالئكة له وتسخري ما سبحانه مسؤول عن فعله ، مكرم من قبل اهلل

، وهو هناية املطاف خليفهة اهلل الكون من اجل رفعته اخلالقاودعه ، جاههل ، مغهرور ، التراث االسالمي فهو ضعيف" انسان"اما . 23ارضه

" االنسهان الفهرد "اين ازعم هنا ان صورة . وعاجن عن حتمل املسؤولية

22 في الفلسفة الليبرالية ، انظر Individualismحول مفهوم الفردانية

J. Geise, “In Defence of Liberalism”, The Western Political Quarterly , vol. 44, no. 3 (Sep., 1991) 583-604, p. 593.

23الميزاان فزي : الطباطبةائي انظر تفسير ايةات الخالفةة فةي محمةد حسةيج

8/881دار التعارف ، ( 8994بيروت )، تفسير القرآن

499/ 4، ( 1987قم ) تفسير القرآن الكريم: صدر المتألهيج الشيرازي :ايضا

Page 58: الحداثة كحاجة دينية

58

، واستعارت بدال عنهها ، التراث االسالمي قد احنرفت عن صورته القرآنيةالذي ميجد ، اليوناين والفارسي القدمي صورة االنسان اليت تطورت الفكر

اسي ، لكنه حيتقهر مبا هي وعاء للنظام السي، الطبقة العليا لجيبو ، السلطة. ، فال ينظر اليهم اال كغوغاء او هج رعهاع الناس عامة حيتقر كما الفرد

.ولعلنا نعود اليه وقت آخر، وعلى اي حال فان هذا موضوع طويل تهراث هو االشارة اىل ان ضمور قيمة الفهرد ، هنا يهمنا ما

قد اورث ثقافتنا احلاضرة قلة اهتمام باحلريات الفرديهة ، املسلمني السابقنيوال سيما ، وهلذا جتدنا متساهلني ازاء قمع احلريات العامة . وحقو االنسان

عهن وعهي او –بل جتدنا ميالني .حرية التفكري وحرية التعبري عن االفكارم ظنا بان احلاكم القوي خري من احلهاك ، للقبول باستبداد احلاكم –غفلة

. االستبداد معىن القوة اىلفهوم صرفا مل او، الضعيف ما مل يكن حمورهها االرتقهاء ، ان النهضة مستحيلة زبدة القول

لقد جربت اقطارنها . باالنسان ، ووسيلتها تفجري وتطوير قدراته وامكاناتهجماراة االمم املتقدمة على الصعيد املادي واالقتصادي ، فآلت ، كلها تقريبا

ال لشهيء اال الهنها . اىل الفشل -بعد سنوات طويلة –د كل تلك اجلهو وصفهكما " التحديث والتنمية من فو "اتبعت سبيل الفرض من االعلى او

. 24باحث امريكي معاصريظن اصحاب هذا السبيل اهنم قادرون على قيادة هنضهة علميهة

رب اجته بعهد وقد ثبت . ن دون حترر االنسان وتامني حقوقهم، وصناعية لقد تطور الغرب الن انسانه انعتق مهن . فساد هذا السبيل وعبثيته، مكررة

ومع انعتاقه ، انطلق . ومن سجن اخلرافة، ومن قمع اجملتمع ، سطوة السلطة ه وساح فكره االفا ، فاعاد انتاج القليل من العلوم اليت كانت بهني عقل

24 James Bill, “Modernization and Reform from above : The Case of انظر

Iran”, The Journal of Politics, vol. 32, , issue 1 (Feb., 1970), pp.19- 40

Page 59: الحداثة كحاجة دينية

59

. ىل عامل هائل االتساع ال حدود لهوحوهلا من عامل صغري ا، وطورها ، يديهمن هنا نعيد صياغة الفكرة اليت اقترحها املرحوم مالك بن نهيب ،

وال بد . افةرابعها الثق، فنقول ان النهوض احلضاري يقوم على ثالثة اركان الهنا هي الدليل اىل جعل العناصر االخرى فعالهة ، ان نبدأ بالثقافة الصاحلة

:بناء على هذا التصور فان اصالح الثقافة يستهدف. ومترابطةاالرتفاع بقيمة االنسان ، وحتريره من سهطوة السهلطة : اوال

اركة اليت تعتهرب وهذا مفهوم االية املب .وقمع اجملتمع وقيود اخلرافة والتقاليدويضهع عنههم )انعتا االنسان واحدا من ابرز اهداف الرسالة السماوية

(. 057االعراف –عليهم واالغالل اليت كانت اصرهماي اعادة االعتبار اىل الواقهع ، املعاصرة ب مشروطةالنهضة : ثانيا

وههذا . معيارا لسالمة االفكار واالعمال باعتبار شروطه والناماته، احلاضر الفكرة اليت ال . يخ واعتباره مصدر القيمة واملثالبديل عن االنغماس التار

تستطيع انتاج مثار ملموسة وقابلة للحساب الواقع احليايت للناس ، ليست .جنءا ضروريا من استراتيجية النهوض

ان . املنظهورات الفكريهة جمرد تطهور النهضة ليست :ثالثااملتوفرة او القابلة ، االمثل للموارد املادية وغري املاديةجوهرها هو االستثمار

ستوى االرتقاء مبواجلمهور العام ، معيشة مستوى حتسنيمن اجل ، للتوفري .احلاجات احليوية لالنسان ضمانوبالتايل ، التقنية العلم و

، ان غرض النهضة االويل ليس هداية االنسان اىل طريق الكمال كما جادل بعض املفكرين املعاصرين ، بل تامني العيش الكرمي والقوة املادية

ىت ح ، وتطوير قدراته ، اليت تسمح للفرد واجملتمع بتفجري قابلياته ، والعلميةمتعلمها ، حرا خمتاراالفرد فاذا اصبح .حياة حرة مستقلة ومتطورة يضمن. يل شروط الكمال بنفسهه ، فانه سوف جيتهد ن آمال املستقبل، آمنا

هبذا املعىن فان تعريفنا يتطابق مع مفهوم التنمية الذي اقره برنهامج االمهم

Page 60: الحداثة كحاجة دينية

61

املتحدة للتنمية االنسانية ، والذي يصف غرض التنمية بانهه خلهق البيئهة ازالهة :اخهرى او بعبارة .االجتماعية اليت تتيح للمواطنني خيارات اوسع

وتعطل اجلماعهة عهن ، تعيق املبادرة الفردية املعوقات املادية والثقافية اليت .25النهوض

25

United Nations & IRI Plan and Budget Org., Human Development Report of

the Islamic Republic of Iran,1992, p. 132.

Page 61: الحداثة كحاجة دينية

61

(3 )

نقد الذات: البداية

فعلينا اختيار ، كي نصل إىل اهلدف الصحيح :قلت لصاحيبهي توجيه أصابع ، البداية الصحيحة بالنسبة إىل موضوعنا .البداية الصحيحة

عن االفتخار الفارغ قليالوهذا يع ان نتوقف . االمام إىل الذات وما فيهاأما الذي ورثته .فالذي يستحق الفخر هو شيء تصنعه جبهدك. مبا ورثناه

مث اننا حباجة اىل النظر الفوار بني .ولو كانوا آباءك، فهو جهد اآلخرين واملقارنة بني االسباب اليت قادمم اىل ، حياتنا وحياة غرينا الذين تقدموا علينا

.وتلك اليت اقعدتنا ،ما صلوا اليه

، عيوب ثقافتنا نريد من هذه املقارنة كشف عيوبنا امام اعينناكي ، فلعل هذا الكشف مينحنا البصرية .حياتنا وعيوب وعيوب تصوراتنا

اليت أعمت أبصارنا عن رؤية ، نرى ما خيتفي وراء جدر الوهم السميكة كي نتجاوز الكثري اجهااليت حنت ولعله ينفخ فينا شيئا من الشجاعة .احلقائق

الذي سبق ان منحناه قداسة مصطنعة ، أقعدت عقولنا عن ، من النيفان اخلطوة األوىل لعالج واقعنا .النظر اجلريء واجلاد حقائق االمور

البائس ، هي اكتشاف ما حتت بنيانه من مفاهيم وقيم ومتبنيات ، والنظر

Page 62: الحداثة كحاجة دينية

62

.حمرمة على التناول النقديفيها دون قرار مسبق بكوهنا معصومة أو

وتقبيح ما عند ، مرحلة معينة ، بالغ قومنا حتسني ما عندنا أقمناه ، وتشكل بسبب هذا النوع من التثقيف ما يشبه السور .االخرين

لكنه حتول بعد انقشاع غبار الغنو إىل .لصد غنو اخلارج ، ذلك الظرف ، منعنلة قبيلة مثل فأصبحنا ، املعما وراءنا من العو يفصلنا ، جدار عال

مغلقة األبواب ، تشغل اعضاءها أمور احلياة ، تتحصن قلعة عالية اجلدر لقد انشغلنا بأنفسنا .عن تيار احلياة العظيم اخلارج، داخل جدراهنا

وراء أسوارنا ، سريعة التغري ، عن عوامل عظيمة االتساع مورناوبصغائر أق الباب على نفسك ، فقد خييل اليك أن العامل مكثف بني حينما تغل .العالية

.جدران هذا البيت ، وانه ليس من وراء هذا اجلدار دار

سوف تبقى موقنا أن هذا البيت هو خالصة العامل ، إىل أن خترج .فسوف ترى عوامل أرحب واوسع ، وسترى بيوتا أمجل، فإذا خرجت .منه

.عندما تفتح عينيك وعقلك ، ستظهر لك الفوار بني دارك ودار اآلخرينعناصر القوة وعناصر الضعف اكتشاف ستكون قادرا يومذاك على

العقل ال يستطيع .دارك، فاحلسن والقبح ، القوة والضعف ، قضايا نسبيةطيع نظريه القبيح او االقل مجاال ، كما ال يست إدراك مجال الشيء ما مل ير

حنن ال نعرف انفسنا حق .إال إذا رأى جتسيدات اجلمال، تقدير مدى القبح ولو فعلنا فلرمبا اكتشفنا بعض عناصر .املعرفة الننا ال نقارهنا بغريها االرقى

.وبعض عناصر ضعف تستوجب العالج، قوة كانت خافية

الحظكما ، يعرفون أنفسهم ال واحلق ان معظم املسلمنيعناصر قوة من فيها ما حقيقة يعرفون ال أي ، الغنايلالشيخ حممد املرحوم

فهم بني متضائل منكمش على ذاته ال يرى اال ، ومن عناصر ضعف

Page 63: الحداثة كحاجة دينية

63

.نواقصها ، وبني منتهفخ يكاد من غروره باالوهام أن يطري

علىالغنايل الفكرة اجلميلة للمرحوم تذكر هذه وقد ساعدين منها على .مما يتعلق مبعرفة النفس، مسعته أن قرأته أو سبق ما استرجاعالذي اجاب مرة على سؤال حول ، هاين فحص العالمةراي سبيل املثال

، ال ارى ذايت اال حواري مع الغري"املسافة بني الذات واآلخر ، قائال ."تتجلى وتشر اآلخر فالذات

ال تتجلى وال تظهر اال ، عناصر ضعف االنسان وعناصر قوتهاالنسان الفرد فكذلك وكما .طاولة املقارنة مع الغري حني يضع نفسه على

وأذكر للمناسبة ان زرت قبل سنوات ، .، والثقافة واملعرفة واملال اجملتمعقرية اقاصي الريف العريب ، فأخذين مضيفي إىل شيخ القرية ، فوجدت

جالسا ، اعطافه عطر رخيص من يضوع ، شابا الثالثني من العمركان نابليون بونابرت أو لو منتفخا يتكلم كما ، مرتفع من اجمللس

، سريع الغضب ، يصطنع اللطف ، ويتعمد التأين القرنني ذو االسكندراخراج الكلمات كي خيتار من االلفاظ أفخمها وأعظمها ، فيخرج كالمه

اعتدت مالحظتها باردا باهت املالمح ، خاليا من الروحانية واحلرارة اليت حياول اتقان الربوفات قبل أن يصعد يث كبار القوم ، مثل ممثل مبتديءحد

.على خشبة املسرح

سألت مضيفي عن سر هذه العظمة املصطنعة ، فاجاب انه اغىن االمر يتعلق بواحد من احفاد روتشيلد ال يعرفه الناس، وظننت .سكان القرية

ها ، ال تتجاوز سيارة تاكسي ، وقطعة أرض فإذا بالثروة اليت يتحدثون عنوعجبت لفوار .مؤجرة مبا يعادل راتب مدير مدرسة ذلك النمان

كنت قبل سفري استمع اىل مقابلة مع . االعتبارات واملقاييس بني الناس

Page 64: الحداثة كحاجة دينية

64

مدير شركة قال انه يستعمل اسفارة طائرة خاصة ، الن وقته امثن من ان لكن االمور نسبية ، . طائرات مثل سائر الناسيهدر انتظار مواعيد ال

وبيته .إىل بقية السكان البائسني اقياس شيخ القرية ذاك يعد فائق الثراءف، يعترب إىل جانب اكواخ املساكني اليت حتيط به ، البسيط مبقاييس املدينة

قلت لنفسي إن هذا الرجل استغىن .قصرا أين منه قصر بكنغهام أو اللوفربالنظر نفسه عن مقارنتها بالغري ، أو لعله قارن نفسه مبن هو دونه ماال

الستراح من عبء التصنع وجاها ، ومل يقارهنا مبن هو أغىن ، ولو فعل .والتمثيل

ان قومنا ينعمون بأن معرفة النفس ال تتوقف : قال يل صاحيب ة معايري تباىن عليها العقالء ، أو وجدناها تراث فثم .على مقارنتها بالغري

.االسالف ، تصلح للعمل كأدوات نقد ومعايري تقييم

قلت لصاحيب ان املقارنة باألشباه والنظائر هي الوسيلة اليت تباىن وقدميا قالت العرب .الكتشاف حماسن األشياء وعيوهبا عليها عقالء العامل

إذا أخذنا ، وضحبصورة أ أ ية املقارنة تجلىوت ."وبضدها تتمين األشياء"أو أهل ، وليس اخلاصة ، ان اخلطاب موجه جلمهور الناس ، بعني االعتباريستوعبون األشياء واألفكار إذا جتسدت -كما تعلم -والعامة .العلم فيهم

.أمامهم وصدمت أعينهم وتصورامم

و ظ ان ما خيشاه القلقون من التواصل مع ثقافة العامل ، هو وهذا حمتمل .املعرفةفاعلية هذا التواصل اثارة الشكوك الذي منلكه من

لشك ما هو قائم لكن هل ميكن لنا ان نتطور من دون ا. على اي حالك دون أن نبدأ بالش، بل هل ميكن تطوير هذا القائم .؟ومتعارف عليه

.؟ كماله -على األقل -، أو واهجد

Page 65: الحداثة كحاجة دينية

65

لكن .وقد يراه بعض الناس خبيثا .قد يبدو هذا السؤال ساذجا، ، فاحداث تطوير أي شيء ، واحد احلالني اجلواب على أي حال

، ال يبدأ قبل أن تستقر الذهن قناعة فحواها أن هناك مادي أو فكريوال حنتاج إىل عرض .ن من وضعه الراهنفرصة لالرتقاء به اىل ما هو احس

ادلة على بديهية هذا املوضوع ، فيوميات االنسان مليئة بالشواهد واألمثلة بل هو ظ .على كونه من املسلمات العقلية اليت ال خيتلف عليها اثنان

ركنا أوليا لالميان الدي االسالم نعدهن معاين االميان بالغيب ، الذي مفاالميان بالغيب يساوي اليقني بأن وراء الواقع .رساالت السماويةومجيع ال

احملسوس واملشاهد ، واقعا آخر أفضل وأكمل ، وهو ما يدفع االنسان إىل .راء حدود االحساسلكشف املغيب و، البحث فيما وراء حواجن احملسوس

لكننا مع ذلك نواجه من يرفض اثارة األسئلة ، ويعلل رفضه بعض الذين يرفضون ، ينطلقون من قاعدة ميكن .ة للفتنة والريببكوهنا مثري

فال ميكن قبول مربراته ، أما البعض اآلخر .قبوهلا ه ولو على مضض ه تسببها الصنف األول يربر رفضه لالسئلة ، باخلوف من .باي حال

.وقلبهاالنسان العادي عقل زعنعة املسلمات البسيطة اليت ينطوي عليها مسلمات متنحه يقينا اهلل ، وارتياحا اىل العامل احمليط به ، واطمئنانا وهي

اساتذيت يدعو اهلل دائما أن مينحه يقني وكان احد .اىل مصريه الشخصيوملا سألته يوما عن هذا اليقني الذي يبحث عنه ، قال انه التسليم .العجائن

.التنعنع والضعف الكامل ، الذي ال يشتغل فيه العقل ، فهو حصن من

، الرافضون لالنفتاح على الثقافات االجنبية: قال يل صاحيب، يربرون موقفهم بان هذا االنفتاح غري مفيد لسوى طبقة حمددة من الناس

، القادرة على استيعاب املفيد من تلك الثقافاتتتمثل النخبة املثقفة ، ؤسس رفضه الثارة األسئلة اما الفريق اآلخر في. دون االنبهار بكل ما فيها

Page 66: الحداثة كحاجة دينية

66

، وإذا مل تكن تاجه من اجابات موجود ثقافتناعلى قاعدة أن ما حن .حىت نصيبها البحث عنها جنتهدفينبغي لنا أن ، واضحة امام اعيننا

التربيرات املعروضة قابلة فيما سبق أن ذكرنا لقد : قلت لصاحيبفاملسلمات القابلة لالهنيار عندما تعرض .، مع اهنا تبدو ضعيفة جدا للتفهم

.على نظائرها الثقافات االخرى ، هي أقل شأنا من أن يتمسك هبا الناسولو كانت ضرورية لكانت متماسكة ، وقادرة على مقاومة احتماالت

واحلقيقة أن عقولنا ختتنن كما هائال من هذا النوع من .التهشيم أو االزاحةاليت تبدو لنا جنء ال ينفك عن شخصيتنا اخلاصة املسلمات النظرية ،

ه من نوع النبد الذي حيتمله تيار حقيقة االمر ه لكنها ، ومعتقداتنامثل هذا النبد سرعان ما يتصاغر .، وهو يهبط من اعلى النهر إىل ادناه املاءوأما ما ينفع الناس فيمكث ، فيذهب جفاء ، ريح مع اول انكمشم

.األرض

جواب االمس..اليوم سؤال

الذي اظنه مفتقرا إىل ابسط ، ومثل ذلك يقال عن التربير الثاين اذ ال ميكن افتراض وجود اجوبة قبل أن يثار السؤال ، .بديهيات املنطق

اللهم اال أن يقال أن مجيع األسئلة املطروحة اليوم ، هي تكرار ألسئلة لكن هل ميكن افتراض أن اسئلة املستقبل ، اي اسئلة .طرحت املاضي

.اليوم االيت والذي بعده وااليام التالية ، ستكون على نفس املنوال ؟

تعبري عن مشكلة ، نظرية فالسؤال .هذا مستحيل بطبيعة احلالفإذا طرح .(تارخيية)حلاجة ذات طبيعة زمنية تكثيف ه اوعملية ، اي ان

جدا أن يعاد طرحه من جديد ، إال أن يكون واجيب ، فمن املستبعداجلواب األول ناقصا أو مشكوكا صحته ، او ان سالمة اجلواب مرهونة

Page 67: الحداثة كحاجة دينية

67

إن حديثنا حول احلاجة إىل االنفتاح على الثقافات األخرى ، . بظرفه اخلاصصادر عن حاجة سابقة افترضناها أوال ، وهي ان هذا االتصال سوف

حول ما عندنا وما نتبناه ، وسوف يكشف لنا يساعد على إثارة االسئلة .بالتايل عن نقاط القوة ونقاط الضعف فيه

ولسوء احلظ فان الكثري من املشتغلني بالثقافة ، ومنهم كتاب وأصحاب رأي ، اختذوا قرارا بان كل سؤال يطرح اليوم ، فهو صورة

القاريء ا غري احالةوهلذا فهم ال يفعلون شيئ .مكررة عما طرح املاضيوظهر يل من خالل متابعة الصحافة ، أن هذا .لى جواب االمسعأو املتلقي

خطباء وكتاب وقراء ، ومثة منابر وصحف تتهفنن ، املنهج له رواد كثريون معاجلة قضايا اليوم من خالل مفردات وجتارب املاضي ، مبا يؤدي إىل

والصاقها عنوة مبا حتفظه اقتالع القضايا املعاصرة من شروطها االجتماعية ، الذاكرة من تصورات عن املاضي ، بغض النظر عن كون هذه التصورات

.كاملة أو ناقصة ، شاملة أو انتقائية

وهو نتاج حقيقي لشروط هذا إن سؤال اليوم هو ابن هذا اليوم ،مث إن .ولو كان شبيها لسؤال االمس ، ملا ثار أصال وملا لفت االنتباه .اليومبينما يعكس ثباما ، مجودا االذهان .تطور يكمن تغري األسئلةسر ال

.والواقع ، ال يستحق أن يتمسك به أو أن يراعى

أخريا فانه ال ميكن معرفة عيوب النفس وفضائلها ، إال برؤية تبدو ، مثل الكفاءات الذهنية والعملية ، فالفضائل االخالقية .االخرينمن و .ىت يرى ما هو أكمل منها عند غريهح ، الكمال غاية لصاحبها

تتولد احلاجة إىل استكمال النقص وعالج ، خالل املقارنة واكتشاف االرقىولو مل خيضع االنسان ما عنده من صفات وكفاءات للمقارنة مع .العيب

Page 68: الحداثة كحاجة دينية

68

نظائرها عند غريه ، ملا شعر بالنقص وملا تولدت نفسه الرغبة للسعي حنو هو القول بانه ، املوارد اليت اتفق عليها مجيع البشر بني من نعلم ان و .الكمال

ال يوجد انسان اال وعنده شيء من النقص ، علمه أو صفاته أو هذا النقص قد يكون تعبريا عن قصور ذايت ، وقد يكون انعكاسا .ملكاته

.لعيب الثقافة اليت اعطته شخصيته اخلاصة

مل يستوعبها ، ادرين على فهم امور شريعتنا لقد أصبحنا اليوم قهيئة االعجاز "واظهرت احباث اصدرما .الذين سبقونا من اهل الشريعة

أن كثريا من كشوف العلم احلديث ، جمال الطبيعة " العلمي القرآنوالتشريح خاصة ، تتطابق مع مفاد آيات من القرآن ، فهمها السابقون بغري

يب ، لقد ساعدتنا العلوم اليت تطورت اإلطار املعر الغر .مما نفهمها اليوورمبا بقينا ابعد عن سرب اغوار هذا البحر .على فهم أفضل ملصدر شريعتنا

العظيم الذي اننله اهلل على نبينا ، لو مل ترس قواربنا مواينء االخرين .باحثة عما عندهم من فوائد

اخرى هي افتقارنا اىل مناهج اضافة اىل ذلك فاننا نواجه مشكلةالبحث التجربة التارخيية لالمة االسالمية ضروري ومفيد .للبحث والنقد

لكن كيف ميكن لنا أن نستفيد .جدا إذا اردنا اغناء حياتنا الثقافية املعاصرةمن هذا التراث العظيم وحنن نفتقر إىل الوسائل املنهجية اليت حيتاجها

الوسائل موجودة ملا حتول البحث التراث إىل لو كانت هذه .الباحثان فقدها هو الذي جيعلنا ننظر إىل تراثنا كما ينظر .مشكلة بني الباحثني

.الاالنسان إىل كنن صندو من النجاج حمكم االقف

ال مفر من االستعانة باالدوات العلمية للبحث ، بغض النظر عن تلك االدوات وسطها ، واال فان البيئة املعرفية واحلضارية اليت تطورت

Page 69: الحداثة كحاجة دينية

69

ونشري هنا اىل ان بعضا من ابرز النصوص .ذلك التراث سيبقى بال فائدةالعلمية والفلسفية اليت تركها اجدادنا ، مل تكن لتنال اهتمامنا لوال سبق

وعلى سبيل املثال ، فلوال التفات علماء .الغرب اىل تسليط االضواء عليهالغربيني اىل مقدمة ابن خلدون فلرمبا مل نعرف قيمتها ، االجتماع والتاريخ ا

ولوال ان بعض ب قومنا درس علوم الطب والرياضيات الغرب ملا .اكتشفنا قيمة العلوم اليت ساهم اجدادنا ابتكارها او تطويرها

ما جيب ان خنشاه حقيقة ليس تشكك ابنائنا دينهم ، فهذا وعلى اي حال فان حدوثه بصورة .واذا حدث فهو قابل للعالج .مستبعد

لكن ختلفنا الشامل على املستوى العلمي .فردية لن يكون شديد اخلطرالهنا .والتق واالقتصادي واالجتماعي ، هو العلة الكربى اليت ما فوقها علة

.هلوجتعل انساننا اسريا للطغيان والفقر واجل .جتعل ديننا من دون فاعليةفال شك ان علة . وجتعل امتنا ككل فريسة الطماع الضعفاء واالقوياء

رمبا ، اخطر واشد اثرا من تشكك –املنتشرة فعال جسد امتنا –التخلف ، او عدد حمدود ممن ثارت االسئلة ذهنه ، يعتمل نفس واحد او اثنني

االول وراء هو العامل، ان ختلف اجملتمع وضعف االمة . ومل جيد جواباضعف اعضائها وانكسارهم حني يواجهون الغري ، وقوما هي العامل االقوى

وما دمنا ضعفاء متخلفني .صمود شخصيامم وصالبتها ازاء التحديات وراء .يبقى احتماال دائما كاملرض املنمن، فان تساقط اخوتنا او اهنيارهم ،

، بل باستعادة اجلسم وعالج هذه العلة ليست باحلذر من التعرض للرياح .املريض لنظام مناعته ، اي عودته اىل احلياة الطبيعية سليما معاىف

لعل ابرز ما نستفيده من التواصل مع املدنية املعاصرة وتيارات .املعرفة اليت متوج فيها ، هو تقييم كفاءتنا الثقافية ، وتقييم كفاءة ثقافتنا ذاما

فاهنا ال تعينك حىت على صياغة االسئلة ، حني تكون ثقافتك بسيطة متخلفة

Page 70: الحداثة كحاجة دينية

71

حنن حباجة اوال اىل اثارة االسئلة حول .فضال عن معرفة اجوبتها ، الصحيحةلعل اكرب مشاكلنا .من اجل ان تتحرك عقولنا الراكدة، انفسنا وحول الغري

الثقافية هي الركون إىل الدعة الذهنية ، ومهادنة الذات ، والظن بان ما منلكه فهذا الركون .يكفي للرد على كل ما هو مثار من األسئلة ، جوبةمن اال

وهو ينيد من رهن عقولنا لقضايا اليوم ، جدوائية التغيري يو نا بال .وحاجاته، وحيجب عنا احتماالت الغد وحتدياته

ان االنفتاح على العامل اوسع من هذه القضهية : قال يل صاحيب فسواء كنا متخلفني او مل نكن ، فان منطق االمهور يقضهي بهان .احملددة

حنن نعهيش .يتعارف الناس ويتعاونوا على االرتقاء مبستوى احلياة االنسانيةوال بد لنا من التعارف والتعاون على .فو كوكب واحد مثل ركاب سفينة

يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكهر وانثهى )يقول احلق سبحانه .اي حالومن اغرب االمهور ان (. 02احلجرات –شعوبا وقبائل لتعارفوا وجعلناكم

واشري هنا .االمم الغربية تطبق هذا املفهوم على وجه افضل واكمل مما نفعل : اىل مستويني مهمني

ان مها .هو اجتهادهم الكثري معرفة العهامل : املستوى االوللذي قام به الغربيون الكتشاف هو مثرة للسعي ا ، نعرفه اليوم عن بقاع العامل

ان السعي للفهم والتعارف .االرض والتعرف على عادات االمم وثقافاما .هذا العصر هو تقليد ينسب الفضل فيه اىل الغرب دون غريه

.هو اجلهد الذي يبذلونه حلماية احلياة البشهرية : املستوى الثاين، وههي اتفها دويل واشري هنا اىل مثال واحد فقط هو معاهدة كيوتهو

يستهدف ختفيض مستوى التلوث البيئي املؤدي اىل االحتباس احلراري وتغيري

Page 71: الحداثة كحاجة دينية

71

هذه املعاهدة ما كانت لتتم لوال جهود اهل الفكر والسياسة .26املناخ العامليدليال علهى –دون ادىن شك –وهي تشكل .ومحاة البيئة العامل الغريب

انية والكوكب الذي تعيش فيه ، بغض شعور عال باملسؤولية عن مصري االنسومثهل ذلهك سهعيهم .النظر عن ادياهنم او ثقافامم او مواقفهم السياسية

الدؤوب لنشر فكرة حقو االنسان العامل كله ، ونعرف مثال ان نظهام الر ، اي استعباد البشر ، وال سيما كونه نظاما حمميا بالقانون ، مل ينته

اال بضغط الغربيني منتصف السهتينات مهن القهرن ، العامل االسالمي .املنصرم

ان العالقة بني املسلمني وغريههم ه وال سهيما : قلت لصاحيبفطبيعة احليهاة .االمم الغربية ه ليست خيارا نقرر املضي فيه أو تركه جانبا ولو حاولت فهي . هذا العصر ، ال تسمح ألمة من االمم ان تعتنل العامل

ولدينا من التجارب الواقعية القريبة زمنيا ، ما .27ى نفسها وابنائهاستج علوبينها على سبيل املثال جتربهة الهدول .يربهن على عبثية السعي إىل العنلة

الشيوعية ، اليت كافحت حكوماما بعد احلرب العاملية الثانية حهىت اواخهر ، حبجة كون ههذه الثمانينات ، البقاء شعوهبا معنولة عن اجملتمعات الغربية

اجملتمعات معادية لنهجها او حلاجتها اىل التفرغ لبناء جمتمعها وفق منههجها وإذا بتلهك ، احلديهدي فلما قويت الرياح وراء الستار .كما قالت اخلاص

الدول تنهار الواحدة بعد األخرى ، مثل بيت من الكرتون تعصهف فيهه الشرقي قد بدأ بولندا ، اليت ومن مفارقات القدر ان اهنيار املعسكر .الريح

لكنه سقط على يهد نقابهة .كان يوصف نظامها بأنه من االنظمة املكينة

26باتفاقيةة االمةم المتحةدة االطاريةة الملحةق( 8991)انظر نص بروتوكةول كيوتةو

: موقع االمم المتحدةبشأن تغيير الم،اخ ، في www.un.org/arabic/largerfreedom/KyotoProtocol.pdf

27 رحلة الفكر اإلسالمي من التأثر إلز التزأ م: السيد محمد الشاند . د

18. صدار الم،تخب العربي ، ، ( 8997بيروت )

Page 72: الحداثة كحاجة دينية

72

. 28يرأسها عامل كهرباء مصنع للسفن، للعمال الفقراء

العامل ، اي كوريها انغالقا االنظمة اشدواذا نظرت اليوم اىل ا مهن اهن فسوف جتد، اليت حيكمها هي االخرى حنب شيوعي ، الشمالية

اكثر الدول فقرا ، وان شعبها من اكثر شعوب العامل غربة عما ميهوج بهه قارنة بني امال كوريا الذي يتهدد اهله ملا .العامل من تطورات كل صعيد

اجلوع ، وبني جنوهبا الذي تغنو منتجاته شر العامل وغربه ، تهدل مبها ال وعه لالستبداد ، وانفتاح الثهاين ان انغال االول وخض، يترك جماال للشك

.واخذه بالدميقراطية واحلريات العامة ، هو السر فقر ذاك وازدهار ههذا وحاصل القول ان الكالم عن اعتنال العامل ، وعدم احلاجة إىل العالقة به ،

.عبث ال يستحق اطناب احلديث

غبة ان قومنا املبغضني للغرب ال يقولون باعتناله ر: قال يل صاحيببل خوفا مما تنطوي عليه ثقافة الغرب ومنوذج حياته من فساد . العنلةوهم يرون الذي عندنا من ثقافة االسالم كفاية وغىن عما .واحلاد

.أيدي الغري

لكنه .صحيحا على املستوى النظري هذارمبا كان : قلت لصاحيبأسلفنا القول بأن وقد .جمرد تربير للخوف من االنفتاح – واقع االمر –

لكنها احتملت فو هذا ، .ثقافة اجملتمعات املسلمة فيها ظالل من االسالمإن االسالم معطل عن الفعل حياة .كثريا من النبد أخفى رائق املاء

بدأ الصراع بيج الحكومة الشيوعية وعمال ب،ةاء السةفج باضةراع فةي حةوض 28

كممثل للعمةال مسةتقل ( التضامج)حيث تأسست نقابة 8913غدانسك عام

عج اتحاد العمال التابع للحزع الشيوعي وواصلت تضامج نضالها وتحولت إلةى

8919البرلمان في أول انتخابات حرة عام حزع سياسي وفازت بأغلبية مقاعد

رئيسها ليخ فاليسا االنتخابات الرئاسية وأصبح كسب 8993وفي العام التالي

.العالمية الثانيةأول رئيس غير ايوعي لبول،دا بعد الحرع

Page 73: الحداثة كحاجة دينية

73

وإرادة أهله معطلة ، ألن ثقافتهم .املسلمني ، ألن فاعليته رهينة بارادة أهلهستنقع كبري آسن ، يأتيه قليل من ماء النبع حياة املسلمني أشبه مب .تعطيلية

الصا ، وتأتيه مياه شىت ، بعضها رائق وكثري منها كدر ، لكن تيار املاء على سطح الطافيةمث يغور حتت األكدار الكثرية ، يتمن شيئا فشيئا

.املستنقع

، بل الوعاء الذي حيمله، فاملشكلة كما ترى ليست االسالم .وهؤالء ال شيء فيهم خيتلف عن غريهم من الناحية البيولوجية .أع أهله

جهاد النفس ، حني تراخت فيهم روح اجلهاد ، وامنا ختلفوا عن غريهم، فتخلفت عن مسايرة زماهنا وتوقفت ثقافتهم عن التجدد .وجهاد العقل

فأصبحت تقعد هبم يوم يدعون إىل القيام ، وتوهن عنمهم حني .وحاجاتهبينما أخذ غريهم بالسنن اليت وضعها اهلل كونه ، .حيتاجون إىل العنمية

االعراض كما جعل وجعل االلتنام هبا واالنسجام مع قوانينها مدعاة للعلو ، طاء ربك كال مند هؤالء وهؤالء من ع)قال سبحانه . عنها سببا االنتكاس

ليس بأمانيهم وال أماين )وقال ( 31االسراء -وما كان عطاء ربك حمظورا .(032النساء -أهل الكتاب من يعمل سوء جين به

اال ، اعتقادي اننا ال نستطيع التخلص من هذه الثقافة التعطيليةاذا قررنا التخلص منها ، او على االقل وضعها مكاهنا الطبيعي ، اي

ولسنا ملنمني بالتقيد هبا او ، تعبريا عن مرحلة تارخيية انتهت اعتبارهاولكي نصل اىل قرار من هذا .او بالقيم اليت تولدت اطارها ، مبقوالماحباجة اىل معرفة عينية للفار اهلائل بني نتاج هذه الثقافة حنفن، النوع

، االخرين وبالتايل وضعها على مائدة املقارنة مع ثقافات .ونتاج غريها .الذين ضربوا اشواطا طويلة دروب احلضارة

Page 74: الحداثة كحاجة دينية

74

القدمي االنفتاح حمنة

لقد تعرف املسلمون على الغرب منذ ما ينيد : قال يل صاحيب فما .قول ان ذلك االنفتاح مل يات خبريوبعض قومنا ي .على قرن من النمان

.الذي يضمن ان يايت تكرار التجربة بافضل مما جاءت به االوىل

لكنه .وال زال قائما، لقد حدث االنفتاح فعال : قلت لصاحيب بدل ان يوفر الفرصة الكتشاف الذات وصياغتها من جديد ، فقد حتول إىل

.حمنة القت بكلكلها فو أكتاف اجملتمع املسلم املثقل أصال باهلموم واحملن

املسلمني والسر هذا ، ان االنفتاح العام الواسع مل يأت مببادرة وقت كان وعيهم غائبا ، ووجودهم . بل جاء رغما عنهم .وال بوعيهم

لك ابدأ باالشارة إىل أ ية املبادرة والوعي .مهددا ، ويأتيك تفصيل القول، اقتناص مثرات االنفتاح ، فأذكر املرحوم السيد مجال الدين االفغاين

املبكر هو ه سر وعيالوكان .الواقع الذي يعيشوعى رجل على كمثل يومئذ ، ودور االسالم ديارتأمالته العميقة الوضع الذي آلت اليه زار مجال الدين اوروبا واقام .االوربيني تعميق ماساة املسلمني وختلفهم

واستوعب طبيعة العالقة القائمة بينها وبني االقطار ، فيها ردحا من النمن .تقدمها وختلف املسلمنيوفهم السر اإلسالمية ،

كانت الرسالة االوىل دعوة مجال الدين إىل املسلمني ، هي يقول مثال ان الشر .الوعي ، والتحرر من عبودية اجلهل وعبودية الطاغوت

ما سقط عن رفيع مننلته ، وال استوىل الفقر والفاقة على والواالستكانة على عامريه ، الذلساكنيه ، وال غلب

Page 75: الحداثة كحاجة دينية

75

سلطت عليه االجانب ، وال استعبدت اهله االباعد ، إال ت .29العراض الشرقيني عن االستنارة بنور عقوهلم

لقد اغفل الشرقيون علتهم وتناسوا ان دواءها عندهم

يعرفوا انفسهم ، وما انطوت عليه من أوشكوا ان ال حىتوالقدرة الكاملة والسلطة املطلقة على عامل ، القوى املقدسة

، البسائط واملركبات لديه ختضع الفعال الذي والعقل ، الطبيعة .يع املواليد من احليوان والنباتالنافذ مج ويطيع امره

البائس راي مجال الدين هوهذا احلال سبب

امتداد زمن توغلهم اخلرافات اليت تنيل البصرية ، وتستوجب احملو التام والذهول املستغر ، بل تستدعي

طول مكث [ اضافة اىل]...نل إىل املرتبة احليوانية التن .30الشرقيني حتت نري استبداد املستبدين

لقد أمثر عن انفتاح مجال الدين الواعي على العامل ، تأسيس تيار حيصل على الغلبة والسيادة ، وهو تيار مل .الوعي والتنوير العامل اإلسالمي

، الذين مل يغمضوا عيوهنم عن ختلف نه أصبح مرجع الواعني واملستنريينلكوال انسلخوا مهن جلهودهم ، خوفا من طر احملرمات املصطنعة ، قومهم

وها حنن اليوم نذكر مجال الدين وتالميذه وتالميذهم ، .انبهارا بتقدم الغربباعتباره وإياهم رواد االصالح الدي والتحرر السياسي والتجديد الثقا

.عامل االسالم

مجال الدين الذي حاول ان يفهم اسرار تقدم ى العكس منعل

29، جمزا الزدين االفنزاني: سلسلة االعمزا المهوولزة : علي الال

98 .رياض الريس لل،شر، ص( 8914ل،دن )30

14 .، ص المصدر: علي الال

Page 76: الحداثة كحاجة دينية

76

العليا من فان النخب ، تاخر املسلمني اسباب وما يقابلها من ، االوربينيواطلعت على حضارما نفس ، اليت زارت اوربا ، الفرس والترك والعرب

اىل ، ، عجنت عن جتاوز املشهود من اشكال احلياة ومظاهرها ك النمناذبل لعلنا ال جناوز التحفظ اذا قلنا اهنم قد انبهروا مبا .ها واسباهبااسرار

ما جاء هبا من عو، فانشغلوا هبا عما وراءها .شاهدوه من مجاليات احلياةوهلذا فحني فكروا نقل التجربة ، انصب . وسياسي وماديجهد عقلي

فهم االسباب واالسرار داهتجالبدل ا ، اهتمامهم على شكلياما اخلارجيةوكرروا بذلك قصة النبون اليت اشار اليها مالك بن نيب .والدوافع واملعايري

.وذكرناها صفحة سابقة

ونعود إىل انفتاح العامل اإلسالمي على الغرب ، فنقول انه مل ، فقد جاء على طريقني ، اوسعهما حماوالت النفوذ االجنيب .حيدث طوعا

طرة االستعمار مباشرة على معظم أقطار املسلمني ، اليت توجت بسي، والطريق اآلخر هو انفتاح احلكومات املسلمة .وسيطرته املقنعة على البقيةبتحديث اداراما وجيوشها ، فأرسلت البعوث ، اليت ارادت تعنين سلطاهنا

.واستقدمت املستشارين واخلرباء االجانب، إىل العواصم الغربية

ايقاظ املسلمني من ، الغرب من االستعمار ومل يكن غرضكما مل يكن هم حكومات .بل كانت مصلحته تقتضي العكس .نومهم

او .من اجل ان تتقدم وتستغ عن االجنيب، املسلمني نقل املعرفة اىل بلداهنا العمل عليه ال و، لنقل على سبيل التحفظ ان هذا الغرض مل يكن واضحا

م احلكام االكرب هو تكوين خنبة متعلمة حتسن ادارة بل كان ه. مربجما وجادااما اجملتمعات املسلمة .كي تساعد على متكني السلطان وإطالة أيامه، الدولة، فقد شعرت بالقلق على الذات كانت على هامش اهتمام حكومامااليت

فاستمسكت بعرى الرفض ، التمكني لالجانب عواقب واهلوية ، وخشيت

Page 77: الحداثة كحاجة دينية

77

وحاولت قدر . املستوى االجيايب حينا والسليب أكثر االحيان ، واملقاومةعمرون ان ال سبيل لتمكني فوجد املست .31استطاعتها الذوذ عن حياضها

فأصبحوا .، غري مميش الرابطة الروحية اليت مجعت خمتلف األقوام سيطرمملعربية الثقافة ا ، أمة واحدة تتفاعل حميطها الواسع - اشار غليون كما –

اليت محلت الدين والننعة االدبية واالجتماعية ، والفارسية ذات الننعة الالهوتية الفلسفية االشراقية ، والثقافة اليونانية العقلية ، والثقافات اهلندية

.32والتركية والعديد من الثقافات الصغرية االخرى

القومية هلذه أو هو فصل اهلوية الوطنية االستعمار كان غرضا وهكذا تكرس االسالم موضوع .33أي الدين ، الشعوب عن عمادها الثقا

فحفظ اهلل دينه ورد كيد .للصراع بني املسلمني والغرب املستعمر رئيسياشجرة الكراهية املسلمنينفوس هذا الصراع غرس لكن .الكافرينونتج عن هذا أن أصبحت العالقة .رمنا للشيطان العصري فأمسى للغرب،

.الغرب ومقاربته أي صورة غري احلرب ، باعثة على الريب والقلق معوانسحب هذا التصنيف الرمني على كل شيء ميلكه الغرب ، مفيدا كان أو

.ضارا

اليت كانت فيما ، ومنثل هنا بالفلسفة والعلوم الرياضية والطبيعية .ني املسلمنيمضى درة التاج احلضارة االسالمية ، فاذا هبا اليوم مهملة ب

، وهم يرسلون والغريب االمر ان املسلمني مجيعا يتوقون اىل التعلمتلك للحصول على ، بلداهنم و بلدان الغرب ابناءهم اىل اجلامعات

31

المعهةد ( 8993وااة،طج )، الخطاب العربي المعاصزر: فادي اسماعيل

94 .العالمي للفكر االسالمي ، ص32

، المركةز الثقةافي العربةي ، )8993بيروت (، نظام الطائفية: برنان غليون

888 .ص33

( 8994بيةروت )، المنزربالوطنيزة والتحديييزة فزي : ب،سعيد العلوي . د

44 .مركز دراسات الوحدة العربية ، ص

Page 78: الحداثة كحاجة دينية

78

. تفلح اعادة انتاج العلم بالدهممللكن جهودهم هذه .املعارف

، لعلوم تلك ا اهلوة العميقة اليت تفصل كمنت هذه املفارقة علةان قومنا .بني اضالعهاعادة انتاجها املسلمون راد ااالطار املعر الذي عن

يريدون تقدما علميا من دون فلسفة للتقدم ، ومن دون نظام عالقات ومن دون حريات سياسية واجتماعية توفر ، اجتماعية يسند احلركة العلمية

او دون خوف ، النقد والتعبريلتخيل والتفكري وآمنة ل بيئة والباحث للعامل .قلق

، او كثري منها، حىت وقت قريب كانت جمامع العلم الشرعي .خوفا مما فيها من مقوالت يعتربوهنا كفرية ، تدريسها حترم قراءة الفلسفة او

وما تطور العلم اجملتمعات الغربية اال بعد .واحلق ان الفلسفة ام العلوموالتفكري العلمي هو .الفلسفة هي طريق التفكري العلمي .هنوض الفلسفةدراسة اجلغرافيا السابقني بعض العلماء انكر ومثل ذلك فقد .طريق التطور

وحرم بعضهم .الهنا ختالف ما وروثوه من مقوالت قدمية، والفلك احلديث كي ال تتخذ سبيال للتاثري على عقول ناشئة ، دراسة اللغات االجنبية

لكن .صحيح ان معظم هذه االعتبارات واالراء مل تعد متبعة اليوم .منياملسل .وهي تتجسد مظاهر اخرى .اخللفية الذهنية اليت ابدعتها ال تنال موجودة

مر غالذي ي، واظن ان ذلك كله يرجع اىل الشعور العميق بالقلق واالرتياب .اليوم الغربمثل ذي يتهم ازاء اخلارج ، الءنفوس قادة املسلمني وزعما

ان الغرب ال يتجسد ذهنية املسلم املعاصهر : قال يل صاحيب باعتباره وعاء حلضارة ميكن االستفادة من جتربتها ، أو ثقافة ميكن التفاعهل

ومع اننا قهد .بل يتجسد كعدو يتربص الدوائر ويبحث عن الثغرات .معهاأخذنا ببعض ما عند الغرب من علوم ومن أساليب حياة ، إال ان انتقال هذه

، رغم ان هذا القدر من التواصل .العلوم واالساليب مل يغري نظرتنا املرتابة اليه

Page 79: الحداثة كحاجة دينية

79

.34قد خفف بقدر ما من الرمنية العدوانية لصورة الغريب الذهنية املسلمة

ولعل الساسة الغربيني الذين عملوا الخترا العامل اإلسالمي ، قد .رغم ضخامة اجلهد الذي بذل ألجله، فوجئوا بضآلة ما حصدوه من جناح

واالتكال على النخب املالكة ، فاستعجلوا االمر بترك اجلمهور العام جانبا االرهاب قومم العارية بقصد - كثري من االحيان -واستعرضوا .للدولة

. 0991والتخويف ، كما حصل منذ االحتالل العراقي للكويت أواخر لكن انعكاسات هذا النوع من السياسات ، مل يأت بالنتيجة املتوخاة ، فاجلمهور وان تراجع أمام اهلجمة الغربية ، إال انه اجته إىل املنيد من

مي اليها وما يبتعد االلتصا مبقومات هويته ، والتشدد التميين بني ما ينتواعتنال ، 35وأدى ذلك إىل عنل النخبة املسايرة للغرب داخل اجملتمع .عنها

الدولة اليت أصبحت منفصلة عن شعبها ، بل و معظم احلاالت قلقة منه أو ان االنكماش على الذات وااللتصا بتجسيدات اهلوية ، .معادية لهه

تلجأ اليها اجملتمعات حني تعجن عن واملبالغة تعظيمها ، هي الطريقة اليت .36التصدي هلجوم خارجي يستهدف اهلوية أو بعض مقوماما

، اب املسلمني العالقة مع الغربوخالصة القول ان ارتية االمر عن ميل طبيعي وترددهم التفاعل مع حضارته ، ال يعرب حقيق

بل يرجع إىل قلق .ري، وال يرجع بالضرورة إىل استكبار على الغ إىل العنلةجسرا إىل من ان يكون هذا التفاعل ، أعما املسلم املعاصر متجذر

كما يعتقد معظم ه ومن بينها .التسليم الطوعي لسياسات الغرب واراداته

34

، (8911بيةروت )، الزدين والطقزوو والتنييزرا : نور الةديج طةوالبي . د

18 .، صترجمة وجيه البعي،ي ، م،شورات عويدات 35

، تهسير الفهوة بين الميقفين وصانعي القزرار: سعد الديج ابرانيم . د

17 .ص( 8917عمان )36

91 .المصدر السابق ، ص: فادي اسماعيل

Page 80: الحداثة كحاجة دينية

81

الغاء االسالم أو مميشه ، واالستيالء على ثروات املسلمني أو ه املسلمنيوهي ارادات مل يسلم هبا املسلمون يوم كان الغرب قادرا على .استعبادهم

قهرهم واالستيالء على بالدهم ، فهل يسلمون وقد تغريت األحوال ، صبح مسلمو اليوم غري مسلمي وأ، فأصبح غرب اليوم غري غرب االمس

.؟االمس

.للنفع أو الضرر وسيلةان االنفتاح بذاته ليس : قلت لصاحيب، هو الذي ديد املسبق لألغراض املتوخاة منهالنفتاح والتحالوعي بفوائد ا

وانفتاح األمس امنا حتول إىل حمنة بسبب غياب الوعي .جيعل االنفتاح مفيدا رئيسوهذا سبب ، ، وغياب التحديد املسبق لألغراض ، وغياب االختيار

، و العالقة بني النخب املتعلمة لالختالل الراهن الثقافة العربيةال فقد ، وإذا عدنا اليوم إىل نفس شروط التجربة املاضية .37واجلمهور العام

قائما على ، لكننا نريد اليوم انفتاحا خمتلفا .من حصاد األمسخريا حنصداالختيار ومع وجود حد أدىن من التوازن ، واملعرفة املسبقة مبا نريد وما ال

.نريد

اهلوية والتقدماخذنا بنظرية توينيب حول صراع احلضارات ، اذا : قال يل صاحيب

ان .فقد كان جديرا باهلجمة االستعمارية ان توقظ روح التقدم املسلمنيكما كانت ، مل تكن هنيلة او حمدودة النطا مقاومة املسلمني لتلك اهلجمة يسحقوا ويتالشوا مل وهلذا فاهنم .الشمالية مقاومة اهلنود احلمر امريكا

وهذا االمر ال يقتصر على اجملتمعات االسالمية الكبرية .الولئككما حصل

37

نظةرة فةي االتصةال الثقةافي الةدولي والعوامةل : نادي الهيتي وقالد الراوي

إشزكالية العالقزة اليقافيزة : الميسرة لسريانه مج الغرع إلى العرع ، في 411. صمركز دراسات الوحدة العربية ، ، ( 8994بيروت ) مع النرب

Page 81: الحداثة كحاجة دينية

81

اجملتمعات املسلمة البلقان واسيا مثل، فحىت الصغرية واملعنولة منها ، رغم شدة حماوالت التفكيك ، الوسطى ، بقيت حمافظة على هويتها الثقافية

الصمود عن اطال ملاذا مل يثمر هذا: وهلذا فاين اتساءل .اليت قام هبا الغناة .كما جرى اليابان واملانيا مثال ؟، لطاقات التقدم واالبداع بني املسلمني

هذا هو حقا سؤال املليون الذي حارت جوابه : قلت لصاحيبمثة .وال اظن ان باالمكان تقدمي سبب وحيد لتفسري ذلك النكوص .االلباب

واستعري هنا .تعلق بالثقافةلكن ما يهمنا منها هو ذلك امل .تفسريات خمتلفةيقول . استنتاجا توصل اليه سياسي مسلم سيا تقييمه للتجربة اليابانية

: جنم الثاقب خان الذي عمل سفريا للباكستان اليابانفسرت يل التجربة اليابانية كيف ان القومية اذا فسرت

قادرة على ، واستخدمت على حنو سليم ، بصوة اجيابية ان القومية فرس قوي . لتحديثاتشكيل حتالف مالئم مع

فقد يقودها بقوة اىل اعلى .اذا وضع امام عربة التحديثخاصة اذا كان القادة ، ها باجلبل ، واذا اعترضها فقد يقل

38مهووسني بالسلطة.

رغم شدة متسكهم –الذي حصل التجربة اليابانية ، اهنم مل يغلقوا عيوهنم عن السبب الذي جعل الغرب -اخلاصة مبقومامم الثقافيةفبالرغم من ، هلذا .التكنولوجيا والنظام االجتماعي اي ، متفوقا عليهم

وبرغم االنكسار ، اخلسائر الكبرية اليت امثر عنها الغنو الغريب لبالدهماال اهنم عقدوا العنم على اصالح ، السبب الروحي الذي عانوا منه هلذا

من خالل تب ، ، وال سيما سوقه حنو االنفتاح الداخلي نظامهم االجتماعيواالخذ بالعلوم والتكنولوجيا اليت ، النظام الدميقراطي ، واالنفتاح على العامل

38، ( 8998القةةانرة )دروس مةةج اليابةةان للشةةرق االوسةةط ، : ن ةةم الثاقةةب قةةان

48االنرام ، ص

Page 82: الحداثة كحاجة دينية

82

ذهاب –كما اشرنا سابقا – وهم مل يذهبوا اليها .تطورت عند اعدائهم .ستغ هبا عن معلمهبل ذهاب املتعلم الذي يسعى للمعرفة كي ي ، النبون

، وما ادى هبم اىل االرتقاء مدارج العلم والثروة ، وهذا ما حصل عندهم .اليت نعرفها اليوم

.، فقد كان على الضد من ذاك اما ما حصل بالد املسلمنيمنيعا سدا ووضعوا خصوصيتهم الثقافية ، لقد بالغ املسلمون املقاومة

وضع .وهذا ما يصفه جنم الثاقب خان بالقومية .الغربينيبينهم وبني الغناة مقابل ، كانت دينية او عرقية سواء ، اي هويتهم اخلاصة املسلمون قوميتهم

النظر اليت نظروا اليها كمخلو غريب ، وهلذا اعرضوا عن ، احلداثةوهذا ما ادى اىل بقائهم متخلفني عن ركب التقدم . امكانية االستفادة منها

. العامل

، ويرمي جنم الثاقب خان جانبا من املسؤولني على قادة املسلمني واظن ان هذا التفسري . الغربب موال سيما احلقبة اليت شهدت بداية اتصاهلواظن ايضا ان املسؤولية ليست .صحيح باالمس كما هو صحيح اليوم

.الفكر والدين ، بل تشمل ايضا قادة صورة قادة املسلمني السياسينيحمالتماين من خالل النفخ نار ، ركنوا على مقاومة املستعمر فهؤالء مجيعا

، هذا عن تعنين مكانتهم بني شعوهبمقد امثر و .بني االسالم والغرب. ورموزا للتحرر من هيمنة االجانب، اعتبارهم ممثلني لروح اجملتمع وهويته و

االمر ، وال سيما متديده عرب االزمان ، فان املبالغة ذلك ، لكن املقابل حىت الوقت الذي تالشت فيه الغنوة االستعمارية ، ادى اىل عنل

اخرى فقد بعبارة .علمي وتق تطور ما جيري العامل من املسلمني عقلق املسلمني من اهلجمة –عن غفلة او قصد –استثمر هؤالء القادة

دية او الطبقية ، بدل ان يستثمروا النهوض ليعنزوا زعامتهم الفر، االجنبية

Page 83: الحداثة كحاجة دينية

83

الروحي اطال روحية التعلم والتقدم واالبداع التق والعلمي وهذا هو معىن كالم جنم الثاقب خان عن اعتراض فرس القومية .جمتمعامم

. لعربة التحديث

الذي ، واريد هلذه املناسبة االشارة اىل ذلك التيار من الثقافة منتصف اخلمسينات حىت اواخر السبعينات من القرن العشرين ، انتعش بني

وصد التاثري ، والذي كان متمحورا جممله حول الدفاع عن االسالم على التماين بني االسالم ركن هذا التيار. الغريب على الشباب والناشئة

يرجع ، حركيون خمضرمون مفكرون تقليديون و ونشط وسطه .وغريهوكانت مسته الغالبة هي . ىل مجاعة االخوان املسلمني مصركثري منهم ا

اال ، السجال مع الغرب ومل يعبأ بنقد الذات او النظر فيما يعاب عليها . نادرا

التيار قد جنح مهمته ، رغم ما تركه من هذاواحلق ان . اشكاالت ومشكالت

كما . ظرف املساجلة حتتاج إىل رد الذي يهامجك من اخلارجوهلذا فقد .كي ال تتفتت أو تضعف ، حتتاج إىل تثبيت جبهتك الداخل

وقائع ا حيكي مماكثر أماين وافتراضات ك يصنفقلنا كثريا من الكالم ، مما من نوع ان جتربتنا القدمية اكثر تطورا وقيمة من جتربة كالم .ومنجنات

، ضرورة ي مضى ومن نوع ان العودة اىل التاريخ الذ .املدنية املعاصرةرمبا كان قول تلك االشياء مفيدا لرد .ستعادة الذات ، وما اىل ذلكال

لكن املشكلة أننا صدقنا .التحدي الوارد الينا من اخلارج بغرض السيطرة ."أفعل التفضيل"كثريا مما قلنا ، خاصة من ذلك الذي اضفنا إليه مرادفات

ا ال ننال مسترحيني إىل ما قلناه وجند اآلن ، وبعد أن انتهت املساجلة ، أنن، وان غرينا هو األقل سابقا ، من أننا األفضل واألمثل على كل صعيد

Page 84: الحداثة كحاجة دينية

84

يشري ، ونفرح كثريا إذا اصطدنا خربا هنا أو هناك .واالسوأ على كل صعيداملشكلة أننا صدقنا ما قلناه مثل جحا .ه ولو من بعيد ه إىل صد دعوانا

فادعى ان اخلباز ، الساخرين منه ومن محارهالذي اراد تفريق الصبيان فلما انفض الصبيان عنه وتراكضوا .اول النقا يوزع احللوى جمانا لوجه اهلل

واال ، لعل االمر صحيح : نفسهحمدثا ركض وراءهم ، مةحنو احللوى املنعو .لقد افتعل الرجل طرفة مث صدقها بعدما راى جناحها .ملا ذهبوا مجيعا وراءه

ليس حقيقيا بقضه ، الكالم الكثري الذي قيل ظروف املساجلة لكن بعضنا رمبا يظن انه كان .وقضيضه ، وان اتصل بعضه خبيط من احلقيقة

وقد .ضروريا لتسوير كياننا الذي تعرض للهجوم وحنن حلظة ضعف واومل يعد خطر اهلجوم األجنيب ماحقا .مضى اآلن ذلك الظرف وانقضى

اليوم هو اليوم ، وقد .كما كان النصف األول من هذا القرن، رهيبا وأول .حان الوقت للنظر من جديد أسباب ضعفنا الذي أغرى بنا األعداء

الذي اورثنا ضعفا التنظيم االجتماعي ، ، هذه األسباب هو ختلف ثقافتنا ا حلرية وانغماسا شكليات احلياة الروحية واملادية على السواء ، وغياب

وعنوفا عن العلم واالنفا عليه وتبجيل اصحابه ، ، الفكر والراي والتعبري واستغراقا استهالك املوارد من دون تبصر ، واستثمارا للدين واالخال القهر والتسلط ، وانكماشا لشخصية االنسان ، حىت غدا َكاًل بعدما خلقه

.اب كل جماالت احلياةوأمثر عن هذا وذاك ختلف واضطر .اهلل َعدال

االنفتاح على الغالب والتحرر منه

ان قومنا يعتربون انفتاحا كامال كالذي تدعو اليه : قال يل صاحيبوهم يقولون ان .استسالم ملا يصفونه باهلجمة الثقافية او الغنو الثقا مبثابة

االمة االسالمية مل تنهنم مقاومة الثقافة الغالبة حني كانت ضعيفة ، فاي

Page 85: الحداثة كحاجة دينية

85

ان .حاجة تدعوها اىل االستسالم بعدما جنحت الصمود سنني طويلة ؟خطوة من هذا النوع قد تؤدي اىل هنمية ثقافية ، هنايتها القبول هبيمنة ثقافة

.اح عليهالغالب ، وان تلبست بعباءة االنفت

نقاوم هيمنة حنن اليوم .لقد اهننمنا وانتهى االمر: قلت لصاحيب حياتنا املادية كلها خاضعة . صورة رمنية ال اقل وال اكثر، الثقافة الغالبة

لتاثري املدنية الغربية ، وليس بيدنا من امرنا سوى ما نستشعره من استقالل فهو كله تقليد هلم او ، اما ما عدا ذلك .مييننا عن الغرب الغالب، روحي

ذاك اال لكوننا قد هنمنا منذ زمنومل حيصل هذا و .مفروض علينا من قبلهم :طويل

وما صبابة مشتا على أمل من اللقاء كمشتا بال امل

واهلجر اقتل يل مما اراقبه انا الغريق فما خو من البلل قد ذقت شدة أيامي ولذما

صاٍب وال عسلفما حصلت على

، بل البحث عن فعالجنا اليوم ليس ادعاء القلق من اهلنمية، وصوال اىل استجماع القوة املادية سباب الضعف اليت ادت اىل اهلنميةا

من حترير ارادتنا وانفسنا وبالدنا من هيمنة اليت متكننا، والروحية والثقافية صورة على السيطرة العسكرية تعد الغلبة مقمل ، عامل اليوم .الغالب

على الغريباهليمنة .املباشرة كما كان االمر حىت منتصف القرن العشرينالغرب قوي . اجليوش واالساطيل –ورة بالضر -ليس وسيلتها اليوم عامل

وسيلة كل وبثقافته املنتشرة عرب ، العامل على املهيمن بنظامه االقتصادي شر االرض وغرهبا من االخذ هبا ، وبعلومه اليت ال مفر الحد ، اتصال

Page 86: الحداثة كحاجة دينية

86

والذي يتطلع البشر كل بقعة من ، او مبنتجاما ، وبنظامه السياسي املتقن لقد هيمن الغرب علينا : بكلمة موجنة . بقاع الكوكب للتمتع بفضائله

.وعلى العامل كله النه تفو حضاريا

منة الغرب هي استيعاب االسباب اخلطوة االوىل للتحرر من هياليت قادته اىل احلضارة والقوة ، مث اعادة انتاجها وتطويرها ضمن اطارنا

.املعر اخلاص ، الذي يتناسب مع هويتنا وجتربتنا التارخيية اخلاصة

إذا اتفقنا على ان معرفة املراد شرط للتفاعل : قال يل صاحيب ما الذي : بكلمة أخرى .؟تحديد، فما الذي نريده على وجه ال املثمر

وتفاعلهم االجيايب مع ، سيجنيه املسلمون من وراء انفتاحهم على الغرب .حضارته ؟

أهم ما نريد هو استئناف املصاحلة بني العلم : قلت لصاحيب رؤية االنسان إىل العامل ، ومبا هي تعبري عن ذاته ؤثرواهلوية ، اهلوية مبا تن بشر وأشياء أو يفصلها عنهم ، والعلم مبا هو طريق وما يصلها مع الغري م

.لالنسان لكشف حقائق الكون واستثمار إمكاناته اليت أودعها اخلالق فيهامنا نريد معرفة الطريق الذي ميكننا من اعادة .حنن ال نريد من الغرب دينا

.وتطويره ضمن الشروط اخلاصة لبيئتنا وتطلعاتنا، انتاج العلم

كانت القاعدة الفلسفية للعلم جنء من النسيج اخلاص املاضي ان فشلنا استثمار االنفتاح .فأصبحت اليوم غريبة عنها .باهلوية االسالمية

اىل االنفصال املشهود بني متعلقات –جنئيا على االقل –يرجع ،السابق .اهلوية وعلوم احلياة اليت تطورت عند غرينا

.، فليس مما نسأل عنه اآلن العلم واهلويةوأما سبب االنفصال بني

Page 87: الحداثة كحاجة دينية

87

وتوقف إنتاج ، فقد حدث منذ زمن طويل ، يوم اهنارت احلضارة االسالمية اجلديد من العلوم اطارها املعر واالجتماعي ، بل توقفت حركة العلم

يتقدم العامل سعيه ، فتحول اجملتمع املسلم من منتج للمعرفة .شىت نواحيهاوال ، ينهتج علمها ، ال لذكريات اجملد وارث ، إىل احلضارة اإلنسانيةلبناء

مث مضت األزمهان ، فتحولهت . يتفاعل مع التغريات اليت تترى من حولهوحتول معها إنتاج العلم إىل تلك الديار ، فاسهتطاع .احلضارة إىل الغرب

بينما كنا ، أولئك مبا آتاهم العلم من قوة ، أن يسيطروا على بالد املسلمنيألن العامل الذي كنها ، فلما استيقظنا ، أصابتنا الدهشة . غفلة أو غفوة

نعرفه تاليا لنا ، أصبح املقدمة ، ففنعنا ، مث عدنا إىل الذكريات القدمية ، نبحث فيها عن شيء ميأل فراغ الروح ، بينما نتفرج حاسرين على ما يفعل

ن يأيت اليوم الذي نسهتعيد فيهه مها أهل احلضارة اجلديدة فينا ، ونأمل أ . 39فقدناه

ل سبي وجدنا أن ال ، مث ملا انتبهنا وأردنا أن نأخذ نصيبنا من احلياةاتبعنها هنهج ، أو ألننا لعدم وجود البديل أما ، أعدائنا نتعلم من سوى أن

أمال كسب أسباب الغلبة ، كمها ، املغلوب الذي حياول التشبه بالغالب مل تستطع التجانس ، لكن املعرفة اجلديدة اليت أخذناها. 40خلدونأشار ابن

فال هي انهدجمت ، مع اإلطار احلضاري الذي تشكلت فيها هويتنا وأذهانناوألنه ليس من السهل على االنسان التفريط ما .وال هو تكيف معها ، فيه

ه فقد اضطر بعضنا إىل ختصيص حجرية عقله ، هو ضروري لترقية حياتهوقرر بعضهنا اآلخهر أن .لعلم احلياة ، مع احتفاظه هبويته حجرة أخرى

ووجد أقلنا أن البيت ال حيتمل ساكنني فأبقى ما كهان .يفرغ له كل البيت

39كتةاع األمةة، ، (8739الدوحةة )، دراسة فةي الب،ةاء الحضةاري: محمود سفر. د

71. ص40 838. صدار الهالل ، ، ( 8911بيروت )المقدمة : عبد الرحمج بج قلدون

Page 88: الحداثة كحاجة دينية

88

و كهل ههذه .(قدميك نهدميك )، متسلحا باملثل املعروف على ما كانبقي القهدمي نما بي ، واصل الوافد اجلديد متدده تفاصيل حياتنا ، االحوال

، ن اليهه قلوبنها حت .هحتقق ةلارغم علمنا باستح، اليه شو نت مثاال يوتوبيامثل حمب تطوف به الذكريات على ، كماالته نفوسنا وتستريح اىل ذكرى ..رحل ساكنوه مامرابع حبه االول بعد

نقل فؤادك حيث شئت من اهلوى ما احلب اال للحبيب االول

كم مننل االرض يالفه الفىت وحنينه ابدا الول مننل

وحيدثنا االستاذ فضل الرمحن ، الذي كرس أحباثه لنسج مسارات اليت تأسست على ، عن جتربة الباكستان ، جديدة للتربية والتعليم اإلسالمي

هو اختصاص أهلها هبوية متينهم عن بقية مواطنيهم من سكان ، مربر واحد، على أن اإلسالم سيكون أن اجلميع كان متفقا البداية يقول .اهلند

إطار ستكون الشريعة وان . مضمون النظام االجتماعي وفلسفة العمللكن الذي حدث بعد ذلك ، هو أن املؤسسني .القانون الدولة اجلديدة

فريق تعلم :فقد كانوا فريقني .وجدوا أنفسهم غرباء عما كانوا يتمنونهوفريق تعلم .طار احلضاري الغريب ، وهو ال يعرف من اإلسالم غري اإلمياناإل

اإلطار احلضاري اإلسالمي ، وهو ال يعرف من بناء الدولة احلديثة إال وما كان يتصوره عن الدولة االسالمية من قبل ، ليس سوى أمنيات .القليل

.أو احتماالت ، ظهر أهنا ال تنهض باألعباء اجلديدة

ال .التفار بني الثقافتني ادى اىل تعسر التفاهم بني الطرفني هذا، بل القاريء بسبب اختالف املصاحل أو األغراض السياسية كما قد يتصور

Page 89: الحداثة كحاجة دينية

89

بسبب االختالف على حتديد املفاهيم ، واالختالف على حتديد القيم الكربى ور متني وأخريا عجن هؤالء عن تقدمي تص .احلاكمة على تنظيم املصاحل العامة

ومل يرغب . مستمد من االطار احلضاري االسالمي، ملشروع دولة حديثة فأسرعوا حنو أخذ املشروع .أولئك باالنتظار حىت يتبلور مشروع مناسب

وهكذا فان االمل ابتكار منوذج دولة .اجلاهن الذي تقدمه الثقافة األجنبيةعن اهلند ، سرعان ما جيسد مكونات اهلوية الثقافية اليت بررت االنفصال

" االسالمية"بقيام دولة الباكستان على اساس علماين رغم لقب ، تالشى .الذي ينين امسها

أن أي :وجييب .هل جنحت التجربة ؟: ويتساءل فضل الرمحن بل لرمبا قال بعض الساخطني اآلن، .41جتربة حقيقية مل جتر على تلك األرضوهلهذا فهان .د هذا البلد بأي فائهدة أن النظام االجتماعي الغريب مل يف ورمبا سهيبقى . حىت اليوم هاسيمنذ تأس، باكستان جتتر آالمها ومشكالما

، كسائرمشكالت باكستان . املستقبل ألمد بعيد الهذا احلاألمهر على nation buildingتعبري عن الفشل مشروع بناء االمة، الدول االسالمية

وهي من ناحية اخرى تعبري عن الفشهل . بناء الدولةرغم جناحها األويل جتاوز املرحلة األوىل من التأسيس ، اليت قضت باستعارة ما عند الغهري ،

جتربهة .زمن ، بإنتاج اخليهارات اخلاصهة بعدعلى أمل أن يستعاض عنه الباكستان هي منوذج لكل التجارب األخرى العامل اإلسالمي ، حيهث

.رتان ، ضرورة اهلوية وضرورة احلياةتتصادم الضرو

لعل فشل املشروع الباكستاين مرده اىل حداثة : قال يل صاحيبفحني حصل اهل تلك البالد على فرصتهم النشاء دولتهم اخلاصة .التجربة

41ترجمةةة ابةةرانيم (8998بيةةروت )االسةةالم وضةةرورة التحةةديث : فضةةل الةةرحمج

814. ، صالعريس ، دار الساقي

Page 90: الحداثة كحاجة دينية

91

كما نتحدث ، تكن فكرة املشروع االسالمي ناضجةمل ، 0997 العام ،ولعل النعماء الذين تبنوا الدعوة اىل املشروع االسالمي يومذاك .عنها اليوم

على اي .ا بالنظر ملا عندنا من تراث ضخم ومتنوعرييسكانوا يظنون االمر لرمبا كان احلاح احلاجة اىل اقامة الدولة باي شكل كان ، هو السبب فحال

ار حىت تتكامل بدل االنتظ، وراء امليل اىل االخذ بالتجربة الغربية اجلاهنة .مالمح املشروع االسالمي العتيد

فمثلما .هذا يومنا االمر سيان ذلك الوقت و: قلت لصاحيبكي حنصهل منهه ، ظن اولئك النعماء ان بالوسع العودة اىل تراث املاضني

.على مشروع هلذا العصر ، فان الكثري من اهل زماننا يظنون مثهل ذلهك تلك احلقبة من االسالميني ، اي العالمهة ابهو وللمناسبة فان ابرز زعماء

مل يكن من ذلك النوع من املفكرين املأخوذين بهالتراث ، االعلى املودودي . 42القدمي ، بل لعلي ال ابالغ ان صنفته اىل جانب احلداثيني بني التقليهديني

وعمهق ، يدل على اطالع على ثقافة العامل ، وللحق فان نتاجه الفكري ال يتجاوز اقرانه من اهل زمنه فحسب ، بل يفو كثريا من دعهاة التفكري

التهاثري العميهق السبب رمبا هو ذا هو. االسالم الذين يعيشون بيننا اليومو العامل ، ملودودي على الفكر االسالمي شبه القارة اهلندية الذي تركه ا

.االسالمي مبجمله

هو ذاتهه السهبب ، نية ان السبب فشل التجربة الباكستا اظنولعله السبب جانب كبري مهن .عرقلهافشل التجارب االخرى او الذي ا

فشل املسلمني مجيعا استنباط منهج للنهضة والتحرر من هيمنهة الغهرب

42أبو : سمير حلبي: لفكرة سريعة حول حياة المودودي وابرز كتاباته ، انظر

، داعية فوق السحاع.. األعلى المودوديhttp://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/09/article20.shtml

Page 91: الحداثة كحاجة دينية

91

:وميكن تلخيص هذا السبب عاملني. الغالب

ان ، و ههذا اليهوم ، اعتقاد املسلمني ذلك اليوم : االول الفهم قادر على تقدمي االجوبة املناسهبة علهى التحهديات الهيت تراث اس

واحلق ان الذي وصلنا من تراث االسالف كهان جهواهبم .يواجهوهنا اليوم .على حتديات زمنهم ، وعلينا ان نستنبط االجوبة املناسبة لتحديات زمننا

حتميل االسهالم –اليت اظنها غري مقصودة –املبالغة : الثاين وقد اشرنا خالل االحاديهث .ليست من سنخه وال هي مطلوبة منهامورا

.السابقة اىل امثلة على هذا مثل مسالة النهضة

، فالواضح ان على اجملتمعات تصميم منوذج املدنية اليت تريهدها واذا كان لالسالم من دور .والبحث عن الطر الضرورية للوصول اليها

وليس مناذج العمل الهيت ، فهو تقدمي القيم واملعايري االساسية ، هذا اجلانب .ختتلف بالضرورة من زمن الخر ومن جمتمع الخر

ان االسهالم به النعمهو ، ولعل ابرز االمثلة على هذا التحميل مثهل اخلالفهة او امللكيهة او ، خاصا للسهلطة على اتباعه نظاما يفرض

مثل االيصاء او بيعهة ، ا النتقال السلطة اجلمهورية، او القول بانه حيدد نظاماحهد ذه التفاصيل كان نشغال هبواحلقيقة ان اال .اهل احلل والعقد او غريها

فقد اغر اجلدل حول .كما اظنفشل حماوالت املودودي ا االسباب اليتوغري ذلك مما يعد ، ونفى حق املسلمني التشريع ، دور الشعب وحدوده

او االدعاء بهان الهدين ، ال ينبغي نسبتها اىل االسالم من املتغريات اليت .احلنيف قوالب ثابتة هلا

فان كثريا من علماء الشيعة املعاصرين وقعوا ، ومثل املودودي

Page 92: الحداثة كحاجة دينية

92

حني قرروا ان نظام والية الفقيه ههو الصهورة الوحيهدة ، ذات االشكالفجاء علهى ، النظاممل يتوسعوا حبث هذا سيما واهنم ، للحكم املشروعميلهك وحيكهم ، حيث اصبح الفقيه مثل ملك بدون تاج، الطريقة القدمية

–واقعيهة –ويتمتع بسلطات مطلقة ال حدود هلا وال رقابة ، مدى احلياةفادعى ان للفقيه صالحية احلكم مبا ميليهه عليهه ، بل اغر بعضهم .عليها .هو مبثابة عقد بينه وبني شعبهالذي ، من دون التنام حىت بالدستور ، نظره

وان بامكانه تغهيري ، ان راي الفقيه فو الدستور - صراحة – وقال هؤالء اتكلف ، كاناقول ان حتميل االسالم كل هذا العبء . 43الدستور مىت شاء

ال طائل حتته ، بل مآله اىل تقييد عقول املسلمني وكبت تطلعامم وتعطيلهم .ريق تقدمهمعن ابداع نظام حيامم وط

هل الدين كامل ام شاملمتروكة المجاع ، والصحيح رايي هو ان هذه االمور وامثاهلا

وما يهم االسالم اوال واخريا هو القيم .املسلمني كل بلد وكل زمناليت جيب االلتنام هبا على اي حال ، مثل قيمة العدل والنظام ، االساسية

ونفس الشيء يقال عن تلك احملاوالت .اليها والرمحة والتعاون والقوة ، وماوما اىل ، الصطناع ادب اسالمي واقتصاد اسالمي وطب اسالمي ، املتكلفة لعقلثارة ابل احياء الروح وا .بديهي ان دور الدين ليس انشاء العلوم .ذلكالذي ينبغي ان نتطلع اليه االسالم اذن هو تلك القوة .نتج العلوميي ذال

على احياء النفوس امليتة او املثقلة ، النفوس املكبلة بقيود اجلبت وقيود اهلائلة .الذي فعله االسالم يومه االول هو حترير النفوس والعقول .الطاغوت

.فلما حتررت ، حتدت وابدعت وتقدمت واحتدت وعنت وغلبت

43، ( 8994تهةران )،ةدارى ومدرنيسةم ، نقةد دي: انظر مثال محمد جواد الري اني

11. اطالعات ، ص

Page 93: الحداثة كحاجة دينية

93

انطلقوا من محية ، الذين دعوا بتلك الدعوات : قال يل صاحيبوهم يقيمون دعواهم على قاعدة ان الدين كامل .ى الديندينية وحرص عل

وما ترك شيئا اال بينه ، شامل ، وان كتاب اهلل سبحانه قد احاط بكل شيء .(21االنعام –ما فرطنا الكتاب من شيء )ل تعاىل اقواوضحه ،

غري ما ، سؤالك هذا يقودنا اىل مناقشات كثرية : قلت لصاحيبلك اجيبك على سبيل االختصار الشديد على فكرة كمال .حنن بصددهوالكمال وصف للكيف .فالذي نتفق عليه هو كمال الدين .الدين واموله

.فال شك ان االسالم ليس بناقص ."الكمال يقابل النقص"

ولو افترضنا ان امول االسالم .اما الشمول فهو وصف كميمنصرف اىل معىن ان فيه حكما لكل شأن من شؤون احلياة ، فال شك ان

اذا ال يطلب منا اسالمنا ان نعود اليه كل صغرية وكبرية .هذا غري صحيحاال ترى اننا نقوم يوميا بعشرات من االعمال اليت ال نرجع .من شؤون احلياةكاملهندس والطبيب ، عقولنا او اىل اهل االختصاص بل اىل ، فيها اىل الفقيه

بل هي امور ، فهذه االمور ليست ضمن جماالت اشتغال الدين .وغريهموال تدخل ضمن دائرة الثواب والعقاب او ، عقلية ال تكليف فيها وال النام

.الواجب واحملرم

وباملناسبة فهذا النقاش ليس جديدا ، فقد تطر اليه بعض قدامى ، ( م0773-ت)وقد احتج بنفس املقولة الشيخ يوسف البحراين .فقهاءال

وننلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء )تعاىل مستدال باالية السابقة وبقوله النراقي الشيخ امحد عليه ، ورد(19النحل -وبشرى للمسلمني وهدى ورمحة

ال كل شيء ، بان املقصود هو ما يقتضي شأنه ووظيفته بيانه (م0131-ت) الكتاب ، سواء بنيت فالبديهي ان كثريا من االمور مل .على حنو االطال

مما هو ستوذلك الهنا لي .الكتاب معىن القرآن او معىن الشريعة

Page 94: الحداثة كحاجة دينية

94

كما ان عدم البيان ال يوجب الظن بالنقص فعدم . مطلوب من الكتاب بيانه .بل لعل بيان غري املطلوب يعد تكلفا .بيان ما ليس مطلوبا ليس مظنة نقصعلى محية اولئك الدعاة وحرصهم اما .44والتكلف مما يعاب على الكامل

ن يثيبهم ونسأل اهلل اودليل على صالح نيتهم ، شعور مشكور يفهدينهم ، اال ترى ان بعض .لكن صالح النية شيء وصالح العمل شيء اخر .اعليه

فيؤدي ذلك اىل كراهية االبناء ، لتهذيب ا قصدباالباء يضربون ابناءهم بل اال ترى ان تشدد بعض قومنا النام غريهم بطريقة تدينهم .لالباء

فهذا وذاك دليل على ان .قد ادى اىل نفور هؤالء من الدين كليا، اخلاصة .وقد كان حديثنا عن العمل وليس عن النية .النية الصاحلة غري العمل الصاحل

اقول ان ذلك التكلف ربط كل .وعطفا على حديثنا السابقكل .قد عمق التفار بني العلم واهلوية الذي اشرنا اليه ، شيء باالسالم

ويريد الوقت نفسه ، ويتهيريد احملافظة على ه ، هذا اليوم مسلمحنن نعلم ان ال سبيل .احلصول على العلوم احلديثة اليت تطورت عند الغرب

، لكن بالنظر ملا قلنا من تفار .للحصول على العلم سوى بالتعلم من اهله

44قال البحراني بان االقبار مستفيضة في ان كل حكم مبيج في الكتاع والس،ة

دار ، ( 8998بيةروت )الحةدائق ال،اضةرة : البحرانةييوسةف . حتى ارش الخةدش

بةاع الةرد إلةى )عقد الكلي،ةي بابةا قاصةا ع،وانةه و. 814. ، ص 47. ، جاالضواء

كتاع والس،ة وانه ليس ايء مج الحالل والحةرام وجميةع مةا يحتةاج ال،ةاس ال . 8/888الكافي : انظر الكلي،ي ( اليه إال وقد جاء فيه كتاع أو س،ة

ونوّن ال،راقي مج اأن الروايات الواردة بهذا الشأن واصةفا ايانةا باقبةار االحةاد ، بةيج القةر ن أو السة،ة وقال ان مع،انا بالتحديد نو ان ما كان فيه حكةم ، فقةد عوائةد : ال،راقةياحمةد . ذلك الحكم ، ال انهما قد بي،ا الحكةم فةي كةل موضةوع

848. ، صمكتبة بصيرتي ،( 8731قم )، االيام

ومةةج المحتمةةل ان راي ال،راقةةي كةةان يسةةتهدف التاكيةةد علةةى وجةةود دائةةرة مةةج ومةا اذا االعمال قارج حدود التكليف ، ضمج ال دل القائم حول تعريةف االباحةة

كانت حكما ام ال ، ومج المتفق عليه ان ن،اك موضةوعات كثيةرة لةم تةرد فيهةا احكام في القر ن والس،ة ، وابرزنا الموضوعات التةي ههةرت بعةد انتهةاء عصةر ال،ص ، لكج البعض ي ادل في ان نذه الموضوعات قابلةة للتكييةف ضةمج احةد

، واقتةرح المرحةوم الصةدر االطارات التي ت،درج تحت القواعد الشةرعية العامةةدائرة موضوعية للمسةت دات اطلةق عليهةا اسةم م،طقةة الفةرار التشةريعي ، وذنب إلى ان كثيرا مج احكامها يست،بط است،ادا إلى القواعد العامة والترجيح

.بيج المصالح

Page 95: الحداثة كحاجة دينية

95

نرغب ان نكون مثل الغرب علمه : فقد اصبحنا نعيش حياة مندوجة .الوقت نفسه نعتربها غري سليمة وغري مشروعةو ، وتقدمه وقوة جمتمعه

اي التعلم واعادة ، نااىل التضحية جبوهر مطلب ، وقد ادت هذه االزدواجية، ترى دعاتنا مثال .واستبداهلا باستهالك منتجات ذلك العلم ، انتاج العلم

العلم اليت انتجها التجهينات استخدام احدث بل مجيع قومنا ، يتبارون يتوقفون عن شتم الغرب ال لكنهم .كل جمال من جماالت احلياة الغريب

.الذي انتج هلم هذه االشياء

لكن وراء هذا التركين .ولو اقتصر االمر على الشتيمة هلان االمرفكرة : رهيب بني فكرتني خمتلفتني متاما على التماين والعداوة يكمن خلط

اجلدير هبم ان وقد كان .وفكرة االنفصال عنه ، االستقالل عن الغرب ومآهلا تكريس احلاجة اىل الغرب، اما الثانية فمستحيلة .يركنوا على االوىل

السعي لالكتفاء الذايت :فكرة االستقالل تع بالضبط .والبقاء متكلني عليه، واول هذا السعي هو .العلوم واالقتصاد والثفافة وغريها ، كل جمال

مث اعادة انتاج ما تعلمناه ضمن اطارنا ، االنفتاح على الغرب للتعلم منه، فسوف نكون اندادا للغرب ، فاذا جنحنا هذا املسعى .الثقا اخلاص

وال يضرينا يومئذ االتصال به او التعاون معه ، .قادرين على االستقالل عنه .بيا بالتعاون مع منافسيهالن القوي واملكتفي ال يتاثر سل

، اما فكرة االنفصال فان تطبيقها الفعلي هو التناكر مع الغرب ومآل هذا هو كسر .اي الغاء القيمة املعنوية للعلم الذي حنصل عليه منه

اي االنتقال من التعلم اىل اعادة ، السلسلة الطبيعية املفترضة لتطور العلموهذا ما جنده اليوم واقعا ميشى .اخلاص االطار الثقا ضمن ، انتاج العلملكن تلك .لقد تعلم عشرات االالف من املسلمني الغرب .على قدمني

وهلذا فان .العلوم ال حتصل على التقدير والقيمة اليت تليق هبا بني قومهم

Page 96: الحداثة كحاجة دينية

96

تكتفي مبا تعلمته وال تسعى اىل ، االغلبية الساحقة من هؤالء املتعلمنيتتعامل مع املرحلة االوىل كبداية لسلسلة ، بل هي بالنسبة ، اي ال تطويره

.اليها بداية وهناية

الذي ننكره على الغرب ، هو واقع ، ان التفار بني العلم والدين من خالل النظر اىل هذه العلوم ، بل اننا نسعى فيه ونعنزه .قائم عندنا .ر الذي ال بد منه، او اعتبارها من نوع الش غريبة او غري ذات قيمة كاشياء

عن احلديثة ، ما نراه من ابتعاد محلة العلوم اوضح االدلة على دعوانا هو ووالعجيب .مراكن التثقيف الدي من مساجد وحسينيات ومؤسسات

االمر ان بعض هذه املراكن تدعو اساتذة وعلماء من محلة العلوم املدنية بل جماالت ، اصهم للحديث اىل روادها ، لكن ليس جماالت اختص

ومثاله االخر ان البحث العلمي جماالت .التثقيف الدي باملعىن اخلاصكالنكاة واخلمس ، العلوم املدنية ال حيصل على متويل من احلقو الشرعية

.واالوقاف وامثاهلا

انك ترى اهل املال ورجال الدين والدعاة واملؤمنني ينفقون لكنهم .ناء مسجد او حسينية او لنشر كتاب دي على ب، املاليني من املال وال يدعمون .على حبث علمي نظري او تطبيقي تلك املبالغال ينفقون عشر

فهذا وامثاله دليل على ان هذه .حلديثةباملال او غريه مؤمترا حلملة العلوم ا .هال حيظون قومنا بالتقدير والقيمة اليت تليق بالعلم واهل ، العلوم ومحلتها

وهلذا السبب فان االالف املؤلفة من االخصائيني واهل العلم الذين خترجوا منذ اوائل القرن العشرين وحىت اليوم ، ونظراؤهم الذين ، من جامعاتنا

اي ، خترجوا من اجلامعات الغربية ، مل يستطيعوا االنتقال من املرحلة االوىلاللهم اال قليل .نتاجه بالدهماي اعادة ا، اىل املرحلة التالية ، كسب العلم

.نادر منهم ، ثلة ال ينيدون عن عدد االصابع

Page 97: الحداثة كحاجة دينية

97

امر طبيعي ، ان التفار بني العلم واهلوية : ول هناوخالصة القلكن كان علينا ان نعيد االتصال بني .فالعلم تطور خارج حدودنا .البدايةنضعها املكان ومل ، النهضة والتمدن فكرة اننا اغفلنا واحسب .االثنني

فعلنا ذلك لوفرنا الفرصة العادة ولو .الالئق كهدف امسى ودليل حلياتنايؤدي لو مت فسوف امر وهو .انتاج العلوم اجلديدة ضمن اطارنا الثقا

وبني العلم بني وبالتايل ، بالضرورة اىل عودة التالحم بينها وبني هذا االطار .هويتنا الدينية والثقافية

Page 98: الحداثة كحاجة دينية

98

(4 )

سؤال الحداثة

فقد .نريد العودة اىل سؤال النهضة الذي تركناه: قال صاحيب .هي توجيه اصابع االمام اىل الذات، اتفقنا على ان اخلطوة االوىل للنهضة

سعيا وراء اكتشاف ما قاده ، واتفقنا ايضا على ضرورة االنفتاح على الغرب خالل املناقشات السابقة ان احلداثة او وقد فهمنا .اىل التقدم وما اقعدنا عنه

وحتدثنا عنها كطريقة النظر .املعاصرة جيب ان تكون هدفنا الفوريهل مثة فرصة .لكن ماذا عن االرضية االيديولوجية للحداثة .للذات والعامل

للفصل بينها وبني ارضيتها تلك اذا كان قومنا غري راغبني فيها ؟

.فهوم احلداثةملصرة كمرادف حنن نتحدث عن مفهوم املعاننال اسرى اليت ال ، املعاصرة تتجلى االقالع من املرحلة التقليدية

مفاهيمها واطاراما ومؤسساما ، اىل مرحلة احلداثة اليت متثل منط احلياة حل ، ضرورة ، بالاالخذ هبذا املفهوم يقتضي .السائد العامل املتقدماحلداثة صيغتها االوربية غري قابلة .مع الغرباشكالية العالقة الثقافية

سيما ، لالندماج ضمن نسيجنا الثقا ، اللهم اال ان نبذل جهدا لتعديلها

Page 99: الحداثة كحاجة دينية

99

تلك االبعاد اليت تنطوي على تعارض اصلي وغري قابل للحل مع مكونات .هويتنا اخلاصة

، ان قومنا خيشون من احلداثة اليت تطورت مفاهيمها الغرب .تتعارض مع تلك اليت نعرفها االسالم، الهنا تقوم على قاعدة فلسفية

وهلذا اختلفوا .املنهج دون فلسفته مستحيل اخذ ان منهم كثري ويرىفنادى بعضهم باخذ التجربة الغربية بقضها .حدود ما ناخذ من الغربذ باخ اخرونوقال . كي ينسجم ومتطلباما وقضيضها ، وتعديل االسالمالستحالة غريهم باجلملة والتفصيل ، ورفضها .املنهج العملي وترك فلسفته

، وهذا يظهر ان التفاعل مع التجربة الغربية .الفصل بني اجلانبني حسب رأيه .ليس باالمر اليسري

واذا كانت .احلداثة ليست ايديولوجيا مغلقة :قلت لصاحيبان ، فلسنا مضطرين للتعامل معها على هذا النحو ، كذلك عند بعض اهلها

و ظ ان من املمكن التعامل .امكن لنا الفصل بني االيديولوجي والوظيفيوالنظر اليها حينئذ كنموذج حيايت متعدد ، مع هذا اجلانب باخلصوص

من الضروري ان نفهمها .االبعاد ، وال يضريه تعديل احد ابعاده او مكوناتهالتعامل النقدي هو تأكيد .كي نتعامل معها تعامال نقديا، لنحو على هذا ا

، اي كوهنا منتجا انسانيا قابال للحداثة لكربى ا قواعدالعلى واحد من وعلى . للتعديل والتطوير ، ال ايديولوجيا ثابتة وال وحيا مننال من السماء

عض الشيء عن ولو اختلفت ب، فاننا خنتار احلداثة اليت تناسبنا ، هذا االساس من مشكلة انعدام -كما اسلفت –لكننا نعاين .مراد من جربوها قبلنا

.االمجاع على صورة العالقة اليت ينبغي ان تقوم بيننا وبني العامل املتحضر

مرده اىل ، واحسب ان عجننا عن االتفا على امر هبذه اال ية

Page 100: الحداثة كحاجة دينية

111

لرمبا كان السبب هو او .ما نشعر به دواخلنا من مرارة االنفتاح السابقو هذا النقطة االخرية فان القلق .قلق املغلوب من كلفة العالقة مع الغالب

رمبا يكون هو الدافع الرئيس لتحاشي الغرب او االرتياب ، على سيادة الدين، خاصة وان املدنية الغربية تطورت بالتالزم مع العلمانية . العالقة معه

.ة العامةواستبعاد الدين من احليا

ال جمرد القلق لكن .، ارى ان قومنا على حق قلقهم عموماوعلى .يكفي لتربير االعراض عن التعاطي مع جتربة احلداثة اليت غريت العامل

واال فان التجربة لن ، اي حال فاننا حباجة اىل عالج ينفي مربرات هذا القلق .عن شيء ثمرت

، ليت خاضتها اقطار اسالميةداثة الو تاملنا بعض جتارب احل ا اربع جتارب فعلية وأمامن .القلق وكيفية عالجه دواعيلنا تفلرمبا انكشف، كل من هذه االقطار .جتربة مصر وتركيا وايران ومالينيا: تستحق التامل ، النصف الثاين من القرن العشرين، حثيثة للتحديث قامت حماوالتتصدر من املنتجات ، واصبحت دولة شبه صناعية ، فافلحت االخرية

وحققت تركيا نصف جناح .املصنعة ما يصل اىل مئات املليارات كل عاموفيما يتعلق بالبلدان االربع فال بد من الوقوف عند .واخفقت االخريان

:مالحظتني جديرتني بالتامل

ان الفار بني هذه التجارب االربع هو النظام : االوىلوكفلت ، دميقراطيا تعدديا فمالينيا ارتضت منذ البداية نظاما ، اسيالسي

، واملساواة بينهم على اختالف ادياهنم واعراقهم ، احلرية الكاملة ملواطنيها او ، بينما اخذت تركيا بدميقراطية حمدودة . وقبلت بسيادة القانون وعموميته

انتهجت حكوماما هنجا ومصر فقد اما ايران .لنقل اهنا نصف دميقراطية

Page 101: الحداثة كحاجة دينية

111

، كان البلدان االربع .وقيدت احلرية مبواالة احلاكمني، استبداديا –الدميقراطي لنظامها – مالينيا لكن .التحديث للحكومة الدور القيادي

غري –فشارك الشعب احلركة ، وحصل شبيه هلذا ، سلكت سبيال ليناقد ارادت احلكومة فرض التحديث اما مصر وايران ف . تركيا –كامل

، فذهبت الدولة وبراجمها التحديثية واد .دون اشراك اجملتمع العملية .والشعب واد آخر

، نرى ان املشاعر الدينية مل تضعف، البلدان االربع : الثانية، فالذين يذهبون اىل مالينيا .ومل تنكمش بسبب سياسات التحديث

.اىل درجة تثري االهتمام ، ن االلتنام بشعائر الدين واسعيالحظون بسهولة او . ساء املسلماتوابرز ما يالحظه زائر تلك البالد انتشار احلجاب بني الن

نتخابات الربملانية ز االغلبية املطلقة االحيو وجدنا حنبا اسالميا، تركيا وهي التجربة االوىل حلنب اسالمي تلك .فرد باحلكمينو 3113لعام اما ايران فقد قامت ثورة اسالمية جاءت . منذ تاسيس اجلمهورية ، البالد

وال يقل التيار الدي مصر قوة وانتشارا عنه غريها ان مل .بنظام دي . يند

بل .ان مستوى التدين تلك االقطار مل يتراجع بسبب التحديثمحل عددا مهن ، قد مبوازاة احلداثة ، شاعر الدينية وتصاعدها ان صمود امل

اليت سهادت ، الباحثني على مساءلة الفرضيات االولية لنظرية التحديث وبهني –حىت معناه املادي احملهدود –وربطت بني التحديث ، الغرب

،وباملقارنة بني جتربة االقطهار االربعهة . 45تراجع الدور االجتماعي للدين

45 Khalilzad & Benard, “Secularization, Industrialization, and :انظةةر مةةثال

Khomeini’s Islamic Republic”, Political Science Quarterly, vol. 94, issue. 2 (summer, 1979), pp. 229-241

Page 102: الحداثة كحاجة دينية

112

حفاظها ، او تراخت االخذ بأسباهبا ، ونظريما اليت اعرضت عن احلداثة على التقاليد او الدين ، كما هو احلال السعودية وايران بعد الثورة ، فانه

ال ، ان مستوى التدين هذين القطرين وامثاهلما ، ميكن القول دون ترددا ان مظاهر االنفالت عهن كم .ينيد كثريا عما هو عليه االقطار االخرى

البالد اليت نعمهت ما تشهدهال تقل ع، الدين او التمرد على تعاليمه فيهما وغاية االمر ان اخلوف من قمع السلطة او الرغبهة .باحلداثة واحلرية معا

واالسهتخفاء اذا ارادوا ، يدفع معظم الناس اىل التظاهر بالتهدين ، متلقها ، االمر البلدان احلرة جيري علهى املكشهوف بينما .االنفالت من عراه

. حيث ال خوف من العقاب

االجتهاد وجتديد الدين

اين يقع االنفتاح واحلداثة من سؤال التجديد : قال يل صاحيب الفكر االسالمي ؟

يقع القلب ، سؤال احلداثة واالنفتاح على العامل : قلت لصاحيبواغتنم هذه املناسبة لالشارة اىل ان حاجهة الهدين اىل .من سؤال التجديد

.هي من مواضع االمجاع عند املسلمني ، قدماءهم ومعاصهريهم ، التجديد . وقد اشرنا سابقا اىل ان مرجعهم ذلك حديث يروى عن سيد املرسهلني

وكتب بعضهم كتبا خمصصة حول من ينطبق عليهم وصف اجملدد ، منهها -ت)جلالل الدين السهيوطي " ه اهلل على رأس كل مائة سنةالتنبئة مبن يبعث"

حملمهد "بغية املقتدين ومنحة اجملدين ذكر تراجم اجملهددين "و ( م0515ومثل كل القضايا الدينية فقد تاثر النقهاش امهر (. 0935-ت)املراغي

وهلذا انكر العظيم ابهادي .التجديد بالتعصبات املذهبية واجلداالت السياسية

Page 103: الحداثة كحاجة دينية

113

. 46شرحه لسنن ايب داوود امكانية ان يكون اجملدد شيعيا

ففسهره بعهض القهدماء .واختلف املسلمون معىن التجديدو عصرنا احلاضهر مثهة .وفسره غريه بغري ذلك، كالسيوطي باالجتهاد فهالقول .لكن مورد اهتمامنا هنا هو اصل املوضوع .تفسريات كثرية جدا

فحواه ان الدين قد يفقهد ، على فهم مسبق حباجة الدين للتجديد قائم روي عن النيب صلوات اهلل عليه وقد .بعض الظروف تاثريه حياة املسلمني

جوف أحدكم كما خيلق الثوب، فاسألوا -اي يبلى –إن اإلميان ليخلُق )وهلذا فان بعض قدامى املسلمني اسهتعمل .(اهلل أن جيدد اإلميان قلوبكم

ولعل اشهر من استعمل هذا التعهبري .كمرادف لتعبري التجديد" احياء"تعبري ". احياء علوم الدين"هو االمام ابو حامد الغنايل الذي عنون اشهر كتبه به

امها موضهع .من هنا نقول ان احلاجة اىل التجديد ليست حمل اخهتالف والذي يظهر يل انه ال ا ية كهبرية .تجديد وتطبيقاتهاالختالف فهو معىن الكمها ، فسواء كان املقصود هو جتديد احلياة الدينية .للجدل حتديد املعىن

، 47كما رأى عبد السالم ياسني ، هو تفسري حممد اقبال ، او جتديد االميانكمها ههو راي اكثهر ، او العودة اىل معتقدات اجليل االول من الصحابة

ان :االوىل: ر ، فان اجلميع متفهق علهى مسهألتني خباريني واهل الظاهاال: الثانية .االسالم قادر على التصدي للتحديات اليت تواجهه على مر العصور

، اي حتويلها مهن امكانيهة اىل ان املسلمني مكلفون باستنباط هذه القدرة .فعل

سؤال و .اشرنا صفحات سابقة اىل ان لكل زمن اسئلته اخلاصة

46، عون المعبود ارح سة،ج أبةي داود (نة8849ت )امس الحق العظيم بادي

.418. ص ، 1جدار الكتب العلمية، ، (8991بيروت)47 ( 4388ي،اير 8)موقع الشيخ عبد السالم ياسيج

http://www.yassine.net/ar/document/2880.shtml

Page 104: الحداثة كحاجة دينية

114

هو تكثيف للحاجات والتطلعات اليت تعتمهل ، التجديد الذي نطرحه اليوم ، نفوس املسلمني املعاصرين ، وليس نسخة عما فكر فيهه اسهالفهم

متحور سؤال مفكري االسالم القرن التاسع . 48سائر العصور اليت سبقتتهاخر ملهاذا : ن العشرين حول مشهكلة التخلهف ، اي عشر واوائل القر

-0169)واختذ املفكر االصالحي شكيب ارسالن .املسلمون وتقدم غريهم

وننعم ان اجلواب على ههذا . هذا السؤال عنوانا لكتاب مشهور له (0996فقد تغريت ، اما جوانب النقص اليت يشري اليها السؤال .اصبح معروفا اليوم

تها او انهدثرت ، مثة قضايا تراجعت ا ي .او تغري ترتيبها سلم االولويات .وبرزت قضايا اخرى فاصبحت جوهرية

امكانية تطوير منوذج سياسهي ، حنن اليوم نضع راس اولوياتنا اي ، ويضمن حقو االنسان وحرياته ، يقوم على ارضية الشريعة االسالميةمثل ههذا . يقوم على اساس القيم الدينية، منوذج جملتمع سياسي دميقراطي

حنن نتحدث اليهوم .حمل اهتمام القرن املاضي او ما قبلهاملطلب مل يكن ونتساءل عن امكانية تصميم .عن احلداثة بكل معانيها وانعكاساما وتطبيقاما

وهذا االخر مل يكن من بني احياءات سؤال التجديهد .منوذج حلداثة اسالمية . العصور السالفة

ن التاثريات السلبية هلذا فيما يتعلق بتاثري االنفتاح على الغرب ، فامل تعد مقلقة بالدرجة اليت كانت عليها النصهف االول مهن ، االنفتاح

كانوا ، ونشري هنا اىل حقيقة ان زعماء املسلمني وعلماءهم .القرن العشريناالول حتمل ، يومئذ يتوجسون مما ظنوا انه طبيعة عالقة املغلوب بالغالب

48، مراجعةة لقةرن مضةى: الت ديةد بوصةفه سةؤال العصةر: رضوان جةودت زيةادة

www.almultaka.net/web/m1-p8.htm. : إ. ، ن 4338الملتقى ، قريف

Page 105: الحداثة كحاجة دينية

115

ولعل القلقني كانوا يسترجعون .49.رر ابن خلدونكما قعلى تقليد الثاين ، جتارب املاضي حني كان احتالل القوة الغالبة الي قطر يؤدي اتوماتيكيا اىل حتول اهله اىل دين الغالب ، كما حصل لالقوام اليت سيطر املسلمون علهى

مثهل مسهلمي ، بالدها ، وكما حصل للمسلمني الذين احتلت بالدههم .لبعض مسلمي اوربا الشرقية وكما حصل، االندلس

وبعضها ملا ، لكن والسباب خمتلفة ، بعضها يعود لالسالم نفسه حصل من تغري مفهوم الدولة الغربية املعاصرة ، فان احهتالل الغهربيني

مل يؤد اىل تغهيري جهذري هويهة ، الجناء كثرية من العامل االسالمي -وتدل احباث كثرية .فة واهلويةاملسلمني ، وبقي االسالم مكونا اول للثقاان االسالم هو الهدين االسهرع –ومنها احباث اجريت حلساب الفاتيكان

.وهذا يشمل حىت االقطهار الغربيهة املتقدمهة .انتشارا العصر احلاضرال ، وال سيما الغهرب املتحضهر ، وخالصة القول ان االنفتاح على العامل

.كما كان قبل قرن من النمان، ينبغي ان يكون امرا خميفا اليوم

ني جتديد الدين واحلداثة ، نعود مرة اخرى اىل بيان العالقة بهي مرحلة من مراحل تطور البشرية ، ان احلداثة السائدة الغرب: فنقول

واحلق ان .، مثلما كان االسالم عهده االول مرحلة من تلك املراحلوان املراحل التارخيية ، لتطورات تاريخ البشرية هو سلسلة متتابعة من ا

درجة حنو ، كل منها ، يرتقي االنسان ، املختلفة هي حلقات متصلة ونعرف مجيعا ان الرسول صلوات اهلل عليه ما كان بدعا من .الكمالونفهم ايضا ان .بل جاء متمما لرساالت من سبقه من انبياء اهلل .الرسل

تطوير حياما ، لقيمة لالمم السابقةرسالة االسالم ال تنفي املسا ات ا

49 48ق ، ص المصدر الساب: ابج قلدون

Page 106: الحداثة كحاجة دينية

116

امنا بعثت )وترقية معايشها وعلومها ، بل تلقي عليها القيمة اليت تستحقها .(المتم مكارم االخال

وتعلموا منها ، لقد احترم املسلمون تراث احلضارات اليت سبقتهم ، فتطورت على واعادوا انتاجها ضمن اطارهم الثقا واملعر اخلاص

، استفاد علماء اوربا من تراث املسلمني و بداية هنوض الغرب .ايديهموهكذا هي مسرية .حىت وصلوا اىل املرتبة اليت نعرفها عنهم اليوم، وطوروه

ومن هنا فال .وسعيه حنو االرتقاء، تواصلةاالنسان جتربته التارخيية املكي ، علوم وتقنية ومعرفة من ، غرابة دعوتنا اىل االخذ مبا لدى الغربيني

.مث نطورها ، انتاجها ضمن اطارنا احلضاري - مرحلة تالية –نعيد او ، وعندئذ اما ان نسبق الغربيني فنستعيد املبادرة احلضارية اليت فقدناها

حضارة جتمع االميان باهلل ، حضارتني تتنافسان :نتسابق واياهم فنكون مثلهمونترك للعامل اخليار .تقتصر على الثانية دون االوىل واخرى، الدنيا مدنية اىل

.بني هذه وتلك

وهي ايضا .عنوان لنمط حياة كامل توصل اليه الغرباحلداثة .ماضيهاعليه تتتماين عما كان، تطور البشريةتعبري عن مرحلة

.بل هي ايضا نظام قيمي كنولوجي وعلمي ،تهنوض احلداثة ليست جمرد اين اركن على هذا متماينا .، اي التقنية والقيم وحنن حباجة اىل االمرين معا

ناخذ ما عند الغرب : حني قالوا، قومنا اوقات خمتلفة عما طرحه بعض بل ناخذ االثنني ، لك اشترط ان :اين اقول هنا .من تقنية ونترك القيم

سبيل التقليد فال نأخذ شيئا على .نقديمبنهج كل منهما نتعاطى مع والبحث عن كيفية ، بل نأخذه بعد التعمق والنقد واجملادلة ، االعمى

.تنسيجه ضمن ثقافتنا اخلاصة

Page 107: الحداثة كحاجة دينية

117

انظر .ان لدى الغرب من القيم ما هو نتاج لتجربة انسانية عميقة مثال اىل القيم الناظمة حلقو االنسان ، والقيم الناظمة لسالمة البيئة ، وتلك

فكثري من هذه وامثاهلا نتاج توصلت اليه عقول .ت الدوليةالناظمة للعالقا وهي ملك للبشرية مجيعا .بعد جتارب معمقة استمرت سنني طويلة، سليمة .صحيح ان فيها ما ال يتناسب مع ديننا .وليست حكرا على قوم دون قوم،

هي الوسيلة الوحيدة النتخاب ما يفيدنا ، لكنا نقول ان العالقة النقديةاحلداثة الغربية باعتبارها ملطالعة حباجة حنن: موجنة بعبارة .وطرح ما يضروان اخذنا هبا .حيق لنا ان نستفيد منه كما يستفيد منه غرينا، منجنا انسانيا

وليس التقليد ، اجملادلة والنقد ان جيري ضمن عالقة تقوم على ينبغيا هبذه احلداثة هو مرحلة ان اخذن .او االنبهار باجلماليات الشكلية، االعمى

او نكون شركاء ، اوىل طريق انطالقنا حنو حضارة نقيمها بانفسنا .صناعتها وحتديد اجتاهاما

ان جتديد االسالم هو حقيقة االمر جتديد حياة املسلمني ، اىل فاعل تطوير حياة ، وحتويل االسالم من جمرد اعالن عن هوية خمتلفة

وهذا ال يتحقق اال اذا حتولت حياة املسلمني من حال التخلف .البشرية كلها .اىل حال املدنية الذي نأمله املستقبل، الذي هي عليه اليوم

تعدد القراءات

لقد ذهبنا بعيدا االمر ، واحسب ان كثريا من : قال يل صاحيبافا عن او احنر ، معاصرينا لن يروا هذا احلديث اال خترصا وابتداعا الدين

.جادته

ستجد اناسا يقولون هبذا وجتد غريهم يقولون : قلت لصاحيب

Page 108: الحداثة كحاجة دينية

118

، والذي يقوله كل صاحب راي ، والذي يقوله غرينا ، الذي نقوله .غريهلكن ايا .طمعا الوصول اىل معرفة ارقى، هو مسا ة استجالء الواقع

ملا فتح اهلل عليه ، فكل ميسر امن هؤالء ال يستطيع ادعاء الوصول اليها يقينانه مل ، ولعل من مينات االسالم البارزة .لعله خيطيء شيئا ويصيب شيئا، ف

او ، تنوب عن املشرع تقرير احلق والباطل ، يسمح بوجود جهة وحيدة االسالم كل مسلم .تنوب عن الناس التفكري الصاحل والفاسد

علم مطلوب منه اظهار وكل صاحب .شريك صناعة احلقيقة الدينية، فان تعدد االقوال هو السبيل جلالء ظلمة اجلهل ، كل االحوال .علمه

.ومعرفة طريق السالمة

كاننا نتحدث عن فكرة تعدد احلق اليت جادل : قال يل صاحيب اذا قلنا بان مجيع صيغ االسالم صحيحة على .حوهلا فالسفة االسالم

فكرة تعدد احلق ، او على وجه التحديد تعدد اختالفها ، فمآلنا هو القبول بلو اختلفت افهامه بني وبينما املعروف بيننا ان االسالم واحد .االسالم .الناس

واحد غري ، ال شك ان الدين صيغته اجملردة : قلت لصاحيبعلى االقل –او .لكن مثل هذا الدين غري موجود العامل الواقعي .متعدد، دين حنن نتحدث عن إسالم واحد .حىت لو وجدغري قابل للفعل –

االسالم الواحد يتحول إىل .واحد، لكن بأفهام متباينة وتطبيقات خمتلفةذلك ان استيعاب العقيدة .متعدد حني يتفاعل نفوس االشخاص املختلفنيمبستوى وطبيعة الثقافة ، من جانب شخص ما ، يتأثر النقص والكمال

اليت تشكل اخللفية الذهنية هلذا الشخص ، وتتجسد تصوراته عن العامل وألن الناس .واألشياء من حوله ، وردود فعله على التحديات اليت يواجهها

خيتلفون عن بعضهم مسبقامم الثقافية ، وردود فعلهم على ما يتوجه

Page 109: الحداثة كحاجة دينية

119

بل .ينتج صورة واحدة هناية املطاف لن ، اليهم ، فان تفاعلهم مع الدينتناسب مسبقاته الذهنية وخلفيته االجتماعية ، سينتج صورة عند كل شخص

ال بد ان ختتلف عن الصورة اليت ، وهي هلذه االسباب .وحميطه احلضاريواظن ان جتاهل تاثري البيئة االجتماعية على فهم الدين عند .انتجها اآلخر

هو السبب ظهور عدد من ، اجلماعات املختلفة االشخاص املختلفني و . العالقة بني طوائف املسلمني، االشكاالت العسرية

ان معظم اخلالفات العقيدية والفقهية وانعكاساما السياسية وان ، واالجتماعية ، هي مثرة لظن كل فريق بان ما حيمله هو احلق الوحيد

نفسهم باهل احلق او اجلماعة فتراهم يصفون ا .غريه باطل او حق ناقصوينسبون اىل غريهم كفر العقيدة او العمل ، او الضالل عن الطريق ، الناجية وما اىل ذلك من ، او االبتداع ، او االحنراف عن جادة الصواب ، املستقيم .لكن هذه االقوال كلها غري ذات مثرة. االوصاف

، لعديد من الفقهاءمسألة قدمية التفت اليها ا -باملناسبة - ذهوهحني استشكل االخباريون عليهم بان االجتهاد ، وال سيما اجملتهدين منهم

قد يورث ابتداعا الدين ، ال سيما اذا وضع راي الفقيه مرتبة احلكم مستويني فردوا على هذا االشكال بالتميين بني. املننل من عند اهلل سبحانه

ومراده ، والظ اي ما يظنه الفقيه حكما القطعي اي حكم اهلل : من التشريعمرادا من قبل اهلل سبحانه ، لكنه ال يضعه مرتبة احلكم السابق ، اذ ال

.يعلم مراد اخلالق اال هو سبحانه

لكننا مع ذلك نأخذ بتلك االحكام الظنية بعد االجتهاد واحملاولة بة احلق هو واعمال العقل واالستدالل ، بناء على ان سعي االنسان الصا

* وان سعيه سوف يرى * وان ليس لالنسان اال ما سعى )بذاته مراد اخلالق

Page 110: الحداثة كحاجة دينية

111

، اما التحقق من النجاح اصابة )90-29النجم –مث جيناه اجلناء االوىف وال ، اذ التكليف مشروط بالسعة .فليس تكليفا على االنسان، احلقيقة

ولو كان االنسان قادرا على اصابة مراد اخلالق .يكلف اهلل نفسا اال وسعهاوهذا القول باطل .ملا كان مثة فر بني علمه وعلم اخلالق ، كل حالوهلذا اعترب اهل العلم السعي وبذل اجلهد كافيا لنيل ثواب اهلل .بالضرورة

.ورضاه ، حىت لو قصر عن اصابة الصواب

على املرء ان يسعى مبقدار جهده ان يكون موفقا وليس عليه

.بناء على هذا نقول ان االصل تقييم العمل الدي هو النية هي نيل رضا اهلل من خالل التعبد مبا ، فاذا كانت نية االنسان او اجلماعة

امنا االعمال بالنيات وامنا لكل )تراه دينا ، فذلك هو مقدار ما حتاسب عليه يعترب جناحه املادي معيارا للحكم خبالف العمل الدنيوي الذي .(امرء ما نوى

.عليه واثابة فاعله

فنقول .وهذا يقودنا اىل اعادة تعريف العالقة بني الدين واملؤمننيوهذا التعريف يقوم على .لكن التدين قد يكون متعددا، ان الدين واحد

.وبني معرفة العباد مبا يريده خالقهم، قاعدة التميين بني علم اهلل مبا يريد هلذا البد ان يكون دينه .ديهي ان علم اهلل كامل ، فهو على الدوام واحدب

وهلذا .وبالتايل فهي متغرية ومتطورة، اما معرفة العباد فهي ناقصة .واحداسواء قصدوا ايضا اتدينهم متعدداالمر الذي جيعل فال بد ان تكون متعددة ،

.التعدد او مل يقصدوه

فلماذا انكر بعض ، اذا كان االمر كما تقول : قال يل صاحيب او تعدد ، الدعوة اىل تعدد القراءات –وال سيما اهل العلم منهم –قومنا

Page 111: الحداثة كحاجة دينية

111

.االجتهاد الدين ؟

اجلدل تعدد القراءات خيتلف عن القول بتعدد : قلت لصاحيبوهم يقبلون .تعدد االجتهاد –حسب علمي –اذ ال ينكر احد .االجتهاد

اما اجلدل .ما ينتج عنه من اختالف الراي حىت املسألة الواحدةعدد دعوة طرحهاتعدد القراءات .تعدد القراءات فهو اعمق غورا وابعد اثرا

الذين ينكرون دعوى الروحانيني االختصاص ، من املفكرين االسالميني اء نوع من القيمومة على الدين وما يرتبط هبا من ادع، باالجتهاد الدين

. واملؤمنني

، بشكل او بهآخر ، شك عندي ان هذه الدعوة قد تأثرتوال تاثرت باملقاربات الفلسفية، .ببدعوات االصالح الدي اليت ظهرت الغر

Philosophical Hermeneutics كرة التأويل الفلسفي للنص الدي سيما فمث ،( 0961-0116)مثل كارل بارث ، بروتستانتمتكلمون نادى هبااليت

( 0976-0119)طورها من بعدهم فالسفة بارزون مثل مهارتني هايهدجر كما تاثرت بالدعوات االصهالحية .(3113-0911)وهانن جورج غادامر

مثهل ، اليت اهتمت باصالح املفهوم الدي للحياة املادية والسلوك اليهومي .50(0569-0519)الربوتستنيت جون كالفني دعوة املصلح الدي

تبعهوا مل ي، قلت ان الذي محل راية الدعوة مفكرون اسالميون بهل .املدارس اخلاصة برجال الهدين منهج الدراسة التقليدي املتعارف

50 لمزيد مج المعلومات حول كالفيج ، بارث ، نايدجر ، وغادامر ، انظر

Christian D. V. Dehsen, Philosophers and Religious Leaders, Oryx Press, (Phoenix, 1999)

Paul J. Achtemeier, Anولم،اقشة مقارنة حول التاويل الفلسفي ، انظر Introduction to the New Hermeneutic, Westminster Press. (Philadelphia,

1969)

Page 112: الحداثة كحاجة دينية

112

انكهار حصهر : وتركنت دعومم على جانبني .جامعات حديثةتعلموا ، واملطالبة بتغيري املنههج املتبهع نواملعرفة الدينية رجال الدي االجتهاد

بعن استيعا - ظنهم – جنعا هذا املنهج. التقليديةمدارس العلم الديالتغيريات العميقة اليت ، وهي حتديات نتجت عنالدين ليت تواجه التحديات ا

.االفكار اطاراملدنية املعاصرةطرأت على احلياة و

، واظن ان اوسع وانضج مستوى من النقاش حول هذه املسهألة املفكرون .منذ اواخر الثمانينات وحىت اليوم، هو ذلك الذي يدور ايران ، الهدين اجملتههدين عدد من رجال وبينهم ، االيرانيون الداعون لالصالح

لهنمن ما عاد صهاحلا الفقه التقليدي الذي ورثناه عن االسالف يرون انتعيق التفاعل املطلوب بني الدين ، عقبة هم ينظرون اليه كو .سلمني احلاضرامل

وهم ال ينكرون فقط صالحية االساليب واملنهاهج املسهتعملة .واحلداثةالبحث الفقهي املوروث ، بل ينكرون ايضا صالحية املعايري القيمية واالسس

اىل قهراءة ، ذلهك ويدعون بهدل .الفلسفية اليت يقوم عليها ذلك البحثقيم ومعايري خمتلفة ، تليب رأيهم متطلبات العصهر ضع لخت، جديدة للدين

رأي حمسن كديور ، وهو واحهد مهن ابهرز . 51الراهن وحاجات اهلهمفكري هذا التيار ، فان السمات االساسية للقراءة اجلديدة للدين تتضمن ما

:يلي

ن االسالم مكرم ، االنسا .ان االنسان هو حمور التشريع: اوالكرامة االنسان .وهو حامل للروح االهلية والعقل الذي هو رسول باط

وهلذا .وعقله هو الذي جعل النوع االنساين مؤهال خلالفة اهلل االرض

51نرم،يوتيك ، كتاع : هد ابستري تلتفصيل حول نذه ال،قطة ، انظر محمد م

نقدي بر قةراءت رسةمى از : ابستري : ايضا (. 4333تهران )وس،ت ، طرح نو

(. 4333تهران )ديج ، طرح نو

Page 113: الحداثة كحاجة دينية

113

وذاك فان االنسان الفرد موصوف بالرشاد والعقالنية والقدرة على معرفة اهللبناء على هذا حر اختيار طريق حياته وهو .ومعرفة العامل ومتيين املصاحل

فال حيتاج اىل من .ومعتقده وجمتمعه ، وقادر على محل املسؤولية عن خياراته .وال جيوز قسره على ما ال يريد .ينوب عنه هذه االمور

يوفر الدين تلك املعارف .كمال الدين معناه كمال اهلداية: ثانيا، او يصعب الوصول اليها على معظم اليت تتجاوز مستوى العقل االنساين

اما .او تتطلب جهدا او زمنا يتجاوز القدرات العادية لالفراد ، الناسسواء من خالل ، املعارف واالمور اليت ميكن لالنسان ان يتوصل اليها بنفسه

هذه .التفكر او التجربة ، فانه ال ينبغي انتظار توفريها من جانب الدين ."اثارة العقول"غاية ما يوفره الدين هو االرشاد او فان ، االمور

وهلذا ال ننتظر من الدين ان يتحدث االمور العلمية التجريبية او او حل املشكالت العلمية املتعلقة بعلوم الطبيعة ، وكذلك احلال ، الرياضية

انه ف ، حاجاته اجنازحيثما كان االنسان قادرا على . جمال العلوم االنسانيةموضوع االجتهاد . ال ينبغي توقع احلصول عليها جاهنة النص الدي

الدين هو االحكام اليت هي التنامات على االنسان جتاه اخلالق او بقية وهلذا فان هذه العلوم ليست جماال ، وليس العلوم البشرية، املخلوقني

علوم الدين وال ينبغي حشرها .الشتغال النص الدي وال االجتهاد .واحكامه

وال يصح للفقيه . وبناء عليه فان العلم مستقل عن الدين فرض نفسه او مقوالته على البحوث املتعلقة ، الدين علوم صصختامل

حني ، فعل قادة الكنيسة العصور الوسطى مثلما ، بالعلوم االخرىالف ما هو نظرا الن بعض مقوالمم خت، حاربوا علماء الفينياء والفلسفة

Page 114: الحداثة كحاجة دينية

114

بعبارة . وما فهمه اهلها من االجنيل، مأثور من تقاليد الكنيسة وعلومها وال يصح ان .وللعلم جمال آخر، فان للدين جماال حيويا خاصا به ، موجنة

جمال اشتغاله نهجه اخلاص وكل منهما مب اختصاصخنلط بني االثنني او نلغي .ومقوالته

فان السياسة ، اي التدبري واالدارة ، وفقا للقاعدة السابقة : ثالثا اجملال العام هي عمل عقالئي يستفيد من جتارب البشر ونتاج عقوهلم ،

اليت ، التاسيسية او الثابتة ليست من القواعدو، وليست من االمور العبادية .ال تتغري احكامها بني زمان واخر وبني ظرف واخر

، والقيم املعيارية ، ى االهداف الكرب يالسياسيقدم الدين للحقل على سبيل التمثيل ، ورمبا بعض طر العمل السلبية واالجيابية واجلنئيات

.وعلى ضوئها يقوم املسلمون بصياغة نظامهم السياسي .واالرشاد

مع كل نظام سياسي، -بالضرورة –ورغم ان االسالم ال يتالءم ثابتا للنظام السياسي اال ان هذا ال يع انه بالضرورة يريد شكال واحدا و

وعليه فان من املمكن ابتكار انواع متعددة من .كل االزمنة واالماكناليت تليب حاجات الناس عصر معني ، وتنسجم الوقت ،السياسات

وخالصة ما يقال هنا ان االسالم مل حيدد منوذجا .نفسه مع القيم الدينية .لمني ظروفهم املختلفةخاصا لالدارة السياسية ملنما لكل املس

واملتغري .متغريوثابت : ينقسم احلكم الشرعي اىل نوعني: رابعاومبا ، تعاد صياغته اعتمادا على العقل اجلمعي، راجع اىل اجملتمع املسلم

ومعظم االحكام املتعلقة .حيقق مصاحل اجملتمع كل ظرف من الظروف .باحلياة العامة هي من هذا النوع

Page 115: الحداثة كحاجة دينية

115

الظرف النم واملوضوعي يؤثر بصورة حامسهة علهى : خامسا اضيف اىل الشريعة بعض ماالسابقة القرونخالل .صناعة الراي واالجتهاد

من اعراف وتقاليد وعهادات االزمنة الالحقة ، كان سائدا زمن الوحي وم اياها تركه واعترب .ا سرية مقبولة اقرها الرسول وصحابته، ظنا اهناجتماعية

ومهع مهرور الهنمن . دليال على صحتها ومرجعيتها، م هلا م انكارهوعدصهنفها الهبعض بل .اصبحت هذه االضافات مالزمة للنص وطريقا لفهمه

. ضمن ثوابت الشريعة

امياننا بضرورة مالحظة الفقيه لتاثري النمان واملكان على اىل انظرضع ايضها لنظهر ختينبغي ان هذه الثوابت املفترضة ان فاالحكام واالراء ،

ه الذي ميكن له ان يستبدهلا مبا هو اقرب اىل روح العصر الذي يعيش ، اجملتهدالنمان واملكان حواجن ان قدرة االسالم على عبور .وحاجات املسلمني فيه

.52مشروط بتخليصه من االضافات املتعلقة باحملل والنمن اخلاص بوقت النص

ة اجلديدة اليت يطالهب السمات املذكورة للقراء: قال يل صاحيب دون ، قد تشي بان جماهلا حمصور السياسة العامهة ، هبا اولئك املفكرين

.غريها من شؤون احلياة

فهم .لكنها تتسع ملا هو ابعد .هي كذلك اوهلا: قلت لصاحيب تتناول جوانب كثرية مهن الفكهرة الدينيهة ، يتحدثون عن جماالت اوسع

اما تركين الفقرة اليت نقلناهها . احلياة اليومية لالنسان واجملتمع وتطبيقاما فيعود اىل ان املصدر الهذي وردت ، عن السيد كديور على السياسة العامة

وهلذا فقد كان من .هو مقال حول الدميقراطية الدينية، وفيه تلك االوصاف

52( 4338سطس اغ 7 )، "ساالري دي،ي مردم": محسج كديور

www.kadivar.com/Htm/Farsi/Papers/Paper006.htm

Page 116: الحداثة كحاجة دينية

116

.البديهي ان يتمحور الكالم حول املوضوع السياسي

لكن قد جتد كتب او مقاالت اخرى لرجاالت ههذا التيهار وعلى اي حال فهان السهمات .يغطي جوانب اخرى، توسعا البحث

املذكورة اعاله توفر تعريفا كافيا باخلطوط الرئيسية لفكرة القراءة اجلديدة ، ، مثل اهتمامها باالنسان الفرد وكونه اهال للثقة ، خالفا للمنظور التقليدي

وهي ايضا تهدعو اىل .لفساد لو ترك من غري رقيبللذي يرى الفرد اميل اتعيني االطار الوظيفي للشريعة املقدسة ، وال سيما عدم متديد الطابع املقدس

بالشريعة، ، من حيث الطبع االويل ، وااللنامي اىل اجملاالت اليت ال عالقة هلامن ، لذين يفتون كل شيء ا ، خالفا لراي التقليديني من اهل العلم الدي

مرورا باالقتصاد والسياسة واالجتمهاع ، تفسري االحالم اىل احكام الصالة . وعالج املرضى

وهي من جهة ثالثة تدعي ان للمجتمع دورا صهياغة احلكهم ان و، اعتمادا على ان املصاحل واملفاسهد موضهوعات عرفيهة ، الشرعي

للراي التقليدي القائل بهان صهياغة تشخيصها راجع اىل العرف ، خالفا اضهافة اىل .راجعة كلها اىل الفقيه ، االحكام وتشخيص املصاحل واملفاسد

هذا فان القراءة اجلديدة تنكر وجود نظام ثابت لهالدارة العامهة والنظهام بينما متيل اكثر مدارس العلم الدي اىل القول بان نظام .السياسي االسالموال ميكن تغيريه ، ويتحدث بعضههم ، واالجتماعي حمدداالسالم السياسي

وجيادل غريهم دون واليهة ، عن اخلالفة باعتبارها النظام االسالمي االعلى .كما هو احلال ايران املعاصرة، الفقيه وسلطته املطلقة