1

بسم الله الرحمن الرحيم

�مـــــراض القــــلـوب أ

أ. أناهيد السميري

(اللقاء األول)

السبت : يوم هـ1434\8\20ألقي

2

بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة تفــاريغ من دروس أخواتنا الفاضالت، إليكم

أســتاذتنا الفاضــلة أناهيــد الســميري حفظهــا اللــه، وفــق اللــه بعض األخــوات لتفريغهــا، وســمحت لهن األستاذة بنشرها، ونســأل اللــه أن ينفــع بهــا، وهي

(عـلـم يـنـتـفــع بــهتنشر في مدونة )http://tafaregdroos.blogspot.com/!#/

تنبيهات هامة:- منهجنا الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.

- هذه التفاريغ من اجتهاد الطالبات ولم تطلع عليه األستاذة حفظهــا اللــه، أمــا الــدروس المعتمــدة من األستاذة فهي موجــودة في شــبكة مســلمات قســم

)شذرات من دروس األستاذة أناهيد(http://www.muslimat.net/

- الكمال لله عــز وجــل، فكتابــه هــو الكتــاب الوحيــد الكامل السالم من الخطأ، فما ظهر لكم من صواب فمن الله وحده، وما ظهــر لكم فيــه من خطــأ فمن

أنفسنا والشيطان، ونستغفر الله..والله الموفق لما يحب ويرضا.

3

عناصر اللقاء

من عناصر اللقاء :. القلب مدار الصالح والفالححاالت القلب من حيث الصحة

والسقم . : أنواع القلوب

o. القلب الحي وعالماتهo. القلب الميت وعالماتهo"القلب السقيم "المريض

وعالماته .. العالج للقلب المريضهدي األنبياء والصالحين في

االستعانة..منافذ اإلصابة بأمراض القلب

الحمد لله رب العالمين, والصالة والســالم على ســيدنا محمـد وعلى آلــهوصحبه أجمعين.

فــه أوليــاؤه بنعــوت جاللــه, واســتنارت نحمده ســبحانه وتعــالى الــذي ع�ر� قلوبهم بمعرفة كمال صفاته, وتعــرف إليهم ســبحانه بمــا أســداه إليهم منــذي ال إنعامه وإفضاله، عباد علموا أن الله هو الواحد األحد الرب الصــمد ال شريك له في ذاته وال في صفاته وال في أفعاله, بل هو كمــا وصــف نفســه وفوق ما يصفه به أحد من خلقه ال نحصــي ثنــاء عليــه, هــو كمــا أثــنى على نفســه، هــو األول الــذي ليس قبلــه شــيء واآلخــر الــذي ليس بعــده شــيء والباطن الـذي ليس دونـه شـيء والظــاهر الـذي ليس فوقــه شـيء, الحين �ســمع ضــجيج األصــوات بــاختالف اللغــات على تفن القيوم السميع الــذي يــاح م بإلح �تبر الحاجات؛ فال يشغله سمع عن سمع، وال تغلطه المسائل، وال ي الملحين في سـؤالهم، وال يمنعـه حركــة قلـوب عبــاده من أن يعطيهم وهم ملحون، البصير الذي يرى هذه الحركات، كمــا يــرى دبيب النملــة الســوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلمــاء حيث كــانت من ســهله أو جبالــه،

ــف رؤيتـــه لتقلب قلب عبـــده ـ� �لط ومشـــاهدته الختالفوأعظم من هـــذا وأأحواله.

فسبحان الملــك العظيم الـرب الكــريم، إن أقبــل عبــده إليــه، تلقاه, وإن�كله إلى عدوه ولم يدعه, بل هــو أرحم الــراحمين، أعرض العبد لجهله، لم يح بتوبتــه �فــر� أرحم به من الوالدة بولدها الرفيقة به, فإن تــاب العبــد، فهــو أــرض ــراض ولم يتع ــر على اإلع ــدها, وإن أص ــه حين يج ــد لراحلت من الفاققاء فقــد اســتحق ر عليه تربيته, فــإن أصــر إال الشــ ألسباب الرحمة فهو يكر الهالك، وال يهلك على الله إال الشقي الهالك؛ لعظيم رحمته وسعة إفضــاله

سبحانه وتعالى. نشهد بأنه ال إله إال هو وحده ال شريك له، نشهد أنه تقــدس عن األضــداد واألنداد والشركاء، نشهد أنه ال مانع لما أعطى وال معطي لما منــع، وال راد

لحكمه وال معقب ألمره. الذي أرسله رحمة للعالمين, وجعلصلى الله عليه وسلم ونشهد أن نبيه

أفعالــه منــارا للســالكين, وافــترض على العبــاد طاعتــه ومحبتــه وتعظيمــهغ الرســالة،صــلى اللــه عليــه وســلم وتوقيره والقيام بحقوقه, نشهد أنــه بل

ــا وأدى األمانة، ونصح األمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأقام الدين، وتركنــا ــر لن على البيضاء الواضحة البينة للسالكين, بين لنا الدين خير بيان، وأظه

وصف لنا حركات القلب وسكناته وأخطــاره ومـايتعرضطريقه خير ظهور، غ�ة، إذ�االذي قال: صلى الله عليه وسلم ، وهو له د مضــ �ال� و�إن في الج�ســ� ((أ

�ال� و�هي� ه، أ د كل د� الج�ســـ� د�ت، ف�ســـ� ه، و�إذ�ا ف�ســـ� د كل �ح� الج�ســـ� ل �ح�ت، صـــ� ل صـــ�.1الق�لب))

� لدينه/1 أ �بر� �اب ف�ضل م�ن است �اب اإليم�ان/ب �خذ52 "صحيح البخاري" (كت �اب أ اق�اة/ ب �اب المس� ), ومسلم (كتبه�ات/ �رك الش ل و�ت ).1599الح�ال�

4

الــتيهذه المضغة العجيبة هي سبب شرف اإلنسان وفضيلتهو بها فاق جملة من أصناف الخلق, فإن اســتعداد اإلنســان لمعرفــة اللــه عــز وجل هذا االستعداد للمعرفة والعلم الموجود في القلب هــو الــذي يشــرف

اإلنسان، وهو الذي فاق به جملة المخلوقات. وهذه المعرفة في الدنيا جمال القلب وكماله, وفي اآلخرة عدته وذخره.ــه ب إلى الله وسعى إليه، تجده بنور الل فإذا امتأل القلب علما عن الله، تقرــل الخــدم يســتخدمها القلب، ويســتعملها ــون مث يستضــيء، والجــوارح تك استعمال المالك للعبد، ويســتعملها اســتعمال الــراعي للرعيــة، ويســتعملها

استعمال الصانع لآللة.لم منالمقبول، فالقلب هو )قلوبنا(فمدار صالحنا: عند الله إذا س�

عن الله إذا صار مستغرقا بغير الله.المحجوبغير الله, وهو �ســعد بــالقرب منفهذا القلب �ب وهو الــذي ي هو المخاط�ب وهو المعات

الله، وهو الذي يحصــل لــه الفالح إذا تــزكى، وهــو الــذي يخيب ويشــقى إذا ه، إن تدسية العبد لقلبه كأنه يضعه تحت قدمه؛ لما سه وداسه العبد ودس دن

ه فيدوسه. يه فيدس يمنع عنه التزكية كأن هذا يد�ســه، وكــلفقلوبنا هي مدار صالحنا وفالحنا ، إذ كل إناء ينضح بما في

قلب يتحرك بما فيه، هــذا القلب العظيم إذا عرفتــه وتقلباتــه، فقــد عــرفتنفسك؛ وإذا عرفت نفسك فقد بدأت في معرفة ربك، والعكس بالعكس.

وكن حذرا أن يحال بينك وبين نفسك, وأن يحال بينك وبين قلبك. - أمر عظيم خطير –فكيف يحول الله بين المرء وبين قلبه؟!

ــاهدته- يحول الله بين اإلنسان وبين قلبه بأن يمنعه من مشومن مراقبته ومن معرفة صفاته.

و من معرفة كيف يتقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن.- و من رؤية أنه يهوى، فلما يهوى يهوي به الهوى إلى أسفل-

السافلين.ــه فينخفض إلى أوديــة الشــياطين، ال- يحول بين المرء وقلب

يرى حين يهوي وال يراه كيف يرتفع ويرتقي. ومن ثم حكم على نفسه أنه أهلربه ال يعرف قلبه ال يعرففالذي

أن يحال بينه وبين نفسه فإن الله يحول بين المرء وقلبه.ذين�وما أعظمها من آية والله عــز وجــل يقــول: �ال ــوا ك �كون ه� }و�ال ت وا الل �ســ ن

هم �نفس� اهم أ �نس� �ئك� هم الف�اسقون�{ ف�أ فمعرفة القلب وحقيقـة أوصـافه. 1أولــا عظيمــا من جــوانب هذا أصل الدين، ومعرفة القلب وأعماله ستجده جانب اإليمــان, فــإن للقلب أعمــال عظيمــة، وكثــير من المســتقيمين غفلــوا عن قلوبهم وما أدركوا خطرهــا، ولــذلك التزكيــة إنمــا تجــدي وتعطي نتيجــة إذا

كانت بعد رؤية آفات القلوب.

19 الحشر 1

5

وآفات القلوب أصعب من آفات األبدان؛ ألنه كما هو معلوم أن غاية مــرضــاحبه إلى البدن أن يفضي بصاحبه إلى الموت أما مرض القلب فيفضي بصقاء األبدي. والطريق للشفاء من هــذه اآلفــات العلم عن اللــه ســبحانه الش

ـة من}وتعالى، ولذلك وصف الله كتابه : اس ق�ــد ج�ــاء�تكم م�وعظـ� ه�ــا الن �ي �ا أ يكم و�شف�اء لم�ا في الصدور ب شفاء ألمراض الصدور .1{ر�

إذن البد أن نعتني غاية العناية بقلوبنــا ولتكن هي بدايــة رحلتنــا إلى ربنــا،ــدعا �م�ر بتطهــير القلب وتنقيتــه وتزكيتــه، فليس ب فإن الله سبحانه وتعالى أــات من القول أن نعتني بتزكية قلوبنا، بل جعل الله سبحانه وتعالى من غايــوال منهم, رسالة الرسول تزكية الناس، فلما أخبر عن بعثه في األميين رس

أخبر عن أفعال الرسول:�اته{الفعل األول: .1 �يهم آي �تلو ع�ل }ييهم{ الفعل الثاني :.2 ك هذا مدار نقاشنا }و�يز��اب� و�الحكم�ة�{ الفعل الثالث :.3 مهم الكت .2}و�يع�ل

عليهم آياتــه, وآيــات هــذايتلوإذن الرســول أرســل بمــا معــه من كتــاب بهــا النفــوس. ولــذلك في قولــه تعــالى في ســورة المــدثر:تزكيالكتاب

�ابك ف�ط�هر{ جمهور المفسرين أن الثياب هنا المقصود بها القلب.3}و�ثي�م�ر الله بتطهير القلوب، والنبي صــلىفإذن التزكية ليست أمرا ثانويا, إنما أ

أخبر عن أثر القلب في حياة اإلنسان, وكيف أن القلب هو الله عليه وسلمد((الموجه المخطط وأن االعضاء والجوارح هي المنفذة �ال� و�إن في الج�ســ� أ

ه د كل �ح� الج�س� �ح�ت ص�ل �ا ص�ل ــد)), مضغ�ة إذ فإذن لما نبحث في هــذا البــاب البــا أن يكون أمام عينينا خطورته وأهميته، فسالمة القلب وخلوصه من كل م

�نف�ــعيعيقه عن الله سبب للسعادة في الدنيا واآلخرة, قال تعالى: ــوم� ال� ي � }يليم{ ه� بق�لب س� ـ �ى الل �ت �نون� * إال م�ن أ . 4م�ال و�ال� ب

ــببها ــة العلم- س ــة بين طلب ــاس -وخاص ــكالت بين الن ــير من المش اآلن كث أمراض تعتري القلوب، وال توجد حقائق شــرعية وال ســبب لمــا يفعلــون إال أنك تقول : يوجد مرض, يوجد غل وحسد وكبر واحتقار وســوء ظن, وهــذه�ج القلوب؛ ألننــا -يــا قــوم- في ســفر إلى ربنــا، فلــو ليس لها حل إال أن تعال

بيل و�منه�ــا ج�ــائر ضللنا الطريق مالذي يردنا ؟! ه ق�صد الســ ـ ـو }و�ع�ل�ى الل ـ� و�ل�جم�عين�{ �ه�د�اكم أ اء� ل .5ش�

ــة إصــالح قلبــه، وعــرف إن من عرف أنه يسير إلى ربه بقلبــه، عــرف أهمي خطر األمراض على القلب؛ ألنك لما تصاب في يدك التي تكتب بها بمرض فهذا المرض على حسب شدته يعوق يدك من القيام بما يجب, وإذا أصابك مرض في قدمك التي تسير بها فإن هذا المرض على حسب شدته يعوقــك

57 يونس 12 الجمعة 24 المدثر 389-88 الشعراء 49 النحل 5

6

فإذا مرض قلبك أكيد أنه ســيعوقك عن الســير إلىعن السير على قدمك,كالن .ربك! فالله المستعان وعليه الت

تطير إلى أودية الضالل واألوبة فتعودقلوبنا علينا أن ال نترك فالواجب المحافظةلنا باألمراض, بل علينا أن نعتني بقلوبنا ونحافظ عليها ومن هذه

معرفتنا باألمراض التي يمكن أن تصيب القلوب.

نبدأ بالكالم عن أحوال القلوبصف بها، وحاالته تعتمــد على وصــف الصــحة أو القلب له حاالت يمر بها ويت

حاالته تعتمد على وصف الحياة, أي قلب صحيح أو قلب حي.القلب الحي.1

هو القلب الصحيح, وهو القلب السليم الذي ال ينجو يوم القيامة إال من أتىبه.

الســالمة منو السليم هو السالم الذي قد صارت السالمة صفة ثابتــة لــه، أي شيء؟

نقــول هــذا القلب سـلم من أن يكــون لغـير اللـه, سـلم من أن يكــون فيـه شرك, فال يكون في هذا القلب السليم أحد غير الله فيكون كلــه للــه إرادة ومحبة وتوكال وإنابة وإخباتا وخشية ورجاءا، فإرادته لله ومحبته لله وتوكلــه، أحب في اللــه, على الله وإنابته إلى الله خلص عملــه للــه، وهــذا إذا أحب

وإن أبغض�، أبغض أعداء الله, وإن أعطى، أعطى لله, وإن منع�، منع لله. ما من فعلة وإن ص�غرت إال وينشر لها ديوانان (لم�قال بعض السلف:

؟ وكيف؟ ) أي لما فعلت؟ وكيف فعلت؟.

فهذا القلب السليم له أقوال وله أفعال: هي العقائد، في مقابل أن أقوال اللسان هي الخــبرفأقوال القلب

عما في القلب.ــة, البغض,أعمــال القلب ــة، الكراهيـ ــه: اإلرادة، المحبـ هي حركاتـ

الرجاء, الخوف, اإلنابة, اإلخبات, الخشية ثم يتبعها أفعال الجوارح. فــاآلن كــل قــول للقلب لم وكيــف؟ وكــل فعــل للقلب لم

وكيف ؟ كيف أفعل هذا كله؟ يجب أن ال أتقدم بين يدي رسول الله صــلى اللــه عليه وسلم, ال بعقيدة وال بقول وال بعمل وال بطريقة إنما كما اتفقنا ( لم ؟ وكيف ؟ ) لم فعلته؟ من أجــل من ؟ تريــد رضــا من ؟ وكيــف فعلتــه ؟

هل فعلته كما أمرك الله عز وجل أم خالف ما أمرك ؟. , هل تريدهذا سؤال عن الباعث الداعي إذن السؤال األول )لم؟(

الدنيا؟ هل تريـد المـدح؟ هــل تخــاف الـذم؟ هـل أنت تسـتجلب محبـوب عاجل أم تــدفع شــيء تخــاف منــه اآلن؟ أم أن باعثــك على القيــام بهــذا العمل هو العبودية, وأنت تطلب التودد إلى اللــه بهــذا العمــل, وتريــد أن

7

تتقرب إلى الله, تريد أن يحبك الله وتأخذ الوسائل إلى رضاه؟ يعني هـلــهأنت تفعــل هــذا الفعــل لمــوالك أم لحظــك وهــواك ؟ ـ �ى الل }و�ر دوا إل

هم الح�ق{ .1م�وال� هل فعلت فعلــكفهذا سؤال عن المتابعة, أما سؤال )كيف؟(

أم أنك اخترعته؟صلى الله عليه وسلم على ماشرع النبي ــك إرادة ــه فليس ل ــل لل ــل الفع ــأن تفع إذن ســالمة القلب ســتكون ب تعــارض اإلخالص, وليس عنــدك هــوى يعــارض االتبــاع، هــذه هي حقيقــةاه صــاحبه فليس لــه سالمة القلب, فإذا بحثت عن القلب السليم فقد زكــوى ــده ه ــارض االخالص, وليس عن ــل تع ــام بالعم ــه على القي إرادة تبعث

يعارض االتباع. القلب هوى يعارض االتباع وهذا هو الإرادة تعارض اإلخالص و فال

السليموضده مباشرة:

القلب الميت.2هذا القلب الميت - نعوذ بالله من موت قلوبنا – ال حياة فيه.

و صفات القلب الميت:أ. أول صفة للقلب الميت الذي ال حياة فيه : أنه ال يعرف الله.

ب. ومن ثم ال يعبده بــأمره وبمــا يحب اللــه؛ هــذا واقــف مــع شــهواتهولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه.

ج. ال يفكر وكل ماعنده الفــوز بشــهوته وحظــه ليرضــى, فــإذا لم يفــزــا وخوفــا ورجــاء بشهوته وحظه سخط؛ فهذا أكيد أنه عبــد لغــير اللــه حب

ورضا وسخطا وتعظيما وذال. د. هــذا القلب الميت إذا أحب أحب لهــواه, وإذا أبغض� أبغض� لهــواه, وإن أعطى أعطى لهواه, وإن منع� منع� لهواه. فهــوى قلب هــذا اإلنســان

مقدم عنده على الله وأحب إليه من رضى مواله.

ستقول: شكل القلب الميتفمعناه أنك لو وصفت أمامه الهوى

تقوده الشهوةو يسوقه الجهلو

هي مركبه.الغفلةو فنعوذ بالله من هــذه القلــوب الــتي إمامهــا الهــوى, والشــهوة والجهــل والغفلة هي التي تقودهم، فترى تفكير هؤالء مغمــور في أغــراض الــدنيا,

كرة الهوى, تجد قلوبهم مخمورة بحب العاجلة، سبحان الله! فيهم س� يناد�ون إلى الله وإلى الدار اآلخرة فال يســتجيبون للناصــح! فالــدنيا هي�صمه ويعميه. وهذا ال يضر فقــط نفســه! التي تسخطه وترضيه، والهوى ي

30 يونس 1

8

م, ومجالســة مثــل إنما مخالطة صاحب هذا القلب سقم, ومعاشــرته ســ هؤالء هالك! فهؤالء أمراضهم قلوبهم الميتة تعدي! فنعوذ بالله من مــوت

القلوب .

القلب السقيم.3 هذا قلب فيــه حيــاة لكن أيضــا فيــه علــة. وكمــا يصــف ابن القيم هــذا

ةله مادتان تمدهالقلب: " " يعني مــادة الحيــاة تمــد القلب ومــادة العلوالمرض تمد القلب.

" يعني هــذا القلب فيــه محبــة اللــه, فيــهوهو لما غلب عليه منهما" اإليمان, فيه اإلخالص, فيه التوبة, فيــه التوكــل, فهــو حي بهــذا. لكن في الجهة األخرى محبة الشهوات وفيه إيثارها والحرص على تحصيلها، وفيهــو, ــه حب العل األمراض الخطيرة: فيه الحسد, فيه الكبر, فيه العجب, في

فيه الفساد في األرض – والله المستعان -.وهو ممتح�ن بين داعيين:

داع يدعوه لله ولرسوله والدار اآلخرة.1 وداع يدعوه للعجلة التي تعجل به في العاجلة، أي يأخذ كــل شــيء.2

بعجل من الدنيا، وهــو يجيب أقربهمـا وأكثرهمـا جــوارا لـه – واللــهالمستعان –.

ولذلك في سورة الحج يقول ســبحانه وتعــالى مخــبرا عن هــذه القلــوب:�ة ي ـوبهم مر� ض و�الق�اســـ ــ ذين� في قل ل ـــة ل � �ان فتن يط ــا يلقي الشـــ ــل� مـ� �جعـ� ي }ل

ه الح�ق قلوبهم �ن ذين� أوتوا العلم� أ �م� ال �عل �عيد * و�لي �في شق�اق ب و�إن الظالمين� ل�ه قلوبهم ك� ف�يؤمنوا به ف�تخبت� ل فاألول في قلوبهم مرض, وهنـاك1{ من ر ب

القاسية قلوبهم, وهناك من تخبت له قلوبهم .إذا اآلية في سورة الحج تدل أن هناك ثالثة قلوب :

ناج.قلب مفتونان وقلبان هما فالمفتونان

القلب الذي فيه مرض .1والقلب القاسي..2

هوو الناجي القلب المؤمن اللين المخبت إلى ربه، وهو المطمئن إليــه الخاضــع.3

المستسلم المنقاد.* وهذا الكالم تجده مقررا عند ابن القيم في إغاثة اللهفان.

ما لذي علي فعله مادام أن هناك قلب مريض وهناك قلب صحيح ؟54-53 الحج 1

9

ثم إذاأول األمــر من المهم أن تعــرف عالمــات الصــحيح من المــريض! تحصل لك ذلك نأتي فنقول : كيف يكون الصالح ؟

10

عالمات صحة القلب :

القلب الصحيح ال يزال يدفع على صاحبه ويؤلم صاحبه حتى يتوب إلى الله وينيب.

القلب الصحيح إذا فاتته طاعة و�ج�د� لفواتها ألمـا أشد من فوات ماله.

القلب الصحيح إذا أتته مصيبة ميز إن كانت هي في الدين أم في الدنيا, فإذا كانت في الدنيا لم يبالي, وإذا كان في الدين فيفزع؛ مما يعني أن تمحيص المصيبة والبلوى التي تأتيك هل

هي في الدين أم الدنيا هذا يدل على حياة قلبك.

القلب الصحيح أشح بوقته أن يضيع من الشحيح بماله.

القلب الصحيح يعتني بتصحيح عمله من جهة نيته ومقصده أكثر من اهتمامه بكثرة األعمال، فالمهم عنده أن يعمل العمل على

سنة النبي صلى الله عليه وسلم , وأن يعمل عمال صادقا مخلصا ويفتش في نفسه عن إرادته أهم عنده من أن يعمل

أعماال كثيرة وال يدري عن حالها .

القلب الصحيح ال يفتر عن ذكر ربه، ويجد وحشة في نفسه إن طال مقامه ولم يذكر ربه.

القلب الصحيح يجد لذة في عبادته خصوصا في صالته فهي في الحقيقة حياته, ويجد لذة في عباداته على وجه العموم.

11

عالمات مرض القلب :

القلب المريض يقدم األدنى على األعلى فيهتم بتوافه األمور على حساب دينه.

القلب المريض يكره الحق ويضيق به صدره. خصوصا أنه يجد أن هذا الحق يخالف هواه فيكرهه. - يعني ليس كل حق يكرهه لكن يكره الحق الذي

يخالف هواه-

القلب المريض يقبل أي شبهة تأتيه ويتأثر بها –نعوذ بالله من الشيطان الرجيم–

القلب المريض يحب المعصية وال تؤلمه جراحات الذنوب.

القلب المريض ال يحب ذكر الله وال األماكن الطيبة وال أهل الخير, ال يحب الطاعات وتكون ثقيلة على قلبه.

القلب المريض ضعيف في خوفه من الله – والله المستعان - .

*وهذه أشهر العالمات، وهناك كثير من أهل العلم من تكلم عن عالمــات صــحة القلب ومرضــه وهنــاك قصــيدة لطيفــة البن عــتيق يتكلم عن صــحة

القلب وسقمه فينصح بقراءتها.

مرة أخرى : هو الذي همه كله في الله, حبه كله له, وقصده لله وبدنهالقلب الصحيح

لله وأعماله لله ونومــه للــه ويقظتــه للــه. هــذا يحب الخلــوة ويؤثرهــا على الخلطة إال حيث تكون الخلطة أحب إلى الله. صاحب القلب الصــحيح كأنــه يقول في حياته: لببيك وسعديك, يتمثل أنه سامع مطيع ممتثل, يشعر بنعم

ـهالله, فهو الذي قال الله عز وجل فيه : ـ� �ا ل �اه و�ج�ع�لن �ين �حي �ان� م�يتا ف�أ �و�م�ن ك }أا{ ار ج منهـ� �يس� بخـ� ات ل ـه في الظلمـ� �ل �م�ن مث اس ك ـه في الن ي ب �مشـ ,1نور ا ي

فهذا قلبه حي وفيــه نــور, ومن أجــل أن في قلبــه نــور فهــو يســمع ويبصــرويعقل.ذين� فإنــه ال يســمع وال يبصــر! قــال تعــالى: القلب الميتأمــا �ــل ال }و�م�ث

ــد�اء ــاء و�ن �سم�ع إال دع� �نعق بم�ا ال� ي ذي ي �ل ال �م�ث �ف�ر وا ك م بكم عمي ف�هم ال� ك صــ�عقلون�{ يعني أن القلب الميت ال يسـمع وال يبصـر, والقلب الحي يسـمع, 2ي

ويبصر ويعقل.ــا ــريضو أم ــالى: القلب الم ــال ســبحانه وتع �معون� فق ت �ســ }و�منهم من ي

�يك� �يك� إل �نظر إل �عقلون� * و�منهم من ي �انوا ال� ي �و ك �نت� تسمع الصم و�ل �ف�أ �نت� أ أ �فـ� أ} ر ون� ــ ـانوا ال� يبص ـ� ـو ك ـ� ــدي العمي� و�ل �ه ــمع, 3ت ــة تس ــدانهم حي ــؤالء أب إذن ه

األصوات وترى األشخاص, لكن حياة البدن دون حيــاة القلب مثــل البهــائم, لها سمع وبصر وهي تأكــل وتشــرب لكنهم مثــل مــا قــال اللــه عــز وجــل :

ــد�اء{, ــاء و�ن م�ع إال دع� �ســ ــا ال� ي �نعق بم� ذي ي �ل ال �م�ث �ف�ر وا ك ذين� ك �ل ال اللــه}و�م�ثههم بالغنم الذي ينعــق بهــا الــراعي وهي ال تســمع إال نــداء لكن ال تفهم شب

مالذي يقوله! والمعنى أن مثل هؤالء مصابون بالصمم والعمى المعنوي .

ماذا نفعل إذا وجدنا قلوبنا مرضى ووجــدنا العالمــات تنطبــقعلينا؟

عالج القلب المريض : أول أمر وقبل كل شيء : االستعانة بالله على صالح

.القلب أنت قلبك ال تملكه مهما فعلت, إذا لم تســتعن بربــك ليس لــك حيلــة.

النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي

122 األنعام 1171 البقرة 243-42 يونس 3

12

صــلى اللــه عليــهيدعو ربه بثبات قلبه على الهدى، فقد كــان الرســول ت: (( كمــا في حــديث أنس يكــثر أن يقــولوسلم يا مقلب� القلــوب ثب

(( ة� 1ق�لبي على دينك� ــر� ي �بي هر� ه ، وقــد ورد ع�ن أ بي ص�لى الل �ن الن أة�)) ف�قيــل� : و�ال� ن �ح�ــد يدخلــه ع�م�لــه الج� لم� ق�ال� ((م�ــا من أ �يه و�س� ع�ل

حم�ة)) ي بر� ب �غ�مد�ني ر� �ت �ن ي �ا إال أ �ن سول� الله ؟ ق�ال� ((و�ال� أ �ا ر� �نت� ي .2أ�افعلينا أن نعبد الله باالستعانة, تلك العبــادة العظيمــة الــتي أهملت, ((إذ

�عن بالله)) �ع�نت� ف�است �ا است ه� و�إذ �ل الل �لت� ف�اسأ أ , عبـادة على قـدر3س�أنفاسك تقوم بها.

هدي األنبياء والصالحين في االستعانة هذه االستعانة وحدها موضوع خطير يكفيك أن تفهمه من أجل أن تصــل،ــربى إلى اآلن أنت تستعين بالله على صالح قلبك هذه االســتعانة عبــادة وقالله. انظر لألنبياء والصالحين كيف كان هديهم في االستعانة وافعل مثلهم:

ــل كما في سورة األنبياء : نوح عليه السالم.1 ــاد�ى من ق�ب � }و�نوحا إذ نــر ب الع�ظيم{ � ـه من� الك ـ� �هل �اه و�أ ين �ج �ه ف�ن �ا ل بن �ج� إذن طلب� الغــوث من4ف�است

الله، فأدركته رحمة الله.�نت� : أيوب عليه السالم.2 ر و�أ ني� الضــ ي م�ســ �ن ه أ ب ـاد�ى ر� ـ� وب� إذ ن �ي }و�أ

} ر ـه من ضـ ا ب �ا مـ� فن �ش� �ه ف�ك �ا ل بن �ج� احمين� ف�است �رح�م الر فهـذه االسـتعانة5أواالنكسار والذل.

ــالم.3 ــه الس ــونس علي �ن : ي �ن ل با ف�ظ�ن أ ــ ون إذ ذ�ه�ب� مغ�اض }و�ذ�ا الني كنت من� �ك� إن ان بح� �نت� ســ ـه� إال أ ـ� �ن ال� إل �اد�ى في الظلم�ــات أ �يه ف�ن �قدر� ع�ل ن

} �ذ�لك� ننجي المؤمنين� �اه من� الغ�م و�ك ين �ج �ه و�ن �ا ل بن �ج� .6الظالمين� ف�است�نت�: زكريا عليه السالم.4 ــردا و�أ ـذ�رني ف� ـ� ب ال� ت ه ر� ب �اد�ى ر� ا إذ ن �ري ك }و�ز�

ــه{ وج� ـه ز� ـ� �ا ل �حن ل �صــ �ى و�أ �حي ـه ي ـ� ـا ل ـ� ـه و�و�ه�بن ـ� �ا ل بن �ج� ت ــو�ارثين� * ف�اســ ــر ال ي 7خ�المقصود (فاستجبنا له).

قال اللــه عــز وجــل في حقــه وحــقالنبي صلى الله عليه وسلم.5�كم{أصحابه : �ج�اب� ل كم ف�است ب �غيثون� ر� �ست .8}إذ ت

فالمقصود أن العبد عليه أن يحتمي بربه وخالقه من أجل ان يســدد. أنتــه هذا مرادك وتريد صالح قلبك, لكن ما الطريق للصالح؟ الطريق يدلك الل

:باب ماجاء أن القلوب بين7 "سنن الترمذي" (أبواب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم /1أصبعي الرحمن) صححه األلباني..

ار - لن ينجي أحدا منكم عمله قال رجل وال إياك يا2 ة و�الن ن �ام�ة و�الج� �اب صف�ة القي "صحيح مسلم" (كت)2816رسول الله قال وال إياي إال أن يتغمدني الله منه برحمة/

"سنن الترمذي" ( كتاب صفة القيامة / باب يا حنظلة ساعة وساعة) وصححه األلباني.376 األنبياء 484-83 األنبياء 588-87 األنبياء 690-89 األنبياء 79 األنفال 8

13

موســىعز وجل عليه ويفتح لك أبوابه, ولذلك قال الله عز وجل في حق ــارون اط� : وهـ ر� ــ ــ �اهم�ا الص ــد�ين ــ �بين� * و�ه� ت ــ ــ ـاب� المس ــ ـ� ــا الكت ــ �اهم� �ين }و�آت�قيم�{ يعني لما أعطاهم الكتاب هداهم الصراط؛ بمعنى أن الله عـز, 1المست

وجل يعرفك ويعلمك األمور بالتفصيل ويلهمك العمل، ولذلك لما تسمع عن أجر هؤالء المؤمنين فيمـا فعلـوا وانتفعـوا بإيمـانهم, تسـمع اللــه عــز وجـل

ــول في حقهم : هميقـ ب ــديهم ر� �هـ الح�ات ي ــ ـوا الصـ ــ ـوا و�ع�مل ــ ذين� آم�ن }إن ال يعني يهديهم بسبب إيمانهم.,2بإيم�انهم{

ألنه كلما عظمتباالستعانةالمقصد أن العبد عليه أن يعتني االستعانة قرب السداد

ــهسهل بن عبد الله التستريو قد كان ــد ورب يقول: "ليس بين العب طريق أقرب إليه من االفتقار", إذن الفقر هو طريق العبد, واالســتعانة هي

�قيم�{طريق صالح القلب والذي يقول اط� المست ـــا الصر� ـ� هذا يقــول 3}اهدن�اثبتنــا واهــدنا وزدنــا هــدى. فالــذي يقــول �عين اهــدن ت �ســ اك� ن ــد وإي �عب اك� ن }إي

�قيم�{ اط� المست لو جمع قلبه فيهـا فقـد حقق مطلوبـه من االسـتعانة. 4الصر� وهذا يجعلنا نكثر من طلب العون من الله واإلكثار من قول ال حول وال قوة

إال بالله.

ــا ــوب (حي, ميت , مــريض). وعرفن ــا أن هــذه أحــوال القل ــا فهمن إذا كن عالمات مـرض القلب وحياتـه. وعرفنــا أن االســتعانة هي طريقنـا المجمـل

لصالح القلب؛ بقي علينا معرفة منافذ اإلصابة بأمراض القلوب!.

منافذ اإلصابة بأمراض القلوب : ألن النظــر هــو الــذي يصــور األشــياء للقلب فيريــه الحــقالنظــر :)1

والباطل والعبر والعظات.ق.السمع)2 : ألن به يسمع الهدى وبه يسمع الضالل أو ال يفر : يعني أسلوبك في التفكــير, وهــذا النــوع يحصــل في القلبالتفكر)3

فيسمع ويبصر بطريقة صحيحة لكن يفكــر بطريقــة غــير صــحيحة، يــرى األشياء لكنه يركبها معا في أسلوب تفكــيره بصــورة خاطئــة، فهــو نــوع فساد يحصل للقلب يفسد به تصوره وإرادته ويتعطل سيره إلى اللــه أو

أحيانا يمنعه بالكلية.

118-117 الصافات 19 يونس 26 الفاتحة 35 الفاتحة 4

14

على كل حال اآلن عرفنا الخطر الشديد الذي مصــدره القلب, وكــان من الواجب علينا أن نعتني به وعلينا أن نــرى األمــراض الــتي يمكن أن نصــاب بها, وكيف نرعى قلوبنا إن كــانت مريضــة, وكيــف نتتبــع أعمــال وخطة من أجل أن تنشط, ونرى قلوبنا واللحظات الحاســمة والمعركــة الــتي تعيشــها والصراع الذي هــو بــاق وكيــف أن نحن عنــدنا ثغــرات كمــا اتفقنــا (ســمعنا

وبصرنا).

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح قلوبنا وقلوب المسلمين ويفرج علينا كربنا بأنفسنا فإننا قد ابتلينا بقلب يتقلب

وبنفس تهوى ال يشفيها وال يردها إال الملك العظيم .

15