ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ...

441
ﻛﺘﺎﺏ: ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍﳌﺆﻟﻒ: ﺍﳉﺎﺣﻆ ﲝﺮ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺃﰊ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﳉﺰﺀ ﺍﻷﻭﱃ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﺮﻙ ﻣﻨﺎﻗﺐ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺍﷲ ﺑﺴﻢ ﺑﺎﳊﻖ ﻳﻘﻮﻝ ﳑﻦ ﻭﺇﻳﺎﻙ ﻭﺟﻌﻠﻨﺎ ﻳﺪﻳﻚ، ﻋﻠﻰ ﻭﺃﺻﻠﺢ ﻭﺃﺻﻠﺤﻚ ﺷﻜﺮﻙ، ﻋﻠﻰ ﻭﺃﻋﺎﻥ ﻟﺮﺷﺪﻙ، ﺍﷲ ﻭﻓﻘﻚ ﻳﻜﻮ ﻭﻻ ﻋﻨﻪ، ﻳﺼﺪﻩ ﻗﺪ ﳑﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻭﳛﺘﻤﻞ ﻭﻳﺆﺛﺮﻩ ﺑﻪ، ﻭﻳﻌﻤﻞ ﺍﳊﺚ ﺩﻭﻥ ﺑﻪ، ﻭﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﻟﻪ ﺍﻟﻮﺻﻒ ﻣﻨﻪ ﺣﻈﻪ ﻏﲑﻫﻢ، ﺇﱃ ﻳﺼﻞ ﺃﻻ ﺍﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﺼﱪ ﺃﻫﻠﻪ، ﺇﱃ ﻭﺇﻳﺼﺎﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ ﻭﻛﺸﻒ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺍﻻﻧﻘﻄﺎﻉ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﻞ ﻋﺎﻣﻠﲔ، ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺃﻥ ﺩﻭﻥ ﻋﺎﳌﲔ ﻟﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻌﻠﻢ ﺗﻌﺎﱃ ﺍﷲ ﻓﺈﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ، ﲢﻘﻴﻘﻪ ﻭﺍﻟﺘﺜﺒﺖ ﳍﻢ ﻭﺑﲔ ﻟﻴﻌﻤﻠﻮﺍ، ﺍﳌﻬﺎﻟﻚ ﻭﺍﻟﺘﻮﺳﻂ ﺍﳌﻀﺎﺭ، ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﺍﳋﻮﻑ، ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺘﻮﺭﻁ ﻴﺘﻘﻮﺍ. ﻭﺗﻌﺠﻠﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﺛﻘﻞ ﺍﺣﺘﻤﻠﻮﺍ ﺍﳌﻨﻔﻌﺔ، ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺍﳍﻠﻜﺔ، ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻭﳊﺐﻦ، ﺍﻟﺘﺒﻴ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻃﻠﺐ ﻓﺬﻟﻚ ﺍﳌﻌﺎﻧﺎﺓ ﻣﻜﺮﻭﻩ. ﺍﻷﻭﻟﻮﻥ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻮﺍﺻﻔﲔ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﲔ ﻭﻟﻘﻠﺔ: ﻭﺍﻟﻮﺍﺻﻔﻮﻥ ﺍﻟﻮﺍﺻﻔﲔ، ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻌﺎﺭﻓﻮﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﲔ ﻣﻦ. ﻣﻌﺠﻞ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻭﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﻣﺆﺟﻞ، ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺛﻮﺍﺏ ﻷﻥ ﺍﳌﻮﺍﺻﻔﺎﺕ، ﻭﻗﻠﺖ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻛﺜﺮﺕ ﻭﺇﳕﺎ. ﻭﺧﻠﺔ ﺧﻠﻞ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻭﺇﺷﻔﺎﻗﻚ ﺧﻠﻴﻔﺘﻚ، ﻟﺘﺪﺑﲑ ﻭﺍﶈﺎﻣﺎﺓ ﺇﻣﺎﻣﻚ، ﺑﻄﺎﻋﺔ ﺷﻐﻔﻚ ﻣﻦ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﺎ ﺃﻋﺠﺒﲏ ﻭﻗﺪ ﻣﻜﺎﻧﻪ، ﺧﻔﻲ ﻭﺇﻥ ﺧﺎﻟﻔﻪ ﺃﻣﺮ ﻛﻞ ﻭﻣﻦ ﺻﻐﺮ، ﻭﺇﻥ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻭﻧﺎﻝ ﺩﻕ، ﻭﺇﻥ ﻣﻠﻜﻪ ﻋﻠﻰ ﺩﺧﻞ ﺭﺿﺎﻩ ﻭﺟﺎﻧﺐ ﻣﺘﺄﻭﻝ ﻣﻦ ﳜﻠﻮﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻓﺈﻥ ﹰ؛ ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺍﻟﻌﺪﻭ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﳌﺘﺄﻭﱢﻝ ﳚﺪ ﺃﻥ ﲣﻮﻓﻚ ﻭﻣﻦ ﺿﺮﺭﻩ؛ ﻗﻞ ﻭﺇﻥ ﺫﻱ ﺑﺮﺃﻳﻪ ﻣﻌﺠﺐ ﻭﻣﻦ ﻣﺘﺼﻔﺢ، ﻣﺘﻌﻄﻞ ﻭﻣﻦ ﹴ، ﺯﺍﺭ ﺍﳊﻜﻢ ﻋﻦ ﻣﻌﺪﻭﻝ ﻭﻣﻦ ﺳﺎﺧﻂ، ﻋﻠﻴﻪ ﳏﻜﻮﻡ ﻭﻣﻦ ﻧﺎﻗﻢ، ﺍﻟﺘ ﻋﻠﻰ ﻭﺑﺎﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ، ﺑﺘﻬﺠﲔ ﻣﻮﻟﻊ ﺑﻴﺎﻧﻪ، ﺧﻄﻞ ﻭﻭﻛﻴﻞ ﺍﻷﻣﺔ، ﳉﻤﻴﻊ ﺭﺍﺋﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﺣﱴ ﺪﺑﲑ، ﻭﺇﻥ ﻳﻌﺬﺭ ﻭﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ؛ ﺍﳋﻠﻔﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﻔﺢ ﻣﻮﺿﻊ ﻭﰲ ﺍﻟﺮﻗﺒﺎﺀ، ﻣﻮﺿﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻀﻊ ﺍﳌﻤﻠﻜﺔ؛ ﲨﻴﻊ ﻟﺴﻜﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﻣﺎ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺑﺄﻥ ﻳﺼﺪﻕ ﻭﻻ ﹰ، ﳏﺘﻤﻼ ﺍﻟﺸﻚ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻒ ﻭﻻ ﹰ، ﻭﺍﺿﺤﺎ ﺍﻟﻌﺬﺭ ﳎﺎﺯ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺃ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﻳﻌﺮﻑ ﻭﺃﻧﻪ ﺍﻟﻐﺎﺋﺐ، ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﻦ ﻭﻣﺴﺘﺪﺑﺮﻩ ﻣﻮﺍﺭﺩﻩ، ﻳﺸﻬﺪ ﻣﻦ. ﻗﺪ ﳏﺮﻭﻡ ﻭﻣﻦ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﺃﻓﺴﺪﻩ ﻗﺪ ﻟﺌﻴﻢ ﻭﻣﻦ ﺍﳊﺮﻣﺎﻥ، ﺃﺿﻐﻨﻪ. ﳉﻬﻠﻪ ﻭﻫﻮ ﺣﻘﻪ، ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺃﺧﺬ ﻗﺪ ﻣﺴﺘﺒﻄﺊ ﻭﻣﻦ ﺃﻭﺟﺐ ﺣﻘﻪ ﻭﺃﻥ ﺃﻛﺜﺮ، ﻟﻪ ﺑﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻥ ﻳﻈﻦ ﺷﻜﺮﻩ، ﻭﻗﻠﺔ ﺫﺭﺍﻋﻪ ﺑﻘﺪﺭﻩ،ﻭﻟﻀﻴﻖ. ﺍﺭﲡﻊ ﻟﻮ ﻣﺴﺘﺰﻳﺪ ﻭﻣﻦ ﺃﻳﺎﺩﻳﻪ ﺳﺎﻟﻒ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﺴﺘﺤﻘﺎ ﻭﻟﻪ ﹰ، ﺃﻫﻼ ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻜﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ، ﺍﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ﻭﻧﻌﻤﻪ ﻋﻨﺪﻩ، ﻟﺒﻴﺾ. ﺍﻹﻣﻼﺀ، ﻏﺮﻩ ﻗﺪ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﻃﻮﻝ ﻭﺃﻓﺴﺪﻩ ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺔ، ﺩﻭﺍﻡ ﻭﺃﺑﻄﺮﻩ. ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ،ﻧﻌﺎﻕ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﳉﻤﺎﻋﺔ، ﺧﺎﻣﻞ ﻓﺘﻨﺔ ﺻﺎﺣﺐ ﻭﻣﻦ ﳚﺪ ﻣﻐﻴﻆ ﻓﻬﻮ ﺑﺎﳊﻖ، ﺍﳊﻜﻢ ﻭﺃﺫﻟﻪ ﺍﻷﺩﺏ، ﺛﻘﺎﻑ ﺻﻐﻮﻩ ﻭﺃﻗﺎﻡ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﺃﻗﺼﺎﻩ ﻗﺪ ﺍﳍﺮﺝ، ﺍﻟﺘﺸﻨﻴﻊ، ﻏﲑ

Upload: others

Post on 08-Sep-2019

21 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لرسائل : كتاب ااجلاحظ : املؤلف حبر عثمان عمرو بن أيب

اجلزء األول

الرسالة األوىل

مناقب الترك

بسم اهللا الرمحن الرحيم

وفقك اهللا لرشدك، وأعان على شكرك، وأصلحك وأصلح على يديك، وجعلنا وإياك ممن يقول باحلق ن حظه منه الوصف له واملعرفة به، دون احلث ويعمل به، ويؤثره وحيتمل ما فيه مما قد يصده عنه، وال يكو

عليه واالنقطاع إليه وكشف القناع فيه وإيصاله إىل أهله، والصرب على احملافظة يف أال يصل إىل غريهم، والتثبت يف حتقيقه لديهم، فإن اهللا تعاىل مل يعلم الناس ليكونوا عاملني دون أن يكونوا عاملني، بل علمهم

.يتقوا التورط يف وسط اخلوف، والوقوع يف املضار، والتوسط يف املهالكليعملوا، وبني هلم لفذلك طلب الناس التبين، وحلب السالمة من اهللكة، والرغبة يف املنفعة، احتملوا ثقل العلم، وتعجلوا

أكثر العارفون أكثر من الواصفني، والواصفون: ولقلة العاملني وكثرة الواصفني قال األولون. مكروه املعاناة .وإمنا كثرت الصفات وقلت املواصفات، ألن ثواب العمل مؤجل، واحتمال ما فيه معجل. من العاملني

وقد أعجبين ما رأيت من شغفك بطاعة إمامك، واحملاماة لتدبري خليفتك، وإشفاقك من كل خلل وخلة وجانب رضاه دخل على ملكه وإن دق، ونال سلطانه وإن صغر، ومن كل أمر خالفه وإن خفي مكانه،

وإن قل ضرره؛ ومن ختوفك أن جيد املتأول إليه طريقا والعدو عليه متعلقا؛ فإن السلطان ال خيلوا من متأول ناقم، ومن حمكوم عليه ساخط، ومن معدول عن احلكم زار، ومن متعطل متصفح، ومن معجب برأيه ذي

دبري، حىت كأنه رائد جلميع األمة، ووكيل خطل يف بيانه، مولع بتهجني الصواب، وباالعتراض على التلسكان مجيع اململكة؛ يضع نفسه يف موضع الرقباء، ويف موضع التصفح على اخللفاء والوزراء؛ ال يعذر وإن

كان جماز العذر واضحا، وال يقف فيما يكون الشك حمتمال، وال يصدق بأن الشاهد يرى ما ال يرى ومن حمروم قد . ي من مل يشهد موارده، ومستدبره من مل يعرف مستقبلهالغائب، وأنه ال يعرف مصادر الرأ

قد أخذ أضعاف حقه، وهو جلهله . أضغنه احلرمان، ومن لئيم قد أفسده اإلحسان ومن مستبطئ ومن مستزيد لو ارجتع . بقدره،ولضيق ذراعه وقلة شكره، يظن أن الذي بقي له أكثر، وأن حقه أوجب

قد غره اإلمالء، . لبيض عنده، ونعمه السالفة عليه، لكان لذلك أهال، وله مستحقاالسلطان سالف أياديه اومن صاحب فتنة خامل يف اجلماعة، رئيس يف الفرقة،نعاق يف . وأبطره دوام الكفاية، وأفسده طول الفراغ

غري التشنيع، اهلرج، قد أقصاه السلطان، وأقام صغوه ثقاف األدب، وأذله احلكم باحلق، فهو مغيظ ال جيد

Page 2: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وال يتشفى بغري اإلرجاف، وال يستريح إال إىل األماين، وال يأنس إال بكل مرجف كذاب، ومفتون مرتاب، وخارص ال خري فيه، وخالف ال غناء عنده، يريد أن يسوى بالكفاة، ويرفع فوق احلماة، ألمر ما سلف له،

وال حيفل بدروس شرف، وال يفصل بني ثواب وإلحسان كان من غريه، وليس ممن يرب قدميا حبديث، .احملتسبني، وبني احلفظ ألبناء احملسنني

وكيف يعرف فرق ما بني حق الذمام وثواب الكفاية، من ال يعرف طبقات احلق يف مراتبه، وال يفصل بني .طبقات الباطل يف منازله

صار خليفتك، وإياها حطت مث أعلمتين بذلك أنك بنفسك بدأت يف تعظيم إمامك، واحلفظ ملناقب أنونعم العون أنت إن شاء اهللا على مالزمة الطاعة، واملؤازرة على . حبياطتك ألشياعه، واحتجاجك ألوليائه

.اخلري، واملكانفة ألهل احلقوقد استدللت بذلك بالذي أرى من شدة عنايتك، وفرط اكتراثك، وتفقدك ألخابري األعداء وحبثك عن

.ن ما ظهر من نصحك أمم، يف جنب ما بطن من إخالصكمناقب األولياء، على أفأمتع اهللا بك خليفته، ومنحنا وإياك حمبته، وأعاذنا وإياك من قول الزور، والتقرب بالباطل، إنه محيد جميد،

.فعال ملا يريد

ة وذكرت أبقاك اهللا أنك جالست أخالطا من جند اخلليفة، ومجاعة من أبناء الدعوة، وشيوخا من جلالشيعة، وكهوال من أبناء رجال الدولة، واملنسوبني إىل الطاعة واملناصحة، واحملبة الدينية، دون حمبة الرغبة

والرهبة، وأن رجال من عرض تلك اجلماعة، ومن حاشية تلك اجللة، ارجتل الكالم ارجتال مستبد، وتفرد به ، وأنه تعسف املعاين وهتجم على األلفاظ، وزعم تفرد معجب، وأنه مل يستأمر زعمائهم، ومل يراقب خطباءهم

وأنه أكثر من محد اهللا . خرا ساين، وتركي، ومولى، وعريب، وبنوي: أن جند اخلالفة اليوم على مخسة أقساموشكره على إحسانه ومننه، وعلى مجيع أياديه وسابغ نعمه، وعلى مشول عافيته وعلى جزيل مواهبه، حني

وأنك اعترضت على هذا . لقلوب املختلفة، واألجناس املتباينة، واألهواء املتفرقة،ألف على الطاعة هذه ااملتكلم املستبد، وعلى هذا القائل املتكلف، الذي قسم هذه األقسام، وخالف بني هذه األركان، وفصل بني

، وقذعته أشد وأنك أنكرت ذلك عليه أشد اإلنكار. أنساهبم، وفرق بني أجناسهم، وباعد بني أسباهبموأنك أنكرت التباعد يف . القذع، وزعمت أهنم مل خيرجوا من االتفاق أو من شيء يقرب من االتفاق

بل أزعم أن اخلراساين والتركي أخوان، وأن احليز واحد، وأن حكم : وقلت. النسب، والتباين يف السببوأن األعراق يف األصل . ري متفاوتذلك الشرق، والقضية على ذلك الصقع متفق غري خمتلف، ومتقارب غ

إن ال تكن كانت راسخة فقد كانت متشاهبة، وحدود البالد املشتملة عليهم إن ال تكن متساوية فإهنا .متناسبة، وكلهم خرا ساين يف اجلملة وإن متيزوا ببعض اخلصائص، فافترقوا ببعض الوجوه

العجمي والعريب، وال كاالختالف بني الرومي وزعمت أن اختالف التركي واخلراساين ليس كاالختالف بني بل كاختالف ما بني املكي واملدين، . والصقلي والزغيب واحلبشي، فضال عما هو أبعد جوهرا وأشد خالفا

أن : والبدوي واحلضري، والسهلي واجلبلي، وكاختالف ما بني الطائي اجلبلي والطائي السهلي، وكما يقال

Page 3: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الف ما بني من نزل احلزون، وبني نزل البطون، وبني نزل النجود وبني نزل هذيال أكراد العرب، وكاخت .األغوار

وزعمت أن هؤالء وإن اختلفوا يف بعض اللغة، وفارق بعضهم بعضا يف بعض الصور، فقد ختالفت عليا متيم، ن وسفلي قيس، وعجز هوازن وفصحاء احلجاز، يف اللغة، وهي أكثرها على خالف لغة حمري، وسكا

وكلهم مع ذلك عريب خالص، غري مشوب وال . خماليف اليمن، وكذلك يف الصورة والشمائل واألخالق .معلهج وال مذرع وال مزجل

ومل خيتلفوا اختالف ما بني بين قحطان وبين عدنان، من قبل ما طبع اهللا عليه تلك الربية من خصائص .والصورة ومن األخالق واللغة الغرائز، وما قسم اهللا تعاىل ألهل كل جيزة من الشكل

.فكيف كان أوالدمها مجيعا عربا مع اختالف األبوة: فإن قلتإن العرب ملا كانت واحدة فاستووا يف التربة ويف اللغة، والشمائل واهلمة، ويف األنف واحلمية،ويف : قلنا

قالب واحدا، تشاهبت األجزاء األخالق والسجية، فسكبوا سبكا واحدا، وأفرغوا إفراغا واحدا، وكان الوتناسبت األخالط، وحني صار ذلك أشد تشاهبا يف باب األعم واألخص ويف باب الوفاق واملباينة من بعض

ذوي األرحام، جرى عليهم حكم االتفاق يف احلسب، وصارت هذه األسباب والدة أخرى حىت تناكحوا ن مناكحة بىن إسحاق وهو أخو إمساعيل، وجادوا عليها، وتصاهروا من أجلها، وامتنعت عدنان قاطبة م

ففي إمجاع الفريقني على التناكح واملصاهرة، ومنعهما -وهو ابن عابر -بذلك يف مجيع الدهر لبىن قحطان كسرى فمن دونه، دليل على أن النسب عندهم متفق، وأن هذه املعاين قد قامت : من ذلك مجيع األمم

.املاسةعندهم مقام الوالدة واألرحام .وزعمت أنه أراد الفرقة التخريب، وأنك أردت األلفة والتقريب

نسب آبائهم، وأن حسن صنيع اآلباء، وقدمي فعال :وزعمت أيضا أن البنوى خراساين، وأن نسب األبناء. وأن املوايل بالعرب أشبه، وإليهم أقرب، وهبم أمس؛ ألن السنة جعلتهم منهم. األجداد هو حس األبناء

. إن املوايل أقرب إىل العرب يف كثري من املعاين؛ ألهنم عرب يف املدعى، ويف العاقلة، ويف الوراثة: قلتفوعلى شبيه " والوالء حلمة كلحمة النسب " وهذا تأويل قوله موىل القوم منهم وموىل القوم من أنفسهم،

رجل من ثقيف، وكذلك ذلك صار حليف القوم منهم، وحكمه حكمهم، فصار األخنس بن شريق وهو وبذلك . يعلى بن منية وهو رجل من بلعودية، وكذلك خالد بن عرفطة وهو رجل من عذرة من قريش

النسب حرمت الصدقة على موايل بين هاشم؛ فإن النيب صلى اهللا عليه وسلم أجراهم يف باب التنزيه بين عبد املطلب على بين عبد وبذلك السبب قدم النيب صلى اهللا عليه وسلم. والتطهري جمرى مواليهم

.مشس، وقرابتهم سواء ونسبهم واحد، للعقد املتقدم، ولأليدي املتفقة، فقال ضرار بن األزور " عكاشة بن حمصن : منا خري فارس يف العرب: " وقال صلى اهللا عليه وسلم

لقوم منهم، كما جعل فجعل حليف ا" . بل هو منا باحللف : " قال. ذاك رجل منا يا رسول اهللا: األسدي .بن أخت القوم منهم

Page 4: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مث زعمت أن األتراك قد شاركوا هؤالء القوم يف هذا النسب، وصاروا من العرب هبذا السبب، مع الذي .بانوا به من اخلالل، وحبوا به من شرف اخلصال

ار من على أن والء األتراك للباب قريش، وملصاص عبد مناف، وهم يف سر بين هاشم وهاشم موضع العذخد الفرس، والعقد من لبة الكاعب، واجلوهر املكنون، والذهب املصفى، وموضع احملة من البيضة، والعني

يف الرأس، والروح من البدن؛ وهم األنف املقدم، والسنام األكرب، والدرة الزهراء، والروضة اخلضراء، أسباهبم، وفضلوهم هبذا الفضل الذي ال يبلغه فقد شاركوا العرب يف أنساهبم، واملوايل يف . والذهب األمحر

.فضل وإن برع، بل ال يعشره شرف وإن عظم، وال جمد وإن قدمفزعمت أن أنساب اجلميع متقاربة غري متباعدة، وعلى حسب ذلك التقارب تكون املؤازرة واملكاتفة،

.والطاعة واملناصحة، واحملبة للخلفاء األئمةفاخرة األجناس، ومجهرة من مناقب هذه األصناف، وأنه مجع ذلك وفصله وذكرت أنه ذكر مجال من م

وفسره، وأنه ألغى ذكر األتراك فلم يعرض هلم، وأضرب عنهم صفحا، خيرب عنهم كما أخرب عن حجة كل حنن النقباء وأبناء النقباء، وحنن النجباء وأبناء : جيل، وعن برهان كل صنف؛ وذكر أن اخلراساين يقول

ومنا الدعاة، قبل أن تظهر نقابة، أو تعرف جنابة، وقبل املبالغة واملباراة، وقبل كشف القناع وزوال النجباء،وبني ذلك ما قتلنا وشردنا، وهنكنا . التقية وزوال ملك أعدائنا عن مستقره، وثبات ملك أوليائنا يف نصابه

.ضربا وبضعنا بالسيوف احلداد، وعذبنا بألوان العذابوحنن اخلندقية، وحنن . ومنا اإلثنا عشر النقباء، والسبعون النجباء. اهللا الصدور، وأدرك الثأر وبنا شفى

الكفية وأبناء الكفية، ومنا املستجيبة ومن يهرج التيمية ومنا نيم خزان وأصحاب اجلوربني ومنا الزغندية .واآلزاذمردية

وحنن أهل هذه الدولة، وأصحاب هذه الدعوة، . بكل وادوحنن فتحنا البالد وقتلنا العباد، وأبدنا العدو .ومن عندنا هبت هذه الريح. ومنبت هذه الشجرةاألوس واخلزرج نصرو النيب صلى اهللا عليه وسلم يف أول الزمان، وأهل خراسان : واألنصار أنصاران

سبا ال نعرف إال به، ودينا ال غذانا بذلك آباؤنا وغذونا به أبناءنا، وصار لنا ن. نصروا ورثته يف آخر الزمان .نوايل إال عليه

. مث حنن على وترية واحدة، ومنهاج غري مشترك؛ نعرف بالشيعة، وندين بالطاعة، ونقتل فيها ومنوت عليهاوحنن أصحاب الرايات السود، والروايات الصحيحة، واألحاديث . سيمانا موصوف، ولباسنا معروف

. وفينا تقدم اخلرب، وصح األثر. اجلبابرة، وينزعون امللك من أيدي الظلمة املأثورة، والذين يهدمون مدنوجاء يف احلديث صفة الذين يفتحون عمورية ويظهرون عليها، ويقتلون مقاتليها ويسبون ذراريها، حيث

.فصدق الفعل القول، وحقق اخلرب العيان. شعورهم شعور النساء، وثياهبم ثياب الرهبان: قالوا يف نعتهمحممد بن علي، حني أراد توجيه الدعاة إىل : وحنن الذين ذكرنا وذكر بالءنا أمام األئمة، وأبو اخلالئق العشرة

:اآلفاق، وتفريق شيعته يف البالد، أن قال

Page 5: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأما الشام . أما البصرة وسوادها فقد غلب عليها عثمان وصنائع عثمان، فليس هبا من شيعتنا إال القليلوأما اجلزيرة فحرورية شارية، وخارجة مارقة، ولكن عليهم هبذا الشرق؛ .أيب سفيان فشيعة بين مروان وآل

فإن هناك صدورا سليمة وقلوبا باسلة، مل تفسدها األهواء، ومل ختامرها األدواء، ومل تعتقبها البدع، وهم .وهناك العدد والعدة، والعتاد والنجدة. مغيظون موتورون

فكنا خري جند خلري إمام؛ فصدقنا ظنه، وثبتنا رأيه، وصوبنا . يطلع منه النهار وأنا أتفاءل إىل حيث: مث قال .فراسته

أمرنا هذا شرقي ال غريب، ومقبل ال مدبر، يطلع كطلوع الشمس، وميتد على اآلفاق : وقال مرة أخرى .امتداد النهار، حىت يبلغ حيث تبلغه األخفاف، وتناله احلوافر

وحنن أيضا أصحاب اخلنادق أيام نصر بن . حية، والدالقية، والذكوانية، والراشديةوحنن قتلنا الصحص: قالواوحنن أصحاب نباتة بن حنظلة، وعامر بن ضبارة، . سيار، وابن جديع الكرماين، وشيبان بن سلمة اخلارجي

.فلنا قدمي هذا األمر وحديثه، وأوله وآخره ومنا قاتل مروان. وأصحاب ابن هبرية .ا أجسام وأجرام، وشعور وهام، ومناكب عظام، وجباه عراض، وقصر غالظ، وسواعد طوالوحنن قوم لن

وحنن أولد للذكورة، وأنسل بعولة، وأقل ضوي وضؤولة، وأقل إتآما وأنتق أرحاما، وأشد عصبا وأمت .عظاما، وأبداننا أمحل للسالح، وجتفافنا أمأل للعيون

.وحنن أكثر مادة، وأكثر عددا وعدةفأما األيد وشدة األسر، فليس . ولو أن يأجوج ومأجوج كاثروا من وراء النهر منا لظهروا عليهم بالعدد

.ألحد بعد عاد ومثود والعمالقة والكنعانيني مثل أيدينا وأسرناولو أن خيول األرض وفرسان مجيع األطراف مجعوا يف حلبة واحدة، لكنا أكثر يف العيون، وأهول يف

.الصدور رأيت مواكبنا وفرساننا، وبنودنا اليت ال حيملها غرينا، علمت أننا مل خنلق إال لقلب الدول، وطاعة ومىت

.اخللفاء، وتأييد السلطانولو أن أهل التبت ورجال الزابج، وفرسان اهلند، وحلبة الروم، هجم عليهم هاشم بن أشتاخنج ملا امتنعوا

.من طرح السالح واهلرب يف البالد. صحاب اللحى وأرباب النهي، وأهل احللم واحلجا، وأهل الثخانة يف الرأي، والبعد من الطيشوحنن أ

.ولسنا كجند الشام املتعرضني للحرم، واملنتهكني لكل حمرموحنن جنمع بني النزاهة والقناعة والصرب على اخلدمة، والتجمري عند بعد . وحنن ناس لنا أمانة وفينا عفة

ملهولة العظام والبنود، وحنن أصحاب التجافيف واألجراس، والبازيكند واللبود ولنا الطبول ا. الشقةالطوال، واألغماد املعقفة والشوارب املعقربة، والقالنس الشاشية، واخليول الشهرية، والكافر كوبات

ولنا األصوات اليت. ولنا حسن اجللسة على ظهور اخليل. والطربزينات يف األكف، واخلناجر يف األوساط .تسقط منها احلباىل

وليس يف األرض صناعة غريبة من أدب وحكمة، وحساب وهندسة، وإيقاع وصنعة، وفقه ورواية، نظرت

Page 6: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.فيها اخلراسانية إال وبرعت فيها الرؤساء، وبزت فيها العلماءا ودربة ولنا مما جعلناه رياضة ومترينا، وإرهاصا للحرب، وتثقيف. ولنا صنعة السالح من لبد وركاب ودرع

مثل الدبوق، والنزو على اخليل صغارا، ومثل الطبطاب والصواجلة : للمجاولة واملشاولة، وللكر بعد الكر .الكبار، مث رمى اجملثمة، والربجاس والطائر اخلطاف

.فنحن أحق باألثرة، وأوىل بشرف املنزلةالشابكة، وبالقدمة، والطاعة لآلباء والعشرية، وزعم أن القربة تستحق باألسباب الثابتة، وباألرحام : مث قلت

وبالشكر النافع، واملديح الكايف بالشعر املوزون الذي يبقى بقاء الدهر، ويلوح ما الح جنم، وينشد ما أهل أو بصفة خمرج الدولة . باحلج، وما هبت الصبا، وما كان للزيت عاصر، وبالكالم املنثور والقول املأثور

وتقييد املآثر، إذ مل يكن ذلك من عادة العجم، وال كان حيفظ ذلك معروفا لسوى واالحتجاج للدعوة، الذين ال يتكلون على الكتب املدونة، . وحنن نرتبطها بالشعر املقفى، ونصلها حبفظ األميني. العرب

وحنن أصحاب التفاخر والتنافر، والتنازع يف الشرف، والتحاكم إىل كل حكم مقنع. واخلطوط املطرسةوحنن أحفظ ألنسابنا، وأرعى حلقوقنا وتقييدها أيضا . ولنا التعاير باملثالب، والتفاخر باملناقب. وكاهن سجاع

باملنثور املرسل، بعد املوزون املعدل، بلسان أمضى من السنان، وأرهف من السيف احلسام، حىت نذكرهم ما .قد درس رمسه، وعفا أثره

وهذا باب يتقدم . ة فرق، وليس املعرق يف احلفاظ كمن هذا فيه حادثوبني القتال من جهة الرغبة والرهب .فيه التالد القدمي الطارف احلديث

وهل أكثر النقباء إال من صميم العرب، ومن صليبة النسب، . سجستاين وأعرايب: وطالب الطوائل رجالن، وأيب نصر مالك بن اهليثم كأيب عبد احلميد قحطبة بن شبيب الطائي، وأيب حممد سليمان بن كثري اخلزاعي

اخلزاعي، وأيب داود خالد بن إبراهيم الذهلي، وكأيب عمرو الهز بن قريظ املرئي، وأيب عتيبة موسى بن كعب املرئي، وأيب سهل القاسم بن جماشع املرئي، ومن كان جيري جمرى النقباء ومل يدخل فيهم، مثل مالك

.بن الطواف املزينقتل مروان، ومن هزم ابن هبرية، ومن قتل ابن ضبارة، ومن قتل نباتة بن حنظلة، وبعد فمن هذا الذي باشر

ومنفتح السند إال موسى بن كعب، ومن فتح إفريقيا إال حممد ! إال عرب الدعوة، والصميم من أهل الدولة؟ !.بن األشعث؟

وعلل . الثقة عند الشدةلنا النصيحة اخلالصة، واحملبة الراسخة، وحنن موضع : وتقول املواىل: وقال: وقلتاملوىل من حتت موجبة حملبة املوىل من فوق، ألن شرف مواله راجع إليه، وكرمه زائد يف كرمه، ومخوله

وبوده أن خصال الكرام كلها اجتمعت فيه؛ ألنه كلما كان مواله أكرب وأشرف وأظهر، . مسقط لقدره .ريا، وأقل حسداوموالك أسلم لك صدرا، وأرد ضم. كان هو هبا أشرف وأنبل

وبعد فالوالء حلمة كلحمة النسب، فقد صار لنا النسب الذي يصوبه العريب، ولنا األصل الذي يفتخر به .العجمي

Page 7: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وللموىل يف هذه املكرمة ما ليس ألحد. والصرب ضروب، فأكرمها كلها الصرب على إفشاء السر: قالالطاعة واخلدمة واإلخالص وحسن النية، خدمة ولنا مع. وحنن أخص مدخال، وألطف يف اخلدمة مسلكا

.األبناء لآلباء، واآلباء لألجداء، وهم مبواليهم آنس، وبناحيتهم أوثق، وبكفايتهم أسروقد كان املنصور، وحممد بن علي، وعلي بن عبد اهللا، خيصون مواليهم باملواكلة والبسط واإليناس، ال

ويوصون حبفظهم أكابر . ته، وال الصناعة الدنيئة لدناءهتايبهرجون األسود لسواده، وال الدميم لدمامأوالدهم، وجيعلون لكثري من موتاهم الصالة على جنائزهم، وذلك حبضرة من العمومة وبين األعمام

.واألخوةويتذاكرون إكرام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لزيد بن حارثة مواله، حني عقد له يوم مؤتة على جلة

.وجعله أمري كل بلدة يطؤها بين هاشم، .وعقد له على عظماء املهاجرين وأكابر األنصار. ويتذاكرون حبه ألسامة بن زيد، وهو احلب ابن احلب

.ويتذاكرون صنيعه بسائر مواليه، كأيب أنسة، وشقران، وفالن وفالنني موىل خزاعى، وأبو النجم ولنا من رؤوس النقباء أبو منصور موىل خزاعة، وأبو احكم عيسى بن أع: قالوا

فلنا مناقب اخلراسانية، ولنا مناقب املواىل يف هذه الدعوة، وحنن . عمران بن إمساعيل موىل آل أيب معيطمنهم وإليهم، ومن أنفسهم، ال يدفع ذلك مسلم وال ينكره مؤمن، خدمناهم كبارا ومحلناهم على عواتقنا

شوء يف الكتاب، والتقلب يف تلك العراص اليت مل يبلغها إال كل هذا مع حق الرضاع واخلؤولة، والن. صغارافقد شاركنا العريب يف فخره، واخلراساين يف جمده، والبنوي يف فضله، مث تفردنا . سعيد اجلد، وجيه يف امللوك

.مبا مل يشاركونا فيه، وال سبقونا إليهآنس وإلينا أسكن، وإىل لقائنا أحن؛ وحنن وحنن أشكل بالرعية، وأقرب إىل طباع الدمهاء؛ وهم بنا: قالوا

فمن أحق باألثرة، وأوىل حبسن املنزلة ممن هذه اخلصال له، وهذه . هبم أرحم، وعليهم أعطف، وهبم أشبه .اخلالل فيه

أنا أصلي خراسان، وهي خمرج الدولة ومطلع الدعوة؛ ومنها جنم هذا : وقلت وذكرت أن البنوي قالوتفجر هذا الينبوع، واستفاض هذا البحر، حىت ضرب احلق جبرانه، وطبق اآلفاق القرن، وصبأ هذا الناب،

.بضيائه، فأبرأ من السقم القدمي، وشفى من الداء العضال، وأغىن من العيلة، وبصر من العمىوفرعى بغداد، وهي مستقر اخلالفة، والقرار بعد احلولة، وفيها بقية رجال الدعوة، وأبناء الشيعة، : قال

.خراسان العراق، وبيت اخلالفة، وموضع املادةوهي

. وأنا أعرق يف هذا األمر من أيب، وأكثر تردادا فيه من جدي، وأحق يف هذا الفضل من املوىل والعريب: قالولنا معانقة األبطال . ولنا بعد يف أنفسنا ما ال ينكر من الصرب حتت ظالل السيوف القصار والرماح الطوال

ولنا املواجأة بالسكاكني، وتلقى اخلناجر بالعيون، وحنن محاة املستلحم، . انقطاع الصفائحعند حتطم القنا ووحنن أهل الثبات عند اجلولة، واملعرفة عند احلرية، وأصحاب املشهرات، وزينة العساكر . وأبناء املضايق

، ولنا بعد التسلق، وحنن أصحاب الفتك واإلقدام. وحلى اجليوش، ومن ميشى يف الرمح، وخيتال بني الصفني

Page 8: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ونقب املدن، والتقحم على ظبات السيوف وأطراف الرماح، ورضخ اجلندل، وهشم العمد، والصرب على مث الصرب حتت العقوبة، واالحتجاج . اجلراح وعلى جر السالح إذا طار قلب األعرايب، وساء ظن اخلراساين

وقلة التكفي حببل العقابني، والبعد من عند املساءلة، واجتماع العقل، وصحة الطرف، وثبات القدمني، .اإلقرار، وقلة اخلضوع للدهر واخلضوع عند جفوة الزوار وجفاء األقارب واإلخوان

ولنا املواجأة يف . وحنن املوت األمحر عند أبواب النقب. ولنا القتال عند أبواب اخلنادق، ورؤوس القناطروحنن أصحاب . ليدية، والكتفية، والباللية، واخلريبيةفسل عن ذلك اخل. األزقة، والصرب على قتال السجون

.املكابدات وأرباب البيات، وقتل الناس جهارا يف األسواق والطرقات. وحنن أصحاب القنا الطوال ما كنا رجالة، واملطارد القصار ما كنا فرسانا. وحنن جنمع بني السلة واملزاحفة

نقاتل بالليل . وإن كنا طالئع فكلنا يقوم مقام أمري اجليش. ففإن صرنا كمنا فاحلتف القاضي، والسم الذعا .كما نقاتل بالنهار، ونقاتل يف املاء كما نقاتل على األرض، ونقاتل يف القرية كما نقاتل يف احمللة

وحنن أفتك وأخشب، وحنن أقطع للطريق وأذكر يف الثغور، مع حسن القدود وجودة اخلرط ومقادير .وأصحاب الباطل والفتوة، مث اخلط والكتابة، والفقه والرواية. والنفس املرةاللحى، وحسن العمة،

فإذا . والدنيا كلها معلقة هبا، وصائرة إىل معناها. ولنا بغداد بأسرها، تسكن ما سكنا، وتتحرك ما حتركناالعها خلالعها، وكذلك أهلها ألهلها، وفتاكها لفتاكها، وخ. كان هذا أمرها وقدرها فجميع الدنيا تبع هلا .ورؤساؤها لرؤسائها، وصلحاؤها لصلحائها

وحنن بعد تربية اخللفاء، وجريان الوزراء، ولدنا يف أفنية ملوكنا، وحنن أجنحة خلفائنا، فأخذنا بآثارهم، واحتذينا على مثاهلم، فلسنا نعرف سواهم، وال نعرف بغريهم، وال يطمع فينا أحد قط من خطاب ملكهم،

فمن أحق باألثرة، وأوىل بالقرب يف املنزلة ممن هذه اخلصال فيه، وهذه . العتراض عليهموممن يترشح ل .اخلالل له

بسم اهللا الرمحن الرحيم إن ذهبنا حفظك اهللا بعقب هذه االحتجاجات، وعند مقطع هذه االستدالالت، ذه األصناف، سلكنا نستعمل هذه املعارضة مبناقب األتراك، واملوازنة بني خصاهلم وخصال كل صنف من ه

.يف هذا الكتاب سبيل أصحاب اخلصومات يف كتبهم، وطريق أصحاب األهواء يف االختالف الذي بينهموكتابنا هذا إمنا تكلفناه لنؤلف بني قلوهبم اليت كانت خمتلفة، ولنزيد األلفة إن كانت مؤتلفة، ولنخرب عن

من كان ال يعرف منهم موضع التفاوت يف اتفاق أسباهبم لتجتمع كلمتهم، ولتسلم صدورهم، وليعرفالنسب، وكم مقدار اخلالف يف احلسب، فال يغري بعضهم مغري، وال يفسده عدو بأباطيل مموهة وشبهات مزورة؛فإن املنافق العليم، والعدو ذا الكيد العظيم، قد يصور هلم الباطل يف صورة احلق، ويلبس اإلضاعة

ر مجال من أحاديث رويناها ووعيناها، وأمور رأيناها وشاهدناها، إال أنا على حال سنذك. ثياب احلزم .وفضائل تلقفناها من أفواه الرجال ومسعناها

وسنذكر مجيع ما يف هذه األصناف من اآلالت واألدوات، مث ننظر أيهم هلا أشد استعماال، وهبا أشد وأمجع أمرا، وأعم خواطر وأكثر غرائب، استقالال، ومن أثقب كيسا وأفتح عينا وأذكى يقينا، وأبعد غورا

وأبدع طريقا، وأدوم نفعا يف احلروب، وأضرى وأدرب دربة، وأغمض مكيدة، وأشد احتراسا وألطف

Page 9: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

احتياال؛ حىت يكون اخليار يف يد الناظر املتصفح ملعانيه، واملقلب لوجوهه، واملفكر يف أبوابه، واملقابل بني ن انتحلنا شيئا دون شيء، وتقلدنا تفضيل بعض على بعض، بل لعلنا أن ال خنرب أوله وآخره، فال نكون حن

.عن خاصة ما عندنا حبرف واحد

فإذا دبرنا كتابنا هذا التدبري، وكان موضوعه على هذه الصفة، كان أبعد له من مذاهب اجلدال واملراء، .واستعمال اهلوى

ختلفت يف الصورة واخلط واهلجاء، أن حقائقها ومعانيها على وقد ظن ناس أن أمساء أصناف األجناس كما اوليس األمر على حسب ما تومهه؛ أال ترى أن اسم الشاكرية وإن خالف يف الصورة واهلجاء . حسب ذلك

والذي إليه يرجعون . اسم اجلند،فإن املعىن فيهما ليس ببعيد؛ ألهنم يرجعون إىل معىن واحد وعمل واحد .تأييد السلطانطاعة اخللفاء، و

وإذا كان املوىل منقوال إىل العرب يف أكثر املعاين، وجمعوال منهم يف عامة األسباب، مل يكن ذلك بأعجب ممن .جعل اخلال والدا، واحلليف من الصميم، وابن األخت من القوم .وقد جعل ابن املالعنة املولود على فراش البعل منسوبا إىل أمه

هو ابن عجميني عربيا؛ ألن اهللا تعاىل فتق هلاته بالعربية املبينة على غري التلقني وقد جعلوا إمساعيل ووالترتيب، مث فطره على الفصاحة العجيبة على غري النشو والتقدير، وسلخ طباعه من طبائع العجم، ونقل

تلك الصياغة، مث إىل بدنه تلك األجزاء، وركبه اختراعا على ذلك التركيب، وسواه تلك التسوية، وصاغهحباه من طبائعهم، ومنحه من أخالقهم ومشائلهم، وطبعه من كرمهم وأنفتهم ومههم على أكرمها وأمكنها،

وأشرفها وأعالها، وجعل ذلك برهانا على رسالته، ودليال على نبوته؛ فكان أحق بذلك النسب، وأوىل .بشرف ذلك احلسب

لبنوي خراساين من جهة الوالدة، واملوىل عريب من جهة املدعى وكما جعل إبراهيم أبا ملن مل يلده، فاوإن أحاط علمنا بأن زيدا مل خيلق من جنل عمرو إال عهارا لنفيناه عنه، وإن وثقنا أنه مل خيلق من . والعاقلة .صلبه

عض وكما جعل النيب صلى اهللا عليه وسلم أزواجه أمهات املؤمنني وهن مل يلدهنم وال أرضعنهم، ويف بوجعل املرأة من جهة " . ملة أبيكم إبراهيم : " ، على قوله" وأزواجه أمهاهتم وهو أب هلم : " القراءات

. الرضاع أما، وجعل امرأة البعل أم ولد البعل من غريها، وجعل الراب والدا، وجعل العم أبا يف كتاب اهللان عباده من شاء عربيا ومن شاء عجميا، ومن شاء وله أن جيعل م. وهم عبيده ال يتقلبون إال فيما قلبهم فيه

قرشيا، ومن شاء زجنيا؛ كما له أن جيعل من شاء ذكرا ومن شاء أنثى، ومن شاء خنثى، ومن شاء أفرده من .ذلك فجعله ال ذكرا وال أنثى وال خنثى

ه أبا وال أما، وخلقه من وخلق أدم فلم جيعل ل. وكذلك خلق املالئكة وهم أكرم على اهللا من مجيع اخلليقةوخلق عيسى من غري ذكر ونسبه إىل . طني ونسبه إليه، وخلق حواء من ضلع آدم وجعلها له زوجا وسكنا

وخلق السماء من . وخلق اجلان من نار السموم، وآدم من طني، وعيسى من غري نطفة. أمه اليت خلقه منها

Page 10: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأنطق عيسى يف املهد، وأنطق حيىي باحلكمة وهو صغري، . دخان، واألرض من املاء، وخلق إسحاق من عاقروعلم سليمان منطق الطري، وكالم النمل، وعلم احلفظة من املالئكة مجيع األلسنة حىت كتبوا بكل خط،

واملؤمنون من مجيع األمم إذا دخلوا اجلنة، وكذلك أطفاهلم . وأنطق ذئب أهبان بن أوس. ونطقوا بكل لسانكلمون ساعة يدخلون اجلنة بلسان أهل اجلنة على غري الترتيب والتنزيل، والتعليم على واجملانني منهم، يت

فكيف يتعجب اجلاهلون من إنطاق إمساعيل بالعربية على غري تعليم اآلباء، . طول األيام والترقيم والتلقني !.وتأديب احلواضن؟

فأما . العدنانية، وهي على القحطاين أشدوهذه املسألة رمبا سأل عنها بعض القحطانية، ممن ال علم له، بعض جواب العدناين فسلس النظام سهل املخرج، قريب املعىن؛ ألن بين قحطان ال يدعون لقحطان نبوة فيعطيه

.اهللا مثل هذه األعجوبةبني الناس من ذلك، إال كما صنع يف طينة األرض، فجعل بعضها حجرا، - عز امسه -وما الذي قسم اهللا

ياقوتا، وبعضه ذهبا، وبعضه حناسا، وبعضه رصاصا، وبعضه حديدا، وبعضه ترابا، وبعضه وبعض احلجروكذلك الزاج، واملغرة، والزرنيخ، واملرتك، والكربيت، والقار، والتوتيا، والنوشادر، واملرقشيثا، . فخارا

.واملغناطيس !.ومن حيصي عدد أجزاء األرض،وأصناف الفلز؟

وإذا كان اخلراساين موىل، واملوىل عريب فقد صار . ما وصفنا فالبنوي خراساين وإذا كان األمر على .اخلراساين والبنوي واملوىل والعريب واحدا

وأدىن ذلك أن يكون الذي معهم من خصال الوفاق غامرا ما معهم من خصال اخلالف، بل هم يف معظم اسانية وموايل اخللفاء قصرية، فقد صار التركي واألتراك خر. األمر ويف كرب الشأن وعمود النسب متفقون

.إىل اجلميع راجعا، وصار شرفه إىل شرفهم زائداوإذا عرف سائر ذلك ساحمت النفوس، وذهب التعقيد، ومات الضغن، وانقطع سبب االستثقال؛ فلم يبقى

.ةإال التحاسد والتنافس الذي ال يزال يكون بني املتقاربني يف القرابة ويف اجملاور .على أن التوازر والتسامل يف القرابات ويف بين األعمام والعشائر، أفشى وأعم من البعداء

وخلوف التخاذل وحلب التناصر، واحلاجة إىل التعاون انضم بعض القبائل يف البوادي إىل بعض، ينزلون معا ته ومتىن بقاءها والزيادة ومن اغتبط بنعم. ومن فارق أصحابه أقل، ومن نصر ابن عمه أكثر. ويظعنون معا

وال بد يف أضعاف ذلك من بعض التنافس والتخاذل، . فيها أكثر ممن بغاها الغوائل، وطلب انقطاعها وزواهلا .إال أن ذلك قليل من كثري

وليس جيوز أن تصفو الدنيا وتنقى من الفساد واملكروه حىت ميوت مجيع اخلالئق، وتستوي ألهلها، وتتمهد .ا يشتهون ويهوون؛ ألن ذلك من صفة دار اجلزاء، وليس كذلك صفة دار العمللسكاهنا على م

بسم اهللا الرمحن الرحيم هذا كتاب كنت كتبته أيام املعتصم باهللا، رضي اهللا عنه، فلم يصل إليه، ألسباب كون وأحببت أن يكون كتابا قصدا، ومذهبا عدال، وال ي. يطول شرحها، فلذلك مل أعرض لإلخبار عنها

Page 11: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وإن كان الكتاب كذلك شابه الكذب، وخالطه . كتاب إسراف يف مديح قوم، وإغراق يف هجاء آخرين .التزيد، وبىن أساسه على التكلف، وخرج كالمه خمرج االستكراه والتغليقأن يكون املديح صدقا، وللظاهر : وأنفع املدائح للمادح وأجداها على املمدوح، وأبقاها أثرا وأحسنها ذكرا

من حال املمدوح موافقا، وبه الئقا، حىت ال يكون من املعرب عنه والواصف له إال اإلشارة إليه، والتنبيه .عليه

إن كان ال ميكن ذلك يف مناقب األتراك إال بذكر مثالب سائر األجناد، فترك ذكر اجلميع : وأنا أقولف باجلميل، ال يقوم بالقليل من أصوب، واإلضراب عن هذا الكتاب أحزم، وذكر الكثري من هذه األصنا

ذكر بعضهم بالقبيح، ألن ذكر األكثر باجلميل نافلة، وباب من التطوع، وذكر األقل بالقبيح معصية، وباب .وقليل الفريضة أجدى علينا من كثري التطوع. من ترك الواجب

فأما . ة املساوىولكل نصيب من النقض، ومقدار من الذنوب؛ وإمنا يتفاضل الناس بكثرة احملاسن وقلاالشتمال على مجيع احملاسن، والسالمة من مجيع املساوئ دقيقها وجليلها، وظاهرها وخفيها، فهذا ال

.يعرف :وقد قال النابغة

على شعث،أي الرجال املهذب... ولست مبستبق أخا ال تلمه :وقال حر يش السعدي

خطوهباتلون ألوانا على ... أخ يل كأيام احلياة إخاؤه دعتين إليه خلة ال أعيبها... إذا عبت منه خلة فتركته

:وقال بشار خليلك مل تلق الذي ال تعاتبه... إذا كنت يف كل األمور معاتبا

مقارف ذنب مرة وجمانبه... فعش واحدا أو صل أخاك فإنه ظميت وأي الناس تصفو مشاربه... إذا أنت مل تشرب مرارا على القذى

:ال مطيع بن إياس الليثيوق صاحبا ال تزل، ما عاش، نعله... ولئن كنت ال تصاحب إال بالذي ال يكون يوجد مثله... مل جتده ولو جهدت وأنى

ب ويكفيه من أخيه أقله... إمنا صاحيب الذي يغفر الذن :وقال حممد بن سعيد، وهو رجل من اجلند

أيادي مل متنن وإن هي جلت ...سأشكر عمرا إن تراخت منييت وال مظهر الشكوى إذا النعل زلت... فىت غري حمجوب الغىن عن صديقه فكانت قذى عينيه حىت جتلت... رأى خليت من حيث خيفى مكاهنا

Page 12: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فإذا كان اخللطاء من مجهور الناس، وأصحاب املعايش من دمهاء اجلماعة، يرون ذلك واجبا وتدبريا يف ما هم فيه من مشاركة اخلطأ للصواب، وامتزاج الضعف بالقوة، فلسنا نشك أن اإلمام التعامل، على

األكرب والرئيس األعظم، مع األعراق الكرمية واألخالق الرفيعة، والتمام يف احللم والعلم، والكمال يف ن التوفيق احلزم والعزم، مع التمكني والقدرة، والفضيلة والرياسة والسيادة، واخلصائص اليت معه م

والعصمة، والتأييد وحسن املعونة، أن اهللا جل امسه مل يكن ليجلله باسم اخلالفة، وحيبوه بتاج اإلمامة، وبأعظم نعمة وأسبغها، وأفضل كرامة وأسناها، مث وصل طاعته بطاعته، ومعصيته مبعصيته، إال ومعه من

موضع التغافل، ما ال يبلغه فضل ذي فضل، وال احللم يف موضع احللم، والعفو يف موضع العفو، والتغافل يف .حلم ذي حلم

زعم حممد بن اجلهم، ومثامة بن : وحنن قائلون، وال حول وال قوة إال باهللا، فيما انتهى إلينا يف أمر األتراكن عبد بيننا محيد ب: األشرس، والقاسم بن سيار، يف مجاعة ممن يغشى دار اخلالفة، وهي دار العامة، قالوا مجيعا

احلميد جالسا ومعه خيشاد الصغدي، وأبو شجاع شبيب بن خباراخداي البلخي، وحيىي بن معاذ، ورجال من املعدودين املتقدمني يف العلم باحلرب من أصحاب التجارب واملراس، وطول املعاجلة واملعاناة يف صناعات

ليكتب كل رجل منكم دعواه : عنينقول لكم متفرقني وجمتم: احلرب، إذ خرج رسول املأمون فقال هلمأن يلقى مائة تركي أو مائة : وحجته، وليقل أميا أحب إىل كل قائد منكم إذا كان يف عدته من صحبه وثقاته

.ومحيد ساكت! ألن نلقى مائة تركي أحب إلينا من أن نلقى مائة خارجي: خارجي؟ فقال القوم مجيعا قد قال القوم فقل واكتب قولك، وليكن حجة لك أو : رسولفلما فرغ القوم مجيعا من حججهم، قال ال

.عليكبل ألقى مائة خارجي أحب إيل؛ ألنين وجدت اخلصال اليت يفضل هبا اخلارجي مجيع املقاتلة غري تامة يف : قال

ففضل التركي على اخلارجي بقدر فضل اخلارجي على سائر املقاتلة، مث .اخلارجي، ووجدهتا تامة يف التركيعلى أن هذه األمور اليت بان هبا . التركي عن اخلارجي بأمور ليس فيها للخارجي دعوى وال متعلقبان

.التركي عن اخلارجي، أعظم خطرا وأكثر نفعا، مما شاركه اخلارجي يف بعضهاواخلصال اليت يصول هبا اخلارجي على سائر الناس صدق الشدة عن أول وهلة، وهي الدفعة : مث قال محيد

.يبلغون هبا ما أرادوا، وينالون الذي أملوااليت الصرب على اخلبب وعلى طول السرى، حىت يصبح القوم الذين مرقوا هبم غارين فيهجموا عليهم : والثانية

وهم بسوء،وحلم على وضم، يتعجلوهنم عن الروية، وعن رد النفس عن النزوة واجلولة، ال يظنون أن أحدا .الزمان ذلك املقدار من البالد يقطع يف ذلك املقدار من

.أن اخلارجي موصوف عند الناس بأنه إن طلب أدرك، وإن طلب فات: والثالثةخفة األزواد وقلة األمتعة، وأهنا جتنب اخليل وتركب البغال، وإن احتاجت أمست بأرض : والرابعة

ان امللتفة، والدور املشيدة، وال وأصبحت بأخرى، وأهنم قوم حني خرجوا مل خيلفوا األموال الكثرية، واجلنضياعا وال مستغالت، وال جواري مطهمات، وأهنم ال سلب هلم وال مال معهم فريغب اجلند يف لقائهم،

وإمنا هم كالطري ال تدخر وال هتتم لغد، وهلا يف كل أرض من املياه واألقوات ما تتبلغ به، وإن مل جتد ذلك يف

Page 13: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكذلك اخلوارج ال ميتنع عليهم القرى واملطعم، .ا البعيد، وتسهل هلا احلزونبعض البالد فأجنحتها تقرب هلوإن متنع عليهم ففي بنات شحاج وبنات صهال، وخفة األثقال على طول اخلبب، ما يسهل أقواهتا، ويكثر

.من أرزاقهاوليقووا على التنقل أن امللوك إن أرسلوا إليهم أعدادهم ليكونوا يف خفة أوزارهم وأثقاهلم،: واخلامسة

كقوهتم، مل يقووا عليهم؛ ألن مائة من اجلند ال يقومون ملائة من اخلوارج؛ وإن كثفوا اجليش باجليش، ومىت شاء اخلارجي أن يقرب . وضاعفوا العدد بالعدد ثقلوا عن طلبهم، وعن الفوت إن طلبهم عدوهم

لك ثقة بأنه يغنم عند الفرصة ورؤية العورة، منهم ليتطرفهم أو ليصيب الغرة منهم، أو ليسلبهم، فعل ذ .وإن شاء كبسهم ليقطع نظامهم، أو ليقتطع القطعة منهم. وميكنه اهلرب عند اخلوف

.فهذه هي مفاخرهم وخصاهلم، اليت هلا كره القواد لقاءهم: قال محيد

سختها، وهو ما وخصلة أخرى، وهي اليت رعبت القلوب وخلعتها، ونقضت العزائم وف: قال قاسم بن سيار :تسمع األجناد ومقاتلة العوام، من ضرب املثل باخلوارج، كقول الشاعر

رأى الضيف مثل األزرقي اجملفف... إذا ما البخيل واحملاذر للقرى :وكقول اآلخر

والسيف ينبو بيد الشاري... وقلب ود حال عن عهده :وكقول اآلخر

حكيم يسهر باألصلإذا الت... لقاء األسد أهون من لقاه .فهذه زيادة قاسم بن سيار

الشدة األوىل التركي فيها أمحد أثرا، وأمجع أمرا، وأحكم شأنا؛ ألن التركي من أجل أن : فأما محيد فإنه قالتصدق شدته ويتمكن عزمه، وال يكون مشترك العزم وال منقسم اخلواطر، قد عود برذونه أال ينثىن وإن

وإمنا أراد التركي .لألمر يديره مرة أو مرتني، وإال فإنه ال يدع سننه، وال يقطع ركضهثناه، أن ميأل فروجه أن يوئس نفسه من البدوات، ومن أن يعتريه التكذيب بعد االعتزام، هلول اللقاء، وحب احلياة؛ ألنه إذا

بأن يصنع شيئا بني علم أنه قد صير برذونه إىل هذه الغاية حىت ال ينثين وال جييبه إىل التصرف معه إالوإمنا يريد أن يشبه نفسه . الصفني فيه عطبه، مل يقدم على الشدة إال بعد إحكام األمر، والبصر بالعورة

باملحرج الذي إذا رأى أشد القتال مل يدع جهدا ومل يدخر حيلة، ولينفي عن قلبه خواطر الفرار، ودواعي .الرجوعتمد على الطعان، واألتراك تطعن طعن اخلوارج، وإن شد منهم ألف فارس اخلارجي عند الشدة إمنا يع: وقال

واخلوارج واألعراب ! فرموا رشقا واحدا صرعوا ألف فارس، فما بقاء جيش على هذا النوع من الشدةليست هلم رماية مذكورة إىل ظهور اخليل، والتركي يرمى الوحش والطي، والربجاس، والناس واجملثمة،

ثل املوضوعة، ويرمى بعشرة أسهم قبل أن يفوق اخلارجي سهما واحدا، ويركض دابته منحدرا من وامل .جبل، أو مستفال إىل بطن واد بأكثر مما ميكن اخلارجي على بسيط األرض

Page 14: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وللخارجي عيب يف مستدبر احلرب ، وللخرساين . عينان يف وجهه، وعينان يف قفاه: وللتركي أربعة أعني فعيب اخلرسانية أن هلا جولة عند أول االلتقاء، وإن ركبوا كسأهم كانت . يب يف مستقبل احلربع

.هزميتهم، وكثريا ما يثوبون، وذلك بعد اخلطار بالعسكر، وإطماع العدو يف الشدةراساين، وإذا والتركي ليست له جولة اخل. واخلوارج إذا ولوا فقد ولوا وليس هلم بعد الفر كر، إال ما ال يعد

أدبر فهو السم النافع، واحلتف القاضي؛ ألنه يصيب بسهمه وهو مدبر كما يصيب به وهو مقبل، وال يؤمن .وهقه، وال انتساف الفرس، واختطاف الفارس بتلك الراكضة

ورمبا. ومل يفلت من الوهق يف مجيع الدهر إال املهلب بن أيب صفرة، واحلريش بن هالل، وعباد بن احلصنيرمى بالوهق وله فيه تدبري آخر وإن مل جينب املرمى معه، يوهم اجلاهل أن ذلك إمنا كان خلرق التركي، أو

.حلذق املرمى .وهم علموا الفرسان محل قوسني وثالثة قسي، ومن األوتار على حسب ذلك: قالفأما الصرب على . ابتهوالتركي يف حال شدته، معه كل شيء حيتاج إليه لنفسه وسالحه ودابته وأداة د: قال

.اخلبب وعلى مواصلة السفر، وعلى طول السري وقطع البالد، فعجيب جدا .أن فرس اخلارجي ال يصرب صرب برذون التركي: فواحدة

واخلارجي ال حيسن أن يعاجل فرسه إال معاجلة الفرسان خليوهلم، والتركي أحذق من البيطار، وأجود تقوميا . ه من الراضة وهو استنتجه، وهو رباه فلوا، وتتبعه إن مساه، وإن ركض ركض خلفهلربذونه على ما يريد

وقد عوده ذلك حىت عرفه، كما يعرف الفرس أقدم، والناقة حل، واجلمل جاه، والبغل عدس، واحلمار .ساسا، وكما يعرف اجملنون لقبه والصيب امسه

ر دابته أكثر من جلوسه على ظهر ولو حصلت عمر التركي وحسبت أيامه لوجدت جلوسه على ظهوالتركي يركب فحال أو رمكة، وخيرج غازيا أو مسافرا، أو متباعدا يف طلب صيد، أو سبب من . األرض

األسباب، فتتبعه الرمكة وأفالؤها، إن أعياه اصطياد الناس اصطاد الوحش، وإن أخفق منها أو احتاج إىل طش حلب رمكة من رماكه، وإن أراح واحدة حتته ركب أخرى من غري طعام فصد دابة من دوابه، وإن ع

وليس يف األرض أحد إال وبدنه ينتفض على اقتيات اللحم وحده غريه؛ وكذلك دابته . أن ينزل إىل األرض .تكتفي بالعنقر والعشب والشجر، ال يظلها من مشس وال يكنها من برد

، والفرانقيني، واخلصيان واخلوارج، لو اجتمعت قواهم يف شخص وأما الصرب على اخلبب فإن الثغريني: قالوالذي يقتله . والتركي ال يبقى معه على طول الغاية إال الصميم من دوابه. واحد ملا وفوا بتركي واحد

ولو . التركي بإتعابه له، وينفيه عند غزاته، هو الذي ال معه فرس اخلارجي، وال يبقى معه كل برذون خباري .ارجيا السترغ وسعه قبل أن يبلغ اخلارجي عفوهساير خ

والتركي . والتركي هو الراعي، وهو السائس وهو الراكض، وهو النخاس، وهو البيطار، وهو الفارس .الواحد أمة على حدة

وإذا سار التركي يف غري عساكر الترك، فسار القوم عشرة أميال سار عشرين ميال؛ ألنه ينقطع عن : قال

Page 15: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

نة ويسرة، ويسرع يف ذرى اجلبال، ويستبطن قعور األودية يف طلب الصيد؛ وهو يف ذلك يرمي العسكر مي .كل ما دب ودرج، وطار ووقع

.والتركي مل يسر يف العساكر سري الناس قط، وال سار مستقيما قط: قالل الناس الكالل، وإذا طالت الدجلة واشتد السري، وبعد املنزل، وانتصف النهار، واشتد التعب، وشغ: قالوا

وصمت املتسايرون فلم ينطقوا، وقطعهم ما هم فيه عن التشاغل باحلديث، وتفسخ كل شيء من شدة احلر، ومخد كل شيء من شدة الربد، ومتىن كل جليد القوى على طول السرى أن تطوى له األرض، وكلما

إذا بلغه الفارس نزل وهو متفحج كأنه رأى خياال أو أبصر علما سر به واستبشر، وظن أنه قد بلغ املنزل؛ فوترى التركي يف . صيب حمقون، يئن أنني املريض، ويستريح إىل التثاؤب، ويتداوى مما به بالتمطي والتضجع

تلك احلال وقد سار ضعف ما ساروا وقد أتعب منكبيه كثرة النزع، يرى قرب املنزل عريا أو ظبيا، أو مبتدئ مستأنف، كأن الذي سار ذلك السري وتعب ذلك التعب عرض له ثعلب أو أرنب، خريكض ركض

.غريهوإن بلغ الناس واديا فازدمحوا على مسلكه أو على قنطرته، بطن برذونه فأقحمه مث طلع من اجلانب اآلخر

وإن انتهوا إىل عقبة صعبة ترك السنن وذهب يف اجلبل صعدا، مث تدىل من موضع يعجز عنه . كأنه كوكبولو كان يف كل ذلك خماطرا ملا دامت له . وأنت حتسبه خماطرا بنفسه، للذي ترى من مطلعهالوعل؛

.السالمة مع تتابع ذلك منهوالتركي ليس حيوج إىل أن يفوت؛ ألنه ال . ويفخر اخلارجي بأنه إذا طلب أدرك، وإذا طلب مل يدرك: قال

ى أنا قد علمنا العلة اليت عمت اخلوارج بالنجدة عل. فهذا! ومن يروم ما ال يطمع فيه؟. يطلب وال يراماستواء حالتهم يف الديانة، واعتقادهم أن القتال دين؛ ألننا حني وجدنا السجستاين واخلراساين واجلزري واليمامي واملغريب والعماين، واألزرقي منهم والنجدي واإلباضي والصفري، واملوىل والعريب، والعجمي

لنساء، واحلائك والفالح، كلهم يقاتل مع اختالف األنساب وتباين البلدان علمنا أن واألعرايب، والعبيد واكما أن كل حجام يف األرض من أي جنس كان، . الديانة هي اليت سوت بينهم، ووفقت بينهم يف ذلك

د ومن أي بلد كان، فهو حيب النبيذ، وكما أن أصحاب اخللقان والسماكني والنخاسني واحلاكة يف كل بلفعلمنا بذلك أن ذلك خلقة يف هذه الصناعات، وبنية يف . من كل جنس، شرار خلق اهللا يف املبايعة واملعاملة

.هذه التجارات، حني صاروا من بني مجيع الناس كذلكورأينا التركي يف بالده ليس يقاتل على دين وال على تأويل، وال على ملك وال على خراج، وال على : قال

ى غرية دون احلرمة واحملرم، وال على محية وال على عداوة، وال على وطن ومنع دار وال مال؛ عصبية وال عل. وليس خياف الوعيد إن هرب، وال يرجو الوعد إن أبلى عذرا. وإمنا يقاتل على السلب واخليار يف يده

ا يأخذ العفو وهو الطالب غري املطلوب؛ ومن كان كذلك فإمن. وكذلك هم يف بالدهم وغاراهتم وحروهبممث هو مع ذلك ال يقوم له شيء وال يطمع فيه أحد، فما ظنك مبن هذه . من قوته، وال حيتاج إىل جمهوده

صفته أن لو اضطره إحراج أو غرية أو غضب أو تدين، أو عرض له بعض ما يصحب املقاتل احملامي من .العلل واألسباب

Page 16: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مطرد أجوف والقىن اجملوفة القصار أشد طعنة وأخف يف وقناة اخلارجى طويلة صماء، وقناة التركي: قال واألبناء يف . والعجم جتعل القىن الطوال للرجالة، وهي قىن األبناء، على أبواب اخلنادق واملضايق. احململ

هذا الباب ال جيرون مع األتراك واخلراسانية؛ ألن الغالب على األبناء املطاعنة على أبواب اخلنادق ويف والفارس . وهؤالء أصحاب اخليل والفرسان وعلى اخليل والفرسان تدور اجليوش، هلم الكر والفر املضايق،

وليس يكون الكمني إال منهم وال الطليعة وال . هو الذي يطوي اجليش طي السجل، ويفرقهم تفريق الشعراملقانب والكتائب إال وهم أصحاب األيام املذكورة واحلروب الكبار والفتوح العظام، وال تكون . الساقةوهم أصحاب الصهيل والقتام، . ومنهم من حيمل البنود والرايات، والطبول والتجافيف واألجراس. منهم

ومل . وزجر اخليل، وقعقة الريح يف الثياب والسالح ووقع احلوافر، واإلدراك إذا طلبوا، والغوث إذا طلبواللراجل من املقاتلة سهما واحدا إال لتضاعيف الرد يف جيعل النيب صلى اهللا عليه وسلم للفارس سهمني و

.القتل والفتوح، والنهبة واملغامنولكن الرجال أبدا . ولعمري إن األبناء من القتال يف السكك والسجون واملضايق ما ليس لغريهم: مث قال

. املمتنع أن يكون راجالأتباع ومأمورون ومنقادون، وقائد الرجال ال يكون إال فارسا، وقائد الفرسان من ومن تعود الطعان والضرب والرمي راكبا إن اضطر إىل الطعن والرمي راجال كان على ذاك أدفع على

وعلى أنه ما أكثر ما ينزلون . نفسه، وأرد عن أصحابه، من الراجل إذا احتاج أن يستعمل سالحه فارسا :وقد قال الشاعر. ويقاتلون

وأخو احلرب من أطاق النزوال... لنا مل يطيقوا أن ينزلوا ونز .وعالم أركبه إذا مل أنزل: وقال الضيب .فمعانق ومنازل: وقال آخر. وليس يف األرض قوم إال والتساند يف احلروب، واإلشتراك يف الرياسة ضار هلم، إال األتراك: وقال محيد

من املساندة واملشاركة اختالف الرأي، على أن األتراك ال يتساندون وال يتشاركون؛ وذلك أن الذي يكره .والتنافس يف السر، والتحاسد بني األشكال، والتواكل فيما بني املشتركني

واألتراك إذا صافوا جيشا إن كان يف القوم موضع عورة فكلهم قد أبصرها وعرفها؛ وإن مل تكن هناك . ذلك الرأي وعرف الصواب فيهعورة مل يكن فيهم مطمع، وكان الرأي االنصراف، فكلهم قد رأى

وليس هم أصحاب تأويالت وال أصحاب تفاخر . وخواطرهم واحدة، ودواعيهم مستوية بإقباهلم معا .وتناشد، وإمنا شأهنم إحكام أمرهم؛ فاالختالف يقل بينهم

االشتراك يف احلرب ويف : وكانت الفرس تعيب العرب إذا خرجوا إىل احلرب متساندين، وكانت تقول .الزوجة ويف اإلمرة سواء

.فما ظنك بقوم إذا تساندوا مل يضرهم التساند، فكيف يكونون إذا حتاسدوا: قال محيدليست بالترك حاجة إىل حكم حاكم بعد محيد؛ فإن محيدا قد مارس : فلما انتهى اخلرب إىل املأمون قال

.الفريقني، ومحيد خراساين ومحيد عريب، فليس للتهمة عليه طريق .أما إنه مل يقصر ومل يفرط. ما أحسن ما قال محيد: وأتى اخلرب ذا اليمينني طاهر بن احلسني فقال: قالوا

Page 17: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.فهذا قول اخلليفة املأمون، وحكم محيد، وتصويب طاهرويلكم، كيف أصنع بفارس : مسعت أبا البط يقول: وخربين رجل من أهل خراسان أو من بين سدوس قال

درا من جبل، أو مصعدا يف مقطع عفري، وميكنه على ظهر الفرس ما ال ميكن الرقاص ميأل فروج دابته منح .األبلى على ظهر األرض

فرق ما بيننا وبني : وقال سعيد بن عقبة بن سلم اهلنائي، وكان ذا رأي يف احلرب وابن ذي رأي فيها: قالت على عدو كانوا عربا أو عجما، فأخرجوا الترك أن الترك مل تغز قوما قط، وال صافت جيشا وال هجم

وليس غايتهم إال أن ينقادوا ليكفوا عنهم بأسهم ومعرهتم، ويصرفوا عنهم . إليهم أعدادهم ولقوهم مبثلهمفإن هم امتنعوا من الصلح واعتزموا على احلرب فليس شأهنم والذي يدور عليه أمرهم إال منع .كيدهم

فأما أن ترقى مهمهم وتسمو أنفسهم إىل االحتيال عليهم، . س منهمأنفسهم وحتصني عسكرهم، واالحترا .والتماس غرهتم، فإن هذا شيء ال خيطر على بال من حيارهبم

.وقد عرفتم حيلهم يف دخول املدن من جهة حيطاهنا املصمتة العريضة، وحيلتهم يف عبور هنر بلخ: مث قالوله كالم يف احلرب . فاجعلوا واحدا مددا، وآخر كمينا إذا حاربتم وكنتم ثالثة:وسعيد هذا هو الذي قال

.غري هذا كثري

شهدت أبا اخلطاب يزيد بن قتادة بن دعامة الفقيه، وذكر قول عمر بن : وأخربين أيب قال: قال سعيد هنى: ، فقال رجل من العالية" عدو شديد طلبه، قليل سلبه : " اخلطاب رضي اهللا عنه يف الترك حيث قال

عمر أبا زبيد الطائي عن وصف األسد؛ ألن ذلك مما يزيد يف رعب اجلبان، ويف هول اجلنان، ويقل من .رغب الشجاع، وقد وصف الترك بأشد من وصف أيب زبيد األسد

وما -يريد محزة بن أدرك اخلارجي -وقال سعيد يف حديثه يومئذ،وقد قطعت شرذمة منهم بالد أيب خزمية أفرجوا هلم ما تركوكم، وال تتعرضوا : يف بعض األمر، ومحزة يف معظم الناس، فقال ألصحابه وايل خراسان

.تاركوهم ما تاركوكم: هلم؛ فإنه قد قيل .فهذا قول سعيد بن عقبة ورأيه وحديثه؛وهو عريب خرساين

بعض ما يصف وذكر يزيد بن مزيد الوقعة اليت قتل فيها يولبا التركي الوليد بن طريف اخلارجي، فقال يفليس لبدن التركي على ظهر الدابة ثقل، وال ملشيه على األرض وقع، وإنه لريى وهو مدبر : من شأن الترك

وهو يرى الفارس منا صيدا ويعد نفسه فهدا، ويعده ظبيا ويعد نفسه . ما ال يرى الفارس منا وهو مقبليعين -يلة؟ ولوال أن أعمار عامتهم تقصر دون اجلبل واهللا لو رمى به يف قعر بئر مكتوفا ملا أعجزته احل. كلبا

.مث مهوا بنا، أللقوا لنا شغال طويال - جبل حلوان :وأنشد رجل من أصحابه

أليس مصري ذاك إىل زوال... هب الدنيا تساق إليك عفوا تركي بطعام إال أن ومل يتهن . أما التركي فألن ينال الكفاف غصبا أحب إليه من أن ينال امللك عفوا: قال

.يكون صيدا او مغنما، وال يعز على ظهر دابته طالبا كان أو مطلوبا

Page 18: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

التركي ال خياف إال خموفا : قال مثامة. وقال مثامة بن أشرس، وكان مثل حممد بن اجلهم يف كثرة ذكره للتركل حىت يصيب أكثر منه، وإن وال يطمع يف غرب مطمع، وال يكفه عن الطلب إال اليأس صرفا، وال يدع القلي

والباب الذي ال حيسنه ال حيسن منه شيئا، والباب الذي حيسنه قد . قدر أن جيمعهما مل يفرط يف واحد منهماولوال أن جيم . أحكمه بأسره وأمره وخفيه عنده كظاهره، وال يتشاغل بشيء، وال على نفسه من شيء

قظة، ويقظته سليمة من الوسنة، ولو كان يف شقهم أنبياء، ويف نفسه بالنوم ملا نام، على أن نومه مشوب باليأرضهم حكماء، وكانت هذه اخلواطر قد مرت على قلوهبم، وقرعت أمساعهم، ألنسوك أدب البصريني،

.وحكمة اليونانيني، وصنعة أهل الصنيوبني التركي واد، عرض لنا يف طريق خراسان تركي ومعنا قائد يصول بنفسه ورجاله، وبيننا: وقال مثامة

فسأله أن يبارزه فارس من القوم، فأخرج له رجال مل أرقط أكمل منه، وال أحسن متاما وقواما منه، فاحتال . حىت عرب إليهم الفارس، فتجاوال ساعة، وال نظن إال أن صاحبنا يفي بأضعافه، وهو يف ذلك يتباعد عنا

رب منه، وفعل ذلك يف موضع ظننا أن صاحبنا قد ظهر عليه، فبينما مها يف ذلك إذ وىل عنه التركي كاهلاوأتبعه الفارس ال نشك إال أنه سيأتينا برأسه، أو يأتينا به جمنوبا إىل فرسه، فلم نشعر إال وصاحبنا قد أفلت

.عن فرسه وغاب عنه، فنزل التركي إليه فأخذ سلبه وقتله،مث عارض فرسه فجنبه إليه معهكيف صنعت : بعد ذلك التركي قد جيء به أسريا إىل دار الفضل ابن سهل، فقلت له مث رأيت: قال مثامة

أما إين لو شئت أن أقتله حني عرب؛ وقد : يومئذ، وكيف طاولته مث عالك مث وليت عنه هاربا مث قتلته؟ قال .ني فرسه وسلبهكان مقتله بارزا يل، ولكين احتلت عليه حىت حنيته عن أصحابه ألجوزه، فال حيال بيين وب

.وإذا هو يدير الفارس من سائر الناس ويريغه كيف شاء وأحب: قال مثامة .وقد غربت يف أيديهم أسريا فما رأيت كإكرامهم وحتفهم وألطافهم: قال مثامة

.فهذا مثامة بن أشرس، وهو عريب ال يتهم يف اإلخبار عنهمرأيت يف بعض غزوات املأمون مساطي خيل على : ريباوأنا أخربك أين قد رأيت منهم شيئا عجيبا وأمرا غ

جنبيت الطريق بقرب املنزل، مائة فارس من األتراك يف اجلانب األمين، ومائة من سائر الناس يف اجلانب فورد عليهم ومجع . األيسر، وإذا هم قد اصطفوا ينتظرون جميء املأمون، وقد انتصف النهار واشتد احلر

هور خيوهلم إال ثالثة أو أربعة، ومجيع تلك األخالط من اجلند قد رموا بنفوسهم إىل األتراك جلوس على ظأشهد أن املعتصم كان أعرف هبم . انظر أي شيء اتفق لنا: فقلت لصاحب يل. األرض إال ثالثة أو أربعة .حني مجعهم واصطنعهم

رس من أهل خراسان واألبناء وأنا خارج من بغداد، وأرى فوا - وهي املباركة -وأردت مرة القاطول وغريهم من أصناف اجلندي، قد عار هلم فرس، وهم على خيل عتاق يريغونه فال يقدرون على أخذه، ومر

تركي ومل يكن من ذوي هيئاهتم وذوي القدر منهم، وهو على برذون له خسيس، وهم على اخليول اه من زجره بشيء، فوقف أولئك اجلند وصاروا املطهمة، فاعترض الفرس اعتراضا، وقتله قتال وحيا؛ وأتأن فرسا قد : هذا وأبيك التكلف والتعرض: نظارة، فقال بعضهم ممن كان يزري على ذلك التركي

Page 19: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فمى انقضى كالمه . أعجزهم وهم أسد البالد، وجاء هذا مع قصر قامته وضعف دابته، فطمع أن يأخذهينتظر ثناءهم وال دعاءهم، وال أراهم أنه قد صنع شيئا، أو أتى حىت أقبل به مث سلمه إليهم ومضى لطلبته، مل

.إليهم معروفاواألتراك قوم ال يعرفون امللق وال اخلالبة، وال النفاق وال السعاية، وال التصنع والالنميمة وال الرياء، وال

هواء، واليستحلون البذخ على األولياء، وال البغي على اخللطاء، وال يعرفون البدع، ومل تفسدهم األاألموال على التأول، وإمنا كان عيبهم، والذي يوحش منهم، احلنني إىل األوطان، وحب التقلب يف البلدان،

والصبابة بالغارات، والشغف بالنهب، وشدة اإللف للعادة، مع ما كانوا يتذاكرون من سرور الظفر الصحارى، وترددهم يف تلك املروج، وأال يذهب بطول وتتابعه، وحالوة املغنم وكثرته، ومالعبهم يف تلك

.الفراغ فضل جندهتم باطال، ويصري حدهم على طول األيام كليال .ومن حذق شيئا مل يصرب عنه، ومن كره أمرا فر منه

وإمنا خصوا باحلنني من بني مجيع العجم ألن يف تركيبهم وأخالط طبائعهم من تركيب بلدهم وتربيتهم، أال ترى أنك ترى البصري فال تدري أبصري . ة مياههم ومناسبة إخواهنم، ما ليس مع أحد سواهمومشاكل

وترى اجلبلي فال تدري أجبلي هو أم خراساين، . هو أم كويف، وترى املكي فال تدري أمكي هو أم مدينكي، وال حتتاج فيه إىل قيافة وال إىل وأنت ال تغلط يف التر. وترى اجلزري فال تدري أجزري هو أم شامي

.ونساؤهم كرجاهلم، ودواهبم تركية مثلهم. فراسة، وال إىل مساءلةومجيع دور الدنيا ونشوها إىل منتهى قواها ومدة أجلها، . وهكذا طبع اهللا تلك البلدة، وقسم لتلك التربة

فإذا صاروا إىل . تعاىل به وأباهنا، وجعل فيها جارية على عللها، وعلى مقدار أسباهبا وعلى قدر ما خصها اهللا " .إنا أنشأناهن إنشاء : " دار اجلزاء، فهي كما قال الله تعاىل

وكذلك ترى أبناء العرب واألعراب الذين نزلوا خراسان، ال تفصل بني من نزل أبوه بفرغانة وبني أهل . لقشرة، واألقفاء العظيمة، واألكسية الفرغانيةفرغانة، وال ترى بينهم فرقا يف السبال الصهب واجللود ا

.وكذلك مجيع تلك األرباع، ال تفصل بني أبناء النازلة وبني أبناء النابتةولكن ذاك يف الترك أغلب، وفيها أرسخ؛ . وحمبة الوطن شيء شامل جلميع الناس، وغالب على مجيع اجلرية

عمر : " أال ترى أن العبدي يقول. شبه، وتكايف التركيبملا معها من خاصة املشاكلة واملناسبة، واستواء ال، " ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطاهنم : " ، وأن ابن الزبري قال" اهللا البلدان حبب األوطان

، وأن مجعة اإليادبة" لوال تفرق أهواء العباد ملا عمر اهللا البالد : " وأن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه قال " .لوال ما أوصى اهللا به العباد من قفر البالد، ملا وسعهم واد وال كفاهم زاد : " قالت

؛ ألن البعري حين إىل وطنه " هم واهللا أحن من اإلبل املعقلة إىل أوطاهنا : " وذكر قتيبة بن مسلم الترك فقال يأيت مكانه؛ على أنه وعطنه، وهو بعمان، من ظهر البصرة، فهو خيبط كل شيء ويستبطن كل واد، حىت

طريق مل يسلكه إال مرة واحدة، فال يزال بالشم واالسترواح وحسن االستدالل، وبالطبيعة املخصوص هبا .حىت يأيت مربكه، على بعد ما بني عمان والبصرة

.فلذلك ضرب به قتيبة املثل

Page 20: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

غري . يف الصحف بني مجيع الناس والشح على الوطن واحلنني إليه، والصبابة به، مذكورة يف القرآن، خمطوطة .أن التركي للعلل اليت ذكرناها أشد حنينا وأكثر نزوعا

وذلك أن الترك قوم يشتد : وباب آخر، مما كان يدعوهم إىل الرجوع قبل العزم الثابت، والعادة املنقودةإمنا وضع على عليهم احلصر واجلثوم، وطول اللبث واملكث، وقلة التصرف والتحرك، وأصل بنيتهم

احلركة، وليس للسكون فيها نصيب، ويف قوى أنفسهم فضل على قوى أبداهنم، وهم أصحاب توقد وحرارة، واشتغال وفطنة، كثرية خواطرهم، سريع حلظهم، وكان يرون الكفاية معجزة، وطول املقام بالدة،

.والراحة عقلة، والقناعة من قصر اهلمة؛ وأن ترك الغزو يورث الزلةوالعرب " . حب اهلوينا يكسب النصب : " قال عبد اهللا بن وهب الراسيب: د قالت العرب يف مثل ذلكوق

ما أحب أين مكفي : " وقال أكثم بن صيفي" . من غال دماغه يف الصيف غلت قدره يف الشتاء : " تقول " .أخاف العجز : " ومل؟ قال: قيل" . كل أمر الدنيا

. حب الرجوع واحلنني إىل الوطنفهذه كانت علل الترك يفومن أعظم ما كان يدعوهم إىل الشرود ويبعثهم على الرجوع، ويكره عندهم املقام، ما كانوا فيه من جهل

قوادهم بأقدارهم، وقلة معرفتهم بأخطارهم، وإغفاهلم موضع الرد عليهم واالنتفاع هبم، حىت جعلوهم أسوة اشية واحلشوة، ويف غمار العامة ومن عرض العساكر، وأنفوا من ذلك أجنادهم، ومل يقنعوا أن يكونوا يف احل

ألنفسهم، وذكروا ما جيب هلم، ورأوا أن الضيم ال يليق هبم؛ وأن اخلمول ال جيوز عليهم، وأهنم يف املقام إىل على من ال يعرف حقهم ألوم ممن منعهم حقهم، فلما صادفوا ملكا حكيما، وبأقدار الناس عليما، المييل

سوءعادة والجينح إىل هوى، واليتعصب لبلد على بلد؛ يدور مع التدبري حيثما دار، ويقيم مع احلق حيثما أقام، أقاموا إقامة من قد فهم احلظ، ودان باحلق ونبذ العادة، وآثر احلقيقة، ورحل نفسه لقطيعة وطنه، وآثر

.اإلمام على ملك اجلربية، واختار الصواب على اإللفم بعد هذا كله أن كل أمة وقرن، وكل جيل وبين أب وجدهتم قد برعوا يف الصناعات، وفضلوا مث اعل

الناس يف البيان، أو فاقوهم يف اآلداب، ويف تأسيس امللك، ويف البصر باحلرب؛ فإنك ال جتدهم يف الغاية ويف عليه بالعلل اليت تقابل تلك أقصى النهاية، إال أن يكون اهللا قد سخرهم لذلك املعىن باألسباب، وقصرهم

األمور، وتصلح لتلك املعاين؛ ألن من كان متقسم اهلوى، مشترك الرأي، ومتشعب النفس، غري موفر على ذلك الشيء وال مهيأ له، مل حيذق من تلك األشياء شيئا بأسره، ومل يبلغ يف غايته، كأهل الصني يف

لعرب فيما حنن فيه ذاكروه يف موضعه، وآل ساسان يف امللك، الصناعات، واليونانيني يف احلكم واآلداب، واأال ترى أن اليونانيني الذين نظروا يف العلل مل يكونوا جتارا وال صناعا بأكفهم، وال . واألتراك يف احلروب

أصحاب زرع وال فالحة وبناء وغرس، والأصحاب مجع ومنع، وحرص وكد، وكانت امللوك تفرغهم، يهم كفايتهم، فنظروا حني نظروا بأنفس جمتمعة، وقوة وافرة، وأذهان فارغة، حىت استخرجوا وجتري عل

اآلالت واألدوات، واملالهي اليت تكون مجاما للنفس، وراحة بعد الكد، وسرورا يداوي قرح اهلموم، آلة الساعات، فصنعوا من املرافق، وصاغوا من املنافع كالقرصوطونات، والقبانات، واألسطرالبات، و

Page 21: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكالكونيا، وكالشيزان، والربكار، وكأصناف املزامري واملعازف، وكالطب واحلساب واهلندسة واللحون، .وآالت احلرب كاجملانيق، والعرادات، والرتيالت، والدبابات، وآلة النفاط، وغري ذلك مما يطول ذكره

األداة، ويصوغون املثل وال حيسنون وكانوا أصحاب حكمة ومل يكونوا فعلة؛ يصورون اآللة، وخيرطون .العمل هبا، ويشريون إليها وال ميسوهنا، ويرغبون يف العلم ويرغبون يف العمل

فأما سكان الصني فهم أصحاب السبك والصياغة، واإلفراغ واإلذابة واألصباغ العجيبة، وأصحاب اخلرط ه ويعانونه، وإن اختلف جوهره، والنحت والتصوير، والنسخ واخلط، ورفق الكف يف كل شيء يتولون

.وتباينت صنعته، وتفاوت مثنه

وكذلك العرب، مل يكونوا جتارا وال صناعا، وال . واليونان يعرفون الفلك، ألن أولئك حكماء وهؤالء فعلةومل . أطباء وال حسابا، وال أصحاب فالحة فيكونون مهنة، وال أصحاب زرع، خلوفهم من صغار اجلزية

مجع وكسب، وال أصحاب احتكار ملا يف أيديهم وطلب ما عند غريهم، وال طلبوا املعاش يكونوا أصحابمن ألسنة املوازين ورءوس املكاييل، وال عرفوا الدوانيق والقراريط، ومل يفتقروا الفقر املدقع الذي يشغل

حيتملوا ذال قط فيميت عن املعرفة، ومل يستغنوا الغين الذي يورث البلدة، والثروة اليت حتدث الفرة، ومل وكانوا سكان فياف وتربية العراء، ال يعرفون الغمق وال اللثق، وال البخار . قلوهبم ويصغر عندهم أنفسهم

أذهان حداد، ونفوس منكرة، فحني محلوا حدهم ووجهوا قواهم لقول . وال الغلط وال العفن، وال التخمكالم، بعد قيافة األثر وحفظ النسب، واالهتداء بالنجوم، الشعر وبالغة املنطق، وتشقيق اللغة وتصاريف ال

واالستدالل باآلفاق، وتعرف األنوار، والبصر باخليل والسالح وآلة احلرب، واحلفظ لكل مسموع وببعض . واالعتبار بكل حمسوس، وإحكام شأن املثالب واملناقب، بلغوا يف ذلك الغاية، وحازوا كل أمنية

.أكرب، ومهمهم أرفع من مجيع األمم وأفخر، وأليامهم أحفظ وأذكر هذه العلل صارت نفوسهموكذلك الترك أصحاب عمد وسكان فياف وأرباب مواش، وهم أعراب العجم كما أن هذيال أكراد

فحني مل تشغلهم الصناعات والتجارات، والطب والفالحة واهلندسة؛ وال غرس وال بيان، وال شق . العربة غالت، ومل يكن مهمهم غري الغزو والغارة والصيد وركوب اخليل، ومقارعة األبطال، أهنار، وال جباي

وطلب الغنائم وتدويخ البلدان، وكانت مهمهم إىل ذلك مصروفة وكانت هلذه املعاين واألسباب مسخرة م ومقصورة، عليها، وموصولة هبا أحكموا ذلك األمر بأسره، وأتوا على آخره، وصار ذلك هو صناعته

.وجتارهتم، ولذهتم وفخرهم، وحديثهم ومسرهمفلما كانوا كذلك صاروا يف احلرب كاليونانيني يف احلكمة، وأهل الصني يف الصناعات، واألعراب فيما

.عددنا ونزلنا، وكآل ساسان يف امللك والرياسةفوه، أن السيف إىل أن ومما يستدل به على أهنم قد استقصوا هذا الباب واستغرقوا، وبلغوا أقصى غايته وتعر

يتقلده متقلد، أو يضرب به ضارب، قد مر على أيد كثرية، وعلى طبقات من الصناع، كل واحد منهم ال يعمل عمل صاحبه، وال حيسنه وال يدعيه وال يتكلفه، ألن الذي يذيب حديد السيف ومييعه، ويصفيه

لذي يطبعه ويسوي متنه، ويقيم خشيبته؛ والذي ويهذبه، غري الذي ميده وميطله؛ والذي ميده وميطله غري ا

Page 22: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يطبعه ويسوي متنه غري الذي يسقيه ويرهفه، والذي يرهفه غري الذي يركب قبيعته ويستوثق من سيالنه، والذي يعمل مسامري السيالن وشاريب القبيعة ونصل السيف غري الذي ينحت خشب غمده، والذي ينحت

يدبغ جلده غري الذي حيليه، والذي حيليه ويركب نعله غري خشب غمده غري الذي يدبغ جلده، والذي .وكذلك السرج، وحاالت السهم واجلعبة والرمح ومجيع السالح، مما هو جارح أو جنة. الذي خيرز محائله

والتركي يعمل هذا كله لنفسه من ابتدائه إىل غايته، فال يستعني برفيق، وال يفزع فيه إىل صديق، وال خيتلف .نع، وال يشغل قلبه مبطاله وتسويفه، وأكاذيب مواعيده، وبعزم كرائهإىل صا

:وحني بلغ أوس بن حجر صفة القانص، وبلغ له الغاية يف مجعه ألبواب الكفاية بنفسه، قال ألسهمه غار، وبار وراصف... قصي مبيت الليل للصيد مطعم

أنه ليس كل يوناين حكيما وال كل صيين غاية يف وليس أنه ليس يف األرض تركي إال وهو كما وصفنا، كما .احلذق، وال كل أعرايب شاعرا قائفا، ولكن هذه األمور يف هؤالء أعم وأمت، وهي فيهم أظهر وأكثر

قد قلنا يف السبب الذي تكاملت به النجدة والفروسية يف الترك دون مجيع األمم، ويف العلل اليت من أجلها .اين احلرب، وهي معان تشتمل على مذاهب غربية، وخصال عجميةانتظموا مجيع مع

ما يدل على األدب السديد والرأي : ومنها. ما يقضي ألهله بالكرم وببعد اهلمة وطلب الغاية: فمنهاأال ترى أنه ليس بد لصاحب احلرب من احللم والعلم، واحلزم . األصيل، والفطنة الثاقبة والبصرية النافذة

وال بد من البصر باخليل والسالح، . والصرب والكتمان، ومن الثقافة، وقلة الغفلة وكثرة التجربةوالعزم، .واخلربة بالرجال وبالبالد، والعلم باملكان والزمان واملكايد، ومبا فيه صالح هذه األمور كلها

ه يف نصابه، وأقره وسكنه يف وامللك حيتاج إىل أواخ شداد وأسباب متان، ومن أمتها سببا وأعمقها نفعا ما ثبتقراره، وزاد يف متكنه وهبائه، وقطع أسباب املطعمة فيه، ومنع أيدي البغاة من اإلشارة إليه فضال عن البسط

.عليهقلتم إن تكن القرابة مما يستحق بالكفاية : مث إن الترك عطفت على العرب باحملاجة واملقايسة، وقالوا: قال

.لود واملناصحة، وإن تكن تستحق بالقربة فنحن أقرب قرابةفنحن أقدم يف الطاعة وافأما القحطاين فنسبتنا إىل اخللفاء أقرب من نسبتهم، وحنن . عدنان وقحطان: والعرب بعد هذا صنفان: قالوا

وولد إبراهيم عليه السالم . أمس هبم رمحا؛ ألن اخلليفة من ولد إمساعيل بن ابراهيم، دون قحطان وعابروالستة الباقون أمهم قطورا بنت مفطون عربية، . وإسحاق وأمه سريانية. يل، وأمه هاجر، وهي قبطيةإمساع

.من العرب العاربةوأربعة من الستة هم الذين وقعوا خبرسان، . إن أمنا أشرف يف احلسب إذ كانت عربية: ويف قول القحطانية .فهذا قولنا للقحطاين. فأولدوا ترك خرسان

.للعدناين، فإبراهيم أبونا، وإمساعيل عمنا، وقرابتنا من إمساعيل كقرابتكم وأما قولناومذحج هذا من هو : قال. إنكم من مذحج: قيل ملبارك التركي، وعنده محاد التركي: قال اهليثم بن عدى

.ذاك؟ وما نعرف إال إبراهيم خليل اهللا وأمري املؤمنني

Page 23: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الترك رجل من مذحج فأنسل نسال كثريا، ولذلك قال شاعر الشعوبية وقد كان سقط إىل بالد : قال اهليثم :للعرب يف قصيدة طويلة

وبينكم قرىب وبني الربابر... زعمتم بأن الترك أبناء مذحج وصوفان أنسال كثري اجلرائر... وذالكم نسل ابن ضبة باسل

:وقال آخر يا عجيبا ملن عجبأال إن يف الدن... مىت كانت األتراك أبناء مذبح

وقد مسعتم ما جاء يف سد بين قطورا وشأن خيوهلم بنخل السود، وإمنا كان احلديث على وجه التهويل والتخويف هبم جلميع الناس، فصاروا لإلسالم مادة وجندا كثيفا، وللخلفاء وقاية وموئال وجنة حصينة،

.وشعارا دون الدثاروهذه وصية جلميع العرب؛ فإن الرأي متاركتنا " . ا الترك ما تاركوكم تاركو: " ويف املأثور من اخلرب

هذا بعد أن غلب على . مسوا الترك" اتركوهم " وبقوله . وما ظنكم بقوم مل يعرض هلم ذو القرنني. ومساملتنا .مجيع األرض غلبة وقسرا، وعنوة وقهرافنهى كما ترى عن التعرض " . د كلبه، قليل سلبه هذا عدو شدي: " وقال عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه

.هلم، بأحسن كناية .ما هم إال الترك والديلم: والعرب إذا ضربت املثل يف العداوة الشديدة قالوا

:قال عملس بن عقيل بن علفة عداوة تركي وبغض أيب حسل... تبدلت منه بعد ما شاب مفرقي

.؛ ألنه يأكل أوالده" أعق من ضب هو: " والعرب تقول. وأبو حسل هو الضب :وقال خلف األمحر. ومل يرعب قلوب أجناد العرب مثل الترك

دفعتهم إىل صهب السبال... كأين حني أرهنهم بين :وإياهم عين أوس بن حجر: قال

صهب السبال بأيديهم بيازير... تكبتها ماءهم ملا رأيتهم املؤمنني، وكان عاملا بالدولة، شديد احلب ألبناء الدعوة، وكان حيوط وحدثين إبراهيم بن السندي موىل أمري

مواليه وحيفظ أيامهم، ويدعو الناس إىل طاعتهم، ويدرسهم مناقبهم، وكان فخم املعاين فخم األلفاظ، لو .قلت لسانه كان أرد على هذا امللك من عشرة آالف سيف شهري، وسنان طرير، لكان ذلك قوال ومذهبا

حدثين عبد امللك بن صاحل، عن أبيه صاحل بن علي أن خاقان ملك الترك واقف مرةاجلنيد بن عبد : قالالرمحن أمري خراسان، وقد كان اجلنيد هاله أمره، وأفزعه شأنه، وتعاظمه مجوعه ومجعه، وبعل به، وفطن به

:خاقان وعرف ما قد وقع فيه، فأرسل إليه

ولو كنت أريد غلبة أو . سك هذا اإلمساك وأنا أريد مكروها، فال ترعإين مل أقف هذا املوقف وأم" ولوال أن . مكروها لقد كنت انتسفت عسكرك انتسافا أعجلك فيه عن الروية وقد أبصرت موقع العورة

Page 24: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

تعرف هذه املكيدة فتعود هبا على غريي من األتراك، لعرفتك موضع االنتشار واخللل واخلطأ يف عسكرك وقد بلغين أنك رجل عاقل، وأن لك شرفا يف بيتك وفضال يف نفسك، وعلما بدينك، وقد أحببت . وتعبيتك

أن أسأل عن شيء من أحكامهم ألعرف به مذهبكم، فاخرج إيل يف خاصتك ألخرج إليك وحدي، نفسه، وال حتتفل وال حتترس؛ فليس مثلي من غدر،وليس مثلي يؤمن من . وأسائلك عما أحتاج إليه بنفسي

وحنن قوم ال خندع بالعمل، وال نستحسن اخلديعة إال يف احلرب، ولو . ومن مكره وكيده، مث ينكث بوعده " .استقام أمر احلرب بغري خديعة ملا جوزنا ذلك بأنفسنا

سل عما أحببت، فإن كان عندي جواب : وقال. فأىب اجلنيد أن خيرج إليه إال وحده، ففصال من الصفوف .تك وإال أشرت عليك مبن هو أبصر بذلك مينأرضاه أجب

رجل دفعنا إليه امرأة تغنيه عن حرم الناس، : الزاين عندنا رجالن: ما حكمكم يف الزاين؟ قال اجلنيد: قالفأما الذي ال زوجة . وتكفه عن حرم اجلريان؛ ورجل مل نعطه ذلك، ومل حنل بينه وبني أن يفعل ذلك لنفسه

دة وحنضر ذلك اجلماعة من الناس لنشهره وحنذره به، ونغربه يف البلدان لنزيد من له فإن جنلده مائة جلفاما الذي قد أغنيناه فإنا نرمجه . شهرته ويف التحذير منه، ولينزجر بذلك كل من كان يهم مبثل عمله

.باجلندل حىت نقتلهجيلد مثانني جلدة، وال نقبل له : الحسن مجيل، وتدبري كبري، فما قولكم يف الذي يقذف عفيفا بالزىن؟ ق: قال

.شهادة، وال نصدق له حديثارجل حيتال ملا قد : السارق عندنا رجالن: حسن مجيل، وتدبري كبري، فما حكمكم يف السارق؟ قال: قال

أحرزه الناس من أمواهلم حىت يأخذها بنقب حيطاهنم وبالتسلق من أعايل دورهم؛ فهذا نقطع يده اليت سرق ورجل آخر خييف السبيل، ويقطع الطريق، ويكايد على األموال، ويشهر . ونقب هبا واعتمد عليها هبا،

.السالح فإن منعه صاحب املتاع قتله، فهذا نقتله ونصلبه على املناهج والطرقكل ما فيه الشبهة وجيوز : فما حكمكم يف الغاصب واملستلب؟ قال: قال. حسن مجيل، وتدبري كبري: قاليه الغلط والوجوه، كالغصب واالستالب، واجلناية، والسرقة ملا يؤكل أو يشرب فإنا ال نقطع فيما فيه ف

.شبهة ونتمحل لذلك وجها غري السرقةالنفس بالنفس، : فما حكمكم يف القاتل وقاطع األذن واألنف؟ قال: قال. حسن مجيل، وتدبري كبري: قال

ونقتل القوي البدن بالضعيف البدن، وكذلك . إن قتل رجال عشرة قتلناهمو. والعني بالعني، واألنف باألنف .اليد والرجل

.فما تقولون يف الكذاب والنمام والضراط: قال. حسن مجيل، وتدبري كبري: قال .عندنا فيهم اإلقصاء هلم وإبعادهم وإهانتهم، وال نقبل شهادهتم، وال نصدق أحكامهم: قال .هذا جوابنا على ديننا: ذا؟ قالوليس إال ه: قال

وأما الضراط . أما النمام عندي هو الذي يضرب بني الناس، فإين أحبسه يف مكان ال يرى فيه أحدا: قال لهوأما الكذاب فإين أقطع اجلارح اليت هبا يكذب، كما قطعتم اليد . فإين أكوي أسته، وأعاقب ذلك املكان فيه

ضحك الناس ويعودهم السخف فإين أخرجه من سلطانه، وأصلح بإخراجه اليت هبا يسرق، وأما الذي ي

Page 25: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.عقول رعييتأنتم قوم تردون أحكامكم إىل جواز العقول، وإىل ما حيسن يف ظاهر : فقال اجلنيد بن عبد الرمحن: قال

بغيب املصاحل وذلك أن اهللا تعاىل أعلم. الرأي؛ وحنن قوم نتبع األنبياء، ونرى أن مل نصلح على تدبري العبادوكم من . وسر األمروحقائقه، وحمصوله وعواقبه، والناس ال يعلمون وال يرون احلزم إال على ظاهر األمور

.مضيع يسلم، وحازم يعطب .ما قلت كالما أشرف من هذا، ولقد ألقيت يل يف فكرا طويال: قال

. ىف وال أنصف وال أفهم وال أذكى منهفلم أرى أو: قال اجلنيد: قال صاحل: قال عبد امللك: قال إبراهيم .ولقد واقفته ثالث ساعات من النهار وما حترك منه شيء إال لسانه، وما مين شيء مل أحركه

وهكذا يصفون ملوك الترك، يزعمون أن ساسان وخاقان األكرب، تواقفا ببعض الكسور، وفصال من ن أركن وأدب، وكان مركب كسرى أركن وأدب، كان خاقا: الصفني، وطالت املناجاة، فلما انفتال قالوا

ومل يتحرك من خاقان إال لسانه، وكان برذونه يرفع قائمة ويضع أخرى، وكان مركب كسرى كأمنا صب .صبا، وكان كسرى حيرك رأسه ويشري بيده

رث ومن األعاجيب أن احلارث بن كعب ال يقوم حلزم، وحزم ال تقوم لكندة، وكندة ال تقوم للحا: قالوا .بن كعب

أن العرب ال تقوم للترك، والترك ال تقوم للروم، والروم ال : ومثل ذلك من األعاجيب يف احلارث: قالوا .تقوم للعرب

قد عرفنا ما كان بني فارس والترك من احلرب، حىت تزوج كسرى أبرويز، : قال جهم بن صفوان الترمذيوقد عرفنا احلروب اليت كانت بني فارس . ه عنهخانتون بنت خاقان، يستميله بذلك الصهر، ويدفع بأس

والروم، وكيف تساجلوا الظفر، وبأي سبب غرس الزيتون باملدائن وسوسا، وبأي سبب بنيت الرومية ومل ولكن مىت ظهرت الروم . مسيت بذلك، ومل بىن كسرى على اخلليج قبالة قسطنطينية النواويس وبيوت النار

.، ضربوا هبا املثل إىل آخر دارمسه، ومن األشباه، ومن يتخلل هذا النسبعلى ترك خرسان ظهورا موالياوقد ملك شريويه بعد أبرويز، فتزوج شريويه . وكانت خانتون بنت خاقان عند أبرويز فولدت له شريويه

: ولدين أربعة أمالك: وكان يقول. مرمي بنت قيصر، فولدت له فريوزاشاهى أم يزيد الناقص والوليد :وكان يرجتز يف حروبه اليت قتل فيها الوليد بن يزيد بن عاتكة. خاقان، وقيصر، ومروانكسرى، و

وقيصر جدي وجدي مروان... أنا ابن كسرى وأيب خاقان :فلما صار إىل االفتخار يف شعره بالنجدة والثقافة باحلرب، مل يفخر إال خباقان فقط فقال

طود زليق على مهر وأطلع من... فإن كنت أرمى مقبال مث مدبرا أخابريه ىف السهل واجلبل الوعر... فخاقان جدى فاعرىف ذاك واذكرى

وجعل دابته . وأنزل، وهى لغة أهل الشام وأخذوها من نازلة العرب يف أول الدهر: يريد" وأطلع " قوله .مهرا، ألن ذلك أشد وأشق

Page 26: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لترك، فلم يبق أحد ممن كان خارجا إال دخل أتانا ذات يوم فرسان من ا: وقال الفضل بن العباس بن رزينحصنه وأغلق بابه، وأحاطوا حبصن من ذلك احلصون، وأبصر فارس منهم شيخا يطلع إليهم من فوق، فقال

فنزل إليه وفتح له الباب، ودخلوا احلصن، : قال! لئن مل تنزل إيل ألقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا: له التركيحك من نزوله إليه وفتحه له وهو يف أحصن موضع وأمنع مكان، مث أقبل به واكتسحوا كل شيء فيه، فض

فرمينا إليه . فإين أبيعه بدرهم واحد: قال. ال حاجة لنا يف ذلك: قلنا. اشتروه مين: إىل حصن أنا فيه فقالمع بدرهم فخلى سبيله، مث أدبر عنا ومضى مع أصحابه، فما لبث إال قليال حىت عاد إلينا فوقف حيث نس

ال يسوى درمها، وهذا غنب فاحش، : وقال. كالمه، فراعنا ذلك، فأخرج الدرهم من فمه وكسره بنصفني .فخذوا هذا النصف، وهو على كل حال غال جدا بالنصف اآلخر

.فإذا هو أظرف اخللق: قالار يف وكنا نعرف ذلك الرجل باجلنب، وقد كان مسع باحتيال الترك يف دخول املدن وعبور األهن: قال

.احلروب، فتوهم أنه مل يتوعد بفتح البابما شبهت الذر إال بالترك؛ ألن كل ذرة على حدهتا معها من املعرفة بادخار الطعم، ومن الشم : وقال مثامة

واالسترواح، وجنب املدخر حىت ال ينبت يف جحره، مث االحتيال للناس يف االحتيال هلا بالصمامة والعفاص .الطعام على األوتاد والربادات، مثل الذر مع صاحبتها واملزدجر، وتعليق

.كل جنس حيتاج إىل أمري ورئيس ومدبر، حىت الذر: وقال أبو موسى األشعرىوروى أبو عمر الضرير، أن رئيس الذر الرائد الذي خيرج أوال لشيء قد مشه دون أصحابه، خلصوصية

حاول محله وتعاطى نقله، وأعجزه ذلك بعد أن يبلى عذرا، أتاهن خصه اهللا تعاىل هبا، ولطافة احلس، فإذا وليست ذرة أبدا تستقبل ذرة أخرى إال واقفتها . فأخربهن فرجع، وخرجت بعده كأهنا خيط أسود ممدود

.وسارهتا بشىء مث انصرفت عنهاضل واجب يف مجيع أصناف وكذلك األتراك كل واحد منهم غري عاجز عن معرفة مصلحة أمره، إال أن التفا

.وقد ختتلف اجلواهر وكلها كرمي، وتتفاضل العتاق وكلها جواد. األشياء والنبات واملوات

وقد قلنا يف مناقب مجيع األصناف جبمل ما انتهى إلينا وبلغه علمنا؛ فإن وقع ذلك باملوافقة فبتوفيق اهللا فأما حسن النية، والذي . لة حفظنا ومساعناوصنعه، وإن قصر دون ذلك فالذي قصر بنا نقصان علمنا، وق

وبني التقصري من جهة التفريط . نضمر من احملبة واالجتهاد يف القربة، فإنا ال نرجع يف ذلك إىل أنفسنا بالئمة .والتضييع، وبني التقصري من جهة العجز وضعف العزم، فرق

ابات، وكان كل صنف من األصناف يريد ولو كان هذا الكتاب من كتب املناقضات، وكتب املسائل واجلواالستقصاء على صاحبه، ويكون غايته إظهار فضل نفسه وإن مل يصل إىل ذلك إال بإظهار نقص أخيه ووليه،

لكان كتابا كبريا، كثري الورق عظيما، ولكان العدد الذي يقضون ملؤلفه بالعلم واالتساع يف املعرفة أكثر .يل الذي يجمع خري من الكثري الذي يفرقوأظهر، ولكنا رأينا أن القل

.وحنن نعوذ باهللا من هذا املذهب، ونسأله العون والتسديد، إنه مسيع قريب، فعال ملا يريد

Page 27: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.مت الكتاب وهللا املنة، وبيده احلول والقوة واهللا املوفق للصواب .وسالمه وهو حسبنا ونعم الوكيلواحلمد هللا وحده وصلواته على سيدنا حممد نبيه وآله الطيبني الطاهرين

الرسالة الثانية

املعاش واملعاد أو األخالق احملمودة واملذمومة

بسم اهللا الرمحن الرحيم

حفظك اهللا وأمتع بك

واجب على كل حكيم أن حيسن االرتياد ملوضع البغية، وأن يبني : أما بعد فإن مجاعات أهل احلكمة قالوافإمنا محدت العلماء حبسن التثبت يف أوائل األمور، واستشفافهم بعقوهلم . أسباب األمور وميهد لعواقبها

وبقدر تفاوهتم يف ذلك . ماجتيء به العواقب، فيعلمون عند استقباهلا ما تؤول به احلاالت يف استدبارهافأما معرفة األمور عند تكشفها وما يظهر من خفياهتا فذاك أمر يعتدل فيه الفاضل . تستبني فضائلهم

.واملفضول، والعاملون واجلاهلونيف أيام احلداثة، وحيث سلطان اللهو املخلق لألعراض أغلب على نظرائك، -أكرمك اهللا -وإين عرفتك

وسكر الشباب واجلدة املتحيفني للدين واملروءة مستول على لداتك فاختربت أنت وهم ففقتهم ببسطة وهذه . ا تقدمتهم فيه من الوسامة يف الصورة واجلمال يف اهليئةاملقدرة ومحيا احلداثة، وطول اجلدة، مع م

كلها أسباب تكاد أن توجب االنقياد للهوى، وجلج من املهالك ال يسلم منها إال املنقطع القرين يف صحة فاستبعدهتم الشهوات حىت أعطوها أزمة أدياهتم، وسلطوها على مروءاهتم وأباحوها . الفطرة، وكمال العقل

م، فآلت بأكثرهم احلال إىل ذل العدم وفقد عز الغىن يف العاجل، والندامة الطويلة واحلسرة يف أعراضه .اآلجل

على هواك، -وهو عقلك -وخرجت نسيج وحدك، أوحديا يف عصرك، حكمت وكيل اهللا عندك نيل اللذات وألقيت إليه أزمة أمرك، فسلك بك طريق السالمة، وأسلمك إىل العاقبة احملمودة، وبلغ بك من

أكثر مما بلغوا، ونال بك من الشهوات أكثر مما نالوا، وصرفك من صنوف النعم أكثر مما تصرفوا، وربط عليك من نعم اهللا اليت خولك ما أطلقه من أيديهم إيثار اللهو وتسليطهم اهلوى على أنفسهم؛ فخاض هبم

، وافر املروءة، نقى العرض، كثري سبل تلك اللجج، واستنقذك من تلك املعاطب، فأخرجك سليم الدين .وذلك سبيل من كان ميله إىل الله تعاىل أكثر من ميله إىل هواه. الثراء، بين اجلدة

فلم أزل أبقاك الله يف أحوالك تلك كلها بفضيلتك عارفا، ولك بنعم الله عندك غابطا، أرى ظواهر أمورك سأل عن بواطن أحوالك فتزيدين رغبة يف االتصال بك، ارتيادا مين احملمودة فتدعوين إىل االنقطاع إليك، وأ

.ملوضع اخلرية يف األخوة، والتماسا إلصابة االصطفاء يف املودة، وختيرا ملستودع الرجاء يف النائبةفلما حمضتك اخلربة، وكشفك االبتالء عن احملمدة، وقضت لك التجارب بالتقدمة، وشهدت لك قلوب

Page 28: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

القبول واحملبة، وقطع الله عذر كل من كان يطلب االتصال بك، طلبت الوسيلة إليك واالتصال العامة ب -حفظه الله - وكان من نعمة الله عندي أن جعل أبا عبد الله . حببلك، ومتت حبرمة األدب وذمام كرمك

ألمنية ويفوت األمل، فوصلت وسيليت إليك، فوجدت املطلب سهال واملراد حممودا، وأفضيت إىل ما جيوز اإخاي مبودتك، وخلطتين بنفسك، وأمستين يف مراعي ذوي اخلاصة بك، تفضال ال جمازاة، وتطوال ال مكافاة،

.فأمنت اخلطوب، واعتليت على الزمان، واختذتك لألحداث عدة، ومن نوائب الدهر حصنا منيعا

عمة، وزاد بصرى من مواهبك يف السرور واحلربة، فلما حزت املؤانسة، وتقلبت من فضلك يف صنوف النأردت خربة املشاهدة، فبلوت أخالقك، وامتحنت شيمك، وعجمت مذاهبك على حني غفالتك، ويف

األوقات اليت يقل فيها حتفظك، أراعي حركاتك، وأراقب خمارج أثرك وهنيك، فأرى من استصغارك لعظيم كر من شاكريك، ما أعرف به ومبا قد بلوت من غريك، وما قد النعم اليت تنعم هبا، واستكثارك لقليل الش

.شهدت يل به التجارب، أن ذلك منك طبع غري تكلففزادتين املؤانسة . ما يكاد ذو التكلف أن خيفي على أهل الغباوة، فكيف على مثلي من املتصفحني! هيهات

.، وبطاعتك دينونةفيك رغبة، وطول العشرة لك حمبة، وامتحاين أفاعيلك لك تفضيالوكان من متام شكري لريب ويل كل نعمة، واملبتدئ بكل إحسان، الشكر لك والقيام مبكافأتك مبا أمكن من قول وفعل؛ ألن اهللا تبارك وتعاىل نظم الشكر له بالشكر لذي النعمة من خلقه، وأيب أن يقبلهما إال معا؛ ألن

ضيع شكر ذي نعمة من اخللق فأمر اهللا ضيع، وبشاهده فمن . أحدمها دليل على اآلخر، وموصول به .استخف

من مل يشكر : " ولقد جاء بذلك اخلرب عن الطاهر الصادق صلى اهللا عليه وسلم، فقال صلى اهللا عليه وسلم " .للناس مل يشكر اهللا

أكفر؛ ألن اخللق أن من كفرنعم اخللق كان لنعم اهللا: ولعمري إن ذلك ملوجود يف الفطرة، قائم يف العقلوهلذه العلة مجع بني . يعطي بعضهم بعضا بالكلفة واملشقة، وثقل العطية على القلوب، واهللا يعطي بال كلفة

.الشكر له والشكر لذوي النعم من خلقهفلما وجبت على احلجة بشكرك، وقطع عذري يف مكافأتك، اعترفت بالتقصري عن تقصي ذلك، إال أين

.موصول ذلك مين عند السامعني باالعتراف بالعجز عن إحصائها. ونشر حماسنك بسطت لساين بتقريظكمن أودع عرفا فليشكره، فإن مل ميكنه فلينشره، : " وقد روي عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أنه قال

" .فإذا نشره فقد شكره، وإذا كتمه فقد كفره ه برك، وهو عندي عتيد، وأنت عنه غري مستغن، واملنفعة مث رأيت أن قد بقي علي أمر من األمور ميكنين في

.لك فيه عظيمة عاجلة وآجلة إن شاء اهللاومل أزل أبقاك اهللا باملوضع الذي قد عرفت، من مجع الكتب ودراستها والنظر فيها، ومعلوم أن طول

ملاضني والباقني من مجيع دراستها إمنا هو تصفح عقول العاملني، والعلم بأخالق النبيني، وذوي احلكمة من ا .األمم، وكتب أهل امللل

Page 29: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فرأيت أن أمجع لك كتابا من األدب، جامعا لعلم كثري من املعاد واملعاش، أصف لك فيه علل األشياء، وعلمت أن ذلك من أعظم ما أبرك به، وارجح ما أتقرب . وأخربك بأسباهبا وما اتفقت عليه حماسن األمم

ين على ذلك ما رأيت اهللا قسم لك من الفهم والعقل، وركب فيك من الطبع وكان الذي حدا. به إليك .الكرمي

. وقد أمجعت احلكماء أن العقل املطبوع والكرم الغريزي ال يبلغان غاية الكمال إال مبعاونة العقل املكتسبوإمنا األدب وذلك أن العقل الغريزي آلة واملكتسب مادة،. ومثلوا ذلك بالنار واحلطب، واملصباح والدهن

.عقل غريك تزيده يف عقلكورأيت كثريا من واضعي اآلداب قبلي قد عهدوا إىل الغابرين بعدهم يف اآلداب عهودا قاربوا فيها احلق،

وأحسنوا فيها الداللة، إال أىن رأيت أكثر ما رمسوا من ذلك فروعا مل يبينوا عللها، وصفات حسنة مل .مودة مل يدلوا علىأصوهلايكشفوا أسباهبا، وأمورا حم

فإن كان ما فعلوا من ذلك روايات رووها عن أسالفهم، ووراثات ورثوها عن أكابرهم، فقد قاموا بأداء وغن كانوا تركوا الداللة على علل األمور اليت مبعرفة عللها يوصل . األمانة، ومل يبلغوا فضيلة من استنبط

ولن جتدوا . االستبصار منها، فلم يعدوا يف ذلك منزلة الظن هبا إىل مباشرة اليقني فيها، وينتهى إىل غاية .وصايا أنبياء اهللا أبدا إال مبينة األسباب، مكشوفة العلل، مضروبة معها األمثال

فألفت لك كتايب هذا إليك، وأنا واصف لك فيه الطبائع اليت ركب عليها اخللق، وفطرت عليها الربايا .إىل وجودها يف أنفسهم مضطرون، ويف املعرفة مبا يتولد عنها متفقونكلهم، فهم فيها مستوون، و

مث مبني لك كيف تفترق هبم احلاالت، وتفاوت هبم املنازل، وما العلل اليت يوجب بعضها بعضا، وما الشيء ورمبا الذي يكون سببا لغريه، مىت كان األول كان ما بعده، وما السبب الذي ال يكون الثاين فيه إال باألول،

ومل . وفرق ما بني الطبع األول وبني االكتساب والعادة اليت تصري طبعا ثانيا. كان األول ومل يكن الثاينوما أسباب . اختلف ذلك؟ وكيف دواعي قلوب الناس، وما منها ميتنعون عنه، وما منها ال ميتنعون منه

حىت تؤنس بعد الوحشة، وتسكن بعد نوازع شهواهتم؟ وما الشيء الذي حيتال لقلوهبم به حىت تستمال، والنفار؟ وكيف يتأتى لينقض ما فيهم من الطبائع املذمومة حىت تصرف إىل الشيم احملمودة؟ وراسم لك يف

.ذلك أصوال، ومبني لك مع كل أصل منها عليه وسببهالغفلة، وذاك وقد علمت أن يف كثري من احلق مشبهات ال تستبان إال بعد النظر، وهناك خيتل الشيطان أهل

.أنه ال جيد سبيال إىل اختداعهم عن األمور الظاهرةفلم أدع من تلك املواضع اخلفية موضعا إال أقمت لك بإزاء كل شبهة منه دليال، ومع كل خفي من احلق

حجة ظاهرة تستنبط هبا غوامض الربهان وتستبني هبا دقائق الصواب، وتستشف هبا سرائر القلوب، فتاتى ما تأتى عن بينة، وتدع ما تدع عن خربة، وال يكون بك وحشة إىل معرفة كثري مما يغيب عنك، إذا عرفت العلل واألسباب، حىت كأنك مشاهد لضمري كل امرئ، ملعرفتك بطبعه وماركب عليه، وعوارض األمور

.الداخلة عليه مم؛ غري راض لك باألصول حىت أتقصى لك ما بلغه علمي من الفروع

Page 30: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فإن أحسنت رعاية . مث ال أرسم لك من ذلك إال األمر املعقول يف كل طبيعة، واملوجود يف فطر الربايا كلهاطويال، وفارقت ما البد لك - وإن قصرت أيامه - ذلك وأقمته على حدوده، ونزلته منازله، كان عمرك

.من فراقه حممودا، إن شاء اهللاأن تستعمل يف الدين وتستعمل يف الدنيا، وإمنا وضعت اآلداب على واعلم أن اآلداب إنما هى آالت تصلح

وإمنا أصول أمور التدبري يف الدين والدنيا واحدة، فما فسدت فيه املعاملة يف الدين فسدت . أصول الطبائعدين والدنيا وإمنا الفرق بني ال. فيه املعاملة يف الدنيا، وكل أمر مل يصح يف معامالت الدنيا مل يصح يف الدين

اختالف الدارين من الدنيا واآلخرة فقط، واحلكم ها هنا احلكم هناك، ولوال ذلك ما قامت مملكة، وال ومن كان يف هذه أعمى فهو يف اآلخرة أعمى : " ولذلك قال الله عز وجل. ثبتت دولة، وال استقامة سياسة

ه من العقل ما يعرف به كيف دبرت أمور من كان ليس ل: ، قال ابن عباس يف تفسريها" وأضل سبيال فبقدر جهله بالدنيا يكون جهله باآلخرة . الدنيا، فكذلك هو إذا انتقل إىل الدين، فإمنا ينتقل بذلك العقل

.أكثر؛ ألن هذه شاهدة وتلك غيب؛ فإذا جهل ما شاهد فهو مبا غاب عنه أجهلهي أحرز . ل خري، وسبب كل جناة، ولقاح كل رشدفأول ما أوصيك به ونفسي تقوى الله؛ فإهنا مجاع ك

هي اجلامعة حمبة قلوب العباد، واملستقبلة بك حمبة قلوب من ال جتري عليهم . حرز، وأقوى معني، وأمنع جنة .فاجعلها عدتك وسالحك، واجعل أمر اهللا وهنيه نصب عينيك. نعمك

الستهانة بعزائمه، واألمن ملكره؛ فقد رأيت آثاره وأحذرك ونفسي اهللا واالغترار به، واإلدهان يف أمره، وا .يف أهل واليته وعداوته، كيف جعلهم للماضني عربة، وللغابرين مثال

واعلم أن خلقه كلهم بريته، ال وصلة بينه وبني أحد منهم إال بالطاعة، فأوالهم به أكثرهم تزايدا يف طاعته، .وما خالف هذا فإنه أماين وغرور

اهللا لك من أسباب املقدرة، ومهد لك يف متكني الغىن والبسطة ما مل تنحله حبيلة، وال بلغته بقوة، وقد مكن ولكنه مكنك ليبلوا خربك، وخيترب شكرك، وحيصى سعيك، ويكتب أثرك، مث يوفيك . لوال فضله وطوله

.أجرك، ويأخذك مبا اجترحت يدك أو يعفو؛ فأهل العفو هووبقدر عظمها جيب التكليف . ابتالء بنعمة، وابتالء مبصيبة - االبتالء هو االختبار و - وهللا ابتالءان يف خلقه

.من اهللا عليها؛ فبقدر ما خولك من النعمة يستأديك الشكرولو يؤاخذ اهللا الناس مبا كسبوا ما ترك على ظهرها من : " ولو تقصى اهللا على خلقه لعذهبم، ولذلك قال

.وأقال العثرة، وجعل باحلسنة أضعافهاولكنه قبل التوبة، " . دابة

فمن : " وقد قال اهللا تعاىل. ميزان قسط، وحكم عدل: واعلم أن احلكم يف اآلخرة هو احلكم يف الدنيا" ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم يف جهنم خالدون . ثقلت موازينه فأولئك هم املفلحون

. علمون أن لو وضع يف إحدى كفيت امليزان شيء ومل يك يف األخرى قليل وهذا مثل ضربه اهللا؛ ألن الناس يوذلك أن أحدا من اخللق ال خيلو من هفوة أو زلة أو غفلة؛ فأخرب أن . وال كثري، مل يكن للوزن معىن يعقل

Page 31: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

من كان حسناته الراجحة على سيئاته، مع الندم على السيئات، كان على سبيل النجاة، وطريق الفوز .ومن مالت سيئاته كان العطب والعذاب أوىل به. إلفالحبا

وكذلك حكمه يف الدنيا؛ ألنه قد توىل أولياء من خلقه وشهد هلم بالعدالة، وقد عاتبهم يف بعض األمور لغلبة الصالح يف أفعاهلم وإن هفوا، وتربأ من آخرين وعاداهم لغلبة اجلور على أفاعيلهم، وإن أحسنوا يف

.بعض األمورذلك جرت معامالت اخللق بينهم، يعدلون العادل بالغالب من فعله ورمبا أساء، ويفسقون الفاسق ورمبا وك

.وإمنا األمور بعواقبها، وإمنا يقضى على كل امرئ مبا شاكل أحواله. أحسن .افهذه األمور قائمة يف العقول، جرت عليها املعاملة، واستقامت هبا السياسة، ال اختالف بني األمة فيه

فال تغبنن حظك من دينك، وإن استطعت أن تبلغ من الطاعة غايتها فلنفسك تمهد، وإال فاجهد أن يكون واهللا . أغلب أفعالك عليك الطاعة، مع الندامة عند اإلساءة، ويكون ميلك عند اإلساءة، إىل اهللا أكثر

.يوفقكملنافع، ودفع املضار، وبغض ما كان خبالف اعلم أن اهللا جل ثناؤه خلق خلقه، مث طبعهم على حب اجترار ا

هذا فيهم طبع مركب، وجبلة مفطورة، ال خالف بني اخللق فيه؛ موجود يف اإلنس واحليوان، مل يدع . ذلكوبقدر زيادة ذلك ونقصانه تزيد احملبة والبغضاء؛ فنقصانه كزيادته متيل . غريه مدع من األولني واآلخرين

.امليزان، قل ذلك أو أكثرالطبيعة معهما كميل كفيت والنفس يف طبعها حب الراحة والدعة، واالزدياد . وهاتان مجلتان داخل فيهما مجيع حماب العباد ومكارههم

والعلو، والعز والغلبة، واالستطراف والتنوق، ومجيع ما تستلذ احلواس من املناظر احلسنة، والروائح العبقة، ومما كراهيته يف طباعهم أضداد ما وصفت لك . ملونقة، واملالمس اللذيذةوالطعوم الطيبة، واألصوات ا

.وخالفهعلى أهنا يف . فهذه اخلالل اليت جتمعها خلتان غرائز يف الفطر، وكوامن يف الطبع؛ جبلة ثابتة، وشيمة خملوقة

.بعض أكثر منها يف بعض، وال يعلم قدر القلة فيه والكثرة إال الذي دبرهمنت هذه طبائعهم، أنشأ هلم من األرض أرزاقهم، وجعل يف ذلك مالذ جلميع حواسهم، فتعلقت به فلما كا

فلو تركهم وأصل الطبيعة، مع ما مكن هلم من األرزاق املشتهاة يف طبائعهم، . قلوهبم، وتطلعت إليه أنفسهمفساد، وانقطاع التناسل، وإذا ذهبا كان ذلك سببا لل. صاروا إىل طاعة اهلوى، وذهب التعاطف والتبار

وفناء الدنيا وأهلها؛ ألن طبع النفس ال يسلس بعطية قليل وال كثري مما حوته، حىت تعوض أكثر مما تعطى، .إما عاجال وإما آجال مما تستلذه حواسها

والنهي غري فعلم اهللا أهنم ال يتعاطفون وال يتواصلون وال ينقادون إال بالتأديب، وأن التأديب ليس إال باألمر فدعاهم بالترغيب إىل جنته، وجعلها عوضا مما . ناجعني فيهم إال بالترغيب والترهيب الذين يف طباعهم

ولو تركهم . تركوا يف جنب طاعته، وزجرهم بالترهيب بالنار عن معصيته، وخوفهم بعقاهبا على ترك أمره .جل ثناؤه والطباع األول جروا على سنن الفطرة، وعادة الشيمة

Page 32: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فمن يعمل مثقال : " مث أقام الرغبة والرهبة على حدود العدل، وموازين النصفة، وعدهلم تعديال متفقا، فقال " .ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . ذرة خريا يره

ة مما مث أخرب اهللا تبارك وتعاىل أنه غري داخل يف تدبريه اخللل، وال جائز عنده احملاباة؛ ليعمل كل عامل على ثقوعده وواعده، فتعلقت قلوب العباد بالرغبة والرهبة، فاطرد التدبري، واستقامت السياسة، ملوافقتهما ما يف

الفطرة، وأخذمها مبجامع املصلحة، مث جعل أكثر طاعته فيما تستثقل النفوس، وأكثر معصيته فيما تلذ، خيرب أن الطريق إىل " . ه، والنار بالشهوات حفت اجلنة باملكار: " ولذلك قال النيب صلى اهللا عليه وسلم

اجلنة احتمال املكاره، والطريق إىل النار اتباع الشهوات ، فإذا كانوا مل يصلحوا خلالقهم ومل ينقادوا ألمره إال مبا وصفت لك كم الرغبة والرهبة، فأعجز الناس رأيا وأخطؤهم تدبريا، وأجهلهم مبوارد األمور

ظن أو رجا أن أن أحدا من اخللق فوقه أو دونه أو من نظرائه يصلح له ضمريه، ومصادرها، من أمل أو .وصح له أو خبالف ماد برهم اهللا عليه ، فيما بينه وبينهم

فاجعلها مثالك الذي . فالرغبة والرهبة أصال كل تدبري ، وعليها مدار كل سياسة ، عظمت أو صغرت .م أنك إن أمهلت ما وصفت لك عرضت تدبريك لالختالطواعل. حتتذي عليه، وركنك الذي تستند إليه

وإن آثرت اهلوينا واتكلت على الكفاة يف األمر الذي ال جيوز فيه إال نظرك، وزجيت أمورك على رأي .مدخول، وأصل غري حمكم، رجع ذلك عليك مبا لو حكم فيك عدوك كان ذلك غاية أمنيته، وشفاء غيظه

ريها، واستعمالك األشياء على وجودها، جيمع لك ألفة القلوب، فيعاملك كل واعلم أن إجراءك األمور جما .من عاملك مبودة، أو أخذ أو إعطاء، وهو على ثقة من بصرك مبواضع اإلنصاف، وعلمك مبوارد األمورأو واعلم أن أثرتك على غري النصيحة والشفقة، واحلرمة والكفاية، يوجب لك املباعدة وقلة الثقة ممن آثرته

.آثرت عليهأقدارهم - ممن جرت بينك وبينه مودة أو حرمة، ممن فوقك أو دونك أو نظرائك -فاعرف ألهل البالء

مث لتكن أمورك معهم على قدر البالء واالستحقاق، وال تؤثر يف ذلك أحدا هلوى؛ فإن األثرة على . ومنازهلممن : حق هبا اإلفضال، وتفسد عليها الطائفتاناهلوى توجب السخطة، وتوجب استصغار عظيم النعمة، ومي

.آثرت ومن آثرت عليهأما من آثرت فإنه يعلم أنك مل تؤثره باستحقاق بل هلوى، فهو مترقب أن ينتقل هواك إىل غريه، فتحول

.فهو مدخول القلب يف مودتك، غري آمن لتغريك. أثرتك حيث مال هواكه، فقد جعلت له السبيل إىل الطعن عليك، وأعطيته احلجة على وأما من آثرت عليه بعد االستحقاق من

.فكل من يعمل على غري ثقة عاد ما أراد به النفع ضررا، واإلصالح فيه فسادا. نفسكورمبا آثر الرجل املرء من إخوانه بالعطية السنية على بالء أباله، فيعظم قدرها عنده حىت لعله تطيب نفسه

إن أعطى من أبلى كبالئه وكانت له مثل دالته، أكثر مما أعطاه، انتقل كل حممود من ف.ببذل ماله ودمه دونه .وكذلك األمر يف العقوبة، جيريان جمرى واحدا. ذلك مذموما، وكل مستحسن مستقبحا

فاجعل العدل والنصفة يف الثواب والعقاب حاكما بينك وبني إخوانك، فمن قدمت منهم فقدمه على

Page 33: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وبصحة النية يف مودته، وخلوص نصيحته لك مما قد بلوت من أخالقه وشيمه، وعلمت االستحقاق،بتجربتك له، أنه يعلم أن صالحه موصول بصالحك، وعطبه كائن مع عطبك، ففوض األمر إليه، وأشركه

يف خواص أمورك وخفي أسرارك، مث اعرف له قدره يف جملسك وحماورتك ومعاملتك، يف كل حاالتك يف خلواتك معه، وحبضرة جلسائك؛ فإن ذلك زيادة يف نيته، وداعية ملن دونه إىل التقرب إليك ومزاوالتك .مبثل نصيحته

فإن ابتليت يف بعض األوقات مبن يضرب حبرمة وميت بدالة، يطلب املكافأة بأكثر مما يستوجب، فدعاك ، أو مداراة لغريه، فال تدع االعتذار إىل الكرم واحلياء إىل تفضيله على من هو أحق منه، إما ختوفا من لسانه

من فوقه من أهل البالء والنصيحة وإظهار ما أردت من ذلك هلم؛ فإن أهل خاصتك واملؤمتنني على أسرارك، هم شركاؤك يف العيش، فال تستهينن بشيء من أمورهم؛ فإن الرجل قد يترك الشيء من ذلك

.رح يف القلب وينمو، حىت يولد ضغنا وحيول عداوةاتكاال على حسن رأي أخيه، فال يزال ذلك جي .فتحفظ من هذا الباب، وامحل إخوانك عليه جبهدك

وستجد يف من يتصل بك من يغلبه إفراط احلرص ومحيا الشره، ولني جانبك له، على أن ينقم العافية، به مستقال، وملعرفتك ويطلب اللحوق مبنازل من ليس هو مثله، وال له مثل دالته، فتلقاه ملا تصنع

فاعرف طرائقهم وشيمهم، وداو كل . وصالح من كانت هذه حاله خبالف ما فسد عليه أمره. مستصغرا :من ال بد لك من معاشرته بالدواء الذي هو أجنع فيه، إن لينا فلينا، وإن شدة فشدة؛ فقد قيل يف املثل

ل ففي عقوبته صالحه... من ال يؤدبه اجلمي ليس حبكيم من مل يعاشر من ال جيد من معاشرته بدا، بالعدل والنصفة، حىت جيعل : " بعض احلكماء وقد قال

.اهللا له من أمره فرجا وخمرجافاعرفها واقتبسها، . فاحفظ هذه األبواب اليت يوجب بعضها بعضا، وقد ضمنت لك أوائلها كون أواخرها

فاحذر املقدمات الاليت يعقبها املكروه، واحرص . ال بد منه واعلم أنه مىت كان األول منها وجب ما بعده .على توطيد األمور اليت على أثرها السالمة، وألقح يف البدي األمور اليت نتاجها العافية

املنفعة توجب احملبة، واملضرة توجب البغضاء، واملضادة توجب : فمن األمور اليت يوجب بعضها بعضاجب االستثقال، ومتابعته توجب األلفة، والصدق يوجب الثقة، والكذب يورث العداوة، وخالف اهلوى يو

التهمة، واألمانة توجب الطمأنينة، والعدل يوجب اجتماع القلوب، واجلور يوجب الفرقة، وحسن اخللق يوجب املودة، وسوء اخللق يوجب املباعدة، واالنبساط يوجب املؤانسة، واالنقباض يوجب الوحشة،

ب املقت، والتواضع يوجب املقة، واجلود بالقصد يوجب احلمد، والبخل يوجب املذمة، والتكرب يوجوالتواين يوجب التضييع، واجلد يوجب رخاء األعمال، واهلوينا تورث احلسرة، واحلزم يورث السرور، والتغرير يوجب الندامة، واحلذر يوجب العذر، وإصابة التدبري توجب بقاء النعمة، واالستهانة توجب

.التباغي، والتباغي مقدمة الشر وسبب البوارولكل شيء من هذا إفراط وتقصري، وإمنا تصح نتائجها إذا أقيمت على حدودها، وبقدر ما يدخل من اخللل

Page 34: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فيها يدخل فيما يتولد منها، ال بد منه وال مزحل عنه، عليه عادة اخللق، وبه جرت طبائعهم، ومتام املنفعة هبا إلفراط يف اجلود يوجب التبذير، واإلفراط يف التواضع يوجب املذلة، واإلفراط يف الكرب فا: إصابة مواضعها

يدعو إىل مقت اخلاصة، واإلفراط يف املؤانسة يدعو خلطاء السوء، واإلفراط يف االنقباض يوحش ذا ىل أال يوثق وآفة األمانة ائتمان اخلانة، وآفة الصدق تصديق الكذبة، واإلفراط يف احلذر يدعو إ. النصيحة

واإلفراط يف املضرة مبعثة على حربك، واإلفراط يف جر املنفعة غناء ملن . بأحد؛ وذاك ما ال سبيل إليه .أفرطت يف نفعه عنك

واحذر كل احلذر أن خيتدعك الشيطان عن احلزم فيمثل لك التواين يف صورة التوكل، ويسلبك احلذر، اهللا إمنا أمر بالتوكل عند انقطاع احليل، والتسليم للقضاء بعد ويورثك اهلوينا بإحالتك على األقدار؛ فإن

" . وال تلقوا بأيديكم إىل التهلكة " ، " خذوا حذركم : " اإلعذار، بذلك انزل كتابه، وأمضى سنته فقال .احلذر: وسئل ما احلزم؟ فقال" . اعقلها وتوكل : " وقول النيب صلى اهللا عليه وسلم

.أحكم معرفته إن شاء اهللا تعاىلفتحفظ من هذا الباب والعادة أملك : " واعلم أن أكثر األمور إمنا هو على العادة وما تضرى عليه النفوس، ولذلك قالت احلكماء

" .باألدب فرض نفسك على كل أمر حممود العاقبة، وضرها بكل ما ال يذم من األخالق يصر ذلك طباعا، وينسب

.إليك منه أكثر مما أنت عليهواعلم أن الذي يوجب لك اسم اجلود القيام بواجب احلقوق عند النوائب، مع بعض التفضل على

.وإذا أوجب لك اسم اجلود زال عنك اسم البخل. الراغبنيواعلم أن تثمري املال آلة للمكارم، وعون على الدين، ومتألف لإلخوان؛ وأن من فقد املال قلت الرغبة إليه،

.ومن مل يكن مبوضع رغبة وال رهبة استهان الناس بقدره والرهبة منه؛ .فاجهد اجلهد كله أال تزال القلوب معلقة منك برغبة أو رهبة، يف دين أو دنيا

وتأديب مبا أدب . واعلم أن السرف ال بقاء معه لكثري، وال تثمري معه لقليل، وال تصلح عليه دنيا وال دين " .وال جتعل يدك مغلولة إىل عنقك وال تبسطها كل البسط فتقعد ملوما حمسورا : " اهللا تعاىل به نبيه فقال

" .القصد أبقى للجمام : " وقالت احلكماء :فداوم حالك وبقاء النعمة عليك، بتقديرك أمورك على قدر الزمان، وبقدر اإلمكان؛ فقد قال الشاعر

مل يستقلها من خطى الدهر... من سابق الدهر كبا كبوة واجر مع الدهر كما جيري... فاخط مع الدهر على ما خطا

وذاك . واعلم أن الصمت يف موضعه رمبا كان أنفع من اإلبالغ باملنطق يف موضعه، وعند إصابة فرصتهفليزدك يف الصمت رغبة ما ترى من كثرة فضائح . صمتك عند من يعلم أنك مل تصمت عنه عيا وال رهبة

.، وهذر من أطلق لسانه بغري حاجةاملتكلمني يف غري الفرصواعلم أن اجلنب جبنان، والشجاعة شجاعتان، وليست تكون الشجاعة إال يف كل أمر ال يدرى ما عاقبته،

Page 35: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فإذا أردت احلزم يف ذلك فال تشجعن نفسك على أمر أبدا إال والذي ترجو . خياطر فيه باألنفس واألموال .فيه يف املستقبل، مث يكون الرجاء يف ذلك أغلب عليك من اخلوف من نفعه يف العاقبة أعظم مما تبذلفإن كان ذلك أمرا واجبا يف الدين، أو خوفا لعار تسب به األعقاب : وها هنا موضع حيتاج فيه إىل النظر

إال باخلطار وإن كان أمرا تعظم منفعته يف الدنيا إال أنك ال تناله . فأنت معذور باملخاطرة فيه بنفسك ومالكمبهجة نفسك أو بتعريض كل مالك للتلف، فاإلقدام على مثل هذا ليس بشجاعة، ولكن محاقة بينة عند

.احلكماء .ال يرسل الساق إال ممسكا ساقا: وقد قالت علماء أوائل الناس

ر احلاالت مث الشجاعة واجلنب يف ذلك بقد" . ال خترج األمر كله من يدك وخذ بأحد جانبيه : " وقالوا .واألوقات

أن تأخذ عليه بالفضل وتبتدئه : أشرفها: واعلم أن أصل ما أنت مستظهر به على عدوك ثالث خالل: " باحلسىن، فتكون عليه رمحة ولنفسك ناظرا؛ فإن كثرة األعداء تنغيص للسرور، وقد قال اهللا تبارك وتعاىل

" .أنه ويل محيم ادفع باليت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كفإن كان عدوك مما ال يصلح على ذلك فحصن عنه أسرارك، وعم عليه آثار تدبريك، وال يطلعن على شيء

من مكايدتك له بقول وال فعل، فيأخذ حذره، ويعرف مواضع عوارك، فإن حتصني األسرار أخذ بأزمة .ما داجاك، وأحص معايبه ما ال حاكولكن داج عدوك . التدبري، واإلكثار من الوعيد لألعداء فشل

:وقال الشاعر زكنت منهم على مثل الذي زكنوا... كل يداجى على البغضاء صاحبه

واعلم أن أعظم أعوانك عليه احلجج مث الفرصة، مث ال تظهرن عليه حجة، وال هتتبل منه غرة، وال تطلنب له له، ويف املواضع اليت جيب لك فيها العذر ويعظم فيها عثرة، وال هتتكن له سترا إال عند الفرصة يف ذلك ك

.ضرره، إن كان العفو عنه شرا لهوإن كان ممن يظهر لك العداوة ويكشف لك قناع احملاربة، وكان ممن أعياك استصالحه باحللم واألناة،

ت مستظهرا عليه ولس. استبطان احلذر منه، واالستعداد له وإظهار االستهانة به: فلتكن يف أمره بني حالني .مبثل طهارتك من األدناس، وبراءتك من املعايب

.فلتكن هذه سريتك يف أعدائكوقد روي عن رسول اهللا . واعلم أن إشاعة األسرار فساد يف كل وجه من الوجوه، من العدو والصديق

" .د استعينوا على احلوائج بسترها؛ فإن كل ذي نعمة حمسو: " صلى اهللا عليه وسلم أنه قالوقد قيل . وإذا أفشيت سرك فجاءت األمور على غري ما تقدر كان ذلك منك فضال من قولك على فعلك

فال تضع سرك إال عند من يضره نشره كما يضرك، " . من أفشى سره كثر املتآمرون عليه : " يف األمثال .وينفعه ستره حبسب ما ينفعك

الهتم، متفاوتة منازهلم، وكلهم بك إليه حاجة، وكل واعلم أنك ستصحب من الناس أجناسا متفرقة حا. طائفة تسد عنك كثريا من املنافع ال يقوم به من فوقها، ولعلهم جمتمعون على نصيحتك والشفقة عليك

Page 36: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فمنهم من تريد منه الرأي واملشورة، ومنهم من تريده للحفظ واألمانة، ومنهم من تريده للشدة والغلظة، إن اخلالل تنفع حيث ال ينفع : " وقد قيل يف احلكمة. وكل يسد مسده على حياله. نةومنهم من تريده للمه

" .السيف من عنايتك وتعهدك باجلزاء على احلسنة، واملعاتبة -عظم قدره أو صغرت منزلته - وال تخلني أحدا منهم

ه، وال تدخله فيما ال يصلح له، مث ال جتوزن بأحد منهم حد. عند العثرة؛ ليعلموا أهنم منك مبرأى ومسمع .تستقم لك حاله، ويتسق لك أمره

واعلم أنه سيمر بك يف معامالت الناس حاالت حتتاج فيها إىل مداراة أصناف الناس وطبقاهتم، يبلغ بك غاية الفضيلة فيها، وكمال العقل واألدب منها، أن تسامل أهلها ومتلك نفسك عن هواها، وتكف من

وهي . الذي ال حيرجك يف دينك وال عرضك وال بدنك، بل يفيدك عز احللم، وهيبة الوقار مجاحها، باألمر .أمور خمتلفة، جتمعها حال واحدة

أن تأيت حمفال فيه مجع من الناس، فتجلس منه دون للوضع الذي تستحقه حىت يكون أهله الذين : منها .يرفعونك، فتظهر جاللتك وعظم قدرك

وم يف حديث، عندك منه مثل ما عندهم أو أفضل، فيتنافسون يف إظهار ما عندهم، فإن أن يفيض الق: ومنهانافستهم كنت واحدا منهم، وإن أمسكت اقتضوك ذلك، فصرت كأنك ممنت عليهم حبديثك، وأنصتوا لك

.ما مل ينصتوا لغريكإن ضبطت نفسك كان ف -واملراء نتاج اللجاجة ومثرة أصلها احلمية - أن يتمارى جلساؤك : ومنها

.حتاكمهم إليك، ومعوهلم عليك. أن يف تركيبها بغض من استطال عليها - إذ كان على حسب العلو والغلبة - واعلم أن طبع النفوس

.فاستدع حمبة العامة بالتواضع، ومودة األخالء باملؤانسة واالستشارة، والثقة والطمأنينةفالصديق وجه معاملته املساملة، والعدو وجه . تعامل به عدوكواعلم أن الذي تعامل به صديقك هو ضد ما

معاملته املداراة واملواربة، مها ضدان يتنافيان، يفسد هذا ما أصلح هذا، وكلما نقصت من أحد البابني زاد فال تسلم باملواربة صداقة، وال تظفر بالعدو مع االستسالم . يف صاحبه، إن قليل فقليل، وإن كثري فكثري

فضع الثقة موضعها، وأقم احلذر مقامه، وأسرع إىل التفهم بالثقة، وال تبادر إىل التصديق، وال سيما . ليهإ .باحملال من األمور

واعلم أن كل علم بغائب، كائنا ما كان، إمنا يصاب من وجوه ثالثة ال رابع هلا، وال سبيل لك وال لغريك . ولن هتنأ بعيش مع شدة التحرز، ولن يتسق لك أمر مع التضييع .إىل غاية اإلحاطات؛ الستئثار اهللا هبا

.فاعرف أقدار ذلكفما غاب عنك مما قد رآه غريك مما يدرك بالعيان، فسبيل العلم به األخبار املتواترة، اليت حيملها الويل

فهذا . بتصديقها والعدو، والصاحل والطاحل، املستفيضة يف الناس، فتلك ال كلفة على سامعها من العلم .الوجه يستوي فيه العامل واجلاهل

Page 37: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وقد جييء خرب أخص من هذا إال أنه ال يعرف إال بالسؤال عنه، واملفاجأة ألهله، كقوم نقلوا خربا، ومثلك حييط علمه أن مثلهم يف تفاوت أحواهلم، وتباعدهم من التعارف، ال ميكن يف مثله التواطؤ وإن جهل ذلك

.ويف مثل هذا اخلرب ميتنع الكذب، وال يتهيأ االتفاق فيه على الباطل. أكثر الناسوقد جييء خرب أخص من هذا، حيمله الرجل والرجالن ممن جيوز أن يصدق وجيوز أن يكذب، فصدق هذا

م ولن يقوم هذا اخلرب من قلبك وال قلب غريك مقا. اخلرب يف قلبك إمنا هو حبسن الظن باملخرب، والثقة بعدالته .ولو كان ذلك كذلك بطل التصنع بالدين واستوى الظاهر والباطن من العاملني. اخلربين األولني أبدا

وملا أن كان موجودا يف العقول أنه قد يفتش بعض األمناء عن خيانة، وبعض الصادقني عن كذب، وأن مثل رب إذا جاء من مثلهما جاء جميء اليقني، وأن اخلربين األولني مل يتعقب الناس يف مثلهما كذبا قط، علم أن اخل

.ما علم من خرب الواحد فإمنا هو حبسن الظن واإلئتمان .فهذه األخبار عن األمور اليت تدركها األبصار

فأما العلم مبا غاب مما ال يدركه أحد بعيان، مثل سرائر القلوب وما أشبهما، فإمنا يدرك علمها بآثار أفاعيلها .ورها، على غري إحاطة كإحاطة اهللا هباوبالغالب من أم

وأول العلم بكل غائب الظنون، والظنون إمنا تقع يف القلوب بالدالئل، فكلما زاد الدليل قوي الظن حىت .ينتهي إىل غاية تزول معها الشكوك عن القلوب؛ وذلك لكثرة الدالئل، ولترادفها

.فهذا غاية علم العباد باألمور الغائبةا طبع عليه اخللق وجرت به عاداهتم، وعرف أسباب اتصاهلم واتصاله هبم، وتقصى علل ذلك، فمن عرف م .أن يقع من اإلحاطة قريبا -إن مل حيط بعلم ما يف قلوهبم - كان خليقا

واعلم أن املقادير رمبا جرت خبالف ما تقدر احلكماء، فنال هبا اجلاهل يف نفسه، املختلط يف تدبريه، ما ال فال يدعونك ما ترى من ذلك إىل التضييع واالتكال على مثل تلك احلال؛ فإن . احلازم األريب احلذر ينال

احلكماء قد أمجعت أن من أخذ باحلزم وقدم احلذر، فجاءت املقادير خبالف ما قدر، كان عندهم أمحد رأيا .وأوجب عذرا، ممن عمل بالتفريط وإن اتفقت له األمور على ما أراد

ما يكاد ذلك جييء إال يف أقل األمور، وما كثر جميء السالمات إال ملن أتى األمور من وجوهها ولعمريفال تكونن لشيء مما يف يدك أشد ضنا، وال عليه أشد حدبا، منك باألخ الذي قد . وإمنا األشياء بعوامها

لك ناحيته؛ فإمنا هو بلوته يف السراء والضراء، فعرفت مذاهبه وخربت شيمه، وصح لك غيبه، وسلمت وال . ولست منتفعا بعيش مع الوحدة. شقيق روحك وباب الروح إىل حياتك، ومستمد رأيك وتوأم عقلك

فإذا صفا لك أخ فكن به أشد ضنا منك . بد من املؤانسة، وكثرة االستبدال هتجم بصاحبه على املكروهلقني تكرههما؛ فإن نفسك اليت هي أخص بنفائس أموالك، مث ال يزهدنك فيه أن ترى منه خلقا أو خ

وحبسبك أن يكون لك من أخيك أكثره، ! النفوس بك ال تعطيك املقادة يف كل ما تريد، فكيف بنفس غريك " .أي الرجال املهذب " ، و " من لك بأخيك كله : " وقد قالت احلكماء

وال . شرون حماسنك، وحياجون عنكمث ال مينعك ذلك من االستكثار من األصدقاء فإهنم جند معدون لك ين

Page 38: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

حيملنك استطراف صديق ثان على ماللة للصديق األول؛ فأن ذلك سبيل أهل اجلهالة، مع ما فيها من .واهللا يوفقك. الدناءة وسوء التدبري، وزهد األصدقاء مجيعا يف إخائك

وفا بالوفاء يف أوقات فمن كان معر. وستجد يف الناس من قد جربته الرجال قبلك، وحمضه اختبارهم لكومن باله غريك فكشف عن . الشدة وحاالت الضرورة، فنافس فيه واسبق إليه؛ فإن اعتقاده أنفس العقد

كفر النعمة، والغدر عند الشدة، فقد حذرك نفسه وإن آنسك وكما غدر بغريك يغدر بك؛ فإن من شيمته يذل عند احلاجة : ، وإمنا مييل مع الرجحانالوفاء يفي للصديق والعدو، ومن طبيعته الغدر ال يفي ألحد

.ويشمخ مع االستغناءوقد . الكذب فإنه مجاع كل شر: واعلم أن احلكماء مل تذم شيئا ذمها أربع خالل. فاحذر ذلك أشد احلذر

.مل يكذب أحد قط إال لصغر قدر نفسه عنده: قالواف ما هتوى النفس، فإن جاء اإلنسان خالف ما والغضب فإنه لؤم وسوء مقدرة؛ وذاك أن الغضب مثرة خلال

يهوى ممن فوقه أغضى ومسى ذلك حزنا، وإن جاءه ذلك ممن دونه محله لؤم النفس وسوء الطباع على .االستطالة بالغضب، واملقدرة والبسطة على البطش

را، ملا يتعجل من غم واجلزع عند املصيبة اليت ال ارجتاع هلا؛ فإهنم مل جيعلوا لصاحب اجلزع يف مثل هذا عذوزعموا أن ذلك من إفراط الشره، وأن أصل الشره واحلسد واحد . اجلزع مع علمه بفوت اجملزوع عليه

.وإن افترق فرعامهاوذموا احلسد كذمهم اجلزع، ملا يتعجل صاحبه من ثقل االغتمام، وكلفة مقاساة االهتمام، من غري أن جيدي

احلسد خلق دينء، ومن دناءته أنه يبدأ : " وقال بعض احلكماء. غدر لؤمفاحلسد اغتمام، وال. عليه شيئاوزعموا أنه مل يغدر غادر قط إال لصغر مهته عن الوفاء، ومخول قدره عن احتمال " . باألقرب فاألقرب

.املكاره يف جنب نيل املكارمالق، فأكثرت يف تفضيلها وبقدر ما ذمت احلكماء هذه األخالق األربعة، فكذلك محدت أضدادها من األخ

األقاويل، وضربت فيها األمثال، وزعمت أهنا أصل لكل كرم، ومجاع لكل خري، وأن هبا تنال جسام األمور .يف الدنيا والدين

فاجعل هذه األخالق إماما لك، ومثال بني عينيك، ورض عليها نفسك، وحكمها يف أمرك، تفز بالراحة يف .جلالعاجل، والكرامة يف اآل

فأشرفهما حلمك عمن : واحللم حلمان. فأعالمها أن تصرب على ما ترجو فيه الغنم يف العاقبة: والصرب صربانأسنامها وفاؤك ملن ال ترجوه : والوفاء وفاءان. أعظمهما صدقك فيما يضرك: والصدق صدقان. هو دونكاحللم ألبس ثوب الوقار واهليبة وأهبة فإن من عرف بالصدق صار الناس له أتباعا، ومن نسب إىل . وال ختافه

.اجلاللة، ومن عرف بالوفاء استنامت بالثقة به اجلماعات ومن استعز بالصرب نال جسيمات األمور .ولعمري ما غلطت احلكماء حني مستها أركان الدين والدنيا

أضدادهن سبب و. فالصدق والوفاء توأمان، والصرب واحللم توأمان، فهن متام كل دين، وصالح كل دنيا .كل فرقة، وأصل كل فساد

Page 39: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

واحذر خصلة رأيت الناس قد استهانوا هبا، وضيعوا النظر فيها، مع اشتماهلا على الفساد، وقدحها البغضاء املفاخرة باألنساب؛ فإنه مل يغلط فيها عاقل قط، مع اجتماع اإلنس مجيعا : يف القلوب، والعداوة بني األوداء

يعا بتفرق األمور احملمودة واملذمومة من اجلمال والدمامة، واللؤم والكرم، واجلنب على الصورة وإقرارهم مجوالشجاعة، يف كل حني، وانتقاهلما من أمة إىل أمة، ووجود كل حممود ومذموم يف أهل كل جنس من

.وهذا غري مدفوع عند اجلميع. اآلدميني .لم بذلك على الناس أمجعني، مع السالمة يف الدينفال جتعلن له من عقلك نصيبا، وال من لسانك حظا، تس

فتحرز من دخالء السوء، . واعلم أنك موسوم بسيما من قارنت، ومنسوب إليك أفاعيل من صاحبتاملرء حيث : " وجمالسة أهل الريب، وقد جرت لك يف ذلك األمثال، وسطرت لك فيه األقاويل، فقالوا

" .باملرء بشكله، واملرء بأليفه : " ، وقالوا" ا ظن بقرينه يظن املرء م: " ، وقالوا" جيعل نفسه واعلم أن املرء . ولن تقدر على التحرز من مجاعة الناس، ولكن أقل املؤانسة إال بأهل الرباءة من كل دنس

بقدر ما يسبق إليه يعرف، وباملستفيض من أفعاله يوصف، وإن كان بني ذلك كثري من أفعاله ألغاه الناس .عليه بالغالب من أمره وحكموا

فاجهد أن يكون أغلب األشياء على أفاعيلك كل ما حتمده العوام وال تذمه اجلماعات، فإن ذلك يعفى على .كل خلل إن كان

فبادر ألسنة الناس فاشغلها مبحاسنك، فإهنم إىل كل سيء سراع، واستظهر على من دونك بالتفضل، وعلى .تأخذ بوثائق األمور، وأزمة التدبري. اإلجاللنظرائك باإلنصاف، وعلى من فوقك ب

فكن فيه بني . واعلم أن كثرة العتاب سبب للقطيعة، واطراحه كله دليل على قلة االكتراث ألمر الصديق. عاتبه فيما تشتركان يف نفعه وضره وذلك يف اهلينات، وجتاف له عن بعض غفالته تسلم لك ناحيته: أمرين

ه، فإن اإلحلاح يف الزيارة يذهب بالبهاء، ورمبا أورث املاللة؛ وطول اهلجران وحبسب ذلك فكن يف زيارت :يعقب اجلفوة، وحيل عقدة اإلخاء، وجيعل صاحبه مدرجة للقطيعة وقد قال الشاعر

فأكثر دونه عدد الليايل... إذا ما شئت أن تسلى حبيبا وال يبلى جديدك كابتذال... فما يسلي حبيبك مثل نأي

فتحظى بالوداد مع اتصال... غبا إذا أحببت خال وزر وإن التقصري فيه يقبض . واقتصد يف مزاحك؛ فإن اإلفراط فيه يذهب بالبهاء، وجيري عليك أهل الدناءة

.فإن مزحت فال متزح بالذي يسوء معاشريك. عنك املؤانسنيرتقاه صعب، وبسبب ذلك يورث وأنا أوصيك خبلق قل من رأيته يتخلق به، وذاك أن حممله شديد، وم

أال حيدث لك احنطاط من حطت الدنيا من إخوانك استهانة به، وال حلقه إضاعة، وملا : الشرف ومحيد الذكروال حيدث لك . كنت تعلم من قدره استصغارا؛ بل إن زرته قليال كان أشرف لك، وأعطف للقلوب عليك

ه على نظرائه يف احلفظ واإلكرام؛ بل لو انقبضت عنه كان ارتفاع من رفعت الدنيا منهم تذلال وإيثارا لمادحك أكثر من ذامك، وكان هو أوىل بالتعطف عليك، إال أن يكون مسلطا ختاف شذاه ومعرته، وترجو عنده جر منفعة لصديق، أو دفع مضرة عنه، أو كبتا لعدو وإنزال هوان به، فإن السلطان وخيالءه وزهوه

Page 40: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

. جيوز يف غريه، ويعذر فيه ما ال يعذر يف سواهحيتمل فيه ما الواعلم أن نشر حماسنك ال يليق بك، وال يقبل منك، إال إذا كان القول هلا على ألسن أهل املروءات، وذوي

الصدق والوفاء، ومن ينجع قوله يف القلوب ممن يستنام إىل قوله، ويصدق خربه، وممن إن قال صدق، أو لبالء، فإن إشراف الثناء على قدر النعمة يولد يف القلوب التكذيب، ويدل على مدح اقتصد، يثىن بقدر ا

.طلب املزايدفأما ثناء املادحني لك يف وجهك، فإمنا تلك أسواق أقاموها لألرباح، وساهلوك يف املبايعة، ومل يكن يف الثناء

.م، واملثبطون عن ابتناء املعاىلأولئك الصادقون عن طرق املكار. عليهم كلفة، لكساد أقاويلهم عند الناسفارتد لنعمك مغرسا تنمو فيه فروعها، وتزكو مثرهتا، ال تذهب نفقتك ضياعا،إما لعاجل تقدمه، أو آلجل

.ثناء تنتفع به

ولن تعدم أن يفجأك يف بعض أحوالك حقوق تبهظك، وأحوال تفدحك، وأمور كلها تتقسم عنايتك، ويف فضيلتك، فال تستقبلها بالتضجع وتفتري الرأى، وابدأ منها بأعظمها منفعة، وأشدها التثبت يف مثلها تعرف

وكل ما أعجزك إىل الكفاة، واعتذر من تقصري إن كان؛ فإن االعتذار يكسر حميا الالئمة، . خوف ضرر .ويردع شذاة الشرة

حلقوق الالزمة لك من مث تالف بعد انكشاف ذلك عنك ما فاتك، واجهد اجلهد كله أن تكون خمارج اعندك سهلة، موصولة ألصحاهبا ببشرك وطالقة وجهك؛ فقد زعمت احلكماء أن القليل مع طالقة الوجه

.أوقع بقلوب ذوى املروءات من الكثري مع العبوس واالنقباضهون غاية األحرار أن يلقوا ما حيبون وحيرموا، أحب إليهم من أن يلقوا ما يكر: " وقد قال بعض احلكماء

" .ويعطوا .وما أبعدوا عن احلق

وال يدعونك كفر كافر لبعض نعمك ممن آثر هواه على دينه ومروءته، أو غدرة غادر تصنع لك وختلك عن مالك، أن تزهد يف اإلنعام، وتسيء بثقاتك الظنون؛ فإن هذا موضع جيد الشيطان يف مثله الذريعة إىل

.استفساد الصنائع، وتعطيل املكارملم أن استصغارك نعمك يكربها عند ذوى العقول، وسترك هلا نشر هلا عندهم؛ فانشرها بسترها، واع

.وكربها باستصغارهافاجعل . واعلم أن من الفعل أفاعيل وإن عظمت منافعها، ومنافع أضدادها فإليثارها فضيلة على كل حال

قوبتك؛ فإن ذلك أدل على واجعل عفوك أكثر من ع. صمتك أكثر من كالمك؛ فإنه أدل على حكمتك .وال تفرطن فيه كل اإلفراط حىت تطرح الكالم يف موضعه، والتأديب يف أوانه. كرمك

واعلم أن لكل امرئ سيدا من عمله، قد ساهلته فيه نفسه وسلس له فيه هواه، فتحفظ ذلك من نفسك، .وتقاضها الزيادة فيه ، ورضها على تثمريه واملواظبة عليه

أال توىل : أحدها: كله االغترار بأمور ثالثة؛ فإن من عطب هبا كثري، وتالفيها صعب شديدواحذر احلذر

Page 41: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

جسائم تصرفك وتقلدمهم أمورك ووثائق تدبريك إال امرأ صالحه موصول بصالحك، وباء النعمة عليك هو .بقاء النعمة عليه

بسالمتك عطبه؛ فإن من كان أو أن تأنس أو تغتر مبن تعلم أن بصالحك فساده، وبارتفاعك احنطاطه، و .فبحسب ذلك فليكن عندك. هكذا فأنت ملك موته

أو أن جتعل مالك كله يف عقدة واحدة، أو حيز واحد، أو وجه منفرد، إن اجتاحته جائحة أو نابته نائبة " .اطلبوا األرباح بكل شعب " ، و " فرقوا املنية : " وقد قال بعض احلكماء. بقيت حسريا

ليس من األخالق اليت ذمتها احلكماء خلق إال وقد ينفع يف بعض احلاالت، ويرد به شكله، ويقام واعلم أنه .بإزاء مثله، ويدافع به نظريه

فاحلازم العادل . إنك ستمىن بصحبة السلطان احلازم العادل، وبصحبة السلطان األخرق اجلهول الغشومالعادل يعضدك منه ثالث، وتصرب نفسه . رفقيسوسه لك األدب والنصح، واألخرق تسوسه لك احللة وال

وإثابة - ويف ذلك صالح الرعية -تسليط العدل وإنفاذ احلكومة : فاللوايت يعضدنك: لك على ثالثواللوايت . احملسنني الذين إثابتهم حتصني البيضة والسبل، والعفو ما بلغ به االستصالح، واكتفى به من البسط

. ما وافق الرأي، وأمضى الرأي إال بعد التثبت حىت تعاونه عليه النصحاءاهلوى إىل: تصرب نفسه لك عليهنولكين أوصيك برياضة نفسك حىت تذللها على األمور احملمودة؛ فإن كل أمر ممدوح هو مما تستثقل

فإن أمهلتها وإياها غلبت عليك، ألهنا فيها طبيعة . ومما تسر به وتنقلب إليه األخالق املذمومة.النفوس .ة، وجبلة مفطورةمركب

فلتكن املساهلة يف أخالقك أغلب عليك من املعاسرة، واحللم أوىل بك من العجلة، والصرب احلاكم عليك .دون اجلزع، والعفو أسبق إليك من اجملازاة بالذنوب، واملكافأة بالسوء

يف أمورك فإنك إن وكذلك سائر األخالق احملمودة واملذمومة، فلتكن حمموداهتا غالبة على أفعالك، حمكمةضبطت ذلك، وقومت عليه نفسك، عشت رخي البال، قليل اهلموم، كثري الصديق قليل العدو، سليم

الدين، نقي العرض، حممود الفعال، مجيل األحدوثة يف حياتك وبعد وفاتك، وكنت مبوضع الرجاء أن يصل .اهللا لك السالمة اآلجلة بالنعمة العاجلة، إن شاء اهللا عز وجل

أل اهللا املبتدئ بكل نعمة، واملتوىل لكل إحسان، أن يصلي على حممد خريته من خلقه، وصفوته من بريته، أسوأن يتم عليك نعمته، ويشفع لك ما خولك من نعمته بالنعمة اليت يؤمن معها الزوال، يف جواره ومرافقة

.والسالم عليك ورمحة اهللا. أنبيائه

الرسالة الثالثة

وحفظ اللسان كتاب كتمان السر

بسم اهللا الرمحن الرحيم

Page 42: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أما بعد فإين قد تصفحت أخالقك، وتدبرت أعراقك، وتأملت شيمك، ووزنتك فعرفت مقدارك، وقومتك فعلمت قيمتك، فوجدتك قد ناهزت الكمال، وأوفيت على التمام، وتوقلت يف درج الفضائل، وكدت

يطمع فاضل أن يفوتك، وال يأنف شريف أن يقصر تكون منقطع القرين، وقاربت أن تلفى عدمي النظري، ال .دونك، وال خيشع عامل أن يأخذ عنك

ووجدتك يف خالل ذلك على سبيل تضييع وإمهال ألمرين مها القطب الذي عليه مدار الفضائل، فكنت قليل من أحق بالعذل، وأقمن بالتأنيب ممن مل يسبق شأوك، ومل يتسنم رتبتك؛ ألنه ليس ملوما على تضييع ال

قد أضاع الكثري، وال يسام إصالح يومه وتقومي ساعته من قد استحوذ الفساد على دهره، وال حياسب على الزلة الواحدة من ال يعدم منه الزلل والعثار، وال ينكر املنكر على من ليس من أهل املعروف؛ ألن املنكر إذا

.منكراكثر صار معروفا، وإذا صار معروفا صار املنكر املعروف وكيف يعجب ممن أمره كله عجب، وإمنا اإلنكار والتعجب ممن خرج عن جمرى العادة، وفارق السنة

من استوى : " ، وقيل" الكامل من عدت سقطاته : " وقيل" . خالف تذكر : " والسجية، كما قال األولمن يومه فذلك السعيد يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه خريا من غده فهو مفتون، ومن كان غده خريا

:ويف هذا املعىن قال الشاعر" . املغبوط وأنت اليوم خري منك أمس... رأيتك أمس خري بين معد

كذاك تزيد سادة عبد مشس... وأنت غدا تزيد الضعف خريا :وقال آخر يف معن

ودلو معروفك الربيع... أنت امرؤ مهك املعايل ب تحىن له الضلوعكالقل... وأنت من وائل صميم يشيعه عنك من يشيع... يف كل عام تزيد خريا

.وضع القول يف غري موضعه، وإضاعة السر بإذاعته: واألمران اللذان نقمتهما عليكعلى -وكيف وأنا ال أعرف يف دهري . وليس اخلطر فيما أسومك وأحاول محلك عليه بسهل وال يسري

ينتحل اخلاصة، وينسب إىل العلية، ويطلب الرياسة وخيطب السيادة، رجال واحدا ممن - كثري عدد أهله . ويتحلى باألدب ويدمي الثخانة والزماتة، واحللم والفخامة، أرضى ضبطه للسانه، وأمحد حياطته لسره

وذلك أنه ال شيء أصعب من مكابدة الطبائع، ومغالبة األهواء؛ فإن الدولة مل تزل للهوى على الرأي طول .اهلوى هو الداعية إىل إذاعة السر، وإطالق اللسان بفضل القولو. الدهر

ألنه يزم اللسان وخيطمه، -" هل يف ذلك قسم لذي حجر " - وإمنا سمي العقل عقال وحجرا، قال تعاىل ويشكله ويربثه، ويقيد الفضل ويعقله عن أن ميضي فرطا يف سبيل اجلهل واخلطأ واملضرة، كما يعقل البعري،

.وحيجر على اليتيموإمنا اللسان ترمجان القلب، والقلب خزانة مستحفظة للخواطر واألسرار، وكل ما يعيه من ذلك عن

.احلواس من خري وشر، وما تولده الشهوات واألهواء، وتنتجه احلكمة والعلمأن -د كيف هي على أنه ليس وعاء لألجرام، وإمنا يعي بقدرة من اهللا ال يعرف العبا - ومن شأن الصدر

Page 43: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مث ال يكاد أن يشفيه أن . يضيق مبا فيه، ويستثقل ما محل منه، فيستريح إىل نبذه، ويلذ إلقاءه على اللسانكل ذلك ما دام اهلوى مستوليا . خياطب به نفسه يف خلواته حىت يفضي به إىل غريه ممن ال يرعاه وال حيوطه

.القولعلى اللسان، واستعمل فضول النظر فدعت إىل فضول فإذا قهر الرأي اهلوى فاستوىل على اللسان، منعه من تلك العادة، ورده عن تلك الدربة، وجشمه مؤونة

.الصرب على ستر احللم واحلكمةوال شيء أعجب من أن املنطق أحد مواهب اهللا العظام، ونعمه اجلسام، وأن صاحبها مسؤول عنها،

استعماهلا يف ذكره وطاعته، والقيام بقسطه وحجته، ووضعها وحماسب على ما خول منها، أوجب اهللا عليه .ولفظة، وصرفها عن أضدادهامواضع النفع يف الدين والدنيا، واإلنفاق منها باملعروف لفظة

فلم يرض اإلنسان أن عطلها عما خلقت له مما ينفعه حىت استعملها يف ضد ذلك مما يضره، فاجتمع عليه اإلمثان اللذان اجتمعا على صاحب املال الذي كنزه ومنعه من حقه، فوجب عليه إمث املنع وإن كان مل يصرفه

. وهذه غاية الغنب واخلسران. فسق فوجب عليه إمث اإلنفاق فيهايف معصية، مث صرفه يف أبواب الباطل وال .نعوذ باهللا منها

فاحللم هو االسم . فاللسان أداة مستعملة، ال محد له وال ذم عليه، وإمنا احلمد للحلم واللوم على اجلهل، وإسقاط فليس قمع الغضب وتسكني قوة الشرة. اجلامع لكل فضل، وهو سلطان العقل القامع للهوى

طائر اخلرق بأحق هبذا االسم، وال أوىل هبذا الرسم، من قمع فرط الرضا وغلبة الشهوات، واملنع من سوء الفرح والبطر، ومن سوء اجلزع واهللع، وسرعة احلمد والذم، وسوء الطبع واجلشع، وسوء مناهزة الفرصة،

ألسف، وقرب وقت الرضا من وقت وفرط احلرص على الطلبة، وشدة احلنني والرقة، وكثرة الشكوى واالسخط، ووقت السخط من وقت الرضا؛ ومن اتفاق حركات اللسان والبدن على غري وزن معلوم وال

.تقدير موصوف، ويف غري نفع وال جدىمن إطالق اللسان بالقول - على ما فيه من املشقة -واعلم يقينأ أن الصمت سرمدا أبدا، أسهل مرارا

يل والتمييز، والقصد للصواب، ملا قدمنا ذكره من علة جماذبة الطباع؛ وألن من طبع على جهة التحصوهبذه اجلبلة اليت جبل عليها الناس نقلت األخبار عن املاضني إىل الباقني، . اإلنسان حمبة اإلخبار واالستخبار

احتالوا لنشر عن الغائب إىل الشاهد، وأحب الناس أن ينقل عنهم، ونقشوا خواطرهم يف الصخور، ووبذلك ثبتت حجة اهللا على من مل يشاهد خمارج األنبياء، ومل حيضر آيات الرسل، . كالمهم بصنوف احليل

وقام جميء األخبار عن غري تشاعر وال تواطؤ مقام العيان؛ وعرفت البلدان واألقطار واألمم والتجارات ريعة إىل قبول اإلخبار عن الرسل، وسلما والتدبريات والعالمات؛ وصار ما ينقله الناس بعضهم عن بعض ذ

.إىل التصديق، وعونا على الرضا بالتقليدولكن اهللا عز وجل حببها . ولوال حالوة اإلخبار واالستخبار عند الناس ملا انتقلت األخبار وحلت هذا احملل

والرقة على الولد إليهم هلذا السبب، كما جعل عشق النساء داعية للجماع، ولذة اجلماع سبيال للنسل، وحب الطعام والشراب سببا للغذاء، والغذاء -وهبما كان النشو والنماء - عونا على التربية واحلضانة

Page 44: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.سببا للبقاء وعمارة الدنيافعسر على اإلنسان الكتمان إليثار هذه الشهوة، واالنقياد هلذه الطبيعة؛ وكانت مزاولة اجلبال الراسيات

فاعتراه الكرب لكتمان السر، وغشيه لذلك سقم وكمد حيس به يف . ن جماذبة الطباععن قواعدها أسهل مسويداء قلبه مبثل دبيب النمل، وحكة اجلرب، ومثل لسع الدبر ووخز األشايف، على قدر اختالف مقادير

مثال " الصدر إذا نفث برأ: " ولذلك قيل. فإذا باح بسره فكأنه أنشط من عقال. احللوم والرزانة واخلفة " .وال بد من شكوى إذا مل يكن صرب : " وقيل. مضروبا هلذه احلال

حجة له على اهللا، ألنه طبع على حب النساء " طبع اإلنسان على حب اإلخبار واالستخبار " وليس قولنا ستخرب عنه، وكذلك حبب إليه أن خيرب باحلق النافع وي. ومنع الزىن، وحبب إليه الطعام ومنع من احلرام

.وجعلت فيه استطاعة هذا وذاك، فاختار اهلوى على الرأيومما يؤكد هذا املعىن يف كرب الكتمان وصعوبته على العقالء فضال عن غريهم، ما رووه عن بعض فقهائهم

رية أنه كان حيمل أخبارا مستورة ال حيتملها العوام، فضاق صدره هبا، فكان يربز إىل العراء فيحتفر هبا حفيودعها دنا، مث ينكب على ذلك الدن فيحدثه مبا مسع، فريوح عن قلبه، ويرى أن قد نقل سره من وعاء إىل

.وعاءوكان األعمش سيئ اخللق غلقا، وكان أصحاب احلديث يضجرونه ويسومونه نشر ما حيب طيه عنهم،

ثر واألقل، فإذا فعل ذلك ضاق صدره مبا وتكرار ما حيدثهم به، ويتعنتونه، فيحلف ال حيدثهم الشهر واألكفيه، وتطلعت األخبار إىل اخلروج منه، فيقبل على شاة كانت له فيحدثها باألخبار والفقه، حىت كان بعض

" .ليت أين كنت شاة األعمش : " أصحاب احلديث يقولامض واحللو حىت ما أكلت احل: وشكا هشام بن عبد امللك ما جيد من فقد األنيس املأمون على سره فقال

أجد هلما طعما، وأتيت النساء حىت ما أبايل أمرأة لقيت أم حائطا، فما بقيت يل لذة إال وجود أخ أضع بيين .وبينه مؤونة التحفظ

اللذة طرح : ففعل، فقال. تأمر شباب قريش أن خيرجوا عنا: ما اللذة؟ قال: وقال معاوية لعمرو بن العاص .املروءة

.رو، ما تكون الزماتة والوقار إال حبمل على النفس شديد، ورياضة متعبةوقد صدق عم :وقال بعض الشعراء

ل ال يتركون أدميا صحيحا... أمل تر أن وشاة الرجا فإن لكل نصيح نصيحا... فال تفش سرك إال إليك

يس حينئذ بسر، بل ذاك إذا جتاوز صدر صاحبه وأفلت من لسانه إىل أذن واحدة فل - أبقاك اهللا -والسر وهو مع . وإمنا بينه وبني أن يشيع ويستطري أن يدفع إىل أذن ثانية. أوىل باإلذاعة، ومفتاح النشر والشهرة

.قلة املأمونني عليه، وكرب الكتمان، حري باالنتقال إليها يف طرفة عنياحلديث به أعذر، واحلجة عنه وصدر صاحب األذن الثانية أضيق، وهو إىل إفشائه أسرع، وبه أسخى ويف

Page 45: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.أدحض .مث هكذا منزلة الثالث من الثاين، والرابع من الثالث أبدا إىل حيث انتهى

هذا أيضا إذا استعهد احملدث واستكتم، وكان عاقال حليما، وناصحا وإذا، فكيف إذا أخرب ومل يؤمر وكان ممن ينطوي على غش أو شحناء، أو كان له بالكتمان، وكان ممن ميشي بالنمائم وحيب إفشاء املعايب،

.يف إظهاره اجتالب نفع أو دفع ضررفاللوم إذ ذاك على صاحب السر أوجب، وعمن أفضى به إليه أنزل؛ ألنه كان مالكا لسره فأطلق عقاله،

ره، وملكه رق وفتح أقفاله، وسرحه فأفلت من قيده ووثاقه، وصار هو العبد القن اململوك ملن ائتمنه على سوقل من حيسن . رقبته؛ فإن شاء أحسن ملكته حلفظ ذلك السر فجز ناصيته، وجعله رهينة ليوم عتبه عليه

وإن أساء امللكة وختر . امللكة، وحيرس احلرية أو يضبط نفسه؛ فإنه رمبا مل خيرجه غشا فأخرجه سخفا وضعفاله إضاعة، فسفك الدم وأنال النعم وكشف العورة وفرق بني األمانة فأطلق السر واسترعاه من هو أشد

:قال الشاعر. اجلميع، وإن كان املضيع لسره ألوم فصدر الذي يستودع السر أضيق... إذا ضاق صدر املرء عن سر نفسه

لغريه، فمن أسوء حال، وأخسر مكانا، وأبعد من احلزم، ممن كان حرا مالكا لنفسه فصير نفسه عبدا مملوكا .والعبيد مل يصربوا على الرق إال بذل األسر والسباء! خمتارا للرق، من غري أسر وال قسر

ومن كان سره مصونأ يف قلبه يطلب إليه يف احلديث به فأخرجه عن يده، صار هو الطالب الراغب إىل من كانت إذاعته ألسراره أكثر كان وكلما. ال يوجب له طاعة، وال يفكر له يف عاقبة، وال يتحرز له من مصيبة

فإذا كان أصل السر معلوما عند عدة أو أقل من العدة، فما . عدد مواليه أكثر، وشقاؤه خبدمتهم أدوم .غري أنه ال لوم على صاحب اخليانة فيه إذا كان ليس هو الذي أفشاه، وال من قبله علم. أعسر استتاره

ن سره وقلل لفظه، ما قدر على أن ميلك حلظ عينيه، وسحنة ولو أن أوزن الناس حلما ملك لسانه وحصوجهه، وتغري لونه، وتبسمه أو قطوبه، عند ما جيري بلبه من ذكر ذلك السر، أو خيطر بباله منه، فيبدو يف

وجهه وخمالبه إذا عرض بذكره، أو سنح له نظري أو مثيل، أو حضر من له فيه سبب إال بعد التصنع .والتحفظ املفرط الشديد،

فإذا كان يعرف من هذه اجلهات وماأشبهها، ويطلع عليها بتظنن املرجمني، واملتعقبني لألفعال واألقوال، فكيف . والنظر يف مصادر التدبري وخمايل األمور، فيفشو من هذه اجلهات أكثر مما تفشيه ألسن املذاييع البذر

.لب، والعادة أملك باألدبإذا أطلق به اللسان، وعود إذاعته القورمبا أدركه احلدس، وقيضه الظن، فنالت صاحبه فيه خدعة، بأن يذكر له طرف منه، ويوهم أنه قد فشا

.وشاع، فيصدق الظن فيجعله يقينا، ويفسر اجلملة فيصيرها تفصيال، فيهلك نفسه ويوبقهاا فيه الضرر منه،بسحاءة أو طابع، أو حلظة مطلع يف ورب كالم قد مأل بطون الطوامري قد عرف مجلته وم

.الكتاب، أو حرف تبين من ظهرهفاستيقظ عند هذه األحوال، واستعمل سوء الظن جبميع األنام؛ فإنه روي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه

.بسوء الظن: وامب بلغتم من الشرف والسؤدد؟ قال: وقيل لثقيف" . احلزم سوء الظن : " قال

Page 46: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:فال تعتمد على رجل يف سرك حتمد عقله دون أن حتمد وده ونصحه؛ فإن األمر يف ذلك كما قال الشاعر وال كل مؤت نصحه بلبيب... وما كل ذي لب مبؤتيك نصحه

اج عنده ولقد استحسن الناس من بعض رجال العراق أنه دخل على عبد امللك بن مروان فأوقع باحلجما يؤمنك أن خيرب أمري : وسبه، فلما خرج من عنده خبر مبا كان منه لبعض أصحابه، فالمه وأنبه وقال

كال، واهللا إين ما : فيضغنه عليك؟ قال - ومرجعك إىل العراق - املؤمنني عبد امللك احلجاج مبا قلت فيه .رطلت يدي قط أحدا أرزن منه

الغلط البني، والعذر امللفق، وحتسني فارط اخلطأ؛ ألنه ليس كل راجح وعاقل -أبقاك اهللا - هذا واهللا واألعلى من الناس ال يكلف . بناصح لصاحب السر، ولو كان أخوه كذلك كان أمره إليه أهم، وشأنه أوىل

.ماألدىن هذه املؤونة، وإمنا يفعلها األدنون باألعلني رغبة ورهبا، وحتسنا عندهم حباجتهم إليهفالسر . وأكثر ما يذيع أسرار الناس أهلوهم وعبيدهم، وحاشيتهم وصبياهنم، ومن هلم عليهم اليد والسلطان

وهذا سبيل كل سر يستودعه اجللة . الذي يودعه خليفة يف عامل له يلحقه زينه وشينه، أخرى أال يكتمه .والعظماء، ومن ال تبلغه العقوبة وال تلحقه الالئمة

.ليكن أصدقاؤك كثريا، وصاحب سرك واحدا من ألف: بن داود يف حكمتهوقال سليمان وليس معىن احلديث أن تعد ممن تعرف ألفا وتقضي إىل واحد بسرك إن مل يكن ذلك الواحد موضعا لألمانة

وكقول رسول اهللا صلى اهللا عليه . رجل يساوي ألف رجل، ورجل ال يساوي رجال: لكنه قيل. يف السر " .الناس كإبل مائة ال يوجد فيها راحلة " :وسلم

فكل ذلك يراد به أن الفضل قليل والنقص قليل ال على نسب ما يتلقاه االجتماع من هذه األعداد؛ ألنا قد .جند الرجل يوزن باألمة، وجند األمة ال تساوي قالمة ظفر الرجل

ثق حبلمه وعقله، وأمانته ونصحه، ومن ال ضرر عليه سيما من يو - فإذا كان من تقع عليه الشريطة معدوما وال نفع له يف السر الذي يضمر وال حيرم عليه كتمانه، ومن قد وأى على نفسه بالسر واحلفظ؛ فإنه ليس

كل من ضمن فلم يضمن ضامنا، وال من استودع فلم يقبل مستحفظا، وال من استخلف فلم خيلف خائنا، ال تودعن سرك : فكأن القوم قالوا -مد والذم؛ واألجر واإلمث إذا ضمن األمانة مث خترها وإمنا يلحقه احل

:وإال فمىت جتد رجال فيه الصفة اليت وصف هبا مسكني الدارمى نفسه حيث يقول. أحدا أنوء بأخالق قليل خداعها... إين امرؤ مني احلياء الذي ترى

على سر بعض غري أني مجاعها ...أواخى رجاال لست أطلع بعضهم إىل صخرة أعيا الرجال انصداعها... يظلون شىت يف البالد وسرهم

.أجعل قليب له قربا أدفنه فيه إىل يوم النشور: كيف كتمانك للسر؟ قال: وقيل لرجل .وأكتم السر فيه ضربة العنق: وقال اآلخر

واملغرور من اغتر مبا يعده الواعد منها دون أن يبلو . عالوهذه صفات موجودة باألقوال، معدومة باألف .اخلرب

Page 47: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أن من يفضى إليه بالشيء، يبلغ من إذاعته ونشره ما ال يبلغه الرسول املستحفظ : والذي جربناه ووجدناهللبالغة املعين بتبليغ الرسالة، احملمود اجملازى على أدائها؛ حىت رمبا كان يبلغ يف اإلذاعة ملن أرادها أن يقصد

من الرجال، املعروف بالنميمة والتقتيت، فيومهه أنه قد استحفظه السر،فيشيع على لسانه كما يشيع الضوء .يف الظلمة

مجيل : من أمن أهل مكة؟ قيل له: وهذا فعل عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه حني أحب أن يشيع إسالمه فقاليكتمه عليه، فلم يمس ومبكة أحد مل يعلم بإسالم عمر، رضي فأتاه فأخربه بإسالمه وسأله أن. بن النحيت .اهللا عنه

مث يكون من أكثر األعوان على إظهار السر االستعهاد له، والتحذير من نشره؛ فإن النهي أغرى؛ ألنه تكليف مشقة، والصرب على التكليف شديد، وهو حظر، والنفس طيارة متقلبة، تعشق اإلباحة وتغرم

.طالقباإل .غرى بأن يفعل - وهو مل ميسحها به قط - ال متسح يدك هبذا اجلدار : ولعل رجال لو قيل له

وكذلك ما حدث به من السر فلم يؤمر بستره، لعله أال خيطر بباله؛ ألنه موجود يف طبائع الناس الولوع .بكل ممنوع، والضجر بكل حمصول

أحرص منه على ما أبيح من غري علة - وإن كان ال ينفعه - ا منع مل صار اإلنسان على م: فنريد أن نعلموال سبب إال امتهان ما كثر عليه، واستطراف ما قل عنده؟ ومل أقبل على من ولى عنه وولى عمن أقبل

:إذا جدت املسألة جد املنع؟ وقال الشاعر: قالوا. عليه؟ ومل ف مثل الردوليس للملح... احلر يلحى والعصا للعبد

ومل صار يتمنى الشيء وينذر فيه النذور، ويتقطع إليه شوقا، فإذا ظفر به صد عنه وأخلق عنه؟ ومل زهد امللوك فيما يف أيديهم ورغبوا فيما يف أيدي الناس؟

فكان .إن اهللا تبارك وتعاىل جعل لكل نفس مبلغا من الوسع ال ميكنها جتاوزه، وال تتسع ألكثر منه: فنقولوهبذا ومبثله من ومن . معها فيما دون الوسع الفقر وخوف اإلخوان، وفيما جتاوزه عز الغىن وأمن العدم

وجعلها تواقة مشتاقة، متطرفة ماللة، . البخل واحلرص استخفت من احتاج إليها، وأعظمت من استغىن عنهاولوال هذه . وصربها من جزعها كثرية النزاع والتقلب، تستحكم عليها الفتنة، ويبلى خريها من شرها

اخلالل سقطت احملن، فهي تعظم القليل بالضرورة إليه إن كان من أقواهتا، أو لشدة النزاع والشوق إن كان وتتعجب من . من طرف شهواهتا؛ فإن صنوف الشهوات كثرية، ولكل صنف منها أهل ال حيلفون مبا سواه

أنه إذا كثر الغريب صار قريبا، وإذا جتاوز املطلوب مقدار إال . الغريب النادر، ويضحكها البديع الطارئوأعظم األشياء عندها قدرا ما اشتد . وسعها وحاجاهتا فصار ظهريا وفضال استخفت به وقل يف أعينها كثريه

وجعل ملا تتوق إليه . إليه الفقر واحلاجة وإن قل قدره، وأهوهنا عليها ما استغىن عنه وإن عظم خطرهفإذا امتأل ذلك املكان سرورا، وقضى ذلك األرب وطرا مما كان طمح إليه، . مكانا من قواها، لهوتشتاقه

.وروى مما كان ظامئا إليه، انصرف عنه وقاله، وحال عشقه بغضا، وشوقه مالال

Page 48: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

واحدة، والعلة يف ذلك أن الدنيا دار زوال ومالل، ليس يف كياهنا أن تثبت هي وال شيء مما فيها على حالفالسآمة تلحقها يف حمبوهبا، كما يصيب املنتهي من الطعام والشراب والباه، . وإمنا الثبوت الدائم لدار القرار

فإنه ليس شيء أبغض إىل من يتناهى فيه إىل غايته، من النظر إىل ناحيته، فضال عن مالبسته، إىل وقت عودة .السبب األول

سة قوة، فإذا امتألت تلك القوة من حمسوسها مل جتد هلا وراءه طعما فإذا كانت الطبائع تتشابه، ولكل حافبعض النظر يعمى، والصوت الشديد يصم، والرائحة املنتنة تبطل املشم، . وال رحيا، وعاد عليها الضرر

.واألطعمة احلارة احملرقة تبطل حاسة اللساناجلماع والسماع، وبني من هو مغموس فيه وتتطرف كل واحدة منها؛ فبني الطيب عند من بعد عهده به، و

كل ذلك ما مل يأت املال والعلم؛ فإنه كلما كثر كان أشهى . بون بعيد جدا، يف احلالوة وحسن املوقعوأعجب؛ ألن قصد الناس له ليس لطلب مقدار احلاجة وسد اخللية كما يريده أهل القناعة والزهادة، وإمنا

.د له وال هناية؛ ألنه سعى ال حلاجة، وإيضاع ال لبغيةيراد لقمع احلرص، واحلرص ال حوال ميأل . لو أن البن آدم واديني من ذهب البتغى إليهما ثالثا: " وهكذا قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

" .جوف ابن آدم إال التراب :وقال بعض احلكماء

فكل ما يف األرض ال يغنيه... من كان ال يغىن مبا يغنيه :وقال الشاعر" . وإنه حلب اخلري لشديد : " وقال" . وحتبون املال حبا مجا : " ال اهللا عز وجلق

فعيوهنم يف ذاك ال تشبع... والناس إن شبعت بطوهنم أرض من مطر، وعني من نظر، وأنثى من ذكر، وعامل من : ال يشبع أربع من أربعة: " فأما احلديث الذي جاء

فأما من صنف مما يراه دون . ال تشبع يف اجلملة كما ال يشبع اخليشوم من االستنشاقفإن العني " . علم .صنف، فإنه يشبع ويروى، ويصدف إىل غريه

وأما العلم فإنه أوسع من أن حياط به، فمن طلبه لشرفه وفخره فإنه ال حد له وال هناية، ومل يزدد له طلنا إال على أنه ال ميلك من كثر علمه أن . فايته وحاجته كفاه منه اليسريومن طلب منه مقدار ك. ازداد فيه رغبة

.ومتل العني أيضا منه ومن املال. وقد ميل كما ميل كل شيء. يرى فيه الغىن والكربياء أيضاوهذه القضية تدل على اخلروج عن العقل؛ ألن النهم جتاوز . طالب علم وطالب دنيا: اثنان منهومان: وقيل .القدروما مل . حلرص على املمنوع الذي ال ينتفع به، والعجب مما يتعجب من مثله، فليس من أخالق العقالءوأما ا

يكن يف أخالقهم فال نظر فيه وال قياس عليه، وإمنا ذلك فعل من استوحش من احلجة، وشرد عن علم العلل .واألسباب

ملغمور، واألشنع األبلق، مثل سر األديان وإفشاء السر إمنا يوكل باخلرب الرائع، واخلطب اجلليل، والدفني اومثل سر امللوك يف كيد . لغلبة اهلوى عليها، وتضاغن أهلها باالختالف والتضاد، والوالية والعداوة

Page 49: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أعدائهم ومكنون شهواهتم ومستور تدبرياهتم، مث من يليهم من العظماء واجللة؛ لنفاسة العوام على امللوك، مث . نهم إليها سامية، وقلوهبم هبا معلقة، ورغباهتم ورهباهتم إليها مصروفةوأهنم مساء مظلة عليهم، أعي

عداوات اإلخوان؛ فإمنا صارت العداوة بعد املودة أشد الطالع الصديق على سر صديقه، وإحصائه معايبه، ة، ورمبا كان يف حال الصداقة جيمع عليه السقطات وحيصي العيوب، وحيتفظ بالرقاع؛ إرصادا ليوم النبو

.وإعادا حلال الصرمية :وقد شكا بعض امللوك تنقيب العوام عن أسرار امللوك فقال

ما ينام الناس عنا... ما يريد الناس منا ض لكانوا حيث كنا... لو سكنا باطن األر

ينشروا ما قد دفنا... إمنا مههم أن عايب، واستحالل الغيبة، ظاهرا ومل نرى حب الطعن على امللوك، والتجسس على أخبارهم، وعشق نشر امل

يف طباع الناس ال يكاد ينجو منه أحد منهم إال من رجح حلمه وعظمت مروءته، وظهر سودده، واشتد " .الغيبة فاكهة النساك : " ورعه، حىت قال بعضهم

" .الفاسق ال غيبة له : " ورووا عن بعضهم أنه قال " .يعرفه الناس أترعون من ذكر الفاسق؟ اذكروه: " وقال آخر

ومل نر اهللا جل ثناؤه رخص يف اغتياب مؤمن، بل ضرب املثل فيالغيبةبأكره ما تكرهه النفوس، وما ختتار منه وال جتسسوا وال يغتب بعضكم بعضا أحيب أحدكم أن يأكل حلم أخيه ميتا : " املوت على احلياة، فقال

" .فكرهتموه كم، وسقوط يف اهلمة، وسخافة يف الرأي، ودناءة يف القيمة، وكلفة واغتياب الناس مجيعا خطة جور يف احل

عريضة، وحسد ونفاسة، قد استحوذت على هذا العامل وغلبت على طبائعهم، وتوكدت لسوء العادة إما ناظر . فلست ترى منها ناجيا. عندهم، ولعلو الشر على اخلري، وكثرة الدغل والنغل واحلسد يف القلوب

وإما ناظر بعني البغضاء والعداوة فهو كثريا . وإنصاف، فهو يرى ما ينكر فيبدو يف وجهه ولسانهبعني عدل وإن عدم احلق تقول وقبح . ما جيد من العيوب يف عدوه ما يعينه على التخرص عليه فيقويها ويزيد فيها

.احلسن، وزاد يف قبح القبيح .و وخطل، وهجر وهذاع، وغيبة ومهز وملزذكر الناس، ولغ - إال ما بال به - واحلديث كله

.يا بىن، إمنا اإلنسان حديث، فإن استطعت أن تكون حديثا حسنا فافعل: وقال بعض احلكماء البنهوكل سر يف األرض إمنا هو خرب عن إنسان، أو طى عن إنسان، فله يف الغيبة أكثر احلظ، وجلها كلفة ال

أمهل حماسبة نفسه، وغفر ذنوهبا وألغى عيوهبا، وقصد قصد غريه، فتشاغل ضرورة، يرى صاحبها أنه قد . عما يعنيه مبا ال يعنيه، فأنكر أقواله وأفعاله، وهجر تدبريه، وتعجب من مقاحبه، وجهد نفسه يف تفقد أموره

لى ما عىن به ليس ذلك عن عناية بصالحه، وال حمبة لتقوميه وهتذيبه، وال أنه مسيطر عليه وال حممود عنده ع .من شأنه، بل هو عنده عني املذموم

.وهذا جل حديث البشر وشغلهم يف الليل والنهار

Page 50: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.فضول النظر تدعو إىل فضل القول، وفضول اخلواطر تبعث على اللهو واخلطل: قال بعض احلكماءم العدل يف أموره، ولو حك. ولو كان الرجل ال يتكلم إال مبا يعنيه، وال يتكلف ما قد كفيه، قل كالمه

وفيما بينه وبني خالقه، وبينه وبني إخوانه ومعامليه، لطاب عيشه وخفت مؤونته واملؤونة عليه؛ فإن اهللا تبارك وتعاىل مل خيلق مذاقا أحلى من العدل، وال أروح على القلوب من اإلنصاف، وال أمر من الظلم، وال

.أبشع من اجلورومن استعمل العدل دله على أن الناس " . يعرف الظلم من حكم به عليه إمنا : " وقال بعض املتقدمني

.جيدون من طعمه وطعم الظلم إذا فعله هبم مثل الذي جيد إذا ظلم، فكره هلم ما لنفسه، فأنصف ومل يظلمأطلق هلم وقد - ويتظامل الناس فيما بينهم بالشره واحلرص املركب يف أخالقهم، فذلك احتاجوا إىل احلكام

.اليت ردت إليهم باألحكام فيها، ما جنايته عليهم أكثر مما يطالبهم به اخلصوم -تصريف أخالقهم وأماناهتم

أما . إن من أصعب األعمال إنصافك يف نفسك، ومواساتك أخاك يف مالك، وذكر اهللا: وقال بعض احلكماءولكن ذكره عند ما - وإن ذلك مل ذكر اهللا - إين ال أعىن قول سبحان اهللا، واحلمد هللا، وال إله إال اهللا

.يعرض من األمور، فإن كان طاعة هللا فعلته، وإن كان معصية هللا اجتنبتهرجل مل يعب أخاه بعيب فيه مثله : ثالثة يف ظل عرش اهللا يوم ال ظل إال ظله: " وروي عن بعضهم أنه قال

. يهجم عاى آخر، فتشغله عيوبه عن عيوب الناس حىت يصلح ذلك العيب من نفسه؛ فإنه ال يصلحه حىتأيف طاعة اهللا هو أم يف معصيته؟ ورجل مل يلتمس من الناس إال مثل : ورجل مل يقدم يدا وال رجال حىت يعلم

" .أما حتبون أن تنصفوا . ما يعطيهم من نفسهضل من ماله وأمسك الفضل من قوله، رحم اهللا عبدا أنفق الف: " وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

" .وشغله عيبه عن عيوب الناس يا بين إسرائيل أيرى أحدكم القذاة يف عني أخيه ويغىب عن اجلذع املعترض يف عينه : " وقال عيسى بن مرمي

. " .تركي ما ال يعنيىن: ما أفضل أعمالك؟ قال: وقيل لعيسى بن مرميتركي ما ال يعنيىن، ودرهم من حله، وأخ إذا احتجت إىل ما يف : لأعيتىن ثالث خال: وقال عمرو بن عبيد

.يديه بذله يلوما أحق من أحصيت ألفاظه وليس من قول يبدر منه إال لديه رقيب عتيد، ومن أحصيت عليه مثاقيل الذر

.واستشهد عليه جلده وجوارحه أن يضبط لسانه .عمله قل كالمه إال فيما ال يعنيه من عد كالمه من: وقد جاء يف بعض اآلثار

وقال اهللا جل ثناؤه . وكل امرئ فحسيب نفسه، غري مأخوذ بغريه، وهو الوحيد دون األهل والولد والقرابةيا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم : " وقال" . كل امرئ مبا كسب رهني " -وقوله احلق -

" .من ضل إذا اهتديتم .ألمر باملعروف والنهي عن املنكر إال مع السيف والسوطوليس ا

Page 51: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.اللسان والسيف: شيئان ال صالح ألحدمها إال باآلخر: وقال بعض احلكماءوأنت إذا تأملت أكثر ما يتناجى به املتحدثون وجدت أكثر السائلني يسأل عما ال يعنيه، ويكترث ملا ال

: اجمليبني جييب ومل يسأل، ويتكلف ما ال يعلم، ولو قال له قائليكرثه، ويعىن مبا ال ينفعه وال يضره؛ وأكثر قل ما أسألكم عليه من أجر : " قال اهللا عز وجل. من سألك الفتضح، ولو حاجه فيما ادعى ووقفه النقطع

" .وما أنا من املتكلفني بها يف التراب، فقال له ومر هشام بن عبد امللك ببعض أهل الكلفة والفضول، وعليه حلة ذيالة يسح

وما : قال. ليتك ألقيته يف النار: وما يضرك من ذلك؟ قال: قال. يا هذا، إنك قد أفسدت ثوبك: املتكلف .ينفعك من ذلك؟ فأفحمه غاية اإلفحام

ولو هتيأ للمتكلفني يف كل وقت مثل صرامة هشام الزدجر من به حياء منهم، ولقلت الفضول والكلف .والغيبةوليس من أحد أذل من مغتاب؛ ألنه خيفي شخصه، ويطامن حسه، ويغض من صوته؛ وال يزيد مبا : قالوا

.يناله من ذلك إال بأن يرفع من قدر خصمه ويعظم من شأنه .أتدرى من النبيل؟ هو الذي إذا رأيته هبته، وإذا غاب عنك اغتبته: قال معاوية

.وامللوك عند الرعية، والسادة عند العبيد وهي لعمري سبيل العظماء عند العوام، .فلم يأخذ املغتاب ممن اغتابه شيئا بعضيهته إياه إال والذي أعطى من اهليبة عند حضوره أكثر منه

ولكن اللؤم املتمكن منه حيمله على . ولو كان املغتاب ال يستتر من الغيبة إال ممن خياف سطوته، كان أعذر .عن كفئه ونظريهاغتياب عبده وأمته، فضال

ويغتاب الرجل عند عدوه واملشاحن له، مساعدة له بالسخف، وتقربا إليه باملهانة والضعف، من غري أن .يكون له عليه طول، أو يلتمس منه ما تقرب به إليه جزاء أو شكورا

نده أيضا مثل ذلك مث لعله ينكفي إىل الذي اغتابه وقصبه من ساعته ويومه، فيعطيه يف عدوه الذي اغتابه عوأكثر منه ، ال لعلة أيضا وال مرفق وال ربح أكثر من الذلة اليت جيدها يف نفسه، والضعف يف منته، كما

يعظم الغين بغري مثن، وحيتقر الفقري بغري سبب، فمىت كوشف أو عوتب لبسته ذلة أخرى من الكظة باملعاذر ومن كانت هذه دربته فهو حرى أن يطلع على دخلة أمره، فال يقبل . الفاجرةالكاذبة، واالعتصام باألميان

.منه عذر، وال يصق يف قول وال حلف، وقد تسربل الذلة، وتدرع اخلضوع

وليس من سوس النفس الكرمية الشهمة، أن تلقى الناس خبالف ما يتخلقون به مل مل تأت ضرورة حيتاج أو مكر وحيلة، ويثار بالغيبة فيها الرأي األصيل من مكانه، فيفعل ذلك العاقل فيما حيل فيها إىل كيد وغيلة،

.له وحيسن به، بعد أن تعييه احليلة يف استصالح ذلك العدو بالرفق واملالينة، لكثرة النطف يف الناس، وضعف أنفسهم على اإلقرار بالذنب، فال " قل من اعتذر إال كذب : " وإمنا قيل

الضعف الثاين يف االعتذار هنت عن كلفة الضعف األول يف االغتياب، وال كلفة الضعف األول صانت ذلة .عن ذلة الضعف الثاين

Page 52: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وعلى أن أكثر من يعتذر إليه ليس بقابل للعذر على حقيقة وإن أظهر القبول، ملا جرب من سخاء الناس .ة واضحة، ودليل شاهد عدلباألميان، وبعدهم من اإلقرار بالذنب ما مل تأت حج

أن ال يعتذر إال إىل من -إن كانت يف نفسه قيمة -وإذا كانت هذه سبيل املعتذر إليه فيحق على املعتذر .حيب أن جيد له عذرا، وال يعجل إىل املين وهو ال جيد للحجة مكانا

.لسلطانهوأكثر من يعتذر إليه إمنا يفعل ذلك به خوفا من سقطته، وإبقاء واملتفقهون يتأولون يف األميان السلطانية ما يلحق هبا عند السلطان التهمة، ويلزمهم الظنة، سيما يف األمور

.اليت يف اإلقرار هبا إباحة الدم واملال، وهتك الستر وال حسم هلذا الداء إال باطراح الفضول، وسالمة اللسان من أن يلغ يف األعراض، ويستسر بالعضيهة

.والبهتومن مل يسلم الناس " . املسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده : " قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

.منه فليس ساملا من نفسه .احرس أخاك إال من نفسه: وقال القائل

.مقتل املرء بني فكيه: وقالوا .احفظ رأسك: وكتب على بعض أبواب املدن بالسند

صل النصال إىل اإلخوان فتستخرج، وأمثال النصال من القول إذا وصلت إىل القلب مل قد ت: وقال األول .تستخرج أبدا

وقال هبرام، ومسع يف الليل صوت طائر فتحداه بسهم وهو ال يراه، إال أنه تتبع الصوت فصرعه، فلما صار .حق بطول سجن من لسانما شيء أ: وقيل! والطري أيضا لو سكت كان خريا له: بني يديه قال

وقال رسول اهللا صلى ! خبري إن تركتنا: كيف أننت؟ فيقلن: يسأل اللسان األعضاء يف كل يوم فيقول: وقيل " .وهل يكب الناس على مناخرهم يف النار إال حصائد ألسنتهم : " اهللا عليه وسلم ملعاذ بن جبلفمن كان منطقه يف غري ذكر اهللا . ق، والنظر، والصمتاملنط: أعمال الرب ثالثة: " وقال عيسى عليه السالم

" .فقد لغا، ومن كان نظره يف غري اعتبار فقدسها، ومن كان صمته يف غري تفكر فقد هلا فانظر بأي األمرين قطعت عمرك؟ أباحلكمة أم باللغو؟ وانظر كيف وصف اهللا تعاىل من أثىن عليه خبري من

وإذا : " ، وقال" وإذا مسعوا اللغو أعرضوا عنه : " ، وقال" لغو معرضون والذين هم عن ال: " عباده فقال. ال يسمعون فيها لغوا وال تأثيما: " وصان عنه أمساع أهل اجلنة وألسنتهم فقال" . مروا باللغو مروا كراما

" .إال قيال سالما سالما " .ة عشرة أجزاء، تسعة منها يف الصمت العباد: " وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

" .أفضل العبادة الصرب وانتظار الفرج : " وقال علي بن أيب طالبلو مل يكن للصامت يف صمته إال الكفاية ألن يتكلم بكالم ويحكى عنه حمرفا فيضطر : وقال بعض احلكماء

اره إقرارا، واعترافه مبا حكى عنه شاهدا فيكون إنك. ليس هكذا قلت، إمنا قلت كذا وكذا: إىل أن يقول .ملن وشى به، وادعاء لتحريف غري مقبول منه إال أن يأيت ببينة له لكان ذلك من أكثر فضائل الصمت

Page 53: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ورمبا ذكر رجل اهللا تبارك وتعاىل، فكان ذلك الذكر إمثا له، ألنه قد يدخله يف باب تفخيم الذنب احلقري بل رمبا ضحك وتبسم، فأغرى . فيسفك الدم احلرام، أو يعظم اجلرح الصغريواإلغراء والتحريض، :قال بعض الشعراء. وحرض، وأمث وأوبق

جماهرة أو قال عندي يف سر... فإن شئت أدىل فيكما غري واحد ضحكت له حىت يلج ويستشرى... فإن أنا مل آمر ومل أنه عنكما

" .شر لقلقه وذبذبه وقبقبه فقد كفي الشر من كفي: " وقالت العرب

وهو كثري موجود . وهذا باب لوال أن نشغل القارئ هلذا الكتاب بغري ما قصدنا إليه وعزمنا عليه ألتينا عليهوإال فإنك إذا . ملن طلبه، ومجلة واحدة فيها كفاية؛ فإمنا ختتلف األلفاظ اليت تجعل كسوة لتلك املعاين

كحرب بكر وتغلب ابىن وائل، . ىل مجيع شرور الدنيا وجدت أوهلا كلمة عارت فجنت حربا عونانظرت إوعبس وذبيان ابىن بغيض، واألوس واخلزرج ابىن قيلة، والفجار األول والثاين، وعامة حروب العرب

.والعجم .بدرت منه وإذا تأملت أخبار املاضني مل تحص عدد من قتله لسانه وكان هالكه يف كلمة

وليس العجب ممن أفضى بسره إىل من ليس له مبوضع، ممن تقدمت معرفته وزالت الشكوك عنه يف أمره؛ ولكن العجب عني العجب ممن استنام بسره إىل من مل تقدم معرفته ومن أنس إليه عن اللقاءة واللقاءتني،

يف أول وهلة وغبن عقله قبل أن يغبن دينه وماله، دون معرفة العني واالسم، والسبب والنسب، فاخندع وتضاعفت عليه البلية بطول احلسرة؛ فإن البالء عارض ومكتسب، فكان العارض السماوى وما خولته

وصواب تدبريه فيه أسهل وأيسر على العاقل . األقدار سرا بعد اجتهاد صاحبه رأيه، وحيلته يف طلب اخلريوإمنا الكرب الالزم والداء العياء ما اجتمع على صاحبه . ب، وإن كان كل مكروه مرا بشعااملعتاد للصوا

مع الفجيعة واحلاجة، والنقص والذلة، غم الندامة واألسف على ما فرط منه؛ إذ كان اجلاىن على نفسه .بيده

- مما قدمنا ذكره يف الكتاب -هذا ومثله وهلذا الكالم نظر نكره التطويل به، واملعىن واحد، وإمنا حنتاج من .وإىل هذا أجرينا، وله قصدنا. إىل حفظ السر ووزن القول

ولو اقتصرنا يف هذا الكتاب على حرف مما فيه، لكان بإذن اهللا كافيا ملن له لب وعقل، لكن االحتجاج أوفر منه ملن قاله ومل يعمل بقوله؛ أوكد، واإليضاح أبلغ، واحلظ يف هذا القول كله ملن عقله واآلخذ به،

ألنه إمنا جيتىن مثرة الصواب، وخيتلف برفقه من صدق قوله بفعله؛ فإن احلكمة قول وعمل، وإمنا حظ القائل إىل أن - ما مل يستعمل علمه وقوله حظ الواصفني؛ وحسن الصفة يزول بزواهلا، وينقطع بانقطاعها؛ ومدهتا

.يسرية - ع ميلها القائل والسامواألفعال احملمودة متصلة النفع والشرف والفضيلة يف احلياة وبعد الوفاة، ومذخور لألعقاب، وحديث

وأكثر من ذلك كله توفيق اهللا وتسديده؛ فإن القلوب يف يده، . مجيل، ونشر باق على مر اجلديدين .وحسبنا اهللا ونعم الوكيل. واخلريات مقسومات من عنده

Page 54: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

واهللا . كتمان السر من كالم أيب عثمان عمرو بن حبر اجلاحظ، بعون اهللا وتأييده، ومشيئته وتوفيقه مت كتاب .املوفق للصواب برمحته

.واحلمد هللا أوال وآخرا، وصلواته على سيدنا حممد نبيه وآله الطيبني الطاهرين وسالمه

الرسالة الرابعة

كتاب فخر السودان على البيضان

ن الرحيمبسم اهللا الرمح

.توالك اهللا وحفظك، وأسعدك بطاعته، وجعلك من الفائزين برمحتهأنك قرأت كتايب يف حماجة الصرحاء للهجناء، ورد اهلجناء، وجواب - أعاذك اهللا من الغش -ذكرت

.فاعلم حفظك اهللا أين إمنا أخرت ذلك متعمدا. أخوال اهلجناء، وأين مل أذكر فيه شيئا من مفاخر السودان .وذكرت أنك أحببت أن أكتب لك مفاخر السودان، فقد كتبت لك ما حضرين من مفاخرهم

ال يقرب العنز : إن الوئام يتترع يف مجيع الطمش: قال الفرز عبد فزارة وكانت يف أذنه خربة: قال األصمعى .الضأن ما وجدت املاعز، وتنفر الشاة من املخلب وال تأنس باخلف

" .لوال الوئام هلك اإلنسان : " النحويوأنشد أبو زيد لسيد : ملن أنت يا سوداء؟ قالت: قلت ألمة سوداء بالبادية: -وكان خطيبا عاملا - وقال شداد احلارثي

: قالت. ما أغضبك من احلق: أو لست أصلع؟ قلت: قلت أو لست سوداء؟ قالت: قال. احلضر يا أصلع .ب، وألن تتركه أمثلاحلق أغضبك، ال تشتم حىت تره

.لقد كلمتها وأنا أظن أني أيف بأهل جند، وما نزعت عني إال وأنا عند نفسي ال أيف بأمتي: وقال شدادقاتل اهللا أمة آل فالن السوداء، ما كان أفصحها : قال ذو الرمة: قال عيسى بن عمر: وقال األصمعي

.غثنا ما شئنا: قالت سألتها كيف كان املطر عندكم؟! وأبلغها

مناقب السودان

احلليم عند الغضب، والشجاع : ثالثة ال تعرفهم إال عند ثالثة: أن لقمان احلكيم منهم، وهو الذي يقول .عند اخلوف، واألخ عند حاجتك

.إذا أردت أن ختالط رجال فأغضبه ذلك، فإن ، أنصفك وإال فاحذره: وقال البنه .وأكثر من هذا مدح اهللا إياه وتسميته احلكيم، وما أوصى به ابنه. وله أشياء كثرية ومل يرووا ذلك عنه إال

سعيد بن جبري، قتله احلجاج قبل موته بستة أشهر وهو ابن تسع وأربعني سنة، ومات احلجاج وهو : ومنهموأصحاب . سوكان سعيد أورع اخللق وأتقاهم، وكان أعظم أصحاب ابن عبا. ابن ثالث ومخسني سنة

وأبوه موىل بين . احلديث يطعنون يف الذي جييء من قبل أصحاب ابن عباس حىت جييء من سعيد بن جبري

Page 55: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.كلنا حمتاج إليه: أسد، وهو موىل بين أمية، وقتل يوم قتل والناس يقولونن أبا بكر سيدنا إ: بالل احلبشي رضي اهللا عنه، الذي يقول فيه عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه: ومنهم

.وأعتق سيدنا، وهو ثلث اإلسالم .مهجع، وهو أول قتيل قتل بني الصفني يف سبيل اهللا: ومنهم .املقداد، وهو أول من عدا به فرسه يف سبيل اهللا: ومنهم

يعين محزة بن عبد املطلب رضي اهللا -قتلت خري الناس : وكان يقول. ومنهم وحشي قاتل مسيلمة الكذاب . -يعين مسيلمة الكذاب -وقتلت شر الناس -عنه

.مكحول الفقيه: ومنهمال تعرف : وهو الذي يقول يف اإلخوان. احليقطان الشاعر، الذي كان يفضل يف رأيه وعقله ومهته: ومنهم

.األخ حتى ترافقه يف احلضر، وتزامله يف السفرهل : ل اهللا صلى اهللا عليه وسلم خرج يف غزاة فقال ألصحابهجليبيب الذي حتدثت الرواة أن رسو: ومنهم

مث . نفقد فالنا وفالنا: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: مث خرج فقال. نفقد فالنا وفالنا: تفقدون من أحد؟ قالواسبعة قد فطلبوه بني . لكين أفقد جليبيبا، اطلبوه: قال. ال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا يف الثالثة: خرج فقالمث محله : قال" . هذا مني وأنا منه . قتل سبعة مث قتلوه: " فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم. قتلهم مث قتل

ومل يذكروا : قال. على ساعديه حىت حفروا له، ما له سرير غري ساعدي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم .غسالأعتقه جعفر بن سليمان؛ وذلك أنه . لة، واملقدمني يف الشهادةفرج احلجام وكان من أهل العدا: ومنهم

واهللا ألمتحننه، فإن كان ما : خدمه دهرا يصلح شاربه وحليته ويهيئه، فلم يره أخطأ يف قول وال عمل، فقالفقال له .وإن كان على غري ذلك عرفت الصنع فيه. أرى منه عن تدبري وقصد ألعتقنه وألزوجته وألغنينه

: وتعرف ذلك؟ قال: قال. عند احلاجة: ومىت؟ قال: قال. نعم: يا غالم، أحتتجم؟ قال: ذات يوم وهو حيجمهوأما يف الصيف . أما الشتاء فداكرباه خائرة حلوة: فأي شيء تأكل؟ قال: قال. أعرف أكثره ورمبا غلطت :وهو الذي يقول فيه أبو فرعون .فبلغ به جعفر بن سليمان ما قال. فسكباجة حامضة عذبة

أنا محيم فرج احلجام... خلوا الطريق زوجيت أمامي وبلغ من عدالته ونبله يف نفسه وتوقيه وورعه، أن مواليه من ولد جعفر وكبار أهل املربد، كانوا ال : قال

.يطعمون أن يشهده إال على أمر صحيح ال اختالف فيهقصيدة حتتج هبا اليمانية على قريش ومضر، وحيتج هبا العجم واحلبش على العرب، وأما احليقطان فقال

:وكان جرير رآه يوم عيد يف قميص أبيض وهو أسود، فقال أير محار لف يف قرطاس... كأنه ملا بدا للناس

:فلما مسع بذلك احليقطان وكان باليمامة، دخل إىل منزله فقال هذا الشعر فإني لسبط الكف والعرض أزهر... نت جعد الرأس واجللد فاحم لئن ك

إذا كنت يوم الروع بالسيف أخطر... وإن سواد اللون ليس بضائري

Page 56: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فرهط النجاشي منك يف الناس أفخر... فإن كنت تبغي الفخر يف غري كنهه القبطي والشيخ قيصروهوذة و... تأبى اجللندي وابن كسرى وحارث

فدام له امللك املنيع املوفر... وفاز هبا دون امللوك سعادة وأبرهة امللك الذي ليس ينكر... ولقمان منهم وابنه وابن أمه

وأنتم كقبص الرمل أو هو أكثر... غزاكم أبو يكسوم يف أم داركم

ن املخالب أكدرببلقعة، حج... وأنتم كطري املاء ملا هوى هلا علمت وذو التجريب بالناس أخرب... فلو كان غري اهللا رام دفاعه

وأنتم قريب ناركم تتسعر... وما الفجر إال أن تبيتوا إزاءه نكافحه طورا وطورا يدبر... ويدلف منكم قائد ذو حفيظة

املستروليس بكم صون احلرام ... فأما اليت قلتم فتلكم نبوة فإعطاء أريان من الفر أيسر... وقلتم لقاح ال نؤدي إتاوة إذا ألتتها باملقاول محري... ولو كان فيها رغبة ملتوج

وال كجؤاثا ماؤها يتفجر... وليس هبا مشىت وال متصيف ولكن جترا، والتجارة تحقر... وال مرتع للعني أو متقنص

لكم يف مسان الضان عار ومفخر... ا وأمك نعجة ألست كليبي :أما قوله

وهوذة والقبطى والشيخ قيصر... تأىب اجللندى وابن كسرى وحارث كتب النيب صلى اهللا عليه وسلم إىل بين اجللندي فلم يؤمنوا وكذلك كسرى، وكذلك احلارث : فإنه يقول

كذلك املقوقس عظيم القبط صاحب اإلسكندرية، وكذلك بن أيب شمر، وكذلك هوذة بن علي احلنفي، وعلى أن بين اجللندي قد أمسوا من بعد ذلك الكتاب، ولكن النجاشي أسلم قبل الفتح، . قيصر ملك الروم

وقيصر إن كان قد بقي من ملكه شيء فقد أخرجوه من كل . فدام له ملكه ونزع اهللا من هؤالء النعمة .ه ظلف أو حافر، وصار ال يتمنع إال باخلليج وبالعقاب واحلصون وبالشتاء والثلوج واألمطارمكان يبلغ

.وفخر بلقمان وابنه :وأما قوله

وأنتم كقبص الرمل أو هو أكثر... غزاكم أبو يكسوم يف أم داركم لم فررمت منه ومل يلقه أحد كنتم يف عدد الرمل، ف: يقول. فإنه يعىن صاحب الفيل حني أتى ليهدم الكعبة

منكم حتى أفضى إىل مكة، ومكة أم القرى، ودار العرب، هي جزيرة العرب ومكة قرية من قراها، ولكن وعلى مثل . فتح الفتوح: ولذلك قيل لفتح مكة. ملا كانت أقدمها قدما، وأعظمها خطرا، جعلت هلا أما

ضربه على أم : من ذلك قوهلم. لعرب قد جتعل الشىء أم ما مل يلدأم الكتاب وا: ذلك مسيت فاحتة الكتاب .والضيف يسمى ربة منزله أم مثواي. رأسه، وكذلك أم اهلاوية

Page 57: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وقال أعرايب وقد أصابته براغيث عند امرأة كان نزل هبا أنقذىن رب العال من مصرك... يا أم مثواى عدمت وجهك

أبيت ليلي دائب التحكك... اه مهلكى ولذع برغوث أر حتكك األجراب عند املربك

" .إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعاملني : " وقد أبان اهللا تعاىل مكة والبيت حني قال .مجيعكم فقد غزي - وهي أم القرى وفيها البيت احلرام الذي هو شرفكم -فإذا غزيت : يقول

:وأما قوله وليس بكم صون احلرام املستر... وأما اليت قلتم فتلكم نبوة فإعطاء أريان من الفر أيسر... وقلتم لقاح ال نؤدى إتاوة

ويف ذلك يقول عبيد . هو اخلراج، وهو اإلتاوة: واألريان. البلد الذي ال يؤدى إىل امللوك األريان: فاللقاح :صبن األبر

إذا ندبوا إىل حرب أجابوا... أبوا دين امللوك فهم لقاح .فقلتم إنا لقاح ولسنا نؤدي اخلراج واألريان: قال .فإعطاء اخلراج أهون من الفرار وإسالم الدار وأنتم مثل عدد من جاءكم املرار الكثرية: قال

:وأما قوله ثا ماؤها يتفجروال كجؤا... وليس هبا مشىت وال متصيف

وليس هبا مشىت وال متصيف؛ . ليس يف الغلبة على مكة رغبة، ولوال ذلك لغزاها أهل اليمن وغريهم: قال .وليس مبكة شيء يداىن ذلك. عني بالبحرين: وجؤاثا. ألهنم يتربدون بالطائف ويتدفون جبدة

:وقال والتجارة تحقرولكن جترا ... وال مرتع للعني أو متقنص

هم عند الناس يف حد : يقول. ليس هبا متنزهات، وصيدها حرام، وإمنا هبا تجار والتجار يحقرون: يقولالضعف وال يستجيز ملك أخذ الذي به يتعيشون، وال يكون ما يؤخذ منهم يقوم بنوائب امللوك، وهم قوم

:وية بن أوس، وهو جاهليولذلك يقول الشاعر معا. ليس عندهم امتناع أسيود كالرجل األسحم... وزق سبأت لدى متجر وقائمه كيد األجذم... ضربت بفيه على حنره

ح أو مخر ذي النطف الطمطم... إىل التاجر العريب الشحي ليهم املقل وحلاء الشجر هم جتار وقد اعتصموا بالبيت، وإذا خرجوا علقوا ع: يقول. أراد هبذا كله قريشا

.حىت يعرفوا فال يقتلهم أحد :وأما قوله

لكم يف مسان الضأن عار ومفخر... ألست كليبيا وأمك نعجة

Page 58: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وأشجع ترمى بإتيان املعز. فإن بىن كليب يرمون بإتيان الضأن، وكذلك بنو األعرج، وسليم :وقال النجاشي

سوى ناكة املعزى سليم وأشجع... قبيلة ولو شتمتىن من قريش :وقال الفرزدق

بشاة من حلوبة أعرجى... ولست مضحيا ما دمت حيا لعل الشاة تبقر عن صيب... فما أدري إذا أنفقت مايل

:وقال اآلخر فدل الدرامي على شراها... إذا أحببت أن تغلى أتانا

قحول الظهر يدنو من قفاها... لوال ويقبل ظهرها ويكاد إذا نال احلمارة نال فاها... وود الدرامى لو أن فاه

:وقال عبد بن رشيد ترى منهم للضأن فحال وراعيا... قبيلة سوء خريهم مثل شرهم ترى النعجة البقعاء أبكى البواكيا... إذا جليت فيهم عروس لبعلها

:ولذلك قال األخطل منتك نفسك يف اخلالء ضالال... فانعق بضأنك يا جرير فإمنا

:ولذلك قال احليقطان هلا يف مسان الضأن عار ومفخر... ألست كليبيا وأمك نعجة

إذا فخروا فخروا بالشاء، وال يبلغون إىل : وأما املفخر يقول. أما العار فالذي شاع عليهم من ذكر النعاج .حد اإلبل

ومن مفاخر السودان والزنج واحلبش مع ما ذكرنا من قصيدة احليقطان، أن جرير بن اخلطفى ملا هجا بىن :تغلب وقال

فالزنج أكرم منهم أخواال... ال تطلبن خؤولة يف تغلب :غضب سنيح بن رباح شار، فهجا جريرا، وفخر عليه بالزنج فقال

أن مل يوازن حاجبا وعقاال... ما بال كلب من كليب سبنا مثل الفرزدق جائر قد فاال... إن امأ جعل املراغة وابنها

القيت مث جحاجحا أبطاال... والزنج لو القيتهم يف صفهم أرأى رماح الزنج مث طواال... فسل لنب عمرو حني رام رماحهم

ل مث نزااللكما دعوا لنزا... فجعوا زيادا بابنه وتنازلوا وربطت حولك شيها وسخاال... ومربطني خيوهلم بفنائهم

وخفاف احململ األثقاال... كان ابن ندبة فيكم من جنلنا ما إن نرى فيكم هلم أمثاال... عنتر وهراسة : وابنا زبيبة

Page 59: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فرأى بغزوهتم عليه خباال... سل ابن جيفر حني رام بالدنا والقرم عباس علوك فعاال... ر إذا عدا وسليك الليث اهلزب

غلب القبائل جندة ونواال... هذا ابن خازم ابن عجلى منهم أسد تربب عندها اإلشباال... أبناء كل جنيبة لنجيبة

وألنت أألم منهم أخواال... فلنحن أجنب من كليب خؤولة مشاال عند الشتاء إذا هتب... وبنو احلباب مطاعن ومطاعم

أما ابن عمرو الذي ذكر، فهو حفص بن زياد بن عمرو العتكى، كان خليفة أبيه على شرطة احلجاج، فغلب رباح شار الزجنى على الفرات، فتوجه إليه حفص بن زياد فقتله رباح وقتل أصحابه واستباح

.عسكرهكان غزا بالد الزنج فقتلوه وغنموا . دىوأما ابن جيفر فهو النعمان بن جيفر بن عباد بن جيفر بن اجللن

.عسكره

فذكر خفاف بن ندبة، وعباس بن مرداس، . مث ذكر أبناء الزجنيات حني نزعوا إىل الزنج يف البسالة واألنفةفهؤالء أسد الرجال، وأشدهم قلوبا . عنترة الفوارس وأخاه هراسة، وسليك بن السلكة: وابىن شداد

.وهبم يضرب املثلوأشجعهم بأسا، .عمري بن احلباب وإخواته: عبد اهللا بن خازم السلمى، وبنو احلباب: ومنهم

.اجلحاف بن حكيم: وكان أيضا منهم .وهم أيضا يفخرون برباح أخى بالل وحاله وصالحه

واألرض، ويفخرون بعامر بن فهرية، بدرى استشهد يوم بئر معونة، فرآه الناس قد رفعه اهللا بني السماء .فليس له يف األرض قرب

.آل ياسر: ومنهممل يكن يف األرض أشد منه؛ كان يقطع على القافلة وحده مبا . ومنا الغداف صاحب عبيد اهللا بن احلر: قالوا

.فيها من احلماة واخلفراء .وكعبويه صاحب املغرية بن الفزر، كان مثال يف الشجاعة

غالم أىب حبر القائد، الذي كان قدم من الشام أيام قتيبة بن مسلم، وكان ال ومنا مربح األشرم،: ويقولون .يرام لقاؤه، وأمره مشهور

.ومنا املغلول وبنوه، وهم من اخلول، ليس يف األرض أعرف وال أثقف وال أعلم بالبادية منهم: قالواوإمنا قتله مالك بن الريب، : الواق. ومنا أفلح، الذي قطع على القوافل خبراسان وحده عشرين سنة: قالوا

:والشاهد على قولنا قول ابنه. ألنه وطئه يف جوف الليل وهو سكران خائر أخو الورد أو يرىب على األسد الورد... أمالك لوال السكر أيقنت أنه

نا ذا وهزم. وحنن قد ملكنا بالد العرب من لدن احلبشة إىل مكة، وجرت أحكامنا يف ذلك أمجع: قالوا

Page 60: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وقد قال شاعركم. وأنتم مل متلكوا بالدنا. نواس، وقتلنا أقيال محري رياط بأجناد وصولته هصر... وخرب غمدانا وهدم سقفه

بنا شده األقيال يف سالف الدهر... أطافت به األحبوش ليال فقوضوا ن النمرأسود الشرى اجتابت جلودا م... جبمع من اليكسوم سود كأهنم

.ومنا كباجال، مل يصعد هنر سليمان وال قاتل يف املخارجات أحد قط يشبهه: قالواومنا األربعون الذين خرجوا بالفرات أيام سوار بن عبد اهللا القاضي، فأجلوا أهل الفرات عن منازهلم، : قالوا

.وقتلوا من أهل األبلة مقتلة عظيمة .عيسى بن جعفر بعمان، مبنجل حبراين، بعد أن مل جيسر عليه أحد ومنا الذي ضرب عنق: قالواوهاتان . والناس جممعون على أنه ليس يف األرض أمة السخاء فيها أعم، وعليها أغلب من الزنج: قالوا

.اخللتان مل توجدا قط إال يف كرميلى اإليقاع املوزون، من غري تأديب وال وهي أطبع اخللق على الرقص املوقع املوزون، والضرب بالطبل ع

.تعليموليس يف األرض لغة أخف على اللسان من لغتهم، وال يف األرض . وليس يف األرض أحسن حلوقا منهم

.قوم أذرب ألسنة، وال أقل متطيطا منهم .حبسة، غريهموليس يف األرض قوم إال وأنت تصيب فيهم األرت والفأفاء والعىي، ومن يف لسانه

والرجل منهم خيطب عند امللك بالزنج من لدن طلوع الشمس إىل غروهبا، فال يستعني بالتفاتة وال بسكتة .حىت يفرغ من كالمه

وإن الرجل لريفع احلجر الثقيل الذي . وليس يف األرض أمة يف شدة األبدان وقوة األسر أعم منهم فيهما .وهذه هي خصال الشرف. وهم شجعاء أشداء األبدان أسخياء. غريهمتعجز عنه اجلماعة من األعراب و

وهذا هو . والزجني مع حسن اخللق وقلة األذى، ال تراه أبدا إال طيب النفس، ضحوك السن، حسن الظن .الشرف

.إهنم صاروا أسخياء لضعف عقوهلم، ولقصر روياهتم، وجلهلهم بالعواقب: وقد قال ناسما أثنيتم على السخاء واألثرة، وينبغى يف هذا القياس أن يكون أوفر الناس عقال وأكثر بئس: فقلنا هلم

.الناس علما أخبل الناس خبال وأقلهم خرياوعلى قياس قولكم أن قد كان ينبغى أن . وقد رأينا الصقالبة أخبل من الروم، والروم أبعد روية وأشد عقوال

.وأمسح أكفا منهم تكون الصقالبة أسخى أنفسا

وقد رأينا النساء أضعف من الرجال عقوال، والصبيان أضعف عقوال منهم، وهم أخبل من النساء، والنساء ولو كان العقل كلما أشد كان صاحبه أخبل، كان ينبغي أن يكون الصيب أكرم . أضعف عقوال من الرجال

هو أكذب الناس وأمن الناس، وأشره الناس وأخبل الناس، : من صيبوال نعلم يف األرض شرا . الناس خصاال .وأقل الناس خريا وأقسى الناس قسوة

Page 61: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وإمنا خيرج الصيب من هذه اخلالل أوال فأوال، على قدر ما يزداد من العقل فيزداد من األفعال اجلميلةوقد وقفناكم . خاء مث ادعيتم ما ال يعرففكيف صار قلة العقل هو سبب سخاء الزنج، وقد أقررمت هلم بالس

.على إدحاض حجتكم يف ذلك بالقياس الصحيحوينبغى أن يكون اجلزوع . وهذا القول يوجب أن يكون اجلبان أعقل من الشجاع، والغادر أعقل من الوىف

، وحسن اخللق هبة، والعقلهبة.فهذا ما ال حجة فيه لكم، بل ذلك هبة يف الناس مناهللا. أعقل من الصبور .والسخاء والشجاعة كذلكمن جهلكم أنكم رأيتمونا لكم أكفاء يف اجلاهلية يف نسائكم، فلما جاء عدل : وقد قالت الزنج للعرب

مع أن البادية منا مألى ممن قد تزوج ورأس وساد، ومنع . اإلسالم رأيتم ذلك فاسدا، وما بنا الرغبة عنكم .م من العدوالذمار، وكنفك

ولو مل . وقد ضربتم بنا األمثال وعظمتم أمر ملوكنا، وقدمتموهم يف كثري من املواضع على ملوككم: قال .تروا الفضل لنا يف ذلك عليكم ملا فعلتم

:وقال النمر بن تولب وأبرهة امللك األعظما... أتى ملكه ما أتى تبعا .فرفعه على ملوك قومه

:ربيعة وقال لبيد بن يف الدهر أدركه أبو يكسوم... لو كان حي يف احلياة خملدا

.وهذا شيء من وصف الفضل مل يوصف أحد مبثله :ومما قدمتم به ملوكنا على ملوككم قوله: قالوا

وكما فعلن بتبع وهبرقل... غلب اللياىل خلف آل محرق فوق غرفة موكلقد كان خلد ... وغلنب أبرهة الذي ألفيته .فقدم أبرهة وأراد التسوية

وكان علماء أهل الشام يأخذون عنه كما أخذ . ومن احلبشة عكيم احلبشى، وكان أفصح من العجاج: قالوا .علماء أهل العراق من املنتجع بن نبهان

.بةوكان املنتجع سنديا يف أذنه خربة، وقع إىل البادية وهو صيب، فخرج أفصح من رؤ :وملا قال حكيم بن عياش الكلىب

فإن أكرم منها الزنج والنوب... ال تفخرن خبال من بىن أسد :اعترض عليه عكيم احلبشى، فقال ويوم يثرب كنا فحلة العرب... ويوم غمدان كنا األسد قد علموا

بوكلهم هارب موف على قت... وليلة الفيل إذ طارت قلوهبم وجد أبرهة احلامى أيب طلب... منا النجاشى وذو العقصني صهركم

فما حلمري واملقوال يف النسب... هبىن غفرت لعدنان هتكمهم

Page 62: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مجع الشبيكة نون الزاخر اللجب... محارة جمعت من كل حمربة ، فلما ملكت احلبشة اليمن أخربته حصن كان ينزله امللك الذي يكون على اليمن، وكان عجميا: غمدان

وكان " . ينبغى ملآثر اجلاهلية أن تمحى : " وقال. إال بقايا هدمها عثمان بن عفان رضي اهللا عنه يف اإلسالم :يف احلصن مصنعة عليها قبة من طلق، وفيها يقول خلف األمحر

عوادى األحابيش بالصيدن... ومصنعة الطلق أودى هبا :يقول قدامة حكيم املشرق، وكان صاحب كيمياء وفيها

أقامت كعمر الدهر مل تتصرم... فأوقد فيها ناره ولو أنها .وبه يتطلى النفاطون إذا أرادوا الدخول يف النار. ألن الطلق لو أوقد عليه ألف عام مل يسخن

:وقال لبيد يف الذبالكمصباح الشعيلة ... أصاح ترى بريقا هب وهنا

وأصحاىب على شعب الرحال... أرقت له وأجند بعد هدء قياما باحلرب وباإلالل... يضىء ربابه يف املزن حبشا

وقال ذلك لبيد ألهنم إذا أقبلوا حبراهبم ورماحهم وقسيهم وسيوفهم، وراياهتم، وخيوهلم وفيوهلم، مع سواد .تر مثله ومل تسمع به، ومل تتوهمهألواهنم وضخم أبداهنم رأيت هوال مل

.ويوم يثرب كنا فحلة العرب: وأما قوله

فإن مسرف بن عقبة املري، حني كان أباح املدينة، زعموا أنه قد كان هناك أمر قبيح من السودان واجلند، :ويف ذلك يقول شاعر من شعراء مضر

لعذارىغداة أباح للجند ا... فسائل مسرف املرى عنكم وفز الشام كاألسد الضواري... فمازجكم على حنق زنوج ورأس احلبش حيكم يف ذمار... ودافع وهرز والرس عنكم وأير مثل غرمول احلمار... فأفسد نسلكم بسواد لون

.فذكر إباحة احلبش لليمن كما ذكر إباحة مسرف للمدينة :وأما قوله

لشبيكة نون الزاحر اللجبمجع ا... محارة مجعت من كل حمزوة .فإنه ذهب إىل ما تقوله الرواة أن محري كانت حمارة

.وأما الشبيكة فأراد الشبكةفهذا الفضل فينا، ومل يصل النيب صلى اهللا عليه وسلم قط إال على جنازة أو قرب، إال : وقال السودان

.باحلبشة النجاشى فإنه صلى عليه وهو باملدينة وقرب النجاشيوالنجاسي هو كان زوج أم حبيبة بنت أيب سفيان من النيب صلى اهللا عليه وسلم، ودعا خالد بن : قالوا

.سعيد فجعله وليها، وأصدق عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أربعمائة دينلر

Page 63: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ومنها النعش وهو . مهمنها الغالية، وهي أطيب الطيب وأفخره وأكر. وثالثة أشياء جاءتكم من قبلنا: قالوا .ومنها املصحف، وهو أوقى ملا فيه وأحصن له، وأهبى وأهيأ. أستر للنساء وأصون للحرم

وحنن أهول يف الصدور وأمأل للعيون، كما أن املسودة أهول يف العيون وأمأل للصدور من املبيضة، : قالوا .وكما أن الليل أهول من النهار

. الصهب سرع، واحلمر غزر، والسود هبي: وإن العرب لتصف اإلبل فتقول. هولوالسواد أبدا أ: قالوا .فهذا يف اإلبل

واحلمر السود . ودهم اخليل أهبى وأقوى، والبقر السود أحسن وأهبى، وجلودها أمثن وأنفع وأبقى: قالوا .من احلمروسود الشاء أدسم ألبانا وأكثر زبدا، والدبس أغزر . أمثن وأحسن وأقوى

.واألسد األسود ال يقوم له شيء. وكل جبل وكل حجر إذا كان أسود كان أصلب صالبة وأشد يبوسةوالنخيل أقوى ما تكون إذا . وليس من التمر أحلى حالوة من األسود، وال أعم منفعة وال أبقى على الدهر

.كانت سود اجلذوع :صاريوقال األن" . عليكم بالسواد األعظم : " وجاء

ولكن على الشم الطوال القراوح... أدين وما ديين علي مبغرم طلني بقار أو بدم ذبائح... على كل خوار كأن جذوعها

، مث قال ملا وصفهما " ومن دوهنما جنتان : " قال اهللا جل وعال. وأحسن اخلضرة ما ضارع السواد: قالوا .خضراوان من الري سوداوان: عباس قال ابن" مدمهتان : " وشوق إليهما

وليس يف األرض عود أحسن خشبا وال أغلى مثنا، وال أثقل وزنا وال أسلم من القوادح، وال أجدر أن ولقد بلغ من اكتنازه والتئامه وملوسته وشدة تداخله، أنه يرسب يف املاء دون . ينشب فيه اخلط من اآلبنوس

.ب بذلك بعض احلجارة؛ إذ صار يرسب وذلك احلجر ال يرسبولقد غل. مجيع العيدان واخلشب .وكذلك شعورهم يف اجلنة. واإلنسان أحسن ما يكون يف العني ما دام أسود الشعر

ولذلك جاء أن اهللا . وأكرم األكحال اإلمثد، وهو أسود. وأكرم ما يف اإلنسان حدقتاه؛ ومها سوداوان .مكحلني يدخل مجيع املؤمنني اجلنة جردا مردا

وأنفع ما يف اإلنسان له كبده اليت هبا تصلح معدته، وينهضم طعامه، وبصالح ذلك قام بدنه؛ والكبد .سوداء

وأنفس ما يف اإلنسان وأعزه سويداء قلبه، وهي علقة سوداء تكون يف جوف فؤاده، تقوم يف القلب مقام .الدماغ من الرأس

.للتقبيل، وأحسن ما يكونان إذا ضارعتا السواد ومن أطيب ما يف املرأة وأشهاه شفتاها :وقال ذو الرمة

ويف اللثات ويف أنياهبا شنب... ملياء يف شفتيها حوة ملس " .سود غرابيب كأظالل احلجر : " وقال الراجز. وأطيب الظل وأبرده ما كان أسود

:وقال محيد بن ثور

Page 64: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مستكفات هلن غروبإىل... ظللنا إىل كهف وظلت ركابنا رواهب أحرمن الشراب عذوب... إىل شجر أملى الظالل كأنه

.وجعل اهللا الليل سكنا ومجاما، والنهار للكسب والكد

والذي يدل على أن السواد يف وجه آخر مقرون بالشدة والصرامة، واهليج واحلركة، انتشار احليات وحترك األوجاع وظهور الغيالن، هذه . لسباع واستكالبها بالليلوالعقارب وشدة مسومها بالليل، وهيج ا

.كلها بالليل .وأشبهنا الليل من هذا الوجه: قالوأبلغ ما تكون القائلة وأشفاها للنفس، وأسرع جمليئها إذا أردهتا، وأبطأ لذهاهبا إذا كرهتها، ما كان : قالوا

.منها يف الظلمة، عند إسبال الستور وإغالق األبواب .وليس لون أرسخ يف جوهره وأثبت يف حسنه من سواد: قالوا

" .ال ترى ذلك حىت يبيض القار، وحىت يشيب الغراب : " وقد جرى املثل يف تبعيد الشيء .وهو العرض املالء عند احلكماء

.وأكرم العطر املسك والعنرب، ومها أسوداندح األزرق املخزومي، وهو عبد اهللا بن عبد مشس بن وقال أبو دهبل اجلمحي مي. وأصلب األحجار سودها

:املغرية ما دام باجلزع من لبنان جلمود... فإن شكرك عندي ال انقضاء له

إذ ال يعاتب صخر اجلندل السود... أنت املمدح واملغلى به مثنا : أزهر وأبيض، وأغر؟ قلنافالن هجان، و: فعالم ذلك وهي تقول: فإن قال. والعرب تفخر بسواد اللون

وقد فخرت خضر حمارب بأهنا سود، والسود . ليس تريد هبذا بياض اجللد، إمنا تريد به كرم اجلوهر ونقاءه :وقال الشماخ بن ضرار. عند العرب اخلضر

زبالة جلبابا من الليل أخضرا... وراحت رواحا من زرود فنازعت :وقال الراجز

مثل انتضاء البطل السيف الذكر... ليل خضر حىت انتضاين الصبح من .وهم يسمن احلديد أخضر ألنه صلب؛ ألن األخضر أسود

:وقال احلارث بن حلزة رين سريا حىت هناها احلساء... إذ رفعنا اجلمال من سعف البح

وله فارسة خضراء... فهزمنا مجع ابن أم قطام :ن اخلضروقال احملاريب وهو يفخر بأنه م

صعب املقادة آيب الضيم شعشاع... يف خضر قيس مناين كل ذي فخر قال عمر بن أيب ربيعة بن املغرية املخزومي ويقال إهنا للفضل بن العباس . وبنو املغرية خضر بين خمزوم

Page 65: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:اللهيب أخضر اجللدة يف بيت العرب... وأنا األخضر من يعرفين

ميأل الدلو إىل عقد الكرب.. .من يساجلين يساجل ماجدا :وخضر غسان بنو جفنة امللوك؛ قال الغساين

أهل الربيص مناين منهم احلكم... إن اخلضارمة اخلضر الذين ودوا :وقد ذكر حسان أو غريه اخلضر من بين عكيم حني قال

وال بين مجح اخلضر اجلالعيد... ولست من بين هاشم يف بيت مكرمة ولد عبد املطلب العشرة السادة دلما ضخما، نظر إليهم عامر بن الطفيل يطوفون كأهنم مجال وكان : قالوا

.هبؤالء تمنع السدانة: جون، فقال .وآل أيب طالب أشرف اخللق، وهم سود وأدم ودلم. وكان عبد اهللا بن عباس أدمل ضخما

" . األمحر واألسود بعثت إىل: " وقال النيب صلى اهللا عليه وسلم: قالوا .وقد علمت أنه ال يقال للزنج واحلبشة والنبة بيض وال محر، وليس هلم اسم إال السود

بعثت إىل : " فإذا قال. وقد علمنا أن اهللا عز وجل بعث نبيه إىل الناس كافة، وإىل العرب والعجم مجيعاوال خيرج الناس " . األسود " عث إلينا؛ فإمنا عنانا بقوله ولسنا عنده حمر وال بيض، فقد ب" األمحر واألسود

. من هذين االمسني، فإن كانت العرب من األمحر، فقد دخلت يف عداد الروم والصقالبة، وفارس وخراسانوإمنا قيل هلم وهم أدم ومسر سود، حني دخلوا . وإن كانت من السود، فقد اشتق هلا هذا االسم من امسنا

.يف جملتنا، كما جيعل العرب اإلناث من الذكور ذكورامعنا وإذا كان النيب صلى اهللا عليه وسلم يعلمأن الزنج واحلبشة والنوبة ليسوا حبمر وال بيض، وأهنم سود، وقد

فإن كان اسم أسود . بعثه اهللا تعاىل إىل األسود واألمحر، فقد جعلنا والعرب سواء، ونكون حنن السود دوهنموإذا كان امسهم . فنحن املتقدمون يف الدعوة. علينا فنحن السودان اخللص، والعرب أشباه اخللص وقع

.حمموال على امسنا؛ إذ كنا وحدنا يقال لنا سود، وال يقال هلم سود إال أن يكونوا معنا .وأنتم ترون كثرة العدد جمدا، وحنن أكثر الناس عددا وولدا: قالوا .النمل والكالب: وحنن صنفان: اقالو

فكيف إذا قرنت إليها الكالب؟ مث كيف إذا ضممتم . ولو عدلتم بالنمل العرب كلها ألربت عليها: قالواإليها احلبشة والنوبة وفزان ومرو وزغاوة وغري ذلك من أنواع السودان؟ وليست قحطان من عدنان يف

وإن ذكرمت اختالف اللغات؛ فإن لغة . نا هبم أمس من عدنان بقحطانوحنن باحلبشة أشبه، وأرحام. شيءومن دخل أوائل خراسان . عجز هوازن، وقد ختتلف اللغات واألصل واحد، وقد تتفق والنجر خمتلف

وأواخرها، وأوائل اجلبال وفارس وأواخها، علم أن اللغات قد ختتلف الختالف طبائع البلدان واألصل .واحدوأنتم مل تروا الزنج الذين هم الزنج قط، وغنما رأيتم السبي جييء من سواحل قنبلة وغياضها : اقالو

Page 66: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

اسم املوضع الذي ترفون : وقنبلة. وأوديتها، ومن مهنتنا وسفلتنا وعبيدنا، وليس ألهل قنبلة مجال وال عقولوأنتم مل . قحطان وعدنان: العرب ضربان قنبلة ولنجوية، كما أن: ألن الزنج ضربان. منه سفنكم إىل ساحله

تروا من أهل لنجوية أحدا قط، ال من السواحل وال من أهل اجلوف، ولو رأيتموهم نسيتم اجلمال .والكمالومىت رأيتم من سبي السند واهلند : وكيف وحنن مل نر زجنيا قط له عقل صيب أو امرأة؟ قلنا لكم: فإن قلتم

وقد تعلمون ما يف اهلند . وأدب وأخالق حىت تطلبوا ذلك فيما سقط إليكم من الزنج قوما هلم عقول وعلممن احلساب وعلم النجوم وأسرار الطب، واخلرط والنجر، والتصاوير والصناعات الكثرية العجيبة، فكيف

أهل الشرف :مل يتفق لكم مع كثرة ما سبيتم منهم واحد على هذه الصفة، أو بعشر هذه الصفة؟ فإن قلتموالعقل والعلم إمنا ينزلون الواسطة، وبقرب دار امللك، وهؤالء حاشية وأعالج وأكرة، ونزال السواحل

.واآلجام والفيوض واجلزائر، من أكار ومن صياد .وجوابنا هو جوابكم لنا. وذلك من رأيتم ومن مل تروا منا: قلنااكحا بقيت أوالدمها بعد احليض واالحتالم ببالد العراق، كانوا قد غلبوا ولو أن الزجني والزجنية إذا تن: قالوا

على الدار بالعدد واجللد، والعلم والتدبري، ولكن ولد اهلندي واهلندية، والرومي والرومية، واخلراساين . ني بعد احليض واالحتالمواخلراسانية، يبقون فيكم ويف بالدكم كبقاء آبائهم وأمهاهتم، وال يبقى ولد الزجني

على أنا ال نصيب يف عشرة آالف، واحد يبلغ ما ذكرنا، إال أن يضرب الزجني يف غري الزجنيات، والزجنية يف ولوال أن الزجني والزحنية قليال ما يريدان من الغرائب والغرباء، لكنا على حال سنرى لرجال . غري الزنج

.ولكن الزجنية ال تكاد تنشط لغري الزجني. االزنج نسال كثريوالزجنية أيضا من الزجني . وكذلك البيضان منكم، ال يكادون ينشطون لطلب النسل من الزجنيات: قالوا

.أسرع لقاحا منها من األبيضفيكون ذلك لكثرة وأنتم ال تكادون تعدن ممن ولد له من صلبه مائة ولد إال أن يكون خليفة،: قالوا

والزنج ال تستكثر هذا وال تستعظمه؛ لكثرته يف بالدهم، ألن الزجنية . الطروقة، وال جتدون ذلك يف سائركمألنه يقال إن . تلد حنوا من مخسني بطنا يف حنو مخسني عاما، يف كل بطن اثنني، فيكون ذلك أكثر من تسعني

.ا حيكى عن نساء قريش خاصةالنساء ال يلدن إذا بلغن الستني إال م .والزنج أحرص من خلق اهللا على نسائهم، ونساؤهم هلم كذلك، وهن أطيب من غريهن

.فتأملوا قولنا واحتجاجنا؛ فإنا قد روينا األخبار وقلنا األشعار، وعرفناكم وعرفنا األمم: قالوام جيد مثلهن، ولذلك تزوج أم مكية وقد كان الفرزدق أعلم الناس بالنساء، وكان جرب األجناس كلها فل

:ويف ذلك قال. الزجنية وأقام عليها، وترك النساء، للذي وجد عندها متشي بتنور شديد الوهج... يا رب خود من بنات الزنج

أختم مثل القدح اخللنجوما وقد خضبت يديها وكانت دنانري بنت كعبوية الزجني عند أعشى سليم، وكانت شديدة السواد، فرآها ي

:باحلناء، واكتحلت باإلمثد، فقال

Page 67: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فتخضب احلناء من مسودها... ختضب كفا بتكت من زندها تكحل عينيها ببعض جلدها... كأهنا والكحل يف مرودها :فلما مسعت ذلك قالت

على بشر كالقلب أو هو أنصع... وأقبح من لوين سواد عجانه .إن الدنانري تكون سودا: وقد كان صبيحة عرسها قال. ه الصبيان فطلقهافسموه أسود، وصاح ب

:فقالت

وشيب احلاجبني هو الفضوح... بياض الرأس أقبح من سوادي .فأمسك عنها حينا مث عاودها، فلما فضحته طلقها

على ان .وإن نظر البضان إىل نساء السودان بغري عني الشهوة فكذلك السودان يف نساء البضان: قالوامن ذلك أن أهل البصرة أشهى النساء عندهم اهلنديات وبنات اهلنديات . الشهوات عادات وأكثرها تقليد

وأهل الشام أشهى النساء عندهم . واليمن أشهى النساء عندهم احلبشيات وبنات احلبشيات. واألغوار .لشاذ، وليس الشاذ قياسإال ا. وكل قوم فإمنا يشتهون جلبهم وسبيهم. الروميات وبنات الروميات

والكالب من بني السباع أطيب . وأطيب األفواه نكهة، وأشدها عذوبة، وأكثرها ريقا، أفواه الزنج: قالوا .أفواها منها

والسود مالوم للعني، وإذا اعتلت فخيف عليها مل يكن هلا دواء خري من القعود يف الظلمة ويف يد : قالوا .فالسواد لإلبصار، وخري ما يف اإلنسان البصر. صاحبها خرقة سوداء

والسودان أكثر من البيضان، ألن أكثر ما يعد البيضان فارس واجلبال وخراسان، والروم والصقالبة : وقالواوالسودان يعدون الزنج واحلبشة، وفزان وبربر، والقبط . وفرجنة واألبر، وشيئا بعد ذلك قليال غري كثري

والبحر أكثر من الرب، وجزائر . و، والسند واهلند، والقمار والدبيال، والصني وماصنيوالنوبة، وزغاوة ومرالبحر ما بني الصني والزنج مملوءة سودانا، كسرنديب، وكله، وأمل، وزابج وجزائرها إىل اهلند إىل الصني

.إىل كابل وتلك السواحلان، والصخر أكثر من الوحل، والرمل أكثر السودان أكثر من البيض: وكان األعمى االشتيام يقول: قالوا

.من التراب، واملاء املاحل أكثر من العذبواهلند أسفر ألوانا من العرب، وهم من . ومنا العرب ال من البيضان؛ لقرب ألواهنم من ألواننا: قالوا

لناس أن العرب وقد علم ا" . بعثت إىل األمحر واألسود : " وألن النيب صلى اهللا عليه وسلم قال. السودان .ليست حبمر كما ذكرنا قبل هذا

فهذا املفخر لنا وللعرب على مجيع البيضان إن أحبت ذلك العرب؛ وإن كرهته فإن املفخر لنا بالذي : قال .ذكرنا على اجلميع

ولو مل نكثركم إال بالزابج وحدها لفضلناكم هبم فضال مبينا؛ وذلك أن ملك الزابج إن غضب على : قالواهل مملكة ومل يتقوه باخلراج بعث ألف سنبوقة يف كل سنبوقة ألف رجل على أن ال جيلدوهنم وال يقاتلوهنم، أ

Page 68: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ولكن يأمرهم أن يقيموا أبدا فيهم حىت يتقوهم باخلراج، فيكون ما يأكلون ويشربون ويغذون ويلبسون، أرسل إليهم ألف سنبوقة أخرى، فال فإن اتقوهم باخلراج وإال. أضر عليهم من مقدار اخلراج املرار الكثرية

.جيد ذلك امللك بدا من أن يتقيه بكل ما طلب، وال يأمن أن يغضب فيأيت عليه وعلى أهل مملكتهولقد نزل ملك الزابج على خليج مرة واخلليج فراسخ يف فراسخ، فبينما هو على مائدته ويف سرادقه : قالوا

امرأة سقط ابنها يف هذا اخلليج : قالوا. ما هذا؟ وقطع األكل: على شواطئ اخلليج، إذ مسع صارخة فقالفلما رأوه . مث وثب فإذا هو يف اخلليج! ويف مكان أنا فيه شيء يشاركين يف قتل الناس: قال. فأكله التمساح

.الناس سقطوا عن آخرهم، فخضخضوه وهو فراسخ يف فراسخ، حىت أخذوا متساح فيه أخذ يد .زابج وأغباهبا أكثر من شطر أهل األرضإن أهل ال: فقالوآخر العمران كله سودان، وما استدار من أقاصي العمران أكثر من أهل الواسطة، كطوق الرحى : قالوا

الذي يلي اهلواء، الذي هو أوسع وأكثر ذرعا مما قصر عنه من فلك الرحى ولنعترب ذلك باجلناح املطيف، ال .ده أكثر ذرعا من نفس الداريرى أحد ذرعه مع قلة عرضه، وجن

.وليس خلف الزابج بيضان، وكذلك مجيع بالد السودان الساكنة يف األطراف ويف آخر أطواق العمران :وقد قال شاعركم. فهذا دليل على أنا أكثر، وإذا كنا أكثر كنا أفخر: قالوا

وإمنا العزة للكاثر... ولست باألكثر منه حصى من السودان وقد طلب منهم خليل الرمحن الولد فولد له منهم نيب عظيم الشأن، وهو والقبط جنس: قالوا

.أبو العرب إمساعيل عليه السالم .وطلب النيب صلى اهللا عليه وسلم منهم الولد، وولد له إبراهيم، وكناه به جربيل

فمن استنكر لون السواد فما . وأجودوالنحاس إذا اشتد سواده كان أمثن . واحلجر األسود من اجلنة: قالوايف فرجنة والروم والصقالبة من إفراط سبوطة الشعر والرقة والصهوبة، واحلمرة يف شعر الرأس واللحية،

وال سواء من مل .وليس يف السودان مغرب، ليس املغرب إال فيكم. وبياض احلواجب واألشفار، أقبح وأمسج .حد التمامتنضجه األرحام وما جازت به

إن اهللا تعاىل : وحنن نقول. ولنا يف األسرار حجة. ولنا بعد معرفة بالتفلسف والنظر، وحنن أثقف الناس: قالواواحلجة يف ذلك أن يف العرب قبائل سودا كبين . مل جيعلنا سودا تشويها خبلقنا، ولكن البلد فعل ذلك بنا

وإهنم ليتخذون املماليك للرعي . بين سليم كلهم سودوكل من نزل احلرة من غري . سليم بن منصوروالسقاء، واملهنة واخلدمة، من األشبانيني ومن الروم نسائهم، فما يتوالدون ثالثة أبطن حىت تنقلهم احلرة إىل

ولقد بلغ من أمر تلك احلرة أن ظباءها ونعمها، وهوامها وذبابه، وثعالبها وشاءها ومحريها، . ألوان بين سليموالسواد والبياض إمنا من قبل خلقة البلدة، وما طبع اهللا عليه املاء والتربة، . وخيلها، وطريها كلها سود

وليس ذلك منقبل مسخ وال عقوبة، وال تشويه وال . ومن قبل قرب الشمس وبعدها، وشدة حرها ولينها .تقصري

اهبم وكل شيء هلم تركي رآه شيئا ومن رأى إبلهم ودو. على أن بالد بين سليم جتري جمرى بالد الترك

Page 69: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ورمبا رأى الغزاة دون العواصم أخالط غنم الروم فال خيفى عليهم غنم . وكل شيء هلم تركي املنظر. واحدا .الروم من غنم الشام، للرومية اليت يروهنا فيها

وهذا . أهنم علوج القرى وقد نرى الناس أبناء األعراب واألعرابيات الذين وقعوا إىل خراسان فال نشك وقد نرى جراد البقل والرحيان وديداهنما خضرا، ونرى قمل رأس الشاب سودا، . موجود يف كل شيء

.ونراها إذا ابيض رأسه بيضا، ونراها إذا خضبت محرافليس سوادنا ، معشر الزنج، إال كسواد بين سليم ومن عددنا عليكم من قبائل العرب يف صدر هذا

.الكالموكذلك السمرة املتولدة من . وما إفراط سواد من اسود من الناس إال كإفراط بياض من ابيض من الناس

.بينهما، وكذلك الزي واهليئات، وكذلك الصناعات، وكذلك املطاعم والشهوات :وقد ذكر الشاعر، حني مدح أسيلم بن األحنف األسدي، سواد اليمانية فقال

لعني تداحى أو ألذن تسمع... خفا مبكانه أسيلم ذاكم ال وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا... من النفر الشم الذين إذا انتموا

وطيب الدهان رأسه وهو أنزع... جال األذفر األحوى من املسك فرقه له حوك برديه أرقوا وأوسعوا... إذا النفر السود اليمانون حاولوا

:البيضان عبد بين جعدة بلونه، فقالوقد عاب بعض ما عاب لوين إال مفرط احلمق... قد عاب لوين أقوام فقلت هلم حزن اإلهاب فإين أبيض اخللق... إن كان لوين فيه دعجة كلف

صدر القناة وأكىن كنه السرق... أرضي الصديق وأمحي الظعن معترضا رو، وكان ابن سوداء، فقال عمرو بن شأس يف ذلك، ويف وكانت امرأة عمرو بن شأس جتفو عرار بن عم

:صفة أبناء احلبشيات والزجنيات ختشعت حىت ما أعارم من عرم... أمل يأتيها أين صحوت وأنين

مساغا لنابيه الشجاع لقد أزم... وأطرق إطراق الشجاع، ولو يرى ظلمعرارا لعمري باهلوان فقد ... أرادت عرارا باهلون ومن يرد

فإين أحب اجلون ذا املنكب العمم... وإن عرارا إن يكن غري واضح فكوين له كالسمن ربت له األدم... فإن كنت مني أو حتبني شيميت تزود مخسا ليس يف سريه أمت... وإال فبيين مثل ما بان راكب

ة، ويقدمون يف الطب، وهلم وأما اهلند فوجدناهم يقدمون يف النجوم واحلساب، وهلم اخلط اهلندي خاصوهلم خرط التماثيل وحنت الصور باألصباغ تتخذ يف احملاريب . أسرار الب وعالج فاحش األدواء خاصة

وهلم السيوف القلعية، وهم ألعب . وهلم الشطرنج، وهي أشرف لعبة وأكثرها تدبريا وفطنة. وأشباه ذلكوهلم . وهلم غناء معجب. افذة يف السموم ويف األوجاعوهلم الرقى الن. الناس هبا وأحذقهم ضربا هبا

Page 70: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وهلم ضروب الرقص واخلفة، وهلم . الكنكلة، وهي وتر واحد ميد على قرعة فيقوم مقام أوتاد العود والصنجوهلم خط جامع . الثقافة عند الثقاف خاصة، وهلم مغرفة املناصفة، وهلم السحر والتدخني والدمازكية

وعنهم . وخطوط أيضا كثرية، وهلم شعر كثري وخطب طوال، وطب يف الفلسفة واألدبحلروف اللغات، وهلم من الزي احلسن . وهلم رأي وجندة، وليس ألحد من أهل الصرب ما هلم. أخذ كتاب كليلة ودمنة

وملح وفيهم مجال. واألخالق احملمودة مثل األخلة والقرن والسواك، واالحتباء، والفرق واخلضابومن عندهم جاءوا امللوك بالعود اهلندي الذي ال يعدله . وإىل نسائهم يضرب األمثال. واعتدال وطيب عرق

وأصل حساب النجوم من عندهم . ومن عندهم خرج علم الفكر، وما إذا تكلم به على السم مل يضر. عود .وآدم عليه السالم إمنا هبط من اجلنة فصار ببالدهم. أخذه الناس خاصة

وإنك لتجد ذلك يف القيان إذا كن من بنات . ومن مفاخر الزنج حسن اخللق، وجودة الصوت: قالوا .السند

.أنه ال يوجد يف العبيد أطبخ من السندي، هو أطبع على طيب الطبخ كله: وخصلة أخرىهنم أنفذ يف ومن مفاخرهم أن الصيارفة ال يولون أكيستهم وبيوت صروفهم إال السند وأوالد السند؛ أل

وال يكاد أحد أن جيد صاحب كيس صرييف ومفاتيحه ابن رومي وال ابن . أمور الصرف، وأحفظ وآمن .خراساين

ولقد بلغ من تربك التجار هبم أن صيارفة البصرة وبنادرة الربهبارات، ملا رأوا ما كسب فرج أبو روح .م غالما سنديا، طمعا فيما كسب أبو روح ملوالهالسندي ملواله من املال واألرضني اشترى كل امرئ منه

وكان . يعين عبيد اهللا بن أيب بكرة" األدغم سيد أهل املشرق : " وكان عبد امللك بن مروان يقول: قال .حبشي حبشته حبشة: وإياه يعين عبد اهللا بن حازم حيث يقول. أشد السودان سوادا

وقد قلنا قبل هذا يف مفاخر قحطان، وسنقول يف فخر عدنان .فهذا مجلة ما حضرنا من مفاخر السودان .على قحطان يف كثري مما قالوا إن شاء اهللا .مت كتاب فخر السودان على البيضان

يتلو إن شاء تعاىل رسالة . من تأليف أيب عثمان عمرو بن اجلاحظ، بعون اهللا تعاىل وتوفيقه، ومشيئته وتأييده .واهللا املوفق للصواب. لك يف اجلد واهلزلله أيضا إىل حممد بن عبد امل

.واحلمد هللا أوال وآخرا، وصلواته على سيدنا جممد وآله وصحبه الطيبني الطاهرين وسالمه

الرسالة اخلامسة

رسالة يف اجلد واهلزل

بسم اهللا الرمحن الرحيم

Page 71: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الصداقة دون إعطائي ليس من أجل اختياري النخل على الزرع أقصيتين، وال على ميل إىل. جعلت فداك .اخلراج عاقبتين، وال لبغضي دفع اإلتاوة والرضا باجلزية حرمتين

ومل . ولست أدري مل كرهت قريب وهويت بعدي، واستثقلت روحي ونفسي واستطلت عمري وايام مقاميسرتك سيئيت ومصيبيت وساءتك حسنيت وسالميت، حىت ساءك جتملي بقدر ما سرك جزعي وتضجري،

متيت أن أخطئ عليك فتجعل خطئي حجة لك يف إبعادي، وكرهت صوايب فيك خوفا من أن جتعله وحىت .ذريعة لك إىل تقريب

هذا احلقد يف طبقة - جعلت فداك -فإن كان ذلك هو الذي أغضبك، وكان هو السبب ملوجدتك فليس .هذا الذنب، وال هذه املطالبة من شكل هذه اجلرمية

وزنه وقع قريبا، وإذ مل يكن عدله وقع مشبها كان أهون يف موضع الضرر، وأسهل ولو كان إذ مل يكن يف .يف خمرج السماع

.فأي شيء بقيت للعدو املكاشف واملنافق املالطف، وللمعتمد املصر وللقادر املدلوعلى ومن عاقب على الصغري بعقوبة الكبري، وعلى اهلفوة بعقوبة اإلصرار، وعلى اخلطأ بعقوبة العمد،

معصية املتستر بعقوبة معصية املعلن، ومن مل يفرق بني األعايل واألسافل، وبني األقاصي واألداين، عاقب ومن خرج إىل ذلك يف باب العقاب خرج إىل مثله يف . على الزىن بعقوبة السرق، وعلى القتل بعقوبة القذف

.ن بغاية العقاب أحق، وبه اوىلومن خرج من مجيع األوزان وخالف مجيع التعديل، كا. باب الثواب

ومن الربهان . والدليل على شدة غيظك وغليان صدرك قوة حركتك وإبطاء فترتك وبعد الغاية يف احتيالك .على ثبات الغضب، وعلى كظم الذنب متكن احلقد ورسوخ الغيظ، وبعد الوثبة وشدة الصولة

ألسباب وال أعلم نارا أبلغ يف إحراق أهلها وهذا الربهان صحيح ما صح النظم، وقام التعديل، واستوت امن نار الغيظ، وال حركة أنقض لقوة األبدان من طلب الطوائل مع قلة اهلدوء واجلهل مبنافع اجلمام،

.وإعطاء احلاالت أقسامها من التدبرياملداخل، وال أعلم جتارة أكثر خسرانا وال أخف ميزانا من عداوة العاقل العامل، وإطالق لسان اجلليس

.والشعار دون الدثار، واخلاص دون العامومن احلزم أال . بعرض ظفر ما مل خيرج املطلوب، وإليه اخليار ما مل تقع املنازلة - جعلت فداك - والطالب

وال بد أيضا من حزم حيذرك . خترج إىل العدو إال ومعك من القوى ما يغمر الفضلة اليت ينتجها له اإلخراج .غي، وخيوفك ناصر املطلوبمصارع الب

ولرمبا زاد التشفي يف . فأنت على يقني من موضع أمل الغيظ من نفسك، والغيظ عذاب -أبقاك اهللا - وبعد .ولست على يقني من نفوذ سهمك يف صيدك كما أيقنت مبوضع الغيظ من صدرك. الغيظ ومل ينقص منه

ئ نار غضبه تأخر عقوبة من أغضبه، وال يسدد واحلازم ال يلتمس شفاء غيظه باجتالب ضعفه، وال يطف .سهمه إال والغرض ممكن، والغاية قريبة، وال يهرب إال واملهرب معجزة

إن سلطان الغيظ غشوم، وإن حكم الغضب جائر، وأضعف ما يكون العزم عن التصرف أضعف ما يكون

Page 72: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ر مساقط العيب ومواقع والغضب يف طباع الشيطان، واهلوى يتصور يف صورة امرأة، فال يبص. احلزم .الشرف إال كل معتدل الطباع، ومعتدل األخالط مستوي األسبابفما ظنك بسرف الغضب، وبغلبة . واهللا لقد كنت أكره لك سرف الرضا خمافة جواذبه إىل سرف اهلوى

مرارة العفو، الغيظ، وال سيما ممن قد تعود إمهال النفس ومل يعودها الصرب، ومل يعرفها موضع احلظ يف جترع .وأن املراد من األمور عواقبها ال عواجلها

ال خري يف طول : وقد قال بعض الناس. ولقد كنت أشفق عليك من إفراط السرور فما ظنك بإفراط الغيظالراحة إذا كان يورث الغفلة، وال يف الكفاية إذا كان يؤدي إىل املعجزة، وال يف كثرة الغىن إذا كان خيرج

.إىل البلدةإن داء احلزن وإن كان قاتال فإنه داء مماطل، وسقمه سقم مطاول، ومعه من التمهل بقدر . جعلت فداك

وداء الغيظ سفيه طياش، وعجول فحاش، يعجل عن التوبة، ويقطع دون . قسطه من أناة املرة السوداءخيطئ وإن ظفر، فكيف به إذا والعجول . الوصية، ومعه من اخلرق بقدر قسطه من التهاب املرة احلمراء

وأنت روح كما أنت . على أن إخفاقه يزيد يف حقيقة خطئه كما أن ظفره ال ينتقص من مقدار زهللا. أخفقوعمل اآلفة يف الدقاق والعتاق أسرع، وحدها عن الغالظ اجلفاة أكل؛ . وحشي من قرنك إىل قدمك

.فلذلك اشتد جزعي لك من سلطان الغيظ وغلبته لو كنت ابتلعت مزار بابك، وأبطلت مبر الباطل، ووردت الفظائع كلها، ونقضت الشروط بأسرها، واهللا

وأفسدت نتاجك، وقتلت كل شطر جني لك، ورفعت من الدنيا فراهة اخليل، وجعلت املروج كلها محى، طاط خلقك وكنت صداق املرادين، وبرسام األوالد، ومسخت مجيع اجلواري يف صورة أيب رملة ورددت ش

إىل جعودة أيب حثة وكنت أول من سن بيع الرجال يف النخاسني، وفتح باب الظلم ألصحاب املظامل، وحولت إليك عقل أىب دينار، وطبعت على بيان ما نويه، وأعنت على موت املعتصم، وغضبت ملصرع

حامت الريش، وكان أبو األفشني، واستجبت للديك األبيض األفرق وأحببت صاحل بن حنني، وأحوجتك إىل .الشماخ صديقي، والفارسي من شيعيت لكان ما تركبين به سرقا، ولكنت يف هذا العتاب متعديا

جعلت فداك، ال تتعرض لعداوة عقالء الرواة، ولضغينة حفاظ املثالب، وللسان من قد عرف بالصدق وال تعاقب . ذهب عنه واسعاوالتوخي، وبقله اخلطل والتنكب، ما وجدت عن ذلك مندوحة، ووجدت امل

وادا وإن اضطرك الواد، وال جتعل طول الصحبة سببا للضجر، واصرب على خلقه خري من جديد وصداقة املتطرف غرور، وماللة الصديق أفن، والعلم بأقدار الذنوب غامض، وحدود الذنوب يف .غريه

. م كثرية األشكال، ومتفاوتة يف األقدارواألجرا. ولن يعرف العقاب من جيهل قدر الذنب. العقاب خفيةوإذا أردت أن تعرف مقدار الذنب إليك من مقدار عقابك عليه فانظر يف علته وسببه، وإىل معدنه الذي منه

جنم، وعشه الذي منه درج، ومغرسه الذي منه نبت، وإىل جهة صاحبه يف التتايع والتترع، ويف النزوع وإىل حيائه عند التعريض، وإىل فطنته عند الرشق والتورية؛ فإن فضل والثبات، وإىل قحته عند التقريع،

فكل ذنب كان سببه . الفطنة رمبا دل على فرط االكتراث، وعلى قدر االكتراث يكون اإلقدام واإلحجام

Page 73: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الدالة وضيق صدر وغلظ طباع وحدة مرار، من جهة تأويل أو من جهة غلط يف املقادير، أو من طريق فرط ألنفة وغلبة طباع احلمية من بعض اجلفوة أو لبعض األثرة، أو من جهة استحقاقه عند نفسه وفيما زين له ا

من عمله، وأنه مقصر به مؤخر عن مرتبته، أو كان مبلغا عنه أو مكذوبا عليه، وكان ذلك جائزا عليه غري يف هذه اجملاري، فليس يقف عليها كرمي، ممتنع فيه فإذا كانت ذنوبه من هذا الشكل وعلى هذه األسباب، و

.وال يلتفت هلا حليمولست أمسيه بكثرة معروفة كرميا حىت يكون عقله غامرا لعلمه، وعلمه غالبا لطبعه، وحىت يكون عاملا مبا

.واسم احلليم جامع للكظم، والقدرة، والفهم. ترك، وعارفا مبا أخذ البغضة فلو مل ترض لصاحبه بعقاب دون قعر جهنم لعذرك فإذا وجدت الذنب بعد ذلك ال سبب له إال

.كثري من العقالء، ولصوب رأيك عامل من األشراف .ومىت كانت علته طبيعة البذاء، وخلقه الشرارة والتسرع، فاقتله قتل العقارب، وادمغه دمغ رءوس احليات

عطيه على اخلوف، ومتنع عرضك من جهة وإذا كان ممن ال يسيء فيك القول، وال يرصدك باملكروه إال لتالتقية فامنعه مجيل رفدك، واحتل يف منعه من قبل غريك؛ فإنك إن أعطيته على هذه الشريطة، وأعظمته من .هذه احلكومة فقد شاركته يف سب نفسك، واستدعيت األلسنة البذية إىل عرضك، وكنت عونا هلم عليك

، وال يرصدك باملكروه إال لتعطيه على اخلوف، ومتنع عرضك من جهة وإذا كان ممن ال يسيء فيك القولالتقية فامنعه مجيل رفدك، واحتل يف منعه من قبل غريك؛ فإنك إن أعطيته على هذه الشريطة، وأعظمته من .هذه احلكومة فقد شاركته يف سب نفسك، واستدعيت األلسنة البذية إىل عرضك، وكنت عونا هلم عليك

.عاقبه على ذنب لك شطره، وأنت فيه قسيمه، إال أن عليك غرمه ولك غنمهوكيف تومن العدل احملض واإلنصاف الصحيح أن حتط عن احلسود نصف عقابه، وأن تقتصر على بعض مقداره،

.ألن أمل حسده لك قد كفاك مؤونة شطر غيظك عليه. لى احلرث والنسل، وحىت على الروح والقلبوأما املواد فال تعرض له البتة، وال تلتفت لفته، ولو أتى عوانظر أنت يف حديثه وإىل خمارج لفظه، وإىل . وال تغتر بقوله إين واد، وال حتكم له بدعواه بأين جد وامق

وتأمل مقدار . حلن قوله، وإىل طريقته وطبيعته، وإىل خلقه وخليقته، وإىل تصرفه وتصميمه وإىل توقفه وهتورهقلة اكتراثه، وانظر إىل غضبه فيك ولك، وإىل انصرافه عمن انصرف عنك وميله إىل من مال جزعه من

بل ال تقض له جبماع ذلك ما كان . إليك، وإىل تسلمه من الشر وتعضه له، وإىل مداهنته وكشف قناعهت، وتستوي ذلك يف أيام دولتك ومع إقبال من أمرك، وإن طالت األيام وكثرت الشهور، حىت تنتظم احاال

.فيه األزماننعم، مث ال حتكم له بذلك حىت تكون حاله مقصورة على حمبتك، وحمنوة على نصيحتك، بالعلل اليت توجب

واألسباب اليت تسخر القلوب للمودات، كالعلل الثابتة يف الصنيعة، واألسباب املوجودة مع موىل . األفعال، وخالف علل الصديق الذي مل يزل يرى أنه مثلك، وأنه العتاقة؛ فإن عللهما خالف علل موىل الكاللة

.يستوجب منك استيجابك، وال سيما إذا كانت الصنيعة أنت ابتدأهتا، وأنت أبو عذرهتا

Page 74: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فإن أنت مل حتكم له بالغاية مع اجتماع هذه العلل فيه، ومع توافيها إليه، ومل تقض له بأقصى الغاية مع لدالئل، وتعاون هذه الربهانات، فكل خرب بينة زور، وكل داللة ترادف هذه األسباب وتكامل هذه ا

إال أن يكون يف اخلرب دليل، " . دالئل األمور أشد تثبيتا من شهادات الرجال : " وقد قال األول. فاسدةومع الشهادة برهان؛ ألن الدليل ال يكذب وال ينافق وال يزيد وال يبدل، وشهادة اإلنسان ال متتنع من

.لك، وليس معها أمان من فساد ما كان اإلمكان قائماذوبعد مىت صار اختيار النخل على الزرع حيقد اإلخوان، ومىت صار تفضيل احلب وتقريظ الثمر يورث

اهلجران، ومىت متيزوا هذا التميز وهتالكوا هذا التهالك؟ ومىت صار تقدمي النخلة ملة، وتفضيل السنبلة خنلة؟ احلكم للنعجة نسبا وللكرمة صهرا، ومىت تكون فيها ديانة وتستحكم فيها بصرية، وحيدث عنها ومىت صار

.محيةوقد كنا نعجب من حرب البسوس يف ضرع ناب، ومن حرب بعاث يف خمرف متر، ومن حرب غطفان يف

كل قبيح، فجئتنا أنت بنوع من العجب أبطل كل عجب، وآنسنا بكل غريب، وحسن عندنا . سبق دابة .وقرب عندنا كل بعيد

غضبك فمثلي جهل ما ال علة له، وإن عجزت عن احتمال عقابك فمثلي ضج -أعزك اهللا -فأن جهلت وال عار على جازع إال فيما ميكن يف مثله الصرب، وال لوم على جاهل فيما ال ينجح يف . مما ال يطيق محله

.مثله الفكرأول كيد أرغته، وال هي بأول زبية غطيتها وسترهتا، وحيلة أكمنتها وليس هذا أول شرك نصبته، وال

.وربصتها .وقد كانت التقية واالقتصاد أسلم، بل كان العفو أرحم، والتغافل أكرم

واألناة أبلغ يف احلزم، وأبعد من الذم، . وال خري يف عقوبة تشمت العدو املتقادم، وينادي هبا العدو احلادثعليك باألناة؛ فإنك على إيقاع ما أنت موقعه أقدر : " وقد قال األول. عد من خرق العجلةوأمحد مغبة وأب

:فقد أخطأ من قال" . منك على رد ما قد أوقعته وقد يكون مع املستعجل الزلل... وقد يدرك املتاين بعض حاجته

قد وىف املعىن حقه، وإن كان واملتأين بدرك حاجاته أحق، واملستعجل بفوت حاجاته أخلق، لكان: بل لو قالوينبغي أن يكون . ولوال أنه اشتق املستعجل من العجلة ملا قرنه باملتأين. القول األول موزونا والثاين منثورا

فجعل الكالم الذي خرج جوابا عند ما يعرض من السبب، " . رب عجلة هتب ريثا : " الذي غلطه قوهلمفإذا مسيت العمل عجلة وريثا فاقض على الريث . له صاحبه مثال عاماكالكالم الذي خرج ارجتاال، وجع

.بكثرة الفوت، وبقدر ذلك من العجز، وعلى العجلة بقلة النجح، وبقدر ذلك من اخلرقواألناة وإن طالت فليست من . والريث واألناة يف بلوغ األمل وإدراك النعمة كانتهاز الفرصة واهتبال الغرة

.نتهاز الفرصة وإن كان يف غاية السرعة فليس من جنس العجلةجنس الريث، واوربت كلمة ال توضع إال على معناها الذي جعلت حظه، وصارت هي حقه والدالة عليه دون غريه،

كاحلزم والعلم، واحللم والرفق، واألناة واملداراة، والقصد والعدل وكاالنتهاز واالهتبال، وكاليأس واألمل،

Page 75: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.لعجلة، واملداهنة والتسرع، والغلو والتقصريوكاخلرق واوربت كلمة تدور مع خلتها، وتتقلب مع جارهتا، وعلى قدر ما تقابل من احلاالت، وتالقي من األسباب، كاحلب والبغض، والغضب والرضا، والعزم واإلرادة، واإلقبال واإلدبار، واجلد والفتور؛ ألن هذا الباب

.الشر، ويكون حممودا ويكون مذمومااألخري يكون يف اخلري و. صاحب تغرير وخماطرة، إن ظفر مل حيمده عامل، وإن مل يظفر قطعته املالوم -أعزك اهللا - وصاحب العجلة

وصاحب األناة إن ظفر نغع غريه بالغنم، . والريث أخو املعجزة، ومقرون باحلسرة، وعلى مدرجة الالئمةوإن حرم فمبسوط عذره، ومصوب . كره دوام شكره، وحفظ فيه ولدهونفع نفسه بثمرة العلم، وأطاب ذ

رأيه مع انتفاعه بعلمه وما جيد من عز حزمه ونبل صوابه، ومع علمه بالذي له عند العقالء، وبعذره عند .األولياء واألعداء

: يدهق يف حبسهوما عندي لك إال ما قال الدهقان ألسد بن عبد اهللا وهو على خراسان، حني مر به وهو إن السموات تنفرج لدعوة املظلوم، فاحذر من ليس له ناصر إال . إن كنت تعطى من ترحم فارحم من تظلم

.اهللا، وال جنة إال الثقة بنزول الغري، وال سالح إال االبتهال إىل املوىل ال يعجزه شيء

إبطاء العقاب من ناصر مىت شاء أن يغيث يا أسد، إن البغي يصرع أهله، وإن الظلم مرتعه وخيم، فال تغتر بومن . ومجيع أهل السعادة إما سامل من ذنب، وإما تارك إصرار. وقد أملى لقوم كي يزدادوا إمثا. أغاث

- وسواء . رغب عن التمادي فقد نال أحد املغنمني، ومن خرج من السعادة فال غاية له إال دار الندوةفشاور لبك، وناظر حزمك، وقف . غشم، أو ظلمت بالدحس والدسظلمت بالبطش وال - جعلت فداك

.قبل الوثبة، واحذر زلة العاملمن استشار املاللة وقلد طبيعته االستطراف، وجعل اخلطوة ذنبا، والذنب ذنوبا، ومقدار : وقد قال صاحبكم

ي ال يعبأ به، وبلغ بالبطش إىل حيث الطرفة إصرارا، والصغري كبريا، والقليل كثريا، عاقب على املتروك الذال بقية معه، ورأى أن القطيعة اليت ال صلة معها، والتخليج الذي ال جتمل معه، احلزم احملمود؛ وأن االعتزام

.يف كل موضع هو الرأي األصيلمر عليه دون من كانت طبيعته مأمونة عليه عند نفسه، وكان هواه رائده الذي ال يكذبه، واملتأ: وقال أيضا

عقله، ومل يتوكل ملا ال يهواه على ما يهواه، ومل ينصر تالد اإلخوان على الطارف، ومل ينصف اململول املبعد من املستطرف املقرب، ومل خيف أن جتتذبه العادة، وتتحكم عليه الطبيعة، فلريسم حججهما، ويصور

جهابذة املعاين وأطباء أدواء العقول، على أال صورمها، يف كتاب مفرد أو لفظ مسموع، مث يعرضهما على فإن مل يستعمل ذلك . خيتار إال من ال يدري أي النوعني يبغي، وعلى أيهما حيامي، وأيهما دواؤه وأيهما داؤه

.مبا فضل له من سكر سوء العادة، مل يزل متورطا يف اخلطاء مغمورا بالذمإين ألعجب ممن : وتقول. أنك تشري على من غري أن تنصينمسعتك وأنت تريدين وكأنك تريد غريي، وك

ترك دفاتر علمه متفرقة مبثوثة، وكراريس درسه غري جمموعة وال منظومة، كيف يعرضها للتجرم، وكيف ال وعلى أن الدفاتر إذا انقطعت حزامته، واحنل شداده، وخترمت ربطه، ومل يكن دونه وقاية . مينعها من التفرق

Page 76: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

والدفتان . نة، تفرق ورقه؛ وإذا تفرق ورقه اشتد مجعه، وعسر نظمه، وامتنع تأليفه، ورمبا ضاع أكثرهوال جوينبغي لألشكال أن تنظم ولألشباه أن تؤلف؛ فإن . أمجع وضم اجللود إليها أصون، واحلزم هلا أصلح

فإذا فعلت ذلك صرت . ضعف قوةالتأليف يزيد األجزاء احلسنة حسنا، واالجتماع حيدث للمتساوي يف المىت وجدت بعضها فقد وجدت كلها، ومىت رأيت أدناها فقد رأيت أقصاها؛ فإن نشطت لقراءة مجيعها

.مضيت فيهاوإذا كانت منظومة، ومعروفة املواضع معلومة، مل حتتج إىل تقليب القماطر على كثرهتا، وال تفتيش الصناديق

نتها وقلت فكرتك فيها، وصرفت تلك العناية إىل بعض أمرك، مع تفاوت مواضعها، وخفت عليك مؤو .وادخرت تلك القوة لنوائب غدك

وعلى أن ذلك أدل على حبك للعلم، واصطناعك للكتب، وعلى حسن السياسة، والتقدم يف إحكام .الصناعةدور، وال مبددا يف ألمر ما مجعوا أسباع القرآن وسوره يف مصحف، ومل يدعوا ما فيه مفرقا يف الص: وقلت

على ذلك أمجع املسلمون، والسابقون األولون، واألئمة الرشيدة، واجلماعة . الدفاتر، ومفرقا يف القماطر .احملمودة، فتوارثه خلف عن سلف، وتابع عن سابق، وصغري عن كبري، وحديث عن قدمي

ة نبغت، أو صدر جاش فلم يملك، ومل أشك يف أهنا نصيحة حازم، ومشورة وامق، أو رأي حضر أو حكم .أو علم فاض فلم يرد، استعمله من استعمله، وتركه من تركه

فلما أخذت بقولك، وصرت إىل مشورتك وأكثرت محد اهللا على إفادتك من العلم وحظ عنايتك من النقل، ييز الصناع، ويف ختير ومجعت البعض إىل البعض، والشكل إىل الشكل، وتقدمت يف استجادة اجللود، ويف مت

البياعات، وغرمت املال، وشغلت البال، وجعلتها مصحفا مصحفا، وأمجلتها صنفا صنفا؛ ورأيت أين قد أحكمت شأين، ومجعت إىل أقطاري، ورأيت أن أنظر فيها وأنا متسلق وال أنظر فيها وأنا منتصب، استظهارا

عايل، وإذ كان االنتصاب يسرع يف إدخال الوهن على على تعب البدن؛ إذ كانت األسافل مثقلة باألاألصالب؛ وألن ذلك أبقى على نور البصر، وأصلح لقوة الناظر؛ إذ كل واحد من هذه املصاحف قد

.وإذا ثقل أنكأ الصدر، وأوهن العظم. أعجز يدي بثقل جرمه، وضيق صدري جبفاء حجمهظهري، واجتمع الدم يف وجهي، وأكرهت بصري وإذا أنا نظرت فيها وانا جالس سدرت عيين، وتقوس .على غري جهته، وأجريت شعاع ناظري يف غري جمراه

مع خربتك مبقابح األمور، ومواقع املنافع واملضار، مث مبصاحل العباد والبالد، أن - أبقاك اهللا -وقد علمت وجد ذلك على العني من كان على مقطع جبل، أو على شرفات قصر، فأراد رؤية السماء على بعدها، فإن بدا يل أن يقابل . سهال خفيفا، وإن أراد أن يرى األرض على قرهبا، وجد ذلك على العني عبئا ثقيال

عيين به العبد، أو تواجهين به األمة، كلفت أخرق الناس كفا، وأقلهم وفقا، وأكثرهم التفاتا، واحضرهم هم مبقدار املوافقة، وملقادير املقابلة، وحبط اليد ورفعها، وإمالتها نعاسا، وأقلهم على حال واحدة ثباتا، وأجهل

مث رأيت يف تضجرهم وتكرههم وفرارهم منه،ما صير جتشمي لثقل وزنه، ومقاسايت جلفاء حجمه، . ونصبها

Page 77: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فإن تعاطيته عند ذلك بنفسي فشقاء حاضر، وإن ألزمته غريي فغيظ . أهون على يدي، وأخف على قليبوحىت صارت احلال فيها داعية إىل ترك درسها واملعاودة لقراءهتا، مع ما كان فيها من الفائدة احلسنة، . اتلق

.واملنافع اجلامعة، ومن شحذ الطبيعة، ومتكني حسن العادةولو مل يكن يف ذلك إال الشغل عن خوض اخلائضني، والبعد عن هلو الالهني، ومن الغيبة للناس والتمني ملا

.أيديهم، لقد كان نفع ذلك كثريا، وموقعه من الدين والفرض عظيما يفوإذا تطاول . ومىت دام االستثقال أحدث اهلجران. ومىت ثقل الدرس تثاقلت النفس، وتقاعست الطبيعة

وعلى قدر احلاجات . ويف ترك النظر عمي البصر، ويف إمهال الطبيعة كالل حد الطبيعة. الكد رسخ الزهدن اخلواطر، كما أنه على قدر غريزة العقل تصح احلوائج وتسقم، وعلى قدر كثرة احلاجة تتحرك تكو

. اجلارحة ويتصرف اللسان، ومع قلة احلركة وبعد العهد بالتصرف حيدث العي ويظهر العجز ويبطئ اخلاطر .ومع ذهاب البيان يفسد الربهان، ويف فساد الربهان هالك الدنيا وفساد الدين

.فحسبك اآلن من شج من يأسوك، ومن قتل من يقتل فيك. فقد بلغت ما أردت، ونلت ما حاولتوليس ينجيين منك معقل وعل، وال . إنه ليس يومي منك بواحد، وأنا على عقابك أوجد. جعلت فداك

س ينجيين ولي. مفازة سبع، وال قعر حبر، وال رأس طود، وال دغل والدحل، والنفق وال مغارة وال مطمورةوإال فأنا أول من ابتلعته تلك . فإن أعرتين قلبه وعلمتين حيلته، وأمكنتين من سكينه. منك إال مفازة املهلب

.أعفين من حية املهلب مث اقتلين أي قتلة شئت. وال واهللا إن يب قوة على الثعبان، فكيف التنني. احليةوغما طويال، وطال اغترايب وافتراق أاليف، وتعرضت للعدو، إن احترست منك ألفيت لنفسي كدا شديدا،

فإن استرسلت إليك مل تر أن تقتلين إال شر قتلة وآملها، ومل تعذبين إال بأشد النقم . وحترشت بالسباع: ولو أردت ذحبي الخترت الكليل على املرهف، والتطويل على التذفيف، حىت كأين علمت عليك. وأطوهلا

.، أو أكلت سبعة وأطعمتك واحدة" ه مات شا" ولقد تقدمت يف املكر واستظهرت علي يف الكيد، حىت توليت ذلك يف صغار كتيب وفيما ال حتفل به من

للنهار، وأن الكتاب اليقرأ إال ليال والنريان زاهرة، ......دوام أمري، وعلمت أن الدرس لليل وأن االوأن . ن كل من ضعف بصره وكل نظره، فإنه أبدا أقرب مصباحا واعظم ناراوعلمت أ. واملصابيح مقربة

احملرور احملترق، واملمرور امللتهب، والبائس املتهافت، إذا كان صاحب كتب ودرس، أنه ال جيد بدا من وما فيهما . فخيرتين بني العمي واجلهل. الصرب على ما يحرقه ويعميه، أو الترك للقراءة فيها والتعرض هلا

.حظ ملختارإذا سخن بدنه سجن بوله، وإذا سجن بوله جرح مثانته وأحرق كليته، وطبخ فضول غذائه، : وقلت

وجفف ما فضل عن استمرائه فأحاله حصى قاتال وصخرا جامدا، وهو دقيق القضيب ضيق اإلحليل، فإذا .لتعذيبحصاه يورثه األسر، ويف ذلك األسر تلف النفس أو غاية ا

.فإن ابتليت بطول عمره أقام فينا مشغوال بنفسه، وإن ذهب عنا فقد كفانا مؤونة احليلة يف أمره: وقلتوما هذا التتبع لغوامض املسألة، والتعرض لدقائق ! جعلت فداك، ما هذا االستقصاء وما هذا البالء؟

Page 78: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وما ! لترقي إىل كل ما حيط من قدري؟وما هذا ا! وما هذا التغلغل يف كل شيء خيمل ذكرى؟! املكروه؟ !عليك أن تكون كتيب كلها من الورق الصيين، ومن الكاغد اخلرساين؟

مل زينت النسخ يف اجللود، ومل حثثتين على األدم، وأنت تعلم أن اجللود جافية احلجم، ثقيلة الوزن، : قل يللو مل يكن فيها إال أهنا تبغض إىل أرباهبا نزول الغيث، و. إن أصاهبا املاء بطلت، وإن كان يوم لثق استرخت

.وتكره إىل مالكيها احليا، لكان يف ذلك ما كفى ومنع منهافضال على أن متطر، -وإن نديت . قد علمت أن الوراق ال خيط يف تلك األيام سطرا، وال يقطع فيها جلدا

مل تعد إىل حاهلا إال مع تقبض شديد، وتشنج ومىت جفت. استرسلت فامتدت - وفضال على أن تغرق يغش الكويف بالواسطي، والواسطي بالبصري، وتعتق لكي : وهي أننت رحيا وأكثر مثنا، وأمحل للغش. قبيح

وهي أكثر عقدا وعجرا، وأكثر خباطا وأسقاطا، والصفرة إليها أسرع، . يذهب رحيها وينجاب شعرهاولو أراد صاحب علم أن حيمل منها قدر ما يكفيه يف سفره ملا كفاه محل . يها أعموسرعة انسحاق اخلط ف

.ولو أراد مثل ذلك من القطىن لكفاه ما حيمل مع زاده. بعريعليك هبا فإهنا أمحل للحك والتغيري، وأبقى على تعامر العارية وعلى تقليب األيدي، ولريدها مثن، : وقلت يل

وليس لدفاتر القطين أمثان يف السوق وإن كان فيها كل . منها ينوب عن اجلدد ولطرسها مرجوع، واملعادولو عرضت عليهم عدهلا يف عدد الورق جلودا مث كان فيها . حديث طريف، ولطف مليح، وعلم نفيس

.كل شعر بارد وكل حديث غث، لكانت أمثن، ولكانوا عليها أسرع. الدواوين، ويف الصكاك والعهود، ويف الشروط وصور العقاراتوعلى اجللود يعتمد يف حساب : وقات

وهن أصلح للجرب ولعفاص اجلرة وسداد . وفيها تكون منوذجات النقوش، ومنها تكون خرائط الربدوزعمت أن األرضة إىل الكاغد أسرع، وأنكرت أن تكون الفأرة إىل اجللود أسرع، بل زعمت . القارورة

أسرع وله أفسد، فكنت سبب املضرة يف اختاذ اجللود واالستبدال بالكاغد، وكنت سبب أهنا إىل الكاغد البلية يف حتويل الدفاتر اخلفاف يف احململ، إىل املصاحف اليت تثقل األيدي وحتطم الصدور، زتقوس الظهور،

.وتعمي األبصاردون كل جملد، وأال يرموا مجع وقد كان يف الواجب أن يدع الناس اسم املصحف للشيء الذي مجع القرآن

.شيء من أبواب التعلم بني الدفتني، فيلحقوا مبا جعله السلف للقرآن غري ذلك من العلومما كان عليك أن يكون يل ولد حييي ذكرى وحيوى مرياثي، وال أخرج من الدنيا . دع عنك كل شيء

وال يرتع فيه املعدلون يف زمان السوء، وال تصطنع فيه حبسريت، وال يأكله مراء يرصدين، وابن عم حيسدين،فقد رأيت صنيعهم يف مال املفقود واملناسخة والوارث الضعيف، ومن مات بغري . الرجال، ويقضي به الذمام

.وصيةجعلت فداك، إن النفوس ال جتود ملوىل الكاللة مبا جتود به ألوالد األصالب وما مس تلك األصالب؛ ألن

م املاسة والقرابة امللتصقة، واللحمة امللتحمة، وإن أملت التركة ونازعت إىل املورث، فمعها ما يأطرها الرح .وقد يشفع للولد إىل أبيه حال أبية كانت من أبيه. ويثنيها، وحيزهنا ويبكيها، وحيرك دمها ويستغرز دمعها

Page 79: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

بالقريب احملنو على رمحه، وسببه اجلاذب له إىل متي وابن العم الذي ليس بالبعيد فيحتك من جسده، وليسممايت أمنت من سببه إىل متني بقائي، وهو إىل احلال املوجبة للقسوة والغلظة أقرب منه إىل احلال املوجبة للرقة

وليس ينصرك إذا نصرك وال حيامي عليك لقرابته منك، ولكن لعلمه بأنه مىت خذلك حل به . والعطففهو يريد بنصره من ال جيب عليه شكره، ويقوي ضعف غريه . اجترأ بعد ضعفك عليه عدوهضعفك، و

.بدفع الضعف عن نفسهما كان عليك من بين صغري يكون يل، وال سيما ولست عندك ممن يدرك كسبه أو تبلغ . جعلت فداك

.نصرته، أو يعاين بره أو يؤمل إمتناعهين، أن يكون يل رحيانة أمشها ومثرة أضمها، وأن أجد إىل األماين به وما كان عليك مع كرب سين وضعف رك

سببا، وإىل التلهي سلما، وأن تكثر يل من جنس سرور احلامل، وبقدر ماميتع به راجيالسراب الالمع، حتى وحىت صيرين حببت قصر عمري إىل وليي، وشوقته إىل ابن عمي؛ وحىت ذدت فيما عنده مع كثرة ما عنده، .حبه ملويت إىل حب موته، وتأميل مايل إىل تأميل فقره؛ وحىت شغلتين عمن كان يشغل عدوي عين

وإمنا يعذب اهللا . وسواء أعبت على أال يكون يل ولد قبل أن يكون، أو عبت على أال يكون بعد أن كان .على النية والقصد، وعلى التوخي والعمد

.أو احتلت يف أال يكون بعد أن ملكته. ل يف أال يكون يل مال قبل أن أملكهوكما أنه سواء أن حتتاوكنت ال أدري ما كان وجه حبك إلعنايت، والتشييد بذكر تراثي، والتنويه بامسي، وال مل زهدتين يف طلب

.الولد، ورغبتين يف سرية الرهبانومل تكثر مايل إال لتقوي العلة يف قتلي، فياهلا فإذا أنت مل ترفع ذكري يف األغنياء إال لتعرض ذنيب للفقراء،

لقد مجع هذا التدبري لطافة الشخص ودقة املسلك، وبعد . مكيدة ما أبعد غورها، وياهلا حفرة ما أبعد قعرها .الغاية

واهللا لو دبرها اإلسكندر على دارا بن دارا، أو استخرجها املهلب على سفيان بن األبرد، وفتحت على ة يف مكيدة خازم بن خزمية، ولو دبرها لقيم بن لقمان على لقمان بن عاد، ولو أراغها قيس بن زهري هرمث

على حصن بن حذيقة، ولو توجهت لكهان بين أسد على دهاة قريش لقد كان ذلك من تدبريهم نادرا . ء، وعن جذمية يف مشاورة قصريوإهنا لترتفع عن قصري يف كيد الزبا. بديعا، ولكان يف مكايدهم شاذا غريبا

وما إخاهلا إال ستدق على ابن العاص، وتغمض على ابن هند، ويكل عنها أخو ثقيف، ويستسلم هلا ابن .مسية

هذا واهللا التدبري ال خماريق العراف، وتزاويق الكاهن، وهتاويل احلاوي، وال ما ينتحلها صاحب الرئي؛ بل .ر هبا سحرة بابلتضل فيها رقي اهلند، وتق

فلو كنت إذ أردت ما أردت، وحاولت ما حاولت، رفعت قبل كل شيء املؤانسة، مث أبيت املؤاكلة، مث قطعت الرب، مث أذنت مع العامة، مث أعملت احلرمان، مث صرحت باجلفوة، مث أمرت باحلجاب، مث صرمت

لكنت واحدا ممن يصرب أو جيزع، احلبل، مث عاديت واقتصدت، مث من بعد ذلك كله أسرفت واعتديت،

Page 80: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ولكن فجاءات احلوادث . فلعلي كنت أعيش بالرفق، وأتبلغ حبشاشة النفس، وأعلل نفسي بالطمع الكاذبفلم تدع غاية يف صرف ما بني طبقات . وبغتات البالء ال يقوم هلا احلجر القاسي، وال اجلبل الراسي

فقد مت اآلن فمع من تعيش؟ بل قد . صم الظهر إال بلغتهاالتعذيب إال أتيت عليها، وال فضول ما بني قواقتلت أنا : ، كما قال ديوست املغني لكسرى حني أمر بقتله لقتله تلميذه بلهبذ!قتلتين فمن اآلن تعاشر

.خلوا سبيله؛ فإن الذي بقي من عمره هو الذي أنطقه هبذه احلجة: بلهبذ، وتقتلين، فمن يطربك؟ قالإياك واالستمتاع بشيء ال : فقد قال جالينوس! د قتلتين فمع من تعيش؟ أمع الشطر جنيني؟ق: ولكين أقول .يعم نفعه

إن الكالم إمنا صار أفضل من الصمت؛ ألن نفع الصمت ال يكاد يعدو الصامت، ونفع الكالم يعم القائل .والسامع، والغائب والشاهد، والراهن والغابر

ل الكالم على الصمت، أنك بالكالم خترب عن الصمت وفضله، وال خترب بالصمت ومما يدل من فض: وقالوا .ولو كان الصمت أفضل لكانت الرسالة صمتا، ولكان عدم القرآن أفضل من القرآن. عن فضل الكالم

رحم اهللا امرأ قال : " وقد فرق بينهما رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وفضل وميز وحصل، حيث قالفجعل حظ السكوت السالمة وحدها، وجعل حظ القول اجلمع بني الغنيمة " . ا فغنم، أو سكت فسلم خري

.وقد يسلم من ال يغنم، وال يغنم إال من سلم. والسالمة .فأما الدواب فمن يضع املركب الكرمي إىل الصاحب الكرمي؟ ومن يعدل إمتناع هبيمة بإمتناع أديب

.ر فيما جربنا من مجيع األصناف أبلغ يف خري وشر من صاحبمل ن: قالت ابنة النعمانما أجد أوىل بتويل ذلك من : وملا عزم ابن زياد على احلقنة بعد أن كان تفحشها قال له حارثة بن بدر

.كال، فأين الصاحب: قال عبيد اهللا. الطبيبف ربرب، وصار لك كل هنر واهللا أن لو نتجت يف كل عام ألف شبديز، وأحبلت يف كل ليلة أربعة آال

وأكلت رأس اجلنيد بن حاق األشيم، وأحبلت ابن ألغز من إفراط الشبق، ملا .املبارك بدال من بعض بابككان ينبغي لك أن تعاملنا هبذه املعاملة، وال كان ينبغي أن تقتلنا هذه القتلة، ولو اقتصرت من العقوبة على

.لكان أمثلشيء دون شيء لكان أعدل، ولو عفوت البتة .وليس يعاقب إال غضبان. إن االعتزام على قليل العقاب يدعو إىل كثريه، ومبتدئ العقاب بعرض جلاج

.والغضب يغلب العزم على قدر ما مكن، وحيير اللب بقدر ما سلط .والغضب يصور لصاحبه مثل ما يصور السكر ألهله

غه احلركة، وميتلئ بدنه رعدة، وتتزايل أخالطه، وتنحل والغضبان يشعله الغضب، ويغلي به الغيظ، وتستفروعلى . عقده، وال يعتريه من اخلواطر إال ما يزيده يف دائه، وال يسمع من جليسه إال ما يكون مادة لفساده

.أنه ربما استفرغ حىت ال يسمع، واحترق حىت ال يفهميف عادته، ملا وسوس إىل غضبان وال زين له، وملا فتح ولوال أن الشيطان يريد أال خيلو من عمله، وال يقصر

.عليه؛ إذ كان قد كفاه، وبلغ أقصى مناه

Page 81: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وليس يصارع الغضب أيام شبابه وغرب نابه شيء إال صرعه، وال ينازعه قبل انتهائه وإدباره شيء إال فإما إذا . ويف قطع علله وإمنا حيتال له قبل هيجه، ويتوثق منه قبل حركته، ويتقدم يف حسم أسبابه. قهره

متكن واستفحل، وأذكى ناره واشعل، مث القى ذلك من صاحبه قدرة، ومن أعوانه مسعا وطاعة، فلو سعطته بالتوراة، ووجرته باإلجنيل، ولددته بالزبور، وأفرغت على رأسه القرآن إفراغا، وأتيته بآدم عليه السالم

. أن يعار أضعاف قدرتهشفيعا ملا قصر دون أقصى قوته، ولتمىن .أن أقرب ما يكون العبد من غضب اهللا إذا غضب: وقد جاء يف األثر

.ليس يسكن الغضب إال ذكر غضب الرمحن عز وجل: قال قتادة .إال أن يريد الذكر باللسان. ذكر غضب الرب مينع من الغضب: وقال عمرو بن عبيد

.ويسمىاملتوجد غضبان، والذكور حقودابعد مضيك يف عقايب التماسا للعفو عين، وال تقصر عن إفراطك من طريق الرمحة - حفظك اهللا -ف فال تق

يل؛ ولكن قف وقفة من يتهم الغضب على عقله، والشيطان على دينه، ويعلم أن للعقل خصوما، وللكرم .أعداء

متسك إمساك من ال يربئ وإن من النصف أن تنتصف لعقللك من خصومه، وتنتصف لكرنك من عدوه،و .نفسه من اهلوى، وال يربئ اهلوى من اخلطأ

وال تنكر لنفسك أن تزل، ولعقلك أن يهفو؛ فقد زل آدم عليه الالم وهفا، وعصى ربه وغوى، وغره عدوه هذا وقد خلقه اهللا بيده، وأسكنه يف . وخدعه خصمه، وعيب باختالل عزمه وسكون قلبه إىل خالف ثقته

وال جيوز أن . أمنه، وأسجد له مالئكته، ورفع فوق العاملني درجته، وعلمه مجيع األمساء جبميع املعايندار . واالسم بال معىن لغو، كالظرف اخلايل. يعلمه االسم ويدع املعىن، ويعلمه الداللة وال يضع له املدلول عليه

ولو أعطاه . اللفظ للمعىن بدن، واملعىن للفظ روح .واألمساء يف معىن األبدان واملعاين يف معىن األرواح .األمساء بال معان كمن وهب شيئا جامدا ال حركة له، وشيئا ال حس فيه، وشيئا ال منفعة عنده

.وال يكون اللفظ امسا إال وهو مضمن مبعىن، وقد يكون املعىن وال اسم له، وال يكون اسم إال وله معىنولسنا نعين معاين تراكيب . إخبار أنه قد علمه املعاين كلها" وعلم آدم األمساء كلها : " هيف قوله جل ذكر

وليس ملا فضل عن مقدار املصلحة . األلوان والطعوم واألراييح، وتضاعيف األعداء اليت ال تنتهي وال تتناهى .شيء، ومعىن: وهناية الرسم اسم إال أن تدخله يف باب العلم فتقول

وكذلك خاص . األمساء اليت تدور بني الناس إمنا وضعت عالمات خلصائص احلاالت، ال لنتائج التركيبات .اخلاص ال اسم له إال أن جتعل اإلشارة املقرونة باللفظ امسا

لغ فأما العلوم املبسوطة فإهنا تب. وإمنا تقع األمساء على العلوم املقصورة، ولعمري إهنا لتحيط هبا وتشتمل .مبالغ احلاجات مث تنتهي

هذا . فإذا زعمت أن اهللا تبارك وتعاىل علم آدم األمساء كلها مبعانيها، فإمنا تعين هناية املصلحة ال غري ذلكوآدم هو الشجرة وأنت مثرة، وهو مساوي وأنت أرضي، وهو األصل وأنت الفرع، واألصل أحق بالقوة

.والفرع أوىل بالضعف

Page 82: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ن متسك إال ريثما تسكن إليك نفسك، ويرتد إليك ذهنك،وحىت توازن بني شفاء الغيظ فلست أسألك أواالنتفاع بثواب العفو، وترى احللم وما جيلب من السالمة وطيب األحدوثة، وترى تضرم الغضب وما

.يفضي ألهله من فضل القوةا خرج من سكر شرابه، والنهزم إذا على أن العقل إذا ختلص من سكر الغضب أصابه ما يصيب املخمور إذ

.عاد إىل أهله، واملربسم إذا أفاق من برسامه

. وما أشك أن العقل حني يطلق من إساره كاملقيد حني يفك من قيوده؛ ميشي كالنزيف، وحيجل كالغراببعد مباينته له فإذا وجب عليك أن حتذر على عقلك مخامرة داء الغضب بعد ختلصه، وأن تتعمده بالعالج

وختلصه من يده، فما ظنك به وهو أسري يف ملكه، وصريع حتت كلكله، وقد غطه يف حبره، وغمره بفضل .قوته

وقد زعموا أن احلسن حضر أمريا قد أفرط يف عقوبة بعض املذنبني، فكلمه فلم حيفل بكالمه، وخوفه فلم .شءت اآلن فأقل، وإن شئت فأكثر إنك إمنا تضرب نفسك، فإن: يتعظ بزجره، فقال

اعلم أنك :ومعاذ اهللا أن أقول لك كما قال احلسن لذلك الظامل املعتدي، واملصمم القاسي، ولكين أقولوإن كان القتل حيل بإحالل املقتول، ويسقط عنه عقابه هببة املظلوم؛ . تضرب من قد جعلك من قتله يف حلاآلخرة يف الدنيا؛ وإن كان ذلك مما جتود به النفس يوم احلاجة إىل ولو أمكن يف الدين تواهب قصاص

.الثواب وإىل رفع العقاب، وكان الوفاء مضمونا لكنت أول من أمسحت بذلك نفسه، وانشرح به صدرهجعلت فداك، إني قد أحصيت مجيع أسباب التعادي، وحصلت مجيع علل التضاغن، إال علة عداوة الشيطان

وعلى حال فقد عرفتها من . سان؛ فإين ال أعرف إال جمازها يف اجلملة وال أحق خاصتها على التحصيللإلن .فأما هذا التجني فلم أعرفه يف خاص وال عام. طريق اجلملة وإن جهلتها من طريق التفصيل

أمنت أسباهبم إىل ومن. فمن أسباب العداوات تنافس اجلريان والقرابات، وحتاسد األشكال يف الصناعاتالشر وأسرعها إىل املروءة والعقل، وأقدحها يف العرض وأحبطها على الدين، التشاح على املواريث،

. فإن اتفق أن يكون بني املتشاكلني يف القرابة كان السبب أقوى، والداء أدوى. والتنازع يف ختوم األرضنيولذلك كتب . لقرابة واستواء احلظ يف الصناعةوعلى حساب ذلك إن مجعت هذه اخلصومة مع اجلوار وا

ومل أعجب من . أن ردوا القرابات عن حرا القضاء فإن ذلك يورث التضاغن: عمر رضي اهللا عنه إىل قضاتهدوام ظلمك، وثباتك على غضبك، وغلظ قلبك، ودورنا بالعسكر متجاورة، ومنازلنا مبدينة السالم

نرجع يف النحلة إىل مذهب واحد؛ ولكن اشتد عجيب منك اليوم وأنا متقابلة، وحنن ننظر يف علم واحد، وبفرغانة وأنت باألندلس، وأنا صاحب كالم وأنت صاحب نتاج، وصناعتك جودة اخلط وصناعيت جودة

فلو كنت إذ كنت من . احملو، وأنت كاتب وأنا أمي، وأنت خراجي وأنا عشري، وأنت زرعي وأنا خنلي .ن متيم، كان ذلك إىل العداوة سببا، وإىل املنافسة سلمابكر كنت م

أنت أبقاك اهللا شاعر وأنا راوية، وأنت طويل وأنا قصري، وأنت أصلع وأنا أنزع، وأنت صاحب براذين وأنا صاحب محري، وأنت ركنب وأنا عجول، وأنت تدبر لنفسك وتقيم أود غريك، وتتسع جلميع الرعية، وتبلغ

Page 83: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأنت منعم وأنا شاكر، وأنت ملك . أقصى األمة، وأنا أعجز عن نفسي وعن تدبري أميت وعبدي بتدبريكوأنا سوقة، وأنت مصطنع وأنا صنيعة، وأنت تفعل وأنا أصف، وأنت مقدم وأنا تابع، وأنت إذا نازعت

ولو تركت لو كنت قلت كذا كان أجود، : الرجال وناهضت األكفاء مل تقل بعد فراغك وانقطاع كالمكقول كذا لكان أحسن؛ وأمضيت األمور على حقائقها، وسلمت إليها أقساطها على مقادير حقوقها؛ فلم

. وأنا إن تكلمت ندمت، وإن جاريت أبدعت ورأيي كله دبري. تندم بعد قول، ومل تأسف بعد سكوت .وأنت تعد يف الشطرنج زبرب، وأنا يف الشطرنج ال أحد

عا على مشاكلة إال يف اإليثار خبرب اخلشكار على احلواري، والباقلي على اجلوزينج، وما أعرف هاهنا اجتمافقد بلغ اآلن من جرمي يف مساواتك يف خبز اخلشكار، وإيثاري الباقلي، واملعرفة . وأنا مجيعا ندعي اهلندسة

دمي اجلعائل؛ فإين قد هجرت اخلبز البتة بتقدير املدن وإجراء القىن، أن أنفى من مجيع األرض، وأن جتعل يف .إىل مواصلة التمر، ونزلت الوبر بدال من املدر

وكفى به عليما، وكفى به شهيدا، وكفى به حفيظا ووكيال، وكفى -إن اهللا يعلم . دعنا اآلن فإنك فارغلقد أردت أن أفديك بنفسي يف - ومقتا جبرأة من يعلمه ما ال يعلم جرأة وترضا، وكفى حباله عند اهللا بعدا

بعض كتيب، وكنت عند نفسي يف عداد املوتى ويف حيز اهللكى، فرأيت أن من اخليانة لك ومن اللؤم يف ليس أن من . معاملتك، أن أفديك بنفسي ميتة، وأن أريك أني قد جدت لك بأنفس علق والعلق معدوم

ومن أعلن االجتهاد لك . اية من هنايات التعظيم، ودليل من دالئل االجتهادفداك فقد جعل فداك، ولكنها هنوأخلق مبن أخل هبذه أال يرعى حقا، وال يرجع إىل . واستسر خالف ذلك فقد نافق وخان، وغش وأالم

.صحة وال إىل حقيقةال وال . اية يف التطويل وأبلغ يف التعذيبمث أنت ال يشفيك مني السم اجملهز، وال السم الساري؛ فإنه أبعد غ

ال وال نار الدنيا، بل ال يشفيك من . لعاب األفاعي وداهية الدواهي، فإنه يعجز الرقى ويفوت ذرع األطباءنار اآلخرة إال اجلحيم، وال يشفيك من اجلحيم إال أن أرى يف سوائه ويف أصطمة ناره، ويف معظم حريقه،

بل ال تكتفي بذلك دون الدرك األسفل، بل ال يرضيك شيء سوى اهلاوية، . ميم من هليبهويف موضع الصبل ال ترضى إال بعذاب آل فرعون، أشد العذاب، بل ال يرضيك إال عذاب إبليس الذي زين اخلتر للعباد،

إال شكا وجلاجة، ومتاديا وبثه يف البالد، والذي خطأ الرب وعائده ورد قوله، وغير عليه تدبريه، ومل يزدهمث مل يرض من اجلد يف خمالفة أمره، وخلع العذار يف شدة اخلالف عليه إال بأن حيلف على شدة . وإصرارا

اجتهاده يف ذلك بعزته، فجعل العزة املانعة من إسخاطه سبيال إىل إسخاطه، والقسم احلاجز دون إغضابه " .تك ألغوينهم أمجعني فبعز: " وسيلة إىل إغضابه، حيث قال

.فعليك عافاك اهللا بإبليس إن كنت للع تغضب، أو عليك باألكفاء إن كنت لنفسك تتشفىفإن كنت إىل . ال ولكنك استغمرتين واستضعفتين، وجعلتين فروج الرفاء، وتريد أن تتعلم يف معاقبة األعداء

.بن عيسى أسوأ خربا مين هذا تذهب فجعفر بن معروف أضعف مين، وعبد اهللاسبحان اهللا، يسلم عليك حيدر األفشني، ويهلك عليك عمرو اجلاحظ، ويسعد بك أبعد البعداء ويشقى

Page 84: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وتتغافل عن مثل اجلبال التماسا وحبا للسالمة، وتغلغل إىل احملرات طلبا للتعرض وحبا . بك أقرب القرباء .للشر

العفو عنه شكرا للقدرة عليه، ومىت مل تتغافل عنه تكرما أو تدعه ومىت قدرت على عدوك فلم جتعل احتقارا، ومىت اكترثت لكبري وضاق صدرك عن شيء عظيم فهأنذا بني يديك، فكلين خبل وخردل؛ فواهللا

.إنك لتأكله غثا غري مريء، وخبيثا غري شهينت أظن أن الرشاقة واحللم ال جيتمعان، وأن ك. ال واهللا، لكأنك وقعت على مطمورة، وظفرت برأس خاقان

ظرف اإلنسان وأصالة الرأي ال يفترقان، وأن النزق واخلفة مقرونان خبفة البدن، وأن الركانة واألناة . جمموعان لصاحب السمن، حىت رأيتك فاعتقدت بك خالف ذلك الرأي، واستبدلت فيك ضد ذلك الظن

رجال، وتعرضت للشجي،وشغلت نفسي بثلب اخلصام، وانقطعت إىل أصحاب فتركتين حىت إذا نازعت الالقدود، وجعلت عدوائي يف تقدمي القضاف، وطال لساين، وأظهرت االستبصار يف فضلك، وجعلت مزاج

أخالطك هو احلجة، واعتدالك هو النهاية، وطبيعتك هي املشكلة؛ وزعمت ان منظرك يغين عن خمربك، وأن ي عن آخرك شددت على شدة املهر األرن، وتسرعت إيل تسرع الغر النزق، وأحلحت علي أولك يجل

كأنك مل حتفل مبا يشيع لك من اسم املتسرع، ومبا تضاف إليه من سخف املتترع، بعد . إحلاح اللجوج احلنق .أن تكذب قويل وتفند خربي

وأن املصطنع ال يكون للصنيعة حاسدا، فقصدت على وقد تقدمت التجربة أن احلديد ال يكون حقودا، .رأس إىل القياس املمتحن فأفسدته، وإىل الطبائع املعتدلة فنقضتها، وإىل القضايا الصحيحة فرددهتا

. حال الصنيعة ملصطنعه، وحال املوىل ملعتقه: حاالن ال تقبالن احلسد، وال خيلوان من الرشد: وقالوا بأمجعهم .ان الصنيعة صديقا، وكان للخاصة حمتمالفكيف إذا ك

أجزاء النفس وأعضاء اجلسد مع كثرة عددها، واختالف أخالطها، وتباعد -أبقاك اهللا - وإمنا صارت فأنت وصديقك املوافق، . أماكنها، نفسا واحدة وجسدا واحدا، الستواء اخلواطر، والتفاقها على اإلرادة

تويان يف احملاب، متفقان يف اهلوى، متشاكالن يف الشهوة؛ وتعاونكما وخليلك ذو الشكل املطابق، مسفإذا بان منك صديقك فقد بان منك . كتعاون جوارح أحدكما، وتساملكما كتسامل املتفق من طبائعكما

شطرك، وإذا اعتل خليلك فقد اعتل نصفك، بل النفوس املضمنة كاملعاين املضمنة، فذهاب بعضها هو فال تبعدنه من قلبك بعد بدنه من بدنك؛ . فمويت هو موت صديقي، وحيايت هي حياة صديقي. مجيعهاذهاب

ولعل بعض طبائعك املخالط لروحك، أن يكون أعدى من كل عدو، . فقد يقرب البغيض وينأى احلبيب .وأقطع من كل سيف، وأخوف عليك من األسد الضاري، ومن امل الساري

ثق مبودته قليل، وقد صار اليوم املعتمد عليه يف صحة العقدة، ويف كرم الغيب والعشرة، مث اعلم أن املووما أكثر من جعل . وإين ألظن القناعة أكثر منه. وال أعلم الكربيت األمحر إال أوجد منه. عنقاء مغرب

.انقطاع سببه وضعف طمعه النقطاع سببه قناعةقناعة ذي اهلمة البعيدة بالعيش الدون، وصديق قليل اآلفات : ؟ قالأي شيء أقل: وقيل ليحىي بن خالد

Page 85: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.كثري اإلمتناع، شكور النفس، يصيب مواضع املدحال واهللا إن تعرف على ظهرها موضعا للسر، وال مكانا للشكوى، وال روحا تأنس هبا، وال نفسا تسكن

وحمتمل الفقر قليل، . ملا قدرت على أحد حيتمل الغىن ولو أردت أن تعرفين من مجيع العاملني رجال. إليها .وحمتمل الغىن عدمي

يف ايام كثرته كان قليال فما ظنك به يف ايام قلته، وإن الشر يف أيام قلته كان كثريا -أبقاك اهللا - إن اخلري ، والغريب للغريب نسيب، وأنا غريب يف الصنائع. فما ظنك به يف أيام كثرته، وأنت غريب يف املصطنعني

ونسب املشاكلة وقرابة الطبيعة املوافقة، أقرب من نسب الرحم؛ ألن األرحام مولعة بالتحاسد، هلجة والتالقي على وفاق من الطبيعة، أبعد من التفاسد، وأبعد من . بالتقاطع، وأن التحاب على طبع املشاكلة

.وجوهر يف طبائع األقرباء وسبب التعادي عرض يف طبائع الغرباء،. التعاديواعلم أنك ال تزال يف وحشة إىل وحشة، ويف غربة إىل غربة، ويف تنكر العيش وتسخط احلال، حىت جتد من

ومىت رأيت عجبا مل تضحك رؤيتك له بقدر ما يضحك . تشكو إليه بثك، وتفضي إليه بذات نفسك .منك، وموقعه من نفسكفمن أغلب عليك ممن كانت هذه حاله . إخبارك إياه

ولو أن شيبيت اليت هبا استعطفتك، وكربة سين اليت هبا استرمحتك، اللتان مل حيدثا علي وأنا يف ذراك، ومل يحال يب إال وأنا يف ظلك، لكان يف شفاعة الكربة، واسترحام الضعف والوهنة، ما يردعك عين أشد الردع،

كيف وقد أكرمتين جديدا، مث تريد أن هتينين خلقا، وقويت عظمي أغلظ ما ف. ويؤثر يف طباعك أبني األثر !.وهل هرمت إال يف طاعتك، وهل أخلقين إال معاناة خدمتك. كان، مث تريد أن توهنه أرق ما كان

.رأي الشيخ الضعيف أحب إلينا من جلد الشاب القوي: قال علي بن أيب طالبمودة األخ التالد وإن أخلق خري من مودة الطارف وإن ظهرت بشاشته، : قيفوانا أقول كما قال أخو ث

.وراعتك جدته .رأي الشيخ أحب إلينا من مشهد الغالم: وقال عبد امللك بن مروان

.ليس بغائب من شهد رأيه، وليس بفان من بقي أثره: وقال بعضهم .لبدن، وكأخذ األيام من قوي األعضاءوما كمل العقل وال وفر التجربة شيء كنقصان ا

وخري الناس من . ما قبح الرجال شيء كالوكال، وال أفسد الكرمي شيء كحب االستطراف: وقال آخر .أتبع الغضب مواقع الذنوب، وأتبع العقاب مواقع الغضب، ومل يتبع الغضب مواقع اهلوى

كان لك مهناه، ومثرة قواه، واحتملت دونك ولقد منحتك جلد شبايب كمال، وغرب نشاطي مقتبال، وعرامه وغربه، وكان لك غنمه وعلي غرمه، وأعطيتك عند إدبار بدين قوة رأيي، وعند تكامل معرفيت نتيجة

.جتربيت، واحتملت دونك وهن الكرب وإسقام اهلرم

ته، وأحضرك وأفضل خلطائك من كفاك مؤون. وخري شركائك من أعطاك ما صفا، وأخذ لنفسه ما كدروأكرم دخالئك وأشكر مؤمليك من ال يظن انك تسمي جزيل مل . معونته، وكان كالله عليه، ونشاطه لك

حتتمل يف بذلك ومواساتك مؤونة، وال تتابع إحسانك إليه نعمة، بل يرى أن نعمة الشاكر فوق نعمة

Page 86: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

بلغ يف إعطاء اجملهود من نفسه يف خلع مجيع الواهب، ونعمة الواد املخلص فوق نعمةاجلواد املغين؛ وأنه ال ي .ماله إىل مؤمليه واملتحرمني به، حسن نية الشاكر الوامق، وحق متني الواد العارف

ولو اقتضيت مجيع حقوقك علي، وأنكرت مجيع حقوقي عليك، أو جعلت حقي عليك حقا لك، مث زعمت م حكمه، وأن إحساين إساءة، وأن الصغري من ذنويب كبري، أن حقك ال يؤدى إىل شكره، وأن حقي ال يلز

وأن اللمم مين إصرار، وأن خطائي عمد، وأن عمدي كله كفر، وأن كفري يوجب القمع ومينع من النزوع وما ينبغي أن يكون هذا . وما اتسع قويل ألكثر من هذا العقاب، وال أشد من هذا الغضب. ملا كان عندكوالذي جيوز بني العباد إمنا هو تعزير أو حد، . النقم إاللباري النسم يف دار البقاء، ال يف دار الفناء املقدار من

أو قود أو قصاص، أو حبس أو تغريب، أو إغرام أو إسقاط عدالة، أو إلزام اسم العداوة، أو عقاب جيمع .أسبابهاألمل والتقومي والتنكيك، فيكون مضض األمل جزاء له ومعدال

ورمبا كان مقصورا على مقدارها، وحمبوسا على هناية . ورمبا قصر اإليقاع على السخط وجاوز حد الغضب .حاهلما

وليس كل عقاب نتيجة سخط، وقد ال يسمى ذلك املوقع واملعاقب واجدا كما يسمى ساخطا، وال يسمى يسمى سخطا أو موجودة وغضبا، كما خرج عقاب آدم عاتبا كما يسمى غضبان، فيخرج كما ترى من أنوعلى أنه كان إخراجا من دار اخللد والكرامة إىل دار . عليه السالم من هاتني الصفتني،ومن مجيع القسمني

االبتالء واحملنة؛ ومع كا يف ذلك من إعراء اجللد، والتسمية بالظلم، مع الوصف له بضعف العزم، واالغترار .اخلصم بيمني

والعجب أنك تضجر من طول مسألتنا لعفوك مع حاجتنا إىل عاجل عفوك، وال تضجر بطول تشاغلك فلو كنت إمنا تفعل ذلك ألنك تلذ ضرب السياط ورض . بظلم صديقك مع استغنائك عن ظلم صديقك

بت، وإن أرواحهما أمحل، والسوط يف ظهر قاسم أحسن، وأبداهنما حتت السياط أث" دندن " العظام، فجنب أبقى، وهي بأرواح الكالب أشبه، وإىل طبائع الضباب أقرب، وأرحامهم باحلمري أمس، ومن يشري فيهم

فاستدم اللذة بطريق اللذة، وضع األمور يف مواضعها يطل سرورك . بذلك أكثر، واألجر يف ضرهبم أعظم .هبا

والكوادن الغالظ واحملامر الثقال، أكل حسا وأقل . اكتراثا إن عتاق اخليل وأحرار الطري أدق حسا، وأشدوقد يصيح حتت السوط من ال يقر . وليس الصرب بالصمت والسكوت، وال بقلة الصياح والضموز. اكتراثا

والكلب املضروب جيمع الصياح واهلرب، والفرس العتيق يعدو . على صاحبه، وال يدل على عورة نفسهيصيح، واحلافر كله كظوم ضامز، واملخلب كله ضجور صياح، والضجر يف اخلف عام، والبخايت وال

فسمن الظلف عام، وهو يف الضأن أخفى، وكل مضروب هارب صياح، ومنها ما جيمع اخلصال . أضجرري العري السقيم وجتده يف واهلرب من املكروه حممود، واملقام عليه مذموم؛ كالذي يعت. كالكلب والبعري

.الفرس الكرمي، من قلة االكتراث وشدتهوليس بقاء األرواح املنعقدة حتت الضرب الشديد من اعتزام النفس، وال . وصرب البدن غري صرب النفس

.يدل على الكرم

Page 87: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

والكلب لئيم، " . الضب أطول شيء ذماء : " وتقول العرب" . ما روح فالن إآل روح كلب : " ويف املثل .والضب غري كرمي

والبازي أكرم من الصقر وأشد وأكثر مثنا، وأمجل مجاال، وأعفى صيدا، وأنبل نبال؛ إن قبض عليه قتله، وإن مث بلغ من رقة طبع البازي وعتقه أنه ينقطع برد البازيار له إىل مسقطه . مل ينح كندرته عن قربه أوهن نفسه

ق بسباقيه من رجل محل بدرع فيضطرب منكسا إىل الصبح، مث جتده وكأنه مل يزل والصقر يتعل. من يده .على كندرته وعلى مسقطه الذي يؤتى له

فليس بدين من أبدان االحتمال فأمتعك بطول ثباته لك، وال أثبت لك ثبات العري الكليل احلس، وال أجعل .ع به، وتدرك به حاجات نفسكالصياح دليال على اإلقرار، فيكون ذلك أحد ما تتمت

ISLAM ICBOOK.WS ©ين| ٢٠١٠ لم مس ل احة لجميع ا مت ق الحقو ع جمي

Page 88: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الرسائل : كتاب اجلاحظ : املؤلف بن حبر أيب عثمان عمرو

وقد دللتك على ناس جيمعون لك اخلصال اليت فيها دوام لذتك، ومتام شهوتك؛ فإن زعمت أن الذي يثبت روح دندن يف بدنه، وروح القاسم يف جسمه، سرورمها مبا قد احتجنا من كنوز اخلالفة وأموال الرعية، وليس

وخ أرواحهما يف أبداهنما، ومن شدة االحتجان وقوة االكتناز، ففرق بينهما وبني تلك األموال اليت ذلك من رسمتسك أرواحهما باحليل اللطيفة، والتدبري النافذ، وبأن متضي فيهما حكم الكتاب والسنة؛ فإنه سيحل عقدة

حبب به إىل األمة؛ فتكون قد أحسنت أرواحهما عقدا عقدا، فيعظم أجرك، ويطيب ذكرك، وتطيع اخلليفة وتت .يف صرف الضرب إىل أهله، وأرحت منه غري أهله

.والسالم عليك ورمحة اهللا وبركاته

الرسالة السادسة

رسالة يف نفي التشبيه

إىل أيب الوليد حممد بن أمحد بن أيب داود

بسم اهللا الرمحن الرحيم

.كرامته لكأطال اهللا بقاءك وحفظك، وأمت نعمته عليك، وما كان الناس فيه من القول بالتشبيه والتعاون عليه واملعاداة فيه، وما كان يف ذلك -أكرمك اهللا -قد عرفت

من اإلمث الكبري والفرية الفاحشة، وما كان ألهله من اجلماعات الكثرية والقوة الظاهرة، والسلطان املكني، مع .تقليد العوام وميل السفلة والطغام

: وليست للخاصة قوة بالعامة، وال للعيلة قوة على األراذل؛ فقد قالت األوائل فيهم، ويف االستعاذة باهللا منهم .نعوذ باهللا من قوم إذا اجتمعوا مل يملكوا، وإذا تفرقوا مل يعرفوا: قال علي بن أيب طالب رضي اهللا عنه

قد عرفنا مضرة االجتماع، فما : فقيل له" فرقوا إال نفعوا ما اجتمعوا إال ضروا، وال ت: " وقال واصل بن عطاءيرجع الطيان إىل تطيينه، واحلائك إىل حياكته، واملالح إىل مالحته، والصائغ إىل صياغته، : منفعة االفتراق؟ قال

.وكل ذلك مرفق للمسلمني، ومعونة للمحتاجني. وكل إنسان إىل صناعتهقبح اهللا هذه الوجوه، ال تعرف إال : " عزيز رضي اهللا عنه إذا نظر إىل الطغام واحلشو قالوكان عمر بن عبد ال

" .عند الشر :وقال اخلرميي عند ذكره إياهم، يف شعره، بالتعاوي مع املخلوع

خوص إذا استألمت مغافرها... من البواري تراسها ومن ال حيشرها بالفناء حاشرها. ..ال الرزق تبغي وال العطاء وال

قاربوا هذه السفلة وباعدوها، وكونوا معها وفارقوها، واعلموا أن الغلبة ملن كانت معه، : وقال شبيب بن شبيبة

Page 89: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وأن املقهور من صارت عليهال يفل غرهبم إذا : وقد وصفهم بعض العلماء فقال جيتمعون من حيث يفترقون، ويفترقون من حيث جيتمعون،

.صالوا، وال تنجع فيهم احليلة إذا هامجوافإذا كان هلا رئيس حاذق ومطاع . إذا كانت نشرا فأمرها أيسر، ومدة هيجها أقصر -أبقاك اهللا -والعوام

فلوال أن هلم متكلمني، وقصاصا . مدبر، وإمام مقلد، فعند ذلك ينقطع الطمع، وميوت احلق ويقتل املحقولكنا كما . تفقهني، وقوما قد باينوهم يف املعرفة بعض املباينة، مل يلحقوا باخلاصة، وال بأهل املعرفة التامةم

.خنالفهم نرجوهم، وكما نشفق منهم نطمع فيهمدين، ومل ولوال الكالم مل يقم هللا . مث قد علمت ما كنا فيه من إسقاط شهادات املوحدين وإخافة علماء املتكلمني

ننب من امللحدين، ومل يكن بني الباطل واحلق فرق، وال بني النيب واملتنبي فصل، وال بانت احلجة من احليلة، .والدليل من الشبهة

ولذلك جعلوا الكالم عيارا على كل . مث لصناعة الكالم مع ذلك فضيلة على كل صناعة، ومزية على كل أدب .وإمنا جعلوا له األمور وخصوه بالفضيلة حلاجة كل عامل إليه، وعدم استغنائه عنه. ل قياسنظر، وزماما على ك

وليس ألمر اهللا مرد، وال لقضائه . كذلك حتى وضع اهللا من عزهم، ونقص من قوهتم -أكرمك اهللا -فلم يزل وحتى . عني فيهم، وارتاب قوم ونافق آخرونوحتى حتول إلينا رجال من قادهتم ومن أعالمهم، واملطا. مدفع

مبا بذل من جهده، -أعزه اهللا - وذلك كله على يد شيخك وشيخنا بعدك . حتولت احملنة عليهم، والتقية فيهموعرض من نفسه، وتفرد مبكروهه، وغرغر مراره، صابرا على جسيمه؛ يرى الكثري يف ذلك قليال، واإلغراق

على حني خار كل بطل، وحاد كل مقدم، وعرد كل رئيس، وأضاف كل . بذل النفس يسرياتقصريا، ووحىت صاروا هم الذين يشريون عليه باملالينة، وحيسنون عنده . مستبصر، وطاح كل نفاج، واستخفى كل مراء

حة، وأن إبعادهم أتقر لطبائعهم، وإن إطالقها املقاربة، وخيوفونه العاقبة، ويزعمون أن لكل زمان تدبريا ومصلوحتى سموا املداهنة مداراة، وإعطاء الرضا تقية، والشدة عند الفرصة خرقا، واالحنياز مع . أجنع فيما يراد منهم

، والضعف يف الدين . احتماال صواب اإلقدام رفقا، ومواالة املخالف خمالفة، واملصافاة معاشرة، واملهانة حلمافكذلك كانوا . كما مسى قوم الفرار احنيازا، والبخل اقتصادا، واجلائر مستقصيا، والبالء عارضا، واخلطل بالغة

.وعلى هذا افترق أمرهم؛ وذلك مشهور عنهم. وكانمن مث يصول أحدهم على من شتمه، ويسامل من شتم ربه، ويغضب على من شبه أباه بعبده، وال يغضب على

طلب ...... فإذا قيس. شبه اهللا خبلقه، ويزعم أن يف أحاديث املشبهة تأويال وجمازا وخمارج، وأنها حق وصدقهلذا اجملاز ظلم، وقال ما يليق بلفظ احلديث، فيكون بشهادته لصحة أحاديثهم مقرا، فيصري فيما يدعي من

سيفشو : " ديث كلها حقا كان قول النيب صلى اهللا عليه وسلمولو كانت هذه األحا. خالف تأويلهم مدعيا .باطال" الكذب بعدي، فما جاءكم من احلديث فاعرضوه على كتاب اهللا

.وهذا املذهب ملن ينتحل طريقتنا، زعمه سبيلنا، جور شديد، ومذاهب قبيحة، وتقرب فاحش .ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخواهنم أو عشريهتم وليس ينبغي لديان أن يواد من حاد اهللا ورسوله،

أحني ميوت اخلصم ويبيد أثره ! فمىت إذن تزول التقية، وجيب إظهار احلق والنصرة للدين، واملباينة للمخالفني؟

Page 90: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

احلق وكيف يكون القائم حينئذ ب. ويهلك عقبه ويقل ناصره، ويزول مجيع اخلوف ويكون على يقني من السالمةوهل املعصية إال ما مازجه اهلوى والشهوة، . فقد سقطت احملنة وزالت البلوى واملشقة! مطيعا، وهللا معظما؟

وكيف . وهل الطاعة إال ما شابه املكروه والكلفة، وكيف يتكلف ماال مؤونة فيه، وكيف يحمد ماال مرزئة عليهأو ليست النار حمفوفة بالشهوات، أو ليست اجلنة حمفوفة . وفيكون شجاعا من أقدم يف األمن، وتكمن يف اخل

.وكيف صاروا يف باطلهم أيام قدرهتم أقوى منا يف حقنا أيام قدرتنا. باملكارهأن التشبيه وإن كان أهله مقموعني ومهانني وممتحنني، فإن عدد اجلماجم على -أرشد اهللا أمرك - وقد علمت

ا كان عليه، والذين ماتوا قليل من كثريحاله، وضمري أكثرهم ع وحنن ال ننتفع باملنافق، وال نستعني . لى م .باملرتاب، وال نثق باجلانح، وإن كانت املبادأة قد نقصت فإن القلوب أفسد ما كانت

صاروا وقد كانوا يتكلمون على السلطان والقدرة، وعلى العدد والثروة، وعلى طاعة الرعاع والسفلة؛ فقداليوم إىل املنازعة أميل، وهبا أكلف؛ ألهنم حينما يئسوا من القهر باحلشوة والسفلة، وبالباعة، وبالوالة الفسقة،

وال بد ملن كانت هذه صفته، وهذا نعته، من أن يستعمل احليلة واحلجة، إذ . وقلوهبم ممتلئة ونفوسهم هائجةغيظه يفضل عن حلمه، وحاجته تفضل عن قناعته، فواجب أن ينكشف وكل من كان . أعجزه البطش والصولة

.قناعه، ويظهر سره، ويبدو مكنونهوقد صاروا بعد السب يحفون، وبعد حترمي الكالم . وقد أطمعين فيهم مناظرهتم لنا، ومقايستهم ألصحابنا

. تفطن لتأويل كفها، وال تعرف مقاربتهاجيالسون، وبعد التصام يستمعون، وبعد التجليح يدارون؛ والعامة ال ا ظهر من ميلها، وأصغت ملا ترى من استماعها .فقد مالت إلينا على قدر م

يف الرد على املشبهة كتابا ال يرتفع عنه احلاذق املستغين، وال يرتفع عن -مد اهللا يف عمرك -وقد كتبت ودمهاء أهل التشبيه من هذه األمور ويشتمل عليه الفضل من وأكثر ما يعتمد عليه العامة . الريض املبتدئ

حشوة الناس، ويختدع به احملدثون من اجلمهور األعظم، حتريف آي كثرية إىل غري تأويلها، وروايات كثرية إىل ائرة، وقد بينت ذلك بالوجوه القريبة، والدالالت املختصرة، وباألشعار الصحيحة واألمثال الس. غري معانيها

.واستشهدت الكالم املعروف، والقياس على املوجودعلى أن الكالم . وهو مع ذلك كله كتاب قصد، ومقدار عدل، مل يفضل عن احلاجة، ومل يقصر عن مقدار البغية

املتكلم ال ينبغي أن يكثر وإن كان حسنا كله، إذا كان السامع ال ينشط له، وجاز قدر احتماله؛ ألن غايةقليل املوعظة مع نشاط املوعوظ، خري من كثري وافق من األمساع نبوة، : " وقد قال األولون. انتفاع املستمع

" .ومن القلوب ماللة .ليس الواعظ من جهل أقدار السامعني، وإنابة املرتدين، وماللة املستطرفني: وقال بكر بن عبد اهللا املزني

" ب، رضوان اهللا عليهوقال علي بن أيب طال " إن هذه القلوب متل كما متل األبدان، فابتغوا هلا طرف احلكمة : .

.إن للقلوب شهوة وإقباال، وفترة وإدبارا؛ فأتوها من حيث شهوهتا وإقباهلا: وقد كان يقال .إذا أكره القلب عمي: وكان يقال

.وناظر القلب أضعف منهطول التحديق يكل الناظر، : وقال واصل بن عطاء

Page 91: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.روحوا هذه القلوب تع الذكر: قال قسامة بن زهري: وزعم عمران بن حدير قالإني ألستجم نفسي ببعض الباطل كراهة أن أمحل عليها من احلق : قال أبو الدرداء: وقال عبد امللك بن قريب

.فأكلها ، أن جنبهم حديث اجلاهلية؛ : رضي اهللا عنهما، وهو بالقادسيةوكتب عمر بن اخلطاب إىل سعد بن أيب وقاص

.وعظهم بأيام اهللا ما نشطوا الستماعها. فإنه يذكر األحقاد .كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يتخولنا باملوعظة: وقالوا

.ولذلك أمروا باجلمام وزيارة الغب .ورووا أن شر السري احلقحقة

نقص الكتاب عن مقدار احلاجة أحب إيل من أن يفضل عن مقدار القوة؛ ألن املاللة تبغض يف اجلميع، وألن ي .وتزهد يف الكل

فإن يصلح الكالم وكان كما . أن ترى هذا الكتاب وتقرأ ما خف عليك منه -أكرمك اهللا - فأنا أسألك ، وعلى ختليده وعلى تدوينه، وأمرت من حيتاج إىل وصفت وكما ضمنت، حثثت على قراءته وعلى اتخاذه

.املادة، وإىل حسن املعونة من املوافقني واإلخوان الصاحلني، أن ينظروا فيه، وأن يبثوه ويشيعوهوقد كنت أنا على ذلك قادرا، وبه مستوصيا؛ ولكن الرجل الرفيع إذا رفع الشيء ارتفع، كما أنه إذا وضع

.الشيء اتضعوإن كنت فيه غلقا أو لعلته مستكثرا، كان لك حبسن نيتك وصالح مذهبك، والذي رجوت عنده من املنفعة وصالح قلوب العامة، األجر الكبري، والثواب العظيم، مع ما تقضي بذلك من ذمام املتحرم بك، واملتحلي من

.بيتك؛ ومع اليد البيضاء والصنيع املشكورمتكلم عامل، وفقيه مطاوع، وخطيب مفوه إن كان عنده من األمر شيء، إال أن يأتيكم به، وحرام على كل

ويذكركم مبا عنده، قل ذلك أو كثر، وصادفمنكم شغال أو فراغا، ألن ذلك من عندكم أنفق، والناس إليه ا جعل اهللا عندكم من حسن االختيار، والعلم مبنافع أسرع، والقلوب إليه أسكن، وهو يف العيون أعظم، مل

ولوال ما قلدمت من أمر اجلماعة، والقيام بشأن . العباد، ومصاحل البالد؛ إذ كنتم املفزع واملقنع، واألئمة واملنزعاخلاصة والعامة، وأن الشغل برعاية حقها والدفاع عنها، مل يبق يف قواكم فضال للدعاء واملنازعة، ولوضع

.كتب باجلواب واملسألة لبدأ بكم الفرض، ولكنتم أحق هبذا األمرال

وعلى الرواة . على أننا مل ننطق إال بألسنتكم، ومل حنتذ إال على مثالكم، ومل نقو إال مبا أعرمتونا من فضل قوتكمديكم واالستماع منكم، من األدباء، وعلى أهل اللسن من اخلطباء، معاونتكم ومكاتفتكم، واجللوس بني أي

وعلى أن يطيعوا أمركم، وأن ينفذوا لطاعتكم، وأن خيلصوا يف الدعاء، وأن ميحضوا النصيحة، وأن يضمروا غاية احملبة، وأن يعملوا يف كف الغل واحلسد، وأن ال يرضوا من أنفسهم بالنفاق، وأن يعلموا أن احلسد ال يقع

.افس ال يكون إال مع تقارب احلالإال بني األشكال، وأن التن .ال يزال الناس خبري ما تفاوتوا، فإذا تقاربوا هلكوا: وقد كان يقالاجملاورة يف املنزل، واالستواء يف النسب، واملشاكلة يف : ثالثة توجب الضغن وتكثر من الغل: وكان يقال

Page 92: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.الصناعةوكيف ال يكون كما وصفت وكما ذكرت، ولست : " ونصيحته ولذلك قال شبيب بن شيبة لرجل ادعى حمبته.خبطيب، وال جار قريب، وال ابن عم نسيب "

وليس يقع ذلك بني املتباينني، . لو مل تعرفوا من لؤم احلسد إال أنه موكل باألدىن فاألدىن: وقال بعض احلكماء .وال جيوز يف املتقاربني

فإذا انقطع السبب انقطع الطمع، ويف عدم الطمع . وال يكون الطمع إال بالسببوال يكون الطلب إال بالطمع، وكيف يتكلف الطريان من ال جناح له، وكيف يرجو صالح أمر العامة وترتيب اخلاصة من عجز . عدم الطلب

.منهوإنصاف اللسان قليل، وإنصاف القلب أقل ! عن تدبري بيته، وقصر عن تدبري عبده؟ .وحنن نرغب إىل اهللا يف صالحهم؛ فإن يف صالحهم صالح قلوبنا هلم

. وقد جعل اهللا الشكر موصوال باملزيد، ومن الشكر على نعمة اهللا علينا بكم أن نعظم ما عظم اهللا من أمركما صغر اهللا ا عظم اهللا فقد عظم م واخلامل الذكر، واجلاهل وال يفعل ذلك إال الصغري القدر، . ومن صغر م

.باألمروكيف ال تكونون على ما خبرت وكما وصفت، وقد أغنيتم من العيلة، وآنستم من الوحشة، ومجعتم الشمل،

وأعدمت األلفة، ورددمت الظالمة، وأحييتم السنة، وأبرزمت التوحيد بعد اكتتامه، وأظهرمتوه بعد استخفائه، .ووترمت املطاعنني يف تقويتناواحتملتم عداوة اجلميع،

ا كنتم قياما، وال نذكر ما كنتم شهودا وحنن مع قلة علمنا ال جند أبدا عملنا إال مقصرا عن . وحنن ال نطالب موأنتم مع اتساع قلوبكم، أعمالكم وفق علومكم؛ ألن كل من بذل كل جمهوده، وخاطر جبميع نعمته، . علمنا

من نعمه كاجلميع من نعم غريه، مع خذالن املوافق ونكوص املؤازر، مث مل تزده الشدائد إال وكانت الواحدة .شدة، والوحدة إال أنسة حقيق بالتفضيل والتعظيم، واإلنابة له بالتقدمي

هنم أدخله يف مجلة صفات أبيه، وجلة مشيخته وأقربيه، حيث خصهم بالتقدمي، وأبا: ولعل قائال أن يقولوكيف متكن . بل كيف يقدم من صغرت سنه وقلت جتربته على من تقاربت سنه وكثرت جتربته. بالتعظيم

الطاعة الكثرية يف األيام القصرية والشهور اليسرية؟ وهل يقول ذلك صاحب حتصيل ومقايسة، والبعيد من امللق .واملخادعة

وذلك أن للشباب سكرة . برهاين حاضر، وشاهدي شاهدوال انتحلته، إال و -حفظك اهللا -وما قلت ذلك أال ترى كيف . واهلرم داخل على مجيع األعضاء، وآخذ بقسطه من مجيع األجزاء. وطماحا، وقراعا وصولة

يكل ناظره وسامعه، وذائقه وشامه، وهامشه وعامله؛ وكيف تنقص على مرور األيام قوته، وكذلك قلبه وكل ما وخيف عليه خمالفة هواه، وحماربة . أمره، على قدر ما نقص من قوى جسمه وتنقص من قوى شهوته بطن منومن محل على نفسه يف كمال شبابه وأيام سكرته، ويف سلطان حدته وكمال قوته، فظلفها مرة . نوازعه

.إذ كان أمحل للمشقةوكبحها أخرى، وعاين تلك التكاليف، وغلب تلك الريح كان أبرز طاعة؛ ولذلك قال عمر بن . وعلى قدر املشقة تكون املثوبة، وتعظم عند اهللا املنزلة، وتقع له يف قلوب الناس احملبة

يا سعد بين وهيب، إن اهللا إذا أحب عبدا : " اخلطاب رضي اهللا عنه لسعد بن أيب وقاص، حني وجهه إىل العراق

Page 93: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وحنن نعترب حالك عند اهللا . نزلتك من الناس، واعلم أن مالك عند اهللا مثل ما هللا عندكفاعترب م. حببه إىل خلقه.وقد ملك اهللا بعض الناس أبدان بعض، ومل ميلك القلوب أحدا غريه . بالذي جند لك يف قلوب عباده "

ن الذهن احلديد والطبع الصحيح، إن الغرارة مقرونة باحلداثة، واحلنكة موصولة بطول التجربة، فإ: وأما قوهلمواإلرادة الوافرة، ينال يف األيام اليسرية، ويدرك يف الدهور القصرية، ما ال تدركه العقول املخدوجة، وال

.الطبائع املدخولة، واإلرادة الناقصة، يف األيام الكثرية، والدهور الطويلةة اعتباره، زمانا أكثر عجبا، وأكثر معتربا، وإن كانت شهوره ورمبا صادف القائل مع ذكائه وكثرة قراءته وجود

أقل، وأيامه أقصر، فينال مع قلة األيام ما ال ينال سواه مع كثرهتا، وال سيما إذا أعني حبفظ، وأحس من نفسه .بفضل بيان

يه على املكسبة به واهلرب إليه؛ ألن النفس ال وليس من نظر يف العلم على الرغبة والشهوة له كمن نظر فوالسآمة إىل من . تسمح بكل قواها إال مع النشاط والشهوة، وهي يف ذلك لنفسها مستكرهة وهلا مكابدة

ولوال ذلك ملا ولى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم معاذ بن جبل اليمن، . كانت هذه صفته أقرب، وله ألزم. العمال، وقلده األحكام وتعليم الناس اإلسالم، وهو ابن مثاين عشرة سنةوجعل إليه قبض الصدقات، وحماسبة

.وال يدفع ذلك صاحب خرب وال حامل أثروعلى مثل ذلك عقد ألسامة بن زيد اإلمرة، وأبانه بالتقدمة على جلة األنصار وكبار املهاجرين، وخيار السلف

.املتقدمنين أسيد مكة، وهبا عظماء قريش وكرباء العرب وذوو األخطار من كل قبيلة، وعلى مثل ذلك ولى عتاب بومكة فتح الفتوح، وأم القرى، وخامتة اهلجرة وقبلة العرب، وموضع احلرم . وذوو األسنان من كل جيل

.واملوسم األعظم واحلج األكرب، واألصل واملفخرذكر . بة، وقود اجليوش واهليبة، وهو ابن مخس عشرة سنةوقد رأيتم ما بلغ خبالد بن يزيد يف السودد واحمل وقد

:ذلك الكميت بن زيد فقال ولداته عن ذلك يف أشغال... قاد اجليوش خلمس عشرة حجة

مهم امللوك وسورة األبطال... قعدت هبم مهاهتم ومسا به :فأما ابن بيض فقال

ألشيبك ما يبلغ السيد ا... بلغت لعشر مضت من سين وهم لداتك أن يلعبوا... فهمك فيها جسام األمور

:وعلى مثل ذلك قال الفرزدق يف يزيد بن املهلب ودنا وكان خلمسة األشبار... ما زال مذ عقدت يداه إزاره

خضع الرقاب نواكس األبصار... وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم :وعلى خذا اجملرى مدح الشاعر فقال

ر وأنت يف سن الصغري... عقل الكيب ما زلت يفوقد رأيتم ما بلغ حممد بن القاسم من الفتوح العظام واأليام اجلسام، والقهر لألعداء، وبلوغ احملبة يف األولياء،

Page 94: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وقد ذكر ذلك زياد األعجم فقال. وهو ابن مخس عشرة سنة كمحمد بن القاسم بن حممد... ما إن مسعت وال رأيت عجيبة

يا قرب ذلك سوددا من مولد... د اجليوش خلمس عشرة حجة قا :وقال اآلخر

فمطلبها كهال عليه عسري... إذا املرء أعيته املروءة ناشئا :وقال آخر

فليس يقال له من هوه... إذا ما ترعرع فينا الغالم فذلك فينا الذي ال هوه... إذا مل يسد قبل شد اإلزار

فطورا أقول وطورا هوه... الشيصبان ويل صاحب من بينإن أيب : إىل من أوصى بك أبوك؟ قال -وذلك قبل أن يبلغ وحيتلم -وزعموا أن عمرو بن سعيد قال له معاوية

.أوصاين أال يفقد إخوانه منه إال وجهه: فيم أوصاك؟ قال: وقال. أوصى إيل ومل يوص يبباس وحده كان ذلك كافيا، وبرهانا شافيا، فإن األعجوبة فيه أربت على ولو مل يعرف ذلك إال بعبد اهللا بن الع

وقد رأيتم حاجة عمر إليه، واستشارته إياه، وتقوميه لعثمان رضي اهللا عنهما . كل عجب، وقطعت كل سببا خصه الرسول . وتغيريه عليه صلى اهللا عليه وسلم ولو مل يكن للفضيلة من بني أقرانه مستحقا، وهبا خمصوصا، م

ويدلك على تقدميه للغاية، . بالدعوة املستجابة، وملا خصه بعلم الكتاب والسنة ومها أرفع العلم، وأشرف الفكرما الذي آتاك هذا العلم وهذا : وإيثاره للتعليم واالستبانة، قوله حني قيل له يف حداثته وقبل البلوغ يف سنه

.لب عقول، ولسان سؤول ق: " البيان والفهم؟ قال "

وقد عرفتم حتاكم العرب يف اجلاهلية يف النفورة، ويف غري ذلك من املخايرة واملشاورة، إىل أيب جهل بن هشام يف أيام حداثته وفتائه؛ ولذلك أدخلوه دار الندوة، ودفع مع ذوي األسنان واحلنكة من بني مجيع الشبان، ومن بني

.مجيع الفتيانعليكم باحلديد : ذلك قال قطبة بن سيار حكيم فزارة حني تنافر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن عالثةول

.يعين أبا جهل. الذهن، احلديث السن .فهذا كله دليل واضح، وبرهان بين

.ن وصفتإمنا الفضل يف خشونة امللبس؛ وليس ذلك ملن مدحت، وال هذه صفة م: ولعل قائال أن يقولا مل يكن بارعا، والفطن ما مل يكن ثاقبا، واألريب ما مل يكن -أبقاك اهللا -وهذا باب قد يغلظ فيه العاقل م

ولو كان الفضل والرياسة والقدر والنباهة على قدر قشف اجللدة وبذاذة اهليئة، وكثرة الصوم، وإيثار . كامالمتقدما أليب بكر الصديق رضوان اهللا عليه، ولكان بالل بن رباح الوحشة والسياحة لكان عثمان بن مظعون .غامرا لعثمان بن عفان رضي اهللا عنهما

.ليس الناسك إال من غلب احلرام صربه، واحلالل شكره: وقد قال ابن شهاب الزهريمن اختباري كان عنده وما أشك أن من خرب أمرك أكثر. فهذا ما حضرنا من القول، وأمكننا من االحتجاج

. يغين عن املخرب، والفراسة فيك تكفي مؤونة التجربة لك -أسعدك اهللا - وعلى أن منظرك . أكثر من علمي

Page 95: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

بله ولو مل يتعقبوا . وقد تقيلت حبمد اهللا أخالق شيخك، واحتذيت على مثاهلكما احتذى على مثال من كان قخاصتك وعامتك، لكان يف صدق الفراسة وظهور احملبة ما تقضي به أمرك، ويتصفحوا سريتك يف نفسك مث يف

.النفوس، ويستدل به اجملرب .وظن العاقل كيقني غريه

.إنك لن تنتفع بعقله حتى تنتفع بظنه: قال عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه :وقال أوس بن حجر

عان كأن قد رأى وقد مس... األملعي الذي يظن لك الظ :وقال وهو ميدح ابن كلدة بصدق احلس، وصواب احلدس، وجودة الظن

نقابا خيبر بالغائب... أريب أديب أخو مأزق :وقال آخر ميدح مبثل ذلك عبد امللك بن مروان

به شيب وما فقد الشبابا... رأيت أبا الوليد غداة مجع ض أو أصاباإذا ما ظن أمر... ولكن حتت ذاك الشيب حزم

" وقال" . ولقد صدق عليهم إبليس ظنه : " وقال اهللا تبارك وتعاىل ويف ذكره البعض " . إن بعض الظن إمث : .دليل على أن سائر ذلك صواب وطاعة

ض دون أيب عبد اهللا أكرمه اهللا، أنكما قد جتريان يف بع -أبقاك اهللا -وكان من أسباب دفعي إليك هذا الكتاب األمور جمرى واحدا، وألنك وإن كنت كثري الشغل فهو أقل فراغا منك على كثرة شغلك، وفرط عنايتك مبا

رجوت أن يصري إىل ما . وإن جعلت يل قسما من وقت فراغك،ونصيبا من ساعة نشاطك. استكفاك واسرعاكمل تعظم شيئا قط كتعظيمها موقع اإلنعام أملناه عندك من اإلنعام علي، واالسترهان لشكري؛ فإن العرب

.والشكر واألحدوثة احلسنة، والذكر والتمييز، واالستمداد للنعم، والكفر حائل بني العود والبدء :قال عنترة

والكفر خمبثة لنفس املنعم... نبيت بشرا غري شاكر نعميت :وقال السندي

ر. ..فلم أجز باحلسىن وعادت مشاريب بالقع يقروها احلمام املقرق تنكر للمعروف من كان يكفر... تبدلت باإلحسان سوءا ورمبا

:ويدل على حبهم للثناء ومجيل الذكر قول األسدي وكاخللد عندي أن أموت ومل أمل... فإين أحب اخللد لو أستطيعه

:وقال اء هو اخللدمبسعاتنا إن الثن... فأثنوا علينا ال أبا ألبيكم

:وقال الغنوي إن احلديث مهالك وخلود... فإذابلغتم أهلكم فتحدثوا

.فجعلوا الذكر باجلميل مثل اخللود يف النعيم :وعلى هذا املعىن قال يف درك الثأر

Page 96: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

جزاء العطاس ال ميوت من اثأر... فقتال بتقتيل وعقرا كعقركم وهذا ! ما ظننت أن قاتل دارا ميوت: ، وهو قاتل دارا بن داراوقال حكيم الفرس حني بلغه موت اإلسكندر

فأما العرب فقد أصبت هلم من هذا الضرب . ومل أمسع للعجم كلمة قط أمدح منها. القول هو أمدح منه لقاتله .كالما كثريا

:ليمةومما يدل على قدر عظم الشكر عند الشاكر واملشكور له من العرب، قول أوس بن حجر يف ح وحسبك أن يثىن عليك وحتمدي... سنجزيك أو جيزيك عنا مثوب

:وقال بعض الشعراء وحسبك مني أن أقول فأمحد... فلم أجزه إال التشكر جاهدا

وقال " .وجرح اللسان كجرح اليد : " وقال امرؤ القيس بن حجر. وكانوا يرون للذنب ماال يراه غريهم .يف أشعار كثرية" ة من لسانيا وللسيف أشوى وقع: " جرير

بعد التوحيد ونفى التشبيه، ونصريت للدين، بأمر أنا به أوثق من رغبتك يف -أكرمك اهللا -ولست أمت إليك . وإنه لذكر لك ولقومك : " وقال" ورفعنا لك ذكرك : " قال اهللا عز وجل. شكر الكرام واألحدوثة احلسنة "

ا رغبهم فيه، وال عد يف نعمهفلو كان حب الذكر خطي .ئة ملوكيف مل تذكر أمري املؤمنني، واملعتصم برب العاملني، الذي حقق اهللا به الدين وسدد به : ولعل قائال أن يقول

الثغور، ورد به املظامل، وحسمبه عرق البغي ونواجم الفتنة؛ الذي مل يزل اهللا يزيده يف كل طرفة حمبة، ومع كل وهو املبتدئ هبذا األمر والقائم به، والقطب الذي عليه . بة هيبة، ومع كل نعمة شكرا، ومع كل شكر فضالحم

وبيمن نقيبته ظهر، وبفضل قوته . تدور الرحى، وعلى مثاله احتذى من احتذى، وبلسانه نطق، وعن رأيه صدر .وهو أول هذا األمر ووسطه، به يتم إن شاء اهللا تعاىل. هنضإن عقل الرسول يدل على مرسله، واعتدال القناة يدل على حذق املثقف، ومدحيك الوزير راجع إىل : قلنا

وزيره واحملتذي على مثاله، بل قد علم الناس أن احلظ األكرب لآلمر دون املطيع، وللمعلم دون القائل، وألن أال ترى أن من مدح . ، واملتبوع خري من التابعاملسبب يف عداله وعند النظر والتحصيل، أفضل من املسبب

.األنصار فهو للنيب صلى اهللا عليه وسلم واملهاجرين أمدح، وإن مل يظهر ذكرهم يف الوصفورمبا كانت الكناية " ومن على املنرب يل واملنرب : " وقال رؤبة" تلكم قريش واألنصار أنصاري : " قال جرير

ورمبا أتى من السكوت مبا يعجز القول عنه وقد . لتقدمي، من اإلفصاح والشرحأبلغ يف التعظيم، وأدعى إىل ا .بلغ أقصى حاجته وغاية أمنيته باإلمياء ة اإلشارة، حىت يكون تكلف القول فضال، والكالم خطال

وما عىي أن أقول فيمن قد قوى عقله بطبيعته، وانتصف عزمه من شهوته، وكان عمله وفق علمه، وعمله غامرا .خلصمه

وقد جيري امللك على عرق صاحل ومنشأ سوء، فيقدح ذلك يف عرقه وإن مل يستأصله، وقد يكون له عرق صاحل ومنشأ صدق، وتكون أداته تامة ويكون مؤثرا هلواه، فيكون يف االسم ويف ظاهر احلكم كمن فسد عرقه وخبث

.منشؤهوهل رأيت أفعاال أشبه . ح املنشأ، البعد من إيثار اهلوىوقد مجع اهللا ألمري املؤمنني مع كرم العروق وصال

Page 97: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.بأخالق، وال أخالقا أشبه بأعراق، من أفعاله بأخالقه، وأخالقه بأعراقهفنسأل اهللا الذي أسندنا خبالفته، أن مين علينا بطول بقائه، وأن خيصنا حبسن نظره كما خصنا مبعرفة حقه،

.سلطانه واالحتجاج مللكه، والذب عن .ولرمبا كان اللسان أنفذ من السنان، وأقطع من السيف اليمان

.أطال اهللا بقائك وحفظك، وأمت نعمته عليك، وكرامته لك

الرسالة السابعة

رسالة إىل عبد اهللا أمحد بن أيب دواد

خيربه فيها بكتاب الفتيا

بسم اهللا الرمحن الرحيم

.كأطال اهللا بقائك وأعزك، وأصلح على يدي .السلطان سوق، وإمنا جيلب إىل كل سوق ما ينفق فيها: كان يقال

وأنت أيها العامل معلم اخلري وطالبه، والداعي إليه، وحامل الناس عليه من موضع السلطان بأرفع املكان؛ ألن من ة، مث جعله اهللا منزع جعل الله إليه مظامل العباد، ومصاحل البالد، وجعله متصفحا على القضاة، وعتادا على الوال

.العلماء، ومفزع الضعفاء، ومستراح احلكماء، فقد وضعه بأرفع املنازل، وأسىن املراتب " .ملا يزع اهللا بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن : " وقد قال أهل العلم، وأهل التجربة والفهم

.رعيةالسلطان وال: شيئان متباينان، إن صلح أحدمها صلح اآلخر: وقد كان يقال .فقد صلح السلطان، وعلى اهللا متام النعمة يف صالح الرعية، حىت حيقق األثر، وتصدق الشهادة يف اخلرب

.فنسأل الذي منحك حسن الرعاية أن مينحنا حسن الطاعة

وقد نظرت يف التجارة اليت اخترهتا، والسوق اليت أقمتها، فلم أر فيها شيئا ينفق إال العلم والبيان عنه، وإال .العمل الصاحل والدعاء إليه، وإال التعاون على مصلحة العباد، ونفي الفساد عن البالد

رجل من أهل النظر، ومن مجال األثر، وال أكمل لكل ذلك وال أيف؛ إال أين يف سبيل -مد اهللا يف عمرك -وأنا .واملرء مع من أحب، وله ما اكتسب. أهله وعلى منهاج أصحابه

كتاب جامع الختالف الناس يف أصول الفتيا، اليت عليها اختلفت الفروع وتضادت - اهللا أبقاك -وعندي وليس يكون الكتاب تاما، وحلاجة الناس إليه جامعا، . األحكام، وقد مجعت فيه مجيع الدعاوي مع مجيع العلل

بكشف قناع الباطل دون حىت حتتج لكل قول مبا ال يصاب عند صاحبه، وال يبلغه أهله؛ وحىت ال نرضى هتادوا : " وقد قال رسول رب العاملني وخامت النبيني، حممد صلى اهللا عليه وسلم. جتريده، وال بتوهينه دون إبطاله

" .حتابوا وإذا دعا إىل اليسري احلقري فهو إىل الثمني اخلطري أدعى، وبه . فحث على اهلدية وإن كان كراعا وشيئا يسريا

Page 98: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.أرضىلم شيئا أدعى إىل التحاب، وأوجب يف التهادي، وأعلى منزلة وأشرف مرتبة، من العلم الذي جعل الله وال أع

.العمل له تبعا، واجلنة له ثواباوال عذر ملن كتب كتابا وقد غاب عنه خصمه، وقد تكفل باإلخبار عنه، يف ترك احليطة له، والقيام بكل ما

له يف التقصري عن فساد كل قول خالف عليه، وضاد مذهبه، عند من قرأ كتابه كما أنه ال عذر . احتمله قولهوتفهم أدخاله، ألن أقل ما يزيل عذره ويزيح علته، أن قول خصمه قد استهدف خلصمه، وأصحر للسانه

ليسه، فإذا استراح واضع الكتاب من شغب خصمه ومداراة ج. ومكنه من نفسه، وسلطه على إظهار عورته .فلم يبق إال أن يقوى على كسر الباطل أو يعجز عنه

ومن شكر املعرفة مبغاوي الناس ومراشدهم، ومضارهم ومنافعهم، أن حتتمل ثقل مؤونتهم يف تعريفهم، وأن .تتوخى إرشادهم، وإن جهلوا فضل ما يسدي إليهم

ن قراءة الكتب أبلغ يف إرشادهم من تالقيهم، إذ كان مع على أ. ومل يصن العلم مبثل بذله، ومل يستبق مبثل نشرهوعند املواجهة يفرط حب الغلبة، وشهوة املباهاة والرياسة، . التالقي يكثر التظامل، وتفرط النصرة، وتشتد احلميةوإذا كانت . تباينوعن مجيع ذلك حتدث الضغائن، ويظهر ال. مع االستحياء من الرجوع، واألنفة من اخلضوع

.القلوب على هذه الصفة وهذه احللية، امتنعت من املعرفة، وعميت عن الداللةوليست يف الكتب علة متنع من درك البغية، وإصابة احلجة؛ ألن املتوحد بقراءهتا، واملتفرد بفهم معانيها، اليباهي

.نفسه، وال يغالب عقلهمنها أنه يوجد مع كل زمان على تفاوت األعصار، : حبه، ويرجح على واضعه بأموروالكتاب قد يفضل صاوقد يذهب العامل . وذلك أمر يستحيل يف واضع الكتاب، واملنازع باملسألة واجلواب. وبعد ما بني األمصار

دت من عجيب حكمها، ولوال ما رمست لنا األوائل يف كتبها، وخل. وتبقى كتبه، ويفىن املعقب ويبقى أثرهودونت من أنواع سريها؛ حتى شاهدنا هبا ما غاب عنا، وفتحنا هبا املستغلق علينا، فجمعنا إىل قليلنا كثريهم،

وأدركنا ما مل نكن ندركه إال هبم لقد خس حظنا يف احلكمة، وانقطع سببنا من املعرفة، وقصرت اهلمة، وضعفت .وماتت اخلواطر، ونبا العقل النية، فاعتقم الرأي

، كتب اهللا اليت فيها اهلدى والرمحة، واإلخبار عن كل عربة، وأكثر من كتبهم نفعا، وأحسن ما تكلموا به موقعا .وتعريف كل سيئة وحسنة

جدوا، كما أن على أنا قد وجدنا من العربة أكثر مما و. فينبغي أن يكون سبيلنا فيمن بعدنا كسبيل من قبلنا فينا .من بعدنا جيد من العربة أكثر مما وجدنا

فقد أمكن القول وصلح الدهر، وخوى جنم . فما ينتظر العامل بإظهار ما عنده، والناشر للحق من القيام مبا يلزمه .التقية،وهبت ريح العلماء، وكسد اجلهل والعي وقلعت سوق العلم والبيان

وإن حسن يف عيين، وحال يف صدري، فلست آمن أن يعتريين فيه من الغلط ما - أرشك اهللا -وهذا الكتاب .يعتري األب يف ابنه، والشاعر يف قريضه

Page 99: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

والذي دعاين إىل وضعه مع إشفاقي منه، وهيبيت لتصفحك له، أني حني علمت أن الغالب على إرادتك، نك مىت قرأت كتابا أو مسعت كالما، كنت من وراء ما واملستويل على مذهبك، تقريب العامل وإقصاء اجلاهل، وأ

فيه من نقص أو فضل، باتساع الفهم، وصحة العلم؛ وأنك مىت رأيت زلال غفرته وقومت صاحبه، ومل تقرعه ءة، وألني حني أمنت عقاب اإلسا. ومىت رأيت صوابا أعلنته ورعيته، فدعوت إليه وأثبت عليه. به، ومل خترمه له

والسبب أحق بالتفضيل من املسبب؛ ألن . ووثقت بثواب اإلحسان، كان ذلك موجبا لنظمه وموحيا للتقرب به .الفعل حممول على سببه، ومضاف إليه، وعيال عليه، ومضمن به

ت املثري له من يف كتايب هذا إن كنت حمسنا، صغري يف جنب إحسانك، إذ كن - مد اهللا يف عمرك -وإحساين وإن كنت قد . فلذلك صار أوفر النصيبني لك، وأمنت السببني مضافا إليك. مراقبه، والباعث له من مراقده

ألني مل أنشط له إال . وإن كنت قد بلغتها ففضلك أظهر وحظك أوفر. قصرت عن الغاية، فأنا املضيع دونك .بك، وال اعتمدت فيه إال عليك

ك اليت ال ينفق فيها إال إقامة السنة، وإماتة البدعة، ودفع الظالمة، والنظر يف صالح األمة لكانت ولوال سوق .هذه السلعة بائرة، وهذا اجللب مدفوعا، وهذا العلق خسيسا

إلمام فاحلمد هللا الذي عمر الدنيا بك، وأخذ ملظلومها على يديك، وأيد هذا امللك بيمنك، وصدق فراسة ا .فيك

. وأية منزلة أرفع وأية حالة أمحد، ممن ليس على ظهرها عامل إال وهو حين إليه، أو قد صار إىل كنفه وحتت جناحه .وليس على ظهرها ظامل إال وهو يتقيه، وال مظلوم إال وهو يستعديه

كتب سوى هذا -هللا يف عمرك مد ا - وعندي ! ومن يقف على قدر ثواب من هذا قدره، وهذه حاله؟الكتاب، وليس مينعين من أن أهديها إليك معا إال ما أعرفه من كثرة شغلك، وكثرة ما يلزمك من التدبري يف

والعلم وإن كان حياة العقل، كما أن العقل حياة الروح، والروح حياة البدن، فإن حكمه حكم . ليلك وهناركوإنما يسوغ الشراب ويستمرأ الطعام . لذي إذا فضل عن مقدار احلاجة عاد ذلك ضررااملاء ومجيع الغذاء، ا

.فكذلك العلم جيري جمراه، ويذهب مذهبه. األول فاألولفليس لنا أن نكون من األعوان على ذلك، ومن اجلاهلني . ومن شأن النفوس املاللة ملا طال عليها، وكثر عندها

ر؛ فإن أقواهم ضعيف، وأنشطهم سؤوم؛ وإن كانت حاالهتم متفاوتة فإن الضعف هلم شامل، مبا عليه طبائع البش .وعليهم غالب

هذا الكتاب التمسنا أوقات اجلمام وساعات الفراغ، بقدر ما ميكن من ذلك -أيدك اهللا - فإذا قرأ عليك .كتاب مبا يليه إن شاء اهللا مث أتبعنا كل. واهللا املوفق لذلك، واملهيأ له. ويتهيأ

وليست حبمد اهللا من باب الطفرة واملداخلة، وال من باب اجلوهر والعرض، بل كلها يف الكتاب والسنة، .وجبميع األمة إليها أعظم احلاجة

لناظرين مث نسأل الذي عرفنا فضلك، أن يصل حبلنا حببلك، وأن جيعلنا من صاحلي أعوانك، املستمعني منك، وامعك؛ وأن يحسن يف عينك ويزين يف مسعك، ما تقربنا به إليك، والتمسنا الدنو منك، إنه قريب جميب، فعال ملا

.يريد .أطال اهللا بقاءك، وأمت نعمته عليك، وكرامته لك يف الدنيا واآلخرة

Page 100: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الرسالة الثامنة

رسالة إىل أيب الفرج بن جناح الكاتب

الرمحن الرحيمبسم اهللا

.جعلت فداك، وأطال اهللا بقاك، وأعزك وأكرمك، وأمت نعمته عليك وأيدكيف صدر هذا الكتاب قصيدة قيلت يف أيب الفرج أدام اهللا عزه، ذكروا أن قائلها - أعزك اهللا -قد نسخت لك

.ثمان عفان بن أيب العاصرجل يكىن أبا عثمان، وال أدري أهو أبو عثمان هشام بن املغرية، أم أبو عوال أدري أهو أبو عثمان عنبسة بن أيب سفيان، أم أبو عثمان سعيد بن عثمان، وال أدري أهو عثمان النهدي

.عبد الرمحن بن مل، أم أبو عثمان ربيعة الرأي بن أيب عبد الرمحن .ألشعث بن قيسوال أدري أهو أبو عثمان سعيد بن خالد بن أسيد، أم أبو عثمان إسحاق بن ا

.وال أدري أهو أبو عثمان املنذر بن الزبري بن العوام، أم أبو عثمان عبد الواحد بن سليمان بن عبد امللكوال أدري أهو أبو عثمان عبد اهللا بن خالد بن أسيد، أم أبو عثمان أبو العاص بن بشر بن عبد دهمان، وهو

.امسه

عبد الرمحن بن سمرة بن حبيب بن عبد مشس، أم أبو عثمان عبد اهللا بن وال أدري أهو أبو عثمان عبد اهللا بن .عامر بن كريز

.وال أدري أهو أبو عثمان سعيد بن أسعد بن إمام املسجد اجلامع األعظم، أم أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب . عثمان الشمريوال أدري أهو أبو عثمان فريوز حصني العنربي، أم أبو عثمان بن عمر بن أيب

يمان اهلجيمي، أم أبو عثمان أبو العاص بن عبد الوهاب وال أدري أهو أبو عثمان خالد بن احلارث بن سل .الثقفي

.وال أدري أهو أبو عثمان سعيد بن وهب الشاعر، أم أبو عثمان عمرو األعور اخلاركي .عثمان عمرو بن بكر املازين وال أدري أهو أبو عثمان احلكم بن صخر الثقفي، أم أبو

.وال أدري أهو أبو عثمان األعور النحوي، أم أبو عثمان عمرو بن حبر اجلاحظوالذي ال أشك فيه أنه مل يقرضها أبو عثمان عمرو بن حزرة، وال أبو عثمان عمرو املخلخل، وال أبو عثمان

.بزازإبراهيم بن يزيد املتطبب، وال أبو عثمان سعيد بن حيان الما راكب األسد األسود، والبحر : وقد بلغين عن أيب عثمان هذا اجملهول موضعه، املغمور نسبه، أنه قال

األخضر، واملصبور على السيف احلسام، بأحق جبهد البالء ومشاتة األعداء، ممن تعرض للمتصفحني، وحتكك .بالعيابني، وحكم يف عرض احلسدة املغتابني

وإن ابتلى فبذنب، . والكرمي صفوح، واحلليم متغافل. بحسن النية، وألنه مدح كرميا، ووصف حليمافإن سلم فا اهللا عنه أكرب .وما عف

اللهم اجعل هذا القول حسنا يف عينه، خفيفا على مسعه، وألهمه حسن الظز به، وبسط العذر له، إنك : وقال

Page 101: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.مسيع الدعاء، رحيم بالضعفاء :صيدة هي قولهوالق

وذو احلرص يسري حني ال أحد يسري... أقام بدار اخلفض راض حبظه ودون الرضا كأس أمر من الصرب... يظن الرضا بالقسم شيئا مهونا

ر... جزعت فلم أعتب فلو كنت ذا حجا لقنعت نفسي بالقليل من الوف يف حال اليسارة والعسر وأجذل... أظن غيب القوم أرغد عيشة وتربق أخرى باخلطوب وما يدري... متر به األحداث ترعد مرة

ال يريش وال يربي... سواء على األيام صاحب حنكة وآخر كاب طلوبا لغايات املكارم والفخر... فلو شاء ريب مل أكن ذا حفيظة

عطي الدنية بالقسروقد كنت ال أ... خضعت لبعض القوم أرجو نواله وجيعل حسن البشر واقية التبر... فلما رأيت املرء يبذل بشره

حليفا للدراسة والفكر... ربعت على ظلعي وراجعت منزيل فصرت وشاورت إخواين فقال حكيمهم عليك الفىت املري ذا اخللق الغمر

ة للتنصل والعذرفيحتاج فيه ... فىت مل يقف يف الدهر موقف ظن أبو الفرج املأمول يزهد يف عمرو... أعيذك بالرمحن من قول شامت

كما كان دهرا يف الرخاء ويف اليسر... ولو كان فيه راغبا لرأيته أترضى فدتك اليوم نفسي وأسريت بتأخري أرزاقي وأنت تلي أمري

وأيد بالنصرتأزر باحلسىن... أال يا فىت الكتاب والعسكر الذي وذو الود منخوب الفؤاد من الذعر... أخاف عليك العني أو نفس وامق

وحيفظه يف القاطنني ويف السفر... وعهدي به واهللا يرشد أمره مكايد حمتال عقاربه تسري... مطال على التدبري ما يستفزه ند اخلصم من وضح الفجروأوضح ع... برأي يزيل الطودمن مستقره وقلب ربيط اجلأش منثلج الصدر... وعزم كغرب املشريف مصمم وأيدكم بالنصر والعدد الدثر... فيا ابن جناح أجنح اهللا سعيكم

خليال يواسيين ويرغب يف شكري... قعدت فلم أطلب وجلت فلم أصب ال رأيي واستنمت إىل شعريفقد ق... وإن أخفقت كفي وقد علقتكم

ر... أعيذك بالرمحن أن تشمت العدى فللفقر خري من مشاتة ذي الغم

وال يعرف األقدار غري ذوي القدر... فإن ترع ودي بالقبول فأهله وحسبك يب يوم النزاهة والصرب... وحسبك يب إن شئت ودا وخلة وشكر كنقش احلمريية يف الصخر ...أال رب شكر دائر الرسم دارس

.إذا كان املمدوح ظاهر احملاسن كثري املناقب فلم يجد الشاعر كان ألوم: قال أبو عثمان اجملهول

Page 102: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ونعوذ باهللا أن يكون فيكم ما يستدعي األلفاظ الشريفة واملعاين النفيسة، ويكون التقصري مينفإن وقعت هذه القصيدة واليت . د اجملتهدين الراغبني املخلصنيوكيفما تصرفت يب احلال فإني مل أخرج من جه

وإن شيعتم ضعفها بقوة كرمكم، وقومتم أودها . وإن خالفت فنستغفر اهللا. قدمنا قبلها باملوافقة فاحلمد هللا .واهللا املوفق. بفضل حلمكم، كان يف ذلك بالغ ملا أملنا

الرسالة التاسعة

ة واحلسدكتاب فصل ما بني العداو

بسم اهللا الرمحن الرحيم

أصحب اهللا مدتك السعادة والسالمة، وقرهنا بالعافية والسرور، ووصلها بالنعمة اليت ال تزول، والكرامة اليت ال .حتول

نبيل بارع، فصل فيه بني احلسد والعداوة، ومل يسبقين إليه أحد وال إىل كتاب - أطال اهللا بقاءك -هذا كتاب .د الذي تقدم هذا الكتاب، وال إىل كتاب أخالق الوزراء الذي تقدم كتاب فضل الوعدفضل الوع

وإمنا نبلت هذه الكتبوحسنت وبرعت، وبذت غريها؛ ملشاكلتها شرف األشراف، مبا فيها من األخبار األنيقة املكارم الباقية املأثورة، مع ما الغريبة، واآلثار احلسنة اللطيفة، واألحاديث الباعثة على األخالق احملمودة، و .تضمنته من سري امللوك واخللفاء ووزرائهم وأتباعهم، وما جرت عليه أحواهلم

.فأنا أسألك بساطع كرمك وناصع فضلك، ملا امتننت علي بصرف عنايتك إىل قراءهتاف على حدودها، وتتعرف معاين فإن مل ميكنك تبحرها والتقصي جلميعها، لألشغال اليت تعروك، فبحسبك أن تق

ا به من اليقظة والذكاء، والتوقد واحلفظ، ما يكفي معه النظر اخلاطف .أبواهبا بتصفح أوائلها؛ فإن معك قلبإنه مل خيل زمن من األزمان فيما مضى من القرون الذاهبة إال وفيه علماء حمقون، قد قرءوا كتب من تقدمهم،

وا املوافقني هلم، وعانوا املخالفني عليهم، فمخضوا احلكمة وعجموا عيداهنا، ووقفوا ودارسوا أهلها، ومارسعلى حدود العلوم، فحفظوا األمهات واألصول، وعرفوا الشرائع والفروع، ففرقوا ما بني األشباه والنظائر،

باطن بالظاهر البين، وصاقبوا بني األشكال واألجناس، ووصلوا بني املتجاور واملتوازي، واستنبطوا الغامض الرفوا بالفهم الثاقب والعلم الناصع، وقضت هلم احملنة واستظهروا على اخلفي املشكل باملكشوف املعروف، وع

. بالذكاء والفطنة، فوضعوا الكتب يف ضروب العلوم وفنون اآلداب ألهل زماهنم، واألخالف من بعدهماليت ركبها اهللا فيهم، وأباهنم من غريهم، وفضلهم عليهم، يزدلفون بذلك إىل املمنت عليهم بفضل املعرفة

وهلم حساد معارضون من أهل زماهنم يف تلك العلوم . ويباهون به األمم املخالفة هلم، ويتبارون بذلك فيما بينهمجملاز من والكتب، منتحلة يدعون مثل دعاويهم، قد ومسوا أنفسهم بسمات الباطل، وتسموا بأمساء العلم على ا

حيتذون أمثلة احملقني يف زيهم وهديهم، . غري حقيقة، ولبسوا لباس الزور متزخرفني متشبعني مبا ال حمصول لهويقتفون آثارهم يف ألفاظهم وأحلاظهم، وحركاهتم وإشاراهتم، لينسبوا إليهم ويحلوا حملهم، فاستمالوا هبذه

وك، واختذهم املعادون للعلماء احملقني عدة يستظهرون هبم عند احليلة قلوب ضعفاء العامة، وجهالء املل

Page 103: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ومحل املدعية للعلم املزور احلسد على هبت العلماء احملقني، وعضههم والطعن عليهم، وجرأهم على ذلك .العامةنالوا بذلك ما رأوا من صغو ضعفة القلوب وإذلة الناس إليهم، وميل جهالء امللوك معهم عليهم، وأملوا أن ي

بشاشة العامة، وتستوي هلم الرياسة على طغام الناس ورعاعهم، ويستخولوا رعاهتم وقومهم، فهمروا وهدروا وتوردوا على أهل العلم بغباوهتم، وكشفوا أغطية اجلهل عن أنفسهم، وهتكوا سترا كان مسدال عليهم

:وقد قيل. يف الرياسة وحبا هلا ؛ طمعا" الصمت زين العامل، وستر اجلاهل : " فقد قيل. بالصمت وقلما جتد الراضني بالقسم... حب الرياسة داء ال دواء له

يما سلف حبب الرياسة. ومل خيل زمن من األزمنة من هذه الطبقة وال خيلو وكذلك . وهالك من هلك من األمم ف .من يهلك إىل انقضاء الدهر فبحب الرياسة

.كانوا إىل أن تأيت الساعة حبب األمر والنهي، وحب السمع والطاعة هالك الناس منذ: وقد قيلفأشكل على العامة أمر العامل احلقيقي واملدعي اجملاري املنتحل للزور والباطل؛ مث ترادف عليهم من هذه العلل

.ترهفاليت يعمى هلا السبيل الواضح والطريق املنشأ،على اجلاهل املستضعف؛ وذي الغباء املسأن تكون هذه الكتب اليت أعىن بتأليفها، وأتأنق يف ترصيفها، يتوىل عرضها -جعلين اهللا فداك - ولست آمن

عليك من قد لبس لباس الزور يف انتحال وضع مثلها، ونسب نفسه إىل القوة على نظائرها، واملعرفة مبا يقارهبا، .اهللا منها إن مل يكن أخاها فابن عمها، وتشبع مبا مل يطعمه

ولعل بعض من حوله، أو بعض من يهزل به، ويرتع يف عقله ويلهو بلبه، ويضعه على طبطابة اللعب، ويف احلسد له على ما يدعي من ذلك، ويتقدم إىل آخرين يف إيهامهم إياه ذلك، فيزيده . أرجوحة العبث، يومهه

ا ليس معه وهو منه عار : احلقائق علم أن مثله كما قد قيلفإذا رجع إىل. فعلهم ضراوة بادعاء م ويغبط مبا يف البطن والبطن جائع... ومن يسكن البحرين يعظم طحاله

. الذئب يغبط وهو جائع : " وقد قيل ا حيتاج أن ينشره منها، " فيلتوي يف قراءهتا، ويقبض لسانه عن بسط م .ويقصر يف تفخيم حروفها وال ميأل فمه منها

ز ذلك إىل الطعن عليها بقول أو إشارة، فيوهم فساد معانيها ويومي إىل سقوط ألفاظها، من بل ال آمن أن يتجاوا يكون ، واحلسد ملؤلفها، واحلمل عليها بقول يكون دليال على ما يضمر، وهو أبلغ م غري أن يظهر املعاداة هلا

يقع ذلك خبلده . من يسمع خيل: " وقد قيل. من قلب املستمع وأجنعه فيه، ف " كل مجر يف : " وقد قيل. وليس يقابله أحد برد، وال يوازيه بنزاع، فيزداد نشاطا عندما يرى من خالء األمر

وكل مناظر متفرد بالنظر مسرور، وإمنا يعرف جري اخليل عند املسابقة، وبراعة النظر عند " اخلالء يسر .املخاصمة

على املأمون يف حتليل النبيذ، وحبضرته حممد بن أيب العباس الطوسي، فانربى عرض كتايب : وقال يل بشر املريسيللطعن عليه واملعارضة للحجج اليت فيه، وأسهب يف ذلك وخطب، وأكثر وأطنب، فقلق املأمون واحتدم، وهاج

مل ير أحدا واضطرم؛ الستحقار الطوسي وخالء اجمللس له، وكان حيب أن يزعه وازع يكفه حبجة تسكنه، فلما :حبضرته يذب عن كتايب قال متمثال

خال لك اجلو فبيضى واصفرى... يا لك من قبرة مبعمر

Page 104: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ونقرى ما شئت أن تنقريا : فما كان إال ريث فراغه من التمثل هبذه األبيات حىت استؤذن يل فدخلت عليه، فقال يا أبا عبد الرمحن، م

لعن اهللا قليله إذا مل : فما تقول فيما أسكر كثريه؟ قلت: فقال. ق يا أمري املؤمننيحل طل: تقول يف النبيذ؟ فقلتما تقول فيما قال أمري : فأقبلت على ابن أيب العباس فقلت له. إن حممدا خيالفك: مث قال. يسكر إال كثريهمين والتخلص من مناظريت،ال كالما يوهم به أهل اجمللس، حبا للتسلم . ال خالف بيين وبينك: املؤمنني؟ قال

فما يل ال أرى أثر قواه يف عقلك؟ فضحك املأمون، فلما : فاستغنمت ذلك منه وقلت له. على حقيقة التحليل لهرأيت ضحكه أطنبت يف معاين حتليل النبيذ، وابن أيب العباس ساكت ال ينطق، وكان قبل دخويل ناطقا ال

ضوري مع كثرة كالمه يف ثلب كتايب وعيبه كان قبل دخويل، قال فلما رأى املأمون سكوته عند ح. يسكت :متمثال

قد كنت نباحا فما لك اليوم... ما لك ال تنبح يا كلب الدوم إن الكتب عقول قوم وراءها عندهم حجج هلا، فما ينبغي أن يقضى على كتاب إال إذا كان له : مث نظر إيل فقال

يه؛ فإن أبناء النعم وأوالد األسد حمسودوندافع عنه، وخصم ي .بني عما ف .يا أبا عبد الرمحن، بإزاء كل حاسد راهن: مث قال

. احلسن حمسود : " وقد قيل يف مثل من األمثال . لن تعدم احلسناء ذاما : " ويف مثل آخر" وقال األحنف بن " :قيس

ر مأكولإال وجدت به آثا... ولن تصادف مرعى ممرعا أبدا .يعاث يف كل مرعى حسن ويؤكل منه، فيعيبه ذلك: يقول

ولو أن امرأ كان . ما أحدث اهللا بعبد نعمة إال وجدت له عليها حاسدا: " وقال عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه " .أقوم من القدح لوجدت له غامزا

.ان حسده؛ آلنه مغلوب على نفسهاحلاسد ال ميلك إال عن: وقال عمر بن عبد العزيز رضي اهللا عنه .احلاسد جمنون؛ ألنه حيسد احلسن والقبيح: وقال اخلطاب بن نمري السعدي

.احلسد شهاب ال يبايل من أصاب، وعلى من وقع: وقال املهلب بن أيب صفرةنة تنتهز أزمنة وإال فإهنا كام. والعداوة هلا عقل تسوس به نفسها فينجم قرهنا، وتبدى صفحتها يف أوقات اهلتر

.واحلسد مسلوب املعقول بإزاء الضمري يف كل حني وزمان ووقت. الفرصوالعداوة وإن كانت تقبح احلسن فهي دون . ومن لؤم احلسد أنه موكل باألدىن فاألدىن، واألخص فاألخص

.ا مباينااحلسد؛ ألن العدو املباين قد حيول وليا منافقا، كما حيول املوىل املنافق عدو. والعداوة حتدث لعلة، فإذا زالت العلة زالت معها. واحلاسد ال يزول عن طريقته إال بزوال احملسود عليه عندهميكنين أن أرضي الناس : ومن هذا قال معاوية رمحه اهللا. واحلسد تركيب لعله حيسد عليه فهو ال يزول إال بزواله

.إال زواهلا كلهم إال حاسد نعمة، فإنه ال يرضيه منهاوأعداء النعمة إذا شوركوا فيها ونالوا منها تزحزحوا عن عداوهتا، وكانوا من أهلها احملامني عنها، والدافعني عن

.محاها

Page 105: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

النعمة اليت يعاش فيها نعمة حمروسة ليس عليها ثائر يغتاهلا، وال ذو حسد حيتال : ومن هذا قال املغرية بن شعبة .يف غريها

وكل خري كان يرضخ بذال كان من املتالف ممنوعا، . خري اخلري وأحصنه خري عيش فيه: سلموقال قتيبة بن م .ومن الغري آمنا

.وحساد النعمة إن أعطوا منها وتبحبحوا فيها، ازدادوا عليها غيظا وهبا إغراءال يبيد وإمنا محل اليهود . عدو حباسد فكل حاسد. والعداوة تخلق وتمل، واحلسد غض جديد، حرم أو أعطي،

وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أنه نيب صادق ورسول حمق، - على الكفر مبحمد صلى اهللا عليه وسلم احلسد، وحجز بني علمائهم واإلميان به، مث نتج هلم -يقرءون بعثه يف توراهتم، ويتدارسونه يف بيت مدراسهم

.احلسد عداوتهاحلسد آمل وآذى وأوجع وأوضع من العداوة، أنه مغرى بفعل اهللا عز وجل، والعداوة ومن الدليل على أن

أال ترى أنك مل . وال يعادى على فعل اهللا تباركت أمساؤه. عارية من ذلك ال تتصل إذا اتصلت إال بأفعال العبادوقد رأيت حاسد هذه . نتسمع أحدا عادى أحدا ألنه حسن الصورة مجيل احملاسن، فصيح اللسان حسن البيا

.الطبقة ومسعت به، وهم كثري تعرفهم باخلرب واملشاهدة .فهذا دليل على أن احلسد ال يكون إال عن فساد الطبع، واعوجاج التركيب، واضطراب السوس

لو والعداوة قد خت. واحلسد أخو الكذب، جيريان يف مضمار واحد؛ فهما أليفان ال يفترقان، وضجيعان ال يتباينانواحلسد ال يربأ من ! من الكذب؛ أال ترى أن أولياء اهللا قد عادوا أعداء اهللا إذ مل يستحلوا أن يكذبوا عليهم؟

:وأنشد. البهت، وكيف يربأ منه وهو عموده الذي عليه يعتمد، وأساسه به البناء يعقد كذبا وزورا إنه لدميم... كضرائر احلسناء قلن لوجهها

والعداوة مجر . واحلسد ال يبلى احملسود أو احلاسد. قوده الروح، ال تبوخ أبدا أو يفىن الوقودواحلسد نار و .واحلسد جوهر والعداوة اكتساب. يوقده الغضب، ويطفئه الرضا، فهو مؤماللرجوع مرجو اإلنابة

.احلسد أنثى، ألنه ذليل؛ والعداوة ذكر فحل، ألهنا عزيزة: وقال بعضهمفقد رأينا وشاهدنا من كان يسكن . حلسد وإن كان موكال باألدىن فاألدىن فإنه مل يعر منه األبعد فاألبعدوا

العراق وينتحل العلم واألدب، انتهى إليه خرب مشارك له يف الصناعة من أهل خراسان وجنبة بلخ من اتساق العامة له، وترادف الناس عليه، فطار قلبه الرياسة يف بلده، ومجيل حاله ونبيل حمله عند أهل مصره، وطاعة

فرقا، وأخذته األرباء، وتنفس الصعداء وانتفض انتفاض املفلس املمطور، فقال يل رجل من إخواين كان عن مل ير ظامل أشبه مبظلوم من حاسد نعمة؛ فإن نفسه متصل، : " حبق قال من قال: مييين، حني رأى ما رأى منه

" .رته ال تنام وكربه دائم، وفك

وكأن من ناله . وهو يف أهل العلم أكثر، وعليهم أغلب، وهبم أشد لصوقا منه بغريهم من امللوك والسوقةالتقصري يف صناعة العلم عن غايته القصوى قد استشعر حسد كل ما يرد عليه من طريف أدب، أو أنيق كالم،

روعه خلساسته، أنه ال ينال أحد منهم رياسة يف صناعة، وال بل قد وقع خبلده لضعفه، وقر يف. أو بديع معىن .يتهيأ له سياسة أهلها، إال بالطعن على نواصيهم، والعيب جللتهم، والتحيف حلقوقهم

Page 106: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

خيل إىل نوكي الشعراء أهنم ال يقضى : قال يل مسلم بن الوليد األنصاري الشاعر، الذي يعرف بصريع الغواينالشعر إال هبجائي والطعن يف شعري، ولسان يهجى به عرضي، ال أنفك متهما من غري جرم، إال ما هلم جبودة

سبق إىل قلوهبم من وساوس الظنون واخلواطر اليت أومهتهم أنه ال يسجل هلم جبودة الشعر إال إذا استعملوا يف .ما خيل إليهم

روي كان عند الفضل بن سهل ذي الرياستني مبرو، فقرأ وأخربين أشياخنا من أهل خراسان أن أبا الصلت اهلعليه كتابا ألفه النضضر بن شميل، فطعن أبو الصلت فيه، وكان الفضل عارفا بالنضر الشميلي، واثقا بعلمه،

ه: إن حيىي بن خالد قال يوما: مائال إليه،فأقبل على أيب الصلت وقال له مه عن إن كتيب لتعرض على من يغلظ ففيطعن فيها وال يدري -يعرض بإمساعيل بن صبيح -معرفتها، وجيسو ذهنه عنها، وال يبلغ أقصى علمه ما فيها

إال أن نار احلسد تلهبه فيهذي هذيان املريض، ويهمز مهزات الغيري، مث ال يرضى أن يقف . ما يقرأ عليه منهاإظهار جهله عند أهل املعرفة، باستيعابه الطعن على ما مل عند أول الطعن ومييل عنه حىت يستقصي على نفسه

يبلغ درايته، ومل يحط به علمه، مث ينسيه جهله الطعن الذي تقدم منه فيها، وحيمله نوكه على استعمال معانيها .وألفاظها، يف كتبه إىل إخوانه وأعوانه الذين شهدوه يف أوان طعنه عليها، وحني ثلبه هلا

ا قال حيىي بن خالد بالتجربة واالبتالءوقد عرفت حقي وإين رمبا ألفت الكتاب احملكم املتقن يف الدين . قة موالفقه، والرسائل والسرية، واخلطب واخلراج واألحكام، وسائر فنون احلكمة، وأنسبه إىل نفسي، فيتواطأ على

ا يكون هذا منهم . ته ونصاعتهالطعن فيه مجاعة من أهل العلم، باحلسد املركب فيهم، وهم يعرفون براع وأكثر مإذا كان الكتاب مؤلفا مللك معه املقدرة على التقدمي والتأخري، واحلط والرفع، والترغيب والترهيب، فإهنم

يهتاجون عند ذلك اهتياج اإلبل املغتلمة، فإن أمكنتهم حيلة يف إسقاط ذلك الكتاب عند السيد الذي ألف له ه وأرادوه، وإن كان السيد املؤلف فيه الكتاب حنريرا نقابا، ونقريسا بليغا، وحاذقا فطنا، فهو الذي قصدو

وأعجزتهم احليلة، سرقوا معاين ذلك الكتاب وألفوا من أعراضه وحواشيه كتابا، وأهدوه إلىملك آخر، ومتوا .يب إليه به، وهم قد ذموه وثلبوه ملا رأوه منسوبا إيل، وموسوما

ورمبا ألفت الكتاب الذي هو دونه يف معانيه وألفاظه، فأترمجه باسم غريي، وأحيله على من تقدمين عصره مثل ابن املقفع واخلليل، وسلم صاحب بيت احلكمة، وحيىي بن خالد، والعتايب، ومن أشبه هؤالء من مؤلفي الكتب،

الذي كان أحكم من هذا الكتاب، الستنساخ هذا الكتاب فيأتيين أولئك القوم بأعياهنم الطاعنون على الكتاب وقراءته علي، ويكتبونه خبطوطهم، ويصيرونه إماما يقتدون به، ويتدارسونه بينهم، ويتأدبون به، ويستعملون م ألفاظه ومعانيه يف كتبهم وخطاباهتم، ويروونه عين لغريهم من طالب ذلك اجلنس فتثبت هلم به رياسة، ويأمت هب

.قوم فيه؛ ألنه مل يترجم بامسي، ومل ينسب إىل تأليفي، وألفاظ شريفة فصيحة، ولرمبا خرج الكتاب من حتت يدي محصفا كأنه منت حجر أملس، مبعان لطيفة حمكمة

فأخاف عليه طعن احلاسدين إن أنا نسبته إىل نفسي، وأحسد عليه من أهم بنسبته إليه جلودة نظامه وحسن ، فأظهره مبهما غفال يف أعراض أصول الكتب اليت ال يعرف وضاعها، فينهالون عليه اهنيال الرمل، كالمه

.ويستبقون إىل قراءته سباق اخليل يوم احللبة إىل غايتها

Page 107: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وحسد اجلاهل أهون شوكة وأذل حمنا، من حسد العارف الفطن؛ ألن احلاسد اجلاهل يبتدر إىل الطعن على ب يف أول وهلة يقرأ عليه، من قبل استتمام قراءته ورقة واحدة؛ مث ال يرضى بأيسر الطعن وأخفه حىت الكتا

وليس ثلبه مفسرا مفصال، ولكنه يجمل . يبلغ منه إىل أشده وأغلظه، من قبل أن يقف على فصوله وحدودهقضائه، وحيسب أنه كلما ازداد إغراقا وطعنا هذا خطأ من أوله إىل آخره، وباطل من ابتدائه إىل ان: ذلك ويقول

وهو ال يعلم أن املستمع إليه إذا ظهر . وإطنابا يف احلمل على واضع الكتاب، كان ذلك أقرب إىل القبول منهمنه على هذه املنزلة استخف به، وبكته باجلهل، وعلم أنه قد حكم من غري استرباء، وقضى بغري روية، فسقط

.عنه وبطلاسد العارف الذي فيه تقية ومعه مسكة، وبه طعم أو حياة، إذا أراد أن يغتال الكتاب وحيتال يف إسقاطه، واحل

تصفح أوراقه ووقف على حدوده ومفاصله، وردد فيه بصره وراجع فكره، وأظهر عند السيد الذي هو يسترعي به ألباهبم، وسلما يرتقي به إىل حبضرته وجلسائه، من التثبت والتأين حبالة يقتنص هبا قلوهبم، وسببا

فرمبا استرعى هبذه . فيوهم به القصد إىل احلق واالجتباء له. مراده منهم، وبساطا يفرش عليه مصارع اخلدع .املخاتل واخلدع قلب السيد احلازم

منه ترجى أمثاهنا، فمن أعظم الباليا وأكرب املصائب على مؤلفي الكتب إذا كان العارض هلا على السيد الذيوعنده تنفق بضائع أهلها، على هذه الصفة اليت وصفتها من احلسد واحلذق بأسبابه، واملعرفة بالوجوه اليت تثلم

ال سيما إن كان مع استبطان احلسد واستعمال الدهاء والذكاء جليسا . احملسود وهتده، وتضع منه ومن كتبهثا ال يرمي، وليست له رعة حتجره عن الباطل، وال معه حذر يبعثه على الفكر يف الزما، وتابعا ال يفارق، وحمد

العواقب؛ فإن هذا رمبا وافق فترة السيد ترداد الكالم، وكثرة تكراره عليه، من تأكيد خطائه، ونصرته قوله، تصري إليه األمور على فليس للسيد الذي حيب أن. وذياده عنه، واحتجاجه فيه، فيؤثر يف قلبه، ويضجع رأيه

حقائقها، وتصور له األشياء على هيئاهتا، حيلة يف ذلك إال حسم مادة هذا من أهل احلسد، باإلعراض عنهم، .واالحتجاز دوهنم

ورمبا بلغ من احلاسد جهد احلسد إذا مل يعمل بشهوته، ومل تنفذ سهام لطائفه، أن يقر على نفسه باخلطأ، الذي كان منه يف الكتاب عن سهو وغفلة، وأنه مل يكن بلغ منه يف االستقصاء ما أراد، وكان ويعترف أن الطعن

مشغول الفكر مقسم الذهن، فلما فرغ له ذهنه وانفرد له مهه راجع ما كان بدر منه، لتظن به الرعة، ويقال إنه ا ذلك حيلة منه ودهاء قدمه أمام ما وإمن. مل يرجع عن قوله واعترف باخلطأ إال من عقل وازع، ودين خالص

يريد أن يوكد لنفسه ويوطد هلا، من قبول القول يف سائر ما يرد عليه من الكتب عن غري موافقة على مواضع، ا تبين له خالف ما قال، أوثق أسباب عدالته، وأحكم عرى وجيعل ما قد تقدم له من الرجوع عن قوله عند م

.نصفتها يستدعى به الصدق إظهار الشك يف اخلرب الذي ال يشك فيه: وكان يقال .من لطيف مومن أبلغ الطعن على ما تريد الطعن عليه أن تطعن مث . من غامض الرياء أن ترى بأنك ال ترائي: وكان يقال

إن هذا لو : ويقال تستغفر اهللا، مث تتمهل فترة، مث تعود لطعن هو أعظم منه وأطم من األول؛ ليوثق بك فيه، .كان عن حسد ما رجع عن الطعن األول

ذو الغيبة املشهور هبا املنسوب إليها يقل ضرره، ويضعف كيده، ملا شاع له يف الناس وانتشر منه، : وقد قيل

Page 108: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وال فكان عندهم ظنينا متهما، ومطبوعا عليها، يستمعون منه على قضاء ذمام اجملالسة والتلذذ به، من غري قبول .اصطفاء

وأحذق منهم الذين يستمعون . وإمنا البلية يف غيبة حذاق املغتابني الذين يسمعون، فيضحكون وال يتكلمونويسكتون القائل ويدعون اهللا بالصالح للمقول فيه، فهم قد أسكتوا القائل املغتاب ودعوا للمقول فيه،

.قيل جلبه القائل وردع عن قولهوأوكدوا قول القائل؛ ألنه لو حل عندهم حمل الرباءة مما يله عند العامة كثري .واملتورد املتقحم ال تكاد العامة تقبل منه. ومظهر التوقي قل

إن عبيد اهللا بن عبد اهللا بن عتبة بن مسعود كان من نبالء املغتابني وحذاقهم حيث : وقد قال بعض العلماء :يقول

وفيها املعاد واملصري إىل احلشر.. .مسا تراب األرض، منه خلقتما

فما حشى اإلنسان شرا من الكرب... وال تعجبا أن تؤتيا وتعظما كالنية أو قال ذلك يف سر... فلو شئت أدىل فيكما غري واحد

ضحكت له حىت يلج فيستشري... فإن أنا مل آمر ومل أنه عنكما :ومن هذا سرق العتايب املعىن حيث يقول

ا إ تعرف من صفحي عن اجلاهل... ن كنت ال حتذر شتمي مل فيك ملشنوع من القائل... فاخش سكويت سامعا ضاحكا

أسرع من منحدر سائل... مقالة السوء إىل أهلها دعا الناس إىل ذمه ذموه باحلق وبالباطل... ومن

:وسئل القاسم بن معن عن ابن أيب ليلى، فقلب كفيه وقال وجد أيب ليلى لكالبدر ظاهر... ن الناس من خيفي أبوه وجده م

ا أراد. فلم تثبت عليه به حجة يف ذم له وال مدح .وقد بلغ م، فإن كان حمضا أو مشوبا أظهره الوطب وما خضوه: وسئل يوما عن علمه فقال .أوعوه وطبا

من كتايب لك، وسبق إىل ومهك شك فيه، أعلمتين باحلسد قادح فيما أؤلفه - جعلين اهللا فداك -فإن قدح النكتة اليت قدح فيها، مث قابله جبوايب، فإين أرجو أال حتتاج إىل حاكم عند جتاثي القولني بني يديك، لعلو احلقعلى

.الباطل، ودموغه إياه .نيعةواحلسد أذل نفسا من أن يجاثي أحدا، والعداوة إمنا قدمت عليه ألهنا عزيزة م

والعداوة تبدو وتنجم ...احلسد ال يبدو إال يف العني وعلى اللسان املقصور عند أهله املؤتلفني على: ويقال .قروهنا وينبسط لساهنا عند املوافقني له واملخالفني عليه

ذاك امرؤ سيط باحلسد وجبل عليه، فليس له أخ يف السر : وسئل خالد بن صفوان عن شبيب بن شيبة فقال . عدو يف العالنيةوال

.حساد، إخوان العالنية، وأعداء السريرة، يعطونك الكل ومينعونك القل: وسئل العتايب عن أهل بغداد فقاله وعابته وال نعلم أن شاذا من الشواذ، . ومما يدلك على أن احلسد أخس وأغنب من العداوة، أن امللل كلها ذمت

Page 109: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

عاد من عاداك، وقارع بالعداوة : " اد، فضال عن جيل من األجيال، أمر باحلسد؛ كما قيلوشاردا من الشرمث عظم شأن العداوة عندهم، وجل قدرها لديهم، حىت اختلفوا يف وجوه العمل فيها؛ فمنهم من أمر " . أهلها

.هبا على احلزم والعقلبن عقيل موىل آل الزبري لو وجهت إىل عمرو ب: وقال الشعيب لبشر بن مروان من -وكان شتمه -ن حممد

:إني مستعمل يف عدوي قول القائل: فقال بشر! يأتيك به سحبا وجرا تنل ظفرا ممن تريد وتغلب... وعاد إذا عاديت باحلزم والنهي

.فكان هبذا ممن يرى املعاداة باحلزم، ويغتاهلا بالعقل والتأين :وكان ينشد. شر العداوة ما ستر باملداراة، وأشقاها لألنفس ما قرع مبثلها باديا: رية يقولوكان عروة بن املغ

فعل الذليل ولو بقيت وحيدا... ال أتقي حسك الضغائن بالرقي ا... لكن أعد هلا ضغائن مثلها حىت أداوي باحلقود حقود

دوائها منها هبا ربئ املنجوداتشفي السقيم وت... كاخلمر خري ! " .هللا در عروة، هذه أنفس العرب: " فانتهى قوله إىل ابن شربمة فقال

.فهؤالء رأوا كشف املعاداة ومل يروا التأني .ومنهم من رأى املعاداة بعد الفرار منها واإلعذار فيها، فإن هي أبت إال املقارنة قارنوها مبثلها

قد أقبل إليك فتطامن له حىت يتخطاك، وال هتجه وال تبحث عنه؛ فإن أىب إذا رأيت الشر: قال شبيب بن شيبة :وأنشد. إال أن يربك عليك فكن من األرض نارا ساطعة تتلظى

فعاد النوم واحترس البياتا... إذا عاداك حمتنك لبيب وإن ثارت فكن شبحا مواتا... وال تثر الربوض وخل عنها

فخري الشر أسرعه فواتا... واك ونح عنها تجزك إىل س فواجهها جماهرة صالتا... وإن مالت عليك وخفت منها

إن املالمات : قال عبيد اهللا بن عبد اهللا بن عتبة بن مسعود. ومنهم من أمر بقبول اإلنصاف وترك احملاسبة :وأنشد. أو شدة منافسة يف تعداد الذنوب والذمات كلها قبيحة، وأقبح املالمة واملذمة ما كانتا يف ترك نصفة

جتر إىل املذمة واملالمة... منافسة العدو أو الصديق

وبعض النصف فانتهز السالمة... إذا أعطاك نصفا ذو وداد :قال العباس بن عبد املطلب. ال ترض من عدوك إال بالظلم، وال إنصافه ونافسه يف ذلك: ومنهم من قال

ولو أنصفوا حىت تعق وتظلما... طالب ال تقبل النصف منهم أبامسعت من : حدثين إبراهيم بن شعبة املخزومي قال: قال. ومنهم من أمر مبعونة الدهر على العدو إذا محل عليه

إذا رأيت يد الدهر قد لطمت عدوك فبادره برجلك، فإن سلم من الدهر : حكى يل عن مصعب بن الزبري قال :وأنشد. يسلم منكمل

بنكبته أعنت له الزمانا... إذا برك الزمان على عدو إن من شرط الدهر ومن صناعة الزمان السلب، فإذا محلت األيام على : قلت لطوق بن مالك: قال العتايب

Page 110: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

نه، وحالت من مل ينتهز من عدوه انتهز م: فقال يل طوق: قال. عدوك ثقال وأمكنتك منه فزده ثقال إىل ثقله :وانشد. األيام اليت كانت بيضا عليه سودا

حران ليس على التراب براقد... هللا درك ما ظننت بثائر أسفا عليك وكيف نوم احلاقد... أحقدته مث اضطجعت ومل ينم يوما نوفك بالصواع الزائد... إن تمكن األيام منك، وعلها، بعدي لكل مسامل ومعاند.. .ولئن سلمت ألتركنك عارضا

.ومنهم من كان يرى جرب كسر العدو وإقالة عثرته، ونصرته عند وثوب الدهر عليهكانت احلرب يوم صفني بني العرب حمضة ال شوب فيها، فكانت : حدثين ابن عبد احلميد قال ابن شربمة: قال

خذله قومه فانصروه، وألقاه دهره مبضيعة : نوا يقولونحماربتهم كداما واعتناقا، وكانوا إذا مروا برجل جريح كا .فردوه إىل أهله .مازلنا نسمع أن املصيبات تنزع السجيات: وقال ابن شربمة

:وأنشدين بعض أهل العلم يف هذا املعىن: قالدعوهتم لفرجتها وحدي ولو بلغت جهدي... فلو يب بدأمت قبل من قد

سلت مصيبته حقدي... احلقد أجحفت إذا املرء ذو القرىب وذو به سنة .وهذا كثري ال حيتاج فيه إىل استقصاء شواهده. ومنهم من رأى اإلفضال على عدوه وترك جمازاته

ال تزال العرب خبري ما لبست العمائم -بل األحنف بن قيس : وقال بعضهم -قال غيالن بن خرشة الضيب ة األوغاد؟ قال: قيل. ومل تأخذها محية األوغادوتقلدت السيوف وركبت اخليل، أن يروا احللم ذال، : وما محي

.والتواهب ضيما :أال تنتقم من فالن فقد عاداك ونصب لك؟ فقال: وقال الشعيب لرجل قال له

إمنا األحالم يف حال الغضب... ليست األحالم يف حال الرضا ا يتمثل هبما :وأنشدين بعض العلماء بيتني وقال :إن الزنبريي كان كثريا م بين العم منهم كاشح وحسود... وإين ألعدائي على املقت والقلى وأبدأ باحلسىن هلم وأعود... أذب وأرمي باحلصى من ورائهم

:وكان عبد امللك بن مروان إذا أنشد ملراجم من دونه وورائه... إين وإن كان ابن عمي كاشحا

متزحزحا يف أرضه ومسائه... نصري وإن كان امرأ ومعريه يا ليت أن علي حسن ردائه... وإن اكتسى ثوبا نفيسا مل أقل

وإذا تصعلك كنت من قرنائه... وإذا خترق يف غناه وفرته .احلاجة نفى عن نفسه احلسد واللؤم واالنتقام عند اإلمكان، واملسألة عند. هذا واهللا من شعر األشراف: قال

.ومنهم من أمر بالسفه يف العداوة واستعمال اخلرق فيها: جاء النابغة اجلعدي إىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فقال: حدثين نوح بن امحد عن أبيه عن ابن عباس قال

ا اهللا عنه؟ قال :فأنشده. أنشدين منه: قال. نعم: هل معك من الشعر ما عف

Page 111: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

إذا ما التقينا أن حتيدا وتنفرا... نعود خيلنا وإنا لقوم ما من الطعن حىت حتسب اجلون أشقرا... وتنكر يوم الروع ألوان خيلنا

صحاحا وال مستنكرا أن تعقرا... وليس مبعروف لنا أن نردها وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا... بلغنا السماء جمدنا وسناؤنا

فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه . إىل اجلنة: إىل أين يا أبا ليلى؟ فقال: ى اهللا عليه وسلمفقال له رسول اهللا صل.إىل اجلنة إن شاء اهللا : " وسلم "

:مث رجع يف قصيدته فقال حليم إذا ما أورد األمر أصدرا... وال خري يف جهل إذا مل يكن له ه أن يكدرابوادر حتمي صفو... وال خري يف حلم إذا مل تكن له

فأتت عليه عشرون ومائة سنة، كلما سقطت : قال" . ال فض اهللا فاك : " فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم .له سن اثغرت أخرى مكاهنا؛ لدعوة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

.فهذا أحسن ما روي يف البادرة اليت يصان هبا احللم :وقال الشاعر اجلاهلي

القوم إخوان: وقلنا... عن بين ذهل صفحنا ن حيا كالذي كانوا... عسى األيام أن يرجع

وأمسى وهو عريان... فلما صرح الشر بدا والليث غضبان... مشينا مشية الليث وتضجيع وإذعان... بضرب فيه توهني وهي والزق مآلن... وطعن كفم الزق

ن ال ينجيك إحسان... حي ويف الشر جناة كنا مع أيب برزة األسلمش يف غزاة، فكان منا رجل : حدثنا أبو مسهر عن أبيه عن خالد بن عمرو الكليب قال

فغضب لدعائنا، فشكونا ذلك إىل أيب برزة، فقال . جزاك اهللا خريا: ميتار لنا املرية ويقوم حبوائجنا، فإذا أقبل قلناجزاك اهللا : فكنا نقول له إذا أتانا باحلوائج. من مل يصلحه اخلري أصلحه الشر، فاقلبوا له كنا نسمع أن: أبو برزة

.شرا وعرا، فيضحك لذلك :وأنشدين رجل عن بعض األعراب

اعله... أرى احللم يف بعض املواطن ذلة ويف بعضها عزا يشرف ف به من يجاهلهسفيها ومل تقرن ... إذا أنت مل تدفع حبلمك جاهال فأصبح قد أودى حبقك باطله... لبست له ثوب املذلة صاغرا

لكل حليم موطن هو جاهله... فأبق على جهال قومك إنه استوصوا بالغوغاء خريا، فإهنم يطفئون احلريق، ويسدون : " وروي عن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه قال

" .البثوق

Page 112: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:هليةوقال أبو سلمى يف اجلا ومن عديد يتقى بالراح... ال بد للسودد من رماح ومن كالب مجة النباح :وقال مسلم بن الوليد

م... حلفت لئن مل تلقين سفهاؤها خزاعة واحليان عوف وأسل بقافية تفري العروق فتحسم... ألرجتعن الود بيين وبينها

هلن بأفواه الرجال هتمهم. ..من الالء ال يرجعن إال شواردا إذا احللم مل مينعك فاجلهل أحزم... أصابوا حليما فاستعدوا جباهل

ومل نستقص األبواب كلها باملعارضة يف هذا الكتاب، ولو استقصينا لطالت بنا األيام وتراخت الليايل إىل بلوغ .ل على معناه الذي إليه قصدوإمنا ذكرنا من كل باب عرض فيه ما د. الغاية يف متام الكتاب

وقد نبه على . ومل نر احلسد أمر به أحد من العرب والعجم يف حال من األحوال، وال ندب إليه ونبه عليه .العداوة وفصل بني أحواهلا مبا قد بيناه، فظهر فضلها على احلسد بذلك

حببلك واستذريت يف ظلك، فتراكم على وكنت امرأ قليل احلساد حىت اعتصمت بعروتك، واستمسكت ولئن . احلساد وازدمحوا، ورموين بسهامهم من كل أوب وأفق، وتتايعوا علي تتايع الدثر على مشتار العسل

:وأنا كما قلت. كثروا لقد كثر هببوب رحيك إخواين، وبنضرة أيامك وزهرة دولتك خالين ت وحسادي قليل وخالينوكن... فأكثرت حسادي وأكثرت خليت

فلما بلغت هذا الفصل من تأليف هذا الكتاب دخل علي عشرة نفر من الكتاب قد مشلهم معروفك، ورفع مراتبهم مجيل نظرك، فهم من طاعتك واحملبة لك على حسب ما أوليتهم من إحسانك وجزيل فوائدك، فأفاضوا

فما -واحلديث ذو شجون -احلديث شعوبا افتنوا فيها يف حديث من أحاديث احلسد، فشعب هلم ذلكبرحوا حتى أتتين رقعة أناسية من احلساد فيها سهام الوعيد، ومقدمات التهديد والتحذير والتخويف، للطعن ، على ما ألفت من الكتب إن أنا مل أضمن هلم الشركة فيما يجرى علي، فدفعت رقعتهم إىل من قرب إيل منهم

لنزع الروح بالكالليب أهون ! أبظلم يرمون النيل ويلتمسون الشركة يف املعروف! قاتلهم اهللا: " فقرأها مث قال :وأنشأ يقول" . من بذل معروف بترهيب لك مثل جندلة املراجم... أبقي احلوادث من خلي

لك فامتنعت من املظامل... قد رامين األعداء قب . صكة جلمود، لكل مرعد حسود، ميستطر العرف بالتهديد: " وقال الثاين. نه فقرأهاودفعها إىل من قرب م

:وأنشأ يقول" . خل الوعيد، يذهب يف البيد د فما وعيدك يل بضائر... أبرق وأرعد يا يزي

:وأنشأ يقول " .سألوا ظلما، وخوفوا هضما، لقوا حربا ولقيت سلما : " ودفعها إىل الثالث فقرأها وقال أبشر بطول سالمة يا مربع... زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا :وأنشأ يقول" . قول الذليل وبوله سيان : " ودفعها إىل الرابع فقرأها وقال

Page 113: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أم بلت حيث تناطح البحران... ماضر تغلب وائل أهجوهتا " ودفعها إىل اخلامس فقرأها وقال :وأنشأ يقول" . عيار جبار جبار هنيق احلمار، ودم األ:

أم حلاين بظهر غيب لئيم... ما أبايل أنب باحلزن تيس . إذا علقتك األجماد، فليهن عليك احلساد : " ودفعها إىل السادس فقرأها وقال :وانشأ يقول"

فال أخشى اهلوان من اللئام... إذا أهل الكرامة أكرموين . كيف خياف الصرعة، من هو يف ذي املنعة : " ها وقالودفعها إىل السابع فقرأ :وأنشأ يقول"

ما ميلك الكلب غري النبح من ضرر... كم تنبحون وما يغين نباحكم " ودفعها إىل العاشر فقرأها وقال :وأنشأ يقول" . نوكى هلكى، مل يعرفوا خربك، وال دروا أمرك : ند سيدنا لذلواحبالك ع... فلو علم الكالب بنو الكالب

إن هؤالء الكتاب قد أظهروا االستخفاف : وعندي صديق يل من السوقة له أدب، فقال يل بعقب فراغهم مسرابقول احلساد، وضربوا األمثال يف هواهنم عليك، وعرفوا أنك يف منعة من عز أيب احلسن أطال اهللا بقاءه، ومعقل

:قول بالشفعةوأنا أ. ال يسامى وال ينال حلط قدرك يف سر ويف علن... توق قوما من احلساد قد قصدوا

:إني أقول بيتني مها جوابك وجواب احلساد: فقلت له من احلوادث بعد اخلوف من زمين... إن ابن حيىي عبيد اهللا أمنين

حلسنما دمت ممسك حبل من أيب ا... فلست أحذر حسادي وإن كثروا فلما رأى صديقي اقتفائي آثار الكتاب، باستهانيت للحساد عند اعتالقي حبائلك أعزك اهللا، أنشأ متمثال بقول

:نصر بن سيار ياذا املعارج ال تنقض هلم أحدا... إني نشأت وحسادي ذوو عدد

فمثل حسن بالئي جر يل احلسدا... إن حيسدوين على ما قد بنيت هلم .العجب أن يكثروا وأنا أنعق مبحاسنك، وأهتف بشكرك، ولكن العجب كيف ال تتفتت أكبادهم كمدا وليس

.اللهم كثر حساد ولدي؛ فإهنم ال يكثرون إال بكثرة النعمة: وكان بعضهم يقولشريها، وبدت لنا فإن كان والدي سبق منه هذا الدعاء، فإن اإلجابة كانت خمبوءة إىل زمان عزك؛ فقد رأينا تبا

.عند عنايتك غايتهااللهم اجعل ولدي حمسودين، وال جتعلهم مرحومني؛ فإن يوم احملسود يوم عزة، : وكان بعض الصاحلني يقول

.ويوم احلاسد يوم ذلة :إنه ملا مات احلجاج مسعوا جارية خلف جنازته وهي تقول: ويقال

م نتبع من كانوا لنا تبعاواليو... اليوم يرمحنا من كان حيسدنا

. إن شئت أمجلت وإن شئت فسرت: قالت. أخربيين حبالكم: إن زياد بن أبيه قال حلرقة ابنة النعمان: ويقالفخطبها زياد وكانت يف دير هلا فكشفت عن رأسها، " . بتنا نحسد، وأصبحنا نرحم : " فقالت. أمجلي: فقال هلا

جزتك يد افتقرت : س عروس كما ترى يا زياد؟ وأعطاها دنانري فأخذتها وقالتأرأ: فإذا رأس حملوق، فقالت

Page 114: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وال نعلم احلسد جاء فيه شيء أكثر من حديث روي عن النيب صلى ! بعد غىن، وال جزتك يد استغنت بعد فقرل وآناء النهار، ورجل رجل آتاه اهللا حفظ القرآن فهو يقوم به آناء اللي: ال حسد إال يف اثنتني: " اهللا عليه وسلم

" .آتاه اهللا ماال فهو ينفقه يف وجوه الرب آناء الليل وآناء النهار .فهذا احلسد إمنا هو يف طاعة اهللا عز وجل، وطاعة رسوله صلى اهللا عليه وسلم

:وقال بعض األشراف إذ مل تكن يف حاله احملسود... احسد على نيل املكارم والعلى

كرم ولكن ليس باملعدود... كرمات لغريه حسد الفىت باملفهذا ما انتهى إلينا من أخبار احلسد، وزادك اهللا شرفا وفضال، وعلما ومعرفة، وال زلت باملكان الذي يهدى

.إليك فيه الكتب، وتتحف بنوادر العلوم وفرائد اآلداب، إنه قريب جميب

الرسالة العاشرة

رسالة يف صناعات القواد

الرمحن الرحيمبسم اهللا

أرشدك اهللا للصواب، وعرفك فضل أويل األلباب، ووهب لك مجيل اآلداب، وجعلك ممن يعرف عز األدب .كما تعرف زوائد الغىن

يا أمري املؤمنني، يف : دخلت على أمري املؤمنني املعتصم باهللا فقلت له: قال أبو عثمان عمرو بن حبر اجلاحظهبا البيان، وشاهد يخرب عن الضمري، وحاكم يفصل بني اخلطاب، وناطق يرد أداة يظهر: اللسان عشر خصال

به اجلواب، وشافع تدرك به احلاجة، وواصف تعرف به األشياء، وواعظ يعرف به القبيح، ومعز يرد به .األحزان، وخاصة يزهى بالصنيعة، وملة يونق األمساع

. تعاىل رفع درجة اللسان، فليس من األعضاء شيء ينطق بذكره غريهإن اهللا: وقال احلسن البصريإن فاته ذلك فعلم يعيش : وقال بعض العلماء إن فاته ذلك فمال يعظم به، ف أفضل شيء للرجل عقل يولد معه، ف

.به، فإن فاته ذلك فموت جيتث أصله .ة، أو هبيمة مرسلة، أو صورة ممثلةما اإلنسان لوال اللسان إال ضال: وقال خالد بن صفوان

صاحب الصمت ال يتعداه نفعه، : فقال. الصمت أفضل وأمحد: وذكر الصمت والنطق عند األحنف فقال رجل .واملنطق الصواب أفضل. وصاحب املنطق ينتفع به غريه

" . رحم اهللا امرأ أصلح من لسانه: " وروي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قالهذا واهللا السحر : ومسع عمر بن عبد العزيز رضي اهللا عنه رجال يتكلم فأبلغ يف حاجته، فقال عمر: قال

.احلالل .إن الرجل ليسألين احلاجة فتستجيب نفسي له هبا، فإذا حلن انصرفت نفسي عنها: وقال مسلمة بن عبد امللكالذي ضيعت : فقال زياد. أبينا هلك، وإن أخونا غصبنا مرياثه أصلح اهللا األمري، إن: وتقدم رجل إىل زياد فقال

Page 115: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.من لسانك أكثر مما ضيعت من مالكيا بين أصلحوا من ألسنتكم، فإن الرجل لتنوبه النائبة فيستعري الدابة والثياب، وال : وقال بعض احلكماء ألوالده

.يقدر أن يستعري اللسانيا ابن أخي، األدب الصاحل خري من املال : كلم فأساء القول، فقالوقال شبيب بن شيبة ورأى رجال يت

.املضاعف :وقال الشاعر

زيادته أو نقصه يف التكلم... وكائن ترى من صامت لك معجب فلم يبق إال صورة اللحم والدم... لسان الفىت نصف ونصف فؤاده

األدب؛ فإنك إن أفردهتم بشيء واحد مث سئلوا عن غريه مل فخذ يا أمري املؤمنني أوالدك بأن يتعلموا من كل .حيسنوه

: وذلك أين لقيت حزاما حني قدم أمري املؤمنني من بالد الروم، فسألته عن احلرب كيف كانت هناك؟ فقال. رغةلقيناهم يف مقدار صحن اإلصطبل، فما كان بقدر ما يحس الرجل دابته حىت تركناهم يف أضيق من مم

.وقتلناهم فجعلناهم كأهنم أنابري سرجني، فلو طرحت روثة ما سقطت إال على ذنب دابة :وعمل أبياتا يف الغزل فكانت

فإن قليب بقت الوجد معمور... إن يهدم الصد من جسمي معالفه جلام هجر على األسقام معذور... إين امرؤ يف وثاق احلب يكبحه

حسن الرقاد فإن النوم مأسور... نبيل من وصالك أو علل بجل ومبضع الصد يف كفيه مشهور... أصاب حبل شكال الوصل حني بدا

إصطبل ود فروث احلب منثور... لبست برقع هجر بعد ذلك يف ستان، فما كان بقدر ما لقيناهم يف مقدار صحن البيمار: وسألت بختيشوع الطبيب عن مثل ذلك فقال: قال

ا ما سقط إال على أكحل تلناهم فلو طرحت مبضع خيتلف الرجل مقعدين حىت تركناهم يف أضيق من محقنة، فق .رجل

:وعمل أبياتا يف الغزل فكانت لق بطن الوصال باإلسهال... شرب الوصل دستج اهلجر فاستط

مة العذالمذهل عن مال... ورماين حبي بقولنج بني ل وقليب معذب باملالل... ففؤاد احلبيب ينحله الس يا بن ما سوه ضل عني احتيايل... وفؤادي مربسم ذو سقام

نوس باتا منه بأكسف بال... لو ببقراط كان مايب وجايل فما كان بقدر ما خييط الرجل لقيناهم يف مقدار سوق اخللقان، : وسألت جعفرا اخلياط عن مثل ذلك فقال: قال

.درزا حىت قتلناهم وتركناهم يف أضيق من جربان، فلو طرحت إبرة ما سقطت إال على رأس رجل :وعمل أبياتا يف الغزل فكانت

Page 116: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

إذ وخزتين إبرة الصد... فتقت باهلجر دروز اهلوى يعثر يف بايكة اجلهد... فالقلب من ضيق سراويله

منك على شوزكيت وجدي... طيلسان النوى جشمتين يا بعروة الدمع على خدي... أزرار عيين فيك موصولة عذبين التذكار بالوعد... يا كستبان القلب يا زيقه

ا يعهد من وصله مقراض بني مرهف احلد... قد قص مد... يا حجزة النفس ويا ذيلها مايل من وصلك من ب

جيب حيايت حلت عن عهدي... ان سروري ويا ويا جربلقيناهم يف مقدار جريبني من األرض، : فقال -وكان زاراعا - وسألت إسحاق بن إبراهيم عن مثل ذلك : قال

فما كان بقدر ما يسقى الرجل مشارة حىت قتلناهم، فتركناهم يف أضيق من باب، وكأهنم أنابري سنبل، فلو طرح .على ظهر رجل فدان ما سقط إال

:وعمل أبياتا يف الغزل فكانت وأسقيته ماء الدوام على العهد... زرعت هواه يف كراب من الصفا

ليحرزه السرجني من آفة الصد... وسرجنته بالوصل مل آل جاهدا ا تعاىل النبت واخضر يانعا جرى يرقان البني يف سنبل الود... فلم

لقيناهم يف مقدار بيت التنور، فما كان : فقال -وكان خبازا - جي عن مثل ذلك وسألت فرجا الرخ: وقالبقدر ما خيبز الرجل مخسة أرغفة حىت تركناهم يف أضيق من حجر تنور، فلو سقطت مجرة ما وقعت إال يف جفنة

.خباز :وعمل أبياتا يف الغزل فكانت الصد يف جفنة من خشب... قد عجن اهلجر دقيق اهلوى

تذكى بسرجني من البعد... واختمر البني فنار اهلوى يفحص عن أرغفة الوجد... وأقبل اهلجر مبحراكه مثرودة يف قصعة اجلهد... جرداق املوعد مسومة

لقيناهم يف مقدار : فقال -وكان مؤدبا - وسألت عبد اهللا بن عبد الصمد بن أيب داود عن مثل ذلك : قالفما كان بقدر ما يقرأ الصيب إمامه حىت أجلأناهم إىل أضيق من رقم فقتلناهم، فلو سقطت دواة صحن الكتاب،

.ما وقعت إال يف حجر صيب :وعمل أبياتا يف الغزل فكانت

ففؤادي معذب يف خبال... قد أمات اهلجران صبيان قليب مع ممن هويته يف وصال... كسر البني لوح كبدي فما أط

لق موالي حبلهمن حبايل... من حيايت وقد أط رفع الرقم ن فأغرى جواحني بالسالل... مشق احلب يف فؤادي لوحي

عني من هجر مالكي يف اهنمال... الق قليب بنانه فمداد ال

Page 117: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يل فقليب بالبني يف إشعال... كرسف البني سود الوجه من وص :عن مثل ذلك فقال -ام وكان صاحب مح - وسألت علي بن اجلهم بن يزيد : وقال

لقيناهم يف مثل بيت األنبار، فما كان إال بقدر ما يغسل الرجل رأسه حىت تركناهم يف أضيق من باب األتون، .فلو طرحت ليفة ما وقعت إال على رأس رجل

:وعمل أبياتا يف الغزل فكانت ملا بدت يل ليفة الصد... يا نورة اهلجر حلقت الصفا

د... ألسقام حتى مىت يا مئزر ا تنفع يف حوض من اجله منك بزنبيل من الود... أوقد أتون الوصل يل مرة

قد هاج قليب مسلخ الوجد... فالبني مذ أوقد محامه نخالة الناقض للعهد... أفسد خطمي الصفا واهلوى

لقيناهم يف مقدار سطح اإليران، فما : فقال - وكان كناسا -وسألت احلسن بن أيب قماشة عن مثل ذلك : قالتلناهم بقدر ما يشارط كان إال بقدر ما يكنس الرجل زبيال حتى تركناهم يف أضيق من جحر املخرج، مث ق

.الرجل على كنس كنيف، فلو رميت بابنة وردانة ما سقطت إال على فم بالوعة :وعمل أبياتا فكانت

تسلح فيه فقحة اهلجر.. .أصبح قليب برخبا للهوى أصرب من ذا الوجد يف صدري... بنات وردان اهلوى للبلى يوم تولى معرضا صربي... خنافس اهلجران أثكلنين

إذ سلح البني على عمري... أسقم ديدان اهلوى مهجيت ب، فما كان بقدر ما يصفي لقيناهم يف مقدار صحن بيت الشرا: وسألت أمحد الشرايب عن مثل ذلك فقال: قال

.الرجل دنا حىت تركناهم يف أضيق من رطلية فقتلناهم، فلو رميت تفاحة ما وقعت إال على أنف سكران :وعمل أبياتا يف الغزل فكانت

ورقرقت مخر الوصل يف قدح اهلجر... شربت بكأس للهوى نبذة معا رابات حزين على صدريفكسرن ق... فمالت دنان البني يدفعها الصبا

ودورق هجران وقنينيت غدر... وكان مزاج الكأس غلة لوعة لقيناهم يف مقدار صحن املطبخ، فما : فقال -وكان طباخا -وسألت عبد اهللا بن طاهر عن مثل ذلك : قال

ا وقعت إال كان بقدر ما يشوي الرجل محال حىت تركناهم يف أضيق من موقد نار، فقتلناهم فلو سقطت مغرفة م .يف قدر

:وعمل أبياتا يف الغزل فكانت د ولوزينج النفوس الظماء... يا شبيه الفالوذ يف محرة اخل

ن كلني اخلبيصة البيضاء... أنت جوزينج القلوب ويف اللي بعد جوذابة جبنب شواء... عدت مستهترا بسكباج ود

Page 118: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وشبيها بشهدة صفراء... رس يا نسيم القدور يف يوم ع د مع النرسيان بعد الغذاء... أنت أشهى إىل القلوب من الزب

يف قصاع األحزان واألدواء... أطعم احلاسدون ألوان غم غليان القدور عند الصالء... قد غال القلب مذ نأت عنك داري

حناءت سروري مغارف الش... هام قليب لما كسرن غضارا جد بوصل يكبت به أعدائي... فتفضل على العميد بيوم

ورد وصل يشفي من األدواء... وتفضل على الكئيب ببزما لقيناهم يف : فقال -وكان فراشا -حممد بن داود الطوسي عن مثل ذلك - أطال اهللا بقاءك -وسألت : قال

جل بيتا حىت تركناهم يف أضيق من منصة فقتلناهم، فلو مقدار صحن بساط، فما كان إال بقدر ما يفرش الرا وقعت إال على رأس رجل .سقطت خمدة م

:مث عمل أبياتا يف الغزل فكانت غبر البني يف وجوه الصفاء... كسح اهلجر ساحة الوصل ملا هي مذخورة ليوم اللقاء... وجرى البني يف مرافق ريش حتت رأسي وسادة البرحاء... فرش اهلجر يف بيوت مهوم

ل ألبوابه ستور البهاء... حني هيأت بيت خيش من الوص متكاها مطارح احلصباء... فرش البحر يل بيوت مسموح تعتري جلده صباح مساء... رق للصب من براغيث وجد

.بتعليم مجيع العلوم فضحك املعتصم حىت استلقى، مث دعا مؤدب ولده فأمره أن يأخذهم: قال

اجلزء الثاين

الرسالة احلادية عشرة

رسالة يف النابتة

إىل أيب الوليد حممد بن أمحد بن أيب دواد

بسم اهللا الرمحن الرحيم

.أطال اهللا بقاءك، وأمت نعمته عليك، وكرامته لكليتها إىل طبقات متفاوتة، اعلم، أرشد اهللا أمرك، أن هذه األمة قد صارت بعد إسالمها واخلروج من جاه

عصر النيب صلى اهللا عليه وسلم وأيب بكر وعمر رضي اهللا عنهما، وست سنني : فالطبقة األوىل: ومنازل خمتلفةمن خالفة عثمان رضي اهللا عنه؛ كانوا على التوحيد الصحيح واإلخالص املخلص، مع األلفة واجتماع الكلمة

، وال حسد وال غل وال وليس هناك ع. على الكتاب والسنة مل قبيح وال بدعة فاحشة، وال نزع يد من طاعة

Page 119: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

تأول، حىت كان الذي كان من قتل عثمان رضي اهللا عنه وما انتهك منه، ومن خبطهم إياه بالسالح، وبعج بطنه ن االمتناع، مع تعريفه باحلراب، وفرى أوداجه باملشاقص، وشدخ هامته بالعمد، مع كفه عن البسط، وهنيه ع

هلم قبل ذلك من كم وحه جيوز قتل من شهد الشهادة، وصلى القبلة، وأكل الذبيحة؛ ومع ضرب نسائه حبضرته، وإقحام الرجال على حرمته، مع اتقاء نائلة بنت الفرافصة عنه بيدها، حىت أطنوا إصبعني من أصابعها،

؛ ليكون ذلك ردعا هلم، وكاسرا من عزمهم؛ مع وطئهم يف أضالعه وقد كشفت عن قناعها، ورفعت عن ذيل هابعد موته، وإلقائهم على املزبلة جسده جمردا بعد سحبه، وهي اجلزرة اليت جعلها رسول اهللا صلى اهللا عليه

ع احتجاجه وسلم كفوا لبناته وأياماه وعقائله؛ بعد السب والتعطيش، واحلصر الشديد، واملنع من القوت؛ معليهم، وإفحامه هلم، ومع اجتماعهم على أن دم الفاسق حرام كدم املؤمن، إال من ارتد بعد إسالم، أو زىن بعد

إحصان، أو قتل مؤمنا على عمد، أو رجل عدا على الناس بسيفه فكان يف امتناعهم منه عطبه؛ ومع إمجاعهم .منها على جريح على أال يقتل من هذه األمة مول، وال جيهز

مث مع ذلك كله دمروا عليه وعلى أزواجه وحرمه، وهو جالس يف حمرابه، ومصحفه يلوح يف حجره، لن يرى .أن موحدا يقدم على قتل من كان يف مثل صفته وحاله

ف يضيع دم وكي. ال جرم لقد احتلبوا به دما ال تطري رغوته، وال تسكن فورته، وال ميوت ثائره، وال يكل طالبهوما مسعنا بدم بعد دم حيىي بن زكريا عليه السالم غال غليانه، وقتل سافحه، وأدرك ! اهللا وليه واملنتقم له؟

.بطائلته، وبلغ كل حمنته، كدمه اهللا عليه ولقد كان هلم يف أخذه ويف إقامته للناس واالقتصاص منه، ويف بيع ما ظهر من رباعه وحدائقه وسائر أمواله،

ا قفوه به، تله إن كان قد ركب كل م طمره حتى ال يحس بذكره، ما يغنيهم عن ق ويف حبسه مبا بقي عليه، ويف .وادعوه عليه

جلة املهاجرين، والسلف املقدمني، واألنصار والتابعني .وهذا كله حبضرة قاتل، ومن شاد على عضده، ومن خاذل عن من: ولكن الناس كانوا على طبقات خمتلفة، ومراتب متباينة

وإنما الشك منا فيه ويف خاذله، ومن أراد عزله واالستبدال . والعاجز ناصر بإرادته، ومطيع حبسن نيته. نصرتهعلى أن .فأما قاتله واملعني على دمه واملريد لذلك منه، فضالل ال شك فيهم، ومراق ال امتراء يف حكمهم. به

.هذا مل يعد منهم الفجور، إما على سوء تأويل، وإما على تعمد للشقاءمث مازالت الفنت متصلة، واحلروب مترادفة، كحرب اجلمل، وكوقائع صفني، وكيوم النهروان، وقبل ذلك يوم

.الزابوقة وفيه أسر ابن حنيف وقتل حكيم بن جبلةي بن أيب طالب رضوان اهللا عليه، فأسعده اهللا بالشهادة، وأوجب لقاتله النار واللعنةإىل أن قتل أشقاها ع .ل

إىل أن كان من اعتزال احلسن عليه السالم احلروب وختليته األمور، عند انتشار أصحابه، وما رأى من اخللل يف .عسكره، وما عرف من اختالفهم على أبيه، وكثرة تلوهنم عليه

وى معاوية على امللك، واستبد على بقية الشورى، وعلى مجاعة املسلمني من األنصار واملهاجرين يف فعندها استالعام الذي سموه عام اجلماعة وما كان عام مجاعة، بل كان عام فرقة وقهر وجربية وغلبة، والعام الذي حتلت

.، ومل يعد ذلك أمجع الضالل والفسقفيه اإلمامة ملكا كسرويا، واخلالفة غصبا وقيصريا

Page 120: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ا حكينا، وعلى منازل ما رتبنا، حتى رد قضية رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مث مازالت معاصيه من جنس مردا مكشوفا، وجحد حكمه جحدا ظاهرا، يف ولد الفراش وما جيب للعاهر، مع إمجاع األمة أن سمية مل تكن

.فيان فراشا، وأنه إنما كان هبا عاهرا؛ فخرج بذلك من حكم الفجار إىل حكم الكفارأليب سوليس قتل حجر بن عدي، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر، وبيعته يزيد اخلليع، واالستئثار بالفئء،

د األحكام املنصوصة، والشرائع واختيار الوالة على اهلوى، وتعطيل احلدود بالشفاعة والقرابة، من جنس جح .املشهورة، والسنن املنصوبة

وسواء يف باب ما يستحق من اإلكفار جحد الكتاب ورد السنة؛ إذ كانت السنة يف شهرة الكتاب وظهوره، إال .أن أحدمها أعظم، وعقاب اآلخرة عليه أشد

.فهذه أول كفرة كانت يف األمة .فيمن يدعي إمامتها، واخلالفة عليها مث مل تكن إال

وقد أربت عليهم نابتة عصرنا، ومبتدعة دهرنا . على أن كثريا من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره .ال تسبوه فإن له صحبة؛ وسب معاوية بدعة، ومن يبغضه فقد خالف السنة: فقالت

.جحد السنة فزعمت أن من السنة ترك الرباءة ممنمث الذي كان من يزيد ابنه ومن عماله وأهل نصرته، مث غزو مكة، ورمي الكعبة، واستباحة املدينة، وقتل احلسني

عليه السالم يف أكثر أهل بيته مصابيح الظالم، وأوتاد اإلسالم؛ بعد الذي أعطى من نفسه من تفريق أتباعه، ب يف األرض حىت ال يحس به، أو املقام حيث أمر به، فأبوا إال قتله والرجوع إىل داره وحرمه، أو الذها

.والنزول على حكمهميله إال بشرب دمه ه وخير فيها من ال يربد غل .وسواء قتل نفسه بيده، أو أسلمها إىل عدو

رمي الكعبة، وهدم البيت فاحسبوا قتله ليس بكفر، وإباحة املدينة وهتك احلرمة ليس حبجة، كيف تقولون يفأفما كان من . ليس ذلك أرادوا، بل إمنا أرادوا املتحرز به واملتحصن حبيطانه: احلرام، وقبلة املسلمني؟ فإن قلتم

حق البيت وحرميه أن حيصروه فيه إىل أن يعطى بيده، وأي شيء بقي من رجل قد أخذت عليه األرض إال .موضع قدمه

ما رووا عليه من األشعار اليت قولها شرك، والتمثل هبا كفر، شيئا مصنوعا، كيف يصنع بنقر القضيب واحسب بني ثنييت احلسني عليه السالم، ومحل بنات رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حواسر على األقتاب العارية واإلبل

تلوه، وإن الصعاب، والكشف عن عورة علي بن احلسني عند الشك يف بلوغه على أنهم إن وجدوه وقد أنبت قمل يكن أنبت محلوه، كما يصنع أمري جيش املسلمني بذراري املشركني؟ وكيف تقولون يف قول عبيد اهللا بن زياد

طع به هذه دعوين أقتله فإنه بقية هذا النسل، فأحسم به هذا القرن، وأميت به هذا الداء، وأق: إلخوته وخاصته .املادة

أتدل على . خبرونا على ما تدل هذه القسوة وهذه الغلطة، بعد أن شفوا أنفسهم بقتلهم، ونالوا ما أحبوا فيهمنصب وسوء رأي وحقد وبغضاء ونفاق، وعلى يقني مدخول وإميان ممزوج، أم تدل على اإلخالص وعلى حب

ا وصفنا ال النيب صلى اهللا عليه وآله وسلم و احلفظ له، وعلى براءة الساحة وصحة السريرة؟ فإن كان على م .فالفاسق معلون، ومن هنى عن لعن امللعون فملعون - وذلك أدىن منازله -يعدو الفسق والضالل

Page 121: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

خذون وزعمت نابتة عصرنا، ومبتدعة دهرنا، أن سب والة السوء فتنة، ولعن اجلورة بدعة، وإن كانوا يأالسمي بالسمي، والويل بالويل، والقريب بالقريب، وأخافوا األولياء، وآمنوا األعداء، وحكموا بالشفاعة

واهلوى، وإظهار القدرة، والتهاون باألمة، والقمع للرعية، وأهنم يف غري مداراة وال تقية، وإن عدا ذلك إىل .أضل ملن كف عن شتمهم والرباءة منهم الكفر، وجاوز الضالل إىل اجلحد، فذاك

وليس من استحق الكفر . على أنه ليس من استحق اسم الكفر بالقتل كمن استحقه برد السنة وهدم الكعبة .بالتشبيه كمن استحقه بالتجوير

.والنابتة يف هذا الوجه أكفر من يزيد وأبيه، وابن زياد وأبيه :يزيد أنه متثل بقوله ابن الزبعري ولو ثبت أيضا على

جزع اخلزرج من وقع األسل... ليت أشياخي ببدر شهدوا

مث قالوا يا يزيدا ال تسل... الستطاروا واستهلوا فرحا وعدلنا ميل بدر فاعتدل... قد قتلنا الغر من ساداهتم

.ذلك وأفظع كان جتوير النابيت لربه، وتشبيهه خبلقه، أعظم منفإذا كان القاتل سلطانا جائرا، أو أمري . على أنهم جممعون على أنه ملعون من قتل مؤمنا متعمدا أو متأوال

عاصيا، مل يستحلوا سبه وال خلعه، وال نفيه وال عيبه، وإن أخاف الصلحاء وقتل الفقهاء، وأجاع الفقري وظلم .والثغور، وشرب اخلمور وأظهر الفجور الضعيف، وعطل احلدود

مث مازال الناس يتسكعون مرة ويداهنوهنم مرة، ويقاربوهنم مرة ويشاركوهنم مرة، إال بقية ممن عصى اهللا تعاىل ذكره، حتى قام عبد امللك بن مروان، وابنه الوليد، وعاملهما احلجاج بن يوسف، ومواله يزيد بن أيب مسلم،

ا على البيت باهلدم، وعلى حرم املدينة بالغزو، فهدموا الكعبة، واستباحوا احلرمة، وحولوا قبلة واسط، فأعادواتق اهللا فقد أخرت الصالة عن وقتها، : فإن قال رجل ألحد منهم. وأخروا صالة اجلمعة إىل مغريبان الشمس

وال يعلم القتل على ذلك إال أقبح من إنكاره، فكيف . سرقتله على هذا القول جهارا غري ختل، وعالنية غري يكفر العبد بشيء وال يكفر بأعظم منه؟ وقد كان بعض الصاحلني ربما وعظ بعض اجلبابرة، وخوفه العواقب،

وأراه أن يف الناس بقية ينهون عن الفساد يف األرض، حتى قام عبد امللك بن مروان واحلجاج بن يوسف، .فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه، وقتال فيه، فصاروا ال يتناهون عن منكر فعلوه

، وهدم البيت كان تأويال، واحسب ما رووا من كل وجه أنهم كانوا فاحسب أن حتويل القبلة كان غلطاخليفة املرء يف أهله أرفع عنده من رسوله إليهم، باطال ومصنوعا مولدا حسب وسم أيدي وا. يزعمون أن

املسلمني ونقش أيدي املسلمات، وردهم بعد اهلجرة إىل القرى، وقتل الفقهاء، وسب أئمة اهلدى، والنصب لعترة رسول اهللا صلى اهللا عليه وآله وسلم، ال يكون كفرا، كيف نقول يف مجع ثالث صلوات فيهن اجلمعة وال

م خبط السيف، وأخذته . لى أعايل اجلدران كاملالء املعصفريصلون أوالهن حتى تصري الشمس ع فأن نطق مسل .العمد، وشك بالرماح

.اتق اهللا، أخذته العزة باآلمث، مث مل يرض إال بنثر دماغه على صدره، وبصلبه حيث تراه عياله: وإن قال قائلمرد على اهللا عز وجل، واالستخفاف بالدين، والتهاون ومما يدل على أن القوم مل يكونوا إال يف طريق الت

Page 122: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

. باملسلمني، واالبتذال آلهل احلق، أكل أمرائهم الطعام، وشربهم الشراب، على منابرهم أيلم جمعهم ومجوعهمكله فلم وذلك إن كان كفرا. فعل ذلك حبيش بن دلجة، وطارق موىل عثمان، واحلجاج بن يوسف وغريهم .يبلغ كفر نابتة عصرنا، وروافض دهرنا؛ ألن جنس كفر هؤالء غري كفر أولئك

كل شيء : كل شيء بقضاء وقدر، وتقول الطائفة األخرى: كان اختالف الناس يف القدر على أن طائفة تقوليظ اآلباء، وإن الكفر واإلميان خملوقان يف ومل يكن أحد يقول إن اهللا يعذب األبناء ليغ. بقضاء وقدر إال املعاصي

وكانت طائفة منهم تقول إن اهللا ال يرى، ال تزيد على ذلك، فإن خافت أن يظن . اإلنسان مثل العمى والبصرافضة، هبا التشبيه قالت يرى بال كيف، تعريا من التجسيم والتصوير، حتى نبتت هذه النابتة، وتكلمت هذه الر

.فثبتت له جسما، وجعلت له صورة وحدا، وأكفرت من قال بالرؤية على غري الكيفيةمث زعم أكثرهم أن كالم اهللا حسن وبين، وحجة وبرهان، وأن التوراة غري الزبور، والزبور غري اإلجنيل،

ولى تأليفه، وجعله برهانه على صدق رسوله، وأنه لو واإلجنيل غري القرآن، والبقرة غري آل عمران، وأن اهللا تشاء أن يزيد فيه زاد، ولو شاء أن ينقص منه نقص، ولو شاء أن يبدله بدله، ولو شاء أن ينسخه كله بغريه

أن اهللا مع نسخه، وأنه أنزله تنزيال، وأنه فصله تفصيال، وأنه باهللا كان دون غريه، وال يقدر عليه إال هو، غري .فأعطوا مجيع صفات اخللق ومنعوا اسم اخللق. ذلك كله مل خيلقه

أحسن اخلالقني " والعجب أن اخلللق عند العرب إمنا هو التقدير نفسه؛ فإذا قالوا خلق كذا وكذا، وكذلك قال صنعه وجعله وقدره وأنزله، وفصله : فقالوا "وإذ ختلق من الطني كهيئة الطير : " وقال" تخلقون إفكا " وقال "

خلقه ومل يقدره، : ولو قالوا بدل قوهلم قدره ومل خيلقه. وليس تأويل خلقه أكثر من قدره. وأحدثه، ومنعوا خلقه .ما كانت املسألة عليهم إال من وجه واحد

يسمع ذلك من سلفه وهو يعلم أنه مل يسمع أيضا عن والعجب أن الذي منعه بزعمه أن يزعم أنه خملوق أنه ملوليس ذلك هبم، ولكن ملا كان الكالم من اهللا يقال عندهم على مثل خروج الصوت . سلفه أنه ليس مبخلوق

من اجلوف، وعلى جهة تقطيع احلروف وإعمال اللسان والشفتني، وما كان على غري هذه الصورة والصفة .فليس بكالم

وملا كنا عندهم على غري هذه الصفة، وكنا لكالمنا غري خالقني، وجب أن اهللا عز وجل لكالمه غري خالق، إذ . فإنما قالوا ذلك ألنهم مل جيدوا بني كالمنا وكالمه فرقا، وإن مل يقروا بذلك بألسنتهم. كنا خالقني لكالمنا

.فذاك معناهم وقصدهم جتاوز معاصيها اإلمث والضالل، إال ما حكيت لك عن بين أمية وبين مروان وعماهلا، وقد كانت هذه األمة ال

ومن مل يدن بإكفارهم، حتى جنمت النوابت، وتابعتها هذه العوام، فصار الغالب على هذا القرن الكفر، وهو هي الفسق، وصاروا شركاء من كفر التشبيه واجلرب، فصار كفرهم أعظم من كفر من مضى يف األعمال اليت

.ومن يتولهم منكم فإنه منهم : " قال اهللا عز من قائل. منهم، بتوليهم وترك إكفارهم " وأرجو أن يكون اهللا قد أغاث احملقني ورمحهم، وقوى ضعفهم وكثر قلتهم، حتى صار والة أمرنا يف هذا الدهر

اسد، أشد استبصارا يف التشبيه من عليتنا، وأعلم مبا يلزم فيه منا، وأكشف للقناع من الصعب، والزمن الفرؤسائنا، وصادفوا الناس وقد انتظموا معاين الفساد أمجع، وبلغوا غايات البدع، مث قرنوا بذلك العصبية اليت

Page 123: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ته، وال دنيا إال أهلكتها، وهو ما صارت إليه العجم هلك هبا عامل بعد عامل، واحلمية اليت ال تبقي دينا إال أفسد .من مذهب الشعوبية، وما قد صار إليه املوايل من الفخر على العجم والعرب

وقد جنمت من املوايل نامجة، ونبتت منهم نابتة، تزعم أن املوىل بوالية قد صار عربيا؛ لقول النيب صلى اهللا عليه .الوالء لحمة كلحمة النسب، ال يباع وال يوهب : " ، ولقوله" قوم منهم موىل ال: " وسلم " فنحن معاشر املوايل بقدمينا يف العجم أشرف من العرب، وباحلديث الذي صار لنا يف العرب أشرف من : قال

من صاحب ولنا خصلتان مجيعا وافرتان فينا، وصاحب اخلصلتني أفضل. وللعرب القدمي دون احلديث. العجم .اخلصلة

وقد جعل اهللا املوىل بعد أن كان عجميا عربيا بوالئه، كما جعل حليف قريش من العرب قرشيا حبلفه، وجعل ولوال قول النيب صلى اهللا عليه وسلم إن إمساعيل كان عربيا ما كان . إمساعيل، بعد أن كان أعجميا، عربيا

فإمنا علمنا أن إمساعيل صيره اهللا . م ال يصري عربيا، كما أن العريب ال يصري أعجمياعندنا إال أعجميا؛ ألن األعج: ، وقوله" موىل القوم منهم : " عربيا بعد أن كان أعجميا بقول النيب صلى اهللا عليه وسلم، فكذلك حكم قوله

.الوالء لحمة " " م أبا ملن مل يلد كما جعله أبا ملن ولد، وجعل أزواج النيب أمهات املؤمنني وقد جعل اهللا إبراهيم عليه السال: قالوا

.ومل يلدن منهم أحدا، وجعل اجلار والد من مل يلد، يف قول غري هذا كثري قد أتينا عليه يف موضعه .قليل وليس أدعى إىل الفساد وال أجلب للشر من املفاخرة، وليس على ظهرها إال فخور، إال

.وأي شيء أغيظ من أن يكون عبدك يزعم أنه أشرف منك وهو مقر أنه صار شريفا بعتقك إياهكتبا يف مفاخرة قحطان، ويف تفضيل عدنان، ويف رد املوايل إىل مكاهنم من -مد اهللا يف عمرك -وقد كتبت

وأرجو أن يكون عدال بينهم، وداعية إىل . عرب من الشرفالفضل والنقص، وإىل قدر ما جعل اهللا تعاىل هلم بال .صالحهم، ومنبهة ملا عليهم وهلم

وقد أردت أن أرسل باجلزء األول إليك، مث رأيت أال يكون إال بعد استئذانك واستئمارك، واالنتهاء يف ذلك .إىل رغبتك

.وبه الثقة. فرأيك فيك موفقا، إن شاء اهللا عز وجل

الرسالة الثانية عشرة

كتاب احلجاب

بسم اهللا الرمحن الرحيم

.أطال اهللا بقاءك، وجعلين من كل سوء فداءك، وأسعدك بطاعته وتوالك بكرامته، وواىل إليك مزيدهكفاك : " وقد قيل" . إن السعيد من وعظ بغريه، وأن احلكيم من أحكمته جتاربه " -أكرمك اهللا -إنه يقال إن يقظة الفهم للواعظ مما يدعو : " ، وقيل" كفاك من سوء مساعه : " وقيل" نفسك ما كرهت من غريك أدبا ل

.النفس إىل احلذر من اخلطاء، والعقل إىل تصفيته من القذى "

Page 124: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وقال الشاعر. وكانت امللوك إذا أتت ما جيل عن املعاتبة عليه ضربت هلا األمثال، وعرض هلا باحلديث واحلر تكفيه املالمة... العبد يقرع بالعصا

:ويكفيك سوءات األمور اجتناهبا وقال عبد املسيح املتلمس: وقال آخر وما علم اإلنسان إال ليعلما... لذي احللم قبل اليوم ما تقرع العصا

" .يف خفي التعريض ما أغىن عن شنيع التصريح : " وقال بعضهما جاء يف احلجاب من خرب وشعر، ومعاتبة وعذر، وتصريح وتعريض، وفيه ما كفىوقد مجعت يف . كتايب هذا م .وباهللا التوفيق :وقد قلت

لغريك شائنا بني األنام... كفى أدبا لنفسك ما تراه ما جاء يف احلجاب والنهي عنه

إذا عدل يف : من الوالء اضطلع بأمانته وأمرهثالث من كن فيه : " روي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال " .حكمه، ومل حيتجب دون غريه، وأقام كتاب اهللا يف القريب والبعيد

يما أوصاه به : " وروي عنه عليه السالم أنه وجه علي بن أيب طالب رضي اهللا عنه إىل بعض الوجوه، فقال له فالوضيع على الشريف، والضعيف على القوي، والنساء قبل إني قد بعثتك وأنا بك ضنني فابرز للناس، وقدم

.الرجال، وال تدخلن أحدا يغلبك على أمرك، وشاور القرآن فإنه إمامك " ال يركب برذونا، وال يتخذ حاجبا، : وكان عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه إذا استعمل عامال شرط عليه أربعا

.كل درمكاوال يلبس كتانا، وال يأإياكم واحلجاب، وأظهروا أمركم بالرباز، وخذوا الذي لكم وأعطوا الذي عليكم، فإن : ويوصي عماله فيقول

.امرأ ظلم حقه مضطر حىت يغدو به مع الغادينيك ونفسي أما بعد فإني مل آلك يف كتايب إل: " وكتب عمر رضوان اهللا عليه إىل معاوية وهو عامله على الشام

إياك واالحتجاب دون الناس، وأذن للضعيف وأدنه حىت ينبسط لسانه، وجيترئ قلبه، وتعهد الغريب فإنه . خيراواحرص على الصلح بني الناس . إذا طال حبسه وضاق إذنه ترك حقه، وضعف قلبه، وإمنا أتوى حقه من حبسه

" .والسالم . ن بالبينة العادلة واألميان القاطعة فأمض احلكموإذا حضرك اخلصما. ما مل يستنب لك القضاءآس بني الناس يف نظرك وحجابك وإذنك، حىت ال يطمع : " وكتب عمر رضي اهللا عنه إىل أيب موسى األشعريوأعلم أن أسعد الناس عند اهللا تعاىل يوم القيامة من سعد به . شريف يف حيفك، وال ييأس ضعيف من عدلك

.، وأشقاهم من شقوا به الناس " استعملين احلجاج على : قال يل عبيد اهللا بن أيب املخارق القيين: وروى اهليثم بن عدي عن ابن عباس قال

: فقلت. بلى، ها هنا مجيل بن بصبهري: أما ها هنا دهقان يعاش بعقله ورأيه؟ فقيل يل: الفلوجة العليا، فقلتال يكون لك : قال. إن احلجاج استعملين على غري قرابة وال دالة وال وسيلة، فأشر علي: فأتاين فقلت. علي به

بواب حىت إذا تذكر الرجل من أهل عملك بابك مل خيف حجابك، وإذا حضرك شريف مل يتأخر عن لقائك ومل تلف لك حكم وال خي. وليطل جلوسك ألهل عملك يهبك عمالك، ويبقى مكانك. حيكم على شرفك حاجبك

Page 125: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وال تقبل من أحد هدية فإن . على شريف وال وضيع، ليكن حكمك واحدا على اجلميع، يثق الناس بعقلك .صاحبها ال يرضى بأضعافها مع ما فيها من الشهرة

من عهد إىل حاجبه

مرا إذا كشفته وجدته ال حتجب الناس عني؛ فإن ذلك يزيل التزكية، وال تلق إيل أ: قال موسى اهلادي حلاجبه .باطال، فإن ذلك يوتغ اململكة

إذا جلست فإذن للناس مجيعا علي، وأبرز هلم وجهي، وسكن عنهم األحراس، : وقال بعض اخللفاء حلاجبهب، واخفض هلم اجلناح، وأطب هلم بشرك، وألن هلم يف املسألة واملنطق، وارفع هلم احلوائج، وسو بينهم يف املرات

.وقدمهم على الكفاية والغناء، ال على امليل واهلوى: إنك عيين اليت أنظر هبا، وجنة أستنيم إليها، وقد وليتك بايب فما تراك صانعا برعييت؟ قال: وقال آخر حلاجبه

متك أنظر إليهم بعينك، وأمحلهم على قدر منازهلم عندك، وأضعهم لك يف إبطائهم عن بابك ولزومهم خد .مواضع استحقاقهم، وأرتبهم حيث وضعهم ترتيبك، وأحسن إبالغك عنهم وإبالغهم عنك

.واهللا ويل كفايتك ومعونتك. قد وفيت مبا عليك ولك قوال، إن وفيت به فعال: قالوقاية إن أداء األمانة يف األعراض أوجب منها يف األموال؛ وذلك أن األموال: وعهد أمري إىل حاجبه فقال

وقد ائتمنتك على أعراض الغاشني لبايب، وإمنا أعراضهم أقدارهم، . لألعراض، وليست األعراض بوقاية لألموالوصن بذلك عرضي، فلعمري إن صيانتك أعراضهم صيانة لعرضي، ووقايتك . فصنها هلم، ووفرها عليهم

ظلموا يف غشياهنم أقدارهم وقاية لقدري؛ إذ كنت احلظي بزين إنصافهم إن أ نصفوا، واملبتلى بشني ظلمهم إن .بايب، وحضورهم فنائي

أقبل على من حتجب بإبداء البشر . أوف كل امرئ قدره، وال تجاوز به حده، وتوق اجلور يف ذلك التوقي كلهيرى من بشاشتك به وحالوة العذر، وطالقة الوجه ولني القول، وإظهار الود، حتى يكون رضاه عنك ملا

ا يمنحه من التكرمي، وحيويه من التعظيم؛ فإن املنع عند املمنوع يف لني وطالقتك له، كرضا من تأذن له عنك مل .املقالة يكاد يكون كالنيل عند العظماء يف نفع املنالة

ضرون له بايب، ويتعلقون به أنه إيل حاالت كل من يغشى بايب من وجيه وخامل، وذي هيئة وأخي رثاثة، فيما حي .من إتياين

ال حتتقرن من تقتحمه العيون لرثاثة ثوب أو لدمامة وجه، احتقارا خيفي علي أثره، فربما بذ مثله مبخربه من .يروق العيون منظره

ه أشد إنك إن نقصت الكرمي ما يستحقه من مال مل يغضب بعد أن تستوهبه منه، وإن نقصته من قدره أسخطتفكن لتحيف عرضه أشد توقيا . اإلسخاط، إذ كان يريد دنياه ليصون هبا قدره، وال يريد قدره ليبقي به دنياه

.منك لتحيف مالهإن احملجوب وإن كان عدلنا يف حجابه كعدلنا على املأذون له يف إذنه، يتداخله انكسار إذا حجب ورأى غريه

فلعمري لو عرف أن . ذلك من بشاشتك به، وطالقتك له، مبا يتحلل به عنه انكسارهفاختصه ل. قد أذن له

Page 126: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

صوابنا يف حجابه كصوابنا يف اإلذن ملن نأذن له، ما احتجنا إىل ما أوصيناك به من اختصاصه بالبشر دون .املأذون له

لقدر، ألمر البد من الدعاء إن اجتمع األعلون واألوسطون واألدنون، فدعوت بواحد منهم دون من يعلوه يف ا. به له، فأظهر العذر يف ذلك لئال ختبث نفس من عاله؛ فإن الناس يتغالب ملثل ذلك عليهم سوء الظنون

والواجب على من ساسهم التوقي على نفسه من سوء ظنوهنم، وعليهم تقومي نفوسهم؛ إذ هو كالرأس يأمل ألمل .الرأس األعضاء، وهم كاألعضاء يأملون ألمل

طارق ليل؛ فشر ما جاء : قد وليتك بايب، وعزلتك عن أربعة: يا عجالن: قال زياد بن أبيه حلاجبه: املدائين قالوصاحب . وهذا املنادي بالصالة. ورسول صاحب الثغر؛ فإنه إن تأخر ساعة بطل به عمل سنة. به أو خير

.عليه التسخني فسد الطعام؛ فإن الطعام إذا ترك برد، وإذا أعيدال حتجنب عني أحدا إذا أخذت جملسي؛ فإن الوايل : قال خالد بن عبد اهللا القسري حلاجبه: اهليثم بن عدي قال

إما رجل عيي يكره أن يطلع على عيه، وإما رجل مشتمل على سوءة، أو رجل خبيل : ال حيتجب إال عن ثالث .سأله شيئايكره أن يدخل عليه إنسان ي

:أنشدين حممود الوراق لنفسه يف هذا املعىن ورد ذوي احلاجات دون حجابه... إذا اعتصم الوايل بإغالق بابه نزعت بظن واقع بصوابه... ظننت به إحدى ثالث، وربما

ففي إذنه للناس إظهار ما به... به مس من العي ظاهر : فقلت من البخل حيمي ماله عن طالبه... ب فإن مل يكن عي اللسان فغال يصر عليها عند إغالق بابه... فإن مل يكن هذا والذا فريبة

:وأنشدين بعض احملدثني يف ابن املدبر ما كنت ممن حيتجب... لوال مقارفة الريب خبل على أهل الطلب... أوال فعي منك أو

يل من عتبب وال تبا... فاكشف لنا وجه احلجا من ينبغي أن يتخذ للحجابة

ال ينبغي أن يكون احلاجب جهوال، وال غبيا، والعييا، وال ذهوال وال متشاغال، وال خامال : قال املصور للمهديفإنه إن كان جهوال أدخل على صاحبه الضرر من حيث يقدر املنفعة، وإن . وال حمتقرا، وال جهما وال عبوسا

ن عييا مل يؤد إىل صاحبه ومل يؤد عنه، وإن كان غبيا جهل مكان الشريف فأحله غري منزلته، وحطه عن كاا عليه وماله وإن كان ذهوال متشاغال أخل مبا حيتاج إليه صاحبه يف وقته، . مرتبته، وقدم الوضيع عليه، وجهل مال حيتاج إىل لقائه وال ينتفع مبكانهوأضاع حقوق الغاشني لبابه، واستدعى الذم م . ن الناس له، وأذن عليه ملن

وإذا كان جهما عبوسا تلقى كل طبقة من . وإذا كان خامال حمتقرا أحل الناس صاحبه يف حمله وقضوا عليه بهاشية لباب الناس باملكروه، فترك أهل النصائح نصائحهم، وأخل بذوي احلاجات يف حوائجهم، وقلت الغ

.صاحبه، فرارا من لقائه

Page 127: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

اهليثم بن عدي عن جمالد عن الشعيب، أن عبد امللك بن مروان قال ألخيه عبد العزيز بن مروان، حني واله .فاحفظ عني ثالثا. إن الناس قد أكثروا عليك، ولعلك ال حتفظ: مصر .قل يا أمري املؤمنني: قالهما، صدوقا ال يورد عليك كذبا، يحسن األداء إليك انظر من جتعل حاجبك، وال جت: قال عله إال عاقال فهما مف

ومره أال يقف ببابك أحد من األحرار إال أخربك، حتى تكون أنت اآلذن له أو املانع؛ فإنه إن مل . واألداء عنكوإذا مهمت بعقوبة . نسوا بكوإذا خرجت إىل أصحابك فسلم عليهم يأ. يفعل كان هو األمري وأنت احلاجب

.فتأن فيها؛ فإنك على استدراكها قبل فوهتا أقدر منك على انتزاعها بعد فوهتاا كان يف : وقال سهل بن هارون للفضل بن سهل يه برأفته، ويلحقه م إن احلاجب أحد وجهي امللك، يعترب عل

وليكن مجيل اهليئة حسن . أفة، مألوفا منه الرب والرمحةفاختذ حاجبك سهل الطبيعة، معروفا بالر. غلظته وفظاظتهالبسطة، ذا قصد يف نيته هلم يف تفاضل منازهلم، وليعط كال بقسطه من وجهه، ويستعطف قلوب اجلميع إليه،

ذن حتى ال يغشى الباب أحد وهو خياف أن يقصر به عن مرتبته، وال أن يمنع يف مدخل أو جملس أو موضع إوتعهده فإن قصر مقصر قام حبسن . وليضع كال عندك على منزلته. شيئا يستحقه، وال أن مينع أحدا مرتبته

.خالفته وتزيني أمرهينبغي أن يكون صاحب إذن اخلاصة رجال شريف " : شاهيين " وقال كسرى أنوشروان يف كتابه املسمى

واضعا طلقا، معتدل اجلسم هبي املنظر، لين اجلانب، ليس ببذخ وال بطر وال البيت، بعيد اهلمة، بارع الكرم، متمرح، لين الكالم، طالبا للذكر احلسن، مشتاقا إىل حمادثة العلماء وجمالسة الصلحاء، حمبا لكل مازين عمله،

ا وعد، متفهما إذا خوطب، جميبا بالصواب إذا معاندا للسعاة، جمانبا للكذابني، صدوقا إذا حدث، وفيا إذروجع، منصفا إذا عامل، آنسا وؤنسا، حمبا لألخيار، شديد احلنو على اململكة، أديبا له لطافة يف اخلدمة، وذكاء

.يف الفهم، وبسطة يف املنطق، ورفق يف احملاورة، وعلم بأقدار الرجال وأخطارهاينبغي أن يكون حاجب العامة رجال عبد الطاعة، دائم احلراسة للملك، خموف اليد، : وقال يف حاجب العامة

خشن الكالم مروعا، غري باطش إال باحلق، ال أنيسا وال مأنوسا، دائم العبوس، شديدا على املريب، غري .مستخف خباصة امللك ومن يهوى ويقرب، من بطانته

حمل احلاجب وموضعه ممن حيجبهفإن الغائب خيربه . اعرف حاجبك، وجليسك، وكاتبك: ال عبد امللك ألخيه عبد العزيز حني وجهه إىل مصرق

.عنك كاتبك، واملتوسم يعرفك حباجبك، واخلارج من عندك يعرفك جبليسك .استظرف كاتبك، واستعقل حاجبك: وقال يزيد بن املهلب البنه خملد حني واله جرجان

.ب الرجل وجهه، وكاتبه كلهحاج: وقال احلجاج :قال رجل من أهل الشام، أليب اخلطاب احلسن بن حممد الطائي يعاتبه يف حجابه: وقال ابن أيب زرعة

من دون مطلعه حجاب مظلم... هذا أبو اخلطاب بدر طالع بلسان كاتبه الفىت يتكلم... ويقال وجه املرء حاجبه كما أقصيت، هل يرضى بذا من يفهم.. .أدنيت من قبل اللقاء، وبعده

Page 128: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فإليه من أخالقه أتظلم... وإذا رأيت من الكرمي فظاظة إن حاجب الرجل عامله على عرضه، وإنه ال عوض حلر من نفسه، وال قيمة عنده حلريته : وقال الفضل بن حيىي

.وقدره :وأنشدين ابن أيب كامل يف هذا املعىن

املرء حاجبه أن عرض... واعلمن إن كنت جتهله وبه تبدو معايبه... فبه تبدو حماسنه

من عوتب على حجابه أو هجي بهخبرت أن هانئ بن قبيصة وفد على يزيد بن معاوية، فاحتجب عنه أياما، : إسحاق املوصلي عن ابن كناسة قال

املتخلي، وال املتطرف يا يزيد، إن اخلليفة ليس باحملتجب: مث إن يزيد ركب يوما يتصيد فتلقاه هانئ فقالوقد وليت أمرنا فأقم بني أظهرنا، . املتنحي، وال الذي ينزل على الغدران والفلوت، وخيلو للذات والشهوات

ا فاردد علينا بيعتنا نبايع من يعمل بذلك . وسهل إذننا، واعمل بكتاب اهللا فينا فإن كنت قد عجزت عما هن .تك وصيدك وكالبكمث عليك خبلوا. فينا، ويقيمه لنا

.واهللا لوال أن أسن بالشام سنة العراق ألقمت أودك: فغضب يزيد وقال: قال .مث انصرف وما هاجه بشيء، وأذن له، ومل تتغري منزلته عنده، وترك كثريا مما كان عليه

ل إليه إال بعد حني، كان سعيد بن سلم واليا على أرمينية، فورد عليه أبو دمهان الغاليب، فلم يص: املوصلي قالواهللا إين ألعرف أقواما لو علموا أن سف التراب يقيم من أود : - وقد مثل بني السماطني -فلما وصل قال

واهللا إين لبعيد الوثبة، بطيء العطفة . أصالهبم جلعلوه مسكة ألرماقهم، إيثارا للتنزه عن العيش الرقيق احلواشيا مقربا أحب إيل من أن أكون مكثرا مبعداإنه واهللا ما يثنيين عليك إال . مثل ما يصرفين عنك، وألن أكون مملق

واهللا ما نسأل عمال ال نضبطه وال ماال إال وحنن أكثر منه، وإن الذي صار يف يدك قد كان يف يد غريك، فأمسوا البشر، ولني احلجاب؛ فإن حب عباد فتحبب إىل عباد اهللا حبسن . واهللا حديثا، إن خريا فخريا، وإن شرا فشرا

.اهللا موصول حبب اهللا، وهم شهداء اهللا على خلقه، وأمناؤه على من اعوج عن سبيلهوكان شديد -استبطأين جعفر بن حيىي، وشكا ذلك إىل أيب، فدخلت عليه : إسحاق بن ابراهيم املوصلي قال

مىت حجبك : فقال يل وهو مازح. سالم فحجبين نافذ غالمهفاعتذرت إليه وأعلمته أين أتيته مرارا لل -احلجاب :فأتيته بعد ذلك للسالم فحجبين، فكتبت إليه رقعة فيها. فنكه

إىل حسن رأيك أشكو أناسا... جعلت فداءك من كل سوء فما إن أسلم إال اختالسا... حيولون بيين وبني السالم

مشاسافما زاده ذاك إال ... وأنفذت رأيك يف نافذ فصرت . ال حتجبه أي وقت جاء: وسألت نافذا أن يوصلها ففعل، فلما قرأها ضحك حىت فحص برجليه وقال

.ال أحجبليس حلر من نفسه عوض، وال من قدره خطر، وال : وحجب أمحد بن أيب طاهر بباب بعض الكتاب فكتب إليه

ا عنده ففي األرض عوض منه، ومندوحة عنهوكل ممنوع فمستغىن عنه بغريه، وكل . لبذل حريته مثن . مانع م.والدر يترك من غالئه : " وقال بشار. أرخص ما يكون الشيء عنده غالئه: وقد قيل "

Page 129: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وحنن نعوذ باهللا من املطامع الدنية، واهلمة القصرية، ومن ابتذال احلرية، وال استرقها طمع، وال طبعت على من ال يصونه، ووكلت ببابك من يشينه، وجعلت ترمجان كرمك من يكثر من وقد رأيتك وليت عرضك. طبع

أعدائك، وينقص من أوليائك، ويسيء العبارة عن معروفك، ويوجه وفود الذم إليك، ويضغن قلوب إخوانك إىل عليه؛ إذ كان ال يعرف لشريف قدرا، وال لصديق منزلة، ويزيل املراتب عن جهاهتا ودرجاهتا، فيحط العلي

وذلك إليك منسوب، وبرأسك . مرتبة الوضيع، ويرفع الدين إىل مرتبة الرفيع، ويقبل الرشى، ويقدم على اهلوى .معصوب، يلزمك ذنبه، وحيل عليك تقصريه

:وقد أنشدين أبو علي البصري وتسكن األحرار يف ذمته... كم من فىت حتمد أخالقه وأحقد الناس على نعمته... قد كثر احلاجب أعداءه

:وأنشدت لبعضهم

إذا كان سهال دونه إذن حاجبه... يدل على سرو الفىت واحتماله إذا كان سهال كان سهال كصاحبه... وقد قيل ما البواب إال كربه

:وقال الطائي لصديقه عن صدقه ونفاقه... حشم الصديق عيوهنم حباثة

فهم خالئفه على أخالقه... نه فلينظرن املرء من غلما :وقال آخر

ك ومن صديقك باحلشم... اعرف مكانك من أخي :وقال ابن أيب عيينة

يف ضمري املوىل من الكتمان... إن وجه الغالم خيرب عما ا أردت بالغلمان... فإذا ما جهلت ود صديق فامتحن م

:وقال آخر اللقاء باحلشم تعرف قبل... وحمنة الزائرين بينة

:وأنشدين عبد اهللا بن أمحد املهزمي يف علي بن اجلهم يدين لبعيد وحتجب األصحاب... أعلي دونك يا علي حجاب

هذا عليك العبد والبواب... هذا بإذنك أم برأيك أم رأى غلبت عليه فأمره مرتاب... إن الشريف إذا أمور عبيده

:وأخذه من قول الطائي تدل عليه بأغصانه... أبا جعفر وأصول الفىت

رجاك حلادث أزمانه... أليس عجيبا بأن امرأ ويأمر فتح حبرمانه... فتأمر أنت بإعطائه

يكون غالما لغلمانه... ولست أحب الشريف الظريف

Page 130: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يضعه احلجاب، وأنا أرفعك إنه من مل يرفعه اإلذن مل : " وحجب ابن أيب طاهر بباب بعض الكتاب، فكتب إليها أحد أقام يف منزله إال ولو حاول - عظم أو صغر قدره -عن هذه املنزلة، وأربأ يعدوك عن هذه اخلليقة، وم

وقد . فتأمل هذه احلال وانظر إليه بعني النصفة، ترها يف أقبح صورة، وأدنا منزلة. حجاب اخلليفة عنه ألمكنه :قلت

وجيهل منك احلق فاهلجر أوسع... ء تعظم حقه إذا كنت تأيت املرال يواتيك مقنع... ففي الناس أبدال ويف العز راحة ويف اليأس عمن

وإن امرأ يرضى اهلوان لنفسهحري جبدع األنف واجلدع أشنعفدع عنك أفعاال يشينك فعلهاوسهل حجابا إذنه ليس ينفع

ركبت مع مثامة بن أشرس إىل أيب عباد الكاتب، يف حوائج كتب : ن الفارسي قالوحدثين عبد اهللا بن أيب مرواإيل فيها أهل إرمينية من املعتزلة والشيعة، فأتيناه فأعظم مثامة وأقعده يف صدر اجمللس وجلس قبالته، وعنده

قرأها، وقد كانوا كتبوا إىل مجاعة من الوجوه، فتحدثنا ساعة مث كلمة مثامة يف حاجيت، وأخرجت كتب القوم ف. بكر إيل غدا حتى أكتب جواباهتا إن شاء اهللا: أيب عباد كتبا، وكانوا أصدقاءه أيام كونه بإرمينية، فقال يل

مىت حجبت أنا، : فغضب من قويل واستشاط وقال. جعلين اهللا فداك، تأمر احلاجب إذا جئت أن يأذن يل: فقلت !.لي حجابأوىل حاجب، أو ألحد ع

يا : وقد كنت أتيته فحجبين بعض غلمانه، فحلف باألميان املغلظة أن يقلع عينا من حجبين، مث قال: قال عبد اهللاثمائة، فقال: قال! غالم، ال يبق يف الدار غالم وال منقطع إلينا إال أحضرمتونيه أشر : فأتى بغلمانه وهم حنو من ثل

ا كان يل حاجب قط، وال : فقال. جعلت فداك ال أعرف الغالم بعينه: امة فقلتفغمزين مث. إىل من شئت فيهم ماحتجبت، وذلك ألنه سبق مني قول، ألني كنت وأنا بالري وقد مات أيب وخلف يل هبا ضياعا فاحتجت إىل

أنا وأقصى، فتتقاصر مالقاة الرجال والسلطان فيما كان لنا، فكنت أنظر إىل الناس يدخلون ويصلون وأحجب .إيل نفسي، ويضيق صدري، فآليت على نفسي إن صرت إىل أمر من السلطان أال أحتجب أبدا

استأذن نافع بن جبري بن مطعم على معاوية، فمنعه احلاجب فدق أنفه، فغضب : وحدثين الزبري بن بكار قالوما مينعنيمنه وقد أساء أدبه وأسأت : تفعل هذا حباجيب؟ قاليا نافع، أ: معاوية وكان جبري عنده، فقال معاوية

وأنا باملكان الذي أنا به من عبد : فض اهللا فاك، أال تقول: فقال جبري. مث أنا باملكان الذي أنا به منك! اختياره؟ .فتبسم معاوية وأعرض عنه: قال! مناف؟ام ب: قال بابه حوال ال يصل إليه، فكلم احلاجب فأوصل له رقعة وفد رجل من األكاسرة على بعض ملوكهم، فأق

:فيها أربعة أسطر

.األمل والضرورة أقدماين إليك: السطر األول فيه .ليس على العدمي صرب على املطالبة: ويف الثاين .الرجوع بال فائدة مشاتة العدو والقريب: ويف الثالث .مؤيسة، وال معىن للحجاب بينهما" ال "مثمرة، وإما " نعم " إما : ويف الرابع

.زه : " فوقع حتت كل سطر منها "

Page 131: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وأنشد الوليد بن عبيد البحتري يف ابن املدبر يهجو غالمه بشرا إىل غري مشتاق وكم ردين بشر... وكم جئت مشتاقا على بعد غاية

فرخروجي من أبوابه ويدي ص... وما باله يأىب دخويل وقد رأى :وأنشدت لبعضهم

ببابك ما حيجبوا القافية... لعمري لئن حجبتين العبيد جزاء قروض لكم وافية... سأرمي هبا وراء احلجاب

ويسأل من أجلها العافية... تصم السميع وتعمي البصري بن إمساعيل :وأنشدين أمحد بن أيب فنن، يف حممد بن محدون

فيها حلسن صنيعة تكدير... ولقد رأيت بباب دارك جفوة وبباب دارك منكر ونكري... ما بال دارك حني تدخل جنة

:وأنشدين أبو علي الدرمهي اليمامي يف أيب احلسن علي بن حيىي ذا اللب غري بشاشة احلجاب... ال يشبه الرجل الكرمي جناره ثوايب جعل التربم والعبوس... وبباب دارك من إذا حييته

أوصيته متعمدا حلجايب... باإلذن يل فكأنما أوصيته :وأنشدين أبو علي البصري يف أيب احلسن علي بن حيىي

أطوي إليها سائر األبواب... يف كل يوم يل ببابك وقفة ذنب عقوبته على البواب... فإذا حضرت وغبت عنك فإنه

:اجبه، فلم يأذن له احلاجب بعد ذلك، فكتب إليهوأنشدين أبو علي اليمامي، وعاتب بعض أهل العسكر يف ح ويزيد من عاتبته صدا... صار العتاب يزيدين بعدا أغراه ذاك فزادين ردا... وإذا شكوت إليه حاجبه

:وأنشدين العجيين يف بعض أهل العسكر، يعاتبه يف حاجبه ويهجو حاجبه مدوحاأنشد املادح الفىت امل... إمنا حيسن املديح إذا ما طويال مقصى مهانا طرحيا... وأراين بباب دارك عمر ت

منكر عنده ظريفا مليحا... إن بالباب حاجبا لك أمسى رد من بغضه مردا قبيحا... ما سألناه عنك قط وإال

:وأنشدت لبعضهم يف هجاء حاجب ملسالكولو كنت أعمى عن مجيع ا... سأترك بابا أنت متلك إذنه

ك... فلو كنت بواب اجلنان تركتها وحولت رحلي مسرعا حنو مال، يف بوابه :وكتب بعض الكتاب إىل احلسن بن وهب

ورميت منك جبفوة وعذاب... قد كنت أحسب أن طرفك ملين وإذا بليتنا من البواب... فإذا هواك على الذي قد كان يل

أن األديب مؤدب احلجابفاعلم جعلت فداك غري معلم

Page 132: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وقال رزين العروضي جلعفر بن حممد بن األشعث فقد لعمري أبوكم كلم الذيبا... إن كنت حتجبين للذئب مزدهيا

تركتم الناس مأكوال ومشروبا... فكيف لو كلم الليث اهلصور إذا ويبايكلم الفيل تصعيدا وتص... هذا السنيدي ما ساوى إتاوته

ألقي ببابك طالبا ومطلوبا... اذهب إليك فما آسي عليك وما كان يزيد بن عمر األسيدي على شرطة البصرة، فأتاه الفرزدق يف مجاعة فوقف ببابه، فأبطأ عليه : املدائين قال : - وكان ابن عمر يلقب الوقاح -إذنه، فقال

على باب الوقاح أسائلهوقويف... أمل يك من نكس الزمان على استه إذا نزلت أركان فخ منازله... فإن تك شرطيا فإين لغالب

بن غسان، بعد أنس كان بينهما :وقال أبو علي البصري، وحجبه حممد فدفعنا من دون باب الدار... قد أتينا للوعد صدر النهار

األوتارمع، صوت الغناء و... ومسعنا، من غري قصد ألن نس نك عنا خبرا بال استخبار... فأحطنا بكل ما غاب من شأ

بغبوق ودجلة بابتكار... فإذا أنت قد وصلت صبوحا مان إال باجلحد واإلنكار... وإذا حنن ال ختاطبنا الغل نا بأنس منهم وباستبشار... فانصرفنا وطاملا قد تلقو

وطر فانقضى من األوطار... ذاك إذ كان مرة لك فينا س وكنا الشعار دون الدثار... حني كنا املقدمني على الن ت تأني كله وانتظاري... كم تأنيت وانتظرت فأفين ل فصرنا كسائر الزوار... فعليك السالم كنا من األه

:وله إليه أيضا جفاء شديداوجفينا به ... قد أطلنا بالباب أمس القعودا

ن بلونا الوىل عذرنا العبيد... وذممنا العبيد حىت إذا نح م وأمر مؤكد تأكيدا... وعلى موعد أتيناك معلو

ء رسول قال انصرف مطرودا... فأقمنا ال اإلذن جاء وال جا ظهر برذون بعضهم مردودا... وصربنا حتى رأينا قبيل ال

مان يف ذاك مينحونا صدودا... والغل واستقر املكان بالقوم ا أحرجوا جردوا لنا جتريدا... ويشريون باملضي فلم

لحم فيها نيا كفيت الوقودا... فانصرفنا يف ساعة لو طرحت ال ا... فلعمري لو كنت تعتد يل ذن با عظيما وكنت فظا حقود

زيدافوق هذا ملا وجدت م... وطلبت املزيد يل يف عذاب

Page 133: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ا ظننت بعيدا... كان ظني بك اجلميل فألفي تك من كل م يضمن الدهر بعدها أن يعودا... فعليك السالم تسليم من ال

:وله يف أمحد بن داود السييب وقصد إليه بكتاب إسحاق بن سعد الكاتب زم إال من ناله اإلعذار... يا ابن سعد إن العقوبة ال تل

فته مشحوذة عليه الشفار... وقد وا وابن داود مستخف ها مفر ما دام ينجي الفرار... فاهده لليت يكون له من

ثله لدي اصطبار... سامين أمحد بن داود أمرا ما على م روحة ما أغبها وابتكار... يل إليه يف كل يوم جديد وارن عليه ويدخل الز... ووقوف ببابه أمنع اإلذ

ل له وصغار... خطة من يقم عليها من النا س ففيها ذ لك حظ يناله خمتار... لو ينال الغىن ملا كان يف ذ

ه أناة طويلة وانتظار... عزب الرأي يف عته وعزت :وحجب بباب بعض الكتاب فكتب إليه

يلون يل قوله احلاجب... أقمت ببابك يف جفوة راكب: وربتما قال يل... معين تارة يف الوصول فيط

وختليطه أنه كاذب... فأعلم عند اختالف الكالم ا فيأىب عل ي إمضاءه رأيي الثاقب... وأعزم عزم ب للحر من رأيه ثائب... وأءني أراقب حىت يثو صفوحا وذاك هو الواجب... فإن تعتذر تلفين عاذرا

ل رثت قواها، هلا قاضب... حلبا وإال فإين إذا ما ا :وقال لعلي بن يعقوب الكاتب وحجب ببابه

ا عهدنا الغالما... قد أتيناك للسالم فصادف نا على غري م م وما كان منكرا أن تناما... وسألناه عنك فاعتل بالن

سيئا يعقب الصديق احتشاما... غري أن اجلواب كان جوابا أن يف مضمر القلوب اضطراما... ا نوجه العذر إال فانصرفن

نفسه بعد هذه من أالما... يا ابن يعقوب ال يلومن إال :وقال لعلي بن املنجم، وحجبه غالمه

طعته األرض أن يذل لعبد... ليس يرضى احلر الكرمي ولو أق يق وحبي كما علمت وود... فعليك السالم إال على الطر

بن حيىي، يعاتبه يف حجابه :وقال أبو هفان لعلي

Page 134: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

حبق مكارمك الوافية... أبا حسن وفنا حقنا ويدخل دوين بنو العافية... أأحجب دونك شر احلجاب

وأسأل ريب لك العافية... أعوذ بفضلك من أن أساء وتدخل يف حلقي الضافية... فإين امرؤ تتقيين امللوك

ببعض األذى للردى صافية... على نفس من رامين كتبت :وأنشدت لربقوق األخطل وحجب بباب بعض الكتاب

وقليل اجلفاء ليس قليال... قد حجبنا وكان خطبا جليال قل من خاف أن يكون ثقيال... مل أكن قبلها ثقيال وهل يث ملوال ظن ينقاد أن يكون... غري أين أظن الزال ذاك ال

:وأخذه من قول اآلخر تدنو من ودك باملقبل... ملا حتاجبت وقد خفت أن

من خاف أن يثقل مل يثقل... أقللت إتيانكم إنه :وأنشدين أبو عبد الرمحن العطوي

حسن رأي يف احلجاب... أليب بكر خليلي له من صوب السحاب... يا أبا بكر سقاك ال

بعدها قارع باب... ن لن تراين بعدها م ل بالغ والكتاب... إن ينب خطب ففي الرس

:وخلالد الكاتب يف جعفر بن حممود وكان ال حيتجب الكاتب... احتجب الكاتب يف دهرنا

فينكح احملجوب واحلاجب... القوم خيلون حلجاهبم :وأليب سعد املخزومي يف احلسن بن سهل

فأغلق بابه دون املديح... هل ترهب بعدك احلسن بن س كما كذب النصاري للمسيح... كذبت له ومل أكذب عليه

:وأنشدين البالذري يف بعض كتاب أهل العسكر حجاب وال من دون وجعائه ستر... أحيجبين من ليس من دون عرسه

خلقه عليه ألضحي قد تضمنه قرب... ومن لو أمات اهللا أهون :يب بن أوس، يف موسى بن إبراهيم، أيب املغيثوأنشدين حب

ودي فما بعد اهلجاء عتاب... أمويس ال يغين اعتذارك طالبا ما بال ال شيء عليه حجاب... هب من له شيء يريد حجابه يوما بصخراء عليها باب... ما إن مسعت وال أراين سامعا له بواب من غري بواب... من كان مفقود احلياء فوجهه

:وآلخر

Page 135: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فجلست يف بييت أمريا... خبل األمري بإذنه واهللا حممود كثريا... وتركت إمرته له

:وأنشدين الزبري بن بكار لبعض الشعراء على ما أرى حىت يلني قليال... سأترك هذا الباب مادام إذنه وجدنا إىل ترك اجمليء سبيال... إذا مل جند لإلذن عندك سلما

:وقد ابن عم لداود بن يزيد املهليب عليه فحجبه، وجعل ميطله حباجته، فكتب إليه: بري بن بكار قالالز اليأس أروح من آمال عرقوب... أبا سليمان وعدا غري مكذوب

حىت تنقب عن بعض األعاجيب... أرى محامة مطل غري طائرة را غري مركوبفريكب الشعر ظه... ال تركنب بشعرى غري مركبه

شعري إذا سار عن أذن حبجوب... لئن حجبت فلم تأذن عليك فما رحلي إىل املطريني املناجيب... إن ضاق بابك عن إذن شددت غدا

ال يستقيدون إال للمواهيب... قوم إذا سئلوا رقت وجوههم :وألحوص بن حممد األنصاري يف أيب بكر بن حزم

فركوبه فوق املنابر أعجب... غلة أعجبت أن ركب ابن حزم ب سبحان من جعل ابن حزم حبجب... وعجبت أن جعل ابن حزم حاجبا

:وأنشدت البن حازم يعاتب رجال يف حجابه وإذ أنت ال غريك املوكب... صحبتك إذ أنت ال تصحب

ونفسك نفسك تستحجب... وإذ أنت تفرح بالزائرين شيك أضعاف ما تركبوم... وإذ أنت تكثر ذم الزمان

ا أطلب... كرمي له مهة : فقلت تنال فأدرك م كأين ذو عرة أجرب... فنلت فأقصيتين عامدا

ت دون الورى كاهم احجب... وأصبحت عنك إذا ما أيت

:وأنشدين أبو متام الطائي جنما عن الركب العفاة شسوعا... وحمجب حاولته فوجدته شكري فرحنا معدمني مجيعا... ه ملا عدمت نواله أعدمت

:ووقف العتيب بباب إمساعيل بن جعفر يطلب إذنه، فأعلمه احلاجب أنه يف احلمام، فقال قال حجابه أتى احلماما... وأمري إذا أردنا طعاما

جب ما إن أردت إال السالما... فيكون اجلواب مين للحا ت فبه الصياماكل يوم نوي... لست آتيكم من الدهر إال

طعام كان حال لكم علي حراما... إنين قد جعلت كل :وأنشدين إسحاق بن خلف البصري له

Page 136: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وهذا ليس باحلسن... أحيجبين أبو احلسن عن الزيتون واجلنب... وليس حجابه إال :وأنشدين بعضهم

علسك من وجهك بواب... ال تتخذ بابا وال حاجبا عليك أبواب وحجاب... وية أنت ولو كنت بد

:ولعلي بن جبلة يف احلسن بن سهل يضيق أمر يوما ويتسع... اليأس عز والذلة الطمع إن مل تكن بالدخول تنتفع... ال تستريثن إذن حمتجب من ليس فيه ري وال شبع... أحق شيء بطول مهجرة أدعإن مل تدعين فإنين... قل البن سهل فإنين رجل

والصرب وال علي ال اجلزع... اليأس مايل وجنيت كرم :وأليب متام الطائي يف أيب املغيث

، مؤونة حاجب... ال تكلفن وأرض وجهك وجهه يف غري منفعة فطن البديهة عامل مبواريب... ال متتهني باحلجاب فإنين

:شولبعض الشعراء يف العباس بن خالد، وخربت إنه البن األعما... أحتجبين فليس لديك نيل وقد ضيعت مكرمة وجمد ويف الدنيا مراح يل ومغدى... ويف اآلفاق أبدال ورزق

:وأنشدين أبو اخلطاب، لدعبل، يف غسان بن عباد وشرب البحار اليت تصطخب... لقطع الرمال ونقل اجلبال

صعود السماء ملن يرتقب... وكشف الغطاء عن اجلن أو أو الثكل يف ولد منتجب... صاء لؤم سعيد لنا وإح

تكلف غشياهنا مرتقب... أخف على املرء من حاجة وحاجب حاجبه حمتجب... له حاجب دونه حاجب

:وملرداس بن حزام األسدي، يف بشري بن جرير بن عبد اهللا أخا كربياء عاملا باملعاذر... أتيت بشريا زائرا فوجدته

وأغلق باب العرف عن كل زائر... دى غلظة وهتجما فصد وأب وال صابرا عند اختالف البواتر... حجابا حلر ال جوادا مباله

:وحجب أبو العتاهية بباب أمحد بن يوسف الكاتب، فكتب إليه وأن الغىن خيشى عليه الفقر... أمل تر أن الفقر يرجى له الغىن إن غناي بالتكرم والصرب... ن غىن فإن نلت تيها بالذي نلت م ف

:وله أيضا فيها... إين أتيتك للسال م تكلفا مين ومحق

Page 137: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وجتربا ولويت شدقا... فصددت عين خنوة طلبت الدهر رزقا... فلو أن رزقي يف يدي ك ملا :وألمحد بن أيب طاهر

وألنت عندي من حجابك أعجب... ليس العجيب بأن أرى لك حاجبا ما كان مثلهم ببابك حيجب... لئن حجبت لقد حجبت معاشرا ف

:وله يف بعض الكتاب إذا رأى أطالبه... ردين بالذل صاحبه

إمنا الكشخان صاحبه... ليس كشخانا فأشتمه :وله أيضا يف علي بن حيىي يعاتبه يف بعض قصائده أصوابا تراه أصلحك اهللا فما إن رأيته بصواب

ولقد كنت حاجب احلجاب... وراء حجاب صرت أدعوك من :أتى أبو العتاهية باب أمحد بن يوسف الكاتب يف حاجة فلم يؤذن له، فقال

سأصرف وجهي حيث تبغي املكارم... لئن عدت بعد اليوم إين لظامل ونصفك حمجوب ونصفك نائم... مىت ينجح الغادي إليك حباجة

:وآلخر عنك برفقك طردا مجيالب ... رأيتك تطردنا باحلجا

ن واحلر من ذا يفك العقوال... ولكن يف طمع الطامعي ل فقد أبت النفس إال الرحيال... فهل لك يف اإلذن يل بالرحي كنت بالرقة، وكان هبا موسوس يقول الشعر : حدثين حممد بن غسان بن عباد قال: وحدثين أبو علي البصري قال

ته يوما معي احتسابا للثواب، فأتاين من غد وعندي مجاعة من العمال، فحجبه الغالم، فلما احملال واملنكر، فغدي :كان من غد وقف على الباب وصاح

لسنا نعود ألككل قد تغدينا... عليك إذن فإنا قد تغدينا ا... يا أكلة سلفت أبقت حرارهتا داء بقلبك ما صمنا وصلين

ه قا: قال .ل شعرا على استواء غريه، ولكني وعظت به فوقع مكروهي على لساينوما علمت :وأنشدت حلماد عجرد يعاتب بعض امللوك

ا... إذا كنت مكتفيا بالكتا ب دون اللمام تركت اللمام ك بوابكم يب وأوص الغالما... وإال فأوص هداك امللي

عودا وإما قيامان، إما ق... فإن كنت أدخلت يف الزائري فال لوم لست أحب املالما... وإن مل أكن منك أهال لذاك

م أخزاهم اهللا ربي أناما... فإني أذم إليك األنا يميتون جمدا ويحيون ذاما... فإني وجدهتم كلهم

Page 138: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وأليب األسد الشيباين، يعاتب أبا دلف يف حجابه أم نفي من البالد طريد... ليت شعري أضاقت األرض عين

مر القت به البالء مثود... أم قدار أم احلبابة أم أح مهيت القوت والقليل الزهيد... أم أنا قانع بأدىن معاش

ويدي حرة وقليب شديد... مقويل قاطع وسيفي حسام م عليه عساكر وجنود... رب باب أعز من بابك اليو

ورواحا وأنت عنه مذود... ه داخلني غدوا قد وجلنا ت أمريا، وال مخيسا تقود... فاكفف اليوم من حجابك إذ لس

ن وال يكسد األديب اجلليد... لن يقيم العزيز يف البلد اهلو ه والفضاء العتيد... كل من فر من هوان فإن ال رحب يلقا :ولعلي بن جبلة يف بعض امللوك

وإذنك قد يراد عليه أجر... ضيق ونداك نزر حجابك وطالب الثواب لديك نقر... وذل أن يقوم إليك حر

:وأنشدين اليمامي يف أيب الصقر إمساعيل بن بلبل، يعاتبه يف حجابهب... لكل مؤمل جدوى كرمي على تأميله يوما ثوا

إذا وقع انتساب وال أصل... وأنت احلر ما خانتك نفس ففيم جزاي من ذل حجاب... وشكري ظاهر ورجاي جزل

بشكري إذ به نزل الكتاب... وحقي أن تكافئين مزيدا :وأنشدت أليب مالك األعرج

منك الرسول فخلصها من الباب... علقت عيين بباب الدار منتظرا سعى خيابفيما لديك وهذا ... صانعت فيك مبثلي ما أمله

:ولبشار بن برد، يف عبيد اهللا بن قزعة فلم تلقه إال وأنت كمني... إذا سئل املعروف أغلق بابه

ومل يدر أن املكرمات تكون... كأن عبيد اهللا مل ير ماجدا ويف كل معروف عليك ميني... فقل أليب حيىي مىت تدرك العال

:يف أيب اجلهم بن سيف -هل الشام رجل من أ -وأنشد أليب زرعة هليفا حجبت عن احلاجب... ولكن أبو اجلهم إن جئته ويبخل باملوعد الكاذب... وليس بذي موعد صادق

:وحجب سعيد بن حميد بباب احلسن بن مخلد، فكتب إليه لك غالته جفوة يف احلجاب... رب بشر يصير احلر عبدا

أفسدتها خالئق البواب... ق معجبات وفىت ذي خالئ

Page 139: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ه عبيد تسيء لآلداب... وكرمي قد قصرت بأيادي يا مجيعا بوقفة بالباب... ال أرى للكرمي أن يشتري الدن

صار فضل الرءوس لألذناب... إن تركت العبيد واحلكم فينا ر الترابل، وحظ األحرار عف... فأحلوا أشكاهلم رتب الفض :وأنشدت لعبد اهللا بن العباس ت على السرج ممسك بعناين... أنا بالباب واقف منذ أصبح ويراين كأنه ال يراين... وبعني البواب كل الذي يب :يعاتب رجالمن قومه -وامسه عبد اهللا بن حممد -وأنشدت أليب عيينة املهليب

ال الستر دونك واحلجابفح... أتيتك زائرا لقضاء حق وإن كرهوا كما يقع الذباب... ولست بساقط يف قدر قوم جبانبه إذا عز الذهاب... ورائي مذهب عن كل ناء

:وأنشدين ابن أيب فنن يطلب الرزق وال ذاهب... ما ضاقت األرض على راغب احبأصبح يشكو جفوة الص... بل ضاقت األرض على صابر

فإنما يقصد للصاحب... من شتم احلاجب يف ذنبه ال تطلب الرزق من الطالب... فارغب إىل اهللا وإحسانه

أتى عويف القوايف باب عمر بن عبد العزيز رضي اهللا عنه، فحجب أياما، مث استأذن له حبيش : قال املدائين :صاحب إذن عمر، فلما قام بني يديه قال

على حوضه مستبشرا بدعاكا... أبا حفص، لقيت محمدا أجبين :فقال! أقول لبيك وسعديك: فقال عمر

مشالك خري من ميني سواكا... وأنت امرؤ كلتا يديك طليقة وفضال، وماذا للحجاب دعاكا... عالم حجايب، زادك اهللا رفعة

.وأمر له بصلة! ليس ذاك إال خلري: فقال :أقام عبد العزيز بن زرارة الكاليب، بباب معاوية حينا ال يؤذن له، مث دخل فقال: ين قالاملدائ

وكنت وقد يئست من الدخول... دخلت على معاوية بن حرب وأيهات احلظوظ من العقول... رأيت احلظ يستر عيب قوم

فما الذل؟ : قيل هلا. إىل اللئيم مث ال جيدي عليه حاجة الكرمي: ما اجلرح الذي ال يندمل؟ قالت: قيل حلبي املدينةاعتقاد املنن يف أعناق الرجال، : فما الشرف؟ قالت: قيل هلا. وقوف الشريف بباب الدينء مث ال يؤذن له: قالت

.تبقى لألعقاب يف األعقابال تعرف وائذن ملن قف بالباب فاحجب: وقيل لعروة بن عدي بن حامت وهو صيب، يف وليمة كانت هلم من

.أول شيء استكفيته منع الناس من الطعام -واهللا -ال يكون : فقال. تعرف

Page 140: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وأنشدت أليب عيينة املهليب وعتاب خياف أو ال خياف... بلغة حتجب الفىت عن دناة ب حجاب عنوانه االنصراف... هو خري من الركوب إىل با

لة فيها وتسقط األشراف... ترفع السف بئس للدولة اليت :وأنشدت ملوسى بن جابر احلنفي

باب األمري وال دفاع احلاجب... ال أشتهي يا قوم إال مكرها ومزندون شهودهم كالغائب... ومن الرجال أسنة مذروبة

مما قمشت وضم حبل احلاطب... ومنهم أسود ال ترام، ومنهم :بعض أصحابنا وأنشدين

إذا تنمر دوين حاجب الباب... إين امرؤ ال أرى بالباب أقرعه وال أطالب ود الكاره اآليب... وال ألوم امرأ يف ود شرف

:وأنشدين ابن أيب فنن باب، علي لبواب عليه يد... املوت أهون من طول الوقوف على

قد ملين وطن أو ضاق يب بلد... ما يل أقيم على ذل احلجاب كأن :وأنشدين الزبري بن بكار جلعفر بن الزبري

يعدل عندي قلع بعض أنياب... إن وقفي من وراء الباب :وأنشد حملمود الوراق

من كل طالب حاجة أو راغب... شاد امللوك حصوهنم وحتصنوا قبح وجه احلاجبوتنوقوا يف ... عالوا بأبواب احلديد لعزها راج تلقوه بوعد كاذب... فإذا تلطف للدخول إليهم

بادي الضراعة طالبا من طالب... فاضرع إىل ملك امللوك وال تكن :وأنشدين أبو موسى املكفوف

ليس مثلي يطيق ذل احلجاب... لن تراين لك العيون بباب له تسعة من احلجابض ... يا أمريا على جريب من األر ما مسعنا إمارة يف خراب... قاعدا يف اخلرب تحجب عنا

.وأوهلا هنا هو آخرها عنده . مع خالف يف الرواية والترتيب ٢٢٩:٢األبيات رواها ابن خلكان يف ترجنته " " :وأنشدين أبو قنرب الكويف

يقيم على بابه حاجبا... ولست مبتخذ صاحبا وإن غبت ألفيته عاتبا... ئته قيل يل نائم إذا ج

وليس يرى حقهم واجبا... ويلزم إخوانه حقه إذا أنا مل ألقه راكبا... فلست بالقيه حتى املمات

Page 141: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وأنشدين أبو بكر حممد بن أمحد، من أهل رأس العين لنفسه يف بعض بين عمران بن حممد املوصلي شهدت بذاك ومل تزل قحطان... ىت الندى يا أبا الفوارس أنت أنت ف

من بغضه يتخبط الشيطان... فألي شيء دون بابك حاجب فكأنين من خوفه سرطان... فإذا رآين مال عني معرضا

من عاتب على حجابه واإلذن لغريه

:قال األشهب بن رميلة يث من بين عم ساملوأن البع... أبلغ أبا داود أني ابن عمه

وريش الذنايب تابع للقوادم... أتوجل باب امللك من ليس أهله :وقال عاصم الزماين، من بين زمان

ويف العتاب حياة بني أقوام... أبلغ أبا مسمع عين مغلغلة يف احلق أن يلجوا األبواب قدامى... أدخلت قبلي رجاال مل يكن هلم

بباب دارك أدلوها بأقدام... إذا ما حاجة عرضت فقد جعلت :وقال هشام بن أبيض، من بين عبد مشس

علي وال تراين مستكينا... وليس يزيدين حسيب هوانا بلي رجاال أراين فوقهم حسبا ودينا... فإن قدمتم ق

دم أولونا... ألسنا عائدين إذا رجعنا إىل ما كان ق ترى يل اجملد واحلسب السمينا... مة عبشمي فأرجع يف أرو

:وقال دينار بن نعيم الكليب فراسخ تطوي الطرف وهو حديد... أبلغ أمري املؤمنني ودونه

يقدم قبلي راسب وسعيد... بأني لدى عبد العزيز مدفع وأشرف إن كنت الشريف تريد... وإني ألدىن يف القرابة منهما

:أتى ابن فضالة بن عبد اهللا الغنوي باب قتيبة بن مسلم، فأساء إذنه فقال: ملدائين قالا وأنت تكرم أصحايب وجتفوين... كيف املقام أبا حفص بساحتكم

تدعوهم النقري دوين ويقصوين... أراهم حني أغشى باب حجرتكم ما كان يوليينمذ ذاك أوليته ... كم من أمري كفاين اهللا سخطته

عم كرمي وخال غري مأفون... إين أيب أن أرضى ممنقصة ضخم احلمالة أباء على اهلون... خايل كرمي وعمي غري مؤتشب

كان مسلمة بن عبد امللك تزوج ابنة زفر بن احلارث الكاليب، وكان ببابه عاصم بن يزيد اهلاليل، : املدائين قال :ر ابنا زفر، فكان يأذن هلما قبل عاصم، فقالواهلذيل وكوث

ا... أمسلم قد منيتين ووعدتين مواعد صدق إن رجعت مؤمر فيا لك مدعي ما أذل وأحقرا... أيدعى هذيل مث أدعى وراءه

Page 142: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ع وقد ألقى قناعا ومئزرا... وكيف ومل يشفع يل الليل كله شفي كحبك صهريك اهلذيل وكوثرا... ين فلست براض عنك حتى حتب

بن ثعلبة، يذكر خالد بن عبد اهللا القسري، وأبان بن وقال األصحم، أحد بين سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس :الوليد البجلي، وحجبه خالد

أطال هبا حبسي أبان وخالده... ومنزلة ليست بدار تئية فال ساغ يل من أعذب املاء بارده... هبا فإن أنا مل أنزل بالدا هما

جبيلة، أمثال الكالب، تراصده... إذا ما أتيت الباب صادفت عنده

كراسيه، من لؤمه، ووسائده... عليهم ثياب اخلز تبكي كما بكت من الساج مسمورا تئط حدائده... ويدعون قدامى وجيعل دوننا

شد موىل باهلة، حاجبا لقتيبة بن مسلم خبراسان، فكان يأذن لسويد بن هوبر كان متيم بن را: املدائين قال :النهشلي، ومجفر بن جزي الكاليب، قبل احلضني بن املنذر الرقاشي، فقال احلضني

عناء ويدعو مجفرا وابن هوبرا... إين أللقى من متيم وبابه البواب كسرى وقيصرايرى هبما ... نزيعني من حيني شتى كأمنا

:وقال عبيد اهللا بن احلر الفاتك، لعبد اهللا بن الزبري، وشكا إليه مصعبا وحجابه فلست على رأي قبيح أواربه... أبلغ أمري املؤمنني نصيحيت

وزيريه من قد كنت فيه أحاربه... أيف احلق أن أجفى وجيعل مصعب إليه وما قد خط يف الزبر كاتبه... وما المرئ إال الذي اهللا سائق

ومينعين أن أدخل الباب حاجبه... إذا ما أتيت الباب يدخل مسلم ا لدى كل ذي غش لنا هو صاحبه... لقد رابين من مصعب أن مصعب

:وقال ابن نوفل خلالد بن عبد اهللا القسري، وحجبه خا قسر، ولكنين فحلإليك، أ... فلو كنت غوثيا ألدنيت جملسي

مبحجر عينيه وحاجبه كحل... رأيتك تدين ناشئا ذا عجيزة وأرخيت األستار أيكما الفحل... فو اهللا ما أدري إذا ما خلوتما

:وقال عمرو بن الوليد، يف عقبة بن أيب معيط ونقصي إذا ما تأمنون وحنجب... أيف احلق أن ندين إذا ما فزعتم

شهاب بكفي قابس يتلهب... فوقي من يود لو أنكم وجيعل فمن لكلوم يف الصدور حتوب... فها أنتم داويتم الكلم ظاهرا

وكنت امرأ ذا مرة حني أغضب... فقلت وقد أغضبتموين بفعلكم وال عند قومي إن تعتبت معتب... أما يل يف أعداد قومي راحة

بن مروان إىل احلجاج أن يستعمل مسمع بن مالك على سجستان، فواله إياها، : قال املدائين كتب عبد امللك :فأتاه الضحاك بن هشام فلم ينله خريا وأقصاه، فقال

Page 143: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لبابك بوابا والستك منربا... وما كنت يا بن كبشة أن أرى جحدراولكن دعوت احلرقتني و... وما شجر الوادي دعوت وال احلصى

لعينك يف آفاقها اخلضر منظرا... أخذنا بآفاق السماء فلم ندع من مدح برفع احلجاب

:قال أمين بن خرمي يف بشر بن مروان طماطم سود أو صقالبة حمر... ولو شاء بشر كان من دون بابه

يكون له من دوهنا احلمد والشكر... ولكن بشرا أسهل الباب لليت حذار الغواشي باب دار وال ستر... يد مراد الطرف ما رد طرفه بع

:وله أيضا يف عبد العزيزنن ظاهره... لعبد العزيز على قومه وغريهم م ودارك مأهولة عامره... ففبا بك ألني أبواهبم

من األم بابنتها الزائرة... وكلبك أرأف باملعتفني ن أندى من الليلة املاطرة.. .وكفك حني ترى السائلي

ا الثناء بكل محبرة سائرة... فمنك العطاء ومن :وآلخر أيضا

وكأن بابك جممع األسواق... ما يل أرى أبواهبم مهجورة يلة العشاق... إني رأيتك للمكارم عاشقا واملكرمات قل

:وللتيمي ري الزحامواملنهل العذب كث... يزدحم الناس على بابه

:وألشجع بن عمرو السلمي عالمات من البذل... على باب ابن منصور ب جودا كثرة األهل... مجاعات وحسب الب

:وأنشدت لعمارة بن عقيل، يف خالد بن يزيد إال جتنب كل أمر عائب... تأىب خالئق خالد وفعاله

ن الغذاء برغم أنف احلاجبأذ... وإذا حضرنا الباب عند غدائه :وأنشدت لبعضهم

إذا تغذى رفعت ستوره... أبلج بني حاجبيه نوره :ولثابت قطنة، يف يزيد بن املهلب

إىل الناس أن كنت األمري املتوجا... أبا خالد زدت احلياة حمبة وبابك مفتوح ملن خاف أو رجا... وحق هلم أن يرغبوا يف حياهتم وتؤمن ذا اإلجرام إن كان محرجا... تزيد الذي يرجو نداك تفضال

Page 144: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

من أمل حجابه ومل يذم عليهحضر أبو سفيان بن حرب باب عثمان بن عفان رضي اهللا عنه، فحجب عنه، فقال له رجل يغريه : املدائين قال

.من إذا شاء أن حيجبين حجبين ال عدمت من قومي: حجبك أمري املؤمنني يا أبا سفيان؟ فقال: به :وأنشدين الطائي يف إسحاق بن إبراهيم املوصلي

وجوده ملراعي جوده كثب... يا أيها امللك املأمول نائله إن السماء ترجى حني حتتجب... ليس احلجاب مبقص عنك يل أمال

:وله أيضا يف مالك بن طوق حوادث الدهر أعالها وأسفلها... ت قل البن طوق رحى سعد، إذا خبط

حلما، وكيسها علما ودغفلها... أصبحت حامتها جودا، وأحنفها عني وقد طال ما استفتحت مقفلها... ما يل أرى احلجرة الفيحاء مقفلة

وليس يل عمل زاك فأدخلها... كأهنا جنة الفردوس معرضة :روأليب عبد الرمحن العطوي يف ابن املدب

مألت بعذر منك مسع لبيب... إذا أنت مل ترسل وجئت فلم أصل وال ناظرا إال بعني غضوب... قصدتك مشتاقا فلم أر حاجبا

طلوع رقيب أو نهوض حبيب... كأين غرمي مقتض أو كأنين على شكر بسط الراحتني وهوب... فقمت وقد فك احلجاب عزمييت

أصالة رأي أو وقار مشيب... اإلخالص ما ردع اهلوى علي له :وأنشدين اخلثمعي

ث ومن شئت فاختذ يوابا... كيفما شئت فاحتجب يا أبا اللي ن وأسبلت دوهنا األحسابا... أنت لو كنت دون أعراض قحطا

ك يقينا ولو أطلت احلجابا... لرأيناك يف مرايا أيادي :بالذري يف عبيد اهللا بن حيىي بن خاقانوأنشدين ال

عار عليك يد الزمان وعاب... قالوا اصطبارك للحجاب وذله أو كاذب عند الكرمي جواب... فأجبتهم ولكل قول صادق ليست له منن علي رغاب... إين ألغتفر احلجاب ملا جد دون العرف منه حجابضعة، و... قد يرفع املرء اللئيم حجابه

من دونه ستر وأغلق باب... واحلر مبتذل النوال وإن بدا .مت كتاب احلجاب، وهللا احلمد واملنة، وبيده احلول والقوة، والل سبحانه املوفق للصواب برمحته

ر اجلاحظ أيضا، من كالم أيب عثمان عمرو بن حب" مفاخرة الغلمان واجلواري " يتلوه إن شاء اهللا تعاىل كتاب .واهللا املستعان وعليه التكالن، إنه مسيع جميب الدعاء

.واحلمد هللا أوال وآخرا، وصلواته على سيدنا حممد نبيه وآله وصحبه وسالمه، وهو حسبنا ونعم الوكيل

Page 145: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الرسالة الثالثة عشرة

كتاب مفاخرة اجلواري والغلمان

بسم اهللا الرمحن الرحيم

.وإياه نستهدي، وعليه نتوكلباهللا نستعني، وإذا . إن لكل نوع من العلم أهال يقصدونه ويؤثرونه، وأصناف العلم ال تحصى، منها اجلزل ومنها السخيف

كان موضع احلديث على أنه مضحك ومله، وداخل يف باب حد املزج، فأبدلت السخافة باجلزالة انقلب عن .ضع على أن يسر النفوس يكربها ويغمهاجهته، وصار احلديث الذي و

ومن كان صاحب علم ممرنا موقحا، إلف تفكري وتنقيب ودراسة، وحلف تبين، وكان ذلك عادة له، مل يضره فإن األمساع قد متل األصوات املطربة، . النظر يف كل فن من اجلد واهلزل؛ ليخرج بذلك من شكل إىل شكل

.تار الفصيحة، واألغاين احلسنة، إذا طال ذلك عليهاواألوإني ألستجم نفسي ببعض الباطل خمافة أن أمحل عليها من : " وقد روي عن أيب الدرداء رضي اهللا عنه أنه قال

.احلق ما يملها "

ا من كل شيء العلم أكثر من أن يحصى، فخذو: " وقد روي عن علي بن أيب طالب رضي اهللا عنه أنه قال " .أحسنه

.إن القلوب متل األبدان، فابتغوا هلا طرائف احلكمة : " وروي عن الشعيب أنه قال " وأكثر من جتده كذلك فإمنا هو . وبعض من يظهر النسك والتقشفإذاذكر احلر واألير والنيك تقزز وانقبض

.ار، إال بقدر هذا التصنعرجل ليس معه من املعرفة والكرم، والنبل والوق :ولو علم أن عبد اهللا بن عباس أنشد يف املسجد احلرام وهو محرم

إن تصدق الطير ننك مليسا... وهن ميشني بنا مهيسا .إمنا الرفث ما كان عند النساء: فقال! إن هذا من الرفث: فقيل له

من يف هذه : بعض أهل البصرة، ومل يكن يف حسبه بذاك، فقال وقول علي رضوان اهللا عليه ودخل على " .من يطل أير أبيه ينتطق به : " فقال. عقائل من عقائل العرب: البيوت؟ فقال

.فعلى علي يف التنزه يعول: " ى اهللا عليه وسلموقول أيب بكر الصديق رضي اهللا عنه لبديل بن ورقاء يوم احلديبية، وقد هتدد رسول اهللا صل

.عضضت ببظر الالت، أحنن خنذله؟ " ! .وأنت يا ابن مقطعة البظور ممن يكثر علينا: " وقول محزة بن عبد املطلب رضي اهللا عنه " !

" .من عذيري من ابن أم سباع مقطعة البظور : " وحديث مرفوع .ولو تتبعت هذا وشبهه وجدته كثريا

ت هذه األلفاظ ليستعملها أهل اللغة، ولو كان الرأي أال يلفظ هبا ما كان ألول كوهنا معىن، ولكان وإمنا وضع

Page 146: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.يف التحرمي والصون للغة العرب أن ترفع هذه األمساء واأللفاظ منها.لكل مقام مقال : " وقد أصاب كل الصواب من قال "

قول امرأة رفاعة القرظي تجبهه عند رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم غري ولو كان ممن يتصوف ويتقشف، علم ورسول - إني تزوجت عبد الرمحن بن الزبري، وإنما معه مثل هدبة الثواب، وكنت عند رفاعة فطلقين : حمتشمة

ترجعي إىل رفاعة؟ ال، تريدين أن: " فقال -اهللا صلى اهللا عليه وسلم ما يزيد على التبسم حىت قضت كالمها . حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك ورواه ابن املبارك عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة "

.رضي اهللا عنها لعلم أنه على سبيل التصنع والرياء .بذكره حتى يصعد ولو مسعوا حديث ابن حازم حني زعم أنه يقيم ذكره ويصعد السلم وامرأته متعلقة

: قال. يا بين إذا خلوت فاصنع ما أحببت: أنخر عند اجلماع؟ قال: وحديث ابن أخي أيب الزناد إذ يقول لعمه !.يا بين، لو رأيت عمك جيامع لظننت أنه ال يؤمن باهللا العظيم: يا عم، أتنخر أنت؟ قال .وهذان من ألفاظ املجان

اللهم قو ذكري على نكاح ما أحللت : صاحلني من التابعني رمحه اهللا، أنه كان يقول يف دعائهوروي عن بعض ال .يل

وحنن مل نقصد يف ذكرنا هذه األخبار الرد على من أنكر هذهذ األمور، ولكنا ملا ذكرنا اختصام الشتاء مبثل ذلك، أحببنا أن نذكر ما جرى والصيف، واحتجاج أحدمها على صاحبه، واحتجاج صاحب املعز والضأن

بني الالطة والزناة، وذكرنا ما نقل حمال اآلثار وروته الرواة، من األشعار واألمثال، وإن كان يف بعض .البطاالت، فأردنا أن نقدم احلجة ملذهبنا يف صدر كتابنا هذا

.أييد والعصمة، ونسأله السالمة يف الدين والدنيا برمحتهونعوذ باهللا أن نقول ما يوتغ ويردي، وإليه نرغب يف التكأنها غالم، : إن من فضل الغالم على اجلارية أن اجلارية إذا وصفت بكمال احلسن قيل): صاحب الغلمان(قال

.ووصيفة غالمية :قال الشاعر يصف جارية

وتفتري املبتلة اللعوب... هلا قد الغالم وعارضاه :وقال

م... فطب حلديث من ندمي موافق وساقية بين املراهق واحلل وبني النحيف اجلسم واحلسن اجلسم... إذا هي قامت والسداسي طاهلا

:وقال والبة بن احلباب من التكريه قاتلة الكالم... ومرياثية متشي اختياال

صر بالغالمإليه ومل أق... هلا زي الغالم ومل أقسها :وقال عكاشة

يف زي ذي ذكر سيماه سيماها... مطمومة الشعر يف قمص مزررة

Page 147: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

: وقال تبارك وتعاىل" يطوف عليهم غلمان هلم كأهنم لؤلؤ مكنون : " وأكثر من قول الشاعر قول اهللا عز وجل .م يف غري موضع من كتابه، وشوق إليهم أولياءهفوصفه" . بأكواب وأباريق . يطوف عليهم ولدان مخلدون"

قد ذكر اهللا جل امسه احلور العني أكثر مما ذكر الولدان، فما حجتك يف هذا إال ): صاحب اجلواري(قال .كحجتنا عليك

ليت حرم اهللا تعاىل؛ منها اإلشراك باهللا، وقتل النفس ا: ومما صان اهللا به النساء أنه جعل يف مجيع األحكام شاهدينوجعل الشهادة على املرأة إذا رميت بالزىن أربعة جمتمعني غري مفترقني يف موضع، يشهدون أنهم رأوه مثل امليل

ا إراد اهللا من إغماض هذا احلد إذ جعل فيه الشدخ باحلجارة. يف املكحلة .وهذا شيء عسري؛ مل .وإمنا خلق اهللا الرجال بالنساء

ومىت أردهتا من قدام أو . ح اجلارية أطيب، وثياهبا أعطر، ومشيتها أحسن، ونغمتها أرق، والقلوب إليها أميلوري :خلف من حيث حيسن وحيل وجدت ذلك كما قال الشاعر

أمرين كالغصن يف تثنيها... وصيفة كالغالم تصلح لل إيها: سنهاملا استتمت يف ح... أكملها اهللا مث قال هلا

ونظر بعض احلاج إىل جارية كأهنا دمية يف حمراب، قد أبدت عن ذراع كأنه جمارة، وهي تكلم بالرفث، : قاللست حاجة، وإمنا حيج اجلمل، ألست تراين جالسة وهو : قالت! يا هذه، تكلمني مبثل هذا وأنت حاجة: فقال :أنا من اللوايت وصفهن الشاعر فقال: ؟ قالتوحيك، مل أر مثلك فمن أنت: قال! ميشي

فلو جن إنسان من احلسن جنت... ودقت وجلت واسبكرت وأكملت إن أهل اجلنة يدخلوهنا جردا : " إن أحدا ال يدخل اجلنة إال أمرد، كما جاء يف احلديث): صاحب الغلمان(قال

:د أميل، وله أشهى، كما قال األعشىوالنساء إىل املر" . مكحلني فقد الشباب وقد يصلن األمردا... وأرى الغواين ال يواصلن امرأ

:وقال امرؤ القيس حبيبا إىل البيض األوانس أملسا... فيا رب يوم قد أروح مرجال وال من رأين الشيب فيه وقوسا... أراهن ال يحبنب من قل ماله

:علقمة بن عبدة وقال بصري بأدواء النساء طبيب... فإن تسألوين بالنساء فإنين

فليس له يف ودهن نصيب... إذا شاب رأس املرء أو قل ماله وشرخ الشباب عندهن عجيب... يردن ثراء املال حيث علمنه

حببت إيل النساء والطيب، : " عليه وسلمفإن احلديث قد جاء عن الرسول صلى اهللا): صاحب اجلواري(قال وقد فنت بالنساء األنبياء عليهم السالم، . ومل يأت للغلمان مثل هذه الفضيلة" . وجعل قرة عيين يف الصالة

.منهم داود، ويوسف، عليهما السالمإال هبن، وقد جاء يف ذلك من التغليظ لو مل يكن من بلية النساء إال أن الزىن ال يكون): صاحب الغلمان(قال

وال تقربوا الزىن إنه كان : " قال اهللا تبارك وتعاىل. ما مل يأت يف غريه يف الكتاب نصا، ويف الروايات الصحيحةلد فيه يضاعف له العذاب يوم القيامة وخي. وال يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما: " ، وقال" فاحشة وساء سبيال

Page 148: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وقد جعل " . الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وال تأخذكم هبما رأفة : " ، وقال" مهانا بينهما إذا مل يكن شهود التالعن والفرقة يف عاجل الدنيا، إىل ما أعد للكاذب منهما من اللعن والغضب يف

.اآلخرةوقد روي عن علي بن . جعل اهللا من احلد على الزاين إال ما جعل على اللوطي مثلهما ): صاحب اجلواري(قال

هكذا يرمى به يف نار : " أيب طالب رضي اهللا عنه؟، أنه أيت بلطي، فأصعد املئذنة مث رمي منكسا على رأسه، وقال " .جهنم

.ي فعرقب عليه حائطاوحدث عن أيب بكر، رضي اهللا عنه، أنه أيت بلوط .وحديث أيب بكر أيضا رضي اهللا عنه، أن خالد بن الوليد كتب إليه يف قوم الطوا فأمر بإحراقهم

.وأحرقهم هشام بن عبد امللك، وأحرقهم خالد بن عبد اهللا بأمر هشامء وكل قطرة يف األرض مل يزل ويف احلديث جماهد أن الذي يعمل عمل قوم لوط لو اغتسل بكل قطرة من السما

.جنسا

.اللوطي يرجم، أحصن أو مل يحصن؛ سنة ماضية : " وحديث الزهري " ة أن عليا رمحه اهللا رجم لوطيا وقال لعن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الذكرين : " وروي عن احلكم بن عتيب

" .يلعب أحدمها باآلخر .لعن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم املؤنثني من الرجال، واملذكرات من النساء : " قالوحديث أنس "

سلمة زوج النيب " هيت " وقد نفى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم خمنثا من املدينة يقال له ومسعه يقول ألم " صلى اهللا عليه وسلم اء مشوع، إذا قامت تثنت، وإذا إذا فتحتم الطائف فعليك بادية بنت غيال: ن، فإهنا هيف

فقال رسول اهللا " . تكلمت تغنت، تقبل بأربع وتدبر بثمان، وبني رجليها كاإلناء املكفوء، فزوجيها عمر ابنك " صلى اهللا عليه وسلم .دينةفنفاه عن امل! " . لقد تغلغلت يف النظر يا عدو اهللا، وما ظننتك من ذوي اإلربة:

من عيوب املرأة أن الرجل إذا صاحبها شيبت رأسه، وسهكت رحيه، وسودت لونه، ): صاحب الغلمان(قال وكم من رجل تاجر . وهن مصايد إبليس وحبائل الشيطان، يتعنب الغين، ويكلفن الفقري ما ال جيد. وكثر بوله

.و جلس يف بيته، أو أقامته من سوقه ومعاشهمستور قد فلسته امرأته حتى هام على وجهه، أ " .ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء : " وقال النيب صلى اهللا عليه وسلم

" قد جاء احلديث عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قال): صاحب اجلواري(قال تزوجوا فإني مكاثر بكم : " .األمم

" وجاء عنه .يعين النكاح" . تم غزوكم فالكيس الكيس إذا قضي: .مسكينة مسكينة امرأة ال بعل هلا . مسكني رجل ال زوجة له: " وقال النيب صلى اهللا عليه وسلم " " .وإياكم والعجز العقر . تزوجوا والتمسوا الولد؛ فإنهم مثرات القلوب: " وجاء عنه صلى اهللا عليه وسلم

. صلى اهللا عليه وسلم أكثر أهل عصره نساء، وكذلك كانت األنبياء عليهم السالم قبلهوكان رسول اهللا .وقد أنبأك اهللا عز وجل خبري داود عليه السالم يف القرآن، وما روي أنه كان لسليمان عليه السالم

.وقد تزوج ابن مسعود يف مرضه الذي مات فيه

Page 149: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ال ألقى اهللا تعاىل : وقال معاذ .وأنا عزبزوجوين .إين ألجهد نفسي يف النكاح حتى يخرج اهللا مين نسمة تسبحه: وروي عن عمر رضي اهللا عنه أنه قال

.عليكم باألبكار الشواب؛ فإهنن أطيب أفواها، وأنتق أرحاما: وروي أنه قال .واحلديث يف هذا أكثر من أن نأيت عليه

اري أن الرجل إذا اشترى الوصيفة إىل أن يستربئها حمرم عليه أن إن من عيوب اجلو):صاحب الغلمان(قال :وقد قال الشاعر. يستمتع بشيء منها قبل ذلك والوصيف ال حيتاج إىل ذلك

ألنك ال حتيض وال تبيض... فديتك إمنا اخترناك عمدا فأما اليت يف الدنيا فيذهب . آلخرةثالث يف الدنيا وثالث يف ا: وقد جاء يف احلديث أن الزىن فيه ست خصال

.وأما اللوايت يف اآلخرة فاحلساب، والعذاب، ودخول النار. بالبهاء، ويعجل الفناء، ويقطع الرزق من السماء .إن ألهل النار صرخة من ريح الزناة: وروي عن جماهد، قال

.إن أهل النار ليتأذون بريح الزناة: وقالواوحنن نعد من الشعراء خاصة اإلسالميني مجاعة، منهم . مل نسمع بعاشق قتله حب غالم): واريصاحب اجل(قال

مجيل بن معمر قتله حب بثينة، وكثير قتله حب عزة، وعروة قتله حب عفراء، وجمنون بين عامر هيمته ليلى، تلته ه هؤالء من أحصينا، . ند، والغمر بن ضرار قتلته جملوقيس بن ذريح قتلته لبىن، وعبد اهللا بن عجالن ق

.ومن مل نذكر أكثر

لو نظر كثير ومجيل وعروة، ومن مسيت من نظرائهم، إىل بعض خدم أهل عصرنا ممن ): صاحب الغلمان(قال ثينة وعزة قد اشترى باملال العظيم فراهة وشطاطا ونقاء لون، وحسن اعتدال، وجودة قد وقوام، لنبذوا ب

ولكنك احتججت علينا بأعراب أجالف جفاة، غذوا بالبؤس . وعفراء من حالق، وتركوهن مبزجر الكالبوالشقاء ونشؤوا فيه، ال يعرفون من رفاعة العيش ولذات الدنيا شيئا، إنما يسكنون القفار، وينفرون من الناس

وينقفون احلنظل، وإذا بلغ أحدهم جهده بكى على الدمنة ونعت كنفور الوحش، ويقتاتون القنافذ والضباب،نعم حتى يشبهها باحلية، ويسميها شوهاء وجرباء، خمافة . املرأة، ويشبهها بالبقرة والظبية، واملرأة أحسن منهما

.العني عليها بزعمهفأجادوا، وقدموهم على اجلواري، يف اجلد فأما األدباء والظرفاء فقد قالوا يف الغلمان فأحسنوا، ووصفوهم

.منهم واهلزل :وقال الشاعر يصف الغالم غريب احلسن يف قد غريب... شبيه بالقضيب وبالكثيب ونيط حبقوه دعص الكثيب... براه اهللا بدرا فوق غصن فما تعدوه أهواء القلوب... أغن تولد الشهوات منه

مسلمة الضمري من الذنوب... ففاتت وما اكتحلت به عني ومل أدنس به دنس املريب... شغلت به اهلوى ونزعت عنه

:وقال آخر

Page 150: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

سوالف أدمانه... كلفت بظيب له على شعبيت بانه... قضيب على رملة

وألفاظ إنسانه... له حلظ وحشية :وقال أبو نواس

وغري أطالل مي باجلرد... سقيا لغري العلياء والسند جدت اللوى مرة فال تعد... ويا صبيب السحاب إن كنت قد

بلدان كانت زيادة الكبد... ال تسقني بلدة إذا عدت ال يكن مفرى منه إىل الصرد... إن أحترز من الغراب هبا

قدأذنيك إال تصايح الن... حبيثث ال جتلب الفجاج إىل فهر ملحا به على وتد... أحسن عندي من انكبابك بال

وسري كأس إىل فم بيد... وقوف رحيانة على أذن منتسب عيده إىل األحد... يسقيكها من بين العباد رشا

صلب فوق اجلبني بالزبد... إذا بىن املاء فوقها حببا ضابا جيري على بردفيه ر... أشرب من كفه الشمول ومن ربع وأمنى يف الروح واجلسد... فذاك خري من البكاء على ال

:فقد قال أبو نواس احلكمي شاعركم أيضا): صاحب اجلواري(قال واشرب على الورد من محراء كالورد... ال تبك ليلى وال تطرب إىل هند

محرهتا يف العني واخلد رأيت... كأسا إذا احندرت يف حلق شارهبا من كف لؤلؤة ممشوقة القد... فاخلمر ياقوتة والكأس لؤلؤة

د... تسقيك من عينها سحرا ومن يدها مخرا فما لك من سكرين من ب شيء خصصت به من بينهم وحدي... يل نشوتان وللندمان واحدة

:وقال أيضا وداوين باليت كانت هي الداء. ..دع عنك لومي فإن اللوم إغراء

لو مسها حجر مسته سراء... صفراء ال تنزل األحزان ساحتها لوطي وزناء: هلا محبان... من كف ذات حر يف ذي ذكر

فظل من وجهها يف البيت ألالء... قامت بإبريقها والليل معتكر ما أخذها بالعني إغفاءكأن... فأرسلت من فم اإلبريق صافية

فما يصيبهم إال مبا شاءوا... يف فتية زهر ذل الزمان هلم كانت تكون هبا هند وأمساء... لتلك أبكي وال أبكي ملنزلة

:وقال النظام.....قال صاحب الغلمان وجل عن وصفك الضمري... بان بك الشكل والنظري

صغري أمر وال كبري.. .فليس يخطيك يف امتحان

Page 151: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

جسما على أنه منري... خلقت من مثل ال عيان وأنت عند اللحاظ نور... فأنت عند اجملس نار :وقال أبو هشام اخلراز

ملا قصرن الصفات عن كنهه... يا من تعدى العباد من شبهه رههمكتحال راح أو على م... ويا غزاال يسيب بلحظته يوشك يفين النفوس يف نزهه... جيعل قتل النفوس نزهته والقلب يف كربه ويف وهله... لبيك داع دعا فقلت له طوعا ومل يأتكم على كرهه... هذا فؤادي أتاك مبتدعا يا بوس قلب يذوب من شرهه... يشره منكم إىل مواصلة

أعيا عليه وصال منتبهه. ..فاآلن قل للخيال يطرق من :وقال احلكمي

عفى عليه بكا عليك طويل... رسم الكرى بني اجلفون محيل حتى تشحط بينهن قتيل... يا ناظرا ما أقلعت نظراته

ا حلها املشروب واملأكول... أحللت من قليب هواك حملة م :وقال أيضا

جفوته يل كان أشهى... يل حبيب كلما زاد يف نظرت عيناك منه كان وجها... هو وجه كله يف كل ما

أيها من أيها يف العني أهبى... وكذا الدرة ال يدري الفىت :وقال أيضا

وصفات ما ألقى من البلوى... أفنيت فيك معاين الشكوى أبصرتين أغفلت عن معىن... قلبت آفاق الكالم فما

فأعود فيه مرة أخرى... ما ال أشتكي غبنا وأعد ألراحين ظني من الشكوى... فلو أن ما أشكو إىل بشر

تنبو املعاول عنه بل أقسى... لكنين أشكو إىل حجر .فهذا وشبهه من الشعر كثري

:وإذا جئت إىل أصحاب اهلزل كقول بعضهم ممن ذم النساء سقين يا ابن مصعبوا... هذه اخلمر فاشرب

من لقب معذب: ... اسقنيها وغنين رب راج جمنب... طمعت يف طفلة تنقيب: أسفرت يل... قلت ملا رأيتها

إصبعي جحر عقرب... لست واهللا مدخال :وقال آخر

Page 152: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وال أبيع الظيب باألرنب... ال أبتغي باملرد مطمومة أخشى من احلية واالعقرب... يدي طائعا ال أدخل اجلحر

:وقال آخر نيكه عندي مساجة... ليس يل يف احلر حاجة

كل ذي فقر وحاجة... ما ينيك الر إال أمردا يف لون عاجة... فإذا نكتم فنيكوا :وقال يوسف لقوه

عند أيري بعرتني... ما يساوي نيك أنثى دين بعد دين حل... إنما نيك اجلواري

غري ريح اخلصيتني... ليس لألير حياة :وهو الذي يقول

إن اللواط سجية يف الكاتب... وعلى اللواط فال تلمن كاتبا وعن اخلصى ما عاش ليس بتائب... ولقد يتوب من احملارم كلها،

:وقال احلكمي والفكاتأخذ مني العني... للطمة يلطمين أمرد

معضوضة قد ملئت مسكا... أطيب من تفاحة يف يدي :وقال آخر

وإن يلط عزب ال يرجم العزب... إن تزن حمصنة ترجم عالنية :وقال آخر

ه... أيسر ما فيه من مفاضلة طمثه ومن حبل أمنك من اجلد واهلزل فأحسنوا، كما قالت الشعراء يف وهذا قليل من كثري ما قالوا، فقد قالت الشعراء يف الغالم يف .الغزل والنسيب، وال يضري احملسن منهم أقدميا كان أو حمدثا

أما أنت فحيث اجتهدت واحتفلت جئت باحلكمي، والرقاشي، ووالبة، ونظرائهم من ): صاحب اجلواري(قال سقاط عند أهل املروءات، أوضاع عند أهل الفساق واملرغوب عن مذهبهم، الذين نبغوا يف آخر الزمان،

.الفضل؛ ألنهم وإن أسهبوا يف وصف الغلمان، فإمنا ميدحون اللواط ويشيدون بذكره

ا عجل هلم من اخلزي والقذف باحلجارة، إىل ما أعد هلم وقد علمت ما قال اهللا تبارك وتعاىل يف قوم لوط، وما قبح فمن أسوأ حاال. من العذاب األليم ا ذمه اهللا، وحسن م وأين قول من مسيت من قول األوائل ! ممن مدح م

هن، ومن أجلهن! يف الغزل والنسيب والنساء وهل ذمت ! وهل كان البكاء والتشبيب والعويل إال فيهن وعلين األولني واآلخرين، امرؤ قال شاعر الشعراء م. العرب الشيب مع اخلصال احملمودة اليت فيه إال لكراهتهن له

:القيس وال من رأين الشيب فيه وقوسا... أراهن ال يحبنب من قل ماله

Page 153: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وقال علقمة بن عبدة الفحل، وكان نظري امرؤ القيس يف عصره فليس له يف ودهن نصيب... إذا شاب رأس املرء أو قل ماله

الشباب عندهن عجيب وشرخ... يردن ثراء املال حيث علمنه وأين قول من ذكرت يف صفات الغلمان من قول امرؤ . وما قالت القدماء يف النسيب أكثر من أن نأيت عليه

:القيس يف التشبيب حيث يقولل... وما ذرفت عيناك إال لتضريب بسهميك يف أعشار قلب مقت

مري القلب يفعلوأنك مهما تأ... أغرك مني أن حبك قاتلي :وقول األعشى

ر... لو أسندت ميتا إىل حنرها عاش ومل ينقل إىل قاب يا عجبا للقاتل الناشر... حتى يقول الناس مما رأوا

:وقال جرير وشال بعينك ال يزال معينا... إن الذين غدوا بلبك غادروا ا ماذا لقيت من... غيضن من عرباهتن وقلن يل اهلوى ولقين

:وقال مجيل قتيال بكى من حب قاتله قبلي... خليلي فيما عشتما هل رأيتما

:وقال القطامي من يتقني وال مكنونه بادي... يقتلننا حبديث ليس يعلمه

مواقع املاء من ذي الغلة الصادي... فهن ينبذن من قول يصبن به !.اإلسالم، فأين قول من احتججت به من قوهلمفهؤالء القدماء يف اجلاهلية و

وأين يقع قوله من قول األوائل الذين شببوا . وال نعلم أحدا قال يف الغالم ما قال احلكمي وهو من احملدثني .فدع عنك الرقاشي ووالبة واخلراز ومن أشبههم؛ فليست لك علينا حجة يف الشعراء! بالنساءلشعر بقرحيته وطبعه واستغىن بنفسه، كمن احتاج إىل غريه يطرد شعره، وحيتذي مثاله، ليس من قال ا: وأخرى

.وال يبلغ معشارهظلمت يف املناظرة ومل تنصف يف احلجة؛ ألن مل ندفع فضل األوائل من الشعراء، إنما ): صاحب الغلمان(قال

يش وال لذات الدنيا؛ ألن أحدهم إذا اجتهد عند نفسه قلنا إهنم كانوا أعرابا أجالفا جفاة، ال يعرفون رقيق العفإن وصفها باالعتدال يف اخللقة شبهها بالقضيب، وشبه ساقها . شبه املرأة بالبقرة، والظبية، واحلية

.بالبردية؛ألنهم مع الوحوش واألحناش نشؤوا، فال يعرفون غريها .من البقرة، وأحسن من الظبية، وأحسن من كل شيء شبهت به وقد نعلم أن اجلارية الفائقة احلسن أحسن

كأنها القمر؛ وكأنها الشمس؛ فالشمس وإن كانت حسنة فإمنا هي شيء واحد، ويف وجه : وكذلك قوهلمومن يشك أن عني اإلنسان أحسن . اإلنسان اجلميل ويف خلقه ضروب من احلسن الغريب، والتركيب العجيب

!.ن عني الظيب والبقرة، وأن األمر بينهما متفاوتم .وهذه أشياء يشترك فيها الغلمان واجلواري، واحلجة عليك مثل احلجة لك يف هذه الصفات

Page 154: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فإن . وأما احتجاجك علينا بالقرآن واآلثار والفقهاء، فقد قرأنا مثل ما قرأت، ومسعنا من اآلثار مثل ما مسعت :كما قال الشاعر. نيا تذهب، ولذاهتا تريد، فالقول قولناكنت إىل سرور الد

فإن تولى فزمان املدام... ما العيش إال يف جنون الصبا مخسا تردى برداء الغالم... كأسا إذا ما الشيخ واىل هبا

فإن أنصفت . ء وغريهن أفضلوإن كنت إىل التقشف والتزهيد يف اللذات تعمد فترك مجيع الشهوات من النساومثلنا ومثلك يف ذلك . فأما أن تتلو علينا القرآن وتأتينا بأحاديث ألفتها فهذا منك انقطاع. فأتنا مبثل حجتنا

:مثل بصري وكويف تفاخرا بعدد أشراف أهل البصرة وأشراف أهل الكوفة، فقال البصري للكويف

يف متيم الكوفة مثل األحنف، ويف بكر : بعة رجال بالبصرة يف أربع قبائلهات يف أربع قبائل الكوفة مثل أر .الكوفة مثل مالك بن مسمع، ويف قيس الكوفة مثل قتيبة بن مسلم، ويف أزد الكوفة مثل املهلب

.خمنف بن سليم من أزد السراة، وهم أشرف من أزد عمان: فقال الكويفقبائل وفرق ما بينهما، فإمنا ذكرنا املهلب بنفسه، وما علمت أن أحدا يبلغ إنا مل نكن يف شرف ال: فقال البصري

وأخمل رجل من ولد املهلب أشهر يف الواليات ويف . من جهله أن يفخر مبخنف بن سليم فيفضله على املهلبتوحه أكثر وأشهر واملهلب رجل ليس له بالعراق نظري يقاومه، ومناقبه وأيامه وف. الفرسان ويف الناس من خمنف

ولو مل يكن للمهلب إال أنه ولد يزيد " . بصرة املهلب : " وما زالوا يقولون. من أن جيوز لنا أن جنعله إزاء خمنففزارة أشرف من : ليس يف قيس الكوفة مثل قتيبة بن مسلم، قال قائل: وحنن إذا قلنا. بن املهلب كان كافيا

فإنما املعارضة أن تذكر أمساء بن خارجة مث تقول ونقول، فنذكر فتوح قتيبة ليس هذه معارضة؛ : قلنا. باهلةالعظام، والشهامة والنفس األبية، والشجاعة واحلزم والرأي، والوفاء، وشرف الوالية، ونذكر سودد أمساء،

نف إىل أزد عمان وأزد فأما أن نتخطى أنفسهما إىل قبائلهما كما ختطيت بدن املهلب وبدن خم. وجوده ونواله .السراة، فهذا ليس من معارضة العلماء

بن : وكذلك إذا ذكرنا عباد البصرة وزهادها ونساكها فقلنا لنا مثل عامر بن عبد قيس، وهرم بن حيان، وصلة .وهذا جواب. عيأويس القرين، والربيع بن خثيم، واألسود بن يزيد النخ: فعباد الكوفة: قلت. أشيم

فأما أن تذكر طيب الدنيا والتمتع من لذاهتا وصفات حماسنها، وتذكر ظرفاءها وأرباهبا، وجتيئنا بأحاديث الزهاد .والفقهاء، فقد انقطع احلجاج بيننا وبينك

ا يف صدر كتابنا اجلد، تغير إن الكالم إذا وضع على املزح واهلزل، مث أخرجته عن ذلك إىل غريه من: وقد قلن .معناه وبطل

ا يا أبا عبد اهللا، ما اللذة؟ : فقال له -وعنده شباب من قريش -وقد روي أن معاوية سأل عمرو بن العاص يوم" فلما قاموا قال. مر شباب قريش فليقوموا: فقال .إسقاط املروءة : "

:قال الشاعر يف مثل ذلكا اللذة اجلسوروفاز ب... من راقب الناس مات غم

:وقال احلكميا غلب الصرب... جتاسرت فكاشفة ك مل

Page 155: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ك أن ينهتك الستر... وما أحسن يف مثل لو مل يكن حالل وال حرام، وال ثواب وال عقاب، : فنحن نترك ما أنكرت علينا ونقول): صاحب اجلواري(قال

، داال على أن االستمتاع باجلارية أكثر وأطول مدة؛ ألنه لكان الذي يحصله املعقول ويدركه احلس والوجدانفإن أردت . أقل ما يكون التمتع هبا أربعون عاما، وليس جتد يف الغالم معىن إال وجدته يف اجلارية وأضعافه

وذلك معدوم يف وإن أردت العناق فالثدي النواهد، . التفخيذ فأرداف وثرية، وأعجاز بارزة ال جتدها عند الغالمفإن أتوه يف حماشه حدث هناك من الطفاسة . وإن أردت طيب املأتى فناهيك، وال جتد ذلك عند الغالم. الغالم

.والقذر ما يكدر كل عيش، وينغص كل لذةلة احلشن ويف اجلارية من نعمة البشرة ولدونة املفاصل، ولطافة الكفني والقدمني، ولني األعطاف، والتثني وق

: ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وطيب العرق ما ليس للغالم، مع خصال ال حتصى، كما قال الشاعر... ... ... ...

.يصف جودة القد وحسن اخلرط، ويفرق بني اجملدولة والسمينةوسيفانة، وكأهنا جان، خمصانة: يريدون جودة العصب وقلة االسترخاء، ولذلك قالوا" جمدولة " وقوهلم

والتثين يف مشية اجلارية أحسن ما فيها، وذلك يف الغالم عيب؛ . وكأنها جدل عنان، وكأنها قضيب خيزران :ألنه بنسب إىل التخنيث والتأنيث وقد وصفت الشعراء اجملدولة يف أشعارها، فقال بعضهم

جيد ومذرف ومن رشأ األقواز... هلا قسمة من خوط بان ومن نقا :وقال آخر

إذا مشت أقعدها ما خلفها... جمدولة األعلى كثيب نصفها :وقال آخر

ينوء خبصريها ثقال الروادف... وجمدولة جدل العنان إذا مشت :وقال األحوص

ا... من املدجمات اللحم جدال كأنها عنان صناع أنعمت أن ختود

.أيت عليهوقالوا يف ذلك أكثر من ان نوالغالم أكثر ما تبقي هبجته ونقاء خديه عشرة أعوام، إىل أن تتصل حليته وخيرج من حد املرودة، مث هو وقاخ

وقد أغىن اهللا اجلارية عن ذلك، ملا وهب هلا من اجلمال . طورا ينتف حليته، وتارة يهلبها ليستدعي شهوة الرجال .الفائق، واحلسن الرائق

:إن من النساء من يتحسن ويستر عيبه خبضاب الشعر وغريه، كما قال الشاعر: فإن قلت وقد حلب اجلنبان واحدودب الظهر... عجوز ترجى أن تكون فتية ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر... تدس إىل العطار مرية أهلها

.لغالم، لعموم هلب اللحى يف الغلمانقد يفعل ذلك بعض النساء إذا شيبت وليس كا: قلناوذكرت اخلصيان وحسن قدودهم، ونعمة أبشارهم، والتلذذ هبم، وأن ذلك شيء ال تعرفه األوائل، فأجلأتنا إىل

.نصف ما يف اخلصيان وإن مل يكن لذلك معىن يف كتابنا، إذ كنا إمنا نقول يف اجلواري والغلمان

Page 156: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يف اجلملة ممثل به، ليس برجل وال امرأة، وأخالقه مقسمة بني أخالق النساء وأخالق - رمحك اهللا -واخلصي الصبيان، وفيه من العيوب اليت لو كانت يف حوراء كان حقيقا أن يزهد فيها منه؛ ألن اخلصي سريع التبدل

اء وبريقه، إىل التكسر واجلمود والتنقل من حد البضاضة ومالسة اجللد، وصفاء اللون ورقته، وكثر ة املألنك ترى اخلصي وكأن السيوف تلمع يف . والكمود، والتقبض والتجمد والتحدب، وإىل اهلزال وسوء احلال

جمارة، وكأنه قضيب فضة قد مسه ذهب، وكأن يف وجناته الورد فإن . وجهه، وكأنه مرآة صينية، وكأنه .طعن يف السن ذهب ذهابا ال يعود مرض مرضة، أوإن اخلصي إذا قطع ذلك العضو منه قويت شهوته، وقويت معدته، والنت جلدته، : وقال بعض العلماء

واجنردت شعرته، وكثرت دمعته، واتسعت فقحته، ويصري كالبغل الذي ليس هو مجارا وال فرسا؛ ألنه ليس . إىل هؤالء وال إىل هؤالءفهو مذبذب ال. برجل وال امرأة

ويعرض له حب النميمة وضيق . ويعرض للخصي سرعة الدمعة والغضب، وذلك من أخالق النساء والصبيان .الصدر مبا أودع من السر

.ويعرض هلم البول يف الفراش وال سيما إذا بات أحدهم ممتلئا من النبيذا فاهتم من النكاح مع شدة حبهم للنساء، أبغضوا الفحول أشد من تباغض ومما ناله من احلسرة واألسف مل

.األعداء، فأبغضوا الفحول بغض احلاسد لذوي النعمةوزعم بعض أهل التجربة من الشيوخ املعمرين أنهم اعتربوا أعمار ضروب الناس فوجدوا طول أعمار اخلصيان

. وكذلك طول أعمار البغال لقلة النزو. مل جيدوا لذلك علة إال عدم النكاح أعم من مجيع أجناس الرجال، وأهنم .ووجدوا أقل األعمار أعمار العصافري؛ لكثرة سفادها

وهو من النمائم والتحريش واإلفساد بني املرء وزوجه، على ما . مث اخلصي مع الرجال امرأة، ومع النساء رجلويعتريه إذا طعن يف السن اعوجاج يف أصابع . النفاسة واحلسد للفحول على النساءوهذا من . ليس عليه أحد

.اليد، والتواء يف أصابع الرجل: فقالت! تستترين منه وإمنا هو مبنزلة املرأة: ودخل بعض امللوك على أهله ومعه خصي فاستترت منه، فقال هلا

.ليهأملوضع املثلة به حيل له ما حرم اهللا ع .مع أن يف اخلصي عيوبا يطول ذكرها

ولوال خوف املالل والسآمة على الناظر يف هذا الكتاب، لقلنا يف االحتجاج عليك مبا ال يدفعه من كانت به ا أقنع وكفى. مسكة عقل، أو له معرفة .وباهللا الثقة. وفيما قلنا م

البطالني والظرفاء، ليزيد القارئ هلذا الكتاب نشاطا، وقد ذكرنا يف آخر كتابنا هذا مقطعات من أحاديث .ويذهب عنه الفتور والكالل، وال قوة إال باهللا

مرض رجل من عتاة الالطة مرضا شديدا، فأيسوا منه، فلما أفاق وأبل من مرضه، دخل عليه جريانه : قال - ١ن طلب الغلمان واالهنماك فيهم، مع هذه السن اليت قد امحد اهللا الذي أقالك، ودع ما كنت فيه م: فقالوا لهولكني اعتدت هذه الصناعة . جزاكم اهللا خريا؛ فقد علمت أن فرط العناية واملدة دعاكم إىل عظيت: قال. بلغتها

ا أشد فطام الكبري: وأنا صغري، وقد علمتم ما قال بعض احلكماء !.م

Page 157: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:قال الشاعر حىت يواري يف ثرى رمسه... والشيخ ال يترك أخالقه

.فقاموا من عنده آيسني من فالحهكان رجل من الالطة وله بنون هلم أقدار ومروءات، فشاهنم مبشيته مع الغلمان وطلبه هلم، فعاتبوه : قال - ٢

هبكم : فقال. حنن نشتري لك من الوصائف على ما تشتهي، تشتغل هبن، فقد فضحتنا يف الناس: وقالوا .فتركوا عتابه وعلموا أنه ال حيلة فيه! ترون يل ما ذكرمت فكيف لشيخكم حبرارة اجللجلتنيتش .إنما خلق األير للفقحة، مدور ملدورة؛ ولو كان للحر كان على صيغة الطربزين: وقال بعض اللوطيني - ٢

:وقال شاعرهم وجأتأصل احلمارة... إذا وجدت صغريا

قصدت قصد احلرارة... ريا وإن أصبت كب قصدت أو ذا غرارة... فما أبايل كبريا

ما بالك مع مجالك وشرفك ال متكثني مع زوجك إال : وقيل المرأة من األشراف كانت من املتزوجات - ٤ .يريدون الضيق، ضيق اهللا عليهم: يسريا حىت يطلقك؟ قالت

البائسة طلقها : يف بعض الطرقات فسمع امرأة تسأل أخرى عنها فقالتطلق رجل امرأته، فمر رجل : قال - ٥يا أمة اهللا، من شأن النساء التعصب بعضهن لبعض، وأمسعك : فقال هلا. أحسن بارك اهللا عليه: فقالت! زوجها

.قبح وجههايا هذا، لو رأيتها لعلمت أن اهللا تعاىل قد أحل لزوجها الزىن، من : قالت. تقولني ما قلتإن أمرا : فقالت. يا معشر النساء، مالكن مهة إال طلب النيك، ال تؤثرون عليه شيئا: وقال خمنث المرأة - ٦

.انتقلت من شهوته من طبع الرجال إىل النساء حتى عقرت حليتك له، حلقيق أال تالم عليهمل : نث حسن الوجه جدا قد هلب حليته فشان وجهه، فقلت لهنظرت إىل شاب خم: قال إسحاق املوصلي - ٧

يا أبا حممد، أيسرك باهللا أنها يف استك؟ : تفعل هذا بلحيتك، وقد علمت أن مجال الرجال يف اللحى؟ فقال !.ما أنصفتين، أتكره أن يكون يف استك شيء وتأمرين أن أدعه يف وجهي: فقال! ال واهللا: قلتشترى بعض والة العراق قينة مبال كثري، فجلس يوما يشرب وأمرها أن تغنيه، فكان أول صوت ا: وقال - ٨

:تغنت به أرجي ثواب اهللا يف عدد اخلطى... أروح إىل القصاص كل عشية

: لقيه بعد ذلك، فقالفمضى هبا إليه ف. يا غالم، خذ بيد هذه الزانية فادفعها إىل أيب حزرة القاص: فقال للخادما : قال! ما شئت أصلحك اهللا، غري أن فيها خصلتني من صفات اجلنة: كيف رأيت تلك اجلارية؟ فقال ويلك م

.الربد، والسعة: مها؟ قال، مث : قال - ٩ ، فصار هبا إىل منزل صديق له مغن علق رجل من أهل املدينة امرأة فطال عناؤه هبا حتى ظفر هبا

!.لو غنيت يل صوتا إىل وقت جمي صديقك: ري ما حيتاج إليه، فقالت لهخرج يشت :فأخذ العود وتغنى

ومل ترفع لوالدها شنارا... من اخلفرات مل تفضح أخاها

Page 158: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فجهد هبا فأبت وصاحت، ! ويلي ويلي، ال واهللا ال جلست: فأخذت املرأة خفها ولبست إزارها وقالت: قال، فسأله عنها فقال. قهافخشي الفضيحة فأطل : ما هلا ويلك؟ قال: جئتين مبجنونة؛ قال: وجاء الرجل فلم جيدها

سألتين أن أغنيها صوتا ففعلت، فضربت بيدها إىل خفها وثياهبا فلبست وقامت تولول، فجهدت أن أحبسها !.هلا أن هترب حق! لعنك اهللا: وأي شيء غنيتها؟ فأخربه، فقال: قال. فصاحت فخليتها

باهللا عليكم دعوا ذكر احلر لعنه : تواصف قوم اجلماع، وأفاضوا يف ذكر النساء، وإىل جانبهم خمنث فقال: قالتزوج رجل امرأة، فمكثت عنده غري : قال - ١٠! مذ خرجت منه: مىت عهدك به؟ قال: فقال له بعضهم! اهللا

وأي : قال. أصلحك اهللا، إن هذا زوجين امرأة جمنونة: إىل القاضي فقال بعيد، مث أتى الرجل بالذي زوجه فقدمهقم قبحك اهللا : فقال له القاضي. إذا جامعتها غشي عليها حتى أحسبها قد ماتت: شيء رأيت من جنوهنا؟ قال

.وكانت ربوخا. فما أنت ملثل هذه بأهلوجها عمر بن عبيد اهللا بن معمر التيمي، فبينا هي كانت عائشة بنت طلحة من املتزوجات، فتز: قال - ١١

عنده حتدث مع امرأة من زوارها إذ دخل عمر فدعا هبا فواقعها، فسمعت املرأة من النخري والشهيق أمرا رب إن الددواب ال تجيد الش: قالت! أنت يف شرفك وقدرك تفعلني مثل هذا: عجيبا، فلما خرجت قالت هلا

!.إال على الصفري

يا خالة، أتيناك نسألك : وكانت حبي املدينية من املغتلمات، فدخل عليها نسوة من املدينة فقلن هلا: قال - ١٢يا بنايت، خرجت للعمرة مع : عن القبع عند اجلماع يفعله النساء، أهو شيء قدمي أم شيء أحدثه النساء؟ قالت

ا أعجبين أمري املؤمنني عثم ا رجعنا فكنا بالعرج نظر إيل زوجي ونظرت إليه، فأعجبه مين م ان رضي اهللا عنه، فلموكانت مخس مائة -منه فواثبين، ومرت بنا عري عثمان فقبعت قبعة وأدركين ما يصيب بنات آدم، فنفرت العري

.فما التقى منها بعريان إىل الساعة - .كذاك تسميه أهل املدينة. الرهز: والغربلة. ماعالنخري عند اجل: والقبع

.ويقال إن حبي علمت نساء املدينة القبع والغربلةوكانت خليدة امرأة سوداء ذات خلق عجيب، وكان هلا دار مبكة تكريها أيام احلاج، فحج فىت : قال - ١٣

د وقد طاف فأعيا، فلما صعد السطح نظر إىل خليدة من أهل العراق فاكترى منزهلا، فانصرف ليلة من املسجنائمة يف القمر، فرأى أهيأ الناس وأحسنه خلقا، فدعته نفسه إليها فدنا منها، فتركته حىت رفع برجليها فتابعته

ا فرغ ندم فجعل يبكي ويلطم وجهه، فتعاربت وقالت ؟ ما شأنك؟ لسعتك حية: وأرته أهنا نائمة، فناكها، فلمفتنيكين وتبكي؟ أنا واهللا أحق : قال. ال واهللا ولكني نكتك وأنا حمرم: لدغتك عقرب؟ ما بالك تبكي؟ قال

!.قم يا أرعن. بالبكاء منكيا بين، إذا : يا أمه، أي احلاالت أعجب إىل النساء من أخذ الرجال إياهن؟ قالت: وقال ابن حبي ألمه - ١٤

وإذا كانت شابة فامجع فخذيها إىل صدرها . ة مثلي فأبركها وألصق خدها باألرض مث أوعبه فيهاكانت مسن .فأنت تدرك بذلك ما تريد منها وتبلغ حاجتك منها

اشترى قوم بعريا وكان صعبا، فأرادوا إدخاله الدار فامتنع، فجعلوا يضربونه وهو يأىب، فأشرفت : وقال - ١٥نربده على الدخول : ما شأنه؟ فقال هلا بعضهم: كأنها شقة قمر، فبهتوا ينظرون إليها، فقالتعليهم امرأة

Page 159: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.بل رأسه حتى يدخل: قالت. فليس يدخلال، : يا جارية، يف يدك عمل؟ قالت: نظر رجل باملدينة إىل جارية سرية ترتفع عن اخلدمة، فقال: قال - ١٦

.ولكن يف رجليعندي أم ولد، : عندك حرة أو مملوكة؟ قلت: كنا يف جملس رجل من الفقهاء فقال يل رجل: عضهمقال ب - ١٧

إذا : قال. قل يل: قلت. إن احلرة هلا قدرها فأردت أن أعلمك ضربا من النيك طريفا: ومل سألتين عن ذلك؟ قاليكون وطاء لك، مث ادع اجلارية وأقم أيرك صرت إىل منزلك فنم على قفاك، واجعل خمدة بني رجليك وركبك ل

وأقعدها عليه، وحتول ظهرها إىل وجهك، وارفع رجليك ومرها أن تأخذ بإهبامك كما يفعل اخلطيب على املنرب، ا صار الرجل إىل منزله فعل ما أمره به، وجعلت اجلارية تعلو . ومرها تصعد وتنزل عليه؛ فأنه شيء عجيب فلم

!.يا موالي، رد اهللا عليه بصره: قالت. فالن املكفوف: يا موالي، من علمك هذا النيك؟ قال: وتستفل، فقالت

كانت امرأة من قريش شريفة ذات مجال رائع ومال كثري، فخطبها مجاعة وخطبها رجل شريف له : قال - ١٨وها، فاغتم الرجل غما شديدا، فدخلت مال كثري، فردته وأجابت غريه، وعزموا على الغدو إىل وليها ليخطبا جتعل يل إن زوجتك هبا؟ قال: عليه عجوز من احلي فرأت ما به وسألته عن حاله فأخربها، وقالت ألف : م

ا وجعلت تنظر يف وجهها وتتنفس الصعداء، . درهم فخرجت من عنده ودخلت عليها، فتحدثت عندها ملييا بنية، أرى : ما شأنك يا خالة، تنظرين يف وجهي وتنفسني؟ قالت: ، فقالت اجلاريةففعلت ذلك غري مرة

. شبابك، وما أنعم اهللا عليك به من هذا اجلمال، وليس يتم أمر املرأة إال بالزوج، وأراك أيما ال زوج لك. فاذكري يل من خطبك: قالت. فال يغمك اهللا، قد خطبين غري واحد وقد عزمت على تزويج بعضهم: قالت -لصاحبها -وفالن : شريف، فما مينعك منه؟ قالت: قالت. فالن: شريف، ومن؟ قالت: قالت. فالن: قالت. بلى، ولكن فيه خصلة أكرهها لك: وماله أليس هو شريفا كثري املال؟ قالت: قالت. أف أف، ال تريدينه: قالترأيته يبول يوما فرأيت بني : قالت. أخربيين على كل حال: قالت. رهادعي عنك ذك: وما هي؟ قالت: قالت

- وأتاها الرجل الذي كانت أجابته . أعد إليها رسولك: وخرجت من عندها فأتته، فقالت. رجليه رجال ثالثةعه مثل فتزوجها فلما بىن هبا إذا م. أن اغد بأصحابك: فردته وبعثت إىل صاحب املرأة -بعد جميء الرسول

!.ال أكلتيها إاليف املرض: قالت. بألف درهم: بكم بعتيين يا خلناء؟ قالت: الزر، فلما أتتها العجوز فقالتأما بعد : " كان هشام بن عبد امللك يقبض الثياب من عظم أيره، فكتب إىل عامله على املدينة: قال - ١٩

ا عكاك النيك؟ قال: مديين ظريف، فقال لهوكان له كاتب : قال" . فاشتر يل عكاك النيك : وحيك، مفاشتري منهن . عكاك النيك الوصائف البيض الطوال: فقالوا. فوجه إىل النخاسني فسأهلم عن ذلك. الوصائف

.حاجته، ووجه هبن إليهال أزوجها : وكانت أمها تقولوكانت باملدينة امرأة مجيلة وضية، فخطبها مجاعة وكانت ال ترضى أحدا، : قال

يا بنية إن مل : فذكرته البنتها وذكرت حاله وقالت. فخطبها شاب مجيل الوجه ذو مال وشرف. إال من ترضاهيا بنييت ال : قالت. هو ما تقولني، ولكني بلغين عنه شيء ال أقدر عليه: يا أمه: تزوجي هذا فمن تزوجني؟ قالت

. بلغين أن معه أيرا عظيما وأخاف أال أقوى عليه: قالت. أمك، اذكري كل شيء يف نفسك حتتشمني منفأخربت االبنة . أنا أجعل األمر إليك تدخلني أنت منه ما تريد وحتبسني ما تريد: فأخربت األم الفىت فقال

Page 160: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

. فتزوجته. لشديد علي، ولكني أتكلفه لك يا بنية واهللا إن هذا: قالت. نعم أرضى إن تكفلت يل بذلك: فقالت: فجاءت األم وأغلقت الباب وقالت له. يا أمه، كوين قريبة مني ال يقتلين مبا معه: فلما كانت ليلة البناء قالت

فقبضت األم عليه وأدنته من ابنتها فدست رأسه يف. نعم، هو بني يديك: أنت على ما أعطيتنا من نفسك؟ قالفلم تزل . نعم: قالت. يا أمه زيدي: فأخرجت إصبعا من أصابعها فقالت. زيدي: أزيد؟ قالت: حرها وقالت

يا بنية مل يبق يف يدي : قالت. يا أمه زيدي: كذلك حتى مل يبق يف يدها شيء منه، وأوعبه الرجل كله فيها، قالتإذا وقع الشيء يف يديك ذهب الربكة : الناس بك، كان يقول رحم اهللا أيب فإنه كان أعرف: قالت بنتها. شيء !.قومي عني. منها ناكها أدخله كله يف حرها، ومل تكن تقوى عليه : قال - ٢٠ تزوج رجل امرأة وكان معه أير عظيم جدا، فلم

نظر :قال -ل أدخلته؟ بأيب أنت وه: أي شيء حالك خرج من خلفك بعد؟ قالت: امرأة، فلم تتكلم، فقال هلا: رجل إىل امرأة مجيلة سرية، ورجل يف دارها دميم مشوه يأمر وينهي، فظن أنه عبدها، فسأهلا عنه فقالت

لو استدبرك مبا يستقبلين به : يا سبحان اهللا، مثلك يف نعمة اهللا عليك تتزوجني مثل هذا؟ فقالت: قال. زوجي .هذا خطاؤه فكيف إصابته: ا فإذا فيه بقع خضر، فقالتمث كشفت عن فخذه. لعظم يف عينك

وكانت باملدينة امرأة ماجنة يقال هلا سالمة اخلضراء، فأخذت مع خمنث وهي تنيكه بكرينج، : قال - ٢٢: ما هذا يا سالمة؟ فقالت: فرفعت إىل الوايل فأوجعها ضربا وطاف هبا على مجل، فنظر إليها رجل يعرفها فقال

.باهللا اسكت، ما يف الدنيا أظلم من الرجال، أنتم تنيكونا الدهر كله فلما نكنا كم مرة واحدة قتلتموناكأن ركبها دارة القمر، وكأن شفريها أير محار : كيف وجدهتا؟ قال: تزوج رجل امرأة فقيل له: قال - ٢٣ .مثين :وقال بعض العجائز املغتلمات - ٢٤

صبغي ودامت صبغة األيام... وخضبت ما صبغ الزمان فلم يدم وأناك من خلفي ومن قدامي... أيام أمسي والشباب غريرة

:وقال سياه، وكان من مردة الالطة، وأمسه ميمون بن زياد بن ثروان، وهو موىل خلزاعة - ٢٥ على األفواهفضعوا أكفكم ... أخزاع إن عد القبائل فخرهم

والفاتقون مشارج األستاه... إال إذا ذكر اللواط وأهله جمدا تليدا طارفا بسياه... فهناك فافتخروا فإن لكم به

أبت هذه النفس : " يا أبا عمارة، قد قلت على عروض قصيدتك: وجاء سياه إىل الكميت فقال له: قال - ٢٦ :قالف. هات: فقال" إال ادكارا

وإال ارتدادا وإال ازورارا... أبت هذه النفس إال خسارا فهذا هرشا وهذا نقارا... ومحل الديوك وقود الكالب

تنفجر األرض عنه انفجارا... وشرب اخلمور مباء الغمام ريش كأنه ، وكان من كبار الالطة، وهو رجل من أهل احلجاز، مع غالم من ق" ديك " أخذ : وقال - ٢٧

بأيب أنتم وأمي، قد واهللا : عدو اهللا هبك تعذر يف الغلمان الصباح فما أردت إىل هذا؟ فقال: قديدة، فقيل له

Page 161: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.علمت أنه كما تقولون، وإنما نكته لشرفهط من ألو: " ، كما يقول أهل العراق" ألوط من ديك : " وقد يضرب املثل يف اللواط باحلجاز فيقال - ٢٨

.، وهو كويف" سياه .وباهللا التوفيق. وقد اختصرت كتايب هذا لئال ميله القارئ

.مت كتاب مفاخرة اجلواري والغلمان، واهللا املستعان، وعليه التكالن، وال إله إال هو. ملوفق للصوابيتلوه إن شاء الله تعاىل كتاب القيان من كالم أيب عثمان عمرو بن حبر اجلاحظ أيضا، والله ا

.واحلمد لله أوال وآخرا، وصلواته على سيدنا حممد نبيه وآله وصحبه وسالمه

الرسالة الرابعة عشرة

كتاب القيان

بسم اهللا الرمحن الرحيم

من أيب موسى بن إسحاق بن موسى، وحممد بن خالد خذار خذاه، وعبد اهللا بن أيوب أيب سمري، وحممد بن محاد سن بن إبراهيم بن رباح، وأيب اخليار، وأيب الرنال، وخاقان بن حامد، وعبد اهللا بن اهليثم بن كاتب راشد، واحل

خالد اليزيدي املعروف مبشرطة، وعلك بن احلسن، وحممد بن هارون كبة، وإخواهنم املستمتعني بالنعمة، نوف األشربة، والراغبني بأنفسهم عن واملؤثرين للذة، املتمتعني بالقيان وباإلخوان، املعدين لوظائف األطعمة وص .قبول شيء من الناس، أصحاب الستر والستارات، والسرور واملراوءات

.إىل أهل اجلهالة واجلفاء، وغلظ الطبع، وفساد احلسسالم من وفق لرشده، وآثر حظ نفسه، وعرف قدر النعمة؛ فإنه ال يشكر النعمة من مل يعرفها ويعرف قدرها،

.ها من مل يشكرها، وال بقاء هلا على من أساء محلهاوال يزاد فيجعلنا اهللا وإياكم من . محل الغين أشد من محل الفقري، ومؤونة الشكر أضعف من مشقة الصرب: وقد كان يقال

.الشاكرين. نتحالهأما بعد فإنه ليس كل صامت عن حجته مبطال يف اعتقاده، وال كل ناطق هبا ال برهان له حمقا يف ا

واحلاكم العادل من مل يعجل بفصل القضاء دون استقصاء حجج اخلصماء، و دون أن حيول القول فيمن حضر من اخلصماء واالستماع منه، وأن تبلغ احلجة مداها من البيان، ويشرك القاضي اخلصمني يف فهم ما اختصما

طنه، وال بعالنية ما يفلج اخلصام منه أطب منه فيه، حىت ال يكون بظاهر ما يقع عليه من حكمه أعلم منه بباولذلك ما استعمل أهل احلزم والروية من القضاة طول الصمت، وإنعام التفهم والتمهل، ليكون االختيار . بسره

.بعد االختيار، واحلكم بعد التبين

على أن احلق مكتف بظهوره، مبني عن وقد كنا ممسكني عن القول حبجتنا فيما تضمنه كتابنا هذا اقتصارا نفسه، مستغن عن أن يستدل عليه بغريه؛ إذ كان إمنا يستدل بظاهر على باطن، وعلى اجلوهر بالعرض، وال

.يحتاج أن يستدل بباطن على ظاهر

Page 162: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ا أن خصماءنا وإن موهوا وزخرفوا، غري بالغني للفلج والغلبة عند ذوي العدل دون االستماع منا، وأن وعلمنكل دعوى ال يفلج صاحبها مبنزلة ما مل يكن، بل هي على املدعي كل وكرب حتى تؤديه إىل مسرة النجح أو

.راحة اليأسإىل أن تفاقم األمر وعيل الصرب، وانتهى إلينا عيب عصابة لو أمسكنا عن اإلجابة عنها واالحتجاج فيها، علما

خلق احملروم ذم ما حرم وتصغريه والطعن على أهله كان لنا يف ب أن من شأن احلاسد هتجني ما حيسد عليه، ومن فإن احلسد عقوبة موجبة للحاسد مبا يناله منه ويشينه، من عصيان ربه واستصغار نعمته، . اإلمساك سعة

وأن . صعدا، والتشاغل مبا ال يدرك وال يحصى والسخط لقدره، مع الكرب الالزم واحلزن الدائم، والتنفسال حد له يكون حسده فحسده متسع بقدر . الذي يشكر فعلى أمر حمدود يكون شكره، والذي حيسد فعلى ما

ألنا خفنا أن يظن جاهل أن إمساكنا عن اإلجابة إقرار بصدق العضيهة، وأن . تغير اتساع ما جسد عليه .لغيبة عجز عن دفعهاإغضاءنا لذي ا

فوضعنا يف كتابنا هذا حججا على من عابنا مبلك القيان، وسبنا مبنادمة اإلخوان، ونقم علينا إظهار النعم " ولسان احلق فصيح " ويروي -ورجونا النصر إذ قد بدينا والبادي أظلم، وكاتب احلق فصيح . واحلديث هبا

.لة احلليم املتأين ال بقاء بعدهاونفس احملرج ال يقام هلا، وصو -فبينا احلجة يف اطراح الغرية يف غري حمرم وال ريبة، مث وصفنا فضل النعمة علينا، ونقضنا أقوال خصمائنا بقول

واعتمدنا على . فمهما أطنبنا فيه فللشرح واإلفهام، ومهما أدجمنا وطوينا فليخف محله. موجز جامع ملا قصدنا .ن املطول يقصر، وامللخص خيتصر، واملطوي ينشر، واألصول تتفرع، وباهللا الكفاية والعونأ

إن الفروع ال حمالة راجعة إىل أصوهلا، واألعجاز الحقة بصدورها، واملوايل تبع ألوليائها، وأمور العامل ممزوجة يث علة السحاب والسحاب علة املاء والرطوبة، باملشاكلة ومنفردة باملضادة، وبعضها علة لبعض، كالغ

وكاحلب علته الزرع، والزرع علته احلب، والدجاجة علتها البيضة، والبيضة علتها الدجاجة، واإلنسان علته .اإلنسان

إال أن أقرب ما . ىل حنيوالفلك ومجيع ما حتويه أقطار األرض، وكل ما تقله أكنافها لإلنسان خول ومتاع إ؟ فإنها خلقت له ليسكن إليها، وجعلت بينه وبينها مودة " األنثى " سخر له من روحه وألطفه عند نفسه

.ورمحةا خول إذ كانت خملوقة منه وكانت بعضا له . ووجب أن تكون كذلك وأن يكون أحق وأوىل هبا من سائر م

فالنساء حرث . عض الشيء أشكل ببعض وأقرب به قربا من بعضه ببعض غريهوجزءا من أجزائه، وكان ب .للرجال، كما النبات رزق ملا جعل رزقا له من احليوان

ولوال احملنة والبلوى يف حترمي ما حرم وحتليل ما أحل، وختليص املواليد من شبهات االشتراك فيها، وحصول واحد أحق بواحدة منهن من اآلخر، كما ليس بعض السوام أحق برعي املواريث يف أيدي األعقاب، مل يكن

. إن للرجل األقرب فاألقرب إليه رمحا وسببا منهن: مواقع السحاب من بعض، ولكان األمر كما قالت اجملوساحليوان إال ما منع إال أن الفرض وقع باالمتحان فخص املطلق، كما فعل بالزرع فإنه مرعى لولد آدم ولسائر

.منه التحرمي

Page 163: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وليس على استقباح . وكل شيء مل يوجد حمرما يف كتاب اهللا وسنة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فمباح مطلق .الناس واستحساهنم قياس ما مل خنرج من التحرمي دليال على حسنه، وداعيا إىل حالله

ا، ولوال وقوع التحرمي لزالت الغرية ولزمنا قياس من أحق بالنساء؛ فإنه كان ومل نعلم للغرية يف غري احلرام وجهولذلك اقتصر من . ليس أحد أوىل هبن من أحد، وإنما هن مبنزلة املشام والتفاح الذي يتهاداه الناس بينهم: يقال

غري أنه ملا عزم الفريضة بالفرق بني احلالل . له العدة على الواحدة منهن، وفرق الباقي منهن على املقربنييما جتاوزه فلم يكن بني رجال العرب ونسائها . واحلرام، اقتصر املؤمنون على احلد املضروب هلم، ورخصوه ف

حجاب، وال كانوا يرضون مع سقوط احلجاب بنظرة الفلتة وال حلظة اخللسة، دون أن جيتمعوا على احلديث وكل ذلك . يزدوجوا يف املنامسة واملثافنة، ويسمى املولع بذلك من الرجال الزير، املشتق من الزيارةواملسامرة، و

بأعني األولياء وحضور األزواج، ال ينكرون ما ليس مبنكر إذا أمنوا املنكر، حتى لقد حسك يف صدر أخي بثينة ا حسك من استعظام املؤانسة، وخروج العذر عن امل خالطة، وشكا ذلك إىل زوجها وهزه ما حشمه، من مجيل م

هل لك فيما يكون بني : فكمنا جلميل عند إتيانه بثينة ليقتاله، فلما دنا حلديثه وحديثها مسعاه يقول ممتحنا هلاإن احلب إذا نكح : ومل؟ قالت: قال. ال: الرجال والنساء، فيما يشفي غليل العشق ويطفئ نائرة الشوق؟ قالت

فلما مسعا بذلك وثقا ! أما واهللا لو أنعمت يل ملألته منك: فأخرج سيفا قد كان أخفاه حتت ثوبه، فقال! سدفتله، وأباحاه النظر واحملادثة .بغيبه وركنا إىل عفافه، وانصرفا عن ق

نيب صلى اهللا فلم يزل الرجال يتحدثون مع النساء، يف اجلاهلية واإلسالم، حتى ضرب احلجاب على أزواج ال .عليه وسلم خاصة

وتلك احملادثة كانت سبب الوصلة بني مجيل وبثينة، وعفراء وعروة، وكثير وعزة، وقيس ولبىن، وأمساء ومقش، .وعبد اهللا بن عجالن وهند

اهلية، مث كانت الشرائف من النساء يقعدن للرجال للحديث، ومل يكن النظر من بعضهم إىل بعض عارا يف اجل .وال حراما يف اإلسالم

وكانت ضباعة، من بين عامر بن قرط بن عامر بن صعصعة، حتت عبد اهللا بن جدعان زمانا ال تلد، فأرسل إليها فقالت لعبد . ما تصنعني هبذا الشيخ الكبري الذي ال يولد له، قويل له حتى يطلقك: هشام بن املغرية املخزومي

فإن فعلت فعليك : قال. ال أتزوجه: قالت. إني أخاف عليك أن تتزوجي هشام بن املغرية: ااهللا ذلك، فقال هلال : قالت. مائة من اإلبل تنحرينها يف احلزورة وتنسجني يل ثوبا يقطع ما بني األخشبين، والطواف بالبيت عريانة

ا سألك، وما يكرثك وأنا أيسر قريش يف املال، ما أيسر م: وأرسلت إىل هشام فأخربته اخلرب فأرسل إليها. أطيقهإن تزوجت : فقالت البن جدعان. ونسائي أكثر نساء رجل من قريش، وأنت أمجل النساء فال تأبي عليه طلقين ف

فنسجن فطلقها بعد استيثاقه منها، فتزوجها هشام فنحر عنها ماءة من اجلزر، ومجع نساءه . هشاما فعلي ما قلتلقد أبصرهتا وهي عريانة : ثوبا يسع ما بني األخشبني، مث طافت بالبيت عريانة، فقال املطلب بن أيب وداعة

تطوف بالبيت وإني لغالم أتبعها إذا أدبرت، وأستقبلها إذا أقبلت، فما رأيت شيئا مما خلق اهللا أحسن منها، :واضعة يدها على ركبها وهي تقول

فما بدا منه فال أحله... دو بعضه أو كله اليوم يب

Page 164: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أخثم مثل القعب باد ظله... كم ناظر فيه فما ميله مث إن النساء إىل اليوم من بنات اخللفاء وأمهاهتن، فمن دوهنن يطفن بالبيت مكشفات الوجوه، وحنو ذلك : قال

.ال يكمل حج إال بهعنه بعاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت قبله عند عبد اهللا بن أيب وأعرس عمر بن اخلطاب رضي اهللا

بكر، فمات عنها بعد أن اشترط عليها أال تتزوج بعده أبدا، على أن حنلها قطعة من ماله سوى اإلرث، فخطبها هللا بن أيب بكر، عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه، وأفتاها بأن يعطيها مثل ذلك من املال فتصدق به عن عبد ا

:فقالت يف مرثيته عليك وال ينفك جلدي أغربا... فأقسمت ال تنفك عيين سخينة

ي بن أيب طالب عليه فلما ابتىن هبا عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه أومل، ودعا املهاجرين واألنصار، فلما دخل عل :السالم قصد لبيت حجلتها، فرفع السجف ونظر إليها فقال

عليك وال ينفك جلدي أصفرا... قسمت ال تنفك عيين سخينة فأفخجلت فأطرقت، وساء عمر رضي اهللا عنه ما رأى من خجلها وتشورها عند تعيري علي إياها بنقض ما فارقت

.حاجة يف نفسي قضيتها: يا أبا احلسن، رمحك اهللا، ما أردت إىل هذا؟ فقال: عليه زوجها، فقال: روون أن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه كان أغري الناس، وأن النيب صلى اهللا عليه وسلم قال لهوأنتم ت. هذا

فلم مينعين من دخوله إال ملعرفيت . لعمر بن اخلطاب: ملن هذا القصر؟ فقيل: إين رأيت قصرا يف اجلنة فسألت" .!وعليك يغار يا نيب اهللا: فقال عمر رضي اهللا عنه" . بغريتك

ولو كان . فلو كان النظر واحلديث والدعابة يغار منها، لكان عمر املقدم يف إنكاره؛ لتقدمه يف شدة الغرية .حراما ملنع منه؛ إذ ال شك يف زهده وورعه وعلمه وتفقهه

بن علي عليهما السالم تزوج حفصة ابنة عبد الرمحن، وكان املنذر بن الزبري يهو اها، فبلغ احلسن وكان احلسن وخطبها عاصم بن عمر بن اخلطاب رضي !. شهرين: عنها شيء فطلقها، فخطبها املنذر فأبت أن تتزوجه وقالت

، وخطبها املنذر فقيل هلا . تزوجيه ليعلم الناس أنه كان يعضهك: اهللا عنه فتزوجها، فرقى املنذر عنها شيئا فطلقهالنستأذن عليها املنذر فندخل إليها فنتحدث عندها، : نه كذب عليها، فقال احلسن لعاصمفتزوجته فعلم الناس أ

فدخال فكانت إىل عاصم أكثر نظرا منها إىل . دعهما يدخالن: فاستأذناه؛ فشاور أخاه عبد اهللا بن الزبري فقالها وقام احلسن وعاصم فأخذ بيد. خذ بيد امرأتك: فقال احلسن للمنذر. احلسن، وكان أبسط للحديث

.وكان احلسن يهواها وإمنا طلقها ملا رقى إليه املنذر. فخرجاهل لك يف العقيق؟ فخرجا فعدل احلسن إىل منزل حفصة فدخل إليها فتحدثا : وقال احلسن يوما البن أيب عتيق

زلة حفصة ودخل، فقال له مرة فنزل مبن. نعم: هل لك يف العقيق؟ قال: طويال مث خرج، مث قال البن أيب عتيق !!.هل لك يف حفصة: يا ابن أم، أال تقول: هل لك يف العقيق؟ فقال: أخرى

فلو كان حمادثة النساء والنظر إليهن حراما وعارا مل يفعله ومل . وكان احلسن يف ذلك العصر أفضل أهل دهره .ن الزبرييأذن فيه املنذر بن الزبري، ومل يشر به عبد اهللا ب

وهذا احلديث وما قبله يبطالن ما روت احلشوية من أن النظر األول حرام والثاين حرام؛ ألنه ال تكون حمادثة إال

Page 165: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

إال أن يكون عين بالنظرة احملرمة النظر إىل الشعر واجملاسد، وما ختفيه . ومعها ما ال حيصى عدده من النظر .لزوج والويل وحيرم على غريمهااجلالبيب مما حيل ل

ة بوشى، معه فيها امرأته، فقال ة له جملل ، من معي يف هذه : ودعا مصعب بن الزبري الشعيب، وهو يف قب يا شعيب .فرفع السجف، فإذا هو بعائشة ابنة طلحة! ال أعلم أصلح اهللا األمري: القبة؟ فقال

.ملهم، ومل يكن يستحل أن ينظر إن كان النظر حراماوالشعيب فقيه أهل العراق وعاورأى معاوية كاتبا له يكلم جارية المرأته فاختة بنت قرظة، يف بعض طرق داره، مث خطب ذلك الكاتب تلك

ا هوين عليك ي: اجلارية فزوجها منه، فدخل معاوية إىل فاختة وهي متحشدة يف تعبئة عطر لعرس جاريتها، فقال !.ابنة قرظة، فإين أحسب االبتناء قد كان منذ حني

، وإنما حل حمل ظن وحسبان، مل يقض به ومعاوية أحد األئمة، فلما مل يقع عنده ما رأى من الكالم موقع يقني .ومل يوجبه، ولو أوجبه حلد عليه

إنه ملتاع : ع القضيب على ركبها، مث يقولوكان معاوية يؤتى باجلارية فيجردها من ثياهبا حبضرة جلسائه، ويضبن صوحان! لو وجد متاعا خذها لبعض ولدك، فإنها ال حتل ليزيد بعد أن فعلت هبا ما : مث يقول لصعصعة

.فعلتومل يكن يعدم من اخلليفة ومن مبنزلته يف القدرة والتأتي أن تقف على رأسه جارية تذب عنه وتروحه، وتعاطيه

.يف جملس عام حبضرة الرجال أخرىا فيه فمن ذلك حديث الوصيفة اليت اطلعت يف كتاب عبد امللك بن مروان إىل احلجاج وكان يسره، فلما فشا م

:رجع على احلجاج باللوم ومتثل ل ال يتركون أدميا صحيحا... أمل تر أن وشاة الرجا

لكل نصيح نصيحا فإن... فال تفش سرك إال إليك .مث نظر فوجد اجلارية كانت تقرأ فنمت عليه

من وصف نعاسا بشعر ومبثل يصيب فيه ويحسن : ومن ذلك حديثه حني نعس فقال للفرزدق وجرير واألخطل :فقال الفرزدق. التمثيل، فهذه الوصيفة له

وقراأميم جالميد تركن به ... رماه الكرى يف الرأس حتى كأنه :فقال جرير! شدختين ويلك يا فرزدق: فقال

يرى يف سواد الليل قنربة سقرا... رماه الكرى يف الرأس حتى كأنه :قال. يا أخطل فقل: مث قال! ويلك تركتين جمنونا: فقال

ندمي تروى بني ندمانه مخرا... رماه الكرى يف الرأس حتى كأنه .ريةأحسنت، خذ إليك اجلا: قال

مث مل يزل للملوك واألشراف إماء خيتلفن يف احلوائج، ويدخلن يف الدواوين، ونساء جيلسن للناس، مثل خالصة جارية اخليزران، وعتبة جارية ريطة ابنة أيب العباس، وسكر وتركية جارييت أم جعفر، ودقاق جارية العباسة،

هارون بن جعبويه، ومحدونة أمة نصر بن السندي بن شاهك مث وظلوم وقسطنطينة جارييت أم حبيب، وامرأة

Page 166: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.كن يربزن للناس أحسن ما كن وأشبه ما يتزين به، فما أنكر ذلك منكر وال عابه عائبي أم جعفر قالت: أحرة أنت أم مملوكة؟ قالت: ولقد نظر املأمون إىل سكر فقال أنت : ال أدري، إذا غضبت عل

فكتبت كتابا وصلته جبناح . فاكتيب إليها الساعة فاسأليها عن ذلك: قال. أنت حرة: مملوكة، وإذا رضيت قالت" . أنت حرة : " طائر من اهلدى كان معها، أرسلته تعلم أم جعفر ذلك، فعلمت أم جعفر ما أراد فكتبت إليها

.هبا من ساعتها فواقعها وخلى سبيلها، وأمر بدفع املال إليهافتزوجها على عشرة آالف درهم، مث خال فلو كان . والدليل على أن النظر إىل النساء كلهن ليس حبرام، أن املرأة املعنسة تربز للرجال فال حتتشم من ذلك

د الغرية إىل سوء اخللق وضيق العطن، حراما وهي شابة مل حيل إذا عنست، ولكنه أمر أفرط فيه املتعدون ح .فصار عندهم كاحلق الواجب

وكذلك كانوا ال يرون بأسا أن تنتقل املرأة إىل عدة أزواج ال ينقلها عن ذلك إال املوت ما دام الرجال وهم اليوم يكرهون هذا ويستسمجونه يف بعض، ويعافون املرأة احلرة إذا كانت قد نكحت زوجا. يريدوهنا

ال واحدا، ويلزمون من خطبها العار ويلحقون به اللوم، ويعيروهنا بذلك، ويتحظون األمة وقد تداوهلا من ومل مل يغاروا يف اإلماء وهن أمهات األوالد ! فمن حسن هذا يف اإلماء وقبحه يف احلرائر. يحصى عدده من املوايل

ال ترى أن الغرية إذا جاوزت ما حرم اهللا فهي باطل، وأنها بالنساء أ. وحظايا امللوك، وغاروا على احلرائر .وتغار املرأة على أبيها، وتعادي امرأته وسريته. لضعفهن أولع، حىت يغرن على الظن واحللم يف النوم

.ناء أدبا والروم فلسفةوكانت فارس تعد الغ. ومل تزل القيان عند امللوك من العرب والعجم على وجه الدهر .وكانت يف اجلاهلية اجلرادتان لعبد اهللا بن جدعان

يتغنى، فعابه بذلك احلكم بن مروان، " بديع " وكان لعبد اهللا بن جعفر الطيار جوار يتغنين، وغالكم يقال له !.نمن به ويشذرنه حبلوقهن ونغمهنوما علي أن آخذ اجليد من أشعار العرب وألقيه إىل اجلواري فيتر: فقال

.ومسع يزيد بن معاوية الغناء :واتخذ يزيد بن عبد امللك حبابة وسالمة، وأدخل الرجال عليهن للسماع، فقال الشاعر يف حبابة

وحنت دونه أذن الكرام... إذا ما حن مزهرها إليها ناموا نيام كأنهم وما... وأصغوا حنوه اآلذان حتى

:وقال يف سالمة إذا طربت يف صوهتا كيف تصنع... أمل ترها، واهللا يكفيك شرها،

إىل صلصل من حلقها يترجع... ترد نظام القول حتى ترده شق برده مث يقول .ال تطري؛ فإن بنا إليك حاجة: فتقول حبابة! أطري: وكان يسمع فإذا طرب

وليد بن يزيد املتقدم يف اللهو والغزل، وامللوك بعد ذلك يسلكون على هذا املنهاج وعلى هذا السبيل مث كان ال .األول

:فمما يعرف من غنائه. وكان عمر بن عبد العزيز رضي اهللا عنه، قبل أن تناله اخلالفة يتغنى لقرب مزارها ودعا البعادا... أما صاحيب نزر سعادا

:وله فقال الطرف السهادا... د القلب سعادا عاو

Page 167: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.فما كان منه صدقا فحسن، وما كان منه كذبا فقبيح: وال نرى بالغناء بأسا إذا كان أصله شعرا مكسوا نغما.إن من الشعر حلكمة : " وقد قال النيب عليه السالم "

.حسن، وقبيحه قبيح الشعر كالم، فحسنه: " وقال عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه " .وال نرى وزن الشعر أزال الكالم عن جهته، فقد يوجد وال يضره ذلك، وال يزيل منزلته من احلكمة

ال يوجبان حترميا لعلة من العلل وإن الترجيع له أيضا ال خيرج . فإذا وجب أن الكالم غري حمرم فإن وزنه وتقفيته نس وزن الغناء، وكتاب املوسيقي، وهو من كتاب حد النفوس، حتده األلسن وإن وزن الشعر من ج. إىل حرام

فال وجه لتحرميه، وال أصل لذلك يف كتاب اهللا . حبد مقنع، وقد يعرف باهلاجس كما يعرف باإلحصاء والوزن .تعاىل وال سنة نبيه عليه السالم

د كثريا من األحاديث واملطاعم واملشارب والنظر إىل اجلنان فإن كان إمنا حيرمه ألنه يلهى عن ذكر اهللا فقد جنونعلم أن قطع الدهر . والرياحني، واقتناص الصيد، والتشاغل باجلماع وسائر اللذات، تصد وتلهى عن ذكر اهللاذا قصر عنه لزمه بذكر اهللا ملن أمكنه أفضل، إال أنه إذا أدى الرجل الفرض فهذه األمور كلها له مباحة، وإ

.املأمثهذا سليمان بن داود عليهما السالم، أهلاه . ولو سلم من اللهو عن ذكر اهللا أحد لسلم األنبياء عليهم السالم .عرض اخليل عن الصالة حتى غابت الشمس، فعرقبها وقطع رقاهبابالثمن، وحيتاج البائع واملبتاع إىل أن وبعد فإن الرقيق جتارة من التجارات تقع عليه املساومات واملشاراة

وإن كان ال يعرف مبلغه . يستشفا العلق ويتأماله تأمال بينا جيب فيه خيار الرؤية املشترط يف مجيع البياعاتوال يقف على ذلك أيضا إال الثاقب يف نظره، . بكيل وال وزن وال عدد وال مساحة؛ فقد يعرف باحلسن والقبح

.اهر يف بصره، الطب بصناعته؛ فإن أمر احلسن أدق وأرق من أن يدركه كل من أبصرهاملوكذلك األمور الومهية، ال يقضى عليها بشهادة إبصار األعني، ولو قضي عليها هبا كان كل من رآها يقضى،

صريا للقلب، ومؤديا إىل العقل، مث يقع حتى النعم واحلمري، حيكم فيها لكل بصري العني يكون فيها شاهدا وب .احلكم من العقل عليهاولست أعين بالتمام جتاوز مقدار االعتدال كالزيادة يف طول . هو التمام واالعتدال. وأنا مبني لك احلسن

تدلني القامة، وكدقة اجلسم، أو عظم اجلارحة من اجلوارح، أو سعة العني أو الفم، مما يتجاوز مثله من الناس املع .يف اخللق؛ فإن هذه الزيادة مىت كانت فهي نقصان من احلسن، وإن عدت زيادة يف اجلسم

، فكل شيء خرج عن احلد يف خلق، حتى يف الدين واحلدود حاصرة ألمور العامل، وحميطة مبقاديرها املوقوتة هلا .واحلكمة الذين مها أفضل األمور، فهو قبيح مذموم

.ل فهو وزن الشيء ال الكمية، والكون كون األرض ال استواؤهاوأما االعتدافوزن خلقة اإلنسان اعتدال حماسنه وأال يفوت شيء منها شيئا، كالعني . ووزن النفوس يف أشباه أقسامها

الواسعة لصاحب األنف الصغري األفطس، واألنف العظيم لصاحب العني الضيقة، والذقن الناقص والرأس الوجه الفخم لصاحب البدن املدع النضو، والظهر الطويل لصاحب الفخذين القصريتني، والظهر الضخم و

.القصري لصاحب الفخذين الطويلتني، وكسعة اجلبني بأكثر من مقدار أسفل الوجه .مث هذا أيضا وزن اآلنية وأصناف الفرش والوشي واللباس، ووزن القنوات اليت جتري فيها املياه

Page 168: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.إمنا نعين بالوزن االستواء يف اخلرط والتركيبوويسمى . فال بد مما ال مينع الناظر من النظر إىل الزرع والغرس والتفسح يف خضرته واالستنشاق من روائحه

ا حيرم فإذا مد يدا إىل مثقال حبة من خردل بغري حقها فعل ما ال حيل، . ذلك كله له حال ما مل ميد له يدا وأكل م .عليه

وكذلك مكاملة القيان ومفاكهتهن، ومغازلتهن ومصافحتهن للسالم، ووضع اليد عليهن للتقليب والنظر، حالل .ما مل يشب ذلك ما حيرم

سع الذين جيتنبون كبائر اإلمث والفواحش إال اللمم إن ربك وا: " وقد استثىن اهللا تبارك وتعاىل اللمم فقالإذا دنا الرجل من املرأة فإن تقدم : قال عبد اهللا بن مسعود، وسئل عن تأويل هذه اآلية فقال" . املغفرة

دون الفرج: وقال آخرون. القبلة واللمس: وقال غريه من الصحابة. ففاحشة، وإن تأخر فلمم .اإلتيان فيما ا نال من عشيقته ا أقرب ما أحل اهللا مما حرم اهللا: ، فقالوكذلك قال األعرايب حني سئل عم !.م

" ، وقال" فرقوا بني أنفاس الرجال والنساء : " فيما روى من احلديث: فإن قال قائل ال خيل رجل بامرأة يف : وإن يف اجلمع بني الرجال والقيان ما دعا إىل الفسق واالرتباط" بيت وإن قيل محوها، إال إن محوها املوت

والعشق، مع ما ينزل بصاحبه من الغلمة اليت تضطر إىل الفجور وحتميل على الفاحشة؛ وأن أكثر من حيضر إمنا .حيضر لذلك ال لسماع وال ابتياع

إن األحكام إنما على ظاهر األمور، ومل يكلف اهللا العباد احلكم على الباطن، والعمل على النيات، فيقضى : قلناإلسالم مبا يظهر منه ولعله ملحد فيه، ويقضى أنه ألبيه ولعله مل يلده األب الذي ادعى إليه قط، إال أنه للرجل با

ولو كلف من يشهد لرجل بواحد من هذين املعنيني على احلقيقة مل . مولود على فراشه، مشهور باالنتماء إليهبا مما ينسبونه إليه، ولو أظهر مث أغضينا له عليه مل يلحقنا يف ومن حيضر جمالسنا ال يظهر نس. تقم عليه شهادة

.ذلك إمثولو اشترى على مثل شرى الرقيق مل جتاوز . واحلسب والنسب الذي بلغ به القيان األمثان الرغيبة إمنا هو اهلوى

ان ينوي يف أمرها الريبة، وجيد فأكثر من بالغ يف مثن جارية فبالعشق ولعله ك. الواحدة منهن مثن الرأس الساذجيله مث تعذر ذلك عليه فصار إىل احلالل وإن مل ينوه ويعرف فضله، فباع املتاع هذا أسهل سبيال إىل شفاء غل

.وحل العقد وأثقل ظهره بالعبية حىت ابتاع اجلارية؛ فإنه ال ينجم األمر إال وغايته فيهن العشق، فيعوق وال يعمل عمال ينتج خريا غري إغرائه بالقيان وقيادته عليهن

عن ذلك ضبط املوايل ومراعاة الرقباء وشدة احلجاب، فيضطر العاشق إىل الشراء، وحيل به الفرج، ويكون .الشيطان املدحور

ما والعشق داء ال ميلك دفعه، كما ال يستطاع دفع عوارض األدواء إال باحلمية، وال يكاد ينتفع باحلمية مع .تولد األغذية وتزيد يف الطبائع باالزدياد يف الطعم

ولو أمكن أحدا أن حيتمي من كل ضرر ويقف عن كل غذاء، للزم ذلك املتطبب يف آفات صحته، وحنل جسمه ولو ملك أيضا صرف األغذية واحترس . وضوي حلمه، حتى يؤمر بالتخليط، ويشار عليه بالعناية يف الطيبات

.مية، مل ميلك ضرر تغري اهلواء وال اختالف املاءباحل

Page 169: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

هو داء يصيب الروح ويشتمل على اجلسم باجملاورة، كما ينال : وأنا واصف لك حد العشق لتعرف حدهوداء العشق وعمومه يف مجيع البدن حبسب منزلة القلب من . الروح الضعف يف البطش والوهن يف املرء ينهكه

عوبة دوائه تأيت من قبل اختالف علله، وأنه يتركب من وجوه شتى، كاحلمى اليت تعرض وص. أعضاء اجلسمفمن قصد لعالج أحد اخللطني كان ناقصا من دائه زائدا يف داء اخللط اآلخر، وعلى . مركبة من الربد والبلغم

هلوى، واملشاكلة واإللف، وله فالعشق يتركب من احلب وا. حسب قوة أركانه يكون ثبوته وإبطاؤه يف االحنالل .ابتداء يف املصاعدة، ووقوف على غاية، وهبوط يف التوليد إىل غاية االحنالل ووقف املالل

إن املرء حيب اهللا، وإن اهللا جل : واحلب اسم واقع على املعىن الذي رسم به، ال تفسري له غريه؛ ألنه قد يقاللده، والولد حيب والده وحيب صديقه وبلده وقومه، وحيب على أي جهة وعز حيب املؤمن، وإن الرجل حيب و

فيعلم حينئذ أن اسم احلب ال يكتفي به يف معىن العشق حتى تضاف إليه العلل . يريد وال يسمي ذلك عشقاوهذه سبيل . ل عنهمااألخر إال أنه ابتداء العشق، مث يتبعه حب اهلوى فربما وافق احلق واالختيار، وربما عد

عني : " ولذلك قيل. وال مييل صاحبه عن حجته واختياره فيما يهوى. اهلوى يف األديان والبلدان وسائر األموروذلك أن العاشق . يتخذون أدياهنم أربابا ألهوائهم" . حبك الشيء يعمي ويصم : " ، وقيل" اهلوى ال تصدق

جلمال، وال الغاية يف الكمال، وال املوصوف بالرباعة والرشاقة، مث إن سئل عن كثريا ما يعشق غري النهاية يف ا .حجته يف ذلك مل تقم له حجة

مث قد جيتمع احلب واهلوى وال يسميان عشقا، فيكون ذلك يف الولد والصديق والبلد، والصنف من اللباس ف روحه من حب بلده وال ولده، وإن كان قد يصيبه فلم نر أحدا منهم يسقم بدنه وال تتل. والفرش والدواب

.عند الفراق لوعة واحتراق .وقد رأينا وبلغنا عن كثري ممن تلف وطال جهده وضناه بداء العشق

فعلم أنه إذا أضيف إىل احلب واهلوى املشاكلة، أعين مشاكلة الطبيعة، أي حب الرجال النساء وحب النساء وإن كان ذلك عشقا من . يع الفحول واإلناث من احليوان، صار ذلك عشقا صحيحاالرجال، املركب يف مج

ا إذا فارقت الشهوة .ذكر لذكر فليس إال مشتقا من هذه الشهوة، وإال مل يسم عشقنبت مث مل نره ليكون مستحكما عند أول لقياه حتى يعقد ذلك اإللف، وتغرسه املواظبة يف القلب، فينبت كما تورمبا . احلبة يف األرض حتى تستحكم وتشتد وتثمر، وربما صار هلا كاجلذع السحوق والعمود الصلب الشديد

.فإذا اشتمل على هذه العلل صار عشقا تاما. انعقف فصار فيه بوار األصلويشتغل القلب عن كل مث صارت قلة العيان تزيد فيه وتوقد ناره، واالنقطاع يسعره حىت يذهل وينهك البدن،

.نافعة، ويكون خيال املعشوق نصب عني العاشق والغالب على فكرته، واخلاطر يف كل حالة على قلبهوإذا طال العهد واستمرت األيام نقص على الفرقة، واضمحل على املطاولة، وإن كانت كلومه وندوبه ال تكاد

.تعفو آثارها وال ترس رسومهاوالعلة يف ذلك أن بعض الناس أسرع إىل العشق من بعض؛ . باملعشوق يسرع يف حل عشقهفكذلك الظفر

.الختالف طبائع القلوب يف الرقة والقسوة، وسرعة اإللف وإبطائه، وقلة الشهوة وضعفهاإجابة بعض وذلك من املشاكلة، و. وقل ما يظهر املعشوق عشقا إال عداه بدائه، ونكت يف صدره وشغف فؤاده

Page 170: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كالنائم يرى آخر ينام وال نوم به فينعس، . الطبائع بعضا، وتوقان بعض األنفس إىل بعض، وتقارب األرواح .وكاملتثائب يراه من ال تثاؤب به فيفعل مثل فعله، قسرا من الطبيعة

ق واخللق ويف الظرف، أو يف وقل ما يكون عشق بني اثنني يتساويان فيه إال عن مناسبة بينهما يف الشبه يف اخللولذلك ما نرى احلسن يعشق القبيح، والقبيح حيب احلسن وخيتار املختار األقبح على . اهلوى أو الطباع

.األحسن، وليس يرى االختيار يف غري ذلك فيتوهم الغلط عليه، لكنه لتعارف األرواح وازدواج القلوبلهن، وسكون النفوس إليهن، وأنهن جيمعن لإلنسان من اللذات ما ال ومن اآلفة عشق القيان على كثرة فضائ

.جيتمع يف شيء على وجه األرضفلو أكل . واللذات كلها إمنا تكون باحلواس، واملأكول واملشروب حظ حلاسة الذوق ال يشركها فيه غريها

ولو تنسم أرواح األطعمة . ، إذ كان دما جامدااإلنسان املسك الذي هو حظ األنف وجده بشعا واستقذرهولو أدىن من . الطيبة كالفواكه وما أشبهها عند انقطاع الشهوة، أو أحل بالنظر إىل شيء من ذلك، عاد ضررا

.مسعه كل طيب وطيب مل جيد له لذةفللعني النظر إىل القينة احلسناء . بعافإذا جاء باب القيان اشترك فيه ثالثة من احلواس، وصار القلب هلا را

واملشهية إذ كان احلذق واجلمال ال يكادان جيتمعان ملستمتع ومرتع، وللسمع منها حظ الذي ال مؤونة عليه، .وال تطرب آلته إال إليه

.واحلواس كلها رواد للقلب، وشهود عنده. وللمس فيها الشهوة واحلنني إىل الباه

رفعت القينة عقرية حلقها تغني حدق إليها الطرف، وأصغى حنوها السمع، وألقى القلب إليها امللك، وإذافاستبق السمع والبصر أيهما يؤدي إىل القلب ما أفاد منها قبل صاحبه، فيتوافيان عند حبة القلب فيفرغان ما

جتمع له يف وقت واحد ثالث لذات ال جتتمع له يف شيء قط، وعياه، فيتولد منه مع السرور حاسة اللمس، فيإياكم والنظرة فإنها : " فيكون يف جمالسته للقينة أعظم الفتنة؛ ألنه روى يف األثر. ومل تؤد إليه احلواس مثلهاماع، وتكانفتهما وكفى هبا لصاحبها فتنة، فكيف بالنظر والشهوة إذا صاحبهما الس" . تزرع يف القلب الشهوة

.املغازلةإن القينة ال تكاد تخالص يف عشقها، وال تناصح يف ودها؛ ألهنا مكتسبة وجمبولة على نصب احلبالة والشرك للمتربطني، ليقتحموا يف أنشوطتها، فإذا شاهدنا املشاهد رامته باللحظ، وداعبته بالتبسم، وغازلته يف أشعار

باقتراحاته، ونشطت للشرب عند شربه، وأظهرت الشوق إىل طول مكثه، والصبابة لسرعة الغناء، وهلجتفإذا أحست بأن سحرها قد نفذ فيه، وأنه قد تعقل يف الشرك، تزيدت فيما كانت قد . عودته، واحلزن لفراقه

ه هواه، وتقسم له أنها مدت الدواة شرعت فيه، وأومهته أن الذي هبا أكثر مما به منها، مث كاتبته تشكو إليبدمعتها، وبلت السحاءة بريقها، وأنه شجبها وشجوها يف فكرهتا وضمريها، يف ليلها وهنارها، وأنها ال تريد

سواه، وال تؤثر أحدا على هواه، وال تنوي احنرافا عنه، وال تريده ملاله بل لنفسه؛ مث جعلت الكتاب يف سدس وأحلت يف . وختمته بزعفران، وشدته بقطعة زير، وأظهرت ستره عن مواليها، ليكون املغرور أوثق هبا طومار،

:اقتضاء جوابه، فإن أجيبت عنه ادعت أهنا قد صيرت اجلواب سلوهتا، وأقامت الكتاب مقام رؤيته، وأنشدت ر مليحة نغماتها... وصحيفة حتكي الضمي

Page 171: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

د لطول ما استبطاتها... جاءت وقد قرح الفؤا وبكيت حني قراتها... فضحكت حني رأيتها فتبادرت عرباتها... عيين رأت ما أنكرت حياتها ووفاتها: ك... أظلوم، نفسي يف يدي

:مث تغنت حينئذ حمدثي تارة ورحياين... باب كتاب احلبيب ندماين كاينمث متادى به فأب... أضحكين يف الكتاب أوله

مث جتنت عليه الذنوب، وتغايرت على أهله، ومحته النظر إىل صواحباهتا، وسقته أنصاف أقداحها، ومجشته بعضوض تفاحها، وحتية من رحياهنا، وزودته عند انصرافه خصلة من شعرها، وقطعة من مرطها، وشظية من

را، ويف املهرجان خامتا وتفاحة، ونقشت على خامتها امسه، وأبدت مضراهبا، وأهدت إليه يف النريوز تكة وسك :عند العثرة امسه، وغنته إذا رأته

وصدوده خطر عليك عظيم... نظر احملب إىل احلبيب نعيم وال ذكرته إال الدموع فيه، -إذا غاب -مث أخربته أنها ال تنام شوقا إليه، وال تتهنأ بالطعام وجدا به، وال متل

تنغصت، وال هتفت بامسه إال ارتاعت، وأنها قد مجعت قنينة من دموعها من البكاء عليه، وتنشد عند موافاة :امسه بيت اجملنون

وأشبهه، أو كان منه مدانيا... أهوى من األمساء ما وافق امسها :وعند الدعاء به قوله

فهيج أحزان الفؤاد وما يدري.. .وداع دعا إذ حنن باخليف من مىن أطار بليلى طائرا كان يف صدري... دعا باسم ليلى غريها فكأنما

ورمبا قادها التمويه إىل التصحيح، وربما شاركت صاحبها يف البلوى حتى تأيت إىل بيته فتمكنه من القبلة فما الصناعة لترحض عليه، وأظهرت العلة والتاثت فوقها، وتفرشه نفسها إن استحل ذلك منها، وربما جحدت

ا على املوايل، واستباعت من السادة، وادعت احلرية احتياال ألن ميلكها، وإشفاقا أن جيتاحه كثرة مثنها، وال سيمفإن كان . إذا صادفته حلو الشمائل، رشيق اإلشارة، عذب اللفظ، دقيق الفهم، لطيف احلس، خفيف الروح

.الشعر ويتمثل به أو يترنم كان أحظى له عندهايقول

وربما اجتمع . وأكثر أمرها قلة املناصحة، واستعمال الغدر واحليلة يف استنطاف ما حيويه املربوط واالنتقال عنهعندها من مربوطيها ثالثة أو أربعة على أنهم يتحامون من االجتماع، ويتغايرون عند االلتقاء، فتبكي لواحد

بعني، وتضحك لآلخر باألخرى، وتغمز هذا بذاك، وتعطي وأحدا سرها واآلخر عالنيتها، وتومهه أنها له دون وتكتب إليهم عند االنصراف كتبا على نسخة واحدة، تذكر لكل . اآلخر، وأن الذي تظهر خالف ضمريها

.واحد منهم تربمها بالباقني وحرصها على اخللوة به دوهنم .مل يكن إلبليس شرك يقتل به، وال علم يدعو إليه، وال فتنة يستهوي هبا إال القيان، لكفاه فلو

" .خري نسائكم السواحر اخلالبات : " وقد جاء يف األثر. وليس هذا بذم هلن، ولكنه من فرط املدح

Page 172: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ا يحسنه .القيان وليس يحسن هاروت وماروت، وعصا موسى، وسحرة فرعون، إال دون ممث هن أمهات أوالد من قد بلغ . مث إذا منعهن الزىن غلبه عليهن خمارج بيوت الكشاخنة ترميهن يف حجور الزناة

هلن كل ذنب، وأغضوا منهن على كل عيب .باحلب أن غفروا والسبب فيه واحد، . لوك زال العذروإذا كن يف منزل رجل من السوقة عذرهتن، وإذا انتقلن إىل منازل امل

.والعلة سواءوكيف تسلم القينة من الفتنة أو ميكنها أن تكون عفيفة، وإمنا تكتسب األهواء، وتتعلم األلسن واألخالق باملنشأ، وهي تنشأ من لدن مولدها إىل أوان وفاهتا مبا يصد عن ذكر اهللا من هلو احلديث، وصنوف اللعب

.وبني اخللعاء واجملان، ومن ال يسمع منه كلمة جد وال يرجع منه إىل ثقة وال دين وال صيانة مروة واألخانيث،وتروي احلاذقة منهن أربعة آالف صوت فصاعدا، يكون الصوت فيما بني البيتني إىل أربعة أبيات، عدد ما

ليس فيها ذكر اهللا عن غفلة وال ترهيب يدخل يف ذلك من الشعر إذا ضرب بعضه ببعض عشرة آالف بيت، من عقاب، وال ترغيب يف ثواب؛ وإمنا بنيت كلها على ذكر الزىن والقيادة، والعشق والصبوة، والشوق

.والغلمةمث ال تنفك من الدراسة لصناعتها منكبة عليها، تأخذ من املطارحني الذين طرحهم كله جتميش وإنشادهم

وهي مضطرة إىل ذلك يف صناعتها؛ ألنها إن جفتها تفلتت، وإن أمهلتها نقصت، وإن مل تستفد منها .مراودةوإنما فرق بني أصحاب الصناعات وبني من ال يحسنها التزيد فيها، . وكل واقف فإىل نقصان أقرب. وقفت

الغفلة مل تقدر عليها، وإن ثبتت حجة أيب اهلذيل فيما فهي لو أرادت اهلدى مل تعرفه، ولو بغت. واملواظبة عليهاا جيب على املتفكر زالت عنها خاصته؛ ألن فكرها وقلبها ولساهنا وبدهنا، مشاغيل مبا هي فيه، وعلى حسب م

.اجتمع عليها من ذلك يف نفسها ملن يلي جمالستها عليه وعليهايف رحله بالرغبة كما يقصد هبا للخلفاء والعظماء، فيزار وال يكلف ومن فضائل الرجال منا أن الناس يقصدونه

الزيارة، ويوصل وال يحمل على الصلة، ويهدى له وال تقتضى منه اهلدية، وتبيت العيون ساهرة والعيون ده، مما ليس يف مجيع سامجة، والقلوب واجفة، واألكباد متصدعة، واألماين واقفة، على ما حيويه ملكه وتضمه ي

فمن يبلغ شيئا من الثمن ما بلغت حبشية جارية عون، . ما يباع ويشترى، ويستفاد ويقتىن، بعد العقد النفيسة .مائة ألف دينار وعشرون ألف دينار

ويرسلون إىل بيت مالكها بصنوف اهلدايا من األطعمة واألشربة، فإذا جاءوا حصلوا على النظر وانصرفوا ا غرسوا ويتملى به دوهنم، ويكفي مؤونة جواريهب .احلسرة، وجيتين موالها مثرة م

فالذي يقاسيه الناس من عيلة العيال، ويفكرون فيه من كثرة عددهم وعظيم مؤونتهم، وصعوبة خدمتهم، هو ة الزيت، وال فساد النب: عنه مبعزل يذ؛ قد كفي حسرته إذا نزر، ال يهتم بغالء الدقيق، وال عوز السويق، وال عز

.واملصيبة فيه إذا محض، والفجيعة به إذا انكسرمث يستقرض إذا أعسر وال يرد، ويسأل احلوائج فال يمنع، ويلقي أبدا باإلعظام، ويكنى إذا نودي، ويفدى إذا

عليه، ويتبادرون يف بره، دعي، ويحيا بطرائف األخبار، ويطلع على مكنون األسرار، ويتغاير الربطاء .ويتشاحون يف وده، ويتفاخرون بإيثاره

ا يأخذون، وتحصل هبم الرغائب، ويدرك منهم الغىن: وال نعلم هذه الصفة إال للخلفاء .يعطون فوق م

Page 173: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

امد، وفلذ واملقين يأخذ اجلوهر ويعطي العرض، ويفوز بالعني ويعطي األثر، ويبيع الريح اهلابة بالذهب اجلوبني املرابطني وبني ما يريدون منه خرط القداد؛ ألن صاحب القيان لو مل يترك إعطاء . اللجني والعسجد

ا عن حرمي ضيعته؛ ألن العاشق مىت املربوط سأله عفة ونزاهة، لتركه حذقا واختيارا، وشحا على صناعته، ودفعفما الذي . قص من بره ورفده بقدر ما نقص من عشقهظفر باملعشوق مرة واحدة نقص تسعة أعشار عشقه، ون

.حيمل املقين على أن يهبك جاريته، ويكسر وجهه ويصرف الرغبة عنهولوال أنه مثل يف هذه الصناعة الكرمية الشريفة مل يسقط الغرية عن جواريه ويعىن بأخبار الرقباء، ويأخذ أجرة

ة، ويغفر القبلة، ويتغافل عن اإلشارة، ويتعامى عن املكاتبة، املبيت ويتنادم قبل العشاء، ويعرض عن الغمزويتناسى اجلارية يوم الزيارة، وال يعاتبها على املبيت، وال يفض ختام سرها، وال يسأهلا عن خربها يف ليلها، وال

يصلح لكل واحد يعبأ بأن تقفل األبواب، ويشدد احلجاب، ويعد لكل مربوط عدة على حدة، ويعرف ما ويعرف صاحب الضياع أراضيه ملزارع اخلضر . منهم، كما مييز التاجر أصناف جتارته فيسعرها على مقاديرها

ومن كان ذا مال وال جاه له . فمن كان ذا جاه من الربطاء اعتمد على جاهه وسأله احلوائج. واحلنطة والشعريطان بسبب كفيت به عادية الشرط واألعون، وأعلنت يف زيارته ومن كان من السل. استقرض منه بال عينة

الطبول والسراين، مثل سلمة الفقاعي، وحمدون الصحنائي، وعلي الفامي، وحجر التور، وفقحة، وابن .دجاجة، وحفصويه، وأمحد شعرة، وابن اجملوسي، وإبراهيم الغالم

!.فأي صناعة يف األرض أشرف منهاولو يعلم هؤالء املسمون فرق ما بني احلالل واحلرام مل ينسبوا إىل الكشخ أهلها؛ ألنه قد جيوز أن تباع اجلارية

من امللئ فيصيب منها وهو يف ذلك ثقة، مث يرجتعها بأقل مما باعها به فيحصل له الربح، أو تزوج ممن يثق به .ويكون قصده للمتعة

من حرج، وهل يفر أحد من سعة احلالل إال احلائن اجلاهل، وهل قامت الشهادة بزناء قط يف فهل على مزوجة .اإلسالم على هذه اجلهة

فإن كانت صحيحة فقد أدينا منها حق . هذه الرسالة اليت كتبناها من الرواة منسوبة إىل من مسيناها يف صدرهاوإن كانت منحولة فمن قبل الطفيليني؛ إذ كانوا قد . دوا من احلجة منهاالرواية، والذين كتبوها أوىل مبا قد تقل

.أقاموا احلجة يف اطراح احلشمة، واملرتبطني ليسهلوا على املقينني ما صنعه املقترفون .توفيقوباهللا سبحانه ال. إن هلا يف كل صنف من هذه الثالثة األصناف حظا وسببا فقد صدق: فإن قال قائل

الرسالة اخلامسة عشرة

كتاب ذم أخالق الكتاب

بسم اهللا الرمحن الرحيم

.حفظك اهللا وأبقاك وأمتع بك .قد قرأت كتابك ومدحتك أخالق الكتاب وأفعاهلم، ووصفك فضائلهم وأيامهم، وفهمته

Page 174: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكثر خصماؤه، وخفت املؤونة ومىت وقع الوصف من القائل تقصيا، والنعت من الواصف تألفا، قل شهداؤه ا عرض على املشهود فأزاله، . على جماوبيه يف دعواه، وسهلت مناسبة األدنياء له يف معناه ألن أغلظ احملن م

.وتصفحه املعقول فأحالهه وإذا تقدم املعلول علت. وأضعف العلل ما التمس بعد املعلول، ونصبت له علما على املوجود بعد الوجود

.واملخرب عنه خربه، استغىن عن احلاكم، وظهر عوار الشاهدفقد رأيتك أطنبت بإمحاد هذا الصنف من الناس، وحكمت بفضيلة هذه الطبقة من اخللق، فعلمت أن فرط

اإلعجاب من القائل مىت وافق صناعة املادح رسخ يف التركيب هواه، ورسبت يف القلوب أوتاده، واشتد على ناظر إفهامه، وعلى املخاصم باحلق توقيفه، وكان حكمه يف صعوبة فسخه وتعذر دفعه حكم اإلمجاع إذا القى امل

.حمكم التنزيلولست أدع مع ذلك توقيفك على موضع زللك يف االحتجاج، وتنبيهك على النكتة من غلطك يف االعتالل،

ن مع ذلك رداءة مذاهب الكتاب وأفعاهلم، ولؤم طبائعهم وأبي. مبا ال ميكن السامع إنكاره وال ينساغ له إبطالهأني مل أقل إال بعد احلجة، ومل أحتج إال مع ظهور العلة، مث : وأخالقهم مبا تعلم أنت والناظر يف كتايب هذا

م، ومن أستشهد مع ذلك األضداد تبيانا، وأمجع عليه األعداء إنصافا، إذ كان يف ذلك من التبيان ما يبهره .القول ما يسكتهم

ما ظنك بقوم منهم أول مرتد كان يف اإلسالم، كتب لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فخالف يف : مث أقولكتابه إمالءه، فأنزل اهللا فيه آيات من القرآن هنى فيه عن اختاذه كاتبا، فهرب حتى مات جبزيرة العرب كافرا،

.رحوهو عبد اهللا بن سعد بن أيب سمث استكتب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعده معاوية بن أيب سفيان، فكان أول من غدر يف اإلسالم بإمامه،

.وحاول نقض عرى اإلميان بأثامهفلم ميت حىت أداه - مع طهارة أخالقه وفضائل أيامه -وكتب عثمان بن عفان أليب بكر رضوان اهللا عليهما

.من ذمه من أوليائه عرق الكتابة إىل ذممث كتب لعمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه زياد بن أبيه، فانعكس شر ناشئ يف اإلسالم، نقضت بدعوته السنة،

.وظهرت يف أيامه واليته بالعراق اجلبرية .عليه يف ملكهمث كتب لعثمان بن عفان رضي اهللا عنه مروان بن احلكم، فخافه يف خامته، وأشعل الرعية حربا

ين من البصرية يف الكتاب ما مل ير التنويه بذكر كاتب مث أفضى األمر إىل علي بن أيب طالب رضوان اهللا عنه، فتب .حتى مات

ولو كانت الكتابة شريفة واخلط فضيلة كان أحق اخللق هبا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وكان أوىل الناس ولكن اهللا منع نبيه صلى اهللا عليه وسلم ذلك، وجعل . اداهتم وذوو القدر والشرف فيهمببلوغ الغاية فيها س

مث صير امللك يف ملكه، والشريف يف قومه يتبجج برداءة اخلط، وينبل . اخلط فيه دنية، وصد العلم به عن النبوةوإن كان -ن حلوا، ويرتفع عن الكتاب بيده وإن بعضهم كان يقصد لتقبيح خطه وإن ككا. بشنج الكتاب

.فيكلفه تابعه، وحيتشم من تقليده اخلطري من جلسائه -ماهرا، وكان ذلك عليه سهال

Page 175: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ا بني يدي املأمون خطا أعجبه فقال وددت واهللا أني كتبت مثله وأني مغرم ألف : وكتب أمحد بن يوسف يوما ما حرمه رسول اهللا صلى اهللا ال: فقال له أمحد بن يوسف. ألف تأس عليه يا أمري املؤمنني، فإنه لو كان حظ

.عليه وسلمومل نر عظيما . ومع ذلك إن سنخ الكتابة بين على أنه ال يتقلدها إال تابع، وال يتوالها إال من هو يف معىن اخلادم

كاتب فمحكوم عليه بالوفاء، ومطلوب منه الصرب على وكل. قط تولى كفاية نفسه، أو شارك كاتبه يف عمله .وتلك شروط متنوعة عليه، وحمنة مستكملة لديه. الألواء

وليس للكاتب اشتراط شيء من ذلك، بل يناله االستبطاء عند أول الزلة وإن أكدي، ويدركه العذل بأول .هفوة وإن مل يرض

وليس للكاتب تقاضي فائته إذا أبطأ، وال .وى، واالستبدال به إذا اشتهىجيب للعبد استزادة السيد بالشك .فأحكامه أحكام األرقاء، وحمله من اخلدمة حمل األغبياء. التحول عن صاحبه إذا التوى

مث هو مع ذلك يف الذروة القصوى من الصلف، والسنام األعلى من البذخ، ويف البحر الطامي من التيه يتوهم الواحد منهم إذا عرض جبته وطول ذيله، وعقص على خده صدغه، وحتذف الشابورتني على . رفوالس

.وجهه، أنه املتبوع ليس التابع، واملليك فوق املالكمث الناشئ فيهم إذا وطئ مقعد الرياسة، وتورك مشورة اخلالفة، وحجزت السلة دونه، وصارت الدواة أمامه،

من الكالم فتيقه، ومن العلم ملحه، وروى لبزرمجهر أمثاله، وألردشري عهده، ولعبد احلميد رسائله، وحفظز حكمته ظن أنه الفاروق األكرب يف والبن املقفع أدبه، وصير كتاب مزدك معدن علمه، ودفتر كليلة ودمنة كن

ن جبل يف العلم باحلالل واحلرام، وعلي بن أيب طالب يف اجلرأة التدبري، وابن عباس يف العلم بالتأويل، ومعاذ بعلى القضاء واألحكام، وأبو اهلذيل العالف يف اجلزء والطفرة، وإبراهيم بن سيار النظام يف املكامنات

للغات والعلم واجملانسات، وحسني النجار يف العبارات والقول باإلثبات، واألصمعي وأبو عبيدة يف معرفة امث يظهر ظرفه بتكذيب . فيكون أول بدوه الطعن على القرآن يف تأليفه، والقضاء عليه بتناقضه. باألنساب

فإن استرجح أحد عنده أصحاب الرسول صلى اهللا عليه وسلم فتل عند . األخبار، وهتجني من نقل اآلثارح جرحه، وإن نعت له احلسن استثقله، وإن وإن ذكر عنده شري. ذكرهم شدقه، ولوى عند حماسنه كشحه

دم عنده النخعي استصغره .وصف له الشعيب استحمقه، وإن قيل له ابن جبري استجهله، وإن ق

.مث يقطع ذلك من جملسه سياسة أردشري بابكان، وتدبري أنوشروان، واستقامة البالد آلل ساسانع بذكر السنن إىل املعقول، وحمكم القرآن إىل املنسوخ، ونفي ما ال فإن حذر العيون وتفقده املسلمون، رجال يرتضى من الكتب إال املنطق، وال حيمد إال الواقف، وال يستجيد منها . يدرك بالعيان، وشبه بالشاهد الغائب

.إال السائر .هذا هو املشهور من أفعاهلم، واملوصوف من أخالقهم

أنه مل ير كاتب قط جعل القرآن مسريه، وال علمه تفسريه، وال التفقه يف الدين شعاره، ومن الدليل على ذلك، وال احلفظ للسنن واآلثار عماده، فإن وجد الواحد منهم ذاكرا شيئا من ذلك مل يكن لدوران فكيه به طالقة،

ث، والتشاغل بذكر كتب املتفقهني، استثقله وإن آثر الفرد منهم السعي يف طلب احلدي. وال جمليئه منه حالوة

Page 176: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أقرانه، واستومخه أالفه، وقضوا عليه باإلدبار يف معيشته، واحلرفة يف صناعته، حني حاول ما ليس من طبعه، .ورام ما ليس من شكلهل، وال يبغضه إال أما إنه ال يعجب إال الفحول من الرجا: قال. نعم: أيعجبك احلديث؟ قال: قال الزهري لرجل

!.إناثهم .ولئن وافق هذا القول من الزهري فيهم مذهبا، إن ذلك لبين يف مشائلهم، مفهوم يف إشاراهتم

ا رأيت من معرفة هذا : وسئل ثمامة بن أشرس يوما، وقد خرج من عند عمرو بن مسعدة، فقيل له يا أبا معن، مأيت قوما نفرت طبائعهم عن قبول العلوم، وصغرت مهمهم عن احتمال ما ر: الرجل وبلوت من فهمه؟ فقال

فصار العلم سبب جهلهم، والبيان علم ضاللتهم، والفحص والنظر قائد غيهم، واحلكمة -لطائف التمييز .أكثر من الكتاب -معدن شبههم

ا رأيت شيئا إال وقليله: وذكر أبو بكر األصم ابن املقفع فقال أخف من كثريه إال العلم، فإنه كلما كثر خف م" ولقد رأيت عبد اهللا بن املقفع هذا يف غزارة علمه وكثرة روايته، كما قال اهللا عز ذكره. حممله كمثل احلمار :

.قد أوهنه علمه، وأذهله علمه، وأذهله حلمه، وأعمته حكمته، وحيرته بصريته" . حيمل أسفارا جملس بشر بن املعتمر يوما وعنده املردار، ومثامة، والعالف، يف مجاعة من املعتزلة وأصحاب الكالم، وكنا يف

فتذاكروا العوام واستحواذ الفتنة عليهم يف التقليد، واستغالق قلوهبم بكثري مما ليس يف طبعهم، فتعظمهم .ال يدينون باحلقيقة، وال حيمدون إال ظاهر احللية. علمواوتقضي لكل من نبل منهم بالصواب يف قوله وإن مل ي

ومن الدليل على نذالة طبعهم، والعلم بفسالة رأيهم، تقدميهم بالفضل ملن ال يفهمونه، وقضاؤهم بالعلم ملنال جرت يعرفونه، حتى إهنم يضربون بالكاتب فيما بينهم املثل، وحيكمون له بالبصرية يف األدب، على غري معاشرة

ليس إال أن مهمهم صغرت عنهم، وامتألت قلوهبم منهم، فصار احملفوظ من . بينهم، وال حمبة ظهرت له منهمكيف ال يأمن فالن اخلطأ مع جاللته، وكيف ينساغ ألحد جتهيله مع : أقواهلم، والذي يدينون به من مذاهبهم

مل ينصب هذا مبوضعه إال خلاصة فيه : همه أكربوه، وقالوافإن وقفوا على متييزه هابوه، وإن دعوا إىل تف. نبلهة موسومة وإن قصر علمنا عنهم ولعله عمر بن فرج يف السفه واملباهتة، وإبراهيم بن . وإن جهلناها، وفضيل

م واجلهالة، وآل العباس يف الشره والرقاعة، وجناح بن سلمة يف الطيش والسخافة، وأمحد بن اخلصيب يف اللؤوهب يف النهم والنذالة، وحيىي بن خاقان يف الذل والفاقة، وموسى بن عبد امللك يف الوخم والبالدة، وابن املدبر

.يف اخلب واملكابرة، والفضل بن مروان يف الفدامة مقصورة :ويف عمر بن فرج يقول الشاعر

يف بين فرجال بارك اهللا... ال تطلب اخلري من بين فرج لعنا يقينا بأعظم اهلرج... والعن إذا ما لقيته عمرا

تعدل مقبولة من احلجج... فلعنة إن لعنتها عمرا من ضرب حد يخشى وال حرج... ليس على املفتري على عمر

يه، فلم يأ ذن له حاجبه فانصرف، وأتاه يوما آخر وخبرت أن أبا العتاهية أتى حيىي بن خاقان يوما ليسلم عل :فصادفه حني نزل فسلم عليه، ودخل حيىي إىل منزله ومل يأذن له، فكتب إليه أبو العتاهية من ساعته رقعة فيها

Page 177: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ISLAMICBOOK.WS مين| ٢٠١٠ المسل لجميع جميع الحقوق متاحة

Page 178: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لرسائل : كتاب ااجلاحظ : املؤلف حبر عثمان عمرو بن أيب

فما هذا يروعك من خيايل... أراك تراع حني ترى خيايل أال فلك األمان من السؤال... لعلك خائف مني سؤاال

ألطلب مثلها بدال حبايل... كفيتك إن حالك مل متل يب هما منيت فما أبايلبأي... وإن العسر مثل اليسر عندي

فلما قرأ حيىي بن خاقان رقعته ووثق بأمانه من السؤال أذن له، فخرج احلاجب فوجده قد انصرف، ومل يعد .إليه، وال التقيا بعد ذلك

خلق حلوة، ومشائل معشوقة، وتظرف أهل : وجلس اجلاحظ يوما يف بعض الدواوين، فتأمل الكتاب فقالر أهل العلم، فإن ألقيت عليهم اإلخالص وجدهتم كالزبد يذهب جفاء، وكنبتة الربيع يحرقها الفهم، ووقا

اهليف من الرياح؛ ال يستندون من العلم إىل وثيقة، وال يدينون حبقيقة؛ أخفر اخللق ألماناهتم، وأشراهم .بونبالثمن اخلسيس لعهودهم؛ الويل هلم مما كتبت أيديهم وويل هلم مما يكس

ال : مث وصف أصحاب الصناعات، وذكر تعاطف أهلها على نظرائهم، وتعصب رجاهلا على غريهم فقالأعلم أهل صناعة إال وهم جيرون يف ذلك إىل غاية حممودة، ويأتون منه آية مذكورة، إال الكتاب، فإن

.يف نكاية رجل من أهل صناعته أحدهم يتحاذق عند نظرائه باالستقصاء على مثله، ويسترجح رأيه إذا بلغهم كاهلرمة من الكالب يف مرابضها، مير هبا أصناف الناس فال حترك، : مث ضرب هلم يف ذلك مثال، مث قال

.وإن مر كلب مثلها هنضت إليه بأمجعها حتى تقتلهنده مجاعة من الكتاب، وحدثين عمر بن سيف، أنه حضر جملس أيب عباد ثابت بن حيىي يوما يف منزله، وع

ووصف تقاطعهم عند االحتياج، وعدم : فذكر ما هم عليه من مالئم األخالق ومدانس األفعال، قالمعاشر الكتاب، ما أعلم أهل صناعة أمأل لقلوب العامة : تعاطفهم عند االختالل، وزهدهم يف املواصلة فقال

كم يف غاية التقاطع عند االحتياج، ويف ذروة الزهد يف مث إن. منكم، وال النعم على قوم أظهر منها عليكموإنه ليبلغين أن رجال من القصابني يكون يف سوقه، فيتلف ما يف يديه، فيخلى له . التعاطف عند االختالل

ته، القصابون سوقهم يوما، وجيعلون له أرباحهم، فيكون برحبها منفردا، وبالبيع مفردا، فيسدون بذلك خلوإنكم لتناكرون عند االجتماع والتعارف، تناكر الضباب والسالحف، مث مع . وجيربون منه كسره

استحواذكم على صناعتكم، وقلة مالبسة أهل الصناعات هلا معكم، مل أر صناعة من الصناعات إال وقد إال صناعتكم هذه؛ فإن املتعاطى جيمع أهلها غريها إليها فيعانوهنا مجيعا، وينزلون لضرب من التجارات معا،

مث كأنكم . هلا منكم، واملتسمي هبا من نظرائكم، ال يليق به مالبسة سواها، وال ينساغ له التشاغل بغريها !.أف لكم وألخالقكم. أوالد عالت، وضرائر أمهات، يف عداوة بعضكم بعضا، وحنق بعضكم على بعض

ولوال ذلك مل يكن سائر أهل التجارات واملكاسب بنظرائهم بررة، ومن ورائهم هلم إن للكتاب طبائع لئيمة، .قبح اهللا الذي يقول قضينا يف األمور باألغلب. حفظة، وأنتم ألشكالكم مذلون، وألهل صنائعكم قالون

Page 179: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وعرفنا علل الناس يف مكاسبهم وتعاملهم، فمن كانت علته أكرم كان كرم فعاله أعم .ت أعلم علة يف مكتسب أنبل عند اخلاصة من مكسبكمولس

كتب سامل هلشام ابن عبد امللك، وكان أشد الناس غلطا، : مث وصف من سلف من هذه الطبقة يوما فقال .وأضعفهم رأيا، وكان هشام يحضره فيسمع من ضعفه ويستميحه الرأي، يهزأ به

.كانت ضعفة املؤدبني فيهمث كتب هلم مسعدة وكان مؤدبا، ومث كتب هلم عبد احلميد وكان معلما، وبتحامله على نصر بن سيار انتقضت خراسان، وزال ملك بىن

.مروانمث كتب لبين العباس عبد اهللا بن املقفع، فأغرى هبم عبد اهللا بن علي، ففطن له وقتل وهدم البيت على

.صاحبه .روة، وكان زنديقا، فطلب فاختفى بالكوفة والنيل حتى هلكمث كتب هلم يونس بن أيب ف

.واستكتب الرشيد أزدانقاذار على ديوان اخلراج، وكان ثنويا .مث مل ينوهوا بذكر كاتب حتى وىل املأمون، فقدم معه ابن أىب العباس الطوسى، فبه انتشرت السعاية بالعراق

مؤدبا، وكان سخيفا حديدا، ومل يزل مبكانه يف ديوانه قيما البن أيب خالد واستكتب أبا عباد، وكان بالرى .األحول واالسم له

مث كتب له رجاء بن أيب الضحاك، وكان أظلمهم وأغشمهم، واستخلف حفصويه على ديوان اخلراج، .وكان ركيكا لسعايته

.مث كتب هلم ابن يزداد، وكان أشقاهم، حتى هلك .مرو بن مسعدة، وكان رسائليا فقطوكتب هلم ع

واسترجح املأمون وهو خبراسان قبل مقدمه من كتاب العراق على غري بلوى إبراهيم بن إمساعيل بن داود، وأمحد بن يوسف، فلما قدم امتحنهما فتعنتا، فاستنهضهما يف األعمال ففشال، فلم يعمال على شيء حتى

.هلكافإن كان ذلك صحيحا فقد كانت صبابته هبا على جهة التقليد . تهم بالثنويةوكان إبراهيم شعوبيا، وكان ي

.وهذه علة املرتد من سائر الكتاب. فيها، ال على جهة التفتيش واالحتجاج فيهاإن حمض العمى التقليد يف الزندقة؛ ألنها إذا رسخت يف قلب امرئ تقليدا أطالت : وقد قال أهل الفطن

.غلق على أهل اجلدل إفهامهجرأته، واست .وكان أمحد بن يوسف مأفونا، وهو أول من قرف باآلفة املخالفة لطبع الكتابفلقن إبراهيم من سائر . واستقضى على ديوان اخلراج واجلند إبراهيم احلاسب، واحلسن بن أىب املشرف

ى هلك، فكان الذي وضعه وأدناه اآلداب والعلوم علم احلساب فقط، ومل يفزع إليه يف قضية وال رأى حت .شرهه، وهي علة قائمة يف كتاب اجلند خاصة

يا حسن، : " واستضعف والة الدواوين احلسن بن أىب املشرف عند قول الفضل مروان له وهو على الوزارة

Page 180: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ال بعلمه، احتجنا إىل رجل جزل يف رأيه، متوفر ألمانته، متصرف يف األمور بتجربته، مستقدر على األعمأصلحك -وجدته لك : فأجابه سريعا قال" . تصف لنا مكانه، وتشري علينا به، فنقلده جسيما من عملنا

هذا من غريك فيك أحسن منك : وأحل يف قوله، فتبسم الفضل وقال. أنا: من هو؟ قال: قال. كذلك -اهللا هم يف الرزق مرتبة، وأعظمهم غناء أقلهم وحسبك بقوم أنبلهم أخس! بلسانك لك، نعود وننظر إن شاء اهللا

العشر من رزق صاحب - وبلسانه خياطب اخللق - يرزق صاحب ديوان الرسائل . عند السلطان عقالاجلزء من رزق صاحب النسخ يف ديوان -وخبطه يكون مجال كتب اخلليفة -ويرزق احملرر . اخلراجفإذا أبرم الوزراء التدبري، ووقفوا منها على . ائبة، وال يفزع إليه يف حادثةال حيضر كاتب الرسائل لن. اخلراج

التقدير، طرحت إليه رقعة مبعاىن األمر لينسق فيه القول، فإذا فرغ من نظامه واستوى له كالمه، أحضر له .لك فهما والعوام سواءحمرره فجلس يف أقرب املواطن من اخلليفة، وأمنع املنازل من املختلفة، فإذا تقضى ذ

هذا وليست صناعتهما بفاشية يف الكتاب، وال مبوجودة يف العوام؛ فأغزرهم علما أمهنهم، وأقرهبم من فكيف بكاتب اخلراج الذي علمه ليس مبحظور، وإشراك الناس فيه ليس مبمنوع، يصلح . اخلليفة أهوهنم

د نفسه التعقد على اخلصوم، وأسعد أموره اليت يرجو هبا ملوضعه كل من عمل وعمل عليه، أمحد أحواله عنوأحذق ما يكون بصناعته عند نفسه حني يأخذ بإبطال السنن، ويعمل بفلتات . البلوغ الشره ومنع احلقوق

.الدفوع .ال تفعل: فقال! يا أبا عمرو، الكتاب شرار خلق اهللا: ولذلك ما ذكر أن بعض رجال الشعيب قال له

.ولكن الشعيب كان لسلطانه مدارياحممود بن عبد الكرمي، كان حميد بن عبد احلميد عند دخول املأمون مدينة السالم وبعد : ومن كتاب اجلند

سكون اهليج ومخود النائرة، رفع إىل املأمون يذكر أن يف اجلند دغال كثريا ممن دخل فيهم بسبب تلك م قوم من غري أهل خراسان ممن تشبه هبم وادعى إليهم من األعراب والدعار، احلروب يف أيام األجناد وه

وممن ال يستحق الديوان، وقوم من أهل خراسان صارت هلم اخلواص السنية، ومل يكن هلم من الغناء ما ومل يكن . تصنيف اجلند يستحقون به مثلها وذكر أن بيت املال ال حيتمل ذلك، وسأل املأمون أن يوليه

مذهب حميد يف ذلك التوفري على املأمون، وال الشفقة على بيت مال املسلمني، ولكنه تعصب على أبناء أهل خراسان، واضطغن عليهم حماربتهم إياه أيام احلسن بن سهل مع ولد حممد بن أيب خالد وغريهم، وما

.، وما ذهب له من األموال بذلك السببكانوا قد انتحوه به من تلك الوقائع واهلزائم

فواله املأمون التصنيف، وأمر للجند برزق شهرين، فولى محيد العطاء والتصنيف حممود ابن عبد الكرمي الكاتب، وعرف حممود ما غزا محيد، فتحامل على الناس واستعمل فيهم األحقاد والدمن، فخفض األرزاق،

أحنى على أهل الشرف والبيوتات، حسدا هلم وإشفاء لغليل صاحبه وأسقط اخلواص، وبعث يف الكور ومنهم، فقصد هلم باملكروه والتعنت، فامتنعت طائفة من الناس من التقدم إىل العطاء وتركوا أمساءهم، وطائفة

.انتدبوا مع طاهر بن احلسني خبراسان، فسقط بذلك السبب بشر كثرياياهم؛ واكتسب حممود بن عبد الكرمي املذمة، وصار ملعنة يف حمال بغداد مث إن املأمون أمر للناس بتمام عط

Page 181: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ويف جمالسها وطرقهازيد بن أيوب الكاتب، عمل يف ديوان اجلند أربعني سنة، مث صار يف آخر عمره قوادا ليحىي بن : ومنهم

فرض إىل زيد بن أيوب، وذلك أن املأمون أمر له بفرض، فصري حيىي بن أكثم أمر ذلك ال. أكثم القاضىففي . فكان آمر ذلك الفرض مشهورا متعاملا. وأمره أال يفرض إال ألمرد بارع اجلمال، حسن القد والصورة

:ذلك يقول احلسن بن علي احلرمازي لزيد بن أيوب أكل هذا طلب للمعاش... يا زيد يا كاتب فرض الفراش

قبل الكباشيثبت يف القرنني... مايل أرى فرضك محالهنم وعلى ذلك فإنه مل يبلغين أنه كان يف والة ديوان اجلند وال يف كتاهبم مثل املعلى بن أيوب يف نبله وارتفاع

فكان املأمون يعرف له . مهته، وكرم صحبته، وعفافه، ومجيل مذهبه، وشدة حماماته عمن صحبه وحترم به .يته، ومحد أثرهذلك ومن بعده من اخللفاء، فثبتت وطأته، ودامت وال

قد أتينا على بعض ما أردنا فيما له قصدنا، ومل نستعمل االنتزاعات فيما ذكرنا، وأعرضنا عن التأويالت فيما وصفنا، وقصدنا إىل املأثور فحكيناه، وإىل املذكور يف األزمنة فأجريناه، لئال جيد الطاعن فيما وصفنا

ويف . أن من عاند مع ذلك فقد دفع عيانا وأنكر كائنا مذكورامقاال، واملنكر لذم ما ذممنا مساغا، وعلمنا .ذلك دليل باهر على اضمحالله، وشاهد عدل ألضداده

ولو حكينا كل ما يف هذا اجلنس من األقوال، وما يدخله من املقايسات واألشكال، لطال الكتاب،وملله تمام، وعلمنا أن الناظر فيه إن كان فطنا أقنعه الناظر املعجاب، فاكتفينا باجلزء من الكتاب، والبعض دون ال

وباهللا الكفاية . القليل فقضى، وإن كان بليدا جهوال مل يزده اإلكثار إال عيا، ومن العلم مبا له قصدنا إال بعدا .والتوفيق

واحلمد هللا . بعون اهللا ومنه ومشيئته وتوفيقه، واهللا تعاىل املوفق للصواب" ذم أخالق الكتاب " مت كتاب .أوال وآخرا، وصلواته على سيدنا حممد نبيه وأصحابه الطيبني الطاهرين وسالمه، وهو حسبنا ونعم الوكيل

الرسالة السادسة عشرة

كتاب البغال

بسم اهللا الرمحن الرحيم

نبيائه احلمد هللا، وعلى اسم اهللا، وال حول وال قوة إال باهللا، وصلى اهللا على سيدنا حممد خاصة، وعلى أ .عامة

كان وجه التدبري يف مجلة القول يف البغال، أن يكون مضموما إىل مجلة القول يف احلافر كله، فيصري اجلميع .واهللا املقدر والكاىف" . كتاب احليوان " مصحفا تاما، كسائر مصاحف

د األخالط، وقد منع من ذلك ما حدث من اهلم الشاغل، وعرض من الزماتة، ومن ختاذل األعضاء، وفسا

Page 182: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وما خالط اللسان من سوء التبيان، والعجز عن اإلفصاح، ولن جتتمع هذه العلل يف إنسان واحد، فيسلم .معها العقل سالمة تامة

وإذا اجتمع على الناسخ سوء إفهام اململى، مع سوء تفهم املستملى، كان ترك التكلف لتأليف ذلك .كل البال، واستفراغ كل القوى الكتاب أسلم لصاحبه من تكلف نظمه على مجع

.فأما اهلمة وتشعب اخلواطر املانعة من صحة الفكر، واجتماع البال، فهذا ما البد من وقوعهوقد علمنا أن اخلرية مقرونة بالكره، وباهللا . فليكن العذر منك على حسب احلال، واخلرية فيما صنع اهللا

.التوفيق

عناية األشراف بالبغال

شاء اهللا، مبا وصف األشراف من شأن البغلة، يف حسن سريهتا، ومتام خلقها، واألمور الدالة على نبدأ إنالسر الذي يف جوهرها، وعلى وجوه االرتفاق هبا، وعلى تصرفها يف منافعها، وعلى خفة مئونتها يف التنقل

ون من عيوهبا؟ ومل آثروها على ما هو يف أمكنتها وأزمنتها، ومل كلف األشراف بارتباطها، مع كثرة ما يزعمأدوم طهارة خلق منها؟ وكيف ظهر فضلها مع النقص الذي هو فيها؟ وكيف اغتفروا مكروه ما فيها، ملا

:وجدوا من خصال احملبوب فيها؟ حىت صار الرجل منهم ينشد العذال فيها كقول السعدي نا علي خطوبهاتلون ألوا... أخ يل كأيام احلياة إخاؤه

دعتين إليه خصلة ال أعيبها... إذا عبت منه خصلة فهجرته ، ولقبوا " رواض البغال " ولقد كلف بارتباطها األشراف، حىت لقب بعضهم من أجل استهتاره هبا ب

:؛ هذا مع طيب مغارسهم، وكرم نصاهبم، ولذلك قال الشاعر" عاشق البغل " ب : آخر وانسل بين غرارتيه األعور... علب الرواض بعد مراحه وتث

:وهجاه أيضا الفرزدق بأمر احلجاج، ففحش عليه، حىت قال له اخليل من أحراح زوجيه معشرا... وأفلت رواض البغال ومل تدع

:وقال لشريف آخر ت بعاشق البغلحتى رمي... ما زلت يف احللبات أسبق ثانيا

يوم الرهان وساعة احلفل... لو كان شاور ما عبأت به ما زلت يف احللبات أسبق " رائض كان ببغداد، والشاعر رجل من بين هاشم؛ ومل يعن بقوله : وشاور هذا

.أنه جاء ثاىن اثنني، وإمنا ذهب إىل أنه جاء متمهال، وقد ثىن من عنانه" : ثانيا أبغىن بغلة حصاء الذنب، عظيمة احملزم، طويلة العنق، : " ح بن عبد امللك بن مروان إىل وكيل لهوكتب رو

" .سوطها عناهنا، وهواها أمامها " .ما ركب الناس مثل بغلة قصرية العذار، طويلة العنان : " وكان مسلمة بن عبد امللك يقول

بد الرمحن بن عباس بن ربيعة بن احلارث بن املطلب، وكان ركابا وقال صفوان بن عبد اهللا بن األهتم، لعإهنا نزلت عن : " قال" مالك وهذا املركب الذي ال تدرك عليه الثار، وال ينجيك يوم الفرار؟ : " للبغلة

Page 183: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

م، فإذا علمتم إنا نعلمك: " فقال صفوان" . خيالء اخليل، وارتفعت عن ذلة العير، وخري األمور أوساطها . ؛ حلذقه بركوهبا، ولشغفه هبا، وحسن قيامه عليها" رواض البغال : " وهو الذي كان يلقب! تعلمنا منكمأريدها واسعة اجلفرة، مندحة السرة، شديدة العكوة، بعيدة اخلطوة، لينة الظهر، مكربة : " وكان يقول

" .، طويلة األنقاء الرسغ، سفواء جرداء عنقاءإذا اشتريت بغلة فاشترها طويلة العنق، جندة يف جنائها مشرفة : " مسعت رجال يقول: وقال ابن كناسة

" .اهلادى، جندة يف طباعها، ضخمة اجلوف، جندة يف صربها :قال الراجز. والعرب تصف الفرس بسعة اجلوف

و الذكرببطنه يعد... غشمشم يعلو الشجر .مل يسبق احللبة قط أهضم: قال األصمعيجواد : فإن صدقوا قالوا: فأنشدت رؤبة قوله: كان نابعة اجلعدي أوصف الناس لفرس، قال: وقال يونس

.ما كنت أظن املرهف منها إال أسرع: مجرب ضليع، ومن خري اجلياد ضليعها فقال .صاحيب خيلومل يكن رؤبة وأبوه : قالوا

أصلح اهللا األمري، أال : ما هذا يا أبا صفوان؟ قال: وقال سليمان بن علي خلالد بن صفوان، ورآه على محاراإلبل للحمل والزمل، والبغال لألسفار واألثقال، واخليل للطلب : " قال. بلى: أخربك عن املطايا؟ قال

" . فللدبيب واملرفق واهلرب، والرباذين للجمال والوطاءة، وأما احلمري، وفرس " يعفور " ، ومحار يسمى " دلدل " وكانت للنيب صلى اهللا عليه وآله وسلم بغلة تسمى : قالوا

" .والقصواء " ، " العضباء : " ، وله ناقتان" السكب " يسمى عبد اهللا بن وهب الشهباء، اليت غنمها وكان علي بن أيب طالب، رضوان اهللا عليه، يكثر ركوب بغلة : قالوا

هذا يف قول الشيعة، وأما غريهم فينكرون أن يكون علي، كرم اهللا وجهه، يرى أن يغنم شيئا . يوم النهروان .من أموال أهل الصالة، كما مل يغنم من أموال أصحاب اجلمل

:قال البقطري، ويكىن أبا عثمان، وامسه فهدان

رأيتك على فرس كرمي، مث رأيتك على عير لئيم، مث رأيتك قد : بن عبد اهللا املزين، فقال لهلقى رجل بكر .البغال أعدل، وسريها أقصد: قال! أدمنت ركوب هذه البغلة

حدثين حكيم بن حكيم، عن : حدثين أيب إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: علي بن املديين قالكأين أنظر إىل علي بن أيب طالب، رضوان اهللا عليه، على بغلة رسول اهللا : م، عن أمه، قالتمسعود بن احلك

" .صلى اهللا عليه وسلم الشهباء، يف شعب األنصار .رأيت عثمان بن عفان رضي اهللا عنه، على بغلة بيضاء، يضفر حليته: وبروى عن عبد الرمحن بن سعد، قال

كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يوم : عن كثري بن العباس، عن أبيه، قالومن حديث الزهري وغريه، .يف حديث طويل يف املغازي" حنين على بغلته الشهباء

وهذه كلمة " . اآلن محى الوطيس : " فخضهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وقال: ويف هذا احلديث

Page 184: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

: " ، وكذلك قوله" مات حتف أنفه : " قه إليها أحد، وكذلك قولهلرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، مل يسبال يلسع املؤمن من : " ، وكذلك قوله" هدنة على دخن : " ، وكذلك قوله" كل الصيد يف جوف الفرا

.فصارت كلها أمثاال" . جحر مرتني ان هشام بن عبد امللك أكثر الناس وك. وكان ابن أيب عتيق يركب البغال، وكذلك ابن أيب ربيعة: قالوا

.ركوبا هلالو بعثتم إىل أم املؤمنني رضي : " قال قوم وعثمان رضي اهللا عنه حمصور: وعن أيب األشهب، عن احلسن قال

فأرسلوا إىل أم حبيبة بنت أيب سفيان، وامسها رملة، فجاءت على " . اهللا عنها فركبت، فلعلهم أن يكفوا .ال تدخل، فردوها -واهللا - ال : قالوا. أم املؤمنني، أم حبيبة: من هذه؟ قالوا: قالوا. فةبغلة شهباء يف حم

وقع بني حيين من قريش منازعة، فخرجت عائشة أم املؤمنني رضي اهللا عنها على بغلة، فلقيها ابن : وقالواواهللا ما غسلنا رءوسنا من يوم : قال. نأصلح بني هذين احليي: إىل أين جعلت فداك؟ قالت: أيب عتيق، فقال

.فضحكت وانصرفت! يوم البغل: اجلمل، فكيف إذا قيلحديث مصنوع، ومن توليد الروافض، فظن الذي ولد هذا احلديث، أنه إذا أضافه إىل - حفظك اهللا -هذا

ولو . عن أم حبيبة وصفيةابن أيب عتيق، وجعله نادرة وملحة، أنه سيشيع، وجيري عند الناس جمرى اخلرب .ملا طمع يف جواز هذا عنه - رضي اهللا عنها -عرف الذي اخترع هذا احلديث طاعة الناس لعائشة

منيت بأشجع الناس، يعين الزبير؛ وأجود : منيت بأربعة: " -كرم اهللا وجهه - وقال علي بن أيب طالب " .بن منية؛ وأطوع الناس يف الناس، يعين عائشة الناس، يعين طلحة؛ وأنض الناس، يعين يعلى

رسوال فال -رضي اهللا عنها - ومن بعد هذا، فأي رئيس قبيل من قبائل قريش كانت تبعث إليه عائشة يسارع، أو تأمره فال يطيع، حىت احتاجت أن تركب بنفسها؟ وأي شيء كان قبل الركوب من املراسلة

التقدمي والتأخري، حىت اضطرها األمر إىل الركوب بنفسها؟ وإن شرا يكون بني حيين واملراوضة واملدافعة وإىل الركوب فيه، لعظيم اخلطر، -رضي اهللا عنها -من أحياء قريش، تفاقم فيه األمر، حىت احتاجت عائشة

ء كان؟ وما سببه؟ ومن مستفيض الذكر؛ فمن هذا القبيالن؟ ومن أي ضرب كان هذا الشر؟ ويف أي شينطق من مجيع رجاالت قريش فعصوه وردوا قوله، حىت احتاجت عائشة فيه إىل الركوب؟ ولقد ضربوا

" .أمكم ! أمكم: " قوادمي اجلمل، فلما برك ومال اهلودج صاح الفريقانوز مثل هذا احلديث فأمر عائشة أعظم، وشأهنا أجل، عند من يعرف أقدار الرجال والنساء، من أن يج

.املولد، والشر اجملهول، والقبيلتني اللتني ال تعرفانواحلديث ليس له إسناد؛ وكيف وابن أيب عتيق شاهد باملدينة، ومل يعلم بركوهبا، وال هبذا الشر املتفاقم بني

أمري وال قاض إال هذين القبيلني؟ مث ركبت وحدها، ولو ركبت عاثشة ملا بقي مهاجري وال أنصاري، وال .ركب؟ فما ظنك بالسوقة واحلشوة، وبالدهماء والعامة

رواة األخبار

Page 185: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وما هو إال أن ولد أبو خمنف حديثا، أو الشرقي بن القطامي، أو الكليب، أو ابن الكليب، أو لقيط املحاريب، سن املدائين مث صوره يف كتاب، وألقاه يف الوراقني، إال أو شوكر أو عطاء امللط، أو ابن دأب، أو أبو احل

.وهؤالء كلهم يتشيعون. رواه من ال حيصل وال يثبت وال يتوقف

يا عجبا للناس، كيف يكتبون عن محاد وهو يصحف ويكذب ويلحن : " وكان يونس بن حبيب يقول " !.ويكسر

ادة، وأيب عمرو بن العالء وابنجعدبة، ويونس بن حبيب، وأيب ومن أراد األخبار فليأخذها عن مثل قتعبيدة، ومسلمة بن محارب، وأيب عاصم النبيل، وأيب عمر الضرير، وخالد بن يزيد األرقط، وحممد بن

وهو ابن عائشة األصغر، ويأخذها عن أيب اليقظان - وهو ابن عائشة األكرب، وعبيد اهللا بن حممد -حفص فإن هؤالء وأشباههم مأمونون، وأصحاب توق وخوف من الزوائد، وصون ملا يف أيديهم، . سحيم بن قادم

.وإشفاق على عدالتهم

احلاجة إىل البغال

وملا خرج قطر قطري بن الفجاءة، أحب أن جيمع إىل رأيه رأي غريه، فدس إىل األحنف بن قيس رجال، أما إنهم إن جنبوا بنات الصهال، : " فلما فعل قال األحنف. وحيفظ عنه ما يقول ليجرى ذكره يف جملسه،

" .وركبوا بنات النهاق، وأمسوا بأرض وأصبحوا بأرض، طال أمرهم فال نرى صاحب احلرب يستغين عن البغال، كما ال نرى صاحب السلم يستغين عنها، ونرى صاحب : قالوا

.ب احلضرالسفر فيها كصاحمر بنا : قال - وامسه ملازة بن زبار - قال األصمعي عن جرير بن حازم عن الزبري بن اخلريت، عن أيب لبيد

.زياد يف سكتنا هذه، وهو على بغلة قد لوى رسنها على عنقها حتت اللجام، ومعه رجل أو رجالن .هذا وزياد على العراق أمجع

فلما . لد بن عبد اهللا مقدمه من الشام، وركب ابن هبيرة بغلته، ووقف له يف املضيقوهتيأ الناس خلا: قالكيف أنت يا أبا : طلع خالد غمز ابن هبيرة بغلته غمزة فإذا ابن هبرية بينه وبني الذي كان يسايره، فقال

: فقال عمر! فررت مين فرار العبد :فقال له خالد! اهليثم؟ وليت منا أمرا تولى اهللا أحسنه، ولك منا املكافأة " !.قاتله اهللا : " فانتهى اخلرب إىل هشام، فقال! حني منت عن نوم األمة

محل البغال للهدايا

واهلدايا النفيسة، والطرف العجيبة، والكرامات الثمينة، اليت أهدتها بلقيس بنت ذي شرح إىل : قالوابل أنتم : " أنه قال - عليهما السالم - اهللا عن سليمان بن داود سليمان بن داود، هي اهلدايا اليت أخرب

وهي إىل سليمان، وسليمان هو الذي أعطاه اهللا -ومل تكن امللكة تبتهج بتلك اهلدايا " . هبديتكم تفرحون

Page 186: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ملكا ال ينبغي ألحد من بعده إال وهي هدايا شريفة .ى البغال الشهبفهذه اهلدايا الشريفة إنما كانت عل: قالوا

إيثار البغال يف الركوب

.وكان ممن يركبها كثريا إمساعيل بن األشعث، وعبد الرمحن بن حممد بن األشعثدعين أهيج عليك عمك أبا الفضل : وقال حوشب بن يزيد بن رويم لعبد الرمحن بن حممد بن األشعث: قال

.إمساعيل بن األشعث. يا أبا الفضل، إن ابن أخيك زعم أن بغلتك جاللة: فقال. فإنه ضعيف، فأشفق عليهال تعرضين له، : قالما كان : قال عبد الرمحن! لكن بغلته لو أفلتت ما تركت بيت زانية وال بيت مخار، إال وقفت عليه: قال

لك بن مروان، وأرادت وملا وفدت عائشة بنت طلحة على عبد امل! أغنانا عما أظهرت لنا من ضعف شيخنا :احلج، محلها وأحشامها على ستني بغال من بغال امللوك؛ فقال عروة بن الزبير

أكل عام هكذا حتجني... يا عيش يا ذات البغال الستني :فقال اجلماز وهو يهجوه. وكان مروان أبو السمط يركب بغلة له بالبصرة، ال يكاد يفارقها

بباب عثمان وسوق الرقيق... احلريق : تمع الناس وصاحوااج فأنشد الشعر فأطفأ احلريق... فجاء مروان على بغلة

مل يصب شاعر قط ما أصاب أبو السمط، وال أصاب : وكان حسده حني مسع قائال يقول. يرمي شعره بالربد .حجام ما أصاب أبو حرملة

:فقالوقد هجاه أيضا ن ومتوز وآب... يا أبا السمط، حزيرا

لك يف ذاك ثواب... كن لنا منها مجريا بشعير يذهب احلر ويهنينا الشراب

أفتراها خلفت رزقها : قال. ملؤونتها: ومل؟ قال: قال. بعتها: ما فعلت بغلتك؟ قال: وقال ابن سريين لرجلما : فقال الشعيب. بال بغلي فتنحيت: السميت، عن مجالد، فيما أحسب، قالعندك؟ وذكر يوسف بن خالد

.عليك لو أصابك

.بغلة خلاصة نفسه، وبغلة للعارية: وكانت البن سريين بغلتان: قالقد : "فكتب إليه. إن بغليت قد عجزت، فإن رأيت أن تأمر يل بدابة فافعل: وكتب سليمان بن هشام إىل أبيه

. فهمت كتابك، وما ذكرت من ضعف بغلتك، وما ذاك إال لقلة تعهدك، فتفقدها، وأحسن القيام عليها " .ويرى أمري املؤمنني يف ذلك رأيه

نوادر وأخبار يف البغال

Page 187: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ما : قال ما يقول؟: ادعى رجل على اهليثم بن مطهر الفأفاء أنه سرق بغال؛ فقال له الوايل: ومن النوادر، قالألي شيء يستنكهين؟ آكلت البغل؟ : قال. أصلحك اهللا، إنه سكران فاستنكهه: قال: أعرف مما يقول شيئا

:وقال آخر يهجو رجال شحا على احلب من لقط العصافري... يا حابس الروث يف أعفاج بغلته

:وهذا شبيه بقول الشاعر حسبت اخلبز يف جو السحاب. ..رأيت اخلبز عز لديك حتى

ولكن خفت مرزئة الذباب... وما روحتنا لتذب عنا .وهذا ليس من اهلجاء املوجع، وإمنا اهلجاء ما يكون يف الناس مثلة

كنت أرجو أن يكسد! واهلفاه: علمت أن برذون صاحب احلبس نفق؟ قال: قالوا حلمدان أيب سهل اللحياين .قد نفق، من نفاق السلعة: فظن أن قوله. فيخسر، فإذا هو قد باع وربح

:ومثل هذا وليس من ذكر البغال يف شيء، ما مسع رجل رجال ينشد قوله فلما رأوين معدما مات مرحب... وكان أخالئي يقولون مرحبا

ونظر أبو احلارث جمين إىل أتان وحش ينزى ! الممرحب مل ميت، قتله علي بن أيب طالب عليه الس: فقال :عليها محار أهلي، فأنشد

رمل ما أنف خاطب بدم... لو بأبانني جاء خيطبها :ونظر إىل برذون يستقى عليه املاء، فأنشد

ففي صاحل األعمال نفسك فاجعل... وما املرء إال حيث جيعل نفسه .لج مل يصبه ما أصابههذا لو مه

وكان أليب احلارث بغل قطوف، فلما أعياه استقى عليه املاء؛ فرآه يوما يف الطريق، وعليه مزداة : قالوالو مشى حتت اخلفيف كما ميشي حتت الثقيل، وكان اإلنسان : ثقيلة، وهو ميشي حتتها مشيا وطيئا؛ فقالونظر أعرايب إىل بغل سقاء، وقد تفاج : قال! رحبت أنا الوطاءةأحب إليه من الراوية، ربح هو الكرامة، و !.إنها إحدى الغوائل، قطع اهللا منك الوتني: فقال األعرايب. ليبول، فاستحثه باملقرعة، وقطع عليه البول

، ويف كان يف طريق املوصل سكة بريد، وبقرب السكة مسجد ومستراح للمسافر: قال إبراهيم بن داحةتلك السكة بغل ال يرام وال ميانع، وكان إذا انقلت من قيده وسلسلته، وقد عاين برذونا أو بغال أو فرسا، اغتصبه نفسه، واقتسره اقتسارا، فال ينزع عنه حىت يكومه، ورمبا قتله، لعظم جردانه، وإن كان عليه راكبه

ى فرس له أعرايب أعجف بادي احلراقيف، حىت نزل عن فرسه صرعه، ورمبا قتله، حىت جاء شيخ أعرايب علعلى دكان ذلك املسجد، وعلق املخالة يف رأسه، وحل حزامه، وترك عليه سرجه، وأخذ مخالته، وجاء

البغل قد أدىل، يريد أن يركب فرس األعرايب، فجمع رجليه، فواتر على جبهة البغل، وعلى حجاج عينيه، حمات أو ستا متواليات، كلها يقع حافرا رجليه معا، فنكص البغل شيئا يسريا، مث عاوده، فنثر فرحمه مخس ر

على وجهه وحجاج عينيه مثل ذلك العدد، يف أسرع من اللحظ، وفرس األعرايب يف ذلك كله واقف ال ليه فرس األعرايب من بني يتحلحل، واألعرايب قد ضحك حىت استلقى، فولى البغل يريد السكة، فشد ع

Page 188: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يديه، فلحقه الفرس فعضضه، وكامه الفرس، ورجع الفرس إىل موضعه، ودخل البغل السكة فكبروا عليه، وقال األعرايب . ونثروا عليه الروث اليابس، ومشت به مجيع الساسة، وافتروا عليه، فترك البغل ذلك اخللق

:وكأنه خياطب البغل فجئت مدال كاهلزبر تطاوله... شيخ يا بغل هنزة ظننت فريس ال

كما طابقت للبغل يوما حالئله... فوليت مفلوال وطابقت مذعنا كل - وكان من جمانني األعراب -أليب السرايا : وقدموا إىل سليمان بن عبد امللك جديا مسينا، فقال: قال

لو كان األكل من كلى اجلدي يزيد يف الدماغ، كان رأس : قال. الدماغمن شحم كليته، فإنه يزيد يف !.األمري أعظم من رأس البغل

.وإمنا قال األمري، ألن سليمان كان يومئذ ويل عهدوقد غلط من زعم أهنم كانوا وضعوا قدام سليمان جديا، وإمنا كان يأكل ملوكهم احلمالن، ألهنا هناك

" .العماريس " : أطيب ويسموهنايا أمري املؤمنني، : فهال جعلتموه عمروسا؟ قالوا: وملا قدم عبد امللك بالكوفة، وضعوا بني يديه جديا، قال .تلك عماريس الشام؛ فأما العراق فجداؤها أطيب وأكرم

ر جمدا لو كان كرب األيو: وتفاخر ناس بكرب األيور، وشيخ جالس ال خيوض معهم؛ فلما أكثروا قال الشيخوشهد مزبد املديين عند قاضي املدينة بشهادة؛ وكان ذلك القاضي مفرط احلدة، ! كان البغل من بين هاشم

جرا برجليه وألقياه حتت ! أعلي جتترئ وعندي تشهد؟: شديد البطش، سريع الطرية، فقال له القاضي .حك اهللا، كيف خلقها؟ فضحك وخلى سبيلهأصل: فلما أمعنا به حنو البغلة، التفت إىل القاضي فقال! البغلة

! سبحان اهللا: وكان منيلة بن عكاشة النمريي متكايسا؛ فدخل دار بالل بن أيب بردة، فرأى ثورا جملال، فقالورأى الطائف باليل شخصا عظيما قد اخنس عنه، فشد : قالوا! ما أفرهها من بغلة لوال أن حوافرها مشقوقة

أنت : املخنث قد جلس كأنه خيرأ، ومل يكن خراء، وكان قد جلس على روث؛ فقال لهحنوه، فإذا محدوية مالك، صرت بغال؟ : فنظروا فإذا حتته روثة، قالوا. خرجت أخرأ: أي شيء تصنع ها هنا هذه الساعة؟ قال

يسري على نظر جحا إىل رجل بني يديه : قال أبو احلسن! هذا زيادة عليكم، كل إنسان خيرأ ما يشاء: قالرأيت حر بغلتك، فإذا هو : ما يدريك أين محصي؟ قال: فقال الرجل! الطريق يا محصي: بغلة،فقال للرجل

! إنك محصي: يشبه احلاء، ورأيت فقحتها فرأيتها تشبه امليم، ورأيت ذنبها فإذا هو يشبه الصاد، فقلت: فكيف نقول؟ قال. ال تقولوا هكذا: قال! لكبارك اهللا: وابتاع عبادي بغال، فمر باحلي، فقالوا: قالواقولوا كما أقول : أيقول هذا أحد ألحد له فيه رأي؟ قال! سبحان اهللا: قالوا! ال بارك اهللا لك فيه: قولوا! إن أنا أعرتكموه أبدا: نعم، قال:قالوا! وأعضك ببظر أمك: وقولوا: قال! ال بارك اهللا لك فيه:قالوا! لكم

يث سندية الطحانة، وكانت تطحن بالنهار، وتؤدي الغلة وختدم أهلهاباليل، فانكسفت وهذا يشبه حدمث ! أليس قد صرت حرة: قالت! اذهيب يا شهدة، أنت حرة لوجه اهللا: الشمس يوما، فقالت هلا موالهتا

قال يل لصة من قال يل زانية فهي زانية، من : عدت من بني يديها، فقامت على باب الدار رافعة صوهتا تقول

Page 189: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأخربين أبو الزبري كاتب حممد بن حسان، ! هايت اآلن رحى لك. فهي لصة، من قال يل قوادة فهي قوادةوقف اهليثم بن مطهر الفأفاء على باب اخليزران ينتظر رجال خيرج من عندها، فبعث إليه عمر : قال

فقال . ابتك؛ فاألرض أمحل لثقلكقد هنينا أن جنعل ظهور دوابنا جمالس، فانزل عن ظهر د: الكلوذاينأن انزل عن دابتك، فإذا خرج صاحبك فاركب : إين أنتظر رجال قد حان خروجه، فبعث إليه: للرسولأعلمه أين أعرج، وأنا مع هذا رجل مثقل باللحم، وال آمن أن يسبقين الرجل : فقال للرسول. واحلق به

قل : فقال اهليثم. إن أنت نزلت، وإال أنزلناك صاغرا: لك يقول: فرد الرسول، فقال. سبقا بعيدا، فال أحلقهإن كنت إنما تنظر للبغل، فهو حبيس يف سبيل اهللا؛ إن أنزلتين عنه، إن أقضمته حبة شعري شهرا، فسله : له

هذا ! يلكمو: فلما جاءته الرسالة قال! ركويب له ساعة، أو حرمان الشعري شهرا: أيما أحب إليه: اآلن .دعوه يف لعنة اهللا! شيطانونظر إليه جعفر والفضل ابنا حيىي، وهو واقف يف ظل قصر من قصور الشماسية، فنظر إىل شيخ : قال

يا شيخ، لوال تعاجل بغلك هذا : عجيب اخللقة، وإذا حتته بغل أعجف، يكاد يسقط هزاال وضعفا؛ فقاال لهتأخذ عشرة أمناء مسك : بأي شيء أعاجله؟ قال: أيام يسرية، بأيسر مئونة؟ قال حتى يعود مسينا فارها يف

فتجايف عن سرجه فولى وجوههما . وعنرب، وتعجنها بعشرة أمناء من بان الغالية، وتطليه به طلية واحدةجنع الدواء خرينا هذا لكما على الصفة، ولو قد أ: ما هذا؟ قال: ظهره، مث ضرط ضرطة صلبة؛ قاال

!.عليكم: كان رجل عياب، فأبصر بغلة حتت شريح، فقال: وحدثونا عن هشام بن حسان، عن حممد بن سريين، قال

!.ال خري فيها إذن: قال. إهنا إذا ربضت مل تقم حىت تبعث: قال! أبا أمية، إن بغلتك لفارهة

يوما على باب يزيد بن عبد امللك ينظر إىل بغال تعرض، فنظر إىل كان هشام بن عبد امللك : قال أبو احلسنما يصنع أمري : بغل منها مل ير الناس مثله يف متام خلق، وطهارة خلق، ولني سرية، وحسن صورة، فقال

.املؤمنني هبذه الدواب كلها؟ لو أن رجال اجتزأ هبذا البغل وحده، لكان مكتفياوأنا على : هشام، اتخذ الرباذين البخارية، والبغال الفرهة؛ فأذكره رجل ذلك الكالم، فقالفلما وىل: قال

.الرأي األول، ولكن تأتينا أشياء حنسد الناس عليها

ما قيل من الشعر يف البغال

:وكان عند حممد بن سليمان رجل مغفل؛ فأنشد رجل رجزا قيل يف عمر بن هبيرة: قال سفواء تردي بنسيج وحده... به معتجرا بربده جاءت

تقدح قيس كلها بزندهألنه ظز حني مسع بذكر البرد والبغلة، أنه النيب صلى اهللا ! بأيب هو وأمي صلى اهللا عليه وسلم: فقال الشيخ .عليه وسلم

:وإمنا هذا كقول أيب دهبل

Page 190: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

بالرد، كالبدر جلى ليلة الظلم... معتجرا حتمله الناقة األدماء :ومثل قول ابن املوىل جلعفر بن سليمان

فجانبا عين أيب مشعر... أوحشت اجلماء من جعفر معتجرا كالقمر األزهر... ملا غدا حتمله بغلة

وهو قاض ببغداد، وإمنا ضرب به املثل، ومل تكن قصيدته وملا قال املديين وهو باحلجاز، وذكر أبا البختري :موجهة إليه، فلما مسع قوله أبو البختري

فعلت فعال أيب البختري... لو كنت تطلب شأو الكرام فأغىن املقل عن املكثر... تتبع إخوانه يف البالد

.فأعطاه، أو فبعث هبا إليه. ختت فيه أربعون ثوبا، وبغلة ناجيةيا غالم، علي بأربعمائة درهم، و: قال :وقال بعض املحارفني الفقراء، أو الطياب الشعراء

أتراين أقول يوما من الدهر لبعض التجار أفسدت مايل لدوايب بذا الشعري جمايل... من أين جاءت : أو تراين أقول

ل غالمي موفقا عن بغايل... يا قهرماين : اين أقولأو تر يل عال يف مجلس يل عايل... أو تراين أمر فوق رواق

انزعوا السروج، بدايل: فأقول... أسرجوا يل، فيسرجون دوايب دائم النوك من عظيم احملال... هذيانا كما ترى وفضوال

:باب قول اآلخرومن هذا ال أملك ال بغلة وال فرسا... أخي قد أوب احلجيج وما

عدسا: اجدم وقائل: يقول... اهللا بيين وبين كل أخ :وقال رجل من بين شيبان، واقترض، فندم بعد أن ركب البغال املقصصة بدال من النجائب واخليل

واد سرج مقصص مهالجأع... بدلت بعد جنائيب وركائيب عاج: شنقا لقويل للنجائب... ووقعت يف عدس كأني مل أزل

لرجعت منقلبا هلا أدراجي... واهللا لوال أن أضيع غزويت :وقال احلسن بن هانئ

أطاح الكيس إغالء الشعري... غنيت مبركب الربذون حتى وحلت من البغال إىل احلمري... وزتين فحلت إىل البغال فأع

أزجي املشي كالرجل الكسري... فأعيتين احلمري فصرت أمشي ولكن فقد حمالن األمري... وما يب، واحلميد اهللا، كسر

:وقال ربيعة الرقي أثقلتين بإزاري... وبالئي أن أمي

خصري بانبتار هم... فإذا ما قمت أمشي

Page 191: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أين من أمي فراري... كل ذا أمحل وحدي حمل برذون بخاري... أمتا هذا وربي

ن وال بغل مكاري... أمتا لست بربذو :وقال احلكم بن عبدل

كأنك ديك مائل الرأس أعور... مررت على بغل تزفك وأنت إىل وجه يزينك أفقر... وعنا ختايلت يف جنية لتر

:وقال حنظلة بن عرادة

إىل سلم ومل يخط اختياري... ختيرت امللوك فحط رحلي إذن ال يقبل اهللا اعتذاري... يقولون اعتذر من حب سلمى

فقوموا فانظروا يف شأن داري... إذا مرت جبسركم بغايل وألقوا من صحيفتكم صغاري... وها وقوموا ظاملني فهدم

:ذا عيوب فكتب إليه - زعم -ومحل أبو دفافة بن سعيد بن سلم دعبال الشاعر على بغل، فوجده فال للركوب وال للثمن... حملت على أعرج حارن

فسوف تكافأ بشكر زمن... محلت على زمن شاعرا زله على بغلة فارهة، فشرب بكل ما معه واحتاج، فبادل بالبغلة محارة، وخرج أبو هرمة الفراري من من

:وقال فجئت هبا وقد صارت محارة... خرجت ببغلة من عند أهلي

أنا الغاوي خليع بين فزارة... فمن يك سائال عني فإني :ة وقد ركبه، فقالوبادل حممد بن احلارث قينة بربذون؛ فألفاه صديق له صالة الغدا

فإذا القينة تلجم... عجت بالساباط يوما مسخت برذونا ادهم... قينة كانت تغني

:وقال اآلخر حتيت سليم الشظا من نسل حالب... يا فتح لو كنت ذاخز أجرره ن البابوشاكريني مل أحبس ع... أو كنت ذا بغلة سفواء ناجية

والفقر يزري بآداب وأحساب... أزري بنا أننا قلت درامهنا :وقال أبو العتاهية يف عبد اهللا بن معن بن زائدة

ممشوطة كورا أبا بغل... أخت بين شيبان مرت بنا جارية تكىن أبا الفضل... تكىن أبا الفضل فيا من رأى

ا البغال بالتهجني، ومل يقصدوا إىل أعضائها بشيء، ومنها ما أرادوا هبا من حتياز ركوهبا، وأشعار ذكروا فيه :قال بعضهم يف هجاء املوايل

Page 192: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

دكاكينها إال عليها املواليا... تأملت أسواق العراق فلم أجد كما نفضت عجف البغال املخاليا... جلوسا عليها ينفضون حلاهم

:ثال الطائيوقال طارق بن أ على الرباذين أمثال الرباذين... ما إن يزال ببغداد يزامحنا من امللوك بال عقل وال دين... أعطاهم اهللا أمواال ومنزلة

ومن ثياب وقول غير موزون... ما شئت من بغلة سفواء ناجية :يحفظوقال بعضهم يف تشبيه الشيء بالشيء، وهذا شعر ينبغي أن

نوائح أمثال البغال النافر... وهيج صوت الناعجات عشية يظاهرن بالسوءات هدل املشافر... ميخطن أطراف األنوف حواسرا

ومل يبك شجوا ما وراء احلناجر... بكى الشجو ما دون اللهى من حلوقها .ت، ويف اللوايت ينتحلن احلزن وهن خليات بال، بأحسن من هذا الشعروما مسعنا يف صفة النوائح املستأجرا

:قال الشاعر. وها هنا باب من الشعر حسن، وليس من هذا بعينه، ولكنه قد يشاكله من باب كما ال تبايل مهرة من يقودها... أال ال يبايل البرد من جر فضله

:وقال آخر وال تبايل على من راحت اإلبل... أبلى حواشيه ال حيفل البرد من

:وقال آخر يهون على الربذون موت الفىت الندب... أهينوا مطاياكم فإني رأيته

:وقال آخر إىل طمع عند اللئيم يطالبه... وإني ألرثي للكرمي إذا غدا

رف والعلج راكبهكمرثييت للط... وأرثي له من جملس عند بابه :وقال مسلم بن الوليد يف برذون ابن أيب أمية

ال يرجع الربذون بالليت... ال تكن جازعا : قل البن أمي وكنت فيه عايل الصوت... طأمن من جأشك فقدانه

ولو من احلش إىل البيت... وكنت ال تنزل عن ظهره مات من الشوق إىل املوت... نه ما مات من سقم ولك

:وأنشد

بكاء أخي محافظة وود... بكيت عيين لربذوين السمندي وكان لكل سكبان مؤدي... وكان لنا محولة كل زق

طبائع البغال وما قيل فيها

Page 193: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كم، وهو سيد ثقيف يف ركب صخر بن عثمان بغال، ليبكر عليه يف حاجة، فقال له عثمان بن احل: قال .إن كنت تركبه على أنه عدو فاركبه، وإال فدعه: عصره

إمنا جيمح الربذون - وامسه احلارث، وهو الذي يقال له مؤمن آل فرعون - وقال أبو احلسين النخاس واحدا، ليصرع راكبه فقط، أال تراه إذا سقط عنه، أو رمى بنفسه عن ظهره، وقف الربذون؛ إال برذونا

فأتى رأيته شد عليه بعد أن ألقاه، يكدمه ويرحمه، وكان الناس يشدون عليه، فيتنحى عنه ويشد عليهم، فإذا .أجفلوا من بني يديه رجع إليه يكدمه ويرحمه

قال ابن حازم . البغل كثري التلون، به يضرب املثل، وهو مع هذا قتال لصاحبه: وقال من يذم البغال :لباهليا

م على املودة للرجال... ما يل رأيتك ال تدو آخيت، ودك يف سفال... متربما أبدا مبن

م مثل أخالق البغال... خلق جديد كل بو :وقال آخر يف تلون أخالقه

متلونا كتلون البغل... ومىت سربت أبا العالء وجدته :قال آخر كالبغل، ال شاعر فحل وال راوي... ي به عندي سجيته يزيد تزر

فما رأيت وال مسعت : كان عندنا يف احلي فىت ولدته امرأة مذكرة، لرجل مؤنث: وقال عثمان بن احلكم .خبلق ردي من أخالق البغال، إال وقد رأيته فيه

:وقال آخر رة تصدع مجع الشملوغ... الشؤم منها يف ذوات احلجل

وكل طرف ذائل رفل... وهو خالف الفرس اهلبل وعددوا كل قتيل بغل... قد حذر الناس أذاه قبلي

وسائس ورائض مدل... من ناشئ غر وكهل جزل وليس يحصى عيبه ذو عقل... وكلهم قال بقول عدل

منهم أبو الفضل أخي وشكلي... عد الرمل إال الذي يعلم ومزيد وجابر املستملي... مجرح الوجه كسري الرجل عند سعيد بن عبد الرمحن -وهو أخو عباد بن أخضر قاتل أيب بالل اخلارجي - كان معبد بن أخضر املازين

:جه، فركبه عريا، وانصرف إىل أهله، فقالبن عتاب، فخرج من عنده يوما على بغل فصرعه، وكسر سر جزاك اهللا شرا من عميد... أما واهللا يا بن أيب سعيد

ألداين على سرج جديد... فلو يف دار طلحة دق سرجي .فبعث إليه طلحة بسرج

ة بن ربيعة، وكان شريفا ومن ولده كلد. وأما ربيعة بن أيب الصلت، فقتله بغل على باب عبد اهللا بن عباس

Page 194: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.شاعراهذا يوم : وممن قتلته بغلته، خالد بن عثمان بن عفان، رضي اهللا عنه؛ وذاك أن خالدا كان بالسقيا، فقال

فركب بغلة له ال تساير، فسار سبعني ميال، فأتى ! اجلمعة، لئن مل أمجع مع أمري املؤمنني إهنا للسوءة السوءى .فخر ميتا، وجنت البغلة: يف وقت الصالة املدينة

وممن قتلته البغال، املنذر بن الزبري، وكان يكىن أبا عثمان؛ محل على أهل الشام وهو على بغلة وردة، بعد حىت أن أحل عليه عبد اهللا بن الزبري يذمره؛ فلما مسعت البغلة قعقعة السالح نفرت، فتوقلت به يف اجلبل،

فعثرت ! انج أبا عثمان، فداك أيب وأمي: أخرجته من حدود أصحابه؛ فاتبعه أهل الشام؛ فناداه عبد اهللا :ولذلك قال يزيد بن مفرغ يف هجائه لعبيد اهللا بن زياد. البغلة، وحلقه أهل الشام، فقتلوه

فاعأوىل بغاية كل يوم د... البن الزبري غداة يذمر منذرا كز أنامله قصري الباع... وأحق بالصبر اجلميل من امرئ

وأردف عباسا املشوق الشاعر، بعض الفتيان خلفه على بغلة له، ووعده أن يهب له ويكسوه، وحرن : قال :البغل، فسقط الرجل فاندقت فخذاه، فقال املشوق

ليت ما أمسى برجليك برجلي وبكفي إمنا الذنب حلريف... ة ذنب ليس للبغل

الربدخت الشاعر، وامسه علي بن خالد وهو الذي كان هجا بن جرير بن عطية، فقال : وممن صرعته بغلتهفلست أول من : الفارغ؟ قال: وأي شيء الربدخت؟ قالوا: قال. الربدخت: من هذا اهلاجي؟ قالوا: جرير

.صير هلذا شغال :لضبي هو الذي محله على ذلك البغل الذي صرعه، فقالوكان زيد ا

ال بارك اهللا يف زيد وما وهبا... أقول للبغل ملا كاد يقتلين وأمسك الفضة البيضاء والذهبا... أعطاين احلتف ملا جئت سائله

:وهو الذي كان هجا زيدا بأنه حديث الغىن، وأتاه وهو أمري يف يوم حفله، فقال على زيد بتسليم األمري... لست مسلما ما دمت حيا و

:فقال هو! ال أبايل واهللا: فقال زيد وإذ نعالك من جلد البعري... أتذكر إذ حلافك جلد شاة

:قال! إي واهللا: قال وعلمك اجللوس على السرير... فسبحان الذي أعطاك ملكا

.فخرج وعليه فضل! نعم، سبحانه: قال زيدوإمنا كان : قالوا. ونفر بغل كان حتت حممد بن هارون، أخي سهل بن هارون البليغ الكاتب الشاعر: قالوا

.البغل ارتد فزعا،فقطع من جوفه بعض العالئق، فمات على ظهره، يف وسط مربعة باب عثمان هنارا .وقد تصدم الدابة، فيموت الراكبان واملركوبان

Page 195: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ى البغالالوقوع عل

وخربين سعيد بن أيب مالك أن غالما كان لبعض أهل القطيعة ينيك بغلة ملواله؛ وأهنا يف بعض األيام وقد ودخل . أدعم فيها، فاستزادته، فتأخرت وتأخر، حىت أسندته إىل زاوية من اإلصطبل، فضغطته حىت مات

ادى باسم الغالم فلم يجبه؛ فقلع الباب، فإذا بعض الغلمان لبعض احلوائج، فرأى الباب عليهما مغلقا، فن .الغالم مسند إىل الزاوية وقد مات، وهي تضغطه، فصاح فتنحت وسقط الغالم ميتا

إهنا تفضح السائس الذي يكومها، ألهنا تتلمظ إذا عاينته، وال تفعل ذلك بغريه، فهي إما أن تقتل، : ويقولون .وإما أن تفضح :بن يزيد، يف هجائه ابن أيب سبرة حني رماه بنيك بغلته، قال وأنشدوا لقيس

ال تستقر لديك ما مل تسفد... نبئت بغلتك اليت أتلدهتا أن قد علوت هلا جدار املذود... تدنو مبؤخرها إليك إذا رأت

واهللا لتنزون عليها، كما رميت : أتان، وقالواوملا أخذ فتيان من فتيان بين كليب الفرزدق، وأتوه ب: قالواإن كان فهاتوا الصخرة اليت كان يقوم عليها إذا ناكها، حىت أنا : قال! بذلك عطية بن اخلطفي، أو لنقتلنك

.فضحكوا مجيعا من ظرفه، وخلوا سبيله! هلا

من قتلته البغال

.د حلق معروفون عندنا بالبصرةزيد بن حلق الرائض، وول: وممن قتلته البغال .حممد بن سعيد بن حازم املازين، وعمرو بن هداب أحد عمومته، قتله بغل بتستر: وممن قتلت البغال

.ومات املهلب بن أيب صفرة على ظهر دابته بالطالقان .ومات إياس بن هبرية العبشمي صاحب احلمالة، على ظهر محار

.ار كرميومل ميت على ظهر مح

صرع البغال

وكانت بغلة أعني املتطبب تصرع، وكان أعني يصرع، فصر عامرة معا قبالة دور بين السمهري، فقام رجال منهم فأدخلوه الدار، فنوموه على فراش، ووكلوا بالبغلة من أدخلها اإلصطبل، فلما أفاق وفتح عينيه أنكر

كيف أشكركم وأنتم أعد : فقال. نت يف دار بين السمهري وهم اخوتك وأهلكإمنا أ: موضعه، فقالواإذا أتى أحدكم الغائط فليمتسح بشقق القصب، فإنه إن : وأيسر؟ ولكن أعلمكم بعض ما ال غىن بكم عنه

العلة كان هناك شيء من هذه األورام حلقه واستأصله على األيام، وإن مل يكن هناك شيء مل تعرض له هذه وإن خرجت على أحد منكم بثرة فال حيكها، وإن دغدغته ووجد فيها أكاال، فإن . ما دام يستعمل القصب

ذلك احلك ربما أنفر ذلك املكان، وجذب إىل مكانه من الفساد ما يصري به بثرة، فإن حك البثرة فرمبا .صارت خراجا

Page 196: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

حنن ال تعترينا البواسري؛ لطول قعودنا على القصب : واريوقال يل كم شئت من أصحاب القصب والب .والبواري

ذكر االنتفاع بالبغال يف الربد

يف اجلاهلية واإلسالم، وتعرف حقائق األخبار، وأنها آلة من آالت السلطان عظيمة، وال بد للسلطان .وامللوك من تعرف األخبار

. ما زال ملكهم قائما حىت عميت عليهم األخبار: ان؟ قالما أذهب ملك بين مرو: قيل لشيخ ذي جتربةوذلك أن نصر بن سيار، كان صاحب خراسان، قبل خروج أيب مسلم وقوة أمره، إىل أن قوي عليه حىت

وذلك أنه، وإن كان واليا ألربعة خلفاء، فإنه كان مأمورا مبكاتبة صاحب العراق، وإن كان . هرب منهدر على عزله، وقد كان يزيد بن عمر خياف أن يولى مكانه نصر بن سيار، أو مسور صاحب العراق ال يق

بن عمرو بن عباد، فاحتال ملسور، ومل متكنه احليلة يف نصر، فكان إذا كتب إليه بالرأي الذي حيسم به من ال، طمعا يف أن يهزم أو أسباب قوة املسودة، كتب بذلك إىل يزيد، فكان يزيد ال يرفع خربه وال ميده بالرج

يقتل، ونسى يزيد أن غلبة أيب مسلم على خراسان، سبب لغلبته على اجلبال، وإذا استحكم له ذلك، مل فلما طوى أخبار نصر، سد وجه الرأي والتدبري على مروان، حىت كان . يكن له مهة إال صاحب العراق

.الذي كانفلما رجع إليه . حال الربيد، وجه ثمامة بن أشرس، ليتعرف له ذلك وملا بلغ املأمون اختالط من: قالوا

وما من دابة يف األرض إال : " يا أمري املؤمنني، تركت بغال على معلف كذا وكذا وهو يقرأ: وسأله، قال " .على اهللا رزقها

ه حزمة علف، فعدا الرجل ومررت بسكة أخرى، فإذا بغل قد عدا على رجل عليه طيلسان أخضر، يظن .فلما طرحه وقف البغل يشمه! اطرح الطيلسان: وعدا خلفه البغل، فصحت بالرجل

:ومررت بسكة أخرى، وإذا على املعلف بغل، وإذا هو يغني حتى أنال به كرمي املأكل... ولقد أبيت على الطوى وأظله

ما قيل يف الربيد وبغاله

:شأن الربيد وأصحابه، قول ابن أيب أمية ومما قالوا يف أضحى وحقك عنه وهو مشغول... إن ابن شاهك قد وليته عمال من دوهنا غيضة يف وسطها غيل... بسكة أحدثت ليست بشارعة جتري خريطته والبغل مشكول... ترى فرانقها يف الركض مندفعا

:العسكر، ممن كان ويل الربيدوقال دعبل يف بعض رجال رسالة ناء عن جنابك شاحط... أال أبلغا عني اإلمام رسالة

Page 197: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يمر على القرطاس أقالم غالط... بأن ابن زيد حني يشحج شاحج يكلفه إثباهتا يف الشرائط... أحب بغال البرد حبا مداخال

أيور بغال البرد حشو اخلرائط... بحت ولوال أمري املؤمنني ألص :وقال دعبل أيضا

قافية للعرض هتاكة... من مبلغ عني إمام اهلدى قد قصه بوليك احلاكة... هلذا جناح املسلمني الذي

إىل ابن زيد حتمل الناكة... أضحت بغال الربد منظومة :يف مرثية وكيع بن أيب سود البرد، فقالوذكر الفرزدق

تساقي املنايا بالر دينية السمر... لتبك وكيعا خيل مغرية دعوها وكيعا واجلياد هبم جتري... لقوا مثلهم فاستهزموهم بدعوة

مسرية شهر للمقصصة البتر... وبني الذي يدعو وكيعا وبينه :عذل يف جارية لبعض ولد سعيد بن سلم، وقد وىل الربيدوقال ابن امل

ومال هبا الرسول إىل سعيد... دهتك بعلة احلمام فوز فكيف وليت أخبار الربيد... أرى أخبار دارك عنك ختفى

نعم، : ه؟ قالهل عندكم بعض ما تعارضوين ب: وملا فخم ابن غسطة عظيم الروم شأن ملكه، مث قال للرسول .فأفحمه. مللكنا أربعون ألف بغل موقوفة على إبالغ رسائله وأخباره، من واسطة ملكه إىل أقطار سلطانه

قال هذا وحال البرد على غري هذه احلال، ومل يعرفوا توجيه اخلرائط يف املاء، وعلى أيدي . يعين بغال الربيد .الرجال

: قصيدته اليت مدح فيها الرشيد، قالوابن غسطة هو الذي ذكره سلم اخلاسر يف ولقد يكون وما عليه خراج... منع ابن غسطة رأسه خبراجه

:وملا رأى نصر أن يزيد بن عمر يميت أخباره، ليموت ذكره عند اخلليفة كتب إليه: قالوا وقد علمت بأن ال خير يف الكذب... أبلغ يزيد وخير القول أصدقه

:وكنب إليه

فيوشك أن يكون هلا ضرام... أرى حتت الرماد وميض نار وإن احلرب أوهلا الكالم... فإن النار بالعودين تذكى

أأيقاظ أمية أم نيام... يا ليت شعري : فقلت تعجبايف أيب حنيفة، ويف كيف كان يزيد بن زريع إذا مسع أصحاب احلديث خيوضون : حدثين علي بن املديين، قال !.طارت بفتياه البغال الشهب! هيهات: عظم شأنه بعد مخوله، قال

ووجه معاوية ملا كلموه يف يزيد بن ربيعة بن مفرغ رجال جمردا، إلخراجه من السجن، فخرج حىت : قالواى عهد معاوية كف، وأقبل أتى سجستان فأخرجه، فبلغ ذلك عباد بن زياد، فأرسل إىل مححام، فلما رأ

Page 198: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:مححام بابن مفرغ على بغلة من بغال الربيد، وأنشأ ابن مفرغ يقول جنوت وهذا حتملني طليق... عدس ما لعباد عليك إمارة

تالحم يف درب عليك مضيق... طليق الذي جنى من الكرب بعد ما

قوهلم للبغلة عدس

اسم لكل بغلة كمن، وذهبوا إىل قول " عدس " ، فزعم ناس أن " اد عليك إمارة عدس ما لعب: " قوله :الشاعر

على اليت بني احلمار والفرس... إذا محلت بزيت على عدس فما أبايل من غزا ومن جلس

إال واهللا ما منهم: " على مثل قول خالد بن صفوان حني فاخر اليمانية، وقال" عدس " وإمنا قوله : قالواناسج برد، أو سائس قرد، أو دابغ جلد، أو راكب عرد، غرقتهم فأرة، وملكتهم امرأة، ودل عليهم هدهد

.. " . للناقة" حل " للجمل، و " حا " للحمار، و " سأسأ : " للبغلة مثل قوهلم" عدس : " قوهلم: وقال آخرون

:ه قالأال تراه حني سخر األعرايب من صاحبه، وحني جهل يقول حا مث يثنيه حبل... يقول للناقة قوال للجمل

إال ترون أن الفرزدق ملا خلع جلام بغلته، وأشرعها يف ثغاب مسجد بين أسيد، قال له جرنفش : قالواألنك زاين الكمرة، كذوب : ومل عافاك اهللا؟ قال: قال الفرزدق! نح بغلتك، جد اهللا ساقيك: اجملنون

" .وح : " ، وللثور" اجدم " عدس، كما يقال للفرس : فلما مسع ذلك منه ركب بغلته، وقال. للسانا

أشعار يف الربيد

:وقد ذكر امرؤ القيس الربيد، فقال فأوجهين وركبت الربيدا... ونادمت قيصر يف ملكه سبقت الفرانق سبقا بعيدا... إذا ما ازدمحنا على سكة

:يف الربيد، قول الوليد بن يزيد بن عبد امللكومما قالوا إذ أتاين الربيد ينعي هشاما... طال ليلي وبت أسقى املداما

وأتاين خبامت مث قاما... وأتاين حبلة وقضيب :وذكر الربيد الكميت يف مديح أمساء بن خارجة، فقال

رض السماءفال مطرت على األ... إذا ما مات أمساء بن حصن وال محلت على الطهر النساء... وال قام الربيد بغنم جيش يروح عليهم نعم وشاء... فيوم منك خريمن رجال

Page 199: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وقال أمين بن خرمي األسدي إىل بشر بن مروان الربيدا... ركبت من املقطم يف مجادى يزيدا رأى حقا عليه أن... فلو أعطاك بشر ألف ألف

:وقال آخر ببعض دواهي الدهر سار فأسرعا... إذا ما بريد الشام أقبل حنونا

وإن كان خريا قصد السري أربعا... فإن كان شرا سار يوما وليلة

رؤيا البغال وتأويلها

: مسعت أبا شعبة األعمى املعرب، وحنن بالنهروان، سنة قدم احلسن بن سهل، وهو يقول ملويس بن عمرانرأيت فيما يرى النائم كأني على بغل : نعم، قلت لك: قال. ذكر إلخوانك هؤالء رؤياك، وتعبريي هلاا

ألن تشريف ذنب البغلة : حتم يومني وثلثي يوم، فكان كما قلت؛ فسألتك عن العلة، فقلت: بريد،فقلت يل .تشريفتان وثلثا تشريفة

املعبر، يسأله عن رجل رأى كأنه على بغلة، وكأنه على شرف، أرسل احلجاج إىل اجلرمي : وقال األصمعيأما البغل فطول عمر، وأما الشرف فشرف من شرف الدنيا، وأما التراب : وكأنه يستف ترابا، فقال له

.ففيء تأكلهلست متسي حىت تأكل : قال. رأيت كأن معي درمها بغليا: وسأل بعض املصريني الفراء املعبر، فقال: وقالوا

.فكان كذلك. شيئا طيبا

لست تمسي حىت تضرب ضربا : قال. رأيت فيما يرى النائم كأن معي درمها خبيا: مث أتاه بعد أيام، فقالترمجة " خش خبر : " الدرهم البغلي مكتوب عليه بالفارسية: فسأله عن العلة، فقال. فكان كذلك! وجيعا .ومها خمتلفان" . ضرب هذا الدرهم : " والدرهم البخي مكتوب عليه" . كل طيبا : " الكلمةهذه

:وأنشد احلكم بن عبدل أمساء بن خارجة شعرا ذكر فيه أنه رآه يف املنام، فقال يف ساعة ما كنت قبل أنامها... أغفيت قبل الصبح نوم مسهد

مغنوجة حسن علي قيامها... بوليدة فرأيت أنك رعتين شهباء ناجية يصل جلامها... وببدرة حملت إيل وبغلة

عوضا يصيبك بردها وسالمها... فدعوت ريب أن يثيبك جنة لك إن كان أعتق ما أم: قال! كل ما رأيته يف النوم فهو عندنا كما رأيت، إال البغلة فإنها دمهاء: قال أمساء

.رآها إال دمهاء، ولكنه غلط

استطراد لغوي يتعلق بالبغال

Page 200: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وهو رئيس من رؤسائهم، وهو " رأس البغل " ويف بين تغلب " . الدرهم البغلي : " ومما اشتق من اسم البغل .الذي كان إبراهيم بن هانئ اخلليع نسب إليه

" .ل رأس البغ: " وإذا كان اإلنسان عظيم الرأس لقبوه، " البغلة : " جوار من رقيق مصر، نتاج ما بني الصقالبة وجنس آخر، والواحدة منهن يقال هلا: والبغالت

.وهلن أبدان ووثارة وحدارة

معىن البغلة عند املصريني

عندي جارية أطؤها : كنت عند قاضي مصر، وهو يقول لبعض جلسائه: ويروى عن بعض العراقيني، قال. أطؤها، وأصيب منها: وما تصنع ببغلة؟ قال: قلت. ني، وقد اعتراين شبق، وأنا على أن أشتري بغلةمنذ ح

مث حكيت ذلك عند رجل من أهل ! هذا أمجن الناس وأمحقهم، يتكلم هبذا وهو قاض؟: فقلت يف نفسيلما رأى إنكاري ذلك، فسر فتعجبت، ف! عافاك اهللا، ما منا من أحد إال وعنده بغالت ينيكهن: مصر، فقال

.يل معىن البغلة عندهم

ما قيل من األمثال يف البغال

، وما رأس فالن إال رأس بغل، وما أيره " ما هي إال بغلة : " وإذا عظمت املرأة، وعظم بطنها، قالوا: قالوا .إال أير بغل، وما خلقه إال من أخالق البغال

ورأس " ، " ورأس اجلالوت " ، " كأنه جاء برأس خاقان : " ثل السائربعض ما أضيف إىل الرأس وامل :فلذلك قال عمرو بن كلثوم" . ورأس الكتيبة والقبيلة " ، " الفاعوس

ندق به السهولة واحلزونا... برأس من بين جشم بن بكر :وقال أبو املهوش األسدي س لقمان بن عادليأكل رأ... تراه يطوف اآلفاق حرصا

.ورأس بن أيب الرأس القائد، مشهور معروف " .هذا على رأس الثمام : " ويقولون

مجاجة كرمة من بيت رأس : تباع فيه اخلمر؛ ولذلك قال الشاعر" بيت رأس : " وبالشام موضع يقال له .أبيات، وبيت هليا....وبيت رأس بالشام مثل

.سفالن رأس من الرءو: ويقال .رئيس السواس: والرأس

التبغيل

Page 201: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:، قال الراعي" التبغيل : " ومن سري اإلبل سري يسمى ربذا يبغل خلفها تبغيال... وإذا ترقصت املفاوز غادرت

:اسم ناقة كانت جلميل بن معمر، ولذلك قال: والبغيلة حتوم حذار ابن ربعي هبن... أضر بأخفاف البغيلة أنها

" :سروة " ولذلك قال الرقاشي يف صفة ناقة له تسمى وصيدح حني تسرح يف الرحاب... لعمرك ما البغيلة حني تغدو

بعيد اآلل مشتبه الظراب... كسروة حني تذرع عرض خرق :رضي اهللا عنهمما قالوا يف الربيد، قال رجل من األنصار عند والية عمر بن عبد العزيز،

مث جاء الربيد يخرب أن القوم طرا مل يحرموا التوفيقا مل يفارق منهم فريق فريقا... من سكون وألفة واجتماع

قلدوا األمر سيد الناس كل الناس نفسا وأسرة وعروقا ن ومن كان جده الفاروقا... من أبوه عبد العزيز بن مروا

:قال ابن أذينة الليثيو له خرب شف الفؤاد فأنعما... أتانا الربيد التغليب فراعنا

مبوت أيب حفص أخب وأرمسا... مبوت أيب حفص فال آب راكب

:وذكر يزيد بن معاوية الربيد، فقال فأوجس القلب من قرطاسه فزعا... جاء الربيد بقرطاس خيب به

اخلليفة أمسى مدنفا وجعا: قالوا... الويل ماذا يف صحيفتكم لك : قلنا كأن أغرب من أركاهنا انقلعا... فمادت األرض أو كادت متيد بنا

ضروب من البغال

وقد كان أيضا بالكوفة نتاج بني اخلراسانية واهلنديات، وكان أملح وأحسن قدودا من البغالت اللوايت .جتيء ذهبية، هلا حالوة اهلندية، وروعة اخلراسانيةمبصر؛ وكانت ألواهنن

جواري الكوفة والبصرة وكذلك مطهمات جواري الكوفة، زرقا جتدهن، إال الواحدة بعد الواحدة، وإنما جارية : الثمينات املرتفعات، والغوايل اخلطريات بصريات، مثل عجوز عمري، ومتيم، وبذل، وعريب، وبذل

جارية : جارية األحدب، وفضل: جارية إبراهيم بن املهدي، وزرياب الكبرى، وعساليج: يب، وشاريةاملراك .وقبل هذا سلسل وأشباه سلسل. العبدي

أخبار يف الربيد

Page 202: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وبرد كتب امللوك كانت ما بني فرغانة القصيا إىل السوس األقصى، وكانت البرد منظومة إىل كسرى، من قال . وكذلك كان عظيم الروم. اليمن إىل بابه، أيام وهرز، وأيام قتل مسروق عظيم احلبشةأقصى بالد :امرؤ القيس

فأوجهين وركبت الربيدا... ونادمت قيصر يف ملكه سبقت الفرانق سبقا بعيدا... إذا ما ازدمحنا على سكة

إىل املكعرب : وكذلك كانت برده إىل البحرين .إىل النعمان وإىل آبائه: وكذلك كانت برد كسرى إىل احلريةمرزبان الزارة، وإىل مشكاب، وإىل املنذر بن ساوى، وكذلك كانت برده إىل عمان، إىل اجللندي ابن

فكانت بادية العرب وحاضرهتا مغمورتني ببرده، إال ما كان من ناحية الشام؛ فإن تلك الناحية من . املستكربولذلك صرنا نرى النواويس بالشامات إىل . م وغسان إىل الروم، إال أيام غلبت فارس على الروممملكة خثع .قسطنطينية

وهل كانت برد كسرى إىل وهرز، وباذام، وفريوز بن الديلمي، وإىل اليمن، وإىل املكعرب مرزبان الزارة، لذلك أصلح منها؟ وإىل النعمان باحلرية، إال البغال؟ وهل وجدوا شيئا

ما قيل من الشعر يف البغال

:ومما ذكروا به شأن البغال يف الشعر وغريه، قول الشاعر سبحان من جعل ابن حزم يحجب... جعل ابن حزم حاجبني لبابه

وركوبه فوق املنابر أعجب... وعجبت أن ركب ابن حزم بغلة رقاء وكنية خالد أبو سليمان، اكتىن بكنية خالد بن الوليد، وقال أعشى مهدان، يف خالد بن عتاب بن و

:فقال وما أمي بأم بين متيم... تمنيين إمارهتا متيم

ولكن الشراك من األدمي... وكان أبو سليمان خليلي وكنا قبل ذلك يف نعيم... أتينا أصبهان فهزلتنا

على بغيلك ذي الوشوم وأنت... أتذكرنا ومرة إذ غزونا ويعثر يف الطريق املستقيم... ويركب رأسه يف كل وهد نصييب وإال سحق نيم... وليس عليك إال طيلسان

بغلة عكرمة

، يعجب ببغلة عنده، وكان على شرط احلجاج، " الفياض " وكان عكرمة بن ربعي التيمي، الذي يقال له :يت احلجاج يف موكبا مع األشراط والوجوه إال عليها، وفيها يقول عكرمةوكان ال يأ

أشد انتزاعا للتشابه يف األصل... مل أر شيئا بني شيئني مثله

Page 203: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

بقسمة عدل من يدي حكم عدل... تقسمه أطرافه فاستزاهلا :وأنشد أبو زيد النحوي

ما بعد شتم الوالدين صلوحو... فكيف بأطرايف إذا ما شتمتين

شبه البغل بوالديه

ال نعلم شيئا من احليوان ركب بني شيئني نزع إليهما نزعا سواء ال يغادر شيئا غري : وقال أصحاب البغالالبغل، فإن شبه أبويه عليه بقسمة عدل، وقد ذكر ذلك حممد بن يسري يف شعره الذي طلب فيه من مويس

:ة لرحلة، فقالبن عمران بغل شتى بداد شتيتة األوطان... اضمم علي مآربا قد أصبحت سفواء أبدع خلقها أبوان... بزفوف ساعات الكالل دليقة

عند التناسب منهما اجلنسان... مل يعتدل يف املنصبني كالمها تنمي إىل خال أغر هجان... إال تكن ألب أغر فإنها

منها، وعتق سوالف ولبان... عن اخليل العتاق جناءها نزعت جد وطول صبارة ومران... وهلا من األعيار عند مسريها

.قال ذلك ألن حافر العري أوقح احلوافر، فأعطاه أبوه من اخلصلة اليت بان هبا من سائر احلوافر

اخللق املركب

مل يأخذ من : اعيب، الذي هو من نتاج ما بني الورشان واحلماموليس يف مجيع اخللق املركب مثل الر: قالوا .هداية أمه شيئا، ومل يعطه أبوه من طول عمره شيئا

.وكما حتكي الفالسفة واجملربون عن الكوسج، واللخم. السمع، والعسبار: ومن املركبمثل ذلك بني البيضاء واحلبشي فهو خالسي، فإذا وإذا كان . والدجاج اخلالسي، من بني النبطي واهلندي

.وكذلك اخلالسي من الكالب الذي بني الكردي وبني السلوقي. كان بني البيضاء والسندي فهو بيسريومثل اجلمازات اليت جتيء بني فواجل البخت وقالص العراب، ومثل الربذون الشهري من الرمكة والفرس

.العتيق .فليس يعتدل يف شيء من ذلك الشبه، كما يعتدل يف البغل: قالوا

:ولذلك قال الشاعر السواق، وهو إبراهيم موىل املهالبة تساهم يف البغل احلمارة والطرف... تساهم فيه اخلال والعم مثلما

:وأنشد أبو عبيدة. رواه أبو عبيدة وهذا خالف ما. فزعم يف هذا الشعر أن هذا البغل أبوه فرس، وأمه أتان كما شاركت يف البغل عيرا حجورها... وشاركها يف خيمها وهو راغم

إذا كانت األم رمكة، خرج البغل وثيجا قويا عريضا، وإذا كانت األم حجرا خرج البغل : ألهنم يقولون

Page 204: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.مسلكا، طويل العنق، وفيه دقةأمنا : من أبوكم؟ قالوا: عجبت لقوم إذا قيل هلم: " ه شتم بعض األشراف، فقالوذكر عن بعض الناس أن

" .فرس

رجع إىل ذكر بغلة عكرمة

.مث رجع القول بنا إىل ذكر بغلة عكرمة بن ربعيه فلما أحل عكرمة يف ركوب ذلك البغل إىل باب احلجاج، كتب إليه بعض بين عمه، يرد عليه امتداح: قالوا

البغل باستواء الشبه فيه، ويخوفه باحلجاج إن ارتفع إليه يف اخلرب أن صاحب أشراطه يأيت بابه يف فرسان .أهل العراق والشام ووجوههم، على بغل

:وقال يف كلمة له يكون لعير األهل والفرس الفحل... فكيف بغرمول وعمر سوى الذي

حتول شحاجا خالفا على األصل... م بعد ما ورأس جيوز اخلال والع وقد باعد اهللا الشحيج من الصهل... وليس شحيج البغل من عزف ناهق ويترك طرفا ذا متام وذا نبل... مىت كان ذو األشراط يركب بغلة عليك ركوب البغل يف ساعة احلفل... عذيري من احلجاج إن ذاكر نعى

إىل باب حجاج على املركب الرذل... ا لك جتتاب اهلويين مهملجا فم شقي لئيم الكسب ذي خلق نذل... أعيذك بالرمحن من زي تاجر

وعرس له عرجاء بارزة الرحل... بغيض إىل جاراته وبناته خلزانة والقفلتوثق من باب ا... إذا زاره منهم شقي حلاجة

إذا ساء ظن الناس يف الزمن احملل... وأنت امرؤ تندى بنانك باللهى وأنت ويل القوم يف البأس والبذل... بقية أشياخ كسوك ثياهبم

صفة البغال يف الشعر

:وفيها يقول وملا قال احلكم بن قنرب يف قصيدته يف البغل، وفيما يصلح له، ويرتفق به منه، ويف الطحني، ويف احلاجات، والرحل... ويف الرداغ، فإن الوحل مزلقة

وقال مسلم بن الوليد األنصاري واحلكم بن قنرب مازين، وكان احلكم قد عظم شأنه يف بين متيم، حىت كان ، ضربته بنو مازن، وهم مواليه، فلما يصلي على جنائزهم، فلما جل يف رأي الشعوبية، وقال يف ذلك األشعار

:فقال أعرايب! يا آل متيم: أحلوا عليه يف الضرب، نادى

تلطمه طورا، وطورا تركبه... يدعو متيما، ومتيم تضربه :وقال مسلم بن الوليد

Page 205: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأصبحت يف وصف البغال الكوادن... تركت صفات اخليل واخليل معقل فدونك أير البغل يا عبد مازن... رغبة يف أيورها حننت إليها

:وبغلته ودابته، قال بعض الشعراء يخاطب دابته فكلي إن شئت تبنا أو ذري... فهبيها ليلة أدجلتها

فتغذى وتعزى واصربي... قد أتى موالك خبز يابس :وقال آخر

لوة يف بيت عمرتشتكي اخل... بت ظمآن وباتت بغليت ابشري بالصوم يف شهر صفر... صمت يا بغلة من غري تقى

:وقال آخر على نفسه آثرت نفسي على بغلي... وإني إذا ما املرء آثر بغله

له علة ما دام ينقاد يف احلبل... وأبذله للمستعريين ال أرى :وقال آخر

إذا أنت مل يكرم عليك جوادي... ة أيا منزيل مايل عليك كرام :وقال دعبل

هوينة اخلطب فالتاثها... أتيت ابن عمران يف حاجة تروث وتأكل أرواثها... تظل جيادي على بابه

أطال ابن عمران إغراثها... غوارث تشكو إيل اخلال :وقال ابن حازم

ارس وطلولخليطاه نعف د... وخليت برذوين يلوك شكيمه بعثت وأنا صيب إىل جار لنا أستعري منه بغال، فزعم أنه مبطون، فغربت أياما، مث : وقال سهل بن هارون

:كتبت إليه فهل متاثل أو نأتيه عوادا... نبئت بغلك مبطونا فزعت له

ما قيل يف طول عمر البغل

يعايش الناس، أطول عمرا من البغل، وال أقصر عمرا من ليس يف مجيع احليوان الذي: قال أهل التجربة .العصفور، وظنوا أن ذلك لكثرة سفاد العصفور، وقلة ذلك من البغل

ولذلك قال . ولذلك وجدنا طول األعمار يف الرهبان وأصحاب الصوامع خاصة، ويف اخلصيان عامة: قالوا :الراجز

وخربا يرعى ربيعا أرمال... أحب أن أصطاد ضبا سحبال .فجعله أرمل، ليكون أقوى له وأمسن

.ما رأيا رجال قط يستكثر من اجلماع، إال رأيت ذلك يف منته: وقال معاوية: قالوا

Page 206: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كل خصال الشباب قد كان يف، إال أني مل أكن نكحة، وال صرعة، وال طلعة، وال ضحكة، : وقال معاوية .اومل أك سب

.والبغل أطول عمرا من كل شيء من احليوان، مما يعاش الناس يف دورهم: قالواوكل شيء ينتج ويولد ويتربى يف منازل الناس، من طائر وسبع وهبيمة، إذا حتول صاحب الدار، مل : قالوا

ه على وطنه، وميوت يتحول معه منها شيء، وآثرت األوطان على صاحب الدار، إال الكلب، فإنه يؤثر .دونه، ويصرب على جفائه وإقصائه

قصيدة البن داحة يذكر فيها أعمار احليوان

الذي يعايش الناس

وأنشد إبراهيم بن داحة، لرجل ذهب عني امسه، قصيدة وصف فيها أعمار احليوان اليت تعايش الناس، فقال :ألخيه

املركوب أمجع من بغل وأن ليس يف... عزمت على ذم البعري موفقا يبيت على يسر ويغدو على ثكل... وأن اقتناء اإلبل موق وحرفة

وكل نتاج الناس خري من اإلبل... وبني املنايا والرباذين نسبة فأمحدهتا يف العمر واهلرم املبلي... وقلت وشاهدت البغال وغريها

وال ذلة العير الضعيف عن الرحل... ها وليس هلا بذخ اخليول وكبر وال خير يف املؤنات من حامل الكل... ومؤنته يف الصيف والشتو واحد

لدى املصر والبغالت تركب كالبغل... وال تركب األرماك واحلجر دوهنا ر األهليكما بني عير الوحش واآلخ... وقد فرق الرمحن بني شكوهلا

ومركب قاض أو شيوخ ذوي فضل... ويف البغل يف كل األمور مرافق ويؤثرها يوم املباهاة واحلفل... فريكبها واخليل محدقة به

من الرائع املنسوب واجلامل البزل... وقد جاوزت يف السوم كل مثمن ألعيار من شبه النجلعلى قحة ا... يفوت مهاليج الرباذين سيرها

ركوب البغلة والطمع يف القضاء

وحنن بالبصرة إذا رأينا الرجل يطلب الرأي، ويركب بغال، ويردف خلفه غالما، قضينا بأنه يطمع يف :قال ابن املمزق. القضاء

وناظر أهل الرأي عند هالل... إذا ركب الشيخ الشريف بغيلة الذئب أم غزال... ......غي القضاء بسمته فداك الذي يب

Page 207: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فويل أليتام وإرث رجال... فإن أردف العبد الصغري وراءه فصاحب أشراط ومحل إالل... وإن ركب الربذون واشتد خلفه

:وقال ابن مناذر يف واحد من هذا الشكل اجلريان كر طعامويقسم يف ... رأيت أبا موسى يغر بسمته بقد كقد املشريف حسام... وخيدعهم واهللا غالب أمره

لكل مراء مهتر بغالم... يريد قضاء املصر واملصر منكر وكثرة تسبيح ولني كالم... ببشر ومست واكتئاب وخشعة أبصرت شق جالم غالما كما... ويركب بغال ثم يردف خلفه

وقدما مسا للرأي غري مسام... يريد هالال ال يحاول غريه إذا كنت ذا حفظ فلج بسالم... سواء لذي الرأي الشريف وغريه

فيالك حفظا مل يشب بغرام... يصري فقيها يف شهور يسرية بعد مرام كما كد ذا اآلثار... ... ولو كان خيرا كد

شريحا وسوارا ورهط هشام... وما ضر سلمانا وكعبا وبعده أالك األوىل كانوا نجوم ظالم... وياسا وياسا والغاليب بعده

وال زفر املستقي صوب غمام.... ... وما عرفوا النعمان ص ووقت محاملساعة إخال... لقد تاب مما أحدث القوم توبة

تشبيه األسد بالبغل

:قال هنشل بن حري. ويشبهون األسد بالبغل، إذا كان األسد تام اخللق: قالوا جير لعرسه جزر الرفاق... وما سبق احلوادث ليث غاب

كبغل السرج حط من الوثاق... كميت تعجز اخللعاء عنه :ئيوقال أبو زبيد الطا

رءوس اجلبال الراسيات تقعر... من األسد عادي يكاد لصوته إذا جر فيه اخليزران املعتر... كأن اهتزام الرعد خيط جبوفه

أبغل مائل الرجل أشقر: فقالوا... فأبصر ركبا رائحني عشية رب الراقصات املزعفرفهذا و... أم الليث؟ فاستنجوا وأين جناؤكم

:وأليب زبيد مثلها، يف قصيدته اليت ذكر فيها شأن كلبه، وشأن األسد، فقال حتى إذا كان بني البئر والعطن... فجال أكدر مشتاال كعادته

أسرت وأكدر حتت الليل يف قرن... القى لدى ثلل األطواء داهية فوق السراة كذفرى الفاجل الغضن... اعدين له إىل مقابل خطو الس

كالبغل حط من احمللني يف شطن... رئبال غاب فال قحم وال ضرع

Page 208: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

احلمري األخدرية

وزعم ناس من العلماء أن احلمري األخدرية، وهي أعظم محري الوحش وأمتها، زعموا أن أصل ذلك النتاج أن .ربت يف العانات، فكان نتاجها هذه احلمري اليت هلا هذا التمامخيال لكسرى توحشت، وض

.األخدرية هي احلمر اليت تكون بكاظمة ونواحيها، فهي كأهنا برية حبرية: وقال آخرونوال جييء فيما بني اخليل واحلمري إال البغال، وليس للبغل نسل يعيش، وال جنل يبقى، فكيف لقحت : قالوا

ن تلك اخليل محريا، مث طبقت تلك الصحارى باحلمر اخلالصة؟هذه األتن م

وكان امللك من األكاسرة إذا اصطاد عيرا ومسه بامسه، وبيومه الذي اصطاده فيه، وأطلقه، فإن هتيأ : وقالواهب، أن يصطاد ذلك العري بعينه ملك من بعده، ومسه مع وسم امللك الذي قبله مبثل تلك السمة وخاله يذ

فعسى أن تكون هذه احلمري أو بعضها صار يف . فكان هذا الصنيع بعض ما كانوا يعرفون به محري الوحش .ذلك الصقع الذي هذا صفته، فإن للماء والتربة واهلواء يف هذا عمال ليس خيفى على أهل التجربة

ن األعرايب الذي انتقل إىل ما هناك وكل عريب تراه خبراسان أصهب السبال، أمحر اللون، مفطوح القفا، فإ .كان على ضد ذلك

أثر البيئة يف احليوان

وحرة بين . ومن رأى دوابهم وإبلهم علم أنها تركية. وقد رأينا بالد الترك، فرأينا كل شيء فيها تركيا .اوهذا كثري جد. سليم اليت مجيع طريها، وسباعها وهوامها وأهلها كلهم سود

أسود، ونراه يف رأس الشيخ : وقد نرى جراد البقل وديدانه خضرا، ونرى قمل رأس الشاب األسود الشعرنعم حىت إنك لترى يف القملة شكلة إذا كان . أمحر: أبيض، ونراه يف رأس اخلاضب باحلمرة: األبيض الشعر

.خضاب الشيخ ناصال .وهكذا طبع اهللا األشياء

أير البغلضرهبم املثل يف

:قال أبو شراعة وأير بغل يف حرام قدري... أير محار يف حرام شعري

لو كنت ذا مال دعاين السدري :وقال أبو فرعون

وأير بغل يف حرام قحطان... أير محار يف حرام عدنان ككهمس أو عمر بن مهران... ما الناس إال نبط وخوزان

ضاق جرايب عن رغيف سلمان

Page 209: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وأنشد وطول دحس مجل إذا دحس... وعظم أير البغل يف رهز فرس

.اخلنزير، والورل، والذباب، واجلمل: واملذكور بطول الكوم :وأنشد

وال كوم الذباب ككوم بشر... وما اخلنزير والورل املذكي فإن اإلنسان أكثر منه إذا حصلت األمور؛ ألن اإلنسان إذا كان والعصفور وإن كان كثري عدد السفاد،

.يهيج الليل والنهار، والصيف والشتاء، فليس ذلك لشيء غريه؛ ويطأ احلبايل، ويريدها وتريدهال والذي يف السماء بيته، ما هلا ذنب تشتال به، ال أتيتها إال : " امرأتك حبلى؟ فقال: وقيل لشيخ أعرايب

.هي ضبعةومىت دخلت بامرأتك، ومىت ! ويحك: قيل أليب القماقم بن حبر السقاء: ومن النوادر يف غري هذا، قال مسعدة

" .كان اإلناء ضاريا : " قال! حبلت؟ وإمنا كان هذا أمسجئت من : وقال ابن النوشجاين! شيء ليس بشيء: بامرأتك محل؟ قال: وقيل حلفص موىل البكرات

ن، فسرت يف بعض الصحارى يف غب مطر، فكنت قد أرى يف الطني الذي قد قب آثار أرجل خراساالبهائم والسباع امليل وامليلني، وكنت ال أزال أرى أثر دابة هلا ست أرجل، فلما طال ذلك علي سألت

إن : فقال. اآلثار ويلك، تعرف دابة هلا ست أرجل؟ وأشرت بيدي إىل تلك: فقلت - أو املكاري -اجلمال اخلنزير طويل املكث يف سفاده، ورمبا مكث على اخلنزيرة طويال وهي ترتع، ويداه على كتفيها، ورجاله خلف رجليها، فال يكاد أن يقضي وطره إال بعد أن يقطع من األرض شيئا كثريا، فمن هناك ترى ست

.قوائم :دي، وكان طلب منه وقر بغل رطبة، فلم يفعل، فقالوقال الفرزدق يف هجائه عمر بن يزيد األسي

أكوى من املس أقفاء اجملانني... يا عمر بن يزيد إنين رجل كانت أيور بغال يف البساتني... يا ليت رطبتك املهتز ناضرها

قنفاء خارجة من أوسط الطني... حتى حتبل منها كل كوسلة :قال آخرو

والنيك حتى تأمجيه والقبل... عراد، إن كنت تحبني الغزل حيمل أيرا مثل جردان اجلمل... فإن عمرا قد أتاك أو أظل لو دس يف متن صفاة لدخل

.نرى أنه إمنا أراد الصالبة: قال .أير الثور أطول وأصلب: وقالوا

طول، ولو كان أطول كانت البقرة ال تقف للثور، وإمنا يكومها وهي تعدو، وهو ليس بأ: قال صاحب البغل .والبغلة تقف للبغل، وتطلب ذلك منه، لسوس شديد، وإرادة تامة. ال يدخل قضيبه يف حياء البقرة

Page 210: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

رأة إن أصل غرمول البغل ال ينطبق على ظبية البغلة كانطباق أير الرجل على فرج امل: وقال صاحب الثورحتى ال يبقى منه قليل وال كثري، ويفضل من أير البغل حنو من نصفه، وذلك أن مقادمي أيور احلافر فيها

والثور . االسترخاء، وأصوهلا ال تصري إىل أجواف اإلناث، وإمنا يصل من الصلب املتوتر مقدار نصفه فقطوالبقرة يف وقت نزو . هنا لو وقفت خلرقهاأول قضيبه وآخره عصب مدمج، وعقب مصمت، وأنت تقر أ

.الثور عليها كأهنا تكرههأليس قد أقررت أنه وإن كان يف غاية الصالبة، أنه إمنا يدخل فيها بعض قضيبه، وهذا : قال صاحب البغل

بني يديه، رأيت ثورا نزا على بقرة، فأخطأ قضيبه املسلك، فمرت البقرة من: قال. املفخر إمنا هو لإلنسانويف رأسه عجرة، ودون ذلك ختصر . ومر قضيبه على ظهرها؛ فما كان بني طرفه وبني سناسنها إال القليل

.قد دق جدا :قال بعض الشعراء، وهجا معلم كتاب

ويف الصرامة سيف صارم ذكر... كأنه أير بغل يف هتكمه :م أير زوجها إىل الوايل، وامسها خوصاء، فقالتوشكت امرأة مؤرج األزدي عظ: قالوا

من مننت الريح خبيث وغل... إني أعوذ باألمري العدل حيمل أيرا مثل أير البغل .ذكر، وأير: ويقال ألير اإلنسان

.جرادين وغراميل: وجردان احلمار والبغل وغرموهلما، واجلميع: ووعاء اجلردان ومجيع احلافر يقال له. الثيل: ووعاء مقلمه يقال له. رينضي الفرس، ومقلم البع: ويقال .القنب .قضيب التيس، وقضيب الثور، وعقدة الكلب: ويقال

.صرفت البقرة، فهي صارف؛ وسوست البغلة: وتقول العربى، وناقة ضبعة، وفرس وشاة حرم. ما يقال مغتلمة: وقال أكثر العلماء. هي امرأة هدمى، وغلمة: ويقال

.وديق، وكلبة مجعلوثفر . وحياء الشاة، وكذلك من اخلف كله. حر املرأة، والفرج، وظبية الفرس، وكذلك من احلافر: ويقال

.وتستعري الشعراء بعض هذه من بعض، إذا احتاجت إىل إقامة الوزن. الكلبة، وكذلك من السباع كلهاواألتان جامع، وبغلة . والفرس عقوق، وكذلك الرمكة. حامل، والبقرة كذلك: فإذا محلت الشاة فهي

.وكلبة مجح، وكذلك السباع. جامعإن أكرب األيور أير الفيل، وأصغرها أير الظيب، وليس يف األرض حجم أير ظاهر يف كل حال، إال أير : ويقال

وأطول أيور الناس ما كان ثالثة عشر . عند القمط وأما البط فقضيبه يظهر. اإلنسان والقرد والكلب .إصبعا

ورووا عن ابن جلعفر بن حيىي كان صيرفيا، وقد كان واله املأمون طساسيج عدة، أنه خرج من الدنيا وما .كام امرأة قط

Page 211: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كان هرمثة قدم و - وتأويل الكتاف أنه كان ينظر يف األكتاف، وهو إفريقي - وخبروا عن أيب زيد الكتاف غربت طول عمري ال أقدر : به على الرشيد، يعجبه من كرب خلقه وعظم بدنه؛ فرأيت ناسا زعموا أنه قال

على امرأة حتتمل ما عندي، حتى دللت على امرأة؛ فلما دخلت هبا أدخلت من أيري قدر نصفه، وقلت يف فلما مل أرها توجعت منه زدهتا، مث زدهتا حىت ! لغلظهي وإن احتملت نصف الطول فإهنا ال حتتمل ا: نفسي

وقال أبو ! وقد دخل منه شيء بعد؟: قد دخل كله، فتأذنني يف إدخاله وإخراجه؟ قالت: أدخلته، مث قلت هلااستمسكي فإين أريد : سقطت بعوضة على خنلة، وقالت للنخلة: بلغين أنها قالت له: السري بكر بن األشقر

!واهللا ما شعرت بوقوعك، فكيف أشعر بطريانك؟: فقالت النخلة! أن أطري

مما جاء يف ذم البغال

ال حلم وال لنب، وال أدب وال لقن، وال فوت وال طلب؛ إن كان فحال قتل : وذم رجل البغل، فقال: قال .صاحبه، وإن كانت أنثى مل تنسل

ت بني العراب والفواجل، وكالراعيب من بني احلمام وكل مركب من مجيع األجناس له جنل غريه، كالبخوالورشان، وكاإلبل منها الصرصراين والبهوين، ومها اللذان أبومها عريب وأمهما بختية، وهو من أقوى اإلبل

.على احلمل، وأشدها سريا، على قبح خلقته، ومساجة يف مقادميه، وكالشهري واهلجنيالبغال، صرت إىل سوس يف األنثى ال ينادى وليده وإىل غلمة يف الذكر ال توصف، مث هي وإذا صرت إىل .مع هذا ال تتالقح

وزعم أهل التجربة أن الكوم الذي خيلق اهللا تعاىل منه الولد من بني الرجل واملرأة، أن سبب التالقح ما الشهوة دنت الرحم وانفتح املهبل، وهو فم حيضرمها من إفراط الشهوة، يف ذلك الكوم، فإذا أفرطت

.الرحم، فتصري تلك النطفة أكثر وأحد، فيصري زرق اإلحليل وجمه هلا أبعد غاية .قل ما تلقح منهن امرأة إال لرجة: وقال أهل التجربة

ال تتالقح، فإن لقحت يف والبغلة والبغل يعتريهما من الشبق ما ال يعتري إناث السنانري، مث هي مع ذلك .الندرة أخدجت

:وقال الشاعر يف سوس البغلة هياج سنانري القرى يف الصنابر... وقد سوست حتى تقاصر دوهنا

.وذلك من عيوهبا. ومل تأخذ صهيل األخوال، وال هنيق األعمام، وخرجت مقادير غراميلها عن غراميل أعمامها وأخواهلا: قالوا

أن أعمارها أطول، فعيوهبا أكثر، وأيام االنتفاع هبا أقل، وباعتها أفجر، واخلصومة معهم أفحش، فإن زعمتم .وخسراهنا يوىف على أضعاف رحبها،وشرها غامر خلريها

أنك إذا سرت على اإلبل واخليل واحلمري والبقر، يف األسفار الطوال، : ومما ختالف أخالق سائر املركوباتإىل انتصاف هنارك، مث صارت إىل املنزل عند اإلعياء والكالل، طلب مجيع املركوبات يف سواد ليلك،

Page 212: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

املراعي واألواري، وأخرجت البغال بعقب ذلك التعب الطويل، أيورا كجعاب القسي، تضرب هبا بطوهنا مهة إال املراغة وكل دابة سواها إذا بلغت مل يكن هلا . وصدورها، حتى كأهنا تتعاجل به من أمل السفر

.والربوض، واألكل والشربوهي مع ذلك من أغلم الدواب، وأبعدها من العتق، ومل جند عظم األيور يف مجيع احليوان يف أشراف احليوان

.إال يف الفرط، وذلك عام يف الزنوج واحلبشان، وجتده يف احلمري والبغال .ر بدنهوأير الفيل كبري، ومل خيرج من مقدا: قالوا

.ولعمري إن الرجال ليتمنون عظم األيور كما تتمنى النساء ضيق األحراحضحك بشار األعمى يوما وحنن عنده، بعد أن أطال : قال حممد بن مناذر، وأبو سعيد راوية بشار، قاال

ال وبوده أن أضحكين أنه ليس على ظهرها رجل إ: ما الذي أضحكك يا أبا معاذ؟ قال: السكوت، فقلنافلو أعطى اهللا الرجال . أيره أكرب مما هو عليه، وال على ظهرها امرأة إال وبودها أن حرها أضيق مما هو عليه

سوهلم يف العظم، وأعطى النساء سوهلن يف الضيق، لوقع العجز، وبطل التناكح، وبطل ببطالن التناكح .وهذا لطف من ربك. التالقح. ال: أتدرون أي الرجال يتمنون ضيق األحراح، وأيهم يتمنى سعتها؟ قلنا: قال لنا يوما وحنن مجاعةو: قاالإمنا يتمنى السعة كل ردي النعظ، مسترخي عصب األير، وإمنا يتمنى الضيق كل متوتر العصب، : قال

.شديد النعظمول، كبري الرأس، عقيم الصلب، قبيح الصوت، بطيء احلضر، عظيم الغر: وذم آخر البغل، فقال: قال

مهياف إىل املاء، متلون األخالق، كثري العلل، فاجر البائع، قتال لراكبه، شديد العداوة لرائضه، حرون عند ومل . إن كان أغر كان مسحا، وإن كان محجال كان مشوما. واحلران إليه أسرع، ودواؤه أعسر. احلاجة

ويف . يتواضع امللوك واألشراف بركوبه إال إلفراط نذالته، وال ركبه الرؤساء يف احلرب إال لظهور عجزهوكل ذي عزم منهم فركاب خيل ومرتبط عتاق، وليس فيهم راكب . األنبياء راكب البعري، وراكب احلمار

املقوقس، قبلها على التألف، وعلى مثال ما كان بغل، وإمنا كانت بغلة النيب صلى اهللا عليه وسلم، هدية من .ومل جيعلها اهللا شرى، وال تالدا وال هدية سلم. يعطى املؤلفة قلوهبم

باب يف مدح البغال وذمها

يروى عن ابن عباس عن النيب صلى اهللا عليه وسلم، أنه هنى أن ينزى محار على فرس، وهنانا أن نأكل .رنا أن نسبغ الوضوءالصدقة، وأم

.هنى النيب صلى اهللا عليه وسلم، أن ينزى احلمار على فرس: وعن علي كرم اهللا وجهه قال

شديدة السوس، وذلك مما ينقض قواها، ويوهن أمرها، وهي يف ذلك أهيج من : وقال اآلخر يف عيب البغلة. إمنا ذلك ألن احلافر يف هذا اخللق خالف البرثنهرة وإن كانت ال تصيح صياحها، وال تضغو ضغاءها، و

أال ترى أن الكلب والسنور إذا ضربا صاحا، وكذلك األسد والنمر والببر والثعلب والفهد وابن آوى

Page 213: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ولو أخذت احلافر فقمطته، فرسا كان أو برذونا أو بغال أو محارا، مث ضربته أنت بعصا مل . وعناق األرض .صح، وإن كان جيد فوق ما جيد غريه من األملي

وكل حامل من . والبغلة مع ذلك تلقح وال تنسل، فصار محلها بالء على صاحبها، ألنها إن وضعته مل يعشمجيع اإلناث، من شاة أو بقرة أو ناقة أو أتان أو رمكة أو حجر، فإن محلها يكون زائدا يف مثنها، وال ترد

فأما املرأة فلشدة الوالدة عليها، وألن حدث املوت من أجل . احلوامل بعيب احلمل؛ إال املرأة والبغلةتلك وأما البغلة فألهنا إذا أقربت عجزت عن عملها، وإذا . مشقة الوالدة عليها من بني مجيع احليوان أسرع

.وضعت مل ينتفع بولدها: فسألت أبا يزيد اإلقليدسي عن ذلك، فقال. عنها، واشتد حرصه عليهاوالبغلة إذا كامها الربذون مل يصرب

" !.خلوة البغلة : " فلقبناه! ألهنا أطيب خلوة

أكل حلوم اخليل

.وأكل القديد يف الضرورة ردي للحافر كله، وهو للبغلة أردأ .وأهل البحرين يعلفون دوابهم احلشيش، وقد استمرت على ذلك

:قعقاع بن خليد العبسيوقال ال وأكبادنا من أكلنا اخليل تقرح... أكلنا لحوم اخليل رطبا ويابسا

وليس لنا حول الطوانة مسرح... وجملسنا حول الطوانة جوعا .وليس توافق حلوم اخليل أمة من األمم كما توافق األتراك، وكذلك اللحم صرفا

:بن تولب سوء موافقة أكل اللحم للخيل، فقال وذكر النمر والشمس والليل وآيات أخر... هللا من آياته هذا القمر

نقود خيال ضمرا فيها ضرر... إنا أتيناك على بعد السفر واخليل يف إطعامها اللحم عسر... نطعمها اللحم إذا عز الشجر

:وقال اآلخر وللتمر خير من حشيش وأنفع... وخيلك بالبحرين تعتلف النوى

معارف شىت يف ألوان الدواب

واحلمار إذا كان أسود . أدهم، وكذلك الفرس:الربذون إذا كان أسود قالوا: وقال بعض من ميدح البغل .بغل أدهم: وأحلقوا البغل باخليل، فقالوا. أسود: قالوا

بغل يؤخر سرجه كما يؤخر سرج احلمار، وموضع اللبب من اخليل يكون قدام، وإن ركب ال: وقال بعضهم .الغالم البغل عربا، ركب فيه على مركب احلمار، وهو مؤخره، فإن ركب اخليل ركب املقادمي

يتكلم بكالم ال نعرفه، إن ابين فالنا: قال شيخ من امللوك لعبد اهللا بن املقفع: حدثين بعض أهل العلم، قال

Page 214: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فأحب أن جتالسه، فإن كان كالمه هذا من غريب كالم العرب، فهو على حال مل خترج من هذه اللغة، وإن : فقال. يا غالمي أسرج يل برذوين األسود: فأتاه ابن املقفع، فسمعه يقول. كان شيئا يبتدعه عاجلناه بالتقومي

ال أقول إال األسود؛ مل؟ ألنه ليس : قال. األسود: ، وإياك أن تقولالربذون األدهم: قل، أصلحك اهللايا غالم أسرج يل محاري : فمكث ساعة، مث قال: قال. بلى هو أسود، ولكن ال يقال له أسود: بأسود؟ قال

ألنه : مل يقال له أسود؟ قلت: فقال يل: قال. أسود: أدهم، إمنا يقال له: ال تقل للحمار: قلت: قال. األدهمإما أن : قال. هكذا تقول العرب: قلت له: قال. برذون أسود، وهو أسود: قد هنيتين أن أقول: قال. أسود

إن كان : فرجعت إىل أبيه فقلت له: قال! تكون العرب أموق اخللق، وإما أن تكونوا أنتم أكذب اخللق !عندك عالج فداركه، وما أظن، واهللا، أن ذلك عند اجلالينوس

غلة أيب دالمة وما قال فيها من شعرب

ويف احلمري محار العبادي، ويف الغنم شاة منيع، ويف . واملثل يف البغال بغلة أيب دالمة. قال أبو دالمة يف بغلته :فقال أبو دالمة يصف بغلته: الكالب كلبة حومل

وشقرا يف الرعيل إىل القتال... أبعد اخليل أركبها ورادا وخير خصاهلا فرط الوكال... قت بغيلة فيها وكال رز

ولو أفنيت مجتهدا مقايل... رأيت عيبها كثرت وعالت وترمح باليمني وبالشمال... تقوم فما ترمي إذا استحثت من األكراد أحنب ذي سعال... رياضة جاهل وعليج سوء نعوس يوم حل وارحتال.. .شتيم الوجه هلباج هدان

جزاه اهللا شرا عن عيايل... فأدهبا بأخالق مساج وطال لذاك مهي واشتغايل... فلما هدين ونفى رقادي

أفكر دائبا كيف احتيايل... أتيت هبا الكناسة مستبيعا العضال أطم هبا على الداء... لعهدة سلعة ردت قدميا

إذا ما سمت أرخص أم أغايل... فبينا فكريت يف القوم تسري قدمي يف اخلسارة والضالل... أتاين خائب محق شقي

وال يدري الشقي مبن يخايل... وراوغين ليخلو يب خداعا فإن البيع مرختص وغال... أحسن : بأربعني، فقال: فقلت له يف البيع غير املستقال... تاعها مني وبتت فلما اب

أعد عليك من شنع اخلصال... أخذت بثوبه وبرئت مما ومن جرذ وختريق اجلالل... برئت إليك من مشش قدمي ومن ضعف األسافل واألعايل... ومن فرط احلان ومن مجاع

Page 215: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

بناظرها ومن حل احلبال... ض ومن عقد اللسان ومن بيا ومن هدم املعالف والركال... وعقال يالزمها شديد

إذا ما هم صحبك بالزيال... ومن شد العضاض ومن شباب إذا هزلت ويف غري اهلزال... تقطع جلدها جربا وحكا

من متابعة السعال وتنحط... وأقطف من دبيب الذرمشيا وتسقط يف الوحول ويف الرمال... وتكسر سرجها أبدا مشاسا ويدير ظهرها مس اجلالل... ويهزلها اجلمام إذا خصبنا

يخاف عليك من ورم الطحال... تظل لركبة منها وقيذا للسؤالعلى أهل اجملالس ... وتضرط أربعني إذا وقفنا

وبني كالمهم مما توايل... فتخرس منطقي وحتول بيين وبيطارا يعقل بالشكال... وقد أعيت سياستها املكاري مجوح حني تعزم للنزال... حرون حني تركبها لحضر وليث عند خشخشة املخايل... وذئب حني تدنيها لسرج

خذول عند حاجات الرحال... ت هبا بكورا وفسل إن أرد ألذ هلا من الشرب الزالل... وألف عصا وسوط أصبحي

وتذعر للصفري وللخيال... وتصعق من صقاع الديك شهرا وقامت ساعة عند املبال... إذا استعجلتها عثرت وبالت

تصير دفتيه على القذال... ل سرج ومثفار تقدم ك كما حتفى البغال من الكالل... وحتفى يف الوقوف إذا أقمنا

من األتبان أمثال اجلبال... ولو مجعت من هنا وهنا وعندك منه عود للخالل... فإنك لست عالفها ثالثا

كر تبعا قبل الفصالوتذ... وكانت قارحا أيام كسرى وذو األكتاف يف احلجج اخلوايل... وقد قرحت ولقمان فطيم

وأخر يومها هلالك مايل... وقد أبلى هبا قرن وقرن يزين مجال مركبه مجايل... فأبدلين هبا يا رب بغال

لبغالإىل كرم املناسب يف ا... كرميا حني ينسب والده

أشعار أخرى يف البغال

وأنشد إبراهيم بن داحة أليب الوزير املعلم يف ركوب البغال، لنخاس احلجاج بن يوسف، يف كلمة طويلة مل :أحفظ منها إال هذه األبيات

بكل كثري العيب جم جرائمه... حمدت إهلي إذ رأيتك مغرما

Page 216: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

شحيج غراب فاحم اللون قامته... ته على كل شحاج يضارع صو ويهرب منه يف الرواح خثارمه... يفزع منه كل غاد لطية

يقرب أرحام احلجور تفاقمه... وما لك منه مرفق غير أنه تجادله طورا وطورا تالطمه... وأنك غالب لكل مخاصم

فهمك خصم أو بذي تشامته... ب البغل صرت موقحا لفرط عيو ويعلم كل الناس أنك ظامله... تكذبه يف العيب والعيب ظاهر

على كل خناس وخصم يصادمه... فصار لنخاس البغال فضيلة غمهوآكل سحت ال جتف مال... فال زال فحاشا وقاحا ملعنا

وتنشق من فرط الصياح غالصمه... يالطم يف ظهر الطريق شريكه :وهذا كقوله

صبور على سوء الثناء وقاح... أكول ألرزاق العيال إذا شتا :ومثل قوله

أو يبخلوا مل حيفلوا... إن يغدروا أو يفجروا يفعلواوغدوا عليك مرطلني كأنهم مل

م لونه يتبدل... كأيب براقش كل يو :ومثل قوله

وحتديثك الشيء الذي أنت كاذبه... ليهنك بغض يف الصديق وظنة بالك ومثل الشر يكره جانبه... وأنك مشنوء إىل كل صاحب

اب رافع الصوت غالبهشديد السب... وأنك مهد للخنا نطف النثا .؛ فألن البغال هي املثل يف كثرة العيوب، وتلون األخالق" مغرما بكل كثري العيب " أما قوله

.، فلصرعاها وقتالها" جم جرائمه " وأما قوله .؛ فألن الشحيج صوت الغراب" على كل شحاج " وأما قوله

:غلته حيث قالوإمنا عارض أبو دالمة أبا خنيس بب ترحمين تارة وتقمص يب... أبعدت من بغلة مواكلة راكبها راكب على قتب... تكاد عند املسري تقطعين

تطرف مني العينين بالذنب... إن قمت عند اإلسراج أثفرها مانعة للجام واللبب... وعند شد احلزام تنهشين

كرقص زنج ينزون للطرب... سرية سوى الوثىب ليس هلا ال تأتلي يف اجلهاد عن حرب... وهي إذا ما علفتها جهدت

من رزق شعبان أمس يف رجب... قد أكلت كل ما اشتريت هلا إن مل تعلل بالشوك والقصب... متر فيما متا لعلفتها

Page 217: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كل، فقدمها على كل معتلف، بسوء الرأي فيها، وبإفراط الشعراء وزياداهتم، وإمنا وإمنا هجاها بكثرة األ .األكل الشديد يف الرباذين والرمك، مث اليت معها أفالؤها

.برذونة رغوث: أي الدواب آكل؟ قال: وقيل لرجل من العربفرس لألنثى والذكر، فإذا أرادوا : لونوال يقولون فرس وفرسة، بل يقو. برذون وبرذونة: ألهنم يقولون

:وأنشد. حجر وحصان: الفرق والتفسري قالوا وأنت على برذونة غري طائل... أريتك إن جالت بك اخليل جولة

:وأنشدوا إن الرباذين إذا جرينه... تزحزحي إليك يا برذونة مع اجلياد ساعة أعيينه

بدوام األكل، حىت زعم بعض الناس أن النساء يف اجلملة آكل من الرجال؛ ألن والنعاج أيضا قد توصف .أكل النساء يكون متفرقا، من غدوة إىل الليل، والرجل أكله يف الدفعة أكثر من هذا يف اجلملة

بعض ألوان احليوان

مري هي اخلضر، والسنانري هي البغال هي الشهب، واإلبل هي احلمر، واخليل هي الشقر، واحل: وقال بعضهم .النمر؛ وإن كان الناس يف احلمار األسود أرغب، وكذلك هم يف ألوان الثريان، ملكان البغال

وقالت بنت " هل لكم يف النساء الزهر، واخليل الشقر، والنوق احلمر؟ : " وقال بعض العرب لبعض امللوك " .سرعى، والدهماء هبمى احلمراء غدرى، والصهباء : " اخلس

وإمنا صار الناس يتخذون السنانري النمر؛ ألهنا أصيد، فهي السنانري اخللص، واأللوان األخر داخلة على هذه األلوان، وكذلك ألوان مجيع ما ذكرنا، وأصناف البهائم على ما ذكرنا؛ وأما ألوان األسد فمتشاهبة، ال

اليسري، والناس خيتلفون يف األلوان وكذلك الكالب والسنانري واخليل والبغال اختالف فيها إال بالشيء .واحلمام واحليات والطري؛ فإما أنواع الطري ومغنياهتا، والبزاة والصقور والشواهني، فال اختالف بينها

باب ما جاء من الشعر يف ذم البغل

:قال أبو دهبل اجلمحي تعطى على املدح احلجارة ...حجر تقلبه وهل

وتذم سريته املشارة... كالبغل يحمد قائما :وقال سهم بن حنظلة الغنوي

ب ال يحسن الكلب إال هريرا... فإما كالب فمثل الكال أشبهن آباءهن احلمريا: ل... وأما نمير فمثل البغا :وقال حسان بن ثابت

Page 218: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

جسم البغال وأحالم العصافري... م من طول ومن عرض ال بأس بالقو :وقال آخر

ناكحت قبلكم اخليل احلمر... ولئن ناكحتمونا لبما :وقال ابن الزبري األسدي لعبد الرمحن بن أم احلكم

ويف أرضنا أنت اهلمام القلمس... تثعلبت ملا أن أتيت بالدهم أبوه محار أدبر الظهر ينخس... أمه عربية ألست ببغل

:وقال خالد بن عباد يهجو أبا بكر بن يزيد بن معاوية رخي البال مهزول الصديق... مسني البغل من مال اليتامى :وقال سنان بن أيب حارثة

أال عجب العجباء من صهل البغل... تعرض عبس دون بدر سفاهة :وقال شبيب بن الربصاء يهجو عقيل بن علفة

بآيات التباغض والتقايل... أال أبلغ أبا اجلرباء عني بأم لست تكرهها وخال... فال تذكر أباك العبد وافخر

فكان جنينها شر البغال... فهبها مهرة لقحت لعير أيب احلسناء، وكان مكارى بغال، ينزل يف مقربة بين هزان، يكرى إىل كان الفرزدق عبث ب: قال أبو عبيدة

:الكوفة، أيام كانت الطريق على الظهر، فقال وخمالة سوء بان عنها شعريها... لبيك أبا احلسناء بغل وبغلة

:وقال الكميت م متاشي اآلم الزوافر... متشي هبا ربد النعا

بعانتيه خليط آجال وباقر واألخدريما : قال. يا أمري املؤمنني، ولين خراسان: وفد املغرية بن عبد الرمحن الرياحي على معاوية يف وفد، فقال: قال

. فامحلين على بغل، ومر يل بقطيفة خز: قال. انظر غري هذا: قال. فشرط البصرة: هجاء ما ال هجاء له؟ قال !.أما أنا فقد أخذت شيئا: فقالفالمه أصحابه،

أخبار يف البغال

أخبار يف البغال

وملا أقبل مسروق بن أبرهة األشرم باحلبشة، فصاف جند وهرز الفارسي، حني كان استجاش ابن ذي : قالوايزن بفارس، فوجه كسرى معه وهرز األسوار يف ثالث مائة كان أخرجهم من احلبس، على أنهم إن ظفروا

وكان وهرز شيخا كبريا، قد شد حاجبه بعصابة، . كان الظفر له، وإن قتلوا كان قد أراح الناس من شرهموقد ! كفوا عنه؛ فإنه على مركب من مراكب امللوك: قال. هو صاحب الفيل: قالوا. أروين ملكهم: فقال

Page 219: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

: فقال. زل عن الفيل، وركب فرساقد ن: فنزل مسروق عن الفيل، فركب فرسا؛ فقيل له. أطال الوقوفوأطال الوقوف حىت مل ظهر الفرس، وأتوه ببغل فركبه، ! دعوه، فإنه على مركب من مراكب الفرسان

عن مراكب امللوك، وعن معاقل الفرسان، مث ركب : قال. قد نزل عن الفرس، وركب البغل: فقيل لوهرزإين راميه، فإن : تة معلقة بني عينيه، فقال وهرز ملن حولهوكان على مسروق تاجه، وياقو! البغل ابن احلمار

رأيتموهم جيتمعون عليه، وال ينفرجون عنه، فقد قتلته، فشدوا عليهم شدة واحدة، وإن تفرقوا فإمنا هي وا عليه، ومل فرمى فأصاب نفس الياقوتة املعلقة بني حاجبيه، ففلقتها، وغابت النشابة يف رأسه، فاجتمع. رمية

.يتفرقوا عنه، فشدوا عليهم شدة واحدة كانت إياهاشخص أبو سفيان إىل معاوية بالشام، يف والية عمر رضي اهللا عنه، ومعه : وبلغين عن زيد بن جدعان، قال

امحل أباك . رقد قدم عليك أبوك وأخواك، فال تغذم هلم، فيعزلك عم: " ابناه عتبة وعنبسة، فكتبت إليه هندعلى فرس وأعطه ثالثة آالف درهم، وامحل عتبة على بغل وأعطه ألفي درهم، وامحل عنبسة على محار

" .وأعطه ألف درهم أشهد أن هذا عن رأي هند، بصفة جوائز ملوك الشام، وما خللفاء الشام : فلما فعل ذلك هبم قال أبو سفيان !.نريوالدراهم، ما يعرفون إال الدنا

باب ما قالوا من الشعر يف عقم البغل

:قال النابغة اجلعدي وسوف نالقيه إذا البغل أحبال... وهبنا لكم ما فيه نرجو صالحكم

إىل ذاك ما شاب الغراب ورجال... ومن دون أوالد البغال ومحلها :وقال العكلي

عجل قبل املهللكنها ت... قد يلقح البغلة غري البغل عن مرفق الطحن ومحل الرجل... ة مشغولة باحلمل .....

وال تساوي حفنة من زبل... وثقل السفر ومري األهل دودة خل خلقت من خل... ما كان فيها من كرام الفحل

تزداد يف القيمة عند السحل... وكل أنثى غيرها يف احلمل قتالة للفارس األبل... ملعونة بنت لعني نذل

من غري شكل خلقت وشكل... مل يعتدل منصبها يف األصل وموقها موق رضيع طفل... يف أدب اخلنزير يوم احلفل أو حوت حبر قذفت يف سهل... أو عقل أفعى وهجف هقل

كل حميميق وكل فسل. ..أو جيأل يكتفها حببل ليس هلا يف الكيس رفق النمل... وكل غر جاهل وغفل

أو تتفل راوغ كلب املشلي... أو ذئب قفز مجمع للختل

Page 220: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أما تراها غاية يف اجلهل... أو خزز وثب خوف القتل تصدع مجع الشمل وغرة... والشؤم منها يف ذوات احلجل

وكل طرف ذائل رفل... فهي خالف الفرس اهلبل وعددوا كل قتيل بغل... قد حذر الناس أذاها قبلي

:فقال أخوه ناقضا عليه، وهو يف ذلك يقدم البغلة على البغل، وهكذا هما عند الناس يف مجلة القول، فقال فإنها جامعة للشمل.. .عليك بالبغلة دون البغل وتاجر وسيد وكهل... مركب قاض وإمام عدل تصلح يف الوحل وغير الوحل... وهشمي ذي هبا وفضل

وهي يف املشي وحتت الرحل... والسقي والطحن ومحل الرجل

از وذات رحلوكل مج... أوطا وأجنى من مطايا اإلبل تقدم يف ذلك عير األهل... وطول عمر غري قيل البطل قد قتل العصفور فرط اجلهل... واخليل واإلبل وكل فحل

بلذة تسلمه للقتل... ولو درى كان قليل الشغل فلو ذممت القمر املجلي... فدع مدحيي وهجاء بغلي

ه بعض ما قد يقليوجدت في :وملا تعاور أبا اخلطاب األعمى أبو دلف، وجعفر بن أيب زهير، ومها يتعصبان ملعدان األعمى، فقال

ليجمع بال البغل للدور والطحن... كما شد عين البغل طحان قرية ر اجلنيحلاكى شهاب القذف يف أث... ولو أن عين البغل زال عصابها

:وقال أيضا ونقص العمى أجدى عليك من البصر... وليس العمى يف كل حال نقيصة

ولو حجبوا تلك العيون عن النظر... فسائل بغال الطحن إن كنت جاهال وال كان مطحون بصخر وال مدر... ولوال انطباق العين ما كان طاحن

:قالألن أبا دلف كان وذو العين والتمييز جم اخلواطر... وليس ملكفوف خواطر مبصر

:ألن أبا اخلطاب كان فخر عليهم جبودة حفظ العميان، وكان جعفر بن وهب قد قال يمارس أشغاال تشرد بالذكر... هل احلفظ إال للصيب، وذو النهى

تناول أقصاه وإن كان ال يدري... فارغا فإن كان قلب الغمر للحفظ وهل يعرف األقدار غري ذوي القدر... يهذ أمورا ليس يعرف قدرها

:وقال أبو دلف يف بعض تلك املسابقات ولكن شغل القلب للهم دافع... وليس فراغ القلب جمدا ورفعة

Page 221: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

قصري اهلم يف احلي وادع وكل... وذو اجملد حممول على كل آلة وعلى قدر الشواغل واخلواطر تنبعث اهلمة، وتصح . فزعم أن األعمى إنما حيفظ لقلة خواطره وشواغله

.الروية، وتبعد الغاية

االنتفاع بالبغل يف الطحن

لطحن عظيمة جدا، طحن احلمري والبغال والبقر واإلبل، ال جييء إال مع تغطية عيوهنا، ومنافع ا: وقالواوطحن البغال أطيب وأريع، وكيل ما تطحن أكثر؛ وطحني أرحاء القرى ال يكون له طيب، ألن أرحاء

.فهذه املنفعة الكثرية، للبغال فيها ما ليس لغريها. املاء، اليت هي أرحاء القرى، حتدق الدقيق، وتفسد الطعم .لة واحدةولو كلف الربذون الطحن هلرج يف لي

.والبغل ال يصرد كما يصرد احلمار، وال يهرج كما يهرج الربذوناحلمار ال يدفأ يف السنة إال يوما واحدا، وذلك اليوم أيضا ال يدفأ، كأهنم قضوا بذلك إذ : ويف أمثال العامة

املثل قد سبق يف غريه، كان عندهم يف الصرد ووجدان الربد، يف جمرى العنز واحلية واجلرادة، وإن كان " .أصرد من حية " ، و " أصرد من جرادة : " يقال

مقايسة بني الفيل والبغل

البغل ال يصرد كما يصرد احلمار، وال يهرج كما هترج الرمكة يف احلر، والبغل : وقال بعض من حيمد البغلأال ترى أن الثور يطحن . لسقط ولو طحن الربذون يوما واحدا يف الصيف. يطحن، وهو فوق كل طاحن

.واجلاموس أقوى منه وهو ال يطحن، وهو أيضا مما يهرجالفيلة ال تلقح إال يف أماكنها، والبغلة قد تلقح يف مجيع البلدان، ولكن أوالدها ال : وليس البغل كالفيلة

.تعيش، والفيل الشاب ال ينبت نابه عندناكسرى كان يعول تسعمائة فيل، وينفق عليها وعلى سواسها، ويقوم بشأهنا وملا مسع أبو الربيع الغنوي أن

عندي حيتاج إىل أن يحجر عليه، -واهللا - يزعمون أنه كان مصلحا، وسائسا مدبرا؛ كان : ومئونتها، قالهبا يف احلروب، انظروا كم كان يستهلك من األموال عليها يف غري رد، فإن كان يريد أن يباهي هبا، ويهول

.حبس منها بقدر ذلك" أمر جسيم، وال منفعة فيه : " ولقد رأى رجل يف املنام أنه ركب فيال، وقص رؤياه على ابن سريين، فقال

.

والفيلة إمنا يفتخر هبا السودان، كاحلبشة واهلند، فأما ملوك العراق فإمنا يتخذون منها بقدر ما يقال إن وكل شيء عجيب فهو أبعث . وأيضا ألن الفيل خلق عجيب، ومعترب ملن فكر. يء شيئاعندهم من كل ش

.على التفكري من غريه

Page 222: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

حديث إنزاء احلمري على اخليل

وملا روى املدائين والواقدي وغريمها، أن علي بن أيب طالب عليه السالم، ملا استأذن النيب صلى اهللا عليه جاء احلديث عاما : قال قوم" . إمنا يفعل ذلك اللذين ال يعلمون : " مري على اخليل، قالوسلم يف إنزاء احل

واخليل : " يف ذكر اخليل، ومل خيص العتاق دون الرباذين؛ ألن اسم اخليل واقع عليهما مجيعا، قال اهللا سبحانهيهم مبا خوهلم من املراكب، فذكر البغال واحلمري ، أفتظنون أنه ذكر إنعامه عل" والبغال واحلمري لتركبوها

هذا احلديث خمتلف فيه، وله أسانيد طوال، ورجال ليسوا : وترك الرباذين؟ فأما أبو إسحاق فإنه قالوجيوز أن ينهى عن إنزاء احلمري على احلجور والرماك مجيعا، . مبشهورين من الفقهاء حبمل صحيح احلديث

.وخصاؤه يف األصل حرام. لنتاج جاز بيعه وابتياعه، وملكه وعتقهفإن جلب جالب ذلك اوقد أهدى املقوقس عظيم القبط إىل النيب صلى اهللا عليه وسلم خصيا؛ وكان هذا اخلصي أخا مارية أم

ر، وليس يف إبراهيم ابن النيب صلى اهللا عليه وسلم، فقبل هديته، وأرسل إليه ببغلة من نتاج ما بني حجر وعيهذين الكالم، إمنا الكالم يف اإلخصاء وحده، واإلنزاء وحده يف أصل العمل، فإما إذا ما مت األمر بينهما،

.فإن بيعهما وابتياعهما حاللوال نترك قوال عاما قاله اهللا تعاىل يف كتابه ونصه، حلديث ال ندري كيف هو، وقد قال اهللا جل وعز، : قال

واخليل والبغال واحلمري : " كار الناس نعمه السابغة، وأياديه اجملللة حني عدد عليهم، فقالوهو يريد إذ .؛ فمن أين جاز لنا أن خنص شيئا دون شيء" لتركبوها

باب ما جاء يف الكوادن

:قال الشاعر كأنه كودن يوشي بكالب... جنادف الحق بالرأس منكبه

:بعيد من العنق فهو كودن، قال ابن قميئة وكل غليظ يسر يطعم األرامل إذ قلص در اللقاح يف الصنبر

يل عكوفا على قرارة قدر... ورأيت اإلماء كاجلعثن البا ورأيت الدخان كالكودن األصحم ينباع من وراء الستر

من األرانب بكر ر خروس... حاضر شركم وخريكم د :ويف ذم البغال يقول عرهم بن قيس األسدي

كالبغل يعجز عن شوط املضامري... إن املذرع ال تغين خئولته :وقال الفرزدق

قبيلة سوء بار يف الناس سوقها... سوى أن أعراف الكوادن منقرا :وإمنا قالت محيدة بنت النعمان بن بشري لزوجها روح بن زنباع

سليلة أفراس جتللها بغل... أنا إال مهرة عربية وهل

Page 223: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وإن يك إقراف فمن قبل الفحل... فإن نتجت مهرا كرميا فباحلرى :فقال روح. فوضعت البغل يف موضعه

وترغب يف املناكح عن جذام... رضى األشياخ بالفطيون بعال مفقبحا للكهول وللغال... يهودي له بضع اجلواري

:وقال اآلخر لكثرهتم وال طاب القليل... وما كثرت بنو أسد فتخشى

أنوفهم أذل من املسيل... قبيلة تذبذب يف معد شحيج البغل ملتمس الصهيل... متنى أن تكون أخا قريش

:وقال زياد األعجم كما عامر واللؤم مؤتلفان... أمل تر أن البغل يتبع إلفه

:وقال الكميت مطهمة فيلفوا مبغلينا... وما محلوا احلمري على عتاق

بشر ختونة متزينينا... وما مسوا بأبرهة اغتباطا

باب ذكر ركوب نساء األشراف البغال

:ملا أهديت ابنة عبد اهللا بن جعفر إىل يزيد بن معاوية على بغلة، قال يزيد: قال ة يف جوف قر مسيرمسير... جاءت هبا دهم البغال وشهبها

وبني علي واجلواد ابن جعفر... مقابلة بني النيب حممد لعبد منايف أغر مشهر... منافية غراء جادت بودها

:وقال ابن أيب ربيعة

وما خلت مشسا بليل تسري... هي الشمس تسري هبا بغلة :وقال اآلخر

بهوفوق رحالتها ق... مرت تزف على بغلة أحل احلرام من الكعبه... زبريية من بنات الذي فال بالرفا، وهبا الوجبه... تزف إىل ملك ماجد

:ولقي عمر بن ربيعة عائشة بنت طلحة، وهي على بغلة، فاستوقفها وأنشدها يف عاشق دنف ال ترهقي حرجا... يا ربة البغلة الشهباء هل لكم

فما نرى لك فيما عندنا فرجا... ه بدائك مت أو عش تعاجل: قالت وإن ترحين فقد عنيتين حججا... قد كنت جرعتين غيظا أعاجله

ما مح حبك من قليب وما هنجا... وال والذي حج احلجيج له : فقلت

Page 224: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وقال اآلخر أخربك على رجل... قفي يا ربة البغل

مناد غري ما ختل... فبينا ذاك إذ نادى على أهواج كاهلقل... خم فعجنا بامرئ ض

ومميود القرا عبل... وعجنا كل مسود وذا قول وذا عقل... وإذا مل تك ذا رأي

رددناه إىل غفل... وقالت أختها الصغرى وما يدريك ما الدخل... ترى الفتيان كالنخل

ولكن يعرف الفضل... وليس الشأن يف الوصل

باب ذكر أخبار ومسائل شىت

إنا لباألبطح أيام املوسم، إذ أقبل شيخ أبيض الرأس : ب الزبريي عن بعض أشياخه، وقالوحدث مصع :واللحية، على بغلة شهباء، وما ندري أهو أشد بياضا، أم بغلته، أم ثيابه، فاندفع يغني

من دموع كثرية التسكاب... أسعديين بعبرة أسراب ما ملن ذاق ميتة من إياب. ..فارقوين وقد علمت يقينا

.مث ضرب دابته وذهب، فأدركناه، فإذا هو حنين النخعي، وكان نصرانيا مستهترا بالغناءفإذا هو شيخ أبيض الرأس ......قال كعب األحبار: ومن حديث املغرية بن عنبسة عن بعض أشياخه قال

.واللحية، أبيض الثياب، على بغلة بيضاءاستقبلين الشاعر اليمامي -وذلك يف أيام الرشيد - أول يوم دخلت الرقة : ديق يل، قالوحدثين ص

، فإذا هو أسود وحليته سوداء، وثيابه سود، وعمامته سوداء، وسرجه " إين تيمي : " املتكلم، الذي يقولأهل ! ذ باهللا من هذا الزيأعو: أسود، ومسور سرجه أسود، وهو على برذون أدهم، وقد ركبه غبار، فقلت

خراسان الذين هم أهل الدعوة، وخمرج الدولة، ال يتكلفون مجيع هذه اخلصال كلها ألنفسهم، واكتفوا واهللا : وإذا هو يتعرض لصاحب األخبار، طمعا يف أن يرفع خربه، فينال بذلك مرتبة، فقلت له! بسواد ثياهبم

واهللا أن لو رفعت يف ! ذه الدولة، فما ظنك بإنسان ميامي مرة وتيمي مرة؟إن هذا الزي لقبيح من أهل ه !.اخلرب، الرتفعت معك حىت أخرب عنكدعانا فالن الفالين، وهم قوم يعرفون بالدعوة، فدعانا إىل منزله يف : وحدثين عمرو القصايف الشاعر، قال

يمة، وإذا حوله غنيمات، وإذا يف الدار بعري أجرب، وريح أيام دعوهتم إىل العرب، فإذا هو قد ضرب خاهلناء والقطران؛ فدعا بالطعام، فإذا خبزة قد ثرد نصفها يف لنب، وكسر بني أيدينا النصف اآلخر، مث دعا

حان، فإذا بالنبيذ، فإذا هو يف عس خشب، وإذا نبيذ متر، مث دعا بنقل فإذا بأقط ومقل وتنوم، مث دعا بريما اجتمع هذا : خزامى وعبيثران وشيح، وإذا عنده شاد وهو يغين، فىت أمرد أجرد أبيض، فقال صاحيب

Page 225: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الذي رأينا يف بيت هذا الفىت عند عقيل بن علفة، وال عند الزبرقان بن بدر، وال عند عوف بن القعقاع؛ .فإن هؤالء كانوا مردة األعراب

ركوب البغالما قيل يف حب

. أخربين عن امسك وبلك ونسبك وشهوتك.......وقال أبو الشمقمق يف حب ركوب البغال، وكان قالأما امسي ونسيب فأنا مروان بن حممد، موىل مروان بن حممد، وأما بلدي فالبصرة، وأما شهويت فالنبيذ : قال

:فقال أبو الشمقمق. على اللحم السمني تسلح بالرزق على عيري... ياي هايت اليت مناي من دن

من ماعز رخص ومن طير... اجلردق احلاضر مع بضعة

حتكي قراة القس يف الدير... وجرة هتدر مآلنة وطيلسان حسن النير... وحبة دكناء فضفاضة

ن يف السيرتطوي يل البلدا... وبغلة شهباء طيارة يصرعها الشوق إىل أيري... وقينة حسناء ممكورة ما بالذي أذكر من ضير... وبدرة مملوءة عسجدا

قد عرفوا باخلير واملير... ومنزل يف خير ما جرية مثل لزوم الكيس للسير... وصاحب يلزمين دهره ة يف اخليرمرتفع اهلم... مساعد يعجبين فهمه

أبلد يف اجمللس من عري... كم من فىت تبصر ذا هيئة :وذكر أيضا البغال، فقال د وأهوي لكورة األهواز... ما أراين إال سأترك بغدا

حيث ال تنكر املعازف واللهو وشرب الفىت من التقماز اجلوازي وجوار كأنهن جنوم الليل زهر مثل الظباء

فاتنات ميل من األعجاز... واضحات اخلدود أدم وبيض يف بساتينها ويف األحواز... بين عوادة وأخرى بصنج

ذاك خير من التردد يف بغداد تنزو يب البغال النوازي ورداء من الغبار طرازي... كل يوم يف كمة وقميص

ال وال يشترى من البزاز... النساج يوما لبيع مل حيكه أخذت أهلها الشياطني بالركض لطول الشقاء واإلعواز

فوق برذونه كشخص حجازي... كل شيخ ختاله حني يبدو ظ عدو الندى وسلم املخازي... ومجيل الفسيل أعىن ابن حمفو

Page 226: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ما تشكى للطعن بالعكاز... حتى ألفت استه الفياشل يأخذ األسود الذي يفرق احلواء منه كدستج املنحاز

وجبان يف احلرب يوم الرباز... ليث غاب بدبره حني يلقى بعدت داره فال رده اهللا والزال نائي الدار شازي

اخلباز كهوان اخلصى على... ذاك شخص به علي هوان

اخللق املركب

أما ما ذكرنا من أجناس احليوان املركبات، كالبغل والشهري، واملقرف، واهلجني، وكالبخت والبهوين، والصرصراين، والطري الورداين، واحلمام الراعيب، فقد عرفنا كيف تراكيب ذلك، وعرفنا اختالف اآلباء

.عسبار والديسم والعدار والزرافة، فهذا شيء مل أحقهفأما السمع وال. واألمهاتوقد أكثر الناس يف هذا ويف اللخم، ويف الكوسج، ويف الدلفني، وفيما يتراكب بني الثعلب والسنور الربي،

تحصيل والتثبت، فإن هذا كله إمنا نسمعه يف األشعار، يف البيت بعد البيت، ومن أفواه رجال ال يعرفون بال .وليسوا بأصحاب توق وتوقف

وإذا كان إياس بن معاوية القاضي يزعم أن الشبوطة إمنا خلقت من بني الزجر والبني، وأن من الدليل على ذلك أن الشبوطة ال يوجد يف جوفها بيض أبدا، ألنها كالبغلة، فأنا رأيت يف جوفها البيض مرارا، ولكنه

.يض سوء ال يؤكل، ليس بالعظيم، وال يستطيل يف البطن كما يستطيل بيض مجيع أناث السمكبفإذا كان إياس . والشبوط جنس يكون ذكرانه أكثر، فال يكاد إنسان يقل أكله للشبوط يرى بيض الشبوط

.يغلظ هذا الغلظ، فما ظنك مبن دونه

زواج اإلنس باجلن

لذي نسمعه من اليمانية والقحطانية، ونقرأه يف كتب السرية، قص به القصاص، ومسروا به وقد يكون هذا ا .عند امللوك

، " وهلا عرش عظيم : " وزعموا أن بلقيس بنت ذي مشرح، وهي ملكة سبأ، ذكرها اهللا يف القرآن، فقاللدت إنسية خالصة صرفا حبتا، ليس فيها شوب، زعموا أن أمها جنية، وأن أباها إنسي، غري أن تلك اجلنية و

.وال نزعها عرق، وال جذهبا شبه، وأنها كانت كإحدى نساء امللوك

فاحسب أن التناكح يكون بني اجلن واإلنس، من أين أوجبوا التالقح، وحنن جند األعرايب والشاب الشبق، سا كثرية، فيفرغون نطفهم يف أفواه أرحامها، ومل نر وال مسعنا ينيكان الناقة والبقرة والعنز والنعجة، وأجنا

على طول الدهر، وكثرة هذا العمل الذي يكون من السفهاء، ألقح منها شيء من هذه األجناس، وأصل اإلنسان من طني، واجلان خلق من نار . واألجناس على حاهلم من حلم ودم، ومن النطف خلقوا

Page 227: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكان ينبغي للقردة أن يلقح من . ما بني اجلن واإلنس، أبعد من شبه ما بني اإلنسان والقردالسموم، فشبه .اإلنسان

الصرع واالستهواء

ومن العجب أنهم يزعمون أنما تصرع املرأة ألن واحدا من اجلن عشقها، وأنه مل يأهتا إال على شهوة الذكر .لألنثى، أو شهوة األنثى للذكر

لو مل يكن ملا ضرب اهللا به املثل آلكل الربا : أيكون أن يصرع شيطان إنسانا؟ قال: لعمرو بن عبيدوقيل فهذا شيء " . الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من املس : " حيث يقول

أما : لصرع، تزعم أنه من شيطانه؟ قالأرأيت هذا ا: مث وقفنا على رجل مصروع، فقلت له: قال. واضحهذا بعينه فال أدري أمن فساد مرة وبلغم، أم من شيطان؛ وما أنكر أن يكون خبط شيطان وصرعه، وكيف

ومسعته، وسأله سائل عن رجل هام على وجهه، مثل عمرو بن : ال جيوز ذلك مع ما مسعنا يف القرآن؟ قالكالذي : " قد قال اهللا: مثل عمارة بن الوليد، وطالب بن أيب طالب، فقالعدي صاحب جذمية الوضاح، و

" .استهوته الشياطني يف األرض وقد قالوا يف الغريض . وأنا أعلم أن يف الناس من استهوته الشياطني، ولست أقضي على اجلميع مبثل ذلك

.املغين، وسعد بن عبادة وغريمها، وهذا عندنا قول عدل

ج اإلنس باجلنرجع إىل زوا

.وكل ما قالوا من أحاديثهم يف اخللق املركب، فهو أيسر من قوهلم يف والدة بلقيس :وهم يروون يف رواياهتم يف تزويج اإلنسان من اجلن، حىت جعلوا قول الشاعر

عمرا وقابوسا شرار النات... يا قاتل اهللا بين السعالة .ة تلد الناسأنه الدليل على أن السعال - الناس : يريد -

.هذا سوى ما قالوا يف الشق وواق واق ودوال باي، ويف الناس والنسناس " .نسناسهم والنسانسا : " ومل يرض الكميت هبذا حىت قال

.على الناس، والنسناس، والنسانس: فقسم األقسام على ثالثة. با، وسنان إمنا هام على وجههوتزعم أعراب بين مرة أن اجلن إمنا استهوت سنانا لتستفحله إذ كان منج

" .واهللا لقد كان سنان أحزم من فرخ العقاب : " وقال رجل من العرب

الرباذين واخليل

:آلرباذين من اخليل؟ فأنشدين: قلت ليونس بن حبيب: وقال حممد بن سالم اجلمحي لعلى فارس الربذون أو فارس البغ... وإني امرؤ للخيل عندي مزية

Page 228: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.إمنا ذهب الشاعر من اسم اخليل إىل العتاق: وقالوافرس كرمي، وفرس جواد، وفرس : وإمنا يوصف الفرس العتيق بصفة اإلنسان من بني مجيع احليوان، يقولون

.رائع، فإنما يريدون أن يبروه من اهلجنة واإلقراف، وكيف جيعلون الربذون " عتيق " و " كرمي " فأما قوهلم

" واخليل والبغال واحلمري : " ا بالعتيق، وإن دخل الفرس من أعراق الرباذين شيء هجنه؟ ويف القرآنالحقحني أراد أن يعدد أصناف نعمه؛ أفتراه ذكر نعمه يف احلمار والبغل، ويدع نعمته يف الرباذين، والرباذين

واخليل والبغال : " لركوب، ألن اهللا تعاىل قالأكثر من البغال، ولعلها أكثر من احلمري األهلية، اليت هي لوفرسان العجم ختتار يف احلرب . ؟ وحمر الوحش وإن كانت محريا فليست مبراكب" واحلمري لتركبوها

والفحل واحلصان من العتاق ربما شم ريح احلجر يف جيش . الرباذين على العتاق، ألهنا أحسن مواتاةواجلة والطبطابات واملشاولة، وإمنا أرادوا حتى يعطب، ولذلك اختاروا الرباذين للص األعداء، فتقحم بفارسه

.بذلك كله أن يكون دربة للحرب ومترينا وتأسيسافأكثر احلمري والبغال تتخذ لغري الركوب، وليس يف الرباذين طحانات وال نقاالت، وال تكسح عليها

النعمة، مع اجلمال والوطاءة إىل فكيف يدع ذكر ما هو أعظم يف املنفعة، وأظهر يف. األرض إال يف الفرط ذكر ما ال يدانيه؟

ركوب البغال واختيارها للحرب

ومما يهجن شأن البغل ويخرب عن إبطائه عند احلاجة إىل سرعته، أن القائد الشجاع، والرئيس املطاع، : قال :ولذلك قال الشاعر. ب بغالإذا أراد أن يعلم أصحابه أنه ال يفر، حىت يفتح اهللا عليه أو يقتل، رك

لدى احلرب واهليجاء قد شب نارها... إذا ركب األسوار بغال وبغلة على الصبر حتى يستبان بشارها... فذاك دليل ال يخيل، وعزمة

وبالصبر يبدو عقبها وعيارها... وذو الصرب أوالهم بكل سالمة " .احرص على املوت توهب لك احلياة : " بكر، رضي اهللا عنه، خلالد بن الوليدوذهب إىل قول أيب

.إذا صربمت ومل تفروا، هزمتم العدو، فصار صربكم سببا حلياتكم: يقولاقتتل أصحاب األمري عبد اهللا بن طاهر، : وحدثين هنيك بن أمحد بن هنيك، كاتب عبد اهللا بن ظاهر، قال

يوما على باب كيسوم، ونصر يف آخر القوم جالس على مصلى، حمتب حبمائل وأصحاب نصر بن شبثسيفه، وبني يديه بغل مسرج جملل، واهللا ما أدري أكان اجلل حتت اللبد، أم كان فوق السرج، وشد عزيز

س؛ فلما على أصحاب نصر شدة كشفتهم، حىت جاوزوا مكان نصر، وصار عزيز حبذاء نصر، ونصر جالمث ! أتبلغ إىل موضعي، وتطأ حرميي؟! مكانك يا عزيز: رأى ذلك وثب وثبة فإذا هو على ظهر البغل، وقال

عزيز عنه، وعزيز يومئذ فارس العسكر غري -واهللا - شد حنوه على بغله، وعزيز على برذون، فعزف .مدافع

Page 229: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

نقد تشبيه البغل بالكلب

:وأنشدوا يف البغل فجئت بشيء صير البغل كالكلب... بغل يا شيخ مذحج أردت مديح ال

وقد مثنوا شرواه شأوا من الترب... وحسبك لؤما بالكالب ودقة إن دية الكلب زبيل من تراب، حق على القاتل أن يفعله، وحق على صاحب الكلب أن : ألن يف احلديث

.يقبله .منهمت الكتاب بعون اهللا تعاىل و

.يتلوه كتاب احلنني إىل األوطان، واحلمد هللا وحده، وصلواته على سيدنا حممد نبيه وسالمه

الرسالة السابعة عشرة

رسالة احلنني إىل األوطان

بسم اهللا الرمحن الرحيم

، إن لكل شيء من العلم، ونوع من احلكمة، وصنف من األدب، سببا يدعو إىل تأليف ما كان فيه مشتتاومىت أغفل محلة األدب وأهل املعرفة متييز األخبار واستنباط . ومعىن حيدو على مجع ما كان منه متفرقا

اآلثار، وضم كل جوهر نفيس إىل شكله، وتأليف كل نادر من احلكمة إىل مثله بطلت احلكمة وضاع .العلم، وأميت األدب، ودرس مستور كل نادر

. اطرهم على الدهر، ونقرهم آثار األوائل يف الصخر، لبطل أول العلم وضاع آخرهولوال تقييد العلماء خو " .ال يزال الناس خبري ما بقي األول يتعلم منه األخري : " ولذلك قيل

وإن السبب الذي بعث على مجع نتف من أخبار العرب يف حنينها إىل أوطاهنا، وشوقها إىل ترهبا وبلداهنا، توقد النار يف أكبادها، أين فاوضت بعض من انتقل من امللوك يف ذكر الديار، والنزاع ووصفها يف أشعارها

إىل األوطان، فسمعته يذكر أنه اغترب من بلده إىل آخر أمهد من وطنه، وأعمر من مكانه، وأخصب من شعوب العجم ومل يزل عظيم الشأن جليل السلطان، تدين له من عشائر العرب ساداهتا وفتياهنا، ومن. جنابه

أجنادها وشجعاهنا، يقود اجليوش ويسوس احلروب، وليس ببابه إال راغب إليه، أو راهب منه؛ فكان إذا :ذكر التربة والوطن حن إليه حنني اإلبل إىل أعطاهنا، وكان كما قال الشاعر

وأضحى فؤادي نهبة للهماهم... إذا ما ذكرت الثغر فاضت مدامعي وحلت هبا عني عقود التمائم... أرض هبا اخضر شاريب حنينا إىل

وأرعاهم للمرء حق التقادم... وألطف قوم بالفىت أهل أرضه :وكما قال اآلخر

ذرى عقدات األبرق املتقاود... يقر بعيين أن أرى من مكانه

Page 230: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

سليمى وقد مل السرى كل واخد... وأن أرد املاء الذي شربت به وإن كان خملوطا بسم األساود... وألصق أحشائي بريد تراهبا

من عالمة الرشد أن تكون النفس إىل مولدها مشتاقة، وإىل مسقط : لئن قلت ذلك لقد قالت العجم: فقلت .رأسها تواقة

.حرمة بلدك عليك مثل حرمة أبويك؛ ألن غذاءك منهما، وغذاءمها منه: وقالت اهلندوأوىل البلدان بصبابتك إليه بلد رضعت . بلدا رشحك غذاؤه، وارع محى أكنك فناؤهاحفظ : وقال آخر

.ماءه، وطعمت غذاءهوالغريب النائي عن بلده، املتنحي عن أهله، كالثور الناد عن . أرض الرجل ظئره، وداره مهده: وكان يقال

.وطنه، الذي هو لكل رام قنيصة .جنابه، كما حين األسد إىل غابهالكرمي حين إىل : وقال آخراجلايل عن مسقط رأسه وحمل رضاعه، كالعري الناشط عن بلده، الذي هو لكل سبع قنيصة، : وقال آخر

.ولكل رام دريئة .تربة الصبا تغرس يف القلب حرمة وحالوة، كما تغرس الوالدة يف القلب رقة وحفاوة: وقال آخر .زاعك إليه بلد أمصك حلب رضاعهأحق البلدان بن: وقال آخر .إذا كان الطائر حين إىل أوكاره، فاإلنسان أحق باحلنني إىل أوطانه: وقال آخر

احلنني من رقة القلب، ورقة القلب من الرعاية، والرعاية من الرمحة، والرمحة من كرم : وقالت احلكماء .رة الرشدة من كرم احملتدالفطرة، وكرم الفطرة من طهارة الرشدة، وطها

.ميلك إىل مولدك من كرم حمتدك: وقال آخر .عسرك يف دارك أعز لك من يسرك يف غربتك: وقال آخر :وأنشد

من العيش املوسع يف اغتراب... لقرب الدار يف اإلقتار خري .ال ينضر الغريب كالغرس الذي زايل أرضه، فقد شربه، فهو ذاو ال يثمر، وذابل: وقال آخر

.فطرة الرجل معجونة حبب الوطن: وقال بعض الفالسفة .يداوى كل عليل بعقاقري أرضه؛ فإن الطبيعة تتطلع هلوائها، وتنزع إىل غذائها: ولذلك قال بقراط

.غذاء الطبيعة من أجنع أدويتها: وقال أفالطون .حلبة ببل القطريتروح العليل بنسيم أرضه، كما تنبت ا: وقال جالينوس

.والقول يف حب الناس الوطن وافتخارهم باحملال قد سبق، فوجدنا الناس بأوطاهنم أقنع منهم بأرزاقهم " .لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطاهنم ما اشتكى عبد الرزق : " ولذلك قال ابن الزبري

:فر، واحلجر الصلد، وتستوخم الريف، حتى قال بعضهموترى األعراب حتن إىل البلد اجلدب، واحملل الق على ضيق عيش والكرمي صبور... أجتلني يف اجلالني أم تتصبري

Page 231: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وموم وطاعون وكل شرور... فباملصر برغوث وحمى وحصبة ركام بأطراف اإلكام ميور... وبالبيد جوع ال يزال كأنه

لد بأرض وبقاء وموتان وقلة خصب، فإذا وقع ببالد أريف من بالده، وجناب أخصب وترى اخلضري يو .من جنابه، واستفاد غىن، حن إىل وطنه ومستقره

ولو مجعنا أخبار العرب وأشعارها يف هذا املعىن لطال اقتصاصه، ولكن توخينا تدوين أحسن ما سنح من .أخبارهم وأشعاهم، وباهللا التوفيق

ومما يؤكد ما قلنا يف حب األوطان قول اهللا عز وجل حني ذكر الديار يخرب عن مواقعها من قلوب عباده ، فسوى بني " لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إال قليل منهم : " فقال

وما لنا أال نقاتل يف سبيل اهللا وقد أخرجنا من ديارنا : " ال تعاىلوق. قتل أنفسهم وبني اخلروج من ديارهم " .وأبنائنا

" .عمر اهللا البلدان حبب األوطان : " وقال عمر رضي اهللا عنه .لوال حب الناس األوطان خلسرت البلدان: وكان يقال

" .تنا عن اإلخوان نفتنا عن األوطان، وقطع: " وقال عبد احلميد الكاتب، وذكر الدنياأكرم اخليل أجزعها من السوط، وأكيس الصبيان أبغضهم للكتاب، وأكرم الصفايا أشدها : وقالت احلكماء

وهلا إىل أوالدها، وأكرم اإلبل أشدها حنينا إىل أوطاهنا، وأكرم املهارة أشدها مالزمة ألمها، وخري الناس .آلفهم للناس .من إمارات العاقل بره إلخوانه، وحنينه ألوطانه، ومداراته ألهل زمانه :وقال آخر

.حسل فالة، وحسو قالت: ما تشتهي؟ فقال: واعتل أعرايب يف أرض غربة، فقيل له .حمضا رويا، وضبا مشويا: وسئل آخر فقال .ضبا عنينا أعور: وسئل آخر فقال .أهلك أحفى بكمحاك أمحى لك، و: وقالت العرب

:وقال. الغربة كربة، والقلة ذلة: وقيل إن الغريب ذليل حيثما كانا... ال ترغبوا اخويت يف غربة أبدا

.ال تنهض من وكرك فتنقصك الغربة، وتضيمك الوحدة: وقال آخر

.ال جتف أرضا هبا قوا بلك، وال تشك بلدا فيه قبائلك: وقال آخر .إذا أحست النفس مبولدها تفتحت مسامها فعرفت النسيم: يف االسترواح وقال أصحاب القيافة

.حين اللبيب إىل وطنه، كما حين النجيب إىل عطنه: وقال آخر .كما أن حلاضنتك حق لبنها، كذلك ألرضك حرمة وطنها: وقال

ا، فحضنتين أحشاؤها، وأرضعتين رملة كنت جنني ركامها، ورضيع غمامه: وذكر أعرايب بلدة فقال .أحساؤها

Page 232: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وشبهت احلكماء الغريب باليتيم اللطيم الذي ثكل أبويه، فال أم ترأمه، وال أب حيدب عليه .إذا كنت يف غري أهلك فال تنس نصيبك من الذل: وقالت أعرابية :وقال الشاعر

كل مركب عليه وإن عالوا به... لعمري لرهط املرء خري بقية فكل ما علفت من خبيث وطيب... إذا كنت يف قوم عدى لست منهم

وذلك أن املرأة إذا كانت هديا يف غري أهلها، تتفقد من وجهها " . أوضح من مرآة الغريبة : " ويف املثل :وقال ذو الرمة. ا أمر نفسهاوهيئتها ما ال تتفقده وهي يف قومها وأقارهبا، فتكون مرآهتا جملوة تتعهد هب

وخد كمرآة الغريبة أسجح... هلا أذن حشر وذفرى أسيلة وكانت العرب إذا غزت وسافرت محلت معها من تربة بلدها رمال وعفرا تستنشقه عند نزلة أو زكام أو

:وأنشد لبعض بين ضبة. صداع زاد يف بقايا املزاودوعدة ... نسري على علم بكنه مسرينا

من املنشأ النائي حلب املراود... وحنمل يف األسفار ماء قبيصة .أرض الرجل أوضح نسبه، وأهله أحضر نشبه: وقال آخر

وهل العيش إال ذاك، : كيف تصنع يف البادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وقيل ألعرايبفريفض عرقا، مث ينصب عصاه ويلقى عليها كساءه، وجيلس يف فيئه يكتال الريح، فكأنه يف ميشي أحدنا ميال !.إيوان كسرىكيف ال يصرب من وطاؤه األرض، وغطاؤه السماء، وطعامه : ما أصربكم على البدو؟ قال: وقيل ألعرايب

مبراحل وحنن حفاة، والشمس يف قلة واهللا لقد خرجنا يف إثر قوم قد تقدمونا! الشمس، وشرابه الريحالسماء، حيث انتعل كل شيء ظله، وأنهم ألسوأ حاال منا، إن مهادهم للعفر، وإن وسادهم للحجر، وإن

.شعارهم للهواء، وإن دثارهم للخواءمن أين : عرايب من بين أسدقلت أل: وحدثين التوزي عن رجل من عرينة قال حدثين رجل من بين هاشم قال

مساقط احلمى محى ضرية، هبا لعمر اهللا ما نريد : وأين تسكن منها؟ قال: قلت. من هذه البادية: أقبلت؟ قالبدال، وال نبغي عنها حوال، أما الفلوات، فال ميلوحل ماؤها، وال حيمى تراهبا، وال يعمر جناهبا، ليس فيها أذى

عيشنا ! بخ بخ: فما طعامكم فيها؟ قال: قلت! حمى؛ فنحن بأرفه عيش وأرفع نعمةوال قذى، وال أنني والاهلبيد والضباب والريابيع، والقنافذ واحليات، وربما : واهللا عيش تعلل جادبه، وطعامنا أطيب طعام وأهنؤه

، فاحلمد هللا على ما بسط من السعة، واهللا أكلنا القد، واشتوينا اجللد، فال نعلم أحدا أخصب منا عيشا :ورزق من الدعة، أو ما مسعت قول قائلنا وكان واهللا عاملا بلذيذ العيش

ومخس تمريات صغار كنائز... إذا ما أصبنا كل يوم مذيقة وحنن أسود الغاب عند اهلزاهز... فنحن ملوك األرض خصبا ونعمة

ولو ناله أضحى به حق فائز... له وكم متمن عيشنا ال ينا .وهلذا خرب طويل وصف فيه نوقا أضلها، واقتصرنا منه على ما وصف من قناعته بوطنه

Page 233: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

إين واهللا غاوي إغباب، الصق القلب : هل لك يف الغذاء؟ قال: فلما فرغ من نعته قلت له: قال اهلامشيد معمعمة مني فانسلت، فأخذت منه بنافقائه وقاصعائه باحلجاب، مايل عهد مبضاغ إال شلو يربوع وج

ودامائه وراهطائه، مث تنفقته فأخرجته، وال واهللا ما فرجت بشيء فرحى به، فتلقاين رويع ببطن اخلرجاء، اختلس يوقد نويرة ختبو طورا وتسمو أخرى، فدسسته يف إرته فخمدت نويرته، وال واهللا ما بلغ نضجه حتى

الرويعي منه، فغلبين على رأسه وجوشه، وصدره وبدنه، وبقي بيدي رجاله ووركاه، وفقرتان من صلبه، فكان ذلك مما أنعم اهللا به علي، فاغتبقتها على نكظ منكظ، وبوص بائص عن عراكه إياي، غري أن اهللا

حاجة إىل غذاء أنوه به فؤادي، وأشد به آدى، فقد واهللا فلذلك واهللا عهدي بالطعام، وإين لذو . أعانين عليه .بلغ مين اجملهود، وأدرك مين اجمللود

يصف هذا البؤس واجلهد، ويتحمل هذه الفاقة، ويصرب على الفقر، قناعة بوطنه، وحبا لعطنه، واعتدادا مبا .وصف من رفاغة عيشه

عبد امللك أراد أن يرسل خيله، فجاء أعرايب له بفرس أنثى، فسأله وحدثنا سليمان بن معبد، أن الوليد بن كيف تراها يا أسيلم؟ فقال يا أمري املؤمنني، : أن يدخلها مع خيله، فقال الوليد لقهرمانة أسيلم بن األحنف

ر الوليد فأم! أنت واهللا منقوص االسم، أعوج اسم األب: قال األعرايب. حجازية، لو ضمها مضمارك ذهبت: أواهبها يل أنت يا أعرايب؟ فقال: بإدخال فرسه، فلما أجريت اخليل سبق األعرايب على فرسه، فقال الوليد

فضحك الوليد . ال واهللا، إنها لقدمية الصحبة، وهلا حق ولكن أمحلك على مهر هلا سبق عاما أول وهو رابضفاستظرفه واحتبسه عنده ! ضحككم؟ سبقت أمه عاما أول وهو يف بطنهاوما ي: فقال! أعرايب جمنون: وقال

:فمرض، فبعث إليه الوليد باألطباء، فأنشأ يقول من جهلهم أن أداوى كاجملانني... جاء األطباء من محص ختاهلم

شم الدخان من التسرير يشفيين... ما يشفيك؟ قلت هلم : قال األطباء من اجلنينة جزل غري موزون... إىل أدخان محتطب إني أحن

.فأمر الوليد أن يحمل إليه من رمث سليخة، فوافوه وقد ماتفهو عند اخلليفة، وببلد ليس يف األقاليم أريف منه، وال أخصب جنابا، فحن إىل سليخة رمث، وحبا

.للوطنأمرت بصهريج يل يف بستان، عليه خنل : حاق اجلعفري قالوحكى أبو عبد اهللا اجلعفري عن عبد اهللا بن إسفلما نظرت أم احلسام إىل الصهريج - وهي زوجيت -مطل أن يمأل، فذهبت بأم احلسام املرية وابنتها ن مثره؟ أال تطوفني معنا على هذا النخل، لنجين ما طاب م: قعدت عليه وأرسلت رجليها يف املاء، فقلت هلا

فدرنا ساعة وتركناها، مث انصرفنا وهي تخضخض رجليها يف املاء وحترك . ها هنا أعجب إيل: فقالت :مث أنشدتين. أجل: قالت. يا أم احلسام، ال أحسبك إال وقد قلت شعرا: شفتيها، فقلت

وللعني دمع حيدر الكحل ساكبه... أقول ألدىن صاحيب أسره نقي النواحي غري طرق مشاربه... باللوى نازح القذى لعمري لنهي

سخاب من الكافور واملسك شائبه... بأجرع ممراع كأن رياضه

Page 234: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

للعب فلم متلح لدي مالعنه... أحب إلينا من صهاريج ملئت إذا هضبته بالعشي هواضبه... فيا حبذا جند وطيب ترابه

ضحى أوسرت جنح الظالم جنائبه... تنسمت وريح صبا جند إذا ما :وأنشد أبو النصر األسدي

وإن كانت توارثها اجلدوب... أحب األرض تسكنها سليمى ولكن من حيل هبا حبيب... وما دهري حبب تراب أرض

:وأنشدين محاد بن إسحاق املوصلي ذ يصوب سحابهاإىل غطفان إ... أحب بالد اهللا ما بني صارة وأول أرض مس جلدي ترابها... بالد هبا نيطت علي متائمي

وملا حملت نائلة بنت الفرافصة الكلبية إىل عثمان بن عفان رضي اهللا عنه، كرهت فراق أهلها، فقالت : قال :لضب أخيها

مرافقة حنو املدينة أركبا... ألست ترى باهللا يا ضب أنين لك الويل ما يغين اخلباء املطنبا... أوالد عوف بن عامر أما كان يف

بيثرب ال أما لدي وال أبا... أيب اهللا إال أن أكون غريبة :وزوجت من أبان يف كلب امرأة، فنظرت ذات يوم إىل ناقة قد حنت فذكرت بالدها وأنشأت تقول: قال

وإياك يف كلب ملغتربان... أال أيها البكر األباين إنني وإنا على البلوى ملصطحبان... حنن وأبكى ذا اهلوى لصبابة وإياك يف كلب لشر زمان... وإن زمانا أيها البكر ضمين

:وقال آخر وصحيب حني يدكر الصحاب... أال يا حبذا وطين وأهلي ى ظمأ لشاربه يشابعل... وما عسل ببارد ماء مزن فكيف لنا به، ومىت اإلياب... بأشهى من لقائكم إلينا

:وأنشد الغنوي لبعض اهلذليني جدبا وإن كانت تطل وتجنب... وأرى البالد إذا سكنت بغريها

إن كان ينسب منك أو يتنسب... وأرى العدو حيبكم فأحبه ... ... ...حبا إىل ... دها وأرى السمية بامسكم فيزي

:ومن هذا أخذ الطائي قوله: قال وحنينه أبدا ألول منزل... كم منزل يف األرض يألفه الفىت

:وأنشد أبو عمرو البجلي فما بعد العشية من عرار... متتع من مشيم عرار جند

Page 235: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وريا روضه غب القطار... أال يا حبذا نفحات جند وأنت على زمانك غري زار... عيشك إذ حيل القوم جندا و

بأنصاف هلن وال سرار... شهور ينقضني وما شعرنا وأقصر ما يكون من النهار... فأما ليلهن فخري ليل

:وقال آخر إىل قرقري قبل املمات سبيل... أال هل إىل شم اخلزامى ونظرة

يداوي هبا قبل املمات عليل... ء شربة فأشرب من ماء احلجيال بكن وجدوى خريكن قليل... فيا أثالث القاع، قليب موكل

مسريي فهل يف ظلكن مقيل... ويا أثالث القاع قد مل صحبيت ومينعين دين، علي ثقيل... أريد احندارا حنوها فريدين

إليك، فحزين يف الفؤاد دخيل... عا أحدث نفسي عنك إذ لست راج :وأنشد للمجنون

هي الرملة الوعساء والبلد الرحب... إىل عامر أصبو، وما أرض عامر وردت بحورا ماؤها للندى عذب... معاشر بيض لو وردت بالدهم

فثم العتاق القب واألسل القضب... إذا ما بدا للناطرين خيامهم :أنشدنا املازينو

كل املوارد مذ هجرت ذميم: ... اقرأ على الوشل السالم وقل له بني الغدائر والرمال مقيم... جبل ينيف على اجلبال إذا بدا ويبيت فيه من اجلنوب نسيم... تسري الصبا فتبيت يف ألواده

محيمولربد مائك واملياه ... سقيا لظلك بالعشي وبالضحى ما يف قالتك ما حييت لئيم... لو كنت أملك برد مائك مل يذق

:وقال امرأة من عقيل هبوب اجلنوب مرها وابتسامها... خليلي من سكان ماوان هاجين

مبنزلة أعيا الطبيب سقامها... فال تسأالين ما ورائي فإنين :وقال آخر

مىت جتمع األيام يوما لنا الشمال... أال ليت شعري واحلوادث مجة إذا بان عن أوطانه وجفا األهال... وكل غريب سوف يمسي بذلة

:وقال آخر بصحراء من جنران ذات ثرى جعد... أال ليت شعري يجمع الشمل بيننا

على الحق الرجلني مضطمر ورد... وهل تنفضن الريح أفنان ملىت

Page 236: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وقد ضربته نفحة من صبا جند... ن الدهر حسي مزاحم وهل أرد :وقال آخر

إذا شئت القيت امرأ ال أشاكله... وأنزلين طول النوى دار غربة ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله... فحامقته حتى يقال سجية

لهأللفيت فيهم كل خرق أواص... ولو كنت يف قومي وجل عشرييت :وأنشد لذي الرمة

به أهل مي هاج قليب هبوبها... إذا هبت األرواح من حنو جانب هوى كل أرض حيث حل حبيبها... هوى تذرف العينان منه، وإنما

رأيت عبدا أسود حبشيا لبين أسيد قدم من شق اليمامة فصار ناورا، وكان وحشيا جمنونا : وقال أبو عثمانل الغربة مع اإلبل، وكان ال يلقى إال األكرة، فال يفهم عنهم وال يستطيع إفهامهم، فلما رآين سكن لطو

حر الثرى مستعرب : " لعن اهللا أرضا ليس هبا عرب، قاتل اهللا الشاعر حيث يقول: إيل، ومسعته يقول " .التراب

رحة يف جلد الفرس، فلوال أن اهللا رق عليهم فجعلهم أبا عثمان، إن هذه العريب يف مجيع الناس كمقدار القواهللا ما أمر اهللا نبيه ! أترى األعيار إذا رأت العتاق ال ترى هلا فضال. يف حشاة لطمست هذه العجم آثارهم

.ا هلمصلى اهللا عليه وسلم بقتلهم، إذ ال يدينون بدين، إال لضنه هبم، وال ترك قبول اجلزية منهم إال تنزيه .أوبة بغري خيبة، وألفة بعد غيبة: ما السرور؟ فقال: وقيل ألعرايب :وأنشأ يقول. غيبة تفيد غىن، وأوبة تعقب مىن: ما السرور؟ قال: وقيل آلخر

يسر أن مجع األوطان واملطرا... وكنت فيهم كممطور ببلدته :ة قولهوأحسن ما مسعنا يف حب الوطن وفرحة األوب

وقد يستخف الطامعني املياسر... وياسرهتا فاستعجلت عن قناعها تجاري بنيها مرة وتحاضر... مشمرة عن ساق خدالء حرة وبني قرى جنران والدرب صافر... وخبرها الرواد أن ليس بينها

املسافر كما قر عينا باإلياب... فألقت عصاها واستقرت هبا النوى فما الذلة؟ : قيل. الكفاية مع لزوم األوطان، واجللوس مع اإلخوان: ما الغبطة؟ قال: وقيل لبعض األعراب

.التنقل يف البلدان، والتنحي عن األوطان: قال :وقال آخر

بني األحبة والوطن... طلب املعاش مفرق ل إىل الضراعة والوهن... ومصري جلد الرجا

د النضو يف ثين الرسن... ىت يقاد كما يقا ح فكأنه ما مل يكن... مث املنية بعده

Page 237: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

من كان أطيب عنصرا : من قد كان أشرف على نفسه، وأفخر يف حسبه؛ ومن العجم: ووجدنا من العرب .وأنفس جوهرا أشد حنينا إىل وطنه، ونزاعا إىل تربته

.تؤثر على أوطاهنا شيئا وكانت امللوك على قدمي الدهر الوحكى املوبذ أنه قرأ يف سرية إسفنديار بن يستاسف بن لهواسف، بالفارسية، أنه ملا غزا بالد اخلزر ليستنقذ

.مشة من تربة بلخ، وشربة من ماء واديها: ما تشتهي؟ قال: أخته من األسر، اعتل هبا، فقيل لهما تشتهي : وم، وكان مأسورا يف القد، فقالت له بنت ملك الروم وقد عشقتهواعتل سابور ذو األكتاف بالر

فغربت عنه أياما مث أتته يوما مباء ! شربة من ماء دجلة، ومشة من تربة إصطخر: مما كان فيه غذاؤك؟ قالب واشتم من هذا من ماء دجلة، وهذه من تربة أرضك، فشر: الفرات، وقبضة من تراب شاطئه، وقالت

.تلك التربة فنقه من مرضهوكان اإلسكندر الرومي جال يف البلدان وأخرب إقليم بابل، وكنز الكنوز وأباد اخللق،فمرض حبضرة بابل،

.فلما أشفى أوصى إىل حكمائه ووزرائه أن حتمل رمته يف تابوت من ذهب إىل بلده؛ حبا للوطنعلى اليمن، أقام هبا - كان -ذ بن هبرام جور اليمن، وقتل ملك احلبشة املتغلب وملا افتتح وهرز بن شريزا

فلما أدركته الوفاة أوصى ابنه شري - وهي من أحصن مدن الثغور -عامال ألنوشروان، فبىن جنران اليمن .زاد أن حيمل إىل إصطخر ناوس أبيه، ففعل به ذلك

اغتراهبم نعمة، وال غادروا يف أسفارهم شهوة، حنوا إىل أوطاهنم، فهؤالء امللوك اجلبابرة الذين مل يفتقدوا يفومل يؤثروا على ترهبم ومساقط رءوسهم شيئا من األقاليم املستفادة بالتغازي واملدن املغتصبة من ملوك

.األمم

.وهؤالء األعراب مع فاقتهم وشدة فقرهم حينون إىل أوطاهنم، ويقنعون بترهبم وحمالهم .أيت املتأدب من الربامكة املتفلسف منهم، إذا سافر سفرا أخذ معه من تربة مولده يف جراب يتداوى بهور

ومن أصدق الشواهد يف حب الوطن أن يوسف عليه السالم، ملا أدركته الوفاة أوصى أن تحمل رمته إىل .موضع مقابر أبيه وجده يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السالم

ي لنا أن أهل مصر منعوا أولياء يوسف من محله، فلما بعث اهللا موسى عليه السالم وأهلك على يديه وروفرعون وغريه من األمم، أمره أن حيمل رمته إىل تربة يعقوب بالشام، وقربه علم بأرض بيت املقدس بقرية

.تسمى حساميية بيت املقدس، وهناك قرب إسحاق بن إبراهيم وكذلك يعقوب، مات مبصر فحملت رمته إىل إيلياء، قر

.عليهم السالمومن حب الناس للوطن، وقناعتهم بالعطن، أن إبراهيم ملا أتى هباجر أم إمساعيل مكة فأسكنها، وليس مبكة

غري ذي زرع عند رب إني أسكنت من ذرييت بواد : " أنيس وال ماء، ظمئ إمساعيل فدعا إبراهيم ربه فقال، أجاب اهللا دعاءه إذ رضى به وطنا، وبعث جربيل عليه السالم فركض موضع زمزم برجله، " بيتك املحرم .فنبع منه زمزم

Page 238: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

نعم وال حق لكم يف : أتأذنون لنا أن ننزل معكم؟ فقالت هاجر: ومر بإمساعيل وأمه فرقة من جرهم، فقالوا .وولده قطان مكة، لدعوة إبراهيم عليهما السالم املاء، فصار إمساعيل

نعم، وهي مع جدوبتها خري بقاع األرض، إذ صارت حرما، وإلمساعيل وولده مسكنا، ولألنبياء منسكا .وجممعا على غابر الدهر

ت منهم ميت وممن متسك من بين إسرائيل عليه السالم حبب األوطان خاصة، ولد هارون، وآل داود؛ مل مييف إقليم بابل يف أي البلدان مات، إال نبشوا قربه بعد حول، ومحلت رمته إىل موضع يدعى احلصاصة بالشام

.فيودع هناك حوال، فإذا حال احلول نقلت إىل بيت املقدس :وقال الفرزدق

ليايل فر من بلد الضباب... لكسرى كان أعقل من متيم وجنات وأهنار عذاب... ببالد ريف فأسكن أهله

وصرنا حنن أمثال الكالب... فصار بنو بنيه هبا ملوكا فقد أزرى بنا يف كل باب... فال رحم اإلله صدى متيم :وقال آخر يف حب الوطن

ورد إىل األوطان كل غريب... سقى اهللا أرض العاشقني بغيثه ومتع حمبوبا بقرب حبيب... اهم وأعطى ذوي اهليئات فوق من

بسم اهللا الرمحن الرحيم

وبه ثقيت

فصل من صدر كتابه يف احلاسد واحملسود

.وأدام لك الكرامة، ورزقك االستقامة، ورفع عنك الندامة. وهب اهللا لك السالمةيف تعرف أموره تسألين عن احلسد ما هو؟ ومن أين هو؟ وما دليله و أفعاله؟ وك -أيدك اهللا -كتبت إيل

وأحواله، ومب يعرف ظاهره ومكتومه، وكيف يعلم جمهوله ومعلومه، ومل صار يف العلماء أكثر منه يف اجلهالء؟ ومل كثر يف األقرباء وقل يف البعداء؟ وكيف دب يف الصاحلني أكثر منه يف الفاسقني؟ وكيف خص

.به اجلريان من بني أهل مجيع األوطانوهو باب غامض . داء ينهك اجلسد، ويفسد الود، عالجه عسر، وصاحبه ضجر - أبقاك اهللا -واحلسد

ولذلك قال النيب صلى اهللا عليه . وأمر متعذر، وما ظهر منه فال يداوى، وما بطن منه فمداويه يف عناءأي الناس أقل : وقال بعض الناس جللسائه" . احلسد والبغضاء : دب إليكم داء األمم من قبلكم: " وسلماملسافر، : وقال بعضهم. إنه لكذا وليس كذا: فقال. صاحب ليل، إمنا مهه أن يصبح: ؟ فقال بعضهمغفلة

احلاسد، إمنا : فقال. فأخربنا بأقل الناس غفلة: فقالوا له. إنه لكذا وليس كذا: فقال. إمنا مهه أن يقطع سفره

Page 239: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.مهه أن ينزع اهللا منك النعمة اليت أعطاكها، فال يغفل أبدا .احلسد أسرع يف الدين من النار يف احلطب اليابس: ن احلسن أنه قالويروى ع

أم حيسدون الناس : " وما أيت احملسود من حاسده إال من قبل فضل اهللا عنده ونعمه عليه قال اهللا عز وجل " .على ما آتاهم اهللا من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب واحلكمة وآتيناهم ملكا عظيما

ود : " فقد ذم اهللا أهل الكتاب به فقال. يد الكفر، وحليف الباطل، وضد احلق، وحرب البيانواحلسد عق " .كثري من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إميانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم

منه تتولد العداوة، وهو سبب كل قطيعة، ومنتج كل وحشة، ومفرق كل مجاعة، وقاطع كل رحم بني .حمدث التفرق بني القرناء، وملقح الشر بني اخللطاء، يكمن يف الصدر كمون النار يف احلجراألقرباء، و

ولو مل يدخل على احلاسد بعد تراكم الغموم على قلبه، واستمكان احلزن يف جوفه، وكثرة مضضه ووسواس ده مبا أفاد ضمريه، وتنغص عمره وكدر نفسه ونكد عيشه، إال استصغاره نعمة اهللا عليه، وسخطه على سي

ومتنيه عليه أن يرجع يف هبته إياه، وأن ال يرزق أحدا سواه، لكان عند ذوي العقول مرحوما، وكان . غريهنفس دائم، : ما رأيت ظاملا أشبه مبظلوم من احلاسد: " وقد قال بعض األعراب. لديهم يف القياس مظلوما

واحلاسد مغموم . سود حمبوب ومنصورواحلاسد خمذول وموزور، واحمل" . وقلب هائم، وحزن الزم .ومهجور، واحملسود مغشي ومزور

أول خطيئة ظهرت يف السموات، وأول معصية حدثت يف األرض، خص به أفضل -رمحك اهللا -واحلسد ، فلعنه " خلقتين من نار وخلقته من طني : " املالئكة فعصى ربه، وقايسه يف خلقه، واستكرب عليه فقال

وأنزله من جواره بعد أن كان أنيسا، وشوه خلقه تشويها، وموه على نبيه متويها نسي به عزم وجعله إبليسا، .ربه، فواقع اخلطيئة، فارتدع احملسود وتاب عليه وهدى، ومضى اللعني احلاسد يف حسده فشقي وغوى

له نفسه قتل وباحلسد طوعت . وأما يف األرض فابنا آدم حيث قتل أحدمها أخاه، فعصى ربه وأثكل أباه .أخيه فقتله فأصبح من اخلاسرين

لقد محله احلسد على غاية القسوة، وبلغ به أقصى حدود العقوق، فأنساه من رمحه مجيع احلقوق، إذ ألقى .احلجر عليه شادخا وأصبح عليه نادما صارخا

وألب عليه . نعه أثامامجعه حراما وم: ومن شأن احلاسد إن كان احملسود غنيا أن يوخبه على املال فيقوللقد : حماويج أقاربه فتركهم له خصماء، وأعاهنم يف الباطن ومحل احملسود على قطيعتهم يف الظاهر وقال له

وإن وجد له خصما . كفروا معروفك، وأظهروا يف الناس ذمك، فليس أمثاهلم يوصلون، فإهنم ال يشكرونغشه، أو تفضل عليه مبعروف كفره، أو دعاه إىل نصر أعانه عليه ظلما، وإن كان ممن يعاشره فاستشاره

خذله، وإن حضر مدحه ذمه وإن سئل عنه مهزه، وإن كانت عنده شهادة كتمها، وإن كانت منه إليه زلة .إنه حيب أن يعاد وال يعود، ويرى عليه العقود: عظمها، وقال

ي نيل، ال يدري ما محل، قد ترك العمل، مبتدع، ولرأيه متبع، حاطب ليل ومبتغ: وإن كان احملسود عاملا قالفقبحه اهللا من عامل ما أعظم بليته، . قد أقبل بوجوه الناس إليه، وما أمحقهم إذ انثالوا عليه. وأقبل على احليل

Page 240: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وأقل رعته، وأسوأ طعمتهه، متصنع يغزو ليوصى إليه، وحيج ليثىن بشيء عليه، ويصوم لتقبل شهادت: وإن كان احملسود ذا دين قال

.ويظهر النسك ليودع املال بيته، ويقرأ يف املسجد ليزوجه جاره ابنته، وحيضر اجلنائز لتعرف شهرتهوما لقيت حاسدا قط إال تبني لك مكنونه بتغري لونه وختوص عينه وإخفاء سالمه، واإلقبال على غريك

.واإلعراض عنك، واالستثقال حلديثك، واخلالف لرأيكقبل نفاقه، نسيج وحده جلودة رأيه وبعد مهته، ونبل شيمته، وانقياد العشرية له وكان عبد اهللا بن أيب،

وما استوجب ذلك إال بعدما استجمع له لبه، وتبني هلم عقله، وافتقدوا منه . بالسيادة، وإذعاهنم له بالرياسةوقدم املدينة، ورأى هو فلما بعث اهللا نبيه صلى اهللا عليه وسلم. جهله، ورأوه لذلك أهال، ملا أطاق له محال

وما صار منافقا حىت كان . عز رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مشخ بأنفه فهدم إسالمه حلسده، وأظهر نفاقه .فحمق بعد اللب، وجهل بعد العقل، وتبوأ النار بعد اجلنة. حسودا، وال صار حسودا حىت صار حقودا

يا رسول اهللا ال تلمه، فإنا كنا : فقالوا. فشكاه إىل األنصار ولقد خطب النيب صلى اهللا عليه وسلم باملدينة .عقدنا له اخلزر قبل قدومك لنتوجه

فوضعه اهللا حلسده، . ومن السؤدد يف ارتفاع. ولو سلم املخذول قلبه من احلسد لكان من اإلسالم مبكان :وأظهر نفاقه ولذلك قال القائل

حزانهفاصفر من كثرة أ... طال على احلاسد احزانه ما هاج من حر نريانه... دعه فقد أشعلت يف جوفه

من لذة املال خلزانه... العيب أشهى عنده لذة تسلم من كثرة هبتانه... فارم على غاربه حبله

فصل يف حسد اجلريان

طالئع عليك، وعيوهنم نواظر إليك، فمىت كنت بينهم معدما فأيسرت، - يرمحك اهللا - وذلك أن اجلريان ت وأعطيت، وكسوت وأطعمت، وكانوا يف مثل حالك فاتضعوا، وسلبوا النعمة وألبستها أنت، فبذل

ولوال أن احملسود بنصر اهللا إياه مستور، وهو . فعظمت عليهم بلية احلسد، وصاروا منه يف تنغيص آخر األبدومل ميس إال . قصورابصنعه حمجوب مل يأت عليه يوم إال كان مقهورا، ومل تأت ليلة إال وكان عن منافعه م

.وماله مسلوب، ودمه مسفوك، وعرضه بالضرب منهوك

فصل منه

ما خالط احلسد قلبا إال مل ميكنه ضبطه، وال قدر على تسجينه وكتمانه، حىت يتمرد عليه : وأنا أقول حقالى بظهوره وإعالنه، فيستعبده ويستميله، ويستنطقه لظهوره عليه فهو أغلب على صاحبه من السيد ع

.عبده، ومن السلطان على رعيته، ومن الرجل على زوجته ومن اآلسر على أسريه

Page 241: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكان ابن الزبري بالصرب موصوفا، وبالدهاء معروفا، وبالعقل موسوما، وباملداراة منهوما، فأظهر بلسانه ، ملا طالت يف حسدا كان أضب عليه أربعني سنة لبين هاشم، فما اتسع قلبه لكتمانه، وال صرب على اكتتامه

قلبه طائلته أظهره وأعلنه، مع صربه على املكاره، ومحله نفسه على حتفها، وقلة اكتراثه والتفاته ألحجار .اجملانيق اليت كانت متر عليه فتذهب بطائفة من قومه ما يلتفت إليها

ابن قدت : حدثت بذلك عن علي ابن مسهر عن األعمش، عن صاحل بن حباب، عن سعيد بن جبري قالنعم، ألين مسعت رسول اهللا صلى اهللا عليه : أنت الذي تؤنبين؟ قال: عباس حىت أدخلته على ابن الزبري، قال

ملن قلت ذلك؟ إين ألكتم : فقال له ابن الزبري" . ليس مبؤمن من بات شبعانا وجاره طاو : " وسلم يقولنعم : ما عسيبا خنل، مث قال البن الزبريفحسر ابن عباس عن ذراعيه كأهن. بغضكم أهل البيت مذ أربعني سنة

.فليبلغ ذاك منك، ما عرفتكولقد أجلت الرأي ظهرا لبطن وفكرت يف جوابه البن عباس أن أجد معىن له سوى احلسد فلم أجده،

وفروع بين هاشم حول احلرم باسقة، وعروق دوحاهتم بني أطباقها راسية، . وكانت وخزة يف قلبه فلم يبدهافلما خلت البطحاء من . ن أعاليها عامرة، وحبورها بأرزاق العباد زاخرة، وأجنمها باهلدى زاهرةوجمالسهم م

.صناديدها استقبله مبا أكنه يف نفسهواحلاسد ال يغفل عن فرصته إىل أن يأيت املوت على رمته، وما استقبل ابن عباس بذلك إال ملا رأى عمر

به أهل احلرم، فأوسعهم حكما، وثقبوا منه رأيا وفهما، قدمه على أهل القدم، ونظر إليه وقد أطاف .وأشبعهم علما وحلما

فصل

ولقد كان إخوة يوسف حلماء، وأجلة علماء، ولدهم . وكيف يصرب من استكن احلسد يف قلبه على أمانيهة، والعهود األنبياء، فلم يغفلوا عما قدح يف قلوهبم من احلسد ليوسف، حىت أعطوا أباهم املواثيق املؤكد

فخالفوا العهود ووثبوا عليه بالظلم . املقلدة، واألميان املغلظة، إهنم له حلافظون، وهو شقيقهم وبضعة منهموالقوة، وألقوه يف غيابة اجلب، وجاءوا على قميصه بدم كذب، فبظلمهم يوسف ظلموا أباهم، طمعا أن

يه، وحبه هلم من بعد غمه يلهيه، فأسالوا عربته خيلو هلم وجه أبيهم ويتفردوا حببه، وظنوا أن األيام تسل .وأحرقوا قلبه

وكيف ال تقر أعني احملسودين بعد يوسف وقد ملكه اهللا خزائن األرض، بصربه على أذى حساده ومقابلته إياهم بالعفو واملكافأة، وحسن العشرة واملواخاة، بعد إمكانه منهم ملا أتوه ممتارين، ووفدوا عليه خائفني وهم

ه منكرون، فأحسن رفدهم، وأكرم قراهم، فأقروا له ملا عرفوه باإلذعان، وسألوه بعد ذلك الغفران، ل .وخروا له سجدا ملا وردوا عليه وفدا

من صديقك باحلسد فأقلل ما استطعت من خمالطته، فإنه أعون األشياء لك - رمحك اهللا - فإذا أحسست وإياك والرغبة يف مشاورته، وال يغرنك خدع . عوائق ضرهوحصن سرك منه تسلم من شره و. على مساملته

.ملقه، وبيان ذلقه، فإن ذلك من حبائل نفاقه

Page 242: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فإن أردت أن تعرف آية مصداقه فأدنني إليه من يهينك عنده، ويذمك حبضرته، فإنه سيظهر من شأنه لك ما لذباب، وأسرع يف وهو أحل يف حسده لك من ا. أنت به جاهل، ومن خالف املودة ما أنت عنه غافل

.هتريقك من السيل إىل احلدوروما أحب أن تكون عن حاسدك غبيا، وعن ومهك مبا يف ضمريه نسيا، إال أن تكون للذل حمتمال، وعلى الدناءة مشتمال، وألخالق الكرام جمانبا، وعن حممود شيمهم ذاهبا، أو تكون بك إليه حاجة قد صريتك

.ملن أرادك غرضا لسهام الرماة هدفا، وعرضك

" .احلرة جتوع وال تأكل بثدييها : " وقد قيل على وجه الدهر .ورمبا كان احلسود للمصطنع إليه املعروف أكفر له وأشد احتقادا، وأكثر تصغريا له من أعدائه

فصل منه

أفصح لك ومىت رأيت حاسدا يصوب إليك رأيا إن كنت مصيبا، أو يرشدك إىل صواب إن كنت خمطئا، أو .باخلري يف غيبته عنك، أو قصر من غيبته لك

إن ملك قتل وسىب، وإن . فهو الكلب الكلب، والنمر النمر والسم القشب، والفحل القطم، والسيل العرميصدق عليك كل شاهد زور، ويكذب فيك كل . حياتك موته، وموتك عرسه وسروره. ملك عصى وبغى

.عدوك بطانة وصديقك عالنية. بغضك، وال يبغض إال من حيبكال حيب من الناس إال من ي. عدل مرضيولو كنت تعرف اجلليل من الرأي، والدقيق من . إنك رمبا غلطت يف أمره ملا يظهر لك من بره: وقلت

املعىن، وكنت يف مذاهبك فطنا نقابا، ومل تك يف عيب من ظهر لك عيبه مرتابا، الستغنيت بالرمز عن عن الكالم، وبالسر عن اجلهر، وباخلفض عن الرفع، وباالختصار عن التطويل، وباجلمل اإلشارة، وباإلشارة

عن التفصيل، وأرحتنا من طلب التحصيل ولكين أخاف عليك أن قلبك لصديقك غري مستقيم، وأن ضمري قلبك له غري سليم، وإن رفعت القذى عن حليته، وسويت عليه ثوبه فوق مركبه، وقبلت صبيه حبضرته،

ست له ثوب االستكانة عند رؤيته، واغتفرت له الزلة، واستحسنت كل ما يقبح من جهته، وصدقته ولبكأنك مل تقرأ املعوذة، ومل تسمع خماطبته نبيه صلى اهللا عليه ! فما هذا العناء. على كذبه، وأعنته على فجرته

.وسلم، يف التقدمة إليه باالستعاذة من شر حاسد إذا حسدبعد عني، أو عطرا بعد عروس، أو تريد أن جتتين عنبا من شوك، أو تلتمس حلب لنب من أتطلب وحيك أثرا

.إنك إذا أعيا من باقل، وأمحق من الضبع، وأغفل من هرم. حائلإن كنت جتهل بعد ما أعلمناك، وتعوج بعد ما قومناك، وتبلد بعد ما ثقفناك، وتضل إذ هديناك، وتنسى إذ

اهللا على علم فبطلت عنده املواعظ، وعمي عن املنافع، فختم على مسعه وقلبه، ذكرناك، فأنت كمن أضله .فنعوذ باهللا من اخلذالن. وجعل على بصره غشاوة

أحسن ما تكون عنده حاال أقل ما تكون ماال، . إنه ال يأتيك ولكن يناديك وال حياكيك ولكن يوازيكح ما يكون بك أقرب ما تكون باملصيبة عهدا، وأبعد وأفر. وأكثر ما تكون عياال، وأعظم ما تكون ضالال

Page 243: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ما تكون من الناس محدافإذا كان األمر على هذا فمجاورة املوتى، وخمالطة الزمىن، واالجتنان باجلدران، ومصر املصران، وأكل

.القردان، أهون من معاشرته، واالتصال حببلهن من أعوانه، وشعبة من شعبه، وفعل من أفعاله، والغل نتيج احلسد، وهو رضيعه، وغصن من أغصانه، وعو

كما أنه ليس فرع إال له أصل، وال مولود إال له مولد، وال نبات إال من أرض، وال رضيع إال من مرضع، .وإن تغري امسه؛ فإنه صفة من صفاته، ونبت من نباته، ونعت من نعوته

ية، وزينها بأحسن زينة، وجعلها دار أوليائه ورأيت اهللا جل جالله ذكر اجلنة يف كتابه فحالها بأحسن حلفذكر يف كتابه ما من به . وحمل أنبيائه، ففيها ما ال عني رأت، وال أذن مسعت، وال خطر على قلب بشر

ادخلوها بسالم . إن املتقني يف جنات وعيون: " عليهم من السرور والكرامة عندما دخلوها وبوأها هلم فقالال ميسهم فيها نصب وما هم منها . هم من غل إخوانا على سرر متقابلنيونزعنا ما يف صدور. آمنني

" .مبخرجني فما أنزهلم دار كرامته إال بعد ما نزع الغل واحلسد من قلوهبم، فتهنوا باجلنة، وقابلوا إخواهنم على السرر،

زع ذلك من صدورهم ولو مل ين. وتلذذوا بالنظر يف مقابلة الوجوه لسالمة صدورهم، ونزع الغل من قلوهبموخيرجه من قلوهبم، الفتقدوا لذاذة اجلنة، وتدابروا وتقاطعوا وحتاسدوا، وواقعوا اخلطيئة، وملسهم فيها

النصب، وأعقبوا منها اخلروج، ألنه عز وجل فضل بينهم يف املنازل، ورفع درجات بعضهم فوق بعض يف .الكرامات، وسىن العطيات

م ظن أدناهم منزلة فيها، وأقرهبم بدخول اجلنة عهدا، أنه أفضلهم منزلة، فلما نزع الغل واحلسد من قلوهبولو كان . وأكرمهم درجة، وأوسعهم دارا بسالمة قلبه، ونزع الغل من صدره، فقرت عينه وطاب أكله

.غري ذلك لصاروا إىل التنغيص يف النظر بالعيون، واالهتمام بالقلوب، وحلدثت العيوب والذنوبسالمة إال يف قطع احلاسد، وال السرور إال يف افتقاد وجهه، وال الراحة إال يف صرم مداراته، وال وما أرى ال

.الربح إال يف ترك مصافاته

.فإذا فعلت ذلك فكل هنيا مريا، ومن رضيا، وعش يف السرور مليانا وإياك حسن األلفة وحنن نسأل اهللا اجلليل أن يصفي كدر قلوبنا، وجينبنا وإياك دناءة األخالق، ويرزق

.والسالم. واالتفاق، وحيسن توفيقك وتسديدك

فصل من صدر كتابه يف املعلمني

أعانك اهللا على سورة الغضب، وعصمك من سرف اهلوى، وصرف ما أعارك من القوة إىل حب اإلنصاف، فاحشة األبذياء، فقد استعملت يف املعلمني نوك السفهاء، وخطل اجلهالء، وم. ورجح يف قلبك إيثار األناة

ومن تعرض للعداوة وجدها حاضرة، وال حاجة بك . وجمانبة سبل احلكماء، وهتكم املقتدرين، وأمن املغترين .إىل تكلف ما كفيت

Page 244: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فصل منه

وإمنا اللسان للشاهد لك، والقلم للغائب . ولوال الكتاب الختلت أخبار املاضني، وانقطعت آثار الغائبني .فصار نفعه أعم، والدواوين إليه أفقر. بر بعدكعنك، وللماضي قبلك والغا

.وامللك املقيم بالواسطة ال يدرك مصاحل أطرافه وسد ثغوره، وتقومي سكان مملكته، إال بالكتابوقد رأينا عمود صالح الدين والدنيا إمنا يعتدل يف نصابه، . ولوال الكتاب ما مت تدبري، وال استقامت األمور

.ب واحلسابويقوم على أساسه بالكتاوليس علينا ألحد يف ذلك من املنة بعد اهللا الذي اخترع ذلك لنا ودلنا عليه، وأخذ بنواصينا إليه، ما

وهؤالء هم الذين هجوهتم وشكوهتم . للمعلمني الذين سخرهم لنا، ووصل حاجتهم إىل ما يف أيديناتهدين بتفريط املقصرين، وحاججتهم وفحشت عليهم، وألزمت األكابر ذنب األصاغر، وحكمت على اجمل

ورثيت آلباء الصبيان من إبطاء املعلمني عن حتذيقهم، ومل ترث للمعلمني من إبطاء الصبيان عما يراد هبم، واملعلمون أشقى بالصبيان من رعاة الضأن ورواض . وبعدهم عن صرف القلوب ملا حيفظونه ويدرسونه

.املهارة .يهم عظيمة سابغة، والشكر عليها الزم واجبولو نظرت من جهة النظر علمت أن النعمة ف

فصل منه

وأمجعوا على أهنم مل جيدوا كلمة أقل حرفا وال أكثر ريعا، وال أعم نفعا، وال أحث على بيان، وال أدعى إىل تبني، وال أهجى ملن ترك التفهم وقصر يف اإلفهام، من قول أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضوان اهللا

" .يمة كل امرىء ما حيسن ق: " عليه " .مذاكرة الرجال تلقيح أللباهبا : " وقد أحسن من قال

وكرهت احلكماء الرؤساء، أصحاب االستنباط والتفكري، جودة احلفظ، ملكان االتكال عليه، وإغفال العقل الستنباط هو وألن مستعمل احلفظ ال يكون إال مقلدا، وا" . احلفظ عذق الذهن : " من التمييز، حىت قالوا

.الذي يفضي بصاحبه إىل برد اليقني، وعز الثقةأنه مىت أدام احلفظ أضر ذلك باالستنباط، ومىت أدام االستنباط أضر : والقضية الصحيحة واحلكم احملمود

.ذلك باحلفظ، وإن كان احلفظ أشرف منزلة منه .قلبه، وقل مكثها يف صدرهومىت أمهل النظر مل تسرع إليه املعاين، ومىت أمهل احلفظ مل تعلق ب

والذي يعاجلان به ويستعينان متفق عليه، أال وهو فراغ القلب للشيء، . وطبيعة احلفظ غري طبيعة االستنباط .والشهوة له، وهبما يكون التمام، وتظهر الفضيلة

دا ذلك فأما املوضع فأيهما خيتاران إذا أرا. ولصاحب احلفظ سبب آخر يتفقان عليه، وهو املوضع والوقت .الفوق دون السفل

Page 245: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأما الساعات فاألسحار دون سائر األوقات، ألن ذلك الوقت قبل وقت االشتغال، وبعقب متام الراحة .واجلمام، ألن للجمام مقدارا هو املصلحة، كما أن للكد مقدارا هو املصلحة

فصل منه

ثهم، على أهنم قد قلدوهم أمورهم ويستدل أيضا بوصايا امللوك للمؤدبني يف أبنائهم، ويف تقومي أحداوما قلدوهم ذلك إال بعد أن ارتفع إليهم يف احلنو حاهلم يف األدب، . وضمريهم ببلوغ التمام يف تأديبهم

.وبعد أن كشفهم االمتحان وقاموا على اخلالصلو استقصيت عدد النحويني والعروضيني والفرضيني، واحلساب، واخلطاطني، -حفظك اهللا - وأنت

جدت أكثرهم مؤدب كبار ومعلم صغار، فكم تظن أنا وجدنا منهم، من الرواة والقضاة واحلكماء، لووالوالة من املناكري والدهاة، ومن احلماة والكفاة، ومن القادة والذادة، ومن الرؤساء والسادة، ومن كبار

ين جبميع أصناف البالغة، الكتاب والشعراء، والوزراء واألدباء، ومن أصحاب الرسائل واخلطابة، واملذكور .ومن الفرسان وأصحاب الطعان، ومن ندمي كرمي، وعامل حكيم، ومن مليح ظريف، ومن شاب عفيف

وال تعجل بالقضية حىت تستويف آخر الكتاب، وتبلغ أقصى العذر، فإنك إن كنت تعمدت تذممت، وإن .كنت جهلت تعلمت، وما أظن من أحسن بك الظن إال وقد خالف احلزم

لفص

منهوجدنا لكل صنف من مجيع ما بالناس إىل تعلمه حاجة، معلمني، كمعلمي الكتاب واحلساب، : قال املعلم

والفرائض والقرآن، والنحو والعروض واألشعار، واألخبار واآلثار، ووجدنا األوائل كانوا يتخذون ألبنائهم ، واجملثمة، والطري اخلاطف، ورمي من يعلمهم الكتابة واحلساب، مث لعب الصواجلة، والرمي يف التنبوك

وبعد ذلك الفروسية، واللعب بالرماح والسيوف، . وقبل ذلك الدبوق والنفخ يف السبطانة. البنجكازواملشاولة واملنازلة واملطاردة، مث النجوم واللحون، والطب واهلندسة، وتعلم النرد والشطرنج، وضرب

.ف املزامريالدفوف وضرب األوتار، والوقع والنفخ يف أصناويأمرون بتعليم أبناء الرعية الفالحة والنجارة، والبنيان والصياغة واخلياطة، والسرد والصبغ، وأنواع

.نعم حىت علموا البالبل وأصناف الطري األحلان. احلياكة، وناسا يعلمون القرود والدببة والكالب والظباء املكية والببغاء، والسقر وغراب البني، ويعلمون اإلبل

واخليل، والبغال، واحلمري، والفيلة، أصناف املشي، وأجناس احلضر، ويعلمون الشواهني والصقور .والبوازي، والفهود، والكالب، وعناق األرض، الصيد

ويعلمون الدواب الطحن، والبخايت اجلمز حىت يروضوا اهلمالج واملعناق، بالتخليع وغري التخليع، .وباملوضوع واألوسط واملرفوع

Page 246: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.جدنا لألشياء كلها معلمنيوووإمنا قيل لإلنسان العامل الصغري، سليل العامل الكبري، ألن يف اإلنسان من مجيع طبائع احليوان أشكاال، من

.وهذا كثري، وهذا بابة. ختل الذئب وروغان الثعلب، ووثوب األسد، وحقد البعري، وهداية القطاة .مث فضله اهللا تعاىل باملنطق والروية وإمكان التصرف. دهوألنه حيكي كل صوت بفيه، ويصور كل صورة بي

وعلى أنا ال نعلم أن ألحد من مجيع أصناف املعلمني جلميع هذه األصناف كفضيلة املعلم من الناس األحداث املنطق املأثور، ككالم االحتجاج والصفات، واملناقالت من املسائل واجلوابات يف مجيع العالمات،

القصائد واألرجاز، ومن املزدوج واألسجاع، مع الكتاب واحلساب، وما شاكل ذلك بني املوزون من .ووافقه واتصل به، وذهب مذهبه

وقد علمنا أن العلم هو األصل، " . إمنا اشتق اسم املعلم من العلم، واسم املؤدب من األدب : " وقالوا .واألدب هو الفرع

.م املؤدب على العمومواألدب إما خلق وإما رواية، وقد أطلقوا له اسوالفضل من املوازنة بني أفضل . والعلم أصل لكل خري، وبه ينفصل الكرم من اللؤم، واحلالل من احلرام

.اخلريين، واملقابلة بني أنقص الشرينفلم يعرضوا ألحد من هذه األصناف اليت اختذ الناس هلا املعلمني من مجيع أنواع احلق والباطل، والسرف

واجلد واهلزل، إال هؤالء الذين ال يعلمون إال الكتاب واحلساب، والشعر، والنحو، والفرائض، واالقتصاد، .وما بالسماء من جنوم االهتداء واألنواء والسعود، وأمساء األيام والشهور، واملناقالت. والعروض

ية القصيد ومينعهم العرامة، ويأخذهم بالصالة يف اجلماعة، ويدرسهم القرآن، ويهدن ألسنتهم بروا .واألرجاز، ويعاقب على التهاون، ويضرب على الفرار، ويأخذهم باملناقلة، واملناقلة من أسباب املنافسة

.حلقري خبالف هذه السرية، وبضد هذه املعاملة

فصل منه

:وأنشد قول الشاعر. وقد ذهب قوم إىل أن األدب حرف، وطلبه شؤم يدت حرفا حتته شومإال تز... ما ازددت يف أديب حرفا أسر به

أىن توجه فيها فهو حمروم... إن املقدم يف حذق بصنعته فإذا . ومل نر شاعرا نال بشعره الرغائب، وال أديبا بلغ بأدبه املراتب، ذكر مين األدب، وال بركة قول الشعر

أكثر وإن كان عدد من نال الرغائب. حرم الواحد منهم، والرجل الشاذ ذكر حرف األدب وشؤم الشعر .من عدد من أخفق

.ومهما عرينا من كان يف هذه الصفة فإنا غري معايرين أليب يعقوب اخلرميي، ألنه نال بالشعر وأدرك باألدبوليس الذي حيمل أكثر الناس على هذا القول إال وجدان املعاين واأللفاظ،فإهنم يكرهون أن يضيعوا بابا من

.رونإظهار الظرف وفضل اللسان وهم عليه قاد فصل

Page 247: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكذلك الغافل والغافل، واألمحق واألمحق، والغيب والغيب، . الصيب عن الصيب أفهم، وبه أشكل: وقد قالواألن الناس عن الناس أفهم، " . ولو جعلناه ملكا جلعلناه رجال : " قال اهللا تبارك وتعاىل. واملرأة واملرأةقرب طبائعهم ومقادير عقوهلم من مقادير عقول فمما أعان اهللا تعاىل به الصبيان، أن . وإليهم أسكن

.املعلمني! جمنونة، أو ترقص صبيا: كالم امرأة من دار قوم، فيه ختليط وهذيان، فقال - وهو يسري -ومسع احلجاج

أال ترى أن أبلغ الناس لسانا، وأجودهم بيانا وأدقهم فطنة، وأبعدهم روية، لو ناطق طفال أو ناغى صبيا، اية مقادير عقول الصبيان، والشبه ملخارج كالمهم، وكان ال جيد بدا من أن ينصرف عن كل ما لتوخى حك

.وكذلك تكون املشاكلة بني املتفقني يف الصناعات. فضله اهللا به باملعرفة الشريفة، واأللفاظ الكرمية

فصل يف رياضة الصيب

ة من فاحش اللحن، ومن مقدار جهل العوام يف وأما النحو فال تشغل قلبه منه إال بقدر ما يؤديه إىل السالموما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو أوىل به، ومذهل . كتاب إن كتبه، وشعر إن أنشده، وشيء إن وصفه

.عما هو أرد عليه منه من رواية املثل والشاهد، واخلرب الصادق، والتعبري البارعن ال حيتاج إىل تعرف جسيمات األمور، واالستنباط وإمنا يرغب يف بلوغ غايته وجماوزة االقتصار فيه، م

لغوامض التدبر، وملصاحل العباد والبالد، والعلم باألركان والقطب الذي تدور عليه الرحى؛ ومن ليس له .حظ غريه، وال معاش سواه

فمن الرأي أن يعتمد به يف حساب العقد دون . وعويص النحو ال جيري يف املعامالت وال يضطر إىل شيءوعليك يف ذلك مبا حيتاج إليه كفاة السلطان . حساب اهلند، ودون اهلندسة وعويص ما يدخل يف املساحة

.وكتاب الدواوينإن البلوغ يف معرفة احلساب الذي يدور عليه العمل، والترقي فيه والسبب إليه، أرد عليه من : وأنا أقول

وليس . طبقات اخلط مع صحة اهلجاء بالغا البلوغ يف صناعة احملررين ورءوس اخلطاطني؛ ألن يف أدىن .كذلك حال احلساب

وأذقه حالوة . مث خذه بتعريف حجج الكتاب وختلصهم باللفظ السهل القريب املأخذ إىل املعىن الغامضاالختصار، وراحة الكفاية، وحذره التكلف واستكراه العبارة؛ فإن أكرم ذلك كله ما كان إفهاما للسامع،

.التأويل والتعقب، ويكون مقصورا على معناه ال مقصرا عنه، وال فاضال عليهوال حيوج إىل فما أكثر من ال حيفل . فاختر من املعاين ما مل يكن مستورا باللفظ املتعقد، مغرقا يف اإلكثار والتكلف

حمجوبا مل باستهالك املعىن مع براعة اللفظ وغموضه على السامع بعد أن يتسق له القول، وما زال املعىن .فاملعىن بعد مقيم على استخفائه، وصارت العبارة لغوا وظرفا خاليا. تكشف عنه العبارة

وشر البلغاء من هيأ رسم املعىن قبل أن يهىيء املعىن، عشقا لذلك اللفظ، وشغفا بذلك االسم، حىت صار جير لق لذلك املعىن امسا غريه، ومنعه اإلفصاح عنه إال حىت كأن اهللا تعاىل مل خي. إليه املعىن جرا، ويلزقه به إلزاقا

.به

Page 248: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

واآلفة الكربى أن يكون رديء الطبع بطيء اللفظ، كليل احلد، شديد العجب، ويكون مع ذلك حريصا فإذا كان كذلك خفي عليه فرق ما بني إجابة . على أن يعد يف البلغاء، شديد الكلف بانتحال اسم األدباء

.هاأللفاظ واستكراهه لوباجلملة إن لكل معىن شريف أو وضيع، هزل أو جد، وحزم أو إضاعة، ضربا من اللفظ هو حقه وحظه،

.ونصيبه الذي ال ينبغي أن جياوزه أو يقصر دونهومن نظر فيها . ومن قرأ كتب البلغاء، وتصفح دواوين احلكماء، ليستفيد املعاين، فهو على سبيل صواب

واخلسران ها هنا يف وزن الربح هناك؛ ألن من كانت غايته انتزاع . يل اخلطأليستفيد األلفاظ فهو على سبولذلك قال . األلفاظ محله احلرص عليها، واالستهتار هبا إىل أن يستعملها قبل وقتها، ويضعها يف غري مكاهنا

تقول ألين أقول البيت وأخاه، وأنت: ومل ذاك؟ قال: قال صاحبه! أنا أشعر منك: بعض الشعراء لصاحبه .البيت وابن عمه

.وال بد من هدان وطبيعة مناسبة. مصلح وآخر مفسد: وإمنا هي رياضة وسياسة، والرفيق .ومساع األلفاظ ضار ونافع

أن يدور يف مسامعه، ويغب يف قلبه، وخيتمر يف صدره، فإذا طال مكثها تناكحت مث تالقحت : فالوجه النافعطيب مثرة؛ ألهنا حينئذ خترج غري مسترقة وال خمتلسة وال مغتصبة، وال فكانت نتيجتها أكرم نتيجة، ومثرهتا أ

وبني الشيء إذا عشش يف . دالة على فقر؛ إذ مل يكن القصد إىل شيء بعينه، واالعتماد عليه دون غريه .الصدر مث باض، مث فرخ مث هنض، وبني أن يكون اخلاطر خمتارا، واللفظ اعتسافا واغتصابا، فرق بني

اتكل صاحب البالغة على اهلويىن والوكال، وعلى السرقة واالحتيال، مل ينل طائال، وشق عليه ومىت .النزوع، واستوىل عليه اهلوان، واستهلكه سوء العادة

أن يتحفظ ألفاظا بعينها من كتاب بعينه، أو من لفظ رجل، مث يريد أن يعد لتلك األلفاظ : والوجه الضار يكون إال خبيال فقريا، وحائفا سروقا، وال يكون إال مستكرها أللفاظه، متكلفا قسمها من املعاين، فهذا ال

فإذا مر كالمه بنقاد األلفاظ وجهابذة املعاين استخفوا عقله، . ملعانيه، مضطرب التأليف منقطع النظام .وهبرجوا علمه

الطرف أمسج، ويف البالغة مث اعلم أن االستكراه يف كل شيء مسج، وحيث ما وقع فهو مذموم، وهو يف. .وما أحسن حاله ما دامت األلفاظ مسموعة من فمه، مسرودة يف نفسه، ومل تكن خملدة يف كتبه. أقبح

.وخري الكتب ما إذا أعدت النظر فيه زادك يف حسنه، وأوقفك على حده

فصل يف ذم اللواط

ن اهللا تعاىل وعز مل يعوض يف اآلخرة والذي يدل على أن هذه الشهوة معيبة يف نفسها، قبيحة يف عينها، أبشهوة الولدان من ترك لوجهه يف الدنيا شهوة الغلمان، كما سقى يف اآلخرة اخلمر من تركها له يف الدنيا،

ال يصدعون عنها وال : " مث مدح مخر اجلنة بأقصر الكالم، فنظم به مجيع املعاين املكروهة يف مخر الدنيا فقال

Page 249: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

" .ال سكر فيها وال مخار : " وتعاىل قال كأنه تبارك" . ينزفون . ويف اكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء انقطاع النسل، ويف انقطاع النسل بطالن مجيع الدين والدنيا

وغشيان الرجل الرجل واملرأة املرأة من املنكوس املعكوس، ومن املبدل املقلوب؛ ألن اهللا جل ذكره إمنا خلق ل بينهما أسباب التحاب وعالئق الشركة، وعلل املشاكلة وجعل الذكر طبقا لألنثى، الذكر لألنثى، وجع

.فقلب هؤالء األمر وعكسوه، واستقبلوا من اختار اهللا هلم بالرد والزهد فيه. وجعل األنثى سكنا للرجل

فصل

توىل آلل األهتم، وكان عبد اهللا بن املقفع، ويكىن أبا عمرو، وكان ي: ومن املعلمني مث من البلغاء املتأدبنيوكان جوادا فارسا مجيال، وكان . مقدما يف بالغة اللسان والقلم والترمجة، واختراع املعاين وابتداع السري

وكان ضابطا . ومل يكن حيسن منه ال قليال وال كثريا. إذا شاء أن يقول الشعر قاله، وكان يتعاطى الكالموإذا أردت أن تعترب ذلك، إن كنت من . ن غر املغتر ووثق الواثقحلكايات املقاالت، وال يعرف من أي

خلص املتكلمني ومن النظارين، فاعترب ذلك بأن تنظر يف آخر رسالته اهلامشية، فإنك جتده جيد احلكاية .لدعوى القوم، ردي املدخل يف مواضع الطعن عليهم

ند ذلك أنه ال حيمل عقله على شيء إال وقد يكون الرجل حيسن الصنف والصنفني من العلم، فيظن بنفسه عنفذ به فيه، كالذي اعترى اخلليل بن أمحد بعد إحسانه يف النحو والعروض، أن ادعى العلم بالكالم وبأوزان

فال حرمنا اهللا تعاىل عصمته، وال . األغاين، فخرج من اجلهل إىل مقدار ال يبلغه أحد إال خبذالن اهللا تعاىل .ابتالنا خبذالنه

فصل

.وهذان الشاعران جاهليان، بعيدان من التوليد، وبنجوة من التكليف

فصل

ومن خصال العبادة وإن كانت كلها راجحة فليس فيها شيء أرد يف عاجل، وال أفضل يف آجل من حسن .الظن باهللا تعاىل وعز وجل

تح له باب احليلة، مث اعلم أن أعقل الناس السلطان ومن احتاج إىل معاملته، وعلى قدر احلاجة إليه ينفولوال . وما أقرب فضل الراعي على الرعية من فضل السائس على الدابة. واالهتداء إىل مواضع احلجة

.السلطان ألكل الناس بعضهم بعضا، كما أنه لوال املسيم لوثب السباع على السوامناعة الصرف جتمع مع اصرفه إىل الصيارفة؛ فإن ص: ودعين من تدريسه كتب أيب حنيفة، ودعين من قوهلم

.الكتاب واحلساب املعرفة بأصناف األموال، وال جتد بدا من حلة السلطان

Page 250: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ومن قاس جتار الكرخ . قد كانت قريش جتارا؛ فإن هذا باب ال ينقاس وال يطرد: ودعين من قول من يقول .دار العللوباعته، وجتار األهواز والبصرة، على جتار قريش، فقد أخطأ مواضع القياس، وجهل أق

قريش قوم مل يزل اهللا تعاىل يقلبهم يف األرحام الربيئة من اآلفات، وينقلهم من األصالب السليمة من .العاهات، ويعبيهم لكل جسيم، ويربيهم لكل عظيم

ولو . ولو علم هذا القائل ما كانت قريش عليه يف التجارة لعرف اختالف السبل، وتفاوت ما بني الطرقذلك كعلة جتار األبلة، وحمتكري أهل احلرية، لثلمت دقة التجارة يف أعراضهم ولنهك كانت علتهم يف

سخف التربح من مروءاهتم، ولصغر ذلك من أقدارهم يف صدور العرب، ولوضع من علوهم عند أهل ا وكيف وقد ارحتلت إليهم الشعراء كما ارحتلت إىل امللوك العظماء، فأسنوا هلم العطية، ومل يقصرو. الشرف

فلو أنه كان معهم من . عن غاية، فسقوا احلجيج وأقاموا القرى لزوار اهللا تعاىل، وهم بواد غري ذي زرع. الفضل ما يبهر العقول، ومن اجملد ما حترج فيه العيون، ملا أصلح طبائعهم الشيء الذي يفسد مجيع األمة

كانت سبلهم عند امللوك إذا ولو. ولقد أورث ذلك صدورهم من السعة بقدر ما أورث غريهم من الضيقوفدوا عليهم، أو وردوا بالدهم بالتجارات، سبل غريهم من التجار ملا أوجهوهم وقربوهم، وملا أقاموا هلم

.قرى امللوك وحبوهم بكرامة اخلاصوإذا كانت قريش محسا تنسك يف دينها، وتتأله يف عبادهتا وكان مانعا هلم من الغارات والسباء، ومن وطء

نساء من جهة املغنم، ولذلك مل يئدوا البنات وال ولدت منهم امرأة غريهم من جهة السباء، وال زوجوا الولذلك ملا صاروا إىل بناء الكعبة مل خيرجوا يف بنائها من . أحدا من العرب حىت يتحمس ويدين بدينهم

كانت أرباح التجارات خموفا أمواهلم إال مواريث آبائهم ونسائهم، خوفا من أن خيالطه شيء من حرام، إذفلما كانوا بواد غري ذي زرع وحيتاجون إىل األقوات، وإقامة القرى، مل جيدوا بدا من أن . عليها ذلك

.فهذا هو السبب. يتكلفوا ما يعيشهم ويصلح شأهنم، فأخذوا اإليالف، ورحلوا إىل امللوك بالتجاراتا أن يتحول ابنك يف مسالخ صاحل الزرازريشي، أو يف فيسرك بعد هذ! فانظر كم بني علتهم وعلة غريهم

.طباع ابن بادام، أو يف عقل ابن سامريفإن زعموا أن أصحاب السلطان يعرض مكروه فليعلموا أن كل مسافر فبعرض مكروه، وقد قال بعض

.، يعين على هالك" املسافر ومتاعه على قلت إال من حفظ اهللا : " احلكماءواملتعرض . را، ومشتري طعام األهواز أشد هتورا، ورافع الشراع بعرض هلكةوراكب البحر أشد خط

. وسكان اجلزائر والسواحل أحق بالتعرض، وأوىل باخلوف. للمالحة واملعرض نفسه للسباع أقل شفقةع واملنهوم بالطعام الردي، واملدمن للشراب أشبه بأصحاب التغرير، واملتباري يف ذلك واملتزيد منه أحق بتوق

.وهذا كله أحق باالهتمام. احلدثان وحوادث األزمان، قد جرت عليه عادة الدهر وسرية األياموإن كنت إىل اإلشفاق تذهب، وإىل إعطاء احلزم أكثر من نصيبه، وكيف دار األمر فإن التاجر قد استشعر

.الذل، وتغشى ثوب املذلةقد استبطن بالعز، . سكر السلطان، وإفراط التعظيموإمنا عيبه . وصاحب السلطان قد جتاوز حد العز واهليبة

وظاهر بالبشر واستحكمت جتربته، وبعدت بصريته حىت عرف مصلحة كل مصر، وإصالح كل فاسد،

Page 251: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وإقامة كل معوج، وعمارة كل خربأحد وال أعلم يف األرض أعم إفالسا وال أشد نكبة، وال أكثر حتوال من يسر إىل عسر، وال رأينا احلوائج إىل

فكيف يقاس شأن قوم تعمهم املعاطب بشأن قوم أهل السالمة فيهم أكثر، . أهدى منها إىل أموال الصيارفة .والنكبات فيهم أقل

.وبعد هذا فإين أرى أال تستكرهه فتبغض إليه األدب، وال هتمله فيعتاد اللهو .ء، والفراغ الفاضل عن اجلمامعلى أين ال أعلم يف مجيع األرض شيئا أجلب جلميع الفساد من قرناء السو

. واحتل يف أن تكون أحب إليه من أمه. درسه العلم ما كان فارغا من أشغال الرجال، ومطالب ذوي اهلمموال تستطيع أن ميحضك املقة، ويصفي لك املودة مع كراهته ملا حتمل إليه من ثقل التأديب عند من مل يبلغ

.حال العارف بفضلهومن قصر . واإلفراط سرف. وهلذا مقدار من جازه أفرط. ه برب اللسان، وبذل املالفاستخرج مكنون حمبت

.عنه فرط، واملفرط مضياع

وال تستكثرن هذا كله فإن بعض النعمة فيه تأيت على أضعاف النعامة، والذي حتاول من صالح أمر من عليه، وبإعطائه اجملهود من تؤمل فيه أن يقوم يف أهلك مقامك، وإصالح ما خلفت كقيامك، حلقيق باحليطة

.نفسكفعلم اهللا تبارك وتعاىل، فوهب له " . رب ال تذرين فردا وأنت خري الوارثني : " وقال زكريا عليه السالم " .وليس الذكر كاألنثى : " غالما، وقال اهللا عز وجل

لص يف الدعاء، وأكثر من فامحد اهللا وأخ. اعلم أنه أعطاك ولدا عربة عني العدو، وقرة عني الصديق الويل .اخلري إن شاء اهللا تعاىل

فصل من كتاب التربيع والتدوير

فانظر يف مساملة النفوس مع تقارب منازهلا، ومل جتاذبت عند تقارب مراتبها، ومل اختلف الكثري واتفق القليل؟ لتحاسد، وبني املنافسة ومل كانت الكثرة علة للتخاذل، والقلة سببا للتناصر؟ وما فرق ما بني اجملاراة وا

.والتغالب، فإنك مىت عرفت ذلك استرحت منا ورجونا أن نستريح منكوكيف يعرف السبب من جيهل املسبب، وكيف يعرف الوصل من جيهل الفصل، وكيف يعرف احلدود من

ن بل يعرف كيف احلجة من الشبهة، والغدر من احليلة، والواجب من املمكن، والغفل م. مل يسمع الفصولاملوسوم، واحملال من الصحيح، واألسرار من اجملهول ومن كبار الدالئل اخلفية وما يعلم مما ال يعلم، وما يعلم . باللفظ دون اإلشارة مما ال يعلم إال باإلشارة دون اللفظ، وما يعلم معتمدا وال يعلم مكيفا وال يعلم معتقدا

ملستبهم الذي ال يفارقه استبهامه، ومن هو طائر مع العوام وما املستغلق الذي جيوز أن يفارقه استغالقه، واقد طلبها بفضل طلبه لنفسه، وجرى . حيث طارت، وساقط معها حيث سقطت، مع الزراية والرغبة عنها

.معها بقدر مناسبتها لقدره

Page 252: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ر، فاعرف اجلنس من الصنف، والقسم من النصنف، وفرق ما بني الذم واللوم، وفصل ما بني احلمد والشكوسنعرفك من مجلة ما ذكرنا بابا بابا أنت إليه أحوج، . وحد االختيار من اإلمكان، واالضطرار من اإلجياب

.وهو علينا أرد

فصل

وما يف األرض إقرار أثبت، ودليل أوضح، وشاهد أصدق، من شاهدي عليك على ما ادعيت لنفسك من ك إال فاسد احلس ظاهر العنود، أو جاهل وهل يكون كذل. الرفعة مع ما ظهر من حسدك ألهل الصنعة

.باحملاليف يدك قياس ال يكسر، وجواب ال ينقطع، ولك حد ال يفل وغرب ال ينثين، -أبقاك اهللا - وبعد فأنت

وما علي أن يراين الناس عريضا : أن تقول: وهو قياسك الذي إليه تنسب، ومذهبك الذي إليه تذهبحفظك - وقد علموا . اهللا تعاىل طويل مجيل، ويف احلقيقة مقدود رشيقوأكون يف حكمهم غليظا وأنا عند

أن لك مع طول الباد راكبا، طول الظهر جالسا، ولكن بينهم فيك إذا قمت اختالف، وعليك هلم -اهللا .إذا اضطجعت مسائل

مستفيض ومن غريب ما أعطيت، ومن بديع ما أوتيت أنا مل نر مقدودا واسع اجلفرة غريك، وال رشيقا .فأنت املديد وأنت البسيط، وأنت الطويل وأنت املتقارب. اخلاصرة سواك

.فيا شعرا مجع األعاريض، ويا شخصا مجع االستدارة والطولبل ما يهمك من أقاويلهم، ويتعاظمك من اختالفهم، والراسخون يف العلم، والناطقون بالفهم، يعلمون أن

ارتفاع مسكك، وأن ما ذهب منك عرضا قد استغرق ما ذهب استفاضة عرضك قد أدخلت الضيم علىوإن كانوا قد سلموا لك بالرغم شطرا، فقد . ولئن اختلفوا يف طولك لقد اتفقوا يف عرضك. منك طوال

.حصلت ما سلموا وأنت على دعواك فيما مل يسلمواهن، وما االستبانة الصحيحة ولعمري إن العيون لتخطىء، وإن احلواس لتكذب، وما احلكم القاطع إال للذ

.إال للعقل؛ إذ كان زماما على األعضاء، وعيارا على احلواس :ومما يثبت أيضا أن ظاهر عرضك مانع من إدراك حقيقة طولك قول أيب داوود اإليادي يف إبله

ين ين وال السنام سنام... مسنت فاستحش أكرعها ال ال من عوده اهللا تعاىل بالصرب على خطاء احلس وبالشكر على ولو مل يكن فيك من العجب إال أنك أول

.صواب الذهن، لقد كنت يف طولك غاية للعاملني، ويف عرضك منارا للمضلنيوقد تظلم املربوع مثلي من الطويل مثل عمر، ومن القصري مثل عمرو إذ زعم أنه أفرط يف الرشاقة ونسب

.طوله، وكالمها حيتاج إىل االعتذار، ويفتقر إىل االعتدال إىل القضاضة، ألن إفراط عرضه غمر االعتدال منواملربوع حبمد اهللا تعاىل قد اعتدلت أجزاؤه يف احلقيقة، كما اعتدلت يف املنظر، فقد استغىن بعز احلقيقة عن

.االعتذار، وحبكم الظاهر عن االعتالل

Page 253: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أحدا ذم مربوعا وال أزرى عليه، وال وقد مسعنا من يذم الطوال كما مسعنا من يزري على القصار، ومل نسمعومن يذمه إال من ذم االعتدال، ومن يزري عليه إال من أزرى على االقتصاد، . وقف عنده وال شك فيه

ومن ينصب للصواب الظاهر إال املعاند، ومن مياري يف العيان إال اجلاهل؛ بل من يزري على أحد بتفاقم " .ما ترى يف خلق الرمحن من تفاوت : " عز وجلالتركيب، وبسوء التنضيد مع قول اهللا

ومىت يضرب العرض . وبعد فأي قد أردأ، وأي نظام أفسد من عرض جماوز للقدر، أو طول جماوز للقصد. بسهمه على قدر حقه، ويأخذ الطول من نصيبه على مثل وزنه، خرج اجلسم من التقدير، وجاوز التعديل

.فاسد وجاوز التعديل تباينفإذا خرج من التقدير تفاسد، وإذا تولو جاز هذا الوصف، وحسن هذا النعت، كان إلبراهيم بن السندي من الفضيلة ما ليس ألمحد بن عبد

.الوهابكما . وهذا كله بعد أن يصدقوك على ما ادعيت لطولك يف احلقيقة، واحتججت به لعرضك يف احلكومة

كره األذهان، معترض للصدق من املتكرم، ومتحكك باحللم أنك بإعمالك ملا ينفيه العيان، واستشهادك ملا تن .وأي صامت ال ينطقه هذا املذهب، وأي ناطق ال يغريه هذا القول. من املتغافل

فأنشدك اهللا أن تغري بك السفهاء، وتنقض . وإذا كان هذا ناقضا لعزم املتسلم فما ظنك بعادة املتكلف .عزائم احلكماء

أبتعرضك للعوام، أم : أي األمرين أنت أعظم إمثا، ويف أيهما أنت أفحش ظلماب -حفظك اهللا - وما أدري .بإفسادك حكم اخلواص

.وبعد فما حيوجك إىل هذا، وما يدعوك إليه وأشباهك من القصار كثري، ومن ينصرك منهم غري قليل

فصل

رض دون الطول، حيث ولوال فضيلة العرض على الطول ملا وصف اهللا تعاىل وعز وجل، اجلنة بالع: وقلت .فهذا برهانك الواضح" . وجنة عرضها كعرض السماء واألرض : " يقول

ولو مل يكن فيك من الرضا والتسليم، ومن القناعة واإلخالص إال أنك ترى ما عند اهللا خريا لك مما عند ، وحيكم الناس، وأن الطول اخلفي أحب إليك من الطول الظاهر، لكان يف ذلك ما يقضي لك باإلنصاف

.لك بالتوفيقأعشق إنصافك كما تعشق املرأة احلسناء، وأتعلم خضوعك للحق كما أتعلم التفقه يف - أبقاك اهللا -وأنا .ولرمبا ظننت أن جورك إنصاف قوم آخرين، وأن تعقدك مساح رجال منصفني. الدين

اليقني بالشك، واليقظة باحللم وما أظنك صرت إىل معارضة احلجة بالشبهة، ومقابلة االختيار باالضطرار، وإال للذي خصصت به من إيثار احلق، وأهلمته من فضيلة اإلنصاف، حىت صرت أحوج ما تكون إىل اإلنكار

غري أن ذلك بطرف . أذعن ما تكون باإلقرار؛ وأشد ما تكون إىل احليلة فقرا أشد ما تكون للحجة طلباة جسور، وإرادة تامة، مع غفلة كرمي، وفطنة ساكن، وصوت خاضع، وقلب جامع، وجأش رابط، وني

إن انقطع خصمك تغافلت، وإن خرق ترفقت، غري منخوب وال متشعب، وال مدخول وال مشترك، . عليم

Page 254: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

تفل احلز وتصيب . وال ناقص النفس، وال واهن العزم، وال حسود وال منافس، وال مغالب وال معاقبلتبس وتلخص املشكل، وتعطي املعىن حقه من اللفظ كما املفصل، وتقرب البعيد وتظهر اخلفي، ومتيز امل

وحتب املعىن إذا كان حيا يلوح، وظاهرا يصيح، وتبغضه مستهلكا بالتعقيد، . تعطي اللفظ حظه من املعىن .ومستورا بالتغريب

ب وتزعم أن شر األلفاظ ما غرق املعاين وأخفاها، وسترها وعماها، وإن راقت مسع الغمر، واستمالت قل .الريض

أعجب األلفاظ عندك ما رق وعذب، وخف وسهل، وكان موقوفا على معناه، ومقصورا عليه دون ما .ال فاضل وال مقصر، وال مشترك وال مستغلق، قد مجع خصال البالغة، واستوىف خالل املعرفة. سواه

السمع من املعىن إىل فإذا كان الكالم على هذه الصفة، وألف على هذه الشريطة، مل يكن اللفظ أسرع إىلالقلب، وصار السامع كالقائل، واملتعلم كاملعلم، وخفت املؤنة واستغىن عن الفكرة، وماتت الشبهة

وظهرت احلجة، واستبدلوا باخلالف وفاقا، وباجملاذبة موادعة، وهتنئوا بالعلم، وتقنعوا بربد اليقني، واطمأنوا يز الناقص من الوافر وذل اخلطل وعز احملصل، وبدت عورة بثلج الصدور، وبان املنصف من املعاند، ومت

.املبطل، وظهرت براءة احملق

كأنه طاقة رحيان، أو خوط آس، وكأنه قضيب خيزران، وكأنه غصن : والناس وإن قالوا يف احلسن: وقلتقد بان، وكأنه رمح رديين، وكأنه صفيحة ميان، وكأنه سيف هندواين، وكأنه جان، وكأنه جدل عنان؛ ف

وكأنه الشمس، . وما هو إال البحر، وما هو إال الغيث. كأنه املشتري، وكأن وجهه دينار هرقلي: قالوا .وكأهنا دارة القمر، وكأهنا الزهرة، وكأهنا درة، وكأهنا غمامة، وكأهنا مهاة .وقد نراهم وصفوا املستدير والعريض بأكثر مما وصفوا القضيف الطويل

ا فيها، واألرض وما عليها، على التدوير دون التطويل، كذلك الورق واحلب، ووجدنا األفالك وم: وقلت .والثمر والشجر

والرمح وإن طال فإن التدوير عليه أغلب؛ ألن التدوير قائم فيه موصال ومفصال، والطول ال يوجد : وقلت .وكذلك اإلنسان ومجيع احليوان. فيه إال موصال ومفصال

. يف املصنوع دون املخلوق، وفما أكره على تركيبه دون ما خلي وسوم طبيعتهوال يوجد التربيع إال: وقلت .وعلى أن كل مربع ففي جوفه مدور، فقد بان املدور بفضله، وشارك املطول يف حصته

ومن العجب أنك تزعم أنك طويل يف احلقيقة مث حتتج للعرض واالستدارة، وقد أضربت عما عند اهللا .لناسصفحا، وهلجت مبا عند ا

أما حور العني فقد انفردت حبسنه، وذهبت ببهجته وملحه، إال ما أبانك اهللا تعاىل به من الشكلة - ف ٠ .فإهنا ال تكون يف اللئام، وال تفارق الكرام

وأما سواد الناظر وحسن احملاجر، وهدب األشفار، ورقة حواشي األجفان، فعلى أصل عنصرك وجماري .أعراقك

Page 255: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

البعيد، وقراءتك الكتاب الدقيق ونقش اخلامت قبل الطابع، وفهم املشكل قبل التأمل، وأما إدراكك الشخص مع وهن الكربة وتقادم امليالد، ومع ختون األيام وتنقص األزمان، فمن توتيا اهلند، ولترك اجلماع، ومن

ما أخذته احلمية الشديدة وطول استقبال اخلضرة، فأنت يا عم عندما تصلح ما أفسده الدهر، وتسترجع :األيام، لكما قال الشاعر

وقد حلب اجلنبان واحدودب الظهر... عجوز ترجي أن تكون فتية ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر... تدس إىل العطار سلعةأهلها

وكيف أرجو إقرارك جهرا وقد أبيته سرا، وكيف . وكيف أطمع يف نزوعك عن اللجاج وقد منعتنيه قبله .مطمعا وقد خبلت به مريضا مؤيساجتود به صحيحا

وكيف يرجو خريك من رآك تطاول أبا جعفر وحتاسنه، وتنافره وتراهنه، مث ال تفعل ذلك إال يف احملافل .العظام، وحبضرة كبار احلكام، مث تستغرب ضحكا من طمعه فيك، وتعجب الناس من جماراته لك

قله، مث تظارفه وتطاوله، وتتغىن مع خمارق، وتنكر وأشهد لك بعد هذا أنك ستحاسن عمرا اجلاحظ وتعافضل زبزب، وتستجهل النظام، وتستغيب قيس بن زهري، وتستخف األحنف بن قيس وتبارز علي بن أيب

.طالب، مث خترج من حد الغلبة إىل حد املراء، ومن حد األحياء إىل حدود املوتىدا يقف يف احلكم عليك، أو ينتظر حتقيق هذا وليس لك مساعد، وال معك شاهد واحد، وال رأيت أح

دعواك؛ وال رأيت منكرا خيليك من التأنيب، وال مؤنبا خيليك من الوعيد، وال موعدا خيليك من اإليقاع، .وال موقعا يرثي لك، وال شافعا يشفع فيك

تستكثر من الشهود يا عم، مل حتملنا على الصدق؟ ومل جترعنا مرارة احلق؟ ومل تعرضنا ألداء الواجب؟ وملعليك؟ ومل حتمل اإلخوان على خالف حمبتهم فيك؟ اجعل بدل ما جتين على نفسك أن جتين على عدوك،

.وبدل ما يضطر الناس أن يصدقوا فيك أن تضطرهم إىل أن ميسكوا عنكاهللا إنك فو. ملن فاته الطول من أن يلقي بيده، إمنا يقول خالف ما جيده يف نفسه -يرمحك اهللا -وال بد

.جليد اهلامة، ويف ذلك خلف حلسن القامةفقل معروفا . وإنك لتجد مقاال، وإنك لتعد خصاال. وإنك حلسن احلظ، ويف ذلك عوض من حسن اللفظ

وهات فإنك لو أسرفت لقلنا قد اقتصدت، ولو جرت لقلنا قد . فإنا من أعوانك، واقتصد فإنا من أنصارك " .كاد السموات يتفطرن منه وتنشق األرض وختر اجلبال هدا ت" اهتديت، ولكنك جتيء بشيء

.لو غششناك لساعدناك، ولو نافقناك ألغريناك

فصل

يف الطول زاهدا، وعن القصر راغبا، وكنت أمدح املربوع وأمحد -أطال اهللا بقاءك - وقد كنت .ربوع مبا يفوت من منفعة العلموال واهللا لن يقوم خري االعتدال بشر قصر العمر، وال مجال امل. االعتدال

.فأما اليوم فياليتين كنت أقصر منك وأضوى، وأقل منك وأقما

Page 256: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وليس دعائي لك بطول البقاء طلبا للزيادة، لكن على جهة التعبد واالستكانة، فإذا مسعتين أقول أطال اهللا .ملعىن أذهببقاءك فهذا املعىن أريد، وإذا رأيتين أقول ال أخلى اهللا مكانك فإىل هذا ا

وقد زعموا، جعلت فداءك، أن كل ما طال عمره من احليوانات زائد يف شدة األركان، ويف طول العمر وصحة األبدان، كالورشان والضباب ومحر الوحش، وكلحم النسر ملن أكله، وحلم احلية ملن استحله فإذا

رأيا، أخذنا منه بنصيب، وتعلقنا منه كان هذا حقا وكان نافعا، وكنت له مستعمال وفيه متقدما، وتراه .بسبب

. جواز الكون والفساد عليك، وتعاور النقصان والزيادة إياك: وفيك أمران غريبان، وشاهدان بديعانوأنت علة للمتضاد وسبب . فمنك طول البقاء، ومعك دليل الفناء. وجوهرك فلكي وتركيبك أرضي

.ال يفسده التناقضوما ظنك خبلق ال تضره اإلحالة، و. للمتنايف

فصل

جعلت فداك، قد شاهدت اإلنس منذ خلقوا، ورأيت اجلن قبل أن حيجبوا، ووجدت األشياء بنفسك خالصة وممزوجة، وأغفاال وموسومة، وساملة ومدخولة، فما خيفى عليك احلجة من الشبهة، وال السقم من

.النادر من البديع، وال شبه الدليل من الدليلالصحة، وال املمكن من املمتنع، وال املستغلق من املبهم، وال وعرفت عالمة الثقة من عالمة الريبة، حىت صارت األقسام عندك حمصورة، واحلدود حمفوظة، والطبقات

ووجدت السبب كما وجدت املسبب، وعرفت االعتالل كما عرفت . معلومة، والدنيا حبذافريها مصورةسباب وهي تصنع، فعرفت املصنوع من املخلوق، واحلقيقة من االحتجاج، وشاهدت العلل وهي تولد، واأل

.التمويه

فصل

وكما زدت يف الدهر . كما أنك مل تكن فكنت، فكذا ال تكون بعد أن كنت -جعلت فداءك -إنك فإياك أن تظن أنك . وكل طويل فهو قصري، وكل متناه فهو قليل. الطويل فكذا تنقص يف الدهر الطويل

ك أن تنكر أنك حمدث فتشرك؛ فإن للشيطان يف مثلك أطماعا ال يصيبها يف سواك، وجيد قدمي فتكفر، وإيا .فيك علال ال جيدها يف غريك

فصل

وقد علمت أن اخلرب إذا صح أصله وكان للناس علة يف نشره، كان يف الداللة على احلق كالعيان، ويف .الشفاء كالسماع

ن تعرف به مجل األشياء، إال خربك فإنك ال حتتاج إىل إشارة على أن اخلرب ال يعرف به تكيف األمور ولك .وال إىل علة، وال إىل تفسري حىت يقوم خربك يف الشفاء ويف كيفية الشيء مقام العيان

Page 257: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ما يقولون يف رجل مل يقل قط بعد انقضاء خصومه : وقد كنت أتعجب من حممد بن عبد امللك وأقولفما بال عفوه أكثر من ! ل، أو كنت مل أقل كذا كان أمثللو كنت قلت كذا كان أفض: وذهاب خصمه

فلما رأيتك علمت أنك عذاب صبه اهللا تعاىل على كل رفيع، ! جهدكم، وبديهته أبعد من أقصى فكرتكم؟ .ورمحة أنشأها اهللا لكل وضيع

فخربين عما جرى بينك وبني هرمس يف طبيعة الفلك، وعن مساعك من أفالطون، وما دار بينك وبني .أرسطاطاليس، وأي نوع اعتقدت وأي شيء اخترت؟ فقد أبت نفسي غريك، وأبت أن تتشفى إال خبربك

ولوال أين كلف برواية األقاويل، ومغرم مبعرفة االختالف وأين ال أستجيز مسألتك عن كل شيء، وابتذالك .يف كل أمر، ملا مسعت من أحد سواك، وملا انقطعت إىل أحد غريك

وقد . ك، أين مل أرد مبزاحك إال أن أضحك سنك، وال كانت غاييت فيك إال ألنفق عندكاعلم، جعلت فداء .كنت خفت أن ال أكون وقفت على حده، وأشفقت من اجملاوزة لقدره

وهو باب مىت فتحه فاتح، . واملزاح باب ليس املخوف فيه التقصري، وال يكون اخلطأ فيه من جهة النقصانسده مثل الذي ميلك من فتحه، ومل خيرج بقدر ما كان قدم من نفسه، ألنه وطرق له مطرق، ومل ميلك من

ومن شأنه التزيد، وأن يكون صاحبه . باب أصل بنائه على اخلطأ، وال خيالطه من األخالق إال ما سخف .قليل التحفظ

زاح، ومل نر شيئا أبعد من شيء وال أطول له صحبة وال أشد خالفا وال أكثر له خلطة، من اجلد وامل .واملناظرة واملراء

فإن كنت مل أقصر عن الغاية، ومل أجتاوز حد النهاية فبما أعرف من مين مكاملتك،وبركة مكاتبتك، ومن وإن كنت أخطأت الطريق، وجاوزت املقدار، فما كان ذلك عن جهل . حسن تقوميك وجودة تثقيفك

يرها إذا أشكلت، ومل يكن مع الناظر بفضلك، وال إنكار حلقك، ولكن حدود األشياء إذا خفيت، ومقاد. فيها مثل متامك، وال مع التكلف هلا مثل كمالك، دخل عليه من اخللل بقدر عجزه، وسلم منه بقدر نفاذه

.نعم ولو كان من العلماء املوصوفني، ومن األدباء املذكورين

يسه، واستماعه لصديقه باب مكر وجنس خدع يتكل املرء يف إساءته إىل جل - جعلت فداءك -ومن املزاح من يغضب من املزاح إال كز : عبثت، وعلى أن يقول: مزحت، وعلى أن يقول عند احملاكمة: على أن يقول

وبعد فمىت أعدت النفس عذرا كانت إىل القبيح ! ومن يرغب عن املفاكهة إال ضيق العطن؟ ! اخللق؟ .أسرع، ومىت مل تعده كانت عنه أبطأ

ومن دواعي اخلطأ إليه أن كثريا ممن متازحه يضحكك وإن كنت أغضبته، وال يقطع ومن أسباب الغلط فيه .فإن حقد ففي احلقد الداء، وإن عجل فذلك البالء. مزاحك وإن كنت قد أوجعته

ألين حني أمنت عقاب اإلساءة، : فما أدخلك يف شيء هذه سبيله، وهكذا جوهره وطريقه؟ قلت: فإن قلتعلمت أنك ال تقضي إال على العمد، وال تعذب إال على القصد، صار األمن ووثقت بثواب اإلحسان، و

.سائقا، واألمل قائدا

Page 258: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وأي عمل أرد، وأي متجر أربح مما مجع السالمة والغنيمة، واألمن واملثوبةولو كان هذا ذنبا كنت شريكي فيه، ولو كان تقصريا لكنت سبيب إليه، ألن دوام التغافل شبيه باإلمهال،

وترك التعريف يورث اإلغفال، والعفو الشائع والبشر الدائم يؤمنان من املكافأة، ويذهبان بالتحفظ؛ ولذلك " .عمر كان خريا يل منك، أرهبين فاتقاين، وأعطاين فأغناين : " قال عيينة بن حصن لعثمان بن عفان

ىء عليك إال لك؛ ألن فإن كنت اجترأت عليك فلم أجترىء عليك إال بك؛ وإن كنت أخطأت فلم أخط .حسن الظن بك والثقة بعفوك سبب إىل قلة التحفظ، وداعية إىل ترك التحرز

! وبعد فمن وهب الكبري كيف يقف عند الصغري، ومن مل يزل يعفو عن العمد كيف يعاقب على السهو؟ ك ولو استحققت عقاب. ولو كان عظم قدري هو الذي عظم ذنيب لكان عظم قدري هو الذي شفع يل

.بإقدامي عليك مع خويف لك الستوجبت عفوك عن إقدامي عليك حبسن ظين بكعلى أين مىت أوجبت لك العفو فقد أوجبت لك الفضل، ومىت أضفت إليك العقاب فقد وصفتك

وال أعلم حال الفضل إال أشرف من حال العدل؛ واحلال اليت توجب لك الشكر إال أرفع من . باإلنصاف .الصرباحلال اليت توجب لك

.وإن كنت ال هتب عقايب حلرميت فهبه ألياديك عندي؛ فإن النعمة تشفع يف النعمةوإن مل تفعل ذلك حلسن العادة . فإن مل تفعل ذلك للحرمة فافعله حلسن األحدوثة، وعد إىل حسن العادة

.فائت ما أنت أهله .ىل عدلك حسن العفو عين عندكواعلم أين وإياك مىت حتاكمنا إىل كرمك قضي يل عليك، ومىت ارتفعنا إ

وفصل ما بيننا وبينك، وفرق ما بني أقدارنا وقدرك، أنا نسيء وتغفر، ونذنب وتستر، ونعوج وتقوم، .ومن صفاتك أن تفعل ومن صفاتنا أن نصف. وجنهل وتعلم؛ وأن عليك اإلنعام وعليك الشكر

من التعرض، وصرت ترغب عن الشكر وإذا فعلت ما تقدر عليه من العقاب كنت كمن فعل ما يقدر عليه كما رغبنا عن السلم، وصار التعرض لعفوك باألمن باطال، والتعرض لعقابك باخلوف حقا، ورغبت عن

النبل والبهاء، وعن السؤدد والسناء، وصرت كمن يشفي غيظا أو يداوي حقدا، أو يظهر القدرة أو حيب .أن يذكر بالصولة

مدون القدرة إال عند استعماهلا يف اخلري، ويذمون العجز إال ملا يفوت به من حي -أبقاك اهللا - ومل جندهم .إتيان اجلميل

وهل عندك إال ما يف . وأىن لك بالعقاب وأنت خري كلك، ومن أين اعتراك املنع وأنت أهنجت اجلود ألهلهتكدها باملناقشة طبعك، وكيف لك خبالف عادتك؟ فلم تستكره نفسك على املكافأة وطباعها الصفح؟ ومل

ومذهبها املساحمة؟ سبحان من جعل أخالقك وفق أعراقك، وفعلك وفق عملك، ومن جعل ظنك أكثر من يقيننا، وفراستك أثقب من عياننا، وعفوك أرجح من جهدنا، وبداهتك أجود من تفكرنا، وفعلك أرفع من

.وصفنا، وغيبتك أهيب من حضور السادة، وعتبك أشد من عقاب الظلمةبحان من جعلك تعفو عن املتعمد، وتتجاىف عن عقاب املصر، وتتغافل عن املناوي وتصفح عن املتهاون وس

حىت إذا صرت إىل من ذنبه نسيان وتوبته خالص، وهفوته بكر، وشفاعته احلرمة ومن ال يعرف الشكر إال

Page 259: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وال يقصر يف بعض طاعتك لك، واإلنعام إال منك، وال العلم إال من تأديبك، وال األخالق إال من تقوميك، إال ملا رأى من احتمالك، وال نسي بعض ما جيب لك إال ملا داخله من تعظيمك صرت تتوعده بالصرم وهو

.دليل كل بلية، وتستعمل اإلعراض وهو قائد كل هلكة

وقد علمت أن عتابك أشد من الصرمية، وأن تأنيبك أغلظ من العقوبة، وأن منعك إذا منعت يف وزن إذا أعطيت، وأن عقابك على حسب ثوابك، وأن جزعي من حرمانك يف وزن سروري بفوائدك، إعطائك

.وأن شني غضبك كزين رضاك، وأن موت ذكري بانقطاع سبيب منك كحياة ذكري مع اتصال سبيب بكوما يل اليوم عمل أنا إليه أسكن، وال شفيع أنا به أوثق، من شدة جزعي من عتبك، وإفراط هلعي من

بل . ولست ممن إذا جاد بالصفح ومن بالعفو مل يكن لصاحبه منه إال السالمة والنجاة من اهللكة. خوفكتشفع ذلك باملراتب الرفيعة، والعطايا اجلزيلة، والعز يف العشرية، واهليبة يف اخلاصة والعامة، مع طيب الذكر

.وشرف العقب، وحمبة الناسبيننا وبينك يف ذلك من التنازع، والتشاجر والتنافر، فإن وأما ذكرى القد واخلرط، والطول والعرض، وما

.الكالم قد يكون يف لفظ اجلد وهو مزاحولو استعمل الناس الدماثة يف كل حال، واجلد يف كل مقال، وتركوا التسمح والتسهيل وعقدوا يف كل

شيء قدر، ولكل حال ولكن لكل . دقيق وجليل، لكان الشر صراحا خريا هلم، والباطل حمضا أرد عليهموكذلك املنع . فالضحك يف موضعه كالبكاء يف موضعه، والتبسم يف موضعه كالقطوب يف موضعه. شكل

.والبذل، والعقاب والعفو، ومجيع القبض والبسطوفصل ما بينه وبني اجلد أن اخلطأ إىل املزاح . فإن ذممنا املزاح ففيه لعمري ما يذم، وإن محدناه ففيه ما حيمد

فأما أن يذم حىت يكون كالظلم، وينفى حىت يصري كالغدر فال؛ ألن . ، وحاله حبال السخف أشبهأسرعفإذا صرنا إىل اجلد، ورغبنا عن اهلزل وتركنا املزاح، وجلسنا . املزاح مما يكون مرة حسنا ومرة قبيحا

اج كما نرغب بك من للحكم، فقد أغناك اهللا تعاىل عن احلجة، كما سلمك من الشبهة، ومل نكلفك االحتجاالعتالل، فأصبحت ال حمتجا وال حمجوجا، وال غفال وال موسوما، وال ملوما وال معذورا، وال فيك

.اختالف وال بك حاجة إىل االئتالف .وليس مع العيان وحشة، وال مع الضرورة ومجة، وال دون اليقني وقفة

.جاحد حىت يثبت بالبينة وهل يف متامك ريب حىت يعاجل باحلجة؟ وهل يرد فضلكوهل لك خصم يف العلم أو ند يف الفهم، أو جمار يف احللم، أو ضد يف العزم؟ وهل يبلغك احلسد أو تضرك العني، أو تسمو إليك املىن أو يطمع فيك طامع، أو يتعاطى شأوك باغ؟ وهل غاية اجلميل إال وصفك، وهل

ناعك؟ وهل يقدر امللهوف إال غياثك؟ وهل للطالب زين البليغ إال مدحك، وهل يأمل الشريف إال اصطغاية سواك؟ وهل للغواين مثل غريك؟ وهل للماتح رجز إال فيك، وهل حيدو احلادي إال بك؟ ولوال أن

يأخذ الواصف لك بنصيبه منك، وحبصته من الصدق،وبسهمه من الشكر لك، لكان اإلطناب عندهم يف .وصفك لغوا، ولكان تكلفه فضال

Page 260: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ذا الذي يضعه أن يكون دونك، أو يهجى بالتسليم، ومل نعد إقراره إحسانا، وخضوعه إنصافا؟ وهل ومن هتقع األبصار إال عليك، وهل تصرف اإلشارة إال إليك؟ وأي أمرك ليس بغاية، وأي شيء منك ليس يف

أو لو كان كذا لو مل يكن كذا لكان أحسن،: النهاية؟ وهل فيك شيء يفوق شيئا أو يفوقه شيء؟ أو يقاللكان أمت؟ وأين احلسن اخلالص واجلمال الفائق، وامللح احملض واحلالوة اليت ال تستحيل، والتمام الذي ال

حييل، إال فيك، أو عندك، أو لك أو معك؟ ال بل أين احلسن املصمت واجلمال املفرد، والقد العجيب، ظهرها مجيل حسيب أو عامل أديب إال وظلك وامللح املنثور والفضل املشهور، إال لك وفيك؟ وهل على

أكرب من شخصه، وظنك أكثر من علمه، وامسك أفضل من معناه، وحلمك أثبت من جنواه؟ ولرمبا رأيت الرجل حسنا مجيال، وحلوا مليحا، وعتيقا رشيقا، وفخما نبيال، مث ال يكون موزون األعضاء وال معتدل

.األجزاءر متساوية غري متقاربة وال متفاوتة ويكون قصدا، ومقدارا عدال، وإن كانت هناك وقد تكون أيضا األقدا

.دقائق خفية ال يراها الغيب، ولطائف غامضة ال يعرفها إال الذكيفأما الوزن املتحقق، والتعديل الصحيح، والتركيب الذي ال يفضحه التفرس، وال حيصره التعنت، وال يتعلل

.مويه ناعته، فهو الذي خصصت به دون األنام، ودام لك على األيامجادبه، وال يطمع يف التوكذا احلسن إذا كان حرا مرسال، وعتيقا مطلقا، ال يتحكم عليه الدهر، وال يذبله الزمان، وال حيتاج إىل

.تعليق التمائم، وال إىل الصون والكن، وال إىل املنقاش والكحل

ل يف العيون تسهيال، وحبب إىل القلوب حتبيبا، وقرب إىل النفوس ولو مل يكن حلسن وجهك إال أنه قد سهتقريبا، حىت امتزج باألرواح وخالط الدماء، وجرى يف العروق ومتشى يف العظم حبيث ال يبلغه السمر وال

.الوهم، وال السرور الشديد، وال الشراب الرقيق، لكان يف ذلك املزية الظاهرة، والفضيلة البينةهلو أحسن من القمر، وأضوأ : كن لك إال أننا ال نستطيع أن نقول يف اجلملة، وعند الوصف واملدحةولو مل ي

كأن عنقه : من الشمس، وأهبى من الغيث، وأحسن من يوم احللية؛ وأنا ال نستطيع أن نقول يف التفاريقبردية، وكأن لسانه إبريق فضة، وكأن قدمه لسان حية، وكأن وجهه ماوية، وكأن بطنه قبطية، وكأن ساقه

ورقة، وكأن أنفه حد سيف، وكأن حاجبه خط بقلم، وكأن لونه الذهب، وكأن عوارضه الربد، وكأن فاه وهلو أطهر من املاء، وأرق طباعا من اهلواء، وهلو أمضى من السيل، وأهدى من . خامت، وكأن جبينه هالل

.النجم لكان يف ذلك الربهان النري، والدليل البني :وأما قول الشاعر. تكون كذلك وأنت الغاية يف كل فضل، واملثل يف كل شكلوكيف ال

إذا ما زدته نظرا... يزيدك وجهه حسنا ما تأملنا قط تأليف مسجدنا، وتركيب حمرابنا وقبة مصالنا إال أثار لنا التأمل، واستخرج : وقول الدمشقيني

وما ندري أجواهر مقطعاته أكرم يف . قف عليهالنا التفرس، غرائب حسن مل نعرفها، وعجائب صنعة مل ناجلواهر، أم تنضيد أجزائه يف تنضيد األجزاء؟ فإن ذلك معىن مسروق مين يف وصفك، ومأخوذ من كتيب يف

.مدحك

Page 261: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

واجلملة اليت تنفي اجلدال، وتقطع القيل والقال، أين مل أرك قط إال ذكرت اجلنة، وال رأيت أمجل الناس يف . وإذا رأيته علمت أين مقصر. وال تعجب أيها السامع واعلم أين مقصر! ذكرت النارإال ! عقب رؤيتك

.وإذا رأيته علمت أين فيما جيب له مفرطهو رجل طينته حرة، وعرقه كرمي، ومغرسه طيب، ومنشأه حممود، غذي يف النعمة، وعاش يف الغبطة،

.ه ماء احلياءوأرهقه التأديب، ولطفه طول التفكري، وخامره األدب، وجرى فيفأفعاله كأخالقه، وأخالقه كأعراقه، وعادته كطبيعته، وآخره كأوله، حتكي اختياراته التوفيق، ومذاهبه

ال متتنع عليه معرفة املبهم، وال . ال يعرف التكلف، ويرغب عن التجوز، وينبل عن ترك اإلنصاف. التسديد . العي إال مساعايلحج باستبانة املشكل، وال يعرف الشك إال يف غريه، وال

وكيف وقد أصبحت وما على ظهرها خود إال تعثر بامسك، . فمن يطمع يف عيبك، بل من يطمع يف قدركوال قينة إال وهي تغىن مبدحك، وال فتاة إال تشكو تباريح حبك، وال حمجوبة إال وهي تنقب اخلروق ملمرك،

.وال عجوز إال وهي تدعو لك، وال غيور إال وقد شقي بكم من كبد حرى منضجة، ومصدوعة مفرثة، وكم حشا خافق وقلب هائم، وكم عني ساهرة وأخرى فك

جامدة وأخرى باكية؟ وكم عربى موهلة وفتاة معذبة، قد أقرح قلبها احلزن، وأمجد عينها الكمد، واستبدلت ة، بعد ظرف باحللي العطلة وباألنس الوحشة، وبالتكحيل املره، فأصبحت واهلة مبهوتة، وهائمة جمهود

.ناصع، وسن ضاحك؛ وبعد أن كانت نارا تتوقد وشعلة تتوهجاحلسن الذي تبقى معه توبة، أو تصح معه عقيدة، أو يدوم معه عهد، أو يثبت -أبقاك اهللا -وليس حسنك

- أبقاك اهللا -هو . معه عزم، أو ميهل صاحبه للتثبت، أو يتسع للتحري، أو ينهنهه زجر، أو يفيده خوف .ينقض العادة، ويفسخ املنة، ويعجل عن الروية، ويطوح بالعزاء، وينسى معه العواقب شيء

ولو أدركك عمر بن اخلطاب لصنع بك أعظم مما صنع بنصر ابن احلجاج، ولركبك بأعظم مما ركب جعدة .بل لدعاه الشغل بك إىل ترك التشاغل هبما، والغيظ عليك إىل الرمحة هلما. السلمى

.سنه اإلفراط، والطعن عليه من جهة الزيادة، كيف يرومه عاقل أو ينتقصه عاملفمن كان عيب حوما ندري يف أي احلالني أنت أمجل، ويف أي املنزلتني أنت أكمل، إذا فرقناك أو إذا مجعناك، وإذا ذكرنا

سنها كل ما كلك أم إذا تأملنا بعضك؟ فأما كفك فهي اليت مل ختلق إال للتقبيل والتوقيع، وهي اليت حيسن حب .اتصل هبا، وخيتال هبا كل ما صار فيها

آلكأس اليت يف يدك أمجل أم القلم، أم الرمح الذي حتمله أم املخصرة، أم العنان : وكما أصبحنا وما ندريالذي متسكه، أم السوط الذي تعلقه؟ وكما أصبحنا وما ندري أي األمور املتصلة برأسك أحسن، أم أيها

أم خمط اللحية، أم اإلكليل أم العصابة، أم العمامة أم القناع أم القلنسوة؟آللمة : أمجل وأشكل

وأما قدمك فهي اليت يعلم اجلاهل كما يعلم العامل، ويعلم البعيد األقصى كما يعلم القريب األدىن، أهنا مل .ختلق إال ملنرب عظيم، أو ركاب طرف كرمي

احلديث أم الشعر، أم : حسن، وأي الذي يبدو منه أمجلأي الذي تتفوه به أ: وأما فوك فهو الذي ال ندري

Page 262: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

. االحتجاج، أم األمر والنهي، أم التعليم والوصف؟ وعلى أننا ال ندري أي ألسنتك أبلغ، وأي بيانك أشفىوواحدهم، -واحلمد هللا -أقلمك أبلغ أم خطك، أم لفظك؟ أم إشارتك أم عقدك؟ وأنت يف ذلك فوقهم

.وأعيذك باهللا تعاىلد علمنا أن القمر، وهو الذي يضرب به األمثال، ويشبه به أهل اجلمال، يبدو مع ذلك ضئيال ونضوا، وق

.ويظهر معوجا شختا وأنت أبدا قمر بدر، وفخم غمرمث مع ذلك خيرق يف السرار، ويتشاءم به يف احملاق، ويكون حنسا كما يكون سعدا، ويكون ضرا كما يكون

وأنت دائم اليمن، ظاهر السعادة، ثابت الكمال، . ، ويشحب األلوان، وخيم فيه اللحمنفعا، ويقرض الكتان .شائع النفع، تكسو من أعراه، وتكن من أشحبه

وعلى أنه حمق حسنه احملاق، وشانه الكلف، وليس بذي توقد واشتعال، وال خالص وال متألىلء، ويعلوه برد .وليلة فخره واحتفالهويكسفه ظل، مث ال يعترب ذلك إال عند كماله،

وأنت ظاهر التمام، دائم الكمال، سليم اجلوهر، كرمي العنصر، . وكثريا ما يعتريه الصفار من خبار البحار .ناري التوقد، هوائي الذهن بري اللون، روحاين البدن

طباع وإن احتجوا عليك له باجلزر واملد، احتججت عليهم باحللم والعلم، وبأن طاعتك اختيار، وطاعته واضطرار، وبأن له سرية قد قصر عليها، ومنازل ال جياوزها، وال ميكنه البدوات، وليس يف قواه فضل

.للتصرفوكم بني املعري واملستعري، واملتبني . على أن ضياءه مستعار من الشمس، وضياؤك عارية عند مجيع اخللق

.واملتحري، وبني العامل وما ال خري فيه .ا، وتراب األرض عبقاتعري نسيم اهلواء طيب

إن تفتيت فالرشاقة وامللح، وإن تنسكت فالرهبانية واإلخالص، وإن ترزنت فثهالن ذو اهلضبات ما .يتحلحل

وجوهرك جوهر الذهب إال أنك روح . طباع اخلمر، إال أنك حالل كلك -جعلت فداءك - وطباعك خصال املشتري إال ما فضلك اهللا به، وقد حويت خصال الياقوت إال ما زادك اهللا، وأخذت . كما أنت

وهل يضري . فلك من كل شيء صفوته وشرفه، ولبابه وهباؤه. ومجعت خالل الدر إال ما خصصت به دونهفأما القول يف املزاح فقد بقي أكثره ومضى ! القمر نباح الكلب، وهل يزعزع النخلة سقوط البعوضة؟

.أقلهدة، وسلكوا منه يف طرق خمتلفة، فزعم بعضهم أن مجيع املزاح وقد ذهب الناس يف املزاح يف مذاهب متضا

.خري من مجيع اجلد، وزعم آخرون أن اخلري والشر عليهما مقسومان، وأن احلمد والذم بينهما نصفان .وسنأيت على مجل هذه األقاويل، مث نذكر مجلة ما نقول إن شاء اهللا

ول ما أذكر من خصال اهلزل، ومن فضائل املزح، أنه أ: فأما احملامي عن اهلزل واملفضل للمزح فإنه قالدليل على حسن احلال وفراغ البال، وأن اجلد ال يكون إال من فضل احلاجة، واملزح ال يكون إال من فضل

وصاحب اجلد يف بالء ما كان فيه، . الغىن، وأن اجلد نصب، واملزح مجام، واجلد مبغضة واملزح حمبة

Page 263: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ن خيرج منهوصاحب املزح يف رخاء إىل أفقد شاركه يف التعريض للخري . واجلد مؤمل ورمبا عرضك ألشد منه، واملزح ملذ ورمبا عرضك أللذ منه

.والشر، وباينه بتعجيل اخلري دون الشروإمنا تشاغل الناس ليفرغوا، وجدوا ليهزلوا، كما تذللوا ليعزوا، وكدوا ليسترحيوا، وإن كان املزاح إمنا

.مذموما، ألن صاحبه ال يكون إال معرضا جملاوزة احلد، وخماطرا مبودة الصديق صار معيبا، واهلزلفاجلد داعية إىل اإلفراط، كما أن املزاح داعية إىل جماوزة القدر والتجاوز للجد قاطع بني الفريقني يف مجيع

.النوعنيقبيحا ألن الذي يكون بعده جد، وإن كان املزح إمنا صار. فقد ساواه املزح فيما هو له وباينه فيما ليس له

ومل يصر اجلد قبيحا ألن الذي يكون بعده مزح، وكان اجلد يف هذا الوزن أقبح، وكان املزح على هذا التقدير أحسن، ألن ما جعل الشيء قبيحا أقبح من الشيء، كما أن ما جعل الشيء حسنا أحسن من

.الشيءيف موضعه، كاجلد يف موضعه، كما أن املنع يف حقه كالبذل يف فأما الذي عدل بينهما فإنه زعم أن املزاح

.حقه .ولكل شيء موضع، وليس شيء يصلح يف كل موضع: قال

وقد قسم اهللا تعاىل اخلرية على املعدلة، وأجرى مجيع األمور إىل غاية املصلحة، وقسط أجزاء املثوبة على اة كما أمر باملباداة، وجوز املعاريض كما أمر العزمية والرخصة وعلى اإلعالن والتقية، وأمر باملدار

باإلفصاح، وسوغ املباح كما شدد أمر املفروض، وجعل املباح مجاما للقلوب، وراحة لألبدان، وعونا على .معاودة األعمال، فصار اإلطالق كاحلظر، والصرب كالشكر

يف الفطنة شيء إال وله يف الغفلة مثله، فليس لإلنسان من اخلرية يف الذكر شيء إال وله يف النسيان مثله، وال .وال يف السراء إال وله يف الضراء مثله

ولو مل يرزق اهللا تعاىل العباد إال بالصواب حمضا، وبالصدق حبتا، ومبر احلق صفحا، هللكت العوام، والنتقض .أمر اخلاص

.ولو ذكر اإلنسان كل ما أنسيه لشقي، ولو جد يف كل شيء النتكثوسبيل املزاح واجلد كسبيل املنع . ون الذكر إىل اهللكة سلما كما يكون النسيان للسالمة سبباوقد يك .وعلى ذلك جيري مجيع القبض والبسط. والبذل

.فهذا وما قبله مجل أقاويل القوم، وحنن نعوذ باهللا أن جنعل املزاح يف اجلملة كاجلد يف اجلملة، بل نزعم أن بعض املزح خري من بعض اجلد

وكيف لنا بذم مجيع . واحلق أن ينضح عن بعض املزح، وحيتج جلمهور اجلد. وعامة اجلد خري من عامة اهلزل .املزح مع ما حنن ذاكرون

وكذا األئمة ومن . كان فيه مزاح، وال يقال مزاح: وال يقال. وقد مزح رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

Page 264: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.تبذل يف بعض احلاالت من أهل احللم والوقار " .إنا إذا خلونا كنا كأحدكم : " وقال عمر رضوان اهللا تعاىل عليه

.وقد كان عمر عبوسا قطوبا .وكان زياد مع كلوحه وقطوبه، ميازح أهله يف اخلال كما جيد يف املال

: وقال له قائل. وكان احلجاج مع عتوه وطغيانه، ومترده وشدة سلطانه، ميازح أزواجه ويرقص صبيانه ! " .واهللا إن تروين إال شيطانا؟ واهللا لرمبا رأيتين وإين ألقبل رجل إحداهن: " ري أهله؟ قالأميازح األم

.فقد ذكرنا خري العاملني، وجلة من خيار املسلمني، وجبارا عنيدا، وكافرا لعيناصلى وقد أتانا رسول اهللا . وبعد فمن حرم املزاح وهو شعبة من شعب السهولة، وفرع من فروع الطالقة

اهللا عليه وسلم باحلنيفية السمحة، ومل يأتنا باالنقباض والقسوة، وأمرنا بإفشاء السالم، والبشر عند املالقاة، .وأمرنا بالتوادد والتصافح والتهادي

فصل

قد اعتذرنا يف معصيتك واخلالف على حمبتك مرة باملزاح، ومرة بالنسيان، ومرة باالتكال على عفوك وعلى .ما هو أوىل بك

. واجلملة أنا لو تعمدنا مث أصررنا مث أنكرنا، لكان يف فضلك ما يتغمدنا، ويف كرمك ما يوجب التغافل عنا .فكيف وإمنا سهونا مث تذكرنا، واعتذرنا مث أطنبنا

وإن مل تقبل فاجهد جهدك، وال أبقى اهللا عليك إن أبقيت، وال . فإن تقبل، فحظك أصبت، ولنفسك نظرت :وأقول كما قال أخو بين منقر. عفا عنك إن عفوت

ولكن خفتما صرد النبال... فما بقيا علي تركتماين واهللا لئن رميتين ببجيلة ألرمينك بكنانة، ولئن هنضت بصاحل بن علي ألهنضن بإمساعيل بن علي، ولئن صلت

يك علي بسليمان بن وهب ألدمغنك باحلسن بن وهب، ولئن هتت علي مبنادمة جعفر اخلياط ألتيهن عل .حبسبة وهب الدالل

واحذر البغي فإن مصرعه وخيم، واتق . وأنا أرى لك أن تقبل العافية، وترغب إىل اهللا تعاىل يف السالمة .الظلم فإن مرعاه وبيل

وإياك أن تتعرض جلرير إذا هجا، وللفرزدق إذا فخر، وهلرمثة إذا دبر، ولقيس بن زهري إذا مكر، ولألغلب .ومن عرف قدره عرف قدر خصمه، ومن جهل نفسه مل يعرف قدر غريه. إذا كر، ولطاهر إذا صال

.وعليك باجلادة ودع البنيات فإن ذلك أمثل لكتعلم علم االضطرار وعلم االختيار وعلم األخبار، أين أظهر منك حربا، وألطف - واهللا يا أخي - وأنت

أقل غثا وأحسن قدا وأبعد غورا، وأمجل كيدا، وأكثر علما، وأوزن حلما، وأخف روحا، وأكرم عينا، و .وأكثر ملحا، وأنطق لسانا وأحسن بيانا، وأجهر جهارة، وأحسن شارة. وجها، وأنصع ظرفا

وأنت رجل تشدو من العلم، وتنتف من األخبار، ومتوه نفسك، وتعز من قدرك، وتتهيأ بالثياب، وتتنبل

Page 265: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فلم تزاحم البحر باجلداول، واألجسام باألعراض، . ذاكباملراكب، وتتحبب حبسن اللقاء، ليس عندك إال .وما ال يتناهى باجلزء الذي ال يتجزأ

فأما الباد والقامة، فمن يعدل بني القناة والكرة، ومن مييل بني النخلة والدقل، وبني رحى الطحان وبني فأما اخلل . بني دون املتفاوتنيوإمنا يكون التمييل بني أمت اخلريين وأنقص الشرين، وبني املتقار. سيف ميان

والعسل، واحلصاة واجلبل، والسم والغذاء، والفقر والغىن، فهذا مما ال خيطأ فيه الذهن وال يكذب فيه .احلس

.كل ذلك سبيله التنبيه والتذكري، والتقومي والتأنيب. خطأ احلس، وخطأ الوهم، وخطأ الرأي: واخلطأ ثالثوأول ذلك أن يهجره صاحب احلكمة، وال . واحلظر، والضرب والقتل والعمد نوع واحد، وسبيله القمع

.يطمعه يف وعظ وال جمالسةوأنت ال ترضى جبحد العيان حىت تدعو إليه، وال ترضى . وقد رأيت من يعاند احلق إذا كانت املعرفة عيانا

ال ترضى بالرياسة دون بالدعاء إليه حىت تعادي فيه، وال ترضى بالعداوة حىت يكون لك يف ذلك الرياسة، ووال ترضى بأن . السابقة، وال بالطارف دون التالد، وال بالتالد دون األعراق اليت تسري، واملواليد اليت تنمي

وحىت ترى أن التقية حرام . يكون أوال حىت تكون آخرا، وال باملداراة دون املباداة، وال باجلدال دون القتال .وأن التقصري كفر. مام الرافضة لقتلت يف طرفة ولو قتلت يف طرفة هللكت األمة، ألنك رجل ال عقب لكوحىت لو كنت إ

واإلمامة اليوم ال تصلح يف اإلخوة، واو صلحت يف اإلخوة كانت تصلح يف ابن العم، مث دنت من األرحام ام نفسه إىل آخر ويف هذا القياس أهنا بعد أعوام ال تصلح إال ببقاء اإلم. شيئا فصارت ال تصلح إال يف الولد

.وأنت رافضي ومل يكن هذا عندك. وهذا هو علة أصحاب التناسخ. األبد .فأهد إيل اآلن من خالص التوتيا كما أهديت إليك باب التناسخ

وأنت ترى القتل يف حق املعاندة شهادة، وترى أن مباينة املنصفني يف تعظيم العنود سعادة، وأن الرياسة يف .أن اإلقرار مبا يظهر للعيون ضعة، وأن الشهرة باملغالبة رفعةدفع احلقائق مرتبة، و

أظهر القوم عندك حجة أرفعهم صوتا، وأخلقهم للتوبة أصلبهم وجها، وأحسنهم تقية أقلهم حترجا، .وأحسنهم إنصافا أشدهم شغبا

ء، واعترض واألديب عندك من يعيب أحاديث اجللسا. تعشق املتهور، وتكلف باجلموح، وتصايف الوقاحعلى نوادر اإلخوان، وغمز يف قفا الندمي، ونصب للعامل، وأبغض العاقل، واستثقل الظريف، وحسد على

.كل نعمة، وأنكر كل حقيقةإمنا أخرجك من شيء إىل شيء، وأورد عليك الباب بعد الباب، ألن من شأن الناس ماللة . جعلت فداك

وإمنا أردت أن يكون استطرافك لآليت قبل أن . مجت فوائدهالكثري، واستثقال الطويل وإن كثرت حماسنه وينقضي استطرافك للماضي؛ وألنك مىت كنت للشيء متوقعا، وله منتظرا، كان أحظى ملا يرد عليك،

.وكل منتظر معظم، وكل مأمول مكرم. وأشهى ملا يهدى إليك

Page 266: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

على نصييب منك، وضنا مبا أؤمله كل ذلك رغبة يف الفائدة، وصبابة بالعلم، وكلفا باالقتباس، وشحا .وألنك على كل حال بشر، وألنك متناهي القوة مدبر. عندك، ومداراة لطباعك، واستزادة من نشاطك

فصل

أطول رقدة من العني، وأحوج إىل الشحذ من السيف، وأفقر إىل التعاهد، وأسرع -حفظك اهللا - والعقل من تداركه قبل التفاقم أدرك أكثر حاجته، ومن رامه بعد التفاقم مل ف. إىل التغري، وأدواؤه أقتل، وأطباؤه أقل

.يدرك شيئا من حاجتهمث يف اخلواطر الغث والسمني، والفاسد . ومن أكرب أسباب العلم كثرة اخلواطر، مث معرفة وجوه املطالب

مث . يلقى الفهموالصحيح، واملسرع إليك والبطيء عنك، والدقيق الذي ال يكاد يفهم، واجلليل الذي ال .هي على طبقاهتا يف التقدمي والتأخري، وعلى منازهلا يف التباين والتمييز

وعلى . وللمطالب طرق، ولدرك احلقائق أبواب؛ فمن أخطأها وانتظر كان أسوأ حاال ممن مل خيطئها ومل ينتظر .قدر صحة العقل يصح اخلاطر، وعلى قدر التفرغ يكون التنبه

.ب ومجهرته، وأقسامه ومجلتههذا مجاع هذا الكتا

مث من نفع أسبابه احلفظ ملا قد حصل، والتقييد ملا ورد، واالنتظار ملا مل يرد، وأن ال ختلي نفسك من الفكرة إال بقدر مجام الطبيعة، وأن تعلم أن مكان الدرس من احلفظ كمكان احلفظ من العلم، وأن تعرف فصل ما

ني طلبه للرغبة والرهبة، وتعلم أن العلم ال جيود مبكنونه، وال يسمح بني طلب العلم للمنافسة والشهرة، وببسره وخمزونه، إال ملن رغب فيه لكرم عنصره، وفضله حلقيقة جوهره، ورفعه عن التكسب، وصانه عن

" .من شاب شيب له : " كان يقال. وأنه ال يعطيك خالص احلكمة حىت تعطيه خالص احملبة. التبذلعرفها وتقف عندها، وهو أن تبدأ من العلم باملهم، وختتار من صنوفه ما أنت أنشط له، وخصلة ينبغي أن ت

.والطبيعة به أعىن؛ فإن القبول على قدر النشاط، والبلوغ فيه على قدر العنايةمث من أفضل أسبابه ختليص أخالقه، ومتييز أجناسه، واملعرفة بأقداره، حىت تعطي كل معىن حقه من التقريب

ة، وقسطه من اإلبعاد والضعة، حىت ال تتشاغل إال بالسمني الثمني، وباخلطري النفيس، وال تلقي إال والرفعفإنك مىت كنت كذلك مل تعترب فضل ما بني النظرين، وال صرف ما بني . الغث اخلسيس، واحلقري السخيف

.النعتنيأن السرعة غري العجلة، وأن أن ال تعجل وال تبطىء، وأن تعلم : الكيس كل الكيس، واحلذق كل احلذق

وأن تكون على يقني من درك احلق إذا وفيته شرطه، وعلى ثقة من ثواب النظر إذا . األناة خالف اإلبطاء .أعطيته حقه

فإن كنا أصبنا فالصواب . هذا مجلة ما للعذر يف هذه املسألة، ومجلة احلجة فيما قدمنا من االفتنان واإلطالةولعل طبيعة خانت، أو لعل . ما ذاك عن فساد من الضمري، وال قلة احتفال بالتقصريأردنا، وإن كنا أخطأنا ف

.عادة جذبت، أو لعل سهوا اعترض، أو لعل شغال منع

Page 267: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

خفض عليك أيها السامع، فإن اخلطأ كثري عام، وغالب مستول، والصواب قليل خاص، ومقموع .مستخف

.، فإهنم كثري ومكاهنم مشهورفوجه الالئمة إىل أهلها، وألزمها من هو أحق هبااعجب ممن تعجب وفيه العجب . اعجب من أن العجب قد ذهب. اعجب من الصواب ال تعجب من اخلطأ

كنت أتعجب من كل فعل خرج من العادة، فلما خرجت ! وكيف التعجب واألمور كلها عجب؟ . أعجبالعجب خرجت بأمجلها من باب األفعال بأسرها من العادة صارت بأسرها عجبا، فبدخول كلها يف باب

.العجبوقد تعجب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وعلى . وقد ذكر اهللا تعاىل ذكره التعجب يف كتابه جل جالله

وقال اهللا تبارك . آله يف زمانه، ويف الناس يومئذ الناقص والوافر، واملشوب واخلالص، واملستقيم واملعوج " .بل عجبت ويسخرون : " ، وقال له" وإن تعجب فعجب قوهلم : " وتعاىل لنبيه صلى اهللا عليه وسلم

فأما . واعلم أنه مل يبق من املتعجب الفاتك إال نصيب اللسان، وال من املستمع الفاتك إال حصة السمعالقلوب فخاوية قاسية، وراكدة خامدة، ال تسمع داعيا وال جتيب سائال، قد أغفلها سوء العادة، واستوىل

.سلطان السكرةعليها .فدع عنك ما لست مثله، فإن فيما أورده عليك شغال شاغال، ومها داخال

ولو مسخها كما مسخ بعض . اعلم أن اهللا تعاىل قد مسخ الدنيا حبذافريها، وسلخها من مجيع معانيهااملشركني قردة، أو كما مسخ بعض األمم خنازير، لكان قد بقى بعض أمورها، وحبس عليها بعض

. أعراضها، كبقية ما مع القرد يف ظاهره من شبه اآلدمي، وبقية ما مع اخلنزير يف باطنه من شبه البشريلكنه جل ذكره مسخ الدنيا مسخا متتبعا، ومستقصى مستفرغا، فبني حاليها مجيع التضاد، وبني معنييها غاية

.اخلالفو مغمور، ويقول وهو ممنوع، فإن صرت والعجب ممن يصيب وه. فالصواب اليوم غريب، وصاحبه جمهول

.عليه عونا مع الزمان قتلته، وإن أمسكت عنه فقد وفرتهوكيف أطلب منك ما قد انقطع سببه، . ولسنا نريد منك النصرة وال املعونة، وال التأنيس وال التعزية

" .من طلب عيبا وجده : " وقد كان يقال. واجتث أصله .فإن أنصفت فقد أغربت، وإن جرت فلم تعد ما عليه الزمان. اسدهذا يف الدهر الصاحل دون الف

واحلمد هللا كما هو أهله، وال حول وال قوة إال باهللا . وهب اهللا لنا ولك اإلنصاف، وأعاذنا وإياك من الظلم .العلي العظيم

.وصلى اهللا على سيدنا حممد خاصة، وعلى أنبيائه عامة، وسلم

بن وهبفصل من صدر رسالته إىل احلسن

يف مدح النبيذ وصفة أصحابه

Page 268: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الطالب املشغول، والقائل املعذور، فإن رأيت خطأ فال تنكر فإين بصدده وبعرض منه، بل -أبقاك اهللا - أنا اللهم إال أن . وإن مسعت تسديدا فهو الغريب الذي ال جنده. يف احلال اليت توجبه، والسبب الذي يؤدي إليه

وألن ذكرك يشحذ الذهن، ويصورك يف الوهم، وجيلو العقل؛ . ن مطالبتكيكون من بركة مكاتبتك، ومي .وتأميلك ينفي الشغل

وال يعجبين ما رأيت من قلة إطنابك يف هذا النبيذ، وقلة تلهيك هبذا الشراب وأنت جتد من فضل القول وأنت ولو مشيت اخليالء، وحقرت. وحسن الوصف ما ال يصاب عند خطيب، وال يوجد عند بليغ

العظماء، وأرغبت الشعراء، وأعطيت اخلطباء، ليكون القول منهم موصوال غري مقطوع، ومبسوطا غري .فال تأديب اهللا قبلت، وال قول الناصح مسعت. مقصور، لكنت بعد مقصرا يف أمره، مفرطا يف واجب حقه

نعمة بإظهارها، واستزد استدم ال: " وقال األول" . وأما بنعمة ربك فحدث : " قال اهللا تبارك وتعاىل " .الواهب بإدامة شكره

بل كيف أنست باجللساء، وأرسلت إىل األطباء ومل يكن يف قربك منه ما يغنيك، ويف النظر إليه ما يشفيك؟ ومل ملكت نفسك دون أن هتذي، ومل رأيت الوقار مروءة قبل أن تستخف ومل كان اهلذيان هو اهلذيان،

قض هو الصحة وإال بأي شيء خصصت، وبأي معىن أتيت، ومل مل ختلع فيه والسخف هو املروءة، والتنا .العذار، ومل خترج فيه عن كل مقدار

وأي شيء أجرب جلدك وأمات حالك، وأضعف مسرتك، وأوحش منك رفيقك، إال العقوبة احملضة، وإال .الغضب والعقاب، وحرمك الثواب إال التهاون يف أمره، وقلة الرعاية حلقه

. صارت أمراضي أمراض األغنياء وأمراضك أمراض الفقراء إال ملعرفيت بفضله، واستخفافك بقدرهوكيف .أال ترى أين منقرس مفلوج، وأنت أجرب مبسور

.وسنفرغ لك إن شاء اهللا قريبا، وتفلح سريعا. فإن تبت فما أقرب الفرج، وأسرع اإلجابةألدواء، وزوي عنك من علية األمراض، ما يضعك وإن أصررت وتتايعت ومتاديت أتاك واهللا من سفلة ا .مث تتبع أشياخك السبة، وتتبعهم املذمة. موضعا ال ارتفاع معه، ويلزق بعقبك عارا ال زوال له

علم اهللا أنه استظرفك واستملحك، واستحسن قدك، واسترجح عقلك، وأحسن بك ظنا، ورآك لنفسه ، وأنت اله عنه زار عليه، متهاون به، قد أقبلت على ديوانك أهال، والختاذه موضعا، ولألنس به مكانا

بل هل كنت من شيعته والذابني عن . تشغل مبالزمته، وتدع ما جيب عليك من صفاته، والدعاء إىل تعظيمهدولته، واملعروفني باالنقطاع إليه، واالنبتات يف حبله، إال أن يكون عندك التقصري حلقه، والتهاون بأمره

.وهني الناس عنهالالزم، وأحسب أنك ال تعظمه وال . ول خرجت إىل هذا خلرجت من مجيع األخالق احملمودة، واألفعال املرضية

. ولو مل تتعصب إال جلماله وحسنه، ولو مل حتافظ على نقائه وعتقه لكان ذلك واجبا، وأمرا معروفا. ترق لهفإن كان بعضك ال يصون بعضا وأنت ال تعظم .فكيف مع املناسبة اليت بينكما، والشكل الذي جيمعكما

.شقيقا، فأنت واهللا من حفظ العشرية أبعد، وملعرفة الصديق أنكرال يزال الناس خبري : " وقد كان يقال. ولقد نعيت إيل لبك، وأثكلتين حفاظك، وأفسدت عندي كل صحيح

Page 269: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:قال الشاعر" ما تعجبوا من العجب وأن ال يرى شيئا عجيبا فيعجب... ى وهلك الفىت أن ال يراح إىل الند

كنا نتعجب من دهر ال يتعجب أهله من العجب فقد صرنا يف دهر ال : " قال بكر بن عبد اهللا املزين " .ومن ال يستحسن احلسن مل يستقبح القبيح . يستحسن أهله احلسن

" .العجب ترك التعجب من العجب : " وقال بعضهم .ولكنك مل توفر حقه ومل توف نصيبه. ضنينا، ومبا جيب له عارفا ومل أقل ذلك إال ألن تكون به

فهل أعذرت يف االجتهاد حىت ال يذم إال : ومن يقضي واجب حقه، وينتهض جبميع شكره؟ قلنا: فإن قلت. ولوال أنك عني اجلواد مل نطلبه منك. تعجبك، وهل استغرقت االعتذار حىت ال تعاب إال مبا زاد على قوتك

ولوال معرفتك بفضله مل نعجب من تقصريك يف حقه، ولوال أن اخلطأ فيك أقبح، . نك مل حنمدك عليهولوال ظوالقبيح منك أمسج، وهو فيك أبني والناس به أكلف، والعيون إليه أسرع لكان كتابنا كتاب مطالبة، ومل

.يكن كتاب معاتبة، ولشغلنا احللم لك عن احللم عليك، والقول لك عن القول فيكقد كنت أهابك بفضل هيبيت لك، وأجترىء عليك بفضل بسطك يل، فمنعين حرص املمنوع، وخوف و

.املشفق، وأمن الواثق، وقناعة الراضي

وبعد فمن طلب ما ال جياد به، وسأل ما ال يوهب مثله ممن جيود بكل مثني، ويهب كل خطري، فواجب أن .يكون من الرد مشفقا، وبالنجح موقنا

أهال ألن مينع، وكنت حفظك اهللا أهال أن تبذل، وجب أن تكون باذال مانعا، - قاك اهللا أب -وإن كان .وساكنا مطمئنا، إال أن يكون احلرب سلما سجاال، واحلاالت دوال

.وهلذه اخلصال ما وقع الطلب، وشاع الطمععند من عرف قدرك، فإن منعت فعذرك مبسوط عند من عرف قدره، وإن بذلت فلم تعد الذي أنت أهله

.إال أنه ال جيود مبثله إال غين عند مجيع الناس، أو عاقل فوق مجيع الناسوليس يف األرض خلق يغتفر يف . وكيف ال أطلب طلب اجلريء املتهور، وأمسك إمساك اهلائب املوقر

ال ما يكون على أن من اهلذيان ما يكون مفهوما، ومن احمل! وصفه احملال وال يستحسن اهلذيان سواه؟ .مسموعا

فمن جهل ذلك ومل يعرفه، وقصر ومل يبلغه، فليسمع كالم اللهفان والثكالن، والغضبان والغريان، ومرقصة .الصبيان، واملنعظ إذا دنا منه احللقي

حىت إذا استوهبك مل هتب له منه حىت تقف وقفة، وتطرق ساعة، مث تستحسن وتستشري، مث تشفع على ن شاربه، مث تطيل الكتاب باالمتنان، وتسطر فيه بتعظيم اإلنعام مع ذكر مناقبه، ونشر مستوهبه، وتعجب م .وإن مل تبلغ الغاية فاعرف وزنه، واشهد بطيبه، وأرخ ساعته، واشهر يف الناس يومه. حماسنه بقدر الطاقة

يف طعمه، وما ظنك بشيء ال تقدر أن تشرد يف ذكره وتفرط يف مدحه، وتقصريك واضح يف لونه، مكتوب .موجود يف رائحته، إذ كان كل ممدوح يقصر عن مدحه وقدره، ويصغر يف جنبه

Page 270: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ولو مل يستدل على سعادة جدك، وإقبال أمرك، وأن لك زي صدق يف املعلوم، وحظا يف الرزق املقسوم، يف قسمك، وأنك ممن تبقى نعمه، ويدوم شكره، ويفهم النعمة ويرهبا، ويدرأ عنها ويستدميها، إال أنه وقع

.وكان يف نصيبك لكان ذلك أعظم الربهان، وأوضح الداللة .إنه وقع اتفاقا وغرسا نادرا، حىت يكون التوفيق هو الذي قصد به، والصنع هو الذي دل عليه: بل ال نقول

وكيف ال يكون كذلك وهو . ولو مل متلك غريه لكنت غنيا، ولو ملكت كل شيء سواه لكنت فقرياك، وجمال عقلك، ومرتع عينك، وموضع أنسك، ومستنبط لذتك، وينبوع سرورك، مستراح قلب

.ومصباحك يف الظالم، وشعارك من مجيع األقساموكيف وقد مجع أهبة اجلالل، ورشاقة اخلالل، ووقار البهاء، وشرف اخلري، وعز اجملاهرة ولذة االختالس،

.وحالوة الدبيبعلى غريه، مث أصف فضل شرابك على سائر األشربة، كما وسأصف لك شرف النبيذ يف نفسه، وفضيلته

أصف فضل النبيذ على سائر األنبذة؛ ألن النبيذ إذا متشى يف عظامك، والتبس بأجزائك، ودب يف جنانك، منحك صدق احلس، وفراغ النفس، وجعلك رخي البال، خلي الذرع، قليل الشواغل، قرير العني، واسع

مث سد عليك أبواب التهم، وحسن دونك الظن وخواطر الفهم، وكفاك . الصدر، فسيح اهلمم حسن الظنمئونة احلراسة، وأمل الشفقة، وخوف احلدثان، وذل الطمع وكد الطلب، وكل ما اعترض على السرور

.وأفسد اللذة، وقاسم الشهوة، وأخل بالنعمةليس خياف شاربه إال جماوزة وهو الذي يرد الشيوخ يف طبائع الشبان، ويرد الشبان يف نشاط الصبيان، و

.السرور إىل األشر، وجماوزة األشر إىل البطرولو مل يكن من أياديه ومننه، ومن مجيل آالئه ونعمه، إال أنك ما دمت متزجه بروحك، وتزاوج بينه وبني دمك فقد أعفاك من اجلد ونصبه، وحبب إليك املزاح والفكاهة، وبغض إليك االستقصاء واحملاولة، وأزال

عنك تعقد احلشمة وكد املروءة، وصار يومه مجاال أليام الفكرة، وتسهيال ملعاودة الروية، لكان يف ذلك ما .مع أن مجيع ما وصفناه وأخربنا به عنه يقوم بأيسر اجلرم، وأقل الثمن. يوجب الشكر، ويطيب الذكر

ويصلح بالليل كما يصلح . مث يعطيك يف السفر ما يعطيك يف احلضر، وسواء عليك البساتني واجلنان. بالنهار، ويطيب يف الصحو كما يطيب بالدجن، ويلذ يف الصيف كما يلذ يف الشتاء، وجيري مع كل حال

.وكل شيء سواه فإمنا يصلح يف بعض األحوال .ويدفع مضرة اخلمار، كما جيلب منفعة السرور

.إن كنت جذال كان بارا بك، وإن كنت ذا هم نفاه عنك .ث يف احلرث بأنفع منه يف البدن، وما الريش السخام بأدفأ منه للمقروروما الغي

.ويستمرأ به الغذاء ويدفع به ثقل املاء، ويعاجل به األدواء، وحيمر به الوجنتان، ويعدل به قضاء الدين .إن انفردت به أهلاك، وإن نادمت به سواك

Page 271: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ر احتياجهما إليه كقدر استغنائه عنهما؛ ألنه مث هو أصنع للسرور من زلزل، وأشد إطرابا من خمارق، وقد .أصل اللذات وهي فرعه، وأول السرور ونتاجه

ماذا دبر؟ وعلى أي شيء دل؟ وبأي معىن أنعم؟ . وهللا در أول من عمله وصنعه، وسقيا ملن استنبطه وأظهره .وأي دفني أثار؟ وأي كنز استخرج

ريه، أن مجيع ما سواه من الشراب يصلحه الثلج، وال يطيب ومن استغناء النبيذ بنفسه، وقلة احتياجه إىل غ .إال به

وكذلك طبيعته . وأول ما يثىن عليه به، ويذكر منه، أنه كرمي اجلوهر، شريف النفس، رفيع القدر، بعيد اهلم، وأنه يسر النفوس وحيبب إليها اجلود، ويزين هلا اإلحسان، ويرغبها يف التوسع. املعروفة وسجيته املوصوفة

ويورثها الغىن، وينفي عنها الفقر، وميلؤها عزا، ويعدها خريا، وحيسن املسارة، ويصري به النبت خصبا .واجلناب مريعا، ومأهوال معشبا

وليس شيء من املأكول واملشروب أمجع للظرفاء، وال أشد تألفا لألدباء، وال أجلب للمؤنسني، وال أدعى .ن يستدام به حديثهم وخيرج مكنوهنم، ويطول به جملسهم، منهإىل خالف املمتعني، وال أجدر أ

وإن كل شراب وإن كان حال ورق، وصفا ودق، وطاب وعذب، وبرد ونقخ، فإن استطابتك ألول جرعة مث ال يزال يف نقصان إىل أن يعود مكروها وبلية، إال النبيذ، فإن القدح . منه أكثر، ويكون من طبائعك أوقع

األول، والثالث أيسر، والرابع ألذ، واخلامس أسلس، والسادس أطرب، إىل أن يسلمك إىل الثاين أسهل من وال خري فيه إذا كان إسكاره تغلبا، وأخذه بالرأس تعسفا، حىت . النوم الذي هو حياتك، أو أحد أقواتك

، وال جيري مييت احلس حبدته، ويصرع الشارب بسورته، ويورث البهر بكظته، وال يسري يف العروق لغلظه .يف البدن لركوده، وال يدخل يف العمق وال يدخل الصميم

وال واهللا حىت يغازل العقل ويعارضه، ويدغدغه وخيادعه، فيسره مث يهزه، فإذا امتألسرورا وعاد ملكا وليس كما يغتصب السكر، ويعتسف . حمبورا، خاتله السكر وراوغه، وداراه وما كره، وهازله وغاجنه

.يفترس الزبيب؛ ولكن بالتفتري والغمز، واحليلة واخلتل، وحتبيب النوم، وتزيني الصمتالداذي، و .وهذه صفة شرابك إال ما ال حنيط به، ونعوته تتبدل إال ما يقبح منها اجلهل به

وشرابك هذا قد أخذ من اخلمر دبيبها يف . وخري األشربة ما مجع احملمود من خصاهلا وخصال غريهاها يف العظام ولوهنا الغريب؛ وأخذ برد املاء ورقة اهلواء، وحركة النار، ومحرة خدك إذا املفاصل، ومتشي

.خجلت، وصفرة لونك إذا فزعت، وبياض عارضيك إذا ضحكت .وحسيب بصفاتك عوضا من كل حسن، وخلفا من كل صاحل

وام وشدة العقل، وجودة وال تعجب أن كانت هناية اهلمة وغاية املنية؛ فإن حسن الوجوه إذا وافق حسن القالرأي، وكثرة الفضل وسعة اخللق، واملغرس الطيب والنصاب الكرمي، والظرف الناصع، واللسان الفخم

واملخرج السهل واحلديث املونق، مع اإلشارة احلسنة والنبل يف اجللسة، واحلركة الرشيقة واللهجة يه البديع والفكر الصحيح، واملعىن الشريف، واللفظ الفصيحة، والتمهل يف احملاورة واهلز عند املناقلة، والبد

احملذوف، واإلجياز يوم اإلجياز واإلطناب يوم اإلطناب، يفل احلز ويصيب املفصل، ويبلغ بالعفو ما يقصرعنه

Page 272: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.واحلمد هللا. اجلهد، كان أكثر لتضاعف احلسن، وأحق بالكمالحسن وهو يف جيد املرأة احلسناء أحسن، والشعر وإن التاج هبي وهو يف رأس امللوك أهبى، والياقوت الكرمي

فإن كان من قول املنشد وقريضه، ومن حنته وحتبريه، فقد بلغ . الفاخر حسن وهو من يف األعرايب أحسن .الغاية وأقام النهاية

.وهذا الشراب حسن وهو عندك أحسن، واهلدية منه شريفة وهي منك أشرفربه أو ألسقيه، أو ألهبه، أو ألحتساه يف اخلال، أو أديره يف املال أو وإن كنت قدرت أين إمنا طلبته منك ألش

ألنافس فيه األكفاء، وأجتر زيادة اخللطاء، أو ألبتذله لعيون الندماء، أو أعرضه لنوائب األصدقاء فقد أسأت يب الظن، وذهبت من اإلساءة يب يف كل فن، وقصرت به فهو أشد عليك، ووضعت منه فهو أضر

.بك

ظننت أين إمنا أريده ألطرف به معشوقة، أو ألستميل به هوى ملك، أو ألغسل به أوضار األفئدة، أو وإن أداوي به خطايا األشربة، أو ألجلو به األبصار العليلة، وأصلح به األبدان الفاسدة، أو ألتطوع به على

ب، وملا يف جانبهم من شاعر مفلق أو خطيب مصقع، أو أديب مدقع، ليفتق هلم املعاين، وليخرج املذاهاألجر، ويف أعناقهم من الشكر، ولينفضوا ما قالت الشعراء يف احلمد، ولريجتعوا ما شاع هلم من الذكر؛

أو ألن أتفاءل برؤيته وأتربك مبكانه، . فإين أريد أن أضع من قدرها، وأن أكسر من باهلا، فقد تاهت وتيه هباه إكسري أصحاب الكيمياء، أو ألن أذكرك كلما رأيته، وآنس بقربه، أو ألشفي به الظماء، أو أجعل

وألنه والفقر ال جيتمعان يف دار، وال يقيمان يف . وأداعبك كلما قابلته أو ألجتلب به اليسر وأنفي العسرأو ألن أستدل به على خالص حبك، وعلى . وألتعرف به حسن اختيارك، وأتذكر به جودة اجتبائك. ربع

بل هو . بواجب حقي فقد أحسنت يب الظن، وذكرت من اإلحسان يف كل فنمعرفتك بفضلي، وقيامك .الذي أصونه صيانة األعراض، وأغار عليه غرية األزواج

.واعلم أنك إن أكثرت يل منه خرجت إىل الفساد، وإن أقللت أقسمت على االقتصادة، فأقل ما أصنع إن وأنا رجل من بين كنانة، وللخالفة قرابة، ويل فيها شفعة، وهم بعد جنس وعصب

فإن أقللت فإنك الولد الناصح، . اكترثت يل منه أن أطلب امللك، وأقل ما يصنعون يب أن أنفى من األرض .والسالم. وإن أكثرت فإنك الغاش الكاشح

فصل من صدر كتابه يف طبقات املغنني

ا أن أصول اآلداب اليت منها مث إنا وجدنا الفالسفة املتقدمني يف احلكمة، احمليطني باألمور معرفة، ذكروفمنها النجوم وبروجها، وحساهبا الذي يعرف به األوقات واألزمنة، : يتفرع العلم لذوي األلباب أربعة .وعليها مزاج الطبائع وأيام السنة

.ومنها اهلندسة وما اتصل هبا من املساحة والوزن والتقدير، وما أشبه ذلك .الح املعاش وقوام األبدان، وعالج األسقام، وما يتشعب من ذلكومنها الكيمياء والطب اللذان هبما ص

Page 273: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ومنها اللحون ومعرفة أجزائها وقسمها، ومقاطعها وخمارجها ووزهنا، حىت يستوي على اإليقاع ويدخل يف وقصدنا لألمر . الوتر وغري ذلك مما اقتصرنا من ذكره على أمسائه ومجله، اجتنابا للتطويل، وتوخيا لالختصار

.واهللا املوفق وهو املستعان. ذي إليه انتهينا، وإياه أردناالومل يزل أهل كل علم فيما خال من األزمنة يركبون منهاجه، ويسلكون طريقه، ويعرفون غامضه، ويسهلون

سبيل املعرفة بدالئله، خال الغناء، فإهنم مل يكونوا عرفوا علله وأسبابه ووزنه وتصاريفه، وكان علمهم به جس وعلى ما يسمعون من الفارسية واهلندية إىل أن نظر اخلليل البصري يف الشعر ووزنه، وخمارج على اهلا

ألفاظه، وميز ما قالت العرب منه، ومجعه وألفه، ووضع فيه الكتاب الذي مساه العروض، وذلك أنه عرض نها، فلم جيد أحدا من مجيع ما روي من الشعر وما كان به عاملا، على األصول اليت رمسها، والعلل اليت بي

فلما أحكم وبلغ منه ما بلغ، أخذ يف تفسري النغم واللحون، فاستدرك . العرب خرج منها، وال قصر دوهنا .منه شيئا، ورسم له رمسا احتذى عليه من خلفه، واستتمه من عين به

ك آالت مل جتتمع وكان إسحاق بن إبراهيم املوصلي أول من حذا حذوه، وامتثل هديه، واجتمعت له يف ذلللخليل بن أمحد قبله، منها معرفته بالغناء، وكثرة استماعه إياه وعلمه حبسنه من قبيحه، وصحيحه من

.سقيمهوألف يف ذلك كتبا معجبة، وسهل له فيها ما كان مستصعبا . ومنها حذقه بالضرب واإليقاع، وعلمه بوزهنا

ووزن صحيح، وعلى أصل مستحكم له دالئل على غريه، فصنع الغناء بعلم فاضل، وحذق راجح، .ومل نر أحدا وجد سبيال إىل الطعن عليه والعيب له. صحيحة وواضحة، وشواهد عادلة

وصنع كثري من أهل زمانه أغاين كثرية هباجس طبعهم واالتباع ملن سبقهم، فبعض أصاب وجه صوابه، .وبعض أخطأ، وبعض قصر يف بعض وأحسن يف بعض

وكان . ر دولة للمغنني حيملون الغناء عنهم، ويطارحون به فتيان زماهنم، وجواري عصرهمووجدنا لكل دهيكون يف كل وقت من األوقات قوم يتنادمون، ويستحسنون الغناء، ومييزون رديه من جيده، وصوابه من

لطبقة خطائه، وجيمعون إىل ذلك حماسن كثرية يف آداهبم وأخالقهم، وروائهم وهيئاهتم، فلم جند هذه ا .ووجدنا ذكر الغناء وأهله باقيا. ذكروا

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

Page 274: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لرسائل : كتاب ااجلاحظ : املؤلف حبر عثمان عمرو بن أيب

وخصصنا يف أيامنا وزماننا بفتية أشراف، وخالن نظاف، انتظم هلم من آالت الفتوة وأسباب املروءة ما كان حمجوبا عن غريهم، معدوما من سواهم، فحملين الكلف واملودة هلم والسرور بتخليد فخرهم وتشييد

ى تقومي أود ذي األود منهم حىت يلحق بأهل الكمال يف صناعته، والفضل يف معرفته، ذكرهم واحلرص علعلى متييز طبقة طبقة منهم، وتسمية أهل كل طبقة بأوصافهم، وآالهتم وأدواهتم، واملذاهب اليت نسبوا إليها

بأحد مما مسينا وخلطنا جدا هبزل، ومزجنا تقريعا بتعريض، ومل نرد . أنفسهم، واحتملهم إخواهنم عليها .سوءا، وال تعمدنا نقدا وال جتاوزنا حدا

. ومل نفعل ذلك؛ جتنبا للحيف، وقصدا لإلنصاف. ولو استعملنا غري الصدق لفضلنا قوما وحابينا آخرين .وقد نعلم أن كثريا منهم سيبالغ يف الذم، وحيتفل يف الشتم، ويذهب يف ذلك غري مذهبنا

من حقوق الفتيان وتفكيههم، واهللا حسيب من ظلم، عليه نتوكل وبه نستعني، وما أيسر ذلك فيما جيب .وهو رب العرش العظيم

ومل نقصد يف وصف من وصفنا من الطبقات اليت صنفنا منهم، إال ملن أدركنا من أهل زماننا ممن حصل بعد احلنكة، وذلك يف سنة مبدينة السالم، إذ من خرج عنها ونزع إىل الفتوة بعد التوبة، وإىل أخالق احلداثة

فرحم اهللا أمرا أحسن يف ذلك أمرنا، وحذا فيه حذونا، ومل يعجل إىل ذمنا، ودعا . مخس عشرة ومائتني .باملغفرة والرمحة لنا

وقد تركنا يف كل باب من األبواب اليت صنفنا يف كتابنا، فرجا لزيادة إن زادت، والحقة إن حلقت، أو نابتة أن ينتقل به احلذق من مرتبته إىل ما هو أعلى منها، أو يعجز به القصور عما هو عليه ومن عسى . إن نبتت

منها إىل ما هو دوهنا، إىل مكانه الذي إليه نقله ارتفاع درجة أو احنطاطها، ومن لعلنا نصري إىل ذكره ممن .اعزب عنا ذكره، وأنسينا امسه، ومل حيط علمنا به، فنصريه يف موضعه، ونلحقه بأصحابن

ويورد ذلك علينا . وليس ألحد أن يثبت شيئا من هذه األصناف إال بعلمنا، وال يستبد بأمر فيه دوننا .فنمتحنه، ونعرفه مبا عنده، ويصري إىل ترتيبه يف املرتبة اليت يستحقها، والطبقة اليت حيتملها

هال برب العاملني، فلم نأمن أن فلما استتب لنا الفراغ مما أردنا من ذلك خطر ببالنا كثرة العيابني من اجليسرعوا بسفه رأيهم وخفة أحالمهم إىل نقض كتابنا وتبديله، وحتريفه عن مواضعه، وإزالته عن أماكنه اليت عليها رمسنا، وأن يقول كل امرىء منهم يف ذلك على حاله، وبقدر هواه ورأيه، وموافقته وخمالفته، وامليل

.مد ألخرى، فيهجنوا كتابنا، ويلحقوا بنا ما ليس من شأننايف ذلك إىل بعض، والذم لطبقة واحلوأحببنا أن نأخذ يف ذلك باحلزم، وأن حنتاط فيه ألنفسنا ومن ضمه كتابنا، ونبادر إىل تفريق نسخ منها

وتصيريها يف أيدي الثقات واملستبصرين، الذين كانوا يف هذا الشأن، مث ختموا ذلك بالعزلة والتوبة منه، .أيب صاحل، وكأمحد بن سالم، وصاحل موىل رشيدةكصاحل بن

ففعلنا ذلك وصريناه أمانة يف أعناقهم، ونسخة باقية يف أيديهم، ووثقنا هبم أمناء ومستودعني وحفظة غري

Page 275: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وعلمنا أهنم ال يدعون صيانة ما استودعوا، وحفظ ما عليه ائتمنوا. مضيعني وال متهمنيما ال يالئمه، رجعنا إىل النسخة املنصوبة، واألصول املخلدة عند فإن شيب به شوب خيالفه، وأضيف إليه

ذوي األمانة والثقة، واقتصرنا عليها، واستعلينا هبا على املبطلني، ودفعنا هبا إدغال املدغلني، وحتريف .احملرفني، وتزيد املتزيدين، إن شاء اهللا

.وال قوة إال باهللا العلي العظيم

ءفصل من صدر كتابه يف النسا

إنا ملا ذكرنا يف كتابنا هذا احلب الذي هو أصل اهلوى، واهلوى الذي يتفرع منه العشق، والعشق الذي يهيم وأول ذلك إدخال الضيم على مروءته، واستشعار الذلة . له اإلنسان على وجهه أو ميوت كمدا على فراشه

.ملن أطاف بعشيقته

ن الرمحة والرقة، وحب األموال النفيسة واملراتب ومل نطنب مع ذلك يف ذكر ما يتشعب من أصل احلب مالرفيعة، وحب الرعية لألئمة، وحب املصطنع لصاحب الصنيعة، مع اختالف مواقع ذلك من النفوس، ومع

تفاوت طبقاته يف العواقب، احتجنا إىل االعتذار من ذكر العشق املعروف بالصبابة، واملخالفة على قوة نة دون من حاول الطعن على هذا الكتاب، وسخف الرأي الذي دعا إىل العزمية، لنجعل ذلك القدر ج

إذا كانت الدنيا ال تنفك من حاسد باغ، ومن قائل متكلف، ومن سامع طاعن، . تأليفه، واإلشادة بذكرهكما أهنا ال تنفك من ذي سالمة متسلم، ومن عامل متعلم، ومن عظيم اخلطر حسن . ومن منافس مقصر .اماة على حقوق األدباء، قليل التسرع إىل أعراض العلماءاحملضر، شديد احمل

وليس كل حب يسمى عشقا، وإمنا العشق اسم . وإمنا العشق اسم ملا فضل عن املقدار الذي امسه حبللفاضل عن ذلك املقدار، كما أن السرف اسم ملا زاد على املقدار الذي يسمى جودا، والبخل اسم ملا

.سمى اقتصادا، واجلنب اسم ملا قصر عن املقدار الذي يسمى شجاعةنقص عن املقدار الذي يواهللا إين : " وقد قال عروة بن الزبري. وهذا القول ظاهر على ألسنة األدباء، مستعمل يف بيان احلكماء

" .ألعشق الشرف كما تعشق املرأة احلسناء ما رأيت أحدا عشق الرزق : " ، فقالوذكر بعض الناس رجال كان مدقعا حمروما، ومنحوس احلظ ممنوعا

فذكر األول عشق الشرف، وليس الشرف بامرأة، وذكر اآلخر عشق ! " عشقه، وال أبغضه الرزق بغضه .الرزق والرزق اسم جامع جلميع احلاجات

وقد يستعمل الناس الكناية، ورمبا وضعوا الكلمة بدل الكلمة، يريدون أن يظهر املعىن بألني اللفظ، إما نعم، حىت مسى . يها وإما تفضيال، كما مسوا املعزول عن واليته مصروفا، واملنهزم عن عدوه منحازاتنو

.بعضهم البخيل مقتصدا ومصلحا، ومسي عامل اخلراج املتعدي حبق السلطان مستقصيانذكر أبواب وملا رأينا احلب من أكرب أسباب مجاع اخلري، ورأينا البغض من أكرب أسباب الشر، أحببنا أن

السبب اجلالب للخري، ليفرق بينه وبني أبواب السبب اجلالب للشر حىت نذكر أصوهلما وعللهما الداعية

Page 276: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.إليهما، واملوجبة لكوهنمافتأملنا شأن الدنيا فوجدنا أكرب نعيمها وأكمل لذاهتا، ظفر احملب حببيبه، والعاشق بطلبته، ووجدنا شقوة

عادة الطالب املنجح وسروره، ووجدنا العشق كلما كان أرسخ، وصاحبه الطالب املكدي وغمه، يف وزن س .به أكلف، فإن موقع لذة الظفر منه أرسخ، وسروره بذلك أهبج

.فإن زعم زاعم أن موقع لذة الظفر بعدوه املرصد أحسن من موقع لذة الظفر من العاشق اهلائم بعشيقتهدد والعظماء، رمبا جادوا بفضلهم من لذة شفاء الغيظ، إنا قد رأينا الكرام واحللماء، وأهل السؤ: قلنا

وجيودون بالنفيس من الصامت والناطق، وبالثمني . ويعدون ذلك زيادة يف نبل النفس، وبعد اهلمة والقدرومل نر نفس العاشق تسخو . ورمبا خرج من مجيع ماله، وآثر طيب الذكر على الغين واليسر. من العروض

نفسه لوالد وال لولد بار، وال لذي نعمة سابغة خياف سلبها، وصرف إحسانه عنه مبعشوقه، وجيود بشقيقة .بسببها

حىت كأن العطر والصبغ، . ومل نر الرجال يهبون للرجال إال ما ال بال به، يف جنب ما يهبون للنساءوتعهدها، واخلضاب والكحل، والنتف والقص، والتحذيف واحللق، وجتويد الثياب وتنظيفها، والقيام عليها

مما مل يتكلفوه إال هلن، ومل يتقدموا فيه إال من أجلهن، وحىت كأن احليطان الرفيعة، واألبواب الوثيقة، والستور الكثيفة، واخلصيان والظؤورة، واحلشوة واحلواضن مل تتخذ إال للصون هلن، واالحتفاظ مبا جيب من

.حفظ النعمة فيهن

فصل منه

حدا من الناس عشق والديه وال ولده، وال من عشق مراكبه ومنزله، كما وهو أنا مل جند أ: وباب آخرزين للناس حب الشهوات من النساء والبنني : " قال اهللا تعاىل. رأيناهم ميوتون من عشق النساء احلرام

" .والقناطري املقنطرة من الذهب والفضة واخليل املسومة واألنعام واحلرث صناف ما خوهلم من كرامته، ومن عليهم من نعمته، ومل نر الناس وجدوا بشيء فقد ذكر تبارك وتعاىل مجلة أ

.ولقد قدم ذكرهن يف هذه اآلية على قدر تقدمهن يف قلوهبم. من هذه األصناف وجدهم بالنساء

فقد جند الرجل احلليم، والشيخ الركني، يسمع الصوت املطرب من املغين املصيب، فينقله : فإن قال قائلبع الصبيان، وإىل أفعال اجملانني، فيشق جيبه، وينقض حبوته، ويفدي غريه، ويرقص كما يرقص ذلك إىل ط

.ومل جند أحدا فعل ذلك عند رؤية معشوقه. احلدث الغرير، والشاب السفيهأما واحدة فإنه مل يكن ليدع التشاغل بشمها وبرشفها، واحتضاهنا، وتقبيل قدميها، واملواضع اليت : قلنا

فأما حل احلبوة، والشد حضرا عند . ها، ويتشاغل بالرقص املباين هلا، والصراخ الشاغل عنهاوطئت عليرؤية احلبيبة فإن هذا مما ال حيتاج إىل ذكره، لوجوده وكثرة استعماهلم له، فكيف وهو إن خال مبعشوقه ال

.اء على باليظن أن لذة الغناء تشغله مبقدار العشر من لذته، بل رمبا مل خيطر له ذلك الغن .وعلى أن ذلك الطرب جمتاز غري البث، وظاعن غري مقيم؛ ولذة املتعاشقني راكدة أبدا مقيمة غري ظاعنة

Page 277: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وعلى أن الغناء احلسن من الوجه احلسن والبدن احلسن، أحسن، والغناء الشهي من الوجه الشهي والبدن .الرخيمةوكذلك الصوت الناعم الرخيم من اجلارية الناعمة . الشهي أشهى

وكم بني أن يفدى إذا شاع فيك الطرب مملوكك، وبني أن يفدى أمتك وكم بني أن يسمع الغناء من فم .تشتهي أن تقبله، وبني فم تشتهي أن تصرف وجهك عنه

.وعلى أن الرجال دخالء على النساء يف الغناء، كما رأينا رجاال ينوحون، فصاروا دخالء على النوائحوأحسن، وأشهى وأغنج، أن يغنيك فحل ملتف اللحية، كث العارضني، أو شيخ منخلع وبعد، فأميا أملح

:األسنان، مغضن الوجه، مث يغنيك إذا هو تغىن بشعر ورقاء بن زهري فأقبلت أسعى كالعجول أبادر... رأيت زهريا حتت كلكل خالد

ن ياقوتة، أو من فضة جملوة، بشعر أم تغنيك جارية كأهنا طاقة نرجس، أو كأهنا يامسينة، أو كأهنا خرطت م :عكاشة بن حمصن

من فضة قد طرفت عنابا... من كف جارية كأن بناهتا ألقت على يدها الشمال حسابا... وكأن ميناها إذا نطقت به

فصل منه

وإمنا ينبغي أن تغين بأشعار الغزل . فأما الغناء املطرب يف الشعر الغزل فإمنا ذلك من حقوق النساءبيب، والعشق، والصبابة بالنساء اللوايت فيهن نطقت تلك األشعار، ويهن شبب الرجال، ومن أجلهن والتش

.تكلفوا القول يف النسيب .وبعد، فكل شيء وطبقه، وشكله ولفقه، حىت خترج األمور موزونة معدلة، ومتساوية خملصة

، مث جلس مع امرأة ال تزن مبنطق، ولو ان رجال من أدمث الناس وأشدهم تلخيصا لكالمهم، وحماسبة لنفسهوال تعرف حبسن حديث، مث كان يعشقها، لتناتج بينهما من األحاديث، ولتالقح بينهما من املعاين واأللفاظ،

.وإمنا هذا على قدر متكن الغزل يف الرجل. ما كان ال جيري بني دغفل بن حنظلة، وبني ابن لسان احلمرة

فصل منه

أهنا اليت ختطب وتراد، وتعشق وتطلب، وهي اليت تفدى : منها. من الرجل يف أمور واملرأة أيضا أرفع حاالواهللا إن تعدونين إال شيطانا، واهللا : أيفدي األمري أهله قال: قال عنبسة بن سعيد للحجاج بن يوسف. وحتمى

!لرمبا رأيتين أقبل رجل إحداهن

فصل منه

.ليس له عليه سلطانوإمنا ميلك املوىل من عبده بدنه، فأما قلبه فوالسلطان نفسه وإن ملك رقاب األمة، فالناس خيتلفون يف جهة الطاعة، فمنهم من يطيع بالرغبة، ومنهم من

Page 278: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.يطيع بالرهبة، ومنهم من يطيع باحملبة، ومنهم من يطيع بالديانةقو على صاحبها قوة وهذه األصناف، وإن كان أفضلها طاعة الديانة فإن تلك احملبة ما مل ميازجها هوى مل ت

.؛ فالعشق يقتل" إن اهلوى يعمي ويصم : " ويف األثر املستفيض واملثل السائر. العشق

فصل منه

ومما يستدل به على تعظيم شأن النساء أن الرجل يستحلف باهللا الذي ال شيء أعظم منه، وباملشي إىل بيت فإن استحلف بطالق امرأته تربد وجهه، . منهفيسهل ذلك عليه، وال يأنف . اهللا، وبصدقة ماله، وعتق رقيقه

وطار الغضب يف دماغه، وميتنع ويعصي، ويغضب ويأىب، وإن كان احمللف سلطانا مهيبا، ولو مل يكن حيبها، .وال يستكثر منها، وكانت نفسها قبيحة املنظر، دقيقة احلسب، خفيفة الصداق، قليلة النسب

.لزوجات يف صدور األزواجليس ذلك إال ملا قد عظم اهللا من شأن ا

فصل منه يف ذكر الولد

وهو أنا لو خرينا رجال بني الفقر أيام حياته، وبني أن يكون ممتعا بالباه أيام حياته، الختار الفقر : وباب آخر .الدائم مع التمتع الدائم

طرا من أن وليس شيء مما حيدث اهللا لعباده من أصناف نعمه وضروب فوائده، أبقى ذكرا، وال أجل خيكون للرجل ابن يكون ويل بناته، وساتر عورة حرمه، وقاضي دينه، وحميي ذكره، خملصا يف الدعاء له بعد

.موته، وقائما بعده يف كل ما خلفه مقام نفسهفمن أقل أسفا على ما فارق، ممن خلف كافيا جمربا، وحائطا من وراء املال موفرا، ومن وراء احلرم حاميا،

أراك اهللا يف بنيك ما أرى : " وقال رجل لعبد امللك بن مروان، وقد ذكر ولد له. سلفه يف الناس حمبباول ! " .أباك فيك، وأرى بنيك فيك ما أراك يف أبيك

آنس اهللا بكم الحقكم، فواهللا إن مل تكونوا أسباط : " ونظر شيخ وهو عند املهلب إىل بنيه قد أقبلوا فقال " .حمة نبوة إنكم أسباط مل

.وليست النعمة يف الولد احمليي، واخللف الكايف، بصغرية

فصل منه

. وهو أن اهللا تعاىل خلق من املرأة ولدا من غري ذكر، ومل خيلق من الرجل ولدا من غري أنثى: وباب آخر .فخص باآلية العجيبة والربهان املنري املرأة دون الرجل، كما خلق املسيح يف بطن مرمي من غري ذكر

فصل منه

Page 279: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يف ذكر القراباتإن تباغض األقرباء عارض دخيل، وحتاهبم واطد أصيل، والسالمة من ذلك أعم، : وأما أنا فإين أقول

فلذلك القبيلة تنزل معا وترحل معا، وحتارب من ناوأها معا، إال . والتناصر أظهر، والتصادق يف املودة أكثروإال فإن . ن، وكنزول عبس يف بين عامر، وما أشبه ذلكالشاذ النادر، كخروج غين وباهلة من غطفا

القرابة يد واحدة على من ناوأهم، وسيف واحد على من عاداهم، وما صالح شأن العشائر إال بتقارب ال يزال الناس خبري ما : " سادهتم يف القدر، وإن تفاوتوا يف الرياسة والفضل، كما قال يف األثر املستفيض

" .بوا هلكوا تفاوتوا، فإذا تقار .وحال العامة يف ذلك كحال اخلاصة

فصل منه

أن الناس ال يصلحهم إال رئيس واحد، جيمع مشلهم، ويكفيهم وحيميهم من عدوهم، ومينع : وقضية واجبة .قويهم من ضعيفهم

ئم يف إذ قد علم اهللا أن صالح عامة البها. وقليل له نظام، أقوى من كثري نشر ال نظام هلم، وال رئيس عليهمأن جيعل لكل جنس منها فحال يوردها املاء ويصدرها، وتتبعه إىل الكأل، كالعري يف العانة، والفحل من اإلبل

يف اهلجمة، وكذلك النحل العسالة، والكراكي، وما حيمي الفرس احلصان احلجور يف املروج، فجعل منها .رءوسا متبوعة، وأذنابا تابعةعة من السلطان، واحلماة من امللوك وأهل احلياطة عليهم من األئمة لعادوا نشرا ال ولو مل يقم اهللا للناس الوز

نظام هلم، ومستكلبني ال زاجر هلم، ولكان من عز بز، ومن قدر قهر، وملا زال اليسر راكدا، واهلرج ظاهرا، ، وكانت عاجزة عن حىت يكون التغابن والبوار، وحىت تنطمس منهم اآلثار؛ ولكانت األنعام طعاما للسباع

.محاية أنفسها، جاهلة بكثري من مصاحل شأهنافوصل اهللا تعاىل عجزها بقوة من أحوجه إىل االستمتاع هبا، ووصل جهلها مبعرفة من عرف كيف وجه

.احليلة يف صوهنا والدفاع عنهان ضعيفها، وجاهلها وكذلك فرض على األئمة أن حيوطوا الدمهاء باحلراسة هلا، والذياد عنها، وبرد قويها ع

.عن عاملها، وظاملها عن مظلومها، وسفيهها عن حليمها .فلوال السائس ضاع املسوس، ولوال قوة الراعي هللكت الرعية

فصل منه

وبالسالمة من تنازع الرؤساء جتتمع الكلمة، وتكون األلفة، . وانفراد السيد بالسيادة كانفراد اإلمام باإلمامة .ذا كانت اجلماعة انتهت األعداء، وانقطعت األهواءوإ. ويصلح شأن اجلماعة

فصل منه

Page 280: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

إن النساء فوق الرجال، أو دوهنم بطبقة أو طبقتني، أو بأكثر، : ولسنا نقول وال يقول أحد ممن يعقل .ولكنارأينا ناسا يزرون عليهن أشد الزراية، وحيتقروهنن أشد االحتقار، ويبخسوهنن أكثر حقوقهن

ون الرجل ال يستطيع توفري حقوق اآلباء واألعمام إال بأن ينكر حقوق األمهات وإن من العجز أن يك .واألخوال، فلذلك ذكرنا مجلة ما للنساء من احملاسن

ولوال أن ناسا يفخرون باجللد وقوة املنة، وانصراف النفس عن حب النساء، حىت جعلوا شدة حب الرجل .ا من اخلور، ملا تكلفنا كثريا مما شرطناه يف هذا الكتابألمته، وزوجته وولده، دليال على الضعف، وباب

فصل منه

كما حنب أن خيرج هذا الكتاب تاما، ويكون لألشكال الداخلة فيه جامعا، وهو القول فيما للذكور واإلناث يف عامة أصناف احليوان، وما أمكن من ذلك، حىت حيصل ما لكل جنس منها من اخلصال احملمودة

مث جيمع بني احملاسن منها واملساوى، حىت يستبني لقارىء الكتاب نقصان املفضول من رجحان . واملذمومةحىت يكون . الفاضل، مبا جاء يف ذلك من الكتاب الناطق، واخلرب الصادق، والشاهد العدل، واملثل السائر

رة، واأللفاظ املستنكرة، الكتاب عربيا أعرابيا، وسنيا مجاعيا، وحىت جيتنب فيه العويص والطرق املتوعوتلزيق املتكلفني، وتلفيق أصحاب اهلواء من املتكلمني، حىت نظرنا ملن ال يعلم مقادير ما استخزهنا اهللا من

.املنافع، وغشاها من الربهانات، وألزمها من الداللة عليه، وأنطقها به من احلجة له .حنالل القوةفمنع من ذلك فرط الكربة، وإفراط العلة، وضعف املنة، وا

فلما وافق هذا الكتاب منا هذه احلال، وألفى قلوبنا على هذه األشغال، اجتنبنا أن نقصد من مجيع ذلك إىل .فرق ما بني الرجل واملرأة

فلما اعتزمنا على ما ابتدأنا به وجدناه قد اشتمل على أبواب يكثر عددها، وتبعد غايتها، فرأينا، واهللا .لى ما ال يبلغ باملستمع إىل السآمة، وباملألوف إىل جماوزة القدراملوفق، أن نقتصر منه ع

وليس ينبغي لكتب اآلداب والرياضيات أن حيمل أصحاهبا على اجلد الصرف، وعلى العقل احملض، وعلى .احلق املر، وعلى املعاين الصعبة، اليت تستكد النفوس، وتستفرغ اجملهود

.وللصرب غاية، ولالحتمال هنايةوعلى أن الكتاب إذا كثر هزله سخف، كما أنه إذا كثر . س بأن يكون الكتاب موشحا ببعض اهلزلوال بأ

.جده ثقلفمن وجد يف كتابنا . وال بد للكتاب من أن يكون فيه بعض ما ينشط القارىء، وينفي النعاس عن املستمع

لقلبه، واالستمالة لسمعه هذا بعض ما ذكرنا، فليعلم أن قصدنا يف ذلك إمنا كان على جهة االستدعاء .واهللا تعاىل نسأل التوفيق. وبصره

فصل منه يف ذكر العشق

Page 281: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أحدمها الفقري املدقع، فإن قلبه يشغل عن التوغل فيه وبلوغ : ورجالن من الناس ال يعشقان عشق األعراب .أقصاه

لك رقاب األمم، ما وامللك الضخم الشأن، ألن يف الرياسة الكربى، ويف جواز األمر ونفاذ النهي، ويف م .يشغل شطر قوى العقل عن التوغل يف احلب، واالحتراق يف العشق

فصل منه

كثريا ما يعتري العشاق واحملبني غري احملترقني، كالرجل تكون له جارية وقد حلت من قلبه حمال، ومتكنت منه نها، فيجد الفترة عنها يف متكنا، وال جيتث أصل ذلك احلب الغضبة تعرض، وكثرة التأذي باخلالف يكون م

بعض هذه احلاالت اليت تعرض، فيظن أنه قد سال، أو يظن أنه يف عزائه عنها على فقدها حمتمال، فيبيعها إن كانت أمة، أو يطلقها إن كانت زوجة، فال ينشب ذلك الغضب أن يزول، وذلك األذى أن ينسى، فتتحرك

فإما أن يسترجع األمة من مبتاعها، بأضعاف مثنها، أو له الدفائن، و يثمر ذلك الغرس، فيتبعها قلبه،فإن تصرب وأمكنه الصرب مل يزل معذبا، وإن أطاع هواه واحتمل املكروه . يسترجع الزوجة بعد أن نكحت

.فهذا هو العقابيل والنكس .فليحذر احلازم الفترة يف حب حبيبه، والغضبة اليت تنسيه عواقب أمره

فصل منه

بينا عيسى بن موسى قد خال بنفسه، وهو قد : حدثين عبد امللك بن صاحل قال: السندي قال ابراهيم بنكان استكثر من النساء حىت انقطع، إذ مرت به جارية كأهنا جان، وكأهنا جدل عنان، وكأهنا مجارة، وكأهنا

اء، فلما قضيب فضة، فتحركت نفسه، وخاف أن ختذله قوته، مث طمع يف القوة لطول الترك، واجتماع املصرعها، وجلس منها ذلك اجمللس خطر على باله لو عجز كيف يكون حاله فلما فكر فتر، فأقبل

إنك لتجلسيين هذا اجمللس، وحتمليين على هذا املركب، مث ختذليين هذا اخلذالن : كاملخاطب لنفسه فقالني رأى أن أبلغ احليل يف وذلك أنه ح! وتغشيين مثل هذا الذل، ولوال حرية اخلجل مل أستعمل ما ال يقتل

تعرضني يل وأنت تفلة، مث ال ترخني باديك، وال تستهدفني : توهيمها أن العجز مل يكن من قبله أن يقول هلاأما لو . لسيدك، وال تعينني على نفسك، حىت كأنك عند عبد يشبهك، أو سوقة ال يقدر إال على مثلك

نعة، وعلى أحسن طاعة، إذ كل رجل ينبسط كنت من بنات ملوك العجم أللفاك سيدك على أجود ص .للتمتع مع التفل

فصل منه

ومل أمسع ومل أقرأ يف األحاديث املولدة، يف شأن العشاق، وما صنع العشق يف القلوب واألكباد واألحشاء، .والزفرات واحلنني، ويف التدليه والتوليه، مىت تستعر الدمعة، ومىت يورث العني اجلمود

Page 282: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فصل منه

ن رأينا أن فضل الرجل على املرأة، يف مجلة القول يف الرجال والنساء، أكثر وأظهر، فليس ينبغي لنا وحنن وإوليس ينبغي ملن عظم حقوق اآلباء أن يصغر حقوق األمهات، وكذلك اإلخوة . أن نقصر يف حقوق املرأة

.وأنا وإن كنت أرى أن حق هذا أعظم فإن هذه أرحم. واألخوات، والبنون والبنات

فصل من احتجاجه لإلماء

أن الرجل : قال بعض من احتج للعلة اليت من أجلها صار أكثر اإلماء أحظى عند الرجال من أكثر املهرياتقبل أن ميلك األمة قد تأمل منها كل شيء وعرفه، ما خال حظوة اخللوة، فأقدم على ابتياعها بعد وقوعها

اء، والنساء ال يبصرن من مجال النساء وحاجات الرجال واحلرة إمنا يستشار يف مجاهلا النس. باملوافقةوإمنا تعرف املرأة من املرأة ظاهر الصفة، وأما اخلصائص . والرجال بالنساء أبصر. وموافقتهن قليال وال كثريا

.اليت تقع مبوافقة الرجال فإهنا ال تعرف ذلكال، وكأن عنقها إبريق فضة، وكأن كأن أنفها السيف، وكأن عينها عني غز: وقد حتسن املرأة أن تقول

.ساقها مجارة، وكأن شعرها العناقيد، وكأن أطرافها املداري، وما أشبه ذلك .وهناك أسباب أخر هبا يكون احلب والبغض

فصل منه

وقد علم الشاعر وعرف الواصف، أن اجلارية الفائقة احلسن أحسن من الظبية، وأحسن من البقرة، وأحسن .، ولكنهم إذا أرادوا القول شبهوها بأحسن ما جيدونمن كل شيء تشبه به

والشمس وإن كانت هبية فإمنا هي شيء واحد، ويف وجه ! كأهنا الشمس، وكأهنا القمر: ويقول بعضهم .اجلارية احلسناء وخلقها ضروب من احلسن الغريب والتركيب العجيب

ا أحسن من جيد الظبية، واألمر فيما ومن يشك أن عني املرأة احلسناء أحسن من عني البقرة، وأن جيده .بينهما متفاوت، ولكنهم لو مل يفعلوا هذا وشبهه مل تظهر بالغتهم وفطنتهم

فصل منه

ورأيت أكثر الناس من البصراء جبواهر النساء، الذين هم جهابذة هذا األمر، يقدمون اجملدولة، واجملدولة من .النساء تكون يف منزلة بني السمينة واملمشوقة

وال بد من جودة القد، وحسن اخلرط، واعتدال املنكبني، واستواء الظهر، وال بد أن تكون كاسية العظام، .بني املمتلئة والقضيفة .جمدولة، جودة العصب، وقلة االسترخاء، وأن تكون سليمة من الزوائد والفضول: وإمنا يريدون بقوهلم

Page 283: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ا جدل عنان، وكأهنا قضيب خيزرانمخصانة وسيفانة، وكأهنا جان، وكأهن: وكذلك قالوا .والتثين يف مشيها أحسن ما فيها، وال ميكن ذلك الضخمة والسمينة، وذات الفضول والزوائد

على أن النحافة يف اجملدولة أعم، وهي هبذا املعىن أعرف، حتبب على السمان الضخام، وعلى املمشوقات .والقضاف، كما حيبب هذه األصناف على اجملدوالت

" .أعالها قضيب، وأسفلها كثيب : " فوا اجملدولة بالكالم املنثور فقالواووص

فصل من صدر رسالته إىل الفتح بن خاقان

يف مناقب الترك وعامة جند اخلالفة

وفقك اهللا لرشدك، وأعان على شكرك، وأصلحك وأصلح على يديك، وجعلنا وإياك ممن يقول باحلق ا قد يصد عنه، وال يكون حظه منه الوصف له، واملعرفة به، دون احلث ويعمل به، ويؤثره، وحيتمل ما فيه مم

عليه، واالنقطاع إليه، وكشف القناع فيه، وإيصاله إىل أهله، والصرب على احملافظة يف أن ال يصل إىل وإمنا غريهم، والتثبت يف حتقيقه لديهم؛ فإن اهللا تعاىل مل يعلم الناس ليكونوا عاملني دون أن يكونوا عاملني، فلذلك . علمهم ليعملوا، وبني هلم ليتقوا التورط يف وسط اخلوف، والوقوع يف املضار، والتوسط يف املهالك

.طلب الناس التبني .وحلب السالمة من اهللكة، والرغبة يف املنفعة احتملوا ثقل التعلم، وتعجلوا مكروه ثقل املعاناة

.لعارفون أكثر من الواصفني، والواصفون أكثر من العاملنيا: ولقلة العاملني وكثرة الواصفني قال األولون .وإمنا كثرت الصفات وقلت املوصوفات ألن ثواب العمل مؤجل، واحتمال ما فيه معجل

وقد أعجبين ما رأيت من شغفك بطاعة إمامك، واحتجاجك لتدبري خليفتك، وإشفاقك من كل خلل يدخله خالف هواه وإن خفي مكانه، وجانب رضاه وإن قل وإن دق، ونال سلطانه وإن صغر، ومن كل أمر

ومن ختوفك أن جيد املتأول إليه متطرقا، والعدو عليه متعلقا؛ فإن السلطان ال ينفك من متأول ناقم، . ضررهومن حمكوم عليه ساخط، ومن معزول عن احلكم زار، ومن متعطل متصفح، ومن معجب برأيه، ذي خطل

اب، وباالعتراض على التدبري، حىت كأنه رائد جلميع األمة، ووكيل لسكان يف بيانه، مولع بتهجني الصوال يعذر وإن كان . مجيع اململكة؛ يضع نفسه يف مواضع الرقباء، ويف مواضع التصفح على اخللفاء والوزراء

وأنه جماز العذر ظاهرا، وال يقف فيما يكون للشك حمتمال، وال يصدق بأن الشاهد يرى ما ال يرى الغائب، .ال يعرف مصادر الرأي من مل يشهد موارده، ومستدبره من مل يعرف مستقبله

ومن حمروم قد أضعفه احلرمان، ومن لئيم قد أفسده اإلحسان، ومن مستبطىء قد أخذ أضعاف حقه، وهو .جلهله بقدره، ولضيق ذرعه، وقلة شكره، يظن أن الذي بقي له أكثر، وحلقه أوجب

لسلطان سالف أياديه البيض عنده، ونعمته السالفة عليه، لكان لذلك أهال، وله ومن مستزيد لو ارجتع ا .قد غره األمل، وأبطره دوام الكفاية، وأفسده طول الفراغ. مستحقا

Page 284: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ومن صاحب فتنة خامل يف اجلماعة، رئيس يف الفرقة نعاق يف اهلرج، قد أقصاه عز السلطان، وأقام صغوه ق، فهو مغيظ ال جيد غري التشنيع، وال يتشفى بغري اإلرجاف، وال يستريح ثقاف األدب، وأذله احلكم باحل

إال إىل األماين، وال يأنس إال بكل مرجف كذاب، ومفتون مرتاب، وخارص ال خري فيه،وخالف ال غناء عنده، يريد أن يسوى بالكفاة، ويرفع فوق احلماة، ألمر ما سلف له، وإلحسان كان من غريه، وليس ممن

.مي جمد، وال حيفل بدروس شرف، وال يفصل بني ثواب احملتسبني، وبني احلفظ ألبناء احملسننييرب قدوكيف يعرف فرق ما بني حق الذمام وثواب الكفاية من ال يعرف طبقات احلق يف مراتبه، وال يفصل بني

.طبقات الباطل يف منازلهناقب أنصار خليفتك، وإياها حطت مث اعلم بعد ذلك أنك بنفسك بدأت يف تعظيم إمامك، واحلفظ مل

حبياطتك ألشياعه، واحتجاجك ألوليائه، ونعم العون أنت، إن شاء اهللا، على مالزمة الطاعة، واملوازرة على .اخلري، والكفاية ألهل احلق

وقد استدللت بالذي أرى من شدة عنايتك وفرط اكتراثك، وتفقدك ألجناس األعداء، وحبثك عن مناقب فأمتع اهللا بك خليفته، ومنحنا . أن ما ظهر من نصحك أمم يف جنب ما بطن من إخالصكاألولياء على

.وإياك حمبته، وأعاذنا وإياك من قول الزور، والتقرب بالباطل، إنه محيد جميد، فعال ملا يريدوذكرت أنك جالست أخالطا من جند اخلالفة، ومجاعات من أبناء الدعوة، وشيوخا من جلة الشيعة،

ال من أبناء رجال الدولة، املنسوبني إىل الطاعة واملناصحة، وحمبة الدينونة دون حمبة الرغبة والرهبة، وكهووأن رجال من عرض تلك اجلماعة ارجتل الكالم ارجتال مستبد، وتفرد به تفرد معجب، وأنه تعسف املعاين

اين، وتركي، وموىل، وعريب، خراس: وهتجم على األلفاظ فزعم أن جند اخلالفة اليوم على مخسة أقساموبنوي، وأنه أكثر محد اهللا وشكره على إحسانه ومنته، وعلى مجيع أياديه، وسبوغ نعمه، وعلى مشول

عافيته، وجزيل مواهبه، حني ألف على الطاعة هذه القلوب املختلفة، واألجناس املتباينة، واألهواء املتفرقة، على هذا القائل املتكلف الذي قسم هذه األقسام، وخالف بني وأنك اعترضت على هذا املتكلم املستبد، و

.وأنك أنكرت ذلك عليه أشد اإلنكار، وقذعته أشد القذع. هذه األركان، وفضل بني أنساهبموزعمت أهنم مل خيرجوا من االتفاق، أو من شيء يقرب من االتفاق، وأنك نفيت التباعد يف النسب،

.والتباين يف السببم أن اخلراساين والتركي أخوان، وأن احليز واحد، وأن حكم ذلك الشرق، والقضية على بل أزع: وقلت

ذلك الصقع متفق غري خمتلف، ومتقارب غري متفاوت، وأن األعراق يف األصل إن ال تكن كانت راسخة، ين يف فقد كانت متشاهبة، وحدود البالد املشتملة عليهم إن ال تكن متساوية فإهنا متناسبة، وكلهم خراسا

.اجلملة، وإن متيزوا ببعض اخلصائص، وافترقوا ببعض الوجوه

وزعمت أن اختالف التركي واخلراساين ليس كاختالف ما بني الرومي والصقليب، والزجني واحلبشي، فضال على ما هو أبعد جوهرا، وأشد خالفا، بل كاختالف ما بني املدري والوبري، والبدوي واحلضري،

.، وكاختالف ما بني من نزل البطون وبني من نزل النجود، وبني من نزل األغواروالسهلي واجلبلي

Page 285: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وزعمت أن هؤالء وإن اختلفوا يف بعض اللغة، وفارق بعضهم بعضا يف بعض الصورة، فقد جند أن عليا متيم، وسفلى قيس، وعجز هوازن، وفصحاء احلجاز، خالف لغة محري وسكان خماليف اليمن، وكذلك

وكلهم مع ذلك عريب خالص غري مشوب، . لصورة، والشمائل والشمائل، واألخالق واألخالقالصورة واومل خيتلفوا كاختالف ما بني قحطان وعدنان، من قبل ما طبع اهللا عليه . وال معلهج وال مذرع وال مزجل

.لغةتلك التربة من خصائص الغرائز، وما قسم ألهل كل جزيرة من الشكل والصورة، ومن األخالق والإن اجلزيرة ملا كانت واحدة فاستووا يف : وكيف صار أوالدمها مجيعا عربا، مع اختالف األبوة قلنا: فإن قلت

التربة ويف اللغة، ويف الشمائل واهلمة، ويف األنف واحلمية، ويف األخالق والسجية، فسبكوا سبكا واحدا، هبا يف باب األعم واألخص، ويف باب الوفاق تشاهبت األجزاء وتناسبت األخالط، حىت صار ذلك اشد تشا

واملباينة من بعض األرحام، وجرى عليهم حكم االتفاق يف احلسب، وصارت هذه األسباب والدة أخرى وامتنعت عدنان قاطبة من مناكحة بين اسحاق، وهو أخو . حىت تناكحوا عليها، وتصاهروا من أجلها

.قحطانإمساعيل، وجادوا بذلك يف مجيع الدهر لبين ففي إمجاع الفريقني على التناكح والتصاهر، ومنعهما ذلك مجيع األمم، ككسرى فمن دونه، دليل على أن

.النسب عندهم متفق، وأن هذه املعاين قد قامت عندهم مقام الوالدة واألرحام املاسة .وزعمت أنه أراد الفرقة والتحزيب، وأنك أردت األلفة والتقريب

بنوي خراساين، وأن نسب األبناء نسب آبائهم، وأن حسن صنيع اآلباء، وقدمي فعال مث زعمت أيضا أن الاألجداد، هو حسب األبناء، وأن املوايل بالعرب أشبه، وإليهم أقرب، وهبم أمس؛ ألن السنة قد نقلت املوايل

موىل : " أويل قولهوهذا ت. إىل العرب يف كثري من املعاين، ألهنم عرب يف املدعى، ويف العاقلة، ويف الوراثة " .الوالء حلمة كلحمة النسب " و " . القوم منهم

مث زعمت أن األتراك قد شاركوا القوم يف هذا النسب، وصاروا من العرب هبذا السبب، مع الذي بانوا به .من اخلالل، وحبوا به من شرف اخلصال

م، وهاشم موضع العذار من خد على أن والء األتراك للباب قريش، وملصاص عبد مناف، وهم يف سر هاشوهو اجلوهر املكنون، والذهب املصفى، وموضع احملة من البيضة، . الفرس، وحمل العقد من لبة الكعابوهم األنف املقدم، والسنام األكوم، والطينة البيضاء، والدرة الزهراء، . والعني يف الرأس، والروح من البدن .والروضة اخلضراء، والذهب األمحر

اركوا العرب يف أنساهبم، وفضلوهم هبذا الفضل اخلاص الذي ال يبلغه فضل وإن برع، بل ال يعشره فقد ش .شرف وإن عظم، وال جمد وإن قدم

فزعمت أن أنساب اجلميع متقاربة غري متباعدة، وعلى حسب ذلك التقارب تكون املوازنة واملكانفة، .والطاعة واملناصحة، واحملبة للخلفاء واألئمة

أنه ذكر مجال من مفاخر هذه األجناس، ومجهرة من مناقب هذه األصناف، وأنه مجع ذلك وفصله، وذكرتوأمجله وفسره، وأنه ألغى ذكر األتراك فلم يعرض هلم، وأضرب عنهم صفحا فلم خيرب عنهم، كما أخرب عن

نقباء، وحنن النجباء حنن النقباء، وأبناء ال: فذكر أن اخلراساين يقول. حجة كل جيل، وعن برهان كل صنف

Page 286: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأبناء النجباء، ومنا الدعاة قبل أن تظهر نقابة، أو تعرف جنابة، وقبل املغالبة واملبادأة، وقبل كشف القناع .وزوال التقية

وبنا زال ملك أعدائنا عن مستقره، وثبت ملك أوليائنا يف نصابه، وبني ذلك ما قتلنا وشردنا، وهنكنا ضربا .ف احلداد، وعذبنا بألوان العذابوطلبا، وبضعنا بالسيو

وحنن اخلندقية وأبناء . وبنا شفى اهللا تعاىل الصدور، وأدرك الثأر، ومنا االثين عشر النقباء، والسبعون النجباءاخلندقية، وحنن الكفية وأبناء الكفية، ومنا املستجيبة، ومن هبرج النيمية، ومنا نيم خزان، وأصحاب

.اآلزاذمرديةاجلوربني، ومنا الزغندية، ووحنن فتحنا البالد، وقتلنا العدو بكل واد، وحنن أصل هذه الدولة، ومنبت هذه الشجرة، وأصحاب هذه

الدعوة، ومن عندنا هبت هذه الريح

األوس واخلزرج، نصروا النيب صلى اهللا عليه وسلم يف أول الزمان، وأهل خراسان : واألنصار أنصارانانا بذلك آباؤنا، وغزونا به أبناءنا، وصار لنا نسبا ال نعرف إال به، ودينا ال نصروا ورثته يف آخر الزمان، غذ

.نوايل إال عليه. مث حنن على وترية واحدة، ومنهاج غري مشترك، نعرف بالشيعة، ودين بالطاعة، ونقتل فيها، ومنوت عليها

حيحة، واألحاديث سيمانا موصوف، ولباسنا معروف، وحنن أصحاب الرايات السود، والروايات الص. وفينا تقدم اخلرب، وصح األثر. املأثورة، والذين يهدمون مدن اجلبابرة، وينتزعون امللك من أيدي الظلمة

وجاء يف احلديث صفة الذين يفتحون عمورية، ويظهرون عليها، ويقتلون مقاتليها، ويسبون ذراريها، حيث فصدق الفعل القول، وحقق اخلرب " . ب الرهبان شعورهم شعور النساء، وثياهبم ثيا: " قالوا يف نعتهم

.العيانوحنن الذين ذكرنا، وذكر بالءنا إمام األئمة، وأبو اخلالئف العشرة حممد بن علي، حني أراد توجيه الدعاة

أما البصرة وسوادها فقد غلب عليها عثمان، وصنائع عثمان، : " إىل اآلفاق، وتفريق شيعته يف البلدان .عتنا إال القليلفليس هبا من شي

.وأما الكوفة وسوادها فقد غلب عليها علي وشيعة علي، فليس هبا من شيعتنا إال القليل .وأما الشام فشيعة بين مروان، وآل بين سفيان

.وأما اجلزيرة فخارجة، وحرورية ومارقةومل ختامرها األدواء، ولكن عليكم هبذا الشرق فإن هناك صدورا سليمة، وقلوبا باسلة، مل تفسدها األهواء،

" .وهناك العدد والعدة، والعتاد والنجدة . ومل تعتقبها البدع، وهم مغيظون موتورون " .وأنا أتفاءل إىل حيث ما تطلع : " مث قال

.فكنا خري جند خلري إمام، وصدقنا ظنه، وثبتنا رأيه، وصوبنا فراستهغري مدبر، يطلع كطلوع الشمس، وميتد على إن أمرنا هذا شرقي ال غريب، ومقبل : " وقال مرة أخرى

" .اآلفاق امتداد النهار، حىت يبلغ حيث ما تبلغه األخفاف، وتناله احلوافر

Page 287: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وحنن أصحاب اخلنادق، ونباتة بن . وحنن قتلنا الصحصحية، والدالقية، والذكوانية، والراشدية: قالوا .األمر وحديثه، وأوله وآخره فلنا قدمي هذا. حنظلة، وعامر بن ضبارة، وأصحاب ابن هبرية

.ومنا قاتل مروان .وحنن قوم لنا أجسام وأجرام، وشعور وهام، ومناكب عظام، وجباه عراض، وقصر غالظ، وسواعد طوال

وحنن أولد للذكورة، وأنسل بعولة، وأقل ضوى وضئولة، وأقل إتآما، وأنتق أرحاما، وأشد عصبا، وأمت .، وجتفافنا أمأل للعيونوأبداننا أمحل للسالح. عظاما

وحنن أكثر مادة، وأكثر عددا وعدة، ولو أن يأجوج ومأجوج كاثروا من وراء النهر منا لظهروا عليهم .بالعدد

.فأما األيد وشدة األسر فليس ألحد بعد عاد ومثود والعمالقة والكنعانيني مثل أيدنا وأسرنايف حلبة واحدة لكنا أكثر يف العيون، وأهول يف ولو أن خيول اآلفاق، وفرسان مجيع األطراف مجعوا

.الصدورومىت رأيت مواكبنا وفرساننا وبنودنا اليت ال حيملها غرينا علمت أنا مل خنلق إال لقلب الدول، وطاعة

.اخللفاء، وتأييد السلطاناخنج ملا ولو أن أهل تبت، ورجال الزابج، ورجال وفرسان اهلند، وحلبة الروم، هجم عليهم هاشم بن أشت

.امتنعوا من طرح السالح، واهلرب يف البالد .وحنن أصحاب اللحى، وأرباب النهى، وأهل احللم واحلجا، وأهل الثخانة يف الرأي، والبعد من الطيش

.ولسنا كجند الشام املتعرضني للحرم، واملنتهكني لكل حمرمة، والصرب على اخلدمة، وعلى التجمري وبعد وحنن جنمع بني النزاهة والقناع. وحنن ناس لنا أمانة، وفينا عفة

.الشقة .ولنا الطبول املهولة والبنود العظام

وحنن أصحاب التجافيف واألجراس، والبازفكند، واللبود الطوال، واألغماد املعقفة والقالنس الشاشية، .واخليول الشهرية، ولنا الكافركوبات، والطربزينات يف األكف، واخلناجر يف األوساط

.نا تعليق السيوف وحسن اجللسة على ظهور اخليل، ولنا األصوات اليت تسقط احلباىلولوليس يف األرض صناعة غريبة، من أدب وحكمة وحساب وهندسة، وارتفاع بناء وصنعة، وفقه ورواية،

.نظرت فيها اخلراسانية إال فرعت فيها الرؤساء، وبذت فيها العلماءتثقيفا ودربة للمجاولة واملشاولة، وللكر بعد الفر، مثل الدبوق، والنزو ولنا صنعة السالح، عدة للحرب، و

فنحن أحق . مث رمى اجملثمة والربجاس والطائر اخلاطف. على اخليل صغارا، ومثل الطبطاب والصواجلة كبارا .باألثرة، وأوىل بشرف املنزلة

تة، واألرحام الشابكة، وبالقدمة، إن تكن القربة تستحق باألنساب الثاب: وزعم أن العريب يقول: قلتوبطاعة اآلباء والعشرية، وبالشكر النافع، واملديح الباقي، وبالشعر املوزون الذي يبقى بقاء الدهر، ويلوح

Page 288: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وبالكالم املنثور، والقول . ما الح جنم، وينشد ما أهل باحلج، وما هبت الصبا، وما كان للزيت عاصرحتجاج للدعوة، وتقييد املآثر، إذ مل يكن ذلك من عادة العجم، وال كان املأثور، وبصفة خمرج الدولة، واال

حيفظ ذلك معروفا لسوى العرب، وحنن نرتبطها بالشعر املقفي، ونقيدها حبفظ األميني الذين ال يتكلون على .الكتب املدونة، واخلطوط املطرسة

.كل حكم مقنع، وكاهن سجاع وحنن أصحاب التفاخر والتنافر، والتنازع يف الشرف، والتحاكم إىل .وحنن أصحاب التعاير باملثالب، والتفاخر باملناقب

وحنن أحفظ ألنسابنا، وأرعى حلقوقنا، وتقييدها أيضا باملنثور املرسل، بعد املوزون املعدل، بلسان أمضى من .السنان، وأرهف من السيف احلسام، حىت نذكرهم ما قد درس رمسه، وعفا أثره

وهذا باب يتقدم . وليس املعرق يف احلفاظ كمن هذا فيه حادث. من جهة الرغبة والرهبة فرقوبني القتال .التالد القدمي الطارف احلديث

وهل أكثر النقباء إال من صميم العرب، ومن صليبة هذا . سجستاين وأعرايب: وطالب الطوائل رجالنيمان بن كثري اخلزاعي، وأيب نصر مالك النسب، كأيب عبد احلميد قحطبة بن شبيب الطائي، وأيب حممد سل

بن اهليثم اخلزاعي، وأيب داود خالد بن ابراهيم الذهلي، وكأيب عمرو الهز بن قريظ املرئي، وأيب عتيبة ومن كان جيري جمرى النقباء ومل يدخل فيهم، . موسى بن كعب املرئي، وأيب سهل القاسم بن مشاجع املرئي

.مثل مالك بن الطواف املرئيد، فمن هذا الذي باشر قتل مروان، ومن هزم ابن هبرية، ومن قتل ابن ضبارة، ومن قتل نباتة بن وبع

حنظلة، إال عرب الدعوة، والصميم من أهل الدولة ومن فتح السند إال موسى بن كعب، ومن فتح إفريقية وحنن موضع الثقة . اسخةويقول املوايل لنا النصيحة اخلالصة، واحملبة الر: وقال: إال حممد بن األشعث وقات

عند الشدة، وعلل املوىل من حتت موجبة حملبة املوىل من فوق؛ ألن شرف مواله راجع إليه، وكرمه زائد يف كرمه، ومخوله مسقط لقدره، وبوده أن خصال الكرم كلها اجتمعت فيه، ألن ذلك كلما كان مواله أكرب

.لك صدرا، وأود ضمريا، وأقل حسداوأشرف وأظهر، كان هو هبا أشرف وأنبل، وموالك أسلم وبعد، فالوالء حلمة كلحمة النسب، فقد صار لنا النسب الذي يصوبه العريب، ولنا األصل الذي يفتخر به

.العجميوالصرب ضروب، فأكرمها كلها الصرب على إفشاء السر، وللموىل يف هذه املكرمة ما ليس ألحد، وحنن : قال

ولنا مع الطاعة واخلدمة، واإلخالص وحسن النية، خدمة األبناء . مة مسلكاأخص مدخال، وألطف يف اخلد .لآلباء، واآلباء لألجداد، وهم مبواليهم آنس، وبناحيتهم أوثق، وبكفايتهم أسر

وقد كان املنصور، وحممد بن علي، وعلي بن عبد اهللا، خيصون مواليهم باملواكلة والبسط واإليناس، ال ويوصون حبفظهم أكابر . ه، وال الدميم لدمامته، وال ذا الصناعة الدنيئة لدناءهتايبهرجون األسود لسواد

أوالدهم، وجيعلون لكثري من موتاهم الصالة على جنائزهم، وذلك حبضرة من العمومة، وبين األعمام .واإلخوة

ؤتة على جنة ويتذاكرون إكرام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لزيد بن حارثة مواله، حني عقد له يوم م

Page 289: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.بين هاشم، وجعله أمري كل بلدة يطؤها .وعقد له على عظماء املهاجرين وأكابر األنصار. ويتذاكرون حبه ألسامة بن زيد، وهو احلب ابن احلب

.ويتذاكرون صنيعه بسائر مواليه كأيب أنسة وشقران، وفالن وفالنوأبو مسلم . بو سلمة حفص بن سليمانأبو مسلم عبد الرمحن بن مسلم، وأ: ولنا صاحب الدولة: قالوا

.موىل اإلمام، وعليهما دارت رحى الدولة، ومت األمر واتسق نظام امللكأبو منصور موىل خزاعة، وأبو احلكم عيسى بن أعني موىل خزاعة، وأبو محزة : ولنا من رءوس النقباء: قالوا

.أيب معيط عمرو بن أعني موىل خزاعة، وأبو النجم عمران بن إمساعيل موىل آلوحنن منهم وإليهم، ومن أنفسهم، ال يدفع ذلك . فلنا مناقب اخلراسانية، ولنا مناقب املوايل يف هذه الدعوة

.خدمناهم كبارا، ومحلناهم على عواتقنا صغارا. وال ينكره مؤمن. مسلمغها إال كل سعيد هذا مع حق الرضاع واخلؤولة، والنشوء يف الكتاب، والتقلب يف تلك العراص اليت مل يبل

.اجلد، وجيه يف امللوك

فقد شاركنا العريب يف فخره، واخلراساين يف جمده، والبنوي يف فضله، مث تفردنا مبا مل يشاركونا فيه، وال .سابقونا إليه

وحنن . وحنن أشكل بالرعية، وأقرب إىل طباع الدمهاء، وهم بنا آنس، وإلينا أسكن، وإىل لقائنا أحن: قالوافمن أحق باألثرة، وأوىل حبسن املنزلة ممن هذه اخلصال له، وهذه . م، وعليهم أعطف، وهبم أشبههبم أرح

.اخلالل فيهحنن أصل خراساين، وهو خمرج الدولة، ومطلع الدعوة، ومنها جنم هذا : وذكرت أن البنوي قال: وقلت

احلق جبرانه، وطبق اآلفاق القرن، وصبأ هذا الناب، وتفجر هذا الينبوع، واستفاض هذا البحر، حىت ضرب .بضيائه، فأبرأ من السقم القدمي، وشفي من الداء العضال، وأغىن من العيلة، وبصر من العمى

وهذه بغداد وهي مستقر اخلالفة، والقرار بعد اجلولة، وفيها بقية رجال الدعوة، وأبناء أبناء الشيعة، وهي .خراسان العراق، وبيت اخلالفة وموضع املادة

.أعرق يف هذا األمر من أيب، وأكثر تردادا فيه من جدي، وأحق هبذا الفضل من املوىل والعريب وأناولنا بعد يف أنفسنا ما ال ينكر من الصرب حتت ظالل السيوف القصار، والرماح الطوال، ولنا معانقة األبطال

.جر بالعيونعند حتطم القنا، وانقطاع الصفائح، ولنا املواجأة بالسكاكني، وتلقي اخلناوحنن محاة املستلحم، وأبناء املضايق، وحنن أهل الثبات عند اجلولة، واملعرفة عند احلرية، وأصحاب

املشهرات، وزينة العساكر وحلى اجليوش، ومن ميشي يف الرمح، وخيتال بني الصفني، وحنن أصحاب الفتك .واإلقدام

ف، وأطراف الرماح، ورضخ اجلندل، وهشم ولنا بعد التسلق ونقب املدن، والتقحم على ظبات السيو .العمد، والصرب حتت اجلراح، وعلى جر السالح، إذا طار قلب األعرايب، وساء ظن اخلراساين

مث الصرب حتت العقوبة، واالحتجاج عند املسألة، واجتماع العقل، وصحة الطرف، وثبات القدمني، وقلة

Page 290: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

اخلضوع للدهر، واخلضوع عند جفوة الزوار، وجفاء التكفي جببل العقابني، والبعد من اإلقرار، وقلة .ولنا القتال عند أبواب اخلنادق ورءوس القناطر. األقارب واإلخوان

فسل عن ذلك . وحنن املوت األمحر عند أبواب النقب، ولنا املواجأة يف األزقة، والصرب على قتال السجونكابرات، وأرباب البيات، وقتل الناس جهارا يف اخلليدية والكتفية والباللية، واحلزبية، وحنن أصحاب امل

.األسواق والطرقات. وحنن أصحاب القنا الطوال ما كنا رجالة، واملطارد القصار ما كنا فرسانا. وحنن جنمع بني السلة واملزاحفة

بالليل نقاتل . فإن صرنا كمنا فاحلتف القاضي، والسم الزعاف، وإن كنا طالئع فكلنا يقوم مقام أمري اجليش .كما نقاتل بالنهار، ونقاتل يف املاء كما نقاتل يف األرض، ونقاتل يف القرية كما نقاتل يف احمللة

وحنن أقطع للطريق، وأذكر يف الثغور، مع حسن القدود، وجودة اخلرط، ومقادير . وحنن أفتك وأخشب .تابة، والفقه والروايةاللحى، وحسن العمة، والنفس املرة، وأصحاب الباطل والفتوة، مث اخلط والك

والدنيا كلها معلقة هبا، وصائرة إىل مغناها، فإذا . ولنا بغداد بأسرها، تسكن ما سكنا، وتتحرك ما حتركناكان هذا أمرها وقدرها فجميع الدنيا تبع هلا، وكذلك أهلها ألهلها، وفتاكها لفتاكها، وخالعها خلالعها،

.ورؤساؤها لرؤسائها، وصلحاؤها لصلحائهاوحنن تربية اخللفاء، وجريان الوزراء، ولدنا يف أفنية ملوكنا، وحنن أجنحة خلفائنا، فأخذنا بآداهبم، واحتذينا

على مثاهلم، فلسنا نعرف سواهم، وال نتهم بغريهم، ومل يطمع فينا أحد قط من خطاب ملكهم، وممن يترشح .ممن هذه اخلصال فيه، وهذه اخلالل لهفمن أحق باألثرة، وأوىل بالقرب يف املنزلة . لالعتراض عليهم

بعقب هذه االحتجاجات، وعند منقطع هذه االستدالالت نستعمل املفاوضة -حفظك اهللا - إن ذهبنا مبناقب األتراك، واملقارنة بني خصاهلم وخصال كل صنف من هذه األصناف، سلكنا يف هذا الكتاب سبيل

.اء يف االختالف الذي بينهمأصحاب اخلصومات يف كتبهم، وطريق أصحاب األهووكتابنا هذا إمنا تكلفناه لنؤلف بني قلوهبم إن كانت خمتلفة، ولنزيد يف األلفة إن كانت مؤتلفة، ولنخرب عن اتفاق أسباهبم، لتجتمع كلمتهم، ولتسلم صدورهم، وليعرف من كان ال يعرف منهم موضع التفاوت يف

بعضهم مغري، ويفسده عدو بأباطيل مموهة، وشبهات النسب كم مقدار اخلالف يف احلسب، لئال يغريمزورة، فإن املنافق العليم، والعدو ذا الكيد العظيم قد يصور ملن دونه الباطل يف صورة احلق، ويلبس

.اإلضاعة ثياب احلزم

إال أنا على كل حال، سنذكر مجال من أحاديث رويناها، وأمور رأيناها وشاهدناها، وقصصا تلقفناها من .أفواه احلكماء ومسعناها

وسنذكر ما حفظ جلميع األصناف من اآلالت واألدوات، مث ننظر أيهم هلا أشد استعماال، وهبا أشد استقالال، ومن أثقب حسبا، وأيقظ عينا، وأزكى نفسا، وأشد غورا، وأعم خواطر، وأكثر نفعا يف احلروب

وألطف احتياال، حىت يكون اخليار يف يد الناظر يف وضرا، وأدرب دربة، وأغمض مكيدة، وأشد احتراسا،وال نكون حنن . هذا الكتاب، املتصفح ملعانيه، واملقلب لوجوهه، واملفكر يف أبوابه، واملقابل بني أوله وآخره

Page 291: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

انتحلنا شيئا دون شيء، وتقلدنا تفضيل بعض على بعض، بل لعلنا أن ال خنرب عن خاصة ما عندنا حبرف .واحدرنا كتابنا هذا التدبري، وكان موضوعا على هذه الصفة كان أبعد له من مذاهب اجلدال واملراء، فإذا دب

.واستعمال اهلوىوقد ظن ناس كثري أن أمساء أصناف األجناد ملا اختلف فيالصورة واخلط واهلجاء، أن حقائقها ومعانيها على

.وليس األمر على ما يتومهون. حسب ذلككرية وإن خالف يف الصورة واخلط واهلجاء اسم اجلندي فإن املعىن فيهما ليس ببعيد، أال ترى أن اسم الشا

.والذي يرجعون إليه طاعة اخللفاء وتأييد السلطان. ألهنم يرجعون إىل معىن واحد، وعلم واحدب من جعل وإذا كان املوىل منقوال إىل العرب يف أكثر املعاين، وجمعوال منهم يف عامة األسباب مل يكن بأعج

.اخلال والدا، واحلليف من الصميم، وابن األخت من القوموقد جعل اهللا ابن املالعنة املولود على فراش البعل منسوبا إىل أمه، وقد جعل إمساعيل وهو ابن أعجميني

حة العجيبة عربيا، ألن اهللا تعاىل ملا فتق هلاته بالعربية املبينة على غري التلقني والترتيب، وفطره على الفصاعلى غري النشوء والتمرين، وسلخ طباعه من طبائع العجم، ونقل إىل بدنه تلك األجزاء، وركبه اختراعا

على ذلك التركيب، وسواه تلك التسوية، وصاغه تلك الصيغة، مث محاه من طبائعهم، ومنعه من أخالقهم وأشرفها وأعالها، وجعل ذلك برهانا ومشائلهم، وطبعه من كرمهم وأنفتهم ومهمهم على أكرمها وأسناها،

.على رسالته، ودليال على نبوته، وصار أحق بذلك النسب، وأوىل بشرف ذلك احلسب .وكما جعل إبراهيم أبا ملن مل يلد، فالبنوي خراساين من جهة الوالدة، واملوىل عريب من جهة املدعى والعاقلة

إال عهارا لنفيناه عنه، وإن أيقنا أنه مل خيلق إال من ماء ولو أحاط علمنا بأن زيدا مل خيلق من جنل عمرو .صلبه

وأزواجه : " ويف بعض القراءات. وكما جعل النيب أزواجه أمهات املؤمنني، وهن مل يلدهنم وال أرضعنهم، وجعل املرأة من جهة الرضاع أما، وجعل امرأة " ملة أبيكم إبراهيم : " على قوله" أمهاهتم، وهو أب هلم

وهم عبيده ال يتقلبون إال . وجعل العم يف كتاب اهللا أبا. لبعل أم ولد البعل من غريها، وجعل الراب والداا .فيما قلبهم فيه

كما أن له أن . وله أن جيعل من عباده من شاء عربيا، ومن شاء أعجميا، ومن شاء قرشيا، ومن شاء زجنيانثى، ومن شاء أخرجه من ذلك فجعله ال ذكرا وال أنثى وال جيعل من شاء ذكرا ومن شاء أنثى، ومن شاء خ

.خنثىومل جيعل آلدم أبا وال أما، وخلقه من طني . وكذلك خلق املالئكة، وهم أكرم على اهللا من مجيع اخلليقة

.ونسبه إليه، وخلق حواء من ضلع آدم، وجعلها له زوجا وسكنا .لقه منهاوخلق عيسى من غري ذكر، ونسبه إىل أمه اليت خ

وخلق اجلان من نار السموم، وآدم من طني، وعيسى من غري نطفة، وخلق السماء من دخان، واألرض من .وخلق إسحاق من عاقر. املاء

Page 292: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وعلم . وأنطق عيسى يف املهد، وأنطق حيىي باحلكمة وهو صيب، وعلم سليمان منطق الطري، وكالم النمل .وأنطق ذئب أهبان بن أوس. وا بكل خط، ونطقوا بكل لساناحلفظة من املالئكة مجيع األلسنة حىت كتب

واملؤمنون من مجيع األمم إذا دخلوا اجلنة، وكذلك أطفاهلم واجملانني منهم، يتكلمون ساعة يدخلون اجلنة فكيف يتعجب اجلاهلون . بكالم أهل اجلنة، على غري الترتيب والتنزيل، والتعليم على طول األيام والتلقني

وهذه املسألة رمبا سأل عنها بعض ! مساعيل بالعربية على غري تعليم اآلباء، وتأديب احلواضن من إنطاق إ .القحطانية، ممن ال علم له، بعض العدنانية، وهي على حال القحطانية أشد

فأما جواب العدناين فسلس النظام، سهل املخرج، قريب املعىن؛ ألن بين قحطان ال يدعون لقحطان نبوة . تعاىل مثل هذه األعجوبةفيعطيه اهللا

وما الذي قسم اهللا بني الناس من ذلك إال كما صنع اهللا يف طينة األرض، فجعل بعضها حجرا، وبعض احلجر ياقوتا، وبعضه ذهبا، وبعضه حناسا، وبعضه رصاصا، وبعضه صفرا، وبعضه حديدا، وبعضه ترابا،

خ، واملرتك، والكربيت، والقار، والتوتيا، والنوشادر، وكذلك الزاج، واملغرة، والزرني. وبعضه فخارا .واملرقشيشا، واملغناطيس

وإذا . وإذا كان األمر على ما وصفنا فالبنوي خراساين! ومن حيصي عدد جواهر األرض وأصناف الفلز أدىن ذلك أن و. كان اخلراساين موىل واملوىل عريب، فقد صار اخلراساين والبنوي واملوىل والعريب شيئا واحدا

يكون الذي معهم من خصال الوفاق غامرا ملا معهم من خصال اخلالف، بل هم يف معظم األمر، ويف كرب فاألتراك خراسانية، وموايل اخللفاء قصرة، فقد صار فضل الترك إىل اجلميع . الشأن وعمود النسب متفقون

.راجعا، وصار شرفهم زائدا يف شرفهمذلك ساحمت النفوس، وذهب التعقيد، ومات الضغن، وانقطع سبب االستثقال، وإذا عرف سائر األجناد

.فلم يبق إال التحاسد والتنافس الذي ال يزال يكون بني املتقاربني يف القرابة، ويف الصناعة، ويف اجملاورة .يعلى أن التوازر والتسامل يف القرابات ويف بين األعمام والعشائر أفشى وأعم من التخاذل والتعاد

. وحلب التناصر واحلاجة إىل التعاون انضم بعض القبائل يف البوادي إىل بعض، ينزلون معا، ويظعنون معاومن فارق أصحابه أقل، ومن نصر ابن عمه أكثر، ومن اغتبط بنعمته ومتىن بقاءها والزيادة فيها أكثر ممن

.بغاها الغوائل ومتىن انقطاعها وزواهلا .بعض التنافس والتخاذل، إال أن ذلك قليل من كثري وال بد يف أضعاف ذلك من

وليس يكون أن تصفو الدنيا، وتنقى من الفساد واملكروه، حىت ميوت مجيع اخلالف، وتستوي ألهلها، .وتتمهد لسكاهنا على ما يشتهون ويهوون؛ ألن ذلك من صفة دار اجلزاء، وليس كذلك صفة دار العمل

بسم اهللا الرمحن الرحيم

ب كتبته أيام املعتصم باهللاهذا كتا

Page 293: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

رضي اهللا عنه ونضر وجهه

فلم يصل إليه ألسباب يطول ذكرها، فلذلك مل أعرض لإلخبار عنها، وأحببت أن يكون كتابا قصدا، ومذهبا عدال، وال يكون كتاب إسراف يف مديح قوم، وإغراق يف هجاء آخرين؛ فإن الكتاب إذا كان

.د، وبين أساسه على التكلف، وخرج كالمه خمرج االستكراه والتغليقكذلك شابه الكذب وخالطه التزيوأنفع املدائح للمادح، وأجداها على املمدوح، وأبقاها أثرا وأحسنها ذكرا، أن يكون املديح صدقا، ولظاهر

.بيه عليهحال املمدوح موافقا، وبه الئقا، حىت ال يكون من املعرب عنه والواصف له إال اإلشارة إليه، والتنإن كان ال ميكن ذكر مناقب األتراك إال بذكر مثالب سائر األجناد، فترك ذكر اجلميع أصوب، : وأنا أقول

.واإلضراب عن هذا الكتاب أحزموذكر الكثري من هذه األصناف باجلميل ال يقوم إال بالقليل من ذكر بعضهم بالقبيح، وهو معصية وباب من

جدى علينا، ألن ذكر األكثر باجلميل نافلة، وباب من التطوع؛ وذكر األقل وقليل الفريضة أ. ترك الواجب .وقليل الفريضة أجدى علينا من كثري التطوع. بالقبيح معصية، وباب من ترك الواجب

فأما . ولكل الناس نصيب من النقص، ومقدار من الذنوب، وإمنا يتفاضل بكثرة احملاسن وقلة املساوىءاسن، والسالمة من مجيع املساوىء، دقيقها وجليلها، ظاهرها وخفيها، فهذا ال يعرف االشتمال على مجيع احمل

.فيهمفإذا كان اخللطاء من مجهور الناس وأهل املعايش من دمهاء اجلماعة يرون ذلك واجبا يف األخالق، ومصلحة

الضعف بالقوة، فلسنا يف املعاش، وتدبريا يف التعامل، على ما فيهم من مشاركة اخلطأ للصواب، وامتزاج نشك أن اإلمام األكرب، والرئيس األعظم مع األعراق الكرمية، واألخالق الرفيعة، والتمام يف احللم والعلم،

والكمال يف العزم واحلزم، مع التمكني والقدرة، والفضيلة والرياسة والسيادة، واخلصائص اليت معه من يكن اهللا ليجلله لباس اخلالفة، وحيبوه ببهاء األمة، وبأعظم نعمة التوفيق والعصمة، والتأييد وحسن املعونة مل

وأسبغها، وأفضل كرامة وأسناها، مث وصل طاعته بطاعته، ومعصيته مبعصيته، إال ومعه من احللم يف موضع .احللم، والعفو يف موضع العفو، والتغافل يف موضع التغافل، ما ال يبلغه فضل ذي فضل، وال حلم ذي حلم

.قائلون، وال حول وال قوة إال باهللا العلي العظيم، فيما انتهى إلينا من القول يف األتراكوحنن

زعم حممد بن اجلهم ومثامة بن األشرس والقاسم بن سيار يف مجاعة ممن يغشى دار اخلالفة، وهي دار العامة، ع شبيب بن خبار خداي بينا محيد بن عبد احلميد جالسا ومعه إخشيد الصغدي، وأبو شجا: قالوا مجيعا

البلخي، وحيىي بن معاذ، ورجال من املعدودين املتقدمني يف العلم باحلرب، من أصحاب التجارب واملراس، : يقول لكم مفترقني وجمتمعني: وطول املعاجلة واملعاناة بصناعة احلرب، إذ خرج رسول املأمون فقال هلم

أحب إىل كل قائد منكم، إذا كان يف مائة من خنبته أميا: فليثبت كل رجل منكم دعواه وحجته، يقول لكمألن نلقى مائة تركي أحب إلينا من أن : أن يلقى هبم مائة تركي أو مائة خارجي فقال القوم مجيعا: وثقاته

قد قال القوم : ومحيد ساكت، فلما فرغ القوم مجيعا من حججهم قال الرسول حلميد! نلقى مائة خارجيبل ألقى مائة خارجي أحب إيل؛ ألين وجدت اخلصال : قال. كن حجة لك أو عليكفقل واكتب قولك، ولي

Page 294: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ففضل التركي على . اليت فضل هبا التركي مجيع املقاتلة غري تامة يف اخلارجي، ووجدهتا تامة يف التركيوذلك بأن التركي بان من اخلارجي بأمور ليس فيها . اخلارجي بقدر فضل اخلارجي على سائر املقاتلة

على أن هذه األمور اليت بان هبا التركي من اخلارجي أعظم خطرا وأقل نفعا مما . خارجي دعوى وال متعلقلل .شاركه اخلارجي يف بعضه

صدق الشدة عند أول وهلة، وهي الدفعة : واخلصال اليت يصول هبا اخلارجي على سائر الناس: مث قال محيد .أملوااليت يبلغون هبا ما أرادوا، وينالون هبا ما

الصرب على اخلبب، وعلى طول السرى حىت يصبحوا القوم الذين مرقوا هبم غارين، فيهجموا : والثانيةعليهم وهم بسوء وحلم على وضم، فيعجلوا هبم عن الروية؛ وعن رد النفس بعد اجلولة والنزوة، ال يظنون

.أن أحدا يقطع يف ذلك املقدار من الزمان ذلك املقدار من البالد .أن اخلارجي موصوف عند الناس بأنه إن طلب أدرك، وإن طلب فات: ثالثةوال

خفة األزواد، وقلة األمتعة، وأهنا جتنب اخليل، وتركب البغال، وإن احتاجت أمست بأرض : والرابعةوأصبحت بأخرى، وأهنم قوم حني خرجوا مل خيلفوا األموال الكثرية، واجلنان امللتفة، والدور املشيدة، وال

عا وال مستغالت، وال جواري مطهمات، وأهنم ال سلب هلم، وال مال معهم، فريغب اجلند يف لقائهم، ضياوإن مل جتد ذلك يف . وإمنا هم كالطري ال تدخر، وال هتتم لغد، وهلا يف كل أرض من املياه والبزور ما يقوهتا

ارج ال ميتنع عليهم القرى والطعم، وكذلك اخلو. بعض البالد فأجنحتها تقرب هلا البعيد، وتسهل هلا احلزونفإن ميتنع عليهم ففي بنات أعوج وبنات شحاج، وخفة األثقال، والقوة على طول اخلبب ما يأتيها بأرزاقها،

.وأكثر من أرزاقهاأن امللوك إذا أرسلوا إليهم أعدادهم ليكونوا يف خفة أزوادهم وأثقاهلم، وليقووا على التنقل :واخلامسة

وإن كثفوا اجليش وضاعفوا العدد . قووا عليهم، ألن مائة من اجلند ال يقومون ملائة من اخلوارجكقوهتم، مل يومىت شاء اخلارجي أن يقرب منهم ليتطرفهم، أو ليصيب . ثقلوا عن طلبهم، وعن الغوث إن طلبهم عدوهم

ب عند اخلوف، وإن شاء الغرة أو ليثبتهم، فعل ذلك، ثقة بأنه يغنم عند الفرصة ورؤية العورة، وميكنه اهلر .كبسهم ليقطع نظامهم، أو ليقتطع القطعة منهم

.فهذه هي مفاخرهم وخصاهلم، اليت هبا كره القواد لقاءهم: قال محيدوخصلة أخرى، وهي اليت رعبت القلوب وحشتها، ونقضت العزائم وفسختها، وهو : قال القاسم بن سيار

:ثل باخلوارج، كقول الشاعرما تسمع األجناد ومقاتلة العوام من ضرب امل رأى الضيف مثل األزرقي اجملفف... إذا ما البخيل واحملاذر للقرى .هذه زيادة القاسم بن سيار

:فأما محيد فإنه قال

فأما الشدة فالتركي فيها أمحد أثرا، وأمجع أمرا، وأحكم شأنا؛ ألن التركي من أجل أن تصدق شدته زم، ومنقسم اخلواطر، قد عود برذونه أن ال ينثين وإن ثناه، أن ميأل ويتمكن عزمه، وال يكون مشترك الع

Page 295: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فروجه، إال أن يديره مرة أو مرتني، وإال فإنه ال يدع سننه، وال يقطع ركضه، وإمنا أراد التركي أن يوئس قد نفسه من البدوات، ومن أن يعتريه التكذيب بعد االعتزام، هلول اللقاء، وحب احلياة، ألنه إذا علم أنهصري برذونه إىل هذه الغاية حىت ال ينثين، وال جييبه إىل التصرف معه إال بأن يصنع شيئا بني الصفني فيه

وإمنا يريد أن يشبه نفسه باحملرج الذي إذا . عطبه، مل يقدم على الشدة إال بعد إحكام األمر، والبصر بالعورة .ن قلبه خواطر الفرار، ودواعي الرجوعرأى أشد القتال مل يدع جهدا ومل يدخر حيلة، ولينفي ع

واألتراك تطعن طعن اخلوارج، وإن شد منهم ألف فارس . اخلارجي عند الشدة إمنا يعتمد على الطعان: وقالواخلوارج واألعراب، ! فرموا رشقا واحدا صرعوا ألف فارس، فما بقاء جيش على هذا النوع من الشد

يل، والتركي يرمي الوحش، والطري، والربجاس، والناس، واجملثمة، ليست هلم رماية مذكورة على ظهور اخلواملثل املوضوعة، والطري اخلاطف، ويرمي وقد مأل فروج دابته مدبرا ومقبال، ومينة ويسرة، وصعدا وسفال،

ويركض دابته منحدرا من سهل، أو متسفال إىل . ويرمي بعشرة أسهم قبل أن يفوق اخلارجي سهما واحدا .واد بأكثر مما ميكن اخلارجي على بسيط األرضبطن

.عينان يف وجهه، وعينان يف قفاه: والتركي له أربعة أعني .وللخارجي عيب يف مستدبر احلرب، وللخراساين عيب يف مستقبل احلرب

فعيب اخلراسانية أن هلا جولة عند أول االلتقاء، فإن ركبوا أكساءهم كانت هزميتهم، وكثريا ما يثوبون، .وذلك بعد اخلطار بالعسكر، وإطماع العدو يف الشدة

.واخلوارج إذا ولوا فقد ولوا، وليس هلم بعد الفر كر إال ما ال يعدوالتركي ليست له جولة اخلراساين، وإذا أدبر فهو السم الناقع، واحلتف القاضي، ألنه يصيب بسهمه وهو

.مدبر، كما يصيب بسهمه وهو مقبل، وال يؤمن وهقه .وهم علموا الفرسان محل قوسني وثالث قسي، ومن األوتار على حسب ذلك :قال

فأما الصرب على . والتركي يف حال شدته معه كل شيء حيتاج إليه، لنفسه، ولسالحه، ولدابته، وأداة دابته .اخلبب ومواصلة السري، وعلى طول السرى وقطع البالد فعجيب جدا

.برذون التركيأن فرس اخلارجي ال يصرب صرب : فواحدةواخلارجي ال حيسن أن يعاجل فرسه إال معاجلة الفرسان خليوهلم، والتركي أحذق من البيطار، وأجود تقوميا لربذونه على ما يريد من الراضة، وهو استنتجه، وهو رباه فلوا، ويتبعه إن مساه، وإن ركض ركض خلفه،

عدس، : جاه، والبغل: حلى، واجلمل: ةاجدم، والناق: قد عوده ذلك حىت عرفه، كما يعرف الفرس .سأسأ؛ وكما يعرف اجملنون لقبه، والصيب امسه: واحلمار

والتركي يركب . ولو حصلت مدة عمر التركي وحسبت أيامه لوجدت جلوسه على ظهر األرض نادراعه الرمكة فحال أو رمكة، وخيرج غازيا أو مسافرا، أو متباعدا يف طلب صيد، أو سبب من األسباب، فتتب

وأفالكها؛ إن أعياه اصطياد الناس اصطاد الوحش، وإن أخفق منها واحتاج إىل طعام فصد دابة من دوابه، .وإن عطش حلب رمكة من رماكه، وإن أراح واحدة ركب أخرى، من غري أن ينزل إىل األرض

كتفي بالعنقر وليس يف األرض أحد إال وبدنه ينتقض عن اقتيات اللحم وحده غريه، وكذلك دابته ت

Page 296: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.والعشب والشجر، ال يظلها من مشس، وال يكنها من بردوأما الصرب على اخلبب فإن الثغريني، والفرانقيني، واخلصيان، واخلوارج، لو اجتمعت قواهم يف : قال

والتركي ال يبقى معه مع طول الغاية إال الصميم من دوابه، والذي . شخص واحد ملا وفوا بتركي واحدوينفيه عند غزاته هو الذي ال يصرب معه فرس اخلارجي، واليبقى معه كل برذون . كي بإتعابه لهيقتله التر

.خباري، ولو ساير خارجيا الستفرغ جهده قبل أن يبلغ اخلارجي عفوهفالتركي . والتركي هو الراعي، وهو السائس، وهو الرائض، وهو النخاس، وهو البيطار، وهو الفارس

.الواحد أمة على حدةوإذا سار التركي يف غري عساكر الترك فسار القوم عشرة أميال سار التركي عشرين ميال، ألنه ينقطع : قال

عن العسكر مينة ويسرة، ويصعد يف ذرى اجلبال، ويستبطن قعور األودية، يف طلب الصيد، وهو يف ذلك .يرمي كل ما دب ودرج، وطار ووقع

.اس قط، وال سار مستقيما قطوالتركي مل يسر يف العسكر سري الن: قالوإذا طالت الدجلة، واشتد السري، وبعد املنزل، وانتصف النهار، واشتد التعب، وشغل الناس الكالل، : قال

وصمت املتسايرون فلم ينطقوا، وقطعهم ما هم فيه عن التشاغل باحلديث، وتفسخ كل شيء من شدة لقوى على طول السرى أن تطوى له األرض، وكلما احلر، ومجد كل شيء من شدة الربد، ومتىن كل جليد ا

رأى خياال أو علما استبشر به، وظن أنه قد بلغ املنزل، وإذا بلغه الفارس نزل وهو متفحج، كأنه صيب وترى التركي يف تلك . حمقون، يئن أنني املريض، ويستريح إىل التثاؤب، ويتداوى مما به بالتمطي والتضجع

ساروا، وقد أتعب منكبيه كثرة النزع، يرى بقرب املنزل عريا أو ظبيا، أو عرض احلال، وقد سار ضعف ما له ثعلب أو أرنب، كيف يركض ركض مبتدىء مستأنف، حىت كأن الذي سار ذلك السري، وتعب ذلك

.التعب غريهب اآلخر وإن بلغ الناس واديا فازدمحوا على مسلكه أو على قنطرته، بطن برذونه فأقحمه مث طلع من اجلان

وإن انتهوا إىل عقبة صعبة ترك السنن، وذهب يف اجلبل صعدا، مث تدىل من موضع يعجز عنه . كأنه كوكبولو كان يف كل ذلك خماطرا ملا دامت له . الوعل، وأنت حتسبه خماطرا بنفسه، للذي ترى من مطلعه

.السالمة، مع تتابع ذلك منه .إذا طلب فاتويفخر اخلارجي بأنه إذا طلب أدرك، و: قال

فهذا دليل على أنا ! ومن يروم ما ال يطمع فيه . والتركي ليس حيوج إىل أن يفوت، ألنه ال يطلب وال يرامقد علمنا أن العلة اليت عمت باخلوارج بالنجدة استواء حاالهتم يف أشد الديانة، واعتقادهم بأن القتال دين؛

واملغريب، والعماين، واألزرقي منهم والنجدي، واإلباضي، ألننا حني وجدنا السجستاين، واجلزري، واليماين،والصفري، واملوىل والعريب، والعجمي واألعرايب، والعبيد والنساء، واحلائك والفالح، كلهم يقاتل مع

اختالف األنساب، وتباين البلدان علمنا أن الديانة هي اليت سوت بينهم يف ذلك، كما أن كل حجام يف وكما أن أصحاب اخللقان، . ان، ومن أهل أي بلد كان، فهو حيب النبيذاألرض من أي جنس ك

Page 297: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فعلمنا . والسماكني، والنخاسني واحلاكة، يف كل بلد ومن كل جنس، شرار خلق اهللا يف املبايعة واملعاملة .بذلك أن ذلك خلقة يف هذه الصناعات، وبنية يف هذه التجارات، حىت صاروا من بني مجيع الناس كذلك

رأيناه يف بالده ليس يقاتل على دين، وال على تأويل، وال على ملك وال على خراج، وال على و: قالعصبية، وال على غرية دون احلرمة، وال على محية وال على عداوة، وال على وطن وال على منع دار وال

عد إن أبلى وليس خياف الوعيد إن هرب، وال يرجو الو. مال، وإمنا يقاتل على السلب واخليار يف يده .وكذلك هم يف بالدهم وغاراهتم وحروهبم. عذرا

وهو الطالب غري املطلوب، ومن كان كذلك فإمنا يأخذ العفو من قوته، وال حيتاج إىل جمهوده، مث مع ذلك ال يقوم له شيء، وال يطمع فيه أحد، فما ظنك مبن هذه صفته، أن لو اضطره إحراج أو غرية، أو غضب أو

.له بعض ما يصحب املقاتل احملامي من العلل واألسبابتدين، أو عرض .وقناة اخلارجي طويلة صماء، وقناة التركي مطرد أجوف: قال

والعجم جتعل القنا الطوال للرجالة، وهي قنا األبناء على . والقنا اجلوف القصار أشد طعنة، وأخف حممال .أبواب اخلنادق واملضايق

مع األتراك واخلراسانية، ألن الغالب على األبناء املطاعنة على أبواب واألبناء يف هذا الباب ال جيرون اخلنادق، ويف املضايق، وهؤالء أصحاب اخليل والفرسان، وعلى أصحاب اخليل والفرسان يدور أمر

وليس . والفارس هو الذي يطوي اجليش طي السجل، ويفرقهم فرق الشعر. هلم الفر والكر. الفروسيةوهم أصحاب األيام املذكورة، واحلروب الكبار، . لطليعة وال الساقة إال الكبار منهميكون الكمني وال ا .والفتوح العظام

فصل منها

والشح على الوطن، واحلنني إليه، والصبابة به، مذكور يف القرآن، خمطوط يف الصحف بني مجيع الناس، غري .أن التركي للعلل اليت ذكرناها أشد حنينا، وأكثر نزوعا

وذلك أن الترك قوم يشتد عليهم : اب آخر مما كان يدعوهم إىل الرجوع قبل ثين العزم والعادة املنقوضةوبوأصل بنيتهم إمنا وضع على احلركة، وليس . احلصر واجلثوم، وطول البث واملكث، وقلة التصرف والتحرك

د وحرارة، واشتعال للسكون فيهم نصيب، ويف قوى أرواحهم فضل على قوى أبداهنم، ألهنم أصحاب توقوكانوا يرون الكفاية معجزة، وطول املقام بلدة، والراحة عقلة . وفطنة، كثرية خواطرهم، سريع حلظهم

.والقناعة من قصر اهلمة، وأن ترك الغزو يورث الذلة " .حب اهلويىن يكسب النصب : " قال عبد اهللا بن وهب الراسيب: وقد قالت العرب يف مثل ذلك

" .من غال دماغه يف الصيف غلت قدره يف الشتاء " : والعرب تقول " .أخاف عادة العجز : " ومل قال: ، قيل" ما أحب أين مكفي كل أمر الدنيا : " وقال أكثم بن صيفي

.فهذه كانت علل الترك يف حب الرجوع، واحلنني إىل الوطن

Page 298: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

م املقام، ما كانوا فيه من جهل ومن أعظم ما كان يدعوهم إىل الشرود، ويبعثهم على الرجوع، ويكره عندهقوادهم بأقدارهم، وقلة معرفتهم بأخطارهم، وإغفاهلم موضع الرد عليهم، واالنتفاع هبم، وألهنم حني

جعلوهم أسوة أجنادهم مل يقنعوا أن يكونوا يف احلاشية واحلشوة، ويف غمار العامة، ومن عرض العساكر، ، ورأوا أن الضيم ال يليق هبم، وأن اخلمول ال جيوز عليهم، وأنفوا من ذلك ألنفسهم، وذكروا ما جيب هلم

فلما صادفوا ملكا حكيما، وبأقدار الناس . وأهنم يف املقام على من مل يعرف حقهم ألوم ممن منعهم حقهمعليما، ال مييل إىل سوء عادة، وال جينح إىل هوى، وال يتعصب لبلد على بلد، يدور مع التدبري حيثما دار،

يم مع احلزم حيثما أقام أقاموا إقامة من منح احلظ، ودان باحلق، ونبذ العادة، وآثر احلقيقة، ورحل نفسه ويق .لقطيعة وطنه، وآثر اإلمامة على ملك اجلربية، واختار الصواب على اإللف

يف مث اعلم بعد ذلك كله أن كل أمة وقرن وجيل وبين أب وجدهتم قد برعوا يف الصناعات، وفضلوا الناس فإنك ال جتدهم يف الغاية ويف . البيان، أو فاقوهم يف اآلداب أو يف تأسيس امللك، أو يف البصر يف احلرب

أقصى النهاية، إال أن يكون اهللا تعاىل قد سخرهم لذلك املعىن باألسباب، وقصرهم عليه بالعلل اليت تقابل ترك الرأي، متشعب النفس، غري موفر تلك األمور، وتصلح لتلك املعاين، ألن من كان متقسم اهلوى، مش

على ذلك الشيء، وال مهيأ له، مل حيذق من تلك األشياء شيئا بأسره، ومل يبلغ فيه غايته، كأهل الصني يف الصناعات، واليونانيني يف احلكم واآلداب، والعرب فيما حنن ذاكروه يف موضعه، والساسان يف امللك،

.واألتراك يف احلروبيونانيني الذين نظروا يف العلل مل يكونوا جتارا وال صناعا بأكفهم، وال أصحاب زرع وفالحة، أال ترى أن ال

وكانت امللوك تفرغهم، وجتري عليهم كفايتهم، فنظروا حني . وبناء وغرس، وال أصحاب مجع ومنع وكدالهي اليت تكون نظروا بأنفس جمتمعة، وقوة وافرة، وأذهان فارغة، حىت استخرجوا اآلالت واألدوات، وامل

مجاما للنفس، وراحة بعد الكد، وسرورا يداوي قرح اهلموم، فصنعوا من املرافق، وصاغوا من املنافع، كالقرسطونات، والقبانات، واألسطرالبات، وآلة الساعات، وكالكونيا، والكسريان، والربكار، وكأصناف

آالت احلرب، وكاجملانيق، والعرادات، املزامري واملعازف، والطب واحلساب، واهلندسة، واللحون، و .والرتيالت، والدبابات، وآالة النفاطني، وغري ذلك مما يطول ذكره

يصورون اآللة، وخيرطون األداة، ويصوغون املثل وال حيسنون . وكانوا أصحاب حكمة، ومل يكونوا فعلة .العملالعمل هبا، ويشريون إليها وال ميسوهنا، يرغبون يف التعليم، ويرغبون عن

فأما سكان الصني فإهنم أصحاب السبك والصياغة، واإلفراغ واإلذابة، واألصباغ العجيبة، وأصحاب اخلرط والنجر والتصاوير، والنسج واخلط، ورفق الكف يف كل شيء يتولونه ويعانونه، وإن اختلف

.جوهره، وتباينت صنعته، وتفاوت مثنهمل، وسكان الصني يباشرون العمل وال يعرفون العلل؛ ألن فاليونانيون يعرفون العلل وال يباشرون الع

.أولئك حكماء، وهؤالء فعلة

Page 299: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكذلك العرب مل يكونوا جتارا وال صناعا، وال أطباء وال حسابا وال أصحاب فالحة، فيكونوا مهنة، وال أيديهم، ومل يكونوا أصحاب مجع وكسب، وال أصحاب احتكار ملا يف. أصحاب زرع، خلوفهم صغار اجلزية

وطلب ملا عند غريهم، وال طلبوا املعاش من ألسنة املوازين ورءوس املكاييل، وال عرفوا الدوانيق والقراريط، ومل يفتقروا الفقر املدقع الذي يشغل عن املعرفة، ومل يستغنوا الغناء الذي يورث البلدة، والثروة

وكانوا سكان فياف، وتربية . غر عندهم أنفسهماليت حتدث الغرة، ومل حيتملوا ذال قط فيميت قلوهبم، ويصأذهان حديدة، ونفوس . العراء، ال يعرفون الغمق وال اللثق، وال البخار وال الغلظ، وال العفن، وال التخم

فحني محلوا حدهم، ووجهوا قواهم إىل قول الشعر، وبالغة املنطق، وتشقيق اللغة، وتصاريف . منكرةافة األثر، وحفظ النسب، واالهتداء بالنجوم، واالستدالل باآلثار، وتعرف الكالم، وقيافة البشر بعد قي

األنواء، والبصر باخليل والسالح وآلة احلرب، واحلفظ لكل مسموع، واالعتبار بكل حمسوس، وإحكام وببعض هذه العلل صارت نفوسهم أكرب، . شأن املناقب واملثالب، بلغوا يف ذلك الغاية، وحازوا كل أمنية

.م أرفع، وهم من مجيع األمم أفخر، وأليامهم أذكرومهمهوهم أعراب العجم، كما أن هذيال أكراد . وكذلك الترك، أصحاب عمد، وسكان فياف، وأرباب مواش

العرب، مل تشغلهم الصناعات وال التجارات، وال الطب والفالحة واهلندسة، وال غراس وال بنيان، وال شق كن مههم غري الغارة والغزو والصيد، وركوب اخليل، ومقارعة األبطال، أهنار، وال جباية غالت، ومل يوكانت مهمهم إىل ذلك مصروفة، وكانت هلذه املعاين واألسباب املسخرة، . وطلب الغنائم، وتدويخ البالد

ومقصورة عليها وموصولة هبا، أحكموا ذلك األمر بأسره، وأتوا على آخره، وصار ذلك هو صناعتهم .لذهتم يف احلرب وفخرهم، وحديثهم ومسرهموجتارهتم، و

فلما كانوا كذلك صاروا يف احلرب كاليونانيني يف احلكمة، وأهل الصني يف الصناعات، واألعراب فيما .عددنا ونزلنا، وكالساسان يف امللك والسياسة

أن السيف إىل ومما يستدل به على أهنم قد استقصوا هذا الباب واستفرغوه، وبلغوا أقصى غايته وتعرفوه، أن يتقلده متقلد، أو يضرب به ضارب، قد مر على أيد كثرية، وعلى طبقات من الصناع، كل واحد منهم

ال يعمل عمل صاحبه وال حيسنه، وال يدعيه وال يتكلفه؛ ألن الذي يذيب حديد السيف ومييعه ويصفيه ويسوي متنه، ويقيم خشيبته، والذي ويهذبه، غري الذي ميده وميطله، والذي ميده وميطله غري الذي يطبعه

يطبعه ويسوي متنه غري الذي يسقيه ويرهفه، والذي يسقيه ويرهفه، غري الذي يركب قبيعته، ويستوثق من والذي . سيالنه، والذي يعمل مسامري السيالن، وشاريب القبيعة ونعل السيف غري الذي ينحت خشب غمده

يدبغ جلده غري الذي حيليه، والذي حيليه ويركب نصله ينحت خشب غمده غري الذي يدبغ جلده، والذي .غري الذي خيرز محائله

.وكذلك السرج، وحاالت السهم واجلعبة والرمح، ومجيع السالح مما هو جارح أو جنةوالتركي يعمل هذا كله بنفسه، من ابتدائه إىل غايته، وال يستعني برفيق، وال يفزع إىل رأي صديق، وال

.وال يشغل قلبه مبطاله وتسويفه، وأكاذيب مواعيده، وبغرم كرائه خيتلف إىل صائغ،وليس يف األرض كل تركي كما وصفنا، كما أنه ليس كل يوناين حكيما، وال كل صيين حاذقا، وال كل

Page 300: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.أعرايب شاعرا فائقا، ولكن هذه األمور يف هؤالء أعم وأمت، وفيهم أظهر وأكثره النجدة والفروسية يف الترك دون مجيع األمم، ويف العلل اليت من أجلها قد قلنا يف السبب الذي تكاملت ب

نظموا مجيع معاين احلرب، وهي معان تشتمل على مذاهب غريبة، وخصال عجيبة، فمنها ما يقضى ألهله ومنها ما يدل على األدب السديد، والرأي األصيل، والفطنة الثاقبة، . بالكرم، وببعد اهلمة، وطلب الغاية

.لبصرية النافذةواأال ترى أنه ليس بد لصاحب احلرب من احللم والعلم، واحلزم والعزم، والصرب والكتمان، ومن الثقافة وقلة الغفلة، وكثرة التجربة وال بد من الصرب باخليل والسالح، واخلربة بالرجال والبالد، والعلم باملكان والزمان

.واملكايد، ومبا فيه صالح األمور كلهالك حيتاج إىل أواخ شداد، وأسباب متان، ومن أمتنها سببا، وأعمها نفعا، ما ثبته يف نصابه، وسكنه يف وامل

قراره، وزاده يف متكينه وهبائه، وقطع أسباب املطمعة فيه، ومنع أيدي البغاة من اإلشارة إليه، فضال عن .البسط عليه

وبلغه علمنا، فإن وقع باملوافقة فبتوفيق من اهللا تعاىل قد قلنا يف مناقب مجيع األصناف جبمل ما انتهى إلينا،فأما حسن . وإن قصر دون ذلك فالذي قصر بنا نقصان علمنا، وقلة حفظنا، وأمساعنا. وصنعه، عز ذكره

وبني التقصري من . النية، والذي نضمر من احملبة واالجتهاد يف القربة، فإنا ال نرجع يف ذلك إىل أنفسنا بالئمة .ز وضعف القوة فرقجهة العج

ولو كان هذا الكتاب من كتب املناقضات، وكتب املسائل واجلوابات، وكان كل صنف من هذه األصناف يريد االستقصاء على صاحبه، ويكون غايته إظهار نفسه وإن مل يصل إىل ذلك إال بإظهار نقص أخيه ووليه،

.جيمع، خري من الكثري الذي يفرق ولكن القليل الذي. لكان كتابنا كبريا، كثري الورق عظيما .وحنن نعوذ باهللا من هذا املذهب، ونسأله العون والتسديد، إنه مسيع قريب، فعال ملا يريد

فصل من صدر كتابه يف حجج النبوة

فنحن نسأله متام النعمة، . احلمد هللا الذي عرفنا نفسه، وعلمنا دينه، وجعلنا من الدعاة إليه، واحملتجني لهلى أداء شكره، وأن يوفقنا للحق برمحته، إنه ويل ذلك، والقادر عليه، واملرغوب إليه فيه، وصلى والعون ع

.اهللا على حممد وآله وسلممث إنا قائلون يف األخبار، وخمربون عن اآلثار، ومفرقون بني أسباب الشبهة، وأسباب احلجة، مث مفرقون بني

عن الضرب الذي يكون اخلاصة فيه حجة على العامة، وعن احلجة اليت تلزم اخلاصة دون العامة، وخمربون املوضع الذي يكون القليل فيه أحق باحلجة من الكثري، ومل شاع اخلرب وأصله ضعيف ومل خفي وأصله قوي

وما الذي يؤمن من فساده وتبديله مع تقادم عصره، وكثرة الطاعنني فيه، وعن احلاجة إىل رواية اآلثار، وإىل وعن أخالق الناس وآبائهم، ومذاهب أسالفهم، وعن سري امللوك قبلهم، وما صنعت األيام مساع األخبار،

هبم، وعن شرائع أنبيائهم، وأعالم رسلهم، وعن أدب حكمائهم، وأقاويل أئمتهم وفقهائهم، وعن حاالت

Page 301: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

قل من غاب عن أبصارهم يف دهرهم، ومل كان اإلخبار على الناس أخف من الكتمان ومل كان الصمت أثعليهم من الكالم وما الضرب الذي يقدرون على كتمانه وطيه، والضرب الذي ال يقدرون إال على إذاعته ونشره ومل اجتمعت األمم على الصدق يف أمور، واختلفت يف غريها ومل حفظت أمورا ونسيت سواها ومل

لفقهاء متييز اآلثار، كان الصدق أكثر من الكذب ومل كان الصمت أثقل والقول أفضل والعجب من ترك اوترك املتكلمني القول يف تصحيح األخبار، وباألخبار يعرف الناس النيب من املتنيب، والصادق من الكاذب،

وهبا يعرفون الشريعة من السنة، والفريضة من النافلة، واحلظر من اإلباحة، واالجتماع من الفرقة، والشذوذ .من اجلنة، وعامة املفسدة من املصلحة من االستفاضة، والرد من املعارضة، والنار

فإذا نزلت األخبار منازهلا وقسمتها، ذكرت حجج رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ودالئله وشرائعه وسننه، مث جنست اآلثار على أقدارها، ورتبتها يف مراتبها، وقربت ذلك واختصرته، وأوضحت عنه وبينته،

اء حفظه، ومن كثر مساعه وجاد حفظه، بالوجوه اجلليلة، واألدلة حىت يستوي يف معرفتها من قل مساعه وس .االضطرارية

ومل أرد يف هذا الكتاب مجع حجج الرسول عليه السالم، وتفصيلها والقول فيها، لنقض مسها،أولوهن كان ولكن. يف أصلها من ناقليها واملخربين عنها، أو ألن طعن امللحدين هنكها وفرق مجاعتها، ونقض قواها

.ألمور سأذكرها وأحتجوكيف تقصر احلجة عن بلوغ الغاية، وتنقص عن التمام، واهللا تعاىل املتوكل هبا، ومسخر أصناف الربية

هو الذي : " ومهيج النفوس على إبالغها، وقد أخرب بذلك عن نفسه يف حمكم كتابه عز ذكره، حني قالوأدىن منازل اإلظهار إظهار " . و كره املشركون أرسل رسوله باهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله ول

.احلجة على من ضاره وخالف عليه " .يريدون ليطفئوا نور اهللا بأفواههم واهللا متم نوره ولو كره الكافرون : " وقال عز ذكره

قال وأخرب أنه أمر األمحر واألسود، ومل يكن ليأمر األقصى إال كما يأمر األدىن ويأمر الغائب على احلاضر، " .وما أرسلناك إال كافة للناس بشريا ونذيرا : " اهللا تعاىل لنبيه عليه السالم

فإذا تكلمنا يف العيان وما يفرع . عيان ظاهر، وخرب قاهر: إن كل مطيق حمجوج، واحلجة حجتان: فأقولفالعقل هو . عهوال بد من التصادق يف أصله، والتعارف يف فر. منه فال بد من التعارف يف أصله وفرعه منه

املستدل، والعيان واخلرب مها علة االستدالل وأصله، وحمال كون الفرع مع عدم األصل، وكون االستدالل والعقل مضمن بالدليل، والدليل مضمن بالعقل، وال بد لكل واحد منهما من صاحبه، . مع عدم الدليل

.وليس إلبطال أحدمها وجه مع إجياب اآلخرأحدمها شاهد عيان يدل على غائب، واآلخر جميء خرب يدل على : دليل نوعانوالعقل نوع واحد، وال

.صدقمث رجع الكالم إىل اإلخبار عن دالئل النيب صلى اهللا عليه وسلم وأعالمه، واالحتجاج لشواهده وبرهانه،

الناس إن السلف الذين مجعوا القرآن يف املصاحف بعد أن كان متفرقا يف الصدور، والذين مجعوا: فأقول

Page 302: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

على قراءة زيد، بعد أن كان غريها مطلقا غري حمظور، والذين حصنوه ومنعوه الزيادة والنقصان لو كانوا مجعوا عالمات النيب صلى اهللا عليه وسلم، وبرهانه، ودالئله وآياته وصنوف بدائعه، وأنواع عجائبه يف

عدد الكثري الذي ال يستطيع الشك يف مقامه وظعنه، وعند دعائه واحتجاجه يف اجلمع العظيم، وحبضرة الخربهم إال الغيب اجلاهل، والعدو املائل، ملا استطاع اليوم أن يدفع كوهنا وصحة جميئها، ال زنديق جاحد، وال

دهري معاند، وال متطرف ماجن، وال ضعيف خمدوع، وال حدث مغرور؛ ولكان مشهورا يف عوامنا أعياننا يف حقهم كاستبصارهم يف باطل نصاراهم وجموسهم، وملا كشهرته يف خواصنا، ولكان استبصار مجيع

.وجد امللحد موضع طمع يف غين يستميله، ويف حدث ميوه لهولوال كثرة ضعفائنا مع كثرة الدخالء فينا، الذين نطقوا بألسنتنا، واستعانوا بعقولنا على أغبيائنا وأغمارنا،

.حتجاج الواضحملا تكلفنا كشف الظاهر، وإظهار البارز، واال .إال أن الذي دعا سلفنا إىل ذلك، االتكال على ظهورها واستفاضة أمرها

وإذ كان ذلك كذلك فلم يؤت من أيت من جهالنا وأحداثنا، وسفهائنا وخلعائنا إال من قبل ضعف العناية، الم قبل العلم جبليله وقلة املباالة، ومن قبل احلداثة والغرارة، ومن قبل أهنم محلوا على عقوهلم من دقيق الك

ما مل تبلغه قواهم، وتتسع له صدورهم، وحتمله أقدارهم، فذهبوا عن احلق ميينا ومشاال، ألن من مل يلزم اجلادة ختبط، ومن تناول الفرع قبل إحكام األصل سقط، ومن خرق بنفسه وكلفها فوق طاقتها، ومل ينل ما

.ال يقدر عليه تفلت منه ما كان يقدر عليها كانوا كذلك فإمنا أتوا من قبل أنفسهم، ومل يؤتوا من سلفهم، أو ألن اهللا تبارك وتعاىل صرف أسالفنا فإذ

بنسيان أو غريه ليمتحن بذلك غريهم يف آخر الزمان، وليعرضهم لطاعته بالذب عن دينه، واالحتجاج لنبيه ه على أيدي أسالفهم، لئال صلى اهللا عليه وسلم، وليجري هذا اخلري على أيديهم، كما أجرى أكثر من

يبخس أحد خليقته من العلماء والفقهاء، وألن جيعل فضله مقسما بني مجيع األولياء، وإن كان األول أحق بالتقدمي، واآلخر أحق بالتأخري، للذي قدموا من االحتمال، وأعطوا من اجملهود، وألهنم أصل هذا األمر

هم السابقون وحنن التابعون، وهم الذين وطئوا لنا، وكلفونا و. وحنن فرعه، واألصل أحق بالقوة من الفرعوألن اهللا تعاىل اختارهم لصحبة نبيه . ما مل نكن لنكلفه أنفسنا، فتجرعوا دوننا املرار، ومنحونا روح الكفاية

صلى اهللا عليه وسلم، وألن القرآن نطق بفضيلتهم؛ واهللا تعاىل أعلم مبن بعدهم، والذي مجع أسالفنا الذينمجعوا الناس على قراءة زيد، دون أيب بن كعب وعبد اهللا بن مسعود، والذين رأوا من قول عبد اهللا يف

.املعوذتني، وقول أيب يف سوريت احلفد واخللعومن تعلق الناس باالختالف، فكانوا ال يزالون قد رأوا الرجل يروي احلرف الشاذ، ويقرأ باحلرف الذي ال

ه ال يتم إال حبمل الناس على املقروء عندهم، املشهور فيما بينهم، وأهنم إن مل يعرفونه، فرأوا أن حتصينيشددوا يف ذلك مل ينقطع الطمع، ومل ينزجر الطري، ألن رجال من العرب لو قرأ على رجل من خطبائهم

جز عن وبلغائهم سورة واحدة، طويلة أو قصرية، لتبني له يف نظامها وخمرجها، ويف لفظها وطبعها، أنه عا .وليس ذلك يف احلرف واحلرفني، والكلمة والكلمتني. ولو حتدى هبا أبلغ العرب لظهر عجزه عنها. مثلها

Page 303: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

احلمد هللا، وإنا هللا، : أال ترى أن الناس قد كان يتهيأ يف طبائعهم، وجيري على ألسنتهم أن يقول رجل منهمذا كله يف القرآن، غري أنه متفرق غري جمتمع؛ وعلى اهللا توكلنا، وربنا اهللا، وحسبنا اهللا ونعم الوكيل، وه

ولو أراد أنطق الناس أن يؤلف من هذا الضرب سورة واحدة، طويلة أو قصرية، على نظم القرآن وطبعه، .وتأليفه وخمرجه ملا قدر عليه، ولو استعان جبميع قحطان ومعد بن عدنان

وميكن أن يفتعل مثله من احلرف واحلرفني، ورأوا بفهمهم وبتوفيق اهللا تعاىل هلم أن حيصنوه مما يشكل،والكلمة والكلمتني، وقد كانوا عرفوا االبتداع الكثري على البلغاء والشعراء، وخافوا إن هم مل يتقدموا يف ذلك أن يتطرفوا عليه، كما تطرفوا على الرواية، ألهنم حني رأوا كثرة الرواية يف غري ذوي السابقة، ورأوا

لغرائب اليت ال يعرفوهنا، مل يكن هلم إال حتصني الشيء الذي عليه مدار األمر، وإن كانوا كثرة اختالفها، وا .يعلمون أن اهللا بالغ أمره

فعلى األئمة أن حتوط هذه األمة، كما حاط السلف أوهلا، وأن يعملوا بظاهر احليطة، إذ كان على الناس أبصر نبيا حييي املوتى فعرف صدقه، فلما وإمنا ذلك كنحو رجل . االجتهاد، وليس عليهم علم الغيوب

انصرف سأله عنه بعض من مل ير ذلك وال صح عنده، فعليه أن ال يكتمه، وإن كان يعلم أن اهللا تعاىل .سيعلمه ذلك من قبل غريه، وأنه عز ذكره سيسمعه صحته على حبه وكرهه

ين مسعوا آخر العرض أكثر ممن مسع ورأوا أن قراءة زيد أحق بذلك، إذ كانت آخر العرض، وألن اجلمع الذأوله، فحملوا الناس على قراءة زيد، دون أيب وعبد اهللا، وإن كان الكل حقا، إذ كان رب حق يف بعض

.فتركوا حقا إىل حق العمل به أحق. الزمان أقطع للقيل والقال، وأجدر أن مييت اخلالف، وحيسم الطمعم يوم عرفة، واستنكارهم اإلفطار فيه، فأفطر وأظهر ذلك ولو أن فقيها رأى إطباق العلماء على صو

ليعلمهم موضع الفريضة من النافلة، أو خاف أن يلحق الفرض على تطاول األيام ما ليس فيه كان مصيبا، .ولكان قد ترك حقا إىل أحق منه

ح، وأنه إن أال ترى أن لويل املقتول أن يقتل ويصف. وللحق درجات، وللخالف درجات، وللحرام درجات .قتل قتل حبق، وإن صفح صفح حبق، والصفح أفضل من القتل

ولو أن رجال أخرج ساكنا بيتا له، أو اقتضى دينا له ساعة حمله، أو طلق زوجته وما دخل هبا لكان ذلك له، .وغري ذلك احلق أوىل به. وحلق فعل

.ة الصدور أقربوكيف ال يكون أوىل به وهو أحسن، والثواب فيه أعظم، وإىل سالم .وقد يكون األمران قبيحني، وأحدمها أقبح. وقد يكون األمران حسنني، وأحدمها أحسن

فأما غري ذلك فإنه واجب . وبعد، فعلى الناس طاعة األئمة يف كل ما أمروا به، إال فيما تبني أنه معصية .مفروض، والزم غري مرفوع

أن من جييء بعدهم ال يقوم مقامهم، وال يفصل األمور وعلموا أيضا أهنم ال يبقون إىل آخر الزمان، و .ولو عرفوا كمعرفتهم، وأرادوا ذلك كإرادهتم، ملا أطيعوا كطاعتهم. تفصيلهم

وعلموا أن األكاذيب والبدع ستكثر، وأن الفنت ستفتح، وأن الفساد سيفشو، فكرهوا أن جيعلوا للمتطرفني .علة، وألهل الزيغ حجة

Page 304: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كوا الناس عامة يقرءون على حرف فالن وكل ما أجاز فيه فالن عن فالن، ألحلق قوم بل ال شك أهنم لو تر .يف آخر الزمان هبم ما ليس منهم، وال جيري جمراهم، وال جيوز جمازهم

فصل منه يف االحتجاج للجمع على قراءة زيد

.ولو كان زيد من آل أيب العاص، أو من عرض بين أمية، لوجد ابن مسعود متعلقا .كان بدا زيد عبد الرمحن بن عوف لوجد إىل القول سبيال ولو

.ولو كان ابن مسعود رجال من بين هاشم لوجد للطعن موضعاولو كان عثمان رضي اهللا تعاىل عنه استبد بذلك الرأي على علي بن أيب طالب كرم اهللا وجهه، وسعد

.للتهمة مساغاوطلحة والزبري رمحهم اهللا، ومجيع املهاجرين واألنصار، لوجد . فأما واألمر كما وصفنا ونزلنا، فما الطاعن على عثمان إال رجل أخطأ خطة احلق، وعجل على صاحبه

.ولكل بين آدم من اخلطأ نصيب، واهللا عز ذكره يغفر له ويرمحه .والذي خيطىء عثمان يف ذلك فقد خطأ عليا وعبد الرمحن وسعدا، والزبري وطلحة، وعلية الصحابة

مل يكن ذلك رأي علي لغريه، ولو مل ميكنه التغيري لقال فيه، ولو مل ميكنه يف زمن عثمان ألمكنه يف زمن ولو نفسه، وكان ال أقل من إظهار احلجة إن مل ميلك حتويل األمة، وكان ال أقل من التجربة إن مل يكن من النجح

ومع أن الوجه فيما . هل القدم والقدوةعلى ثقة، بل مل يكن لعثمان يف ذلك ما مل يكن جلميع الصحابة، وأصنعوا واضح، بل ال جند ملا صنعوا وجها غري اإلصابة واالحتياط، واإلشفاق والنظر للعواقب، وحسم طعن

.الطاعنوإن أمرا اجتمعت عليه . ولو مل يكن ما صنعوا هللا تعاىل فيه رضا ملا اجتمع عليه أول هذه أول األمة وآخرها

ة، واخلوارج واملرجئة، لظاهر الصواب، واضح الربهان، على اختالف أهوائهم، وبغيتهم املعتزلة والشيع .لكل ما ورد عليهم

.هذه الروافض بأسرها تأىب ذلك وتنكره، وتطعن فيه، وترى تغيريه: فإن قال قائله غري إن الروافض ليست منا بسبيل، ألن من كان أذانه غري أذاننا، وصالته غري صالتنا، وطالق: قلنا

طالقنا، وعتقه غري عتقنا، وحجته غري حجتنا، وفقهاؤه غري فقهائنا وإمامه غري إمامنا، وقراءته غري قراءتنا، .وحالله غري حاللنا، وحرامه غري حرامنا، فال حنن منه وال هو منا

لشيعة وألي شيء حامت عن قراءة ابن مسعود، فواهللا ما كان أحد أفرط يف العمرية منه، وال أشد على افلم حيامون عنه . لقد خشيت اهللا تعاىل يف حيب لعمر: منه، ولقد بلغ من حبه لعمر رضي اهللا عنه أن قال

.وهو كان شجاهم لو أدركهم

فصل منه

Page 305: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

. فآمن اهللا رجال فارقهم ولزم اجلماعة، فإن فيها األنسة واحلجة، وترك الفرقة فإن فيها الوحشة والشبهة .نفرق بني أئمتنا، كما جعلنا ال نفرق بني أنبيائنا واحلمد هللا الذي جعلنا ال

فصل منه

والذي دعانا إىل تأليف حجج الرسول ونظمها، ومجع وجوهها وتدوينها أهنا مىت كانت جمموعة منظومة، نشط حلفظها وتفهمها من كان عسى أن ال ينشط جلمعها، وال يقدر على نظمها، ومجع متفرقها، وعلى

.ومن كان عسى أن ال يعرف وجه مطلبها، والوقوع عليهااللفظ املؤثر عنها، .ولعل بعض الناس يعرف بعضها وجيهل بعضها

.ولعل بعضهم وإن كان قد عرفها حبقها وصدقها فلم يعرفها من أسهل طرقها، وأقرب وجوههاة، ولعل بعضهم أن يكون قد عرف فنسي، أو هتاون هبا فعمي، بل ال نشك أهنا إذا كانت جمموعة حمرب

مستقصاة مفصلة، أهنا ستزيد يف بصرية العامل، وجتمع الكل ملن كان ال يعرف إال البعض، وتذكر الناسي، .وتكون عدة على الطاعن

ولعل بعض من أحلد يف دينه، وعمي عن رشده، وأخطأ موضع حظه أن يدعوه العجب بنفسه، والثقة مبا ادها، فإذا قرأها فهمها، وإذا فهمها انتبه من رقدته، عنده، إىل أن يلتمس قراءهتا، ليتقدم يف نقضها وإفس

وأفاق من سكرته، لعز احلق، وذل الباطل، وإلشراف احلجة على الشبهة، وألن من تفرد بكتاب فقرأه ليس ومع التالقي حيدث التباهي، . كمن نازع صاحبه وجاثاه، ألن اإلنسان ال يباهي بنفسه، واحلق بعد قاهر له

.اخلضوع، ويشتد النزوعويف احملافل يقل إن الناس لو استغنوا : مث رجع الكالم إىل حاجة الناس إىل استماع األخبار، والتفقه يف تصحيح اآلثار، فأقول

ومن قل اعتباره قل علمه، ومن قل علمه قل . عن التكرير، وكفوا مئونة البحث والتنقري لقل اعتبارهمفضله وكثر نقصه مل حيمد على خري أتاه، ومل يذم على شر فضله، ومن قل فضله كثر نقصه، ومن قل علمه و

.جناه، ومل جيد طعم العز، وال سرور الظفر، وال روح الرجاء، وال برد اليقني، وال راحة األمنوما عسى أن يبلغ قدر . وكيف يشكر من ال يقصد، وكيف يالم من ال يتعمد، وكيف يقصد من ال يعلم

. ما سر به حواسه ومسه جلدهسروره من ال حيسن من السرور إالوكيف يأيت أربح األفعال، وأبعد الشرين من ركب يف شراسة السباع وغباوة البهائم، مث مل يعط اآللة اليت هبا يستطيع التفرقة بني ما عليه وله، والعلم مبصاحله ومفاسده، فيقوى هبا على عصيان طبائعه، وخمالفة شهواته،

.تأيت به الدهور، وفضل لذة القلب على لذة البدن وهبا يعرف عواقب األمور، وما .وإن سرور اجلاهل ال حيسن يف جنب سرور العامل، وإن لذة البهائم ال تعشر لذة احلكيم العامل

وأي سرور كسرور العز والرياسة، واتساع املعرفة، وكثرة صواب الرأي، والنجح الذي ال سبب له إال العلم باهللا وحده، وأنك بعرض واليته واجلاه عنده، وأنه الذي يرعاك حسن النظر والتقدم يف التدبري، مث

ويكفيك، وأنك إذا علمت اليسري أعطاك الكثري، ومىت تركت له الفاين أعطاك الباقي، ومىت أدبرت عنه

Page 306: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

دعاك، ومىت رجعت إليه اجتباك، وحيمدك على حقك، ويعطيك على نظرك، لنفسك وال يفنيك إال ليبقيك، .وأنه املبتدىء بالنعمة قبل السؤال، والناظر لك يف كل حال. إال ليحييك، وال مينعك إال ليعطيك وال مييتك

على أن الغريزة ال تنال ذلك بنفسها، مبا باشرته حواسها، دون النظر . وهذا كله ال ينال إال بغريزة العقل .والتفكر، والبحث والتصفح

ولذلك وضع اهللا . يت تبعث على الفكرة، وعلى طلب احليلةولن ينظر ناظر وال يفكر مفكر دون احلاجة التعاىل يف اإلنسان طبيعة الغضب، وطبيعة الرضا، وطبيعة البخل والسخاء، واجلزع والصرب، والرياء

ولن تفي قوة غريزة العقل جبميع قوى . واإلخالص، والكرب والتواضع، والسخط والقناعة، فجعلها عروقايم ما اعوج منها، ويسكن ما حترك، دون النظر الطويل الذي يشدها، والبحث طبائعه وشهواته، حىت يق

ولن يكثر النظر حىت تكثر . الشديد الذي يشحذها، والتجارب اليت حتنكها، والفوائد اليت تزيد فيها .اخلواطر، ولن تكثر اخلواطر حىت تكثر احلوائج، ولن تبعد الرؤية إال لبعد الغاية وشدة احلاجة

لناس تركوا وقدر قوى غرائزهم، ومل يهاجوا باحلاجة على طلب مصلحتهم والتفكر يف معاشهم، ولو أن اوعواقب أمورهم، وأجلئوا إىل قدر خواطرهم اليت تولد مباشرة حواسهم، دون أن يسمعهم اهللا تعاىل خواطر

، وملا ميزوا من األمور األولني، وأدب السلف املتقدمني، وكتب رب العاملني، ملا أدركوا من العلم إال اليسري .إال القليل

ولوال أن اهللا تعاىل أراد تشريف العامل وتربيته، وتسويد العاقل ورفع قدره، وأن جيعله حكيما، وبالعواقب .عليما، ملا سخر له كل شيء، ومل يسخره لشيء، وملا طبعه الطبع الذي جييء منه أريب حكيم، وعامل حليم

أن يكون الطفل عاقال، واجملنون عاملا، لطبعهم طبع العاقل، ولسواهم تسوية كما أنه عز ذكره لو أراد العامل، كما أراد أن يكون السبع وثابا، واحلديد قاطعا، والسم قاتال، والغذاء مقيما؛ فكذلك أراد أن يكون

.ة مستنفعا هبااملطبوع على املعرفة عاملا، واملهيأ للحكمة حكيما، وذو الدليل مستدال، وذو النعمفلما علم اهللا تبارك وتعاىل أن الناس ال يدركون مصاحلهم بأنفسهم، وال يشعرون بعواقب أمورهم

بغرائزهم، دون أن يرد عليهم آداب املرسلني، وكتب األولني، واألخبار عن القرون، واجلبابرة املاضني طبع ليال يعلم به صدق خرب األول؛ ألن كثرة كل قرن من الناس على أخبار من يليه، ووضع القرن الثاين د

السماع لألخبار العجيبة، واملعاين الغريبة، مشحذة لألذهان، ومادة للقلوب، وسبب للتفكري، وعلة للتنقري .عن األمور

وأكثر الناس مساعا أكثرهم خواطر، وأكثرهم خواطر أكثرهم تفكرا، وأكثرهم تفكرا أكثرهم علما، كما أن أكثر البصراء رؤية لألعاجيب أكثرهم جتارب، ولذلك صار البصري . هم عمالوأكثرهم علما أرجح

.أكثر خواطر من األعمى، وصار السميع البصري أكثر خواطر من البصريوعلى قدر شدة احلاجة تكون احلركة، وعلى قدر ضعف احلاجة يكون السكون، كما أن الراجي واخلائف

.دائبان، واآليس واآلمن وادعانوإذا كان اهللا تعاىل مل خيلق عباده يف طبع عيسى بن مرمي، وحيىي بن زكريا، وآدم أيب البشر، صلوات اهللا

عليهم أمجعني، وخلقهم منقوصني، وعن درك مصاحلهم عاجزين، وأراد منهم العبادة، وكلفهم الطاقة، وترك

Page 307: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لئال يكون للناس على اهللا حجة بعد " : العنان لألمل البعيد، وأرسل إليهم رسله، وبعث فيهم أنبياءه، وقال، ومل يشهد أكثر عباده حجج رسله عليهم السالم، وال أحضرهم عجائب أنبيائه، وال أمسعهم " الرسل

احتجاجهم، وال أراهم تدبريهم مل يكن بد من أن يطلع املعاينني على أخبار الغائبني، وأن يسخر أمساع بني طبائع املخربين، وعلل الناقلني، ليدل السامعني، ومن جييب من الغائبني ألخبار املعاندين، وأن خيالف

.الناس

على أن العدد الكثري املختلفي العلل، املتضادي األسباب، املتفاويت اهلمم، ال يتفقون على خترص اخلرب يف ك ال ميكن فكذل. املعىن الواحد، وكما ال يتفقون على اخلرب الواحد على غري التالقي والتراسل إال وهو حق

.مثلهم يف مثل عللهم التالقي عليه، والتراسل فيه .ولو كان تالقيهم ممكنا، وتراسلهم جائزا لظهر ذلك وفشا، واستفاض وبدا

ولو كان ذلك أيضا ممكنا، وكان قوال متومها لبطلت احلجة، ولنقضت العادة، ولفسدت العربة، ولعادت لئال يكون للناس : " وقد قال اهللا جل وعز. اس على اهللا أكرب احلجةالنفس بعلة األخبار جاهلة، ولكان للن

، إذ كلفهم طاعة رسله، وتصديق أنبيائه ورسله وكتبه، واإلميان جبنته وناره، ومل " على اهللا حجة بعد الرسل .يضع هلم دليال على صدق األخبار، وامتناع الغلط يف اآلثار، تعاىل اهللا عن ذلك علوا كبريا

لم أن اهللا تعاىل إمنا خالف بني طبائع الناس ليوفق بينهم، ومل حيب أن يوفق بينهم فيما خيالف مصلحتهم؛ واعألن الناس لو مل يكونوا مسخرين باألسباب املختلفة، وكانوا جمربين يف األمور املتفقة واملختلفة، جلاز أن

ويف هذا ذهاب العيش، . امللك والسياسةخيتاروا بأمجعهم التجارة والصناعة، وجلاز أن يطلبوا بأمجعهم .وبطالن املصلحة، والبوار والتواء

ولو مل يكونوا مسخرين باألسباب، مرهتنني بالعلل لرغبوا عن احلجامة أمجعني، والبيطرة، والقصابة، فاحلائك إذا رأى . ولكن لكل صنف من الناس مزين عندهم ما هم فيه، ومسهل ذلك عليهم. والدباغة: واحلجام إذا رأى تقصريا من صاحبه قال له! يا حجام: من صاحبه أو سوء حذق أو خرقا قال لهتقصريا .ولذلك مل جيمعوا على إسالم أبنائهم يف غري احلياكة واحلجامة، والبيطرة والقصابة! يا حائك

صريا واآلخر طويال، ولوال أن اهللا تعاىل أراد أن جيعل االختالف سببا لالتفاق واالئتالف، ملا جعل واحدا قوواحدا حسنا وآخر قبيحا، وواحدا غنيا وآخر فقريا، وواحدا عاقال وآخر جمنونا، وواحدا ذكيا وآخر

ففرق بينهم ليجمعهم، وأحب . ولكن خالف بينهم ليختربهم، وباالختبار يطيعون، وبالطاعة يسعدون. غبيافسبحانه وتعاىل، ما أحسن ما أبلى وأوىل، وأحكم ما صنع، . ةأن جيمعهم على الطاعة ليجمعهم على املثوب

ولو رغبوا بأمجعهم عن كد البناء . ألن الناس لو رغبوا كلهم عن عار احلياكة لبقينا عراة! وأتقن ما دبرفسخرهم على غري إكراه، . ولو رغبوا عن الفالحة لذهبت األقوات، ولبطل أصل املعاش. لبقينا بالعراء .ري دعاءورغبهم من غ

ولوال اختالف طبائع الناس وعللهم ملا اختاروا من األشياء إال أحسنها، ومن البالد إال أعدهلا، ومن ولو كانوا كذلك لتناجزوا على طلب األواسط، وتشاجروا على البالد العليا، وملا . األمصار إال أوسطها

Page 308: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.القناعةفقد صار هبم التسخري إىل غاية . وسعهم بلد، وملا مت بينهم صلحوكيف ال يكون كذلك وأنت لو حولت ساكين اآلجام إىل الفيايف، وساكين السهل إىل اجلبال، وساكين

.اجلبال إىل البحار، وساكين الوبر إىل املدر، ألذاب قلوهبم اهلم، وألتى عليهم فرط النزاع " .عمر اهللا البلدان حبب األوطان : " وقد قيل

" .ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطاهنم : " اهللا تعاىل وقال عبد اهللا بن الزبري رمحهوقال معاوية يف قوم من اليمن رجعوا إىل بالدهم بعد أن أنزهلم من الشام منزال خصبا، وفرض هلم يف شرف

" .يصلون أوطاهنم بقطيعة أنفسهم : " العطاءفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إال قليل منهم ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أن: " وقال اهللا جل وعز

.فقرن الضن باألوطان إىل الضن مبهج النفوس" . وليس على ظهرها إنسان إال وهو معجب بعقله، ال يسره أن له جبميع ما له ما لغريه، ولوال ذلك ملاتوا

.ى أنه حمسود يف شيءكمدا، ولذابوا حسدا، ولكن كل إنسان وإن كان يرى أنه حاسد يف شيء فهو يرفقد صاروا كما ترى مع اختيار . ولوال اختالف األسباب لتنازعوا بلدة واحدة، وامسا واحدا، وكنية واحدة

واألمساء مبذولة، والصناعات مباحة، واملتاجر . األشياء املختلفة إىل األمساء القبيحة، واأللقاب السمجة الظاهر، مقسمة يف الباطن، وإن كانوا ال يشعرون بالذي مطلقة، ووجوه الطرق خمالة، ولكنها مطلقة يف

.دبر احلكيم من ذلك، وال باملصلحة فيه

فسبحان من حبب إىل واحد أن يسمي ابنه حممدا، وحبب إىل آخر أن يسميه شيطانا، وحبب إىل آخر أن هم يف اختيار األمساء يسميه عبد اهللا، وحبب إىل آخر أن يسميه محارا، ألن الناس لو مل خيالف بني علل

.والكىن، جاز أن جيتمعوا على شيء واحد، وكان يف ذلك بطالن العالمات، وفساد املعامالتوأنت إذا رأيت ألواهنم ومشائلهم واختالف صورهم، ومسعت لغاهتم ونغمهم علمت أن طبائعهم وعللهم

.احملجوبة الباطنة، على حسب أمورهم الظاهرة .را للحياكة فليس مبسخر للفسق واخليانة، ولإلحكام والصدق واألمانةوبعض الناس وإن كان مسخ

وقد يسخر اهللا امللك لقوم بأسباب قدمية وأسباب حديثة، فال يزال ذلك امللك مقصورا عليهم، ما دامت تلك األسباب قائمة، إذا كانوا للملك مسخرين، وكان الناس هلم مسخرين، باجلربية والنخوة، والفظاظة

.سوة، ولطول االحتجاب واالستتار، وسوء اللقاء والتضييعوالق .وقد يكون اإلنسان مسخرا ألمر، وخمريا يف آخر

ولوال األمر والنهي جلاز التسخري يف دقيق األمور وجليلها، وخفيها وظاهرها؛ ألن بين اإلنسان إمنا سخروا .للمفسدةله إرادة العائدة إليهم، ومل يسخروا للمعصية، كما مل يسخروا

كل ذلك ليجمع اهللا تعاىل هلم مصاحل الدنيا، . وقد تستوي األسباب يف مواضع، وتتفاوت يف مواضع .ومراشد الدين

أال ترى أن أمة قد اجتمعت على أن عيسى عليه السالم هو اهللا، وأمة قد اجتمعت على أنه ابن اهللا، وأمة

Page 309: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

دد، ومنهم من يتدهر، ومنهم من يتحول نسطوريا ومنهم يتب. اجتمعت على أن اآلهلة ثالثة، عيسى أحدهاولست واجدا هذه األمة مع اختالف مذاهبها، . بعد أن كان يعقوبيا، ومنهم من أسلم بعد أن كان نصرانيا

يوم - وهو اجلمعة -وكثرة تنقلها، انتقلت مرة واختلفت مرة، متعمدة أو ناسية، يف يوم واحد، فجعلته م مجعة خبطبة يوم مخيس، وال غلطت يف كانون األول فجعلته كانون اآلخر، وال بني السبت، ومل ختطب يف يو

الصوم واإلفطار؛ ألن الباب األول يف باب اإلمكان وتعديل األسباب واالمتحان، والباب الثاين داخل يف .باب االمتناع وتسخري النفوس وطرح االمتحان

زعم أن الشك واجب يف كل شيء، إال يف العيان، أن وقد زعم ناس من اجلهال، ونفر من الشكاك، ممن يأهل املنصورة وافوا مصالهم يوم مخيس على أنه يوم اجلمعة، يف زمن منصور بن مجهور وأن أهل البحرين

.جلسوا عن مصالهم يوم اجلمعة على أنه يوم مخيس، يف زمن أيب جعفر، فبعث إليهم وقومهم، وال يف العدد الكثري من أهل القرى، ألن الناس من بني صانع ال وهذا ال جيوز وال ميكن يف أهل األمصار

ومن . يأخذ أجرته وال راحة له دون اجلمعة، وبني جتار قد اعتادوا الدعة يف اجلمع، واجللوس عن األسواقوبني معين باجلمع يتالقى هناك مع املعارف واإلخوان . معلم كتاب ال يصرف غلمانه إال يف اجلمع

ومن . ومن رجل عليه موعد ينتظره. بني معين باجلمع حرصا على الصالة، ورغبة يف الثوابو. واجللساءوبعض كالسؤال . ومن جندي فهو يعرف بذلك نوبته. صرييف يصرف ذلك اليوم سفاجته وكتب أصحابه

اب واملساكني والقصاص، الذين ميدون أعناقهم للجمعة انتظارا للصدقة والفائدة، يف أمور كثرية، وأسب .مشهورة

ولو جاز ذلك يف أهل البحرين واملنصورة جلاز ذلك على أهل البصرة والكوفة، ولو جاز ذلك يف األيام ويف ذلك فساد احلج، والصوم، . لكان يف الشهور أجوز، ولو جاز ذلك يف الشهور لكان يف السنني أجوز

.والصالة، والزكاة، واألعيادشعراء على قصيدة واحدة، واخلطباء على خطبة واحدة، والكتاب على ولو كان ذلك جائزا جلاز أن يتفق ال

.رسالة واحدة، بل مجيع الناس على لفظة واحدةوإمنا نزلت لك حاالت الناس، وخربتك عن طبائعهم، وفسرت لك عللهم لتعلم أن العدد الكثري ال يتفقون

وسأوجدك . غري التشاعر، فيكون باطالعلى خترص اخلرب الواحد يف املعىن الواحد يف الزمن الواحد، على .موضع اختالفهم واتفاقهم، وأنه مل خيالف بينهم يف بعض الوجوه إال إرهاصا ملصلحتهم، ولتصح أخبارهم

ومل يشتر أحد قط . أال ترى أن أحدا مل يبع قط سلعة بدرهم إال وهو يرى أن ذلك الدرهم خري له من سلعتهولو كان صاحب السلعة يرى يف سلعته ما يرى فيها . خري له من درمهه سلعة بدرهم إال وهو يرى أن تلك

صاحب الدرهم، وكان صاحب الدرهم يرى يف الدرهم ما يرى فيه صاحب السلعة ما اتفق بينهم شراء .ويف هذا مجيع املفسدة، وغاية اهللكة. أبدا

وإذا وقع التبايع . ينا، ليقع التبايعفسبحان الذي حبب إلينا ما يف أيدي غرينا، وحبب إىل غرينا ما يف أيد .وقع الترابح، وإذا وقع الترابح وقع التعايش

Page 310: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أنك جتد اجلماعة وبني أيديهم الفاكهة والرطب، فال جتد : ويدلك أيضا على اختالف طبائعهم وأسباهبمت على يدين تلتقيان على رطبة بعينها، وكل واحد من اجلميع يرى ما حواه الطبق، غري أن شهوته وقع

ولرمبا سبق الرجل إىل الواحدة، وقد كان صاحبه يريدها يف نفسه، غري أن . واحدة غري اليت آثرها صاحبهذلك ال يكون إال يف الفرط، ولو كانت شهواهتم ودواعيهم تتفق على واحدة بعينها لكان يف ذلك التمانع

. النساء واإلماء، واملراكب والكسى وكذلك هو يف شهوة. والتجاذب، واملبادرة وسوء املخالطة واملؤاكلة .واهللا تعاىل نسأل التوفيق. وبأقل مما قلنا يعرف العاقل صواب مذهبنا. وهذا كثري، والعلم به قليل

وهو الذي خالف بني طبائعهم وأسباهبم، حىت ال يتفق على خترص خرب واحد، ألن يف اتفاق طبائعهم فوائدهم واعتبارهم، ويف فساد أخبارهم فساد متاجرهم وأسباهبم يف جهة اإلخبار فساد أمورهم، وقلة

والعلم مبا غاب عن أبصارهم، وبطالن املعرفة بأنبيائهم ورسلهم عليهم السالم، ووعدهم ووعيدهم، وأمرهم وهنيهم وزجرهم، ورغبتهم، وحدودهم، وقصاصهم الذي هو حياهتم، والذي يعدل طبائعهم،

ذي به يتمانعون من تواثب السباع، وقلة احتراس البهائم، وإضاعة ويسوي أخالقهم، ويقوي أسباهبم، وال .وبه تكثر خواطرهم وتفكريهم، وحتسن معرفتهم. األعمار

ومل نقل أن العدد الكثري ال جيتمعون على اخلرب الباطل، كالتكذيب والتصديق، وحنن قد جند اليهود بون النيب صلى اهللا عليه وسلم، وينكرون آياته والنصارى، واجملوس والزنادقة، والدهرية وعباد البددة يكذ

إن العدد الكثري ال يتفقون على مثل إخبارهم : وإمنا قلنا. مل يأت بشيء، وال بان بشيء: وأعالمه، ويقولونأن حممد بن عبد اهللا بن عبد املطلب، التهامي األبطحي عليه السالم خرج مبكة، ودعا إىل كذا، وأمر بكذا،

باح كذا، وجاء هبذا الكتاب الذي نقرؤه، فوجب العمل مبا فيه، وأنه حتدى البلغاء وهنى عن كذا، وأفلم يرم ذلك أحد وال تكلفه، وال . واخلطباء والشعراء، بنظمه وتأليفه، يف املواضع الكثرية، واحملافل العظيمة .أتى ببعضه وال شبيه منه، وال ادعى أنه قد فعل، فيكون ذلك اخلرب باطال

وإمنا املعارضة مثل . مجعهم إنه كان كاذبا معارضة هلذا اخلرب، إال أن يسموا اإلنكار معارضة وليس قولاملوازنة واملكايلة، فمىت قابلونا بأخبار يف وزن أخبارنا وخمرجها وجميئها، فقد عارضونا ووازنونا وقابلونا،

حبجة، وال تصديقنا النيب صلى اهللا عليه فأما اإلنكار فليس حبجة، كما أن اإلقرار ليس. وقد تكافينا وتدافعناوسلم حجة على غرينا، وال تكذيب غرينا له حجة علينا، وإمنا احلجة يف اجمليء الذي ال ميكن يف الباطل

.مثلهوأي جميء أثبت خرب األنصاري عن عيسى بن مرمي عليه السالم وذلك أنك لو سألت النصارى : فإن قلت

.إين إله: أسالفهم أن عيسى قد قالجمتمعني ومتفرقني خلربوك عن ولكن . قد علمنا أن نصارى عصرنا مل يكذبوا على القرن الذي كان قبلهم، والذين كانوا يلوهنم: قلنا

إين إله ملا أعطاه اهللا تعاىل إحياء : الدليل على أن أصل خربهم ليس كفرعه، أن عيسى عليه السالم لو قاليف عيسى عليه السالم داللة يف نفسه، أنه ليس بإله، وأنه عبد مدبر، على أن . املوتى، واملشي على املاء

ومقهور ميسر، وليس خربهم هذا إال كإخبار النصارى عن آبائهم والقرن الذي يليهم أن بولس قد كان وكإخبار املنانية عن القرن الذي كان يليهم منه أن ماين قد كان جاءهم باآليات . جاء باآليات والعالمات

Page 311: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

. وكإخبار اجملوس عن آبائهم الذين كانوا يلوهنم أن زرادشت قد جاءهم باآليات والعالمات. ماتوالعالولكن . وقد علمنا أن هؤالء النصارى مل يكذبوا على القرن الذي كان يليهم، وال الزنادقة وال اجملوس

فه، ألن بولس إن الدليل على أن أصل خربهم ليس كفرعه أن اهللا جل وعز ال يعطي العالمات من ال يعركان عنده أن عيسى عليه السالم إله فهو ال يعرف اهللا تعاىل، بل ال يعرف الربوبية من العبودية، والبشرية

.من اإلهلية

فصل منه

وللنصارى خاصة رياء عجيب، وظاهر زهد، والناس أبطأ شيء عن التصفح، وأسرع شيء إىل تقليد .من العلم صاحب السن والسمت، وظاهر العمل أدعى هلم

فصل منه على ذكرهم

وكل قوم بنوا دينهم على حب األشكال، وشبه الرجال، يشتد وجدهم به وحبهم له، حىت ينقلب احلب .عشقا، والوجد صبابة، للمشاكلة اليت بني الطبائع، واملناسبة اليت بني النفوسمثلهم خبعت نفوسهم باهليبة له وعلى قدر ذلك يكون البغض واحلقد، ألن النصارى حني جعلوا رهبم إنسانا

لتومههم الربوبية، وأمسحت باملودة لتومههم البشرية، فلذلك قدروا من العبادة على ما مل يقدر عليه من ومبثل هذا السبب صارت املشبهة منا أعبد ممن ينفي التشبيه، حىت رمبا رأيته يتنفس من الشوق . سواهم

وما ظنك . ند ذكر الرؤية، ويغشى عليه عند ذكر رفع احلجبإليه، ويشهق عند ذكر الزيارة، ويبكي ع .بشوق من طمع يف جمالسة ربه عز وجل، وحمادثة خالقه عز ذكره

إما : إمنا هو نتيجة أحد أمرين: ولقد غالت القوم غول، ودعاهم أمر، فانظر ما هو وإن سألتين عنه خربتكاليهود من إنكار حقه بتكذيبه، حىت طلبت قتله ولذلك السبب مل ترض. تقليد الرجال، وإما طلب تعظيمهم

وصلبه، واملثلة به، مث مل ترض بذلك حىت زعمت أنه لغري رشدة، فلو كانت دون هذه املنزلة منزلة ملا انتهت .اليهود دون بلوغها، ولو كانت فوق ما قالت النصارى منزلة ملا انتهت دون غايتها

وأحسن تواصال من غريهم . رقا، وأفرط غضبا، وأدوم حقداوبذلك السبب صارت الرافضة أشد صبابة وحت .أيضا

ورب خرب قد كان فاشيا فدخل عليه من العلل ما منعه من الشهرة، ورب خرب ضعيف األصل، واهن .املخرج، قد هتيأ له من األسباب ما يوجب الشهرة

فصل منه

حىت حيظى صاحبه حبظه، وغريه من الشعر واعلم أن ألكثر الشعر ظعنا وحظوظا، كالبيت حيظى ويسري، وما ضاع من كالم الناس وضل أكثر مما حفظ . وكاملثل حيظى ويسري، وغريه من األمثال أجود. أجود منه

Page 312: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.واعترب ذلك من نفسك، وصديقك وجليسك. وحكيته ومن ذلك قتل علي بن أيب طالب من السادة والقادة واحلماة، ما عسى لو ذكر. وأمر األسباب عجيب

الستكربته واستعظمته، فأضرب الناس عن ذكرهم، وجهلت العوام مواضعهم، وأخذوا يف ذكر عمرو بن .عبد ود فرفعوه فوق كل فارس مشهور، وقائد مذكور

وأمر املطيبني واألحالف، ومقتل أيب أزيهر، . وقد قرأت على العلماء كتاب الفجار األول، والثاين، والثالث .مجع كان لقريش، فما مسعت لعمرو هذا يف شيء من ذلك ذكراوجميء الفيل، وكل يوم

إن نبل القاتل زيادة يف نبل املقتول، فكل من قتله على ابن أيب طالب رضوان اهللا عليه أنبل منه : فإن قلت .وأحق بالشهرة، ولكن أشعار ابن دأب، ومناقلة الصبيان يف الكتاب مها اللتان أورثتاه ما ترى وتسمع

أمر األخبارفصل منه يف

وإمنا ذكرت هذا لتعلم أن اخلرب قد يكون أصله ضعيفا مث يعود قويا، ويكون أصله قويا فيعود ضعيفا، للذي يعتريه من األسباب، وحيل به من األعراض، من لدن خمرجه وفصوله، إىل أن يبلغ مدته، ومنتهى أجله، وغاية

.التدبري فيه، واملصلحة عليهفا، وكان غري مأمون على املتقادم منه وضع اهللا تعاىل لنا على رأس كل فترة عالمة، وعلى فلما كان هذا خمو

. غاية كل مدة أمارة، ليعيد قوة اخلرب، وجيدد ما قد هم بالدروس، باألنبياء واملرسلني عليهم السالم أمجعنيوبني آدم عليهما السالم، حىت ألن نوحا عليه السالم هو الذي جدد األخبار اليت كانت يف الدهر الذي بينه

وليس أن أخبارهم وحججهم قد . منعها اخللل، ومحاها النقصان بالشواهد الصادقة، واألمارات القائمةبعثه اهللا عز وجل بآياته لئال ختلو األرض من . كانت درست واختلت، بل حني مهت بذلك وكادت

.فاعرف ذلك. ة فرقوبني الفترة والقطع. حججه، ولذلك مسوا آخر الدهر الفترةمث بعث اهللا جل وعز إبراهيم عليه السالم على رأس الفترة الثانية اليت كانت بينه وبني دهر نوح، وإمنا

جعلها اهللا تعاىل أطول فترة كانت يف األرض، ألن نوحا كان لبث يف قومه حيتج وخيرب، ويؤكد ويبني، ألف م اآليات، وهي الطوفان، الذي أغرق اهللا تعاىل به مجيع سنة إال مخسني عاما، وألن آخر آياته كانت أعظ

أهل األرض غريه وغري شيعته، وإمنا أفار املاء من جوف تنور، ليكون أعجب لآلية، وأشهر للقصة، وأثبت .للحجة

مث ما زالت األنبياء صلوات اهللا عليهم أمجعني، بعضهم على إثر بعض يف الدهر الذي بني إبراهيم، وبني فلترادف حججهم، وتظاهر أعالمهم، وكثرة أخبارهم، واستفاضة أمورهم، ولشدة . هما السالمعيسى علي

ما تأكد ذلك يف القلوب، ورسخ يف النفوس، وظهر على األلسنة، مل يدخلها اخلطل والنقص والفساد، يف .الدهر الذي كان بني النيب عليه السالم وبني عيسى عليه السالم

تنقص عن التمام، وانتهت قوهتا، بعث اهللا تعاىل حممدا صلى اهللا عليه وسلم، فحني مهت بالضعف، وكادت فجدد أقاصيص آدم ونوح، وموسى وهارون، وعيسى وحيىي، عليهم السالم، وأمورا بني ذلك، وهو

Page 313: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

الصادق، بالشواهد الصادقة، وأن الساعة آتية، وأنه ختم الرسل عليهم السالم به، فعلمنا عند ذلك أن .تم إىل مدهتا، وبلوغ أمر اهللا عز وجل فيهاحجته ست

فصل

إن الناس موكلون حبكاية كل عجيب، وميسرون لإلخبار عن : مث رجع الكالم إىل القول يف األخبار، فأقولكل عظيم، وليسوا للحسن أحكى منهم للقبيح، وال ملا ينفع أحكى منهم ملا يضر، وعلى قدر كرب الشيء

.تكون حكايتهم له واستماعهمأال ترى أن رجال من اخللفاء لو ضرب عنق رجل من العظماء ملا أمسى ويف عسكره وبلدته جاهل وال عامل إال وقد استقر ذلك عنده وثبت يف قلبه، ألن الناس بني حاسد فهو حيكي ذلك الذي دخل عليه من الثكل

ولو . راجيف بالفاسد والصاحلوقلة العدد، وبني واجد يعجب الناس، وبني واعظ معترب، وبني قوم شأهنم األ .كان ضرب عنقه يف يوم عيد، أو حلبة، أو استمطار، أو موسم، لكان أشد الستفاضته، وأسرع لظهوره

لعله قد كان : ولو جاز أن يكتم الناس هذا وشبهه على اإليثار للكتمان، وعلى جهة النسيان، لكنا ال ندريأشد منها، ولكن الناس آثروا الكتمان، واتفقوا على يف زمن صفني واجلمل والنهروان حرب مثلها أو

.النسيانفإذا كان قتل امللك الرجل من العظماء هبذه املنزلة من قلوب األعداء، ومن قلوب احلكماء والغوغاء، فما

ظنك مبن لو أبصروا رجال قد أحياه بعد أن ضرب عنقه، وأبان رأسه من جسده، أليس كان يكون تعجبهم شد من تعجبهم من قتله، وكان يكون إخبارهم من خلفوا يف منازهلم ومن ورد عليهم عن القتل من إحيائه أ

.ليكون سببا لإلخبار عن اإلحياء، إذ كان األول صغريا يف جنب الثاينفهذا يدل على أن أعالم الرسل عليهم السالم وآياهتم أحق بالظهور والشهرة، والقهر للقلوب واألمساع،

وكذلك . بل قد نعلم أن موسى عليه السالم مل يذكر ومل يشهر إال ألعاجيبه وآياته. شرائعهممن خمارجهم و .عيسى عليه السالم، ولوال ذلك ملا كانا إال كغريمها ممن ال يشعر مبوته وال مولده

وكيف تتقدم املعرفة هبما املعرفة بأعالمهما وأعاجيبهما، وأنت مل تسمع بذكرمها قط، دون ما ذكر من .عالمهماأ

فإذا كان شأن الناس اإلخبار عن كل عجيب، وحكاية كل عظيم، واإلطراف بكل طريف، وإيراد كل غريب من أمور دنياهم، فما ال ميتنع يف طبائعهم، وال خيرج من قوى اخلليقة يف البطش واحليلة، أحق

عليه، والنفوس وما تنتج، باإلخبار واإلذاعة، وباإلظهار واإلفاضة، هذا على أن يترك الطباع وما يولد .والعلل وما يسخر

فكيف إن كان اهللا عز وجل قد خص أعالم أنبيائه وآيات رسله عليهم السالم من هتييج الناس على اإلخبار .عنها، ومن تسخري األمساع حلفظها، خباصة مل جيعلها لغريها

فصل منه

Page 314: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

رج من حد الطاقة، كإحياء املوتى، واملشي إن احلجة ال تكون حجة حىت تعجز اخلليقة وخت: فإن قال القائلعلى املاء، وكفلق البحر، وكإطعام الثمار يف غري أوان الثمار، وكإنطاق السباع، وإشباع الكثري من القليل،

وكالذي ال جيوز أن يتواله إال اخلالق، وال يقدر عليه إال اهللا عز . وكل ما كان جسما خمترعا، وجرما مبتدعا .ذكرهاألخبار اليت هي أفعال العباد، وهم تولوها، وهبم كانت وبقوهلم حدثت، فال جيوز أن يكون حجة، إذ فأما

.كان ال حجة إال ما ال يقدر عليه اخلليقة، وما ال يتوهم من مجيع الربية

ر إنا مل نزعم أن األخبار حجة فيحتجون علينا هبا، وإمنا زعمنا أن جميئها حجة، واجمليء ليس هو أم: قلنايتكلفه الناس وخيتارونه على غريه، ولو كان كذلك لكانوا مىت أرادوه فعلوه وهتيئوا له، ولفعلوه يف الباطل

واجمليء أيضا ليس هو فعال قائما فيستطيعوه أو يعجزوا عنه، وإمنا هو اإلنسان، يعلم . كما جييء هلم يف احلقيئا، مث لقي الكوفيني فأخربوه مبثل ذلك، أهنم قد أنه إذا لقي البصريني فأخربوه أهنم قد عاينوا مبكة ش

إذ كان مثلهم ال يتواطأ على مثل خربهم على جهلهم بالغيب، وعلى اختالف طبائعهم ومهمهم . صدقوافليس بني هذا وبني إحياء املوتى واملشي على املاء فرق، إذ كان الناس ال يقدرون عليه، وال . وأسباهبم

إذ كان كيف يكون ومعلوم أن الناس ال ميكنهم . ا هو معىن معقول، وشيء موهوميطمعون فيه، واجمليء إمنفمىت وجدت أمرا ووجدت . وإمنا مدار أمر احلجة على عجز اخلليقة. أن يقدروا، وال يستطيعون فعلهترى أن أال . مث ال عليك جوهرا كان أو عرضا، أو موجودا أو متومها معقوال. اخلليقة عاجزة عنه فهي حجة

.فلق البحر ليس هو من جنس اختراع الثمار، ألن الفلق هو انفراج أجزاء، والثمار أجرام حادثةوكذلك لو ادعى رجل أن اهللا عز وجل أرسله وجعل حجته علينا اإلخبار مبا أكلنا وادخرنا وأضمرنا، لكان

.قد احتج علينا .ملستور، وببعض ما يكونإن املنجمني رمبا أخربوا بالضمري، وباألمر ا: فإن قلتم

وأنتم ال تقدرون أن تقفونا . أما واحدة فإن خطأ املنجمني كثري، وصواهبم قليل، بل هو أقل من القليل: قلنامن أخبار املرسلني عليهم السالم يف كثري أخبارهم على خطاء واحد، والذي سهل قليل املنجمني طرافة

ا كان عجبا، ألنه ليس بعجب أن يكون الناس ال يعلمون ما يكون ذلك منهم، ألهنم لو قالوا فأخطئوا أبدا مل .قبل أن يكون، ومن أعجب العجب أن يوافق قوهلم بعض ما يكونوقد جند الرسول خيربهم عما يأكلون . وقد جند املنجمني خيتلفون يف القضية الواحدة، وخيطئون يف أكثرها

عاين، واملختلفة يف الوجوه، حىت ال خيطىء يف شيء من ويشربون ويدخرون ويضمرون، يف األمور الكثرية املوليس يف األرض منجم ذكر شيئا أو وافق ضمريا إال وأنت واجد بعض من يزجر قد جييء مبثله . ذلك

.وأكثر منهفهم يف إخبارهم عن : إن الناس يكذبون يف اإلخبار عن األعراب والكهان من كل جيل قلنا: فإن قلت

.املنجمني أكذبعد، فالناس غري مستعظمني لكثرة كذب املنجمني وخطاياهم وخدعهم، والناس يستعظمون اليسري من وب

Page 315: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكلما كان الرجل يف عينك أعظم، وكان عن الكذب أزجر، كان كذبه عندك . املرسلني عليهم السالمهو الذي قتله، وإمنا املنجم عند العوام كالطبيب الذي إن قتل املريض عالجه كان عندهم أن القضاء . أعظم

.على أن صواهبم أكثر،ودليلهم أظهر. وإن برأ كان هو أبرأهوقد صار الناس ال يقتصرون للمنجمني على قدر ما يسمعون منهم، دون أن يولدوا هلم، ويضعوا األعاجيب

.عن ألسنتهمن وكل ملحد يف األرض للرسول طاعن عليه، عائب له، يرى أن يصدق عليه كل كذاب يريد ذمه، وأ

.يكذب كل صادق يريد مدحهوبعد، فلو كان خرب املنجمني يف الصواب كخرب األنبياء واملرسلني عليهم السالم، الذي هو حجة، ملا كان

.خرب املنجمني حجةألن من كثر صوابه على غري استدالل ومقايسة، وعلى غري حساب وجتربة، أو : ومل ذاك قلت: فإن قلت

ر من قبل الوحي؛ ألنك لو قلت قصيدة يف نفسك فحدثك هبا رجل، وأنت على نظر ومعاينة مل يكن األم .تعلم أنه ليس مبنجم، وأنشدكها كلها، لعلمت أن ذلك ال يكون إال بوحي

ومثل ذلك رجل اشتد وجع عينه فعاجله طبيب فربأ، فلو جعل الطبيب ذلك حجة على نبوته لوجب علينا اللهم إن كنت صادقا عليك فاشفه الساعة، فربأ من : دنو إليهتكذيبه، ولو قال رجل من غري أن ميسه أو ي

.ساعته لعلمنا أنه صادقإن علمنا بذلك كعلمنا بأن العباس ومحزة : وما علمنا أن حممدا عليه السالم مل يكن منجما قلنا: فإن قالوا

وكيف جيوز أن . متكهننيوعليا وأبا بكر وعمر، رضوان اهللا عليهم أمجعني، مل يكونوا منجمني، وال أطباء يصري إنسان عاملا بالنجوم من غري أن خيتلف إىل املنجمني، أو خيتلفوا إليه، أو يكون علم النجوم فاشيا يف

ولو بلغ إنسان يف علم النجوم، وليست معه علة من هذه . أهل بالده، أو يكون يف أهله واحد معروف به .ات والعالماتالعلل، وكان ذلك خيفى، لكان ذلك كبعض اآلي

ومىت رأينا حاذقا بالكالم، أو بالطب، أو باحلساب، أو بالغناء، أو بالنجوم، أو بالعروض، خفي على الناس ومجيع ما ذكرنا، فعناية الناس به وعداوهتم، وشهرته يف نفسه، دون حممد صلى اهللا عليه ! موضعه وسببه

.وسلم .ه، وأداىن أهله، ومن معه يف بيته وربعهوهل نصب أحد قط ألحد إال بدون ما نصب له رهط

املعاند واملسترشد واملصدق واملكذب، ينكر أن حممدا صلى اهللا عليه وسلم مل - يرمحك اهللا - وما أعرف إنه قد كان يعلم اخلط فخفي له ذلك، وتعلم األسباب والقضاء يف : وإذا قال اجلاهل. يكن منجما وال طبيبا

علم البيان وقدر منه على ما يعجز أمثاله عنه وخفي ذلك، أليس مع قوله ما يعلم النجوم فخفي له ذلك، وتخالفه، يعلم أنه قد سلم له أعجوبة كأعجوبة إبراء األكمه واألبرص، واملشي على املاء، إذ كان ذلك ال

.جيوز، وال ميكن يف الطبائع والعقل والتجربةارك لتصديقه أنه ال يدري بزعمه، لعله كان أعلم اخللق هل جيد الت: وافهم يرمحك اهللا ما أنا واصفه لك

Page 316: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وهو مل جيد أحدا قط برع يف صناعة واحدة فخفي على الناس . بالنجوم، ناظرا لنفسه، غري معاند حلجة عقله .موضعه بكل ما حكينا وفسرنا

يعرف به وأنت كيف تعلم أنه ليس يف إخوانك من ليس مبنجم، وأن فيهم من ليس بطبيب، إال مبثل ما .رهط النيب صلى اهللا عليه وآله منه

وكيف مل يشتهر ذلك، ومل مل حيتج به عليه ولقد بلغ من إسرافهم يف شتمه، وإفراطهم عليه، أن نافقوا ساحر، خلالبته وحسن بيانه، : وإمنا يقال للرجل! أنت ساحر، وأنت جمنون: وأحالوا، ألهنم كانوا يقولون له .جمنون، لضد ذلك كله: ويقال. راته وحتببهولطف مكايده، وجودة مدا

فصل منه

وليس ينتفع الناس بالكالم يف األخبار إال مع التصادق، وال تصادق إال مع كثرة السماع، والعلم باألصول؛ ألن رجال لو نازع يف األخبار، ويف الوعد والعيد، واخلاص والعام، والناسخ واملنسوخ، والفريضة والنافلة،

شريعة، واالجتماع والفرقة، مث حسنت نيته، وناضح عن نفسه، ملا عرف حقائق باطل دون أن والسنة والوكيف أيضا . يكون قد عرف الوجوه، ومسع اجلمل، وعرف املوازنة، وما كان يف الطبائع، وما ميتنع فيها

م أن من يقول يف التأويل من مل يسمع بالتنزيل وكيف يعرف صدق اخلرب من مل يعرف سبب الصدق واعل .عود قلبه التشكك اعتراه الضعف، والنفس عروف، فما عودهتا من شيء جرت عليه

واملتحري إىل تقوية قلبه ورد قوته عليه وإفهامه موضع رأيه، وتوقيفه على األمر الذي أثقل صدره، أحوج منه .إىل املنازعة يف فرق ما بني اجمليء الذي يكذب مثله، واجمليء الذي ال يكذب مثله

. وسنتكلف من عالج دائه، وترتيب إفهامه إن أعان على نفسه، مبا ال يبقي سببا للشك، وال علة للضعف .واهللا تعاىل املعني على ذلك، واحملمود عليه

فصل منه

ومىت مسعنا نيب اهللا عليه السالم اتكل على عدالته، وعلى معرفة قومه بقدمي طهارته، وقلة كذبه، دون أن والربهانات ولعمري لو مل جند احلافظ ينسى، والصادق يكذب، واملؤمن يبدل، لقد كان جاءهم بالعالمات .ما ذهبوا إليه وجها

فصل منه يف ذكر دالئل النيب

عليه الصالة والسالم

وباب آخر يعرف به صدقه، وهو إخباره عما يكون، وإخباره عن ضمائر الناس، وما يأكلون وما يدخرون، وذلك أن النيب صلى اهللا عليه وسلم حني لقي من . ذي ال تأخري فيه، وال خلف لهولدعائه املستجاب ال

Page 317: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

قريش والعرب ما لقي من شدة أذاهم له، وتكذيبهم إياه، واستعانتهم عليه باألموال والرجال، دعا اهللا جل . يوسفاللهم سنني كسين : " وعز أن جيدب بالدهم، وأن يدخل الفقر بيوهتم، فقال صلى اهللا عليه وآله

" .اللهم اشدد وطأتك على مضر فأمسك اهللا عز وجل عنهم املطر حىت مات الشجر، وذهب الثمر، وقلت املزارع، وماتت املواشي، وحىت

.اشتووا القد والعلهزفعند ذلك وفد حاجب بن زرارة على كسرى، يشكو إليه اجلهد واألزل ويستأذنه يف رعي السواد، وهو

فلما أصاب مضر خاصة اجلهد، وهنكهم األزل، وبلغت احلجة مبلغها، . نه قوسهحني ضمنه عن قومه، وأرهوانتهت املوعظة منتهاها، عاد بفضله صلى اهللا عليه وسلم، على الذي بدأهم به، فسأل ربه اخلصب وإدرار

" . ا اهللا حوالينا وال علين: " الغيث، فأتاهم منه ما هدم بيوهتم، ومنعهم حوائجهم، فكلموه يف ذلك فقال .فأمطر اهللا عز وجل ما حوهلم، وأمسك عنهم

وكتب إىل كسرى يدعوه إىل جناته وختليصه من كفره، فبدأ بامسه على امسه، فأنف من ذلك كسرى فمزق " . اللهم مزق ملكه كل ممزق : " لشقوته، وأمر بتمزيق الكتاب، فلما بلغه صلى اهللا عليه وسلم قال

قطع دابره، ألن كل ملك يف األرض، وإن كان قد أخرج من معظم اهللا جل وعز ملكه، وجد أصله، وملكه، فهو مقيم على بقية منه، وذلك أن اإلسالم مل يترك ملكا حبيث تناله احلوافر واألخفاف واألقدام، إال

أزاله عنه، وأخرجه منه إىل عقاب يعتصم هبا، ومعاقل يأوي إليها، أو طرده إىل خليج منيع، ال يقطعه إال سفن، فهم من بني هارب قد دخل يف وجار، أو اختفى يف غيضة، أو مقيم على فم شعب، ورأس مضيق، ال

قد سخت نفسه عن كل سهل، وأسلم كل مرج أو ملك ال قرار له، وليس بذي مدر فيؤتى، وإمنا أصحابه ئهم، ويغاديهم فأما أن يكون ملك يصحر هلم، ويقيم بإزا. أكراد يطلبون النجعة، أو كخوارج يطلبون الغرة

احلرب وميسيهم، ويساجلهم الظفر ويناهضهم، كما كانت ملوك الطوائف، وكالذي كان بني فارس والروم إىل قوله عز " هو الذي أرسل رسوله باهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله : " فال، وذلك لقوله تعاىل

لغالبني بالقدرة، والظاهرين باملنعة، فلم يرض أن أظهر دينه حىت جعل أهله ا" . املشركون : " ذكره .واآلخذين اإلتاوة

أن امحل إىل هذا العبد الذي : وكتب كسرى إىل فريوز الديلمي، وهو من بقية أصحاب سيف بن ذي يزنفقال . إن ريب أمرين أن أمحلك إليه: فأتاه فريوز فقال! بدأ بامسه قبل امسي، واجترأ علي، ودعاين إىل غري ديين

إن ريب خربين أنه قد قتل ربك البارحة، فأمسك علي ريثما يأتيك اخلرب، فإن تبني : " عليه وسلمصلى اهللا فراع ذلك فريوز وهاله، وكره اإلقدام عليه، واالستخفاف به، فإذا " . لك صدقي، وإال فأنت على أمرك

من معه من بقية الفرس فأسلم وأخلص، ودعا. أن شريويه قد وثب عليه يف تلك الليلة فقتله: اخلرب قد أتاه .إىل اهللا عز ذكره فأسلموا

فصل منه يف ذكر النيب

Page 318: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

صلى اهللا عليه وآله

ملتقادمة، يف األزمان املتباعدة، والبلدان مث إن الذي تقدمه صلى اهللا عليه وآله من البشارات يف الكتب ا .املوجودة بكل مكان، على شدة عداوة أهلها، وتعصب حامليها، ومع قوة حسدهم، وشدة بغيهم

وكل الناس أشبه بأزماهنم منهم . وما ذلك ببديع منهم ومن آبائهم، على أهنم أشبه بآبائهم منهم بأزماهنمم عليهم السالم، وتعنتوا رسلهم صلى اهللا عليهم، حىت خالهم اهللا عز وآباؤهم الذين قتلوا أنبياءه. بآبائهم

.وجل من يده، وأفقدهم عصمته وتوفيقهومل استدل على ذكره يف التوراة واإلجنيل والزبور، وعلى صفته والبشارة به يف الكتب إال ألنك مىت

شياء مثل األمور اليت حيتج هبا وجدت النصراين واليهودي يسلم بأرض الشام وجدته يعتل بأمور، وحيتج بأ. وكذلك من أسلم باحلجاز، ومن أسلم من اليمن، من غري تالق وال تعارف، وال تشاعر. من أسلم بالعراق

وكيف يتالقون ويتراسلون، وهم غري متعارفني وال متشاعرين ولو كانوا كذلك لظهر ذلك ومل ينكتم، كما .تجاجهم مع كثرة األلفاظ واختالف املعاين، لوجدهتا متساويةولو قابلت بني أخبارهم واح. حكينا قبل هذا

فصل منه

مل كانت أعالم موسى عليه السالم يف كثرهتا مع غي بين إسرائيل، ونقصان أحالم القبط، يف : فإن قال قائل .وزن أعالم حممد صلى اهللا عليه وسلم ويف قدرها، مع أحالم قريش، وعقول العرب

بين إسرائيل ونقصان أحالم القبط، ورجحان عقول العرب، وأحالم كنانة، فأت ومىت أحببت أن تعرف غيوانظر إىل بنيهم وبقاياهم، كما نظرت إىل بين إسرائيل من اليهود وغي بين من مضى من . بواديهم ورباعهم

مث انظر يف أشعار العرب الصحيحة، واخلطب املعروفة، واألمثال . القبط تعترب ذلك وتعرف ما أقولملضروبة، واأللفاظ املشهورة، واملعاين املذكورة، مما نقلته اجلماعات عن اجلماعات، وكالم العرب ومعانيهم ا

.يف اجلاهليةمث تفقد، وسل أهل العلم واخلربة عن بين إسرائيل، فإن وجدت هلم مثال سائرا كما تسمع للقبط والفرس،

.فضال عن العرب فقد أبطلنا فيما قلنارجل من العرب يقف املواقف، ويسري عدة أمثال، كل واحد منها ركن يبىن عليه، وأصل يتفرع وقد كان ال

.منهأو هل تسمع هلم بكالم شريف، أو معىن يستحسنه أهل التجربة، وأصحاب التدبري والسياسة، أو حكم أو

.حكمة، أو حذق يف صناعة، مع ترادف امللك فيهم، وتظاهر الرسالة يف رجاهلم

تقضي عليهم بالغي واجلهل، ومل تسمع هلم بكلمة فاخرة، أو معىن نبيه، ال ممن كان يف املبدى، وال وكيف الممن كان يف احملضر، وال من قاطين السواد، وال من نازيل الشام مث انظر إىل أوالدهم مع طول لبثهم فينا،

آداهبم، وفطنهم فقد صلح بنا وكوهنم معنا، هل غري ذلك من أخالقهم ومشائلهم، وعقوهلم، وأحالمهم، و

Page 319: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.كثري من أمور النصارى وغريهم .وليس النصارى كاليهود، ألن اليهود كلهم من بين إسرائيل إال القليل

وبعد، فلم يضرب فيهم غريهم، ألن مناكحهم مقصورة فيهم، وحمبوسة عليهم، فصور أوهلم مؤداة إىل اجعل لنا إهلا كما : " رب بقوهلم لنبيهم عليه السالمآخرهم، وعقول أسالفهم مردودة على أخالفهم، مث اعت

، وكعكوفهم " أرنا اهللا جهرة : " وكقوهلم. حني مروا على قوم يعكفون على أصنام هلم يعبدوهنا" هلم آهلة .على عجل صنع من حليهم، يعبدونه من دون اهللا، بعد أن أراهم من اآليات ما أراهم

، فكان الذي جاء به موسى عليه السالم، مع " إنا ها هنا قاعدون اذهب أنت وربك فقاتال: " وكقوهلم .نقص بين إسرائيل والقبط، مثل الذي جاء به حممد صلى اهللا عليه وسلم، مع رجحان قريش والعرب

وكذلك وعد حممد عليه السالم بنار األبد، كوعيد موسى بين إسرائيل بإلقاء اهلالس على زروعهم، واهلم فكان تعجيل . تسليط املوتان على ماشيتهم، وبإخراجهم من ديارهم، وأن يظفر هبم عدوهمعلى أفئدهتم، و

العذاب األدىن يف استدعائهم واستمالتهم، وردعهم عما يريد هبم، وتعديل طبائعهم، كتأخري العذاب ليت الشديد على غريهم، ألن الشديد املؤخر ال يزجر إال أصحاب النظر يف العواقب، وأصحاب العقول ا

.تذهب يف املذاهبفسبحان من خالف بني طبائعهم وشرائعهم ليتفقوا على مصاحلهم يف دنياهم، ومراشدهم يف دينهم، مع أن حممدا صلى اهللا عليه وسلم خمصوص بعالمة هلا يف العقل موقع، كموقع فلق البحر من العني، وذلك قوله

اخلطباء والبلغاء، والدهاة واحللماء، وأصحاب لقريش خاصة، وللعرب عامة، مع ما فيهما من الشعراء وإن عارضتموين بسورة واحدة فقد كذبت يف دعواي، : الرأي واملكيدة، والتجارب والنظر يف العاقبة

.وصدقتم يف تكذييبوال جيوز أن يكون مثل العرب يف كثرة عددهم واختالف عللهم، والكالم كالمهم، وهو سيد علمهم، فقد

ت به صدورهم، وغلبتهم قوهتم عليه عند أنفسهم، حىت قالوا يف احليات والعقارب، فاض بياهنم، وجاشوالذباب والكالب، واخلنافس واجلعالن، واحلمري واحلمام، وكل ما دب ودرج، والح لعني، وخطر على

وهلم بعد أصناف النظم، وضروب التأليف، كالقصيد، والرجز، واملزدوج، واجملانس، واألسجاع . قلب .ثورواملن

وبعد، فقد هجوه من كل جانب، وهاجى أصحابه شعراءهم، ونازعوا خطباءهم، وحاجوه يف املواقف، وخاصموه يف املواسم، وبادوه العداوة، وناصبوه احلرب، فقتل منهم، وقتلوا منه، وهم أثبت الناس حقدا،

هم بالقوة، مث ال يعارضه وأبعدهم مطلبا، وأذكرهم خلري أو لشر، وأنفاهم له، وأهجاهم بالعجز، وأمدح .معارض، ومل يتكلف ذلك خطيب وال شاعر

وحمال يف التعارف، ومستنكر يف التصادق، أن يكون الكالم أخصر عندهم، وأيسر مئونة عليهم، وهو أبلغ يف تكذيبهم وأنقض لقوله، وأجدر أن يعرف ذلك أصحابه فيجتمعوا على ترك استعماله، واالستغناء به،

هجهم وأمواهلم، وخيرجون من ديارهم يف إطفاء أمره، ويف توهني ما جاء به، وال يقولون، بل وهم يبذلون ممل تقتلون أنفسكم، وتستهلكون أموالكم، وخترجون من دياركم، واحليلة يف : ال يقول واحد من مجاعتهم

Page 320: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كالمه، كأقصر ليؤلف واحد من شعرائكم وخطبائكم كالما يف نظم ! أمره يسرية، واملأخذ يف أمره قريب بل لو نسوا، ما تركهم حىت يذكرهم، ولو تغافلوا ما . سورة خيذلكم هبا، وكأصغر آية دعاكم إىل معارضتها

.ترك أن ينبههم، بل مل يرض بالتنبيه دون التوقيفإما أن يكونوا عرفوا عجزهم، وأن مثل : فدل ذلك العاقل على أن أمرهم يف ذلك ال خيلو من أحد أمرين

تهيأ هلم، فرأوا أن اإلضراب عن ذكره، والتغافل عنه يف هذا الباب وإن قرعهم به، أمثل هلم يف ذلك ال يالتدبري، وأجدر أن ال يتكشف أمرهم للجاهل والضعيف، وأجدر أن جيدوا إىل الدعوى سبيال، وإىل اختداع

وإذا تتلى عليهم آياتنا : " األنبياء سببا، فقد ادعوا القدرة بعد املعرفة بعجزهم عنه، وهو قوله عز ذكره " .قالوا قد مسعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا

وهل يذعن األعراب وأصحاب اجلاهلية للتقريع بالعجز، والتوقيف على النقص، مث ال يبذلون جمهودهم، وال خيرجون مكنوهنم وهم أشد خلق اهللا عز وجل أنفة، وأفرط محية، وأطلبه بطائلة، وقد مسعوه يف كل

فمن كان شاهدا فقد مسعه، ومن كان . والناس موكلون باخلطابات، مولعون بالبالغات. وموقفمنهل .غائبا فقد أتاه به من مل يزوده

.وإما أن يكون غري ذلكوال جيوز أن يطبقوا على ترك املعارضة وهم يقدرون عليها، ألنه ال جيوز على العدد الكثري من العقالء

الف عللهم، وبعد مهمهم، وشدة عداوهتم اإلطباق على بذل الكثري، وصون والدهاة واحللماء، مع اخت .اليسري

وهذا من ظاهر التدبري، ومن جليل األمور اليت ال ختفى على اجلهال فكيف على العقالء، وأهل املعارف .فكيف على األعداء، ألن حتبري الكالم أهون من القتال، ومن إخراج املال

.ركوا مساءلته يف القرآن والطعن فيه، بعد أن كثرت خصومتهم يف غريهإن القوم قد ت: ومل يقلوقوله عز " وقال الذين كفروا لوال نزل عليه القرآن مجلة واحدة : " ويدلك على ذلك قوله عز وجل

، وقوله " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين ال يرجون لقاءنا ائت بقرآن غري هذا أو بدله : " ذكره " .وقال الذين كفروا إن هذا إال إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون : " جل ذكرهتعاىل

ويدلك كثرة هذه املراجعة، وطول هذه املناقلة، على أن التقريع هلم بالعجز كان فاشيا، وأن عجزهم كان .ظاهرا

: أزاح علتهم، حىت قال تعاىلولو مل يكن النيب صلى اهللا عليه وسلم حتداهم بالنظر والتأليف، ومل يكن أيضا وعارضوين بالكذب، لقد كان يف تفصيله له وتركيبه، وتقدميه له " قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات "

.واحتجاجه، ما يدعو إىل معارضته ومغالبته وطلب مساويهاره فيه لكان ولو مل يكن حتداهم من كل ما قلنا، وقرعهم بالعجز عما وصفنا وهل هذا إال مبدحيه له، وإكث

ذلك سببا موجبا ملعارضته ومغالبته وطلب تكذيبه، إذ كان كالمهم هو سيد عملهم، واملئونة فيه أخف

Page 321: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكيف ضاع منهم، وسقط على مجاعتهم نيفا وعشرين سنة، مع كثرة . عليهم، وقد بذلوا النفوس واألموال .ظاهر التدبريوهذا أمر جليل الرأي، ! عددهم، وشدة عقوهلم، واجتماع كلمتهم

فصل منه يف ذكر امتناعهم من معارضة القرآن

لعلمهم بعجزهم عنها

والذي منعهم من ذلك هو الذي منع ابن أيب العوجاء، وإسحاق بن طالوت، والنعمان بن املنذر، وأشباههم .من األرجاس، الذين استبدلوا بالعز ذال، وباإلميان كفرا، والسعادة شقوة، وباحلجة شبهة

فقد كانوا يصنعون اآلثار، ويولدون األخبار، ويبثوهنا يف األمصار، ويطعنون . ال شبهة يف الزندقة خاصةبل وليس شيء مما ذكرنا . يف القرآن، ويسألون عن متشاهبه، وعن خاصه وعامه، ويضعون الكتب على أهله

.يستطيع دفعه جاهل غيب، وال معاند ذكي

فصل منه

وم فرعون السحر، ومل يكن أصحابه قط يف زمان أشد استحكاما فيه منهم يف وملا كان أعجب األمور عند قزمانه، بعث اهللا موسى عليه السالم على إبطاله وتوهينه، وكشف ضعفه وإظهاره، ونقض أصله لردع

.األغبياء من القوم، وملن نشأ على ذلك من السفلة والطغاملسحر حىت يفصل بني احلجة واحليلة، لكانت نفوسهم إىل ألنه لو كان أتاهم بكل شيء، ومل يأهتم مبعارضة ا

ذلك متطلعة، والعتل به أصحاب األشغاب، ولشغلوا به بال الضعيف، ولكن اهللا تعاىل جده، أراد حسم الداء، وقطع املادة، وأن ال جيد املبطلون متعلقا، وال إىل اختداع الضعفاء سبيال، مع ما أعطى اهللا موسى

.ائر الربهانات، وضروب العالماتعليه السالم من سوكذلك زمن عيسى عليه السالم كان األغلب على أهله، وعلى خاصة علمائه الطب، وكانت عوامهم

.تعظم على ذلك خواصهم، فأرسله اهللا عز وجل بإحياء املوتى، إذ كانت غايتهم عالج املرضى عز وجل من سائر العالمات، وضروب وأبرأ هلم األكمه إذ كانت غايتهم عالج الرمد، مع ما أعطاه اهللا

اآليات؛ ألن اخلاصة إذا خبعت بالطاعة، وقهرهتا احلجة، وعرفت موضع العجز والقوة، وفصل ما بني اآلية .واحليلة، كان أجنع للعامة، وأجدر أن ال يبقى يف أنفسهم بقية

دهم، وأجلها يف وكذلك دهر حممد صلى اهللا عليه وسلم، كان أغلب األمور عليهم، وأحسنها عنفحني استحكمت لفهمهم . صدورهم، حسن البيان، ونظم ضروب الكالم، مع علمهم له، وانفرادهم به

وشاعت البالغة فيهم، وكثر شعراؤهم، وفاق الناس خطباؤهم، بعثه اهللا عز وجل، فتحداهم مبا كانوا ال .يشكون أهنم يقدرون على أكثر منه

على نقصهم، حىت تبني ذلك لضعفائهم وعوامهم، كما تبني ألقويائهم فلم يزل يقرعهم بعجزهم، وينتقصهم

Page 322: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكان ذلك من أعجب ما آتاه اهللا نبيا قط، مع سائر ما جاء به من اآليات، ومن ضروب . وخواصهم .الربهانات

فمن أحكم احلكمة إرسال كل نيب مبا يفحم أعجب األمور . ولكل شيء باب ومأتى، واختصار وتقريب .بطل أقوى األشياء يف ظنهمعندهم، وي

فصل يف ذكر أخالق النيب

صلى اهللا عليه وسلم

وهي األخالق . وآية أخرى ال يعرفها إال اخلاصة، ومىت ذكرت اخلاصة فالعامة يف ذلك مثل اخلاصة .واألفعال اليت مل جتتمع لبشر قط قبله، وال جتتمع لبشر بعده

كحلمه، وال كوفائه، وال كزهده، وال كجوده، وال وذلك أنا مل نر ومل نسمع ألحد قط كصربه، والكنجدته، وال كصدق هلجته، وكرم عشرته، وال كتواضعه، وال كعلمه، وال كحفظه، وال كصمته إذا

صمت، وال كقوله إذا قال، وال كعجيب منشئه، وال كقلة تلونه، وال كعفوه، وال كدوام طريقته، وقلة .امتنانه

جال جولة، وفر فرة، واحناز مرة، من معدودي شجعان اإلسالم، ومشهوري ومل جند شجاعا قط إال وقد .فرسان اجلاهلية، كفالن وفالن

وقد . وبعد، فقد نصر النيب صلى اهللا عليه وسلم وهاجر معه قوم، ومل نر كنجدهتم جندة، وال كصربهم صربا . ذلك من الوقائع واأليامكانت هلم اجلولة والفرة، كما قد بلغك عن يوم أحد، وعن يوم حنني، وغري

فال يستطيع منافق وال زنديق وال دهري، أن حيدث أن حممدا عليه السالم جال جولة قط، وال فر فرة قط، .وال خام عن غزوة، وال هاب حرب من كاثره

فصل من صدر كتابه يف خلق القرآن

.لشاكرينثبتك اهللا باحلجة، وحصن دينك من كل شبهة، وتوفاك مسلما، وجعلك من اوقد أعجبين، حفظك اهللا، استهداؤك العلم وفهمك له، وشغفك باإلنصاف وميلك إليه، وتعظيمك احلق

ومواالتك فيه، ورغبتك عن التقليد وزرايتك عليه، ومواترة كتبك على بعد دارك، وتقطع أسبابك، .وصربك إىل أوان اإلمكان، واتساعك عند تضايق العذر

األول، وما حثثت عليه من تبادل العلم، والتعاون على البحث، والتحاب يف وفهمت، حفظك اهللا، كتابك .الدين، والنصيحة جلميع املسلمني

اكتب إيل كتابا تقصد فيه إىل حاجات النفوس، وإىل صالح القلوب، وإىل معتلجات الشكوك، : وقلتوالتعقيد، ومن تكلف ما ال وخواطر الشبهات، دون الذي عليه أكثر املتكلمني من التطويل، ومن التعمق

.جيب، وإضاعة ما جيب

Page 323: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كن كاملعلم الرفيق، واملعاجل الشفيق، الذي يعرف الداء وسببه، والدواء وموقعه، ويصرب على طول : وقلت .العالج، وال يسأم كثرة الترداد

.اجعل جتارتك اليت إياها تؤمل، وصناعتك اليت إياها تعتمد إصالح الفساد، ورد الشارد: وقلتوال بد من استجماع األصول، ومن استيفاء الفروع، ومن حسم كل خاطر، وقمع كل ناجم، : وقلت

وصرف كل هاجس، ودفع كل شاغل، حىت تتمكن من احلجة، وتتهنأ بالنعمة، وجتد رائحة الكفاية، وتثلج فالرب هلا أمجل، إن كان ال بد من عوارض العجز، ولواحق التقصري، . بربد اليقني، وتفضي إىل حقيقة األمر

.والضرر علينا يف ذلك أيسرابدأ باألقرب فاألقرب، وبكل ما كان آنق يف السمع، وأحلى يف الصدر، وبالباب الذي منه يؤتى : وقلت

.الريض املتكلف، واجلسور املتعجرف، وبكل ما كان أكثر علما، وأنفذ كيدا. األناة ومقدارها، ومقدمات العلوم ومنتهاهاوسألتين بتقبيح االستبداد، والعجلة إىل االعتقاد، وصفة

وزعمت أن من اللفظ ما ال يفهم معناه دون اإلشارة، ودون معرفة السبب واهليئة، ودون إعادته وكره .وحتريره واختياره

فإن أنت مل تصور ذلك كله صورة تغين عن املشافهة، وتكتفي بظاهرها عن املراسلة أحوجتنا إىل : وقلت .د دارك، وكثرة أشغالك، وعلى ما ختاف من الضيعة وفساد املعيشةلقائك، على بع

فكتبت لك كتابا، أجهدت فيه نفسي، وبلغت منه أقصى ما ميكن مثلي يف االحتجاج للقرآن، والرد على فلم أدع فيه مسألة لرافضي، وال حلديثي، وال حلشوي، وال لكافر مباد، وال ملنافق مقموع، وال . كل طعان

نظام، وملن جنم بعد النظام، ممن يزعم أن القرآن خلق، وليس تأليفه حبجة، وأنه تنزيل وليس ألصحاب ال .بربهان وال داللة

فلما ظننت أين قد بلغت أقصى حمبتك، وأتيت على معىن صفتك، أتاين كتابك تذكر أنك مل ترد االحتجاج همة، ومل أك أن أحدث لك فيها وكانت مسألتك مب. لنظم القرآن، وإمنا أردت االحتجاج خللق القرآن

.تأليفا، فكتبت لك أشق الكتابني وأثقلهما، وأغمضهما معىن وأطوهلماولوال ما اعتللت به من اعتراض الرافضة، واحتجاج القوم علينا مبذهب معمر، وأيب كلدة، وعبد احلميد،

أن متكلمي احلشوية والنابتة قد ومثامة، وكل من زعم أن أفعال الطبيعة خملوقة على اجملاز دون احلقيقة، وصار هلم مبناظرة أصحابنا، وبقراءة كتبنا بعض الفطنة ملا كتبت لك، رغبة بك عن أقدارهم، وضنا باحلكمة

عن إعثارهم، وإمنا يكتب على اخلصوم واألكفاء، ولألولياء على األعداء، وملن يرى للنظر حقا، وللعلم .ملعرفة سببقدرا، وله يف اإلنصاف مذهب، وإىل ا

وزعمت أنك مل تر يف كتب أصحابنا إال كتابا ال تفهمه، أو كتابا وجدت احلجة على واضع الكتاب فيه .أثبتوإياك أن تتكل على مقدار ما عندهم، دون أن تعتصر قوى باطلهم، وتوفيهم مجيع حقوقهم، وإذا : وقلت

.يف التعليم، وآيس للخصوم تقلدت اإلخبار عن خصمك فحطه كحياطتك لنفسك، فإن ذلك أبلغ

Page 324: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وزعموا أنه يلزمك أن تزعم أن القرآن ليس مبخلوق إال على اجملاز، كما ألزم ذلك نفسه معمر وأبو : وقلت .كلدة وعبد احلميد ومثامة، وكل من ذهب مذهبهم، وقاس قياسهم

موه أنفسهم، وليس اعلم أن القوم يلزمهم ما ألز: ما أنا واصفه لك، ومورده عليك -فهمك اهللا -فتفهم ذلك إال لعجزهم عن التخلص حبقهم، وإال لذهاهبم عن قواعد قوهلم، وفروع أصوهلم، فليس لك أن

فلرب قول شريف . تضيف العجز الذي كان منهم إىل أصل مقالتهم، وحتمل ذلك اخلطأ على غريهمأهله، وهجنه املفترون احلسب، جيد املركب، وافر العرض، بريء من العيوب، سليم من األفن، قد ضيعه

.عليه، فألزموه ما ال يلزمه، وأضافوا إليه ما ال جيوز عليهولو زعم القوم على أصل مقالتهم أن القرآن هو اجلسم دون الصوت والتقطيع، والنظم والتأليف، وأنه ليس بصوت وال تقطيع وال تأليف، إذ كان الصوت عندهم ال خيترع كاختراع األجسام املصورة، وال

حيتمل التقطيع كاحتمال األجرام املتجسدة، والصوت عرض، ال حيدث من جوهر إال بدخول جوهر آخر مكان زال عنه، : عليه، وحمال أن حيدث إال وهناك جسمان قد صك أحدمها صاحبه، وال بد من مكانني

صوت على واجلسم قد حيدث وحده وال شيء غريه، وال. وال بد من هواء بني املصطكني. ومكان آل إليه .خالف ذلك

والعرض ال يقوم بنفسه، وال بد من أن يقوم بغريه، واألعراض من أعمال األجسام، ال تكون إال منها، وال .توجد إال هبا وفيها

.واجلسم ال يكون إال من جسم، وال يكون إال من خمترع األجسام. ، وإال ابتداعا واختراعاوليست لكون اجلسم من اهللا علة توجيه، وال حيدث إذا حدث إال اختيارا

والصوت ال يكون إال عن علة موجبة، وال يكون إال تولدا ونتيجة، وال حيدث إال من جرمني، كاصطكاك والريح عندهم . احلجرين، وكقرع اللسان باطن األسنان، وإال من هواء يتضاغط، وريح ختتنق، ونار تلتهب

.مر عندهمهكذا األ. هواء حترك، والنار عندهم ريح حارةال يكون الشيء خملوقا يف احلقيقة، دون اجملاز وعلى جمازي اللغة، إال وقد بان اهللا عز وجل : فلو قالوا

الذي ميكن تركه وإنشاء عقيبه بدال منه، : باختراعه، وتواله بابتداعه، وكان منه على اختيار، واالبتداع .من أفعاهلا، وجيلبها اهللا تعاىل منهاعلى ما كان يوكده، ونتيجته من أجسام يستحيل أن خيلق

والقرآن على غري ذلك، جسم وصوت، وذو تأليف وذو نظم، وتوقيع وتقطيع، وخلق قائم بنفسه، مستغن عن غريه، ومسموع يف اهلواء، ومرئي يف الورق، ومفصل وموصل، واجتماع وافتراق، وحيتمل الزيادة

وكل ما كان كذلك فمخلوق . ألجسام، ووصفت به األجراموالنقصان، والفناء والبقاء، وكل ما احتملته ا .يف احلقيقة دون اجملاز وتوسع أهل اللغة

فلو كانوا قالوا ذلك لكانوا أصابوا يف القياس، ووافقوا أهل احلق، وكانوا مع اجلماعة، ومل يضاهوا أهل .تشبيه أدل، وبه أشبهاخلالف والفرقة، ومل يصموا أنفسهم بقول املشبهة، إذ كان ظاهر قوهلم على ال

وال جيوز أن أذكر موافقيت هلم، وخمالفيت عليهم يف صدر هذا الكتاب، ألن التدبري يف وضع الكتاب،

Page 325: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

والسياسة يف تعليم اجلهال أن يبدأ باألوضح فاألوضح، واألقرب فاألقرب، وباألصول قبل الفروع، حىت .يكون آخر الكتاب آلخر القياس

فإذا رتبنا . وال يتوهم إال على ترتيب األمور، وتقدمي األصول - رشدك اهللا أ - وآخر الكالم ال يفهم .األمور، وقدمنا األصول صارت أواخر املعاين يف الفهم كأوائلها، ودقيقها كجليلها

فصل منه

وقد علمنا أن بعض ما فيه االختالف بني من ينتحل اإلسالم أعظم فرية، وأشد بلية، وأشنع كفرا، وأكرب .من كثري مما أمجعوا على أنه كفرإمثا

وبعد، فنحن مل نكفر إال من أوسعناه حجة، ومل منتحن إال أهل التهمة، وليس كشف املتهم من التجسس، ولو كان كل كشف هتكا، وكل امتحان جتسسا، لكان القاضي . وال امتحان الظنني من هتك األسرار

.أهتك الناس لستر، وأشد الناس كشفا لعورةين خالفوا يف العرش إمنا أرادوا نفي التشبيه فغلطوا، والذين أنكروا أمر امليزان إمنا كرهوا أن تكون والذ

فإن كانوا قد أصابوا فال سبيل عليهم، وإن كان قد أخطئوا فإن خطأهم . األعمال أجساما وأجراما غالظاخالق باملخلوق، فبني املذهبني أبني وقوهلم وخالفهم بعد ظهور احلجة تشبيه لل. ال يتجاوز هبم إىل الكفر

.الفرق: وقد قال صاحبكم للخليفة املعتصم، يوم مجع الفقهاء واملتكلمني والقضاة واملخلصني، إعذارا وإنذارا

: قال املعتصم! امتحنتين وأنت تعرف ما يف احملنة، وما فيها من الفتنة، مث امتحنتين من بني مجيع هذه األمةدت اخلليفة قبلي قد حبسك وقيدك، ولو مل يكن حبسك على هتمة ألمضى احلكم أخطأت، بل كذبت، وج

فيك، ولو مل خيفك على اإلسالم ما عرض لك، فسؤايل إياك عن نفسك ليس من احملنة، وال من طريق .االعتساف، وال من طريق كشف العورة، إذ كانت حالك هذه احلال، وسبيلك هذه السبيل

أال تبعث إىل أصحابه حىت يشهدوا إقراره، ويعاينوا انقطاعه، فينقض ذلك : لسوقيل للمعتصم يف ذلك اجملال أريد أن أوتى : استبصارهم، فال ميكنه جحد ما أقر به عندهم فأىب أن يقبل ذلك، وأنكره عليهم، وقال

هبم بقوم إن اهتمتهم ميزت فيهم بسرييت فيهم، وإن بان يل أمرهم أنفذت حكم اهللا فيهم، وهم ما مل أوتكسائر الرعية، وكغريهم من عوام األمة، وما من شيء أحب إيل من الستر، وال شيء أوىل يب من األناة

.والرفقحىت رآه يعاند ! ألن أستحييك حبق أحب إيل من أن أقتلك حبق: وما زال به رفيقا، وعليه رقيقا، ويقولنكر احلق وهو يراه، أن أمحد بن أيب دواد وكان آخر ما عاند فيه، وأ. احلجة، ويكذب صراحا عند اجلواب

أو ليس ال : قال. نعم: أو ليس القرآن شيئا قال: قال. نعم: أليس ال شيء إال قدمي أو حديث قال: قال له .ليس أنا متكلم: فالقرآن إذا حديث قال: قال. نعم: قدمي إال اهللا قال

سأل عنه، حىت إذا بلغ املخنق، واملوضع وكذلك كان يصنع يف مجيع مسائله، حىت كان جييبه يف كل ماال علم يل : فال هو قال يف أول األمر! ليس أنا متكلم: الذي إن قال فيه كلمة واحدة برىء منه صاحبه قال

Page 326: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أف : فمقته اخلليفة، وقال عند ذلك. بالكالم، وال هو حني تكلم فبلغ موضع ظهور احلجة، خضع للحق .هلذا اجلاهل مرة، واملعاند مرة

أما املوضع الذي واجه فيه اخلليفة بالكذب، واجلماعة بالقحة، وقلة االكتراث وشدة التصميم، فهو حني وأفما مسعت : قال. لو مسعت أحدا يقول ذلك لقلت: تزعم أن اهللا رب القرآن قال: قال له أمحد بن أيب دواد

فعرف اخلليفة كذبه عند : لقا! ذلك قط من حالف وال سائل، وال من قاص، وال يف شعر، وال يف حديث .املسألة، كما عرف عنوده عند احلجة

أعلم هبذا الكالم، وبغريه من أجناس العلم، من أن جيعل هذا االستفهام - حفظك اهللا -وأمحد بن أيب دواد ولكنه أراد أن يكشف هلم جرأته على الكذب، كما كشف هلم . مسألة، ويعتمد عليها يف مثل تلك اجلماعة

.فعند ذلك ضربه اخلليفة. املعاندةجرأته يف .وأية حجة لكم يف امتحاننا إياكم، ويف إكفارنا لكم

وزعم يومئذ أن حكم كالم اهللا كحكم علمه، فكما ال جيوز أن يكون علمه حمدثا وخملوقا، فكذلك ال جيوز ن آية، وينسخ آية بآية، أليس قد كان اهللا يقدر أن يبدل آية مكا: فقال له. أن يكون كالمه خملوقا حمدثا

فهل كان جيوز هذا يف : قال. نعم: وأن يذهب هبذا القرآن، ويأيت بغريه، وكل ذلك يف الكتاب مسطور قال .ليس: العلم، وهل كان جائزا أن يبدل اهللا علمه، ويذهب به، ويأيت بغريه قال

ب، وأريناك الشاهد من النقول اليت هبا روينا يف تثبيت ما نقول اآلثار، وتلونا عليك اآلية من الكتا: وقال لهفلم يكن ذلك . لزم الناس الفرائض، وهبا يفصلون بني احلق والباطل، فعارضنا أنت اآلن بواحدة من الثالث

عنده، وال استخزى من الكذب عليه يف غري هذا اجمللس، ألن عدة من حضره أكثر من أن يطمع أحدا أن فلو كان ما أقر به من . ال تقية إال يف دار الشرك: حبكم هذا يقولوقد كان صا. يكون الكذب جيوز عليه

وإن كان ما أقر . خلق القرآن كان منه على وجه التقية فقد أعمل التقية يف دار اإلسالم، وقد أكذب نفسه على أنه مل ير سيفا مشهورا، وال ضرب ضربا كثريا، وال. به على الصحة واحلقيقة فلستم منه، وليس منكم

وال كان يف جملس . ضرب إال ثالثني سوطا مقطوعة الثمار، مشعثة األطراف، حىت أفصح باإلقرار مراراولقد كان ينازع . ضيق، وال كانت حاله حال مؤيسة، وال كان مثقال باحلديد، وال خلع قلبه بشدة الوعيد

.بألني الكالم، وجييب بأغلظ اجلواب، ويرزنون وخيف، وحيلمون ويطيشتكفروننا على إنكار شيء حيتمله : وقلتم. م علينا إكفارنا إياكم، واحتجاجنا عليكم بالقرآن واحلديثوعبت

التأويل، ويثبت باألحاديث، فقد ينبغي لكم أن ال حتتجوا يف شيء من القدر والتوحيد بشيء من القرآن، .عداوتنا والنصب لناوأن ال تكفروا أحدا خالفكم يف شيء وأنتم أسرع الناس إىل إكفارنا، وإىل

فصل منه

إذا قاسوا خطأهم، ومروا على غلطهم فإمنا ينقضون به شيئا من العرض -حفظك اهللا - وأصحابنا . وهم قوم يكفيهم من التنبيه أقله، ومن القول أيسره. واجلوهر، وشيئا من قوهلم يف املعلوم واجملهول فقط

Page 327: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.واحلمد هللا. جملح، فليس هذا اجلنس من ذلك اجلنس وخطأ النابتة وقول الرافضة تشبيه مصرح، وكفرإن اهللا تبارك وتعاىل : إن اهللا تعاىل رب القرآن، وفينا من يقول: وأما إخبارهم عن عيبنا إياهم حني مل يقولوا

رب الكفر واإلميان، فإنا مل نسأهلم عن ذلك من جهة ما يتومهون، وإمنا سألناهم عنه جبحدهم ما يرون يسمعون بآذاهنم، يف األشعار املعروفة، ويف اخلطب املشهورة، ويف االبتهال عند الدعاء، وعلى بأبصارهم، و

ألسنة العوام والدمهاء، وعند العهود واألميان، وعند تعظيم القرآن، ومبا يسمعون من السؤال يف الطرقات، هذا مسألة على من أنكر وليس أنا جعلنا. ومن القصاص يف املساجد، ال يرون عائبا، وال يسمعون زاريا

خلق القرآن، ولكنا أردنا أن نبني للضعفاء معاندهتم، وفرارهم من البهت، ومكابرهتم إذا مسعوا أهنم مل .ورب القرآن، ورب ياسني، ورب طه، وأشباه ذلك: يسمعوا الناس يقولون

: صد إىل خالف وال وفاقولعمري أن لو مسعوا الناس يقولون عند أمياهنم وابتهاهلم إىل رهبم، على غري قمث ! ورب القرآن، ورب يس، ورب طه: ورب الزىن والسرق، ورب الكفر والكذب، كما مسعوهم يقولون

.ألزمناهم خلق القرآن مبثل ما هلم علينا يف خلق الزىن لقد كان ذلك معارضة صحيحة، وموازنة معروفةحلديث، وليس معهم إال أصحاب األهواء، ومن إن معنا العامة، والعباد، والفقهاء، وأصحاب ا: وأما قوهلم

أبعد من اجلماعة من الرافضة، وهم يف هذا -يرمحك اهللا -يأخذ دينه من أول الرجال، فأي صاحب هو املعىن أشقاؤهم وأولياؤهم، ألن ما خالفوهم فيه صغري يف جنب ما وافقوهم عليه، والذين مسوهم أصحاب

وأصحاب احلديث والعوام هم الذين يقلدون . ملستصلحون، واملميزونأهواء هم املتكلمون، واملصلحون واوال حيصلون، وال يتخريون، والتقليد مرغوب عنه يف حجة العقل، منهي عنه يف القرآن، قد عكسوا األمور

وذلك أنا ال نشك أن من نظر وحبث، وقابل ووازن، أحق بالتبني، وأوىل . كما ترى، ونقضوا العادات .باحلجة

منا النساك والعباد، فعباد اخلوارج وحدهم أكثر عددا من عبادهم، على قلة عدد اخلوارج يف : قوهلموأما جنب عددهم، على أهنم أصحاب نية، وأطيب طعمة، وأبعد من التكسب، وأصدق ورعا، وأقل رياء،

و بن عبيد تفي ولعل عبادة عمر. وأدوم طريقة، وأبذل للمهجة، وأقل مجعا ومنعا، وأظهر زهدا وجهدا .بعبادة عامة عبادهم

إن للقرآن قلبا وسناما ولسانا وشفتني، وأنه يقدس ويشفع وميحل، فإن هذا كله قد جيوز أن : وأما قوهلميكون مثال، وجيوز أن جيعله اهللا كذلك إذا كان جسما، واهللا على ذلك قادر، وهو له غري معجز، ومنه غري

ا، وال ظلما وال خبال وال كذبا، وال خطاء يف التدبري، فهو جائز، والتعجب وكل فعل ال يكون عيب. مستحيل .منه غري جائز

فصل منه

وما أكثر من جييب يف املسائل، ويؤلف الكتب على قدر ما يسنح له يف ومهه، وعلى قدر ما يتصور له يف .وإن كان ممن يعمل على أصلحاله تلك، ال يعمل على أصل، أو ال يشعر بالذي انبىن عليه ذلك األصل،

Page 328: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وإمنا صار علماؤنا إىل ما صاروا إليه ألهنم ال يقفون من القول يف خلق القرآن على جواب مهذب، ومذهب فقد رددوا فيها النظر، وامتحنوها بأغلظ احملن، . مصفى، وعلى قول مفروغ منه، وعلى جوابات بأعياهنا

غ التفكري، وتعرفوا كل ما فيها، واعتصروا مجيع قواها، وسهلوا وقلبوها أكثر التقليب، وتبطنوا معانيها بأبلسبلها، وذللوا العبارة عنها، احتقارا منهم ملن خالفهم، واتكاال على طول السالمة منهم، وثقة بطول الظفر

.هبمومن متام أمر صاحب احلق أن ال يتكل على عجز اخلصم، وأن ال يعجب بظهوره على من ال حظ له يف

.مالعلوقد رأيت البكرية، واجلربية، والفضلية، . وعلى العلماء أن خيافوا دول العلم، كما خياف امللوك دول امللك

والشمرية، وإهنم ألحقر عند املعتزلة من جعل مما زالوا يستقون من علمائهم، ويستمدون من كربائهم، م ونابتتهم، يدعون أهنم أكفاء، ويدرسون كتبهم، ويأخذون ألفاظهم يف مجيع أمورهم، حىت رأيت شبيبته

غدرهم كثري، . والنابتة اليوم يف التشبيه مع الرافضة، وهم دائبون يف التأمل من املعتزلة. وجيمع بينهم يف البالء .ونصبهم شديد، والعوام معهم، واحلشو يطيعهم

.السلطان وميلهم إليه، وخوفهم منه: اآلن معك أمران .والعاقبة للمتقني

كتابه يف الرد على النصارى فصل من صدر

احلمد هللا الذي من علينا بتوحيده، وجعلنا ممن ينفي شبهة خلقه وسياسة عباده، وجعلنا ال نفرق بني أحد من .رسله، وال جنحد كتابا أوجب علينا اإلقرار به، وال نضيف إليه ما ليس منه، إنه محيد جميد، فعال ملا يريد

ت ما ذكرمت فيه من مسائل النصارى قبلكم، وما دخل على قلوب أما بعد فقد قرأت كتابكم، وفهمأحداثكم وضعفائكم من اللبس، والذي خفتموه على جواباهتم من العجز، وما سألتم من إقرارهم باملسائل،

.ومن حسن معونتهم باجلوابال يعرفونه فيما بينهم، إن الدليل على أن كتابنا باطل، وأمرنا فاسد، أننا ندعي عليهم ما : وذكرمت أهنم قالوا

وال يعرفونه من أسالفهم، ألنا نزعم أن اهللا جل وعز قال يف كتابه على لسان نبيه حممد صلى اهللا عليه ، وأهنم زعموا " وإذ قال اهللا يا عيسى بن مرمي أأنت قلت للناس اختذوين وأمي إهلني من دون اهللا : " وسلم

وأهنم زعموا أنا ادعينا عليهم ما . وال ادعوا ذلك قط يف عالنيتهم أهنم مل يدينوا قط بأن مرمي إله يف سرهم،إن عزيرا : أن اليهود قالوا: ال يعرفون، كما ادعينا على اليهود ما ال يعرفون، حني نطق كتابنا، وشهد نبينا

يف شيء من وهذا ما ال يتكلم به إنسان، وال يعرف. ابن اهللا، وإن يد اهللا مغلولة، وإن اهللا فقري وهم أغنياء .األديان

ولو كانوا يقولون يف عزير ما حنلتمون وادعيتموه، ملا جحدوه من دينهم، وملا أنكروا أن يكون من قوهلم، وملا كانوا بإنكار بنوة عزير أحق منا بإنكار بنوة املسيح، وملا كان علينا منكم بأس بعد عقد الذمة، وأخذ

.اجلزية

Page 329: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أن : غلطكم يف األخبار، وأخذكم العلم عن غري الثقات، أن كتابكم ينطق ومما يدل على: وذكرمت أهنم قالواوهامان مل يكن إال يف زمن الفرس، وبعد زمن فرعون بدهر طويل، " . ابن يل صرحا : " فرعون قال هلامان

وإمنا اختذ صرحا ليكون إذا عاله أشرف . وإن ذلك معروف عند أصحاب الكتب، مشهور عند أهل العلم .على اهللا

فإن كان دينه عند نفسه وأهل مملكته نفي اهللا . وفرعون ال خيلو من أن يكون جاحدا هللا تعاىل، أو مقرا بهوجحده، فما وجه اختاذ الصرح وطلب اإلشراف، وليس هناك شيء وال إله وإن كان مقرا باهللا عارفا به،

ينفي الطول والعرض والعمق واحلدود فإن كان ممن . فال خيلو من أن يكون مشبها أو نافيا للتشبيهواجلهات، فما وجه طلبه له يف مكان بعينه، وهو عنده بكل مكان وإن كان مشبها فقد علم أنه ليس يف طاقة بين آدم أن يبنوا بنيانا، أو يرفعوا صرحا خيرق سبع مسوات بأعماقهن، واألجزاء اليت بينهن، حىت

.حياذي العرش مث يعلوهعلى أن احلكم قد . ان كافرا فلم يكن جمنونا، وال كان إىل نقص العقل من بني امللوك منسوباوفرعون وإن ك

.يقوم بعقول امللوك بالفضيلة على عقول الرعية، وأهنم " مل جيعل له من قبل مسيا " تزعمون أن اهللا تعاىل ذكر حيىي بن زكريا خيرب أنه : وذكرمت أهنم قالوا

ال خيتلف فيه خاصتهم وعامتهم أنه كان من قبل حيىي بن زكريا غري واحد يقال له جيدون يف كتبهم وفيما .يوحنا بن فرح: حيىي، منهم

وما أرسلنا من قبلك إال رجاال نوحي : " إنكم ذكرمت أن اهللا قال يف كتابه لنبيكم: وزعمتم أهنم قالوا لكمأهل التوراة، وأصحاب " : أهل الذكر : " بقوله ، وإمنا عىن" إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون

إن اهللا قد بعث من النساء نبيات، منهم مرمي بنت عمران، وبعث منهم حنة، وسارى، : الكتب يقولون .ورفقى

زعمتم أن عيسى تكلم يف املهد، وحنن على تقدمينا له، وتقريبنا ألمره، وإفراطنا بزعمكم : وذكرمت أهنم قالواددنا، وتفاوت بالدنا، واختالفنا فيما بيننا، ال نعرف ذلك وال ندعيه، وكيف ندعيه ومل فيه، على كثرة ع

.نسمعه عن سلف، وال ادعاه منا مدعمث هذه اليهود ال تعرف ذلك، وتزعم أهنا مل تسمع به إال منكم، وال تعرفه اجملوس، وال الصابئون، وال عبادة

وال بلغنا ذلك عن أحد من األمم السالفة، والقرون املاضية، البددة من اهلند وغريهم، وال الترك واخلزر، .وال يف اإلجنيل، وال يف ذكر صفات املسيح يف الكتب والبشارات به على ألسنة الرسل

ومثل هذا ال جيوز أن جيهله الويل والعدو، وغري الويل وغري العدو، وال يضرب به مثل، وال يروح به الناس، وكيف مل . ومل يكونوا ليضادوكم فيما يرجع عليهم نفعه. ه، مع حبهم لتقوية أمرهمث جيمع النصارى على رد

بل مل يكونوا ليتفقوا على إظهار ! يكذبوكم يف إحيائه املوتى، ومشيه على املاء، وإبراء األكمه واألبرص .خالف دينهم، وإنكار أعظم حجة كانت لصاحبهم، ومثل هذا ال ينكتم وال ينفك ممن خيالف وينم

والكالم يف املهد أعجب من كل عجب، وأغرب من كل غريب، وأبدع من كل بديع؛ ألن إحياء املوتى

Page 330: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

واملشي على املاء، وإقامة املقعد، وإبراء األعمى، وإبراء األكمه قد أتت به األنبياء، وعرفه الرسل، ودار يف .ومل يتكلم صيب قط، وال مولود يف املهد. أمساعهم

وبعد، فكل أعجوبة يأيت هبا ! ، وسقطت حجة هذه العالمة من بني كل عالمة وكيف ضاعت هذه اآليةالرجال، واملعروفون بالبيان، واملنسوبون إىل صواب الرأي، تكون احليلة يف الظن إليها أقرب، وخوف

بهه والصيب املولود عاجز يف الفطرة، ممتنع من كل حيلة، ال حيتاج فيه إىل نظر، وال يش. اخلدعة عليها أغلب .من شاهده بدخل

فصل منه

وسنقول يف مجيع ما ورد علينا من مسائلكم، وفيما ال يقع إليكم من مسائلهم، بالشواهد الظاهرة، واحلجج القوية، واألدلة االضطرارية، مث نسأهلم بعد جوابنا إياهم عن وجوه يعرفون هبا انتقاض قوهلم، وانتشار

.مذهبهم، وهتافت دينهممن التكلف وانتحال ما ال حنسن، ونسأله القصد يف القول والعمل، وأن يكون ذلك وحنن نعوذ باهللا

.لوجهه، ولنصرة دينه، إنه قريب جميبفأنا مبتدىء يف ذكر األسباب اليت هلا صارت النصارى أحب إىل العوام من اجملوس، وأسلم صدورا عندهم

.عذابا من اليهود، وأقرب مودة، وأقل غائلة، وأصغر كفرا، وأهون .ولذلك أسباب كثرية، ووجوه واضحة، يعرفها من نظر، وجيهلها من مل ينظر

أول ذلك أن اليهود كانوا جريان املسلمني بيثرب وغريها، وعداوة اجلريان شبيهة بعداوة األقارب يف شدة ويبدو له التمكن وثبات احلقد، وإمنا يعادي اإلنسان من يعرف، ومييل على من يرى، ويناقض من يشاكل،

وعلى قدر احلب والقرب يكون البغض والبعد، ولذلك كانت حروب اجلريان وبين . عيوب من خيالط .األعمام من سائر الناس وسائر العرب أطول، وعداوهتم أشد

فلما صار املهاجرون لليهود جريانا، وقد كانت األنصار متقدمة اجلوار، مشاركة يف الدار، حسدهتم اليهود يف الدين، واالجتماع بعد االفتراق، والتواصل بعد التقاطع، وشبهوا على العوام، واستمالوا على النعمة

الضعفة، ومالئوا األعداء واحلسدة، مث جاوزوا الطعن وإدخال الشبهة، إىل املناجزة واملنابذة بالعداوة، لك واستفاض فيهم فجمعوا كيدهم، وبذلوا أنفسهم وأمواهلم يف قتاهلم، وإخراجهم من ديارهم، وطال ذ

.وظهر، وترادف لذلك الغيظ، وتضاعف البغض، ومتكن احلقدوكانت النصارى لبعد ديارهم، من مبعث النيب صلى اهللا عليه وسلم ومهاجره، ال يتكلفون طعنا، وال

فكان هذا أول أسباب ما غلظ القلوب على اليهود، ولينها على . يثريون كيدا، وال جيمعون على حرب .النصارى

وكلما . مث كان من أمر املهاجرين إىل احلبشة، واعتمادهم على تلك اجلنبة ما حببهم إىل عوام املسلمني .النت القلوب لقوم غلظت على أعدائهم، وبقدر ما نقص من بغض النصارى زاد يف بغض اليهود

Page 331: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ده، وبقصد كان أم ومن شأن الناس حب من اصطنع إليهم خريا أو جرى على يديه، أراد اهللا بذلك أو مل ير .باتفاق

وأمر آخر، وهو من أمنت أسباهبم وأقوى أمورهم، وهو تأويل آية غلطت فيها العامة حىت نازعت اخلاصة، لتجدن أشد الناس : " وحفظتها النصارى واحتجت، واستمالت قلوب الرعاع والسفلة، وهو قول اهللا تعاىل

إىل " . أقرهبم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن ويف نفس اآلية أعظم الدليل على أن اهللا تعاىل مل يعن هؤالء النصارى وال " . وذلك جزاء احملسنني : " قوله

.امللكانية واليعقوبية، وإمنا عىن ضرب حبريا، وضرب الرهبان الذين كان خيدمهم سلمان: أشباههمعلى الغلط منهم يف األمساء، وبني أن جنزم عليهم ألهنم نصارى " الذين قالوا إنا نصارى : " وبني محل قوله

.فرقغساين وخلمي، ومها نصرانيان، وقد كانت العرب : كما ذكر اليهود أنه جاء اإلسالم وملوك العرب رجالن

.ينهماتدين هلما، وتؤدي اإلتاوة هلما، فكان تعظيم قلوهبم هلما راجعا إىل تعظيم دوكانت هتامة، وإن كانت لقاحا ال تدين الدين، وال تؤدي اإلتاوة، وال تدين للملوك، فإهنا كانت ال متتنع

.من تعظيم ما عظم الناس، وتصغري ما صغرواونصرانية النعمان وملوك غسان مشهورة يف العرب، معروفة عند أهل النسب، ولوال ذلك لدللت عليها

.ألخبار الصحيحةباألشعار املعروفة، واوقد كانت تتجر إىل الشام، وينفذ رجاهلا إىل ملوك الروم، وهلا رحلة يف الشتاء والصيف، يف جتارة مرة إىل احلبشة، ومرة قبل الشام، ومرة بيثرب، ومصيفها بالطائف، ومرة منيحني مستأنفا حبمده، فكانوا أصحاب

.رفةنعمة، وذلك مشهور مذكور يف القرآن، وعند أهل املعوقد كانت هتاجر إىل احلبشة، وتأيت باب النجاشي وافدة، فيحبوهم باجلزيل، ويعرف هلم األقدار، ومل تكن

.وقيصر والنجاشي نصرانيان، فكان ذلك أيضا للنصارى، دون اليهود. تعرف كسرى، وال تأنس هبم .واآلخر من الناس تبع لألول يف تعظيم من عظم، وتصغري من صغر

لعرب كانت النصرانية فيهل فاشية، وعليها غالبة، إال مضر، فلم تغلب عليها يهودية وال أن ا: وأخرىالعباد، فإهنم كانوا نصارى، : جموسية، ومل تفش فيها النصرانية، إال ما كان من قوم منهم نزلوا احلرية يسمون

.سالمومل تعرف مضر إال دين العرب، مث اإل. وهم مغمورون مع نبذ يسري يف بعض القبائلعلى خلم، وغسان، واحلارث بن كعب بنجران، وقضاعة، : وغلبت النصرانية على ملوك العرب وقبائلها

مث ظهرت يف ربيعة فغلبت على تغلب وعبد القيس وأفناء بكر، مث يف . وطي، يف قبائل كثرية، وأحياء معروفة .آل ذي اجلدين خاصة

إال ما كان من ناس من اليمانية، ونبذ يسري من مجيع إياد وجاء اإلسالم وليست اليهودية بغالبة على قبيلة، .ومعظم اليهودية إمنا كانت بيثرب ومحري وتيماء ووادي القرى، يف ولد هارون، دون العرب. وربيعة

Page 332: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مث رأت عوامنا . فعطف قلوب دمهاء العرب على النصارى امللك الذي كان فيهم، والقرابة اليت كانت هلما، وأن فيهم عربا كثرية، وأن بنات الروم ولدن مللوك اإلسالم، وأن يف النصارى متكلمني أن فيها ملكا قائم

.وأطباء ومنجمني، فصاروا بذلك عندهم عقالء وفالسفة وحكماء، ومل يروا ذلك يف اليهود وإمنا اختلفت أحوال اليهود والنصارى يف ذلك ألن اليهود ترى أن النظر يف الفلسفة كفر، والكالم يف

الدين بدعة، وأنه جملبة لكل شبهة، وأنه ال علم إال ما كان يف التوراة وكتب األنبياء، وأن اإلميان بالطب، وتصديق املنجمني من أسباب الزندقة واخلروج إىل الدهرية، واخلالف على األسالف وأهل القدوة، حىت

.إهنم ليبهرجون املشهور بذلك، وحيرمون كالم من سلك سبيل أولئكعلمت العوام أن النصارى والروم ليست هلم حكمة وال بيان، وال بعد روية، إال حكمة الكف، من ولو

اخلرط والنجر والتصوير، وحياكة البزيون ألخرجتهم من حدود األدباء، وحملتهم من ديوان الفالسفة وليس برومي واحلكماء؛ ألن كتاب املنطق والكون والفساد، وكتاب العلوي، وغري ذلك، ألرسطاطاليس،

.وال نصراين .وكتاب اجملسطي لبطليموس، وليس برومي وال نصراين .وكتاب إقليدس إلقليدس، وليس برومي وال نصراين .وكتاب الطب جلالينوس، ومل يكن روميا وال نصرانيا

.وكذلك كتب دميقراط وبقراط وأفالطون، وفالن وفالنم، وهم اليونانيون، ودينهم غري دينهم، وأدهبم غري أدهبم، وهؤالء ناس من أمة قد بادوا وبقيت آثار عقوهل

أولئك علماء، وهؤالء صناع أخذوا كتبهم لقرب اجلوار، وتداين الدار، فمنها ما أضافوه إىل أنفسهم، إال ما كان من مشهور كتبهم، ومعروف حكمهم، فإهنم حني مل يقدروا على . ومنها ما حولوه إىل ملتهم

ا أن اليونانيني قبيل من قبائل الروم، ففخروا بأدياهنم على اليهود، واستطالوا هبا على تغيري أمسائها زعموالعرب، وبذخوا هبا على اهلند، حىت زعموا أن حكماءنا أتباع حكمائهم، وأن فالسفتنا اقتدوا على أمثاهلم،

.فهذا هذارية، وهم من أسباب كل يضاهي الزندقة، ويناسب يف بعض وجوهه قول الده - يرمحك اهللا - ودينهم

.حرية وشبهة .والدليل على ذلك أنا مل نر أهل ملة قط أكثر زندقة من النصارى، وال أكثر متحريا أو مترحنا منهم

أال ترى أن أكثر من قتل يف الزندقة ممن : وكذلك شأن كل من نظر يف األمور الغامضة بالعقول الضعيفة .باؤهم وأمهاهتم نصارىكان ينتحل اإلسالم ويظهره، هم الذين آ

.على أنك لو عددت اليوم أهل الظنة ومواضع التهمة مل جتد أكثرهم إال كذلكومما عظمهم يف قلوب العوام، وحببهم إىل الطغام، أن منهم كتاب السالطني، وفراشي امللوك، وأطباء

.األشراف، والعطارين والصيارفة .جاما، أو قصابا، أو شعاباوال جتد اليهودي إال صباغا، أو دباغا، أو ح

فلما رأت العوام اليهود والنصارى تومهت أن دين اليهود يف األديان كصناعتهم يف الصناعات، وأن كفرهم

Page 333: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.أقذر الكفر، إذ كانوا هم أقذر األمموإمنا صارت النصارى أقل مساخة من اليهود، على شدة مساخة النصارى، ألن اإلسرائيلي ال يزوج إال

ئيلي، وكل مناكحهم مردودة فيهم، ومقصورة عليهم، وكانت الغرائب ال تشوهبم، وفحولة األجناس اإلسراوإنك لتعرف ذلك يف اخليل واإلبل، . ال تضرب وال تضرب فيهم، مل ينجبوا يف عقل وال أسر وال ملح

.واحلمري واحلمامهم ملكا قائما، وأن ثياهبم أنظف، مل خنالف العوام يف كثرة أموال النصارى، وأن في -رمحك اهللا -وحنن

.وأن صناعتهم أحسنوإمنا خالفنا يف فرق ما بني الكفرين والفرقتني، يف شدة املعاندة واللجاجة، واإلرصاد ألهل اإلسالم بكل

.مكيدة، مع لؤم األصول، وخبث األعراقاخليل العتاق، واختذوا اجلوقات، فأما امللك والصناعة واهليئة، فقد علمنا أهنم اختذوا الرباذين الشهرية، و

وضربوا بالصواجلة، وحتذفوا املديين، ولبسوا امللحم واملطبقة، واختذوا الشاكرية، وتسموا باحلسن واحلسني، فرغب . والعباس وفضل وعلي، واكتنوا بذلك أمجع، ومل يبق إال أن يتسموا مبحمد، ويكتنوا بأيب القاسم

قد الزنانري، وعقدها آخرون دون ثياهبم، وامتنع كثري من كربائهم من إليهم املسلمون، وترك كثري منهم ع .إعطاء اجلزية، وأنفوا مع أقدارهم من دفعها وسبوا من سبهم، وضربوا من ضرهبم

وما هلم ال يفعلون ذلك وأكثر منه، وقضاتنا أو عامتهم يرون أن دم اجلاثليق واملطران واألسقف وفاء بدم .ةجعفر وعلي والعباس ومحز

ويرون أن النصراين إذا قذف أم النيب صلى اهللا عليه وسلم بالغواية أنه ليس عليه إال التعزير والتأديب، مث ما ! فسبحان اهللا العظيم. حيتجون أهنم إمنا قالوا ذلك ألن أم النيب صلى اهللا عليه وسلم مل تكن مسلمة

أن ال يساوونا يف اجمللس، ومن : ه وسلمومن حكم النيب صلى اهللا علي! أعجب هذا القول وأبني انتشاره " .وإن سبوكم فاضربوهم، وإن ضربوكم فاقتلوهم : " قوله

وزعموا أن افتراءهم . وهم إذا قذفوا أم النيب عليه السالم بالفاحشة مل يكن له عند أمته إال التعزير والتأديب .على النيب ليس بنكث للعهد، وال بنقض للعقد

سالم أن يعطونا الضريبة عن يد منا عالية يف قبولنا منهم، وعقدنا لذمتهم، دون إراقة وقد أمر النيب عليه ال .وقد حكم اهللا تعاىل عليهم بالذلة واملسكنة. دمهم

أو ما ينبغي للجاهل أن يعلم أن األئمة الراشدين، والسلف املتقدمني مل يشترطوا عند أخذ اجلزية، وعقد اهللا عليه وسلم وأمته، إال ألن ذلك عندهم أعظم يف العيون، وأجل يف الذمة عدم االفتراء على النيب صلى

الصدور من أن حيتاجوا إىل ختليده يف الكتب، وإىل إظهار ذكره بالشرط، وإىل تثبيته بالبينات، بل لو فعلوا .ذلك لكان فيه الوهن عليهم، واملطمعة فيهم، ولظنوا أهنم يف القدر الذي حيتاج فيه إىل هذا وشبهه

وإمنا يتواثق الناس يف شروطهم، ويفسرون يف عهودهم ما ميكن فيه الشبهة، أو يقع فيه الغلط، أو يغىب عنه احلاكم، وينساه الشاهد، ويتعلق به اخلصم، فأما الواضح اجللي، والظاهر الذي ال خييل فما وجه اشتراطه،

Page 334: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.والتشاغل بذكرهجيوز أن يظهر يف العهد فقد فعلوه، وهو كالذلة والصغارة، وأما ما احتاجوا إىل ذكره يف الشروط، وكان مما

فأما أن يقولوا ملن . وإعطاء اجلزية، ومقامسة الكنائس، وأن ال يعينوا بعض املسلمني على بعض، وأشباه ذلكهو أذل من الذليل، وأقل من القليل، وهو الطالب الراغب يف أخذ فديته، واإلنعام عليه بقبض جزيته وحقن

فهذا . عاهدك على أن ال تفتري على أمة رسول رب العاملني، وخامت النبيني، وسيد األولني واآلخرينن: دمهما ال جيوز يف تدبري أوساط الناس، فكيف باجللة والعلية، وأئمة اخلليقة، ومصابيح الدجى، ومنار اهلدى، مع

.والوعد بالنصرة أنفة العرب، وبأو السلطان، وغلبة الدولة، وعز اإلسالم، وظهور احلجة،وذلك أهنم يتبعون . على أن هذه األمة مل تبتل باليهود، وال اجملوس، وال الصابئني كما ابتليت بالنصارى

املتناقض من أحاديثنا، والضعيف باألسناد من روايتنا، واملتشابه من آي كتابنا، مث خيلون بضعفائنا، ويسألون لحدين، والزنادقة املالعني، وحىت مع ذلك رمبا تربءوا إىل عنها عوامنا، مع ما قد يعلمون من مسائل امل

.علمائنا، وأهل األقدار منا، ويشغبون على القوي، ويلبسون على الضعيف .ومن البالء أن كل إنسان من املسلمني يرى أنه متكلم، وأنه ليس أحد أحق مبحاجة امللحدين من أحد

م ما صار إىل أغبيائنا وظرفائنا، وجماننا وأحداثنا شيء من وبعد، فلوال متكلمو النصارى وأطباؤهم ومنجموهكتب املنانية، والديصانية، واملرقونية، والفالنية، وملا عرفوا غري كتاب اهللا تعاىل، وسنة نبيه صلى اهللا عليه

فكل سخنة عني رأيناها يف . وسلم، ولكانت تلك الكتب مستورة عند أهلها، وخمالة يف أيدي ورثتها .وأغبيائنا فمن قبلهم كان أوهلا أحداثنا

وأنت إذا مسعت كالمهم يف العفو والصفح، وذكرهم للسياحة، وزرايتهم على كل من أكل اللحمان، ورغبتهم يف أكل احلبوب، وترك احليوان، وتزهيدهم يف النكاح، وتركهم لطلب الولد، ومدحيهم للجاثليق

لنسل، وتعظيمهم الرؤساء علمت أن بني دينهم وبني واملطران واألسقف والرهبان، بترك النكاح وطلب ا .الزندقة نسبا، وأهنم حينون إىل ذلك املذهب

وكذلك كل . وكذلك كل مطران، وكل أسقف. والعجب أن كل جاثليق ال ينكح، وال يطلب الولدرض وكل راهب يف األ. أصحاب الصوامع من اليعقوبية، واملقيمني يف الديارات والبيوت من النسطورية

وراهبة، مع كثرة الرهبان والرواهب، ومع تشبه أكثر القسيسني هبم يف ذلك، ومع ما فيهم من كثرة .الغزاة، وما يكون فيهم مما يكون يف الناس، من املرأة العاقر، والرجل العقيم

لتسري على أن من تزوج منهم امرأة مل يقدر على االستبدال هبا، وال على أن يتزوج أخرى معها، وال على اوذلك مما زاد يف . وهم مع هذا قد طبقوا األرض، وملئوا األفاق، وغلبوا األمم بالعدد، وبكثرة الولد. عليها

.مصائبنا، وعظمت به حمنتنا

ومما زاد فيهم، وأمنى عددهم، أهنم يأخذون من سائر األمم، وال يعطوهنم، ألن كل دين جاء بعد دين، أخذ .منه الكثري، وأعطاه القليل

صل منهف

Page 335: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ومما يدل على قلة رمحتهم، وفساد قلوهبم أهنم أصحاب اخلصاء من بني مجيع األمم، واخلصاء أشد املثلة، .وأعظم ما ركب به إنسان مث يفعلون ذلك بأطفال ال ذنب هلم، وال دفع عندهم

ا قليل، وأقل وال نعرف قوما يعرفون خبصاء الناس حيث ما كانوا إال ببالد الروم واحلبشة، وهم يف غريمه .قليل

. على أهنم مل يتعلموا إال منهم، وال كان السبب يف ذلك غريهم، مث خصوا أبناءهم وأسلموهم يف بيعهمفلو متت إرادهتم . وليس اخلصاء إال يف دين الصابئني، فإن العابد رمبا خصى نفسه، وال يستحل خصاء ابنه

ت لك قبل هذا النقطع النسل، وذهب الدين، يف خصاء أوالدهم يف ترك النكاح وطلب النسل كما حكي .وفنت اخللق

والنصراين وإن كان أنظف ثوبا، وأحسن صناعة، وأقل مساخة، فإن باطنه أألم وأقذر وأمسج، ألنه أقلف، وال يغتسل من اجلنابة، ويأكل حلم اخلنزير، وامرأته جنب ال تطهر من احليض، وال من النفاس، ويغشاها يف

.ذلك غري خمتونةالطمث، وهي مع وهم مع شرارة طبائعهم، وغلبة شهواهتم ليس يف دينهم مزاجر كنار األبد يف اآلخرة، وكاحلدود والقود

وهل يصلح الدنيا . والقصاص يف الدنيا، فكيف جيانب ما يفسده، ويؤثر ما يصلحه من كانت حاله كذلكبكل جهدك، ومجعت كل عقلك أن من هو كما قلنا وهل يهيج على الفساد إال من وصفنا ولو جهدت

.تفهم قوهلم يف املسيح، ملا قدرت عليه، حىت تعرف به حد النصرانية، وخاصة قوهلم يف اإلهليةوكيف تقدر على ذلك وأنت لو خلوت ونصراين نسطوري فسألته عن قوهلم يف املسيح لقال قوال، مث إن

وكذلك . م يف املسيح ألتاك خبالف أخيه وصنوهخلوت بأخيه ألمه وأبيه وهو نسطوري مثله فسألته عن قوهل .ولذلك صرنا ال نعقل حقيقة النصرانية، كما نعرف مجيع األديان. مجيع امللكانية واليعقوبية

على أهنم يزعمون أن الدين ال خيرج يف القياس، وال يقوم على املسائل، وال يثبت يف االمتحان، وإمنا هو ولعمري، إن من كان دينه دينهم ليجب عليه أن يعتذر مبثل . لألسالف بالتسليم ملا يف الكتب، والتقليد

.عذرهموزعموا أن كل من اعتقد خالف النصرانية من اجملوس والصابئني والزنادقة فهو معذور، ما مل يتعمد الباطل،

.فإذا صاروا إىل اليهود قضوا عليهم باملعاندة، وأخرجوهم من طريق الغلط والشبهة. ويعاند احلق

فصل منه

إنا تقولناه : أن النصارى مع حبهم لتقوية أمره ال يثبتونه، وقوهلم: فأما مسألتهم يف كالم عيسى يف املهدورويناه عن غري الثقات، وأن الدليل على أن عيسى مل يتكلم يف املهد أن اليهود ال يعرفونه، وكذلك

م عند إنكارهم كالم املسيح يف املهد فنقول يف جواب مسألته. اجملوس، وكذلك اهلند واخلزر والديلم .مولودا. إنكم حني سويتم املسألة وموهتموها، ونظمتم ألفاظها، ظننتم أنكم قد أجنحتم، وبلغتم غايتكم: يقال هلم

.ولعمري لئن حسن ظاهرها، وراع األمساع خمرجها، إهنا لقبيحة املفتش، سيئة املعرى

Page 336: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ء األربعة الذين تزعمون، وإقامة املقعد الذي تدعون، وإطعام ولعمري أن لو كانت اليهود تقر لكم بإحيااجلمع الكثري من األرغفة اليسرية، وتصيري املاء مجدا، واملشي على املاء، مث أنكرت الكالم يف املهد من بني

فأما وهم جيحدون ذلك أمجع، فمرة . مجيع آياته وبراهينه لكان لكم يف ذلك مقال، وإىل الطعن سبيلإنه صاحب رقى ونريجات، ومداوي جمانني، ومتطبب، وصاحب حيل : ، ومرة يغتاظون ويقولونيضحكون

وتربص خدع، وقراءة كتب، وكان لسنا مسكينا، ومقتوال مرحوما، ولقد كان قبل ذلك صياد مسك، .وأنه خرج على مواطأة منهم له، وأنه مل يكن لرشدة. وصاحب شبك، وكذلك أصحابه

وأنه قد كان واطأ ذلك املقعد قبل إقامته . وألينهم مذهبا من زعم أنه ابن يوسف النجاروأحسنهم قوال، بسنني، حىت إذا شهره بالقعدة، وعرف موضعه يف الزمىن، مر به يف مجع من الناس كأنه ال يريده، فشكا إليه

مه، فكان جتمع لطول فناوله يده، فاجتذبه فأقا. ناولين يدك: الزمانة وقلة احليلة، وشدة احلاجة، فقال .القعود، حىت استمر بعد ذلك

وأنه مل حيي ميتا قط، وإمنا كان داوى رجال يقال له ال عازر إذ أغمي عليه يوما وليلة، وكانت أمه ضعيفة العقل، قليلة املعرفة، فمر هبا، فإذا هي تصرخ وتبكي، فدخل إليها ليسكتها ويعزيها، وجس عرقه فرأى فيه

، فداواه حىت أقامه، فكانت لقلة معرفتها ال تشك أنه قد مات، ولفرحها حبياته تثين عليه بذلك، عالمة احلياة .وتتحدث به

كيف جيوز أن يتكلم صيب يف املهد مولودا، : فكيف تستشهدون قوما هذا قوهلم يف صاحبكم، حني قالوا .فيجهله األولياء واألعداء

، وبأدىن أعجوبة، لكان لكم أن تنكروا علينا هبم، وتستعينوا ولو كانت اجملوس تقر لعيسى بعالمة واحدةفأما وحال عيسى يف مجيع أمره عند اجملوس كحال زرادشت يف مجيع أمره عند النصارى فما . بإنكارهم

وكيف مل تعرف اهلند واخلزر والترك ذلك فمىت أقرت اهلند : اعتالهلم به، وتعلقهم يف إنكارهم وأما قولكمة واحدة، فضال عن عيسى ومىت أقرت لنيب بآية، أو روت له سرية، حىت تستشهدوا اهلند ملوسى بأعجوب

على كالم عيسى يف املهد ومىت كانت الترك والديلم واخلزر والبرب والطيلسان مذكورة يف شيء من هذا بلغنا عن أحد ما لنا ال نعرف ذلك ومل ي: اجلنس، حمتجا هبا على هذا الضرب فإن سألونا عن أنفسهم فقالوا

.بتة أجبناهم بعد إسقاط نكريهم وتشنيعهم، وتزوير شهودهمواثنان من . يوحنا، ومىت: اثنان منهم من احلواريني بزعمهم: أهنم إمنا قبلوا دينهم عن أربعة أنفس: وجوابنا

كذب، وال مارقش ولوقش، وهؤالء األربعة ال يؤمن عليهم الغلط وال النسيان، وال تعمد ال: املستجيبة ومهاالتواطؤ على األمور، واالصطالح على اقتسام الرياسة، وتسليم كل واحد منهم لصاحبه حصته اليت شرطها

.لهإهنم كانوا أفضل من أن يتعمدوا كذبا، وأحفظ من أن ينسوا شيئا، وأعلى من أن يغلطوا يف دين : فإن قالوا

.اهللا تعاىل، أو يضيعوا عهدام يف اإلجنيل، وتضادها يف كتبهم، واختالفهم يف نفس املسيح، مع اختالف إن اختالف رواياهت: قلنا

Page 337: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.شرائعهم، دليل على صحة قولنا فيهم، وغفلتكم عنهموما ينكر من مثل لوقش أن يقول باطال، وليس من احلواريني، وقد كان يهوديا قبل ذلك بأيام يسرية، ومن

يف ظاهر احلكم بالطهارة، والطباع الشريفة، وبراءة هو عندكم من احلواريني خري من لوقش عند املسيح .الساحة

فصل منه

إذا كان تعاىل قد اختذ عبدا من عباده خليال، فهل جيوز أن يتخذ عبدا من عباده ولدا، : سألتم عن قوهلما من يريد بذلك إظهار رمحته له، وحمبته إياه، وحسن تربيته وتأديبه له، ولطف منزلته منه، كما مسى عبد

.عباده خليال، وهو يريد تشريفه وتعظيمه، والداللة على خاص حاله عندهوقد رأيت من املتكلمني من جييز ذلك وال ينكره، إذا كان ذلك على التبين والتربية واإلبانة له بلطف

القياس فرق ليس يف: ويقول. املنزلة، واالختصاص له باملرمحة واحملبة، ال على جهة الوالدة، واختاذ الصاحبة .بني اختاذ الولد على التبين والتربية وبني اختاذ اخلليل على الوالية واحملبة

.وزعم أن اهللا تعاىل حيكم يف األمساء مبا أحب، كما أن له أن حيكم يف املعاين مبا أحب: يف قوهلموكان جيوز دعوى أهل الكتاب على التوراة واإلجنيل والزبور، وكتب األنبياء صلوات اهللا عليهم

إسرائيل بكري، وبنوه : " وأنه قال. أي هو أول من تبنيت من خلقي" إسرائيل بكري : " إن اهللا قالوأن املسيح قال يف " . سيولد لك غالم، ويسمى يل ابنا، وأمسى له أبا : " وأنه قال لداود" . أوالدي يا : " سيح أمر احلواريني أن يقولوا يف صلواهتم، وأن امل" أنا أذهب إىل أيب وأبيكم، وإهلي وإهلكم : " اإلجنيل

يف أمور عجيبة، ومذاهب شنيعة، يدل على سوء عبادة اليهود، وسوء " . أبانا يف السماء، تقدس امسك تأويل أصحاب الكتب، وجهلهم جمازات الكالم، وتصاريف اللغات، ونقل لغة إىل لغة، وما جيوز على اهللا،

.ويل كله الغي والتقليد، واعتقاد التشبيهوسبب هذا التأ. وما ال جيوزفرمبا كان أصلح . إمنا وضعت األمساء على أقدار املصلحة، وعلى قدر ما يقابل من طبائع األمم: وكان يقول

األمور وأمتنها أن يتبناه اهللا أو يتخذه خليال، أو خياطبه بال ترمجان، أو خيلقه من غري ذكر، أو خيرجه من بني وكما تعبدنا أن نسميه جوادا وهنانا أن نسميه سخيا أو . رمبا كانت املصلحة غري ذلك كلهو. عاقر وعقيم

.سريا وأمرنا أن نسميه مؤمنا وهنانا أن نسميه مسلما، وأمرنا أن نسميه رحيما وهنانا أن نسميه رفيقا

ه قد كان شائعا يف دين ولعل ذلك كل. وقياس هذا كله واحد، وإمنا يتسع ويسهل على قدر العادة وكثرهتا .هود وصاحل وشعيب وإمساعيل، إذ كان شائعا يف كالم العرب يف إثبات ذلك وإنكاره

فإنا ال جنيز أن يكون هللا ولد، ال من جهة الوالدة، وال من جهة التبين، ونرى أن - رمحك اهللا - وأما حنن عقوب جلاز أن يكون جدا ليوسف، ولو جاز جتويز ذلك جهل عظيم، وإمث كبري؛ ألنه لو جاز أن يكون أبا لي

أن يكون جدا وأبا، وكان ذلك ال يوجب نسبا، وال يوهم مشاكلة يف بعض الوجوه، وال ينقص من عظم، وال حيط من هباء، جلاز أيضا أن يكون عما وخاال؛ ألنه إن جاز أن يسميه من أجل املرمحة واحملبة والتأديب

Page 338: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

جهة التعظيم والتفضيل والتسويد أخا، وجلاز أن جيد له صاحبا وصديقا، وهذا أبا، جاز أن يسميه آخر من .ما ال جيوزه إال من ال يعرف عظمة اهللا، وصغر قدر اإلنسان

وليس من احلكمة أن . وليس حبكيم من ابتذل نفسه يف توقري عبده، ووضع من قدره يف التوفر على غريهوكثري احلمد ال يقوم . أيت من الفضل ما ال جيب بتضييع ما جيبحتسن إىل عبدك بأن تسيء إىل نفسك، وت

.بقليل الذم، ومل حيمد اهللا ومل يعرف إهليته من جوز عليه صفات البشر، ومناسبة اخللق، ومقاربة العبادإما أن يكون ال يقدر على كرامته إال هبوان : وبعد، فال خيلو املوىل يف رفع عبده وإكرامه من أحد أمرين

.، ويكون على ذلك قادرا، مع وفارة العظمة، ومتام البهاءنفسه .وإن كان ال يقدر على رفع قدر غريه إال بأن ينقص من قدر نفسه فهذا هو العجز، وضيق الذرع

.وإن كان على ذلك قادرا فآثر ابتذال نفسه واحلط من شرفه فهذا هو اجلهل الذي ال حيتمل .والوجهان عن اهللا جل جالله منفيان

ووجه آخر يعرفون به صحة قويل، وصواب مذهيب، وذلك أن اهللا تبارك وتعاىل لو علم أنه فد كان فيما إن أباكم كان بكري وابين، وإنكم أبناء بكري ملا كان تغضب عليهم إذ : أنزل من كتبه على بين إسرائيل

كرام، وكمال احملبة، وال سيما إن حنن أبناء اهللا، فكيف ال يكون ابن ابن اهللا ابنه، وهذا من متام اإل: قالوا .بنو إسرائيل أبناء بكري: كان قال يف التوراة

وأنت تعلم أن العرب حني زعمت أن املالئكة بنات اهللا كيف استعظم اهللا تعاىل ذلك وأكربه، وغضب على وز مع ذلك أن أهله، وإن كان يعلم أن العرب مل جتعل املالئكة بناته على الوالدة واختاذ الصاحبة، فكيف جي

.يكون اهللا قد كان خيرب عباده قبل ذلك بأن يعقوب ابنه، وأن سليمان ابنه، وأن عزيرا ابنه، وأن عيسى ابنه .فاهللا تعاىل أعظم من أن يكون له أبوة من صفاته، واإلنسان أحقر من أن يكون بنوة اهللا من أنسابه

رى ألزم، وإن كان لآلخرين الزما، ألن النصارى تزعم والقول بأن اهللا يكون أبا وجدا وأخا وعما، للنصافلو كان للحواريني أوالد جلاز أن " . إخويت : " أن اهللا هو املسيح بن مرمي، وأن املسيح قال للحواريني

بل قد يزعمون أن مرقش هو ابن مشعون الصفا، وأن زوزري ابنته، وأن النصارى تقر أن ! يكون اهللا عمهمفهم ال ميتنعون من أن . معلم: ما زاذ: وتفسريها" ما زاذ أمك وإخوتك على الباب : "يف إجنيل مرقش

.يكون اهللا تبارك وتعاىل أبا وجدا وعماإن اهللا فقري " ، و " ويد اهللا مغلولة " ، " عزيرا ابن اهللا " إن : ولوال أن اهللا قد حكى عن اليهود أهنم قالوا

" قالت النصارى املسيح ابن اهللا : " وقال" املسيح ابن اهللا : " م قالواوحكى عن النصارى أهن" وحنن أغنياء لكنت ألن أخر من السماء أحب إيل من أن ألفظ حبرف " لقد كفر الذين قالوا إن اهللا ثالث ثالثة : " وقال.

واحلكاية ولكين ال أصل إىل إظهار مجيع خمازيهم، وما يسرون من فضائحهم، إال باإلخبار عنهم،. مما يقولون .منهم

ومجيع ما " إسرائيل بكري " فإن فيها : قالوا. نعم: خربونا عن اهللا، وعن التوراة، أليست حقا قلنا: فإن قالوا .ذكرمت عنا معروف يف الكتب

Page 339: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

. إن القوم إمنا أتوا من قلة املعرفة بوجوه الكالم، ومن سوء الترمجة، مع احلكم مبا يسبق إىل القلوب: قلنالو كانت هلم عقول املسلمني ومعرفتهم مبا جيوز يف كالم العرب، وما جيوز على اهللا، مع ولعمري أن

ولو كانوا أيضا مل . فصاحتهم بالعربانية، لوجدوا لذلك الكالم تأويال حسنا، وخمرجا سهال، ووجها قريبااهللا تبارك وتعاىل قال يف يعطلوا يف سائر ما ترمجوا لكان لقائل مقال، ولطاعن مدخل، ولكنهم خيربون أن

إين أنا اهللا الشديد، وإين أنا اهللا الثقف، وأنا النار اليت تأكل النريان، : " العشر اآليات اليت كتبتها أصابع اهللاوافتح : " وأن داود قال يف الزبور" . آخذ األبناء حبوب اآلباء، القرن األول والثاين والثالث إىل السابع

وأن داود خرب أيضا يف مكان آخر عن اهللا " . أصغ إيل مسعك يا رب " ، و " ا رب و قم ي" عينك يا رب خلق اهللا : " وأن موسى قال يف التوراة" . وانتبه اهللا كما ينتبه السكران الذي قد شرب اخلمر : " تعاىل

ة أخرجتكم من بذراعي الشديد: " وأن اهللا قال يف التوراة لبين إسرائيل" . األشياء بكلمته، وبروح نفسه امحد اهللا محدا جديدا، امحده يف أقاصي األرض، ميأل اجلزائر : " وأنه قال يف كتاب إشعياء" . أهل مصر

يعين قيدار بن إمساعيل - وسكاهنا، والبحور والقفار وما فيها، ويكون بنو قيدار يف القصور، وسكان اجلبال " .حبمد اهللا يف اجلزائر ليصيحوا ويصريوا هللا الفخر والكرامة، ويسبحوا -

وخيرج الرب كاجلبار، وكالرجل الشجاع اجملرب، ويزجر ويصرخ، ويهيج : " وأنه قال على إثر ذلك " .احلرب واحلمية، ويقتل أعداءه، يفرح السماء واألرض

هو مىت أسكت، مثل املرأة اليت قد أخذها الطلق : قال. سكت: " وأن اهللا قال أيضا يف كتاب إشعياء " .والدة أتلهف، وإن تراين أريد أحرث اجلبال والشعب، وآخذ بالعرب يف طريق ال يعرفونه لل

ومعىن هذا ال جيوزه أحد من أهل العلم، ومثل هذا كثري تركته . وكلهم على هذا اللفظ العريب جممع .ملعرفتكم به

يه، وحلولوه عن وجوهه، وما وأنت تعلم أن اليهود لو أخذوا القرآن فترمجوه بالعربانية ألخرجوه من معانالسموات مطوية بيمينه " ، و " لتصنع على عيين " ، و " فلما آسفونا انتقمنا منهم : " ظنك هبم إذا ترمجوا

، " فلما جتلى ربه للجبل جعله دكا : " ، وقوله" إىل رهبا ناظرة . ناضرة" ، و " على العرش استوى " ، و " " .جاء ربك وامللك صفا صفا " و ، " كلم اهللا موسى تكليما " و

وقد يعلم أن مفسري كتابنا وأصحاب التأويل منا أحسن معرفة، وأعلم بوجوه الكالم من اليهود، ومتأويل الكتاب، وحنن قد جند يف تفسريهم ما ال جيوز على اهللا يف صفته، وال عند املتكلمني يف مقاييسهم، وال عند

اليهود مع غباوهتم وغيهم، وقلة نظرهم وتقليدهم وهذا باب قد غلطت فما ظنك ب. النحويني يف عربيتهمفيه العرب أنفسها، وفصحاء أهل اللغة إذا غلطت قلوهبا، وأخطأت عقوهلا، فكيف بغريهم ممن ال يعلم

" نواصينا بيد اهللا : " ، وقوهلم يف الدعاء" القلوب بيد اهللا : " كعلمها مسع بعض العرب قول مجيع العربوقد كان من لغتهم " هذا من أيادي اهللا ونعمه عندنا : " ، وقوهلم" بل يداه مبسوطتان : " جل ذكره وقوله

:أن الكف أيضا يد، كما أن النعمة يد، والقدرة يد، فغلط الشاعر فقال بكف اإلله مقاديرها... هون عليك فإن األمور

وعليه كانت علماء املعتزلة، وال أراه . شاء اهللا وقد كان إبراهيم بن سيار النظام جييب جبواب، وأنا ذكره إن

Page 340: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.مقنعا وال شافيا. خليل الرمحن مثل حبيبه ووليه وناصره: وذلك أنه كان جيعل اخلليل مثل احلبيب، مثل الويل، وكان يقول

.وكانت اخللة والوالية واحملبة سواءملكان التربية اليت ليست حبضانة، وملكان وملا كانت كلها عنده سواء جاز أن يسمي عبدا له ولدا، : قالوا

الرمحة اليت ال تشتق من الرحم، ألن إنسانا لو رحم جرو كلب فرباه مل جيز أن يسميه ولدا ويسمي نفسه . ولو التقط صبيا فرباه جاز أن يسميه ولدا ويسمي نفسه له أبا، ألنه شبيه ولده، وقد يولد ملثله مثله. أبا

البشر أرحام، فإذا كان شبه اإلنسان أبعد من اهللا تعاىل من شبه اجلرو باإلنسان، كان وليس بني الكالب و .اهللا أحق بأال جيعله ولده، وينسبه إىل نفسه

أرأيت : قلنا إلبراهيم النظام عند جوابه هذا وقياسه الذي قاس عليه، يف املعارضة واملوازنة بني قياسنا وقياسه دونه، هل جيوز أن يتخذه بذلك كله خليال، مع بعد التشابه والتناسبكلبا ألف كالبه، وجامى وأمحى

فالعبد الصاحل أبعد شبها من اهللا من ذلك الكلب احملسن إىل كالبه، فكيف جاز يف : قلنا. ال: فإذا قالقياسك أن يكون اهللا خليل من ال يشاكله ملكان إحسانه، وال جيوز للكالب أن يسمي كلبه خليال أو ولدا ملكان حسن تربيته له، وتأديبه إياه، وملكان حسن الكلب وكسبه عليه، وقيامه مقام الولد الكاسب واألخ،

.والباروالعبد الصاحل ال يشبه اهللا يف وجه من الوجوه، والكلب قد يشبه كالبه لوجوه كثرية، بل ما أشبهه به مما

.ال وولدا بعد شبهه من اإلنسانخالفه فيه، وإن كانت العلة اليت منعت من تسمية الكلب خليإن إبراهيم صلوات اهللا عليه، وإن كان : فما اجلواب الذي أجبت فيه، والوجه الذي ارتضيته قلنا: فلو قلتم

خليال، فلم يكن خليله خبلة كانت بينه وبني اهللا تعاىل، ألن اخللة واإلخاء والصداقة والتصايف واخللطة ىل عز ذكره، فيما بينه وبني عباده، على أن اإلخاء والصداقة داخلتان يف وأشباه ذلك منفية عن اهللا تعا

وجيوز أن يكون إبراهيم خليال باخللة اليت أدخلها اهللا على نفسه . اخللة، واخللة أعم االمسني، وأخص احلالنيوذلك أن . اضحوماله، وبني أن يكون خليال باخللة وأن يكون خليال خبلة بينه وبني ربه فرق ظاهر، وبون و

لقذفهم إياه يف النار، وذحبه ابنه، ومحله . إبراهيم عليه السالم اختل يف اهللا تعاىل اختالال مل خيتلله أحد قبلهعلى ماله يف الضيافة واملواساة واألثرة، وبعداوة قومه، والرباءة من أبويه يف حياهتما، وبعد موهتما، وترك

واخلليل . فصار هلذه الشدائد خمتال يف اهللا، وخليال يف اهللا. أسهوطنه، واهلجرة إىل غري داره ومسقط روالدليل على أن يكون اخلليل من اخللة كما يكون من اخللة قول زهري بن . واملختل سواء يف كالم العرب :أيب سلمى، وهو ميدح هرما يقول ال عاجز مايل وال حرم... وإن أتاه خليل يوم مسبغة

:وقال آخر إىل آل ليلى مرة خلليل... أن تسعفاين حباجة وإين إىل

وهو ال ميدحه بأن خليله وصديقه يكون فقريا سائال، يأيت يوم املسألة ويبسط يده للصدقة والعطية، وإمنا

Page 341: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.اخلليل يف هذا املوضع من اخللة واالختالل، ال من اخللة واخلاللفه اهللا إىل نفسه، وأبانه بذلك عن سائر أوليائه، فسماه وكأن إبراهيم عليه السالم حني صار يف اهللا خمتال أضا

أهل اهللا من بني مجيع : بيت اهللا من بني مجيع البيوت، وأهل مكة: خليل اهللا من بني األنبياء، كما مسى الكعبةوهكذا كل شيء عظمه اهللا تعاىل، من . ناقة اهللا من بني مجيع النوق: ومسى ناقة صاحل عليه السالم. البلدان

كتاب : وكما قال للقرآن. دعه يف لعنة اهللا، ويف نار اهللا ويف حرقه: كما قالوا. ري وشر، وثواب وعقابخأسد اهللا، وخلالد : وعلى هذا املثال قيل حلمزة رمحة اهللا ورضوانه عز ذكره عليه. شهر اهللا: اهللا، وللمحرم .سيف اهللا تعاىل: رمحة اهللا عليه

.إن إبراهيم خليل اهللا: خليل إبراهيم، كما يقالأن اهللا: ويف قياسنا هذا ال جيوز: فكيف مل يقدموه على مجيع األنبياء، إذ كان اهللا قدمه هبذا االسم الذي ليس ألحد مثله قلنا: فإن قال قائل

روح : كليم اهللا، وقيل لعيسى: إن هذا االسم اشتق له من عمله وحاله وصفته، وقد قيل ملوسى عليه السالميقل ذلك إلبراهيم، وال حملمد صلوات اهللا عليهما، وإن كان حممد صلى اهللا عليه وسلم أرفع درجة اهللا، ومل

منهم، ألن اهللا تعاىل كلم األنبياء عليهم السالم على ألسنة املالئكة، وكلم موسى كما كلم املالئكة، فلهذه على ما أجرى عليه تركيب العامل، وخلق يف نطف الرجال أن قذفها يف أرحام النساء . كليم اهللا: العلة قيل

فلهذه اخلاصة . وطباع الدنيا، وخلق يف رحم مرمي روحا وجسدا، على غري جمرى العادة، وما عليه املناكحة .روح اهللا: قيل له

وقد جيوز أن يكون يف نيب من األنبياء خصلة شريفة، وال تكون تلك اخلصلة بعينها يف نيب أرفع درجة منه، وكذلك مجيع الناس، كالرجل يكون له أبوان، . النيب خصال شريفة ليست يف اآلخر ويكون يف ذلك

. فيحسن برمها وتعاهدمها، والصرب عليهما، وهو أعرج ال يقدر على اجلهاد، وفقري ال يقدر على اإلنفاقويكون آخر ال أب له وال أم له، وهو ذو مال كثري، وخلق سوي، وجلد طاهر، فأطاع هذا باجلهاد

.نفاق، وأطاع ذلك برب والديه والصرب عليهماواإل

ولوال ماللة القارىء، ومداراة . والكالم إذا حرك تشعب، وإذا ثبت أصله كثرت فنونه، واتسعت طرقهاملستمع لكان بسط القول يف مجيع ما يعرض أمت للدليل، وأمجع للكتاب، ولكنا إمنا ابتدأنا الكتاب لنقتصر به

.على كسر النصرانية فقط

فصل منه

إن كان املسيح إمنا صار ابن اهللا ألن اهللا خلقه من غري ذكر، فآدم وحواء إذ كانا من : قلنا يف جواب آخر .غري ذكر وأنثى أحق بذلك، إن كانت العلة يف اختاذه ولدا أنه خلقه من غري ذكررباه إال : وهل تأويل. وإن كان ذلك ملكان التربية فهل رباه إال كما رىب موسى، وداود، ومجيع األنبياء

ومل مسيتم سقيه هلم وإطعامه إياهم تربية ومل رباه . غذاه، ورزقه، وأطعمه، وسقاه، فقد فعل ذلك جبميع الناس

Page 342: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأنتم ال تريدون إال غذاه ورزقه، وهو مل حيضنه، ومل يباشر تقليبه، ومل يتول بنفسه سقيه وإطعامه، فيكون .لنب أمه يف صغره، وغذاه باحلبوب واملاء يف كربهذلك سببا له دون غريه، وإمنا سقاه

فصل منه

واألعجوبة يف آدم عليه السالم أبدع، وتربيته أكرم، ومنقلبه أعلى وأشرف، إذ كانت السماء داره، واجلنة وإن كان حبسن التعليم . بل هو املقدم بالسجود، والسجود أشد اخلضوع. منزله، واملالئكة خدامهاهللا تعاىل خياطبه، ويتوىل مناجاته دون أن يرسل إليه مالئكته ويبعث إليه رسله، أقرب والتثقيف؛ فمن كان

.منزلة، وأشرف مرتبة، وأحق بشرف التأديب وفضيلة التعليموكان اهللا تعاىل يكلم آدم كما كان يكلم مالئكته، مث علمه األمساء كلها؛ ومل يكن ليعلمه األمساء كلها إال

كان ذلك كذلك فقد علمه مجيع مصاحله ومصاحل ولده، وتلك هناية طباع اآلدميني، باملعاين كلها، فإذا .ومبلغ قوى املخلوقني

فصل منه

إن اهللا : فأما قوهلم إنا نقول على الناس ما ال يعرفونه، وال جيوز أن يدينوا به، وهو قولنا إن اليهود قالتإن عزيرا ابن اهللا، وهم مع اختالفهم : لة، وإهنا قالتإن يد اهللا مغلو: وأهنا قالت. تعاىل فقري وحنن أغنياء

.وكثرة عددهم، ينكرون ذلك ويأبونه أشد اإلباءإن اليهود لعنهم اهللا تعاىل كانت تطعن على القرآن، وتلتمس نقضه، وتطلب عيبه، وختطىء فيه : قلنا هلم

.تميل قلوب األغبياءصاحبه، وتأتيه من كل وجه، وترصده بكل حيلة، ليلتبس على الضعفاء، وتس: " فلما مسعت قول اهللا تعاىل لعباده الذين أعطاهم، قرضا، وسأهلم قرضا على التضعيف، فقال عز من قائل

قالت اليهود على وجه الطعن والعيب والتخطئة " . من ذا الذي يقرض اهللا قرضا حسنا فيضاعفه له فكفرت بذلك القول إذ كان على ! إال لفقره وغنانا تزعم أن اهللا يستقرض منا، وما استقرض منا: والتعنت

وكيف . وجه التكذيب والتخطئة، ال على وجه أن دينها كان يف األصل أن اهللا فقري، وأن عباده أغنياءيعتقد إنسان أن اهللا عاجز عما يقدر عليه، مع إقراره بأنه الذي خلقه ورزقه، وإن شاء حرمه، وإن شاء

.وقدرته على مجيع ذلك كقدرته على واحد. عذبه، وإن شاء عفا عنهوجماز اآلية يف اللغة واضح، وتأويلها بني وذلك أن الرجل منهم كان يقرض صاحبه إلرفاقه، ليعود إليه مع

آسوا : فقال هلم حبسن عادته ومنته. أصل ماله اليسري من رحبه، مث هو خماطر به إىل أن يعود يف ملكهءكم، من املال الذي أعطيتكم، والنعمة اليت خولتكم، بأمري إياكم وضماين فقراءكم، وأعطوا يف احلق أقربا

لكم، فأعتده منكم قرضا وإن كنت أوىل به منكم، فأنا موفيكم حقوقكم إىل ما ال ترتقي إليه مهة وال تبلغه .على أنكم قد أمنتم من اخلطار، وسلمتم من التغرير. أمنية

وإمنا هذا كالم . عند احلاجة تعرض له، وهو يعلم أن عبده وماله لهأسلفين درمها، : والرجل يقول لعبده

Page 343: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وفعال يدل على حسن امللكة، والتفضل على العبد واألمة، وإخبار منه لعبده أنه سيعيد عليه ما كانت .سخت به نفسه

.وهذا ليس بغلط يف الكالم وال بضيق فيه ولكن املتعنت يتعلق بكل سبب، ويتشبث بكل ما وجد

، فلم يذهب إىل أن اليهود ترى أن ساعده مشدودة إىل " يد اهللا مغلولة : " إخباره عن اليهود أهنا قالتوأما ألنه ال بد أن يكون يذهب إىل أنه غل نفسه أو ! وكيف يذهب إىل هذا ذاهب، ويدين به دائن . عنقه بغلحيتمل التثقيف، ولكن اليهود وأيهما كان، فإنه منفي عن وهم كل بالغ حيتمل التكليف، وعاقل. غله غريه

يد اهللا : " قوم جربية، واجلربية تبخل اهللا مرة، وتظلمه مرة، وإن مل تقر بلساهنا، وتشهد على إقرارها، بقوهلممغلولة، ال يعين أن غريه حبسه ومنعه، ولكن إذا كان عندهم أنه : وقوهلم. يعنون بره وإحسانه" مغلولة

.هي حمبوسة حببسه، وممنوعة مبنعهالذي منع أياديه، وحبس نعمه؛ ف: " والذي يدل على أهنم أرادوا باليدين النعمة واإلفضال، دون الساعد والذراع، جواب كالمهم حني قال

.دليال على ما قلنا، وشاهدا على ما وصفنا" . بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء إن : نه، دون أن يقال إن يد اهللا مغلولة قلنافكيف مل نقل إن اليهود خبلت اهللا وجحدت إحسا: فإن قالوا

أراد اهللا اإلخبار عن كفر قوم وسخط عليهم، فليس هلم عليه أن يعرب عن دينهم وعيوهبم بأحسن املخارج، .وكيف وهو يريد التنفري عن قوهلم، وأن يبغضهم إىل من مسع ذلك عنهم. وجيليها بأحسن األلفاظ

فهذا . وكل صدق جائز يف الكالم. وتصغريه وتسهيله، لقال قوال غري هذا ولو أراد اهللا تعاىل تليني األمر .جماز مسألتهم يف اللغة، وهو معروف عند أهل البيان والفصاحة

أحدمها خاص، واآلخر : فإن اليهود يف ذلك على قولني. إن اليهود ال تقول إن عزيرا ابن اهللا: وأما قوهلم .عام يف مجاعتهم

اسا منهم ملا رأوا عزيرا أعاد عليهم التوراة من تلقاء نفسه، بعد دروسها وشتات أمرها فأما اخلاص، فإن ن. وإن فريقا من بقاياهم لباليمن والشام وداخل بالد الروم. غلوا فيه، وقالوا ذلك، وهو مشهور من أمرهم

ناس، وصار ذلك االسم إن إسرائيل اهللا ابنه، وإذا كان ذلك على خالف تناسب ال: وهؤالء بأعياهنم يقولون .لعزير بالطاعة والعالمة، واملرتبة ألنه من ولد إسرائيل

والقول الذي هو عام فيهم، أن كل يهودي ولده إسرائيل، فهو ابن اهللا، إذ مل جيدوا ابن ابن قط إال وهو .ابن

فصل منه

أو ليس " ىل مرمي وروح منه وكلمته ألقاها إ: " ليس املسيح روح اهللا وكلمته، كما قال عز ذكره: فإن قالواقد أخرب عن نفسه حني ذكر أمه أنه نفخ فيها من روحه أو ليس مع ذلك قد أخرب عن حصانة فرجها

وطهارهتا أو ليس مع ذلك قد أخرب أنه ال أب له، وأنه كان خالقا، إذ كان خيلق من الطني كهيئة الطري، : الفته ملشاكلة مجيع اخللق، ومباينة مجيع البشر قلنا هلمفيكون حيا طائرا فأي شيء بقي من الدالالت على خم

Page 344: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ولو أننا . إنكم إمنا سألتمونا عن كتابنا، وما جيوز يف لغتنا وكالمنا، ومل تسألونا عما جيوز يف لغتكم وكالمكم جوزنا ما يف لغتنا ما ال جيوز، وقلنا على اهللا تعاىل ما ال نعرف، كنا بذلك عند اهللا والسامعني يف حد .املكاثرين، وأسوأ حاال من املنقطعني، وكنا قد أعطيناكم أكثر مما سألتم، وجزنا بكم فوق أمنيتكم

عيسى روح اهللا وكلمته، وجب علينا يف لغتنا أن جيعله اهللا ولدا، وجنعله مع اهللا تعاىل إهلا، : ولو كنا إذا قلنا .وبطن مرميإن روحا كانت يف اهللا فانفصلت منه إىل بدن عيسى : ونقول

. إن اهللا مسى جربيل روح اهللا وروح القدس، وجب علينا أن نقول فيه ما يقولون يف عيسى: فكنا إذا قلناوقد علمتم أن ذلك ليس من ديننا، وال جيوز ذلك بوجه من الوجوه عندنا، فكيف نظهر للناس قوال ال

.نقوله، ودينا ال نرتضيهيوجب نفخا كنفخ الزق، أو كنفخ الصائغ يف املنفاخ، " من روحنا فنفخنا فيه: " ولو كان قوله جل ذكره

وأن بعض الروح اليت كانت فيه انفصلت فاصلة إىل بطنه وبطن أمه، لكان قوله يف آدم يوجب له ذلك؛ وكذلك " ونفخ فيه من روحه : " إىل قوله" . . مث جعل نسله . وبدأ خلق اإلنسان من طني: " ألنه قال " .سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فإذا : " قوله

. فمنها ما أضافه إىل نفسه، ومنها ما مل يضفه إىل نفسه: والنفخ يكون من وجوه، والروح يكون من وجوهوإمنا يكون ذلك على قدر ما عظم من األمور، فمما مسى روحا وأضافه إىل نفسه، جربيل الروح األمني،

إن : " فقال له. إن بين فالن أجابوا فالنا النيب ومل جييبوك: قول موسى حني قالوالتوفيق ك. وعيسى بن مرمي " .روح اهللا مع كل أحد

وأما القرآن فإن اهللا مساه روحا، وجعله يقيم للناس مصاحلهم يف دنياهم وأبداهنم، فلما اشتبها من هذا الوجه تنزل : " وقال" أوحينا إليك روحا من أمرنا وكذلك : " ألزمهما امسهما فقال لنبيه صلى اهللا عليه وسلم

" .املالئكة والروح

فصل منه

قد جعلنا يف جواباهتم وقدمنا مسائلهم، مبا مل يكونوا ليبلغوه ألنفسهم، ليكون الدليل تاما، واجلواب جامعا؛ أن اإلدالل باحلجة، وليعلم من قرأ هذا الكتاب، وتدبر هذا اجلواب، أنا مل نغتنم عجزهم، ومل ننتهز غرهتم، و

والثقة بالفلج والنصرة، هو الذي دعانا إىل أن خنرب عنهم مبا ليس عندهم، وأال نقول يف مسألتهم مبعىن مل ينتبه له منتبه، أو يشر إليه مشري، وأال يوردوا فيما يستقبلون، على ضعفائنا ومن قصر نظره منا، شيئا إال

.ت بهواجلواب قد سلف فيهم، وألسنتهم قد مذلوسنسأهلم إن شاء اهللا، وجنيب عنهم، ونستقصي هلم يف جواباهتم، كما سألنا هلم أنفسنا، واستقصينا هلم يف

.مسائلهمهل خيلو املسيح أن يكون إنسانا بال إله، أو إهلا بال إنسان أو أن يكون إهلا وإنسانا فإن زعموا أنه : فيقال هلم

و الذي كان صغريا فشب والتحى، والذي كان يأكل ويشرب، وينجو فه: كان إهلا بال إنسان، قلنا هلم

Page 345: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ويبول، وقتل بزعمكم وصلب، وولدته مرمي وأرضعته، أم غريه هو الذي كان يأكل ويشرب على ما وصفنا فأي شيء معىن اإلنسان إال ما وصفنا وعددنا وكيف يكون إهلا بال إنسان، وهو املوصوف جبميع

ول يف غريه ممن صفته كصفته إال كالقول فيه كاشتماهلا على غريه وإن زعموا أنه وليس الق. صفات اإلنسان. مل ينقلب عن اإلنسانية ومل يتحول عن جوهر البشرية، ولكن ملا كان الالهوت فيه، صار خالقا ومسي إهلا

ن فيه ويف غريه، أكان فيه ويف غريه، أم كان فيه دون غريه فإن زعموا أنه كا. خربونا عن الالهوت: قلنا هلم .وإن كان فيه دون غريه، فقد صار الالهوت جسما. فليس هو أوىل بأن يكون خالقا ويتسمى إهلا من غريه

وسنقول يف الكسر عليهم إذا صرنا إىل القول يف التشبيه، وهو قول معظمهم، والذي كان عليه مجاعتهم، بالتشبيه والتجسيم، فرارا من كثرة الشناعة، إال من خالفهم من متكلميهم ومتفلسفيهم، فإهنم يقولون

وكفى بالتشبيه قبحا، وهو قول يعم اليهود وإخواهنم من الرافضة، وشياطينهم من . وعجزا عن اجلواب .واهللا تعاىل املستعان. املشبهة واحلشوية والنابتة، وهو بعد متفرق يف الناس

اجلزء الرابع

ةفصل من صدر كتابه يف الرد على املشبه

فليس يكون كل . أما بعد، فقد اختلف أهل الصالة يف معىن التوحيد، وإن كانوا قد أمجعوا على انتحال امسه .من انتحل اسم التوحيد موحدا إذا جعل الواحد ذا أجزاء، وشبهه بشيء ذي أجزاء

حلواس، حىت ولو أن زاعما زعم أن أحدا ال يكون مشبها وإن زعم أن اهللا يرى بالعيون، ويوجد ببعض اال يكون العبد هللا مكذبا، وإن : يزعم أنه يرى كما يرى اإلنسان، ويدرك كما تدرك األلوان كان كمن قال

.زعم أنه يقول ما ال يفعل، حىت يزعم أنه يكذب .وال يكون العبد هللا جمورا، وإن زعم أنه يعذب من مل يعطه السبب الذي به ينال طاعته، حىت يزعم أنه جيور

فالن قد : وكذلك إذا قال. لفالن عشرة: عندي جذر مائة، كان عندنا كقوله: ن رجال قال لفالنولو أ .فالن قد أحال يف كالمه: ناقض يف كالمه، فهو عندنا كقوله

ركبت عريا ومل : ناقض ومل حيل، له عندي جذر مائة وليس له عندي عشرة؛ كان كالذي يقول: ولو قال .ة ومل أشرب مخراأركب محارا، وشربت املدام

وللمعاين دالالت وأمساء، فمن دل على املعىن بواحدة منها، وباسم من أمسائها، مل نسأله أن يوفينا اجلميع؛ .وأن يأيت على الكل، ومل يلتفت إىل منع ما منع، إذا كان الذي منع مثل الذي أعطى

فأقر القوم بظاهر " ليس كمثله شيء " وقد أنبأ اهللا عن نفسه، على لسان نبيه صلى اهللا عليه وسلم، فقالهذا الكالم؛ مث جعلوه يف املعىن يشبه كل شيء، إذ جعلوه جسما، فقد جعلوه حمدثا وخملوقا؛ ألن داللة احلدوث، والشهادة على التدبري، ثابتان يف األجسام، وإمنا لزمها ذلك ألهنما أجسام ال لغري ذلك؛ ألن

وي، وبقي وفين، وزاد ونقص، ومازج األجسام وختلص ألنه جسم؛ اجلسم إذا حترك وسكن، وعجز وقولوال أنه جسم الستحال ذلك منه، وملا جاز عليه هذه األمور اليت أوجبتها اجلسمية، وهي الدالة على

Page 346: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فواجب أن يكون كل جسم كذلك، إذا كانت األجسام مستوية يف اجلسمية، وإذا كان . حدوث األجسام .ه ذلككل جسم منها أيضا لزم

.وقد اختلف أصحاب التشبيه يف مذاهب التشبيه .إنه جسم، وكل جسم طويل: نقول: فقال بعضهمإنه جسم، وال نقول إنه طويل، ألنا إمنا جعلناه جسما لنخرجه من باب العدم؛ إذ كنا : نقول: وقال آخرون

وليست بنا حاجة إىل . اجلسم مىت أخربنا عن شيء، فقد جعلناه معقوال متومها، وال معقول وال متوهم إالألن اجلسم يكون طويال وغري طويل، . أن جنعله طويال، وليس يف كونه جسما إجياب ألن يكون طويال

فلذلك جعلناه . كاملدور، واملثلث، واملربع، وغري ذلك، وال يكون الشيء إال معقوال، وال املعقول إال جسما .جسما، ومل جنعله طويال

لصاحب هذه املقالة، إن مل جيعله طويال أن جيعله عريضا، وإن مل جيعله عريضا أن -ك اهللا يرمح -فينبغي وإن أقر هبيئة من اهليئات . جيعله مدورا، وإن مل جيعله مدورا أن جيعله مثلثا، وإن مل جيعله مثلثا أن جيعله مربعا

.فقد دخل فيما كرهخمس، واملصلب، واملزوى، وغري ذلك من اهليئات، إال أشنع يف وال أعلم املدور، واملثلث، واملربع، وامل

.اللفظ، وأحقر يف الوهم

فصل منه

: ، وقلتم" ال تدركه األبصار وهو يدرك األبصار : " اعتللتم علينا بقول اهللا تعاىل: وقال أصحاب الرؤية .هذه اآلية مبهمة، وخرجت خمرج العموم، والعام غري اخلاص

ال تدركه : " لعام إىل أن خيصه اهللا بآية أخرى؛ وذلك أن اهللا تعاىل لو كان قالوقد صدقتم، كذلك العلمنا أنه قد استثىن أخرة " إىل رهبا ناظرة . وجوه يومئذ ناضرة: " مث مل يقل" األبصار وهو يدرك األبصار

.من مجيع األبصاروما كان : " ومثل قوله" غيب إال اهللا قل ال يعلم من يف السموات واألرض ال: " وإمنا ذلك مثل قوله: قالوا

تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما : " وهذه األخبار مبهمة عامة، فلما قال" اهللا ليطلعكم على الغيب " وال حييطون بشيء من علمه إال مبا شاء : " وملا قال، أيضا" كنت تعلمها أنت وال قومك من قبل هذا

" .ال تدركه األبصار : " وكذلك أيضا قوله. قول األولعلمنا أن القول الثاين قد خص الوما كان اهللا : " بعد أن قال" . تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك : " إن اهللا تعاىل ملا قال: قلنا للقوم

وهذا االستثناء ال . علمنا أن ذلك استثناء لبعض ما قال إين ال أطلعكم على الغيب" . ليطلعكم على الغيب .يف لفظه وال يف معناه، وال حيتمل ظاهر لفظه غري معناه عندنااختالف

والفقهاء وأصحاب . وظاهر لفظه حيتمل وجها آخر غري ما ذهبوا إليه. وعند خصومنا فيه أشد االختالفذكر : قال" تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك : " التفسري خيتلفون يف تأويله وهم ال خيتلفون يف تأويل قوله

: أنه قال" إىل رهبا ناظرة . وجوه يومئذ ناضرة: " هدي عن سفيان، عن منصور، عن جماهد، يف قولهابن م

Page 347: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.تنتظر ثواب رهباوأبو صاحل وجماهد من كبار أصحاب . وذكر أبو معاوية عن إمساعيل بن أيب خالد عن أيب صاحل مثل ذلك

.ابن عباس، ومن العاملية، ومن املتقدمني يف التفسري .بنيفهذا فرق

وبعد، ففي حجج العقول أن اهللا ال يشبه اخللق بوجه من الوجوه؛ فإذا كان مرئيا فقد أشبهه يف أكثر .الوجوه

وإذا كان قوهلم يف النظر حيتمل ما قلتم، وما قال خصمكم، مع موافقة أيب صاحل وجماهد يف التأويل، وكان كان التأويل ما قال " ليس كمثله شيء : " نذلك أوىل بنفي التشبيه الذي قد دل عليه العقل، مث القرآ

.خصمكم دون ما قلتم

فصل منه

:مث رجع الكالم إىل أول املسألة، حيث جعلنا القرآن بيننا قاضيا، واختذناه حاكما، فقلنا

قد رأينا اهللا استعظم الرؤية استعظاما شديدا، وغضب على من طلب ذلك وأراده، مث عذب عليه، وعجب : " أله ذلك، وحذرهم أن يسلكوا سبيل املاضني، فقال يف كتابه لنبيه صلى اهللا عليه وسلمعباده ممن س

يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكرب من ذلك فقالوا أرنا اهللا جهرة " .فأخذهتم الصاعقة بعض احلواس مدركا، وكان ذلك عليه جائزا، جيوز أن يكون مرئيا، وب - يف احلقيقة - فإن كان اهللا تعاىل

فالقوم إمنا سألوا أمرا ممكنا، وقد طمعوا يف مطمع، فلم غضب هذا الغضب، واستعظم سؤاهلم هذا .االستعظام، وضرب به هذا املثل، وجعله غاية يف اجلرأة ويف االستخفاف بالربوبية

. تعاىل على ذلك يف الدنيا كقدرته عليه يف اآلخرةألن ذلك كان ال جيوز يف الدنيا؛ فقدرة اهللا: فإن قالوا .ليس لذلك استعظم سؤاهلم، ولكن ألهنم تقدموا بني يديه: فإن قالوا

مل صار هذا السؤال تقدما عليه واستخفافا به، والشيء الذي طلبوه هو جموز يف عقوهلم، وقد أطمعهم : قلناومن عادة املسئول التفضل، وأنه فاعل . ال عبثا وال حماالفيه أن جوزوه عندهم، والقوم مل يسألوا ظلما و

.ذلك هبم يوما .إين ال أجتلى ألحد يف الدنيا: إمنا صار ذلك الطلب كفرا وذنبا عظيما ألنه قد كان قال هلم: فإن قالوا

تقدمهم بعد فإن كان األمر على ما قلتم لكان يف تفسريه إنكاره لطلبهم دليل على ما يقولون، ولذكر: قلنا .ال غري ذلك" فقد سألوا موسى أكرب من ذلك فقالوا أرنا اهللا جهرة : " البيان، بل قال

.إمنا غضب اهللا عليهم ألنه ليس ألحد أن يظن أن اهللا تعاىل يرى جهرة: فإن قالواال : " عز ذكرهرأيت اهللا جهرة إال املعاينة، أو إعالن املعاينة؛ قال اهللا: وأي شيء تأويل قول القائل: قلنا

واجلهر هو اإلعالن والرفع واإلشاعة؛ فهل يراه أهل اجلنة إذا رفع " . حيب اهللا اجلهر بالسوء من القول

Page 348: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

عنهم احلجب، ودخلوا عليه وجلسوا على الكرسي عنده إال جهرة كما تأولتم احلديث الذي رويتموه عن ، إال أن يزعموا " تضامون يف القمر ليلة البدر ال تضامون يف رؤيته كما ال: " النيب صلى اهللا عليه وسلم

.أهنم يرون رهبم سرا، ألنه ليس إال السر واجلهر، وليس إال اإلعالن واإلخفاء، وليس إال املعاينة .نراه، وال نقول نعاينه: حنن ال نقول باملعاينة، ونقول: فإن قالوا

نراه بالعني، ومنعكم أن تقولوا نعاينه بالعني وهل ومل، وأنتم ترونه بأعينكم فمن جعل لكم أن تقولوا : قلناال جيوز أن يلفظ باملعاينة إال يف الشيء الذي تقع عينه علي، وتقع : اشتقت املعاينة إال من العني فإن قالوا

فأما إذا كان أحدنا ذا عني، واآلخر ليس ذا عني، فغري جائز أن تسمى الرؤية معاينة، وإمنا املعاينة . عيين عليه .خاصمت إال وهناك من خياصمين: ثل املخاصمة؛ وال جيوز أن أقولم

على أنكم . قد يقول الناس أسلم فالن حني عاين السيف، وليس للسيف عني، وليس هناك من يقاتله: قلنا .قد تزعمون أن هللا عينا ال كالعيون ويدا ال كاأليدي، وله عني بال كيف، ومسع بال كيف

فصل منه

: قالوا" . وجاء ربك وامللك صفا صفا : " الدليل على أنه جسم قوله عز ذكره: املشبهة - أيضا - وقالت فإذا أخرب اهللا . فال جييء إال إىل مكان هو فيه؛ ولو جاز أن جييء إىل مكان هو فيه جاز أن خيرج منه وهو فيه

ا كان األمر كذلك، وكانت أنه يف السموات واألرض، وقلتم إن الدنيا كلها ال ختلو منه، وإنه فيها، فإذولو جاوزها خلرج إىل . الدنيا حمدودة، كان الذي يكون يف بعضها أو يف كلها حمدودا، إذا كان مل جياوزها

.مكان، وال جيوز أن خيرج منها إال إىل مكانمبا ال قد أخرب اهللا أنه يف السموات واألرض، واهللا ال خياطب عباده إال مبا يعقلون، ولو خاطبهم : وقالوا

يعقلون لكان قد كلفهم ما ال يطيقون، ومن خاطب من ال يفي بالفهم عنه فقد وضع املخاطبة يف غري .فهذا ما قال القوم. موضعها

إن الشيء قد يكون يف الشيء على وجوه، وسنذكر لك الوجوه، ونلحق كل واحد منها : وحنن نقول .بشكله ومبا جيوز فيه، إن شاء اهللا تعاىل

أليس قد خاطب اهللا الصم البكم الذين ال يعقلون، والذين خرب أهنم ال يستطيعون مسعا فإن : مقلنا للقوال يعقل؛ : إن العرب قد تسمي املتعامي أعمى، واملتصامم أصم، ويقولون ملن عمل عمل من ال يعقل: قالوا

عمى، فلما أشبهه من وجه وذلك أن املتعامي إذا تعامى، صار يف اجلهل كاأل. وإمنا الكالم حممول على كالم .مسي بامسه

فإذا قالوا . واملستعمل يف تسميتهم بالعمى إمنا هو الذي ال ناظر له. قد صدقتم؛ ولكن ليس األصل: قلنافلم زعمتم أن له ناظرا، وأخذمت باجملاز والتشبيه، وتركتم األصل الذي هذا االسم حممول عليه : ذلك، قلناأن األول ال جيوز على اهللا تعاىل، والثاين جائز عليه، واهللا ال يتكلم بكالم إال إمنا قلنا من أجل: فإن قالوا

ولذلك الكالم وجه إما أن يكون هو األصل واحملمول عليه؛ وإما أن يكون هو الفرع واالشتقاق الذي

Page 349: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.تسميه العرب جمازاصم بكم عمي فهم ال يعقلون " : فإذا نظرنا يف كالم اهللا وهو عندنا عادل غري جائر، وهو جل جالله يقول

علمنا أهنم لو كانوا منقوصني غري وافرين، كانوا قد كلفوا ما ال يطيقون، واملكلف لعباده ما ال يطيقون " وإذا كانوا . فإذا كان ال يليق ذلك به علمنا أهنم قد كانوا وافرين غري عاجزين وال منقوصني. جائر ظامل

هم عمي وصم وال : اجملاز، وندع األصل واحملمول عليه وقلناكذلك، صار الواجب أن حنكم بالفرع و .يعقلون على أهنم تعاموا وتصاموا وعملوا عمل من ال يعقل

ويف " وجاء ربك وامللك صفا صفا " ، " ناضرة : " فإنا مل نعد هذا املذهب يف قوله: فإذا قالوا ذلك قلنا هلم " .وهو اهللا يف السموات ويف األرض : " قوله .وذلك على معان خمتلفة. جاءنا بولده، وجاءنا خبري كثري: جاءنا فالن بنفسه، ويقولون: د يقولونوق

.جاءتنا السماء بأمر عظيم، والسماء يف مكاهنا: ويقولونجاءتنا السماء، وهم إمنا يريدون الغيم الذي يكون به املطر من شق السماء : - أيضا - وقد يقولون

.وناحيتها ووجهها

من صدر كتابه يف مقالة العثمانيةفصل

وكان أول ما دهلم عند . زعمت العثمانية أن أفضل هذه األمة وأوالها باإلمامة أبو بكر بن أيب قحافةأنفسهم على فضيلته، وخاصة منزلته، وشدة استحقاقه إسالمه على الوجه الذي مل يسلم عليه أحد من عامله

وقال . أبو بكر بن أيب قحافة: فقال قوم: ول الناس إسالماوذلك أن الناس اختلفوا يف أ. ويف عصره .خباب بن األرت: وقال نفر. زيد بن حارثة: آخرون

على أنا إذا تفقدنا أخبارهم، وأحصينا أحاديثهم، وعددنا رجاهلم، وصحة أسانيدهم، كان اخلرب يف تقدمي أيب مع األشعار الصحيحة، . به أظهر بكر أعم، ورجاله أكثر، وإسناده أصح؛ وهو بذلك أشهر، واللفظ

وليس بني األشعار وبني األخبار . واألمثال املستفيضة، يف حياة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وبعد وفاته .فرق إذا امتنع يف جميئها وأصل خمرجها التشاعر، واالتفاق والتواطؤ

ة، وثقة بالفلج والقوة، ونقتصر على ولكنا ندع هذا املذهب جانبا، ونضرب عنه صفحا، اقتدارا على احلجملا وجدنا من يزعم أن خبابا وزيد : أدىن منازل أيب بكر، وننزل على حكم اخلصم، مع سرفه وميطه، فنقول

أسلما قبله، فأوسط األمور وأعدهلا وأقرهبا من حمبة اجلميع ورضى املخالف، أن جنعل إسالمهم كان معا؛ إذ ومل . افئة، واآلثار متدافعة؛ وليس يف األشعار داللة، وال يف األمثال حجةادعوا أن األخبار يف ذلك متك

.جيدوا إحدى القضيتني أوىل يف حجة العقل من األخرى فما بالكم مل تذكروا عليا يف هذه الطبقة، وقد تعلمون كثرة مقدميه والرواية فيه: فإن قال لنا قائل: وقالوا

ومل . والشهادة القائمة أنه أسلم وهو حدث غرير، ومل نكذب الناقلني ألنا قد علمنا بالوجه الصحيح،: قلنانستطع أن نزعم أن إسالمه كان الحقا بإسالم البالغني؛ ألن املقلل زعم أنه أسلم وهو ابن مخس سنني،

Page 350: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

واملكثر زعم أنه أسلم وهو ابن تسع سنني، والقياس يوجب أن يؤخذ بأوسط الروايتني، وباألمر بني وإمنا يعرف حق ذلك من باطله بأن حتصي سنيه اليت ويل فيها، وسين عثمان، وسين أيب بكر، وسين . األمرين

اهلجرة ومقام النيب صلى اهللا عليه وسلم مبكة، بعد أن دعا إىل اهللا وإىل رسالته، وإىل أن هاجر إىل املدينة، مث سطها، وهو أعدهلا، وتطرح قول املقصر تنظر يف أقاويل الناس يف عمره، ويف قول املقلل واملكثر، فنأخذ بأو

والغايل، مث تطرح ما حصل يف يديك من أوسط ما روي من عمره وسنيه، وسين عثمان، وسين عمر، وسين فإذا فعلت وجدت األمر على . أيب بكر، واهلجرة، ومقام النيب صلى اهللا عليه وسلم مبكة، إىل وقت إسالمه

.ما قلنا، وكما فسرناواألعمار معروفة، ال يستطيع أحد جهلها، واخلالف عليها؛ ألن الذين نقلوا التاريخ مل وهذه التأرخيات

فإذا ثبت عندك بالذي أوضحنا . يعتمدوا تفضيل بعض على بعض، وليس ميكن ذلك، مع عللهم وأسباهبمسنتني وشرحنا، أنه كان ابن سبع سنني، أقل بسنة وأكثر بسنة علمت بذلك أنه لو كان ابن أكثر من ذلك ب

.وثالث وأربع، ال يكون إسالمه إسالم املكلف العارف بفضيلة ما دخل فيه، ونقصان ما خرج منه .والتأويل اجملمع عليه أن عليا قتل سنة أربعني يف رمضان

فلعله وهو ابن سبع سنني ومثان، فقد بلغ من فطنته وذكائه، وصحة لبه، وصدق حسه، : وإن قالوا: وقالواله، وإن مل يكن جرب األمور، وال فاتح الرجال، وال نازع اخلصوم، أن يعرف مجيع ما وانكشاف العواقب

.جيب على البالغ معرفته واإلقرار بهإمنا نتكلم على ظاهر األحكام، وما شاهدنا عليه طباع األطفال، فوجدنا حكم ابن سبع سنني ومثان : قلنا

وليس لنا . لم مغيب أمره، وخاصة طباعه حكم األطفالسنني، وتسع سنني، حيث رأيناه وبلغنا خربه ما مل نعأن نزيل ظاهر حكمه، والذي نعرف من شكله بلعل وعسى، ألنا كنا ال ندري، لعله قد كان ذا فضيلة يف

أجاب منهم هبذا اجلواب من جيوز أن يكون علي يف املغيب قد أسلم . الفطنة، فلعله قد كان ذا نقص فيهاري أن احلكم فيه عنده على جمرى أمثاله وأشكاله، الذين إذا أسلموا وهم يف مثل غ. إسالم البالغ املختار

.سنه، كان إسالمهم عن تربية احلاضن، وتلقني القيم، ورياضة السائسإن عليا لو كان، وهو ابن ست : فأما علماء العثمانية ومتكلموهم، وأهل القدم والرياسة فيهم، فإهنم قالوا

سع سنني، يعرف فصل ما بني األنبياء والكهنة، وفرق ما بني الرسل والسحرة، وفرق سنني، ومثان سنني، وتما بني املنجم والنيب، وحىت يعرف احلجة من احليلة، وقهر الغلبة من قهر املعرفة، ويعرف كيد األريب، وبعد

ن املمتنع فيها، غور املتنيب، وكيف يلبس على العقالء ويستميل عقول الدمهاء، ويعرف املمكن يف الطباع موما قد حيدث باالتفاق مما حيدث باألسباب، ويعرف أقدار القوى يف مبلغ احليلة ومنتهى البطش وما ال

حيتمل إحداثه إال اخلالق، وما جيوز على اهللا مما ال جيوز يف توحيده وعدله، وكيف التحفظ من اهلوى، وكيف احلال وهذه الصفة، مع فرط الصبا واحلداثة، وقلة االحتراس من تقدم اخلادع يف احليلة كان كونه هبذه

.التجارب واملمارسة، خروجا من نشو العادة، واملعروف مما عليه تركيب األمةومل يكن اهللا . ولو كان على هذه الصفة، ومع هذه اخلاصة، كان حجة على العامة وآية تدل على املباينة

بة إال وهو يريد أن حيتج هبا له، وخيرب هبا عنه، وجيعلها قاطعة تعاىل ليخصه مبثل هذه اآلية، ومبثل هذه األعجو

Page 351: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.لعذر الشاهد، وحجة الغائب، وال يضيعها هدرا، وال يكتمها باطال. ولو أراد االحتجاج له هبا شهر أمرها وكشف قناعها، ومحل النفوس على معرفتها، وسخر األلسنة لنقلها

ا، ونسيا منسيا؛ ألن اهللا تعاىل ال يبتدع أعجوبة، وال خيترع آية، واألمساع إلدراكها، لئال يكون لغوا ساقطولوال ذلك مل يكن لفعلها معىن، وال . وال ينقض العادة إال للتعريف واإلعذار، واملصلحة واالستبصار

.واهللا تبارك امسه، تعاىل أن يترك األمور سدى، والتدبري نشرا. لرسالته حجةل أحد إىل معرفة نيب، وكذب متنىبء، حىت جتتمع له هذه املعارف اليت ذكرنا، وأنتم تزعمون أنه ال يص .واألسباب اليت فصلنا

ولوال أن اهللا تعاىل أخرب عن حيىي بن زكريا أنه آتاه احلكم صبيا، وأنه أنطق عيسى يف املهد رضيعا، ما كانا به جميء احلجة القاطعة والشهادة يف احلكم إال كسائر البشر فإذ مل ينطق لعلي بذلك، وال جاء اخلرب

ومها أمس مبعدن . الصادقة، فاملعلوم عندنا يف احلكم واملغيب مجيعا أن طباعه كطباع عميه العباس ومحزة .مجيع اخلري منه، وكطباع أخويه جعفر وعقيل، وكطباع أبويه ورجال عصره وسادة رهطه

ما كان عندنا - وهو حليم قريش -زة أو العباس ولو أن إنسانا ادعى مثل ذلك ألخيه جعفر، أو لعمه مح .يف أمره إال مثل ما عندنا فيه

ولو مل تعلم الروافض ومن يذهب مذهبها يف هذا، باطل هذه الدعوى، وفساد هذا املعىن، إذا صدقت ذكر - رضوان اهللا عليه -نفسها، ومل تقلد رجاهلا، وحتفظت من اهلوى وآثرت التقوى، إال بترك علي

ك لنفسه، واالحتجاج على خصمه وأهل دهره، مذ نازع الرجال، وخاصم األكفاء، وجامع أهل ذلالشورى، ويل وويل عليه، والناس بني معاند حيتاج إىل التقريع، ومرتاد حيتاج إىل املادة، وغفل حيتاج إىل أن

معرفة احلق ومعدن األمر؛ يكثر له من احلجة، ويتابع له من األمارات والدالالت، مع حاجة القرن الثاين إىل .ألن احلجة إذا مل تصح لعلي يف نفسه، ومل تقم على أهل دهره، فهي عن ولده أعجز، وعنهم أضعف

مث مل ينقل ناقل واحد أن عليا احتج بذلك يف موقف، وال ذكره يف جملس، وال قام به خطيبا، وال أدىل به خمالف، فقد ذكر فضائله وفخر بقرابته وسابقته، وكاثر واثقا، وال مهس به إىل موافق، وال احتج به على

مبحاسنه ومواقفه مذ جامع الشورى وناضلهم، إىل أن ابتلي مبساورة معاوية وطمعه فيه، وجلوس أكثر والشد على عضده، كما قال عامر . وأهله عن عونه - صلى اهللا عليه وسلم - أصحاب رسول اهللا

ومن . نة عشرون ألفا من أصحاب رسول اهللا، ما خف فيها منهم عشرونلقد وقعت الفتنة، وباملدي: الشعيبزعم أنه شهد اجلمل ممن شهد بدرا أكثر من أربعة فقد كذب، كان علي وعمار يف شق، وطلحة والزبري يف

.شقوكيف جيوز عليه ترك االحتجاج، وتشجيع املوافق وقد نصب نفسه للخاصة والعامة وللموىل واملعادي ومن

ل له يف دينه ترك اإلعذار إليهم، إذ كان يرى أن قتاهلم كان واجبا، وقد نصبه الرسول مفزعا ومعلما، ال حي .ونص عليه قائما، وجعله للناس إماما، وأوجب طاعته، وجعله حجة يف الناس، يقوم مقامهفيه يف عسكره، وأعجب من ذلك أنه مل يدع هذا له أحد يف دهره كما مل يدعه لنفسه، مع عظيم ما قالوا

Page 352: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

دعاه إىل -صلى اهللا عليه وسلم -إن الدليل على إقامته أن النيب : وبعد وفاته، حىت يقول إنسان واحداإلسالم، فكلف التصديق قبل بلوغه وإدراكه، ليكون ذلك آية له يف عصره، وحجة له ولولده على من

.بعدهلذي بان به من شكله، ويذكر أصغر حججه، وقد كان علي أعلم باألمور من أن يدع ذكر أكثر حججه وا

.والذي يشاكله فيه غريه .وقد كان يف عسكره من ال يألو يف اإلفراط، زيادة يف القدر

أو يوم صفني، أو يوم النهر، يف . كيف مل يقف يوم اجلمل -إن كان األمر على ما ذكرمت -والعجب له كيف تقاتلوين، وجتحدون فضيليت، وقد ! لكم وتعساتبا : " موقف يكون فيه من عدوه مبرأى ومسمع فيقول

فال ميتنع الناس من أن ميوجوا، فإذا ماجوا " خصصت بآية، حىت كنت كيحىي بن زكريا، وعيسى بن مرمي تكلموا على أقدار عللهم، وعللهم خمتلفة، فال يثبت أمرهم أن يعود إىل فرقة، فمن ذاكر قد كان ناسيا،

ومن مترنح قد كان غالطا، مع ما كان يشيع من احلجة يف اآلفاق، ويستفيض يف ومن نازع قد كان مصرا،فهذا كان أشد على طلحة والزبري وعائشة، ومعاوية، . األطراف، وحتمله الركبان، ويتهادى يف اجملالس

.وعبد اهللا بن وهب، من مائة ألف سنان طرير وسيف شهريألتباع وعلل األجناد أن العساكر تنتقض مرائرها، وينتشر ومعلوم عند ذوي التجربة والعارفني بطبائع ا

.أمرها، وتنقلب على قائدها بأيسر من هذه احلجة وأخفى من هذه الشهادةوقد علمتم ما صنعت املصاحف يف طبائع أصحاب علي رضوان اهللا عليه، حني رفعها عمرو أشد ما كان

ي من أصحابه إال أهل اجلد والنجدة، وأصحاب أصحاب علي استبصارا يف قتاهلم، مث مل ينتقض على عل .الربانس والبصرية

وكما علمت من حتول شطر عسكر عبد اهللا بن وهب حني اعتزلوا مع فروة بن نوفل لكلمة مسعوها من .عبد اهللا بن وهب كانت تدل عندهم على ضعف االستبصار، والوهن يف اليقني

.فة الناس له إىل أن حنشو به كتابناوهذا الباب أكثر من أن حيتاج مع ظهوره، ومعروبني . فأما إسالمه وهو حدث غرير، وصيب صغري، فهذا ما ندفعه؛ غري أنه إسالم تأديب وتلقني وتربية

.إسالم التكليف واالمتحان، وبني التلقني والتربية، فرق عظيم، وحمجة واضحةكما هيأمتوه ألنفسكم، بل نزعم أنه قد إن األمر ليس كما حكيتم وال: إن قالت الشيع: وقالت العثمانية

إن الذي : كانت هنالك يف أيام حداثته وصباه فضيلة ومزيد ذكاء، ومل يبلغ األمر حد األعجوبة واآلية، قلناإما أن يكون قد كان ال يزال يوجد يف الصبيان مثله يف : ال بد فيه من أحد وجهني -أيضا -ذهبتم إليه

فإذا كان قد . ذلك عزيزا قائال، وكان وجود ذلك ممتنعا، ومن العادة خارجاالفطنة والذكاء، وإن كان فما كان إال كبعض من نرى اليوم ممن يتعجب من كيسه وفطنته، وحفظه -على عزته وقلته -يوجد مثله

ال، فإن كانت حاله هذه احلال، وطبقته على هذا املث. وحكايته، وسرعة قبوله، على صغر سنه، وقلة جتربتهفإنا مل جند صبيا قط وإن أفرط كيسه، وحسنت فطنته، وأعجب به أهله حيتمل والية اهللا وعداوته، والتمييز

Page 353: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مع أنه ما جاءنا وال جاء عند أحد منا خبرب صادق، وال كتاب ناطق، أنه قد كان . بني األمور اليت ذكرناملعارف، وجودة املخارج، ما مل يكن لعلي خاصة، دون قريش عامة، يف صباه، من إتقان األمور، وصحة ا

.ألحد من إخوته، وعمومته وآبائهوإن كان القدر الذي كان عليه علي من املعرفة والذكاء القدر الذي ال جند له فيه مثال، وال رأينا له شكال،

قد وهذا باب. فهذا هو البديع الذي حيتج به على املنكرين، ويفلج على املعارضني، ويبني للمسترشدين .فرغنا منه مرة

.ولو كان األمر يف علي كما يقولون لكان ذلك حجة للرسول يف رسالته ولعلي يف إمامتهواآلية إذا كانت للرسول وخليفة الرسول كان أشهر هلا؛ ألن وضوح أمر الرسول يزيد على ما لإلمام،

.ويزيده إشراقا واستنارة وبياناأهل عصرمها ذلك، وهم الشهداء على من بعدهم من القرون، مث وال جيوز أن يكون اهللا تعاىل قد عرف

إما أن تكون ضاعت وضلت، وإما أن : فال ختلو تلك احلجة، وتلك الشهادة من ضربني. أسقط حجتهوما جعل الباقي . فإن كانت قد ضاعت فلعل كثريا من حجج الرسول قد ضاع. تكون قد قامت وظهرت

وال . قط من شكل الثابت، ألنه حجة على شيئني، والثابت حجة على شيءأوىل بالتمام من الساقط، والساوأي . مل يرد متامه، أو يكون قد أراده - تبارك وتعاىل -إما أن يكون اهللا : خيلو أمر الساقط من ضربني

هذين كان، ففساده واضح عند قارىء الكتاب، وإن كانت اآلية فيه قد متت؛ إذ كانت الشهادة قد قامت فليس يف األرض عثماين إال وهو يكابر عقله، وجيحد . هبا، كما كانت شهادة العيان قائمة عليهم فيهاعلينا .علمه

ولعمري، إنا لنجد يف الصبيان من لو لقنته، أو كتبت له أغمض املعاين وألطفها، وأغمض احلجج وأبعدها، .وهلذه هذا ذليقا وأكثرها لفظا وأطوهلا، مث أخذته بدرسه وحفظه حلفظه حفظا عجيبا،

فأما معرفة صحيحه من سقيمه،وحقه من باطله، وفصل ما بني املقر به والدليل، واالحتراس من حيث يؤتى املخدوعون، والتحفظ من مكر اخلادعني، وتأيت اجملرب، ورفق الساحر، وخالبة املتنىبء، وزجر الكهان،

يس يعرف فروق النظم، واختالف البحث والنثر إال وفرق ما بني نظم القرآن وتأليفه، فل. وأخبار املنجمنيمن عرف القصيد من الرجز، واملخمس من األسجاع، واملزدوج من املنثور، واخلطب من الرسائل، وحىت

.يعرف العجز العارض الذي جيوز ارتفاعه، من العجز الذي هو صفة يف الذاتم مث ال يكتفي بذلك حىت يعرف عجزه فإذا عرف صنوف التأليف عرف مباينة نظم القرآن لسائر الكال

.وعجز أمثاله عن مثله، وأن حكم البشر حكم واحد يف العجز الطبيعي، وإن تفاوتوا يف العجز العارضوهذا ما ال يوجد عند صيب ابن تسع سنني، أو مثان سنني، أو سبع سنني أبدا، عرف ذلك عارف أو جهله

.جاهلة إال بعد الفراغ من هذه الوجوه، إال أن جيعل جاعل التقليد والنشو وال جيوز أن يعرف عارف معىن الرسال

.واإللف ملا عليه اآلباء، وتعظيم الكرباء معرفة ويقينا

Page 354: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وليس بيقني ما اضطرب، ودخله اخلالج عند ورود معاين لعل وعسى، مما ال ميكن يف املعقول إال حبجة خترج .القلب إىل اليقني عن التجويز

ن جند هذه املعرفة إال يف اخلاص من الرجال وأهل الكمال يف األدب؛ فكيف بالطفل الصغري، ولقد أعيانا أمع أنك لو أدرت معاين بعض ما وصف لك على أذكى صيب يف األرض، وأسرعه قبوال ! واحلدث الغرير

رة، مل يعرف وأحسنه حكاية وبيانا، وقد سويته له ودللته، وقربته منه، وكفيته مؤونة الروية، ووحشة الفكفكيف له بأن يكون هو املتويل لتجربته . قدره، وال فصل حقه من باطله، وال فرق بني الداللة وشبيه الداللة

وحل عقده وختليص متشاهبه، واستثارته من معدنه وكل كالم خرج من التعارف فهو رجيع هبرج، ولغو .ساقط

صدرا، ومن الفرائض أبوابا، ومن الغناء وقد جند الصيب الذكي يعرف من العروض وجها، ومن النحوفأما العلم بأصول األديان، وخمارج امللل وتأويل الدين، والتحفظ من البدع، وقبل ذلك الكالم يف . أصواتا

. حجج العقول، والتعديل والتجوير، والعلم باألخبار وتقدير األشكال، فليس هذا موجودا إال عند العلماءفإمنا هم أداة للقادة، وجوارح للسادة؛ وإمنا يعرف شدة الكالم يف أصول األديان من فأما احلشو والطغام،

.قد صلي به، وسال يف مضايقه، وجاثى األضداد ونازع األكفاء

فصل منه

وقد علمتم ما صنع أبو بكر يف ماله، وكان املال أربعني ألفا، فأنفقه على نوائب اإلسالم وحقوقه، ومل يكن يكد فيه، فهو غزير ال يشعر بعسر اجتماعه، وامتناع رجوعه، وال كان هبة ملك فيكون أمسح ماله مرياثا مل

.لطبيعته، وأخرق يف إنفاقه، بل كان مثرة كده وكسب جوالنه وتعرضهمث مل يكن خفيف الظهر، قليل النسل، قليل العيال، فيكون قد مجع اليسارين؛ ألن املثل الصحيح السائر

، بل كان ذا بنني وبنات وزوجة، وخدم وحشم، يعول مع ذلك أبويه " عيال أحد اليسارين قلة ال: " املعىنومل يكن حبذاء إنفاقه طمع يدعوه، وال . ومل يكن فىت حدثا فتهزه أرحيية الشباب، وغرارة احلداثة. وما ولدا

.رغبة حتدوهيف ترك مواساته، وإنفاقه عليه، وال ومل يكن للنيب صلى اهللا عليه وسلم قبل ذلك يد مشهورة فيخاف العار

فكان إنفاقه على الوجه الذي ال جيد أبلغ يف . كان من رهطه دنيا فيسب بترك مكانفته ومعاونته وإرفاقه .غاية الفضل منه، وال أدل على غاية البصرية منه

علمون حسن وقد تعلمون ما كان يلقى أصحاب النيب صلى اهللا عليه وسلم ببطن مكة من املشركني، وقد تصنيع كثري منهم، كصنيع محزة حني ضرب أبا جهل بقوسه، فبلغ يف هامته، يف نصرة النيب صلى اهللا عليه

.وسلم، وأبو جهل يومئذ أمنع أهل البطحاء، وهو رأس الكفر ، حىت قال بعد موته عبد اهللا" واهللا ال نعبد اهللا سرا بعد هذا اليوم : " مث صنيع عمر حيث يقول يوم أسلم

" .وما صلينا ظاهرين حىت أسلم عمر : " بن مسعود

Page 355: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فصل منه

ولو كان يف ذلك الزمان القتال ممكنا، والوثوب مطمعا، لقاتل أبو بكر وهنض كما هنض يف الردة، وإمنا قاتل علي يف الزمان الذي قد أقرن فيه أهل اإلسالم ألهل الشرك، وطمعوا أن تكون احلرب سجاال، وقد

أن العاقبة للمتقني، وأبو بكر مفتون مفرد ومطرود مشرد ومضروب معذب، يف الزمان الذي أعلمهم اهللاطوىب ملن مات يف نأنأة : " ليس باإلسالم وأهله هنوض وال حركة، ولذلك قال أبو بكر رضي اهللا عنه

غلظ لشدة يف أيام ضعفه وقلته، حبيث كانت الطاعة أعظم لفرط االمتحان، والبالء أ: ، يقول" اإلسالم .اجلهد، ألن االحتمال كلما كان أشد وأدوم، كانت الطاعة أفضل، والعزم فيه أقوى

وال سواء مفتون مشرد ال حيلة عنده، ومضروب معذب ال انتصار به، وال دفع عنده، ومباطش مقرن .يشفي غيظه، ويروي غليله، وله مقدم يكنفه ويشجعه

وقد هتك اليأس ملا ألفى حجاب قلبه ونقض قوى . بعد بظفره وال سواء مقهور ال يغاث، ومل ينزل القرآنطمعه حىت بقي وليس معه إال احتسابه؛ ومقاتل يف عسكره معه عز الرجال، وقوة الطمع، وطيب نفس

.اآلمل

فصل منه

هل على الناس أن يتخذوا إماما، وأن يقيموا خليفة: وإن سأل سائل فقال

فإن كنتم قصدمت إليهما، ومل تفصلوا بني حاليهما، فإنا . اصة والعامةإن قولكم الناس حيتمل اخل: قيل هلموتأويل اخلالفة، وال تفصل بني فضل وجودها ونقص عدمها، وألي . نزعم أن العامة ال تعرف معىن اإلمامة

. شيء ارتدت، وألي أمر أملت، وكيف مأتاها والسبيل إليها، بل هي مع كل ريح هتب، وناشئة تنجمبطلني أقر عينا منها باحملقني، وإمنا العامة أداة للخاصة تبتذهلا للمهن، وتزجي هلا األمور، وتصول ولعلها بامل

.هبا على العدو، وتسد هبا الثغورومقام العامة من اخلاصة مقام جوارح اإلنسان من اإلنسان، فإن اإلنسان إذا فكر أبصر، وإذا أبصر عزم،

.رح دون القلبوإذا عزم حترك أو سكن، ومها باجلواوكما أن اجلوارح ال تعرف قصد النفس، وال تروي يف األمور، ومل خيرجها ذلك من الطاعة للعزم، فكذلك العامة، ال تعرف قصد القادة وال تدبري اخلاصة، وال تروي معها، وليس خيرجها ذلك من عزمها، وما أبرمت

.من تدبريهاقد متتنع لعلل تدخلها، وأمور تصرفها، وأسباب تنقضها، واجلوارح والعوام، وإن كانت مسخرة ومدبرة ف

كاليد يعرض هلا الفاجل واللسان يعتريه اخلرس، فال تقدر النفس على تسديدمها وتقويتهما، ولو اشتد وكذلك العامة عند نفورها وهتيجها، وغلبة اهلوى والسخف عليها، وإن . عزمها، وحسن تأتيها ورفقهاغري أن معصية اجلارحة أيسر ضررا، وأهون أمرا، ألن العامة إذا . السياسة حسن تدبري اخلاصة، وتعهد

Page 356: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

انتكثت للخاصة، وتنكرت للقادة، وتشزنت على الراضة، كان البوار الذي ال حيلة له، والفناء الذي ال .بقاء معه

درك احلاجة بصواب وصالح الدنيا، ومتام النعمة يف تدبري اخلاصة وطاعة العامة، كما أن كمال املنفعة ومتامقصد النفس؛ ألن النفس لو أدركت كل بغية، وأوفت كل غاية، وفتحت كل مستغلق، واستثارت كل

-وإن جل قدره - دفني، مث مل يعطها اللسان حبسن العبارة واليد حبسن الكتابة، كان وجود ذلك املستنبط .وعدمه سواء

ة، وكذلك القلب واجلارحة، وإمنا هم جند للدفع، فاخلاصة حتتاج إىل العامة كحاجة العامة إىل اخلاصوليس مضي سيف صارم بكف امرىء صارم، بأمضى . وسالح للقطع، وكالترس للرامي، والفأس للنجار

.من شجاع أطاع أمريه، وقلد إمامه، وما كلب أشاله ربه، وأمحشه كالبه، بأفرط نزقا وال أسرع تقدما، وال أشد هتورا من جندي أغراه طمعه

.وصاح به قائدهوليس يف األعمال أقل من االختيار، وال يف االختيار أقل من الصواب، فلباب كل عمل اختياره، وصفوة

ومع كثرة االختيار يكثر الصواب، وأكثر الناس اختيارا أكثرهم صوابا، وأكثرهم أسبابا . كل اختيار صوابه .باموجبه أقلهم اختيارا، وأقلهم اختيارا أقلهم صوا

.فقد ينبغي للعوام أن ال يكونوا مأمورين وال منهيني، وال عاصني وال مطيعني: فإن قالوا .أما فيما يعرفون فقد يعصون ويطيعون: قيل هلمأما الذي يعرفون، فالتنزيل اجملرد بغري : فما األمر الذي يعرفون من األمر الذي جيهلون قيل هلم: فإن قالوا

غريها، وما جل من اخلرب واستفاض، وكثر ترداده على األمساع، وكرروه على تأويله، ومجلة الشريعة ب .األفهام

وأما الذي جيهلون فتأويل املنزل وتفسري اجململ، وغامض السنن اليت محلتها اخلواص عن اخلواص، من محلة .ع القاعد عنهاألثر وطالب اخلرب مما يتكلف معرفته، ويتبع يف مواضعه، وال يهجم على طالبه، وال يقهر مس

خرب ليس للخاصة فيه فضل على العامة، وهو كما سن الرسول صلى اهللا عليه وسلم يف : واخلرب خربان .احلالل واحلرام، وأبواب القضاء والطالق، واملناسك، والبيوع، واألشربة، والكفارات، وأشباه ذلك

ومىت جرى سببه، أو ظهر . ضع دائهاوباب آخر جيهله العوام، وخيبط فيه احلشو وال تشعر بعجزها وال موشيء منه تسنمت أعاله، وركبت حومته، كالكالم يف اهللا، ويف التشبيه، والوعد والوعيد؛ ألهنا قد عجزت

عن دعوى الفتيا، وال تتهافت فيها، وال تتسكع فيما ال يعرف منها، وال تتوحش من الكالم يف التعديل يار والطباع، وجميء اآلثار، وكل ما جرى سببه من دقيق الكالم والتجوير، وال تفرغ من الكالم يف االخت

.وجليله، يف اهللا تعاىل ويف غريهولو برز عامل على جادة منهج وقارعة طريق، فنازع يف النحو واحتج يف العروض، وخاض يف الفتيا، وذكر

.ال أهل هذه الطبقاتالنجوم واحلساب، والطب واهلندسة، وأبواب الصناعات، مل يعرض له، ومل يفاحته إ

Page 357: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ولو نطق حبرف يف القدر حىت يذكر العلم واملشيئة، والتكليف واالستطاعة، وهل خلق اهللا تعاىل الكفر وقدره أو مل خيلقه ومل يقدره، مل يبق محال أغثر، وال بطال غث، وال خامل غفل وال غيب كهام، وال جاهل

ى حىت يتوىل من أرضاه، ويكفر من خالف هواه، فإن سفيه، إال وقف عليه والحاه وصوبه وخطأه مث ال يرضجاراه حمق، وأغلظ له واعظ، واتفق أن يكون حبضرته أشكاله استغوى أمثاله، فأشعلوها فتنة وأضرموها

.نارافليس ملن كانت هذه حاله أن يتحيز مع اخلاصة، مع أنه لو حسنت نيته، مل حتتمل فطرته معرفة الفصول،

.ومتييز األمورولعلهم ال يعرفون اهللا ورسوله، كما ال يعرفون عدله من جوره، وتشبيهه خبلقه من نفي ذلك : قالوا فإن .وكما ال يعرفون القرآن وتفسري مجله، وتأويل منزله. عنه

إن قلوب البالغني مسخرة ملعرفة رب العاملني، وحممولة على تصديق املرسلني، بالتنبيه على مواضع : قيل هلمالنفوس على الروية، ومنعها عن اجلوالن والتصرف، وكل ما ربث عن التفكري، وشغل عن األدلة، وقصر

التحصيل، من وسوسة أو نزاع شهوة؛ ألن اإلنسان ما مل يكن معتوهأ أو طفأل، فمحجوج على ألسنة ه؛ ألن من مل وال يكون حمجوجا حىت يكون عاملا مبا أمر به، عارفا مبا هني عن. املرسلني، عند مجيع املسلمني

يعلم يف أي الضربني سخط اهللا، ويف أي نوع رضاه، مث ركب السخط أو أتى الرضا مل يكن ذلك منه إال واهللا تبارك يتعاىل عن أن يعاقب من مل يرد خالفه، ومل يعرف . وإمنا االستحقاق مع القصد. على اتفاق

.أو حيمد من مل يعتمد رضاه، ومل يقصد إليه. رضاه تعاىل ليعدل صنعته ويسوي أداته ويفرق بينه وبني املنقوص يف بنيته وتركيبه، إال ليفرق بني حاله ومل يكن اهللا

وليس للمعرفة وجه إال لتبصريه وختيريه، ولوال ذلك مل يكن للذي خص به من اإلبانة . وبني الطفل واملعتوه .له واهللا تعاىل عن فعل ما ال معىن. وتعديل الصنعة، وإحكام البنية معىن

وليس ألحد أن خيرج بعض . دليل على ما قلنا" وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون : " ويف قول اهللا تعاىل .اجلن واإلنس من أن يكون خلق للعبادة إال حبجة، وال حجة إال يف عقل، أو يف كتاب، أو خرب

إهنم غري مأمورين بإقامة : ار، فلم قلتمفإن كان اهللا إمنا أباهنم بالتعديل والتسوية للعبادة واالختي: فإن قالواإمنا : وإمنا اإلمام إمام املسلمني املتعبدين قلنا. األئمة واالختيار مع األمة، وحكمهم حكم املسلمني املتعبدين

معرفة بسبيل إقامة األئمة فيلزمها، أو جيري - خاصة - وليس للعوام . يلزم الناس األمر فيما عرفوا سبيله .يعليها أمر أو هن

والعامة وإن كانت تعرف مجل الدين بقدر ما معها من العقول، فإنه مل يبلغ من قوة عقوهلا، وكثرة خواطرها .أن ترتفع إىل معرفة العلماء ومل يبلغ من ضعف عقوهلا أن تنحط إىل طبقة اجملانني واألطفال

ثر من التنبيه عليها؛ ألنكم وأقدار طبائع العوام واخلواص، ليست جمهولة فيحتاج إىل اإلخبار عنها بأكتعلمون أن طبائع الرسل فوق طبائع اخللفاء، وطبائع اخللفاء فوق طبائع الوزراء، وكذلك الناس على

منازهلم من الفضل، وطبقاهتم من التركيب، يف البخل والسخاء، والبالدة والذكاء، والغدر والوفاء، واجلنب .الكرب والتيه، واحلفظ والنسيان، والعي والبيانوالنجدة، والصرب واجلزع، والطيش واحللم، و

Page 358: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ولو كانت العامة تعرف من الدين والدنيا ما تعرف اخلاصة، كانت العامة خاصة، وذهب التفاضل يف ولو مل خيالف بني طبائعهم لسقط االمتحان وبطل االختيار، ومل يكن يف األرض . املعرفة، والتباين يف البنيةهم يف الغريزة ليصرب هبا صابر، ويشكر شاكر، وليتفقوا على الطاعة، ولذلك كان اختيار، وإمنا خولف بين

.االختالف، وهو سبب االئتالف

فصل من صدر كتاب املسائل واجلوابات يف املعرفة

.باهللا نستعني، وعليه نتوكل، وما توفيقنا إال باهللا

فزعم قوم أن املعارف كلها فعل الفاعلني . مفرطا اختلف الناس يف املعرفة اختالفا شديدا، وتباينوا فيها تبايناومل يرجعوا إىل معرفة اهللا ورسوله، والعلم . إال معرفة مل يتقدمها سبب منهم، ومل يوجبها علة من أفعاهلم

بشرائعه، وال إىل كل ما فيه االختالف واملنازعة، وما ال يعرف حقائقه إال بالتفكر واملناظرة، دون درك .احلواس اخلمس

فزعموا أن ذلك أمجع فعلهم، على األسباب املوجبة، والعلل املتقدمة، وجعلوا مع ذلك سبيل املعرفة بصدق األخبار، كالعلم باألمصار القائمة، واأليام املاضية، كبدر وأحد واخلندق، وغري ذلك من الوقائع واأليام،

واألمصار سبيل االكتساب واالختيار؛ وكالعلم بفرغانة واألندلس، والصني واحلبشة، وغري ذلك من القرىإذ كانوا هم الذين نظروا حىت عرفوا فصل ما بني اجمليء الذي ال يكذب مثله، واجمليء الذي ميكن الكذب

.يف مثلهفزعموا أن مجيع املعارف سبيلها سبيل واحد، ووجوه دالئلها وعللها متساوية، إال ما وجد احلواس بغتة،

عجز أو غفلة، وكان هو القاهر، للحاسة، واملستويل على القوة، من غري أن وورد على النفوس يف حاليكون من البصر فتح، ومن السمع إصغاء ومن األنف شم، ومن الفم ذوق ومن البشرة مس، فإن ذلك

.الوجود فعل اهللا دون اإلنسان، على ما طبع عليه البشر، وركب عليه اخللقإذا تقدمته األسباب، وأوجبته العلل فعل املتقدم فيه واملوجب له، فإذا كان درك احلواس اخلمس : قالوا

ودرك احلواس أصل املعارف، وهو املستشهد على الغائب، والدليل على اخلفي، وبقدر صحته تصح املعارف، وبقدر فساده تفسد فالذي تستخرجه األذهان منه، وتستشهده عليه، كعلم التوحيد، والتعديل

أويل، وكل ما أظهرته العقول بالبحث، وأدركته النفوس بالفكر من كل علم، والتجوير، وغامض الت .وصناعة احلساب واهلندسة، والصياغة والفالحة أجدر أن يكون فعله واملنسوب إىل كسبه

: فالدليل على درك احلواس فعل اإلنسان على ما وصفنا واشترطنا، من إجياب األسباب، وتقدم العلل: قالوافلما كان البصر قد يوجد مع عدم اإلدراك، وال يعدم اإلدراك مع . ه لو مل يفتح مل يدركأن الفاتح بصر

وجود الفتح، كان ذلك دليال على أن اإلدراك إمنا كان لعلة الفتح، ومل يكن لعلة البصر؛ ألنه لو كان لعلة وجد مع عدم فإذا كانت الصحة قد ت. صحة البصر كانت الصحة ال توجد أبدا إال واإلدراك موجود

Page 359: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

اإلدراك، وال يعدم اإلدراك مع وجود الفتح، كان ذلك شاهدا على أنه إمنا كان لعلة الفتح دون صحة .البصروألن طبيعة البصر قد كانت غري عاملة حىت جعلها الفاتح بالفتح عاملة، وألن الفتح علة اإلدراك : وقالوا

ح وال مقدمة بني يديه، وال توطئة له، فواجب أن وليس اإلدراك علة للفت. ومقدمة بني يديه، وتوطئة له .يكون فعل الفاتح، ألن السبب إذا كان موجبافاملسبب تبع له

فصل منه

مث قالوا بعد الفراغ من درك احلواس يف معرفة اهللا ورسوله وكل ما فيه االختالف والتنازع، أن ذلك أمجع لعلة النظر املتقدم، أو يكون حيدث على االبتداء، إما أن يكون حيدث من اإلنسان: ال خيلو من أحد أمرين

.ال عن علة موجبة وسبب متقدم .فإن كانوا أحدثوه على االبتداء، فال فعل أوىل باالختيار، وال أبعد من االضطرار منه

وإن كان إمنا كان لعلة النظر املتقدم، كما قد دللنا يف صدر الكالم على أن درك احلواس فعل اإلنسان إذا إذ كان من أجل نظره علم، ومن جهة حبثه . قدم يف سببه، فالعلم باهللا وكتبه ورسله أجدر أن يكون فعلهت

.أدرك .ورئيسهم بشر بن املعتمر. فهذه مجل دالئل هؤالء القوم

مث هم بعد ذلك خمتلفون يف درك احلواس إال ما اعتمد إدراكه بعينه وقصد إليه بالفتح واإلرادة؛ ألن الفتح .فكيف جيوز أن يكون اإلدراك فعله من غري قصد. لو مل يكن معه قصد وإرادة ما كان فعل الفاتحنفسه

ولو جاز أن يكون الفتح فعل اإلنسان من غري أن يكون أراده وقصد إليه، ما كان بني فعل اإلنسان وبني يه، ومل خيطر له على بال، فعل غريه فرق؛ ألنه كان ال جيوز أن يكون ذهاب احلجر إذا مل يدفعه، ومل يقصد إل

.فكذلك اإلدراك إذا مل خيطر على باله، ومل يقصد إليه، ومل يتعمده، ال يكون فعله. فعله

فصل منه

وليس على املخرب بقصة خصمه والواصف ملذهب غريه، أن جيعل باطلهم حقا، وفاسدهم صحيحا، ولكن ، وعليه أن ال حيكي عن خصمه وخيرب عن خمالفه إال عليه أن يقول بقدر ما حتتمله النحلة، وتتسع له املقالة

.وأدىن منازله أال يعجز عما بلغوه، وال يغىب عما أدركوه

فصل منه

فخمسة منها درك . واحد منها اختيار، وسبعة منها اضطرار: وقد زعم آخرون أن املعارف مثانية أجناسمصار، والسري واآلثار، مث معرفة اإلنسان إذا احلواس اخلمس، مث املعرفة بصدق األخبار، كالعلم بالقرى واأل

.خاطب صاحبه أنه موجه بكالمه إليه، وقاصد به حنوه

Page 360: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأما االختيار فكالعلم باهللا ورسوله، وتأويل كتبه، واملستنبط من علم الفتيا وأحكامه، وكل ما كان فيه .سحاقورئيس هؤالء أبو إ. وكان سبيل علمه النظر والفكرة. االختالف واملنازعة

مخسة منها درك احلواس، والعلم السادس كالسري املاضية والبلدان : وزعم معمر أن العلم عشرة أجناسوجود : وقبل ذلك. علمك بقصد املخاطب إليك وإرادته إياك، عند احملاورة واملنازعة: القائمة، والسابع

ينبغي أن يقدم وجود : يقول وكان. اإلنسان لنفسه، وكان جيعله أول العلوم، ويقدمه على درك احلواسوكان جيعله علما خارجا من درك احلواس؛ ألن اإلنسان لو كان أصم . اإلنسان لنفسه على وجوده لغريه

وكذلك سبيل املذاقات . ألحس نفسه ومل حيس صوته، ولو كان أخشم ألحس نفسه ومل حيس رائحتهاس، وجيعل علما ثامنا على حياله وقائما فلما كان املعىن كذلك وجب أن يفرد من درك احلو. واملالمس .بنفسه

.علم اإلنسان بأنه ال خيلو من أن يكون قدميا أو حديثا: مث جعل العلم التاسع .علمه بأنه حمدث وليس بقدمي: وجعل العلم العاشر

فصل منه

مث على أيب إسحاق ولست آلو جهدا يف الكالم واإلجياز يف اإلدخال على بشر بن املعتمر يف درك احلواس، يف ذلك، ويف غريه مما ذكرت من مذاهبه، وتركه قياس ما بىن عليه إن شاء اهللا، لنصري إىل الكالم يف املعرفة، فإين إليه أجريت، وإياه اعتقدت، ولكين أحببت أن أبدي فساد أصوهلم قبل فروعهم، فإن ذلك أقتل للداء

وأخف يف املؤونة على من قرأ الكتاب، وتدبر املسألة وأبلغ يف الشفاء، وأحسم للعرق، وأقطع للمادة، .وباهللا ذي املن والطول نستعني. واجلواب

فصل من رده على أيب إسحاق النظام وأصحابه

. حدثونا عن العلم باهللا ورسوله وتأويل كتبه، وعن علم القدر وعلم املشيئة، واألمساء واألحكام: يقال هلمفخربونا عن علمكم بأن ذلك أمجع اكتساب، : عموا أنه باكتساب قيل هلمأباكتساب هو أم باضطرار فإن ز

أو ليس اعتقاد خالف ذلك أمجع باكتساب فإن : قيل هلم. باكتساب: أباكتساب هو أم باضطرار فإن قالوافإذا كان اعتقاد احلق واعتقاد الباطل باكتساب أفليس كل واحد من املكتسبني عند : قيل هلم. نعم: قالواأو ليس كل واحد منهما ساكن القلب إىل مذهبه واختياره : قيل هلم. نعم: على الصواب فإذا قالوا نفسه

فما يؤمن احملق من اخلطأ وليس سكون القلب وثقته عالمة للحق، ألن ذلك لو كان : فإذا قالوا نعم قيل هلم .قعالمة لكان املبطل حمقا، إذ كان قد جيد من السكون والثقة ما ال جيد احمل

. وما معىن خالفه إال أن يكون املبطل شاكا، أو يكون عارفا بتقصريه، أو يكون مكترثا لوهن جيده: وقلنا .فإذا مل يكن كذلك فال فرق بني املعقودين

.إن فرق ما بينهما أن سكون قلب احملق حق يف عينه، وسكون قلب املبطل باطل يف عينه: فإن قالوا

Page 361: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لسكون املبطل عن الثقة إىل االضطراب وال مغريه إىل االكتراث فإذا قالوا أو ليس ذلك غري حمول: قلنافما يؤمن احملق أن يكون سكونه أيضا باطال يف عينه إذا كان سكونه ال ينقص عن سكون : ذلك، قيل هلم

ولئن كان فرق السكون بينهما ظاهر االجتهاد والعبادة، فمن أظهر اجتهادا من الرهبان يف . املبطلالفرق بينهما أن احملق قد استشهد الضرورات، واملبطل مل : لصوامع، واخلوارج يف بذل النفوس فإن قالواا

.يستشهدهاما يؤمنك من اخلطأ : حىت لو سأله سائل فقال. فهل جيوز أن يكون عند نفسه قد استشهد الضرورات: قلنا .استشهادي للضرورات: لقال

ون عند نفسه قد استشهد الضرورات، ألن ذلك هو عالمة احلق، فإن زعموا أن املبطل ال جيوز أن يك .والفصل بينه وبني الباطل

وهل رأيتم أحدا اكتسب علما قط، أو نظر يف شيء إال وأول نظره إمنا هو على أصل االضطرار؛ ألن : قلنالباطن إذا أرادوا املفكر ال يبلغ من جهله أن يستشهد اخلفي، بل من شأن الناس أن يستدلوا بالظاهر على ا

.النظر والقياس؛ مث هم بعد ذلك خيطئون أو يصيبون

ISLAM ICBOOK.WS ©ين| ٢٠١٠ لم مس ل احة لجميع ا مت ق الحقو ع جمي

Page 362: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لرسائل : كتاب ااجلاحظ : املؤلف حبر عثمان عمرو بن أيب

ما يؤمنك أن تكون مبطال؟ أنه مل : فينبغي أن يكون كل مبطل يف األرض قد علم حني يقال له: وقلنا. يستشهد الضرورات، وأنكر أصله الذي قاس عليه واستنبط منه ضرورة، وأنه إمنا قال بالعسف أو بالتقليد

فهل خيلو أمرهم من أن يكونوا قد علموا أهنم على خطاء أو يكونوا شكاكا، أو يكونوا وإذا كانوا كذلك فإن كانوا قد علموا . عند أنفسهم مستشهدين للضرورات، وإن كانوا قد تركوا ذلك عند بعض املقدمات

مبوضع أهنم مل يستشهدوا الضروريات، وإن كانوا شكاكا فيها؛ فليس على ظهر األرض خمطىء إال وهو عاملأو كانوا عند أنفسهم مستشهدين للضرورات، فما يؤمنكم أن تكونوا كذلك؟ فإن . خطائه، أو شاك فيه

.ليس أحد يعرف أن عالمة احلق استشهاد الضرورات غرينا: قالواأو لستم معشر أيب إسحاق النظام ختتلفون يف أمور كثرية، وقد كنتم ختالفون صاحبكم خالفا كثريا، : قلنافهل خيلو أمركم . ألين مستشهد للضرورات: ما يؤمنك أن تكون على باطل؟ قال: كم إذا سأله سائلوكل

إما أن تكونوا صادقني على أنفسكم، أو كاذبني عليها؟ فإن كنتم صادقني فقد صار قلب : من أحد وجهني .احملق كقلب املبطل؛ إذ كان كل واحد عند نفسه مستشهدا للضرورات

فهل منكم حمق إال وهو يلقى اخلصم مبثل دعواه يف استشهاد الضرورات؟ وهل منكم وإن كنتم كاذبنيفإذا كانت القلوب قد تكون عند . واحد على حياله حمقا أو مبطال إال وجوابه لنا مثل جواب صاحبه

أنفسها مستشهدة للضرورات، وهي غري مستشهدة هلا، وكون القلب كذلك هو عالمة احلق، فما الفرق لب احملق واملبطل؟ ومع ذلك إنا وجدنا صاحبكم قبلكم ووجدناكم بعده قد رجعتم عن أقاويل كثرية، بني ق

وحنن . استشهادنا للضرورات: بعد أن كان جوابكم ملن سألكم ما يؤمنكم أن تكونوا على باطل، أن تقولوال على غرر، مل يعد لعلكم على خطأ، ولعلكم من هذه األقاوي: لو سألناكم عما رجعتم عنه، فقلنا لكم

.جوابكم استشهاد الضرورات

فصل من هذا الكتاب يف اجلوابات

مث إين واصل قويل يف املعرفة وجميب خصمي يف معىن االستطاعة ويف أي أوجهها حيسن التكليف وتثبت .احلجة؛ ومع أيها يسمج التكليف وتسقط احلجة

دا فعل شيء وال تركه إال وهو مقطوع العذر، ال يكلف أح -جل ذكره - أن اهللا : فأول ما أقول يف ذلك .زائل احلجة

ولن يكون العبد كذلك إال وهو صحيح البنية، معتدل املزاج، وافر األسباب، خملى السرب، عامل بكيفية .الفعل، حاضر النوازع، معدل اخلواطر، عارف مبا عليه ولهودة، واحلاالت املعروفة، اليت عليها جماري ولن يكون العبد مستطيعا يف احلقيقة دون هذه اخلصال املعد

.األفعال، ومن أجلها يكون االختيار وهلا حيسن التكليف، وجيب الفرض، وجيوز العقاب، وحيسن الثواب

Page 363: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ولو كان اإلنسان مىت كان صحيحا كان مستطيعا، لكان من ال سلم له للصعود مستطيعاه يف احلقيقة دون اجملاز مستطيعا، إال ومجيع أوامره يف وزن ولن يكون أيضا مع ذلك كله للفعل خمتارا، ول

مجيع زواجره، حىت إذا ما قابلت بني مرجومها وخموفهما، وبني تقدمي اللذة وخوف اآلخرة، وبني تعجيل .املكروه وتأميل العاقبة، وجدهتما يف احلدر والرفع، ويف القبض والبسط سواء

احلال الثانية معلوم، ألن الفعل حارس والطباع حمروسة، والنفس عليها وال يكون أيضا كذلك إال وبقاؤه يففإن كان احلارس أقوى من طباعها كان ميل النفس معه طباعا؛ ألن من شأن النفس امليل إىل أقوى . موقفة

.احلارسني، وأمنت السببنيوإن كانت الغلبة ختتلف يف اللني ومىت كانت القوتان متكافئتني كان الفعل اختياريا، ومن حد الغلبة خارجا،

والشدة، وبعضها أخفى وبعضها أظهر، كفرار اإلنسان من وهج السموم إذا مل حيضره دواعي الصرب، .وهو من هلب احلريق أشد نفرة، وأبعد وثبة، وأسرع حركة. وأسباب املكث

يف ومهه، ومتثلت له على غري ومىت قويت الطبيعة على العقل أوهنته وغريته، ومىت توهن وتغري تغريت املعاين .ومىت كان كذلك كل عن إدراك ما عليه يف العاقبة، وزينت له الشهوات ركوب ما يف العاجلة. حقيقتهافضلت قوى عقله على قوى طبائعه أوهنت طبائعه، ومىت كانت كذلك آثر احلزم واآلجلة - أيضا - ومىت

.ا ال يستطيع غريهعلى اللذة العاجلة، طبعا ال ميتنع منه، وواجب

وإمنا تكون النفس خمتارة يف احلقيقة، وجمانبة لفعل الطبيعة إذا كانت أخالطها معتدلة، وأسباهبا متساوية، وعللها متكافئة، فإذا عدل اهللا تركيبه وسوى أسبابه، وعرفه ما عليه وله، كان اإلنسان للعقل مستطيعا يف

.احلقيقة، وكان التكليف الزما له باحلجةواألرض : " ولوال أنك حتتاج إىل التعريف بأن املأمور املنهي ال بد له من التسوية والتعديل ملا قال اهللا تعاىل

" .فأهلمها فجورها وتقواها . ونفس وما سواها. وما طحاها واهللا. ولو جاز أن يعلم موضع غيها ورشدها من غري أن يسويها ويهيئها لكان ذكر التسوية فضال من القول

.يتعاىل عن هذا وشبهه علوا كبريا

فصل يف جواب من يسأل عن املعرفة

باضطرار هي أم باكتساب

إن الناس مل يعرفوا اهللا إال من قبل الرسل، ومل يعرفون من قبل احلركة والسكون، واالجتماع : قلنا .واالفتراق، والزيادة والنقصان

وجوها من الداللة على اهللا بعد أن عرفوه من قبل على أنا ال نشك أن رجاال من املوحدين قد عرفواالرسل، فتكلفوا من ذلك ما ال جيب عليهم، وأصابوا من غامض العلم ما ال يقدر عليه عوامهم، من غري أن

يكونوا تكلفوا ذلك لشك وجدوه، أو حرية خافوها؛ ألن أعالم الرسل مقنعة، ودالئلها واضحة،

Page 364: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ر، وبرهاهنا ظاهروشواهدها متجلية، وسلطاهنا قاه .باضطرار: أباكتساب علموا صدق الرسل أم باضطرار؟ قلنا: فإن قالفخربونا عن من عاين النيب صلى اهللا عليه وسلم وحجته، واملتنيب وحيلته، كيف يعلم صدق النيب : فإن قالوا

.كتسابإنه نظر، وفكر، فقد رجعتم إىل اال: من كذب املتنيب، وهو مل ينظر ومل يفكر؟ فإن قلتمإنه مل ينظر ومل يفكر فلم عرف الفصل بينهم دون أن جيهله؟ وكيف علم ذلك وهو ال يعرف : وإن قلتم

احلجة من احليلة؟ وما يؤمنه أن يكون مبطال إذا كان مل ينظر يف أمور الدنيا، ومل خيترب معانيها حىت يعرف ذلك فيه؟ وكيف ومل يعرف العادة وجرى املمتنع من املمكن، وما ال يزال يكون باالتفاق مما ال ميكن

الطبيعة وإىل أين تبلغ احليلة وأين تعجز احليلة، وعند أي ضرب يسقطان، وعلى أي ضرب يقومان؟ ومل عرف صدق النيب صلى اهللا عليه وسلم حني عاين شاهده وأبصر أعاجيبه، من غري امتحان هلا وتعقب

عليه أعاجيبه وخدعه وحيله؟ بل كيف مل يعرف اهللا حني وقع ملعانيها، دون أن يعتقد صدق املتنيب إذا أورد .بصره على الدنيا من غري فكرة فيها وتقليب ألمرها

.والدنيا بأسرها داللة عما عرف صدق النيب حني أبصر داللته من غري تفكري فيها أو تقليب ألمرهاأحدمها يغين عن التفكري كان اآلخر وقد علمنا أن الدنيا دالة على أن شواهد النيب دالة، ومىت كان ظاهر

.مثله، إذ مل يكن يف القياس بينهما فرق، وال يف املعقول فضلولعمري أن لو كان هجومه . إن جتارب البالغ قبل أن يهجم على دالالت الرسل تأيت على مجيع ذلك: قلنا

أمورها، ملا وصل إىل معرفة عليها قبل املعرفة مبجاري وتصريف الدهور وعالقات الدنيا، والتجربة لتصريف صدق النيب إال بعد مقدمات كثرية، وترتيبات منزلة؛ ألن مشاهد الشواهد إمنا تضطره املشاهدة هلا إذا كان

.قد جرب الدنيا، وعرف تصرفها وعادهتا قبل ذلكما ولو مل يكن جرهبا قبل ذلك حني عرف منتهى قوة بطش اإلنسان وحيلته، وعرف املمكن من املمتنع، و

.ميكن قوله باالتفاق مما ال ميكن، ملا عرف ذلكوكيف جرب ذلك وعقله، وأتقنه وحفظه، وهو طفل غرير وحدث صغري؛ ألن غري البالغ طفل : فإن قالوا

إىل أن يبلغ، وحني يبلغ فقد هجم على النيب صلى اهللا عليه وسلم وشواهده، أو هجم عليه النيب بشواهده، ففي أية احلالني جرب وعرف، وميز وحفظ، يف حال الطفولة والغرارة؟ وهذا . افإما خبرب مقنع أو بعيان ش

.غري معروف يف التجربة والعادة، والذي عليه ركبت الطبيعةأما يف حال البلوغ والتمام فحال البلوغ هي احلال اليت أبلغه اهللا الرسالة، وقاده إىل رؤية احلجة، واستماع

.الربهان وخمرج الرسالةكان األمر، كما تقولون فقد كان ينبغي أن ال يصل إىل العلم بصدق النيب وقد أراه برهانه، وأمسعه فإذا

فإن كان ذلك . حججه، حىت ميكث بعد ذلك دهرا ميتحن الدنيا ويتعقب أمورها، ويعمل التجربة فيهاإن التجربة على : قلنا كذلك فلم مسيتموه بالغا، وليس يف طاقته بعد العلم يفصل ما بني النيب واملتنيب؟

.أن يقصد الرجل إىل امتحان شيء ليعرف خمربه عما عرف منظره: أحدمها: ضربني .أن يهجم على علم ذلك من غري قصد: واآلخر

Page 365: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وقد يسمى اإلنسان جمربا، قاصدا أو هامجا، فيزعم أن البالغ قد سقط من بطن أمه إىل أن يبلغ، مقلبا يف يف خالل احلاالت، باملعرفة اليت تلقحه الدنيا، مبا تورد عليه من عجائبها، ويزداد األمور املختلفة، ومصرفا

يف كل ساعة معرفة، وتفيده األيام يف كل يوم جتربة، كما يزداد لسانه قوة، وعظمه صالبة، وحلمه شدة، من وة تبعثه، ووجع أم تناغيه، وظئر تلهيه، وطفل يالعبه، وطبيب يعاجله، ونفس تدعوه، وطبيعة تعينه، وشه

يقلقه، كما يزيده الزمان يف قوته، ويشد من عظمه وحلمه، ويزيده الغذاء عظما، وكثرة الغضب والتقليب فإذا درج وحبا، وضحك وبكى، وأمكنه أن يكسر إناء أو يكفئه، أو يسود ثوبا، أو يضرب دابرة . جلدا

م اإلغراء والزجر، والتغذية واالنتهار، كما فال يزال ذلك دأبه ودأهبم حىت يفه. اخلادم، وانتهره القيموكما يعرف اجملنون لقبه، وكما حيضر الفرس من وقع السوط . يعرف الكلب امسه إذا أحل الكالب عليه به

.من كثرة وقعه بعد رفعه عليه ؟؟

فصل منه يف هذا املعىن

وعند . ينئذ بالغ حمتملفإذا استحكمت هذه األمور يف قلبه، وثبتت يف خلده وصحت يف معرفته، فهو حذلك يسخر اهللا مسعه للخرب املثلج، أو بصره ملعاينة الشاهد املقنع، على يدي الرسول الصادق، وال يتركه

مهال، وال يدعه غفال، وقد عدل طبعه وأحكم صنعه، ووفر أسبابه، فال حيتاج عند معاينته رسوال حييي إىل تفكري، وال متييل وال امتحان وال جتربة، ألنه قد فرغ املوتى، ويربىء األكمه واألبرص، ويفلق البحر،

.من ذلك أمجع، واستحكم عنده العلم الذي أدب به، وهيئ له وأورد عليهفإن كان مل يكن لذلك عامدا، وال إليه قاصدا وال به معنيا، وإمنا هو عبد عبأه سيده، ورشحه مواله، وهيأه

.ال خيطر على باله من الصنع له حني غذاه به، وقاده إليه، وهيأه لهخالقه ألمر ال يشعر به من مصلحته، وفإذا أورد عليه دعوى رسول، وأمته تشهد له بإحياء املوتى وفلق البحر، وبكل شيء قد عرف عجز البشر

عن فعله والقوة عليه، علم بتجاربه املتقدمة بعادة الدنيا، أن ذلك ليس من صنع البشر، وأن مثله ال يقع اقا، وأن احليل ال تبلغه، فال ميتنع مع رؤية الربهان وفهم الدعوى، أن يعلم أن الرسول صادق، وأن الراد اتف

.عليه كاذب

فصل منه

ولوال أن هذا كالم مل يكن من ذكره بد، ألنه تأسيس ملا بعده، ومقدمة ملا بني يديه، وتوطئة له، القتضبت .جز أكثر الناس عن فهم غاييت فيه إال بنزيله وترتيبهالكالم يف املعرفة اقتضابا، ولكن مينعين ع

.وكل كالم أتيت على فرعه، ومل خترب عن أصله فهو خداع ال غناء عنده، وواهن ال ثبات له

فصل من صدر كتابه يف املعاد واملعاش

Page 366: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يتبني واجب على كل حكيم أن حيسن االرتياد ملوضع البغية، وأن: أما بعد فإن مجاعات أهل احلكمة قالوا .أسباب األمور، وميهد لعواقبها

فإمنا محدت العلماء حبسن التثبت يف أوائل األمور، واستشفاقهم بعقوهلم ما جتيء به العواقب، فيعلمون عند .وبقدر تفاوهتم يف ذلك تستبني فضائلهم. استقباهلا ما تؤول به احلاالت يف استدبارهافذلك أمر يعتدل فيه الفاضل واملفضول، والعامل . ن خفياهتافأما معرفة األمور عند تكشفها، وما يظهر م

.واجلاهليف أيام احلداثة، وحيث سلطان اهلوى املخلط لألعراض أغلب على -أكرمك اهللا - وإين قد عرفتك

نظرائك، وسكر الشباب واجلدة املتحيفني للدين واملروءة مستول على لداتك، ففقتهم ببسطة املقدرة، ومحيا .وفضل اجلدة، مع ما تقدمتهم به من الوسامة يف الصورة، واجلمال يف اهليئة احلداثة،

وهذه أسباب تكاد أن توجب االنقياد للهوى، وتلجج يف املهالك وال يسلم معها إال املنقطع القرين يف .صحة الفطرة، وكمال العقل

باحوها أعراضهم، فآلت فاستعبدهتم الشهوات حىت أعطوها أزمة أدياهنم، وسلطوها على مروءاهتم وأ .بأكثرهم احلال إىل ذل العدم، وفقد عز الغين يف العاجل، مع الندامة الطويلة واحلسرة يف اآلجل

على هواك، وألقيت -وهو عقلك - وخرجت نسيج وحدك أوحديا يف نفسك، حكمت وكيل اهللا عندك ودة، وبلغ بك من نيل اللذات أكثر مما إليه أزمة أمرك، فسلك بك طريق السالمة، وأسلمك إىل العاقبة احملم

بلغوا، ونال بك من الشهوات أكثر مما نالوا، وصرفك من صنوف النعم يف أكثر مما تصرفوا، وربط عليك من نعم اهللا اليت خولك ما أطلقه من أيديهم إيثار اللهو، وتسليطهم اهلوى على أنفسهم فخاض بك تلك

جك سليم الدين، وافر املروءة، نقي العرض، كثري الشراء، بني اللجج، واستنقذك من تلك املعاطب، فأخر .وذلك سبيل من كان ميله إىل اهللا أكثر من ميله إىل هواه. اجلدة

فلم أزل يف أحوالك كلها تلك بفضيلتك عارفا، ولك بنعم اهللا عندك غابطا، أرى ظواهر أمرك احملمودة الك فيزيدين رغبة يف االتصال بك، ارتيادا مين ملوضع تدعوين إىل االنقطاع إليك، وأسأل عن بواطن أحو

.اخلرية يف األخوة، والتماسا إلصابة االصطفاء يف املودة، وختريا ملستودع الرجاء يف النائبةفلما حمصتك اخلربة، وكشف االبتالء عن احملمدة، وقضت لك التجارب بالتقدمة، وشهدت لك قلوب

هللا عذر من كان يطلب االتصال بك، طلبت الوسيلة إليك واالتصال حببلك، العامة بالقبول واحملبة، وقطع ا .ومتت حبرمة األدب وذمام كرمك

وسيليت إليك، فوجدت املطلب سهال، واملراد - حفظه اهللا -وكان من نعمة اهللا عندي أن جعل أبا عبد اهللا دتك، وخلطتين بنفسك، وأمستين يف فوصلت إخاي مبو. حممودا، وأفضيت إىل ما جيوز األمنية ويفوت األمل

مراعي ذوي اخلاصة بك تفضال ال جمازاة، وتطوال ال مكافاة، فأمنت اخلطوب، واعتليت على الزمان، .واختذتك لألحداث عدة، ومن نوائب الدهر حصنا منيعا

ربة، فلما جرت املؤانسة، وتقلبت من فضلك يف صنوف النعمة، وزاد تصريف يف مواهبك يف السرور واحل

Page 367: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أردت خربة املشاهدة فبلوت أخالقك، وامتحنت شيمك، وعجمت مذاهبك، على حني غفالتك، ويف األوقات اليت يقل فيها حتفظك، أراعي حركاتك، وأراقب خمارج أمرك وهنيك، فأرى من استصغارك لعظيم

من غريك وما قد النعمة اليت تنعم هبا، واستكثارك لقليل الشكر من شاكريك، ما أعرف به ومبا قد بلوت .شهدت يل به عليك التجارب، أن ذلك منك طبع غري تكلف

هيهات ما يكاد ذو التكلف أن خيفى على أهل الغباوة، فكيف على مثلي من املتصفحني؟

فصل منه

ومعلوم أن طول . باملوضع الذي عرفت من مجع الكتب ودراستها والنظر فيها - أبقاك اهللا -ومل أزل وذوي - صلوات اهللا تعاىل عليهم أمجعني -تصفح عقول العاملني، والعلم بأخالق النبيني دراستها إمنا هو

.احلكمة من املاضني والباقني من مجيع األمم، وكتب أهل املللفرأيت أن أمجع لك كتابا من األدب، جامعا لعلم كثري من أمر املعاد واملعاش، أصف لك فيه علل األشياء،

وعلمت أن ذلك من أعظم ما أبرك به، وأرجح ما أتقرب . ما اتفقت عليه حماسن األمموأخربك بأسباهبا، و .به إليك

.وكان الذي حداين إىل ذلك ما رأيت اهللا تعاىل قسم لك من العقل والفهم، وركب فيك من الطبع الكرميال مبعاونة العقل وقد اجتمعت احلكماء على أن العقل املطبوع والكرم الغريزي، ال يبلغان غاية الكمال إ

املكتسب، ومثلوا ذلك بالنار واحلطب، واملصباح والدهن، وذلك أن العقل الغريزي آلة واملكتسب مادة، .وإمنا األدب عقل غريك تزيده يف عقلك

ورأيت كثريا من واضعي األدب قبلي، قد عهدوا إىل الغابرين بعدهم يف اآلداب عهودا قاربوا فيها احلق، إال أين رأيت أكثر ما رمسوا من ذلك فروعا مل يبينوا عللها، وصفات حسنة مل . الداللةوأحسنوا فيها

.يكشفوا أسباهبا، وأمورا حممودة مل يدلوا على أصوهلافإن كان ما فعلوا من ذلك روايات رووها عن أسالفهم، ووراثات ورثوها عن أكابرهم فقد قاموا بأداء

ملن استطب، وإن كانوا تركوا الداللة على علل األمور، اليت مبعرفة عللها األمانة، ومل يبلغوا فضيلة من طب .يوصل إىل مباشرة اليقني فيها، وينتهى إىل غاية االستبصار منها، فلم يعدوا يف ذلك منزلة الظن هبا

.ومل جتد وصايا أنبياء اهللا تعاىل أبدا إال مبينة باألسباب، مكشوفة العلل، مضروبة معها األمثال

فصل منه

ولن أدع من تلك املواضع اخلفية موضعا إال أقمت لك هبا بإزاء كل شبهة منه دليال، ومع كل خفي من احلق حجة ظاهرة، تستنبط هبا غوامض الربهان، وتستثري هبا دفائن الصواب، وتستشف هبا سرائر القلوب،

إىل معرفة كثري ما يغيب عنك إذا فتأيت مبا تأيت عن بينة، وتدع ما تدع عن خربة، وال يكون بك وحشة .عرفت العلل واألسباب، حىت كأنك مشاهد لضمري كل امرىء ملعرفتك بطبعه وما ركب عليه

Page 368: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فصل منه

اعلم أنك إذا أمهلت ما وصفت لك عرضت تدبريك إىل االختالط، وإن آثرت اهلويىن، واتكلت على ك على رأي مدخول، وأصل غري حمكم، رجع الكفاية يف األمر الذي ال جيوز فيه إال نظرك، وزجيت أمر

.ذلك عليك مبا لو حكم فيه عدوك كان ذلك غاية أمنيته وشفاء غيظهواعلم أن إجراءك األمور جماريها، واستعمالك األشياء على وجوهها، جيمع لك ألفة القلوب، فيعاملك كل

.وعلمك مبوارد األمورمن عاملك مبودة، وأخذ وإعطاء، وهو على ثقة من بصرك مبواضع اإلنصاف،

فصل منه

فإن ابتليت يف بعض األوقات مبن يتقرب حبرمة، وميت بدالة، يطلب املكافأة بأكثر مما يستوجب، فدعاك الكرم واحلياء إىل تفضيله على من هو أحق به، إما خوفا من لسانه، أو مداراة لغريه، فال تدع االعتذار إىل

وإظهار ما أردت من ذلك هلم؛ فإن أهل خاصتك واملؤمتنني على من هو فوقه من أهل البالء والنصيحةأسرارك، هم شركاؤك يف العيش، فال تستهينن بشيء من أمورهم، فإن الرجل قد يترك الشيء من ذلك

.اتكاال على حسن رأي أخيه، فال يزال ذلك جيرح يف القلب وينمو، حىت يولد ضغنا وحيول عداوة .ل إخوانك عليه جبهدكفتحفظ من هذا الباب، وامح

وستجد من يتصل بك ممن يغلبه إفراط احلرص، ومحيا الشره، ولني جانبك له، على أن ينقم العافية، ويطلب .وملعروفك مستصغرا. اللحوق مبنازل من ليس مثله، وال له مثل دالته، فتلقاه ملا تصنع به مستقال

.وصالح من كانت هذه حاله خبالف ما فسد عليه أمرهعرف طرائفهم وشيمهم، وداو كل من ال بد لك من معاشرته، بالدواء الذي هو أجنع فيه، إن لينا فلينا، فا

:وإن شدة فشدة، فقد قيل يف مثل ل ففي عقوبته صالحه... من ال يؤدبه اجلمي

فصل منه

ط يف تدبريه، ما ال واعلم أن املقادير رمبا جرت خبالف ما تقدر احلكماء، فينال هبا اجلاهل يف نفسه، املختلينال احلازم األريب احلذر، فال يدعونك ما ترى من ذلك إىل التضييع واالتكال على مثل تلك احلال؛ فإن

احلكماء قد اجتمعت على أن من أخذ باحلزم وقدم احلذر، فجاءت املقادير خالف ما قدر، كان عندهم .ه األمور على ما أرادأمحد رأيا، وأوجب عذرا ممن عمل بالتفريط، وإن اتفقت ل

وال تكونن بشيء مما يف يدك أشد ضنا، وال عليه أشد حدبا منك باألخ الذي قد بلوته بالسراء والضراء فعرفت مذاهبه، وخربت شيمه، وصح لك غيبه، وسلمت لك ناحيته، فإنه شقيق روحك، وباب الروح إىل

.حياتك، ومستمد رأيك وتوأم عقلك .الوحدة، وال بد من املؤانسةولست منتفعا بعيش مع

Page 369: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وكثرة االستبدال يهجم بصاحبه على املكروهفإن صفا لك أخ فكن به أشد ضنا منك بنفائس أموالك، مث ال يزهدنك فيه أن ترى خلقا أو خلقني

.تكرههما، فإن نفسك اليت هي أخص النفوس بك ال تعطيك املقادة يف كل ما تريد، فكيف بنفس غريكأي الرجال : " و" . من لك بأخيك كله : " وقد قالت احلكماء. كون لك من أخيك أكثرهوحبسبك أن ي

" .املهذب

فصل منه

فتحرز من دخالء السوء، . واعلم أنك موسوم بسيما من قارنت، ومنسوب إليك أفاعيل من صاحبتاملرء حيث : " وأظهر جمانبة أهل الريب، وقد جرت لك يف ذلك األمثال، وسطرت فيه األقاويل، فقالوا

" .جيعل نفسه " .يظن باملرء ما يظن بقرينه : " وقالوا " .املرء بأليفه " ، و " املرء بشكله : " وقالوا

.ولن تقدر أن تتحرز من الناس، ولكن أقل املؤانسة إال بأهل الرباءة من كل دنسن كان بني ذلك كثري من فإ. واعلم أن املرء بقدر ما يسبق إليه يعرف، وباملستفيض من أفعاله يوصف

.أخالقه ألغاه الناس، وحكموا عليه بالغالب من أمرهفاجهد أن يكون أغلب األشياء على أفعالك كل ما حيمده العوام وال تذمه اجلماعات، فإن ذلك يعفي على

.كل خلل إن كانك بالتفضل، وعلى فبادر ألسنة الناس واشغلها مبحاسنك، فإهنم إىل كل سىيء سراع، واستظهر على من دون .نظائرك باإلنصاف، وعلى كل من فوقك باإلجالل، تأخذ بوثائق األمور وبأزمة التدبري

فصل من صدر رسالته إىل حممد بن عبد امللك

يف اجلد واهلزل

أقصيتين، وال على ميلي إىل الصدقة دون إعطاء . جعلت فداك، ليس من اختياري، النخل على الزرعولست أدري مل كرهت قريب، وهويت . لبغض دفع اإلتاوة والرضا باجلزية حرمتيناخلراج عاقبتين، وال

بعدي، واستثقلت روحي ونفسي، واستطلت عمري وأيام مقامي؟ ومل سرتك سيئيت ومصيبيت، وساءتك حسنيت وسالميت؟ نعم، حىت ساءك عزائي وجتملي، بقدر ما سرك جزعي وتضجري، وحىت متنيت أن

ائي حجة لك يف إبعادي، وكرهت صوايب فيك خوفا من أن جتعله ذريعة إىل أخطىء عليك، فتجعل خط .تقرييب

هذا احلقد يف طبقة - أبقاك اهللا -فإن كان ذلك هو الذي أغضبك، وكان هو السبب ملوجدتك، فليس .هذا الذنب، وال هذه املطالبة من شكل هذه اجلرمية

Page 370: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فصل منه

املالطف، وللمعتمد املصر، وللقادر املدل؟ ومن عاقب على فأي شيء أبقيت للعدو املكاشف، وللموافق الصغري بعقوبة الكبري، وعلى اهلفوة بعقوبة اإلصرار، وعلى اخلطأ بعقوبة العمد، وعلى معصية املتستر بعقوبة

ومن مل يفرق بني األعايل واألسافل، وبني األقاصي واألداين، عاقب على الزىن بعقوبة السرقة، وعلى . املعلن .ومن خرج إىل ذاك يف باب العقاب، خرج إىل مثله يف باب الثواب. قتل بعقوبة القذفال

.ومن خرج من مجيع األوزان، وخالف مجيع التعديل كان بغاية العقاب أحق، وبه أوىل .والدليل على شدة غيظك وغليان صدرك، قوة حركتك، وإبطاء فترتك، وبعد الغاية يف احتيالك

. الغضب وعلى عظم الذنب، متكن احلقد ورسوخ الغيظ، وبعد الوثبة وشدة الصولة ومن الربهان على بيان .وهذا الربهان صحيح ما صح النظم، وقام التعديل، واستوت األسباب

وال أعلم نارا أبلغ يف إحراق أهلها من نار الغيظ، وال حركة أنقض لقوى األبدان من طلب الطوائل، مع .مام، وإعطاء احلاالت أقسامها من التدبريقلة اهلدوء، واجلهل مبنافع اجل

وال أعلم جتارة أكثر خسرانا وال أخف ميزانا، من عداوة العاقل العامل، وإطالق لسان اجلليس واملداخل، .والشعار دون الدثار، واخلاص دون العام

.ازلةبعرض ظفر ما مل خيرج املطلوب، وإليه اخليار ما مل تقع املن -أبقاك اهللا - والطالب أيضا -ومن احلزم أال خترج إىل العدو إال ومعك من القوى ما يغمر الفضلة اليت يتيحها له اإلخراج، وال بد

.من حزم حيذرك مصارع البغي، وخيوفك ناصر املطلوب -

فصل منها

وبغلبة . واهللا لقد كنت أكره لك سرف الرضا، خمافة جواذبه إىل سرف اهلوى، فما ظنك بسرف الغضب. يظ، وال سيما ممن تعود إمهال النفس ومل يعودها الصرب، ومل يعرفها موضع احلظ يف جترع مرارة العفوالغ

.وإمنا املراد من األمور عواقبها ال عواجلهاال خري يف طول : " وقد قال الناس. وقد كنت أشفق عليك من إفراط السرور، فما ظنك بإفراط الغيظ

وال يف كثرة الغىن إذا كان . يف طول الكفاية إذا كان يؤدي إىل املعجزة الراحة إذا كان يورث الغفلة، وال " .خيرج إىل البلدة

جعلت فداك إن داء احلزن، وإن كان قاتال، فإنه داء مماطل، وسقمه سقم مطاول، ومعه من التمهل بقدر ، ويقطع دون وداء الغيظ سفيه طياش، وعجول فحاش، يعجل عن التوبة. قسطه من أناة املرة السوداء

.الوصية

فصل منها

Page 371: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وربت كلمة ال توضع إال على معناها الذي جعلت حظه وصارت هي حقه، والدالة عليه دون غريه، كالعزم والعلم، واحللم والرفق؛ واألناة واملداراة، والقصد والعدل، وكاالنتهاز واالهتبال، وكاليأس واألمل،

.و والتقصريوكاخلرق والعجلة، واملداهنة والتسرع، والغلورب كلمة تدور مع واصلتها، وتتقلب مع جارهتا، وإزاء صاحبتها، وعلى قدر ما تقابل من احلاالت وتالقي من األسباب، كاحلب والبغض، والغضب والرضا، والعزم واإلرادة، واإلقبال واإلدبار، واجلد

.ويكون مذموما ألن كل هذا الباب األخري يكون يف اخلري والشر، ويكون حممودا. والفتورصاحب لتغرير وخماطرة، إن ظفر مل حيمده عاقل، وإن مل يظفر قطعته -أبقاك اهللا - وصاحب العجلة

.والريث أخو املعجزة، ومقرون باحلسرة، وعلى مدرجة الالئمة. املالومظ فيه وصاحب األناة، إن ظفر نفع غريه بالغنم، ونفع نفسه بثمرة العلم، وطاب ذكره ودام شكره، وحف

.وإن حرم فمبسوط عذره ومصوب رأيه مع انتفاعه بعلمه، وما جيد من عز حزمه، ونبل صوابه. ولده

فصل منها

ومن كانت طبيعته مأمونة عليه عند نفسه، وكان هواه رائده الذي ال يكذبه، واملتأمر عليه دون عقله، ومل الطارف، ومل ينصف امللول املبعد من يتوكل ملا ال يهواه على ما يهوى، ومل ينصر تالد اإلخوان على

املستطرف املقرب، ومل خيف أن جتتذبه العادة وتتحكم عليه الطبيعة فلريسم حججهما ويصور صورمها يف على أن ال خيتار إال . كتاب مقروء أو لفظ مسموع، مث يعرضهما على جهابذة املعاين وأطباء أدواء العقول

فإن مل يستعمل ذلك مل يزل . ا حيامي، وأيهما داؤه، وأيهما دواؤهمن ال يدري أي النوعني يتقي، وأيهم .متورطا يف اخلطاء مغمورا بالذنب

إين ألعجب ممن : مسعتك وأنت تريدين وكأنك تريد غريي، أو كأنك تشري علي من غري أن تنصين، وتقوللتخرم، وكيف ال مينعها ترك دفاتر علمه متفرقة، وكراريس درسه غري جمموعة وال منظومة، كيف يعرضها ل

وعلى أن الدفتر إذا انقطعت حزامته واحنل شداده، وخترمت ربطه، ومل تكن دونه وقاية، وال ! من التخرق؟ .دونه جنة، تفرق ورقه، واشتد مجعه، وعسر نظمه، وامتنع تأليفه، وضاع أكثره

.والدفتان أمجع، وضم اجللود هلا أصون واحلزم هلا أصلحأن تنظم، واألشباه أن تؤلف؛ فإن التأليف يزيد األجزاء احلسنة حسنا، واالجتماع حيدث وينبغي لألشكال

.للمتساوي يف الضعف قوة

فصل منها

شاعر وأنا راوية، وأنت طويل وأنا قصري، وأنت أصلع وأنا أنزع، وأنت صاحب - أبقاك اهللا -أنت فسك وتقيم أود غريك، وتتسع جلميع وأنت تدبر ن. براذين وأنا صاحب محري، وأنت ركني وأنا عجول

وأنت منعم وأنا شاكر، . وأنا أعجز عن تدبريي وعن تدبري أميت وعبدي. الرعية، وتبلغ بتدبريك أقصى األمة

Page 372: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وأنت متقدم وأنا تابع، وأنت إذا . وأنت مصطنع وأنا صنيعة، وأنت تفعل وأنا أصف. وأنت ملك وأنا سوقةلو كنت قلت كذا لكان أجود، ولو : ل بعد فراغك وانقطاع كالمكنازعت الرجال وناهضت األكفاء مل تق

وأمضيت األمور على حقائقها، وسلمت إليها أقساطها، على مقادير حقوقها، . تركت قول كذا كان أحسن .وأنا إن تكلمت ندمت، وإن جاريت أبدعت. فلم تندم بعد قول، ومل تأسف بعد سكوت

فصل منها

وغرب نشاطي مقتبال، فكان لك مهناه، ومثرة قواه، واحتملت دونك عرامه وقد منحتك جلد شبايب كمال؛ .وغربه، فكان لك غنمه وعلي غرمه

وأعطيتك عند إدبار بدين قوة رأيي، وعند تكامل معرفيت نتيجة جتربيت، واحتملت دونك وهن الكرب وإسقام .اهلرم

ئك من كفاك مؤونته وأحضرك وأفضل خلطا. وخري شركائك من أعطاك ما صفا وأخذ لنفسه ما كدر .معونته، وكان كالله عليه ونشاطه لك

وأكرم دخالئك وأشكر مواليك من ال يظن أنك تسمي جزيل ما حتتمل يف بذلك ومؤانستك مؤونة، وال بل يرى أن نعمة الشاكر فوق نعمة الواهب، ونعمة الواد املخلص، فوق نعمة . تتابع إحسانك إليه نعمة

.اجلواد املغين

ل من صدر كتابه يف الوكالءفص

.وفقك اهللا للطاعة، وعصمك من الشبهة، وأفلجك باحلجة، وختم لك بالسعادةأزمان وأنت عندي ممن ال ميضي القول إال بعد التثبت، وال خيرج الكتاب إال بعد -أصلحك اهللا - غربت

ولوال كثرة مرور أيام . لتفريطالتصفح، وكنت حريا بتهيئة الرأي الفطري، جديرا أن متيل بنفسك عاقبة ااملطالبة عليك ملا ثقل عليك التثبت، ولوال قصر أيام التحصيل ملا وثقت بأول خاطر، ولوال سوء العادة ملا

.كذبك رائد النظر واهتمت الرأيواعترام الغضبان يهور األعمار، فإن الغضبان أسوأ أثرا على نفسه من السكران، ولوال أن نار الغضب ختبو

قبل إفاقة املعتوه، وضباب السكر ينكشف قبل انكشاف غروب عقل املدله، وأن حكم الظاعن خالف حكم املقيم، وقضية اجملتاز خالف قضية املاكث، لكانت حال الغضبان أسوأ مغبة، وجهله أوىب، على أن

.احلكم له ألزم والناس له ألوم .ية اجلنون، وفرط جهل املصروعوما أكثر ما يقحم الغضب املقاحم اليت ال يبلغها جنا

فصل منه

Page 373: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فلو كنت إذا جنيت مل تقم . وإن الغمر ال يكون إال عدمي اآللة، منقطع املادة، يرى الغي رشدأ والغلو قصداعلى اجلناية، وإذا عزمت على القول مل ختلده يف الكتب، وإذا خلدته مل تظهر التبجح به، واالستبصار فيه،

.كانت أيام سقمك أقصركان عالج ذلك أيسر، وفأخزى اهللا التصميم إال مع احلزم، واالعتزام إال بعد التثبت والعلم إال مع القرحية احملمودة، والنظر إال مع

.استقصاء الروية

وأخلق مبن كان يف صفتك، وأحر مبن جرى على دربك، أال يكون سبب تسرعه، وعلة تشحنه إال من ضيق .الصدر

فقد صح اآلن أن سعة الصدر أصل، وما سوى ذلك من أصناف اخلري . سعة الصدر ومجيع اخلري راجع إىل .فرع

خونت مجيع الوكالء وفجرهتم، وشنعت على مجيع الوراقني وظلمتهم، ومجعت - حفظك اهللا -وقد رأيتك مجيع املعلمني وهجوهتم، وحفظت مساويهم، وتناسيت حماسنهم، واقتصرت على ذكر مثالب األعالم

حىت صوب نفسك عند السامع لكالمك، والقارىء كتابك، أنك ممن ينكر احلق جهال، أو يتركه واجللة، .وقد علم الناس أن من تركه جهال به أصغر إمثا ممن تركه عمدا. معاندة له

ولعمري إن العلم لطوع يديك، واملتصرف مع خواطرك، واملستملي من بديهتك، كما يستملي من مثرة .ولكن الرأي لك أن ال تثق مبا يرمسه العلم يف اخلال، وتتوقاه يف املال. ن رويتكفكرك، واحملصل م

ومىت ائتمنت على نفسك نواجم خطرك، فقد أمكنت العدو . اعلم أنك مىت تفردت بعلمك استرسلت إليهتقاهلا وبنية الطبائع وتركيب النفوس، والذي جرت عليه العادة، إمهال النفس يف اخلال، واع. من ربقة عنقك

.يف املال :قال ابن هرمة. فتوقف عند العادة، واهتم النفس عند االسترسال والثقة

حىت يكون له عي وإكثار... إن احلديث تغر القوم خلوته واعلم أن هذه احلال اليت ارتضيتها لشأنك هي أمنية العدو، ! وبئس الشيء العجب، وحسن الظن بالبديهة

ك على هذه الصورة وأفرغته هذا اإلفراغ، مث سبكته هذا السبك، فليس وهتزة اخلصم، ومىت أبرزت كتاب .بعدوك حاجة إىل التكذيب عليك، وقول الزور فيك، ألنك قد مكنته من عرضك، وحكمته يف نفسكوبعد، فمن يعجز عن عيب كتاب مل حيرس بالتثبت، ومل حيصن بالتصفح، ومل يغب باملعاودة والنظر، ومل

فكيف يوفق اهللا الواثق بنفسه، واملستبد برأيه ألدب ربه، وملا . جهة اإلشفاق واحلذر يقلب فيه الطرف من! حسيب اهللا: وصى به نبيه صلى اهللا عليه وسلم حني قال لرجل خاصم عنده رجال فقال يف بعض كالمه

وزعمت يف "حسيب اهللا : أبل اهللا من نفسك عذرا، فإذا غلبك أمر فقل: " فقال النيب صلى اهللا عليه وسلمأي شيء تشتهي؟ : قال يعقوب بن عبيد لبعض ولده حني قال له يف مرضه: أول تشنيعك عليهم، فقلت

.كبد وكيل: قال .وقد كان ترك التجارة من سوء معاملتهم وفحش خبائثهم

Page 374: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فصل من جوابه عن الوكالء

واألمني، والوصي، يف مجلة اعلم أن الوكيل، واألجري،: قد فهمنا عذرك ومسعنا قولك، فامسع اآلن ما نقولولو هبرجنا مجيع الوكالء . فأيش لك أن تقضي على اجلميع بإساءة البعض. األمر، جيرون جمرى واحدا

وخونا مجيع األمناء، واهتمنا مجيع األوصياء وأسقطناهم، ومنعنا الناس االرتفاق هبم، لظهرت اخللة وشاعت ضطربت التجارات، وعادت النعمة بلية واملعونة حرمانا، املعجزة، وبطلت العقد وفسدت املستغالت، وا

.واألمر مهمال، والعهد مرجياولو أن التجار وأهل اجلهاز صاحبوا اجلمالني واملكارين واملالحني، حىت يعاينوا ما نزل بأمواهلم يف تلك

.الطرق واملياه، واملسالك واخلانات، لكان عسى أن يترك أكثرهم اجلهاز

فصل منه

فإن : " ، وقال" الرجال قوامون على النساء مبا فضل اهللا بعضهم على بعض : " د قال اهللا عز وجلوقومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقريا فليأكل : " وقال" آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم

" .باملعروف لين على خزائن األرض إين حفيظ اجع: " وقال يوسف النيب صلى اهللا عليه وسلم لفرعون وفرعون كافر

" .عليم فجمع " : يا أبت استأجره إن خري من استأجرت القوي األمني : " وقالت بنت شعيب يف موسى بن عمران

.مجيع ما حيتاج إليه يف الكلمتني .نياناويف قياسك هذا إسقاط مجيع ما أدبنا اهللا به، وجعله رباطا ملراشدنا يف ديننا، ونظاما ملصاحلنا يف د

والذي يلزمين لك أن ال أعمهم بالرباءة، والذي يلزمك أن ال تعمهم بالتهمة، وأن تعلم أن نفعهم عام، .وخريهم خاص

.مثل اإلمام اجلائر مثل املطر، فإنه يهدم على الضعيف، ومينع املسافر: وقالوا " .حوالينا وال علينا " -صلى اهللا عليه وسلم - وقال النيب .أفسد بعض الثمار، وأضر ببعض األكرة فإن نفعه غامر لضررهواملطر وإن

وكذلك اإلمام اجلائر، وإن استأثر ببعض الفيء، . وليس شيء من الدنيا يكون نفعه حمضا، وشره صرفا .وعطل بعض احلكم، فإن مضاره مغمورة مبنافعه

أعم وال الغش فيهم أكثر من وكذلك أمر الوكالء واألوصياء واألمناء، ال تعلم قوما الشر فيهم: قالوااألكرة، وما جيوز لنا مع هذا أن نعمهم باحلكم مع أن احلاجة إليهم شديدة، ونزع هذه العادة وهذا اخللق

.منهم أشد

فصل منه

Page 375: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فارجع إىل نفسك فلعلك أن ترى أنك إمنا أتيت من قبل . وأنا أظن أن الذنب مقسوم بينك وبني وكالئكمل تقطع هلم األجرة السنية، ومحلتهم على غاية املشقة يف أداء األمانة ومتام الفراسة، أو من قبل أنك

.النصيحة

فصل منه

وال بد يف باب البصر جبواهر الرجال من صدق احلس، ومن صحة الفراسة، ومن االستدالل يف البعض على مانة والقوة، حني قضت ملوسى عليه السالم باأل - صلوات اهللا عليه -الكل، كما استدلت بنت شعيب

.ومها الركنان اللذان تبىن عليهما الوكالة

فصل منه

ما : " ليس مما يستعمل الناس كلمة أضر بالعلم والعلماء، وال أضر باخلاصة والعامة، من قوهلم: وقد قالوا " .ترك األول لآلخر شيئا

مقدار ما كان يف أيديهم لفقدوا ولو استعمل الناس معىن هذا الكالم فتركوا مجيع التكلف، ومل يتعاطوا إال علما مجا ومرافق ال حتصى، ولكن أىب اهللا إال أن يقسم نعمه بني طبقات مجيع عباده قسمة عدل، يعطي كل

.قرن وكل أمة حصتها ونصيبها، على متام مراشد الدين، وكمال مصاحل الدنياوق بغداد؛ يف القصور والبساتني؛ فهؤالء ملوك فارس نزلوا على شاطىء الدجلة، من دون الصراة إىل ف

.وكانوا أصحاب نظر وفكر، واستخراج واستنباط، من لدن أزدشري بن بابك إىل فريوز بن يزدجرد .وقبل ذلك ما نزهلا ملوك األشكان، بعد ملوك األردوان

وهل ! وم؟ وهل عرفوا اخليش مع حر البالد ووقع السم! فهل رأيتم أحدا اختذ حراقة، أو زاللة، أو قاربا؟ وهل عرف فالحوهم الثمار املطعمة، وغراس النخل على ! عرفوا اجلمازات ألسفارهم ومنتزهاهتم؟

الكردات املسطرة؟ وأين كانوا عن استخراج فوه العصفر؟ وأين كانوا عن تغليق الدور واملدن، وإقامة ميل وأين كانوا عن مراكب ! بعض؟ احليطان والسواري املائلة الروس، الرفيعة السموك املركبة بعضها على

البحر يف ممارسة العدو الذي يف البحر، إن طارت البوارج أدركتها، وإن أكرهتها فاتتها بعد أن كان القوم نعم، وكانوا ! أسرى يف بالد اهلند، يتحكمون عليهم ويتلعبون هبم؟ وأين كانوا عن الرمي بالنريان؟

رجاهلم دسم العمائم،وسخة القالنس، وكان الرجل منهم إذا مر يتخذون األحصار وينفقون عليها األموال، بالعطار، أو جلس إليه، فأراد كرامته دهن رأسه وحليته، الحيتشم من ذلك الكبري،وكان أهل البيت إذا

.طبخوا اللحم غرفوا للجار واجلارة غرفة غرفة

فصل من صدر كتابه يف األوطان والبلدان

Page 376: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

هم من أمر اآلخرة واألوىل، وأثلج صدرك باليقني، وأعزك بالقناعة، وختم لك زينك اهللا بالتقوى، وكفاك امل .بالسعادة، وجعلك من الشاكرين

أن أكتب لك كتابا يف تفاضل البلدان، وكيف قناعة النفس باألوطان، وما يف لزومها -أبقاك اهللا - سألت .من الفشل والنقص، وما يف الطلب من علم التجارب والعقل

الناس : " أن طول املقام من أسباب الفقر، كما أن احلركة من أسباب اليسر، وذكرت قول القائلوذكرت " .بأزماهنم أشبه منهم بآبائهم

عمل البلدان، وتصرف األزمان، وأثارمها يف الصور واألخالق، ويف الشمائل - أبقاك اهللا -ونسيت ويف املكاسب والصناعات، على ما دبر اهللا تعاىل من واآلداب، ويف اللغات والشهوات، ويف اهلمم واهليئات،

.ذلك باحلكمة اللطيفة، والتدابري العجيبةفسبحان من جعل بعض االختالف سببا لالئتالف، وجعل الشك داعية إىل اليقني، وسبحان من عرفنا ما يف

.ص من األنساحلرية من الذلة، وما يف الشك من الوحشة، وما يف اليقني من العز، وما يف اإلخالابدأ يل بالشام ومصر، وفضل ما بينهما، وحتصيل مجاهلما، وذكرت أن ذلك سيجر العراق واحلجاز، : وقلت

.والنجود واألغوار، وذكر القرى واألمصار، والرباري والبحارست ول. أنا مىت قدمنا ذكر املؤخر وأخرنا ذكر املقدم، فسد النظام وذهبت املراتب -أبقاك اهللا - واعلم

وأوىل األمور بنا ذكر خصال مكة، مث خصال . أرى أن أقدم شيئا من ذكر القرى على ذكر أم مجيع القرى .املدينة

ولوال ما جيب من تقدمي ما قدم اهللا وتأخري ما أخر لكان، الغالب على النفوس ذكر األوطان وموقعها من .قلب اإلنسان

ليس الناس بشيء من أقسامهم : " ، وقال ابن الزبري" ان عمر اهللا البلدان حبب األوط: " وقد قال األول " .أقتنع منهم بأوطاهنم

ولوال ما من اهللا به على كل جيل منهم من الترغيب يف كل ما حتت أيديهم، وتزيني كل ما اشتملت عليه الغمق قدرهتم، وكان ذلك مفوضا إىل العقول، وإىل اختيارات النفوس ما سكن أهل الغياض واألدغال يف

واللثق، وملا سكنوا مع البعوض واهلمج، وملا سكن سكان القالع يف قلل اجلبال، وملا أقام أصحاب الرباري مع الذئاب واألفاعي وحيث من عز بز، وال أقام أهل األطراف يف املخاوف والتغرير، وملا رضي أهل الغريان

اسطة، ويف بيضة العرب، ويف دار األمن وبطون األودية بتلك املساكن، واللتمس اجلميع السكىن يف الو. وكذلك كانت تكون أحواهلم يف اختيار املكاسب والصناعات ويف اختيار األمساء والشهوات. واملنعة

.والختاروا اخلطري على احلقري، والكبري على الصغريوالديارات، من أال تراهم قد اختاروا ما هو أقبح على ما هو أحسن من األمساء والصناعات، ومن املنازل

.غري أن يكونوا خدعوا أو استكرهواولو اجتمعوا على اختيار ما هو أرفع، ورفض ما هو أوضع من اسم أو كنية، ويف جتارة وصناعة، ومن

Page 377: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

شهوة ومهة، لذهبت املعامالت، وبطل التمييز، ولوقع التجاذب والتغالب، مث التجارب، ولصاروا غرضا .للتفاين، وأكلة للبوار

ذكر اهللا تعاىل ! د هللا أكثر احلمد وأطيبه على نعمه، ما ظهر منها وما بطن، وما جهل منها وما علمفاحلمولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من : " الديار فخرب عن موقعها من قلوب عباده، فقال

وما لنا : " وقال. ج من ديارهمفسوى بني موقع قتل أنفسهم وبني اخلرو" . دياركم ما فعلوه إال قليل منهم فسوى بني موقع اخلروج من ديارهم وبني موقع " . أال نقاتل يف سبيل اهللا وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا

.هالك أبنائهم

فصل منه

فقسم اهللا تعاىل املصاحل بني املقام والظعن، وبني الغربة وإلف الوطن، وبني ما هو أربح وأرفع، حني جعل وأكثر ذلك ما كان مع طول االغتراب، والبعد يف املسافة، ليفيدك . رزاق مع احلركة والطلبجماري األ

.األمور، فيمكن االختبار وحيسن االختيارأال ترى أن اهللا مل جيعل إلف الوطن . والعقل املولود متناهي احلدود، وعقل التجارب ال يوقف منه على حد

: " ل كفاياهتم مقصورة عليهم، حمتسبة هلم يف أوطاهنم؟ أال تراه يقولعليهم مفترضا، وقيدا مصمتا، ومل جيعفاقرءوا ما تيسر من القرآن، علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون يف األرض يبتغون من فضل

فإذا : " وقال عز ذكره. فقسم احلاجات فجعل أكثرها يف البعد" . اهللا وآخرون يقاتلون يف سبيل اهللا فأخرج الكالم واإلطالق على خمرج العموم، فلم " فانتشروا يف األرض وابتغوا من فضل اهللا قضيت الصالة

.خيص أرضا دون أرض، وال قربا دون بعد

فصل منه

وحنن، وإن أطنبنا يف ذكر مجلة القول يف الوطن، وما يعمل يف الطبائع، فإنا مل نذكر خصال بلدة بعينها، .ؤخر وتأخري املقدمفنكون قد خالفنا إىل تقدمي امل

ومل جنهل ومل ننكر أن نفس اإللف يكون من صالح الطبيعة، حىت إن أصحاب الكالب ليجعلون هذا : قالواوذلك أن صاحب : من مفاخرنا على مجيع ما يعاشر الناس يف دورهم من أصناف الطري وذوات األربع

محار، وال ديك وال دجاجة، وال محامة وال املنزل إذا هجم منزله واختار غريه، مل يتبعه فرس وال بغل وال محام، وال هر وال هرة، وال شاة، وال عصفور؛ فإن العصافري تألف دور الناس، وال تكاد تقيم فيها إذا

واخلطاطيف تقطع إليهم لتقيم فيها إىل أوان حاجتها إىل الرجوع إىل أوطاهنا، وليس شيء من . خرجوا منهاور باجتالهبم هلا، وال ما تبوأ يف دورهم مما ينزع إليهم أحن من الكلب، فإنه هذه األنواع مما تبوأ يف الد

.يؤثره على وطنه، وحيميه ممن يغشاه .فذكروا الكلب هبذا اخللق الذي تفرد به دون مجيع احليوان

Page 378: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

األفالء أكرم الصفايا أشدها وهلا إىل أوالدها، وأكرم اإلبل أحنها إىل أعطاهنا، وأكرم : وقالوا يف وجه آخر .أشدها مالزمة ألمهاهتا، وخري الناس آلفهم للناس

فصل منه

وأنا أعلم أنك مل ترد هذا، وإمنا أردت . خربونا عن اخلصال اليت بانت هبا قريش عن مجيع الناس: وقلتماخلصال اليت بانت هبا قريش من سائر العرب، كما ذكرنا يف الكتاب األول اخلصال اليت بانت هبا العرب

قد يلفى يف العرب اجلواد املرب وكذلك احلليم . لعجم؛ ألن قريشا والعرب قد يستوون يف مناقب كثريةعن ا .الشجاع، حىت يأيت على خصال محيدة؛ ولكنا نريد اخلصائص اليت يف قريش دون العرب

- راف رجاال فمن ذلك أنا مل نر قريشيا انتسب إىل قبيلة من قبائل العرب، وقد رأينا يف قبائل العرب األشينتسبون يف قريش، كنحو الذي وجدنا يف بين مرة بن عوف، والذي وجدنا من ذلك يف بين - إىل الساعة

.سليم، ويف خزاعة، ويف قبائل شريفةومما بانت قريش أهنا مل تلد يف اجلاهلية ولدا قط لغريها ولقد أخذ ذلك منهم سكان الطائف، لقرب اجلوار

.م كانوا محسا، وقريش محستهموبعض املصاهرة، وألهنومما بانت به قريش من سائر العرب أن اهللا تعاىل جاء باإلسالم وليس يف أيدي مجيع العرب سبية من مجيع

.نساء قريش، وال وجدوا يف مجيع أيدي العرب ولدا من امرأة من قريشرب إال على أن يتحمس، وكانوا ومما بانت به قريش من سائر العرب أهنا مل تكن تزوج أحدا من أشراف الع

يزوجون من غري أن يشترط عليهم، وهي عامر بن صعصعة، وثقيف، وخزاعة، واحلارث بن كعب، وكانوا .ديانيني، ولذلك تركوا الغزو ملا فيه من الغصب والغشم، واستحالل األموال والفروج

.وذات كهفومن العجب أهنم مع تركهم الغزو كانوا أعز وأمثل، مثل أيام الفجار ال خترجوا يف نفقاتكم على هذا البيت إال من صدقات : أال ترى أهنم عند بنيان الكعبة قال رؤساؤهم

.أرادوا ماال مل يكسبوه وال يشكون أنه مل يدخله من احلرام شيء! نسائكم، ومواريث آبائكماد، مل يعترهم من خبل التجار ومن العجب أن كسبهم ملا قل من قبل تركهم الغزو، ومالوا إىل اإليالف واجله

قليل وال كثري، والبخل خلقة يف الطباع، فأعطوا الشعراء كما يعطي امللوك، وقروا األضياف، ووصلوا األرحام، وقاموا بنوائب زوار البيت، فكان أحدهم حييس احليسة يف األنطاع فيأكل منها القائم والقاعد،

أال ترى أمية بن أيب الصلت يقول، ويذكر عبد اهللا بن . ذجوالراجل والراكب وأطعموا بدل احليس الفالو :جدعان

وحفص فوق دارته ينادي... له داع مبكة مشمعل لباب الرب يلبك بالشهاد... إىل ردح من الشيزي مالء

.فلباب الرب هو هذا النشا، والشهاد يعين به العسل، يعين خبز " طعام؟ لباب الرب بصغار املعزى أتروين ال أعرف طيب ال: " أال ترى أن عمر بن اخلطاب يقول

.احلوارى بصغار اجلداء

Page 379: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

دريد بن : ولقد مدحتهم الشعراء كما ميدح امللوك، ومدحتهم الفرسان واألشراف وأخذوا جوائزهم؛ منهم .الصمة، وأمية بن أيب الصلت

وكانوا ال يأكلون ومن خصاهلم أهنم مل يشاركوا العرب واألعراب يف شيء من جفائهم، وغلظ شهواهتم؛: " أتوا خوانه بضب فقال -صلى اهللا عليه وسلم - الضباب، وال شيئا من احلشرات؛ أال ترى أن النيب

، ألهنم مل يكونوا حيرشون الضباب، ويصيدون الريابيع، وميلون القنافذ، أصحاب " ليس من طعام قومي .اخلمر واخلمري، وخبز التنانري

أنا أفصح العرب بيد أين من قريش، ونشأت يف بين سعد بن : " - عليه وسلم صلى اهللا -وقال رسول اهللا " .بكر

وذلك أن مجيع قبائل العرب إمنا كانت القبيلة ال تكاد ترى وتسمع إال من قبيلتها ورجاهلا، فليس عندهم، ملعرفة، إال يف إال عند قبيل واحد، من البيان واألدب والرأي واألخالق، والشمائل، واحللم والنجدة وا

.الفرطوكانت العرب قاطبة ترد مكة يف أيام املواسم، وترد أسواق عكاظ وذا اجملاز؛ وتقيم هناك األيام الطوال،

فتعرف قريش، الجتماع األخالق هلم والشمائل واأللفاظ، والعقول واألحالم، وهي وادعة وذلك قائم هلا، م، فتكون غطفان للمرية، وبنو عامر لكذا، ومتيم لكذا، راهن عندها يف كل عام، تتملك عليهم فيقتسموهن

.تغلبها املناسك وتقوم جبميع شأهنا

فصل منه

وفتح مكة يسمى فتح الفتوح؛ وهو بيت اهللا، وأهله وحجاجه زوار اهللا؛ وهو البيت العتيق والبيت احلرام؛ .وفيه احلجر، واحلجر األسودوماء زمزم ملا شرب له، العاكف فيه . ، ومقام إبراهيم - يه صلوات اهللا عل -وله زمزم، وهي هزمة جربيل

.والبادي سواء

وأهله محس ولقاح ال يؤدون إتاوة؛ وهلم السقاية، . وبسبب كرامته أرسل اهللا طري األبابيل وحجارة السجيل .ودار الندوة، والرفادة، والسدانة

ال أقسم : " وقوله جل ذكره" . ت حل هبذا البلد وأن. ال أقسم هبذا البلد: " وأقسم اهللا تعاىل هبا، قال: قال " .نعم " الذي هو خالف " ال " يف هذا املوضع صلة، ليس علة معىن " ال " أقسم، وإمنا قوله : أي"

يراد به تقادم البنيان، وما تعاوره من كرور الزمان، مل " وليطوفوا بالبيت العتيق : " ولو كان قوله: وقالواوقد مرت األيام على مصر، . البلدان، ألن الدنيا مل ختل من بيت ودار، وسكان وبنيان يكن فضله على سائر

وحران، واحلرية، والسوس األقصى، وأشباه ذلك، فجعل البيت العتيق صفة له، ولو كان ذهب إىل ما ه البيت وهذا االسم قد أطلق له إطالقا، فامس. يعنون، كان من قبل أن يعتق ومتر عليه األزمنة ليس بعتيق

.العتيق، كما أن امسه بيت اهللا

Page 380: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ومن زعم أن اهللا تعاىل حرمه يوم خلق السموات واألرض، فقولنا هذا مصداق له .ومن زعم أنه إمنا صار حراما مذ حرمه إبراهيم، كان قد زعم أنه قد كان وال يقال له عتيق وال حرام

: وال أدى أهله إتاوة قط، وال وطئته امللوك بالتمليكومما يصدق تأويلنا أنه مل يعرف إال وهو لقاح، : قالواأن سابور ذا األكتاف، وخبت نصر وأبا يكسوم وغريهم، قد أرادوه فحال اهللا تعاىل دونه، فتلك عادة فيه،

.وسنة جارية لهولوال أن تبع أتاه حاجا، على جهة التعظيم والتدين بالطواف، فحجه وطاف به، وكساه الوصائل، ألخرجه

.هللا منها .وحجه بعض ملوك غسان وخلم، وهم نصارى، تعظيما له، وملا جعل اهللا له يف القلوب

ويكون عتيقا من النار، كالتائب من الكبائر، وكالرجل . والعتيق يكون من رق العبودية، كالعبد يعتقه مواله .يدعو إىل اإلميان فيستجاب له، ويتعلم ناس على يده، فهم أيضا عتقاء

.الرجل عتيقا من عتق الوجه ويكونرضوان -وقد مسي أبو بكر بن أيب قحافة . ورمبا كان عتيقا كما يقال للفرس عتيق وليس هبجني وال مقرف

عتيقا، من طريق عتق الوجه، ومن طريق أهنم طلبوا املثالب والعيوب اليت كانت تكون يف - اهللا عليه .ا إال عتيقما هذ: األمهات واآلباء فلم جيدوها، قالوا

فصل منه

اخلصال اليت بانت - وباهللا التوفيق - وحنن ذاكرون . قد قلنا يف اخلصال اليت بانت هبا قريش دون العرب .هبا بنو هاشم دون قريش

.فأول ذلك النبوة، اليت هي مجاع خصال اخلري، وأعالها وأفضلها، وأجلها وأسناهاواحد، كلهم يسمى عليا، وكل واحد من الثالثة سيد فقيه، مث وجدنا فيهم ثالثة رجال بين أعمام يف زمان

عامل عابد، يصلح للرياسة واإلمامة؛ مثل علي بن عبد اهللا بن العباس بن عبد املطلب ابن هاشم، وعلي بن احلسني بن علي بن أيب طالب بن عبد املطلب بن هاشم، وعلي بن عبد اهللا بن جعفر بن أيب طالب بن عبد

.ماملطلب بن هاشمث وجدنا ثالثة رجال بين أعمام، يف زمان واحد، كلهم يسمى حممدا، وكلهم سيد وفقيه عابد، يصلح

للرياسة واإلمامة، مثل حممد بن علي بن عبد اهللا بن العباس بن عبد املطلب بن هاشم، وحممد بن علي بن بن جعفر بن أيب طالب بن احلسني بن علي بن أيب طالب بن عبد املطلب بن هاشم، ومثل حممد بن عبد اهللا

.عبد املطلب بن هاشموهذا من أغرب ما يتهيأ يف العامل، ويتفق يف األزمنة، وهذه ال يشركهم فيها أحد، وال يستطيع أن يدعي

.مثلها أحدوذلك أنا ال نعرف يف مجيع مملكة . ولبين هاشم واحدة مربزة، وثانية نادرة، يتقدمون هبا على مجيع الناس

ويف مجيع مملكة العجم، ويف مجيع األقاليم السبعة، ملكا واحدا ملكه من نصاب واحد، ويف مغرس العرب،

Page 381: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

رسالة، إال من بين هاشم، فإن ملكهم العباس بن عبد املطلب، عم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، والعم .وال نعلم أمة تدعي مثل هذا مللكها. وارث، والعم أب

.عبيدة، ومنه استمليت هذا املعىنوهذا شيء مسعته من أيب دون أيام علي بن أيب طالب واحلسني بن علي إىل يومنا هذا مائة - مذ ملكوا هذه الدفعة - ولبين هاشم

كان أول بركتهم أن اهللا تعاىل رفع الطواعني واملوتان اجلارف، فإهنم كانوا حيصدون . وست عشرة سنة .حصدا بعد حصد

: به آل أيب طالب من الغرائب والعجائب والفضائل، ما مل جنده يف أحد سواهم مث الذي هتيأ واتفق، وخصوهو أبو طالب . وذلك أن أول هامشي هامشي األبوين كان يف الدنيا ولد أليب طالب، ألن أباهم عبد مناف

وهو أبو احلارث . وشيبة هو عبد املطلب. بن شيبة وهو عبد املطلب بن هاشم وهو عمرو وهو أبو شيبة .سيد الوادي غري مدافع، بن عمرو، وهو هاشم بن املغرية، وهو عبد منافو

أن أربعة إخوة كان بني كل واحد منهم وبني أخيه يف امليالد عشر سنني : مث الذي هتيأ لبين أيب طالب األربعة .سواء، وهذا عجب

من البلدان، ويف جيل من ومن الغرائب اليت خصوا هبا، أعين ولد أيب طالب، أنا ال نعلم اإلذكار يف بلد األجيال، إال أهل خراسان فمن دوهنم، فإن اإلذكار فيهم فاش؛ كما أنك ال جتد من وراء بالد مصر إال

.مئناثا، مث ال ترى فيهن مفذا بل ال ترى إال التؤام ومن البناتمث ال يزيد عدد نسائهم فتهيأ يف آل أيب طالب أحصوا منذ أعوام وحصلوا، فكانوا قريبا من ألفني وثلثمائة،

.وهذا عجب. على رجاهلم إال دون العشروإن كنت تريد أن تتعرف فضل البنات على البنني، وفضل إناث احليوانات على ذكورها، فابدأ فخذ أربعني ذراعا عن ميينك، وأربعني ذراعا عن يسارك، وأربعني خلفك، وأربعني أمامك، مث عد الرجال والنساء حىت

قلنا، فتعلم أن اهللا تعاىل مل حيلل للرجل الواحد من النساء أربعا مث أربعا، مىت وقع هبن موت أو تعرف ماطالق، مث كذلك للواحد ما بني الواحدة من اإلماء إىل ما يشاء من العدد، جمموعات ومتفرقات، لئال يبقني

.إال ذوات أزواجى يف دار مخسني دجاجة وديكا واحدا، ومن اإلبل مث انظر يف شأن ذوات البيض وذوات األوالد فإنك سترفلما حصلوا كل مئناث وكل مذكار، فوجدوا آل . اهلجمة وفحال واحدا، ومن احلمري العانة وعريا واحدا

.أيب طالب قد برعوا على الناس وفضلوهم، عرف الناس موضع الفضيلة له واخلصوصيةوذلك أنه مل يوجد قط يف أطفاهلم طفل حيبو، بل يزحف زحفا أعجوبة أخرى؛ - أيضا - ويف ولد أيب طالب

.لئال ينكشف منه عن شيء يسوءه، ليكون أوفر لبهائه، وأدل على ما خصوا بهوذلك أن عبيد اهللا بن زياد قتل احلسني يف يوم عاشوراء، وقتله اهللا يوم : وهلم من األعاجيب خصلة أخرى

.عاشوراء يف السنة األخرىنعلم موضع رجل من شجعان أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، كان له من عدد القتلى ال : وقالوا

Page 382: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ما كان لعلي رضوان اهللا عليه، وال كان ألحد مع ذلك من قتل الرؤساء والسادة، واملتبوعني والقادة، ما قتل الرئيس وقتل رئيس واحد، وإن كان دون بعض الفرسان يف الشدة، أشد؛ فإن. كان لعلي بن أيب طالب

.أرد على املسلمني وأقوى هلم من قتل الفارس الذي هو أشد من ذلك السيد .وأيضا أنه قد مجع بني قتل الرؤساء وبني قتل الشجعان

وله أعجوبة أخرى؛ وذلك أنه مع كثرة ما قتل وما بارز، وما مشى بالسيف إىل السيف، مل جيرح قط وال األرض مىت ذكر السبق يف اإلسالم والتقدم فيه، ومىت ذكر الفقه يف جرح إنسانا إال قتله، وال نعلم يف

الدين، ومىت ذكر الزهد يف األموال اليت تشاجر الناس عليها، ومىت ذكر اإلعطاء يف املاعون، كان مذكورا .يف هذه احلاالت كلها إال علي بن أيب طالب كرم اهللا وجهه

ملا وليس بعابد، وعابدا وليس بعامل، وعابدا وليس بعاقل، قد يكون الرجل عا: وكان احلسن يقول: قالواوسليمان بن يسار عامل عاقل عابد، فانظر أين يقع خصال سليمان من خصال علي بن . وعاقال وليس بعابد

.أيب طالب رضي اهللا عنهتبناه يف ومل يكن قصدنا يف أول هذا الكتاب إىل ذكر هاشم، وقد كان قصدنا اإلخبار عن مكة مبا قد ك

صدر هذا الكتاب، ولكن ذكر خصال مكة جر ذكر خصال قريش، وذكر خصال قريش جر ذكر خصال .بين هاشم

فإن أحببت أن تعرف مجلة القول يف خصال بين هاشم فانظر يف كتايب هذا الذي فرقت فيه بني خصال بين .ع، إن شاء اهللا تعاىلعبد مناف وبني بين خمزوم، وفرقت ما بني عبد مشس؛ فإنه هناك أوفر وأمج

فصل منه

وقد تعجب الناس من ثبات قريش، وجزالة عطاياهم، واحتماهلم املؤن الغالظ يف دوام كسبهم من : قالواوعلى . التجارة، وقد علموا أن البخل والبصر يف الطفيف مقرون يف التجارة؛ وذلك خلق من أخالقهم

.ذلك شاهد أهل الترقيح والتكسب والتدنيق ثبات جودهم العايل على جود األجواد، وهم قوم ال كسب هلم إال من التجارة، عجب من فكان يف .العجب

مث جاء ما هو أعجب من هذا وأطم، وذلك أنا قد علمنا أن الروم قبل التدين بالنصرانية، كانت تنتصف من قود والقصاص، ملوك فارس، وكانت احلروب بينهم سجاال، فلما صارت ال تدين بالقتل والقتال، وال

وملا خامرت طبائعهم تلك الديانة، وسرت . اعتراهم مثل ما يعتري اجلبناء حىت صاروا يتكلفون القتال تكلفا .يف حلومهم ودمائهم فصارت تلك الديانة تعترض عليهم، خرجوا من حدود الغالبية إىل أن صاروا مغلوبني

ا أجنادهم ومحاهتم، وكانوا يتقدمون اخلرخلية، بعد أن كانو. وإىل مثل ذلك صارت حال التغزغز من التركودين الزندقة يف الكف والسلم أسوأ من دين النصارى - وإن كانوا يف العدد أضعافهم، فلما دانوا بالزندقة

.نقصت تلك الشجاعة، وذهبت تلك الشهامة -

Page 383: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

للسيب واستحالل وقريش من بني مجيع العرب دانوا بالتحمس، وتشددوا يف الدين، فتركوا الغزو كراهةاألموال واستحسان الغصب؛ فلما تركوا الغزو مل تبق مكسبة سوى التجارة، فضربوا يف البالد إىل قيصر

بالروم، وإىل النجاشي باحلبشة، وإىل املقوقس مبصر، وصاروا بأمجعهم جتارا خلطاء، وبانوا بالديانة ال - وإن كانوا محسا - عب، فكانوا والتحمس، فحمسوا بين عامر بن صعصعة، ومحسوا احلارث بن ك

فإهنا على حال - وإن كان أنقص - يتركون الغزو والسيب ووطء النساء، وأخذ األموال، فكانت جندهتم .النجدة، وهلم يف ذلك بقية

إذا غزوا كاألسود على براثنها، مع الرأي - مع طول ترك الغزو -وتركت قريش الغزو بتة، فكانوا .النافذة األصيل، والبصرية

! أفليس من العجب أن تبقى جندهتم، وتثبت بسالتهم، مث يعلون األجناد واألجواد، ويفرعون الشجعان؟ .وهاتان األعجوبتان بينتان

وقد علم أن سبب استفاضة النجدة يف مجيع أصناف اخلوارج وتقدمهم يف ذلك، إمنا هو بسبب الديانة، ألنا لون مثل قتاهلم، وجند السجستاين وهو عجمي، وجند اليمامي جند عبيدهم ومواليهم ونساءهم، يقات

والبحراين واخلوزي وهم غري عرب، وجند إباضية عمان وهي بالد عرب، وإباضية تاهرت وهي بالد عجم، فاستوت حاالهتم يف النجدة مع اختالف . كلهم يف القتال والنجدة، وثبات العزمية، والشدة يف البأس سواء

أفما يف هذا دليل على أن الذي سوى بينهم التدين بالقتال، وضروب كثرية من هذا . أنساهبم ويلداهنم .وذلك كله مصور يف كتيب، واحلمد هللا! الفن؟

وقد جتدون عموم السخف واجلهل والكذب يف املواعيد، والغش يف الصناعة، يف احلاكة، فدل استواء . الصناعة؛ ألن احلاكة يف كل بلد شيء واحدليست هناك علة إال. حاالهتم يف ذلك على استواء عللهم

وكذلك املالحون وأصحاب السماد، أوهلم كآخرهم، . وكذلك النخاس وصاحب اخللقان، وبياع السمك .وكهوهلم كشباهنم، ولكن قل يف استواء احلجامني يف حب النبيذ

فصل منه يف ذكر املدينة

: " ل وشاهد وبرهان على قول النيب صلى اهللا عليه وسلموأمر املدينة عجب، ويف ترهبا وتراهبا وهوائها، دليألن من دخلها أو أقام فيها، كائنا من كان من الناس، فإنه جيد من " إهنا طيبة تنفي خبثها وتنصع طيبها

تربتها وحيطاهنا رائحة طيبة، ليس هلا اسم يف األرابيح، وبذلك السبب طاب طيبها واملعجونات من الطيب لعود ومجيع البخور، يضاعف طيبها يف تلك البلدة على كل بلد استعمل ذلك الطيب بعينه وكذلك ا. فيها .فيها

.وكذلك صياحها والبلح واألترج والسفرجل، أعين اجملعول منها سخبا للصبيان والنساء فإن ذكروا طيب سابور بطيب أرياح الرياحني، وذلك من ريح رياحينها وبساتينها وأنوارها، ولذلك يقوى

.يف زمان، ويضعف يف زمانوحنن قد ندخل دجلة يف هنر األبلة باألسحار، فنجد من تلك احلدائق، وحنن يف وسط النهر، مثل ما جيد أهل

Page 384: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.سابور من تلك الرائحةوإن الطيب . وطيبة اليت يسموهنا املدينة، هذا الطيب خلقة فيها، وجوهرية منها، وموجود يف مجيع أحواهلا

ل إليها فتزداد فيها طيبا، وهو ضد قصبة األهواز وأنطاكية، فإن الغوايل تستحيل واملعجونات لتحم .االستحالة الشديدة

ولسنا نشك أن ناسا ينتابون املواضع اليت يباع فيها النوى املنقع، فيستنشقون تلك الرائحة، يعجبون هبا .ان من النوى املعجوم ومن نوى األفواهويلتمسوهنا، بقدر فرارنا حنن من مواقع النوى عندنا بالعراق، ولو ك

وحنن ال نشك أن الرجل الذي يأكل بالعراق أربع جرادق يف مقعد واحد من امليساين واملوصلي، أنه ال يأكل من أقراص املدينة قرصني؛ ولو كان ذلك لغلظ فيه أو لفساد كان يف حبه وطحينه لظهر ذلك يف

.أليام من ذلك أوجاع وفساد كثريالتخم وسوء االستمراء، ولتولد على طول ا .ومل يكن هبا طاعون قط وال جذام

وليس لبلدة من البلدان من الشهرة يف الفقه ما هلم ولرجاهلم، وذكر عبد امللك بن مروان روح بين زنباع " .مجع أبو زرعة فقه احلجاز، ودهاء العراق، وطاعة أهل الشام : " فمدحه فقال

فصل منه يف ذكر مصر

: " مل يذكر اهللا جل وعز شيئا من البلدان بامسه يف القرآن كما ذكر مصر، حيث يقول: و اخلطابقال أبفلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال : " وقال" . وقال الذي اشتراه من مصر المرأته أكرمي مثواه

قومكما مبصر بيوتا واجعلوا وأوحينا إىل موسى وأخيه أن تبوءا ل: " وقال" ادخلوا مصر إن شاء اهللا آمنني أليس يل ملك مصر وهذه : " وقال يف آية" اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم : " وقال تعاىل" بيوتكم قبلة

" .األهنار جتري من حتيت وقال نسوة يف املدينة امرأة العزيز تراود فتاها : " وذكر مصر يف القرآن بالكناية عن خاصة امسها، فمن ذلك

.هي مدينة منف، وهو موضع منزل فرعون: قالوا" عن نفسه منف دار فاعون، ودرت يف جمالسه ومثاويه : وأخربين شيخ من آل أيب طالب من ولد علي صحيح اخلرب

وغرفه وصفافه، فإذا كله حجر واحد منقور؛ فإن كانوا هندموه وأحكموا بناءه حىت صار يف املالسة واحدا ولئن كان جبال واحدا، ودكا واحدا، فنقرته . ملتقى صخرتني فهذا عجبال يستبان فيه جممع حجرين، وال

.الرجال باملناقري حىت خرقت فيه تلك املخاريق، إن هذا ألعجب " .فلن أبرح األرض حىت يأذن يل أيب أو حيكم اهللا يل وهو خري احلاكمني : " ويف القرآن

، ولكنا ندعه خمافة أن خنرج إىل غري الباب الذي ويف هذا املوضع كالم حسن. واألرض ها هنا مصر: قال .ألفنا له هذا الكتاب

.، وهو صاحب يوسف، ومسي صاحب موسى فرعون" العزيز " ومسى اهللا تعاىل ملك مصر : قالوا .وكان أصل عتو فرعون ملكه العظيم، ومملكته اليت ال تشبهها مملكة: قالوا

Page 385: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ت مزاحمومنهم مؤمن آل فرعون، وهي آسية بن: قالواسيدة نساء العامل خدجية بنت خويلد، وفاطمة بنت حممد، ومرمي بنت : " وقال النيب صلى اهللا عليه وسلم

" .عمران، وآسية بنت مزاحم وكيف : وقالت. ال تقتله عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا: وملا هم فرعون بقتل موسى قالت آسية: قال

.مرةتقتله، وواهللا ما يعرف اجلمرة من التومنهم السحرة الذين كانوا قد أبروا على أهل األرض، فلما أبصروا باألعالم، وأيقنوا بالربهان، استبصروا

اقض ما أنت قاض، إمنا : " وتابوا توبة ما تاهبا ماعز بن مالك، وال أحد من العاملني، حىت قالوا لفرعون " .وما أكرهتنا عليه من السحر تقضي هذه احلياة الدنيا، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا

خزائن اهللا هي مصر، أما مسعتم قول : قالوا" . من أخرب خزائن اهللا فعليه لعنة اهللا : " وجاء يف احلديثتسع مبصر : الربكة عشر بركات: " ؟ وقال عبد اهللا بن عمرو" اجعلين على خزائن األرض : " يوسف

" .والواحدة يف مجيع األرض

فصل منه

هو كذا وكذا : سألنا بطريق خرشنة عن خراج الروم، فذكر مقدارا من املال، وقال: هل العراقوقال أفنظر بعض الوزراء فإذا خراج مصر وحده يضعف على خراج بالد الروم إذا مجعت أبواب املال . قنطارا

.من البالد مجيعا .وزعم أبو اخلطاب أن أرض مصر جبيت أربعة آالف ألف دينار

فصل منه

وال أعلم الفرقة يف املغرب إال أكثر من الفرقة يف املشرق، إال أن أهل املغرب إذا خرجوا مل يزيدوا على البدعة والضاللة، واخلارجي يف املشرق ال يرضى بذلك حىت جيوزه إىل الكفر، مثل املقنع وشيبان واإلصبهبذ

.وبابك، وهذا الضرب

فصل منه

.ا يف وجوههم يستبني به كرم العتق وكرم النجار، وليس ذلك لغريهموقد علمنا أن جلماعة بين هاشم طابعولقد كادت األهواز تفسد هذا املعىن على هامشية األهواز، ولوال أن اهللا غالب على أمره لقد كادت

وذلك أن كل من خترق : فتربتها خالف تربة الرسول صلى اهللا عليه وسلم. طمست على ذلك العتق وحمته .وجد رائحة طيبة ليست من األراييح املعروفة األمساءطرق املدينة

فصل منه

Page 386: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

والبصرة عجوز شوهاء ذات مال فهي ختطب . الكوفة جارية مجيلة ال مال هلا، فهي ختطب جلماهلا: قال زياد .ملاهلا

فصل منه

يذهب ويذهب بصهيل اخليل، وال . وإما دجلة فإن ماءها يقطع شهوة الرجال. والفرات خري من ماء النيلبصهيلها إال مع ذهاب نشاطها، ونقصان قواها؛ وإن مل يتنسم النازلون عليها أصاهبم قحول يف عظامهم،

.ويبس يف جلودهمومجيع العرب النازلني على شاطئ دجلة من بغداد إىل بلد ال يرعون اخليل يف الصيف على أواريها على

.الصدام، وغري ذلك من اآلفات شاطئ دجلة، وال يسقوهنا من مائها، ملا خياف عليها منوأصحاب اخليل من العتاق والرباذين إمنا يسقوهنا بسر من رأى، مما احتفروها من كارباهتم وال يسقوهنا من

ماء دجلة؛ وذلك أن ماء دجلة خمتلط، وليس هو ماء واحدا، ينصب فيها من الزابني والنهروانات وماء .الفرات، وغري ذلك من املياه

الطعام إذا دخل جوف اإلنسان من ألوان الطبيخ واإلدام غري ضار، وإن دخل جوف اإلنسان من واختالف وكذلك املاء، ألنه مىت أراد أن . شراب خمتلف كنحو اخلمر والسكر ونبيذ التمر والداذي كان ضارا

ضره ذلك، وإن يتجرع جرعا من املاء احلار لصدره أو لغري ذلك، فإن أعجله أمر فربده مباء بارد مث حساه .وسبيل املشروب غري سبيل املأكول . تركه حىت يفتر بربد اهلواء مل يضره

فإن كان هذا فضيلة مائنا على ماء دجلة فما ظنك بفضله على ماء البصرة، وهو ماء خمتلط من ماء البحر " .ح أجاج هذا عذب فرات وهذا مل: " ومن املاء املستنقع يف أصول القصب والربدي؟ قال اهللا تعاىل

.والفرات أعذهبا عذوبة، وإمنا اشتق الفرات لكل ماء عذب، من فرات الكوفة

فصل منه يف ذكر البصرة

.الدنيا البصرة: كان يقالحنن أعذى منكم برية، وأكثر منكم حبرية، وأبعد منكم سرية، وأكثر منكم : " وقال األحنف ألهل الكوفة

" .ذرية :القصر املذكور بالبصرةوقال اخلليل بن أمحد يف وصف

ال بد من زورة عن غري ميعاد... زر وادي القصر نعم القصر والوادي والضب والنون واملالح واحلادي... ترقى هبا السفن والظلمان واقفة

ومن أتى هذا القصر وأتى قصر أنس رأى أرضا كالكافور، وتربة ثرية، ورأى ضبا حيترش، وعزاال يقتنص، ما بني صاحب شص وصاحب شبكة، ويسمع غناء مالح على سكانه، وحداء مجال على ومسكا يصاد،

.بعريه

Page 387: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ويف أعلى جبانة البصرة موضع يقال له احلزيز يذكر الناس أهنم مل يروا قط هواء أعدل، وال نسيما : قالوا .أرق، وال ماء أطيب منها يف ذلك املوضع

والبصرة عني العراق، واملربد عني البصرة، وداري عني املربد العراق عني الدنيا، : " وقال جعفر بن سليمان. "

"بصرت البصرة سنة أربع عشرة، وكوفت الكوفة سنة سبع عشرة : " وقال أبو احلسن وأبو عبيدة

فصل منه

زعم أهل الكوفة أن البصرة أسرع األرض خرابا، وأخبثها ترابا، وأبعدها من السماء وأسرعها غرقا، .ا البحر، مث خيرج ذلك إىل البحر األعظمومفيض مائه

وكيف تغرق، وهم ال يستطيعون أن يوصلوا ماء الفيض إىل حياضهم إال بعد أن يرتفع ذلك املاء يف اهلواء .ثالثني ذراعا، يف كل سقاية بعينها، ال حلوض بعينه

كام املسنيات اليت ال وهذه أرض بغداد يف كل زيادة ماء ينبع املاء يف أجواف قصورهم الشارعة بعد إحيقوى عليها إال امللوك، مث يهدمون الدار اليت على دجلة فيكسون هبا تلك السكك، ويتوقعون الغرق يف كل

.ساعةوهم يعيبون ماء البصرة، وماء البصرة رقيق قد ذهب عنه الطني والرمل املشوب مباء بغداد والكوفة، : قال

.لطول مقامه بالبطيحة، وقد الن وصفا ورقإن املاء اجلاري أمرأ من الساكن، فكيف يكون ساكنا مع تلك األمواج العظام والرياح : وإن قلتم

العواصف، واملاء املنقلب من العلو إىل السفل؟ ومع هذا إنه إذا سار من خمرجه إىل ناحية املذار وهنر أيب جرى منقضا إىل الصخور األسد وسائر األهنار، وإذا بعد من مدخله إىل البصرة من الشق القصري،

.واحلجارة، فراسخ وفراسخ، حىت ينتهي إليناويدل على صالح مائهم كثرة دورهم، وطول أعمارهم، وحسن عقوهلم، ورفق أكفهم، وحذقهم جلميع

.الصناعات، وتقدمهم يف ذلك جلميع الناسون آجرهم، كأمنا سبك من ويستدل على كرم طينهم ببياض كيزاهنم وعذوبة املاء البائت يف قالهلم، ويف ل

وإذا رأيت بناءهم وبياض اجلص األبيض بني اآلجر األصفر مل جتد لذلك شبها أقرب من الفضة . مح بيض .بني تضاعيف الذهب

فإذا كان زمان غلبة ماء البحر فإن مستقاهم من العذب الزالل الصايف، النمري يف األبدان، على أقل من .فرسخ، ورمبا كان أقل من ميل

وهنر الكوفة الذي يسمونه إمنا هو شعبة من أهنار الفرات، ورمبا جف حىت ال يكون هلم مستقى إال على . رأس فرسخ، وأكثر من ذلك، حىت حيفروا اآلبار يف بطون هنرهم، وحىت يضر ذلك خبضرهم وأشجارهم

.فلينظروا أميا أضر وأميا أعيب

Page 388: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

عظم وأكرب وأعرض من موضع اجلسر من هنر الكوفة، وليس هنر من األهنار اليت تصب يف دجلة إال هو أوإمنا جسره سبع سفائن، ال متر عليه دابة ألهنا جذوع مقيدة بال طني، وما ميشي عليها املاشي إال باجلهد؛

وعامة الكوفة خراب يباب، ومن بات فيها علم أنه يف قرية من ! فما ظنك باحلوافر واخلفاف واألظالف؟ وإمنا . ساتيق، مبا يسمع من صياح بنات آوى، وضباح الثعالب، وأصوات السباعالقرى ورستاق من الر

.الفرات دمما إىل ما اتصل به إىل بالد الرقة، وفوق ذلك .فإما هنرهم فالنيل أكرب منه، وأكثر ماء، وأدوم جرية

.وقد تعلمون كثرة عدد أهنار البصرة، وغلبة املاء، وتطفح األهناروليس يرى من قرب القرية اليت يقال هلا النيل إىل أقصى أهنار . ومائة سنة وكأهنا قدحوتبقى النخلة عشرين

مث مل نر غارس خنل قط يف أطراف األرض يرغب يف فسيل . الكوفة خنلة طالت شيئا إال وهي معوجة كاملنجل .كويف، لعلمه خببث مغرسه، وسوء نشوه، وفساد تربته، ولؤم طبعه

يف مسجدهم غضارة وال هباء، وليس منار مساجدهم على صور منار البصرة، وليس لليايل شهر رمضان .ولكن على صور منار امللكانية واليعقوبية

.ورأينا هبا مسجدا خرابا تأويه الكالب والسباع، وهو يضاف إىل علي بن أيب طالب، رضوان اهللا عليه .وعمروه بأنفسهم وأمواهلم ولو كان بالبصرة بيت دخله علي بن أيب طالب مارا لتمسحوا به

. وخربين من بات أنه مل ير كواكبها زاهرة قط، وأنه مل يرها إال ودوهنا هبوة، وكأن يف مائهم مزاج دهنوهم أشد بغضا ألهل البصرة من أهل البصرة هلم؛ وأهل البصرة هم . وأسواقهم تشهد على أهلها بالفقر

.أحسن جوارا، وأقل بذخا، وأقل فخراعجب من أهل بغداد وميلهم معهم، وعيبهم إيانا يف استعمال السماد يف أرضنا ولنخلنا، وحنن نراهم مث ال

يسمدون بقوهلم بالعذرة اليابسة صرفا، فإذا طلع وصار له ورق ذروا عليه من تلك العذرة اليابسة حىت .يسكن يف خالل ذلك الورق

منها لبنا، فإن كانت داره مطمئنة ذات قعر حشا من ويريد أحدهم أن يبين دارا فيجيء إىل مزبلة، فيضرب .تلك املزبلة اليت لو وجدها أصحاب السماد عندنا لباعوها باألموال النفيسة

.مث يسجرون تنانريهم بالكساحات اليت فيها من كل شيء، وباألبعار واألخثاء، وكذلك مواقد الكريان، فيحفرون لذلك يف بيوهتم آبارا، حىت رمبا حفر أحدهم ومتتلىء ركايا دورهم عذرة فال يصيبون هلا مكانا

.فليس ينبغي ملن كان كذلك أن يعيب البصريني بالتسميد. يف جملسه، ويف أنبل موضع من داره

فصل منه

.وليس يف األرض بلدة أرفق بأهلها من بلدة ال يعز هبا النقد، وكل مبيع هبا ميكنففي . ا عزيزان، واألشياء هبا رخيصة لبعد املنقل، وقلة عدد من يبتاعفالشامات وأشباهها الدينار والدرهم هب

.ما خيرج من أرضهم أبدا فضل عن حاجاهتم .واألهواز، وبغداد، والعسكر، يكثر فيها الدراهم ويعز فيها املبيع لكثرة عدد الناس وعدد الدراهم

Page 389: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وما ظنك ببلدة . ور أصحاب الصناعاتوبالبصرة األمثان ممكنة واملثمنات ممكنة، وكذلك الصناعات، وأجيدخلها يف البادي من أيام الصرام إىل بعد ذلك بأشهر، ما بني ألفي سفينة متر أو أكثر يف كل يوم، ال يبيت

فيها سفينة واحدة، فإن باتت فإمنا صاحبها هو الذي يبيتها، ألنه لو كان حط يف كل ألف رطل قرياطا .النتسفت انتسافا

ابتىن دارا يتممها ويكملها ببغداد، أو بالكوفة، أو باألهواز، ويف موضع من هذه املواضع، ولو أن رجال فبلغت نفقتها مائة ألف درهم، فإن البصري إذا بىن مثلها بالبصرة مل ينفق مخسني ألفا؛ ألن الدار إمنا يتم

الصناع، وكل هذا ميكن بناؤها بالطني واللنب، وباآلجر واجلص، واألجذاع والساج واخلشب، واحلديد و .وهذا معروف. بالبصرة على الشطر مما ميكن يف غريها

طعامهم أجود الطعام، وسعرهم : ومل نر بلدة قط تكون أسعارها ممكنة مع كثرة اجلماجم هبا إال البصرةأرخص األسعار، ومترهم أكثر التمور، وريع دبسهم أكثر، وعلى طول الزمان أصرب، يبقى مترهم الشهريز

.شرين سنة، مث بعد ذلك خيلط بغريه فيجيء له الدبس الكثري، والعذب احللو، واخلاثر القويعومن يطمع من مجيع أهل النخل أن يبيع فسيلة بسبعني دينارا، أو حبونة مبائة دينار، أو جريبا بألف دينار غري

أهل البصرة؟

فصل منه

يأتيهم املاء حىت يقف على . يغادران من ذلك شيئا وألهل البصرة املد واجلزر على حساب منازل القمر ال .أبواهبم؛ فإن شاءوا أذنوا، وإن شاءوا حجبوه

ومن العجب لقوم يعيبون البصرة لقرب البحر والبطيحة؛ ولو اجتهد أعلم الناس وأنطق الناس أن جيمع يف .كتاب واحد منافع هذه البطيحة، وهذه األمجة، ملا قدر عليها

.خري من خنلة قصبة: قال زيادلقد جهدت جهدي أن أمجع منافع القصب ومرافقه وأجناسه، ومجيع تصرفه وما جييء منه، فما : وحبق أقول

.قدرت عليه حىت قطعته وأنا معترف بالعجز، مستسلم لهفأما حبرنا هذا فقد طم على كل حبر وأوىف عليه؛ ألن كل حبر يف األرض مل جيعل اهللا فيه من اخلريات شيئا،

.إال حبرنا هذا، املوصول ببحر اهلند إىل ما ال تذكروالبحر هو الذي خيلق اهللا تعاىل منه الدر الذي . وأنت تسمع مبلوحة ماء البحر، وتستسقطه وتزري عليه

فشيء يولد هذين . بيعت الواحدة منه خبمسني ألف دينار؛ وخيلق يف جوفه العنرب، وقد تعرفون قدر العنرب؟ ولو أنا أخذنا خصال هذه األمجة وما عظمنا من شأهنا، فقذفنا هبا يف زاوية من زوايا اجلوهرين كيف حيقر

حبرنا هذا لضلت حىت ال جند هلا حسا، ومها لنا خالصان دونكم، وليس يصل إليكم منهما شيء إال بسببنا .وتعدينا فضل غنا

.جا وديباجا، وأكثر خراجاحنن أكرم بالدا، وأوسع سوادا، وأكثر ساجا وعا: وقال بعض خطبائنا

Page 390: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ألن خراج العراق مائة ألف ألف واثنا عشر ألف ألف، وخراج البصرة من ذلك ستون ألف ألف، وخراج .الكوفة مخسون ألف ألف

فصل منه يف ذكر احلرية

.ينورأيت احلرية البيضاء وما جعلها اهللا بيضاء، وما رأيت فيها دارا يذكر إال دار عون النصراين العبادا .ورأيت التربة اليت بينها وبني قصبة الكوفة، ورأيت لون األرض فإذا هو أكهب كثري احلصى، خشن املس

.واحلرية أرض باردة يف الشتاء، ويف الصيف ينزعون ستور بيوهتم خمافة إحراق السمائم هلا

فصل من صدر رسالته يف البالغة واإلجياز

العرب والعجم على إيثار اإلجياز، ومحد االختصار، وذم درجت األرض من : قال عمرو بن حبر اجلاحظ .اإلكثار والتطويل والتكرار، وكل ما فضل عن املقدار

وكان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم طويل الصمت، دائم السكت يتكلم جبوامع الكلم، ال فضل وال .تقصري، وكان يبغض الثرثارين املتشدقني

.لفظا، وأحسنهم بديهةأفصح الناس أسهلهم : وكان يقال .والبالغة إصابة املعىن والقصد إىل احلجة مع اإلجياز، ومعرفة الفصل من الوصل

.العاقل من خزن لسانه، ووزن كالمه، وخاف الندامة: وقيل .وحسن البيان حممود، وحسن الصمت حكمولكل مذهب ووجه عند . اإلجيازورمبا رأيت اإلكثار أمحد من . ورمبا كان اإلجياز حممودا، واإلكثار مذموما

مع أن اإلجياز أسهل مراما وأيسر مطلبا من اإلطناب، ومن . ولكل مكان مقال، ولكل كالم جواب. العاقل .قدر على الكثري كان على القليل أقدر

.والتقليل للتخفيف، والتطويل للتعريف، والتكرار للتوكيد، واإلكثار للتشديد

فصل منه

.قال، فما دعا إىل املالل، وجاوز املقدار، واشتمل على اإلكثار، وخرج من جمرى العادةوأما املذموم من املوكل شيء أفرط يف طبعه، وجتاوز مقدار وسعه، عاد إىل ضد طباعه، فتحول البارد حارا، ويصري النافع

.، وكثريه حيركهاضارا، كالصندل البارد إن أفرط يف حكه عاد حارا مؤذيا، وكالثلج يطفىء قليله احلرارة .وكذلك القرد ملا فرط قبحه، وتناهت مساجته استملح واستظرف

.وإىل هذا ذهب من عد اإلكثار عيا، واإلجياز بالغة

فصل من صدر كتابه يف تفضيل البطن على الظهر

Page 391: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ؤديا عصمنا اهللا وإياك من الشبهة، وأعاذنا وإياك من زيغ اهلوى، وفضالت املىن، ووهب لنا ولك تأديبا م .إىل الزيادة يف إحسانه، وتوفيقا موجبا لرمحته ورضوانه

ورد علي، تصف فيه فضيلة الظهور وصفا يدل على شغفك -وفقك اهللا - وقد كان كتابك يا ابن أخي .هبا، وحبك إياها، وحنينك إليها وإيثارك هلا، وفهمته

قت وروده، إال عوارض أشغال مانعة، من اإلجابة عن كتابك يف و -أعاذك اهللا من عدوك - فلم متنع .وحوادث من التصرف واالنتقال من مكان إىل مكان عائقة

ومل آمن أن لو تأخر اجلواب عليك أكثر مما تأخر، أن يسبق إىل قلبك أين راض باختيارك، ومسلم ملذهبك، .عليه وموافق لك فيه، مساعد لك عليه، ومنقاد معك فيما اعتقدت منه، وجمد يف طلبه، وحمرض

وإن كنت يل يف مذهيب -فإنك تعلم . فبادرت بكتايب هذا، منبها لك من سنة رقدتك، وداعيا إىل رشدكأن اجتماع املتباينني فيما يقع بصالحهما أوىل يف حكم العقل، وطريق املعرفة - خمالفا، ويف اعتقادي مباينا

.منه فيما أبادمها، وعاد بالضرر يف اختيارمها عليهماا، وإن كنت كشفت لك قناع اخلالف، وأبديت مكنون الضمري باملضادة، وجاهدتين بنصرة الرأي وأن

والعقيدة يف حب الظهور، وتلفيق الفضائل هلا، غري مستشعر لليأس من رجعتك، وال شاك يف لطائف .حكمتك، وغوامض فطنتك

نك إذا أنعمت فكرا وحبثا ونظرا، بصرية املعتربين، ومتييز املوفقني وأ -حبمد اهللا - وقد أعلم أن معك رجعت إىل أصل قوي االنقياد واملوافقة، ومل تتورط يف اللجاج فعل املعجبني، ومل يتداخلك غرة املنتحلني؛ فإنا رأينا قوما انتحلوا احلكمة وليسوا من أهلها، بل هم أعالم الدعوى، وحلفاء اجلهالة، وأتباع اخلطأ،

الذين قامت عليهم احلجة مبا حنلوه أنفسهم من امسها، وسلبوه من فهم وشيع الضاللة، وخول النقص،عظيم قدرها ومعرفة جليل خطرها، ومل جيلوا الرين عن قلوهبم والصدأ عن أمساعهم، بالتنقري والبحث

والتكشف، ومل ينصبوا يف عقوهلم ألنفسهم أصال يئلون يف اعتقادهم عليه، ويرجعون عند احلرية يف اختالف .فضلوا، وأصبح اجلهل هلم إماما، والسفهاء هلم قادة وأعالما. ئهم إليهآرا

وحنن نسأل اهللا حبوله وطوله ومنه، أال جيعلك من أهل هذه الصفة، وأن يريك احلق حقا فتتبعه، والباطل مع على باطال فتجتنبه، وأن يعمنا بربكة هذا الدعاء، ومجاعة املسلمني، وأن يأخذ إىل اخلري بنواصينا، وجي

ممن أحب موافقته - وأتقلد يف ذلك أمانة القول - اهلدى قلوبنا، ويؤلف فيه ذات بيننا، فإنك ما علمت .وخمالطته، وأن يكون يف فضله مقدما، وعن كل عضيهة منزها

وما أعلم حاال أنا عليها يف الرغبة لك فيما أرغب لنفسي فيه، والسرور بتكامل أحوالك، واستواء مذهبك، ا أزابن به من إرشادك ونصيحتك، وتسديدك وتوفيقك، إال وصدق الطوية مين فيها أبلغ من إسهامي يف وم

واحلمد هللا، كما هو أهله، . واهللا تعاىل املعني واملؤيد واملوفق، واملبدع، وحده ال شريك له. فضل صفتها .وصلى اهللا على حممد وآله وسلم كثريا

يف مدح الظهر من اجلهة اليت كان ينبغي لك أن تذمها، وقدمتها من إنك أغرقت - أرشدك اهللا -يا أخي

Page 392: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.وآثرهتا وهي حمقوقة بأن ترفضها. احلجة اليت ينبغي لك أن تؤخرهاوما رأينا هالك األمم اخلالية، من قوم لوط، ومثود وأشياعهم وأتباعهم، وحلول اخلسف والرجفة واآليات

والغري والنكري ووجوب نار السعري، إال مبا دانوا به من اختيار املثالت والعذاب األليم والريح العقيم،وتذرون ما خلق لكم ربكم من . أتأتون الذكران من العاملني: " قال اهللا تعاىل، يف قصة لوط. الظهور

" .أزواجكم بل أنتم قوم عادون ىل غاية ال تدرك صفتها، كما ترى، وبلغ هبم يف ذكر ما استعظم من عتوهم إ - تبارك وتعاىل -فذمهم اهللا

وال يوقف على حدها مع آي كثرية قد أنزهلا فيهم، وقصص طويلة قد أنبأ هبا عنهم، وروايات كثرية أثرها .فيمن كان من طبقتهم

.وسنأيت منها مبا يقع به الكفاية دون استفراغ اجلميع، مما محلته الرواة، ونقله الصاحلون

فصل منه

والرجوع إىل احلق . وليس يف العنود درك فلج. نهج واضح ملن أراد أن يسلكهواحلق بني ملن التمسه، واملخري من التمادي يف الباطل، وترك الذنب أيسر من التماس احلجة، كما كان غض الطرف أهون من احلنني

.وباهللا تعاىل التوفيق. إىل الشهوة

فصل منه

راجع، وينيب منيب مفكر، وينتبه راقد، ويبصر نبدأ اآلن بذكر ما خص اهللا به البطون من الفضائل، لريجعمتحري، ويستغفر مذنب، ويستقيل خمطىء، وينزع مصر، ويستقيم عاند، ويتأمل غمر، ويرشد غوي، ويعلم

.جاهل، ويزداد عامل

" .خيرج من بطوهنا شراب خمتلف ألوانه فيه شفاء للناس : " قال اهللا عز وجل فيما وصف به النحل .صلى اهللا عليه وسلم يف خري بطون قريشوبعث رسول اهللا

.ووجدنا األغلب يف صفة الرجل أن يقال إنه معروف بكذا مذ خرج من بطن أمه، وال يقال من ظهر أبيه .مخصانة الظهر: مخصانة البطن، وال يقال: ويقال" . قب البطون نواعم : " ويقال يف صفات النساء

.بطانة الرجل وطهارته، فيبدأ بالبطانة: ويقال .ظهر: فالن بطن باألمور، وال يقال: ويقالوبطن القرطاس خري من ظهره، وبطن الصحيفة موضع النفع منها ال ظهرها، وببطن القلم يكتب ال بظهره،

.وببطن السكني يقطع ال بظهرها .وخلق اهللا جل وعز آدم من طني، ونسله من بطن حواء

يف الظهور؛ فبطون البقر أطيب من ظهورها، وبطن الشاة ورأينا أكثر املنافع من األغذية يف البطون ال .كذلك

.ومن أفضل صفات علي رضي اهللا عنه أن كان أمخص بطينا

Page 393: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

:وأمسع من غنائهم ال منطا نبغي وال باريه... بطين على بطنك يا جارية

.ومل يقل ظهري على ظهرك، فجعل مماسة البطن غانيا عن الوطاء، كافيا من الغطاءمل يكن يف البطن من الفضيلة إال أن الوجه احلسن، واملنظر األنيق من حيزه، ويف الظهر من العيب، إال ولو

.أن الدبر يف جانبه، لكان فيها أوضح األدلة على كرم البطن ولؤم الظهر .ومل نرهم وصفوا الرجل بالفحولة والشجاعة إال من تلقائه، وباخلبث واألبنة إال من ظهره

.وىل مدبرا: مر فالن قدما، وإذا وصفوا اجلبان قالوا: الشجاع قالواوإذا وصفوا بني من يلقى احلرب بوجهه وبني من يلقاه بقفاه، وبني الناكح واملنكوح، والراكب : ولشتان بني الوصفني

.واملركوب، والفاعل واملفعول، واآليت واملأيت، واألسفل واألعلى، والزائر واملزور، والقاهر واملقهوروملا رأينا الكنوز العادية والذخائر النفيسة، واجلواهر الثمينة مثل الدر األصفر، والياقوت األمحر، والزمرد

األخضر، واملسك والعنرب والعقيان واللجني، والزرنيخ والزئبق، واحلديد والبورق، والنفط والقار، وصنوف لمهم، وزرعهم وضرعهم، ومنافعهم ومرافقهم األحجار، ومجيع منافع العامل وأدواهتم وآالهتم، حلرهبم وس

ومصاحلهم، وسائر ما يأكلونه ويشربونه، ويلبسونه ويشمونه، وينتفعون برائحته وطعمه، ودائع يف بطون األرض، وإمنا يستنبط منها استنباطا، ويستخرج منها استخراجا، وأن على ظهرها اهلوام القاتلة، والسباع

النفوس ودواعي الفناء وعوارض البالء، وأنه قل ما ميشي على ظهرها من العادية اليت يف أصغرها تلفدابة، إال وهو للمرء عدو، وللموت رسول، وعلى اهللكة دليل مل ميتنع يف عقولنا، وآرائنا ومعرفتنا من

.اإلقرار بتفضيل البطن على الظهر يف كل وقت، وعلى كل حالتلي فيه بداء كان مستورا، وإن شاء أن يكتمه كتمه عن أهله، ومن فضيلة البطن على الظهر أن أحدا إن اب

.ومن ال ينطوي عنه شيء من أمره، وغابر دهرهومن بلية الظهر أنه إن كان داء ظهر وبان، مثل اجلرب والسلع واخلنازير وما أشبهها، مما سلمت منه

.البطون وجعل خاصا يف الظهورالنساء، وطلب الولد، والتماس الكثرة مباحا من تلقائها، حمرما يف وفضل اهللا تعاىل البطون بأن جعل إتيان

احملاش من ورائها، ألنه حرام على األمة إتيان النساء يف أدبارهن، ملا جاء يف احلديث عن الصادق صلى اهللا " .ال تأتوا النساء يف حماشهن : " عليه وسلم

.تستغين وقد ترى بطانة الثوب تقوم بنفسها، وال ترى الظهارةوجعل اهللا تعاىل البطن وعاء خلري خلقه حممد صلى اهللا عليه وسلم، مث جعل أول دالئل نبوته أن أهبط إليه ملكا حني أيفع، وهو يدرج مع غلمان احلي يف هوازن، وهو مسترضع يف بين سعد، حني شق عن بطنه، مث

.من قبل الظهرومل يكن ذلك . استخرج قلبه فحشي نورا، مث ختم خبامت النبوة

فصل منه

Page 394: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أن حلم السرة من الشاة أطيب اللحم، وحلم السرة من السمك املوصوف، وسرة : ومما فضلت به البطونوهذا كله خاص للبطون ليس للظهور . محار الوحش شفاء يتداوى به، ومن سرة الظباء يستخرج املسك

.منه شيءإمنا حرم ريب الفواحش ما ظهر : " يبدأه مبا بطن فقال وبدأ اهللا عز وجل يف ذكر الفواحش مبا ظهر منها، ومل

.، فجعله ابتداء يف الذم" منها وما بطن والظهر يف كل األوقات وحشة ووحش، . والظهر يف أكثر أحواله مسج، والبطن يف أكثر أحواله حسن

.والبطن يف كل األوقات سكن وأنس

مدجمة اخلصر، لذيذة : إال من جهة البطن فقالواومل نرهم حني بالغوا يف صفات النساء بدءوا بذكرها العناق، طيبة النكهة، حلوة العينني، ساحرة الطرف، كأن سرهتا مدهن، وكأن فاها خامت، وكأن ثدييها

.وليس للظهور يف شيء من تلك الصفات حظ. حقان، وكأن عنقها إبريق فضةأال . معايب الظهور وإن اجتهدنا وبالغنا وأىن نبلغ يف صفة البطون، وإن أسهبنا، وكم عسى أن حنصي من

وكالمها فجور ورجاسة، وإمث . ترى أن حد الزاين مثانون جلدة ما مل يكن حمصنا، وحد اللوطي أن حيرقإال أن أيسر املكروهني أحق بأن مييل إليه من ابتلي، وخري الشرين أحسن يف الوصف من شر . وجناسة .الشرين

وسألوها . امرأيت: من أسواق املسلمني يقبل امرأة فسألناه عن ذلك، فقال ولو أنا رأينا رجال يف سوقولو رأيناه يقبل غالما ألدبناه وحبسناه؛ ألن . زوجي لدرأنا عنهما احلد، ألن هذا حكم اإلسالم: فقالت

.احلكم يف هذا غري احلكم يف ذاكما ملكت ميينه حىت يقبلها يف املال كما أال ترى أنه ليس ميتنع يف العقول واملعرفة أن يقبل الرجل يف حب

وقعت يف يدي جارية يوم جلوالء كأن عنقها إبريق فضة : " يقبلها يف اخلال، يصدق ذلك حديث ابن عمر " .فما صربت حىت قبلتها والناس ينظرون

فصل منه

نا عن عمر وقد رأيت منك أيها الرجل إفراطك يف وصف فضيلة الظهور، ويف حمل الريبة وقعت، ألنا روي " .من أظهر لنا خريا ظننا به خريا، ومن أظهر لنا شرا ظننا به شرا : " أنه قال

وإمنا يصف فضل الظهر من كان مغرما حبب الظهور، وإىل ركوبه صبا، وبالنوم عليه مستهترا، وبالولوع حرام معاودا، وحببله مستمسكا بطلبه موكال، ومن كان للحالل مباينا، ولسبيله مفارقا، وألهله قاليا، ولل

.وإىل قربه داعيا، وألهله موالياوقد اضطررتنا بتصيريك املفضول فاضال، والعام خاصا، واخلسيس نفسيا ، واحملمود مذموما، واملعروف حلظر منكرا، واملؤخر مقدما، واملقدم مؤخرا، واحلالل حراما، واحلرام حالال، والبدعة سنة، والسنة بدعة، وا

إطالقا، واإلطالق حظرا، واحلقيقة شبهة والشبهة حقيقة، والشني زينا والزين شينا، والزجر أمرا واألمر

Page 395: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

زجرأ، والوهم أصال واألصل ومها، والعلم جهال واجلهل فضال إىل أن أدخلنا عليك الظن، وأحلقناك التهمة، " يداك أوكتا، وفاك نفخ " و . ليك بغري مذهبكونسبناك إىل غري أصلك، وحنلناك غري عقيدتك، وقضينا ع

أوجدنا أيها الضال املضل، املغلوب على رأيه، املسلوب فهمه، املوىل على متييزه، ! فال يبعد اهللا غريك. الناكص على عقبه يف اختياره، املفارق ألصل عقده، املدبر بعد اإلقبال يف معرفته، الساقط بعد اهلوى يف

فهمه، الغين عن إفهامه، املضيع حلكمته، املنزوع عقله، املختلس لبه، املستطار جنانه، ورطته، املتخلي من املعدوم بيانه، يف الظهور بعد الفضائل اليت أوجدناكها يف البطون، إما قياسا، وإما اختيارا، وإما ضرورة،

.دة، أو صالح على خريوإما اختبارا وإما اكتسابا، أو يف كتاب منزل، أو سنة مأثورة، أو عادة حممو .أم هل لك يف مقالتك من إمام تأمت به، أو أستاذ تقتفى أثره، وهتتدي هبداه، وتسلك سننه

فصل منه

وقد حضتين عليك عند انتهائي إىل هذا املوضع رقة، وتداخلتين لك رمحة، ووجدت لك بقية يف نفسي؛ ألنه .إمنا يرحم أهل البالء

.بتالك به، وفضلنا على كثري من خلقه تفضيالواحلمد هللا الذي عافانا مما افرأيت أن أختم بأبسط الدعاء لك كتايب، وأن أحرز به أجري وثوايب، ورجوت أن تنيب وترجع بعد

.اجلماح واللجاج، فإن للجواد استقالال بعد الكبوة،وللشجاع كرة بعد الكشفة، وللحليم عطفة بعد النبوةن أبصر رشده، وعرف حظه، وآثر اإلنصاف واستعمله، ورفض اهلوى جعلنا اهللا وإياك مم: وأنا أقول

.وأطرحه؛ فإن اهللا تعاىل مل يبتل باهلوى إال من أضله، ومل يبعد إال من استبعده

فصل من صدر كتابه يف النبل والتنبل وذم الكرب

طويل، وتقف قد قرأت كتابك وفهمته، وتتبعت كل ما فيه واستقصيته، فوجدت الذي ترجع إليه بعد التعنده بعد التحصيل، قد سلف القول منا يف عيبه، وشاع اخلرب عنا يف ذمه، ويف النصب ألهله، واملباينة

.ألصحابه، ويف التعجب منهم، وإظهار النفي عنهم

واجلملة أن فرط العجب إذا قارن كثرة اجلهل، والتعرض للعيب إذا وافق قلة اإلكتراث، بطلت املزاجر، .ومىت تفاقم الداء، وتفاوت العالج، صار الوعيد لغوا مطرحا، والعقاب حكما مستعمال. وماتت اخلواطر

.وقد أصبح شيخك، وليس ميلك من عقاهبم إال التوقيف، وال من تأديبهم إال التعريف .ولو ملكناهم ملك السلطان، وقهرناهم قهر الوالة، لنهكناهم عقوبة بالضرب، ولقمعناهم باحلصر

باب ال يعد احتماله حلما، وال الصرب على أهله حزما، وال ترك عقاهبم عفوا، - أعزك اهللا تعاىل - والكرب .وال الفضل عليهم جمدا، وال التغافل عنهم كرما، وال اإلمساك عن ذمهم صمتار على أن الرضا بالفق. واعلم أن محل الغىن أشد من محل الفقر، واحتمال الفقر أهون من احتمال الذل

ولئن كانوا قد أفرطوا يف لوم العشرية، والتكرب على ذوي . قناعة وعز، واحتمال الذل نذالة وسخف

Page 396: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.احلرمة، لقد أفرطت يف سوء االختيار، ويف طول مقامك على العاروأنت مع شدة عجبك بنفسك، ورضاك عن عقلك، خالطت من موته يضحك السن، وحياته تورث احلزن،

.نبوتشاغلك به من أعظم الغولو كنت . وشكوت تنبلهم عليك، واستصغارهم لك، وأنك أكثر منهم يف احملصول، ويف حقائق املعقول

ولعارضتهم من الكرب . كما تقول ملا أقمت على الذل وملا جترعت الصرب وأنت مبندوحة منهم، وبنجوة عنهم .مبا يهضهم، ومن االمتعاض مبا يبهرهم

املوازنة، أو كان معهم ما يغلط الناس فيه عند املقايسة لعذرهتم ولو كانوا من أهل النبل عند : وقلت .ولكن أمرهم مكشوف، وظاهرهم معروف. واحتججت عنهم، ولسترت عيبهم، ولرقعت وهيهم

.وإن كان أمرهم كما قلت، وشأهنم كما وصفت، فذاك ألوم لك، وأثبت للحجة عليك .هبم وسأؤخر عذلك إىل الفراغ منهم، وتوقيفك بعد التنويه

وإن كان النبل بالتنبل، واستحقاق العظم بالتعظم وبقلة الندم واالعتذار، وبالتهاون باإلقرار، فكل : أقول .من كان أقل حياء، وأمت قحة، وأشد تصلفا، وأضعف عدة، أحق بالنبل وأوىل بالعذر

.يف احلقيقة وضيعاوليس الذي يوجب لك الرفعة أن تكون عند نفسك دون أن يراك الناس رفيعا، وتكون .ومىت كنت من أهل النبل مل يضرك التنبل، ومىت مل تكن من أهله مل ينفعك التنبل

.وليس النبل كالرزق، يكون مرزوقا احلرمان أليق به، وال يكون نبيال السخافة أشبه به .وكل شيء من أمر الدنيا قد حيظى به غري أهله، كما حيظى به أهله

ة خصلة من خصاله، وبعد اهلمة خلة من خالله، وهباء املنظر سبب من أسبابه، وما ظنك بشيء املروء .وجزالة اللفظ شعبة من شعبه، واملقامات الكرمية طريق من طرقه

فصل منه

واعلم أنك مىت مل تأخذ للنبل أهبته، ومل تقم له أداته، وتأته من وجهه، وتقم حبقه، كنت مع العناء مبغضا، .ومن تبغض فقد استهدف للشتام، وتصدى للمالم. ومع التكلف مستصلفا

.فإن كان ال حيفل بالشتم، وال جيزع من الذم، فعده ميتا إن كان حيا؛ وكلبا إن كان إنسانا .وإن كان ممن يكترث وجيزع، وحيس ويأمل، فقد خسر الراحة واحملبة، وربح النصب واملذمة

.عليه، الزق مبن رفضه، شديد النفار ممن طلبهوبعد، فالنبل كلف باملويل عنه، شنف للمقبل

فصل منه

. والسيد املطاع مل يسهل عليه الكظم، ومل يكن له كنف احللم، إال بعد طول جترع للغيظ، ومقاساة للصربوقد كان معىن القلب دهره، ومكدود النفس عمره، واحلرب سجال بينه وبني احللم، ودول بينه وبني

العشرية، ومسحت له بالطاعة، ووثق بظهور القدرة خالف املعجزة سهل عليه فلما انقادت له . الكظم

Page 397: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.الصرب، وغمر بعلوه دواعي اجلزع، بطلت اجملاذبة، وذهبت املساجلةوالذي كان دعاه إىل تكلف احللم يف بدء أمره وإىل احتمال املكروه يف أول شأنه، األمل يف الرياسة،

االحتمال، مث االعتياد، مث : ره، ومل يستحكم له عقده إال بعد ثالثة أشياءوالطمع يف السيادة، مث مل يتم له أم .ظهور طاعة الرجال

ولوال خوف مجيع املظلومني من أن يظن هبم العجز، وأال يوجه احتماهلم إىل الذل لزاحم السادة يف احللم .رجال ليسوا يف أنفسهم بدوهنم، ولغمرهم بعض من ليس معه من أسباهبم

فصل منه

وال يكون املرء نبيال حىت يكون نبيل الرأي، نبيل اللفظ، نبيل العقل، نبيل اخللق، نبيل املنظر، بعيد املذهب .يف التنزه، طاهر الثوب من الفحش، إن وافق ذلك عرقا صاحلا، وجمدا تالدا

.ولكل عز أول، وأول كل قدمي حادث. فاخلارجي قد يتنبل بنفسه، والنابيت قد خيرج بطبعه .ومن حقوق النبل أن تتواضع ملن هو دونك، وتنصف من هو مثلك، وتتنبل على من هو فوقك

فصل منه

ثهالن ذو : " وكان بعض األشراف يف زمان األحنف، ال حيتقر أحدا، وال يتحرك لزائر، وكان يقول .تسفال فكان األحنف ما يزداد إال علوا، وكان ذلك الرجل ال يزداد إال" اهلضبات ما يتحلحل

وقد ذم اهللا تعاىل املتكربين، ولعن املتجربين، وأمجعت األمة على عيبه، والرباءة منه، وحىت مسي املتكرب تائها، .كالذي خيتبط يف التية بال أمارة، ويتعسف األرض بال عالمة

تعاىل هبما نفسه، لو كان اسم املتكرب قبيحا، ولو كان املتكرب مذموما، ملا وصف اهللا: ولعل قائال أن يقول " .له األمساء احلسىن : " ، مث قال" اجلبار املتكرب : " وملا نوه هبما يف التنزيل حني قال

.إن اإلنسان املخلوق املسخر، والضعيف امليسر، ال يليق به إال التذلل، وال جيوز له إال التواضع: قلنا هلم. يشبه الكرب مبن يأكل ويشرب، ويبول وينجووكيف يليق الكرب مبن إن جاع صرع، وإن شبع طغى، وما

.وكيف يستحق الكرب ويستوجب العظمة من ينقصه النصب، ويفسده الراحة؟فإذا كان الكرب ال يليق باملخلوق فإمنا يليق باخلالق؛ وإمنا عاند اهللا تعاىل بالكرب لتعديه طوره، وجلهله لقدره،

" العظمة رداء اهللا، فمن نازعه رداءه قصمه : " اهللا عليه وسلم وقال النيب صلى. وانتحاله ما ال جيوز إال لربه.

فصل منه

Page 398: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

والنبيل ال يتنبل، كما أن الفصيح ال يتفصح؛ ألن النبيل يكفيه نبله عن التنبل، والفصيح تغنيه فصاحته عن .قوتهومل يتزيد أحد قط إال لنقص جيده يف نفسه، وال تطاول متطاول إال لوهن قد أحس به يف . التفصح

والكرب من مجيع الناس قبيح، ومن كل العباد مسخوط، إال أنه عند الناس من عظماء األعراب، وأشباه األعراب أوجد، وهو هلم أسرع، جلفائهم وبعدهم من اجلماعة، ولقلة خمالطتهم ألهل العفة والرعة، واألدب

.والصنعة

فصل منه

من ذلك أن يكون املتكرب صعبا بدويا، وذا : واضعومل نر الكرب يسوغ عندهم ويستحسن إال يف ثالثة معرضية وحشيا، وال يكون حضريا وال مدريا، فيحمل ذلك منه على جهة الصعوبة ومذهب اجلاهلية، وعلى

.العنجهية واألعرابية .أو يكون ذلك منه على جهة االنتقام واملعارضة، واملكافأة واملقابلة

.ى امللوك واجلبابرة، والفراعنة وأشباه الفراعنةأو على أن ال يكون تكربه إال علإن أصاب صديقا تعظم عليه، وإن أتاه ضيف . وصاحبك هذا خارج من هذه اخلصال، جمانب هلذه اخلالل

.تغافل عنه، وإن أتاه ضعيف من عليه، وإن صادف حليما اعتمر به .وينبغي أن يكون خضوعه ملن فوقه على حسب تكربه على من دونه

صفة اللئيم أن يظلم الضعيف، ويظلم نفسه للقوي، ويقتل الصريع، وجيهز على اجلريح، ويطلب ومناهلارب، ويهرب من الطالب، وال يطلب من الطوائل إال ما ال خطار فيه وال يتكرب إال حيث ال يرجع

.مضرته عليه، وال يقفو التقية وال املروءة، وال يعمل على حقيقتهدى، ومن أراد أن يسمع قوله ساء خلقه، إذ كان ال حيفل ببغض الناس له ووحشة ومن اختار أن يبغي تب

.قلوهبم منه، واحتياهلم يف مباعدته، وقلة مالبسته .وليس يأمن اللئيم على إتيان مجيع ما اشتمل عليه اسم اللؤم إال حاسد

ه من اخليانة، إذ كانت فإذا رأيته يعق أباه، وحيسد أخاه، ويظلم الضعيف، ويستخف باألديب، فال تبعدوال تأمنه على . اخليانة لؤما؛ وال من الكذب، إذ كان الكذب لؤما؛ وال من النميمة، إذ كانت النميمة لؤما

.الكفر فإنه أألم اللؤم، وأقبح الغدرة ومن رأيته منصرفا عن بعض اللؤم، وتاركا لبعض القبيح، فإياك أن توجه ذلك منه على التجنب له، والرغبعنه، واإليثار خلالفه، ولكن على أنه ال يشتهيه أو ال يقدر عليه، أو خياف من مرارة العاقبة أمرا يعفي على حالوة العاجل؛ ألن اللؤم كله أصل واحد وإن تفرقت فروعه، وجنس واحد وإن اختلفت صوره، والفعل

ه، صائر إليه وإن أبطأ عنه، والشكل ذاهب على شكله، منقطع إىل أصل. حممول على غلبته، تابع لسمته .وكذلك تناسب الكرم وحنني بعضه لبعض. ونازع إليه وإن حيل دونه

Page 399: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ومل تر العيون، وال مسعت اآلذان، وال تومهت العقول عمال اجتباه ذو عقل، أو اختاره ذو علم، بأوبأ مغبة، أفسد لعرض، وال أوجب وال أنكد عاقبة، وال أوخم مرعى، وال أبعد مهوى، وال أضر على دين، وال

لسخط اهللا، وال أدعى إىل مقت الناس، وال أبعد من الفالح، وال أظهر نفورا عن التوبة، وال أقل دركا عند احلقيقة، وال أنقض للطبيعة، وال أمنع من العلم، وال أشد خالفا على احللم، من التكرب يف غري موضعه،

.والتنبل يف غري كنهه .شقيقه، والبذخ صديقه، والنفج أليفه، والصلف عقيدهوما ظنك بشيء العجب

وإذا اجتمعت هذه اخلصال، . والبذاخ متزيد، والنفاج كذاب، واملتكرب ظامل، واملعجب صغري النفس .وانتظمت هذه اخلصال يف قلب طال خرابه، واستغلق بابه

.وشر العيوب ما كان مضمنا بعيوب، وشر الذنوب ما كان علة للذنوبأول ذنب كان يف السماوات واألرض، وأعظم جرم كان من اجلن واإلنس، وأشهر تعصب كان يف والكرب

ومن . الثقلني، وعنه جل إبليس يف الطغيان، وعتا على رب العاملني، وخطأ ربه يف التدبري، وتلقى قوله بالرد " .ما يكون لك أن تتكرب فيها : " أجله استوجب السخطة، وأخرج من اجلنة، وقيل له

وإلفراطه يف التعظيم خرج إىل غاية القسوة، ولشدة قسوته اعتزم على اإلصرار، وتتايع يف غاية اإلفساد، ودعا إىل كل قبيح، وزين كل شر، وعن معصيته أخرج آدم من اجلنة، وشهر يف كل أفق وأمة، ومن أجله

جوه وال خيافه، وال يضاهيه نصب العداوة لذريته، وتفرغ من كل شيء إال من إهالك نسله، فعادى من ال يريف نسب، وال يشاكله يف صناعة، وعن ذلك قتل الناس بعضهم بعضا، وظلم القوي الضعيف، ومن أجله

أهلك اهللا األمم باملسخ والرجف، وباخلسف وبالطوفان، والريح العقيم، وأدخلهم النار، وأقنطهم من .اخلروج

شرف األنفة، وصور له عز االنتقاض، وحبب إليه والكرب هو الذي زين إلبليس ترك السجود، وومههاملخالفة، وآنسه بالوحدة والوحشة، وهون عليه سخط الرب، وسهل عليه عقاب األبد، ووعده الظفر، ومناه السالمة، ولقنه االحتجاج بالباطل، وزين له قول الزور، وزهده يف جوار املالئكة، ومجع له خالل

. ه حسد واحلسد ظلم، وكذب والكذب ذل، وخدع واخلديعة لؤمالسوء، ونظم له خالل الشر؛ ألنوخطأ ربه، وختطئة اهللا جهل، وأخطأ يف جلي القياس وذلك غي، وجل . وحلف على الزور، وذلك فجور

ومجع بني الرغبة عن صنيع املالئكة وبني الدخول يف أعمال . وفرق بني التكرب والتبدي. واللجاج ضعف .السفلة

نار يابسة حارة، وماء بارد سيال، وأرض : ومنافع العامل نتائج أربعة أركان. خري من الطنيواحتج بأن النار على أن النار نقمة . ليس منها شيء مع مزاوجته خلالفه إال وهو حمي مبق. باردة يابسة، وهواء حار رطب

.اوأحمقهن ملا دنا منه. اهللا من بني مجيع األصناف، وهي أسرعهن إتالفا ملا صار فيهاوالتواضع خري . والتكرب شر من القسوة، كما أن القسوة شر املعاصي. هذا كله مثرة الكرب، ونتاج النية

.الرمحة، كما أن الرمحة خري الطاعاتوالكرب معىن ينتظم به مجاع الشر، والتواضع معىن ينتظم به مجاع اخلري، والتواضع عقيب الكرب، والرمحة

Page 400: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

عة قدر من الثواب فلتركها وعقيبها، وملا يوازهنا ويكايلها، مثل ذلك القدر فإذا كان للطا. عقيب القسوةوموضع الطاعة من طبقات الرضا، كموضع تركها من طبقات السخط إذ كانت الطاعة . من العقاب

.واجبة، والترك معصيةلويف أو ولو كان الكرب ال يعتري إال الشريف واجلميل، أو اجلواد، أو ا. والكرب من أسباب القسوة

الصدوق، كان أهون ألمره، وأقل لشينه، وكان يعرض ألهل اخلري، وكان ال يغلط فيه إال أهل الفضل، ولكنا جنده يف السفلة، كما جنده يف العلية، وجنده يف القبيح كما جنده يف احلسن، ويف الدميم كما جنده يف

بان كما جنده يف الشجاع، ويف الكذوب كما اجلميل، ويف الدين الناقص، كما جنده يف الويف الكامل، ويف اجلجنده يف الصدوق، ويف العبد كما جنده يف احلر، ويف الذمي ذي اجلزية والصغار والذلة، كما جنده يف قابض

.جزيته واملسلط على إذاللهمنه يف ولو كان يف الكرب خري ملا كان يف دهر اجلاهلية أظهر منه يف دهر اإلسالم، وملا كان يف العبد أفشى

احلر، وملا كان يف دهره اجلاهلية أظهر منه يف دهره اإلسالم، وملا كان يف العبد أفشى منه يف احلر، وملا كان .يف السند أعم منه يف الروم والفرس

تلك . وليس الذي كان فيه آل ساسان وأنو شروان ومجيع ولد أزدشري بن بابك كان من الكرب يف شيء .ر السلطان، وتسديد للملكسياسة للعوام، وتفخيم ألم

وما كان يف والة العراق . ومل يكن يف اخللفاء أشد خنوة من الوليد بن عبد امللك، وكان أجهلهم وأحلنهم .أعظم كربا من يوسف بن عمر، وما كان أشجعهم وال أبصرهم، وال أمتهم قواما، وال أحسنهم كالما

دما يف مركبه، وال يف شرف حسبه، وال يف نبل منظره، ومل يدع الربوبية ملك قط إال فرعون، ومل يك مقوال كان فوق امللوك األعاظم واجللة . وكمال خلقه، وال يف سعة سلطانه وشرف رعيته وكرم ناحيته

.األكابر، بل دون كثري منهم يف احلسب وشرف امللك وكرم الرعية، ومنعة السلطان، والسطوة على امللوكالتيه مروءة، ملا رغب عنه بنو هاشم ولكان عبد املطلب أوىل الناس منه بالغاية، ولو كان الكرب فضيلة ويف

.وأحقهم بأقصى النهايةولو كان حممود العاجل ومرجو اآلجل، وكان من أسباب السيادة أو من حقوق الرياسة، لبادر إليه سيد بين

توىل عليه سيد األزد وهو متيم، وهو األحنف بن قيس؛ ولشح عليه سيد بكر بن وائل وهو ملك، والس .املهلب

ما : " ولقد ذكر أبو عمرو بن العالء مجيع عيوب السادة، وما كان فيهم من اخلالل املذمومة، حيث قالوجدنا البخل مينع من السودد، وكان أبو سفيان بن : رأينا شيئا مينع من السودد إال وقد وجدناه يف سيد

والظلم مينع من السودد، . وكان عامر بن الطفيل سيدا، وكان عاهراوالعهار مينع من السودد، . حرب خبيالواحلمق مينع من السودد، وكان عتيبة بن حصن حممقا، . وكان حذيفة بن بدر ظلوما، وكان سيد غطفان

وقلة العدد متنع من السودد وكان شبل . واإلمالق مينع من السودد، وكان عتبة بن ربيعة مملقا. وكان سيداواحلداثة متنع من السودد، وساد أبو جهل وما طر . معبد سيدا، ومل يكن من عشريته بالبصرة رجالنبن

Page 401: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.شاربه، ودخل دار الندوة وما استوت حليتهفذكر الظلم، واحلمق، والبخل، والفقر، والعهار، وذكر العيوب ومل يذكر الكرب؛ ألن هذه األخالق وإن

سائر أمورهم ما يداوى به ذلك الداء، ويعاجل به ذلك السقم؛ وليس كانت داء فإن يف فضول أحالمهم ويفالداء املمكن كالداء املعضل، وليس الباب املغلق كاملستبهم؛ واألخالق اليت ال ميكن معها السودد، مثل

.الكرب والكذب والسخف، ومثل اجلهل بالسياسةوكيع : كيع بن أيب سود لكفاهم فقاللو وجهت إليهم و: وخرجت خارجة خبراسان فقيل لقتيبة بن مسلم

رجل عظيم الكرب، يف أنفه خنزوانة، ويف رأسه نعرة، وإمنا أنفه يف أسلوب؛ ومن عظم كربه اشتد عجبه، ومن أعجب برأيه مل يشاور كفيا، ومل يؤامر نصيحا، ومن تبجح باالنفراد وفخر باالستبداد كان من الظفر

وإن كانت اجلماعة ال ختطىء . اء مع اجلماعة خري من الصواب مع الفرقةبعيدا، ومن اخلذالن قريبا، واخلط .والفرقة ال نصيب

ومن هتاون خبصمه ووثق بفضل قوته قل احتراسه، . ومن تكرب على عدوه حقره، وإذا حقره هتاون بأمره .ومن قل احتراسه كثر عثاره

وال يشعر حىت يكون عدوه عنده، . وعاوما رأيت عظيم الكرب صاحب حرب إال كان منكوبا ومهزوما وخمدوخصمه فيما يغلب عليه أمسع من فرس، وأبصر من عقاب، وأهدى من قطاة، وأحذر من عقعق، وأشد

إقداما من األسد، وأوثب من فهد، وأحقد من مجل، وأروغ من ثعلب، وأغدر من ذئب، وأسخى من فإن النفس إمنا تسمح . من ضب الفظة، وأشح من صيب، وأمجع من ذرة، وأحرص من كلب، وأصرب

.بالعناية على قدر احلاجة، وتتحفظ على قدر اخلوف، وتطلب على قدر الطمع، وتطمع على قدر السبب

فصل منه

إن الناس قد ظلموا أهل احللم والعزم، حني زعموا أن الذي يسهل عليهم االحتمال : وأقول بعد هذا كلهواملذكور باحللم واملشهور باالحتمال يقيض له من السفهاء، معرفة الناس بقدرهتم على االنتقام، فكيف

بل على قدر حلمه يتعرض له، وعلى قدر . ويؤتى له من أهل البذاء ما ال يقوم له صرب، وال ينهض به عزمعزمه ميتحن صربه وألن الذي سهل عليه احللم، ومكنه من العزم، معرفة الناس بقدرته على االنتقام،

اء الغيظ؛ فإن منعه لنفسه، وجماذبته لطبعه مع الغيظ الشديد، والقدرة الظاهرة، أشد عليه واقتداره على شفيف املزاولة وأبلغ يف املشقة واملكابدة، من صرب الشكل على أذى شكله، واحتمال املظلوم عن مثله، وإن

.خاف الطمس، وتوقع العيب

فصل منه

ر حماسنه ما كان تابعا، فإذا عاد متبوعا عادت عليه من ومن بعد هذا، فمن شأن األيام أن يظلم املرء أكثحماسن غريه بأضعاف ما منعته من حماسن نفسه، حىت يضاف إليه من شوارد األفعال، ومن شواذ املكارم إن

Page 402: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

كان سيدا، ومن غريب األمثال إن كان منطيقا، ومن خيار القصائد إن كان شاعرا، مما ال أمارات هلا، وال .امسات عليه

والذي ضاع للتابع . فكم من يد بيضاء وصنيعة غراء، ضلت فلم يقم هبا ناشد، وخفيت فلم يظهرها شاكرقبل أن يكون متبوعا، أكثر مما حفظ، والذي نسي أكثر مما ذكر، وما ظنك بشيء بقيته هتب السادة،

.ومشكوره يهب الرياسة، على قلة الشكر، وكثرة الكفرس ناقص األداة، فال يستبان فضله، وال يعظم قدره، كاملفرج الذي ال عشرية له، وقد يكون الرجل تام النفوقد يعظم املفرج الذي ال والء له وال عقد جوار، وال عهد حلف، إذا برع يف . واإلتاوي الذي ال قوم له

عة كما أن طاعة السلطان غري طا. الفقه وبلغ يف الزهد، بأكثر من تعظيم السيد، كجهة تعظيم الديان .السادة، والسلطان إمنا ميلك أبدان الناس،وهلم اخليار يف عقوهلم، وكذلك املوايل والعبيد

وطاعة الناس للسيد، وطاعة الديان طاعة حمبة ودينونة، والقلوب أطوع هلما من األبدان، إال أن يكون .الديان السلطان مرضيا، فإن كان كذلك فهو أعظم خطرا من السيد، وأوجه عند اهللا من ذلك

واملفرج ال يسود أبدا ألنه عجمي ال حلف له، وال عقد جوار، وال . ورمبا ساد األتاوي ألنه عريب على حال .وليس التسويد إال يف العرب، والعجم ال تطيع إال للملوك. والء معروف، وال نسب ثابت

م من امللوك واحلكام والذي أحوج العرب يف اجلاهلية إىل تسويد الرجال وطاعة األكابر، بعد دورهفكان السيد، يف منعهم من غريهم ومنع غريهم منهم، . والقضاة، وأصحاب األرباع، واملساحل والعمال

.ووثوب بعضهم عل بعض، يف كثري من معاين السلطان

فصل من رسالته إىل أيب الفرج الكاتب

يف املودة واخللطة

.أطال اهللا بقاءك، وأعزك وأكرمك، وأمت نعمته عليككثري ممن يقرض الشعر ويروي معانيه، ويتكلف األدب وجيتبيه، أنه قد ميدح املرجو -أبقاك اهللا - زعم

املأمول، واملغشي املزور، بأن يكون خمدوعا، وعمي الطرف مغفال، وسليم الصدر للراغبني، وحسن الظن ة ألبواب االعتذار، عاجزا عن التخلص إىل معاين االعتالل، قليل احلذق برد الشفعاء، بالطالبني، قليل الفطن

شديد اخلوف من مياسم الشعراء، حصرا عند االحتجاج للمنع، سلس القياد إذا نبهته للبذل، واحتجوا :بقول الشاعر

إن اخلليفة للسؤال ينخدع... إيت اخلليفة فاخدعه مبسألة غفلة اليت تعتري الكرام، واخنداع اجلواد خلدع الطالبني وخماريق املستميحني، باب من فانتحال املأمول لل

التكرم، ومن استدعاء الراغب، والتعرض للمجتدي، والتلطف الستخراج األموال، واالحتيال حلل عقد .األشحاء، وهتييج طبائع الكرام

نوك، وإضماره لؤم، حىت تصح القسمة، أن إقرار املسئول مبا ينحل من ذلك -أبقاك اهللا - وأنا أزعم

Page 403: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ويعتدل الوزنومن حرص يعود إىل احلرمان، . وأنا أعوذ باهللا من تذكري يناسب االقتضاء، ومن اقتضاء يضارع اإلحلاح

فإن أسقط الكالم وأوغده، وأبعده من السعادة وأنكده، ما أظهر . ومن رسالة ظاهرها زهد، وباطنها رغبة .وجتلى للعيون بعني القناعة، واستشعر ذلة االفتقار النزاهة وأضمر احلرص،

وأشنع من ذلك، وأقبح منه وأفحش، أن يظن صاحبه أن معناه خفي وهو ظاهر، وتأويله بعيد الغور وهو .قريب القعر

فنسأل اهللا تعاىل السالمة فإهنا أصل النعمة عليكم، وحنمده على اتصال نعمتنا بنعمتكم، وما أهلمنا اهللا من .حماسنكم وصف

.واحلمد هللا الذي جعل احلمد مستفتح كتابه، وآخر دعوى أهل جنتهولو أن رجال اجتهد يف عبادة ربه، واستفرغ جمهوده يف طاعة سيده، ليهب له اإلخالص يف الدعاء ملن أنعم

يف عليه؛ وأحسن إليه، لكان حريا بذلك أن يدرك أقصى غاية الكرم يف العاجل، وأرفع درجات الكرامة .اآلجل

وعلى أين ال أعرف معىن أمجع خلصال الشكر، وال أدل على مجاع الفضل، من سخاوة النفس بأداء .الواجب

.وحنن وإن مل نكن أعطينا اإلخالص مجيع حقه، فإن املرء مع من أحب، وله ما احتسب .وال أعلم شيئا أزيد يف السيئة من استصغارها، وال أحبط للحسنة من العجب هبا

ومهما . ا يستدمي اخلطأ لبث لبتقصري وإمهال النفس، وترك التوقف، وقلة احملاسبة، وبعد العهد بالتثبتومم .رجعنا إليه من ضعف يف عزم، وهان علينا ما نفقد من مناقل احللم، فإنا ال جنمع بني التقصري واإلنكار

ا ألنفسنا بصدق املودة وجبميل الذكر، ولئن اعتذرن. ونعوذ باهللا أن نقصر يف ثناء على حمسن، أو دعاء ملنعم .فلما يعد لكم، من حتقق اآلمال، والنهوض باألثقال أكثر

ومل تسألونا اجلزاء على إحسانكم، وقد سألناكم اجلزاء . على أنكم مل حتملونا إال اخلف، وقد محلناكم الثقل .ومل تكلفونا ما جيب لكم، وكلفناكم ما ال جيب. على ما سألناكم

اط اجلهل أن نتذكر حقنا يف حسن احلظ، وال نتذكر حقكم يف تصديق ذلك الظن وقد قال رسول ومن إفر " .ما عظمت نعمة اهللا على أحد إال عظمت عليه مؤنة الناس : " اهللا صلى اهللا عليه وسلم

ار، وأنا أسأل اهللا الذي ألزمكم املؤن الثقال، ووصل بكم آمال الرجال، وامتحنكم بالصرب على جترع املروكلفكم مفارقة احملبوب من األموال، أن يسهلها عليكم، وحيببها إليكم، حىت يكون شغفكم باإلحسان

الداعي إليه، وصبابتكم باملعروف احلامل عليه، وحىت يكون حب التفضل، واحملبة االعتقاد املنن الغاية اليت من أخطأ حظه، وتفتحوا باب الطلب تستدعي املدبر، والنهاية اليت تعذر املقصر، وحىت تكرهوا على اخلري

.ملن قصر به العجزأن الذي وجد يف العربة، وجرت عليه التجربة، واتسق به النظم، وقام عليه وزن - أصلحك اهللا -مث اعلم

Page 404: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أن من أول أسباب اخللطة، والدواعي إىل . احلكم، واطرد منه النسق، وأثبته الفحص، وشهدت له العقولى بعض الناس من القبول عند أول وهلة، وقلة انقباض النفوس مع أول حلظة، مث اتفاق احملبة، ما يوجد عل

.األسباب اليت تقع باملوافقة عند أول اجملالسة، وتالقي النفوس باملشاكلة عند أول اخللطةأدب خلق، وأدب رواية، وال تكمل أمور صاحب األدب إال هبما، وال جيتمع له أسباب : واألدب أدبان

م إال من أجلهما، وال يعد يف الرؤساء، وال يثىن به اخلنصر يف األدباء، حىت يكون عقله املتأمر عليهما، التما .والسائس هلما

فصل منه

والشأن قبل ذلك ملا يسبق إىل . فإن متت بعد ذلك أسباب املالقاة متت املصافاة، وحن اإللف إىل سكنه .ملستعدى عليه من السابق إىل قلب احلاكم عليهالقلب، وخيف على النفس، ولذلك احترس احلازم ا

وكذلك التمسوا الرفق والتوفيق، واإلجياز وحسن االختصار، واخنفاض الصوت، وأن خيرج الظامل كالمه .خمرج لفظ املظلوم

التماسا ملواساة . نعم، وحىت يترك اللحن حبجته بعد، وخيلف الداهية كثريا من أدبه، ويغض من حماسن منطقه .ه يف ضعف احليلة، والتشبه به يف قلة الفطنةخصم

نعم، وحىت يكتب كتاب سعاية وحمل وإغراق وحتد، فيلحن يف إعرابه، ويتسخف يف ألفاظه، ويتجنب القصد، ويهرب من اللفظ املعجب ليخفي مكان حذقه، ويستر موضع رفقه، حىت ال حيترس منه اخلصم، وال

بعني معناه، وال يقصر يف اإلفصاح عن تفسري مغزاه، وهذا هو يتحفظ منه صاحب احلكم، بعد أن ال يضر املوضع الذي يكون العي فيه أبني، وذو الغباوة أفطن، والردي أجود، واألنوك أحزم، واملضيع أحكم؛ إذ

كان غرضه الذي إياه يرمي، وغايته اليت إليها جيري، االنتفاع باملعىن املتخري دون املباهاة باللفظ، وإمنا كانت غايته إيصال املعىن إىل القلب دون نصيب السمع من اللفظ املونق، واملعىن املتخري؛ بل رمبا مل يرض باللفظ

إذا كان حق ذلك املكان اللفظ . السليم حىت يسقمه ليقع العجز موقع القوة، ويعرض العي يف حمل البالغة .الدون، واملعىن الغفل

والسعاية، ممن يتصرف قلمه، ويعلل لسانه، ويلتزق يف هذا إذا كان صاحب القصة ومؤلف لفظ احملل مذاهبه، ويكون يف سعة وحل ألن حيط نفسه إىل طبقة الذل وهو عزيز، وحمل العي وهو بليغ، ويتحول يف

هيئة املظلوم وهو ظامل، وميكنه تصوير الباطل يف صورة احلق، وستر العيوب بزخرف القول؛ وإذا شاء طفا، .شاء أخرجه غفال صحيحاوإذا شاء رسب، وإذا

كما أنه ما أكثر من ال يستطيع إال الردى، فإن . وما أكثر من ال حيسن إال اجليد، فإن طلب الردى جاوزه .طلب اجليد قصر عنه

وليس كل بليغ يكون بذلك الطباع، وميسر األداة، وموسعا عليه يف تصريف اللسان، وممنونا عليه يف حتويل .القلم

Page 405: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

لبصراء من حيكي العميان، وحيول لسانه إىل صورة لفظ الفأفاء مبا ال يبلغه الفأفاء وال حيسنه وما أكثر من ا .وقد جند من هو أبسط لسانا وأبلغ قلما، ال يستطيع جماوزة ما يشركه، واخلروج مما قصر عنه. التمتام

فصل منها

ابري مهملة، ولكانت عورة احلكيم بادية، ولوال احلدود احملصلة واألقسام املعدلة، لكانت األمور سدى، والتد .والختلطت السافلة بالعالية

فصل منها

لو مل أضمر لكم حمبة قدمية، ومل أضر بكم بشفيع من املشاكلة، وال سبب األديب : وأنا أقول بعد هذا كلهارف، ومن إىل األديب، ومل يكن علي قبول، وال علي حالوة عند احملصول، ومل أكن إال رجال من عرض املع

مجهور األتباع لكان يف إحسانكم إلينا، وإنعامكم علينا، دليل على أنا قد أخلصنا احملبة، وأصفينا لكم .املودة

وإذا عرفتم ذلك بالدليل النري الذي أنتم سببه، والربهان الواضح الذي إليكم مرجعه، مل يكن لنا عند الناس .ظار ما عليه جمازاة القلوبإال توقع مثرة احلب، ونتيجة مجيل الرأي، وانت

.وبقدر اإلنعام جتود النفوس باملودة، وبقدر املودة تنطلق األلسن باملدحةأين مل أصل سبيب مبحرم غمر وال مببخل غفل، وال بضيق : وهذه الوسيلة أكثر الوسائل وأقواها يف نفسي

ال ومقارع أبطال، ومبن ولد يف العطن حديث الغىن، وال بزمر املروة مستنبط الثرى؛ بل وصلته حبمال أثق .اليسر وريب فيه، وجرى منه على عرق ونزع إليه

فصل منها

.وال خري يف مسني ال حيتمل هزال أخيه، وصحيح ال جيرب كسر صاحبه

فصل منها

.ما يكون على اهتزاز األرحيية وطبع احلرية: منها: وقد تنقسم املودة إىل ثالث منازل .ماحيسن موقعه على قدر طباع احلرص وجشع النفس: رط وسائل الفاقة ومنهاما يكون على قدر ف: ومنها

والثاين هو . وهو الذي يدوم شكره، ويبقى على األيام وده. فأرفعها منازل حب املشغوف شكر النعمةفهذا الذي ال يشكر، . الذي إمنا اشتد حبه على قدر موضع املال من قلب احلريص اجلشع، واللئيم الطمع

وعلى أنه ال يأيت احلمد إال زحفا، وال يفعله إال . ر مل يشكر إال ليستزيد، ومل ميدح إال ليستمدوإن شك .تكلفا

وما غاية . وأنا أسأل اهللا الذي قسم له أفضل احلظوظ يف اإلنعام، أن يقسم لنا أفضل احلظوظ يف الشكر

Page 406: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ناء، شاكرين كنا أو منعمني، وراجني قولنا هذا ومدار أمرنا إال على طاعة توجب الدعاء، وحرية توجب الث .كنا أو مرجوين

ومن صرف اهللا حاجته إىل الكرام، وعدل به عن اللئام فال يعدن نفسه يف الراغبني وال يف الطالبني املؤملني، ألن من مل جيرع مرارة املطال، ومل ميد للرحيل التسويف، ويقطع عنقه بطول االنتظار، وحيمل مكروه ذل

.ل على طمع حيثه يأس، كان خارجا من حدود املؤملنيالسؤال، وحيمومن استوىل على طمعه الثقة باإلجناز، وعلى طلبته اليقني بسرعة الظفر، وعلى ظفره اجلزيل من اإلفضال،

وعلى إفضاله العلم بقلة التثريب، بالسالم من التنغيص بالتماس الشكر، وبالبكور وبالرواح وباخلضوع إذا مث مع ذلك مل يكن ما أنعم به عليه ثوابا لسالف يد، وال تعويضا من كد، . ة إذا جلسدخل، واالستكان

.كانت النعمة حمضة خالصة، ومهذبة صافية، وهب نعمتكم اليت ابتدأمتونا هباوال تكون النعمة سابغة وال األيدي شاملة، وال الستر كثيفا ذياال، وكثري العرض مطبقا، ودون الفقر

.لى الغىن ملتحفا، حىت خيرج من عندكم، مث حيتسب إىل شاكر حرحاجزا، وع

فصل منها

وأنتم قوم تقدمتم بابتناء املكارم يف حال املهلة، وأخذمت ألنفسكم فيها بالثقة على مقادير ما مكنتم األواخي، :ولذلك قال األول. ومددمت األطناب، وثبتم القواعد

سود من يسودألمر ما ي... عزمت على إقامة ذي صباح

فىت العسكرين، وأديب املصرين مجع أرحيية الشباب، وجنابة الكهول، وحمبة -أعزه اهللا - وأبو الفرج السادة، وهباء القادة وأخالق األدباء، ورشاقة عقول الكتاب، والتغلغل إىل دقائق الصواب، واحلالوة يف

عند احملاورة، شقيق أبيه وشبه جده، حذو النعل الصدور، واملهابة يف العيون، والتقدم يف الصناعة، والسبق مل يتأخر عنهما إال يف ما ال جيوز أن يتقدمهما فيه، ومل يقصر عن شأومها إال بقدر ما . بالنعل، والقذة بالقذة

قصرا عن سنخهما، وهم وإن قصروا عن مدى آبائهم، وعن غايات أوائلهم، فلم يقصروا عن جلة ليس فيهم . لكرباء، ولست ترى تاليهم إال سابقا، ومصليهم إال للغاية جماوزاالرؤساء، وأهل السوابق من ا

.سكيت وال مبهور وال منقطع، قد نقحت أعراقهم من اإلقراف واهلجنة، ومن الشوب ولؤم العجمةومىت عاينت أبا الفرج وكماله، ورأيت ديباجته ومجاله، علمت أنه مل يكن يف ضرائبهم وقدمي جنلهم، خارجي

لنسب، وال جمهول املركب، وال هبيم مصمت، وال كثري األوضاح مغرب، بل ال ترى إال كل أغر حمجل، ا .وكل ضخم احملزم هيكل

إين لست أخرب عن املوتى وال أستشهد الغيب، وال أستدل باملختلف فيه وال الغامض الذي تعظم املؤنة يف عواي ظاهر يف مشائلهم؛ واألخبار مستفيضة، تعرفه، والشاهد لقويل يلوح يف وجوههم، والربهان على د

.والشهود متعاونة .وأنت حني ترى عتق تلك الديباجة، ورونق ذلك املنظر، علمت أن التالد هو قياد هذا الطارف

Page 407: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ذاما وال شائنا وال عائبا وال هاجيا، بل مل أجد مادحا قط إال -أدام اهللا كرامته -أما أنا فلم أر أليب الفرج قال . مسع تسابق إىل تلك املعاين، وال رأيت واصفا له قط إال وكل من حضر يهش له ويرتاح لقولهومن

:الطرماح ورأب الثأى والصرب عند املواطن... هل اجملد إال السودد العود والندى

ولكن هل اجملد إال كرم األرومة واحلسب، وبعد اهلمة، وكثرة األدب، والثبات على العهد إذا زلت قدام، وتوكيد العقد إذا احنلت معاقد الكرام، وإال التواضع عند حدوث النعمة، واحتمال كل العثرة، األ

.والنفاذ يف الكتابة، واإلشراف على الصناعةوالكتاب هو القطب الذي عليه مدار علم ما يف العامل وآداب امللوك، وتلخيص األلفاظ، والغوص على

ار ما يف الضمائر بأسهل القول، والتمييز بني احلجة والشبهة وبني املفرد املعاين السداد، والتخلص إىل إظه .واملشترك، وبني املقصور واملبسوط، وبني ما حيتمل التأويل مما ال حيتمله، وبني السليم واملعتل

فبارك اهللا هلم فيما أعطاهم، ورزقهم الشكر على ما خوهلم، وجعل ذلك موصوال بالسالمة، ومبا خط هلم .السعادة، إنه مسيع قريب، فعال ملا يريد من

فصل من صدر كتابه يف استحقاق اإلمامة

.بعون اهللا تعاىل نقول، وإليه نقصد، وإياه ندعو، وعلى اهللا قصد السبيلويف اإلخبار عنهما غىن عمن . زيدي، ورافضي، وبقيتهم نزر جاء الزما هلم: أعلم أن الشيعة رجالن

.سوامهاأوهلا القدم : وجدنا الفضل يف الفعل دون غريه، ووجدنا الفعل كله على أربعة أقسام: يديةقالت علماء الز

.يف اإلسالم، حيث ال رغبة وال رهبة إال من اهللا تعاىل وإليهمث الزهد يف الدنيا، فإن أزهد الناس يف الدنيا أرغبهم يف اآلخرة وآمنهم على نفيس املال، وعقائل النساء،

.وإراقة الدماء .مث الفقه الذي به يعرف الناس مصاحل دنياهم، ومراشد دينهم

فليس وراء بذل . مث املشي بالسيف كفاحا بالذب عن اإلسالم، وتأسيس الدين، وقتل عدوه، وإحياء وليه .املهجة واستفراغ القوة غاية يطلبها طالب، ويرجتيها راغب

تمعة يف رجل دون الناس كلهم وجب علينا تفضيله فمىت رأينا هذه اخلصال جم. ومل جند فعال خامسا فنذكرهعليهم، وتقدميه دوهنم وذلك أنا إذا سألنا العلماء والفقهاء، وأصحاب األخبار ومحال اآلثار، عن أول الناس

. خباب: وقال قوم. زيد بن حارثة: وقال آخرون. أبو بكر: وقال فريق منهم. علي: إسالما، قال فريق منهممن هذه الفرق قاطعا لعذر صاحبه، وال ناقال له عن مذهبه، وإن كانت الرواية يف تقدم ومل جند كل واحد

.علي أكثر، واللفظ به أظهر

Page 408: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

. وكذلك إذا سألناهم عن الذابني عن اإلسالم مبهجهم، واملاشني إىل األقران بسيوفهم، وجدناهم خمتلفنيأبو دجانة، : ابن عفراء، ومن قائل يقول: قولالزبري، ومن قائل ي: علي، ومن قائل يقول: فمن قائل يقول .الرباء بن مالك: طلحة، ومن قائل يقول: حممد بن مسلمة، ومن قائل يقول: ومن قائل يقولمن قتل األقران والفرسان واألكفاء، ما ليس هلم، فال أقل من أن يكون -رضي اهللا عنه -على أن لعلي .يف طبقتهم

على أن . علي، وعمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأيب بن كعب: قالواوإن حنن سألناهم عن الفقهاء عليا كان أفقههم، ألنه كان يسأل وال يسأل، ويفيت وال يستفيت، وحيتاج إليه وال حيتاج إليهم، ولكن ال أقل

.من أن جنعله يف طبقتهم وكأحدهم: ض الدنيا وخلعها والزهد فيها، قالواوإن حنن سألناهم عن أهل الزهادة وأصحاب التقشف، واملعروفني برف

على أن عليا أزهدهم؛ ألنه . علي، وأبو الدرداء، ومعاذ، وأبو ذر، وعمار، وبالل، وعثمان بن مظعونشاركهم يف خشونة امللبس وخشونة املأكل، والرضا باليسري، والتبلغ باحلقري وظلف النفس عن الفضول،

ت األموال، ورقاب العرب والعجم، فكان ينضح بيت املال يف وفارقهم بأن ملك بيو. وخمالفة الشهواتورقع سراويله بأدم، وقطع ما فضل من كميه عن أطراف أصابعه بالشفرة، . كل مجعة، ويصلي فيه ركعتني

وعبادة العامل ليست كعبادة غريه، كما . مع أن زهده هو أفضل من زهدهم؛ ألنه أعلم منهم. يف أمور كثرية .لة غريه، فال أقل من أن يعد يف طبقتهمأن زلته ليست كز

ومل جندهم ذكروا أليب بكر، وزيد، وخباب، مثل الذي ذكروا له من بذل النفس والعناء، والذب عن ومل جندهم ذكروا البن عفراء، . اإلسالم بالسيف، وال ذكروهم يف طبقة الفقهاء وأهل القدم يف اإلسالم

وال . ، مثل الذي ذكروا له من التقدم يف اإلسالم والزهد والفقهوالزبري، وأيب دجانة، والرباء بن مالكوال . ذكروا أبا بكر، وزيدا، وخبابا، يف طبقة عمرو بن مسعود، وأيب بن كعب، كما ذكروا عليا يف طبقتهم

ذكروا أبا بكر، وزيدا، وخبابا، يف طبقة معاذ، وأيب الدرداء، وأيب، وعمار، وبالل، وعثمان بن مظعون، .كما ذكروا عليا يف طبقتهم

فلما رأينا هذه األمور جمتمعة فيه، ومتفرقة يف غريه من أصحاب هذه املراتب، وأهل هذه الطبقات، الذين هم الغايات، علمنا أنه أفضل، وأن كل واحد منهم وإن كان قد أخذ من كل خري بنصيب، فإنه لن يبلغ

.مبلغ من قد اجتمع له اخلري وصنوفه .وتقدميه على غريه -رضوان اهللا عليه - هذه الطبقة من الزيدية على تفضيل علي فهذا دليل

. وزعموا أن عليا كان أوالهم باخلالفة، إال أهنم كانوا على غريه أقل فسادا واضطرابا، وأقل طعنا وخالفا، أو أخاه أو ابن فمن رجل قد قتل علي أباه أو ابنه: وذلك أن العرب وقريشا كانوا يف أمره على طبقات

عمه، أو محيمه أو صفيه، أو سيده أو فارسه، فهو بني مضطغن قد أصر على حقده، ينتظر الفرصة ويترقب .الدائرة، قد كشف قناعه، وأبدى عداوته

ومن رجل قد زمل غيظه وأكمل ضغنه، يرى أن سترمها يف نفسه، ومداراة عدوه، أبلغ يف التدبري، وأقرب زيه أدىن علة حتدث، وأول تأويل يعرض، أو فتنة تنجم؛ فهو يرصد الفرصة ويترقب من الظفر، فإن ما جي

Page 409: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.الفتنة، حىت يصول صولة األسد، ويروغ روغان الثعلب، فيشفي غليله، ويربد ثائرهوإذا كان العدو كذلك كان غري مأمون عليه سرف الغضب، وإن ميوه له الشيطان الوثوب، ويزين له

فإذا كان القلب كذلك اشتد حتفظه ومل يقو .أتاه، وكيف خيتله من طريق هواهالطلب؛ ألنه قد عرف ماحتراسه، وكان بعرض هلكة وعلى جناح تغرير؛ ألنه منقسم الرأي متفرق النفس،قد اعتلج على قلبه غيظ

الثأر على قرب عهده بأخالق اجلاهلية، وعادة العرب من الثأر وتذكر األحقاد واألمر القدمي، وشدة .ميمالتص

.ومن رجل غمته حداثته، وأنف أن يلي عليه أصغر منه .ومن رجل عرف شدته يف أمره، وقلة اغتفاره يف دينه،وخشونة مذهبه

ومن رجل كره أن يكون امللك والنبوة يثبتان يف نصاب واحد، وينبتان يف مغرس واحد، ألن ذلك أقطع خاصة يف بين عبد مناف، األقرب فاألقرب، ألطماع قريش أن يعود امللك دولة يف قبائلها، ومن قريش

واألدىن فاألدىن، ألن الرحم كلما كانت أمس، واجلوار أقرب، والصناعة أشكل، كان احلسد أشد، والغيظ فكان أقرب األمور إىل حمبتهم إخراج اخلالفة من ذلك املعدن، ترفيها عن أنفسهم من أمل الغيظ، . أفرط

.وكمد احلسد

فصل منها

لناس مهج هامج، ورعاع منتشر، ال نظام هلم، وال اختيار عندهم، وأعراب أجالف، وأشباه وضرب من ااألعراب، يفترقون من حيث جيتمعون، وجيتمعون من حيث يفترقون، ال تدفع صولتهم إذا هاجوا، وال يؤمن

القادة، وأهل هم موكلون ببغض . إن أخصبوا طغوا يف البالد وإن أجدبوا آثروا العناد. هتيجهم إذا سكنوا .الثراء والنعمة، يتمنون له النكبة، ويشمتون بالعشرية، ويسرون باجلولة، ويترقبون الدائرة

فلما كان الناس عند علي وأيب بكر على الطبقات اليت نزلنا، واملراتب اليت رتبنا، أشفق علي أن يظهر إرادة ه النظر للدين إىل الكف عن اإلظهار، القيام بأمر الناس خمافة أن يتكلم متكلم أو يشغب شاغب، فدعا

.والتجايف عن األمر، فاغتفر اجملهول ضنا بالدين، وإيثارا لآلجلة على العاجلة .فدل ذلك على رجاجة حلمه، وقلة حرصه، وسعة صدره، وشدة زهده، وفرط مساحته، وأصالة رأيه

وقد علم بعد ذلك أن . صلحتهموعلم أن هلكتهم ال تقوم بإزاء صرف ما بني حاله وحال أيب بكر يف ممسيلمة قد أطبق عليه أهل اليمامة ومن حوهلا من أهل البادية، وهم القوم الذين ال يصطلى بنارهم، وال

يطمع يف ضعفهم وقلة عددهم، فكان الصواب ما رآه علي من الكف عن حتريك اهلرج، إذ أبصر أسباب هرجة وحدثت بينهم فرقة، كان حرب بوارهم أغلب الفنت شارعة، وشواكل الفساد بادية، ولو هرج القوم

.من الطمع يف سالمتهموقد كان أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وفضالء أصحابه، يعرفون من تلك اآلراء شبيها مبا يعرفه علي، ين علة فعلموا أن أول أحكام الدين املبادرة إىل إقامة إمام املسلمني، لئال يكونوا نشرا، ولئال جيعلوا للمفسد

فكان أبو بكر أصلح الناس هلا بعد علي، فأصاب يف قيامه، واملسلمون يف إقامته، وعلي يف تسويغه . وسببا

Page 410: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فلما قمع اهللا تعاىل أهل الردة بسيف النقمة، وأباد النفاق، . والرضا بواليته منعقدة منه على اإلسالم وأهلهلضغائن، راح احلق إىل أهله، وعاد األمر إىل وقتل مسيلمة وأسر طلحة، ومات أصحاب األوتار، وفنيت ا

.صاحبهإما : وقد يكون الرجل أفضل الناس ويلي عليه من هو دونه يف الفضل حىت يكلفه اهللا طاعته وتقدميه: قالوا

للمصلحة واإلشفاق من الفتنة كما ذكرنا وفسرنا، وإما للتغليط يف احملنة وتشديد البلوى والكلفة، كما قال واملالئكة أفضل من آدم، وألن " . اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس أىب واستكرب : " للمالئكةاهللا تعاىل

جربيل وميكائيل وإسرافيل عند اهللا من املقربني قبل خلق آدم بدهر طويل، ملا قدمت من العبادة واحتملت صلى اهللا عليه وسلم، وكما ملك اهللا طالوت على بين إسرائيل وفيهم يومئذ داود نيب اهللا. من ثقل الطاعة

إن اهللا قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أىن يكون له : " وهو نبيهم الذي أخرب اهللا عنه يف القرآن بقوله تعاىل .إىل آخر اآلية" امللك علينا

فصل من صدر رسالته يف استنجاز الوعد

" .اطلبوا احلاجات من حسان الوجوه : " قد شاع اخلرب وسار املثل بقوهلمفإن كان الوجه إمنا وقع على الوجه الذي فيه الناظر والسامع، والشام والذائق، إذا كان حسنا مجيال،

.وعتيقا هبيا، فوجهك الذي ال خييل على أحد كماله، ال خيطىء حوالهوإن كان ذكر الوجه إمنا يقع على حسن وجه املطلب ومجاله على جهة الرغبة؛ وإن كان ذلك على طريق

ل، وعلى سبيل اللفظ املشتق من اللفظ، والفرع املأخوذ من األصل، فوجه املطلب إليك أفضل الوجوه املثوهو املنهج الفسيح واملتجر الربيح؛ ومجاله ظاهر، ونفعه حاضر، وخريه غامر، . وأسناها، وأصوهنا وأرضاها

ن، ودعا إليه بلني اخلطاب، وأظهر إال أن اهللا تعاىل قرنه مع ذلك باليمن، وسهله باليسر، وحببه بالبشر احلسيف أمسائكم وأمساء آبائكم ويف كناكم وكىن إخوانكم، من برهان الفأل احلسن ونفي الطرية السيئة ما مجع

لكم به صنوف األمل، وصرف إليكم وجوه املطالب؛ فاجتمع فيكم متام القوام وبراعة اجلمال، والبشر عند ، وقلة البذخ باملرتبة الرفيعة، والزيادة يف اإلنصاف عند النعمة اللقاء، ولني اخلطاب والكنف للخلطاء

. فجعل الناس وعدكم من أكرم الوعد، وعقدكم من أوثق العقد، وإطماعكم من أصح اإلجناز. احلادثةوعلموا أنكم تؤيسون يف مواضع اليأس، وتطمعون يف مواضع الضمان، وأن األمور عندكم موزونة معدلة،

.حمصلةواألسباب مقدرة .هذا مع الصولة والتصميم يف موضع التصميم

.والتقية أحزم، والصفح إذا كان الصفح أكرم، والرمحة ملن استرحم، والعقاب ملن صمممث املعرفة بفرق ما بني اعتزام الغمر واعتزام املستبصر، وفصل ما بني اعتزام الشجاع والبطل، وبني إقدام

.اجلاهل واملتهورا شاهدوه منكم، وعاينوه من تدبري، وعرفوه من تصرف حاالتكم، أين مل أتزيد لكم، ومل وقد علم الناس مب

Page 411: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وخري املديح ما وافق مجال املمدوح، وأصدق الصفات ما شاكل مذهب . أتكلف فيكم ما ليس عندكمر ومىت خالف هذه القضية وجانب احلقيقة، ضا. املوصوف، وشهد له أهل العيان الظاهر، واخلرب املتظاهر

.املادح ومل ينفع املمدوحهذا إىل الثبات على العهد، وإحكام العقد، مع الوفاء العجيب، والرأي املصيب، ومتام ذلك وكماله، وسناء

.ذلك وهبائه، وكثرة الشهود لكم، وإمجاع الناس على ذلك فيكمكان شريكهم يف ومن أثاب الكذابني على كذهبم. ومن قبل لنفسه مدحيا ال يعرف به كان كمادح نفسه

.إمثهم، وشقيقهم يف سخفهم، بل كان احملتقب لكربه، احملتمل لوزره، إذ كان املثيب عليه والداعي إليهمعاذ اهللا أن نقول إال معروفا غري جمهول، ونصف إال صحيحا غري مدخول، أو نكون ممن يتودد بامللق،

! وأبعد اهللا احلرص وأخزى الشره والطمع. قريبويتقحم على أهل األقدار شرها إىل مال، أو حرصا على ت .فإن شك شاك أو توقف مرتاب فليعترض العامة، وليتصفح ما عند اخلاصة حىت يتبني الصبح

" . إذا أبردمت الربيد فاجعلوه حسن الوجه، حسن االسم : " وقالوا يف تأديب الوالة وتقدمي تدبري الكفاة .رم الضريبة، وشرف العرقفكيف إذا قارن حسن الوجه وحسن االسم ك

وأعيان األعراق الكرمية، واألخالق الشريفة، إذا استجمعت هذا االستجماع، واقترنت هذا االقتران، كان .أمت للنعمة، وأبرع للفضيلة وكانت الوسيلة إليها أسهل، واملأخذ حنوها أقرب، واألسباب أمنت

ذي يربد الربيد أوىل هبا من الربيد، وكان مقوم فإذا انتظمت يف هذا السلك، ومجعها هذا النظم، كان الالبالد أحق هبا من حاشيته الكفاة، إذ التأميل ال جيمع أوجه الصواب، وال حيصي خمارج األسباب، وال يظهر

.برهانه ويقوى سلطانه، حىت يصيب املعدنواىف إليه معاين الكرم ولن يكون موضع الرغبة معدنا إال بعد اشتماله على ترادف خصال الشرف وبعد أن يت .باألعراق الكرمية، والعادات احلسنة، على حادث يشهد ملتقادم، وطارف يدل على تالد

وإن كان الشأن يف صناعة الكالم ويف القدم . فإذا كان األمل خيرب باحلسب فاحلسب ثاقب، واجملد راسخذهب عنه جاحد، وال يستطيع والرياسة، ويف خلف يأثره عن سلف، وآخر يلقاه عن أول، فلكم ما ال ي

.جحده معاند

فصل منها

وأمساؤكم وكناكم بني فرج وجنح، وبني سالمة وفضل، ووجوهكم وفق أمسائكم، وأخالقكم وفق أعراقكم، .مل يضرب التفاوت فيكم بنصيب

.وبعد هذا فإين أستغفر اهللا من تفريطي يف حقوقكم، وأستوهبه طول رقديت عما فرضته لكمينبو السيف . كان هذا الذي قلنا على إخالص وصحة عهد، وعلى صدق سرية وثبات عقدوال ضري إن

.وهو حسام، ويكبو الطرف وهو جواد، وينسى الذكور، ويغفل الفطن .ونعوذ باهللا تعاىل من العمى بعد البصرية، واحلرية بعد لزوم اجلادة

وعلى اهللا . د وسرعة اإلجناز ومتام الضمانعلى ما قد بلغك من التربع بالوع - أعزه اهللا - كان أبو الفضل

Page 412: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.متام النعمة والعافية :يف حاجيت، كما وصف زيد اخليل نفسه حني يقول - أيده اهللا - وكان

مىت ما أعد شيئا فإين لغارم... وموعديت حق كأن قد فعلتها نه ال شاهد أصدق على مل يضع الشبه إال يف موضعه، أل: ، تقول" من أشبه أباه فما ظلم : " وتقول العرب

.غيب نسبه وخفي جنله من الشبه القائم فيه، الظاهر عليه .خلقه وخلقه، وفعله وعزمه، وعز الشهامة، والنفس التامة: شيخك -أبقاك اهللا - وقد تقيلت

.ةومرجع األفعال إىل الطبائع، ومدار الطبائع على جودة اليقني وقوة املنة، وهبما تتم العزمية، وتنفذ البصري .هذا مع ما قسم اهللا لك من احملبة ومنحك من املقة، وسلمك عنه من املذمة

واهللا لو مل يكن فيكم من خصال احلرية وخالل النفوس األبية إال أنكم ال تدينون بالنفاق، وال تعدون .بالكذب وال تستعملون املواربة يف موضع االستقامة، وحيث جتب الثقة

اعيد صرفا، وال تتكلون على ماللة الطالب، وال عجز الراغب، إذا استنفدت وال يكون حظ األحرار باملوأيامه، وعجزت نفقته، وماتت أسبابه، بل تعجلون هلم الراحة عند تعذر األمور إليكم باإلياس، وحتققون

.أطماعهم عند إمكان األمور لكم باإلجناح

فصل منها

ال تزرع احملبة إال وحتصد الشكر، وال تكثر -سئول أيها الكرمي املأمول، واملستعطف امل - وإنك واهللا املودات إال إذا أكثر الناس األموال، وال يشيع لك طيب األحدوثة ومجال احلال يف العشرية، إال لتجرع

ولن تنهض بأعباء املكارم اليت توجبها النعمة وتفرضها املرتبة حىت تستشعر التفكر يف . مرار املكروه، والقيام حبسن ظنهم، وحىت ترمحهم من طول االنتظار، وترق عليهم من موت األمل التخلص إىل إغنائهم

وإحياء القنوط، وحىت تتغلغل ذلك باحليل اللطيفة، والعناية الشديدة الشريفة، وحىت تتوخى الساعات، .وتنتهز الفرص يف احلاالت، وتتخري من األلفاظ أرقها مسلكا، وأحسنها قبوال، وأجودها وقوعا

فصل من صدر رسالته يف تفضيل النطق على الصمت

.أمتع اهللا بك وأبقى نعمه عندك؛ وجعلك ممن إذا عرف احلق انقاد له، وإذا رأى الباطل أنكره وتزحزح عنهقد قرأت كتابك فيما وصفت من فضيلة الصمت، وشرحت من مناقب السكوت، وخلصت من وضوح

ت يف جمرى فنون األقاويل فيهما، وذكرت أنك وجدت أسباهبما، وأمحدت من منفعة عاقبتهما وجريالصمت أفضل من الكالم يف مواطن كثرية وإن كان صوابا، وألفيت السكون أمحد من املنطق يف مواضع

.مجة، وإن كان حقاإن حفظ اللسان أمثل من التورط : وزعمت أن اللسان من مسالك اخلنا، اجلالب على صاحبه البال وقلت

.يف الكالم

Page 413: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ومسيت البليغ مكثارا واخلطيب . مسيت الغيب عاقال، والصامت حليما، والساكت لبيبا، واملطرق مفكراو .مهذارا والفصيح مفرطا، واملنطيق مطنبا

إنك مل تندم على الصمت قط، وإن كان منك عيا، وأنك ندمت على الكالم مرارا وإن كان منك : وقلت .صوابا

كسرى أنو شروان، واعتصامك فيها مبا سار من أقاويل الشعراء واملتسق من واحتجاجك يف ذلك بقول .كالم األدباء، وإفراطهم يف مذمة الكالم، وإطناهبم يف حممدة السكوت

على مجيع ما ذكرت من ذلك، ووصفت وخلصت، وشرحت وأطنبت فيها -حفظك اهللا - وأتيت يت بالعزم، فوجدهتا كالم امرىء قد أعجب برأيه وفرطت بالفهم، وتصفحتها بالعلم، وحبثت باحلزم، ووع

.وارتطم يف هواه، وظن أنه قد نسج فيها كالما، وألف ألفاظا ونسق له معاين على حنو مأخذهوأن . ومقصده أن ال يلفي له ناقضا يف دهره بعد أن أبرمها، وال جيد فيها مناويا يف عصره بعد أن أحكمها

. دحضت حجة قاطبة أهل األديان، ملا شرح فيها من الربهان، وأوضح بالبيانحجته قد لزمت مجيع األنام، ووحىت كان القول من القائل نقضا، ورفع الوصف من الواصف تغلبا، وكان يف موضع ال ينازعه فيه أحد،

ل وقلما جيد من خياصمه، وال يلفي أبدا من يناضله، وصار فلجا حبجته أوحديا يف هلجته، إذ كان حمله حم .الوحدة، واألنس باخللوة، وكان مثله يف ذلك مثل من ختلص إىل احلاكم وحده فلج حبجته

وإين سأوضح ذلك بربهان قاطع، وبيان ساطع، وأشرح فيه من احلجج ما يظهر، ومن احلق ما يقهر، بقدر وال . كاره وجحدهما أتت عليه معرفيت، وبلغته قويت، وملكته طاقيت، مبا ال يستطيع أحد رده، وال ميكنه إن

.قوة إال باهللا، وبه أستعني، وعليه أتوكل وإليه أنيب .إين وجدت فضيلة الكالم باهرة، ومنقبة املنطق ظاهرة، يف خالل كثرية، وخصال معروفة

.أنك ال تؤدي شكر اهللا وال تقدر على إظهاره إال بالكالم: منهاوهذان يف العاجل واآلجل مع . ماربك إال باللسان أنك ال تستطيع العبارة عن حاجاتك واإلبانة عن: ومنها

أشياء كثرية لو ينحوها اإلنسان لوجدها يف املعقول موجودة، ويف احملصول معلومة وعند احلقائق مشتهرة، .ويف التدبري ظاهرة

. ومل أجد للصمت فضال على الكالم مما حيتمله القياس، ألنك تصف الصمت بالكالم، وال تصف الكالم بهو كان الصمت أفضل والسكوت أمثل ملا عرف لآلدميني فضل على غريهم، وال فرق بينهم وبني شيء ول

من أنواع احليوان وأخياف اخللق يف أصناف جواهرها واختالف طبائعها، وافتراق حاالهتا وأجناس أبداهنا يف املنحوتة، وكان كل قائم وقاعد، بل مل ميكن أن مييز بينهم وبني األصنام املنصوبة واألوثان. أعياهنا وألواهنا

ومتحرك وساكن، ومنصوب وثابت، يف شرع سواء ومنزلة واحدة، وقسمة مشاكلة؛ إذ كانوا يف معىن ولذلك صارت األشياء خمتلفة يف املعاين، مؤتلفة . الصمت باجلثة واحدا، ويف معىن الكالم باملنطق متباينا

تركيب جواهرها، وتأليف أجزائها، وكمال أبداهنا، ويف معىن األشكال، إذ كانت يف أشكال خلقتها متفقة ب .الكمال متباينة عند مفهوم نغماهتا، ومنظوم ألفاظها، وبيان معاملها وعدل شواهدها

Page 414: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مع أين مل أنكر فضيلة الصمت، ومل أهجن ذكره إال أن فضله خاص دون عام، وفضل الكالم خاص وعام، ولعله أن يكون بكلمة . ان حظهما أكثر، ونصيبهما أوفر من الواحدوأن االثنني إذا اشتمل عليهما فضل ك

.واحدة جناة خلق، وخالص أمةومن أكثر ما يذكر للساكت من الفضل، ويوصف له من املنقبة أن يقال يسكت ليتوقى به عن اإلمث، وذلك

.فضل خاص دون عامذنب على التوهم به، فيجتمع مع ومن أقل ما حيتكم عليه أن يقال غيب أو جاهل، فيكون يف ذلك الزم

.وقوع اسم اجلاهل عليه ما ورط فيه صاحبه من الوزروالذي ذكر من تفضيل الكالم ما ينطق به القرآن، وجاءت فيه الروايات عن الثقات، يف األحاديث ر من املنقوالت، واألقاصيص املرويات، والسمر واحلكايات، وما تكلمت به اخلطباء ونطقت فيه البلغاء أكث .أن يبلغ آخرها، ويدرك أوهلا، ولكن قد ذكرت من ذلك على قدر الكفاية، ومن اهللا التوفيق واهلداية

أمحد يف موضع إال وكان الكالم فيه أمحد، لتسارع الناس إىل تفضيل - أسعدك اهللا - ومل نر الصمت .الكالم، لظهور علته، ووضوح جليته، ومغبة نفعه

: صة إبراهيم عليه السالم حني كسر األصنام وجعلها جذاذا، فقال حكاية عنهموقد ذكر اهللا جل وعز يف قفكان " . قال بل فعله كبريهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون . قالوا أأنت فعلت هذا بآهلتنا يا إبراهيم"

، ألنه كالمه سببا لنجاته، وعلة خلالصه، وكان كالمه عند ذلك أمحد من صمت غريه يف مثل ذلك املوضععليه السالم لو سكت عند سؤاهلم إياه مل يكن سكوته إال على بصر وعلم، وإمنا تكلم ألنه رأى الكالم .أفضل، وأن من تكلم فأحسن قدر أن يسكت فيحسن، وليس من سكت فأحسن قدر أن يتكلم فيحسن

.أن الكالم سبب إلجياب الفضل، وهداية إىل معرفة أهل الطول -حفظك اهللا - واعلم ولوال الكالم مل يكن يعرف الفاضل من املفضول، يف معان كثرية، لقول اهللا عز وجل، يف بيان يوسف عليه

فلو مل يكن يوسف عليه " . إنك اليوم لدينا مكني أمني : " السالم وكالمه عند عزيز مصر، ملا كلمه فقالأخالقه الطاهرة، وطبائعه الشريفة، ملا السالم أظهر فضله بالكالم، واإلفصاح بالبيان، مع حماسنه املونقة، و

عرف العزيز فضله، وال بلغ تلك املنزلة لديه، وال حل ذلك احملل منه، وال صار عنده مبوضع األمانة، ولكان ولكن اهللا جعل كالمه سببا لرفع منزلته، وعلو مرتبته، وعلة ملعرفة . يف عداد غريه ومنزلة سواه عند العزيز

.يل العزيز إياهفضيلته، ووسيلة لتفضومل أر للصمت فضيلة يف معىن وال للسكوت منقبة يف شيء إال وفضيلة الكالم فيها أكثر، ونصيب املنطق

وكفى بالكالم فضال، وباملنطق منقبة، أن جعل اهللا الكالم سبيل هتليله . عندها أوفر، واللفظ هبا أشهرومل يرض من أحد من خلقه إميانا إال . يل إىل رضوانهوحتميده، والدال على معامل دينه وشرائع إميانه، والدل

باإلقرار، وجعل مسلكه اللسان، وجمراه فيه البيان، وصريه املعرب عما يضمره واملبني عما خيربه، واملنىبء عن .والقلب وعاء واع. وهو ترمجان القلب. ما ال يستطيع بيانه إال به

وإمنا قاتل النيب صلى . إدراك احلق والصواب يف إصابة املعىنومل حيمد الصمت من أحد إال توقيا لعجزه عن اهللا عليه وسلم املشركني عند جهلهم اهللا تعاىل وإنكارهم إياه، ليقروا به، فإذا فعلوه حقنت دماؤهم،

Page 415: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ولو أهنم سكتوا ضنا بدينهم مل يكن سبيلهم إال العطب. وحرمت أمواهلم، ورعيت ذمتهم .اخلري ال من أسباب الشر فاعلم أن الكالم من أسباب

سبيل التمييز بني الناس والبهائم، وسبب املعرفة لفضل اآلدميني على سائر احليوان، -أبقاك اهللا - والكالم .كرمهم باللسان ومجلهم بالتدبر" . ولقد كرمنا بين آدم ومحلناهم يف الرب والبحر : " قال اهللا عز وجل

لنعمة، وال أقام على أداء ما وجب عليه من الشكر سببا للزيادة، ولو مل يكن الكالم ملا استوجب أحد اواهللا . وال يعرف الشكر إال هبما. والشكر باإلظهار يف القول، واإلبانة باللسان. وعلة المتحان قلوب العباد

، فجعل الشكر علة لوجوب الزيادة، عند إظهاره بالقول، واحلمد " لئن شكرمت ألزيدنكم : " تعاىل يقول .فتاحا للنعمةم

لو أن رجال ذكر اهللا تعاىل وآخر يسمع له كان املعدود للمستمع من األجر، : وقد جاء يف بعض اآلثار .واملذكور له من الثواب واحدا وللمتكلم به عشرة أو أكثر

أنه وجب لصاحب العشر ذلك وفضل به على صاحبه إال عند استعماله بالنطق به -أبقاك اهللا - فهل ترى فأما إذا كان الرجل نبيها مميزا، عاملا مفوها .ومل يلزم الصمت أحد إال على حسب وقوع اجلهل عليه. سانهل

من جهل علما : " ولذلك قيل. كالقداحة مل يستنب نفعها دون تزنيدها. فالصمت مهجن لعلمه وساتر لفضله " .عاداه

فصل منها

.، وال مذكورا يف احملافلومل أجد الصامت مستعانا به يف شيء من املعاينوإن أصح ما . ومل يذكر اخلطباء وال قدمتهم الوفود عند اخللفاء إال ملا عرفوه من فضل لساهنم وفضيلة بياهنم

يوجد يف املعقول، وأوضح ما يعد يف احملصول للعرب من الفضل، فصاحتها وحسن منطقها، بعد فضائلها .املذكورة، وأيامها املشهورة

حة وحسن البيان بعث اهللا تعاىل أفضل أنبيائه وأكرم رسله من العرب، وجعل لسانه عربيا، ولفضل الفصافلم خيص اللسان بالبيان، ومل حيمد " . بلسان عريب مبني : " وأنزل عليه قرآنه عربيا، كما قال اهللا تعاىل

.لفظ عند السمعبالربهان إال عند وجود الفضل يف الكالم، وحسن العبارة عند املنطق، وحالوة الواعلم أن اهللا تعاىل مل يرسل رسوال وال بعث نبيا إال من كان فضله يف كالمه وبيانه كفضله على املبعوث

إليه، فكان النيب صلى اهللا عليه وسلم أفصح العرب لسانا، وأحسنهم بيانا، وأسهلهم خمارج للكالم ، مولده يف بين هاشم، وأخواله من بين زهرة، وأكثرهم فوائد من املعاين؛ ألنه كان من مجاهري العرب

ورضاعه يف بين سعد بن بكر، ومنشؤه يف قريش، ومتزوجه يف بين أسد بن عبد العزى، ومهاجره إىل بين أنا أفصح العرب بيد أين : " وقد قال النيب صلى اهللا عليه وسلم. عمرو، وهم األوس واخلزرج من األنصار

" .بكر من قريش، ونشأت يف بين سعد بنولو مل يكن مما عددنا من هؤالء األحياء إال قريش وحدها لكان فيها مستغىن عن غريها، وكفاية عن من

Page 416: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

سواها، ألن قريشا أفصح العرب لسانا وأفضلها بيانا، وأحضرها جوابا، وأحسنها بديهة، وأمجعها عند .الكالم قلبا

يشاكل هذا الباب، ويضارع هذا املثال، حذفت ذكرها مث للعرب أيضا خصال كثرية، ومشاهد كثرية، مما .خوف التطويل فيها

فصل منها

وإمنا أرسل اهللا تعاىل رسله مبشرين ومنذرين األمم، . فهذه كلها دالئل على دحض حجتك ونقض قضيتكللعلة وأمرهم باإلبالغ ليلزمهم احلجة بالكالم ال بالصمت، إذ ال يكون للرسالة بالغ وال للحجة لزوم وال

.ظهور إال بالنطق

فصل منها يف صفة من يقدر على اإلبانة

وليس يقوى على ذلك إال امرؤ يف طبيعته فضل عن احتمال حنيزته ويف قرحيته زيادة من القوة على صناعته، ويكون حظه من االقتدار يف املنطق فوق قسطه من التغلب يف الكالم، حىت ال يضع اللفظ احلر النبيل إال

نعم، وحىت يعطي اللفظ حقه من . له من املعىن، وال اللفظ الشريف الفخم إال على مثله من املعىنعلى مثالبيان، ويوفر على احلديث قسطه من الصواب، وجيزل للكالم حظه من املعىن، ويضع مجيعها مواضعها،

.ويصفها بصفتها، ويوفر عليها حقوقها من اإلعراب واإلفصاح

فصل منها

أشهر منقبة وأرفع درجة وأكمل فضال، وأظهر نفعا، وأعظم حرمة، من شيء لوال مكانه مل وبعد، فأي شيء .يثبت هللا ربوبية وال لنيب حجة، ومل يفصل بني حجة وشبهة، وبني الدليل وما يتجلى يف صورة الدليل

.مث به يعرف فضل اجلماعة من الفرقة، والشبهة من البدعة، والشذوذ من االستفاضةسبب لتعرف حقائق األديان، والقياس يف تثبيت الربوبية وتصديق الرسالة، واالمتحان للتعديل والكالم

.والتجوير واالضطرار واالختيار

فصل من صدر كتابه يف صناعة الكالم

تفضيلك صناعة الكالم، والذي خصصت به مذهب النظام، وشغفك باملبالغة يف - حفظك اهللا -ذكرت النحل، مع أنسك باجلماعة، ووحشتك من الفرقة، والذي مت عليه عزمك من النظر، وصبابتك بتهذيب

. إدامة البحث والتنقري ومن محل النفس على مكروهها من التفكري، ومن االنتساب إليهم والتعرف هبموالذي هتيأ لك من االحتساب يف األجر، والرغبة يف صاحل الذكر، والذي رأيت من النصب للرافضة

ول مفارقة املرجئة والنابتة، ولكل من اعترض عليهم، واحنرف عنهم، والذي خيص به اجلربية واملارقة، وط

Page 417: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.ويعم به املشبهةفيأيها املتكلم اجلماعي، واملتفقه السين، والنظار املعتزين، الذي مست مهته إىل صناعة الكالم مع إدبار الدنيا

مل يقنعه من األديان إال اخلالص املمتحن وال من عنها، واحتمل ما يف التعرض للعوام من الثواب عليها، ووالذي رغب بنفسه عن تقليد األغمار . النحل إال اإلبريز املهذب، وال من التمييز إال احملض املصفى

إن : واحلشوة، كما رغب عن ادعاء اإلهلام والضرورة، ورغب عن ظلم القياس بقدر رغبته يف شرف اليقنيهر مثني، وهو الكنز الذي ال يفىن وال يبلى، والصاحب الذي ال ميل وال صناعة الكالم علق نفيس، وجو

يغل، وهو العيار على كل صناعة، والزمام على كل عبارة، والقسطاس الذي به يستبان نقصان كل شيء ورجحانه، والراووق الذي به يعرف صفاء كل شيء وكدره، والذي كل أهل علم عليه عيال، وهو لكل

.حتصيل آلة ومثالأال إنه ثغر والثغر حمروس، ومحى واحلمى ممنوع، واحلرم مصون، ولن تصونه إال بابتذال نفسك دونه، ولن

والثواب على قدر املشقة، والتوفيق . متنعه إال بأن جتود مبهجتك وجمهودك، ولن حترسه إال باملخاطرة فيه .على مقدار حسن النية

وكيف ال يكون ! احلرام واحلالل املنزل، واحلرام املفصل؟ وكيف ال يكون حرما وبه عرفنا حرمة الشهر .ثغرا وكل الناس ألهله عدو، وكل األمم له مطالب

وأحق الشيء بالتعظيم، وأواله بأن حيتمل فيه كل عظيم ما كان مسلما إىل معرفة الصغري والكبري، واحلقري .لإلجياز يوم اإلجياز واإلطناب يوم اإلطناب واخلطري، وأداة إلظهار الغامض، وآلة لتخليص الغاشية، وسببا

وبه يستدل على صرف ما بني الشرين من النقصان، وعلى فضل ما بني اخلريين من الرجحان، والذي يصنع .يف العقول من العبارة وإعطاء اآللة مثل صنيع العقل يف الروح، ومثل صنيع الروح يف البدن

ت للرب ربوبية، وال لنيب حجة، ومل يفصل بني حجة وشبهة، وأي شيء أعظم من شيء لوال مكانه مل يثبوبه يعرف اجلماعة من الفرقة، والسنة من البدعة، والشذوذ من . وبني الدليل وما يتخيل يف صورة الدليل

.االستفاضة

فصل منه

ول، واعلم أن لصناعة الكالم آفات كثرية، وضروبا من املكروه عجيبة، منها ما هو ظاهر للعيون والعقومنها ما يدرك بالعقول وال يظهر للعيون، وبعضها وإن مل يظهر للعيون وكان مما يظهر للعقول فإنه ال يظهر إال لكل عقل سليم جيد التركيب، وذهن صحيح خالص اجلوهر، مث ال يدركه أيضا إال بعد إدمان الفكر،

فإن أراد املبالغة وبلوغ أقصى . لصابروإال بعد دراسة الكتب، وإال بعد مناظرة الشكل الباهر، واملعلم االنهاية، فال بد من شهوة قوية، ومن تفضيله على كل صناعة، مع اليقني بأنه مىت اجتهد أجنح، ومىت أدمن

.قرع الباب وجل .فإذا أعطى العلم حقه من الرغبة فيه، أعطاه حقه من الثواب عليه

Page 418: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فصل منه

ها أنه قد أحسنها كلها، وكل من خاصم فيها ظن أنه ومن آفات صناعة الكالم أن يرى من أحسن بعضوأيضا أنه يعرض عن أهله . فوق من خاصمه حىت يرى املبتدىء أنه كاملنتهي وخييل إىل الغيب أنه فوق الذكي

وينصب ألصحابه من مل ينظر يف علم قط، ومل خيض يف أدب منذ كان، ومل يدر ما التمثيل وال التحصيل، وال .ال والتفكريفرق ما بني اإلمه

وهذه اآلفات ال تعتري احلساب وال الكتاب، وال أصحاب النحو والعروض، وال أصحاب اخلرب ومحال السري، وال حفاظ اآلثار وال رواة األشعار، وال أصحاب الفرائض، وال اخلطباء وال الشعراء، وال أصحاب

ألطباء وال املنجمني وال املهندسني، وال األحكام ومن يفيت يف احلالل واحلرام، وال أصحاب التأويل، وال ا .لذي صناعة وال لذي جتارة، وال لذي عيلة وال لذي مسألة

. فهم هلذه البلية خمصوصون، وعليها مقصورون، فللصابر منهم من األجر حسب ما خص به من الصرب .وهي الصناعة ال يكاد تظهر قوهتا وال يبلغ أقصاها إال مع حضور اخلصم

صم يبلغ حمبته منها إال برفع الصوت وحركة اليد، وال يكاد اجتماعهما يكون إال يف احملفل وال يكاد اخلالعظيم واالحتشاد من اخلصوم، وال حتتفل نفوسهما، وال جتتمع قوهتما، وال جتود القوة مبكنوهنا وتعطي

ال داعية إىل حب وهذه احل. أقصى ذخريهتا، اليت استخزنت ليوم فقرها وحاجتها، إال يوم مجع وساعة حفل .الغلبة

وطول رفع الصوت مع التغلب، وإفساد التغلب طباع . وليس شيء أدعى إىل التغلب من حب الغلبة .ومىت خرجا من حد االعتدال أخطآ جهة القصد. املفسد، يوجبان فساد النية، ومينعان من درك احلقيقةحممول عليه ومبخوس حظه وباب الظلم إليه فهو أبدا. وعلم الكالم بعد ملقى من الظلم، متاح له اهلضم

.مفتوح، ال مانع له دونهوإذا كان ملقى من أكرب . والعلم مبا فيه من الضرر خيفى على أكثر العقالء، ويغمض على مجهور األدباء

العقالء، وخمذوال عند أكثر األدباء، فما ظنك مبن كان عقله ضعيفا ونظره قصريا؟ بل ما ظنك بالظلوم لغادر، والغمر اجلاسر؟ فهذا سبيل العوام فيه، وجهل عوام اخلواص به، واحنرافهم عنه، وميل امللوك عليه، ا

.وعداوة بعض لبعض فيهوصناعة الكالم كثرية الدخالء واألدعياء، قليلة اخللص واألصفياء والنجابة فيها غريبة، والشروط اليت

م من العجز ما ليس لصحيحهم، ولردي الطبع يف صناعة تستحكم هبا الصناعة بعيدة سحيقة؛ ولدعي القوالكالم من ادعاء املعرفة ما ليس للمطبوع عليها منهم، بل ال تكاد جتده إال مغمورا باحلشوة مقصودا مبخاتل

.السفلةومن مظامل صناعة الكالم عند أصحاب الصناعات أن أصحاب احلساب واهلندسة يزعمون أن سبيل الكالم

اد الرأي، وسبيل صواب احلدس، ويف طريق التقريب والتمويه، وأنه ليس العلم إال ما كان سبيل اجته. طبيعيا واضطراريا ال تأويل له، وال حيتمل معناه الوجوه املشتركة، وال يتنازع ألفاظه احلدود املتشاهبة

Page 419: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

معىن اإلتقان ويزعمون أنه ليس بني علمهم بالشيء الواحد أنه شيء واحد وأنه غري صاحبه فرق يف .واالستبانة، وثلج الصدور واحلكم بغاية الثقة

فصل منه

فلو كان هذا املهندس الذي أبرم قضيته، وهذا احلاسب الذي قد شهر حكومته، نظر يف الكالم بعقل صحيح وقرحية جيدة، وطبيعة مناسبة، وعناية تامة، وأعوان صدق وقلة شواغل، وشهوة للعلم، ويقني

فكيف مبن ال يكون عرف من صناعة الكالم ما . هتيب احلكم أزين به، والتوقي أوىل به باإلصابة، لكان .يعرفه املقتصد فيه، واملتوسط له

على أنا ما وجدنا مهندسا قط وال رأينا حاسبا يقول ذلك إال وهو ممن ال يتوقى سرف القول، وال يشفق من استبان العواقب، ووزن األمور كلها وعجم املعاين الئمة احملصلني، وقضيته قضية من قد عرف احلقائق، و

.بأسرها، وعلم من أين وثق كل واثق، ومن أين غر كل مغرورواملتكلمون ال يقرون . وعلى أهنم يقرون أن يف احلساب ما ال يعلم، وأن يف اهلندسة ما ال يدرك وال يفهم

.بذلك العجز يف صناعتهم، وبذلك النقص يف غرائزهم

فصل منه

إنه لو مل يكن يف املتكلمني من الفضل إال أهنم قد رأوا إدبار الدنيا عن علم الكالم، وإقباهلا إىل الفتيا : لوأقوواألحكام، وإمجاع الرعية والراعي على إغناء املفيت، وعلم الفتوى فرع؛ وإطباقهم على حرمان املتكلم،

ذلك احلظ، خمافة إدخال الضيم على وعلم الكالم أصل، فلم يتركوا مع ذلك تكلفه، وشحت نفوسهم عن علم األصل، وإشفاقا من أن ال تسع طبائعهم اجتماع األصل والفرع، فكان الفقر والقلة آثر عندهم مع

إحكام األصول، من الغىن والكثرة، مع حفظ الفروع، فتركوا أن يكونوا قضاة، وتركوا القضاة وتعديلهم م عليهم، مع معرفتهم بأن آلتهم أمت، وآداهبم أكمل، وألسنتهم وتركوا أن يكونوا حكاما وقنعوا بأن حيك

.أحد، ونظرهم أثقب، وحفظهم أحضر، وموضع حفظهم أحصنواملتكلم اسم يشتمل على ما بني األزرقي والغايل وعلى مادوهنا من اخلارجي والرافضي، بل على مجيع

.الشاذةالشيعة وأصناف املعتزلة، بل على مجيع املرجئة وأهل املذاهب

فصل من صدر رسالته يف مدح التجار وذم عمل السلطان

.أدام اهللا لك السالمة، وأسعدك بالنعمة، وختم لك بالسعادة، وجعلك من الفائزين

وهو على كل . فهمت كتاب صاحبك، ووقفت منه على تعد يف القول، وحيف يف احلكم؛ ومسعت قوله .، وألفاظه تطابق ألفاظهمحال حائر، وطريقه طريقهم، وكتبه تشاكل كتبهم

Page 420: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وكذلك حالنا وحال صاحب كتابك فيما يسخطه من أمرنا، أين ال أعتذر منه، وأستنكف من االنتساب إليه، بل أستحي من الكتابة، وأستنكف بأن أنسب إليها من البالغة أن أعرف هبا يف غري موضعها، ومن

.لعجب بكثري ما يكون مينالسجع أن يظهر مين، ومن الصنعة أن تعرف يف كتيب، ومن احىت إن معاوية مع ختلفه . وقدميا كره ذلك أهل املروءة واألنفة، وأهل االختيار للصواب والصد عن اخلطأ

هلو أهون علي من ذرة، أو كلب من كالب احلرة : " عن مراتب أهل السابقة، أملى كتابا إىل رجل فقال فيهكأنه كره اتصال الكالم واملزاوجة وما أشبه " . من الكالب : من كالب احلرة، واكتب: امح: " مث قال"

.السجع، وأري أنه ليس يف موضعه

فصل منه

فأما عليتهم ومصاصهم، وذوو البصائر والتمييز . وهذا الكالم ال يزال ينجم من حشوة أتباع السلطانوأحكمته التجارب، فعرف منهم، ومن فتقته الفطنة، وأرهفه التأديب، وأرهقه طول الفكر وجرى فيه احلياء

العواقب وأحكم التفصيل وتبطن غوامض التحصيل، فإهنم يعترفون بفضيلة التجار ويتمنون حاهلم، وحيكمون هلم بالسالمة يف الدين، وطيب الطعمة، ويعلمون أهنم أودع الناس بدنا وأهنؤهم عيشا، وآمنهم

يهم أهل احلاجات، وينزع إليهم ملتمسو البياعات، ال سربا، ألهنم يف أفنيتهم كامللوك على أسرهتم، يرغب إل .تلحقهم الذلة يف مكاسبهم، وال يستعبدهم الضرع ملعامالهتم

وليس هكذا من البس السلطان بنفسه، وقاربه خبدمته؛ فإن أولئك لباسهم الذلة، وشعارهم امللق، وقلوهبم ها ترقب االحتياج؛ فهم مع هذا يف تكدير ممن هم هلم خول مملوءة، قد لبسها الرعب، وألفها الذل، وصحب

فإن هي حلت . وتنغيص، خوفا من سطوة الرئيس وتنكيل الصاحب، وتغيري الدول، واعتراض حلول احملن .هبم، وكثريا ما حتل، فناهيك هبم مرحومني يرق هلم األعداء فضال عن األولياء

من قد نال الرفاهية والدعة، وسلم من البوائق، فكيف ال مييز بني من هذا مثرة اختياره وغاية حتصيله، وبنيمع كثرة اإلثراء وقضاء اللذات، من غري منة ألحد، وال منة يعتد هبا رئيس ومن هو من نعم املفضلني خلي، وبني من قد استرقه املعروف، واستعبده الطمع، ولزمه ثقل الصنيعة، وطوق عنقه االمتنان، واسترهن بتحمل

.الشكر

فصل منها

قد علم املسلمون أن خرية اهللا تعاىل من خلقه، وصفيه من عباده، واملؤمتن على وحيه، من أهل بيت و .التجارة، وهي معوهلم وعليها معتمدهم، وهي صناعة سلفهم، وسرية خلفهم

ولقد بلغتك بسالتهم، ووصفت لك جالدهتم، ونعتت لك أحالمهم، وتقرر لك سخاؤهم وضيافتهم، " .هللا در الديار لقريش التجار " ولذلك قالت كاهنة اليمن . وبالتجارة كانوا يعرفون. وبذهلم ومواساهتم

هامشي، وزهري وتيمي؛ ألنه مل يكن هلم أب يسمى قريشا فينتسبون إليه، ولكنه : قرشي لقوهلم: وليس قوهلم

Page 421: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ي نوه اهللا تعاىل به اسم اشتق هلم من التجارة والتقريش، فهو أفخم أمسائهم وأشرف أنساهبم، وهو االسم الذيف كتابه، وخصهم به يف حمكم وحيه وتنزيله، فجعله قرآنا عربيا يتلى يف املساجد، ويكتب يف املصاحف،

.وجيهر به يف الفرائض، وحظوة على احلبيب واخلالص :وهلم سوق عكاظ، وفيهم يقول أبو ذؤيب

وقام البيع واجتمع األلوف... إذا ضربوا القباب على عكاظ د غرب النيب صلى اهللا عليه وسلم برهة من دهره تاجرا، وشخص فيه مسافرا، وباع واشترى حاضرا، وق

.واهللا أعلم حيث جيعل رسالتهومل يقسم اهللا مذهبا رضيا، وال خلقا زكيا وال عمال مرضيا إال وحظه منه أوفر احلظوظ، وقسمه فيه أجزل

.األقسام، " ما هلذا الرسول يأكل الطعام وميشي يف األسواق : " ء قال املشركونولشهرة أمره يف البيع والشرا

فأخرب أن " . وما أرسلنا قبلك من املرسلني إال أهنم ليأكلون الطعام وميشون يف األسواق : " فأوحى اهللا إليه .األنبياء قبله كانت هلم صناعات وجتارات

فصل منه

قلة حتصيله، أهنا تنقص من العلم واألدب وتقتطع دوهنما وإن الذي دعا صاحبك إىل ذم التجارة تومهه بفأي صنف من العلم مل يبلغ التجار فيه غاية، أو يأخذوا منه بنصيب، أو يكونوا رؤساء أهله . ومتنع منهما !وعليتهم؟

ما: هل كان يف التابعني أعلم من سعيد بن املسيب أو أنبل؟ وقد كان تاجرا يبيع ويشتري، وهو الذي يقولرضوان اهللا - قضى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وآله وال أبو بكر، وال عمر، وال عثمان، وال علي

.قضاء إال وقد علمته - عليهم وهو من كان يفيت أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه . وكان أعرب الناس للرؤيا وأعلمهم بأنساب قريش

ية واإلسالم، مع خشوعه وشدة اجتهاده وعبادته، وأمره وله بعد علم بأخبار اجلاهل. وسلم وهم متوافرون .باملعروف، وجاللته يف أعني اخللفاء، وتقدمه على اجلبارين

.وحممد بن سريين يف فقهه وورعه وطهارته .ومسلم بن يسار يف علمه وعبادته، واشتغاله بطاعة ربه

.وأيوب السختياين، ويونس بن عبيد، يف فضلهما وورعهما

كتابه يف الشارب واملشروب فصل من صدر

أكرم اهللا وجهك، وأدام رشدك، ولطاعته توفيقك، حىت تبلغ من مصاحل دينك ودنياك منازل - سألت أن أكتب لك صفات الشارب واملشروب وما فيهما من املدح - ذوي األلباب، ودرجات أهل الثواب

Page 422: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

سكر، وأن أعرفك السبب الذي يرغب والعيوب، وأن أميز لك بني األنبذة واخلمر، وأن أقفك على حد ال .يف شرب األنبذة وما فيها من اجتالب املنفعة، وما يكره من نبيذ األوعية

وما فرق ما بني اجلر والسقاء، واملزفت واحلنتم والدباء، وما القول يف املمتل واملكسوب، وما فرق : وقلتروق، وما الذي حيل من الطبيخ، وما القول يف ما بني النقيع والداذي، وما املطبوخ والباذق، وما الغريب وامل

شرب الفضيخ، وهل يكره نبيذ العكر، وما القول يف عتيق السكر، وأنبذة اجلرار، وما يعمل من السكر، .ومل كره النقري واملقري

وسألت عن نبيذ العسل والعرطبات وعن رزين سوق األهواز، وعن نبيذ أيب يوسف ومجهور، واملعلق .احللو والترش شريين ونبيذ الكشمش والتني، ومل كره اجللوس على البواطي والرياحنيو. واملسحوموما نصيب الشيطان، وما حاصل اإلنسان؟ وسألت عمن شرب األنبذة أو كرهها من األوائل، وما : وقلت

ء، وألي جرى بينهم فيها من األجوبة واملسائل، وما كانوا عليه فيها من اآلراء، وتشبثوا فيها من األهوا .سبب تضادت فيها اآلثار، واختلفت فيها األخبار

وإذ جعل اهللا تعاىل للعباد عن : وسألت أن أقصد يف ذلك إىل اإلجياز واالختصار، وحذف اإلكثار وقلتاخلمر املندوحة باألشربة اهلنية املمدوحة، فما تقول فيما حسن من األنبذة صفاه، وبعد مداه، واشتدت قواه،

د، وعاد بعد قدم الكون صايف اللون، هل حيل إليه االجتماع، وفيه االكتراع، إذ كان يهضم وعتق حىت جاوهو يف لطائف اجلسم سار، ويف خفيات العروق جار، وال يضر معه برغوث وال . الطعام ويوطىء املنام

.بعوض وال جرجس عضوضومل ال قلت إن تارك شربه كتارك . وكيف حيل لك ترك شربه إذا كان لك موافقا، وجلسمك مالئما: وقلت

وأنت تعلم أنك إذا شربته . العالج من أدوأ األدواء وإنه كاملعني على نفسه إذا ترك شربه أفحش الداءعدلت به طبيعتك، وأصلحت به صفار جسمك، وأظهرت به محرة لونك، فاستبدلت به من السقم صحة،

انبساطا، ومن الغم فرجا، ومن اجلمود حتركا، ومن ومن حلول العجز قوة، ومن الكسل نشاطا، وإىل اللذةيترك الضعيف وهو مثل أسد العرين . وهو يف اخللوة خري مسامر، وعند احلاجة خري ناصر. الوحشة أنسا

.يالن له وال يلني

اجليد من األنبذة يصفي الذهن ويقوي الركن، ويشد القلب والظهر، ومينع الضيم والقهر، ويشحذ : وقلتدة، ويهيج للطعام الشهوة، ويقطع عن إكثار املاء، الذي منه جل األدواء، وحيدر رطوبة الرأس، ويهيج املع

العطاس، ويشد البضعة، ويزيد يف النطفة، وينفي القرقرة والرياح، ويبعث اجلود والسماح، ومينع الطحال ريه، ويرقه ويصفيه، ويبسط من العظم، واملعدة من التخم، وحيدر املرة والبلغم، ويلطف دم العروق وجي

اآلمال، وينعم البال، ويغشي الغلظ يف الرئة، ويصفي البشرة ويترك اللون كالعصفر، وحيدر أذى الرأس يف املنخر، وميوه الوجه ويسخن الكلية، ويلذ النوم وحيلل التخم، ويذهب باإلعياء، ويغذو لطيف الغذاء،

ويؤنس من الوحشة، ويسكن الروعة، ويذهب ويطيب األنفاس، ويطرد الوسواس، ويطرب النفس،احلشمة، ويقذف فضول الصلب باإلنشاط للجماع، وفضول املعدة باهلراع، ويشجع املرتاع ويزهي الذليل،

Page 423: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ويكثر القليل، ويزيد يف مجال اجلميل، ويسلي احلزن وجيمع الذهن، وينفي اهلم، ويطرد الغم، ويكشف عن م، ويكفي أضغاث احللم، وحيث على الصرب، ويصحح من الفكر، ويرجي قناع احلزم، ويولد يف احلليم احلل

القانط، ويرضي الساخط، ويغين عن اجلليس، ويقوم مقام األنيس وحىت إن عز مل يقنط منه، وإن حضر مل يصرب عنه، يدفع النوازل العظيمة، وينقي الصدر من اخلصومة، ويزيد يف املساغ، وسخونة الدماغ، وينشط

ال يزيف شيئا يراه، وتقبله مجيع الطبائع، وميتزج به صنوف البدائع، من اللذة والسرور، والنضرة الباه حىت . وإن شرب منه الصرف بغري مزاج، حتلل بغري عالج. وحىت مسي شربه قصفا، ومسي فقده خسفا. واحلبور

يلقن اجلواب، وال يكيد ويكفي األحزان واهلموم، ويدفع األهواء والسموم، ويفتح الذهن، ومينع الغنب، وليس لشيء كحالوته يف النفوس، وكسطوته يف اجلباه . منه العتاب، به متام اللذات، وكمال املروءات

.والروس، وكإنشاطه للحديث واجللوس، حيمر األلوان، ويرطب األبدان، وخيلع عن الطرب األرسانفضول واألخالط، ويناوب الكسل بعد ومع كل ذلك فهو يلجلج اللسان، ويكثر اهلذيان، ويظهر ال: وقلتفأما إذا تبني يف الرأس امليالن، واختلف عند املشي الرجالن، وأكثر اإلخفاق، والتنخع والبصاق، . النشاط

واشتملت عليه الغفلة، وجاءت الزلة بعد الزلة وال سواء إن دسع بطعامه، أو سال على الصدر لعابه، ني، فتلك دالالت النكر، وظهور عالمات السكر، ينسي الذكر، وصار يف حد املخرفني، ال يفهم وال يب

ويورث الفكر، ويهتك الستر، ويسقط من اجلدار، ويهور يف اآلبار، ويغرق يف األهنار، ويصرف عن املعروف، ويعرض للحتوف، وحيمل على اهلفوة، ويؤكد الغفلة، ويورث الصياح أو الصمات، ويصرع

، ولغري سبب ميحك، وحييد عن اإلنصاف، وينقلب على الساكت الفهم للسبات فلغري معىن يضحك .مث يظهر السرائر، ويطلع على ما يف الضمائر، من مكنون األحقاد، وخفي االعتقاد. الكاف

وقد يقل على السكر املتاع، ويطول منه األرق والصداع، مث يورث بالغدوات اخلمار، وخيتل سائر، النهار فهم األوقات، ويعقب السل، ويعقب يف القلوب الغل، وجيفف النطفة، ويورث ومينع من إقامة الصلوات، و

الرعشة، ويولد الصفار، وضروب العلل يف اإلبصار، ويعقب اهلزال، وجيحف باملال وجيفف الطبيعة ويقوي الفاسد من املرة ويذيل النفس، ويفسد مزاج احلس، وحيدث الفتور يف القلب، ويبطىء عند اجلماع الصب،

حيدث من أجله الفتق، الذي ليس له رتق، وحيمل على املظامل، وركوب املآمث، وتضييع احلقوق حىت حىت .يقتل من غري علم، ويكفر من غري فهم

فصل منه

ومن احللو يف املعد التخم، ويف األبدان الوخم، وللترش شريين رياح كمثل رياح العدس، ومحوضة : وقلت .تولد يف األسنان الضرس

.حسبك بفرط مرارته، وكسوف لونه، وبشاعة مذاقه، ولفار الطبيعة عنهوالسكر ف .وأنواع ما يعاجل من التمور واحلبوب فشرهبا الداء العضال

وأشباه هذا كثرية . وللمسجور، والبيت، وأشباهها كدورة ترسب يف املعدة، وتولد بني اجللدتني احلكة .ليل ما جيلب املضرةتركت ذكرها، ألين مل أقصدك باملسألة أبتغي منك حت

Page 424: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ولكن ما تقول فيما يسرك وال يسوءك، وما إذا شربته تلقته العروق فاحتة أفواهها كأفواه الفراخ، حمسنة للون ملذة للنفس، جيثم على املعدة، ويرود يف العروق، ويقصد إىل القلب فيولد فيه اللذة، ويف املعدة

كبد، ويفيض بالعجل إىل الطحال، وينتفخ منه العروق، اهلضم، وهو غسوهلا ونضوحها، ويسرع إىل طاعة الوتظهر محرته بني اجللدتني، ويزيد يف اللون، ويولد الشجاعة والسخاء، ويريح من اكتنان الضغن، ويعفي

وما تقول يف نبيذ ! على تغري النكهة، وينفي الذفر، ويسرع إىل اجلبهة، ويغين عن الصالء، ومينع القر؟ تراه يف . لعسل املاذي إذا تورد لونه، وتقادم كونه، ورأيت محرته يف صفرته تلوحوا. الزبيب احلمصي

الكأس لكأنه بالشمس ملتحف، شعاعه يضحك باألكف؟ وما تقول يف عصري الكرم إذا أجدت طبخه وأنعمت إنضاجه، وأحسن الدن نتاجه، فإذا فض فض عن غضارة قد صار يف لون البجادي يف صفاء ياقوتة

.ألكف ملع الدنانري، ويضيء كالشهاب املتقدتلمع يف اوما تقول يف نبيذ عسل مصر، فإنه يؤدي إىل شاربه الصحيح من طعم الزعفران، ال يلبس اخللقان وال جيود

وكذلك ال يزكو على عالج اجلنب . إال يف جدد الدنان، وال يستخدم األجناس وال يألف األرجاسوحسبك به يف . م لونه حىت لو غمس فيه قطن خلرج أبيض يققاواحلائض، وال ينفض على شيء من األجسا

رقة اهلواء، يكدره صايف املاء، وهو مع ذلك كاهلزبر ذي األشبال، املفترس لألقران، من عاقره عقره، ومن وما تقول يف رزين األهواز من زبيب الداقياد إذ يعود صلبا من غري أن يسل سالفه، أو ! صارعه صرعه؟

أصلب األنبذة عريكة، وأصلبها صالبة، . فله، حىت يعود كلون العقيق، يف رائحة املسك العتيقمياط عنه ثوما ظنك به وهو زبيب نقيع، ال يشتد وال . مث ال يستعني بعسل وال سكر وال دوشاب. وأشدها خشونة

رتيلي، إذا وما تقول يف الدوشاب البستاين، ساللة الرطب اجلين باحلب ال! جيود إال بالضرب الوجيع؟ أوجع ضربا، وأطيل حبسا، وأعطى صفوه ومنح رفده، وبذل ما عنده، فإذا كشف عنه قناع الطني ظهر يف

وإذا هجم على املعدة النت له الطبائع، وسلست له األمعاء، . لون الشقر والكمت وسطع برائحة كاملسكبالطاعة، وابتل به اجللد القحل، وأيس احلصر، وانقطع طمع القولنج، وانقادت له اليبوسة، وأذعنت له

فإذا شج مباء تلظى ورمى بشرره، هل حيل أن يشعشع إذا سكن . وارحتل عنه الباسور، وكفى شاربه الوخز .جأشه، وآب إليه حلمه

قد ركد ركود الزالل . وما تقول يف املعتق من أنبذة التمر، فإنك تنظر إليه وكأن النريان تلمع من جوفهوله صفيحة مرآة جملوة حتكي الوجوه يف . كرع يف شهاب، ولكأنه فرند يف وجه سيفحىت لكأن شاربه ي

وما تقول يف نبيذ اجلزر، الذي منه متتد النطفة وتشتد النقطة، جيلب ! الزجاجة، حىت يهم فيها اجلالس؟ ، حمكم وما تقول يف نبيذ الكشمش الذي لونه لون زمردة خضراء، صافية! األحالم، ويركد يف مخ العظام؟

الصالبة، مفرط احلرارة، حديد السورة، سريع اإلفاقة عظيم املؤنة، قصري العمر، كثري العلل، جم البدوات وما تقول يف نبيذ التني فإنك تعلم أنه مع حرارته لني العريكة، سلس ! تطمع اآلفات فيه، وتسرع إليه؟

د فتاح للسدد، غسال لألمعاء، هياج الطبيعة، عذب املذاق، سريع اإلطالق، مرهم للعروق، نضوح للكبوما تقول يف نبيذ السكر الذي ليس ! للباه، أخاذ للثمن، جالب للمؤن، مع كسوف لون وقبح منظر؟

وما تقول يف املروق ! مقدار املنفعة به على قدر املؤونة فيه، هل يوجد يف احملصول لشربه معىن معقول؟

Page 425: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أقل شيء مؤونة، وأحسنه معونة، . ا وأنفع مأخوذات يف إباهناوالغريب والفضيخ؟ ألذ مشروبات يف أزماهنوهلا أراييح على الشاهسفرم . وأكثر شيء قنوعا، وأسرعه بلوغا، ضموزات عروفات للرجل ألوفات

.كأذكى رائحة تشم، أقل املشروبات صداعا، وأشدهن خداعا

فصل منه

دون التأمل واالعتبار بأن ظالم الشك ال وكرهت أيضا تقليد املختلف من اآلثار فأكون كحاطب ليل، .جيلوه إال مفتاح اليقني

فصل منه

مجيع ما ذكرت من أنواع األنبذة، وبديع صفاهتا، والفصل بني -أسعدك اهللا تعاىل بطاعته -قد فهمت وال زلت من عداد من يسأل . جيدها ورديها، ونافعها وضارها، وما سألت من الوقوف على حدودها

.ال زلنا يف عداد من يشرح ويفصحويبحث، و

أنك لو حبثت عن أحوال من يؤثر شرب اخلمور على األنبذة، مل جتد إال جاهال - أكرمك اهللا -اعلم خمذوال، أو حدثا مغرورا، أو خليعا ماجنا، أو رعاعا مهجا؛ ومن إذا غدا هبيمة، وإذا راح نعامة؛ ليس عنده

ول باجلماعة؛ قد مزج له الصحيح باحملال، فهو مدين بتقليد الرجال، يشعشع من املعرفة أكثر من انتحال الق .األشربة كلها مخر، فال أشرب إال أجودها: الراح، وحيرم املباح، فمىت عذله عاذل ووعظه واعظ قال

التوثق من إصغاء فهمك، وسؤت ظنا بالتغرير فقدمت لك من التوطئة ما يسهل - أيدك اهللا - وقد أحببت وذلك إىل مثلك من مثلي حزم سيما فيما خفيت معامله ودرست مناهجه، وكثرت شبهه، . سبيل املعرفةلك

.واشتد غموضهولو مل يكن ذلك وكان قد اعتاص على الربهان يف إظهاره، واحتجت يف اإلبانة عنه إىل ذكر ضده، ونظريه

.وافرة، واحلجة واضحة - حبمد اهللا -فكيف والقدرة . وشكله، مل أحتشم من االستعانة بكل ذلكقد يكون الشيء من جنس احلرام فيعاجل بضرب من العالج حىت يتغري بلون حيدث له، ورائحة وطعم وحنو

.ذلك، فيتغري لذلك امسه، ويصري حالال بعد أن كان حراما

فصل منه يف حتليل النبيذ دون اخلمر

ذكر حترمي اخلمر، ولكن ملا كان االبتداء أجري يف ما تدرون، لعل األنبذة قد دخلت يف : فإن قال لنا قائلذكر حترمي اخلمر، خرج التحرمي عليها وحدها يف ظاهر املخاطبة، ودخل سائر األشربة يف التحرمي بالقصد

.واإلرادة .قد علمنا أن ذلك على خالف ما ذكر السائل، ألسباب موجودة، وعلل معروفة: قلنا

Page 426: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

زول الفرائض، والتابعني من بعدهم، مل خيتلفوا يف قاذف احملصنني أن عليه أن الصحابة الذين شهدوا ن: منهااحلد، واختلفوا يف األشربة اليت تسكر، ليس جلهلهم أمساء اخلمور ومعانيها، ولكن لألخبار املروية يف حترمي

.املسكر، والواردة يف حتليلهاحتاجوا إىل أهل الروايات يف اخلمر، أي األجناس ولو كانت األشربة كلها عند أهل اللغة يف القدمي مخرا ملا ا

.من األشربة هي؟ كما مل خيرجوا إىل طلب معرفة العبيد من اإلماء .وهذا باب يطول شرحه إن استقصيت مجيع ما فيه من املسألة واجلواب

أمسائها وأعياهنا، وما ينكر من خالفنا يف حتليل األنبذة مع إقراره أن األشربة املسكرة الكثرية مل تزل معروفة بوأجناسها وبلداهنا، وأن اهللا تعاىل قصد للخمر من بني مجيعها فحرمها، وترك سائر األشربة طلقا مع أجناس

.سائر املباحوالدليل على جتويز ذلك أن اهللا تعاىل ما حرم على الناس شيئا من األشياء يف القدمي واحلديث إال أطلق هلم

. ظريه وشبهه، ما يعمل مثل عمله أو قريبا منه، ليغنيهم باحلالل عن احلراممن جنسه، وأباح من سنخه ونقد حرم من الدم املسفوح، وأباح غري املسفوح، كجامد دم . أعين ما حرم بالسمع دون احملرم بالعقل

وأباح أيضا ميتة البحر وغري البحر، كاجلراد . الطحال والكبد وما أشبههما وحرم امليتة وأباح الذكيةوشبهه، وحرم الربا وأباح البيع، وحرم بيع ما ليس عندك وأباح السلم، وحرم الضيم وأباح الصلح، وحرم

.وحرم اخلنزير وأباح اجلدي الرضيع، واخلروف واحلوار. السفاح وأباح النكاح .واحلالل يف كل ذلك أعظم موقعا من احلرام

فصل منه

عليه وسلم وسكان حرمه ودار هجرته، أبصر باحلالل وأهل مدينة الرسول صلى اهللا: ولعل قائال يقولواحلرام، واملسكر واخلمر، وما أباح الرسول وما حظره، وكيف ال يكون كذلك والدين ومعامله من عندهم

وهم املهاجرون السابقون، . خرج إىل الناس؛ والوحي عليهم نزل، والنيب صلى اهللا عليه وسلم فيهم دفن .وكلهم جممع على حترمي األنبذة املسكرة، وأهنا كاخلمر. أنفسهم واألنصار املؤثرون على

.وخلفهم على منهاج سلفهم إىل هذه الغاية، حىت إهنم جلدوا على الريح اخلفيوكيف ال يفعلون ذلك ويدينون به وقد شهدوا من شهد النيب صلى اهللا عليه وسلم قد حرمها وذمها، وأمر

.جبلد شارهبافهم إىل يوم الناس على رأي واحد، وأمر متفق، ينهون عن شرهبا، . هلدى من بعدهمث كذلك فعل أئمة ا

.وجيلدون عليهاإن عظم حق البلدة ال حيل شيئا وال حيرمه، وإمنا يعرف احلالل واحلرام بالكتاب الناطق، : وإنا نقول يف ذلك

.والسنة اجملمع عليها، والعقول الصحيحة، واملقاييس املصيبة

Page 427: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

هذا املهاجري أو األنصاري، الذي رووا عنه حترمي األنبذة مث مل يرووا عنه التحليل؟ بل لو وبعد، فمن أنصف القائل لعلم أن الذين من أهل املدينة حرموا األنبذة ليسوا بأفضل من الذين أحلوا النكاح يف أدبار

هنم فيما زعموا النساء، كما استحل قوم من أهل مكة عارية الفروج، وحرم بعضهم ذبائح الزنوج، ألوأهل املدينة وإن كانوا جلدوا على الريح . مث حكموا بالشاهد واليمني خالفا لظاهر التنزيل. مشوهو اخللق

فهال : اخلفي فقد جلدوا على محل الزق الفارغ؛ ألهنم زعموا أنه آلة اخلمر، حىت قال بعض من ينكر عليهموكان جيب على هذا املثال أن حيكم مبثل ذلك على ! جلدوا أنفسهم؟ ألنه ليس منهم إال ومعه آلة الزىن

.حامل السيف والسكني والسم القاتل، يف نظائر ذلك؛ ألن هذه كلها آالت القتلولو كان كل ما يقولونه حقا وصوابا جللدوا . وبعد، فأهل املدينة مل خيرجوا من طبائع اإلنس إىل طبع املالئكة

ن سريج، ودمحان وابن حمرز وعلويه وابن جامع، وخمارق، وشريك، من كان يف دار معبد، والغريض، وابووكيع، ومحاد، وإبراهيم ومجاعة التابعني، والسلف واملتقدمني؛ ألن هؤالء فيما زعموا كانوا يشربون

األنبذة اليت هي عندهم مخر؛ وأولئك كانوا يعاجلون األغاين اليت هي حل طلق، على نقر العيدان والطنابري، .ات والصنج والزنج، واملعازف اليت ليست حمرمة وال منهيا عن شيء منهاوالناي

ولو كان ما خالفونا فيه من حتليل األنبذة وحترميها، كاالختالف يف األغاين وصفاهتا وأوزاهنا، واختالف خمارجها، ووجوه مصارفها وجماريها، وما يدمج ويوصل منها، وما للحنجرة واحلنك والنفس واللهوات

وأي الدساتني أطرب، وأي أصوب، وما حيفز باهلمز أو حيرك بالضم؛ وكالقول . ت اللسان من نغمهاوحتبأن اهلزج بالبنصر أطيب، أو بالوسطى؟ والسريع على الزير ألذ، أو على املثىن؟ واملصعد يف لني أطرب أم

.ا معرفتهاحملدر يف الشدة؟ لسهل ذلك ولسلمنا علمه ملن يدعيه، ومل جناذب من يدعي دونن

فصل منه

وإمنا أكثروا يف ذلك، لتعلم . وهلج أصحاب احلديث حبكم مل أمسع مبثله يف تزييف الرجال، وتصحيح األخبار .حيدهم عن التفتيش، وميلهم عن التنقري، واحنرافهم عن اإلنصاف

فصل منه

ن يقع هذا الكتاب عند والذي دعاين إىل وضع مجيع هذه األشربة والوقوف على أجناسها وبلداهنا، خمافة أبعض من عساه ال يعرف مجيعها، ومل يسمع بذكرها، فيتوهم أين يف ذكر أجناسها املستشنعة وأنواعها

املبتدعة، كاهلاذي برقية العقرب، وإن كان قصدي لذكرها يف صدر الكتاب ألقف على حالهلا وحرامها، لشبهة؛ وألن أحتج للمباح وأعطيه حقه، وكيف اختلفت األمة فيها، وما سبب اعتراض الشك واستكمان ا

وأكشف أيضا عن احملظور فأقسم له قسطه، فأكون قد سلكت باحلرام سبيله، وباحلالل منهجه، اقتداء مين يأيها الذين آمنوا ال حترموا طيبات ما أحل اهللا لكم وال تعتدوا إن اهللا ال حيب املعتدين : " بقول اهللا عز وجل

. "

Page 428: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يف هذا الكتاب ما فيه اجلزاية والكفاية، ولو بسطت القول لوجدته متسعا، -رمك اهللا أك -وقد كتبت لك فخلطت لك جدا هبزل، . ورمبا كان اإلقالل يف إجياز أجدى من إكثار خياف عليه امللل. وألتاك منه الدهم

جعلت وقرنت لك حجة مبلحة، ليخف مؤونة الكتاب على القارىء، وليزيد ذلك يف نشاط املستمع، ف .اهلزل بعد اجلد مجاما، وامللحة بعد احلجة مستراحا

فصل من صدر كتابه يف اجلوابات يف اإلمامة

حيكي فيه قول من جييز أكثر من إمام واحد

زعم قوم أن اإلمامة ال جتب لرجل واحد بعينه، من رهط واحد بعينه، وال لواحد من عرض الناس، وإن وأن الناس إن . سلمني غناء، بعد أن يكون فردا يف اإلمامة ال ثاين لهكان أكثرهم فضال، وأعظمهم عن امل

تركوا أن يقيموا إماما واحدا جاز هلم ذلك، ومل يكونوا بتركه ضالني وال عاصني وال كافرين؛ فإن أقاموه .كان ذلك رأيا رأوه، وغري مضيق عليهم تركه

ن ذلك، وال بأس أن يكونوا عجما وموايل، ولكن البد وهلم أن يقيموا اثنني، وجائز هلم أن يقيموا أكثر موال جيوز أن يكون الرجل حاكما على نفسه وقائما عليها . من حاكم، واحدا كان أو أكثر على حال

.باحلدود .ومل يقل أحد ألبتة أن من احلكم واحلاكم بدا، ولكنهم اختلفوا يف جهاهتم ومعانيهم

احد واالثنني أو أكثر من ذلك، فعلى الناس الكف عن حمارمهم، وترك وأي ذلك كان، إقامة الو: وقالواالتباغي فيما بينهم، والتخاذل عند احلادثة تنوهبم، من عدو يدمههم من غريهم، أو خارب خييف سبلهم من

.أهل دعوهتمرجل يف وعلى كل. وعليهم فيما شجر بينهم إعطاء النصفة من أنفسهم بالغا ما بلغ، يف عسر األمر ويسره

داره وبيته وقبيلته، وناحيته ومصره، إذا كان مأمونا ذا صالح وعلم، إذا ثبتت عنده على أخيه وصاحبه وجاره، وحاشيته من خدمه، حد أو حكم جناه جان عليهم أو على نفسه أو ظلم ركبه من غريه، إقامة ذلك

.جزى عنهاحلكم واحلد عليه، إذا أمكنه مستحقه؛ إال أن يكون فوقه كاف قد أوعلى اجملترح للذنب املوجب على نفسه احلد، واملستحق له، إمضاء احلكم يف بدنه وماله، واإلمكان من

نفسه، وأن ال يعاز بقوة، وال يروغ حبيلة، وال يسخط حكم التنزيل فيما نزل به، وفيما هو بسبيله من مال فإن أىب القيم . اين ميكنه ما كلفه اهللا من ذلكوإمنا جيب ذلك إذا كان على الفريقني من القيم، واجل. أو غريه

إقامة احلق واحلد على اجلاين بعد استيجابه، واإلمكان من نفسه إلقامة احلد عليه، فقد عصى اهللا تعاىل ومل يؤت يف ذلك األمر نفسه، ألن اهللا تعاىل قد بينه له، وأوجبه عليه، وقرره حني أوضح له احلجة وقرب

.عرفة، ومكنه من الفعلالداللة، وطوقه امل .وقد بسطنا العذر لذوي العجز يف صدر الكالم

Page 429: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وإن أىب اجلاين املستحق للحكم واحلد، اإلمكان من نفسه وماله، وما هو بسبيله، فقد عصى اهللا يف ذلك ، .كما عصاه يف ركوبه ما أوجب عليه احلد، ومل يؤت من ربه ملا ذكرنا من إيضاح احلجة وإثبات القدرة

منهفصل

وقد علمنا أن من شأن الناس اهلرب إذا خافوا نزول املكروه، واالمتناع من إمضاء احلدود بعد وجوهبا .وهذا سبب إسقاط األحكام والتفاسد. عليهم، ما وجدوا السبيل إىل ذلك

أنا لو وقد أمرنا أن نترك أسباب الفساد ما استطعنا، وبالنظر للرعية ما أمكننا، فوجب علينا عند الذي قلنا،وهذا . مل نقم إماما واحدا كان الناس على ما وصفنا من التسرع إىل الشيء إذا طمعوا، واهلرب إذا خافوا

.أمر قد جرت به عامة املعرفة، وفتحت عندنا فيه التجربة .قلنا عند ذلك إن اإلمامة ال جتب على الناس من طريق الظنون وإشفاق النفوس

وقدرا ونفعا، يف كل جهة على خالف ذلك، وهو رسول اهللا صلى اهللا عليه وقد رأينا أعظم منه خطرا، وسلم، بعثه اهللا إىل أمة وقد علم أهنم يزدادون مع كفرهم املتقدم من قبل ذلك الرسول كفرا، جبحدهم له،

كان وإخراجهم إياه، وقصدهم قتله، مث ال يكون ذلك مانعا له من اإلرسال إليهم واالحتجاج به عليهم، ملوإمنا على احلكيم أن . علمه أهنم يزدادون فسادا وتباغيا؛ إذ كان قدم هلم ما به ينالون مصاحل دينهم ودنياهم

.يأيت األمر احلكيم، عرف ذلك عارف أم جهله جاهلوعلى اجلواد ذي الرمحة يف جوده ورمحته، أن يفعل ما هو أفضل يف اجلود، وأبلغ يف اإلحسان، وألطف يف

من إيضاح احلجة وتسهيل الطرق، واإلبالغ يف املوعظة، مع ضمان الوعد بالغاية من الثواب والدوام اإلنعامواللذة، والتوعد بغاية العقاب يف الدوام واملكروه إىل عباده الذين كلفهم طاعته، وأهل الفاقة إىل عائدته

.ونظره وإحسانهلم، وقد صنع اهللا به ما هو أصلح وإن مل فإن قبل ذلك قابل فقد أصاب حظه، وإن أىب ذلك فنفسه ظ

.يستطع العبد نفسهفإذا كان اهللا تبارك وتعاىل عاملا بأن القوم يزدادون فسادا عند إرسال الرسل، وكان غري صارف هلم : قالوا

عن اإلرسال إليهم، إذ كان قد عدل خلقهم، ومكنهم من مصلحتهم، فما بال الظن واحلسبان بأن الناس وقد رأينا . ويتنازعون، إذا مل يقيموا إماما واحدا يوجب فرضا مل ينطق به كتاب ومل يؤكده خربيتفاسدون

.العلم بأن الناس يتفاسدون مبا ال يرد به فرض

فصل منه

قد رأينا أهل الصالح والقدر، عند انتشار أمر السلطان، وغلبة السفلة والدعار، وهيج العوام، يقوم : وقالوايسري يف الناحية والقبيلة، والدرب واحمللة فيفل هلم حد املستطيل، ويقمع شذاذ الدعار، حىت منهم العدد ال

.يسرح الضعيف ويأمن اخلائف، وينتشر التاجر، ويكرب جانبهم الداعر

Page 430: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

مع أن الناس لو تركهم املتسلطون عليهم، وأجلئوا إىل أنفسهم . وإمنا صالح الناس بقدر تعاوهنم وختاذهلمندهم أن ال كايف إال بطشهم وحيلهم، وحىت تكون احلاجة إىل الذب واحلراسة، والعلم حىت يتحقق ع

باملكيدة، هي اليت حتملهم على منع أنفسهم؛ ولذهبت عادة الكفاية، وضعف االتكال، ولتعودوا اليقظة، باحلرى أن ولدربوا باحلراسة، واستثاروا دفني الرأي؛ ألن احلاجة تفتق احليلة وتبعث على الروية، وكان

وكان يف ذلك منبهة للنائم ومشحذة . يصلح أمر اجلميع؛ ألن طمع الراعي إذا عاد بأسا صرفه يف البغي .لليقظان، وضراوة للمواكل، ومزجرة للبغاة، حىت ينبت عليه الصغري، ويتفحل معه الكبري

فصل منه

سببها، أو خرب ال يكذب مثله، أو أنه إما عقل يدل على : وزعم قوم أن اإلمامة ال جتب إال بأحد وجوه ثالثة .ال حيتمل شيئا من التأويل إال وجها واحدا

.فوجدنا األخبار خمتلفة، واملختلف منها متدافع، وليس يف املتدافع واملتكاىفء بيان وال فضل: قالواالكتاب فمن ذلك قول األنصار، وهم شطر الناس وأكثرهم، مع أمانتهم على دين اهللا تعاىل، وعلمهم ب

" .منا أمري ومنكم أمري : " والسنة، حيث قالت عند وفاة النيب صلى اهللا عليه وسلمفلو كان قد سبق من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف ذلك أمر ما كان أحد أعلم به منهم، وال أخلق

تعاىل، واجلهاد يف لإلقرار والعمل مبا يلزم، والصرب عليه منهم، بعد الذي ظهر من احتماهلم يف جنب اهللاسبيله، والنصرة لنبيه صلى اهللا عليه وسلم مع اإليواء واإليثار، بعد املواساة، وحماربة القريب والبعيد،

مث الذي نطق القرآن به من تزكيتهم وتفضيلهم، حبب رسول اهللا صلى اهللا . والعرب قاطبة وقريش خاصةأما واهللا ما علمتكم إال لتقلون عند الطمع وتكثرون : " عليه وسلم هلم، وثقته هبم وثنائه عليهم، وهو يقول

.، يف أمور كثرية" عند الفزع من سفيه من سفهائهم ضوى إليه أمثاله منهم، فإن لكل قوم " منا أمري ومنكم أمري : " مث مل يكن قوهلم

نة، أو مغفل حسدة وجهاال، وأحداثا وسرعانا، من حدث تبعثه الغرارة واألشر، ورجل حيب اجلاه والفت .خمدوع، أو غر ذي محية يؤثر حسبه ونسبه على دين اهللا تعاىل وطاعة نبيه صلى اهللا عليه وسلم

وال كان ذلك القول، إن كان من عليتهم، يف الواحد الشاذ القليل، بل كان يف ذوي أحالمهم والقدم .منهم

ابقة وفضل، وحلم وجندة، وجاه عند مث كان املرشح واملأمول عندهم سعد بن عبادة، سيدا مطاعا، ذا س .رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، واستغاثة به يف احلوادث واملهم من أمرهفكيف يكون سبق من النيب صلى . مث كان يف الدهم من األنصار، والوجوه واجلمهور من األوس واخلزرجلى الدين، والقوام عليه، قد قاموا اهللا عليه وسلم يف هذا أمر يقطع عذرا ويوجب رضا، وهؤالء األمناء ع

.هذا املقام، وقالوا هذا املقالفإن القوم كانوا على طبقات، من ذاكر متعمد، وناس قد كان سقط عن ذكره : فإن قال قائل: قالوا

وحفظه، ومن رجل كان غائبا عن ذلك القول والتأكيد الذي كان من النيب صلى اهللا عليه وسلم وآله، يف

Page 431: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

يقدم يف أيام وفاته وشكاته، ومن رجل قدم يف اإلسالم مل يكن من محال العلم، فأذكرهم أبو بكر إقامة إمام فقد كان فيهم الناشىء الفاضل الذي يزجره الذكر، وينزع إذا بصر؛ . وعمر فذكروا، ووعظاهم فاتعظوا

ن الرجوع عند واملعتمد الذي مل يبلغ من جلاجه وتتايعه، وركوب ردعه ما يؤثر معه التصميم على حساملوعظة احلسنة، والتخويف بفساد العاجل، يف كثري ممن مل يكن له يف اإلسالم القدر النبيه، إما للغفلة، وإما

فداواهم أبو بكر وعمر يوم السقيفة حني . لإلبطاء عنه، وإما للخمول يف قومه مع إسالمه وصحة عقدهاألئمة من قريش : " م أن النيب صلى اهللا عليه وسلم قالوحيث رووا هل" . حنن األئمة وأنتم الوزراء : " قاال .فلما استرجعوا رجعوا" . الدليل على أن القوم مل يروا يف كالم أيب بكر وعمر حجة عليهم، وأن انصرافهم عما اجتمعوا له مل : قلنا

خروجه يكن ألهنم رأوا أن ذلك القول من أيب بكر وعمر وأيب عبيدة بن اجلراح حجة، غضب رئيسهم ومن بني أظهرهم مراغما، يف رجال من رهطه، مع تركه بيعة أيب بكر رضوان اهللا عليه، وتشنيعه عليهم

.بالشامواستبداد الرهط من قريش : وقد قال قيس بن سعد بن عبادة، وهو يذكر خذالن األنصار لسعد بن عبادة

:عليهم، باألمر يوم التشاجرخالف رسول اهللا ... وخربمتونا أمنا األمر فيكم

كما جاءكم ذو العرش دون العشائر... وأن وزارات اخلالفة دونكم بغري وداد منكم وأواصر... فهال وزيرا واحدا جتتبونه

عراجلة هابت صدور املنابر... سقى اهللا سعدا يوم ذاك وال سقى :اجلمل، أو يوم صفني وقال رجل من األنصار، ودعاه علي رضوان اهللا عليه إىل عونه ونصرته، إما يوم

عدنا عدوا وكنا قبل أنصارا... ما يل أقاتل عن قوم إذا قدروا يتلو الكتاب وخيشى النار والعارا... ويل هلا أمة لو أن قائدها

غدرا وأعجب يف اإلسالم آثارا... أما قريش فلم نسمع مبثلهم رابالعرف عرفا وباإلنكار إنكا... إال تكن عصبة خالوا نبيهم

يف يوم مؤتة ال ينفك طيارا... أبا عمارة والثاوي ببلقعة جعفر بن : محزة بن عبد املطلب رضوان اهللا عليه، وقد كان يكىن أبا يعلى، والثاوي يف يوم مؤتة: أبا عمارة .أيب طالب

:وقال رجل من األنصار من ولد أيب زيد القارىء، وذكر أمر األنصار وأمر قريش تذكر قتلى يف القليب تكبكبوا... ها وحقودها دعاها إىل استبداد

وليس لباكيها سوى الصرب مذهب... هنالك قتلى ال تؤدى دياهتم فواهللا ما جئنا قبيحا فتعتبوا... فإن تغضب األبناء من قبل من مضى

فصل منه

Page 432: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

صينا مجيع قد حكينا قول من خالفنا يف وجوب اإلمامة وتعظيم اخلالفة، وفسرنا وجوه اختالفهم، واستق. حججهم، إذ كان على عذر ملا غاب عنه خصمه، وقد تكفل باإلخبار عنه يف ترك احليطة له، والقيام حبجته

كما أنه ال عذر له يف التقصري عن إفناد من خيالفه، وكشف خطاء من يضاده عند ما قرأ كتابه، وتفهم استهدف لعقله، وأصحر للسانه، ألن أقل ما يزيل عذره، ويزيح علته، أن يكون قول خصمه قد. حجته

فإذا استراح شغب املنازع، ومداراة املستمع مل يبق إال أن . وقد مكنه من نفسه، وسلطه على إظهار عورته .يقوى على خالفه أو يعجز عنه

أن حيتمل ثقل مؤنتهم وتعريفهم، وأن : ومن شكر املعرفة مبغاوي الناس ومراشدهم، ومضارهم ومنافعهم .م، وإن جهلوا فضل من يسدي إليهميتوخى إرشاده

.ولن يصان العلم مبثل بذله، ولن تستبقى النعمة فيه مبثل نشرهوأعلم أن قراءة الكتب أبلغ يف إرشادهم من تالقيهم، إذ كان مع التالقي يقوى التصنع، ويكثر التظامل،

واالستحياء من الرجوع، واألنفة وعند املزامحة تشتد الغلبة وشهوة املباهاة،. وتفرط النصرة، وتنبعث احلميةوعن مجيع ذلك حتدث الضغائن، ويظهر التباين، وإذا كانت القلوب على هذه الصفة، وهبذه . من اخلضوع

.احلالة، امتنعت من املعرفة وعميت عن الداللةعانيها، ال وليست يف الكتب علة متنع من درك البغية، وإصابة احلجة؛ ألن املتوحد بقراءهتا، واملتفرد بفهم م

.يباهي نفسه وال يغالب عقله وال يعاز خصمهأن الكتاب يقرأ بكل مكان ويف كل زمان، على : منها: والكتاب قد يفضل ويرجح على واضعه بأمور

وقد . وذلك أمر يستحيل يف الواضع وال يطمع فيه من املنازع. تفاوت األعصار، وبعد ما بني األمصار .ىن ويبقى أثرهيذهب العامل وتبقى كتبه، ويف

ولوال ما رمست لنا األوائل يف كتبها، وخلقت من عجيب حكمها ودونت من أنواع سريها حىت شاهدنا هبا ما غاب عنا، وفتحنا هبا املستغلق علينا، فجمعنا إىل قليلنا كثريهم، وأدركنا ما مل نكن ندركه إال هبم، لقد

.خس حظنا يف احلكمة، وانقطع سبيلنا إىل املعرفةلو أجلئنا إىل قدر قوتنا ومبلغ خواطرنا، ومنتهى جتاربنا، مبا أدركته حواسنا، وشاهدته نفوسنا، لقد قلت و

.املعرفة وقصرت اهلمة وضعفت املنة، فاعتقم الرأي ومات اخلاطر، وتبلد العقل، واستبد بنا سوء العادةاليت فيها اهلدى والرمحة، واإلخبار عن وأكثر من كتبهم نفعا، وأحسن مما تكلفوا موقعا، كتب اهللا تعاىل،

.كل عربة، وتعريف كل سيئة وحسنةمع أنا قد وجدنا يف العربة أكثر مما وجدوا، كما أن . فينبغي أن يكون سبيلنا فيمن بعدنا سبيل من قبلنا فينا

.من بعدنا جيد من العربة أكثر مما وجدنامذهبه، ومواسي الناس يف معرفته، وقد أمكن القول فما ينتظر الفقيه بفقهه واحملتج لدينه، والذاب عن

.وأطرق السامع، وجنا من التقية، وهبت ريح العلماء

فصل منه

Page 433: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

واعلم أن قصد العبد بنعم اهللا تعاىل إىل خمالفته، غري خمرج إنعام اهللا تعاىل عليه، وال حيول إحسانه إليه إىل غري األداة وتبيني احلجة لينقلبا إفسادا وإساءة؛ ألن املعان على معناه وحقيقته، ومل يكن إحسان اهللا يف إعطائه

.الطاعة عصى باملعونة، وأفسد باإلنعام، وأساء باإلحسانوفرق بني املنعم واملنعم عليه؛ ألن املنعم عليه جيب أن يكون شكورا، وحلق النعمة راعيا، واملنعم منفرد

عم أيضا هو الذي حبب الشكر إىل فاعله، بالذي قدم إليه وألن املن. حبسن اإلنعام، وشريك يف مجيل الشكروإمنا مثل إعطاء اآللة والتكليف . من إحسانه، وتوىل من يساره، ولذلك جعلوا النعمة لقاحا، والشكر والدا

لفعل اخلري مثل رجل تصدق على فقري ليستر عورته، ويقيم من أود صلبه، وليصرف يف منافعه، وال يكون وإمنا هذا . ذلك الشيء يف الفساد واخلالف والفواحش، لينقلب إحسان املتصدق إساءةإنفاق الفقري

.بصواب الرأي الذي ال ينقلب صوابا وإن أجنح صاحبه .وقد يؤتى الرجل من حزمه وال يكون مذموما، وحيظى باإلضاعة وال يكون حممودا

فصل منه

وعيارا على عباده، يف نظر عقوهلم يف ظاهر ما فرض ومل يكن اهللا تعاىل ليضع العدل ميزانا بني خلقه،عليهم، وييسر خالفه، ويستخفي بضده، ويعلم أن قضاءه فيهم غري الذي فطرهم على استحسانه، وحتبب

.إليهم به، يف ظاهر دينه، والذي استجوب به على الشكر على مجيع خلقه

فصل منه

لقدرة، واحلال اليت هي أدعى إىل املصلحة، ما كان وإن مل يكن العبد على ما وصفنا من االستطاعة وا .متروكا على طباعه ودواعي شهواته، دون تعديل طبعه وتسوية تركيبه

ولذلك أسباب حنن ذاكروها، وجاعلوها حجة يف إقامة اإلمامة،وأن عليها مدار املصلحة، وأن طبع البشر ا رأينا طبائع الناس وشهواهتم، من شأهنا التقلب إىل إنا مل: ميتنع من اإلخبار إال على ما حنن ذاكروه، فنقول

هلكتهم وفساد دينهم ، وذهاب دنياهم، وإن كانت العامة أسرع إىل ذلك من اخلاصة، فكل ال تنفك طبائعهم من محلهم على ما يرديهم، ما مل يردوا بالقمع الشديد يف العاجل، من القصاص العادل، مث التنكيل

ناية،وإسقاط القدر، وإزالة العدالة، مع األمساء القبيحة، واأللقاب اهلجينة، مث باإلخافة يف العقوبة على شر اجل .الشديدة واحلبس الطويل، والتغريب عن الوطن، مث الوعيد بنار األبد، مع فوت اجلنة

ضلت وإمنا وضع اهللا تعاىل هذه اخلصال لتكون لقوة العقل مادة، ولتعديل الطبائع معونة؛ ألن العبد إذا فقوى طبائعه وشهواته على قوى عقله ورأيه، ألفي بصريا بالرشد غري قادر عليه، فإذا احتوشته املخاوف

فإذا مل يكن يف حوادث الطبائع ودواعي الشهوات وحب العاجل . كانت مواد لزواجر عقله، وأوامر رأيهألن الغضب واحلسد والبخل فضل على زواجر العقل وأوامره ألفي العبد ممتنعا من الغي قادرا عليه؛

واجلنب، والغرية، وحب الشهوات والنساء، واملكاثرة، والعجب واخليالء وأنواع هذه إذا قويت دواعيها

Page 434: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ألهلها، واشتدت جواذهبا لصاحبها، مث مل يعلم أن فوقه ناقما عليه، وأن له منتقما لنفسه من نفسه، أو ذب الطبيعة ودواعي الشهوة طباعا ال ميتنع منه، وواجبا ال مقتضيا منه لغريه، كان ميله وذهابه مع جوا

.يستطيع غريهأو ما رأيته كيف خيرق يف ماله، ويسرع فيما أثلت له رجاله، وشيدت له أوائله، من غري أن يرى للعوض كون وجها، وللخلف سببا يف عاجل دينه، وال آجل دنياه، حىت يكون وايل املسلمني هو الذي حيجر عليه؛ لي

واللقب القبيح، وتسليط األشكال، مادة للذي معه من معرفته . مضض احلجر وذل اخلطر، وغلظة اجلفوة .وبقية عقله

فصل منه

وقد يكون الرجل معروفا بالنزق مذكورا بالطيش مستهاما بإظهار الصولة حىت يتحامى كالمه الصديق، من شذاته، وبوادر حدته وشدة تسعره والتهابه، ويداريه اجلليس، ويترك جماراته الكرمي، للذي يعرفون

مث ال يلبث أن حيضر الوايل الصليب والرجل املنيع، فيلفى ذليال خاضعا، أو حليما وقورا، أو . وكثرة فلتاته .أديبا رفيقا، أو صبورا حمتسبا

رف له محاة تكفيه، وقد جنده جيهل على خصمه، ويستطيل على منازعه، ويهم بتناوله والغدر به، فإذا عوجهاال حتميه، وجاها مينعه، وماال يصول به، طامن له من شخصه، وأالن له من جانبه، وسكن من حركته،

.وأطفأ نار غضبه

أو ما علمت أن اخلوف يطرد السكر، ومييت الشهوة، ويطفىء الغضب، وحيط الكرب، ويذكر بالعاقبة، لة ويبعث على الروية؛ حىت يعتدل به تركيب من كان مغلوبا ويساعد العقل، ويعاون الرأي، وينبت احلي

.على عقله، ممنوعا من رأيه، بسكر الشباب وسكر الغناء وإمهال األمر، وثقة العز، وبأو القدرة

فصل منه

وإمنا أطنبت لك يف تفسري هذه األحوال اليت عليها الوجود والعربة، لتعلم أن الناس لو تركوا وشهواهتم، أهواءهم وليس معهم من عقوهلم إال حصة الغريزة ونصيب التركيب، مث أخلوا من املرشدين وخلوا و

واملؤدبني، واملعترضني بني النفوس وأهوائها، وبني الطبائع وغلبتها، من األنبياء وخلفائها، مل يكن يف قوى هم، ويعرفون به مجيع عقوهلم ما يداوون به أدواءهم، وجيربون به من أهوائهم، ويقوون به حملاربة طبائع

.مصاحلهمومن كان ال يعد الداء إال ما كان مؤملا يف وقته، ! وأي داء هو أردى من طبيعة تردي، وشهوة تطغي؟

.وجاهل الداء جاهل بالدواء. ضاربا على صاحبه يف سواد ليله وبياض هناره، فقد جهل معىن الداء

فصل منه

Page 435: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

ني على ظاهر الرأي واحلزم واحليطة أكثر من واحد، ألن احلكام ال جيوز أن يلي أمر املسلم: ولكنا نقولوالسادة إذا تقاربت أقدارهم وتساوت عنايتهم قويت دواعيهم إىل طلب االستعالء، واشتدت منافستهم يف

.الغلبةوهكذا جرب الناس من أنفسهم يف جرياهنم األدنني يف األصهار وبين األعمام، واملتقاربني يف الصناعات،

لكالم، والنجوم، والطب والفتيا، والشعر، والنحو والعروض، والتجارة، والصباغة، والفالحة أهنم إذا كاتدانوا يف األقدار، وتقاربوا يف الطبقات، قويت دواعيهم إىل طلب الغلبة، واشتدت جوانبهم يف حب املباينة،

.واالستيالء على الرياسةلفساد أميل، والعزم أضعف، وموضع الروية أشغل، ومىت كانت الدواعي أقوى كانت النفس إىل ا

.والشيطان فيهم أطمع؛ وكان اخلوف عليهم أشد، وكانوا مبوافقة املفسد أحرى، وإليه أقربوإذا كان ذلك كذلك فأصلح األمور للحكام والقادة، إذا كانت النفوس ودواعيها وجمرى أفعاهلا على ما

.تغالب، واملباهاة واملنافسةوصفنا، أن ترفع عنهم أسباب التحاسد وال .وإن ذلك أدعى إىل صالح ذات البني، وأمن البيضة، وحفظ األطراف

وإذا كان اهللا تبارك وتعاىل، قد كلف الناس النظر ألنفسهم، واستيفاء النعمة عليهم، وترك اخلطار باهللكة وال حال أدعى إىل ذلك أكثر . غريروالتغرير باألمة، وليس عليهم مما ميكنهم أكثر من احليطة والتباعد من الت

.مما وصفنا، ألنه أشبه الوجوه بتمام املصلحة، والتمتع باألمن والنعمة

فصل منه

فلما كان ذلك كذلك علمنا أنه إذا كان القائم بأمور املسلمني بائن األمر، متفردا بالغاية من الفضل، كانت .دواعي الناس إىل مسابقته وجماراته أقل

ليطبع الدنيا وأهلها على هذه الطبيعة، ويركبها وأهلها هذا التركيب، حىت تكون إقامة الواحد ومل يكن اهللامن الناس أصلح هلم، إال وذلك الواحد موجود عند إرادهتم له، وقصدهم إليه؛ ألن اهللا ال يلزم الناس يف

.م، وعلى اهللا تعاىل قصد السبيلظاهر الرأي واحليطة إقامة املعدوم، وتشييد اجملهول؛ ألن على الناس التسليوهل رأيتم ملكني أو سيدين يف جاهلية أو إسالم، من العرب مجيعا أو من العجم، ال يتحيف أحدمها من

سلطان صاحبه وال ينهك أطرافه، وال يساجله احلروب؛ إذ كل واحد منهما يطمع يف حد صاحبه وطرفه، ار عن ملوك الطوائف كيف كانت احلروب راكدة كما جاءت األخب. لتقارب احلال، واستواء القري

وأمرهم مريج، والناس هنب، ليس ثغر إال معطل، وال طرف إال منكشف، والناس فيما بينهم مشغولون .بأنفسهم، ملوكهم من عز بز، مع إنفاق املال، وشغل البال، وشدة اخلطار باجلميع، والتغرير بالكل

فصل منه

Page 436: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

أن يكون أقوى طبائعه عقله، مث يصل قوة عقله بشدة الفحص وكثرة : لنافما صفة أفضلهم؟ ق: وإن قالوافإذا مجع إىل قوة عقله علما، وإىل علمه حزما، . السماع، مث يصل شدة فحصه وكثرة مساعه حبسن العادة

.وإىل حزمه عزما، فذلك الذي ال بعدهخلالفة، غري أنه على حال ال بد من أن وقد يكون الرجل دونه يف أمور وهو يستحق مرتبة اإلمامة، ومنزلة ا

ألن من التعظيم ملقام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن ال يقام فيه إال أشبه الناس . يكون أفضل أهل دهره .ومن االستهانة به أن يقام فيه من ال يشبهه وليس يف طريقته. به يف كل عصر

فأما أن يقاربه أو يدانيه فهذا ما ال جيوز، وال . ته منهوإمنا يشبه اإلمام الرسول بأن يكون ال أحد آخذ بسري .يسع متنيه، والدعاء به

فصل منه

وإذا كان قول املهاجرين واألنصار والذين جرى بينهم التنافس واملشاحة على ما وصفنا يف يوم السقيفة، مث ل إن هم مل يقيموا صنيع أيب بكر وقوله لطلحة يف عمر؛ وصنيع عمر يف وضع الشورى وتوعدهم له بالقت

رجال قبل انقضاء املدة، وجنوم الفتنة؛ مث صنيع عثمان وقوله وصربه حىت قتل دوهنما ومل خيلعها؛ وأقوال طلحة والزبري وعائشة وعلي رمحة اهللا عليهم وعليها، ليست حبجة على ما قلنا فليست يف األرض داللة وال

.حجة قاطعةمن حاالهتم وبينا، دليل على أهنم كانوا يرون أن إقامة اإلمام فريضة ويف هذا الباب الذي وصفنا، ونزلنا

.واجبة، وأن الشركة عنها منفية، وأن اإلمامة جتمع صالح الدين وإيثار خري اآلخرة واألوىل

فصل منه

ال بد للشاهد من أن يكون طاهرا عدال : وأي مذهب هو أشنع، وأي قول هو أفحش، من قول من قالبأس أن يكون القاضي جائرا، نطفا فاجرا، وهذا ال يشبه حكم احلكيم، وصفة احلليم، ونظر مأمونا، وال

.املرشد، وترتيب العامل

فصل من صدر كتابه يف مقالة الزيدية والرافضة

أن شيعة علي رضي اهللا عنه زيدي ورافضي، وبقيتهم بدد ال نظام هلم، ويف - يرمحنا اهللا وإياك -اعلم .ما غناء عمن سوامهااإلخبار عنه

القدم يف : أوهلا: وجدنا الفضل يف الفعل دون غريه، ووجدنا الفعل كله يف أربعة أقسام: قالت علماء الزيدية .اإلسالم حني ال رغبة وال رهبة إال من اهللا تعاىل وإليه

موال، وعقائل مث الزهد يف الدنيا؛ فإن أزهد الناس يف الدنيا أرغبهم يف اآلخرة، وآمنهم على نفائس األ

Page 437: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.النساء، وإراقة الدماء .مث الفقه الذي به يعرف الناس مصاحل دنياهم، ومراشد دينهم

مث املشي بالسيف كفاحا يف الذب عن اإلسالم وتأسيس الدين؛ وقتل عدوه وإحياء وليه؛ فليس فوق بذل .املهجة واستغراق القوة غاية يطلبها طالب، أو يرجتيها راغب

.خامسا فنذكرهومل جند قوال .فلما رأينا هذه اخلصال جمتمعة يف رجل دون الناس كلهم وجب علينا تفضيله عليهم، وتقدميه دوهنم

: وذاك أنا سألنا العلماء والفقهاء، وأصحاب األخبار، ومحال اآلثار، عن أول الناس إسالما، فقال فريق منهمد قول كل واحد منهم من هذه الفرق قاطعا لعذر ومل جن. خباب: زيد بن حارثة، وقال قوم: علي، وقال قوم

.صاحبه، وال ناقال عن مذهبه، وإن كانت الرواية يف تقدمي علي أشهر، واللفظ به أكثر: واملاشني إىل األقران بسيوفهم، وجدناهم خمتلفني. وكذلك إذا سألناهم عن الذابني عن اإلسالم مبهجهم

: ابن عفراء، ومن قائل يقول: الزبري، ومن قائل يقول: قائل يقول علي رضي اهللا عنه، ومن: فمن قائل يقول .الرباء بن مالك: طلحة، ومن قائل يقول: حممد بن مسلمة، ومن قائل يقول

.على أن لعلي من قتل األقران والفرسان ما ليس هلم، فال أقل من أن يكون علي يف طبقتهمعليا كان أفقههم، وعمر، وعبد اهللا بن مسعود، وزيد بن وإن سألناهم عن الفقهاء والعلماء، رأيناهم يعدون

.ثابت، وأيب بن كعب. على أن عليا كان أفقههم؛ ألن كان يسأل وال يسأل، ويفيت وال يستفيت، وحيتاج إليه وال حيتاج إليهم

.ولكن ال أقل من أن جنعله يف طبقتهم وكأحدهم: عروفني برفض الدنيا وخلعها، والزهد فيها، قالواوإن سألناهم عن أهل الزهادة وأصحاب التقشف، وامل

.علي، وأبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وأبو ذر، وعمار، وبالل، وعثمان بن مظعونعلى أن عليا أزهدهم؛ ألنه شاركهم يف خشونة امللبس وخشونة املأكل، والرضا باليسري، والتبلغ باحلقري،

ن ملك بيوت األموال ورقاب العرب والعجم، فكان ينضح وفارقهم بأ. وظلف النفس، وخمالفة الشهواتورقع سراويله بالقد، وقطع ما فضل من ردنه عن أطراف . بيت املال يف كل مجعة ويصلي فيه ركعتني

وعبادة العامل ليست . مع أن زهده أفضل من زهدهم؛ ألنه أعلم منهم. يف أمور كثرية. أصابعه بالشفرة .فال أقل من أن نعده يف طبقتهم. ست كزلة غريهكعبادة غريه، كما أن زلته لي

. وال جندهم ذكروا أليب الدرداء، وأيب ذر، وبالل، مثل الذي ذكروا له يف باب الغناء والذب، وبذل النفسومل جندهم ذكروا للزبري، وابن عفراء وأيب دجانة، والرباء بن مالك، مثل الذي ذكروا له من التقدم يف

ومل جندهم ذكروا أليب بكر وزيد، وخباب، مثل الذي ذكروا له من بذل النفس . فقهاإلسالم، والزهد، وال .والغناء، والذب بالسيف، وال ذكروهم يف طبقة الفقهاء والزهاد

فلما رأينا هذه األمور جمتمعة فيه، متفرقة يف غريه من أصحاب هذه املراتب وهذه الطبقات، علمنا أنه

Page 438: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

د أخذ من كل خري بنصيب فإنه لن يبلغ ذلك مبلغ من قد اجتمع له أفضلهم، وإن كان كل رجل منهم ق .مجيع اخلري وصنوفه

فصل منه

وضرب آخر من الناس مهج هامج، ورعاع منتشر، ال نظام هلم، وال اختبار عندهم، أعراب أجالف، وال يؤمن يفترقون حيث يفترقون، وجيتمعون حيث جيتمعون؛ ال تدفع صولتهم إذا هاجوا، . وأشباه األعراب

.إن أخصبوا طغوا يف البالد، وإن أجدبوا آثروا العناد. هيجاهنم إذا سكنوامث هم موكلون ببغض القادة، وأهل الثراء والنعمة، يتمنون النكبة، ويشتمون بالعثرة، ويسرون باجلولة،

.ويترقبون الدائرة .وهم كما وصفوا الطغام والسفلة" . نعوذ باهللا من قوم إذا اجتمعوا مل ميلكوا، وإذا افترقوا مل يعرفوا : " وقال علي رضي اهللا عنه يف دعائه

.فهؤالء هؤالءوضرب آخر قد فقهوا يف الدين، وعرفوا سبب اإلمامة، وأقنعهم احلق وانقادوا له بطاعة الربوبية وطاعة

روا فهم أقل عددا وإن وإن كث. احملبة، وعرفوا احملنة وعرفوا املعدن، ولكنهم قليل يف كثري، وخمتار كل زمان .كانوا أكثر فقها

فلما كان الناس عند علي وأيب بكر وعمر، وأيب عبيدة، وأهل السابقة املهاجرين واألنصار، على الطبقات اليت نزلنا، واملنازل اليت رتبنا، وباملدينة منافقون يعضون عليهم األنامل من الغيظ، وفيها بطانة ال يألوهنم

ليهم موضع الشدة وانتهاز الفرصة، وهم يف ذلك على بقية، ووافق ذلك ارتداد من حول خباال، ال خيفى ع .املدينة من العرب، وتوعدهم بذلك يف شكاة النيب صلى اهللا عليه وسلم، وصح به اخلربمنا أمري ومنكم أمري : " مث الذي كان من اجتماع األنصار حيث احنازوا من املهاجرين وصاروا أحزابا وقالوا

، فأشفق علي أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس، خمافة أن يتكلم متكلم أو يشغب شاغب ممن وصفنا حاله، " وبينا طريقته، فيحدث بينهم فرقة، والقلوب على ما وصفنا، واملنافقون على ما ذكرنا، وأهل الردة على ما

.أخربنا، ومذهب األنصار على ما حكيناعن اإلظهار والتجايف عن األمور، وعلم أن فضل ما بينه وبني أيب بكر يف فدعاه النظر للدين إىل الكف

صالحهم لو كانوا أقاموه، ال يعادل التغرير بالدين، وال يفي باخلطار باألنفس؛ ألن يف اهليج البائقة، ويف ذلك على فاغتفر اخلمول ضنا بالدين، وآثر اآلجلة على العاجلة، فدل. فساد الدين فساد العاجلة واآلجلة

.رجاجة حلمه، وقلة حرصه، وسعة صدره، وشدة زهده، وفرط مساحته وأصالة رأيه .ومىت سخت نفس امرىء عن هذا اخلطب اجلليل، واألمر اجلزيل، نزل من اهللا تعاىل بغاية منازل الدين

وم بإزاء وإمنا كانت غايتهم يف أمرهم أربح احلالني هلم، وأعون على املقصود إذ علم أن هلكتهم ال تق .صرف ما بني حاله وحال أيب بكر يف مصلحتهم

Page 439: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

فصل منه

وإمنا ذكرت لك مذهب من ال جيعل القرابة واحلسب سببا إىل اإلمامة، دون من جيعل القرابة سببا من أسباهبا وعللها، ألين قد حكيته يف كتاب الرافضة، وكان مث أوقع، وهبم أليق؛ وكرهت املعاد من الكالم

.ألن ذلك يغين عن ذكره يف هذا الكتاب، وهو مسلك واحد، وسبيل واحدوالتكرار؛ . وإمنا قصدت إىل هذا املذهب دون مذهب سائر الزيدية يف دالئلهم وحججهم، ألنه أحسن شيء رأيته هلم .وإمنا أحكي لك من كل حنلة قول حذاقهم وذوي أحالمهم، ألن فيه داللة على غريه، وغىن عما سواه

يكون الرجل أفضل الناس ويلي عليه من هو دونه يف الفضل، حىت يكلفه اهللا طاعته وتقدميه؛ وقد: وقالواإما للمصلحة، وإما لإلشفاق من الفتنة، كما ذكرنا وفسرنا، وإما للتغليظ يف احملنة وتشديد البلوى والكلفة،

ة أفضل من آدم، فقد كلفهم واملالئك" . اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس أىب : " كما قال تعاىل للمالئكةواملالئكة أفضل من . اهللا أغلظ احملن وأشد البلوى، إذ ليس يف اخلضوع أشد من السجود على الساجد له

آدم، ألن جربيل وميكائيل وإسرافيل عند اهللا تعاىل من املقربني قبل خلق آدم بدهر طويل، ملا قدمت من .العبادة، واحتملت من ثقل الطاعة

طالوت على بين إسرائيل وفيهم يومئذ داود النيب صلى اهللا عليه وسلم، وهو نبيهم الذي وكما ملك اهللا " .وقال هلم نبيهم إن اهللا قد بعث لكم طالوت ملكا : " أخرب عنه يف القرآن

مث صنيع النيب صلى اهللا عليه وسلم حني وىل زيد بن حارثة على جعفر الطيار يوم مؤتة، ووىل أسامة على املهاجرين وفيهم أبو بكر وعمر، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وسعد بن أيب وقاص، ورجال كرباء

.ذوو أخطار وأقدار، من البدريني واملهاجرين، والسابقني األولني

فصل منه

ولو ترك الناس وقوى عقوهلم ومجاح طبائعهم، وغلبة شهواهتم، وكثرة جهلهم، وشدة نزاعهم إىل ما يرديهم حىت يكونوا هم الذين حيتجزون من كل ما أفسدهم بقدر قواهم، وحىت يقفوا على حد الضار ويطغيهم،

والنافع، ويعرفوا فصل ما بني الداء والدواء، واألغذية والسموم، كان قد كلفهم شططا، وأسلمهم إىل وسوى عدوهم، وشغلهم عن طاعته اليت هي أجدى األمور عليهم وأنفعها هلم، ومن أجلها عدل التركيب

ولذلك قال . البنية، وأخرجهم من حد الطفولة واجلهل إىل البلوغ واالعتدال والصحة، ومتام األداة واآللة " .وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون : " عز ذكره

ولو أن الناس تركهم اهللا تعاىل والتجربة، وخالهم وسرب األمور وامتحان السموم، واختبار األغذية، وهم رنا من ضعف احليلة وقلة املعرفة وغلبة الشهوة، وتسلط الطبيعة، مع كثرة احلاجة، واجلهل على ما ذك

بالعاقبة، ألثرت عليهم السموم، وألفناهم اخلطأ وألجهز عليهم، اخلبط، ولتولدت األدواء وترادفت ودها ومنتهى ما األسقام، حىت تصري منايا قاتلة، وحتوفا متلفة، إذ مل يكن عندهم إال أخذها، واجلهل حبد

Page 440: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

.جيوز منها والزيادة فيها، وقلة االحتراس من توليدهافلما كان ذلك كذلك علمنا أن اهللا تعاىل حيث خلق العامل وسكانه مل خيلقهم إال لصالحهم، وال جيوز

.صالحهم إال بتبقيتهم ولوال األمر والنهي ما كان للتبقية وتعديل الفطرة معىند من أن يكونوا مأمورين منهيني، بني عدو عاص ومطيع ويل، علمنا أن الناس ال وملا أن كان ال بد للعبا

يستطيعون مدافعة طبائعهم، وخمالفة أهوائهم، إال بالزجر الشديد، والتوعد بالعقاب األليم يف اآلجل، بعد جال، وكان التنكيل يف العاجل، إذ كان ال بد من أن يكونوا منهيني بالتنكيل معجال، واجلزاء األكرب مؤ

.شأهنم إيثار األدىن وتسويف األقصىوإذا كانت عقول الناس ال تبلغ مجيع مصاحلهم يف دنياهم فهم عن مصاحل دينهم أعجز، إذ كان علم الدين

.مستنبطا من علم الدنيافائقة، وإذا كان العلم مباشرة أو سببا للمباشرة وعلم الدنيا غامض، فال يتخلص إىل معرفته إال بالطبيعة ال

وألن الناس لو كانوا يبلغون بأنفسهم غاية مصاحلهم يف دينهم ودنياهم . والعناية الشديدة، مع تلقني األئمة .كان إرسال الرسل قليل النفع، يسري الفضل

وإذا كان الناس مع منفعتهم بالعاجل وحبهم للبقاء، ورغبتهم يف النماء، وحاجتهم إىل الكفاية، ومعرفتهم مبا السالمة ال يبلغون ألنفسهم معرفة ذلك وإصالحه، وعلم ذلك جليل ظاهر سببه بعضه ببعض، فيها من

كدرك احلواس وما القته، فهم عن التعديل والتجوير وتفصيل التأويل، والكالم يف جميء األخبار وأصول إما شيء يلي : مراناألديان، أعجز، وأجدر أال يبلغوا منه الغاية، وال يدركوا منه احلاجة؛ ألن علم الدنيا أ

.احلواس، وإما شيء يلي علم احلواس، وليس كذلك الدين .فلما كان ذلك كذلك علمنا أنه ال بد للناس من إمام يعرفهم مجيع مصاحلهم

.رسول، ونيب، وإمام: ووجدنا األئمة ثالثة .فالرسول نيب إمام، والنيب نيب إمام، واإلمام ليس برسول وال نيب

ؤهم ومراتبهم الختالف النواميس والطبائع، وعلى قدر ارتفاع بعضهم عن درجة بعض، وإمنا اختلفت أمسا .يف العزم والتركيب، وتغري الزمان بتغري الفرض وتبدل الشريعة

.فأفضل الناس الرسول، مث النيب، مث اإلمامطبائعهم ال فالرسول هو الذي يشرع الشريعة ويبتدىء امللة، ويقيم الناس على مجل مراشدهم، إذ كانت

ولوال أن يف طاقة الناس قبول التلقني وفهم اإلرشاد، لكانوا مهال، . حتتمل يف ابتداء األمر أكثر من اجلملولكنهم قد يفضلون بني األمور إذا أوردت عليهم، . ولتركوا نشرا جشرا، ولسقط عنهم األمر والنهي

القدر قدر املستغين بنفسه، املستبد برأيه، ولن يبلغوا بذلك. وكفوا مئونة التجربة، وعالج االستنباط .املكتفي بفطنته عن إرشاد الرسل، وتلقني األئمة

وإمنا جاز أن يكون الرسول مرة عربيا ومرة عجميا، وليس له بيت خيطره وال شرف يشهر موضعه؛ ألنه . من البيت املقدم حني كان مبتدىء امللة وخمرج الشريعة، كان ذلك أشهر من شرف احلسب املذكور، وأنبه

Page 441: ﻞﺋﺎﺳﺮﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻥﺎﻤﺜﻋ ﰊﺃ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ﺩﻮﺠﻨﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻮﻄﺒﻟﺍ ﻝﺰﻧ ﲔﺑﻭ ،ﻥﻭﺰﳊﺍ

وألنه حيتاج من األعالم واآليات واألعاجيب، إىل القاهر املعقول والواضح الذي ال خييل أن يشتهر مثله يف اآلفاق، ويستفيض يف األطراف حىت يصدع عقل الغيب، ويفتق طبع العاقل، وينقض عزم املعاند، وينتبه من

اضع له كل شرف، ويبخع له كل أنف، فال حيتاج أطال الرقدة وختضع الرقاب وتضرع اخلدود حىت يتو .حاله معه إىل حال، وال مع قدره إىل حسب

وعلى قدر جهل األمة وغباء عقوهلا، وسوء رعتها، وخبث عادهتا، وغلظ حمنتها، وشدة حريهتا، تكون لذي ليس ألن النيب ا. اآليات، كفلق البحر، واملشي على املاء، وإحياء املوتى، وقصر الشمس عن جمراها

برسول وال مبتدىء ملة، وال منشىء شريعة، إمنا هو للتأكيد والبشارة، كبشارة النيب بالرسول الكائن على .غابر األيام، وطول الدهر

وتوكيد املبشر حيتاج من األعالم إىل دون ما حيتاج إليه املبتدىء ألصل امللة، واملظهر لفرض الشريعة، الناقل فلذلك التقى بشهرة أعالمه، وشرف آياته، . والعادة السيئة، واجلهل الراسخ للناس عن الضالل القدمي،

وذكر شرائعه، من شهرة بيته وشرف حسبه، ألنه ال ذكر إال وهو خامل عند ذكره، وال شرف إال وهو .وضيع عند شرفه

ISLAM ICBOOK.WS احة ل| ٢٠١٠ مت ق لحقو ع ا ينجمي م لمسل جميع ا