ﻲﻣﻼﺳﻹﺍ ﻪﻘﻔﻟﺍ ﻲﻓ ﺀﺎﻀﻘﻟﺍ :ﺏﺎﺘﻜﻟﺍ...

780
ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ: ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ: ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻛﺎﻇﻢ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮﻱ ﺍﻟﺠﺰﺀ: ﺍﻟﻮﻓﺎﺓ: ﻣﻌﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ: ﻓﻘﻪ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ: ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ: ﺍﻷﻭﻟﻰ١٤١٥ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻄﺒﻊ: ﺟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻗﻢ- ﺍﻟﻤﻄﺒﻌﺔ: ﺑﺎﻗﺮﻱ ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ: ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺭﺩﻣﻚ: ﻣﻼﺣﻈﺎﺕ:

Upload: others

Post on 05-Mar-2020

15 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • الكتاب: القضاء في الفقه اإلسالميالمؤلف: السيد كاظم الحائري

    الجزء:الوفاة: معاصر

    المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامنتحقيق:

    الطبعة: األولىسنة الطبع: جمادي الثانية ١٤١٥

    المطبعة: باقري - قمالناشر: مجمع الفكر اإلسالمي

    ردمك:مالحظات:

  • القضاءفي الفقه اإلسالمي

    (١)

  • القضاءفي الفقه اإلسالمي

    دراسة استداللية تتناول أهم مباحث القضاءفي الفقه اإلسالمي مقارنا في جملة منها للفقه الوضعي

    تأليفسماحة آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري

    مجمع الفكر اإلسالمي

    (٣)

  • الكتاب: القضاء في الفقه اإلسالميالمؤلف: آية الله السيد كاظم الحائري

    الناشر: مجمع الفكر اإلسالميالطبعة: األولى / جمادى الثانية ١٤١٥ ه. ق

    ليتوغراف: الهاديالمطبعة: باقري - قم

    الكمية: ١٠٠٠ نسخةجميع الحقوق محفوظة للمؤلف والناشر

    قم - ص. ب ٣٦٥٤ - ٣٧١٨٥ - ت. ٧٣٧١١٧.

    (٤)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    (٥)

  • ١ - وجوب القضاء٢ - شخصية القاضي

    ٣ - طرق االثبات لدى القاضي٤ - الحكم على الغائب

    ٥ - مدى نفوذ حكم القاضي.

    (٧)

  • كلمة المجمعإن من نتائج الصحوة اإلسالمية التي شهدتها أمتنا اإلسالمية في العصر

    األخير ازدهار الفكر اإلسالمي األصيل على مستوى التأليف والتحقيق والنشرفي مختلف أبعاد هذا الفكر وعلى كافة المستويات.

    ومن جملة المجاالت التي ازدهر فيها الفكر اإلسالمي في هذا العصرمجال القضاء من وجهة النظر الفقهية، إذ توجه العلماء والمفكرون اإلسالميون

    إلى بحث الفقه اإلسالمي في هذا المجال وخاصة بعد قيام الثورة اإلسالميةالمباركة في إيران بوصفه حاجة فكرية حية.

    وممن قام بأعباء هذا البحث وألف فيه سماحة آية الله السيد كاظمالحائري، إذ قدم بحثا علميا استدالليا قيما أتحف به المكتبة اإلسالمية في العصر

    الحاضر.وقد امتاز هذا البحث باشتماله على المقارنة بين الفقه اإلسالمي والفقه

    الوضعي في جملة من الفروع العلمية من بحث القضاء مما زاد في حيويته وفائدته.ومن حسن التوفيق لنا أن نقوم بنشر هذا البحث القيم خدمة للفكر

    اإلسالمي األصيل ومساهمة في رفع راية اإلسالم على وجه األرض ريثما يظهرصاحبها اإلمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره.

    (٩)

  • ونقدم شكرنا الجزيل إلى سماحة السيد المؤلف دام ظله وإلى كل من ساهمفي تحقيق هذا الكتاب أو ساعدنا في مراحل طبعه ونشره، فجزاهم الله جميعا

    خير الجزاء وهو ولي التوفيق.١٣ / رجب / ١٤١٤ المصادف لذكرى ميالد اإلمام أمير المؤمنين (عليه السالم)

    مجمع الفكر اإلسالميقسم النشر

    (١٠)

  • بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلوات على أفضل النبيين محمد وآله

    الطيبين الطاهرين.وبعد فهذه مجموعة ما بحثناه في باب القضاء - وأقصد به فصل الخصومةبإصدار الحكم - أقدمها ألهل العلم والفضيلة مشتملة على خمسة فصول:

    الفصل األول: في وجوب القضاء.الفصل الثاني: في شخصية القاضي.

    الفصل الثالث: في طرق اإلثبات لدى القاضي.الفصل الرابع: في الحكم على الغائب.

    الفصل الخامس: في مدى نفوذ حكم القاضي.راجيا من الله تبارك وتعالى أن يجعل ذلك ذخرا لي ليوم فقري وفاقتي إنه

    سميع مجيب.كاظم الحسيني الحائري

    (١١)

  • الفصل األول:في

    وجوب القضاء١ - أدلة الوجوب.

    ٢ - بحث المسألة على صعيدين.

    (١٣)

  • ذكروا: أن القضاء واجب كفاية، وادعي عليه اإلجماع.قال في الجواهر: " في التحرير وغيره أن القضاء واجب على الكفاية، بل في

    الرياض نفي الخالف فيه بيننا... " (١).أدلة الوجوب:

    ولعل خير ما يستدل به على ذلك توقف ما نقطع بعدم رضا الشارع بفوتهعليه من حفظ النظام، وسد أبواب الظلم والمعاصي.

    وأورد المحقق العراقي (رحمه الله) على االستدالل بتوقف حفظ النظام عليه بمنع ذلكإلمكان إحقاق الحقوق بطور آخر، وما يضيع من بعض الحقوق في الطور اآلخر

    يضيع أيضا بقدره في فرض القضاء.وأورد على االستدالل عليه بمقدميته للنهي عن المنكر: بمنع صدق المنكر قبلالحكم على عمل من اعتقد صحة رأيه من الطرفين، ومع الشك فيه ال يتحقق

    --------------------(١) الجواهر ج ٤٠ ص ١٠.

    (١٥)

  • موضوع المنكر بالنسبة إليه قبل قيام الحجة عليه، ومع قيامها يكفي هذا في تحققموضوعه بال حاجة إلى القضاء (١).

    أقول: من يستدل على وجوب القضاء بتوقف النهي عن المنكر عليه يقصدبذلك أن كثيرا من الظالمين المتعمدين في الظلم ال يمكن دفعهم عن ظلمهم قبل إقامة

    الحجة عليهم أمام خصومهم وأمام الناس وقبل قيام الحجة لنفس الدافع، وهذا كلهال يكون إال بالقضاء. وال يقصد بذلك إقامة الحجة أمام نفس الخصم الذي لوالها لميعرف أن عمله منكر، وبالتالي لم يكن منكرا كي يورد عليه بما ذكره (رحمه الله).

    أما دعوى عدم توقف حفظ النظام على القضاء فأكثر غرابة، اللهم إال أنيقصد بذلك أن هذا ال يثبت وجوب القضاء كفاية من قبل العدول مع اإلمكان عند

    وجود قضاة الحاكم الغاصب، ألن وجود القضاة من قبل الحاكم الغاصب يمنع - علىأي حال - من اختالل النظام.بحث المسألة على صعيدين:

    أقول: إننا تارة نبحث المسألة على مستوى معرفة جزء من خطة اإلسالمالشاملة في إدارة المجتمع، وأخرى نبحث المسألة على مستوى وجوب إقامة القضاء

    الحق لو أمكن ولو في ظل حكومة غاصبة.أما إذا بحثنا المسألة على المستوى األول، فمن الواضح أن المعروف من

    اإلسالم أنه يمأل الفراغات الالزمة المل ء لحفظ النظام ونفي الهرج والمرج، أي أن كلما يكون عدم ملئه موجبا الختالل النظام يملؤه اإلسالم بطريقته الخاصة، أما فرض

    --------------------(١) كتاب القضاء للمحقق العراقي (رحمه الله) ص ٤ و ٥.

    (١٦)

  • ملئه من قبل األعداء بطريقتهم الخاصة فهو رغم عالجه لمشكلة اختالل النظامبطريقتهم ال يمنع اإلسالم عن عالجه بطريقه الخاص. إذن فاإلسالم كنظام شاملللحياة مشتمل على وجوب القضاء الحق حتما. نعم هذا ال يكفي إلثبات وجوب

    القضاء الحق في ظل دولة غاصبة عند اإلمكان.وأما إذا بحثنا المسألة على المستوى الثاني فقد يقال: إنه ال يمكن االستدالل

    على وجوب القضاء الحق عند اإلمكان في ظل دولة غاصبة بلزوم االختالل بتركه،لوضوح أن نفس الدولة الغاصبة تقوم بطريقتها الخاصة بالمنع عن االختالل، ولكنمع ذلك ال ينبغي اإلشكال في وجوب إقامة القضاء الحق حتى في ظل دولة غاصبة

    إن أمكن، وذلك:أوال - ألجل ما سيأتي - إن شاء الله - في محله من تحريم الشريعة اإلسالمية

    للتحاكم لدى الطاغوت - على األقل عند إمكان التحاكم إلى من يقضي بالحق -،والمفهوم عرفا من هذا التحريم بمناسبة الحكم والموضوع أن التحاكم عند الطاغوت

    مفسدة اجتماعية مبغوضة لدى الشارع ال يرخص فيها إال ألجل نفي الحرج مثال،وعلى المجتمع سد هذه المفسدة بشكل ال يوجب اختالل النظام، فكما يجب على

    المترافعين أن ال يترافعا عنده كذلك يجب على من يستطيع التصدي للقضاء الحق أنيتقبل منهما رفع التنازع إليه.

    وثانيا - ألن قضاة الجور كثيرا ما يقضون بالظلم والجور، بينما دفع الظلمورفع المنكر واجبان كفاية، فيجب كفاية على القادرين على عالج ذلك بتصديهم

    للقضاء الحق التصدي لذلك.هذا. وذكر في الجواهر ما مضمونه: أن القضاء بما هو منصب من المناصب إنمايعطى للشخص من قبل اإلمام، فال معنى لوجوبه كفاية على المسلمين. نعم يجب

    القضاء كفاية على المنصوبين له من قبل اإلمام، أو يجب تولي القضاء من اإلمام سنخ

    (١٧)

  • غسل الميت الواجب كفاية على المسلمين المتوقف صحته على إذن الولي، فيجبكفاية تحصيل اإلذن من الولي كي يصلى على الميت، ولعل ذلك ونحوه مرادهم من

    الوجوب على الكفاية (١).أقول: من الواضح أنه حينما يضاف الوجوب إلى القضاء يقصد به وجوب

    فعل القضاء، وال نظر لذلك إلى الجانب الوضعي للقضية من مدى صحة القضاءوثبوت هذا المنصب. نعم إذا وجب فعل القضاء كفاية، وشروط صحة القضاء لم

    تكن موجودة، وجب - طبعا - بالكفاية تحصيل الشروط، وتحصيل المنصب ممن لهحق إعطاء هذا المنصب. إذن فباب وجوب الفعل باب، وباب ثبوت المنصب باب

    آخر، ولم تكن حاجة إلى الخلط والتطويل.--------------------

    (١) راجع الجواهر ج ٤٠ ص ١٠ و ١١.

    (١٨)

  • الفصل الثاني:في

    شخصية القاضي١ - المقدمة.

    ٢ - النصب العام للقضاء.٣ - شرائط القاضي.٤ - قاضي التحكيم.

    ٥ - الخاتمة في من بيده تعيين القاضي.

    (١٩)

  • المقدمةقد قسموا القاضي إلى القاضي المنصوب، وقاضي التحكيم.

    ولعله ليس المقصود من جعل قاضي التحكيم في مقابل القاضي المنصوب أنقاضي التحكيم ليس بحاجة إلى النصب من قبل اإلمام، فإن نفوذ القضاء هو خالفاألصل حتى مع فرض التحكيم، وليس الحكم إال لله تعالى، ثم لمن أعطاه الله إياه،

    ثم لمن نصبه المعين من قبل الله. فكأن المقصود من تقسيم القاضي إلى هذينالقسمين هو أن القاضي: تارة يكون منصوبا ابتداء وبالذات من قبل اإلمام، فلو

    رفع أحد المتخاصمين الشكوى إليه فطلب القاضي من اآلخر الحضور والخضوعللحكم وجب عليه ذلك، ألن هذا المنصب ثابت له من قبل اإلمام. وأخرى ال يكونمنصوبا من قبل اإلمام إال في طول المحاكمة، فلو تحاكم المتخاصمان عند شخص

    كانذلك الشخص مخوال من قبل اإلمام في الحكم، وإن لم يكن منصوبا ابتداء وبالذات

    من قبل اإلمام للحكم.وبما أننا نعيش اليوم عصر الغيبة الكبرى فال يكون النصب من قبل اإلمام

    نصبا لشخص معين بالخصوص، وإنما النصب يكون بشكل عام لكل من هو متصفبمواصفات معينة. نعم بناء على مبنى والية الفقيه قد يقال بأن للفقيه حق تعيين

    شخص ما للقضاء، ولو لم توجد فيه المواصفات المذكورة في من ورد من اإلمام

    (٢١)

  • المعصوم نصبهم بشكل عام للقضاء، وهذا أيضا يدخل في القاضي المنصوب. ثم قديقال: إن من حق المتخاصمين أن يتراضيا على المحاكمة عند شخص غير واجد

    لمواصفات القاضي المنصوب من قبل اإلمام المعصوم، وال المنصوب من قبل الفقيه.إذن فيقع البحث حول شخصية القاضي:

    أوال - في أنه هل وصلنا نصب عام من قبل اإلمام المعصوم للقضاء وفقمواصفات معينة أو ال؟.

    وثانيا - في أنه على تقدير اإلجابة باإليجاب على السؤال األول، فما هيالمواصفات المشترطة في من نصبه المعصوم بشكل عام؟ وهل يجوز للفقيه أن ينصب

    من هو فاقد لتلك المواصفات أوال؟ وهل يجوز له أن يوكل في القضاء الفاقد لتلكالمواصفات أوال؟.

    وثالثا - هل يحق للمترافعين تحكيم غير المنصوب من قبل اإلمام وال من قبلالفقيه - وهو المسمى بقاضي التحكيم - أو ال؟.

    (٢٢)

  • النصب العام للقضاءأما األمر األول - وهو أنه هل هناك نصب عام من قبل المعصوم للقضاء

    أوال؟ فعمدة الدليل على النصب أحاديث ثالثة:أحدها - التوقيع الشريف الذي رواه إسحاق بن يعقوب: (أما الحوادث

    الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله) (١). أو(وأنا حجة الله عليهم) كما في إكمال الدين، أو (وأنا حجة الله عليكم) كما في غيبة

    الطوسي بناء على داللة هذا الحديث على والية الفقيه بشكل عام، ومن أغصانالوالية العامة هي والية القضاء.

    والثاني - مقبولة عمر بن حنظلة قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السالم) عن رجلين منأصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل

    ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم لهفإنما يأخذه سحتا وإن كان حقا ثابتا له، ألنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أنيكفر به. قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا،

    ونظر في حاللنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته--------------------

    (١) الوسائل، ج ١٨، ب ١١ من صفات القاضي، ح ٩، ص ١٠١.

    (٢٣)

  • عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد،والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله) (١).

    وقد رد السيد الخوئي (رحمه الله) كال هذين الحديثين بضعف السند، ويقصد بذلكعدم ثبوت وثاقة إسحاق بن يعقوب في الحديث األول، وعمر بن حنظلة - كما

    صرح به - في الحديث الثاني، ورغم هذا آمن بأصل فكرة القاضي المنصوب علىأساس توقف حفظ النظام المادي والمعنوي على القضاء الموجب لوجوبه كفاية.

    وقد يقال إن الوجوب الكفائي حكم تكليفي ال يثبت النصب الذي هو حكموضعي، والحكم ال يحقق موضوعه وشروطه، فلو كان الشرط في نفوذ القضاء هو

    النصب فكيف يمكن إثبات ذلك بوجوبه؟!.إال أنه باإلمكان اإلجابة على ذلك: بأنه لو كان الوجوب الكفائي للقضاء

    ثابتا بنص خاص مثال مشروطا بنصب اإلمام صح القول بأن هذا الوجوب ال يثبتالنصب، فإذا لم يكن دليل على النصب لم يمكن إثباته بالوجوب الكفائي، ولكن

    الوجوب الكفائي هنا ثبت بعلمنا بعدم رضا الشارع باختالل النظام، وهذا العلم كمايثبت وجوب القضاء كذلك يثبت نفوذه، ألننا نعلم أن مجرد الوجوب بال نفوذ

    ال يرفع االختالل، ونفوذه يعني إمضاء الشارع لقضائه. حينئذ لو كان إمضاءالشارع لقضائه بعد فرض ترافع المتنازعين لديه كافيا في رفع االختالل ثبت بذلكقضاء التحكيم، أما لو فرض أن مجرد ذلك ال يرفع االختالل ألنه كثيرا ما يتفق أن

    أحد المتخاصمين ال يرضى بالتحاكم، فال بد من قاض منصوب يحق له جلبالمتخاصم عند طلب المتخاصم اآلخر ثبت بذلك على اإلجمال أن الشريعة

    اإلسالمية نصبت بعض الناس قضاة. أما من هم هؤالء البعض؟ - وقد افترضنا عدم--------------------

    (١) الوسائل، ج ١٨، ب ١١ من صفات القاضي، ح ١، ص ٩٩.

    (٢٤)

  • نص خاص يرشدنا إليهم - فال بد من االقتصار على القدر المتيقن لو كان، وهذا ماسنبحثه إن شاء الله عند بحث الشروط.

    وعلى أي حال فالصحيح تمامية سند الخبرين الماضيين:أما توقيع إسحاق بن يعقوب فلما ذكرناه في أساس الحكومة اإلسالمية (١) في

    تصحيح سنده وال نعيده هنا. وأما مقبولة عمر بن حنظلة فلثبوت وثاقته على مبنانابرواية بعض الثالثة الذين ال يروون إال عن ثقة عنه.

    --------------------(١) وحاصله: أن الرواية رويت بسندين:

    األول: الصدوق في إكمال الدين، عن محمد بن محمد بن عصام، عن محمد بن يعقوب، عنإسحاق بن يعقوب....

    الثاني: الشيخ في الغيبة، عن جماعة، عن جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراريوغيرهما كلهم، عن محمد بن يعقوب.

    والسند الثاني إلى إسحاق بن يعقوب صحيح مطمأن إليه حيث يرويها جماعة - منهم المفيدفإن الشيخ يروي جميع كتب وروايات ابن قولويه عن جماعة أحدهم المفيد - عن جماعة - منهم ابن

    قولويه والزراري المقطوع بوثاقتهما - عن الكليني، فال يبقى في السند غير إسحاق بن يعقوب،وال اسم له في الرجال فيكون مجهوال، لكن مجهوليته ال تضر هنا، ألنها إنما تضر لوجود احتمال الكذب

    أو التساهل، وهو هنا منتف، ألن احتمال الكذب أو التساهل إن فرض في أصل دعوى صدورالتوقيع، يرده: أن احتمال أن يخفى على مثل الكليني افتراء التوقيع في زمانه بعيد جدا ال يعتنى به،

    خاصة وأن التوقيعات لم تكن تصدر إال إلى الخواص لشدة التقية. وإن فرض التساهل في نقلالخصوصيات - بعد انتفاء احتمال الكذب في أصل النقل - فهو إما لمصلحة شخصية تدعو إلى

    التغيير، وهي غير متصورة في المقام، وإما لعدم الضبط والتساهل في النقل وهذا إنما يكون في النقلالشفهي عادة ال في الكتاب - راجع ص ١٥٥ من أساس الحكومة اإلسالمية.

    (٢٥)

  • وثاقة من روى عنه بعض الثالثة:واألصل في توثيق كل من روى عنه أحد الثالثة هو ما عن الشيخ

    الطوسي (رحمه الله) في كتاب العدة في أواخر بحثه عن خبر الواحد حيث قال:" وإذا كان أحد الراويين مسندا واآلخر مرسال نظر في حال المرسل، فإن كانممن يعلم أنه ال يرسل إال عن ثقة موثوق به فال ترجيح لخبر غيره على خبره،

    وألجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى،وأحمد بن محمد بن أبي نصير، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم ال يروون

    وال يرسلون إال عمن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم " (١).فهذا إخبار من قبل الشيخ الطوسي (رحمه الله) يحمل على الحس أو ما هو قريب من

    الحس بأنه كان من المعروف عند األصحاب بشأن هؤالء الثالثة أنهم ال يروون إالعن ثقة، وبتصديق هذا الخبر من الشيخ على أساس حجية خبر الثقة تثبت شهادةجملة من األصحاب بأن هؤالء الثالثة ال يروون إال عن ثقة. إذن فنقل واحد من

    هؤالء الثالثة عن شخص توثيق له.هذا إضافة إلى أن هؤالء الثالثة هم من أصحاب اإلجماع، فلو قلنا بأنأصحاب اإلجماع ال يروون إال عن ثقة ثبت ذلك بشأن هؤالء الثالثة.

    واألصل في دعوى اإلجماع هذه هو الكشي في رجاله حيث قال في تسميةالفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السالم):

    " أجمعت العصابة على تصديق هؤالء األولين من أصحاب أبي جعفر،--------------------

    (١) العدة للشيخ الطوسي ص ٣٨٦.

    (٢٦)

  • وأصحاب أبي عبد الله (عليهما السالم)، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه األولين ستة:زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير األسدي، والفضيل بن يسار،

    ومحمد بن مسلم الطائفي. قالوا: وأفقه الستة زرارة وقال بعضهم مكان أبي بصيراألسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري " (١).

    وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله (عليه السالم):" أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤالء وتصديقهم لما يقولون،

    وأقروا لهم بالفقه - من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم - ستة نفر: جميلبن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عثمان، وحماد بن

    عيسى، وأبان بن عثمان. قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - وهو ثعلبة بن ميمون - أنأفقه هؤالء جميل بن دراج، وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليه السالم) " (٢).

    وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم، وأبي الحسن الرضا (عليهما السالم):" أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤالء وتصديقهم، وأقروا لهم

    بالفقه والعلم، وهم ستة نفر أخر دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبدالله (عليه السالم) منهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري،

    ومحمد بنأبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر.وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب.

    وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب: عثمان بن عيسى. وأفقه هؤالء يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيى " (٣).

    --------------------(١) الرقم ٤٣١، من اختيار معرفة الرجال، ص ٢٣٨.

    (٢) الرقم ٧٠٥ من نفس المصدر، ص ٣٧٥.(٣) الرقم ١٠٥٠ من نفس المصدر، ص ٥٥٦.

    (٢٧)

  • ومن الواضح في الستة األولى أن قوله: (أجمعت العصابة على تصديقهؤالء...) ال يدل إال على توثيقهم دون توثيق من يروون عنه. نعم قد يتوهم بالنسبةلتعبيره في الستة الثانية والثالثة بتصحيح ما يصح عن هؤالء أن معنى ذلك هو أن ما

    صح إلى هؤالء فهو صحيح إلى اإلمام، وهذا يعني وثاقة الرواة الذين وقعوا بينهموبين اإلمام، أو أنهم كانوا متأكدين من صدق الرواة الذين بينهم وبين اإلمام في

    تلك الروايات. ولكنك ترى أن هذه العبارة أيضا ال داللة فيها على أكثر منتصحيح ما يصح عنهم، بمعنى أن ما صح سنده إليهم فسنده صحيح بلحاظهم، أي

    أنهم ثقات في النقل، أما أنهم ال ينقلون إال عن ثقة مثال فلم يعلم من ذلك، ويؤيد هذاالمعنى عطف قوله: " وتصديقهم " على قوله: " تصحيح ما يصح عنهم "، فإن الظاهرأنه من باب عطف المرادف. أما كونه من باب عطف شئ أقل وأخف - وهو مجرد

    التوثيق - على شئ أكبر وأوسع - وهو صحة روايته إلى اإلمام - فخالف الظاهر،وكذلك يؤيده عطف الكشي للستة الثانية على الستة األولى بقوله: " من دون أولئكالستة الذين عددناهم ". وكذلك الستة الثالثة على الثانية مما يفهم منه أن المقصودمن العبائر الثالث كان على نسق واحد، ومن الواضح أن العبارة األولى إنما دلت

    على وثاقة نفس الستة دون وثاقة من ينقلون عنه.وعلى أي حال فالمهم في المقام هي العبارة التي نقلناها عن الشيخ

    الطوسي (رحمه الله)، حيث يبدو أنها تدل على أن هؤالء الثالثة ال ينقلون إال عن ثقة.إال أن السيد الخوئي قد ناقش في ذلك في مدخل كتابه (معجم رجال

    الحديث) (١) بعدة مناقشات:األولى - حمل نقل الشيخ تسوية الطائفة بين مراسيل هؤالء ومسانيد غيرهم

    --------------------(١) معجم رجال الحديث، الجزء األول، ص ٧٥.

    (٢٨)

  • على الحدس واالجتهاد، إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة وأمرا معروفا متسالماعليه بين األصحاب لذكرت في كالم أحد من القدماء، وليس منها في كلماتهم عينوال أثر عدا ما جاء عن النجاشي بخصوص مراسيل محمد بن أبي عمير من سكون

    األصحاب إليها معلال بضياع كتبه وهالكها، فمن المطمأن به أن منشأ هذه الدعوىهي دعوى الكشي اإلجماع على تصحيح ما يصح عن هؤالء، ويشهد لذلك أنالشيخ لم يخص ما ذكره بالثالثة بل عممه لغيرهم من الثقاة الذين عرفوا بأنهم

    ال يروون إال عن ثقة، بينما لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي اإلجماععلى التصحيح، ومما يكشف عن كون هذه النسبة اجتهادية وغير ثابتة في نفسهانقض الشيخ نفسه لذلك في كتابيه التهذيب واالستبصار، حيث يناقش فيهما سند

    بعض الروايات باإلرسال رغم كون المرسل أحد الثالثة، أو أحد أصحاب اإلجماع.أقول: ال إشكال في أن األصل في الخبر هو الحس، فحمل كالم الشيخ على

    الحدس واالجتهاد، أو التحميل عليه بأنه استفاد ذلك من كالم الكشي في تصحيح مايصح عن جماعة بحاجة إلى مبرر، وتبرير ذلك (بأنه لو كانت هذه التسوية صحيحة

    وأمرا معروفا متسالما عليه بين األصحاب لذكرت في كالم أحد من القدماء، بينماال يوجد عين وال أثر من ذلك) قد أورد عليه الشيخ عرفانيان في كتابه (مشايخ

    الثقات) بأنه ما أكثر كتب األصحاب التي تلفت، ولم تصل بأيدينا، فلعل هذا كانمذكورا في الكتب التالفة (١).

    أقول: لئن فرضت صحة استبعاد وجود تسوية من هذا القبيل من قبلاألصحاب بين مراسيل هؤالء ومسانيد غيرهم من دون أن نجد عينا وال أثرا فيماوصل بأيدينا من كتبهم رغم ترقب ذكر ذلك في كتب الفقه واألصول والرجال،

    --------------------(١) مشايخ الثقات ص ١٣.

    (٢٩)

  • وقد وصلنا من مجموع األصناف الثالثة من الكتب عدد معتد به، لئن فرضت صحةاستبعاد ذلك بالنسبة لنقل التسوية، فمن الواضح عدم صحته بالنسبة إلخبار

    الشيخ (رحمه الله) عن أنهم عرفوا بأنهم ال يروون وال يرسلون إال عمن يوثق به.والحاصل

    أنه قد جاء في كلمات الشيخ التي نقلناها تعبيران: أحدهما التعبير بالتسوية بينمراسيل هؤالء والمسانيد، واآلخر التعبير بأنهم عرفوا بعدم النقل عن غير الثقات،

    فلئن شككنا في األول فالتشكيك في الثاني أوضح بطالنا، ألن معروفية عدم نقلهمعن غير الثقات إنما يترقب ذكرها في كتب الرجال فحسب سنخ التوثيق

    والتضعيف، أي ال استغراب في عدم ذكر ذلك في كتب الفقه واألصول، وكتبالرجال الواصلة بأيدينا ليست في الكثرة بمثابة نستبعد معها عدم وصول ذلك إلينا

    عن غير كتاب العدة، فلعل هذا سنخ اإلجماع على تصحيح ما يصح عن جماعة الذيانحصر مدركه األصلي لدنيا في نقل الكشي، أو سنخ ما جاء في عدة الشيخ الطوسي

    من معروفية السكوني بالوثاقة، بينما لم نر من ذلك عينا وال أثرا في كتب الرجال،والتفكيك بين األمرين - أعني معروفية هؤالء بأنهم ال يروون، وال يرسلون إال عنثقة، والتسوية بين مراسيلهم ومسانيد اآلخرين - أمر معقول، إذ قد يسلم شخص

    باألول، ولكنه ال يسلم بالتسوية على أساس دعوى أنه عند اإلرسال نبقى نحتمل أنواقع من أرسل عنه لعله مجروح من قبل آخرين، ولعل واقع من أرسل عنه نعلم

    بعدم وثاقته، والعام المفهوم من قاعدة: (ال يروون، وال يرسلون إال عن ثقة) ساقطعن الحجية بهذا المقدار، فالتمسك به تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وال أقصداآلن البحث عن مدى صحة هذا اإلشكال، وإنما مقصودي أن التفكيك بين األمرين

    أمر معقول:وبما ذكرنا ظهر الجواب على استشهاد السيد الخوئي لكون مدعى الشيخ

    بشأن الثالثة مأخوذا من نقل الكشي اإلجماع على تصحيح ما يصح عن جماعة بأنه

    (٣٠)

  • عمم األمر إلى غير هؤالء الثالثة، بينما لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوىالكشي اإلجماع. فالجواب: أنه من أين عرفنا أنه لم يعرف أحد بذلك من غير جهةالكشي مع أنه لم يصلنا من كتب الرجال إال القليل؟! وماذا يقول السيد الخوئي في

    نفس إجماع الكشي الذي لم يصلنا عن غير طريق الكشي؟!.وأما استشهاده بنقض الشيخ نفسه في كتابيه لقاعدة التسوية فقد أجاب عليه

    الشيخ عرفانيان:تارة بأن كتاب العدة متأخر تأليفا عن التهذيب واالستبصار، فلعله في الزمن

    الثاني التفت إلى تسوية األصحاب.وأخرى بأن مبنى الشيخ في التهذيب واالستبصار االعتذار عن تعارض

    األخبار تارة بالجمع، وأخرى بإسقاط أحد السندين، وذلك أمام من طعن علينابكثرة التعارض في أخبارنا، فلعل المناقشة باإلرسال كانت بهذه النكتة (١).

    وهذا الجواب الثاني وإن كان قابال للمناقشة لكن الجواب األول صحيح.ويمكن تصحيح الجواب الثاني أيضا بإرجاعه إلى القول بأن مفاد كالم الشيخ

    في كتابيه كقوله في باب العتق: (وأما ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عنزرارة عن أبي جعفر (عليه السالم) قال: " السائبة وغير السائبة سواء في العتق " فأول ما

    فيهأنه مرسل، وما هذا سبيله ال يعارض به األخبار المسندة) (٢) ليس معارضا لكالمه

    الذي جاء في العدة من أنهم ال يروون، وال يرسلون إال عن ثقة، وذلك ألن منالمحتمل أن يكون مقصوده بما في كتابيه أنه لدى المعارضة يقدم المسند على المرسل

    --------------------(١) مشايخ الثقات ص ٣١ - ٣٠.

    (٢) التهذيب ج ٨ باب العتق وأحكامه الحديث ٩٣٢، واالستبصار ج ٤، باب والء السائبة،الحديث ٨٧.

    (٣١)

  • ال عدم حجية المرسل في ذاته، وهذا اجتهاد منه في مقام عالج التعارض، باعتبار أنعدم معروفية الساقط اسمه لنا يجعلنا نحتمل إننا لو عرفناه لرأيناه غير ثقة خالفا لمابنى عليه ابن أبي عمير مثال، فكان هذا سببا في رأي الشيخ الطوسي لتقديم المستند

    الذي عرفنا وثاقة كل رواته على ذاك المرسل، وهذا - كما ترى - ال يعارض ما فيالعدة.

    أضف إلى ذلك ما عرفته من عدم المالزمة بين اإليمان بأن هؤالء الثالثةال يروون إال عن ثقة - أي عمن يثقون به - والتسوية، فلعل الشيخ استشكل في

    كتابيه في التسوية بين مراسيل هؤالء الثالثة ومسانيد غيرهم رغم إيمانه بأناألصحاب سووا بينهما بنكتة أنهم ال يروون إال عن ثقة، وسيأتي إن شاء الله أن معنى

    كونهم ال يروون إال عن ثقة أنهم ال يروون إال عمن يؤمنون هم بوثاقته، فال ينافيذلك التوقف في مراسيلهم باعتبار عدم معرفتنا بالشخص المحذوف، واحتمال وجود

    الجرح بشأنه.الثانية - أنه لو فرض ثبوت التسوية من قبل األصحاب القدامى بين مراسيل

    هؤالء ومسانيد غيرهم فمن المظنون كون ذلك على أساس ما نسب إليهم، واختارهجمع من المتأخرين كالعالمة من البناء على حجية خبر كل إمامي لم يظهر منه فسق،

    ال على أساس أنهم ال يروون إال عن ثقة.أقول: نحن ال نتمسك بمجرد إخبار الشيخ عن تسوية األصحاب بين مراسيل

    هؤالء ومسانيد غيرهم كي يلقى احتمال من هذا القبيل لدفع االستدالل، بل نتمسكبإخبار الشيخ بأن هؤالء عرفوا بأنهم ال يروون وال يرسلون إال عن ثقة.

    الثالثة - أن دعوى أن هؤالء الثالثة ال يروون وال يرسلون إال عن ثقة ال يمكنأن تتم إال عن طريق إخبارهم هم عن أنهم ال يروون إال عن ثقة، وال طريق آخرلكشف ذلك، بينما لم ينسب إلى أحد من هؤالء التصريح بشئ من هذا القبيل.وقد أجاب على ذلك الشيخ عرفانيان حفظه الله بأن األصحاب القدامى خاصة

    (٣٢)

  • التالمذة المباشرين لهؤالء الثالثة بإمكانهم اكتشاف ذلك عن ظاهر حالهم،والقرائن الموجودة في حياتهم وأحوالهم، وليس طريق الكشف منحصرا في

    تصريحهم (١).أقول: لو كان طريق الكشف منحصرا في تصريحهم لدلت هذه الشهادة من

    قبل الشيخ على صدور تصريح بذلك من قبلهم، وال دليل على ضرورة وصول ذلكإلينا بأكثر من هذا المقدار من الوصول. والواقع أن طريق الكشف ليس منحصرا فيتصريحهم بذلك، بل بإمكان تالمذتهم أن يكتشفوا ذلك عن ظاهر حالهم واستقراءجملة من نقولهم وسنخ اهتماماتهم ونحو ذلك من القرائن، كما يكتشفون عدالتهم

    أو وثاقتهم بهذا األسلوب، ومعنى شهادة الشيخ بأنهم عرفوا بأنهم ال يروونوال يرسلون إال عن ثقة هو الشهادة بأن األصحاب كانوا يعتقدون بأن ظاهر حالهؤالء - لو لم يكن تصريح منهم - كان بنحو يورث نقلهم عن أحد االطمئنانلإلنسان المتعارف المطلع على حالهم بأنه ثقة عند الناقل، وهذا كاف في ثبوتوثاقته عندنا، ألنه إخبار من قبل الشيخ الثقة عن األصحاب الثقات إما بوثاقة منيروي عنه هؤالء الثالثة في اعتقاد هؤالء الثالثة وهو إخبار بما يقرب من الحس،

    وإما بأمر حسي (وهو ظهور حالهم) مالزم - مالزمة عادية بقدر إفادة االطمئنان -لكون المروي عنه ثقة عند أحد هؤالء الثالثة الثقات، ومالزمات األمارة حجة،

    فكأننا اطمئننا بإخبار أحد هؤالء الثالثة بوثاقة المروي عنه.أما لو استظهرنا أن هذه المعروفية لو كانت سوف لن تخفى على نفس هؤالء

    الثالثة، إذن فهذا يعني أن هؤالء الثالثة كانوا يعلمون بأنهم حينما ينقلون عن أحدفالناس سوف يفترضون وثاقة المروي عنه، وحينئذ سيكون سكوتهم عن قدح

    المروي عنه شهادة من قبلهم بوثاقته، فتتأكد بذلك داللة نقلهم عنه على وثاقته.--------------------

    (١) مشايخ الثقات ص ٣٣.

    (٣٣)

  • الرابعة - أن هؤالء نقلوا أحيانا عن غير الثقات في موارد ذكر جملة منهاالشيخ نفسه فكيف يدعى أن هؤالء ال يروون عن الضعفاء.

    ال يقال: إن رواية هؤالء عن الضعفاء ال تنافي دعوى أنهم ال يروون إال عنثقة، إذ معنى ذلك هو أنهم ال يروون إال عمن يعتقدون بوثاقته، فرواية أحدهم عن

    شخص شهادة منه على وثاقته تؤخذ بها ما لم يثبت خالفها.فإنه يقال: إن الشيخ أراد بقوله: " ال يروون، وال يرسلون إال عن ثقة " الوثاقة

    في الواقع وفي نفس األمر، ال في نظر هؤالء الثالثة، والدليل على ذلك أنه لو كانالمقصود هو الوثاقة في نظر هؤالء لما أمكن الحكم بالتسوية بين مراسيلهم ومسانيدغيرهم، إذ من المحتمل أن يكون الواسطة من ثبت ضعفه عندنا. هذا ما أفاده السيد

    الخوئي في المقام.أقول: من الواضح أن الشهادة بأنهم ال يروون إال عمن هو ثقة في الواقع غير

    معقولة إال بنحو القضية الخارجية، وعلى أساس االستقراء التام، ومن البديهي أناالستقراء بلحاظ المراسيل على األقل غير معقول. وبهذه النكتة يصبح ظاهر قوله:" ال يروون، وال يرسلون إال عن ثقة " هو الوثاقة بنظر هؤالء ال الوثاقة في الواقع.

    وأما أنه هل تصح على هذا التسوية بين المراسيل والمسانيد أوال؟ فهذا بحث علمي،ومن المعقول افتراض أنهم اعتقدوا صحة التسوية، وليس من الواضح عدم صحتها

    كي ال نحتمل اعتقادهم بذلك، بل هناك وجه فني لصحة التسوية قابل للبحثوالنقاش، وهو أنه حينما أرسل أحد هؤالء الثالثة رواية فقد حصلت لنا شهادة

    بوثاقة الشخص المحذوف، واحتمال وجود التضعيف بشأنه وإن كان واردا لكن هذاال يعني عدا احتمال وجود المعارض لتلك الشهادة، والدليل ال يسقط بمجرد احتمال

    وجود المعارض.نعم لو فرض نادرا أننا عرفنا في مورد ما أن أحدهم نقل عمن كان يرى هو

    (٣٤)

  • عدم ثبوت وثاقته فقد يتخيل أن هذا يضر بتلك الشهادة.والواقع أنه حتى لو ثبت ذلك نادرا فإنه ال يضر باألمر.

    توضيح ذلك: أنه قد اتضح مما سبق أن الستفادة وثاقة المروي عنه منعبارة الشيخ (رحمه الله) أحد طرق ثالثة:

    األول - أن يفترض في أن تلك العبارة تدل على أن هؤالء الثالثة قد صرحوابأنهم ال ينقلون إال عن ثقة، إذ ال يمكن معرفة ذلك إال بتصريحهم مثال، وعليه فقد

    حصلنا على شهادة من هؤالء الثالثة بوثاقة المروي عنه بعدد من رووا عنهم، وحينماتسقط بعض هذه الشهادات بثبوت الخطأ ال يستلزم ذلك سقوط باقي الشهادات، إال

    أن يكثر نقلهم عن الضعفاء مما يكشف عن عدم وجود شهادة من هذا القبيل، ولمتردنا كثرة نقل لهم عن الضعفاء، والحمد لله.

    الثاني - أن يفترض أن نفس نقل أحدهم عن شخص شهادة - بمعونة سكوتهعن قدحه - على وثاقته باعتبار علمه بمعروفيته بأنه ال يروي إال عن ثقة. وعلى هذا

    الفرض أيضا توجد لدنيا عدة شهادات بعدد المروي عنهم، وسقوط بعضها اليوجب سقوط الشهادات األخرى ما لم يكثر النقل عن الضعفاء مما يكشف عن عدم

    شهادة من هذا القبيل.الثالث - أن يقتصر على مجرد أن ظاهر حالهم كان يبعث على االطمئنان

    باعتقادهم بوثاقة من يروون عنه، ومن الواضح أن هذا االطمئنان ال يختل بمجردالتخلف في مورد نادر.

    وقد اتضح بما ذكرناه الجواب على اإلشكال حتى لو فرض حمل قوله: " اليروون إال عن ثقة " على معنى الوثاقة الواقعية، فيرجع ذلك في الحقيقة إلى شهادة

    العلماء القدامى بوثاقة كل من روى عنه أحد الثالثة، فإننا لو افترضنا أن هذهالشهادة ثبت خالفها في بعض الموارد فهذا ال يعني سقوط باقي شهاداتهم ما دام لم

    (٣٥)

  • تبلغ موارد التخلف من الكثرة إلى حد يستكشف منه عدم شهادة من هذا القبيلرأسا.

    نعم هذه الشهادة سوف لن تفيدنا لتصحيح مراسيل هؤالء الثالثة، ألنشهادة األصحاب بالوثاقة الواقعية لمن روى عنه أحد هؤالء الثالثة ال يمكن أن

    تقبل بالنسبة لمن لم يعرفوه، وال يمكن أن تكون عن حس، والمفروض أن المروي عنهفي المراسيل غير معروف.

    ومن هنا ظهر أنه لو أريد جعل دعوى التسوية بين مراسيلهم ومسانيدغيرهم شاهدة على شئ، فجعلها شاهدة على أن المقصود بالوثاقة في المقام هيالوثاقة عند هؤالء الثالثة أولى من جعلها شاهدة على أن المقصود بها هي الوثاقة

    الواقعية.بقي إشكال آخر قد يورد في المقام وهو أن نقل الشيخ لتسوية األصحاب بينمراسيل هؤالء الثالثة ومسانيد غيرهم، وأنهم عرفوا بأنهم ال يروون إال عن ثقة

    يشبه نقل اإلجماع، فكما أن اإلجماع المنقول غير حجة كذلك هذا النقل ال يكونحجة.

    والجواب: أن نقل اإلجماع ليس إال نقال آلراء حدسية ال نستكشف منالمقدار الذي نستحصله عن طريق النقل رأي اإلمام، وهذا بخالف معرفة

    األصحاب الحسية أو القريبة من الحس بأن هؤالء الثالثة ال يروون إال عن ثقة.مراسيل الثالثة:

    هذا. وال بأس بأن نبحث بالمناسبة في خاتمة هذا البحث حال مراسيل هؤالءالثالثة، فقد عرفنا حتى اآلن أن الذي يروي عنه أحد الثالثة لو لم يردنا بشأنه

    تضعيف نحكم بوثاقته.

    (٣٦)

  • أما إذا حذف اسم الرجل فقال مثال: " عن رجل عن اإلمام " فقد يستشكلفي توثيقه بأحد وجهين:

    األول - أن توثيقه بعموم أنهم ال يروون إال عن ثقة بعد أن عثرنا على نقلهمأحيانا من المجروحين، تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ أن ذاك الفرد المجروح

    قد خرج من تحت العام، ونحن نحتمل كون هذا الفرد المخذوف هو ذاك فكيفيمكن

    التمسك بعام من هذا القبيل؟.الجواب: أوال - إن مفردات موضوع هذا العام هي الروايات ال الرواة

    فالشهادة تقول: إن هؤالء ال يروون رواية عن غير الثقة، فلو روى أحدهم روايةعن غير الثقة ثم روى رواية أخرى عن نفس ذاك الشخص، فهذا يعني تخلف

    فردين عن هذا القرار العام ال تخلف فرد واحد.وثانيا - إنه حتى لو فرض أن مفردات الموضوع هي الرواة، فحينما نرى

    أحدهم روى عمن ضعف فهذا ال يعني أن تضعيف من ضعف تخصيص للعام كييأتي الكالم بأن فرض رواية أخرى عنه هل هو تخصيص زائد يدفع بالعموم أوال،

    وإنما يعني أن تضعيف من ضعف شهادة معارضة لهذه الشهادة بالوثاقة، إذ ليس هذاتضعيفا صادرا من نفس ابن أبي عمير مثال كاشفا عن ضيق في مراده الجدي عن

    العام، وإنما هي شهادة معارضة من قبل شاهد آخر.إذن فالمورد هو مورد الشك في المعارض ال الشك في المصداقية لتخصيص

    ثابت.الثاني - ما جعله في (مشايخ الثقات) للشيخ عرفانيان حفظه الله (في كالم نسبه

    إلى أستاذنا الشهيد (رحمه الله)) ردا على الجوابين الماضيين عن اإلشكال األول، بينماهو

    يصلح إشكاال مستقال، وال يصلح ردا على الجوابين، ولعل ذلك مسامحة في التعبير.وحاصل هذا الوجه: هو أن أصالة عدم االشتباه التي هي أحد جزئي معنى

    (٣٧)

  • حجية خبر الثقة - إذ معناها نفي الكذب ونفي االشتباه - ال تجري في المقام بعد مارأيناه في أخبار ابن أبي عمير مثال المسندة من أنه روى أحيانا عن فالن الضعيف،

    إذ لو كان قد اعتقد اشتباها بوثاقة فالن، وكان الشخص المحذوف في الروايةالمرسلة عبارة عن نفس هذا الشخص الضعيف لم يكن هذا اشتباها جديدا ينفى

    بأصالة عدم االشتباه (١).والجواب على ذلك هو ما جاء أصله في نفس الكالم الذي نقله الشيخ

    عرفانيان عن أستاذنا الشهيد (رحمه الله) نذكره هنا مع قليل من الفرق، وهو أن ندرةمشاهدتنا لرواية ابن أبي عمير مثال عمن وصلنا تضعيفه تجعلنا نطمئن في كل رواية

    مرسلة له بأنها ليست عن أولئك الذين وصلنا تضعيفهم، فمثال حينما لم نر في مشايخهمن وصلنا تضعيفه إال بمقدار واحد من المائة أو اثنين من المائة أصبح احتمال كونهذه الرواية المرسلة مروية عن ذاك عبارة عن واحد أو اثنين من المائة، بل سيكون

    أقل من ذاك:أوال - الحتمال كونها مروية عن إنسان آخر غير أولئك المشايخ الذين

    عرفناهم، ولم يصلنا طبعا تضعيف ذاك اإلنسان المجهول اسمه لدينا.وثانيا - ألن احتمال كون المحذوف هو أحد األشخاص الذين كثرت رواياتابن أبي عمير عنهم - وهم جملة من الثقات - أقوى من احتمال كونه هو ذاك

    الضعيفالذي قلت رواية ابن أبي عمير عنه.

    وهذا الجواب يصلح جوابا للوجه األول من اإلشكال أيضا.إال أن أستاذنا الشهيد (رحمه الله) حسب نقل الشيخ عرفانيان أورد على ذلك: بأن

    هذا الجواب إنما يتم لو لم يكن هناك مقو الحتمال كون هذه الرواية المرسلة مرويةعن ذاك الضعيف يجعله أقوى من سائر البدائل المحتملة مما قد يخل بحصول

    --------------------(١) مشايخ الثقات ص ٤٢.

    (٣٨)

  • االطمئنان، والمقوي الذي يمكن دعوى وجوده في المقام هو نفس حذف اسمالوسيط، إذ يحتمل نشوء ذلك من درجة من عدم االعتناء بالوسيط وعدم الوثوق

    به.نعم يستثنى من هذا اإلشكال ما لو عبر ابن أبي عمير مثال بتعبير: عن غير

    واحد، أو عن جماعة، أو عن رهط، ونحو ذلك، ال بتعبير: عن رجل، أو عن بعضأصحابه، ونحو ذلك، إذ هذا التعبير يتناسب مع االهتمام المع عدم االهتمام، بل في هذا

    الفرض يشتد االطمئنان لبعد كون كل المحذوفين العرضيين - وهم ثالثة علىاألقل - من أولئك الذين وصلنا ضعفهم (١).

    أقول: أن هذا اإلشكال غريب في المقام، فترك ذكر اسم الوسيط ال أعرفكيف ينشأ - في احتمال معقول - من عدم الوثوق به، وإنما ينشأ عادة من نسيانه، ولو

    لم يكن ناسيا له فعدم ذكره لعله أنسب بوثوقه من عدم وثوقه به، باعتبار أنه لو لميكن واثقا به كان ينبغي له ذكره كي يتكفل السامع بنفسه عب ء الوثوق بالرواية أو

    عدم الوثوق بها.هذا تمام الكالم في روايات الثالثة مسندا ومرسال.

    وقد تحصل بذلك أن مقبولة عمر بن حنظلة في المقام تامة سندا.داللة الحديث:

    وأما داللة، فقد يقال: بأنها لم تدل على أكثر من قاضي التحكيم حيث قال:" فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما "، فصحيح أن هذا نصب من قبلاإلمام، لكنه نصب لمن رضوا به حكما، أي نصب بعد التحكيم، وقد قلنا: إن قاضي

    --------------------(١) مشايخ الثقات ص ٤٥.

    (٣٩)

  • التحكيم أيضا ال بد من نصبه، إال أن نصبه يكون في طول التحكيم، بينما كالمنا اآلنفي النصب العام من قبل المعصوم قبل التحكيم.

    والجواب: أن (فاء) التعليل في قوله: " فإني قد جعلته حاكما " الذي علل بهقوله:

    " فليرضوا به حكما " ظاهر عرفا في أن النصب ثابت في الرتبة السابقة على التحكيم،فكأنه يقول: هذا منصوب من قبلي حاكما فتحاكموا إليه. وهذا هو القاضي

    المنصوب.هذا، وقد يقال: إن هذا الحديث ال يفيدنا في زماننا ألنه إنما دل على النصب

    من قبل اإلمام الصادق (عليه السالم) بوصفه وليا لألمر فيختص بزمانه، أما في زمانناهذا

    فنحن بحاجة إلى النصب من قبل إمام العصر، أي يجب أن نرجع إلى التوقيع مثالإلثبات منصب القضاء للفقيه ال إلى المقبولة.

    والجواب: أن ظاهر هذا الحديث بإطالقه هو الجعل المستمر إلى أن ينسخ،واإلمام المعصوم تكون واليته شاملة لما بعد وفاته إلطالق دليل واليته، ولم يثبت

    نسخ هذا النصب من قبل إمام متأخر.هذا تمام الكالم في الحديث الثاني من أحاديث النصب.

    الحديث الثالث - ما ورد عن أبي خديجة بسند تام عن الصادق (عليه السالم): " إياكمأن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من

    قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه " (١). وسيأتي إن شاء اللهأن حمل هذا الحديث على قاضي التحكيم خالف الظاهر.

    --------------------(١) الوسائل، ج ١٨، ب ١ من صفات القاضي، ح ٥، ص ٤.

    (٤٠)

  • شرائط القاضيوأما األمر الثاني - أعني ما هي المواصفات المشترطة في القضاء في من هو

    منصوب رأسا من قبل المعصومين (عليهم السالم) حسب مبنانا من ورود هذا النصب،أو في

    من نعلم برضا الشريعة في قضائه حسب مبنى السيد الخوئي من عدم وصول النصبإلينا، واالستفادة من علمنا بعدم رضى الشريعة باختالل النظام.

    شرط العلمفأول هذه الشروط: هو العلم.

    أصل اشتراط العلم:وال إشكال في أصل اشتراط العلم بالحكم األعم من الواقعي والطاهري ولو

    بالتقليد، بضرورة من الفقه، وبآيات النهي عن اتباع غير العلم، فهي تدل علىحرمة القضاء بغير العلم، وتثبت بالمالزمة العرفية عدم نفوذه، وبالروايات

    المتظافرة:الناهي بعضها عن القول بغير العلم، من قبيل ما عن هشام بن سالم - بسند

    (٤١)

  • تام - قال: " قلت ألبي عبد الله (عليه السالم): ما حق الله على خلقه؟ قال: أن يقولواما يعلمون، ويكفوا عما ال يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه " (١).

    والناهي بعضها عن اإلفتاء بغير العلم، من قبيل ما ورد بسند تام عنأبي عبيدة قال: " قال أبو جعفر (عليه السالم): من أفتى الناس بغير علم وال هدى

    من الله لعنته مالئكة الرحمة ومالئكة العذاب، ولحقه وزر من عملبفتياه " (٢) - والقضاء بغير علم مشتمل طبعا على الفتيا بغير علم، وعلى القول

    بغير علم -.والناهي بعضها عن القضاء بغير علم كالمرفوعة الواردة في الكافي

    عن أبي عبد الله (عليه السالم) قال: " القضاة أربعة ثالثة في النار وواحد في الجنة:رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو ال يعلم فهو

    في النار، ورجل قضى بالحق وهو ال يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهويعلم فهو في الجنة " (٣)

    والناهي بعضها عن العمل بغير العلم كما في الكافي عن عدة من أصحابنا عنأحمد بن أبي عبد الله قال: " في وصية المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه

    السالم)يقول: من شك أو ظن فأقام على أحدهما فقد حبط عمله، إن حجة الله هي الحجة

    الواضحة " (٤).--------------------

    (١) الوسائل، ج ١٨، ب ٤ من صفات القاضي، ح ١٠ ص ١٢.(٢) نفس المصدر، ح ١، ص ٩.

    (٣) نفس المصدر، ح ٦، ص ١١.(٤) الوسائل ج ١٨، ب ٦ من صفات القاضي، ح ٨، ص ٣٥.

    (٤٢)

  • اشتراط العلم االجتهادي:ولكن الكالم يقع في اشتراط كون العلم علما اجتهاديا ال تقليديا.

    والمفهوم عرفا من مقبولة عمر بن حنظلة: (روى حديثنا، ونظر في حاللناوحرامنا، وعرف أحكامنا) هو االجتهاد والفقاهة، وهذا هو ما فهمه السائل من

    كالم اإلمام، كما يشهد لذلك ما جاء في ذيل الحديث من قوله: " أرأيت إن كانالفقيهان عرفا حكمه... " (١)، وهو المفهوم أيضا من التوقيع الشريف (فارجعوا فيها

    إلى رواة حديثنا)، فإن مقتضى مناسبات الحكم والموضوع كون المقصود برواةالحديث حملة الحديث فهما وعلما بصحيحها وسقيمها، وعامها وخاصها، ومطلقها

    ومقيدها إلى غير ذلك من الجوانب، ال حملة ألفاظ الحديث كمن يحمل أسفارا.وهناك فرق بين المقبولة والتوقيع، وهو أنه لو ورد ما يدل على نصبهم (عليهم السالم)

    لفئة أوسع من فئة الفقهاء فالتوقيع ال يعارضه، إذ التوقيع دل على ما هو أوسع منالقضاء وهو الوالية العامة ومن ضمنها القضاء، فلعل االجتهاد شرط في هذا النصبالواسع ال في خصوص القضاء. وهذا بخالف المقبولة الواردة في خصوص القضاء،

    فهي تدل بمقتضى ورودها في مقام التحديد على عدم نصب غير الفقيه للقضاء.إال أن صاحب الجواهر (رحمه الله) حاول افتراض المقبولة كالتوقيع من هذه الناحيةبدعوى أن قوله (عليه السالم): " فإني قد جعلته عليكم حاكما " يدل على الحكومة،

    وهيالوالية العامة ال خصوص القضاء (٢).

    --------------------(١) الوسائل ج ١٨، ب ٩ من صفات القاضي، ح ١، ص ٧٦.

    (٢) راجع الجواهر، ج ٤٠، ص ١٨.

    (٤٣)

  • إال أن هذا الكالم غير صحيح:أوال - لعدم تسليم كون الحكم هنا بمعنى مطلق الوالية، بل مقتضى ظاهر

    السياق هو النظر إلى الحكم بمعنى القضاء.وثانيا - ألنه لو فرض كون المقصود مطلق الوالية فهذا الحكم المطلق جاء في

    التعليل الموجود في ذيل الرواية، وما قبل هذا التعليل كالم تام دال على جعلمنصب القضاء للفقيه، ولكونه في مقام التحديد قد دل على عدم جعله لغير الفقيه.

    وعلى أي حال فحتى لو افترضنا أن المقبولة كالتوقيع في عدم معارضتها لمايدل على عدم اشتراط الفقاهة - لو ورد - فهذا الفرض ال أثر عملي له لو لم يثبتورود ما يدل على عدم اشتراط الفقاهة، ألن المقبولة والتوقيع على أي حال لم يدال

    على أكثر من نصب الفقيه، فنصب غير الفقيه بحاجة إلى دليل، وهو مفقود.إال أن صاحب الجواهر حاول إبراز أدلة على عدم اشتراط الفقاهة،

    فاستشهد بأدلة ضرورة كون الحكم حكما بالعدل بدعوى أن إطالقها ينفي اشتراطالفقاهة (١)، وذلك من قبيل قوله - تعالى -: * (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا

    بالعدل) * (٢) بينما من الواضح أن هذه األدلة إنما هي بصدد بيان ما ينبغي أن يحكمبه

    ال بصدد بيان من له حق الحكم.ولعل أقوى هذه النصوص داللة على مطلوبه (رحمه الله) هو رواية (القضاة أربعة)

    التي مضت آنفا، وذكرها (رحمه الله) هنا بهذا الصدد، فقد يقال: إنها قد تدل بإطالقهاعلى

    المقصود حيث جاء في ذيلها: " ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة " فقديقال: إن قوله (عليه السالم): " فهو في الجنة " يدل باإلطالق على أنه في الجنة سواء

    كان علمه--------------------

    (١) راجع الجواهر، ص ١٥، و ١٦.(٢) سورة النساء اآلية: ٥٨.

    (٤٤)

  • بالحق عن طريق االجتهاد أو التقليد. إال أن هذا أيضا كما ترى غير تام، فإنقوله (عليه السالم): " فهو في الجنة " كالم حيثي يميز الشق الرابع - وهو من يقضي

    بالحق وهويعلم - عن الشقوق الثالثة األخرى من حيثية أن هذا اتبع العلم بالحق بخالفاآلخرين، وال ينظر إلى مطلق شرائط القاضي، على أن هذا النص ساقط سندا.

    واستدل (رحمه الله) أيضا على مدعاه برواية أبي خديجة: (إياكم أن يحاكم بعضكمبعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه

    بينكم، فإني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه) (١) حيث دل هذا الحديث على عدماشتراط االجتهاد وكفاية العلم ببعض القضايا.

    هذا وقد ورد متن آخر عن أبي خديجة أيضا غير مشتمل على تقييد العلمبالعلم ببعض القضايا، حيث قال: " بعثني أبو عبد الله (عليه السالم) إلى أصحابنا فقال:

    قللهم: إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شئ من األخذ والعطاء أن

    تحاكموا إلى أحد من هؤالء الفساق، اجعلوا بينكم رجال قد عرف حاللنا وحرامنافإني قد جعلته عليكم قاضيا، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان

    الجائر " (٢).إال أن هذا سنده ضعيف بأبي الجهم المحتمل انطباقه على ثوير بن أبي فاختة

    الذي لم تثبت وثاقته، ورواية ابن أبي عمير عن أبي الجهم ال تدل على وثاقة ثوير بنأبي فاختة، الحتمال كون المقصود به بكير بن أعين الذي ورد أيضا عن ابن أبي

    عمير الرواية عنه باسمه الصريح.والحاصل: أن أبا الجهم مردد في المقام بين من لم تثبت وثاقته وهو ثوير بن

    --------------------(١) الوسائل ج ١٨، ب ١ من صفات القاضي، ح ٥، ص ٤.

    (٢) الوسائل ج ١٨، ب ١١ من صفات القاضي، ح ٦، ص ١٠٠.

    (٤٥)

  • أبي فاختة ومن ثبتت وثاقته وهو بكير بن أعين الذي ثبتت وثاقته برواية ابن أبيعمير عنه. وقد يقال أيضا بثبوت وثاقته برواية الكشي بسند تام عن الفضل

    وإبراهيم ابني محمد األشعريين قال: " إن أبا عبد الله (عليه السالم) لما بلغه وفاة بكيربن أعين

    قال: أما والله لقد أنزله الله بين رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما "، أوبرواية

    الصدوق في مشيخة الفقيه نفس المضمون عن الصادق (عليه السالم).ويرد على الثاني إرساله.

    وعلى أي حال فبعد الدوران بين الثقة وغير الثقة يسقط السند عن الحجية.هذا مضافا إلى وجود شبهة اإلرسال في المقام، فإن سند الحديث كما يلي:

    (محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عنالحسين

    ابن سعيد عن أبي الجهم عن أبي خديجة). فلو حملنا الحسين بن سعيد على الحسينبن

    سعيد المعروف والمتعارف رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه، وحملنا أبا الجهمعلى

    أحد الراويين المعروفين الذين قلنا: إن أحدهما ثبتت وثاقته وهو بكير بن أعين،واآلخر لم تثبت وثاقته وهو ثوير بن أبي فاختة جاءت شبهة اإلرسال سواء فرض

    أن المقصود بأبي الجهم هو بكير أو ثوير:أما بكير فهو من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السالم)، وقد ورد في الكتبالرجالية التصريح بموته في زمن الصادق (عليه السالم)، ومع فرض موته في زمن

    الصادق (عليه السالم) تستبعد رواية الحسين بن سعيد الذي هو من أصحاب الرضاوالجواد

    والهادي (عليهم السالم) عنه.وأما ثوير فهو من أصحاب اإلمام زين العابدين والباقر والصادق (عليهم السالم)

    فتبعد حياته بعد اإلمام الصادق (عليه السالم)، ولم نر رواية له من بعد الصادق (عليهالسالم)،

    فتستبعد أيضا رواية الحسين بن سعيد عنه.وعلى أية حال فهذا الحديث بمتنه األول ال بأس به سندا، وسنده كما يلي:

    (٤٦)

  • (محمد بن علي بن الحسين، باسناده عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بنمكرم

    الجمال). وأبو خديجة سالم بن مكرم ثقة بشهادة النجاشي (رحمه الله).نعم ورد عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) تضعيفه، ولكن الظاهر أن تضعيفه يحمل علىاشتباهه بسالم بن أبي سلمة على ما يظهر من عبارته (رحمه الله) من أن سالم بن مكرم

    يكنىأبوه بأبي سلمة، بينما اآلخرون ذكروا أن أبا سلمة كنية لنفس سالم، وال أقل من

    احتمالاستناد تضعيف الشيخ إلى ذلك بمقدار يسقط كالمه (رحمه الله) عن الحجية وصحة

    االعتمادعليه.

    وأما داللة: فقد ذكر السيد الخوئي أن هذا راجع إلى قاضي التحكيم، ألنقوله (عليه السالم) " قد جعلته قاضيا " متفرع على قوله (عليه السالم): " فاجعلوه

    بينكم " وهوالقاضي المجعول (١).

    أقول: لم أعرف الفرق بين التعبير الذي جاء في هذا الحديث وهو قوله (عليه السالم):" فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا "، وقوله (عليه السالم) في المقبولة: " فليرضوا به

    حكمافإني قد جعلته عليكم حاكما ".

    وقد فسر السيد الخوئي الثاني بأنه أمر بالرضا به حكما وإلزام بذلك، وقدعلل هذا اإللزام بأنه قد جعله حاكما. إذن هذا يعني ثبوت النصب في المرتبة السابقة

    على الرضا به، وأن الرضا به واجب على هذا األساس (٢).وعين هذا التفسير يأتي في خبر أبي خديجة حيث أمره بجعله بينهم، وهذا

    يعني اإللزام بجعله بينهم، وعلل ذلك بأنه قد جعله قاضيا، وهذا يعني ثبوت النصبفي المرتبة السابقة على جعله بينهم.

    --------------------(١) راجع مباني تكملة المنهاج، ج ١، ص ٨.

    (٢) المصدر السابق، ج ١: ص ٧.

    (٤٧)

  • اللهم إال أن يقال: إن كلمة: (اجعلوه بينكم) تعطي معنى الجعل التشريعي- أي إعطاء الحاكمية له - وهذه كناية عن قاضي التحكيم. إال أن الظاهر أن المقصود

    من (اجعلوه بينكم) هو نفس ما يفهم من قوله: (فليرضوا به حكما).وكيف كان فاألولى تفصيل الكالم بين اشتراط العلم بحكم األئمة (عليهم السالم) في

    مورد القضاء مباشرة ال تقليدا وبين اشتراط اإلطالق الفعلي في االجتهاد.فبالنسبة الشتراط العلم بحكمهم (عليهم السالم) قد يستظهر من جملة: (يعلم شيئا من

    قضايانا) أو (يعلم شيئا من قضائنا) هو العلم ال بواسطة التقليد. أما لو قلناباإلطالق، وأنه بعد وضوح أنه ليس المقصود بالعلم هنا العلم الوجداني وبال واسطةمن يتعبد بكالمه - إذ العلم بقضاياهم (عليهم السالم) كثيرا ما يكون بواسطة األخذ

    التعبديمن الرواة - ال يبقى فرق بين أن يكون العلم بقضاياهم علما بواسطة التعبد بنقل

    الراوي، أو علما بواسطة التعبد بفتوى الفقيه. أقول: لو قلنا باالطالق من هذا القبيلفهذا اإلطالق وإن لم يمكن تقييده بالتوقيع، ألن التوقيع دل على إعطاء منصب أوسع

    من منصب القضاء، ومن المحتمل أن يشترط في ذلك ما ال يشترط في خصوصمنصب القضاء، ولكن يمكن تقييده بمقبولة عمر بن حنظلة الواردة في خصوصالقضاء، والظاهرة في كونها في مقام التحديد، وهي تدل على اشتراط االجتهاد.

    هذا، والسيد الخوئي - الذي لم يقبل وجود نص تام سندا وداللة على القاضيالمنصوب، واستفاد شرعية القاضي المنصوب من الضرورة االجتماعية الدالة على

    الوجوب الكفائي - اشترط االجتهاد على أساس االقتصار على القدر المتيقن.إال أن هذا الطريق إلثبات اشتراط االجتهاد قد يبتلى بإشكال: كما لو دار

    األمر بين مجتهد ال يمتلك ذكاء أكثر من المقدار المتعارف في كيفية تمييز الصادق منالكاذب وأخذ اإلقرار من الظالم، ومقلد يتقن األحكام عن طريق التقليد وهو

    (٤٨)

  • يمتلك ذكاء خارقا بهذا الصدد، فهل يفترض القضاء بيد هذا أو بيد ذاك؟ وال قدرمتيقن هنا كي يتمسك به، وحينئذ لو قلنا بأن الضرورة االجتماعية الدالة على

    الوجوب الكفائي بالغة مرتبة يستنبط منها في مثل هذا الفرض أيضا جعل حكمظاهري بنفوذ قضاء أحدهما، فقد يطبق هنا قانون االنسداد، ويعين أحدهما بالظن،أو يقال بالتخيير، أو يقال بوجوب التعاون فيما بينهما مع اإلمكان، وإصدار حكم

    مشترك يتصادقان عليه.أما نحن ففي فسحة عن هذا، ألننا استفدنا شرعية القاضي المنصوب عن

    طريق النص.هل يشترط اإلطالق في االجتهاد؟

    وأما بالنسبة الشتراط اإلطالق في االستنباط الفعلي فرواية أبي خديجةال تدل على ذلك، وال يبعد أن يقال: إن مقبولة عمر بن حنظلة وإن كان مقتضى

    االقتصار على حاق لفظها هو اشتراط اإلطالق، ولكن المفهوم عرفا بمناسبات الحكموالموضوع أنه كان الهدف من ذكر قوله (عليه السالم): " نظر في حاللنا وحرامنا

    وعرفأحكامنا " هو الطريقية إلى التأكد من معرفة حكم مورد القضاء، فال يستفاد منها

    أكثر مما يستفاد من رواية أبي خديجة، وعلى فرض إجمالها نتمسك بإطالق روايةأبي خديجة.

    نعم التجزي بمعنى يسلب عادة الوثوق بمعرفته بالحكم في مورد القضاء - وهوالتجزي في أصل الوصول إلى مرتبة قوة االجتهاد - ال إشكال في داللة المقبولة على

    عدم كفايته، ولو فرض إطالق في رواية أبي خديجة يقيد بذلك.

    (٤٩)

  • هل تشترط األعلمية؟يبقى الكالم في اشتراط األعلمية، ومقتضى إطالق ما عرفته من الروايات

    عدم االشتراط.نعم لو أخذنا بفكرة القدر المتيقن - التي مشى عليها السيد الخوئي في إثبات

    اشتراط االجتهاد - كان مقتضاها اشتراط األعلمية أيضا، وإال فالظاهر عدماشتراط األعلمية، وال يقاس ذلك بباب التقليد، فإنه في باب التقليد تسقط فتوى

    المجتهد عند المعارضة بفتوى من هو أعلم منه عن الحجية، إما على أساس سقوطهاعن الطريقية، أو على أساس تعارضهما وتساقطهما بلحاظ الدليل اللفظي وتعين

    فتوى األعلم للحجية عندئذ بالبناء العقالئي. أما في باب القضاء فليس الملحوظ فيهمحض الطريقية، بل له موضوعية في النفوذ لخصم النزاع حتى مع علم المحكوم عليهبالخالف كما سيأتي إن شاء الله في بحث مدى نفوذ القضاء. وليس المفروض بعد

    تماميةالقضاء من قبل فقيه أن يقضى مرة أخرى في المورد من قبل فقيه آخر - كما

    سيأتي إن شاء الله في البحث عن مدى نفوذ حكم القاضي - كي يقع التعارض. نعم لوترافعا في عرض واحد عند شخصين، أو اختار كل واحد منهما شخصا غير اآلخر

    وتعارضا في الحكم، فقد ورد (١) كما يأتي إن شاء الله الترجيح باألعلمية وغيرها،ولكن

    هذا ال ربط له بشرط األعلمية في القضاء، بل نفس تلك النصوص لعلها ظاهرة فيالفراغ عن أن كل واحد من القضائين لو كان وحده لكان نافذا رغم أعلمية

    --------------------(١) راجع بهذا الصدد: التهذيب، ج ٢، ص ٣٠٢ و ٣٠٣، الحديث ٥٠ إلى ٥٢، وراجع: أصولالكافي، ج ١، ص ٦٧ و ٦٨ الحديث ١٠، وراجع: الفقيه، ج ٣، ص ٥ و ٣، باب ٩ من أبواب

    القضايا واألحكام، وراجع: الوسائل، ج ١٨، ب ٩ من صفات القاضي، ح ١ و ٢٠ و ٤٥.

    (٥٠)

  • الشخص اآلخر.يبقى التمسك إلثبات اشتراط األعلمية بقدر اإلمكان بقول أمير المؤمنين (عليه السالم)

    في عهده إلى مالك األشتر: " اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك " (١).والكالم يقع في ذلك سندا وداللة:

    سند عهد األشتر:أما من حيث السند: فعهد اإلمام إلى مالك األشتر قد ذكر له سند (٢) غير تام

    عن طريق النجاشي (رحمه الله) وال نبحثه، وسند آخر عن طريق الشيخ (قدس سره)وهو الجدير

    بالبحث، وهو ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن عن الحميري عن هارون بن مسلموالحسن بن طريف جميعا عن الحسين بن علوان الكلبي عن سعد بن طريف عن

    األصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السالم).واإلشكال في هذا السند يقع من عدة وجوه:

    الوجه األول - عدم ورود توثيق البن أبي جيد، وابن أبي جيد ثقة عند السيدالخوئي باعتباره من مشايخ النجاشي، ولكننا ال نقبل بهذا المبنى، إذن هو غير ثابت

    --------------------(١) نهج البالغة، الكتاب ٥٣، ص ١٠٠٠، بحسب الطبعة المترجمة بقلم فيض اإلسالم.

    (٢) وهو هكذا: أخبرنا ابن الجندي عن علي بن همام عن الحميري عن هارون بن مسلم عنالحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن األصبغ بالعهد.

    والعيب الخاص بهذا السند دون سند الشيخ هو:أوال - ابن الجندي وهو من مشايخ النجاشي.

    وثانيا - علي بن همام، فإنه لم يعرف إال إذا صح حدس الشيخ محمد تقي التستري حيث قالفي قاموس الرجال: " الظاهر كونه محرفا عن أبي علي بن همام، وهو محمد بن همام ". فإن صح ذلكفهو ثقة، ومما يشهد لكون الصحيح هو أبو علي بن همام رواية ابن الجندي عنه، وكذلك عدم وجود

    اسم علي بن همام في كتب الرجال إطالقا.

    (٥١)

  • الوثاقة عندنا، ولكن يمكن التخلص عنه في المقام على أساس نظرية التعويض فيالسند، باعتبار أن الشيخ له سند تام إلى محمد بن الحسن بن الوليد، وكذلك إلى

    عبد الله بن جعفر الحميري الواقعين في هذا السند قبل ابن أبي جيد.نظرية التعويض في السند:

    وبما أن نظرية التعويض تنفعنا في كثير من الموارد مما يمكن رفع نقص السندبها ال بأس ببيانها في المقام، وأصلها من أستاذنا الشهيد (رحمه الله).

    فنقول: إن تعويض السند الضعيف بسند تام يمكن أن يتم على عدة أشكال:الشكل األول للتعويض: هو االعتماد على مثل ما جاء كثيرا في كالم الشيخ

    الطوسي (رحمه الله) في ترجمته للرجال في فهرسته من عبارة: (أخبرني بجميع كتبهورواياته فالن عن فالن).

    فإذا وجدنا عن الشيخ (رحمه الله) رواية وكان في سندها رجل ضعيف، أو غيرثابت التوثيق، وكان قبل ذاك الرجل من الطرف الذي يقرب إلى اإلمام ثقة، وكان

    الشيخ قد ذكر في فهرسته بشأن ذاك الثقة عبارة: (أخبرني بجميع كتبه ورواياتهفالن عن فالن)، وكان السند الوارد في هذه العبارة تاما، فمن حقنا أن نبدل القطعة

    األولى من السند الواقعة بين الشيخ وذاك الثقة والتي فيها ذاك اإلنسان غير ثابتالتوثيق بالسند الذي ذكره الشيخ في تلك العبارة في الفهرست.

    ومدى تمامية هذا الذي ذكرناه أو عدمها يرتبط بما نفهمه من معنى قوله:" أخبرنا بجميع كتبه ورواياته " ففي ذاك عدة احتماالت:

    األول - أن يكون المقصود بذلك كل ما لذاك الثقة من كتب وروايات في علمالله، وعندئذ يتم هذا الوجه الذي شرحناه للتعويض، إذ لو لم يكن قد وصل هذا

    الحديث إلى الشيخ عن الطريق الذي ذكره في الفهرست بقوله: " أخبرنا بجميع كتبهورواياته فالن عن فالن " لكان يعلم الشيخ بكذب هذا الحديث، إذ لو كان صادرا

    (٥٢)

  • عنه حقا لكان قد وصله بهذا الطريق حسب ما تدل عليه تلك العبارة، ولو كان يعلمالشيخ بكذبه لما رواه.

    إال أن هذا االحتمال في ذاته واضح البطالن، إذ ال سبيل للشيخ عادة إلىاإلحاطة بكل روايات هذا الشخص بنحو يقطع بأنه ال رواية له غير هذه الروايات

    التي وصلته عن طريق هذا السند.الثاني - أن يكون المقصود بذلك كل ما نسبت إلى ذاك الثقة من كتب

    وروايات، وهذا أيضا في البطالن كاألول، فال سبيل للشيخ عادة إلى اإلحاطة بكلما نسبت إلى ذاك الثقة من كتب وروايات بحيث ينفي أن يكون قد نسبت إليه رواية

    عن غير ذاك الطريق.ولو تم هذا الوجه ثبت المقصود، ألن الرواية التي نحن بصدد تصحيح سندها

    قد نسبت إليه قطعا، فهي داخلة في هذا العموم.الثالث - أن يكون المقصود بذلك جميع ما رواه الشيخ عنه من كتب

    وروايات، وهذا احتمال معقول، وبناء على هذا االحتمال يثبت المقصود أيضا، ألنهذه الرواية مما رواها الشيخ حسب الفرض.

    الرابع - أن يكون المقصود بذلك جميع ما وصل إلى الشيخ عنه من كتبوروايات، وهذا االحتمال كسابقه في المعقولية، و