þıþ⁄þ™þß’ h f’þfi¾h2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“...

136
ﻮرﯾ اﻟﺠﻤ ـــــــــ ـ ـﺔ اﻟﺠﺰاﺋ ـــ ـــــــ ﺮﯾـﺔ اﻟﺪﯾﻤﻘ ـــــ ا ﻃﯿ ـ ﺔ اﻟﺸﻌﺒﯿ ـــــ ــ ــﺔ وزارة اﻟﺘﻌﻠﯿ ــــــــــ ﻢ اﻟﻌ ــــــ ﺎﻟﻲ و اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤ ــــ ﺟﺎﻣﻌﺔ وھﺮان اﻟﺴﺎﻧﯿﺔ ﻛﻠﯿﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻗﺴﻢ اﻟﻔﻠﺴﻘﺔ ﻤﺫﻜﺭﺓ ﺘﺨﺭﺝ ﻟﻨﻴل ﺸﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺎﺠﻴﺴﺘﻴﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺸﺭﻭﻉ: ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﻌﺮﰊ ﺍﳌﻌﺎﺻﺮ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﲢﻠﻴﻠﻴﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ: ﲢﺖ ﺇﺷﺮﺍﻑ: ﻧﻮﺭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﺮﻃﺎ. ﳏﻤﺪﻱ ﺭﻳﺎﺣﻲ ﺭﺷﻴﺪﺓ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﺔ: 2011 - 2012 .

Upload: others

Post on 19-Jan-2020

43 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

ــةـــــــة الشعبیـطیارـــــریـة الدیمقـــــــــــة الجزائــــــــــالجمھوری يــــالي و البحث العلمــــــم العــــــــــوزارة التعلی

جامعة وھران السانیة

كلیة العلوم اإلجتماعیة قسم الفلسقة

مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجيستير في الفلسفة الفلسفة و التنمية: شروع م

أزمة التنمية و إيديولوجيا اخلطاب الفلسفي العريب املعاصر دراسة حتليلية نقدية

: حتت إشراف : من إعداد الطالب

حممدي رياحي رشيدة . كرطايل نورالدين د

.2012- 2011:السنة الجامعیة

Page 2: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

1

إىل أغلى ما يف الوجود والدي العزيزين

إلـى مــن كرســوا حياــم مــــن اجــــل جنــــاحـــــي

إىل أمـــــي مث أمـــــي مث مـــــــــي مث أبـــــي

رياحي رشيدة يإىل من دعمين باملواصلة و املثابرة األستاذة القديرة حممد

ية احلاج و إىل أستاذنا و مفتش مادة الفلسفة موقلي حلبيب ترا:إىل من مجيع األصدقاء

إىل كل من جتمعين م الصداقة

Page 3: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

2

ا بنعمة العقل والفهم ننشكر اهللا سبحانه وتعاىل الذي وفقين يف اجناز هذا البحث وانعم علي

ما أتقدم بالشكر اجلزيل إىل األستاذة املشرفة حممدي رياحي كوالصرب ونور العلم ،

ساعدوينرشيدة وكل الزمالء الذين

واشكر كل املعلمني واألساتذة الذين سهلوا وأضاءوا يل درب املعرفة

كما اشكر كل من ساعدين من قريب ومن بعيد

كما أعيد شكري إىل من علمتين الصرب على تقبل احلقيقة مهما كانت جارحة

األستاذة احملترمة و القديرة حممدي رياحي رشيدة

ة وهرانو إىل كل أساتذة قسم الفلسفة جبامع

Page 4: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

3

ة ــــــــــــمقدم

لعلنا ال نبالغ القول إذا سلمنا فرضا بأن التنمية اليوم، قد أصبحت أكثر املفاهيم تداوال يف الفكر العريب

املعاصر ، من كون أن العامل العريب اليوم أصبح يعاين من ظاهرة التخلف اليت جعلت منه خيضع للتبعية اليت

العريب ، خصوصا أن العامل أصبح خيضع ملنطق التغري و السرعة ، هذه الثنائية جعلت أصبحت تؤرق املفكر

قع غري أن النظرة من الواقع العريب متأزما بالرغم من اهود املبذول يف سبيل حتقيق التنمية جعلت من الوا

لما انعكس ذلك بالسلب على حماوالت للتنمية ، ك الواقعية تكشف لنا عن هوة فارقة إذ كلما كانت هناك

قافيا تمعه ، اغتراب على مستوى إدراك اإلنسان العريب الذي أصبح يعاين من االغتراب بالرغم من انتمائه ث

امل ، الذي أصبحت العوملة فيه متثل مرحلة جديدة من احلداثة الغربية عموما ، و سيطرت ما حييط به يف الع

ري لدى مفكرينا العرب ، فأصبح هذا األخري يطرح مشكالته فيما يتعلق بالتطور و الفكر الغريب على منطق التفك

التنمية وفقا ملا يؤطره املفكر الغريب فكريا ، و هنا أصبح املفكر العريب يف خطابه الذي يعترب مرآة عاكسة لنظرته

.إىل الواقع

للذات العربية و خمتلف القضايا احلضارية إن املشروع احلضاري التنموي يعرب عن نظرة عميقة للتأزم احلاصل

من حيث هي نظرة شاملة و متكاملة ملسائل احلياة ، اإلنسان ، الثقافة ، و تشكل املد الثقايف الغريب ، و كل ما

يطرحه الواقع من مشاكل و مهوم ، لقد طرح املفكرون العرب بعمق األزمة احلضارية للواقع العريب الذي

ف ، و فشل املشاريع التنموية فيه ، حبيث أصبحت التنمية تأخذ باملعايري املادية للتطور و النمو أصبح يعاين التخل

.، مهملة يف ذلك اإلنسان الذي يعترب احملرك ألي نشاط تنموي

من هذا املنطلق جند أنه هناك أزمة تنمية تعانيها الدول العربية إذ يتجلى هذا بوضوح يف خمتلف مظاهر احلياة

املفترض أن يكون فاعال كان من ية لإلنسان العريب ، فهو أصبح مستهلك ال مبدعا ، مستسلما للواقع إذاليوم

Page 5: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

4

فيه ، وهنا وجدنا أن اخللل يكمن يف األشكال اليت يتعاطى معها اإلنسان العريب مع واقعه ، حبيث جند أن

ية بالدرجة األوىل ، أما على مستو غياب الوعي و التهميش الذي يعانيه سيجعل منه يعاين من أزمة وجود

النخبة فنجدهم يف صراع صوري بني خمتلف مرجعيام الفكرية ، من خالل إنتاج خطابات حياولون ا البحث

يف املسببات اليت آل إليها الواقع العريب إىل ما هو عليه ، حماولني يف ذلك تطبيق مناهج غربية يف عملية

أن الالفت للنظر هذا يتمثل يف غياب رؤية واضحة املعامل يف دراسام هذه ، تشخيصهم للواقع العريب ، غري

.بالرغم من اتفاقهم على ضرورة التغيري و التطور

إن الدارس للفكر العريب املعاصر سيالحظ أنه يعاجل إشكاليات هلا أبعاد تراثية تارخيية ، وفقا لنظريات

ذاته من جديد ، يف ظل حضارة مادية يسيطر فيها التطور السريع للعامل ، و ا إعادة بناء معاصرة حياول

هو بذلك يدرس التاريخ خارج التاريخ ذاته و عليه فإن اخلطاب العريب املعاصر حياول أ، خيتزل حالة

.التخلف من خالل حماولته معاجلة مشكلة التخلف يف حد ذاا

ظومة املعرفية للفكر العريب املعاصر جندها تتركب من عناصر جوهرية تركب يف و عندما نقوم بتشكيل املن

جمموعها بنية واحدة ، ترتبط فيها الكثري من املفاهيم النظرية و اإلجرائية و ميكن رصد بعض هذه املفاهيم

الذات ، اهلوية ، التنمية التطور، التقدم ، التخلف ، احلداثة ، األنا ، اآلخر : " على سبيل املثال ال احلصر

هذه األخرية ستكون قاعدة حبثنا و قبل احلديث عن كيف و ملاذا التنمية ، يتعني لنا القيام خبطوة " . إخل ...

منهجية يف حبثنا هذا و هي احلديث عن املرجعيات الكربى اليت أسست للفكر العريب املعاصر

ور احلضاري عند العرب ؟ما هي املفاهيم اليت أثرت على سياقات التط

كيف نفهم وضعنا حنن كعرب يف حركة التاريخ املعاصرة ؟

وهل لدينا رؤية واضحة حول التنمية ؟

Page 6: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

5

لإلجابة عن هذه التساؤالت األولية فإننا سنعود إىل أهم املرجعيات الفكرية للمفكرين العرب فلسفة

لصدد نشري إىل التنمية منذ ميالدها مع بداية القرن العشرين إسالمية و غربية حديثة و املعاصرة وهو يف هذا ا

و ما شهده هذا العصر من تغري على مستوى املفاهيم من خالل الفلسفة املعاصرة حبيث أن مفهوم التنمية أخذ

فكرين يعين أن امل داللة اقتصادية ذات بعد مادي ، و عليه فقد كان هذا املفهوم جديدا يف البيئة العربية ما

العرب سيأخذون به على حسب البيئة املنشأة له ، و هنا سيتشكل مفهوم التنمية داخل املنظومة الفكرية

التجارب العربية العربية على مجلة من الصور اليت حياول ا كل مفكر أن يشخص به الواقع العريب ، وعليه فإن

من الصدمة األوىل و املتمثلة يف اإلستعمار ، هذا األخري عرب التاريخ تكشف لنا أن اإلنسان العريب ال زال يعاين

كشف عن اهلوة بني احلضارة الغربية املتطورة فكريا و معرفيا ، وبني التخلف الذي يعانيه اإلنسان العريب

والزال ، من هنا حاول املفكرون العرب تشخيص املسببات اليت أدت إىل إىل حالة التردي من خالل إنتاج

ات فكرية تعرب عن األزمنة و املعاناة العربية ، إذا سنجد أن اخللل يكمن يف تعامل املفكر العريب مع اآلخر خطاب

الذات و اآلخر من جهة ، وكذلك أمام الذي سيصبح حاضرا فينا بشكل أو بآخر ، ما جيعل منه أمام ثنائية

. يستند إليها يف عملية قراءة واقعه تفسريات مفروضة عليه ، و هذا يعود إىل غياب اآلليات اليت

إن الفكر الفلسفي عند املفكرين العرب يكاد يكون نقطة لقاء و حبرية منفتحة تصب فيها خمتلف التيارات

وهلم ... التخلف ، التقدم ، األنا ، اآلخر : "املادية و الفلسفية فيجمعها على شكل مقوالت ثنائية متقابلة

ألهم على أن حمور هذه الفلسفة إمنا كان أساسها التوفيق بني النتائج العلمية و الفلسفية و ذلك بالتطرق جرى،

.املقاربات املتعلقة مبفهوم التنمية هذه

لعل أول ما يصادفنا حني نطلع على أعمال املفكرين العرب هو التنوع اهلائل ملرجعيام الفكرية ، و لو أنه ال

العريب بني نابع األساسية يف فكرهم ، وهذا يعود إىل تنوع مناهجهم و اختالف قراءام للواقع ميكن حصر امل

اخل...املنهج املاركسي أو املنهج البنيوي أو املنهج الوجودي

Page 7: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

6

و عليه فإننا جند أنفسنا هنا أمام تفسريات و قراءات إيديولوجية هلذا الواقع ، و هنا جند أنفسنا أمام فكر

يولوجي متضمن يف الفكر العرب املعاصر ما جيعل من التنمية يف حد ذاا إيديولوجية إذ كل مفكر حياول إيد

ألسباب التخلف وفقا ملرجعيته ، فيصبح بذلك متحيزا إيديولوجيا لتيار فكري مربراتيف خطابه أن يعطي

.معني ، وعلى هذا األساس جند أن اخلطاب العريب أصبح مؤدجلا

التنمية من أكثر املفاهيم تداوال يف الفكر العريب املعاصر هلذا سنأخذها احملور التوجيهي يف الدراسة ، ملا تعترب

حتمله من عمق فلسفي ، لدرجة أا أصبحت املدخل املعريف ألية دراسة حول التنمية ، بل إا املصدر

.الرئيسي الذي استقى منه الكثري من املثقفني دراسام

مبنطوق هذا اخلطاب أصبحت النهضة سرابا ال ميكن إدراكه ، و عليه فإن اخللل يف اخلطاب الفلسفي العريب و

عن النهضة ينبع من عدم تبلور مفهوم شامل للنهضة و عدم التمييز بني خطوات سياسية و اقتصادية تندرج يف

لوجية ، بل يف أزمة التنمية اليت مل تعطي سياق عملية إصالحية فاملشكلة إذن ليست يف التنمية أو اإليديو

.هو الدوران يف حلقة مفرغة ،حناول إجياد احللول هلا تقدميهنتائج عملية نافعة ، بل الذي استطاعت

إن البديل عن التنمية باملفهوم الغريب هو صياغة مشروعات أصيلة ، و متنوعة وغري رأمسالية ، دف إلغاء

وية الفاشلة و الدخيلة على هذه البلدان، و مواجهة اآلثار املدمرة للعوملة ، يف ظل تراكمات السياسية التنم

رأمسالية متوحشة ، وهو يف اية املطاف إعادة بناء ثقافات بلداننا انطالقا من خصوصيتها و قيمها ، وعلى

.جمتمعاتنا أال حتدد لنفسها أهداف اتمع الغريب

طرحها ؟ اجلدة يفوما مواطن املعاصر،ا طبيعة مفهوم التنمية يف الفكر العريب م :الرئيسيـــةاإلشكالية

هل بإمكان العقل العريب أ، ينتج لنفسه أفقا تنمويا جديدا من خالل فهم بنيته الفكرية : اإلشكالية اجلزئية

نه و بني تطوره من جهة املنظرة ملستقبله ، حبيث يكون قادرا على جتاوز العوائق االبستمولوجية اليت حالت بي

Page 8: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

7

مث ما هي اآلليات اليت مت من خالهلا تكريس الطابع اإليديولوجي يف ؟من جهة أخرىوبني عمليات االرتقاء

مشاريع التنمية يف الوطن العريب ؟

أزمة التنمية و إيديولوجيا اخلطاب الفلسفي العريب املعاصر : وهنا يتضح أن حتديد موضوع البحث و حصره يف

و تعيني يدقق يف مستوى حمدد من املعاجلة الفلسفية لقضية التنمية يف اخلطاب الفلسفي العريب املعاصر، و ، ه

ا اإلطار التارخيي هلذه الدراسة عن الفكر املعاصر ، أم رقراءة للمفكرين العرب هلذه اإلشكالية ، وال خيرج اإلطا

.املتعلقة مبوضوع البحث الدراساتكعلم االجتماع و : رفية لعدة حقول مع لتقاء احملتم املعريف فال خيلو من اال

التداخل احلاصل يف الفكر املعاصر بني الفلسفة و العديد من احلقول املعرفية حطم احلدود املوضوعة بني نإ:املنهجية

مباحث كعلم االجتماع و علم النفس و التاريخ و بني هذه احلقول ، و غريها من العلوم ، و لقد تأثرت الفلسفة

ة املستجدة ، مما ترتب عنه صعوبة ضبط حدودها ، و مواطن كثريا ذا اللقاء ، و جبملة التغريات العلمية و التقني

تداخلها م غريها من املعارف ، وهذا بالضبط ما واجهنا يف حبثنا ، و صعب مهمة إجياد املنهجية املالئمة للدراسة ، و

:تكزين على دعامتني رمع ذلك فقد اعتمدن منهجية حتليلية نقدية م

رب الع النقدية للمفكرينالقراءة -أ

.جديد و خصوصية اخلطاب الفلسفي يف الفكر العريب - ب

و قمنا بتتبع الثابت و املتحول ملفهوم التنمية يف الكرونولوجيا الداخلية للفكر العريب ، بتتبع تطو أفكاره و على

هذا األساس جاءت هيكلة املوضوع مقسمة إىل ثالث فصول ، كل فصل بأكثر من مبحث ، و يبدأ كل فصل

.و ينتهي خبامتة مبدخل

تقنني املفهوم املنطلقات و اآلليات وهي حماولة لتقعيد و فه مفهوم التنمية ، : وتطرقنا يف الفصل األول املعنون

مقاربات يف األصل و املعىن حيث قمنا بالتأثيل اللغوي ملفهوم التنمية ، وهي خطوة : فجاء املبحث األول

Page 9: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

8

نولوجيا مفهوم وكر: و املبحث الثاين . ملفهوم التنمية : األصول اللغوية العودة إىلية وضحنا فيها طريقة ريحتض

: التنمية وقد تناولنا فيه أهم الصور اليت أخذها مفهوم التنمية عرب التاريخ ،مث انتقلنا إىل الفصل الثاين املعنون ب

اإليديولوجية حبيث أن تطبيق أدجلة التنمية يف اخلطاب العريب أين اعتمدنا على الربط بني التنمية و األبعاد

.مشاريع التنمية الزمة تبين إيديولوجية

املبحث الثاين ارتقينا فيه إىل أهم االستعماالت اإليديولوجية للتنمية و اليت جعلت املفكر العريب يبحث يف الذات

فتناولنا فيه : الثالث مث املبحث . من منطلق توظيفه ملفهوم التنمية بالصورة اليت وظف فيها يف الفكر الغريب

جدلية األنا و اآلخر يف اخلطاب العريب املعاصر

التنمية كرؤيا فلسفية عند املفكرين العرب فجاء معربا عن النتائج و اآلفاق و : أما الفصل الثالث املعنون ب

اب الفلسفي العريب تنمية اخلط: حماولني اخلروج من املأزق احلضاري العريب احلاصل ، أما املبحث الثاين

.تنمية اخلطاب الفلسفي العريب آفاق و حتديات : احلضاري العريب احلاصل ، أما املبحث الثاين

إن الدراسات العربية حول التنمية كثرية ، أما الدراسات حول عالقة اإليديولوجيا بالتنمية فمع قلتها فإا مل

درجة كشف كل أبعادها النظرية و خطوة نتائجها العلمية ، تكن إال ظرفيه و حينية ، كما أا مل ترقى إىل

.كما أن موضوع التنمية مل يتحصل على مكانته املرجعية يف دراسة الفكر العريب املعاصر

من نوعها ، ذلك فريدة و األوىلو رغم وجود أسبقية تناول املوضوع إال أن ربط التنمية باإليديولوجيا تعترب

الن معاجلة تصور التنمية و ما أنتجته من ختلف ، حيمل يف الكثري من نواحيه تشيخ العقالنية العربية ، و ما

.أفرزته من أنواع و ألوان من التحجر و التخلف موضوعنا ألصالة هذه التصورات

راسات الفلسفية يف فهم التنمية و بعثنا إىل هذا البحث مطلب فكري هو استثمار دقة و عمق هذه الد

مل خيلو حبثنا من الصعوبات وعلى سبيل املثال ال كجانب لفهم األنا ، و املراجعة النقدية املماثلة للذات ، كما

Page 10: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

9

احلصر ، نقص املراجع املتخصصة و صعوبة الترمجة ، باإلضافة إىل أن موضوع التنمية كثريا ما يعاجل يف اال

.ليس الفلسفي و االقتصادي

Page 11: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

10

: اآللياتتقنني املفهوم املنطلقات و :الفصل األول

على العمل الفكري وعلى اإلنسان وأحواله و مدارج نفسه ويف الفكر العريب املعاصر لقد كان التركيز

اتمع العريب وفق ما يقتضيه التغيري مع السعي إىل يف مشكلة التطور إىلقواه الرتوعية باإلضافة انفعاالته و

و السياسية و االجتماعيةحنو ما هو أفضل عن طريق تنمية قدراته و ملكاته الذهنية لتشمل بذلك حياته االرتقاء

أهم املسائل اليت شغلت الفكر العريب املعاصر، من خالل مواكبة إذ أا متثلاالقتصادية مبختلف األشكال ،

وح العصر من حيث أنه ذو طبيعة متجددة و متغرية يف العديد من املواضع ليقدم بذلك خطابا جديدا ترتبط فيه ر

. لكي تتشكل وفقه جل اإلجنازات التارخيية الوقائع اإلنسانية مبالبسات العصر و جتلياته و

ارد و فقط، بل تستنفذ معناها من و التنمية كما تبدوا يف الظاهر العام ال ميكن تناوهلا بالتفكري النظري

إذ أنها تعنى . إىل جانب ما توليه من اهتمام باإلنسان. الواقع احملسوس مع الكثري من الدالالت و األفكار

بالشخص املعني، أي انه ميثل جوهر العملية يف عصر يرفض عامل املاورائيات بوصفه يتميز بسيادة النموذج

لى املصلحة و املنفعة ، من مثة كان على املفكر العريب إجياد السبل الكفيلة لتحقيق الغاية من الرباغمايت القائم ع

التنمية املنشودة ، و هو األساس الذي حاول املفكرون العرب تشخيصه وفقا جلملة من اآلليات اليت يعتقدون أا

الكشف عن املسببات اليت جعلت الواقع ال حتقق فعل التنمية ما مل حناول إبراز مواطن اخللل من جهة و كذلك

العريب يتميز بالتخلف و التبعية لآلخر سواء تعلق ذلك بالتبعية على املستوى االقتصادي أو املستوى الفكري و

.احلضاري ، و هذا يف رأينا جوهر املشكلة

من هنا برزت خطابات فكرية متفاوتة من جهة استعماهلا ملناهج دخيلة على بنية الفكر العريب ، و عليه فقد

برزت خطابات تتضمن دالالت إيديولوجية متارس سلطتها على أكثر املفاهيم أمهية يف اخلطاب العريب و لتأخذ

فإذا ما قدرنا " هذه احلالة إيديولوجية يف حد ذااأيضا مسارا متواريا يف أدجلة الفكر و أنظمته لتصبح التنمية يف

أن هذه الصعوبات تعرب عن أزمة منو ، أي عن حاالت شبيهة باحلاالت املرضية ، أو هي حاالت مرضية فعال،

Page 12: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

11

إذ جند . (1)"فإنه ينبغي علينا أن نسلك إزاءها مسلك الطبيب أمام األمراض، إذ حيدد مكان املرض أو مصدره

املفكرين جيتمعون حول نقطة حمورية تتمثل باألساس يف أن هناك خلل على مستوى مدى قدرتنا هنا أن جل

على الفهم املوضوعي هلذه األزمة حيث جند أن معظم احملاوالت لدراسة التراث العريب تستند ملرجعية راديكالية

ل الكشف عن مواطن تقوم على عملية التشخيص العفوي ، بسبب تعدد املناهج و تعارض الرؤى حول سب

اخللل ، لنجد أن هذا اخللل ال يعود إىل املفكر فقط بل يرجع كذلك إىل البيئة املنشئة له ، و اليت جعلت منه

عاجز عن إجياد البدائل ، و عليه فاملشكلة –يفتقد إىل املوضوعية اليت ينادي ا -منتجا خلطاب فلسفي تنموي

و ما هي أهم النقاط اليت استوقفته ؟و ما هي األبعاد . اب ماذا يقدم ؟ليست يف اخلطاب بل يف منتج هذا اخلط

.اليت يتضمنها هذا اخلطاب ؟

تبني لنا بوضوح وجود خلل على مستوى التنظري لعملية التنمية اليت أصبحت تأخذ صورة األسئلةهذه إن

الرقي جند أنفسنا يف تقدم حنو الوراء بآخر فنحن كلما حاولنا إضفاء حركية إلحداث التطور و أوالتخلف مبعىن

، و عليه فإذا كانت التنمية توجب إحداث التغيري و السعي حنو الرقي و حتقيق ضة حضارية يف العامل العريب،

.و حيث يعقب هذا القيام ازدهار الفكر فما طبيعة العلة يف هذا التالزم بني التنمية و التخلف؟

21، ص 1979، 01ابن نبي مالك ، تأمالت ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، ط (1)

Page 13: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

12

: لتنمية و االيدولوجية تعريف ا :املبحث االول

شغلت قضية التنمية وال تزال اهتماما كبريا من قبل األفراد واحلكومات، منذ ما عرف العامل التحوالت

االقتصادية والسياسية واالجتماعية والثقافية بعد احلرب العاملية الثانية، وحصول اغلب الدول النامية على اسقالهلا

إحدى القضايا دائمة احلضور يف اجلدل بني الشمال واجلنوب، عالوة على أا وذلك الن قضية التنمية تعترب

مطلب تارخيي تتطلع إليه كل اتمعات مبختلف مكوناا األمر الذي جعل موضوع التنمية من أهم قضايا العصر

يئية وأخالقية، ويعترب مفهوم التنمية مفهوما شامال له جوانب عديدة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وب

وهذا ما جعل الفكر التنموي يتطور من فترة ألخرى متبنيا إحدى تلك اجلوانب

فقد بدا الفكر التنموي بالتركيز على املفهوم االقتصادي للتنمية وحصر هذا املفهوم على مؤشر واحد فقط هو

ر أثبتت أن الزيادة يف مستوى ولكن التجارب التارخيية للدول اليت تبنت هذا الفك، الزيادة يف مستوى الدخل

الدخل ال تضمن بالضرورة حتسن املستوى الصحي أو املستوى التعليمي أو املستوى الثقايف أو حتسن احمليط

البيئي، هذا ما جعل الفكر التنموي يتطور يف املراحل الالحقة ليأخذ يف االعتبار األبعاد األخرى غري االقتصادية

ألمر الذي جعل مفهوم التنمية يتطور ويظهر يف مصطلحات جديدة فأصبحت التنمية عند حتديد مفهوم التنمية، ا

املستدامة واليت تأخذ البعد البيئي يف االعتبار، مث يف مرحلة الحقة أدرك املفكرين التنمويني أن البعد االجتماعي

هر مصطلح جديد للتنمية هام واساسى يف عملية التنمية فبدا التركيز على اجلانب االجتماعي يف التنمية وظ

عرف بالتنمية البشرية مع التركيز على أبعادها الثالثة الصحة والتعليم والدخل كشرط اساسى لتحقيق التنمية

االقتصادية

وتطور مفهوم التنمية ألكثر من ذلك وتعالت أصوات املفكرين التنمويني للمطالبة بتحقيق مزيد من املشاركة

. حرية التعبري عن الراى ومزيد من املعرفة، وهو ما عرب عنه مبصطلح التنمية االنسانية السياسية لألفراد ومزيد من

ومن اجلدير بالذكر أن التطور الذي حدث يف الفكر التنموي بداية من التنمية االقتصادية التقليدية ومرورا

خالل النصف األخري من القرن املاضي وبداية بالتنمية املستدامة والتنمية البشرية ووصوال إىل التنمية اإلنسانية يف

القرن احلايل، هذا التطور أشار إليه املفكرين املسلمني من قبل ذلك بعشرات السنني وان كان مصطلح التنمية مل

يرد صراحة يف كتابام إال أن مرادفه وهو مصطلح العمران جاء معربا عن التنمية اليت ينشدها املفكرين التقليدين

.

Page 14: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

13

: التنمية بني املفهوم و املصطلح ـ 1

نظر ألمهية التنمية، والسعي احلثيث لتحقيقها يف واقع اتمعات اإلنسانية، والسيما املتخلفة منها، فإن

مفهوم التنمية أصبح عنوانا للكثري من السياسات واخلطط واألعمال، على خمتلف األصعدة، كما أصبح هذا «

ثري من املعاين والتعميمات، وإن كان يقتصر يف غالب األحيان على اجلانب االقتصادي، املصطلح مثقال بالك

ويرتبط إىل حد بعيد بالعمل على زيادة اإلنتاج الذي يؤدي بدوره إىل زيادة االستهالك، لدرجة أصبحت معها

كنية بعيدا عن تنمية حضارات األمم تقاس مبستوى دخل الفرد، ومدى استهالكه السنوي للمواد الغذائية والس

خصائصه ومزاياه وإسهاماته اإلنسانية، وإعداده ألداء الدور املنوط به يف احلياة، وحتقيق األهداف اليت خلق من

إن النظرة املادية لعملية التنمية قد جتذرت يف فكر معظم شعوب العامل العريب اإلسالمي، نتيجة (1). »أجلها

.اهليمنة الغربية، وسيطرة ثقافتها

: أ ـ التنمية يف اللغة

. (2)كثرمنا املال منوا أي زاد و : التنمية من الناحية اللغوية مأخوذة من منا منوا، مبعىن الزيادة يف الشيء، فيقال

الزيادة مطلقا بينما تنمية الشيء تعين فعل أو " يعين الذي النمو بني يالحظ الفرق من الناحية اللغويةهنا و

Growth: إحداث النمو، ويف اللغة اإلجنليزية يستخدم للمصطلحني لفظتني خمتلفتني؛ فيعربون عن النمو بـ

للتعبري عن النمو االقتصادي و Economic Growthفيطلقون Development: وعن التنمية بـ

Economic Development مفهوم يتمحور حول " التنمية ف. (3)" للتعبري عن التنمية االقتصادية

ويرتبط (4)."اإلنسان واتمع وهو نقيض التخلف و ذو صلة بكلمة النمواليت يشري بعدها اللغوي اىل النماء

الذي يعين بدراسة مراحل وتطور Development Psychologyالبايولوجي بعلم نفس النمو" بعدها

.13ص 1996التنمیة في اإلسالم، مفاھیم، مناھج وتطبیقات ، بیروت لبنان ، : العسل إبراھیم: (1) 341، ص 15إبن منظور ، لسان العرب ، دار بیروت للطباعة و النشر ، المجلد : (2) . 25، المصدر نفسھ ص العسل، إبراھیم: (3) .813، ص1996، 35ط ،معلوف، لویس، المنجد في اللغة، دار الشرق: (4)

Page 15: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

14

متتبعا تغريات البناء والشكل اليت متتد عند انتقال العضوية (1)."النمو والسلوك ومنو الشخصية الفردية او توقفها

(2)." اللغة والفهم واملهارة"الفردية من اصلها اىل نضجها، فضال عن استخدامات الكلمة يف اإلشارة إىل منو

Socialيف اال االجتماعي فانه حيوهلا للداللة على عمليات التغيري االجتماعي مفهوم التنميةأما استخدام

change وعندما يستخدم مفهوم . البناء االجتماعي عن طريق التطور الطبيعي والتحول التدرجيي" عيناليت ت

تبذل إلحداث سلسلة من التغيريات الوظيفية واهليكلية التنمية يف اال االجتماعي فانه يدلل على اجلهود اليت

الالزمة لنمو اتمع عن طريق زيادة قدرة أفراد اتمع على استغالل الطاقة املتاحة اىل اقصى حد ممكن لتحقيق

(3)."اكرب قدر من احلرية والرفاهية لألفراد وبأسرع من معدل النمو الطبيعي

إىل اختالف اآلراء حول عملية التنمية يعودحتديد مفهوم التنمية، وسبب ذلك اآلراء حول فقد اختلفت وعليه

من حيث جماالا ومشوليتها؛ فالبعض يقتصر يف حتديد مفهوم التنمية على جمال معين كاال االقتصادي مثال

املة ملختلف ااالت فيقوم بتعريفها من خالل هذا اال احملدد للتنمية، بينما البعض اآلخر يرى أا عملية ش

.فيكون حتديد املفهوم تبعا هلذه الرؤية الشمولية للعملية التنموية

النظر عن اختالف دالالت تلك املفاهيم فان التنمية كعملية تتضمن بعدا قصديا إراديا وفعال بغضوعموما، و

ملية التغيري أو التنمية إذا جتاوزنا ولعلنا نستطيع متييز موقفني عامني يف ع. خمططا إلحداث تغيريات مرغوبة

.االختالفات اجلزئية املتباينة داخل كل موقف

البعد االجتماعي للتنمية فاننا سنالحظ اجتاهني أساسيني يتضمن كال منهما نظريات ومداخل نظرنا يف أما إذا

.متعددة ضمن تيار علم االجتماع

، 1983فضلي، عدنان عباس، وجزراوي میري، دلیل الموسوعة المختصرة في علم النفس وطب نفس األطفال، بغداد، وزارة الثقافة واالعالم،: (1)

20ص .34، ص1977معجم علم النفس، بیروت، دار العلم للمالیین، عاقل ، فاخر : (2) .384، ص1997بدوي، احمد زكي، معجم مصطلحات العلوم االجتماعیة، بیروت، مكتبة لبنان،: (3)

Page 16: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

15

يف ضوء ة تنطلق يف معاجلة ظواهر التقدم والتخلف والنمواجتاه ليربايل حمافظ يتضمن مذاهب وأفكار متعدد

مقوالت فكرية وقيمية وسيكولوجية وبيولوجية حتاول التركيز على قضايا النظام والتوازن داخل النسق، ولذلك

قدرا على الضبط والتنظيم النخبةفان ظواهر الفوضى والتخلف والتوتر والصراع ما هي إال نتاج الفتقاد

.موالتحك

حياول حتليل قضايا التخلف والتقدم والنمو يف ضوء " مث هناك اجتاه مغاير وهو االجتاه الثوري الراديكايل الذي

(1)."متغريات عالقات وقوى اإلنتاج وعالقات السيطرة والصراع الطبيعي

: التنمية يف القرآن ـ ب

و العربية ميكن إيضاح التعريف الذي اإلسالميةما تقدمه املصادر وسالمي اإلنظور املأما مفهوم التنمية من

التطوير و أمههاجبملة من اخلصائص اإلسالميةتتميز التنمية إذ نقدمه من خالل بيان خصائص التنمية اإلسالمية

لذلك ال التغيري و هي أهم خاصية للتنمية كوا عملية دف إىل تطوير وتغيري حـياة الناس يف جمتمـع ما، و

يكاد خيلو تعريف من اإلشـارة إىل هذا العنصر األسـاس يف عمـلية التنمية أو ما يشاكله، مثل التقدم والرقي

. والتحسني وغريها

راعى فيها مدى قابلية األفراد واستطاعتهم لذلك، حىت ال يكلف الناس أكثر من تولكن عملية التطوير والتغيري

ولذا ورد يف التعريف تقييد عملية . ن فتفشل العملية من حيث يراد هلا النجاحوسـعهم أو حيملوا ما ال يطيقو

مراعاة الختالف الناس من حيث قابليتهم للعملية التنموية مث إن عملية » قدر اإلمكان«التطوير والتغيري بعبارة

والتنمية؛ فالتنمية دائما التغيري تكون يف التنمية دائما حنو األحسن ، وذلك لوجود فرق مهم بني كلميت التغيري

وقد . تعين التحسيـن والرقي والزيادة يف الشيء، بينما التغييـر قد يكون ملا هو حسن كما يكون ملا هو سيئ

.19،ص 1981السمالوطي نبیل ،علم اجتماع التنمیة، دار النھضة العربیة،بیروت: (1)

Page 17: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

16

لك بأن ٱلله لم ذ" : ورد لفظ التغيري يف موضعـني من القرآن الكرمي، أوهلما يف سورة األنفال يف قوله تعالـى

" : ، وثانيهما يف قوله تعاىل(2) " نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن ٱلله سميع عليميك مغيرا

ا بأنفسهموا مريغى يتم حا بقوم ريغال ي فالتغيري الوارد يف اآلية األوىل إمنا هو تغيري حنو السيئ، (1)." إن الله

فنظرا . حبيث إن اهللا ال يـغير نعمته إىل نقمة إال إذا حصل ما يقتضي ذلك، وهو التغيري السيئ ألنفس قوم ما

كما أن خاصية . نهلذا الفرق املهم بني التنمية والتغيري قيد التغيري الوارد يف التعريف بكونه حنو األحسن فاألحس

االستمرارية يف التنمية نابعة من النظرة اإلسالمية للكون واحلياة واإلنسان؛ فاإلنسان خلقه اهللا ليكون خليفة له يف

ـئكة إني جاعل " األرض كما قال تعاىل وهذا االستخالف ال جمال (2)." ٱالرض خليفة يفوإذ قال ربك للمل

ـن أن يترك سدى " عبث فيما ال ينفع فيه لل ٱإلنس بسحوقولـه تعاىل(3) "أي ، " ـكم لقنا خمأن متسبأفح

متتاز بالدميومة واالستمرارية للعملية اإلسالميةفإن التنمية بداللتها أخرياو (4)" عبثا وأنكم إلينا ال ترجعون

مبعىن أن األفراد يستنفدون أعمارهم من أجل ،التنموية تكون مستغرقة حلياة األفراد واتمعات على حد السواء

التنمية، وحيرصون على نقل ذلك ملن خيلفهم يف اتمع بناء على ذلك، تكون هذه العملية تواصلية استمرارية؛

ستوى األفراد، متواصلة على مستوى اتمعات، حبيث تتواصل العملية التنموية من جيل إىل آخر مستمرة على م

فإذا توقف جيل ما عن القيام بذلك يؤدي ذلك إىل خلل يف العملية غالبا ما يؤدي إىل تراجع . دون توقف

ويل، والسبب يف ذلكحضاري، كما حصل يف العامل اإلسالمي الذي شهد ضة حضارية، ومن مث بدأ تراجع ط

. إىل عدم استمرارية العملية التنموية وتواصلها بني أجيال جمتمع ما يعود

. 53، األنفالسورة : (2) . 11:الرعدسورة : : (1) 30:البقرة سورة: (2) 36:القیامةسورة : (3) 36:القیامةسورة : (4)

Page 18: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

17

بثابت وال مبتفق عليه، بل كل يتناوله من الزاوية اليت هي حمل اهتمامه، حبيث التنمية ليسمصطلح و عليه ف

لية تطوير وتغيري قدر اإلمكان حنو بالتايل فالتنمية عم. صر نظره يف العملية التنموية من خالل اختصاصهتيق

. األحسن فاألحسن، وتكون مستمرة وشاملة لقدرات اإلنسان ومهاراته املادية واملعنوية

وعلى الرغم من ذلك، فإن كلمة التنمية بوصفها مصطلحا ذا معىن حمدد إذا أطلقت فتنصرف إىل معىن التنمية

الفكر االقتصادي الغريب هو الذي وضع مؤشرات "غريه، ألن االقتصادية يف الغالب وترتبط ذا اال دون

وعرفت التنمية بأا تنشيط االقتصاد الوطين، . التنمية يف العصر احلديث، وذلك من خالل منظور اقتصادي

وحتويله من حالة الركود والثبات إىل حالة احلركة والدينامكية، عن طريق زيادة مقدرة االقتصاد الوطين لتحقيق

ادة سنوية ملموسة يف إمجايل الناتج الوطين، مع تغيري يف هياكل اإلنتاج ووسائله، ومستوى العمالة، وتزايد زي

االعتماد على القطاع الصناعي واحلريف، يقابله اخنفاض يف األنشطة التقليدية، ويعين تغيري البنية االقتصادية

وية امللموسة يف إمجايل الناتج الوطين، ومتوسط دخل بالتحول إىل اقتصاد الصناعة، وهلذا اعتربت الزيادة السن

أن التالزم بني التنمية واالقتصاد يف الفكر الغريب وانتشار هذا باإلضافة إىل الفرد من املؤشرات األساسية للتنمية

حكومات العامل املنظور وهيمنته الناجتة عن اهليمنة الغربية على العامل والتبعية اليت متيز ا العامل الثالث جعلت

العريب واإلسالمي، والسيما املسؤولني عن جمال التنمية يتجهون هذا االجتاه الغريب يف حصر التنمية يف اال

االقتصادي وإمهال ما سواها ظنا منهم أن هذا التبين سيقود حتما إىل تنمية بلدام واخلروج ا من التخلف،

لقد برهنت التجارب اليت مرت ا "حبط ما كانوا يسعون إليه، بل ولكن خاب ظنهم و. واالحنطاط االقتصادي

البالد اإلسالمية خالل عقدي اخلمسينات والستينات، عن ذلك الفشل الذريع الذي منيت به الفلسفات

ية السياسية واالقتصادية اليت تبنتها األنظمة اليت خلفت احلكم االستعماري، واليت عرفت تطبيق هذه املفاهيم الغرب

إن القرآن الكرمي خيلو متاما من ثنائية النفس واجلسد اليت "للتنمية،اليت تنفرد ذه اخلاصية عن سواها، حيث

شـغلت الفكر األرويب الديين والفلسـفي، ذلك أن اإلنسـان يف املنظور القرآين هو روح وجسـم، ومل يرد

Page 19: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

18

. (1)" يف القرآن قط ما حيط من قدر اجلسم

جند أن القرآن ينظر إىل اإلنسان من منطلق ثنائية اجلسم و الروح و ليس من منظور أحادي ، ك، وبناء على ذل

مبعىن اإلنسان منظورا إليه ماديا و فقط ، إذ هنا جند أن مفهوم التنمية بداللته الغربية ال يأخذ نفس الداللة

ني التنمية كفعل ممارسة ، و التنمية من حيث املفهوماتية يف البنية املشكلة للفكر العريب ، و هنا يربز التعارض ب

هي مفهوم له داللته املشكلة للفكر ، و عليه فإن تبين مفهوم التنمية بداللته الغربية سينعكس على الواقع العريب

جبملة من الصور اليت سامهت يف عدم توافق املفهوم مع الواقع العريب ، خصوصا أن اخلطاب الفلسفي العريب له

. لك ، إذ نلمس هذا من خالل عملية سري حبثنا هذا دور يف ذ

: ـ التنمية يف االصطالح ج

و أما من الناحية االصطالحية فقد اختلفت التعاريف و يعود سبب هذا اختالف اآلراء حول هذه العملية من

حيث جماالا و مشوليتها، فبعضهم يقتصر يف حتديد مفهوم التنمية على جمال معين كاال االقتصادي مثال،

عض اآلخر يرى أا عملية شاملة ملختلف ااالت، فيقوم بتعريفها من خالل هذا اال احملدد للتنمية، بينما الب

. فيكون حتديد املفهوم تبعا هلذه الرؤية الشمولية للعملية التنموية

و على الرغم من ذلك، فإن كلمة التنمية بوصفها مصطلحا حتمل معىن حمددا و تتمثل يف التنمية االقتصادية

يب هو الذي وضع مؤشرات التنمية يف العصر، احلديث من خالل يف الغالب، ذلك أن الفكر االقتصادي الغر

.منظور اقتصادي

ففي معجم مفاهيم التنمية ، فقد عرفت بأا عملية توسيع خيارات الناس كي يعيشوا احلياة اليت يطمحون

امة ، التمكني واملشاركة ، العدالة االجتماعية ، تكافؤ الفرص ، االستد: اليها وميكن متييز أربعة أبعاد هلذه التنمية

مركز دراسات ، الروافد الفكریة العربیة واإلسالمیة لمفھوم التنمیة البشریة، ندوة التنمیة البشریة في الوطن العربي : الجابري، محمد عابد: (1)

.49ص 1995، بیروتالوحدة العربیة،

Page 20: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

19

التنمية البشرية عمل هادف لتنمية النواحي الفكرية ألفراد اتمع ، وامتالك املهارات املهنية وتطويرها، وتأمني

. فرص التمتع بالفنون ، واكتساب املعارف العلمية على أنواعها، مبا خيدم تطور اتمع ويزيد من رفاهيته

والثاين هو . تشكيل القدرات البشرية ، مثل حتسني مستوى الصحة واملعرفة واملهارات االول : وللتنمية جانبان

انتفاع الناس بقدرام املكتسبة إما للتمتع بوقت الفراغ ، أو يف االغراض االنتاجية ، أو يف الشؤون الثقافية

قيق بني هذين اجلانبني فإن الشعور وما مل تستطع مناهج التنمية البشرية إجياد توازن د" واالجتماعية والسياسية ،

. (1)" العميق باالحباط يصبح حمصلة طبيعية

، التنمية بأا سياسة لتشجيع النمو املستمر واملتناسق مع احلفاظ على توازن موارد البيئة ، وذلك كما تعرف

من خالل ترشيد استغالل املوارد القابلة للنفاذ واالنتقال اىل املوارد القابلة للتجديد ، ومشاركة اجلماعات احمللية

ضات الدولية ، واالعتراف مبصاحل الدول الصناعية يف مشاريع التنمية ، والوصول إىل حلول تسوية يف املفاو

.والدول غري الصناعية على السواء

إن التالزم بني التنمية و االقتصاد يف الفكر الغريب، و انتشار هذا املنظور و هيمنته الناجتة عن اهليمنة الغربية على

مسية يف العامل العريب و اإلسالمي يأخذون العامل، و التبعية اليت متيز ا العامل الثالث، جعلت املؤسسات الر

الغريب للتنمية يف اال االقتصادي، مما جعل من هذا املفهوم يأخذ من اإلنتاج مقياسا هلا حبيث إذا توفر باالجتاه

منو و زيادة يف اإلنتاج كانت هناك تنمية، و إذا تعذر تعذرت ، مما ضيق من جماالت التنمية يف اتمعات

يف طاقة واحدة هي الطاقة املادية املتمثلة يف -ميتها حصر طاقات اإلنسان املتنوعة، و اليت ميكن تن -اإلنسانية و

حبيث تكون التنمية االقتصادية متوقفة على اإلنتاج ليس مبقياس واضح يف حد . اإلنتاج و االستهالك ملا أنتج

ه ذاته، بل إن الواقع يثبت غري ذلك و هكذا فإن دول العامل العريب تبنت املنظور الغريب للتنمية وقامت بتطبيق

اليت اصطلح على -انقضت ثالثة عقود من التنمية و ما تزال الدول "قصد حتقيق النمو و التطور اقتصادي فقد

.39، ص 1992نظریة التنمیة السیاسیة المعاصرة ، المعھد العالمي للفكر اإلسالمي، : عارف نصر محمد: (1)

Page 21: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

20

تعاين من نفس األزمات السياسية للمجتمع املتخلف، و مل حتقق تقدما ملحوظا يف -تسميتها بالنامية أو املتخلفة

املمارسة يف كثري من هذه النواحي إىل مستويات منمعظم ااالت السياسية واالقتصادية، بل إا تراجعت

إن هذا اخللل يف مفهوم التنمية جيعلنا نعيد النظر يف حتديد معىن (1) . "واألداء والفعالية أدىن مما كانت عليه

ها التنمية إدراكا منا أن هذه العملية ليست مقتصرة على اجلانب االقتصادي، ألن هناك جوانب أخرى هلا أمهيت

و بناء على ذلك بدأ يظهر . يف حتقيق جناح التنمية، فضال عن االهتمام باإلنسان بوصفه احملور األساسي للتنمية

و على الرغم من ظهور هذا النوع من . التوجه حنو التنمية الشاملة ملختلف جماالت احلياة واألنشطة االجتماعية

ماء االقتصاد حاولوا تسخيـر التنمية االجتماعية خلدمة التنمية التوجه حنو التنمية االجتماعية، فإن بعضا من عل

عملية استثمار إنساين تتم "و هذا التصور للتنمية االجتماعية هو . االقتصادية حبيث تستثمر األوىل حلساب الثانية

االجتماعية، يف ااالت أو القطاعات اليت متس حياة البشر مثل التعليم و الصحة العامة و اإلسكان و الرعاية

لكن علماء االجتماع يرون أا (1)."حبيث يوجه عائد تلك العملية إىل النشاط االقتصادي الذي يبذل يف اتمع

العملية اليت تبذل بقصد و وفق سياسة عامة إلحداث تطور اجتماعي و اقتصادي للناس و بيئام، سواء كانوا "

باالعتماد على اهودات احلكومية و األهلية املنسقة، على أن يكتسب يف جمتمعات حملية أو إقليمية أو قومية،

(2)" . كل منهما قدرة أكثر على مواجهة مشكالت اتمع نتيجة هلذه العمليات

يشهد نسق القيم يف «ال شك أن واقع العامل العريب اليوم يعاين من هذه املشكلة يف عملية التنمية، حيث

و هذا التحول يف . اإلسالمية صعودا للقيم املادية و الفردية و تراجعا للقيم املعنوية و اتمعية املنطقة العربية و

القيم يهدد دون شك التوجه اإلجيايب لقيم اتمع و مسلكيات أفراده و مجاعته، و يطرح حتديا لعملية التنمية، و

اليت تعيشها اآلن الدول املـتخلفة تعود إىل هيمنة الفكر أزمة التنمية "و لذا فإن أن (3)." التكامل املنشودين

. 60المرجع نفسھ ، ص: (1) .70مصر، ص 1990دراسـات في التنمیة والتخطیط االجتماعي ، دار المعرفة، : عید إبراھیم حسن: (1) .43، ص 2، ط 1961المجتمع وتنظیمھ، مكتبة القاھرة الحدیثة، القاھرة ، تنمیة: شوقي عبد المنعم: (2) .32، ص1985الكواري علي خلیفة، نحو استراتیجیة بدیلة للتنمیة الشاملة ، مركز دراسات الـوحدة العربیة ، بیروت : (3)

Page 22: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

21

الغريب التقليدي و عدم قدرة هذا الفكر على حتليل أوضاع الدول املـتخلفة، هذا الفكر مبا يف ذلك التراث

أي جيب االعتراف بأننا مازلنا بعيدين عن تشكيل فكر تنموي الفكري التنموي الغريب بعد احلرب العاملية الثانية

االستقالليةمبعىن عدم قدرة العقل العريب على التأسيس ملفهوم واضح املعامل لتنمية تقوم على (4)".عريب مستقل

املميزة هلوية و بنية اتمع العريب التنموية، و هذا ما يفسر لنا فشل التجارب التنموية يف العامل العريب منذ

أربعة أو ثالثة عقود تقريبا، إذ كانت جتارم تنمية للضياع، و ضياعا لفرصة التنمية احلقيقية، و هي التنمية

ليست قضية ختطيط "، و يف هذا الصدد "التنمية املفقودة"بعض الباحثني ب املستقلة، و اليت عبر عنها تعبريا دقيقا

اقتصادي بإجراء بعض املعادالت الرياضية و بنقل معدات جتهيزية إنتاجية من العامل املتقدم صناعيا، واستقدام

هذا بدوره و . األموال يف حال نقصاا، إمنا القضية هي قبل أي شيء آخر اتساق جمتمعي و اتزان حضاري

يتطلب وجود قيادات فكرية وخنب اجتماعية هلا رؤية واضحة يف أمور الرقي واالحنطاط احلضاري، و هلا مواقف

.(1)".راسخة مستقلة ضمن هذه الرؤية هي على استعداد للتضحية يف امتيازاا اآلنية لتأمني مستقبل اتمع

يف إجناز برنامج التنمية ، كمشارك االنسانممكن ، وإن إغفال دور إن حتقيق التنمية باملفاهيم اردة أمر غري

. يف صنعها ، فعملية التنمية ال ميكن أن تتم مبعزل عن مشاركة صانعيها والقوى األساسية

:مقاربة لغوية و اصطالحية ملفهوم األيديولوجياـ 02

ويعىن Ideaكلمة يونانية تتكون من مقطعني ، املقطع األول Ideologyأيديولوجيا يبدو أن مصطلح

و قد تأثر دي تراسي بنظرية ) علم األفكار( عين العلم فتكون الترمجة احلرفية Logosالفكرة واملقطع الثاين

الفيلسوف اإلجنليزي جون لوك التجريبية ، كما تأثر مبذهب الفيلسوف الفرنسي كوندياك الذي يرد كل معرفة

. 256، ص ، 1985الجامعیة، حلب ، التنمیة االقتصادیة ، مدیریة الكتب والمطبوعات : الرداوي تیسیر: : (4) . 6، ص 1981التنمیة المفقودة دار الطلیعة، بیروت، : قرم جورج: (1)

Page 23: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

22

و كان أساس نظرية دى تراسي أن الفكر اإلنساين ما هو إال عملية ناجتة (2)".و إدراك إىل أصول حسية حبتأ

إذ أنه كان يرى أن احلاالت األربع الرئيسية للسلوك الواعي عند Sensationsمن حتول االحساسات

يف -و اإلرادة ، ما هى و التمييز Judgementاإلنسان و هي اإلدراك و الذاكرة و القدرة على احلكم

و قد استخدم دى تراسي كلمة أيديولوجية . إال أشكال و تصنيفات خمتلفة الحساسات اإلنسان -الواقع

ليست األفكار " مبفهوم أوسع وأمشل باعتبارها علم دراسة األفكار و املعاين كما هي يف الواقع احملدد تارخييا ،

يف تعبرياا و أساليبها و تظاهراا و استخداماا و دالالا يف جمتمع معني و يف يف ذاا ، بل لذاا يف معانيها و

إذا كان مصطلح اإليديولوجيا يعين حسب تعبري و(3)." مواقف اجتماعية حمددة و يف سياق حضاري ثقايف حمدد

لواعي من حيث صفاا العلم الذي يدرس األفكار باملعىن الواسع للكلمة، أي جممل واقعها ا"ي ارسديتسوت دوت

فإن اإليديولوجيا ذه الداللة تعين اكتشاف (1)". و قوانينها وعالقاا بالعوامل اليت متثلها، السيما أصلها

و لقد بدا أن هذا يقتضي القيام بنوع من عزل . العالقات و القوانني اليت تربط األفكار بالوقائع اليت تشري إليها

األفكار متتاز ا، و أن هذه اخلصائص إذا ما اكتشفت تؤدي إىل الكشف عن بعض اخلصائص اليت يفترض أن

الكيفية اليت ترتبط ا األفكار بالوقائع من ناحية، و عن خصوصية الوقائع يف مقابل أفكار حمددة من ناحية

أو الوعي بيد أن هذا املصطلح من كونه يدل على العلم و يرتبط به قد أصبح مرتباطا بالوعي الزائف. أخرى

غري القادر على حتديد حقيقة عالقته بأفكاره من ناحية، و حقيقة عالقة أفكاره بالعامل الذي حييا فيه و ينتج

.حياته الفردية و االجتماعية داخله من ناحية أخرى

و على هذا األساس فإن مصطلح اإليديولوجيا أصبح يدل على الدالالت االجتماعية و السياسية و

أو املعتقدات أو اآلراء جمموعة من األفكار"و لذا أصبح من املمكن تعريف اإليديولوجيا بأا . صاديةاالقت

.63، ص 1963ھنري ایكن ، عصر األیدیولوجیة ، ترجمة فؤاد زكریا، مكتبة األنجلو المصریة ، : (2) .18، ص 2001االجتماعي ، دار الفكر الجامعي، اإلسكندریة، نبیل رمزي ، سوسیولوجیا المعرفة ، جدل الوعي والوجود : (3) 159، ص1986رشید مسعود، األیدیولوجیا علم األفكار، الموسوعة الفلسفیة العربیة، المجلد األول، معھد االنماء العربي بیروت، (1)

Page 24: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

23

املتماسكة إىل حد ما، و اليت تعتربها فئة اجتماعية معينة أو حزب سياسي معني مبثابة ما يقتضيه العقل، مع أن

، و عليه فمن الواضح أن هذا (2)" منفعية نابضها الفعلي يكمن يف حاجة تربير مشروعات معدة لتلبية غايات

التعريف يدفع بـاإليديولوجيا حنو االفتراض بأا تشكل جمموعة من األفكار املستقلة و املترابطة فيما بينها و

كأا تكفي ذاا بذاا و تفسر ذاا بذاا، من غري احلاجة إىل التفكري بطبيعة االرتباطات املمكنة أو احملتملة بني

هذه األفكار، اليت تتبناها جمموعة اجتماعية أو حزب سياسي، و بني الوقائع اليت قد تضطلع مبهمة تفسري األفكار

و لذا فمن الوهم النظر إىل اإليديولوجيا على أا فكر . يف املنظومة اإليديولوجية باملعىن التقليدي هلذا املصطلح

اا اخلاصة وحدها، مع أن هذا الفكر يف احلقيقة ليس سوى يتنامي بطريقة جتريدية تعتمد على معطي" نظري

تعبري عن واقع اجتماعي، السيما اقتصادي، ال يعيها أصحاب اإليديولوجيا، أو على االقل ال يدركون أن هذه

، و هكذا فإن اإليديولوجيني يقدمون تفسريا للعامل ينتهي م إىل (3)"الواقعات هي اليت تقر مضامني أفكارهم

وعي الزائف عندما يفسرون الوقائع، و مجلة النظم االجتماعية ، باألفكار بدال من تفسري األفكار بالنظام ال

و عليه فإن تشخيص حالة الفكر العريب ميكن أن تعرب االجتماعي و بالوقائع اليت ينطوي عليها و يتكون منها

.عن أيديولوجيا الباحث نفسه

"هناك عدة تعريفات لأليديولوجيا فقد عرفها بارسونز بأا نسق من األفكار املوجهة اليت هلا أصل أمبرييقي

تلك اليت متنح اإلنسان تفسريا للطبيعة االمبرييقية للجماعة و املواقف اليت تقف فيها و العمليات اليت منت ا حىت

(1). "لاألعضاء مجاعيا وعالقتهم مبسار األحدث يف املستقب حالتها الراهنة مث األهداف اليت يتوجه إليها

و يعرف جي روشيه األيديولوجيا بأا نسق من األفكار و األحكام ظاهر و منتظم عموما يستخدم ليصف

و يفسر ويشرح أو يربر وضع جمموعة أو مجاعة من الناس، و الذي يستوحي من مفاهيم القيم بشكل عام ، و

.حيدد اجتاه الفعل التارخيي هلذه اموعة أو جلماعة من الناس

. 160، ص نفسهمرجع : (2) 160مرجع نفسه، ص: (3) 7، ص 1982الوظیفیة في علم االجتماع واألنثروبولوجیا، دار المعارف، القاھرة،لیلة على ، البنائیة : (1)

Page 25: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

24

الحظ يف هذا التعريف أنه يفرق بني الفكر يف ذاته و ما ينتج عنه من أفكار عامة و األيديولوجيا باعتبارها و ي

نسقا من األفكار حيدد و يوجه أفعال و ممارسات مجاعة اجتماعية معينة يف حلظة تارخيية حمددة، ألن ذلك هو

ة أخرى، فهى و إن كانت نوعا خاصا من الفيصل بني األفكار والنظريات من جهة واأليديولوجيات من جه

األفكار إال أا تقوم بوظيفة اجتماعية حمددة هى توجيه الفعل االجتماعي، هى إذن فكر يف حالة فعل ، فكر

هكذا تلعب األيديولوجية دورا هاما يف حتديد الفعل " يستهدف حتريك مجاعة معينة حنو أهداف حمددة ، و

اه الفاعل و تفسره و تربره و تضفي شرعية على الوسائل املتاحة للفاعل و الغاية اليت االجتماعي، فهي حتدد اجت

(2)." يستهدفها

إىل التوصل للتفسري الشامل من و من التعريفات اهلامة تعريف أرنديت حيث يرى أن األيديولوجيات تسعى

الحقة جند حماولة أخرى لتناول اجلوانب خالل تطبيق فكرة معينة على كافة جماالت الواقع ، و يف دراسة

املعيارية و الزائفة من األيديولوجية فضال عن الوظيفة التفسريية هلا من خالل نسق استنباطي جمرد للفكر

.االجتماعي

امتدت هذه األفكار اردة إىل نظرة عامة لتفسري التاريخ و النظم االجتماعية ، األمر الذي جعل من هذه قد و

ية أساسا للنظريات السائدة يف فرنسا من أواخر الثورة الفرنسية حىت تويل نابليون احلكم و كان الذين النظر

.يعتنقون هذه النظريات يسمون باأليديولوجيون

استعمل لوكاتش مفهوم األيديولوجيا باملعىن نفسه الذي كان لينني قد تعرض له عندما حاول أن يناقض

الفكري للربجوازية والبناء العلوي للربوليتاريا على أن األول بسبب سيطرته االجتماعية الصراع بني البناء العلوي

هو الذي جعل من الثاين تابعا له و كان الغرض من نظريته هذه ليس احلط من األيديولوجيا الربوليتارية و إمنا

لصعيد األيديولوجي، أما أنطونيو الربهنة على أن الصراع الطبقي يف امليدان هو أكثر فاعلية من الصراع على ا

.72نبیل رمزي، مرجع سابق ، ص (2)

Page 26: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

25

البناء العلوي الفكري مل يكن مفهوما "جرامشي فقد ذهب يف حتليله للمفهوم اللينيين لأليديولوجيا ، إذ قال أن

جمردا يأيت من نفسه كامتداد للطبقة ، و إمنا يأيت من خالل مجاعة من أعضاء الطبقة املرتبطة ا عضويا، و هذه

قفون فال مثقفني يف رأيه إال إذا كانوا مثقفني طبقيني ، و هؤالء املثقفون هم مبثابة مسجلني اجلماعة هي املث

(1)".إلرادة مجاعية ، و معربين عن اجتاه واضح يف تاريخ طبقتهم

لقد تناول هابرماس األيديولوجيا يف عالقتها بالوعي االجتماعي و ذلك على مستويني مادي و نظري

ني يربط مفهوم األيديولوجية بنقد األيديولوجية، و بالنقد االجتماعي ذلك أن نقد ايديولوجية ، و على املستوي

.ما، يستلزم كشف القوة االجتماعية صاحبة املصلحة يف ترويج أفكار بعينها

و حياول هابرماس أن يكشف عوامل التشويه و اخلداع و إخفاء بعض جوانب احلقيقة و ابرز بعضها

ديولوجيا قناع خيفي أكثر مما يعلن ، و يزيف أكثر مما يوضح ، و هو معىن سليب طاملا زعمه نقاد اآلخر ، فاألي

األيديولوجية على مر العصور الذين يعتقدون أن كل فكرة هى إحدى مفردات أيديولوجية معينة، وكل

: يفتني خمتلفتني األوىلبذلك حيدد هابرماس وظائف األيديولوجية فيميز بني وظ.أيديولوجية هي قناع ملصلحة ما

.دعم و إحالل و جتديد: هدم و إزاحة و الثانية

و إذا أخذنا مرحلة التحول التارخيي من النظام اإلقطاعي إىل النظام الرأمسايل جند أن األيديولوجيا

هدم أيديولوجيا النظام اإلقطاعي و بلورة نسق أيديولوجي جديد من احلرية و : الرأمسالية قد قامت بالدورين معا

الذي يقوم على مستوى قديذلك أن التحليل الن املساواة و يعلق هابرماس أمهية خاصة على نقد األيديولوجيا،

اتمع ، و يقوم النقد األيديولوجي بكشف ما خيبئه النظام السائد من خالل اهليمنة األيديولوجية مما ينطوى عليه

.النظام من استغالل و قهر ، و يقوم النقد األيديولوجي بتبديد األوهام و الدعاوى األيديولوجية الزائفة

.35ص . 1982، 2جورج لوكاش، التاریخ والوعي الطبقي ، ترجمة حنا الشاعر، دار األندلس، ط: (1)

Page 27: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

26

فيرب فقد كان التفسري الذي قدمه لعالقة الربوتستانتية بالرأمسالية مبثابة نقد مباشر للنظرية كسما أما

املاركسية و تفنيد صريح ملسلماا حيث أوضح أن األفكار متارس دورا أساسيا يف دفع حركة اتمع و حتوله

ر الرأمسايل يف ضوء العوامل االقتصادية حنو أشكال جديدة، و لقد أوضح فيرب أيضا أن من الصعب فهم التطو

و لقد قصد فيرب بذلك تأكيد قضية . وحدها، ألن معناه التقليل من دور األفعال يف صنع اتمع و التاريخ

أساسية هى أن دراسة نشأة الرأمسالية جيب أال يقتصرعلى العوامل االقتصادية فقط، بل جيب أن تأخذ يف اعتبارها

و معىن ذلك أن الكالفنينة يف . ورات الناس عن العامل الذي يعيشون فيه و واجبام إزاءه و بنفس األمهية تص

نظر فيرب ليست جمرد انعكاس سليب لظروف اقتصادية بقدر ما هى توجيه أيديولوجي فعال للفعل االجتماعي و

م األيديولوجية عند ماركس بالتايل عامل حاسم يف إحداث التغري االجتماعي وهذا هو تصور فيرب يف نقده ملفهو

و اجنلز ذلك أن ماركس و اجنلز مل يقصدا القول بأن األيديولوجية هى جمرد انعكاس سليب بقصد ما قصدا إبراز

.الدور اهلام الذي تلعبه بوصفها مصدرا للشرعية السياسية و التغري االجتماعي

اسية لالشارة إىل جمموعة مفاهيم و قد استخدم علماء االجتماع السياسي مصطلح األيديولوجية السي

:تتصف بأا

تعاجل تساؤالت مثل من هم الذين سيصبحون حكاما ، و كيف يتم اختيارهم و ما هي امليادين اليت -أ

.سوف يستندون إليها يف ممارسة احلكم؟

.االيديولوجيا متثل عموما نوعا من اجلدل أو احلوار بني وجهات نظر متعارضة - ب

. جمموعها يف قيم احلياة الرئيسيةتؤثر يف -جـ

.تضمن برناجما للدفاع عن النظم االجتماعية األساسية أو إصالحها أو هدمها –د

.متثل يف جانب منها تربيرات لصاحل اجلماعة دون أن يعين ذلك كل اجلماعات -هـ

Page 28: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

27

.تعرب عن الطابع املعياري، و األخالقي على مستوى الشكل واحملتوى -و

.جزءا من سياق أمشل يتضمن نسق االعتقاد بأكملهمتثل –ز

حيث . و من املعاجلات اهلامة ملصلطلح األيديولوجية ما عرضه كارل ماامي يف مؤلفه األيديولوجيا واليوتوبيا

نظر مثل ماركس إىل مناذج التفكري و القيم السياسية على أا منبثقة من النظم االجتماعية االقتصادية ، لكنه

. اجلماعات التربوية و الفكرية حلل أيضا املنظمات اليت تنتشر من خالهلا األفكار مثل

إن األفكار عنده ال تنبثق من البناءات االقتصادية و الطبقية فحسب ، و لكنها ترجع إىل خربات احلياة ، و

و يف ضوء ذلك حتمل ماامي مسئولية . مناذج السلوك اليت تتجسد يف اجلماعات االجتماعية ذات االمناط العديدة

ت املختلفة اليت اكتسبها مصطلح األيديولوجية من خالل التحليل و التاريخ االجتماعي كشف املعاين و الدالال

إن أى معاجلة لأليديولوجية جيب أن تفرق بني معنيني متميزين و منفصلني " لتطوره، و انتهي من ذلك إىل قوله

كل االنساق الفكرية اليت دف للمصطلح مها املعىن اخلاص و املعىن العام ، و يقول ما امي يف هذا الصدد ، أن

بصورة رئيسية إىل الدفاع عن الوضع الراهن ، و إجياد التربيرات الالزمة حلماية مصاحل الفئات احلاكمة تسمى

.(1)" أيديولوجيا ، و هى أنظمة ثابتة و دفاعية

املعامل يف الفكر العريب املعاصر باعتبار ةواضح ةبناء على ما سبق جند ان مفهوم التنمية مل يأخذ صور

ان هذا املفهوم وظف توظيفا تعسفيا حبيث أنه ال يعكس البنية الذهنية لإلنسان العريب الذي له منطقه يف إدراك

ما حييط به يف هذا العامل إذ نلمس أن هناك جدلية بني املنظور املادي للتنمية و املنظور الروحي و يتجلى هذا

. اهلوة الفارقة بني التنظري و املمارسة يف الواقع بوضوح يف

: .235، 234، ص 1979العامة للكتاب، محمد عاطف غیث ، قاموس علم االجتماع، الھیئة المصریة (1)

Page 29: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

28

: كرونولوجيا مفهوم التنمية : املبحث الثاين

ميكن البحث عن اجلذور األوىل ملفهوم التنمية يف احملاوالت املبكرة اليت قام ا اإلنسان األول ملعرفة التغيريات

لقد ارتبطت تلك اجلذور باملشاهدة احلية والتأمل يف التغيريات اليت حتدث يف املوجودات . اليت جتري من حوله

وكانت . بأن هذا الكون يف حركة مستمرة وتغري دائم كفصول السنة والنبات واإلنسان واحليوان، حيث أوحت

نتيجة تلك املشاهدات والتأمالت بروز جدل فلسفي متواصل حول ماهية األشياء وطبيعة املتغريات اليت حتدث

. فيها

: ـ يف الفكر الفلسفي عند اليونان 01

لفالسفة اليونان فضل السبق يف إثارة هذا اجلدل، ومن بني هؤالء الفالسفة كان هرقليطس الذي كانلقد

اهتم يف جانب كبري من فلسفته بقضايا التغيري مشريا إىل أن الكون يف حركة وتغري دائمني، وأن كل شيء مؤلف

ال " د عرفت عنه مقولته الشهرية وق. من متضادات ومتقابالت ، وهلذا فإنه خاضع للتوتر الداخلي، أي للصراع

هو بذلك يرفض أطروحة الفيلسوف اليوناين برمينيدس القائلة بأن و(1)" تستطيع أن ترتل يف نفس النهر مرتني

كل شيء ثابت، وال جمال للتغري، كما يتعارض مع فلسفة أفالطون يف اعتباره التغيري أمرا ظاهريا، وأن احلقيقة ال

خالل الشكل أو الفكرة، ومها شيئان غري قابالن للتغيري ألننا ما وحدمها نستطيع أن منيز ميكن معرفتها إال من

أما أرسطو فقد ناقش موضوع التغيري من جانب آخر، يف كتابه طبيعة الدولة فقال .اجلديد واحلقيقي عن غريه

من الواضح ان الثروة ال متثل "بوجود نظام يف الكائن العضوي ميكن انتقاله من مرحلة إىل أخرى، حيث قال إنه

534، ص 1984، 01بدوي عبد الرحمن ، موسوعة الفلسفة ، المؤسسة العربیة للدرات و النشر ، ط : (1)

Page 30: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

29

تبدأ بالوالدة فالنمو فالنضج (1)".خلري الذي نسعى إىل حتقيقه ، فهي جمرد شيء مفيد للوصول إىل شيء آخر

.وأخريا االضمحالل، و كل مرحلة من مراحل النمو هذه ختتزن يف باطنها حافز نشوء املرحلة اليت تليه

: يف الفكر الفلسفي عند املسلمني ـ 02

اصطالح لغوي ، فإن مصطلحات اإلعمار والعمران والعمارة واحلياة الطيبة كانت كوإذا غابت التنمية

شغلهم الشاغل، فليس فالتغيري حنو األفضل تمعام منها وكان اهلدف املفكرين املسلمني ، مالزمة لكتابات

. حسن العمل واملكافئة عليه والنجاة يف الدنيا والسعادة فيها إال النجاة يف اآلخرة

هي نظرة شاملة ، و العمران تتمثل يف اليت وقد أشار العديد من الكتاب إىل أن النظرة اإلسالمية للتنمية

كز على بناء اإلنسان كمحور للعملية التنموية، فاإلنسان تتضمن مجيع نواحي احلياة املادية والروحية واخللقية ور

تطوير والقيام بعملية تنموية ملا التغيري والحمورها وهدفها بوصفه الكائن الوحيد يف هذا الكون القادر على إحداث

لعملية فاإلنسان يف اإلسالم هو حمور ا" ، يف الكون وذلك مبا اختصه به اهللا سبحانه وتعاىل عن بقية الكائنات

وهكذا جند أن التنمية يف الفكر االسالمى ليست جمرد العمل على زيادة (2)" التنموية والبنية األساسية هلا

اإلنتاج وحتقيق الرفاهة املادية، بل تشمل حتسني ظروف اإلنسان من خمتلف النواحي االقتصادية واألخالقية

رب تعإلكل األبعاد، وقد شامال االتنمية يف الفكر االسالمى مفهومواالجتماعية والبيئية والسياسية فأصبح مفهوم

. ن هدف التنمية يف اإلسالم هو إقامة جمتمع املتقني أاحد االقتصاديني املسلمني

االسالمى فرض وعبادة، فهي ليست جمرد سلوك اقتصادي وإمنا هي وسيلة إلرضاء اهللا املنظورفالتنمية يف

االخرى فاملسلم إذا مل ينتج قوته وما يكفى حاجته فلن يستطيع القيام بالعبادات وعليها تتوقف العبادات

. األخرى، بل ال خري يف صالة العبد أو صيامه إذا كان عاطال أو عالة على غريه

، 1995فبرایر ، / التنمیة البشریة في الوطن العربي ، مجموعة باحثین ، الطبعة األولى، مركز دراسات الوحدة العربیة ، بیروت ، لبنان، شباط: (1) ـ17ص

. 58ص 1986 01، ط وجھة العالم اإلسالمي ، ترجمة شاھین عبد الصبور ، دار الفكر، دمشق ،بن بنى مالك: (2)

Page 31: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

30

، ومن مث فان مفهوم التنمية يف اإلسالم له جوانب نفسية واجتماعية وأهداف حضارية بعيدة املدى

ساسى للتنمية يف اإلسالم هو حتقيق التوازن بني مصلحة اجلماعة ومصلحة الفرد بقصد حتقيق السعادة واهلدف اال

وعليه ،لإلنسان يف الدنيا ومتكينه من أداء اهلدف االساسى الذي خلق من اجله وهو عبادة اهللا سبحانه وتعاىل

عة وهذه هي امليزة احلقيقية للتنمية فان الوسائل اليت توصل لتحقيق هذه الغاية جيب أن تكون وسائل مشرو

جيعل اإلعمار والتنمية يف مقابل اخلراب والفساد وينادي بدور متقدم للدولة يف فأبو يوسف(1)االسالمية

بني الفرد والدولة من أجل ختفيف كاهلها، وسحب املواطن عن " النمو"العمران، ويدعو إىل تقاسم تكاليف

املقابل فقد عظم ابن يف (2). املسامهة يف دور عمراين يعين اموعة كما يعنيه شخصيااالتكال والدفع به إىل

حزم دور الدولة وجعلها مسؤولة كلية يف رفاهية شعبها وتنميته، مما جعله يصل إىل حد مطالبتها بتأميم

حاجياا، مما جعله يعترب املمتلكات الشخصية ومصادرا لفائدة اموعة إذا مل تكف إيرادات الزكاة يف تلبية

كما جند هذا التضخم نفسه يف متويل التنمية عند كل من ابن تيمية (3).ي اإلسالميعند البعض أول اشتراك

ويظهر (4)" املراقب واحلاكم الفصل من أجل انسجام النشاط االقتصادي وواجبات الدين ومتطلباته " فيجعلها

. التسعريهذا البعد خاصة يف تدخل الدولة يف

من مستلزمات السلطان السبعة، عمارة البلدان باعتماد مصاحلها وذيب " تتطلب مجلة عند املاورديهي و

غري أنه يلزمها بالعدل حيث ينعدم جناح املشروع اإلمنائي إذا مل يصطبغ بالعدل الشامل الذي سبلها ومسالكها،

وهيمنة الفساد واجلور واالغتصاب يف كل مواطن احلكم وبتقلص العدل (1)". يعمر البالد وينمي األموال

.واإلدارة يتوقف اإلعمار وحتدث األزمات وحيل البوار بالديار

، جامعة األزھر، مركز صالح كامل ،سلسلة دراسات وبحوث اقتصادیة ،أسس التنمیة الشاملة في المنھج االسالمى ، احمد عبد العظیم محمد : (1)

. 146، ص 1997 .وما بعدھا 101: ، ص1981، دار اإلصالح، تحقیق البنا، الخراج، أبو یوسف : (2) .126:، ص1967باریس ، مقاربة حول اشتراكیة اإلسالم ومشكلة التأخر اإلسالمي، رسالة دكتوراه محمد شوقر الفنجري: (3) . 12: دار الفكر، بیروت، بدون تاریخ، ص ، الحسبة،ابن تیمیة : (4) 139:، ص1987، 05الماوردي ، أدب الدنیا والدین ، تحقیق مصطفى السقا ، مكتبة مصطفى البابي ، ط : (1)

Page 32: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

31

ويف القرن الرابع عشر امليالدي جند أن ابن خلدون يعطي مفهوم التغيري االجتماعي بعدا أكثر مشولية

وعمقا، مؤكدا على أن الظاهرة االجتماعية ال تنشأ من فراغ ، فلكي نفهم الظاهرة جيب علينا أن نعي البيئة

ا يف االجتماعية اليت نشأت فيها، ولذلك عزا سلوك الناس وطريقة حيام إىل نوعية الوظائف اليت يشغلو

اتمع، واليت تلىب عن طريقها حاجام األساسية، فتلك الوظائف وتلك احلاجات هي مبعث التحالفات

. والتعاون بني فئات اتمع

واعلم أن اختالف األجيال يف أحواهلم امنا هو اختالف حنلهم من املعاش، فإن : " وقد أوضح ذلك بقوله

وكان .(2)" جتماعهم إمنا هو للتعاون على حتصيله واالبتداء مبا هو ضروري منه وبسيط قبل احلاجي والكمايلا

إمنا هو باملقدار الذي حيفظ ، حينئذ اجتماعهم وتعاوم يف حاجام ومعاشهم وعمرام من القوت والسكن

ذا اتسعت أموال هؤالء املنتحلني للمعاش ، مث إ احلياة وحيصل بلغة العيش من غري مزيد للعجز عما وراء ذلك

أعلم أن االنسان مفتقر بالطبع اىل ما يقوته وميونه ، يف حاالته " ، وحصل هلم مافوق احلاجة من الغىن والرفه

من خالل ذلك يتبني لنا ان ابن خلدون جيعل االنسان حمور (3)" وأطواره ، من لدن نشوئه إىل أشده إىل كربه

وان االنسان غاية مجيع ما يف الطبيعة ، وكل ما يف الطبيعة مسخر له ، إذ انه خلق حمتاجا لغريه العملية التنموية

فيما يقوته وميونه يف حاالته ، واطواره منذ صغره اىل كربه ، ويد االنسان مبسوطة على العامل وما فيه ، مبا جعل

ىيتضح من هذا ان ابن خلدون استند اىل اهللا له من االستخالف ، و أيدي البشر منتشرة ، فهي مشتركة ،

الطريقة اليت حيياها الناس و اليت هي انعكاس للوظائف االجتماعية اليت ميارسوا، ووظيفة كسب القوت حتدد

. املوقع االجتماعي للفرد

ذ يشري إىل أما الدولة فإا متر بدورات تارخيية ومبراحل، تشبه إىل حد كبري الدورة العضوية للكائن احلي إ

أما أعمار الدول أيضا و إن كانت ختتلف حبسب القرانات " ذلك يف سياق حديثه عن تطور الدول و إحنطاطها

. 96، ص 2000، 01إبن خلدون عبد الرحمن ، المقدمة ، دار صادر بیروت ، ط : (2) 100مصدر نفسھ ، ص : (3)

Page 33: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

32

فكما أن الكائن احلي مير مبراحل الطفولة والشباب (1)" إال أن الدولة يف الغالب ال تعدو أعمار ثالث أجيال

وابن خلدون ال يكتفي يف حتليله هذا . والشيخوخة، فكذلك الدولة متر يف مراحلها املختلفة ذه الدورات

بالوصول إىل هذه النتائج وتقدميها لنا يف مصنف نظري حبت، بل حياول قراءة التاريخ عرب مراحله املختلفة

اليت تتحكم يف حركته، وإخضاع هذه القوانني للبحث العلمي واملعطيات االجتماعية والتارخيية ودراسة القوانني

. يف عصره، ومن مث استخالص النتائج وتقدميها يف إطار نظري عام كأداة من أدوات التحليل ودراسة التاريخ

و سقوطه، وميثل قسم الضرائب وما األساس يف عمران البالد أاليت تعترب الدولة اخللدونية و هنا تتضح لنا

حيتويه من آليات ومن أبواب توزيع واستثمار، سواء الوجه املشرق للدولة الناجحة واتمع النامي، أو الوجه

.اخلافت واملظلم للدولة اجلائرة والفاسدة، وللمجتمع الفقري واملتخلف

التركيز الذي يكشف لنا عن ، يخ الفكر اإلسالميتارهلذه الوجوه الفقهية يف التصورلعل املالحظ يف هذا

، وارتباط السياسي والثقايف واالقتصادي ككل متجانس يتقامسه أغلب الرواد على البعد األخالقي للتنمية

.فلم تكن األخالق رافدا ولكن منطلق املسار و أساسه وهدفه األمسى التغيري الصحيح،إلحداث

البدايات األوىل لعصر النهضة والبعث يف أوروبا أي تطور علمي فيما يتعلق مل حيدث بعد ابن خلدون حىت

مبفهوم التغيري االجتماعي، إال أن التطورات والثورات الفكرية والدينية واالجتماعية والسياسية الالحقة اليت

مفاهيم التغيري ارتبطت بذلك العصر أدت إىل حدوث تغريات جذرية وتطورات واسعة يف جمال العلوم اإلنسانية و

االجتماعي، فمن خالل االكتشافات العلمية واجلغرافية والثورات االجتماعية، واجلدل الفلسفي الذي بلغ ذروته

.يف القرن الثامن عشر انبثقت نظريات التطور والتقدم، وبرزت فلسفات جديدة شاملة للحياة والكون

. 130المصدر السابق ، ص : (1)

Page 34: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

33

: يف الفلسفة احلديثة ـ 03

يبدو أن احلركة الفكرية اليت شهدا أوروبا يف القرن الرابع عشر كانت متثل نقطة حتول على مجيع

املستويات ، الفكرية و السياسية و اإلجتماعية ، إذ شهدت ظهور طروحات جديدة مهدت الطريق لثورة

القول أن التغيري و التطور إجتماعية إنتهت خبروج أوروبا من مرحلة التخلف إىل مرحلة النهضة ، و هنا ميكننا

و يف ثوب جديد ، و ،الذي شهدته أوروبا يف العصر احلديث مهد هلا الطريق إىل إعادة بعث احلياة بوجه عام

التحرر من سلطان الكنيسة و رجال الدين ، و من قواعد األخالق املتفق عليها ، و من " ذلك من خالل

مبعىن أن النهضة األوروبية تولدت نتيجة وضع قطيعة مع . (1)" لوسطى الفلسفة املدرسية اليت أتت ا العصور ا

خمتلف املشارب اليت كانت سببا يف تعطل حركة الفكر ، و يتجلى هذا بوضوح من خالل إعادة إحياء التراث

اهم و كذا حركة الترمجة اليت فتحت أفاقا جديدة للنقد و التمحيص ، ما س ،القدمي خصوصا الفلسفة اليونانية

. يف ظهور أنساق فلسفية جديدة

من هذا املنطلق جند أن التنمية كمفهوم مل يأخذ صورة عملية بقدر ما أخذ يتبلور يف شكل اعمال فكرية

سامهت يف حتقيقها عمليا ، حبيث اننا جند مفاهيم حمايثة هلا كالتغيري و النهضة و التقدم و العقالنية ، هذه املفاهيم

. ية كانت غائبة يف الوااقع األورويب عربت عن حرك

و على هذا األساس فإن البدايات األوىل للنهضة تتجلى من خالل بعض األفكار اليت خرجت عن ما كان

متداوال ، فعلى سبيل املثال جند ميكيافلي خيرج عن الوعظ األخالقي و الديين لتحديد مواصفات احلاكم الناجح

د ميكيافلي بأسا من إسداء النصح للحاكم ، ليحتفظ بسلطانه ، و لكن النصح مل يكن و مل جي" يف كتابه األمري

من قبيل الوعظ الديين ، أو تقدمي نظرية فلسفية يف األخالق ، و إمنا كان نصحه صورة من حترر النهضة اإليطالية

. 46، ص 2000إبراھیم مصطفى إبراھیم ، من دیكارت إلى ھیوم ، دار الوفاء ، اإلسكندریة ، ب ط ، : (1)

Page 35: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

34

فشهد عصر النهضة حركة اإلصالح الديين اليت ثارت على الطاعة العمياء (1)".من قواعد الدين و األخالق

للكنيسة ، و يف املقابل نشأ العلم احلديث و نقصد به العلوم الطبيعية و الكيمياء ، و الفلك ، ما أدى إىل الثورة

ظة و املشاهدات احلسية على املناهج القدمية لتقوم على أساس تطبيق املنهج العلمي احلديث ، و املتمثل يف املالخ

فقد أدى ذلك كله إىل توجيه العقل إجتاها جديدا " و التجارب ، ما نتج عنه ظهور نظريات علمية مثبتة جتريبيا

، إذ هبط به من عامل الغيب الذي كان حيلق يف مسائه و يتخبط يف بيدائه ، إىل هذه الطبيعة احملسوسة الواقعية

و فرانسيس بيكون اول من نادى بضرورة مالحظة الطبيعة ، و األخذ و قد كان كل من ديكارت (2)".

فال ينبغي لإلنسان أن يقبل شيئا مما يفرض عليه دون أن خيتربه مبخبار " بالتجربة كوسيلة للبحث و التحقيق ،

بار للعقل و حبيث جند هنا أن التغيري الذي شهدته أوروبا بدأ من خالل إعادة اإلعت (3)".العقل و يثبت بالتجربة

فهم خمتلف الظواهر الطبيعية جتريبيا ، بعيدا عن أشكال التفكري الكالسيكي املرتبط يف أساسه بالنظر يف

. املوجودات غيبيا

إن هذا الطرح اجلديد ساهم بشكل مباشر يف ظهور حركة للتنوير اليت ستؤدي إىل ثورات إجتماعية

قيق عدالة إجتماعية ، من هنا سيربز تغيري على مستوى املفاهيم السائدة ، تنادي باحلرية و املساواة كأساس لتح

هذه األخرية أدت إىل ظهور الرتعة الوضعية اليت تأخذ بالعلم كمصدر وحيد لتحقيق رفاهية اإلنسان و سعادته ،

يت تنادي بضرورة إذ يتجلى لنا هذا بوضوح يف بروز فكر إقتصادي بديل عن اإلقطاع و ظهور الرتعة الرأمسالية ال

عدم تدخل الدولة يف ممارسة النشاط اإلقتصادي ، من منطلق أن التدخل يف الشؤون اإلقتصادية هو تدخل يف

. القوانني الطبيعية

. 49المرجع نفسھ ، ص : (1) . 38، ص 1936كرم یوسف ، قصة الفلسفة الحدیثة ، مطبعة لجنة التالیف و النشر ، القاھرة ، : (2) , 39، ص رجع نفسھم: (3)

Page 36: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

35

إن ظهور الرتعة الفردانية يف الفكر األورويب احلديث أسس بشكل أو بآخر لفكرة التطور و التغيري من كوا

ادرة على اإلبداع و التغيري ، و عليه فإن العقل بصفته ملكة إنسانية فهو قادر على فهم جعلت من الفرد قوة ق

الواقع و تغيريه بناء على ما يراه غري موافق ملا ينبغي أن يكون عليه هذا األخري ، من منطلق أن العالقة بني الفكرة

قوة الدافعة للفكر اجلديل اليت تستخدم أداة إن القدرة على التفكري السليب ، هي ال" و الواقع تأخذ صورة جدلية

و عليه فإن الشيء ال يكون واقعيا مامل يستطع حفظ (1)" .لتحليل عامل الوقائع من خالل ما فيه من نقص باطن

وجوده يف صراع احلياة و املوت ، الذي يدور بينه و بني أوضاع حياته و ظروفها ، من هنا جند أنه للنمو

ومنه ستصبح فكرة التقدم حصيلة (2)".تقدم يف الوعي باحلرية " مضمون عقلي ، ويعرف هيجل هذا النمو بأنه

و الواقع ، حبيث أن الفكر اجلديل يبدأ بالتجربة اليت ندرك فيها أن العامل غري حر ، مبعىن أن صراع بني الفكر

اإلنسان و الطبيعة يوجدان على خالف ما مها عليه ، ألن الفكر ال يطابق الواقع إال بقدر ما حيول الواقع و يغريه

.تكون عليه األشياء يف حقيقتها عن طريق فهم بنائه املتناقض ، ذلك ألن فهم الواقع يعىن فهم ما

من مثة فاإلنسان ليس واقعا حتت رمحة الوقائع احمليطة به ، و إمنا هو قادر على إخضاعها ملعيار العقل ، و أن

للناس مجيعا حق متساو يف تنمية " فردية اإلنسان تقتضي أن تكون امللكية عنده وسيلة لتحقيق ذاته وأن يكون

غري أن الواقع الفعلي يكشف أن العبودية و الالمساواة هي السائدة ، و أن الناس يفتقرون (3)."ملكام البشرية

إفتقارا تاما إىل احلرية و حمرومون من كل ما كانوا ميلكون ، و عليه فمن الواجب تغيري الواقع غري املعقول إىل أن

قائم ، و القضاء على الرتعة اإلستبدادية و يصبح متمشيا مع العقل ، مبعىن إعادة تنظيم النظام اإلجتماعي ال

. خملفات اإلقطاع

ب ط ، ماركیوز ھربرت ، العقل و الثورة ، ھیجل و نشاة النظریة اإلجتماعیة ، ترجمة فؤاد زكریا ، الھیئة المصریة العامة للتألیف و النشر ،: (1)

. 18، ص 1970

. 19المرجع نفسھ ، ص : (2) . 19المرجع نفسھ ، ص : (3)

Page 37: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

36

إن هذا التصور الذي يقدمه هيجل يعرب عن مأساة اإلنسان األورويب عموما و األملاين على وجه اخلصوص

ات و يف ذ. ، الذي اصبح يعاين من واقع إجتماعي ال يعكس آماله و طموحاته يف حتقيق الرقي و التطور املنشود

السياق جند أن فلسفات عصر التنوير الفرنسي و الفلسفات الثورية تعترب العقل قوة تارخيية موضوعية تستطيع

. مبجرد أن تتحرر من قيود الطغيان أن جتعل من العامل مكانا يتحقق فيه التقدم و السعادة

دموية ، وفيه تعاون بني األعضاء ، يعتقد سبنسر أن اتمع كائن عضوي له أعضاء للتغذية ، وله دورة

و عليه فهو ينمو ، و كلما زاد منوا إشتد تعقيدا ، و كلما تعقد إزدادت أججاؤه إستقالال ، ما يعين أن تطور

فنمو الوحدة السياسية من األسرة إىل الدولة ، و منو الوحدة اإلقتصادية من " اتمع يسري على قانون التطور ،

ما يعين أن حتقيق (1)".الصغرية ، و منو الوحدة السكنية من القرى إىل البلدان الصغرية إىل املدن الصناعة احمللية

. التطور اإلجتماعي ينطلق من مكوناته أي من جزئياته

أن الصناعة " و باملقابل فإن حتقيق العدالة اإلجتماعية يكمن يف تطور الصناعة يف الشعوب الصناعية ، إذ

(2)".لدميقراطية و السالم ، و عندما تتوقف سيادة احلرب حلياة األمم ، ينهض التطور اإلقتصادي تؤدي إىل ا

و هنا حسب سبنسري يتحقق التطور اإلجتماعي املرتبط أساسا جبملة من الشروط املوضوعية املساعدة على

*ذت مجلة من األشكال حتقيق هذه الغاية ، و منه جند أن التنمية يف الفكر الغريب احلديث أخ

أما آدم مسيث فيعترب من املفكرين االوائل الذين جتاوزوا العديد ممن سبقه يف هذا املوضوع ليعرض برناجما

اجتماعيا واخالقيا على اعتبار اجتماعي لقوى السوق من حيث امكانياا يف ضبط تآلف اتمع ، وتوازنه، إذ

حيث أبرز الرتعة النفسانية للفرد . التخصص بالعمل ، وتقسيمه ، وحرية التجارة نادى من خالل كتاباته اىل

ألن ، ماديا فردانيا قانونه األساسي مسيث املتصفة أساسا بتأمني املنفعة الشخصية ، فقد ظل االنسان يف تصور

2004مجددة ، 01ویل دیورانت ، قصة الفلسفة ،من افالطون الى جون دیوي ، ترجمة عباهللا المشعشع ، مكتبة المعارف ، بیروت ، لبنان ، ط : (1) ،293 .

295ول دیورانت ، مرجع سابق ، ص : (2)

Page 38: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

37

وم باالستفادة منه يف االنسان يعمل وشغله الشاغل ما سيعود عليه من كسب من خالل هذا العمل ، وكيف سيق

.إشباع وتلبية احتياجاته األساسية املختلفة النفسية والبيولوجية واالجتماعية والثقافية

وعند استعراض التاريخ جند أن حبوث املفكرين والفالسفة مل مل ما خيص تنمية االنسان ، وتنمية موارده

الذي ق ومن ابـرز فالسفته االملاين امانوئيـل كانط ولقد أخذت مسألة التنمية كل مأخذ يف علم األخال.

لنتصرف يف تعاملنا مع البشر ، سواء يف أنفسهم أو يف " يعترب اإلنسان غاية يف ذاته و ليس و سيلة و عليه

إن هذا البعد اخلالقي الذي يطرحه كانط يف جوهر فلسفته يعرب و حبق . "غريهم ، كغاية وليس كوسيلة فقط

غيري و التحول اإلجتماعي ال ميكنه يف أي حال من األحوال جتاهل اإلنسان بوصفه املعين األول و على أن الت

. األخري ذا التغيري

و مع البدايات األوىل للقرن العشرين ، و سيطرة الرتعة الفردانية على منطق التفكري ، و جدنا ان الفكر

ا توصل إليه اإلنسان من إكتشافات علمية سامهت يف رقيه و املعاصر بدأ يف بلورة مفاهيم جديدة ، عكست م

. تطوره

: يف الفلسفة املعاصرة ـ 04

يعد مفهوم التنمية من أهم املفاهيم العاملية يف القرن العشرين وقد برز هذا املفهوم بداية يف علم االقتصاد يف

منتصف القرن العشرين حيث استخدم للداللة على عملية إحداث جمموعة من التغريات اجلذرية يف جمتمع معني

واحلاجات املتزايدة ألفراده بالصورة اليت تكفل دف زيادة قدرة اتمع على االستجابة للحاجات األساسية

زيادة درجات إشباع تلك احلاجات عن طريق الترشيد املستمر الستغالل املوارد االقتصادية املتاحة وحسن

. توزيع عائد هذا االستغالل

Page 39: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

38

منفرد يهتم مث انتقل مفهوم التنمية إىل حقل السياسة منذ الستينات يف القرن املاضي، حيث ظهر كحقل

بتطوير الدول غري األوروبية جتاه الدميقراطية حيث مت تعريف التنمية السياسية بأا عملية تغيري اجتماعي متعدد

اجلوانب غايته الوصول إىل مستوى الدول الصناعية، وذلك من حيث إجياد نظم تعددية على شاكلة النظم

جية واملنافسة السياسية وترسخ مفاهيم الوطنية والسيادة والوالء األوروبية حتقق النمو االقتصادي واملشاركة اإلنتا

مث تطور مفهوم التنمية لريتبط بالعديد من االجتاهات األخرى مثل البيئة فظهر مفهوم التنمية (1)للدولة القومية

املستدامة يف منتصف الثمانينات واليت تعىن أن تشبع األجيال احلاضرة احتياجاا من السلع واخلدمات دون أن

(2)تنقص من مقدرة األجيال املقبلة على إشباع احتياجاا

ور املفهوم ليشمل جانب آخر هو اجلانب االجتماعي فأصبحت التنمية االجتماعية واليت دف إىل مث تط

املنظمات –املؤسسات االجتماعية املختلفة –اجلماعة –الفرد "تطوير التفاعالت اتمعية بني أطراف اتمع

عملية استثمار انساىن تتم يف " وهذا التصور للتنمية االجتماعية جنده عند هيجرت الذي عرفها بأا (3) " األهلية

ااالت أو القطاعات اليت متس حياة البشر مثل التعليم والصحة والسكان والرعاية االجتماعية على أساس أن

. (4)" اإلنسان هو أساس عملية التنمية

احلضارة املادية الفيلسوف وعامل االجتماع االنكليزي يؤكد هو اآلخر يف كتابه هواوس و جند كذلك

والنظم االجتماعية عند االقوام البدائية ، ان هناك نوعا من اإلطراد بني الناحية االجتماعية ، واالقتصادية يف تنمية

و ليس األمر مقتصرا على جانب من دون آخر و ان احتياجات االنسان من خدمات ورعاية تقع يف . اتمعات

: شكلني

. 122، ص 1992، المعھد العالمي للفكر االسالمى ، نظریات التنمیة السیاسیة المعاصرة ،عارف نصر : (1) . 73، ص 1999،الدار الجامعیة للطبع والنشر ،اتجاھات حدیثة في التنمیة ،عطیة عبد القادر : (2) . 52ص 2008، 76العدد ،مجلة جسر التنمیة ،المعھد العربي للتخطیط،االتجاھات الحدیثة في التنمیة ،الغزالي عیسى: (3) . 49، ص 1990، دار المعرفة ، دراسات في التنمیة والتخطیط االجتماعي ،حسن عید إبراھیم: (4)

Page 40: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

39

كالتعليم ، والصحة ، واألمن ، والثقافة ، والعدالة ، واخلدمات االجتماعية والدينية خدمات أساسية : األول

.وهي قريبة للجانب االجتماعي

والشكلني . خدمات عامة كاالسكان ، واملواصالت ، وشق الطرق ، وهي قريبة للجانب االقتصادي: الثاين

. يتصفان يف اما مسيران خلدمة االنسان

كر التنموي بعدة مراحل منذ أن احتلت قضية التنمية أمهية على الساحة الدولية، وذلك بعد احلرب مر الفلقد

و هي العاملية الثانية وحصول اغلب الدول النامية على استقالهلا وميكن تقسيم هذه املراحل إىل عدة عقود زمنية

: " 1960 -1950منتصف القرن العشرين "العقد األول للتنمية - أ

أهم ما ميز الفكر التنموي يف هذه املرحلة هو اقتران مفهوم التنمية بالنمو االقتصادي واخللط بينهما عالوة على

يتركز يف " االقتصادية"التركيز على املؤشرات االقتصادية وبالتحديد مستوى الدخل، فأصبح مفهوم التنمية

الزيادة يف دخل الفرد واتمع

: " 1970 -1960"ية العقد الثاين للتنم -ب

أهم ما مييز الفكر التنموي يف هذه املرحلة هو االنتقال مبفهوم التنمية إىل حقل السياسة وذلك نتيجة حلصول

أكثر الدول النامية على استقالهلا، فتركز الفكر التنموي على توجيه هذه الدول حنو الدميوقراطية والتحرر

ق بالدول املتقدمة فتم التركيز على إجياد نظم تعددية مشاة للنظم وإحداث تغيري اجتماعي دف اللحا

التنمية "كما ظهر مفهوم جديد للتنمية هو األوروبية وذلك لتحقيق النمو االقتصادي املشار إليه يف املرحلة االوىل

"السياسية

Page 41: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

40

: "1980 – 1970"العقد الثالث للتنمية -ج

املرحلة أبعادا أخرى اجتماعية وسياسية وثقافية جبانب البعد االقتصادي، اكتسب مفهوم التنمية يف هذه

وذلك نتيجة للتجربة اليت مرت ا معظم الدول النامية اليت نالت استقالهلا واستطاعت أن حتقق معدالت منو

النمو "عالية يف مستوى الدخل ولكنها مل تستطيع أن حتقق تنمية فأكدت بذلك أن الزيادة يف مستوى الدخل

من هنا وىف هذه املرحلة بدا ، ال تؤدى إىل حدوث حتسن يف مستوى الصحة أو التعليم أو البيئة " االقتصادي

التفرقة بني مفهومي النمو والتنمية ففي حني أن النمو االقتصادي يتحقق بزيادة مستوى الدخل، فان التنمية لن

يف هذه ، و سية واالجتماعية والثقافية اليت تسود اتمعتتحقق إال بإحداث تغريات هيكلية يف املتغريات السيا

. املرحلة ظهر مفهوم مستقل للتنمية االقتصادية

: "1990 – 1980"العقد الرابع للتنمية - د

أضاف الفكر التنموي ملفهوم التنمية االقتصادية السابق بعدا آخر مل يؤخذ يف االعتبار من قبل وهو البعد

وأضاف الفكر التنموي هدفا آخر للتنمية وهو ، مؤكدين على أمهية احلفاظ على البيئة عند حتقيق التنميةالبيئي

مراعاة حقوق األجيال القادمة يف إشباع حاجاا مثلما تسعى األجيال احلالية يف إشباع حاجاا من السلع

. "أو القابلة لالستمرار –تواصلة أو امل –التنمية املستدامة "فظهر مصطلح جديد للتنمية هو واخلدمات

: "2000 – 1990"العقد اخلامس للتنمية

كان من متطلبات حتقيق التنمية املستدامة اليت ظهرت يف العقد السابق هو االهتمام بالعنصر البشرى وتنميته

حبيث يكون قادرا على حتقيق استمرارية يف التنمية ومن هنا بدا التفكري يف التنمية البشرية واليت استحوذت على

. صادية لن تتحقق بدون أن يسبقها تنمية بشرية اهتمام كبري يف هذه املرحلة، إميانا بان التنمية االقت

Page 42: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

41

فظهر مفهوم التنمية البشرية بأبعاده الثالثة الصحة والتعليم والدخل وتطور هذا املفهوم أيضا خالل هذه

املرحلة ليأخذ يف االعتبار عند حتقيق تنمية بشرية عدم اإلضرار حباجات األجيال الالحقة، فظهر مفهوم التنمية

ة املستدامة الذي يهدف إىل توسيع خيارات الناس وقدرام من خالل تكوين رأمسال اجتماعي يلىب البشري

فتميزت هذه املرحلة بظهور مصطلحي التنمية ، حاجات األجيال احلالية دون أن يضر حباجات األجيال الالحقة

بان مفهوم التنمية أوسع " األمم املتحدة" البشرية والتنمية البشرية املستدامة مع التنبيه من قبل املؤسسات الدولية

. من ذلك إذ من املفروض أن حيتوى على مؤشرات مهمة مل يدرجها مفهوم التنمية البشرية

: بداية األلفية اجلديدة "العقد السادس للتنمية

نمية من مؤشرات حدث تغري كبري يف مفهوم التنمية منذ بداية األلفية اجلديدة فانتقلت مؤشرات ومعايري الت

حرية –نقدية ومالية إىل مؤشرات الكرامة اإلنسانية واملتمثلة يف القضاء على الفقر والعدالة يف توزيع الدخل

"التنمية اإلنسانية"انتشار املعرفة فظهر مصطلح جديد للتنمية هو –الراى واملشاركة يف اختاذ القرار

صبح لدينا عدة مصطلحات للتنمية ظهرت نتيجة لتطور هذا من خالل العرض السابق لتطور الفكر التنموي ي

:الفكر أمهها

التنمية املستدامة

التنمية البشرية والتنمية البشرية املستدامة

التنمية االنسانية

على ضوء ما تقدم فإن تتبع مسرية التنمية يف الفكر التنموي احلديث جندها تعكس مسرية نظريات التنمية

. نفسها ومسرية نظريات النمو االقتصادي ، ذلك أن التنمية هي جزء من كل ، فهي مل تطرح مستقلة حبد ذاا

Page 43: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

42

مت استخدام أكثر من تعبري للداللة على ولقد تطور مفهوم التنمية من عقد إىل عقد مع تطور األصل ، ولقد

" أو " تنمية الرأمسال البشري " أو " تنمية العنصر البشري " مفهوم التنمية ، فلقد استخدم مثال يف البداية تعبري

اخل ، إىل أن أستقر الرأي حاليا ، أقله على املستوى الفكري ، " التنمية االجتماعية "أو " تنمية املوارد البشرية

.عند استخدام هذا املفهوم بالشكل الذي حدده الفكر املعاصر

رأينا انه من املناسب أن نعرض مفهوم التنمية يف الفكر االسالمى، فبالرغم من أن للتنميةوىف إطار عرضنا

مري مصطلح التنمية مل يرد يف كتب التراث بلفظه، إال انه وجد مبرادفات عديدة منها التعمري والعمارة والتث

وقد وجدنا أن الفكر االسالمى قد سبق الفكر التقليدي يف مفهومه للتنمية مبصطلحاا ، والعمران وهو اقرا

فقد ورد يف كتابات املفكرين املسلمني التركيز على بناء اإلنسان كمحور للعملية التنموية باعتباره ، املختلفة

كما أشار أيضا احد ك مبا خصه اهللا عن بقية الكائناتالكائن الوحيد القادر على إحداث تغيري وتطوير وذل

وأشار بن خلدون إىل أمهية العدالة يف التوزيع إىل أمهية دور الدولة يف التنمية" اإلمام بن حزم"املفكرين املسلمني

. وأشار الشاطىب إىل احلفاظ على البيئة عند حتقيق العملية االمنائية كشرط لتحقيق التنمية

واستكماال للموضوع عرضنا تطور الفكر التنموي من مرحلة إىل أخرى حيث أصبحت احلاجة إلعادة

إن ما نشري اليه هو أن هذا املفهوم شهد يف الساحة . التفكري التنموي لزاما ضروريا خاصة مع حتمية العوملة

، ظهرت مفاهيم جديدة هلا عالقة تطورات متعددة فبعد ما كانت التنمية كمصطلح هلا عالقة باالقتصاد الفكرية

. بالتنمية فأصبحت التنمية تنميات كل منها هلا التعريف اخلاص ا

Page 44: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

43

: أدجلة التنمية يف اخلطاب العريب : الفصل الثاين

واجندام هلا دائما، الشعار املركزي املفكرين لقد مثلت احلرية واألخوة واملساواة، اليت كانت حمل اهتمام

بيد أن هذه الشعارات نفسها . لواحد من أبرز وأشهر مظاهر احلضارة احلديثة، أي الثورة الفرنسية الكربى

كانت يف الواقع وسيلة بيد الطبقة اجلديدة حملاربة خصومهم من االقطاعيني والنبالء، وحتقيق تطلعام حتى انه

. االحيان املسوغ املنطقي والعقالين لتطلعات الطبقة اجلديدة يف معظمميثلون فكرين كانوا املأن ميكن القول

تبعا للظروف االجتماعية والتارخيية، يصنع ذاتهأن االنسان يستطيع تبعا لوعيه وارادته أن سلمناإذا ما

يس منطقيا وال انسانيا، كما ان الوقوف غري التسليم التام أمام هيمنة الغرب لهذا فسيكون من الطبيعي اعتبار

املنطقي يف وجه الكثري من شؤون احلضارة الغربية أمر غري ممكن ، وإذا ما حصل فهو غري عقالين وغري جمد

. أيضا

التعامل مع ناال ميكنفمن جانب آخر أما .فاخلطوة األوىل هي أن نعي الغرب ونتعرف عليه بصورة سليمة

،اهلوية التارخيية واالجتماعية لألمم، خاصة األمة اليت هلا حضارة متميزة ب مرتبط هألن بصور سلبية التراث ،

وجودها وشخصيتها من خالل تثبتوإذا ما قدر ألمة أن تتغري فانه ينبغي هلا ، فالتراث جتل لثقافة اتمع

. لى هويتها التارخيية، لكي تتمكن من االنطالق منهاعارتكازها

طبيعي ان التقليد يف بعض األحيان يكون حائال دون التغيري والتطور، بيد أن اخلروج على عليه فمن الو

بفضل حقق تطوره و منائه الغربفلى نوع من التقليد الذايت، عالتقليد يكون جمديا إذا كان مسبوقا باالتكاء

إذ عاد املفكرون إىل التراث اليوناين الفكري والفين، وإىل تراث روما االجتماعي ، كما عاد ،إىل التراث تهعود

. املتدينون إىل ما كانوا يعتربونه حقيقة دين املسيح والتراث املسيحي احلقيقي عصر االصالح

عن طريقن نغري عصرنا نريد أ إذن فإذا كنا ،كانت هذه العودة ذاا مصدر اهلام لعصر البناء واالعمارلقد

Page 45: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

44

وإذا كان نقد . التخلي عن تراثنا بذريعة الرغبة يف احلصول على التنمية الغربية، دون أن حنقق التنمية احلقيقية

. خر تتميز ا عن اآل التراث واعادة صياغته أمرا ضروريا فان األمة القادرة على ذلك هي اليت هلا هوية

رون العرب مع التراث ؟ وهل ميكن حتقيق التنمية يف ظل التقيد مبا يقدمه الغرب و عليه فكيف تعامل املفك

من مشاريع و مناهج ؟ وإذا كان الفكر الغريب قد إستطاع أن حيقق ظته يف ظل وضع قطيعة إبستيمولوجية مع

.الفكر التقليدي ، فهل هذا يعين أننا ملزمون بإتباع هذا املنهج من أجل حتقيق التنمية ؟

Page 46: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

45

:التنمية و الوعي باألزمة اإليديولوجية :املبحث األول

إن تارخينا احلديث ابتداء مما نسميه عصر النهضة هو يف صميمه حلقات من ردود أفعال متتالية على

العديد من طرحت منذ بداية القرن املاضي واىل اآلن جمموعة من األسئلة اليت تقدم ا ف، التحدي الغريب

املفكرين العرب وغريهم ، ختص واقع التنمية يف البالد العربية ، والوسائل اليت يتعني إتباعها للخروج من التخلف

واالجترار والتبعية ، واللحاق بركب الدول اليت حققت إجنازات جعلت املسافة بيننا وبينها تزداد اتساعا وبعدا ،

. خيرج عن التشكيك يف حمدودية جمال العقل العريب ، وعقم تفكريه الحىت غدا السؤال الرئيسي يف كل حني ،

وإذا كان العقل هو منتج األفكار واإلبداعات ، فان العالقة بني العقل وبني الفكر ال خترج عن نطاق

عا فكلما كان العقل متطورا متحركا ، كلما كان مبد ،مستوى حركية العقل ومستوى األفكار اليت قد ينتجها

،كلما كانت حيكمه اجلمودوكلما كان العقل ، منتجا ومطورا لألفكار مبا خيدم اإلنسانية يف مجيع األزمنة

. األفكار املنتجة متصفة بالعقم يف إحداث التجديد املطلوب الذي تقتضيه مقتضيات الظرف

يات اليت يتوفر عليها ، يردها اغلب لذا فان العجز واالجترار الذي يوجد عليهما العامل العريب ، رغم اإلمكان

املفكرين الغربيني إىل مجود العقل العريب ، وحمدودية األفكار اليت ينتجها يف جمال اإلبداع ، واليت ال تتعدى جمال

هنا فان املقصود عند الغربيني ليس العرب كجنس ، بل موروثهم الثقايف الذي يردونه بالدرجة . النقل والترديد

.سالم أوىل إىل اإل

الذي يوجد عليه العامل العريب ، اهتم العديد من املفكرين العرب واملفكرين الغربيني فعلى ضوء هذا الوضع

إن نفس ، و عليه ف ر التنمية وانتشار التخلفث، بإشكالية مستقبل العامل العريب ، اليت من أمهها حتديد أسباب تع

املاضي ،ال تزال تطرح نفسها يف بداية األلفية الثالثة ، أي أننا ال نزال يف األسئلة اليت طرحت عند بداية القرن

مفترق الطرق ،نتلمس طريق اخلالص، يف الوقت الذي قطع فيه اآلخر أشواطا يستحيل يف ظل املعتقدات

. واملمارسات السائدة ، أن نلحق به ، أو حىت االقتراب منه

Page 47: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

46

هم مجيع التحليالت والنظريات اليت حاولت إجياد اإلجابة عن السؤال امل جيب اإلشارة يف هذا الباب أنهنا و

، كانت تنطلق يف عالجها لالزمة من زوايا سياسية وإيديولوجية وفلسفية تعكس بؤس الفلسفة ، وبؤس الفكر

عية على املرجخطابه هناك من ركز يف ، إذالذي حدد أو حاول أن حيدد مستقبل التنمية يف البالد العربية

املاضوية إلبراز اخلالف مع اآلخر ، عوض أن يقترح هذا االجتاه البديل العام ، وخبالف هذا االجتاه حاول اجتاه

والتاريخ والبيئةآخر التركيز يف حتليالته على التحديث أو العصرنة السائدين يف الغرب ، متناسني اخلصوصية

فقط على وصفات جاهزة حىت إذا ما حتققت ،أصبحنا ، وكأن حتقيق التقدم يتوقف اإليديولوجيواملوروث

فإنه بدورنا يف نفس درجات التقدم اليت حققها من سبقونا إىل املدنية وليس إىل احلضارة ، وحسب هذا التيار

، باالندماج الكامل ،إذا ختلينا عن قيمنا ومعتقداتنا ، أي إذا قطعنا مع موروثنا أوروبينيمن السهولة أن نصبح

.باإلسالم ، وبكل ما يشدد على اخلصوصية املتعلقيولوجي اإليد

غرابة نزال جنترها ، لذا ال إن هذا االجتاه يرى يف الدميقراطية الغربية، املخرج الوحيد جلميع املشاكل اليت ال

.أن جيسد اخلالص يف تبين القيم الغربية بكل سلبياا وليس إجيابياا

االجتاه الثالث إضافة إىل االجتاهني املاضوي والتغرييب ، هو االجتاه الذي خيتصر االختالف بيننا وبني أما

، اردة من أي مدلول أيديولوجي ، أي التركيز على التصنيع رغم التقنيةالغرب ، يف احلصول واستخدام

اآلسيوية و يف الدول نها ،وبينها وبني النمودخول هذا احلقل يف طور أزمة التنافس بني الصناعات الغربية فيما بي

.حنو السيطرة على العامل اقتصاديا وتكنولوجيا ثابتةالعمالق الصيين الذي يسري خبطى

و وكيفما كان احلال فان هذه االجتاهات طرحت نفسها كبديل ناجع عن مجيع املشاريع العامة اليت جربت ،

ويف نظر أصحاا متثل احلل واخلالص اللذان جيعالن العامل العريب يلتحق إا بذلك. ادت إىل الفشل واألزمةق

.مبصاف الدول املتقدمة بامتالكه العلوم واإلبداع البناء يف مجيع ااالت اإلنسانية

Page 48: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

47

هذه االجتاهات اليت تأليس: وقبل التطرق إىل هذه االجتاهات أو التيارات الثالث ، يتعني طرح السؤال التايل

. ؟ ن أن نسميها جتاوزا مدارس ، تعرب عن إيديولوجية معينة ميك

يشري البعض من املفكرين إىل وضع مقاربة بني الفكر الغريب و الفكر العريب حبيث يعتقد اجلابري مثال أن

ومنه تكون األيديولوجية . هذه العملية تأيت ضمن سياق فكري فلسفي يضع مقدماته بشكل تعسفي ومربمج

احلداثة يفتقر إىل العقالنية و النقد ، لذا اخلطاب العريب املعاصر و املعين مبسائل التراث و " أصدق تعبري عنه ف

فإن النهضة يف نظره تواجه واقعا أساسيا ، هو واقع التخلف املرتبط بالالعقالنية ، و بالنظرة السعيدة إىل العامل و

ا األشياء ، بل بالنظرة الالسببية ، لذلك فإن حتقيق تنمية يف الفكر العريب املعاصر يتطلب طرحا عقالنيا لكل قضاي

إذ جند يف الواقع سلسلة من األزمات اليت تكاد أن تكون متالحقة، وقد تناوهلا باحثون ومفكرون . (1)"الفكر

من العرب، و من غري العرب أيضا، رغم تنوع مرجعيام الفكرية و الثقافية، حيث تناول العديد منهم لدراسة

تطوراا وتفاعالا، وقد تعددت الرؤى و األطروحات يف األوضاع يف مراحلها املختلفة، يف اتمع العريب، بكل

ذلك ، كوا تنطلق من مشارب متنوعة و ترتكز إىل منطلقات فكرية متباينة إىل احلد الذي تصل فيه أحيانا إىل

اء التقاطع يف ما بينها، فكان أن تعددت املدارس الفكرية والثقافية ، مما يعين ظهور مفاهيم جديدة قدمية وآر

. تدعم هذه النظرية أو ترفض ذلك الطرح

: بدايات عصر األنوار يف الفكر العريب املعاصر ـ 01

يبدو أن املوجة اجلديدة اليت و جلت الواقع العريب يف حياته السياسية و اإلقتصادية و اإلجتماعية ، جعلت

من املفكرين العرب ينادون بضرورة تبين العلمانية األوروبية كأساس لتحقيق ضة عربية ، بدليل أن أوروبا مل

ا هو عائق أمام حتقيق التطور ، و على هذا األساس فقد اعترب يكن هلا هذا التقدم احلاصل هلها اليوم دون جتاوز مل

أن اإلنسان جيب أال يدين أخاه اإلنسان ، ألن الدين عالقة خصوصية بني اخلالق و املخلوق ، و " البعض منهم

. 242، ص 1991الجابري محمد عابد ، التراث و الحداثة ، بيروت الدار البيضاء ، المركز الثقافي العربي ، : (1)

Page 49: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

48

اإلنسان من حيث هو إنسان فقط ، أي بقطع النظر عن دينه أو مذهبه صاحب حق يف كل خيارات األمة و

و يعين ذلك انه جيب فصل الدين عن الدولة كضرورة أساسية . (1)" ، ووظائفها الكربى و الصغرى مصاحلها

يف ممارسة اإلنسان خلقوقه ، باعتباره إنسانا قبل أن يكون متدينا ، و على هذا األساس فيمكن اعتبار النموذج

. الغريب قابال لإلقتداء به من أجل جتاوز مظاهر التأخر السائدة

كما أننا جند البعض من املفكرين من ينادي و يشري بالقيم اليت دافع عنها كل من فولتري و ديدرو و روسو

يهفوا " ، فهي بالنسبة إىل سالمة موسى متثل شرائع جديدة تنادي لتحرير الفكر من قيود القرون الوسيطية ،

تقيد احلرية و تسوغ االعتقال ، و تنمع الذهن إىل ذكرى فولتري ، كلما هبت على األمة عواصف الظالم اليت

إن هذا النوع من اخلطاب يف الفكر العريب (2)".الكتب و تراقب الصحف ، و تضع احلدود و السدود للعقول

إمنا يعرب عن الواقع املتخلف لألمة العربية اليت تعاين التخلف و التراجع الذي يعود سببه إىل افتقاد احلرية الفكرية

ية ، و اليت لن تتحقق إال باالستناد إىل الفكر األورويب كأمنوذج ينادي و يسعى إىل حتقيق هذه الغاية و االجتماع

من هنا جند أن هناك من املفكرين العرب يف بدايات عصر النهضة من تبنوا فكرا علمانيا تغريبيا ـ إن صح

هذا القول ـ من أجل جتاوز حالة الوهن الذي يعانيها الواقع و الفكر العريب ، باعتبار أن اإلنسان األورويب يف

. هذه اللحظة ميثل مركز احلضارة اإلنسانية

ذلك أن البعض من املفكرين العرب املعاصرين من لديهم إمتداد فكري لسابقيهم ، ما يعين أن باملقابل جند ك

اخلطاب األنواري العريب للتيار العلماين تتضمن إيديولوجية مؤطرة ضمن سياق املالبسات السياسية اليت ختدم

. اجلناح املسيحي داخل دائرة املثقفني الليرباليني

. 54، ص 01، ط 1993كمال عبد اللطیف ، في الفلسفة العربیة المعاصرة ، سعاد الصباح ، الكویت ، : (1) 64المرجع نفسھ ، ص : (2)

Page 50: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

49

ظة اليت تستوقفنا يف هذا السياق تعود بنا إىل أهم القضايا اليت اشتغل عليها الفكر الكالسيكي، إذن فاملالح

البدايات اية القرن التاسع عشر و الذي نقصد به احملاوالت األوىل للفكر النهضوي عند املفكرين العرب يف

مار اليت كان الوطن العريب مسرحا هلا األوىل للقرن العشرين، الذي شهد حلظة الصدمة الناجتة عن ظاهرة االستع

و عليه . و هنا كانت املفارقة ، حبيث أن احلضارة و التطور الذي شهده الغرب كان يقابله الركود و التخلف

فنحن نكون دائما بصدد استحضار اآلخر، و اآلخر األورويب على وجه التحديد، ألن دور أوروبا كان حامسا

اليت مل تكن بسبب ذايت، نظرا ألن العرب كانوا يف تلك الفترة التارخيية و ما سبقها وجوهريا يف النهضة العربية

من فترات احنطاط طويلة، كانوا مستسلمني بإميان قدري غييب حلالة التخلف و االحنطاط، و مل يبادروا بالنهضة

فرض عليهم ذلك التحدي إال عندما التقوا بالغرب املتقدم الذي اكتشفوا يف مرآته مقدار ختلفهم و بالتايل

.بعمل يعيد للعرب مكانتهم احلضارية و العاملية املفقودة وااحلضاري الذي استوجب عليهم أن يبادر

:للتنمية اليديولوجي التوظيف ا – 02

وقد . منذ أكثر من ثالثة عقود، والعالقة بني التراث واحلداثة، تشهد جدال واسعا يف أوساط النخب العربية

. يبدو ذلك أمرا بديهيا، حىت لو نظرنا إىل هذه العالقة خارج اإلطار اإليديولوجي الذي حيدد طبيعة إشكاليتها

يصبح احلديث عن التراث . إا نفسها العالقة اليت تربز للوهلة األوىل بوجهها اإلشكايل، رد تصور طرفيها

. ث احلديث عن أحدمها يستدعي سؤال وصورة اآلخرحي. واحلداثة تقابليا، جلهة كوما يف وضع املتضايفني

.وهذا هو الوجه اإلشكايل

وقد . وهو املوضوع الذي أثري حوله أكرب وأهم نقاش يف الفكر العريب املعاصر، وال يزال حمل جدل حىت اآلن

هذا السؤال يف بينما تراءى سريان . فسر البعض هذا اجلدل بعامل الفشل الذريع الذي آل إليه الوضع العريب

نظرا الستمرارية حضور التراث يف الوعي . الفكر العريب املعاصر للبعض اآلخر، كعالمة على ضرب من احملايثة

باإلضافة إىل أن هذا االهتمام، نابع من واقع حلظتنا، بوصفها حلظة تعيش على "هذا ، العريب احلديث واملعاصر

Page 51: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

50

مبعىن أن . (1)" النهضة: بإحلاح يف اال العريب ، أال وهو سؤال إيقاع السؤال األعظم، الذي ال يزال مطروحا

الفكر العريب املعاصر ال زال يشتغل بسؤال النهضة اليت أصبحت تأخذ داللة التنمية يف اخلطاب العريب املعاصر ،

نسداد اليت اإلخفاق واال"أرجع البعض أسباب هذا التضخم يف االشتغال بسؤال التراث واحلداثة، إىل حالة حبيث

وجلتها البالد العربية منذ مطلع العقد السابع من القرن العشرين بعد أن تعرض مشروع النهضة والتقدم فيها إىل

حالة التأجيل اليت مازالت توجد "وأيضا ترجع أسباب هذا االمام الكبري مبسألة التراث إىل . (2)" انتكاسة فادحة

حاضر العرب، يف إجناز مطالب النهضة والتقدم واحلداثة أي احلاضرإخفاق و عليها اليوم أسئلة املاضي ،

(3)".وسواها، أنتج كل األسباب لتجديد سلطة التراث بوصفها سلطة ماض مل ينته يف حاضر مل يبدأ

إن الشرط املوضوعي األهم الذي أذكى هذا االهتمام مبسألة التراث وعالقته باحلداثة يف االشتغال النقدي

يناظر يف "عريب املعاصر، إىل حد جعل البعض يرى فيما مت إنتاجه من نصوص حول التراث يف ربع قرن األخري، ال

إن الشرط املوضوعي األهم، هو فيما أدت إليه (4) ." من نصوص التراث نفسه -حىت اآلن- الكم ما يف حوزتنا

جتاه إعادة تأثيث إشكالياته على ، تلك اليت ضغطت على الفكر العريب املعاصر با-1967-نكسة حزيران

وقد بدا تأثريها على الوعي العريب واضحا، رغم كل احملاوالت . أرضية من التشخيص اجلديد للمشكل العريب

.اليت حاولت التخفيف من وطأا النفسية إىل حد أعادت فيه الفكر العريب إىل وضعية األزمة

ليس باملعىن العسكري فحسب، وإمنا مبختلف األبعاد الكيانية عن أقسى هزائم العرب، "النكسة كشفت هذه

وهذا ما يؤكد على أمهية حضور اهلزمية يف حتليلنا للصراع اإليديولوجي يف الفكر العريب املعاصر (5)".األخرى

بوصفه فكرا حيمل اجنراحات مرضية على حد تعبري علي زيعور، أو عقال يف أزمة بني واقع النكسة واهلزمية،

ومع ذلك فأنا أذكر أن الشاغل اإلیدیولوجي ھو شاغل النھضة، شاغل توظیف : "سعید بن سعید العلوي. یقول محمد عابد الجابري في رده على د: (1)

ة والنھضة على كل حال، مرتبط. التراث أو جعلھ حاضرا في النھضة العربیة المعاصرة نحن أیضا لدینا مشروع مستقبلي ال زلنا نعبر عنھ بالنھضة بالجانب الفكري إلى حد كبیر

.86ص ، 1ط، 2001 - الدار البیضاء المغرب-، مطبعة النجاح الجدیدة، أسئلة الفكر العربي المعاصر عبد اإللھ یزبلقز: (2)

.83، ص المصدر نفسھ: (3) .83، ص المصدر نفسھ: (4) 12ص ، 1ط. ،2001بیروت -المؤسسة العربیة للدراسات والنشر ،مساءلة الھزیمة، ،محمد جابر األنصاري: (5)

Page 52: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

51

باملنطق نفسه ميكن فهم ما حدث يف السنوات اليت أعقبت اهلزمية العسكرية عام "وإحلاحية سؤال التحديث

متخلف، ومن مث بدأ البحث وسط ، حينما اعتربها قطاع كبري من الشعب العريب هزمية لعقل عريب 1967

. إحباطات مؤملة، عن تفسري انتهينا فيه إىل الرغبة يف حتديث األداة العسكرية وفنون القتال وإدارة املعارك

وقد استغلت قلة منا رغبة اجلماهري العربية يف حتقيق حتديث كامل، لتحقيق حداثة انتهت بنا إىل االرمتاء الكامل

.(1)"بية ومنجزات العقل الغريب دون متحيص أو ترويف أحضان الثقافة الغر

: ـ اجلديد والقدمي يف اخلطاب النقدي التراثي 03

إن احلديث عن إشكالية العالقة بني التراث واحلداثة يف إطارمها اإليديولوجي كما حتدد بعد نكسة حزيران،

ال يعين أا إشكالية مل تلق اهتماما . حتت وطأة التحوالت الفكرية والنقدية، وأيضا حتت وطأة اهلزمية العسكرية

ضوء تعبريات واصطالحات خمتلفة، ومبستوى من رمبا مت تداول اإلشكالية يف . من قبل ويف اال نفسه

ليست عبارة عريقة يف " احلداثة والتراث"ال خيفى أن عبارة و . االستشكال أقل وأخف مما حصل بعد النكسة

التداول العريب احلديث باملفهوم نفسه الذي يتم تداوهلا اآلن، حىت ولو كان هناك جذر اشتقاقي عريب ملصطلح

. حتضر العبارة بشحنتها املفهومية واإليديولوجية يف أدبيات اإلصالح والنهضة العربيةمل".تراث"أو " حداثة"

التقدم واملدنية وغريمها، مما له جهة : لقد كان االستعمال األكثر حضورا، لصاحل اصطالحات ومفاهيم، نظري

دا وإيديولوجية من املفاهيم اشتراك مع مفهوم احلداثة يف حدود معينة، ما جيعل مفهوم احلداثة أكثر تعقي

ولو أن استعمال مفهوم احلداثة والتراث على غري محولته املفهومية يف جمال النقد اإليديولوجي العريب .املذكورة

املعاصر، فسوف جند أن سؤال احلداثة مقابل التراث، هلا ما يقابلها يف اخلطاب التقليدي، نظري األصالة

.ففي اية املطاف، هو سؤال قدمي يف الفكر العريب منذ قرون. ، االتباع واإلبداعواملعاصرة، التقليد واالجتهاد

.12سابق، ص مرجع: (1)

Page 53: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

52

ولذا جند أن املعىن العام للحداثة والتراث، بوصفهما تعبريين عن واقعني متضايفني، كما حتيل عليهما املفاهيم

نزاع حول احلداثة وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أنه ال. التقليدية املذكورة، ال خيدم أغراض هذا البحث

والتراث باملعىن العام، وإن بداية الرتاع، هو بداية تطور وتشعب املفهوم ذاته، أي بداية تكون اإلشكالية

. املذكورة

: ـ القطيعة 03

اإليديولوجي الذي شهده الفكر العريب املعاصر حول الصراعيعترب مفهوم القطيعة جوهريا لفهم طبيعة

فال وجود لقراءة جديدة حول التراث، مل تقترب أكثر أو أقل من هذا . مطلب احلداثة واملوقف من التراث

واء أكانت املشاريع املهتمة بالتراث تنتمي للمقاربة اإليديولوجية أو املقاربة ، ساملفهوم، أو توظفه يف سياق نقدها

. فية اخلالصة، فإن مفهوم القطيعة حيضر بشكل الفت للنظراملعر

على هذا األساس ميكننا و ،إذن فهو نفسه مفهوم قابل للتوظيف اإليديولوجي بقدر قابليته للتوظيف املعريف

القول، بأن مفهوم القطيعة، وإن كان منشؤه علميا حبتا ورمبا جاء ليقطع الطريق على االختراق اإليديولوجي

. فسه للمعرفة، إال أنه يعترب أقرب إىل املقاربة اإليديولوجيةن

ومع أن هذا املفهوم املتداول يف النقد املعريف واإليديولوجي العريب املعاصر، هو العنصر اجلامع ملختلف

اخلطابات واملشاريع النقدية العربية املعاصرة، إال أن هناك جانبا كبريا من االختالف يف حتديد طبيعة وحيثيات

قطيعة موضعية جزئية انتقائية معه، أم هي قطيعة مع فهل هي قطيعة تامة وجذرية مع التراث، أم هي. القطيعة

؟. فهم معني للتراث، أم قطيعة مع التراث نفسه

Page 54: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

53

هنا حتضر ثالث صور هلذه القطيعة، من خالل ثالثة مشاريع نقدية، لعلها يف تقديرنا، األكثر أمهية واألوسع

فسها، أو أنه واقع للنقد اإليديولوجي العريب ما دوا ال يعدو كونه سوى اجترارا للصورة ن اإذ. من نظرائها

. املعاصر، املناهض لفكرة القطيعة واملقوض لدعواها

وأعين هنا، ثالثة مشاريع، لكل من عبد اهللا العروي وحماوالته لنقد الوعي التارخيي العريب ، وحممد عابد اجلابري

تراث يف ضوء مناهج ألسنية وأنثربولوجية ، وحممد أركون، يف مشروعه النقدي، اهلادف إىل إعادة قراءة ال

.حديثة، يف أفق ما يسميه باإلسالمية التطبيقية

ومع أن املفكرين الثالثة املذكورين، يقفون على أرضية مشتركة، قوامها النقد والدعوة إىل القطيعة، إال أن

كوين وجغرافيته واإلطار املعريف وذلك حبسب طبيعة الت. حيثيات هذه القطيعة هي ما يشكل أرضية متايز بينهم

ويبدو من خالل فحص فكرة القطيعة بالصورة اليت حتضر ا . واملسوغات اإليديولوجية لكل باحث على حدى

، يف أعمال أولئك، أن هناك اختالفا يف املداخل فمدخل العروي ملفهوم القطيعة خيتلف عن مدخل اجلابري

كون وهذا يعين، أن وجود ما به اشتراك هذه املشاريع يف بعض مفردات أر وأيضا األمر نفسه بني اجلابري و

الرؤية، ال ينبغي أن ينتهي بنا إىل إعالن ما به اشتراكها على حنو تام، أو حيجب عنا ما به امتيازها يف باقي

ملادية التارخيية، فالقطيعة عند العروي، تأخذ معىن الطفرة التارخيية، باملعىن الذي تذهب إليه ا ،املساحات األخرى

أما القطيعة عند حممد عابد اجلابري، فهي تأخذ معىن الثورة املعرفية، أو القطيعة .ما جيعل من العروي، تارخيانيا

.اإلبستيمولوجية كما هي عند غاستون باشالر ما جيعل منه بنيويا

، اليت متتد إىل خمتلف احلقول، يف أما القطيعة عند أركون، فهي تعيش على معطيات الثورة املنهجية اجلديدة

وهو مفهوم يلتقي مع كافة ، فهي ذا املعىن قطيعة مع أساليب القراءة والفهم. اللغة والتاريخ واالجتماع والنفس

األطر املعرفية املتحكمة تداوليا يف خطاب احلداثة الغربية، وإن كان من ناحية أخرى املنظور اإلبستمي الفوكوين

.إال أنه يستند إليها دعما للحداثة ال انتهاكا ملشروعيتها ،ات التفكيكية ملا بعد احلداثةوعموم التقني

Page 55: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

54

:الطابع االيديولوجي الشكالية العالقة بني التراث و املعاصرة - 04

إن إشكالية العالقة بني التراث و املعاصرة، متثل مرحلة بداية املشروع القومي العريب، و قد طرحت من

ففي مراحل األزمة يزداد الفرز و االستقطاب وضوحا بني خمتلف . جديد مع األزمة اليت يواجهها الواقع العريب

مظهر العودة إىل املاضي، إىل التراث القومي القوى االجتماعية و التيارات الفكرية املتعارضة، و يتخذ األمر

بوجه عام و الديين بوجه خاص، و ذلك يف حماولة إلعادة التقومي يف ضوء اللحظة احلاضرة و حبثا عن مشروعية

. تراثية للسلوك يف هذه اللحظة اجلديدة

ت غري مدركة إذ هناك ن هنا جند أن النهضة يف اخلطاب العريب املعاصر هي قدر األمة ، غري أا أصبحم

اضطرابا مفهوميا يف حتديدها ، و يعود ذلك يف معظمه إىل سيطرت األيديولوجيا على املعرفة بغية تصنيف

التاريخ وفق رغباا، فاخللل يف اخلطاب العريب عن النهضة صادر عن عدم تبلور مفهوم شامل للنهضة، فبينما

تربه رائدا فريدا ، جند أبا يعرب املرزوقي يعكس االجتاه فريى أن يفاخر الفكر العريب املعاصر بابن رشد و يع

ابن سينا و " الرشدية اجلديدة أسطورة انفعل ا الفكر النهضوي العريب بتأثري من سخافات أرنست رينان و أن

، فهما قد وحدا بني كل ما الغزايل ميثالن مركز الثقل يف الثقافة العربية اإلسالمية أوال مث يف الثقافة اإلنسانية ثانيا

تقدم عليهما يف الثقافتني الفلسفية العلمية و الدينية الصوفية فكان كل ما تالمها ال ميكن أن يكون إال نابعا من

أعماهلما إجيابا أو سلبا يف شطري اإلسالم السين و الشيعي أوال مث يف ما مياثلها يف الغرب أخريا الربوتستنيت و

.(1)"يالكاثوليك

إن هذه الثنائية يف املعاجلة سيتمخض عنها فيما بعد تصور مقولب يف ثوب جديد يتمثل يف تبين

اإليديولوجيا اإلشتراكية كوسيلة لفهم التاريخ و التأسيس للنهضة و هذا كنتيجة حتمية ملا أفرزته اإلمربيالية

تبدو " العلمانية، من هنا اإلستعمارية من تعسف و إضطهاد ، و كردة فعل عن حماولة جتاوز الطروحات

المرزوقي أبو يعرب ، أفاق النهضة العربية و مستقبل اإلنسان في مهب العولمة : (1)

Page 56: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

55

اإليديولوجيا املاركسية أو غريها من اإليديولوجيات قد وقعت يف مأزق واحد ، و هو حماولة فرض عقليتها و

خطاا على جمتمعات العصور اليت سبقتها و أيضا على اتمعات اليت عاصرا ، كما حاولت بناء على ذلك

و يف هذا اإلطار جند اجلابري يؤكد أن اإليديولوجيات السائدة يف الفكر العريب (1)."تصور املستقبل و التاريخ

اليت سادت الفكر العريب " املعاصر يغلب عليها الدوغمائية سواء كانت ماركسية أو غريها من اإليديولوجيات

ما (2)."احدة فقطيف العقود األخرية كانت تفرض على الناس نوعا وحيدا من الرؤية أو قل الرؤية من زاوية و

يعين استرياد ايديولوجيات ال تعرب عن واقع تلك اتمعات و ال عن حميطها ، و هذا ما ينعكس بشكل مباشر

على مستوى اخلطاب الفلسفي الذي جنده حياول تشخيص أزمة الواقع العريب بأزمة أشد خطرا أال و هي أزمة

ين العرب أن العودة إىل تاريخ العرب قبل حوايل األلف و أربعمائة لذلك يعتقد الكثري من املفكرالتبين الالمربر

.سنة هي احلل األنسب لتخليص األمة من حالة السلبية اليت تعيشها حاليا

و هذا احلل بدوره اليقتصر على جمرد إستعادة القوة و اد و الشرف بل و يتعدى ذلك إىل التفكري

بضرورة

قيادة العامل و حكمه وفق القانون الذي كان ساريا يف تلك الفترة، متجاهلني وسائل التعايش احلديثة و

ملتغريات اليت حدثت يف العامل يف خالل تلك الفترة املمتدة من القرن األول للهجرة و حىت هذا القرن و مع أننا ا

احلياة إىل أننا أيضا ضد أن يظل الفرد العريب حيلم حنمل صورة سلبية للقوانني السارية حاليا و اليت تضبط سري

. بإستعادة القانون الذي وجد قبل الف عام لكي حيكم به العامل يف هذا الوقت

يعتقد حممد عابد اجلابري أن اخلطاب العريب احلديث و املعاصر مل يسجل أي تقدم حقيقي يف أية قضية

هضة ، و بقي هذا اخلطاب سجني حلقة مفرغة لينتهي به يف من قضاياه منذ أن ظهر كخطاب يدعو إىل الن

. 130زروخي إسماعيل ، دراسات في الفكر العربي المعاصر ، دار الهدى ، بدون طبعة ، ص : (1) 49، ص 1995، 03الجابري محمد عابد ، العقل السياسي العربي ، محدداته و تجلياته ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط : (2)

Page 57: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

56

األخري إىل فكر يتطلع إىل العودة ملا صنعه السلف يف كثري من اجلوانب من جهة ، و كذلك إحالة كل قضية

(3)."جعلت زمن الفكر العريب زمنا ميتا يعاين أزمة إبداع " على املستقبل من جهة أخرى ، إن هذه العوامل

أن النموذج السلف هو الذي يتحمل " مبعىن أنه فكر حمكوم بنموذج السلف و إىل عوائق ترسخت داخله إذ

املسؤولية فيما يعانيه الفكر العريب املعاصر من أزمة و فشل ، ذلك أنه سواء تعلق األمر باألطروحات الداعية

ما منوذج سلف يشكل اإلطار املرجعي لكل السلفي أو الداعية الليبريايل أو الداعية املاركسي ، فهناك دو

و عليه فإن عوائق التقدم و اإلبداع يف الفكر العريب تعود يف أساسها إىل تعود إىل ذلك التوظيق غري (1)".منهم

املربر ملفاهيم مستقاة من املاضي العريب، أو من احلاضر األورويب، حبيث تدل تلك املفاهيم على واقع ليس هو

. ى و الوحدة العربية و اإلشتراكيةكالنهضة و الثورة و األصالة و املعاصرة و الدميقراطية و الشور الواقع العريب

هذه املفاهيم غري حمددة يف اخلطاب العريب من كوا ال تعرب عن الواقع العريب و على هذا األساس يتضح

فاهيم يف اخلطاب العريب املعاصر و امل أن لنا حقيقة الصراع اإليديولوجي يف الفكر العريب احلديث و املعاصر حبيث

. هي مستوردة كما قلنا من املاضي أو من الغرب ، مفاهيم تقوم بوظيفة التمويه و التضليل

مستقبله من خالل يف و هنا يصعب علينا جتاوز اال الذي وضعنا أنفسنا فيه ما دمنا حنن من أراد التفكري

إىل بدايات النهضة يف سبعينيات و مثانينيات القرن العشرين جند أن النهضة يف سلفه و ماضيه، إذ أننا و بالعودة

اخلطاب العريب املعاصر هي قدر األمة ال حمالة مهما طال ا الزمن، غري أن الزمن مر و النهضة تزداد بعدا و ختلفا

حتالل األجنيب جلزء ، بل و مبنطوق هذا اخلطاب نفسه أصبحت النهضة سرابا ال ميكن إدراكه مع عودة اال

أن هناك اضطرابا مفهوميا يف " جديد من األراضي العربية املتمثلة يف االحتالل األمريكي للعراق، باإلضافة إىل

حتديد النهضة و مقوماا، و يعود ذلك يف معظمه إىل غلبة األيديولوجيا على املعرفة بغية تصنيف التاريخ وفق

. رغباا

55، ص 1990، 02الجابري محمد عابد ، اشكاليات الفكر العربي المعاصر ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ،ط : (3) . 56صدر سابق ، ص الجابري محمد عابد ، م: (1)

Page 58: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

57

يب عن النهضة ينبع من عدم تبلور مفهوم شامل للنهضة، و عدم التمييز بني فاخللل يف اخلطاب العر

خطوات سياسية أو اقتصادية تندرج يف سياق عملية إصالحية، و بني مسار عملية تنموية متكاملة تأخذ بعني

وقف فجأة مث إذ ال يعقل أن حتدث ضة مث تت (1).."االعتبار األبعاد السياسية و االجتماعية و االقتصادية كافة

. يأيت زعيم ملهم لينجز ضة و يقرر هو نفسه فجأة أن يوقفها

إن ذلك يعكس عدم اإلدراك الكايف لسياق التحوالت الدولية و موقع العرب فيها و دورهم و طبيعة

تفاعلهم مع العامل، من املسموح به للمواطن العريب أن يتحدث عن الدميقراطية و شروطها و أصوهلا يف فلسطني

و العراق الواقعني حتت االحتالل لكنه من املمنوع أن يتحدث عن االستبداد الداخلي الذي يعيشه، فالنهضة

باختصار هي مسار عملية تنموية متكاملة، و التنمية هنا ال تعين املؤشرات البشرية و االقتصادية فحسب و إمنا

يع اخليارات، و أن اإلنسان هو حمور تركيز جهود تشمل التنمية اإلنسانية اليت تعرف ببساطة بأا عملية توس

. التنمية

من هنا ظهرت مصطلحات جديدة يف الفكر املعاصر لعل أبرزها مصطلح صراع احلضارات و الذي

أسس له و حتدث عنه الكثري من املفكرين العرب و الغرب على السواء منذ أوائل سبعينيات القرن املاضي،

ين بذلك لإلميان بنظرية بدوره حياول هذا املصطلح أن يربر سر اهلزمية و التخلف الذي أصاب العقل العريب ممهد

املؤامرة اليت حتاك على األمة العربية و هذا مانتج عنه حالة من السلبية يف التفكري العريب باملستقبل برغم الوعي

بالفشل عند أول تعودالذي حياول الكثري من املفكرين زراعته يف العقل العريب إال أن حماوالت اخلروج حبلول

ية ألن األفاق تنغلق أمام هذه احملاوالت لعدة أسباب أمهها عدم وجود جتارب سابقة أو عملية حتديثية أو تصحيح

ثقافة ميكن أن نعتمد عليها يف رحلة النهوض أو ألن هذا املوروث الزال حيتكم إال العقلية البدائية اليت مل تفصل

.بعد بني املتغري و الثابت يف الفكر العريب

57المصدر نفسھ ، ص : (1)

Page 59: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

58

رين العرب أن العودة إىل تاريخ العرب قبل حوايل األلف و أربعمائة سنة هي لذلك يعتقد الكثري من املفك

احلل األنسب لتخليص األمة من حالة السلبية اليت تعيشها حاليا، و هذا احلل بدوره اليقتصر على جمرد إستعادة

ق القانون الذي كان القوة و اد والشرف بل و يتعدى ذلك إىل التفكري بضرورة قيادة العامل بأسره و حكمه وف

ساريا يف تلك الفترة، متجاهلني وسائل التعايش احلديثة و املتغريات اليت حدثت يف العامل يف خالل تلك الفترة

املمتدة من القرن األول للهجرة و حىت هذا القرن و مع أين أمحل صورة سلبية للقوانني السارية حاليا و اليت

د أن يظل الفرد العريب حيلم بإستعادة القانون الذي وجد قبل الف عام لكي تضبط سري احلياة إىل أين أيضا ض

.حيكم به العامل يف هذا الوقت

و من ذلك نستنتج أن ذهنية املواطن العريب حباجة إىل حل املوروث الثابت من تلك الفترة و تغيريه بطريقة

ىل بناء تاريخ جديد بعيدا عن البكاء على إ عىيسالعمل املتجدد و املتغري من أجل املستقبل و وضع هدف إجيايب

. أطالل املوروث التارخيي القدمي

Page 60: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

59

: اإلستعماالت اإليديولوجية للتنمية و أزمة الوعي بالذات : املبحث الثاين

املتأمل يف النسق املفاهيمي يف اخلطاب احلداثوي العريب، يدرك أن معظم املفكرين العرب مل يتجاوزوا نإ

التفكري األيديولوجي يف دراستهم للواقع العريب ، إذ جندهم يطالبون بضرورة وضع القطيعة اإلبستيمولوجية

. كن بنفس األطروحات اليت يقدموا كشرط لتحقيق التقدم ، غري أن املمارسة العملية يف حتليالم مل ت

بناء على ما سبق جند أن األيديولوجيا أداة تستند إليها مجاعة سياسية تؤمن وتعمل من أجـل حتقيـق

مصاحلها فهدف الدميقراطية مثال سوف يعين للكاتب وللعامل معاين خمتلفة ألن كل منهما سـوف يسـتخدمه

مها عليه ، وكذا احلال يف الليربالية كمفهوم احلرية فهي تعين للرأمسـايل لتحقيق غاية خمتلفة ومع ذلك جيتمع كال

حرية التنافس واإلنتاج والتبادل ، وقد تعين للمجتمع املقموع اخلالص من الشمولية اليت يعاين و من آثارها كل

سـف فرد من أفراده بطرق ونسب خمتلفة ، ليصبح مشروع اخلالص منها هو مشروع مجيع مـن يعـاين التع

. واالستبداد

وعليه فالليربالية هي أوال فلسفة ، ومع ذلك ميكنها أن تتبلور يف أيديولوجيا سياسية عامة مث خمصصة ،

فهي بشكل ما ميكنها أن تكون أيضا أيديولوجيا بالتعريف العملي العلمي ، وهي أيضا تريد أن تقيم الدولة

ة وغري الشمولية ، والفارق يكمن يف أن مثلها مثل بقية األيديولوجيات الشمولي, والدستور على أساسها

الليربالية تقيم الدولة على أساس حرية الفرد وحقوقه وحق االختالف ، وهو ما يؤسس للمواطنة ، بعكس

األيديولوجيا الليربالية ما هي إال نوع من ف األيديولوجيات الشمولية اليت تصادر حق الفرد لو تعارض معها ومنه

لفلسفات اليت ظهرت ابتداء من القرن السابع عشر، تلك الفلسفات اليت أنزلت اإلنسان الصياغة األيديولوجية ل

. مرتلة الصدارة يف العامل احلديث ونظرت إليه باعتباره مركز العامل ومصدر السلطة وغاية الوجود

وعليه فتوظيف الكثري من مفاهيمها توظيفا ايديولوجيا يترجم مصاحل بعـض الطبقـات االجتماعيـة،

Page 61: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

60

فتحولت هذه العناصر الفلسفية إىل أدوات إيديولوجية تنطوي على عناصر الوعي و حتقيق التطور يف اتمعات

الغربية ، أما حنن فسننطلق من الفكر العريب و قراءته للواقع العريب من أجل حتقيق التنمية ،و على هذا األساس

ي اآلليات اليت وظفها من أجل الكشـف عـن فكيف شخص الفكر العريب يف خطابه مشكلة التخلف ؟ و ماه

. مواطن اخللل اليت يعاين منها اإلنسان العريب املعاصر ؟

: دور األيديولوجيا يف جتريد مفهوم التنميةـ 01

األيديولوجيا ودورها يف إعاقة حترير املفاهيم وحجب إمكانية استخدامها كأدوات حتليل يبدو أن مسألة

العريب املعاصر يف رمن العوائق اليت متثل أزمة الفك للقضايا االجتماعية وتشخيص ومعاجلة إشكاالاموضوعية

من إنطلق ماركس يف حتليله لأليديولوجيا الرأمسالية حماوالته تشخيص عوائق التطور والتنمية ، حبيث جند أن

، حبيث كشف أن وعي الفرد خالصةادية نظرة مادية حتيل مجيع الظواهر االجتماعية وإشكاالا إىل أسباب م

يتحدد وفق وضعه االجتماعي أو انتمائه الطبقي مؤكدا أن هذا االنتماء ال ميكن إال أن يؤدي إىل التحيز احلتمي،

ومبا أن الطبقة الربجوازية يمن على الدولة واتمع . وبالتايل تكون األيديولوجيا وعيا ناجتا عن التحيز الطبقي

النفوذ السياسي والسيطرة الطبقية فهي تعمل على إنتاج ونشر املعرفة اليت تعكس مصاحلها معيدة من خالل

بذلك صياغة املعايري األخالقية والنظم القانونية مبا يتناسب واأليديولوجيا الرأمسالية، فتضلل الرأي العام حبيث

ضحايا الوعي الزائف الذي يربر هلم االندماج يصبح مجيع أفراد اتمع من الطبقات الدنيا ضحايا االستغالل، أو

. يف النظام االجتماعي االستغاليل أو القبول به أو التعايش معه

املفكرين العرب إىل الليربالية اليت تعترب إحدى تعينات الفكرة احلضارية اليت ضت يف منطق ولو أننا نظرنا

لسابع عشر لوجدنا أن ما ينشده من وراء استعادة الليربالية يف شروط عليها احلضارة الغربية ابتداء من القرن ا

عربية ال ميثل يف اية املطاف غري دعوة إىل تكرار حقبة منقضية بالنسبة للحضارة الغربية، وإن مثلت الليربالية يف

Page 62: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

61

إىل نوع من اإلضافة هذه احلالة نقطة ابتداء ال متثل إبداعا أو إضافة وإمنا هي مقدمة قد تفضي بعد مسار طويل

.واإلبداع بتمثل يف جتاور الفكرة احلضارة ذاا اليت أقام الغرب عليها حضارته

وباملثل فإن املنهج املادي التارخيي الذي جلأ إليه املاركسيون العرب يف حتليلهم للتراث العريب اإلسـالمي

ملنهج املادي الذي هو أحد التعبريات اليت أبدعتها والثقافة العربية ينتهي إىل نتائج ايديولوجية مستمدة من طبيعة ا

وهكـذا . ذلك أن املنهج املادي، كاملنهج الليربايل، ينطوي على نتائجه مسبقا. الفكرة احلضارية لألمم الغربية

ادة حتولت امليثودولوجيا املادية عند املاركسيني العرب إىل إيديولوجيا اشتراكية جتد هلا تطبيقات ال حصر هلا يف امل

.املنتزعة من الثقافة العربية اإلسالمية خصوصا يف جمال حتقيق التطور و التنمية

وهكذا ينتهي األمر بنا، بصدد املنهج املادي التارخيي، إىل حتيز إيديولوجي على التراث من خارجه وليس

القة ورؤيـة التـراث يف أن املنهج املادي التارخيي وحده هو القادر على كشف تلك الع"نابعا منه عندما نقرر

حركته التارخيية واستيعاب قيمته النسبية، وحتديد ما ال يزال حيتفظ منها بضرورة بقائه وحضـوره يف عصـرنا

كشاهد على أصالة العالقة املوضوعية بني العناصر التقدمية الدميقراطية من تراثنا الثقايف وبني العناصر التقدميـة

وهكذا فإن هذه االستعارة اإليديولوجية ولدت حتيزا منهجيا (1). "ة يف احلضارة والدميقراطية من ثقافتنا القومي

أصبح مبقتضاه املنهج املادي التارخيي هو وحده القادر على دراسة التراث على النحو الذي يريده له حسني مروة

.أن يكون

املنهج سوى ضرب من ضـروب وملا كان املنهج املختار جيسد متطلبات إيديولوجية بعينها، مل يكن هذا

التحيز املنهجي الذي يلغي املوضوع املدروس أو يتجاهله على األقل لكون املنهج يف هذه احلالة يؤدي إىل نتائج

معروفة مسبقا، أي مجلة األفكار والرؤى اليت تنطبق على كل تراث وليس على التراث العريب اإلسالمي وحده

.طورها ماركس واجنلزمبقتضى اإليديولوجية املادية اليت

12، ص1984 ، 04الطبعة ، 1ج، مروة حسین ، النزعات المادیة في الفلسفة العربیة اإلسالمیة، ، دار الفارابي، بیروت : (1)

Page 63: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

62

وما يؤكد انتهاء هذا النوع من التحليالت إىل حتيز يقضي على املوضوع املدروس بالزوال واالضمحالل

وبسيادة الرتعة الصورية يتجلى يف التطبيق غري احملدود للمنهج املستعار بوصفه صورة تلـتقط مـن املوضـوع

ك اجلانب من املوضوع الذي يتعذر استيعابه يف قلب هذه املدروس ما يتسق ومنطقها اخلاص، بينما نظر إىل ذل

ويصر أصحاب هذه الرؤية املنهجية واأليديولوجية علـى أن . الصورة املنهجية على أنه بقية تافهة وغري جوهرية

على قدر ما خيتلف حاضر كل موقع طبقي "معرفة التراث البد هلا أن تنطلق من احلاضر يف مجيع األحوال، إذ أنه

اضر املوقع اآلخر، وعلى قدر ما ختتلف عالقة كل منهما باملاضي عن عالقة اآلخر به خيتلف التراث نفسه عن ح

كذلك عند كل منهما، وبالصورة نفسها اليت يتسم ا حاضر كل موقع طبقي وترتسم ا عالقتـه باملاضـي

ومن ذلك يتبني لنا بأننا أمام إعادة (1)." وبالصورة نفسها يرتسم التراث أيضا يف املنظور اإليديولوجي لكل منها

تشكيل التراث والتاريخ واملاضي واحلاضر وفق منهجية ال تم حبقيقة التراث وال لطبيعة احلاضر، فهي تتجاهل

أن العناصر املذكورة كلها نتاج لفكرة حضارية خمتلفة هي الفكرة احلضارية العربية و اإلسالمية اليت يتعني، من

. التحيز املنهجي واإليديولوجي يف دراسة مضامينها وتعيناا التارخييةأجل القضاء على

ومن هنا يتبني أننا مضطرين لالختيار بني نزعة صورية تبتلع املوضوع املدروس وتقضي على خصائصـه

املنـهج فسواء كان هـذا . املميزة، بصرف النظر عن املنهج الذي ميكن لنا أن خنتار تطبيقه على املادة املدروسة

منطلقا من رؤية ليربالية إىل العامل، بكل تنوعاا اليت ميكن أن تعرب عن نفسها من خالل مناهج علمية متعـددة،

وحىت من خالل رؤية سياسية معينة، أو كان منطلقا من منهج مادي تارخيي هو ذاته قد نشأ يف قلب الليرباليـة

اء كان منطلقا من املاركسية كما صاغها ماركس واجنلز كمتمم هلا ومتجاوز ملاهيتها، بكل خصائصه ، أي سو

.ذاما، أو من اللينينية أو من الستالينية أو من التروتسكية

وبناء على ما سبق فإن اخلطاب الفلسفي العريب املعاصر هو واحد من بني إحدى الفلسفات اليت نذرت

14نفسھ، صصدر الم: (1)

Page 64: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

63

يديولوجية العربية املعاصرة اليت نقدها العـروي نفسها الكتشاف احلقيقة يف صيغة علمية منظمة ، وعليه فإن األ

هي أيديولوجية اغتراب مضاعف اغتراب الفرد العريب يف العامل ، أي اغترابه يف اتمع والدولة اللذين يفتـرض

أما جمتمعه ودولته، ومن مث فإن ماهية األفراد واجلماعات واتمعات واألمم والشعوب ليست حمددة ال قبليـا

ائيا، بل هي باألحرى متوقفة على إنتاجهم لوسائط وجودهم وأشكاله وال.

و عليه فالعروي مل ينطلق من نقطة االرتكاز الواقعية اليت انطلق منها ماركس، أي من الوجود الـواقعي،

ن التحليـل، املباشر، لألفراد الواقعيني، ومن الوجود الواقعي املباشر للمجتمع العريب أو اتمعات العربية يف زم

ومن اإلنتاج الذي حيدد منطا معينا لفاعلية هذا اتمع أو هذه اتمعات، وطريقة حمددة للتعبري عنها، بل انطلق

من التحديدات الذاتية، من وعي الذات خاصة، ومما يشوب هذا الوعي من التباسات قلما حييلنا على أسسـها

.الواقعية يف حياة اتمع

فإننا جند أن العروي مل يتجاوز مرحلة النفي إىل نفي النفي كما فعل ،مقدمات ماركس ذااوانطالقا من

ماركس؛ أي إنه مل يتجاوز النقد الثقايف للثقافة ، ومرجعية الفكر ال ميكن أن تكون الفكر ذاته، بل الواقع الذي

. ينتجه يف عملية تطوره

ستمرار من التطور احليوي ألفراد معينني كمـا هـم يف البنية االجتماعية والدولة تنشئان با" ذلك أن

وإن إنتاج األفكار والتصورات والوعي خمتلط بادئ األمـر بصـورة . الواقع، أي كما يعملون وينتجون ماديا

فالوعي من مث هو الوجود .(1)"مباشرة ووثيقة بالنشاط املادي والتعامل املادي بني البشر، فهو لغة احلياة الواقعية

مدركا على هذا النحو أو ذاك، ذه الدرجة من املقاربة أو تلك، أو ذه الدرجة من االحنراف أو تلك؛ فنقـد

البىن والعالقات القائمة، أي نقد الوجود املادي ونقد العالقات وأشكال التعامل املادي للمجتمع املعين هو نقطة

أن تفضي إىل دحض األفكار والتصورات الومهية اليت يعرب ا اتمع عن وجـوده االنطالق الواقعية اليت ميكن

. 24المصدر نفسھ ، ص : (1)

Page 65: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

64

وإن الفلسفة لتكف، . العبارات اجلوفاء عن الوعي تنقطع، وجيب أن حتل معرفة واقعية مكاا" الفعلي ، إذ أن

ة اإلنتاج االجتماعي، بكل إن عملي(2) ."مع دراسة الواقع، عن أن تكون هلا بيئة توجد فيها بصورة مستقلة ذاتيا

ما تنطوي عليه من دالالت، أعين إنتاج اخلريات املادية وإنتاج الثقافة والقيم والعالقات االجتماعية وأشـكال

ذا املعىن فحسب تـرتبط . هي أساس العامل احلسي وأساس التاريخ. التنظيم االجتماعي والسياسي على السواء

إن رؤية العرب للتـاريخ، . فحسب ميكن احلديث عن تصور مادي للعامل وللتاريخ املادية بالتاريخ، وذا املعىن

.كانت وال تزال، رؤية أيديولوجية

أراد العروي، يف نقده األيديولوجية العربية املعاصرة وتفنيد الفكر السلفي خاصة، أن مينح العمل السياسي

دفـع العمـل "فعة واإلجناز معيارين للفكر والعمل، و العريب أيديولوجية حديثة وواقعية تقوم على مبدأي املن

السياسي الثوري، التقدمي الغارق يف املمارسة إىل االقتناع بضرورة استيعاب أيديولوجية معينة توحـد ذهنيـا

خاصة ما يتعلق منه بالدولة القومية اليت آلت إىل دولة استبداد (1) ."أعضاء احلزب وجتعلهم نواة اتمع املرتقب

حمدث وكان إخفاقها التقنوي والتنموي ال يقالن عن إخفاقها السياسي وعجزها عن إدارة اتمع ناهيكم عـن

وال سيما أنه انطلق من الدولة، الدولة املستعمرة والدولة الليربالية والدولة القومية، وظـل حبيسـا يف . حتديثه

الذي يفترض أا شكل وجوده السياسي وحتديـده إطارها، فلم يتعد حدودها إىل أساسها الواقعي إىل اتمع

.الذايت

تتلخص املسألة، إذن، يف تبين أيديولوجية عصرية حديثة وثورية، بدال من األيديولوجية العربية املعاصرة،

. وتبين منطق أو منهج أو نظرية معرفة واقعية، وهذه ثالثة أمساء ملسمى واحد هو الديالكتيك، كما وصفه لينني

لة هذه األيديولوجية وهذا املنطق يغدو بوسع العرب أن يعيدوا تعريـف ذاـم و مـا ينتجونـه فعـال، بدال

. األيديولوجية احلديثة واملنطق اجلديل

31المصدر نفسھ، ص : (2) 62، ص 1983العروي عبد اهللا ، العرب والفكر التاریخي، المركز الثقافي العربي، الدار البیضاء،ودار التنویر ، بیروت، : (1)

Page 66: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

65

نظريـة "و) املاركسـية (والسؤال هنا، ما املصري الذي انتهت إليه أمم وشعوب تبنت أيديولوجية حديثة

يف نسيج األيديولوجية معىن طبقيا نامجا عن أثر البيئة االجتماعية اليت نشأ مفهوم من املفاهيم اليت تدخل ك" معرفة

وميز يف ضـوء ذلـك ثالثـة تيـارات أساسـية يف ،فيها املفهوم، وفرق بني املدلول الطبقي والتمايز الطبقي

ول أن أم املشكالت يف الشيخ والسياسي الليربايل وداعية التقنية؛ يفترض التيار األ: األيديولوجية العربية املعاصرة

اتمع العريب احلديث تتعلق بالعقيدة الدينية؛ ويفترض التيار الثاين أا تتعلق بالتنظيم السياسي؛ ويفترض الثالث

ومن مث فإن ضة األمة وتقدمها واصطالح أحواهلا تتوقف على اإلصالح . أا تتعلق بالنشاط العلمي والصناعي

ول، وعلى اإلصالح السياسي الدستوري، يف نظر الثاين، وعلى العلم والتقانة والنشـاط الديين، يف نظر التيار األ

مرجعية التيار األول هي اإلسالم يف نقائة األول عصر الرسول وخلفائه الراشـدين، . االقتصادي يف نظر الثالث

ومرجعية الثالـث هـي ومرجعية الثاين هي الغرب الليربايل الدولة الدستورية وحكم القانون وسيادة الشعب ،

. غرب العلم والتقانة والصناعة

ويستنتج أن رؤية املفكرين العرب للغرب رؤية غري تارخيية؛ فالغرب خيتزل لدى كل منـهم إىل أحـد

كما . (1)وجوهه فحسب أو إىل إحدى مراحل تطوره فقط، فال تتكون لديهم صورة شاملة مطابقة لواقع احلال

لكنه غري ناشئ عندنا، بل ميكن القول إن ذلك املدلول املستوحى "دلوال طبقيا، رأى أن يف صلب كل دعوى م

من اخلارج هو الذي يساعد اتمع العريب، دون أن يكون وحده العامل األول والفعال، على أن يتمايز وتتبلور

. فيه الطبقات

التمايز اجلارية يف جمتمعنا، وإمنـا ال ينطلق فكر أي من دعاتنا أول ما ينطلق مما يالحظ مباشرة من عملية

ورأى أن .(2) "يستبق نتائجها املنطقية اعتمادا على ما توحي به إليه بنية خارجية، وبالضبط بنية الغرب حلديث

أو غـري مباشـرة ) الشـيخ (كال من الشيخ والليربايل وداعية التقانة كان ينقذ العقيدة الدينية، بصورة مباشرة

ة الغرب الشیخ المسلم العربي یحاور نظیره الغربي الذي لم یعد لھ تأثیر یذكر في مجتمعھ، فیواجھ بذلك وعیا غربیا متقادما ال یعبر عن حقیق: (1) . وما بعدھا 53ص 1995، راجع العروي . وكذلك اللیبرالي الذي یردد أقوال مفكرین لم یعد لھم تأثیر یلحظ في مجتمعاتھم. فعلیة في زمن الحوارال

.61، ص 1995العروي عبد اهللا ، األیدیولوجیة العربیة المعاصرة، المركز الثقافي العربي، : (2)

Page 67: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

66

التقانة اللذان ينفيان بطريقني خمتلفني أن تكون العقيدة اإلسالمية عامال من عوامل االحنطاط، بل الليربايل وداعية(

). االستبداد، يف نظر األول، وختلف العلم والصناعة يف نظر الثاين

ولنا أن نستنتج أن األفكار والتصورات والعقائد الدينية وطريقة التفكري اليت تنتجها وتعيد إنتاجها هـي

غري أنه، خبالف ماركس، . ور اهتمام العروي، سواء يف املواضع اليت صرح فيها بذلك أو يف غريها من املواضعحم

فقد كان عمله يف هذا اجلانب وصفيا وحذرا، إن . مل يقارا بداللة الديالكتيك والتصور املادي للعامل والتاريخ

ماهية هؤالء األفراد، أو هذه الكينونة هي مـا ينتجونـه مل أقل تقيويا مع أن العلمانية شرط الزم للتحرر، وأن

بالفعل، وربط من مث ما يعرب به أولئك األفراد عن أنفسهم والطريقة اليت يعربون ا انطلق العروي ممـا يقولـه

فغدت مرجعية الفكر خارج اتمـع ،العرب عن أنفسهم وحماولتهم تسويغ هذا القول بتأويل ما لآلخر الغرب

.خارج املكان أيضا نتجه، خارج زمان اتمع العريب والذي أ

فليس مثة عالقة بني هذا الفكر وممارسة اتمع اليت تعرب عنها األيديولوجية التقليدية السائدة، مبا يف ذلك

ولذلك مل يكن بوسع العروي أن يقول على غرار ماركس إن العرب أجنزوا فكريا مـا . ممارسة الفئات الوسطى

.ه الغرب سياسياأجنز

إن األيديولوجية العربية املعاصرة اليت وصفها العروي كانت وال تزال تعبريا مطابقا ملاهية اتمع العـريب،

إذا كان الرائز الرئيس هو عملية اإلنتاج االجتماعي؛ ومجيع احلقائق السوسيولوجية والسياسية والثقافية ومجيـع

. لتارخيي للمجتمع العريب قياسا باتمعات املتقدمة األخرىاملعطيات اإلحصائية تؤكد التأخر ا

ومن مث فإن املدخل الواقعي للتقدم هو حتديث عملية اإلنتاج االجتماعي ؛ وهنا تكتسي فكـرة الدولـة

الوطنية أوالدولة القومية اليت مدحها العروي يف صيغتها الناصرية، أمهية خاصة حني تغدو دولة حق وقانون جلميع

. اطنيها بال استثناء، وتعبريا عن الكلية االجتماعية وجتريدا للعمومية تعرب عنه سيادة القانونمو

Page 68: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

67

القائمة اليت ابتلي ا العرب يف مصر وسورية والعراق واجلزائر " الدولة القومية"ويف اعتقادنا أن نقد هذه

فاحلقل السياسـي، وال سـيما . ال العكس وليبيا والسودان مدخل أساسي لنقد األيديولوجية العربية املعاصرة،

الدولة، بصفتها حتديدا ذاتيا للشعب، هو وهي الشكل السياسي الذي ينتجه اتمـع لوجـوده االجتمـاعي

لكي نتحرز من التباسات العقالنية، وال سـيما يف صـيغتها الوضـعانية أو " و. واالقتصادي والثقايف والقيمي

نطلق من معطيات العلم الوضعي اإلجيايب ونتائجه، يف مجيع امليادين، بصفتها مقدمات العلموية، أعين النقد الذي ي

وهنا يكمن الفرق بني املذهب الوضـعي والـديالكتيك، وبـني (1). " ضرورية إلنتاج رؤية واقعية جمتمع آخر

. الوصف واملقارنة من جهة والتحليل والتركيب، والنفي ونفي النفي من جهة أخرى من خارجه

وقد أشار العـروي إىل . إحدى أهم املشكالت اليت تقلق روح العريب هي مشكلة اهلوية أو وعي الذات

مثة مشكلة هوية تلخص رؤية العريب لذاته ولآلخر ورؤيته للمجتمع والدولـة ورؤيتـه ،تفارق الوعي والواقع

هـو الـذي حتديد مفهوم الوعيللتاريخ واالستمرار التارخيي؛ لتلمس هذه املشكلة وتعيني حدودها ال بد من

اإلنسان، مبا يف ذلك وجود اإلنسان ذاته، أو لنقل إنه صورة العامل كما ذهنالوجود املادي مدركا أو حموال يف

. ترتسم يف الذهن يف شروط اجتماعية معطاة

دث عن رط كل منهما األخرى وحتددها شكال، إال إذا كنا نتحتفالوعي والوجود مقولتان متالزمتان تش

الوعي االجتماعي هو شكل الوجود االجتمـاعي؛ فـال فوجود طبيعي خالص مبعزل عن ظهور النوع البشري

.يسعنا سوى أن نفترض أن كل جمتمع ينتج شكل وجوده االجتماعي، أي ينتج هويته أو وعيه لذاته

ملثاقفة مع شعوب هذا الوعي هو باألحرى تركيب من عناصر تراثية وأخرى واقعية وثالثة مستمدة من ا

أخرى، وهو ما يعني وظيفة العناصر التراثية أو الوافدة يف هذا التركيب، وهي وظيفة مثلثة األبعاد غالبا، تنطوي

على بعد يستدعيه الصراع االجتماعي وتعارض املصاحل وآخر معريف وثالث نفسي؛ ويعني من مث عالقة الشكل

29المصدر السابق ، ص : (1)

Page 69: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

68

. باملضمون

يسهمان غالبا يف حتوير الواقع وتأويل التاريخ يف اتمعات املتأخرة فهما يف البعدان االجتماعي واملعراما

واملغلوبة على أمرها، ويسندمها البعد النفسي بقوة، ألنه مالزم لكليهما؛ فتحت كل مستوى اجتماعي أو معريف

) أو فئـوي طبقي (مصدر اجتماعي : إىل أن للخطأ مصدرينروحي، ولذلك أشار لينني ويثوي مستوى نفسي

يتعلق مبصاحل الفئات االجتماعية املختلفة اليت حتدد رؤية كل منها، ومصدر معريف، غنوزيولوجي، يتعلق بطريقة

. التفكري أو املنهج أو نظرية املعرفة

اهلوية يف اية التحليل حتديد ذايت يستجيب استجابات متباينة ملطلب العمل واإلجناز أو ملطلب التأمـل ف

إذا قلنا إن وظيفة العناصر املختلفة اليت تتآزر يف إنتاج اهلوية كانت وال تزال تتعلق بتملـك نبالغ الو . والفهم

؛ ولـذلك مل يـؤد الصـراع "شرائح الطبقة الوسطى"السلطة والثروة والقوة، يف خضم صراع مستميت بني

حيث متارس السياسة على أـا االجتماعي عندنا إىل تركيب جديد، بل إىل حالة من التنايف والتعادم فحسب،

.(1) حرب معلنة أو كامنة

يف استقالل جماالت احلياة االجتماعية، وال سيما اال الثقايف، استقالال نسبيا، ولكـن جتـدر شكال

مالحظة أن درجة استقالل أي من جماالت احلياة االجتماعية تتحدد بعالقة طردية مع تقدم اتمع واسـتقراره

ففي اتمعات املتأخرة واملضطربة والتابعة، كمجتمعاتنا تتـداخل جمـاالت احليـاة . جماله السياسيواستقالل

االجتماعية فينتج عن ذلك نوع من وعي أيديولوجي ملتبس ينتج ويسوغ اجتماع الرأي والسلطة والثروة يف يد

.والثوريةواحدة ظالمية وظاملة، حىت حني تصف نفسها بالوطنية أو القومية والتقدمية

لماركسية وتقسيمها إىل ماركسية موضوعية وأخرى وضعية وثالثة أيديولوجية ل و عليه فتصنف العروي

البورجوازیة الصغیرة ھذه ... ألول مرة وتحت رایة الالأنسیة والالثقافة یتعلم مجتمع بكاملھ كیف یمأل الزمن بالنشاط : یلفت النظر قول العروي: (1)كل ھذه السلبیات الھیئة االجتماعیة محدودة الذكاء والھمة، غیر مثقفة وغیر أنیقة، تمثل مجموعة فئات غیر متجانسة أكثر ما تكون طبقة موحدة، ومع

الزمن الخالق : یجب االعتراف بان الدولة التي اسستھا استطاعت عن طریق الضغط واإلكراه أن تفرض على عقولنا ما كنا قد نسیناه منذ قرون والطبیعة الحیة والسعي المجدي

Page 70: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

69

هي اليت يقترحها للمثقف العريب، وملثقف العامل الثالث عامـة، أيديولوجيـة .غري منفتحة.وتارخيانية مغلقة أو

الديالكتيك وحده : "ك، ونقتبس من الياس مرقص قولهكفاح؛ وقد أشرنا إىل عالقة الوضعية اإلجيابية بالديالكتي

فليس بوسع املثقف العـريب . ، ويعني حدودها، والدميقراطية وحدها تنصف الليربالية"ينصف الوضعية اإلجيابية

. اليوم أن يتجاهل احلوار والنقاش الدائرين حول املاركسية على صعيد العامل، أو أن يكون على حياد

: املعاصر و أبعاده اإليديولوجية اخلطاب العريب - 02

يف حتليالم للواقع االشتراكية و الليرباليةأفكار متباينة بني يستندون إىل املثقفون العرب قد أصبح ل

على عالقة بني النظام السياسي القائم يف الدول العربية و أيديولوجيات العريب ، حبيث أن هذه األفكار تعرب عن

التنميةتسليم النخب احلديثة لتداعيات الواقع السياسي أكد عمق اشكالية عالقة املثقف العريب ذا النظام إذ أن

انكمبحاكاة الواقع واالرتداد على املاضي ليحيل إىل انشطار اخلطاب االيديولوجي وتعدده، ففي السبعينات

االسالم، وتيار آخر يدمج االشتراكية بالقومية، وتيار يرى العلمانية توأم و هناك تيار قومي ال يفصل بني العروبة

. القومية

الدولة خيص التنظري للتنمية داخل ما ي، فالغربية املرجعية يعتمد الفكر العريب املعاصر و بالتايل فقد أصبح

من خصوصياته و عناصره بالواقع اتمعي من ليست وليدة عملية تفكري ناشئة و هي بذلك واتمع املدين

، الغريب يف النظام املعريف التعمق من خاللقق التغيري حي الثقافية واالقتصادية والتارخيية، وإمنا هي تتحرك يف اطار

إىل خطاب عصر احلداثة حىت اصبح مثقفونا يتحاورون يف أي اخلطابات املعرفية الغربية جيب أن يتوجهون هل

إذ نلمس هذا الطرح على ، ، فيما واصل بعضهم نشاطه النقلي املعريف للغرب؟ أو ما بعد احلداثة أو كليهما

أن يثبت للتيار الليربايل العريب أن كل أفكاره هو أيضا منقولة عن الذي أراد العرويسبيل املثال ال احلصر عند

. أي التسليم العملي بالقدر الغريب وبترمجة الغرب ر من ذلكإال أنه يعكس ما هو أكث. الغرب

Page 71: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

70

كأن العروي يف قراءاته للتاريخ و التراث سيقدم لنا جديدا مل يكشف عنه بعد غري أن الذي يقدمه من و

أفكار يف هذا اال ال يعدوا ان يكون قراءة للتراث مبنطق ماركسي ، و هنا تنكشف لنا طبيعة األزمة اليت أصبح

لفكر تنموي يساهم يف إحداث القطيعة بني يعانيها املفكر العريب يف خطابه الذي حياول من خالله التأسيس

يظهر العروي كمترجم وشارح بارع لنظريات هيجل وماركس وأجنلر وماكس فيرب " التخلف و التطور و عليه

يف الدولة، وال يشعر القارىء لكتاب العروي أنه يصدر عن خلفية شرقية أو يعرب عن فكرة شرقية، وإمنا حييل إىل

بني احلاضر مفادها أن هناك إنفصال على قناعة يستند وفقا هلذا املنظور العرويف (1)" .فلسفة ماركسية حمضة

باطنا ترإ" فهو يعترب أن اإلرتباط بالتراث يف حد ذاته يعترب سببا يف ختلفنا و أن واملاضي وبني التراث والتجديد،

ننا ما زلنا نقرأ املؤلفني القدامى ونؤلف بالتراث االسالمي يف واقع األمر قد انقطع ائيا ويف مجيع امليادين، أل

فيهم، إمنا هو سراب وسبب التخلف عندنا الغرور بذلك السراب وعدم رؤية بسبب اعتبارنا الوفاء لألصل

تنحصر اليت أصبحت املرجع يف الفكر العريب إشكالية إطاريف األزمة هنا تتمثل إن و عليه ف (2)" حقيقة واقعة

و كذلك عن البدائل اليت نستطيع ا حتقيق فعل التطور و جتسيد ل عملية النقل واالقتباس يف متوقع اهلوية داخ

و على النقل له خطورته على اهلوية ،إىل امليل تنمية تقوم على ما ينتجه املفكر العريب ويته و إنتمائه ، إذ أن

إذ جند أنالنظريات والدراسات حتاول قراءة اتمع العريب قراءة خمتلفة عن القراءات النهضوية، هذا األساس فإن

البطريركية وان التغيري اجلذري هلذه البنية هو احلل األبويةازمة اتمع العريب تكمن يف بنيته يرى أنهشام شرايب

. التخلف إلشكاليةاملنشود

ان الثقافة العربية تكرس ، حبيث الذهنية ويف طبيعة تفكريه أويب يف بنيته العقلية اتمع العر أزمةو مكمن

يف حني العقل العريب تكمن يف كونه غري قومي وغري علمي، أزمة أن إىلعليه، ويذهب اليسار تؤكداالستبداد و

بل هذا الطرح يقدم حممد ويف مقا. اإلسالميتشكيل العقل وفق املنهج إعادةاحلل يف اإلسالميني أنبعض يرى

18ص ، 1986 ،1ط، بیروت ،مجتمع النخبة ، دراسات الفكر العربي ، معھد اإلنماء العربي ، برھان غلیون : (1) . 188المرجع نفسھ ، ص : (2)

Page 72: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

71

واىل حترير العقل من تراكمات هذا اإلسالميتقييم نقدي شامل للموروث إعادة إىلأركون مشروعه اهلادف

. اتمع العريب يف العمق أزمةاملوروث، كي يصبح عصريا وعقالنيا وتارخييا، مبا ميهد حلل

وأوليا من كل مشروع للنهضة، أساسيابوصفه جزءا ويتوجه حممد عابد اجلابري حنو نقد العقل العريب

يف العقل األزمةهذه التفسريات اليت ترى و أمام . النهضة أمامباعتبار العقل العريب يف حالته الراهنة اكرب عائق

جند كذلك أن أزمة املفكر العريب على عالقة باملنهج الذي يعتمده هذا األخري إذ جنده يستند على مناهجالعريب ،

غربية ختدم غايات أيديولوجية ، و هذا ما جيعل من قراءة الواقع العريب و حىت التراث العريب تأخذ دالالت

االعتبار لالشتراكية بوصفها رهان إعادةيف حتقيق التنمية يتمثل أن يرىالتفسري املاركسي أيديولوجية إذ أن جند

. اتمع العريب

للواقعاملاركسيون العرب يف حتليلهم اعتمد عليه املادي التارخيي الذي فإن املنهج و على هذا األساس

حد التعبريات اليت أبدعتها الفكرة أ ومستمدة من طبيعة املنهج املادي الذي ه إيديولوجيةالعريب ينتهي إىل نتائج

لغرب ذلك أن املنهج املادي، كاملنهج الليربايل، ينطوي على نتائجه مسبقا بصرف النظر عن املادة اليت لاحلضارية

. يتم تطبيقه عليها

وهكذا سرعان ما حتولت امليثودولوجيا املادية بني أيدي املاركسيني العرب إىل إيديولوجيا اشتراكية جتد هلا

ن املنهج املادي التارخيي وحده هو القادر على كشف إ" ة من الثقافة العربيةتطبيقات ال حصر هلا يف املادة املنتزع

تلك العالقة ورؤية التراث يف حركته التارخيية واستيعاب قيمته النسبية، وحتديد ما ال يزال حيتفظ منها بضرورة

ميقراطية من تراثنا الثقايف بقائه وحضوره يف عصرنا كشاهد على أصالة العالقة املوضوعية بني العناصر التقدمية الد

االستعارة اإليديولوجية ولدت حتيزا ، ف (1) " وبني العناصر التقدمية والدميقراطية من ثقافتنا القومية يف احلضارة

احمللل على النحو الذي يريده له الواقع منهجيا أصبح مبقتضاه املنهج املادي التارخيي هو وحده القادر على دراسة

12، ص1984، 04ط بیروت ، ، دار الفارابي1مروة حسین ، النزعات المادیة في الفلسفة العربیة اإلسالمیة، ج : (1)

Page 73: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

72

وملا كان املنهج املختار جيسد متطلبات إيديولوجية بعينها، مل يكن .أن يكون بالفكر املاركسيالعريب املتشبع

هذا املنهج سوى ضرب من ضروب التحيز املنهجي الذي يلغي املوضوع املدروس أو يتجاهله على األقل لكون

الواقع العريب ليت تنطبق على املنهج يف هذه احلالة يؤدي إىل نتائج معروفة مسبقا، أي مجلة األفكار والرؤى ا

.ماركس واجنلز حددهامبقتضى اإليديولوجية املادية اليت

وما يؤكد انتهاء هذا النوع من التحليالت إىل حتيز يقضي على املوضوع املدروس بالزوال وبسيادة الرتعة

املوضوع املدروس ما يتسق الصورية يتجلى يف التطبيق غري احملدود للمنهج املستعار بوصفه صورة تلتقط من

ومنطقها اخلاص، بينما نظر إىل ذلك اجلانب من املوضوع الذي يتعذر استيعابه يف قلب هذه الصورة املنهجية

البد هلا أن تنطلق من احلاضر يف مجيع األحوال، ولذا يقرر حسني مروة بأنه الواقعواأليديولوجية على أن معرفة

. إن التراث يتعدد ألنه منظور إليه من احلاضر، واحلاضر متعدد. س واحداهكذا يتكشف أن هذا التراث لي"

ومن ذلك (2)".وحنن نعين هنا بالطبع املنظور اإليديولوجي الطبقي للتراث رغم أن التراث كواقع تارخيي واحد

ية ال تقيم وزنا جيتبني أننا بإزاء مسعى يستهدف إعادة تشكيل التراث والتاريخ واملاضي واحلاضر وفق منه

حلقيقة التراث وال لطبيعة احلاضر، فهي تتجاهل أن العناصر املذكورة كلها نتاج لفكرة حضارية خمتلفة هي

.اإلسالميةالعربية الفكرة احلضارية

ومن ذلك يتبني أننا مضطرين لالختيار بني نزعة صورية فارغة تبتلع املوضوع املدروس وتقضي على

فسواء كان هذا . زة، بصرف النظر عن املنهج الذي ميكن لنا أن خنتار تطبيقه على املادة املدروسةخصائصه املمي

املنهج منطلقا من رؤية ليربالية إىل العامل، بكل تنوعاا اليت ميكن أن تعرب عن نفسها من خالل مناهج علمية

هو ذلك ويساره ووسطه ميينهر العريب ، الفكما مييز ، وعليه فإن معينة ةمتعددة، وحىت من خالل رؤية سياسي

لواقع العريب، وإخضاع شعوبه، وتدجينها لتكون يف كل احلاالت تابعة، ل حماولة حتليلهإليديولوجي يف التوظيف ا

. 14مروة حسین ، النزعات المادیة ، مصدر سابق ، ص : (2)

Page 74: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

73

مسرية باسم ما تعتربه هذه االجتاهات سلطة النخبة اليت متلك احلق يف القيادة، والتوجيه، نافية بذلك خاصية

. النماء و خرى يف بناء مسرية اتمع حنو التغيريإشراك اآلراء األ

وهكذا تبخرت تلك الشعارات الرباقة اليت كانت تنادي ا هذه التيارات مبا فيها تلك اليت تدعي

لك الدميوقراطية واحلرية والعدالة، ألا مل متارسها حىت يف تنظيماا احلزبية الداخلية، أو يف براجمها، مما تولد عن ذ

فكان أن فقدت فكرة النهضة اليت . انفصام واضح بني األقوال واألفعال، بني ما تدعيه، وبني ما تقوم به فعال

اليت عكست املستوى ، و ع اقوهذا الالكلمة األكثر تداوال ، بل انقلبت إىل نداءات بعيدة كليا عن عتربكانت ت

أن تساهم يف إجناز حتوالت إجيابية، غري أن شيئا من الذي آلت إليه هذه القوى اليت كان من املفروض تارخييا

فاملثقف الليربايل مل "، حيث غرق اجلميع يف إيديولوجيات ، الزال البعض يراهن عليها حىت اآلن، حبدث هذا مل

يتمكن من االندماج عضويا يف جمتمعه، مما منعه من إنتاج وعي جمتمعي قادر على التغيري، أما الفكر القومي،

. يف ماض عقائدي، ال عقالين - كما فعل الفكر التقليدي-ه القومية فقد عاش ومع

ومع أن الفكر القومي رفع يف أغلب األحيان شعار العلمانية، إال أنه وظف الدين اإلسالمي من أجل

الدين الذي وبذلك سقطت العلمانية يف التسويغ الديين عرب حماولتها علمنة . (1)" كسب مشروعية ما ملشروعه

لذلك حتولت فكرة النهضة إىل فكرة تنموية تغاضت فيه عن مسائل التخلف ،هو يف حد ذاته نفيا للعلمانية

فاالشتراكية، مثال، عملت يف العامل العريب على تربير االستبداد، وقمع الوعي باسم العدالة . واالستبداد والوعي

كانت التنمية عملية مشوهة، مل " . والديين للمجتمعات العربية االجتماعية، متجاهلة البعد اإلنساين واالجتماعي

تتمكن من حتديث أسس املعاش االجتماعي والسياسي، ومل تتمكن من خرق الوعي التقليدي السائد ألا مل تبىن

(2) ". على أساس معريف حقيقي، بل على ميش الوعي وتقليد الغرب

131 ص، 2001مارس ، 03 عددالكویت ، عالم الفكر، مجلة : تجارب التنویر وإخفاقاتھا في العالم العربي، الموصلي أحمد : (1) . 131المرجع نفسھ ، ص : (2)

Page 75: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

74

ا العملية كانت نتيجة لعملية تنظري مفارقة ملا هو معطى فبقيت حبيسة و عليه جند أن التنمية يف صور

فكان الفكر العريب التسلط الفكريخطابات يغلب عليها الصبغة اإليديولوجية فأسست بذلك للدوغمائية و

اإليديولوجيا، حبيث كثريا ما نلمس لديه نزوعا واضحا حنو اإلقصاء، والتسلط، وتغييب احلوار بذلك حبيس

لنظرة التجزيئية والنظرة و على هذا األساس جند أن اسواء منه الداخلي أو بينه وبني من خيالفه الرأي والتوجه

اإليديولوجية القائمة على ثنائيات نقيضة إما خضوع أو تسلط، أنا أو آخر، وال تعتمد احلوار القائم على حركة

يرى، نظريا احلركة اجلدلية بني الفكر والواقع، وكذا جدلية منهجا وعلى الرغم من أن املنهج اليساري التفكري

اجلدل بني األفكار بشهادة الواقع أساسا معتمدا، إال أن ج التناول اليساري جاء متسقا مع البنية الذهنية الثقافية

. املوروثة اليت هي بنية قبل علمية، على نقيض ما بشر به املنهج اجلديل

ساري خطابا أيديولوجيا ال فكرا علميا يتصف بالشمول ومنهجية البحث جاء اخلطاب الي" ومن هنا

والصفة األساسية لإليديولوجيا هي أا تعتمد اإلميان واالكتفاء الذايت، والالتارخيية مع جتاوز . والنظر

وهكذا يتبني أن كثريا (1)." خصوصيات الزمان واملكان، من مت ترى يف نفسها حقيقة منغلقة على نفسها وائية

سيطرةويبدو أن . مما كان حمط نقد واام لآلخرين، كان بارزا، بل مهيمنا يف فكر وعمل هذا التيار

يف تعطيل مشاريع التنمية يف البالد العربية، ذلك أن كل اجتاه إيديولوجي قد تاإليديولوجيا على الفكر قد سامه

هلا حسب منظوره وتأويله اخلاص يف استبعاد كلي للمستويات األخرى فسر األحداث التارخيية والوقائع احملاطة

خبطورة النتائج املترتبة عن هذا املنحى و عليه جند أن هناك إغفال (2).اليت تبدو حسب زعمه غري ذات جدوى

أي العدالة االجتماعية وتكافؤ الفرص واحلرية يف الرب خصوصا أن هذه التيارات يف جمملها تنادي اإلقصائي،

. وتداول السلطة

193 ص 1998یونیو، 04د عد عالم الفكر الكویت ، مجلة الیسار العربي وسوسیولوجیا الفشل، جالل شوقي: (1)التیار القومي والتیار الیساري والتیار االشتراكي والتیار اإلسالمي والتیار : من أبرزھا بین إیدیولوجیات، وتیارات عدیدة صراعھناك : (2)

.اللیبرالي، إال أن أھم قاسم مشترك بین ھؤالء ھو تخطيء اآلخر

Page 76: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

75

لدى املفكرين خلقت قداإليديولوجيا على مشاريع الثقافة والتنمية يف العامل العريب هنا جند أن سيطرة من

وهذا ما يعكس يف احلقيقة خلال بنيويا . إما يف املاضي، أويف اآلخر احللول يسعى إىل إجيادخطابا مهزوزا العرب

منوذجه، ولكل حزب وثوقيته، ولكل جمموعة إيديولوجيتها مفكر أصبح لكل يف هذا الفكر بكل اجتاهاته، حيث

اليت ال تقهر، وال ينبغي اخلروج عنها أو نقدها، مما تولد عن ذلك صراع دائم بني خمتلف هذه اإليديولوجيات،

بدت يف الظاهر التخلف حىت وإن بعلى احلياة الثقافية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية أثرت نتجت عنه أزمة

.حديثة يف بعض وجوهها أو خطاباا

لد ارتدادا والعريب يف مجيع تياراته و الفكر صاحبمأزق ايديولوجي إذن و بناء على ما سبق جند أن هناك

من هذا . اىل عصر النهضة يلتمس فيه الشرعية وامكانية استعادة حيويته وانطالق النهضة العربية من جديد

ذات طرح الفكر القومي تصورا للمستقبل العريب يقوم على اعتبار الوحدة معادال للنهضة واالزمة املنظور بال

لكن الفكر القومي يسقط يف أوهام أيديولوجية تستحيل معها اطروحاته بالغة . نتيجة حتمية للدولة القطرية

كليا يف فكر النهضة العربية ووضعه اىل اعادة النظر رضوان زيادة لفظية تتماهى فيها املتناقضات، من هنا يدعو

ضمن سياقه التارخيي املوضوعي، ما يوجب التمييز بني النهضة كمفهوم وتوجه، وبني املقوالت النهضوية

الفكر العريب يف مجيع تياراته ولد على مستوىمأزق ايديولوجي و عليه جند أن هناك املرتبطة بزمانية حمددة،

من . استعادة حيويته وانطالق النهضة العربية من جديد وإمكانيةس فيه الشرعية عصر النهضة يلتم إىلارتدادا

واألزمةهذا املنظور بالذات طرح الفكر القومي تصورا للمستقبل العريب يقوم على اعتبار الوحدة معادال للنهضة

تتماهى و أطروحاتها لكن الفكر القومي يسقط يف أوهام أيديولوجية تستحيل معه. نتيجة حتمية للدولة القطرية

. فيها املتناقضات، ويغري املعىن احلقيقي للنهضة

إن ما خنلص إليه مما سبق أن النهضة العربية مل تأت من الطريق الصحيح بل حاولت أن تتمثل جتربة الغرب

ر العريب املعاصر ممارسة عملية تفكيك مضادة، يبين فيها الفك ويف النهضة، فوقع جيل النهضة يف التعبية الشاملة،

Page 77: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

76

األصالة واملعاصرة، التراث : مرجعه الفكري اخلاص، وهويته اخلاصة بدال من املراوحة يف الثنائية العقيمة

.والتحديث، فوعي النهضة الشاملة يبدأ من وعي الذات ومن وعي اهلوية املستقلة

Page 78: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

77

: املعاصرجدلية االنا و االخر يف اخلطاب العريب : املبحث الثالث

يرى حممد عمارة أن التيارات الفكرية العربية تسترتف طاقاا يف الصراع ، إذ جند أن كل تيار حياول هدم

ما يثبته تيار آخر ، ما جعل من الفكر العريب اإلسالمي يدور يف نقطة الصفر ، حبيث أن هذه التيارات تتحصن

ديد الذي خيتلف عنا ، و عليه أصبحت هذه بالتقليد ، سواء على مستوى تقليد السلف ، او تقليد الوافد اجل

: التيارات تعاين من فقر يف اإلبداع و التجديد ، و هنا جتدر بنا اإلشارة إىل أهم التيارات الفكرية و الثقافية وهي

الذي اعتمد املرجعية الدينية أساسا لتحقيق الصحوة العربية ، و يتجلى ذلك يف :أ ـ تيار التقليد للموروث

ظ على الدين و الذات ، غري أن هذا التيار مل يتمكن من منافسة النموذج الغريب املتمثل يف التطور الصناعي احلفا

و ما نتج عنه من مظاهر االستعمار ، فهو مل يتمكن من فرض وجوده بقدر ما ترك فراغا للوقوع يف االستالب

مة و اجلمهور ، فترك احلاضر و عقول النخبة اليت لقد حتصن هذا التيار باملاضي و من ورائه أفئدة العا" احلضاري

ما يعين يف هذه احلال أن والدة الفكر . (1)" صنعها االستعمار يف مؤسساته الفكرية ، ووفق مناهجه الوضعية

العريب املعاصر يف هد ذاته كانت قيصرية فاخلطاب الذي يعرب عن يبحث يف ما كان و ال يأخذ مبا هو كائن إمنا

يعود إىل أن عوامل تكوينه مل تكن طبيعية ، و على هذا األساس فاألزمة هنا تتمثل يف أزمة تكوين العقل العريب

. ع العريب و ليست الواق

و قد ظهر مع احلملة الفرنسية على مصر ، إذ كانت متثل البدايات :ب ـ تيار احملاكاة و التقليد للوافد اجلديد

األوىل يف عملية االنفصال عن املوروث ، و استبدال النموذج الغريب مببادئ احلضارة مببادئ اإلسالمية ، وقد مثل

يت كانت هلا ميول تغريبية حبكم مرجعياا غري اإلسالمية ، و كأن هذه الفئة هذا التيار مجلة من النخب املثقفة ال

التيار الكافر بالشرق ، " من املفكرين حقدا ضمنيا عن ما هو عريب إسالمي ، كما يسميها حممد عمارة ب

, 62رة ، ب ط ، ب ت ، ص عمارة محمد ، أزمة الفكر اإلسالمي المعاصر ، دار الشرق األوسط للنشر ، القاھ: (1)

Page 79: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

78

، و هنا نشري إىل أن هذا التيار حاول جتاوز كل ما له عالقة صلة بالفكر العريب لدرجة يرى (1)" املؤمن بالغرب

بأن حماكاة الغرب جيب أن تكون على كل املستويات مبا يف ذلك تبين اللغة اإلجنليزية اليت هي حبق على عالقة

ة الزمة أداة مييز الثقافة العربية هكذا إذن حاول تيار التعريب الذي يشري بثقافة الغرب أدا. بقيم و احلرية

. اإلسالمية

الذي يرى أن احلفاظ على ثوابت األمة اليت هويته ضرورة لبناء ضة عربية و :ج ـ تيار اإلحياء و التجديد

تؤسس حضارة مع اإلسفادة من إبدااعات العقل اإلنساين يف خمتلف العلوم املوضوعية احلضارات اليت هي مشترك

إم أرادو مشروعا جتديديا ال يقيم قطيعة مع التراث ، و إمنا يتجاوز املتخلف منه ، ذلك الذي " م انساين عا

إن هذه التيارات الفكرية مبختلف مشارا مل (2)." جتاوزه التطور و ال يقيم قطيعة مع احلضارات األخرى

وصا مشكلة اهلوية و عالقتنا باآلخر تستطع التأسيس لنهضة عربية ، بقدر ما أثارت إشكاليات أكثر عمقا ، خص

، هذا اإلنقسام حول املشروع احلضاري العريب إىل نقطة بدايته ، باعتبار أنه لكل تيار فكري كان يتضمن

أيديولوجيا معينة ، كانت سببا يف عدم القبول باآلخر الذي خيتلف عنا فكريا أو الذي خيتلف عنا ثقافة و

فكيف وظفت : ظري للتنمية يف حد ذاته مطبوعا بطبيعة إيديولوجية ، و عليه هنا سيصبح التن. حضارة و فكرا

. التنمية كمشروع لتحقيق التقدم و التطور إيديولوجيا ؟ و هل استطاع الفكر العريب املعاصر جتاوز أزمته ؟

, 66نفس المرجع ، ص : (1) 72عمارة محمد ، مصدر سابق ، ص : (2)

Page 80: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

79

: اآلخر و تأثريه على الفكر النهضوي العريب ـ 01

العامة تتم من خالل عوامل داخلية و تطورات ذاتية ، بعيدا عن كل ديد يبدو أن النهضة بصورا

خارجي ، غري أن النهضة العربية احلديثة كانت وليدة الصدمة مع قوة خارجية و مهددة ، تتمثل هذه القوة يف

سواء كانت الغرب و توسعاته اإلستعمارية ، ما جعل من العامل اخلارجي هو احملرك االساسي للعوامل الداخلية

يصدق هذا على مجيع األقطار العربية ، كما " اقتصادية أو إختماعية ، اليت كانت ما تزال يف حالة سكون

هذه اإلزدواجية بني العدو و النموذج (1)."يصدق على مجيع البدايات املقترحة لظهور التيارات النهضوية فيها

يف اآلن نفسه ستجعل من موقف النهضة العربية من املاضي و املستقبل معا موقفا مزدوجا ، ما سيؤدي إىل جعل

قضية النهضة العربية تتخذ وضعا إشكاليا يعرب عن وجود نوع من التوتر و القلق يف العالقة بني املاضي و

. و الفكر املعاصر ، و بني األنا و اآلخر املستقبل ، و بني التراث

ين منه الفكر العريب يف عصر النهضة و ما بعدها يعرب عن متزق على الصعيد القد كان االنشطار الذي يع

السياسي و اإليديولوجي ، حبيث جند أن هناك من كان مع الغرب إيديولوجيا و ضده سياسيا ، و كان هناك من

إيديولوجيا من جهة ، كما كان هناك تيار يف الساحة الفكرية العربية مع األصولية كان معه سياسيا و ضده

. اإلسالمية إيديولوجيا ، و ضد اخلالفة العثمانية سياسيا من جهة أخرى

و هكذا وجدت قوى النهضة العربية نفسها يف وضعية معقدة ن يف وضعية صراع من أجل اخليارات على

وضعية كان من مساا البارزة حتالف بعض فصائل قوى التجديد و النهضة " السياسي الصعيدين اإليديولوجي و

مع خصمها التارخيي الداخلي املتمثل يف قوى التقليد و احملافظة ، و حتالف فصائل أخرى من القوى ذاا مع

ا كانت النهضة تنطلق مما زاد مشكل النهضة يف الوطن العريب تعقيدا ، ألنه مل(2)" . خصمها الوطين و القومي

من اإلنتظام يف التراث ، جند أن الذي حيصل بالفعل هو الصراع من أجل األصول ، و هذا إلرتباطها باحملافظة

27المرجع نفسھ ، ص : (1) 29الجابري محمد عابد ، اشكالیات الفكر العربي المعاصر ، مصدر سابق ، ص : (2)

Page 81: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

80

على اهلوية ، ما يعين أن عملية العودة إىل األصول ستصبح مصدرا لتعقيد املشكل و ليس وسيلة من وسائل جتاوز

. املستقبل املاضي و احلاضر معا ، و التوجه حنو

وعليه فإننا جند أن اخلطاب العريب املعاصر يعمل على تعطيل احلركية الفكرية ضمن قوالب توظف كما هي

، مبعىن أا توظف باملضمون نفسه الذي حتمله من الواقع الذي استخلصت منه ، و هكذا سيصبح الواقع العريب

.إجتماعيا أو حىت إيديولوجيا خاضعا للواقع األورويب ، سواء كان ذلك سياسيا أو

: واإلبداع التقليد سؤال التنمية العربية بني ـ 02

مبشاريع إصالحية هدفت للخروج من املترديالواقع جتاوز يبدو أن البعض من املفكرين العرب حاولوا

تتصل مبوقفنا إن القضية سواء كانت يف إطار إقتصادي أو إطار سياسي أو إطار إجتماعي "حبيث هذه األزمة

تتصل مبوقفنا كمواطنني أمام املشكالت، إننا عاجزون عن صياغتها فكريا و إذا صيغت بصورة ما . حنن أفراد

فعملية التنظري و التشخيص يف هذه احلالة تكشف لنا عن (1) "فإننا عاجزون عن التصرف يف اإلمكانيات حللها

قصور يف عملية إدراك الواقع و معرفة خمتلف املعوقات اليت حتد من عملية حتقيق فعل التنمية كممارسة ، حبيث

ينكشف لدينا هوة فارقة بني تشخيصنا هلذه املشكالت نظريا و العمل على جتسيدها عمليا ، و هنا يقوم العجز

شعور بنوع من اإلغتراب الذي يفرض علينا اإلستئناس بنظريات و مناهج جاهزة من الفكر الغريب الذي و ال

. يعترب النموذج األمثل لتحقيق التقدم

و على هذا األساس فإن فكرة التبين يف بعض صورها، أو حىت فكرة التوفيقية اليت سادت مع البدايات األوىل

ا مفكروا النهضة يف قراءة مفهوم النهضة من زاوية معرفية خالصة، امتثاال للفكر النهضوي العريب قد تناوهل

لشروط النهضة األوروبية و مراحلها، فوقفوا على العالقة املطلوبة بني الفكر والنهضة االجتماعية مستدلني

حتميا على مشاريع بالنهضة األوروبية منذ عصر التنوير و حىت الثورة الصناعية، فاعتربوا ذلك قانونا عاما و

. 129، 128، ص ص 1979، 01ط إبن نبي مالك ، تأمالت ، دار الفكر المعاصر ، بیروت ، : (1)

Page 82: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

81

.النهضة

و بناء على هذا فقد تبىن النهضويون املثال األورويب على احلالة العربية فرأوا بأن مواجهة معضالت

النهضة تتم من خالل قراءة الواقع العريب أروبيا، و ذلك عن طريق نقد املوروث الثقايف كأساس للوعي اجلديد،

التراث هو " وير و الوعي ال تتم إال بتفكيك املوروث الديين السائد، فإذ اعترب بعض املفكرين أن حركة التن

مبعىن (1) ."سواء القريب منه أو البعيد. كل ما هو حاضر فينا أو معنا من املاضي، سواء ماضينا أو ماضي غرينا

أن حتقيق فعل النهضة ذا التصور يتطلب اإلنطالق من إعادة النظر يف املوروث الثقايف الذي يشغل املفكر العريب

فقامت النخب التقدمية بنمذجة الواقع العريب بالواقع األورويب، باعتباره مقوم جوهري يف عملية البناء التنموي،

األوروبية اليت تبلورت بصورة جلية يف القرن الثامن عشر امليالدي، عن طريق استعارة أصول احلركة التارخيية

مؤسسة على الظواهر االنسانية خالل فترة العصور الوسطى اليت حتيل إىل التشابك بني االنسان و العقيدة ممثلة يف

رجعية النهضوية العربية و هنا حيدد لنا اجلابري العوامل االوىل احملددة لثنائية الدين والدولة يف امل. رجل الكنيسة

:على الصورة التالية

.استلهام جتربة مثل التجربة الدينية األوروبية : أوال

.التعامل مع مشكل الطائفية الدينية : ثانيا

.ربط النهضة بالفصل بني الدين و الدولة أي استلهام النهضة األوروبية: ثالثا

من شأن الفرد وحده، فالعالقة بينه و بني اهللا عالقة مباشرة الدين االسالمي" و على هذا األساس يصبح

تتم بدون توسط، ما حيتاج إليه مثل هذا اتمع هو فصل الدين عن السياسة، مبعىن جتنب توظيف الدين ألغراض

إن هذا التصور الذي تقدمه النخب املثقفة و ما تريد بلوغه من فكرة فصل الدين عن الدولة (2)".سياسية

.45، ص 1991، 01الجابري محمد عابد ، التراث والحداثة ، دراسات ومناقشات ، المركز الثقافي العربي، الطبعة : (1)، ص 1993، 01الجابري محمد عابد ، وجھة نظر نحو إعادة بناء قضایا الفكر العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربیة، بیروت ط : (2)

106

Page 83: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

82

يتجاوز التوظيف السياسي للدين، بل ميتد ليشمل فصل الثقافة و التاريخ والتراث العريب و االسالمي عن حاضر

" اتمع العريب و مستقبله ، إذ أن املشكلة اليت أثارها هؤالء مل تكن هلا عالقة بالفكر العريب تارخييا حبيث أم

ا، و أوروبا يف معركتها مع الكنيسة مل تفصل الدين عن الدولة، أتوا بفكرة فصل الدين عن الدولة تقليدا ألوروب

ما (1). "ألن الوحدة السلطوية و التشريعية بينهما مل تكن موجودة لعدم وجود التشريع أصال يف املسيحية

رب يف يكشف لنا أن املفكرين العرب مل يأخذوا باألبعاد اليت سيتنج عن هذا اإلستنساخ غري املربر ملا يقدمه الغ

تنظريهم للنهضة بإعتبار هذا املفهوم هو الذي كان متداوال يف هذه الفترة غري أن فكرة فصل الدين عن الدولة يف

التنظري األورويب كان ناجتا عن مجلة من املؤثرات اليت رفضت األخذ ذا التصور، و هو على وجه اخلصوص

انت تعارض املعتقد الكنيسي و هذا ما أدى إىل ضرورة التضارب احلاصل بني ما توصل إليه العلماء من نتائج ك

وضع قطيعة إبستمولوجية بني العلم و الدين، لتتطور املعادلة بعد ذلك إىل اجلانب اإلقتصادي و السياسي ، و

مشكلة مل تكن قائمة لدينا باألسلوب األورويب و لكن " عليه فالدعوة إىل هذا اإلعتقاد يف الفكر العريب إمنا هي

يرها إىل فصل الدين عن الدولة يعين بالنسبة لنا فصل التشريع و الثقافة بكاملها عن اتمع، أي إلغاء ماضينا حتو

، هذه الصورة اليت آل إليها الفكر العريب سينتج عنها تبين (2) "و حاضرنا و مستقبلنا و هذا هو التدمري بعينه

تيارات و مذاهب على صلة مباشرة مبا ينتجه الغرب من معرفة و تطور خصوصا يف اال اإلقتصادي و

. السياسي الذي سينعكس على احلياة اإلجتماعية و ظهور مفاهيم جديدة كالرفاهية

إن ثقافة النقض اليت اتبعتها النخب احلديثة عرب تبين منهج البحث التارخيي و االجتماعي الغريب املتشكل يف

مرحلة اشتداد الصراع مع الكنيسة قد حتولت إىل منط فكري سائد يف الفكر العريب، و الناشىء عن استجابة من

وانني تسري مفعوالا على باقي املناطق واتمعات جانب النخب احلديثة للعلوم الغربية و تصنيمها و اعتبارها ق

أننا ما زلنا فريسة التمويه الذي " ليعاد انتاج التخلف و الال تارخيية، و كما يرى هشام شرايب يف هذه الظاهرة

68ص 1988، 16مجلة الباحث العربي ، مركز الدراسات العربیة ، عدد : (1) . 68المرجع نفسه ، ص : (2)

Page 84: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

83

محله إلينا مثقفونا بتقديسهم للتراث الغريب، و احلضارة الغربية و بعجزهم عن اختاذ أي موقف نقدي صحيح

و بالتايل فإن اإلعتماد على الفكر (1) "ا، فأصبحنا نأخذ بكل ما هو غريب و نرفض كل ما يناقضه يف ثقافتناحنوه

القومي األورويب ليكون وعاءا ملشروع النهضة و اعتباره قاعدة الرتكاز اخلطاب العريب، و إعادة انتاجه بتكييفه

حلة التأصيل املمتدة على مدى القرن التاسع عشر حبيث مع الواقع املعيش قد شهد مرحلتني، إذ تعترب األوىل مر

يعترب رفاعة الطهطاوي منوذجا بارزا يف هذه املرحلة بوصفه املفكر الذي وضع املعامل األوىل ملركب ثقايف جديد

جيمع بني الثقافة العربية و الفكر احلديث يف كل موحد مبعىن أن الطهطاوي كان أول من أرسى مركبا ثقافيا،

. جيمع يف داخله مكونني ثقافيني تقليدي وعصري

أما املرحلة الثانية فتمثل ظهور الفكر القومي الذي حترر من النظرة التقليدية حبكم تكامل مشروعه، ما

و عليه فإن املثقفون العرب منذ الطهطاوي رأو بوجوب متثل املسلك األورويب يف . جيعل منه خطابا قوميا حداثيا

إن هذا املأزق هو االعتقاد بأننا لو أخذنا نفس "الشرق، فكان ذلك مأزق النهضة احلقيقي النهضة و أوربة

مبادىء األوروبيني لتقدمنا مبعىن أننا ذا االعتقاد ألغينا التاريخ و ألغينا العالقة التارخيية بيننا و بني الغرب و ألغينا

يف أوروبا إىل ظهور الثورة الصناعية و الثورة أيضا كل صريورة املسلسل التارخيي و االجتماعي الذي أدى

لقد أملى هذا االعتقاد على الفكر العريب النهضوي اعتماد املرجعية الغربية اليت دشنت خالل (2) ".السياسية

مراحل متعاقبة ميكن امجاهلا يف عصر النهضة األوروبية يف القرن السادس عشر و عصر األنوار يف القرن الثامن

ر احلداثة يف القرن التاسع عشر، وعصر ما بعد احلداثة يف النصف الثاين من القرن العشرين، فاملأزق عشر، و عص

الكامن يف الفكر العريب النهضوي، أو بتعبري حممد عابد اجلابري الصراع احملتدم يف الشرق هو بني مرجعيتني،

مرجعية تراثية تنتمي إىل "ري حتاول كل مرجعية االنتصار على األخرى و لكن ليست حسب تصنيف اجلاب

74ص 1985مقدمات لدراسات المجتمع العربي ، األهلية للنشر والتوزيع ، بيروت –شرابي هشام : (1) 144، ص 1987، 32جديدة للنهضة العربية ، العدد غليون برهان ، مجلة الوحدة ، تصورات : (2)

Page 85: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

84

و إمنا بني مرجعيتني ذاتية و أجنبية، مستقلة و تابعة، إن نقل (3)."املاضي ومرجعية ضوية تنتمي إىل املستقبل

الصراع املرجعي إىل تلك الثنائية العقيمة و املشوهة يعطف بالصراع خارج املسار التارخيي الذي طرحت فيه أول

.اآلخرمرة مسألة العالقة مع

إن هذه التصورات الناشئة عن تراكمات التجربة السياسية العربية املعاصرة و ما استنهضت من مدلوالت

الشكالية املرجعية يف صيغة ثنائيات متقابلة، األصالة و املعاصرة، القدمي واجلديد، حتيل إىل أحكام متجنية على

ال الرجعية و التخلف و التزمت، فيما جتعل من النهضوية طرف لصاحل آخر، لتجعل من املاضوية شكال من أشك

و هكذا فالبحث يف موضوعية النهضة كما طرحت يف بداية املواجهة بني ، نظريا للتقدم و العلم و االنفتاح

العرب و الغرب كان يعين البحث يف سبل الرقي من موقع األصالة واهلوية املميزة، لكي يكون الشرق ندا

السؤال يدور حول مقدار االقتباس املطلوب لتلبية شروط الرقي، إال أن السؤال أخذ مبرور الوقت للغرب، فكان

مسارا خمتلفا مع الشعور العميق باالنكسار أمام الفكر األورويب و تكرس معادلة الغرب الغالب و الشرق املغلوب

معرفية ، تيار األصالة الذي وجد يف العودة لتنبعث من تلك النتيجة ردود افعال متباينة تشكلت يف اطار تيارات

إىل املاضي وسيلة للتحصن أمام الغرب ، و تيار املعاصرة الذي آمن بأن الشرق ليست له القدرة على حتقيق

النهضة إال بتجاوز النظرة التقليدية ، و تيار حاول التوفيق بني األصالة و املعاصرة، حمتويا مربرات االنقسام و

.ني التيارين بطريقة توفيقيةاالنفصام ب

: حماولة استحضار الذات من اجل قراءة التراثـ 03

انطالقا من ثنائية الذات واآلخر أو العرب والغرب انقسم املفكرون العرب املبشرين بالنهضة إىل تيارات

فكرية متعددة، اتفقت على ضرورة النهوض والقيام حبركة فكرية واجتماعية تعيد العرب لسالف جمدهم،

. ولكنهم يف املقابل اختلفوا يف الطريق املوصلة إىل هذه النهضة

. 11وجهة نظر ، نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر ، مصدر سابق ، ص –محمد عابد الجابري : (3)

Page 86: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

85

النهضة هي حمصلة لعملية تغيري واسعة مست جوانب عدة من احلياة العربية، وكما يرى من هنا يظهر لنا أن

عامل ذايت ينبع من الظروف اخلاصة تمع معني، وعامل : علماء االجتماع، فإن أي تغيري يكون مدفوعا بعاملني

" عملية التثاقف يف الذات وتدفعها حنو التغيريخارجي يكون نتيجة االحتكاك باآلخر وثقافته اليت تؤثر عن طريق

فاخلطاب الذي ينتجه املثقف العريب املعاصر باختالف إجتاهاته األيديولوجية و مرجعيته الذهنية و خمياله

و عليه فاخلطاب النهضوي مبختلف دالالته إمنا يتضمن أبعادا (1)" االجتماعي هو خطاب اغترايب أو توفيقي

لفياا ، ما جعل من مسألة التنظري لفعل التنمية تبقى حبيسة ما يقدمه اآلخر من أفكار يؤسس أيديولوجية هلا خ

عليها املفكر العريب مقوالته ، و بالتايل يغلب عليه هنا التبين ألفكار ليست هي نفسها من البيئة العربية يف

أنه حياولة التوفيق بني ما هو قادم من مكوناا سواء كانت الفكرية أو حىت الثقافية ، ما يعين يف هذه احلالة

. اآلخر و ما هو متداول يف الواقع العريب

فعلى سبيل املثال، فإننا جند أن اقتصاد السوق الذي اعترب اخلمسينيات من القرن املاضي، من املشروعات

إال أن عقد الثمانينيات أصدر والنماذج االقتصادية اليت ميكن األخذ ا، أجهض عليها املد الثوري يف الستينيات،

و عليه . حكما بالعفو عنها، مث لتصبح يف التسعينيات من املفاهيم االقتصادية اليت حتاول الدول العربية أن تتبناها

أليس من املنطقي للتنمية العربية أن تكون قد بدأت بتبني مفاهيم العقالنية، واحلرية، والقانون، واحترام اآلخر،

ل مفاهيم االستهالك واإلنتاج واالستثمار والربح واخلسارة؟ والشفافية قب

وحنن إذ نتحدث عن نقد وقصور اخلطاب التنموي العريب املعاصر، فإننا نقصد يف احلقيقة نقد الفكر املنتج

ال يعكس بالضرورة الواقع -ممثال باملظاهر اإلنتاجية السلعية-له، على اعتبار أن الواقع االقتصادي املادي

احلقيقي ألي فكر تنموي، كما أنه مل يشكل يوما الواقع اجلوهري يف بنية أي فكر ضوي حقيقي ، و نشري هنا

31ص 1981العروي عبد اهللا ، األيديولوجية العربية المعاصرة ،دار الحقيقة بيروت ، سنة : (1)

Page 87: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

86

إىل أن سباق االقتصاديني والفالسفة العرب وراء النظريات اجلاهزة يف حتليل التخلف والتنمية جعلهم يغيبون

السريع حنو التطوير يف الوطن العريب، مدعاة للوقوع ائيا عن تشخيص حالة التخلف العربية، وقد كان السعي

فالفكر التنموي العريب مل يولد سوى سياسات تنموية عشوائية أدت إىل املزيد . يف فخ اقتناء مظاهره فحسب

.من التبعية للدول الرأمسالية، وإىل فشل خطط التنمية

ء تقنيات أسهمت يف تبعية االقتصاد العريب بدال من إن الرغبة العربية يف حتقيق تصنيع عاجل قادت إىل انتقا

استقالله، وهنا نشري إىل أن االعتماد على النفس ال يعين االنكفاء داخل احلدود أو حتقيق االكتفاء الذايت، وإمنا

يعين أن حنقق مصاحلنا االقتصادية واالجتماعية باستخدام أساليبنا اخلاصة، وهو ما يتحقق عن طريق التكامل

. القتصادي، مع مراعاة التالقح الفكري مع الشعوب واحلضارات األخرى مبا هو لصاحلناا

وقد مارست الدول العربية منذ استقالهلا السياسي منطا تنمويا قطريا انعزاليا مما أسهم يف غياب البعد القومي

تنمية بالوكالة نظريا وعمليا، فالبريوقراطية التنمية العربية حقا " ف .للتنمية، وهو بدوره رسخ وعمق من التبعية

متارسها نيابة عن الشعب، وتسلمها بدورها إىل مصاحل الدول الصناعية، ألنه ال خيار أمامها غري ذلك، نظرا

مبعىن أننا . (1) "لغياب أي مشروع ثقايف وحضاري لديها، ونظرا أيضا النعدام الكفاءة اإلدارية والتقنية لديها

وعليه حنن من ينظر لفكر التنمية بل النخبة مبختلف تراتباا اإلجتماعية تعتمد على مناذج تنموية جاهزة لسنا

جوهر املعضلة ليس االختيار بني رأمسالية واشتراكية، بل يف دفع اتمع حنو اإلبداع الفين واإلنتاجي حبد " ف

من هنا ينكشف لدينا أن مشكلة التنمية يف (2)." ضاريأدىن من الذاتية اليت ال تتحكم فيها أهواء االغتراب احل

الوطن العريب ليست يف إختيار النهج الذي حنقق به هذه الغاية بقدر ما يعين حتديد هويتنا و متيزنا يف فعل التنمية

.

120، ص 1985 – 02الطبعة -لبنان -بيروت -دار الطليعة -التنمية المفقودة - قرم، جورج : (1) 153نفسه ، ص مرجع: (2)

Page 88: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

87

ركز اهتمامه على الشكل اخلارجي للتنمية واحلداثة، وعلى مستويات " و على هذا األساس فاملفكر العريب

ما يعين أن الواقع (1)." املعيشة، وأمناط االستهالك وتوزيع الدخل، دون أن يعطي جوهر التنمية األمهية الكافية

: العريب أصبح يعاين جملة من االستالبات ميكن أن نلخصها يف

. الذي جتسد بالتبعية االقتصادية وتراكم التخلف: االستالب االقتصادي -

. ممثال يف غياب وقصور الوعي السياسي: االستالب السياسي -

. االجتماعي الطبيعي، وعدم إعادة تشكيلهالذي جتسد يف ختريب التحول : االستالب االجتماعي -

وذلك من خالل غياب املوضوعية، والنقد العلمي التارخيي للماضي واحلاضر، باإلضافة إىل : االستالب الثقايف -

. رفض املنجزات الثقافية للحضارة الغربية

.الذي جتسد يف غياب اإلبداع واالبتكار والتجديد: االستالب الفكري -

بع للخطاب الفكري العريب املعاصر جبميع أبعاده يتكشف له أنه ينطوي على مستويات خمتلفة ، حبيث إن املتت

أنه يتوزع على أرضية فكرية خمتلفة من الفكر الليبريايل إىل الفكر القومي أو املاركسي أو إىل التوجه الديين ،

اجسا مشتركا و هو مسالة اهلوية و عالقة فهناك أكثر من فكر يعكس تصورات خمتلفة ، و لكنه باملقابل حيمل ه

هذا الفكر باآلخر من جهة ، وكذلك مشكلة العالقة بني التراث و املعاصرة من جهة أخرى ، و عليه فان

موضوع العالقة بني احلاضر و املاضي أو التراث و املعاصرة ، أو األنا و اآلخر كثريا ما جنده متداوال يف

باعتبار أن هذه الثنائية هلا عالقة بالتطور و حتقيق التنمية ، إذ نلمس أن نقطة التحول يف اخلطاب العريب املعاصر ،

حبسب ما جيمع الباحثني ، واليت سامهت يف تشكل تيارات الفكر 1967تاريخ العرب املعاصر يعود إىل هزمية

على ثقافة الغرب هو الذي هزم العريب املعاصر، فقد أرجعت القوى احملافظة ذلك إىل أن املشروع احلضاري املبين

167نفسه ، ص رجعالم: (1)

Page 89: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

88

، لتربر ظهورها من جديد ، و قد ظهر آنئذ ما مسي احللف اإلسالمي الذي كان يهدف أساسا إىل حتويل

األنظار من املشروع اإلشتراكي التقدمي إىل ضرورة العودة ألصالتنا ، و كان البعض اآلخر يرى يف الثقافة

. السلفية املتخلفة هي سبب اهلزمية

:احلداثة و مسألة الثرات - 04

لقد حتدث علي حرب عن الثرات وال سيما الثرات الفكري شانه يف ذلك شان الكثري من املفكرين أمثال

حممد أركون و حممد عابد اجلابري و غريهم وأشار إىل أمهيته وبني مكانته يف احلداثة الفكرية الراهنة والسؤال

كانة اليت حيتلها الثرات؟ الذي يطرح نفسه هنا ما هي امل

أن مسالة التراث الفكري أخذت " يرى علي حرب أن التراث احتل مكانة كبرية يف العصر الراهن حيث

عندما نتحدث عن ف )1(." حتتل حيزا كبريا من اهتمام املثقفني بل هي أضحت حمور من حماور الثقافة السائدة

يطرح مشكلة احلداثة من خالل منظور التاريخ املقارن " القول أن أركون املشروع احلداثي االركوين جيدر بنا

فاركون من خالل دراسته .)2(" أي من خالل التجربة الالتينية املسيحية والغربية" للثقافات والعقائد والتجارب

ا بلغ من للحداثة يتناوهلا من جانبني جانب عريب متخلف، متقوقع على معتقداته وجانب غريب متقدم بلغ م

أن احلداثة احلديثة ولدت يف ارض أخرى ال متت إىل ارض السالم بصلة أي يف ارض املستعمرين "إذ احلداثة

هذه يف جممل القول نظرة أركون للعالقة بني )3(" .السابقني الذين ينتمون تارخييا إىل ديانة أخرى وتراث أخر

مل الغريب صنع حداثته لكن العامل العريب ال يزال يسري خبطى بطيئة العاملني العريب والغريب ورؤيته تقوم على أن العا

.حنو التقدم وهو يرفضه ألنه من صنع غريب وجذوره غربية ختتلف عن معتقداتنا العربية اإلسالمية

حسين المروة الماركسية ودراسة الثرات العربي اإلسالمي مناقشة إلعمال " حرب علي ، الماركسية ودراسة الثرات العربي اإلسالمي )1(

.131ص 1980دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، د ط " والطيب تريز .197ص ، 3اإلسالم والذات، التبين، العدد ،أركون محمد )2( .168 ص 2000، 1حرب علي ، حديث النهايات المركز الثقافي العربي الدار البيضاء بيروت ،ط )3(

Page 90: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

89

ن نظرة أركون للحداثة الغربية تقوم كما يعرضها علي حرب على أساس أا انتصار وتفوق العقل الفلسفي ا

وإمنا هو يسري وفق تيار تدرجيي وبذلك . نويري عن العقل الالهويت والنبوي وهو تفوق مل يأيت دفعة واحدوالت

وأصبحت هلا حرية التصرف والتعامل وهذا هو الثالوت احلداثي الذي " واستقلت الروح . حترر العقل البشري

احلداثة االروبية" يؤكد آركون أن دد ويف هذا الص. )1(" قال به علي حرب املتعلق بالفعل واحلرية والتقدم

منذ القرن الثامن عشر على األقل فكرة أن العقل حترر ائيا من االكراهات التفسريية للتحجر الدغمائي ربتنا

لكي خيتم املعرفة لذاا وبذاا وقالت لنا بان ذلك ممكن يف كل مكان حيصل فيه الفصل اجلدري بني الدين

فلما حتررت الذات أصبح للعقل القدرة على التقدم واحلرية وصار (2) ".ة والدولة احلياديةوالدولة وبني الكنيس

وأصبحت العقالنية هي القول مبرجعية العقل واالعتراف حباكميته حتت شعار العقالنية . العقل سيد املوقف كليا

حرب مل يقبل أن تكون فعلي (3).كما يرى أركون بلغ الغرب ما بلغ ووصل إىل ما وصل من حتديث مادي

ووصوهلم إىل ما وصلوا إليه فحىت العهد العباسي مورست العقالنية لكن . العقالنية وحدها سبب لتقدم الغريب

فسبب التقدم وبلوغ احلداثة هو ازدهار العقل وخوضه . رغم ذلك عاشت الدولة اإلسالمية أسوء احنطاط عرفته

.و من اخلرافاتيف جماالت متعددة وحىت ولو كان يتخبط يف ج

مثت جمال هو األهم ميكن لنا أن نتعلم فيه من الغرب هو " ألنه العقل يكون مبمارسته بفعالية نقدية تطور ن إ

أن . كيفية تعامله مع ذاته وطريقة تدبره ألزماته والبارز يف هذا اال من خالل صريورة العقل الغريب وجتاربه

الرؤية هذا العقل يقيم عالقة نقدية مع ذاته والعودة على أنظمته املعرفية واستراتيجيته العملية لتفكيك مناذجه يف

فالغرب بلغ ما بلغه من وراء نقد العقل لذاته والعودة املستمرة (4). " والتقييم أو لتغري طرقه يف التفكري والتقدير

.على كل منتجاته بالنقد والتفكيك أي أن هناك صريورة متواصلة من نقد العقل لذاته ومن نقد النقد

.168، ص 01، ط 2000حديث النهايات، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء بيروت، حرب علي ، )1(

.14ص 01.، ط 1999أركون محمد ، الفكر األصولي، واستمار التأصيل، ط هشام صالح دار ساقي بيروت لبنان، : (2) .214حرب علي ، حديث الماهية والعالقة نحو منطق تحويلي، ص : (3) .78علي ، حديث النهايات، ص حرب: (4)

Page 91: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

90

أن العجيب املدهش ال يوجد يف القران وإمنا يوجد " وجند أن أركون يقود بنفسه الفكرة القائلة ذلك

وعليه (1)".وينبغي أن ينتج ذلك عن عملية تفكيك السنية وأدبية للنص على العكس الستخدام التعقل والذكاء

كانت عملية النقد هي تفكيك وتعرية آليات الفكر والذي ولد النظريات املختلفة والتشكيالت املتنوعة من اجل

.نزع البداهة عنها وتبيان أصلها وتارخيها

يصفه بأنه منوذج البد أن حيتذي العامل العريب فأما فيما يتعلق باملخطط الذي وضعه أركون لتقدم العامل الغريب

بالقفز فوق املنجزات وال حيرق املراحل وإمنا باجتيازها عينا بعني " يقتفي خطاه وهذا يتم حسب أركون وان

فارق " فثمة فاذا رجعنا إىل علي حرب جنده يرفض هذه الفكرة اليت قال ا أركون ويهامجها (2)."وشربا بشرب

كثري اقلها فارق التصنيع ولكن هذا ال يعين أننا ال ينكر بني اتمعات الغربية واتمعات العربية من نواحي

مازلنا خارج العصر كما يضن بعض احلداثني رمبا حنن منارس حداثتنا كمستهلكني أكثر مما منارسها كمنتجني

". ولرمبا منارسها باملقلوب ولكن حنن نتعاطى بشكل من أشكال مع احلداثة اليت أصبحت ظاهرة كونية شاملة

عرب مفتقرين إىل احلداثة ولكننا نفتقر إىل مؤهالت جتعلنا قادرين على التعامل معها أو وعليه فلسنا ك(3)

. تداركها أو حسن استعماهلا

وعلى أساس ذلك قام بتشبيه رأي اركون احلداثة الغربية عينا عينا وشربا شربا حبجة أخيل اليت عرضها فيما

فيما نسميه رهان أخيل والذي اثبت من خالله امتناع احلركة ومفاده أن أخيل الذي هو . مضى زينون االيلي

ن املسافة بينهما، الن عليه أن يقطع نصفا أسرع من السلحفاة بكثري ال يستطيع مع ذلك اللحاق ا على الرغم م

أوال مث نصف النصف وهكذا إىل ما ال اية من اإلنصاف، مبعىن انه على أخيل أن يقطع مسافات ال متناهية، إذا

هذا املثال املعروف لينقد رأي أركون السابق "علي حرب " أراد اللحاق بالسلحفاة وهذا من احملاالت، ولقد رد

.223، ص2محمد ، الفكر اإلسالمي، قراءة علمية، ت هشام صالح، المركز الثقافي العربي بيروت الدار البيضاء بيروت، ط أركون: (1) .215حرب علي حدیث الماھیة والعقل نحو منطق، ص: (2) .255حرب علي ، الممنوع والممتنع، ص : (3)

Page 92: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

91

بلوغ احلداثة على الطريقة االركونية يقودنا إىل أن نضع أنفسنا مثلما قي ذلك كمثل برهان زينوين ألنه يرى بان

وال خيفى أن برهان خادع الن أخيل سبق السلحفاة فعال ولكن املغزى من إيراد " علي حرب" ويف هذا يقول

ثة إال إذا اجتزناها شربا بشر إمنا يفكر احلجة وإجراء املقارنة هو أننا عندما نقول اليوم بأننا نواكب مسرية احلدا

لبلوغ احلداثة الغربية سعينايعين هذا أننا مهما(1)".على طريقة زيرتين فنضع أنفسنا بعكس ما ال نصل إىل اهلدف

وقطعنا مجيع أشواطها فلن نبلغ اهلدف املنشود وسنظل مبثل أخيل نركض يف نقطة واحدة وال نتقدم إىل اإلمام

الن التفكري يف اجتياز احلداثة الغربية سيدفعنا إىل ختطي احلداثة الصناعية " ه علي حرب والسبب كما يرا

وأطوارها مصنعا مصنعا ومنوذجا منوذجا يف التصنيع بعد أخر وهذا من رابع املستحيالت ذلك أن البشرية تدخل

القتصاد والعالقات عصر احلداثة الكالسيكية يف الفكر والتقليد وا اآلن يف عصر جديد يتجاوز بكثري

(2)".اتمعية

ن فكرة تتبع مسار احلداثة الغربية منطا منطا ومنوذجا منوذجا أو اإلقتداء ا يف كل مراحلها وميادينها، إمنا هو إ

قول باطل ومستحيل يف نفس الوقت ولذا أردنا بلوغها على هذا النحو فلن يتسىن لنا إدراكها وبلوغها ألننا

احلني حداثة بزي أخر وجديد أو أا ستتحول إىل ما بعد احلداثة يعين ذلك أن التغري الذي سنجدها يف ذلك

وسينتقل هو األخر إىل .سنعيشه أو سنفرضه على أنفسنا ليس مقصورا علينا فحسب إمنا سيعيشه الغرب كذلك

ة هنا شبيهة بعملية طور جديد من احلداثة خيتلف كل االختالف عن تلك اليت نطمع يف بلوغها ويكون العملي

، حسابية مفادها عندما نضيف نفس مدة التغري إىل الطرفني تبقى املدة ثابتة وتبقى اهلوة بيننا وبني الغرب واحدة

فالغرب هو وجد لنا ابعد من إبعادنا وعلى هذا األساس ينبغي التعامل معه دون أن يعين ذلك تقليده أو "

" وعليه يدعو علي حرب إىل ضرورة (3)".وندرك أسرار تفوقه الرضوخ له بل يعين أن نفهم أسباب قوته

التخلص من أسطورة الغرب التقدمي والتعامل معه على أساس وجه لنا، وإمنا البد أن نتعامل معه على أساس

.217علي ، الماھیة والعالقة نحو منطق تحویلي، ص حرب : (1) .المصدر نفسھ و نفس الصفحة: (2) .222حرب علي ، الممنوع والممتنع، ص : (3)

Page 93: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

92

(4)." منوذج قوة البد لنا من حتليل أسباب قوته والتعرف عليها، حىت نتخذها نقطة بداية يف مشوارنا احلداثي

نه ميكننا بلوغها وذلك ال يكون إال باحتذائها اف - على الرغم أا طور يسبقنا بالزمن -وبالتايل فاحلداثة الغربية

طورا طورا وشربا شربا الن يف ذلك إجحاف يف حق الوقت بالدرجة األوىل وإجحاف هلويتنا بالدرجة الثانية،

.ه يف طرق تعامله مع مشاكله وكيفية جتاوزه ألزماتهوإمنا كان البد من تقليد الغرب فإمنا اجلدير أن نقلد

أن نغري أسلوب التعامل وطريقة التفكري فال ميكن أن يفهم العامل فمن اجلدير أمام النمط احلداثي اجلديدو

(1).اليوم كما كان يفهم من قبل فلكل فضاء وجودي أمناطه الفكرية ولكل ممارسة اجتماعية لغتها املفهومية

أن علي حرب اثر حديثه عن احلداثة الغربية والسبيل إىل بلوغها من طرف العامل العريب ويف اثر جندوبالتايل

عرضه ملوقف اركون فيما يتعلق بضرورة اللحاق بالركب الغريب ومسايرته خطوة خبطوة، فهو يعرض موقفه

.املتمثل يف ضرورة متابعة ما حيدث

اه فانه ميكننا أن نستخلص أن احلداثة هي مفهوم غامض ومن هنا ومن كل ما سبق ومن خالل ما عرضن

حداثة فكرية وحتديث مادي، فال ميكن فصل إحداها عن : اقرب منه مفهوم واقعي لذلك وجدت يف شكلني

أن احلداثة عند على حرب ليس ما مت إجنازه أو ما سننجزه إمنا .األخرى، الما يتدرجان يف إطار عالقة جدلية

طور اإلجناز مع اختالف األزمنة واألمكنة ومع ما استجد من تغريات لذلك كانت جتربة هي مشروع دوما يف

.إنسانية ال تكتمل هلا من اخلصائص ما جيعلها كذلك

:تناقضات احلداثة العربيةـ 05

يبدو أن التنمية من حيث أا متثل طرحا شغل املفكرين العرب يف خطابام كانت نتاج تصورات

فلسفية ارتبطت مبجمل ما متخضت عنه أفكار التنويريني الذين جعلوا من العقالنية العلمانية، ومن القيم الفردية

.نفسھ، صفحة نفسھا رجعحرب علي ، الم: (4) .نفسھ، صفحة نفسھا رجعحرب علي ، الم: (1)

Page 94: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

93

ك متثل مرادفا للحداثة اليت أسس عليها والنفعية، أساسا وحيدا للتقدم والتطور احلضاري اإلنساين، و هي بذل

الغرب فلسفتهم املعاصرة ، فتمردوا بذلك على القيم والتصورات الدينية واالجتماعية واألخالقية اليت كانت

. وتتجلى تناقضات احلداثة بتناقضات النظريات االجتماعية والسياسية، كالشيوعية والنازية والليربالية. سائدة

اليت ترتبط بقيم احلداثة، العلمانية والعقالنية والنفعية، ترى أا تقوم على مناهج علمية فجميع هذه النظريات

تلغي مجيع املرجعيات الدينية والقيمية، وتنشد الطبيعة واإلنسان بازدواجية التقديس والتفكيك يف عامل مادي

.سحب منه اإلله، ونزعت منه القداسة وتفكك اإلنسان فيه

د أطروحات احلداثة يف اخلطاب العريب بعيدة عن واقعه و مشكالته باعتبارها ليست مستوحاة وعليه فإننا جن

إذا و كما أنه ال ميكن تعميم احلداثة األوروبية على مجيع اتمعات، فإنه . منه، وألن أصوهلا تنبع من خارجه

ت يف العامل العريب مستوحاة من ليس هناك ما ميكن أن نطلق عليه حداثة عربية طاملا أن أصول هذه األطروحا

قطيعة مع املرجعية الدينية والتراثية، كمعيار ومصدر وحيد " خارجه، أما احلداثة اليت مثلت حماولة إجياد

فهي ليست أكثر من حماكاة ملا جتاوزته بيئته التارخيية يف أوروبة؛ أي أا ليست فقط خارج . (1)"للحقيقة

فال ميكن إنكار أن املركزية الغربية . مكان وبيئة منشئها، بل أيضا خارج املرحلة التارخيية اليت تبلورت عربها

ل من الدعوة إىل تعميمها على جمتمعات ملرجعية احلداثة، بكل خصوصياا الزمانية والفلسفية واالجتماعية، جتع

وهذا ما نلمسه يف اخلطاب . مغايرة، ال تشاركها ذه اخلصوصيات، حماولة تؤدي إىل االغتراب واالستالب

العريب املعاصر، وبذلك تتحول املفاهيم الغربية اليت حتدد له ذاته وهويته وتصوراته إىل روافد أيديـولوجية

. ـريا كليا حيث حيل الوعي الزائف حمل الوعي العلميوأدوات لتفسري كل شيء تفس

مصدر املعرفة، مصدر اهلوية، أي معرفة ما هو حديث وما "إن املفكر العريب ال يزال ينظر إىل اآلخر على أنه

. التطلع إىل الغرب ومناذجه" هو أصيل يف املوضوع العريب، وبذلك فهو يفهم معىن احلداثة والتحديث على أنه

. 214، ص 1994األمة، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربیة، الدولة ضد : غلیون برھان ، المحنة العربیة: (1)

Page 95: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

94

ومل نر حىت اآلن مستفيدا من هذه الصيغة غري نظام اهليمنة . ويف هذه الصيغة حشرت مشكلة هوية الذات

فالنسق املفاهيمي الذي ينتظم فيه اخلطاب قوض املعرفة العلمية (2)".الغربية، مبركزه األورويب ووكالئه احملليني

وحال دون إنتاج فكر عريب علمي فاعل ومتطابق مع واقعه االجتماعي، وهذا ما جعله مثقفا خنبويا يتعاىل على

تشد جمتمعه وينبذ تارخيه وميقت التراث، فالدعوة إىل التأصيل والتمسك بالتراث، يف نظر ااملفكر احلداثوي،

احلاضر باجتاه املاضي، وبالتايل تعيق كل حترك حنو التقدم وبناء املستقبل، وهذا عمليا ما يفضي إىل اخلضوع

وهكذا فقد نظر احلداثويون العرب إىل (1)".للمؤسسات السياسية أو الدينية أو االجتماعية اليت متثله"الدائم

.ولفكرة التقدم وليس كأساس يبىن عليه املستقبلاملاضي والتاريخ والتجارب السابقة كنقيض للمستقبل

وهذا ما فتح ذريعة تربير االستبداد، وجعل أغلب هؤالء احلداثويني، يرتبطون بالسلطات القمعية واألنظمة

متجيد الدكتاتوريات " يعمل علىلذلك أن الكثري منهم . الدكتاتورية الثورية اليت حكمت باسم التقدم والتحديث

وهذا ما جعل برهان غليون يعترب أن أزمة احلداثة هي . واحلروب باسم الغرية الوطنية والقومية وأنظمة القمع

أزمة الدولة التحديثية اليت قادت باسم التقدم والعقالنية واحلرية والوطنية إىل عكس أهدافها، فهي مل تعد تلهم

.أحدا، وظهر فساد مفهومها وبنيتها وممارستها وأهدافها

لقد حاولت إن استخدام هذه املفاهيم كأدوات تنظريية لتحليل واقع اجتماعي آخر يسبقه حترير وتفكيك

النسق الفكري الذي ترتبط به، وذلك لتفريغها من احلموالت األيديولوجية اليت ال ترتبط دائما بالواقع

. االجتماعي اجلديد

ع واقع جمتمعها، وناقشت أثر املفاهيم االجتماعية، و دور لذلك فقد بينت أمهية تطابق املفاهيم االجتماعية م

حنن إذ نطالب املثقف " االيديولوجيا يف إعاقة إمكانية الدراسة املوضوعية والعلمية ألية ظاهرة اجتماعية إذن

–وجي باستثناء الوهم اإليديول –العريب مبراجعة مؤملة للذات ، وجلهاز مفاهيمه الذي بات باليا أوال و اليعض

133، ص 1986بیروت، ، األسعد محمد ، بحثا عن الحداثة، مؤسسة األبحاث العربیة: (2) .27، ص 1984، 3خالدة سعید، المالمح الفكریة للحداثة، مجلة فصول، عدد : (1)

Page 96: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

95

و عليه فإننا نلمس يف اخلطاب العريب سيطرة النظرة اإليديولوجية يف عملية قرائتهم للواقع (2). "على أي واقع

العريب ، ما يعين أن املفكر العريب ينظر إىل واقعه من منطلق انه غري قابل للتغيري مامل تتحقق فيه مجلة من الشروط

بشكل ضمين عن الرغبة يف إمتالك احلقيقة اليت يراها هو مقصيا بذلك اليت تبدو له موضوعية ، غري أن هذا يعرب

خمتلف اآلراء اليت حتاول قراءة الواقع من زاوية تعارضه ، و عليه جند ان اخلطاب العريب إقصائي ال يؤمن إال مبا

يعرب عن يعتقد صاحبه فقط ، ما نتج عن ذلك إنتاج خطابات سجالية و ليست بنائية ، و هذا يف حد ذاته

. الدوغمائية اليت شكلتها البىن اإليديولوجية لبنية التفكري عند املفكر العريب

طرح من قبل و املتمثل يف ملاذا تقدم أنيعتقد علي حرب أن السؤال الذي ينبغي طرحه هو ليس يف ما سبق

هو ملاذا تتقدم جمتمعات كثرية شرقية و آسيوية و " الغربيون و تأخر املسلمون ؟ بل أن السؤال اجلوهري

" إسالمية ، فيما ال حيسن العرب التقدم قياسا على األهداف و الشعارات ، أو قياسا على ما ينجزه اآلخرون ؟

ة اليت يطرحها علي حرب جند أنفسنا هنا أمام مقاربات بني اتمع العريب و خمتلف و بناء على اإلشكالي(1)

اتمعات األخرى اليت استطاعت أن حتقق لذاا وجودا يف عامل معومل ، و أصبحت قادرة على منافسة دول

.عظمى

ثابت ، ال ماضيا و ال فال وجود لنماذج صافية يف التنمية ، ألن ال وجود يف األصل هلويات صافية أو

حاضرا ، إال يف أوهام أصحاا ، ألن األمر هو تركيب و جني بقدر ما هو ختط و جتاوز ، على سبيل التبدل و

فكيف و البشرية تدخل اليوم يف عصر اإلعتماد املتبادل و التشابك يف . التغري ، سلبا أوإجيابا ، تراجعا أو تقدما

تشهد . ا تنخرط يف عامل اجلنسيات املتعددة و الثقافات العابرة ، و احلداثات املهجنة املصاحل و املصائر ، بقدر م

على ذلك النماذج املعاصرة و املعوملة ، من فوكوياما إىل أوباما ، مرورا بالرئيس الفرنسي ساركوزي و قسم من

. ق و األلوان و األديان وزرائه ، إذ الكل أصحاب هويات هجينة ، و مركبة و عابرة حدود اللغات و األعرا

. 122، ص 2006، 01و العلمانیة و العلمانیة الحداثة و الممانعة العربیة ط طرابیشي جورج ، ھرطقات عن الدیمقراطیة : (2) . 144المصدر نفسھ ، ص : (1)

Page 97: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

96

ال تدار أعمال التنمية بالعقد و اهلواجس اليت حتكمت يف عقول الذين تعاملوا مع من هنا نستطيع القول أنه

آفاق احلداثة و فتوحات العوملة و التقنية ، مبفردات الغزو الثقايف و اإلختراق الفكري ، حبجة الدفاع عن اهلوية و

واجهة الثقافة الغربية اليت يصفوا بكوا ثقافة غربية معادية او مدمرة على ما هو عندنا الثوابت و التقاليد يف م

. دأب الذين خيتصون بشن اهلجوم على الغربة و األمركة و العوملة

Page 98: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

97

: التنمية كرؤية فلسفية عند املفكرين العرب : الفصل الثالث

الثقافة العربية يف هذا اجلدل احلضاري، واإلسهام الكبري لألجيال رب من قرنني على اخنراطاما يق حنوبعد

الالحقة يف القراءة التجديدية والتارخيية للموروث احلضاري، باإلضافة إىل املعطيات اجلديدة اليت متثلها املرجعية

دوار اليت قامت ا يف الغربية املعاصرة ، مل يعد بإمكان الفكر العريب التنكر ملكاسب ومنجزات هذه الثقافة واأل

إن التغريات اليت أحدثها هذا اجلدل احلضاري يف بنية الثقافة العربية لعب دورا حامسا ،جمال تطوير فكرنا املعاصر

يف أغناء مرجعيتنا الثقافية وأضاف عليه مالمح جديدة، أسهمت بشكل كبري يف تقويض جوانب من مكونـات

.ا تتناسب مع معطيات العصراالنظرية وتصور ا تعد معطياالثقافية التقليدية، خباصة تلك اليت مل

قد متتد هذه التحديات إىل اليت إن هذا التصور ال يعين إغفال التحديات اجلديدة اليت تواجه اهلوية أو األنا،

اعد حد املس بكيان األمة ووجودها اليت تستوضح أكثر يف اال السياسي، خباصة يف اآلونة األخرية حيث تتص

اهليمنة األمريكية وأداا املتقدمة إسرائيل، أن هذه التحديات تكشف من جهة أخرى مال وضعها الراهن الذي

يتميز ضعف يف وعينا التارخيي واحلضاري ، مما يتطلب التميز بني مستويات معركتنا مع األخر، فال جيوز خلط

ميع أبعاده وذلك باالخنراط يف عملية اسـتيعابه هذه املستويات، فنحن مطالبون بكسب معركة العلم املعاصر جب

دون تردد، بل إن مغالبة التحديات املختلفة خباصة ظاهرة العوملة بأبعادها يتطلب من اإلقرار أن اآلخر أو الغرب

حقيقة تارخيية كربى والتعامل معه بوصفه كذلك ، كما إن هذا الغرب ليس واحدا متجانسا، هنـاك الغـرب

.أمهية وضرورة التميز بني إيديولوجي واملعريف نلغرب احلضاري اإلنساين، هنا تكماالستعماري، وا

هذه املعطيات تدعونا إىل جتنب الطرح املتقابل الذي ال يقود إىل أي نتيجة، خباصة ملا يكون يف شـكل

هـذه . لنحن واألخر، أو األصالة واملعاصرة، أو اخلصوصي والكوين، والعـاملي واحمللـي اثنائيات متقابلة مثل

الثنائيات تغذت بدون شك باخللفيات األيديولوجية للكثري من النظريات يف العلوم االجتماعية واإلنسانية وخباصة

بل منطقية اليت كانت يف معظمها األحباث اليت ضمنها علم االنتربولوجيا اليت تتحدث عن العقلية البدائية أو ما ق

Page 99: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

98

.ترتبط باألهداف العملية لالستعمار

لذلك فان معظم املشكالت اليت كان يتجه أليها الباحث يف العلوم االجتماعيـة اخلاصـة باتمعـات

املستعمرة، مل تكن متيلها اهتمامات علمية، بل كانت متيلها وتفرضها حاجة السلطة االسـتعمارية إىل معرفـة

نها من التعرف إىل الطريقة اليت تتبعها من اجل أحكام سيطرا على جمتمعات املهيمن عليها، كما أخـذا متك

.أيضا روح االستعالء اليت أسهمت املركزية الغربية يف إذكائها

لكن التحوالت اليت أحدثتها ثورات التحرير و حتقيق االستقالل والتقدم اهلائل يف جمال البحث العلمـي

يات اجلديدة من العلوم اإلنسانية واالجتماعية وثورة االتصال واإلعالم ، هذا التحول الكبري ال جيـوز أن والنظر

يتخذ موقفا سلبيا منه، بل يدعونا إىل اخنراط أكثر يف حبث السبل والكفيلة ببناء تصورات جديدة قادرة علـى

ري من مقوالته اليت وضعها موضع نظر ، وهـذا هو نفسه يراجع الكث جتاوز الثنائيات ، خباصة أن الفكر الغريب

األمر يدعونا إىل االخنراط يف حبث السبل احلقيقية الكفيلة ببناء جسور متينة وصلبة وأكثر دينامكية بني مشروعنا

، الثقايف احلضاري،وبني املشروع الثقايف الغريب، خباصة يف هذه املرحلة اليت نواجه فيها قضايا جديدة حمليا وعامليا

منها على اخلصوص ظاهرة العوملة الثقافية ، حىت تتجه الثقافة يف زمن ثورة االتصاالت ومجيع الوسائط اجلديدة

إىل تشيد وضع ثقايف جديد ، مما يتطلب منا اإلسهام يف بناء هذا الصرح اإلنساين من االخنراط يف االبـدعات

، وهذا يندرج ضمن عمليات مصاحلتنا التارخيية مـع املشتركة واملخاطر املشتركة ، اليت تواجه مجيع الثقافات

.ذاتنا حيث ال نعود نكتفي بالتغين باهلوية الصماء املعزولة عن سياقها التارخيي ومسارها املوضوعي

تأسيسا على ما تقدم تنشا مجلة من التساؤالت قد تتعذر اإلجابة عنها أو اإلحاطة ا لكنـها تفـرض

كيف ميكن حتصني الذات دون : رس لقضايا الفكر العريب املعاصر ، تساؤالت من قبيل نفسها وبإحلاح على الدا

مام املؤثرات اجلديدة اليت يفرضها أعربية تنميةعن ديث احل ميكنالقطع مع التواصل احلضاري اإلنساين ؟ وهل

. ؟ التاريخ وحتوالته الكربى القادمة

Page 100: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

99

: تنميةحنو مواقف ابستيمية ألزمة ال: املبحث األول

: امنوذجا النهضة اليابانية - 01

العديد من التساؤالت يف حماولة استكشاف أسرارها النهضة اليابانية اليت تثار حوهلا اليوم يبدو أن

وحولتها من ، دروسها قد بنيت أساسا على حركة التحديث يف النصف الثاين من القرن التاسع واالستفادة من

تقنية من توتستكمل بناءها السياسي واالقتصادي والصناعي، واستفاد دولة متتلك القوةدولة ضعيفة إىل

. على الروح اليابانية احملافظةأكدت االستهالكية، الثقافة تالغرب ونبذ

يف حني أن النهضة" مقومات تنموية شاملة يستفيد منها اتمع بأكمله، قام علىاليابان يف فأساس النهضة

مطلع القرن العشرين كانت تقوم على حتديث اجليش، وخدمة أهداف عسكرية مما قادت إىليف الوطن العريب

اتمع الياباين حبيث يستفيد منها وشيدت على أسس تنموية شاملة حلركة، شيوع الرتعة الشمولية التوسعية

. (1) " ويا وعاملياوقوا ومكانتها أسي اتمع بكل شرائحه وطبقاته وحيقق هلا وحدا

وأدى ا هذا " وقد رأى أحد املفكرين اليابانيني أن اليابان أعجبت بالثقافة األجنبية على عكس العرب ،

الفضول إىل إحساس بالتفوق اخللقي والتدين الفكري على عكس العرب ، فلم يشعروا بذلك بل شعروا بتفوق

يف القرن التاسع عشر عكس العرب الذين كانت هلم فرص أكرب يف فكري ولذلك حلق اليابانيون بالرأمسالية

لقد كانت التجربة اليابانية املعاصرة حية فاستفادت السلطة اجلديدة بعد احلرب (2)." سبيل ذلك ومل يستغلوها

الصعيد العاملية الثانية من دروس املواجهة مع القوى الكربى يف احلرب واالنتقال إىل مواجهة من نوع جديد على

وانتقلت خالل عقود قليلة من دولة منهكة وفقرية إىل معجزة " االقتصادي، والسعي لبناء ضة اقتصادية،

أثر الثورة الفرنسية يف فكر النهضة، مصطفى التوايت وآخرون، : بن أمحودة حممد ، مشروع احلداثة السياسية من خالل كتاب اإلسالم وأصول احلكم، لعلي عبد الرزاق، يف: (1)

. 84، ص 1991، 1العربية حممد علي احلاصي للنشر والتوزيع، تونس، ط

. 111، ص2001، املنامة، جانفي 27، العدد 8ة، ، إسهامات الفكر الياباين يف النصف الثاين من القرن العشرين، السنة ظاهر مسعود ، جملة البحرين الثقافي: (2)

Page 101: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

100

الشعبية يف سياساا رادةمشويل، إىل دولة دميقراطية دستورية حتتكم لإل ياقتصادية ومن حكم إمرباطوري عسكر

(1)." قوة بالداخل واخلارجالداخلية واخلارجية مما وفر هلا االستقرار واألمن وال

واجتهت حنو التحديث واحلداثة، والتصنيع يوبذلك أمهلت اليابان اإلمربيالية والتوسع العسكر

، ومل يندفع اليابانيون يف محاسة لالقتباس والدميقراطية والعلم، واكتسبت مقوماا األساسية للنهضة احلديثة

للتخلي عن طروحام وأنساقهم الثقافية الوطنية بل جنحوا يف املوازنة بني األعمى من الغرب إىل حد يدعوهم

.الوافد والتقليدي املوروث يف موازنة معقولة جعلتهم أمة متقدمة تقنيا وعلميا ومعجزة

وأقامت النهضة اليابانية ركيزة على أساس خصوصيتها ال تنفصم عن التراث وتتفاعل مع احلاضر وآفاقه،

على التقنيةلك بات الدرس الياباين يف غاية األمهية لعامل اجلنوب والعرب خاصة يف االستفادة من العلم وولذ

أساس احلضارة املعاصرة، وعدم اإلغراق باملاضي والتراث، ولكن مع االنفتاح والتطلع إىل احلضارة وجماالا

إن أكرب " ر األنصاري هذه التجربة بقولهكشيء أساسي دون االنعزال وعدم التفاعل، ويصف املفكر حممد جاب

االستعمال الغريب واحلضارة الغربية، : األخطاء املميتة اليت وقع فيها عقلنا هو أنه مل مييز بني شيئني منفصلني متاما

حنن تصورنا االثنني شيئا واحدا على الرغم من الفارق اهلائل بينهما، فخسرنا احلضارة ومل زم االستعمار اليابان

أما حنن فهجمنا على االستعمار دون سالح احلضارة ، اكتسبت احلضارة وهزمت جيوش الغرب االستعماري

. (2) "فخسرنا املعركتني

بالدراسة فمثال الصني هلا جتربة ضوية خمتلفة عن اليابان والنموذج الغريب، جديرةفربوز التجارب اآلسيوية

ومت اختيار متطلبات النهضة وفق النموذج الصيين، وتكوين " فهناك حتديث دون مشروع حضاري ضوي،

. 179، ص 1991، 1شارل عيساوي، تأمالت يف التاريخ العريب، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت، ط: (1)

، 1993، بغداد، أيار 5، العدد 18الدالالت االجتماعية والثقافية ملعجزة االنبعاث الياباين، السنة : جتربتها الفذة والبيئة الدولية: آفاق عربية، اليابان قيس النوري جملة: (2) .87ص

Page 102: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

101

(3) ." من رأمسالية السوق كنمو اقتصادي، واالشتراكية كنمو إيديولوجي سياسي" اشتراكية السوق"

التنمية والنهضة باعتبارها منطا تارخييا وعامليا جديدا على العرب يف إن التجربة اليابانية تقدم للعرب درسا

ينبغي دراستها بعناية ودقة وفهم آلياا وحمركات ضتها حىت نعيد تأسيس النهضة واالنطالقة االقتصادية

.واحلضارية العربية على أسس جديدة

: بني احلقيقة و اخليال الفكر العريب - 02

إن النهضة ، أية ضة ، البد أن تنطلق من تراث تعيد بنائه قصد جتاوزه ، و من اخلطأ اجلسيم اإلعتقاد "

من هنا يعترب اجلابري ان (1)" يف أن الذات العربية ميكن أن تنهض بالرجوع إىل املاضي و إختيار ما يصلح منه

حتقيق ضة عربية مرتبط يف اساسه باالستفادة من اخطاء املاضي من اجل التوجه حنو املستقبل ، و عليه ستتحدد

القطيعة مع التراث يف هذه احلالة بناء على نظرة ابستمولوجية اىل التراث ، كما انه يوكد باملقابل على ان النهضة

. حقق من خالل االنطالق التاسيس للنهضة من العدم العربية ال ميكنها ان تت

دور املفكر العريب نقد الواقع ووضع استراتيجية للمارسة فعل التغيري و ليس ان يقف يف حالة انتظار إن

النخبة حتمل هم احلاضر و املستقبل ، خنبة تستقطب النشاط الفكري يف " احلكومات للقيام ذا الدور ، ألن

مبا تقيمه من حوار بني افرادها و ما تعيشه يف الوسط الثقايف العام احمليط ا ، من روح علمية نقدية و بالدها

تعد اليت املوضوع تفرض علينا الوقوف عند بعض املفاصل طبيعة إن و عليه ف. (2)" رؤى فلسفية مستقبلية

.ايستعاب إشكالية األنا واألخر دون توضيحهاأساسية يف توضيح املسالة اليت نراها ذات أوجه خمتلفة، يتعذر

عنه تارة باألصالة إن مفهوم اهلوية يف احد أوجهه هو الثقافة العربية ، أي املوروث احلضاري الذي نعرب

. 14، ص 1999، سبتمرب 63صراع حضارات أم تعدد ثقافات، الريموك، العدد :الزيدي مفيد ، شرق وغرب: (3) . 62اجلابري حممد عابد ، اشكاليات الفكر العريب املعاصر ، مصدر سابق ، ص (1) . 64املصدر نفسه ، ص : (2)

Page 103: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

102

هذا املكون الثقايف حيفظ كيان األمة ويعرب عن استمرارياا التارخيية من خالل هذه " وأخرى باخلصوصية ،

الثقافة العاملة حيث يتمظهر اإلنتاج املعريف واملكون الثقايف لألمة ، إن هذا املكون أو املوروث ليخضع ملنطق

ة واقتصادية وثقافية خمتلفة هو منتوج تارخيي أسهمت يف تكوينه عوامل اجتماعي (3)."لساليل والعرقياالتكون

وتاريخ احلضارات القدمية يقدم اكرب الشواهد على نتائج التواصل الثقايف . ومؤثرات داخلية وخارجية

أما اليوم فان ثورة االتصال تلعب دورا كبريا يف تسهيل وتعميق هذا التواصل، بل تعد مسة بارزة من . واحلضاري

.سة للثقافة املعاصرةمسات عصرنا وخاصية من اخلصائص املؤس

إن احلديث عن الثقافات وردها إىل التفاعل التارخيي بني األمم والشعوب، ال يعين عدم التسليم

باخلصوصيات احلضارية املكونة هلذا الشعب أو ذاك، اليت تعمل على صيانة وجوده وارثه الثقايف والتارخيي اليت

احلدود املغلقة والفاصلة بني الثقافات نتجنب التوصيفات اليت تصطنعو تربز تفرده وإسهاماته وإبداعاته اخلاصة

أو اليت جتعل األمم والشعوب وحدات حضارية مستقلة أشبه بالغيتوهات ، وتتنكر للثقافة اإلنسانية الكونية اليت

قفة اليت ال يرى فيها إىل القضاء على الثقافات ابل البعض يتحدث صراحة عن رفضه هلذه املث تعدها أسطورة،

.نتشار الثقافة الغربية خارج حدودها وهيمنتها على غريهااحمللية من اجل ا

إن هذا اجلدل احلضاري الذي ميز الثقافة العربية يف عصورها األوىل أسست العقالنية العربية اليت

إن ذلك التمثيل واالنفتاح على . استوعبت املعرفة اليونانية ومتثلها والدفاع عنها دون أن جيد حرجا يف ذلك

خر ميز نشاطات معظم فالسفة اإلسالم، ولقد تكرر هذا اجلدل احلضاري يف منتصف القرن التاسع عشر، األ

كما الحظنا يف الفصل السابق ، مع الرواد األوائل حني اكتشف الفكر العريب التقدم األورويب وحداثته الذي

لثقايف األورويب للعامل غري األورويب ، لقد نقل للعامل العريب الكاسب الثقافية اجلديدة الناشئة يف قلب املشروع ا

متثل الفكر العريب مع الرواد األوائل ، هذا الفكر ومنحوه مشروعية داخلية من خالل إعادة قراءة املوروث

13، ص 1، ط 1982لعراق والتاريخ ، ترمجة سليم حداد املؤسسة اجلامعية للدراسة والنشر والتوزيع ، بريوت لبنان ا: كلود ليقي شتريواس : (3)

Page 104: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

103

.احلضاري على ضوء معطيات العصر ومهامه التارخيية واحلضارية

لعمليات توطني جمموعة من املفاهيم والتصورات لقد حدد هذا احلضور لألخر يف ثقافتنا املالمح األوىل

اجلديدة الوافدة اليت ال العالقة هلا مبنظور الفكر اإلسالمي، كما تشكل يف عصور االزدهار، وهذه املفاهيم

(1). اجلديدة شكلت مرجعية فكرية لرواد عصر النهضة من اإلصالح الديين إىل التيار العلماين

:للتنمية يف اخلطاب العريب املعاصر حنو قراءة نقدية - 01

فيتوقـف . يبدو أن الفكر العريب املعاصر يستند إىل مفاهيم غالبا ما تكون شكلية ومشوليـة، يف آن واحـد

الباحث عند املالمح السطحية للمفهوم؛ املثقل ضمنيا بأحكام دوغمائية مسبقة، دون البحث يف جذوره الفكرية

ديولوجيا منغلقة، وخاصة فيما يتعلق باملفاهيم الغربية احلديثة اليت يتم فصلها عن جذورها، والفلسفية اليت متثل إي

أو اجتثاثها من تربتها األوروبية ، ونقلها إىل اتمع العريب ليتم التعامل ا دون تبيئتها و دون ربطهـا جبـذور

يرتبط مع تعدد القضايا واإلشكاالت، وتتقاطع اتمع العريب العقائدية والثقافية ، باعتبار أن تتعدد املصطلحات

املفاهيم مع تقاطع املرجعيات الفكرية، حيث يتحول اجلهد من معاجلة القضايا احلقيقية إىل ميادين الصـراعات

. السجالية والبالغية خمتلقة يف كثري من األحيان، إشكاالت ومهية ال تعرب عن واقع اتمع

معظم املفاهيم االجتماعية احلديثة ال حتمل تعريفا متفقا عليه بشـكل دقيـق ، إال أن وعلى الرغم من أن

املالحظ عند الكثري من املفكرين العرب تناولوا هذه املفاهيم بأسلوب يقترب من الشمولية والدوغمائية الـيت

.تعطي أحكاما قيمية قطعية مبنية على تصورات شاملة حول الكون واإلنسان واحلياة

وبناء على ذلك تتم ترمجة ونسخ هذه املفاهيم الستخدامها كمسلمات قطعية تتحدد وفق االيـديولوجيا

و التنمية ، وإضافتها إىل قاموس فمنذ دخول مفاهيم احلداثة والعلمانية والنهضة والتقدم. اليت ينتمي إليها املفكر

. 1977، 3، ترمجة كرمي عزقول، دار النهار للنشر بريوت لبنان ط الفكر العريب يف عصر النهضة: الكتاب اهلام أللربت حوراين انظر يف ذلك: (1)

Page 105: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

104

النسق الفكري واإلطار الثقايف الذي حددتـه التجربـة الفكر العريب مازال استخدامها يف اخلطاب العريب وفق

حىت إذا سلمنا بأن احلداثة األوروبية هذه متثل اليوم "وعليه فإنه ،الغربية، فيتعامل معها كمسلمات إميانية مقدسة

ال تستطيع حداثة عاملية فإن جمرد انتظامها يف التاريخ الثقايف األورويب، ولو على شكل التمرد عليه، جيعلها حداثة

." الدخول يف حوار نقدي متردي مع معطيات الثقافة العربية لكوا ال تنتظم يف تارخيها إا امجها من خارجها

ما يعين أن هناك متايز بني الثقافتني العربية و الغربية من حيث البيئة املنتجة للمفهوم باإلضافة إىل املرجعيـة (1)

. الفكرية اليت يتأسس عليها

و على هذا األساس فإننا جند املفكرين العرب منقسمني إذ هناك من يتعامل معهـا كـأدوات للغـزو أو

االختراق الثقايف ، و هناك من يرفضها وهكذا فكال الطرفني ينطلق من منظومة فكرية متكاملة تستنسخ األحكام

ظة والتجربة واستقراء الوقائع يف معاجلـة املسبقة اليت تعيق التفكري املوضوعي والعلمي الذي يعتمد على املالح

القضايا وحل اإلشكاالت، مبعىن أنه من املبالغ فيه حتديد املفهوم حتديدا نظريا عاما وشامال كمدخل ملعاجلـة

القضايا االجتماعية والسياسية والثقافية وهنا جند أن املفكرين العرب قد تبنوا أيديولوجيات تعطـي تصـورات

.حلول جاهزة وأحكام تفصيلية وقطعية مسبقةشاملة وتقدم

ومن هنا جند أن التنمية يف اخلطاب العريب خضعت إىل عملية أدجلة خمتزلة، حيث أصبحت تستخدم، مـع

نسق منتظم من الشعارات كأداة لنقد الواقع بدال من استخدامه كأداة لتحليل هذا الواقع حتليال علميا ، وذلك

اخلطاب العريب إىل عدة خطابات؛ خطاب ضوي، خطاب إصالحي، خطاب إسـالمي ما سيفضي إىل تقسيم

ألن هذه اخلطابات تتداخل حيث تناقش نفس القضايا واإلشـكاالت، . وخطاب حداثوي أو قومي أو ليربايل

وهو بذلك الذي يتبىن مشروع التنمية الغربية أو التحديث اجلذري الشامل كوسيلة وحيدة لتحقيق النهضـة،

.فهوم احلداثة منوذجا، كمادة أساسية للتحليل والنقد والتقييموم

.16، ص1999حممد عابد اجلابري، التراث واحلداثة، بريوت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، : (1)

Page 106: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

105

لذلك فإن املفاهيم احلديثة تندرج يف منظومة مترابطة أو نسق متكامل من األفكار اليت تعمل على جتريـد

ويعترب االستسالم هلذه األنساق الفكرية من أهم األسـباب الـيت . الواقع الذي تعرب عنه وتقيمه يف الوقت ذاته

جعلت مفاهيم احلداثة والتنوير والتقدم املستوحات من منظومة الثقافة والقيم الغربية، واملعربة عن الواقع األورويب

وعن جتربته التارخيية، تتداخل يف االستخدام العريب املعاصر لدرجة أا ميكن أن تترادف لتنقل داللة واحدة تشري

استبعاد املعايري التقليدية ليتم تشكيله مبا يتفق مع معايري احلداثة الغربية، إعادة صياغة اتمع حبيث يتم"حتديدا إىل

فأصبح من املمكن اختصار هذه املفاهيم مبصطلح واحد رمبا أكثر تبسيطا وحتديدا، وهو التغريب؛ مبعىن فـرض

ليختزل مجيـع هـذه وهكذا يتدخل النسق الفكري األيديولوجي (1). " أمناط وأساليب ومعايري احلياة الغربية

املفاهيم مبعىن مبسط حيمل دالالت مترادفة ال ضابط هلا وال حدود واضحة تفصل فيما بينها، فتصبح احلداثة هي

املعيار الغريب، والعقالنية أو التنويرهو التفكري الغريب، والتنمية هي النموذج الغريب، وينتج عن احتاد هذه املفاهيم

ولوجي منوذج حضاري إنساين حيث تصبح هذه املفاهيم معربة أو متضمنة حلـوال يف هذا النسق الفكري األيدي

.جاهزة جلميع القضايا واإلشكاالت، يف كل زمان ومكان، ولكل جمتمع إنساين

ومبا أن املفاهيم واملصطلحات االجتماعية دف إىل جتريد الواقع لتفسري ظواهره االجتماعية، كما يؤكـد

إمنا هو بنية تصويرية جيردها العقل البشري من كم هائل من العالقات والتفاصيل والوقائع عبد الوهاب املسريي،

لئـك املشـكلني وواألحداث، لذلك من الضروري أن تكون املفاهيم مستمدة من البنية الثقافية ومن واقـع أ

ينظمها ويعطيها شكلها وهويتهاحينما جنرد منوذجا ما فإننا نتصور أنه كامن يف عناصر الواقع، "للظاهرة، ألننا

وهكذا، فبقدر ما تنتظم املفاهيم بواقعها االجتماعي وبقدر ما تستلهم مفرداا من منظومته الثقافية، بقدر (2)".

ما تتمتع مبوضوعية علمية ، خاصة عندما يتم تناول هذه املفاهيم كمقوالت دوغمائية وكأدوات لفرض احللول

وعندما تستنسـخ . وات للتحليل ومناذج قابلة للتكيف مع خصوصيات اتمع وثقافتهاجلاهزة، بدل تناوهلا كأد

.49، ص 2000املسريي عبد الوهاب ، مصطلح العلمانية، ، دار الفكر، دمشق، : (1) .54، ص ملرجع نفس ا: : (2)

Page 107: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

106

املفاهيم ذه الطريقة فهي غالبا ما تكون خاضعة أليديولوجيا ال تعكس سوى الفكر غري املطابق للواقع رغم أن

. املفكر الفرد يظن عكس ذلك

األيديولوجية منغلقة ومثقلة حبمولة من التحيـزات وبسبب هذا االعتقاد املهيمن على املفكر، تبقى املفاهيم

.والتطلعات الذاتية، وتتحول من كوا جتريد للواقع إىل جمرد تعبري عن آمال ال عالقة هلا به

يعتقد حممد عابد اجلابري أن اخلطاب العريب احلديث و املعاصر مل يسجل أي تقدم حقيقي يف أية قضية من

طاب يدعو إىل النهضة ، و بقي هذا اخلطاب سجني حلقة مفرغة لينتهي به يف األخـري خقضاياه منذ أن ظهر ك

إىل فكر يتطلع إىل العودة ملا صنعه السلف يف كثري من اجلوانب من جهة ، و كذلك إحالة كل قضـية علـى

مبعـىن (1)" اع جعلت زمن الفكر العريب زمنا ميتا يعاين أزمة إبد" املستقبل من جهة أخرى ، إن هذه العوامل

أن النموذج السلف هـو الـذي يتحمـل " أنه فكر حمكوم بنموذج السلف و إىل عوائق ترسخت داخله ، إذ

املسؤولية فيما يعانيه الفكر العريب املعاصر من أزمة و فشل ، ذلك أنه سواء تعلق املر باألطروحـات الداعيـة

" فهناك دوما منوذج سلف يشكل اإلطار املرجعي لكل منهم السلفي أو الداعية الليبريايل أو الداعية املاركسي ،

و عليه فإن عوائق التقدم و اإلبداع يف الفكر العريب تعود يف أساسها إىل تعود إىل ذلك التوظيق غري املربر .(2).

ملفاهيم مستقاة من املاضي العريب ، أو من احلاضر األورويب ، حبيث تدل تلك املفاهيم على واقع ليس هو الواقع

. قراطية و الشورى و الوحدة العربية و اإلشتراكية العريب كالنهضة و الثورة و األصالة و املعاصرة و الدمي

هذه املفاهيم غري حمددة يف اخلطاب العريب من كوا ال تعرب عن الواقع العريب و على هذا األساس يتضح لنا

الفاهيم يف اخلطاب العريب املعاصر و " حقيقة الصراع اإليديولوجي يف الفكر العريب احلديث و املعاصر حبيث أن

وهو مايؤكـده . " تقوم بوظيفة التمويه و التضليل هي مستوردة كما قلنا من املاضي أو من الغرب ، مفاهيم

إن العرب يعيشون اآلن يف حالة أشبه ما تكون بارحتال مجاعي إىل عصر النهضة "املفكر العريب رضوان زيادة يف

. 55، ص 1990، 03اشكاليات الفكر العريب املعاصر ، مركز دراسات الوحدة العربية بريوت ، ط : اجلابري حممد عابد : (1) 56، ص نفسه املرجع : (2)

Page 108: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

107

. و يعين فيما يعنيه التفكري يف العصر الذي نرحل واجر إليه لنفكر من خالله (3). "

وهنا يصعب علينا جتاوز اال الذي وضعنا أنفسنا فيه ما دمنا حنن من أراد التفكري ملستقبله من خالل سلفه

إذ أننا وبالعودة إىل بدايات النهضة يف سبعينيات ومثانينيات القرن العشرين جند أن النهضة يف اخلطاب , وماضيه

الزمن، غري أن الزمن مر والنهضة تزداد بعدا و ختلفا ، بـل العريب املعاصر هي قدر األمة ال حمالة مهما طال ا

ومبنطوق هذا اخلطاب نفسه أصبحت النهضة سرابا ال ميكن إدراكه مع عودة االحتالل األجنيب جلزء جديد من

أن هناك اضطرابا مفهوميـا يف حتديـد " باإلضافة إىل , األراضي العربية املتمثلة يف االحتالل األمريكي للعراق

. لنهضة ومقوماا، ويعود ذلك يف معظمه إىل غلبة األيديولوجيا على املعرفة بغية تصنيف التاريخ وفق رغباا ا

فاخللل يف اخلطاب العريب عن النهضة ينبع من عدم تبلور مفهوم شامل للنهضة، وعدم التمييز بني خطوات

عملية تنموية متكاملة تأخذ بعـني االعتبـار سياسية أو اقتصادية تندرج يف سياق عملية إصالحية، وبني مسار

إذ ال يعقل أن حتدث ضة مث تتوقف فجأة مث يأيت زعيم ملهم . األبعاد السياسية واالجتماعية واالقتصادية كافة

إن ذلك يعكس عدم اإلدراك الكايف لسياق التحوالت الدوليـة , لينجز ضة ويقرر هو نفسه فجأة أن يوقفها

من املسموح به للمواطن العـريب أن يتحـدث عـن , ها ودورهم وطبيعة تفاعلهم مع العامل وموقع العرب في

الدميقراطية وشروطها وأصوهلا يف فلسطني والعراق الواقعني حتت االحتالل لكنه من املمنوع أن يتحدث عـن

ميـة هنـا ال تعـين فالنهضة باختصار هي مسار عملية تنموية متكاملة، والتن, االستبداد الداخلي الذي يعيشه

املؤشرات البشرية واالقتصادية فحسب وإمنا تشمل التنمية اإلنسانية اليت تعرف ببساطة بأـا عمليـة توسـيع

. تركيز جهود التنميةومبا أن اإلنسان هو حمور ,اخليارات

وهنا ظهرت مصطلحات جديدة يف الفكر املعاصر لعل أبرزها مصطلح صراع احلضارات والذي أسس لـه

بدوره حيـاول , حتدث عنه الكثري من املفكرين العرب والغرب على السواء منذ أوائل سبعينيات القرن املاضي و

. 120، ص 2004، 01زيادة رضوان ، أيديولوجيا النهضة يف اخلطاب العريب املعاصر ، دار الطليعة ، بريوت ، ط : (3)

Page 109: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

108

هذا املصطلح أن يربر سر اهلزمية والتخلف الذي أصاب العقل العريب ممهدين بذلك لإلميان بنظرية املؤامرة الـيت

التفكري العريب باملستقبل برغم الوعي الذي حيـاول حتاك على األمة العربية وهذا مانتج عنه حالة من السلبية يف

الكثري من املفكرين زراعته يف العقل العريب إال أن حماوالت اخلروج حبلول تبؤ بالفشل عند أول عملية حتديثية أو

تصحيحية ألن األفاق تنغلق أمام هذه احملاوالت لعدة أسباب أمهها عدم وجود جتارب سابقة أو ثقافة ميكـن أن

تمد عليها يف رحلة النهوض أو ألن هذا املوروث الزال حيتكم إال العقلية البدائية اليت مل تفصل بعد بني املتغري نع

.والثابت يف الفكر العريب

لذلك يعتقد الكثريين من املفكرين العرب أن العودة إىل تاريخ العرب قبل حوايل األلف وأربعمائة سنة هـي

وهذا احلل بدوره اليقتصر على جمرد إستعادة , من حالة السلبية اليت تعيشها حاليا احلل األنسب لتخليص األمة

القوة واد والشرف بل ويتعدى ذلك إىل التفكري بضرورة قيادة العامل بأسره وحكمه وفق القانون الذي كـان

لعامل يف خالل تلك الفتـرة متجاهلني وسائل التعايش احلديثة واملتغريات اليت حدثت يف ا, ساريا يف تلك الفترة

املمتدة من القرن األول للهجرة وحىت هذا القرن ومع أين أمحل صورة سلبية للقوانني السارية حاليا واليت تضبط

سري احلياة إىل أين أيضا ضد أن يظل الفرد العريب حيلم بإستعادة القانون الذي وجد قبل الف عام لكي حيكم به

.العامل يف هذا الوقت

، و اختصاصهإن ما منلكه من رأمسالنا الفكري الذي به نفهم و نشخص أو نعاجل أو ندبر ن كل يف حقل

حنن " بأدوات حقله ، غري أننا و يف كثري من األحيان ال حنسن استثمار عقولنا يف قراءة و فهم املشكالت ، بل

وهذا من خالل التمويهات العقائدية و اإليديولوجية ، و (1)" . نعطل طاقاتنا على التفكري احلي و اخلالق

هوياتنا ليست وراءنا ، و إمنا هي ما مل نكونه بعد ، بقدر ما هي طاقتنا " الوقوع يف فخ اهلوية فبهذا املعىن أن

. 131، ص 2010، 01حرب علي ، املصاحل و املصائر ، منشورات اإلختالف ، اجلزائر ، ط : (1)

Page 110: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

109

لى أساس حبيث جند أن املناداة باهلوية ع (2)". على اإلبداع و التحول على سبيل التجديد أو التطوير أو التحسني

اهلوية احلقيقية تتجلى صورا أنإعادة إحياء املاضي يف احلاضر هو يف حد ذاته نوع من القفز حنو اهول ، إذ

. يف ما هو كائن ، و العمل على صنعه بناء على معطيات احلاضر للتوجه حنو املستقبل

اته و مرجعياته الفكرية و ذلك عن طريق نقد ومن ذلك نستنتج أن بنية العقل العريب حباجة إعادة النظر يف آلي

. و تفكيك هذه البنية املشكلة له يف عملية التشخيص هلذا الواقع املتأزم الذي يعانيه اإلنسان العريب

. 135املصدر نفسه ، ص : (2)

Page 111: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

110

: تنمية اخلطاب الفلسفي العريب املعاصر آفاق و حتديات : املبحث الثاين

واليت متثل الغطاء الرئيسي للفكر العريب أا مشولية مترابطة متس كل عناصر إن ما مييز هذه اإلشكاليات،

التفكري والعالقات الفردية واالجتماعية يف الكيان العريب، وعلى كافة األصعدة، ففي العصر الذي دخلت فيه

يبقى الفكر العريب لية،حضارة الغرب وحداثته الرابعة بعد الثورة الصناعية والثورة العلمية أي عصر اإلعالمية واآل

حياول معاجلة قضاياه من الداخل و مبنظور غريب ، هذا التناقض يف الطرح سيجعل منه دائما يعيش يف حالة

متكن كيف انتظار ما يقدم من مناهج علها تساعده يف اخلروج من دائرة التخلف على مجيع مستوياته و عليه ف

ا ؟ و كيف له أن يؤسس منظومة مفهوماتية قادرة على استيعاب أن يتجاوز تبعيته لآلخر فكري لفكر العريبل

. يف إشكاليات املستقبل اليت تبقى جماال هاما للبحث؟ و أن ينخرط متغريات العصر ؟

Page 112: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

111

: التنمية األسس و املرجعياتـ 01

: بلورة البنية الفكرية العربية ملشروع بناء الفكر العريب ، وصوال إىل هذا اهلدف املتشكل من طرفنيإن

القرن احلادي والعشرين وما حيتاجه من استعداد ذهين كي تلعب يفأوال حماولة استشراف مستقبل الفكر العريب

السيكولوجية هلذا الفكر يف -قع البنية االجتماعيةاألمة العربية دورها الفعال على املسرح العاملي، وثانيا يف وا

خصائصه ومساته وآلياته ودينامكيته ومبا يتوفر له من إمكانات وما يعانيه من صعوبات، وسيحاول الباحث طوال

هذا البحث مناقشة البعد التارخيي هلذا الفكر، ويعرض كذلك جمال الدراسات املستقبلية يف الفكر األوريب من

قع واالنتشار، لعل ذلك يساعدنا يف فهم جوهر إشكالية الدراسات املستقبلية يف الفكر العريب املعاصر، حيث املو

وحماولة حتكم الفكر العريب وقدرته يف توجيه املستقبل وصناعته بدال من االستمرار باالنفعال بتحدياته وحماولة

.استيعاب صدماته

لص من أسئلته املصريية والتارخيية ضمن عالقات مميزة بشروط نجد الفكر العريب املعاصر مل يتخو عليه س

وآليات حركته العامة، ومن هذا اجلانب، ينهض السؤال العريب للمستقبل والذي يظهر بصيغة أشكال يف حقول

ميادين معرفية غنية ومتنوعة لعل أكثرها ظهورا الفلسفة والعلم وفلسفة التاريخ والتاريخ وعلم املستقبل

.صاد السياسي وعلم االستراتيجياواالقت

عالقة الفكر العريب باملستقبل هي عالقة املاضي باحلاضر واملاضي باملستقبل واحلاضر فإىل جانب ذلك،

باملستقبل من هنا، تصبح مجلة هذه العالقات جدليات إلشكاليات ثابتة ومتحولة يف الفكر واتمع والتاريخ، ف

منخرط بالضرورة يف أنساق -رجعياته وتباين اجتاهاته وتنوع آلياته ومضاعفاتهعلى اختالف م الفكر العريب"

لذا . (1)" ومسالك الفكر السياسي واالقتصادي واالجتماعي والفلسفي والعلمي يف احلضارة والعامل املعاصرين

.236م، ص1990، القاهرة، 3حمنة الثقافة العربية بني السلطة والتبعية، مكتبة منبويل، ط -اغتيال العقل: غليون برهان: (1)

Page 113: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

112

عالقات اتمع العريب فوالدة سؤال الفكر العريب وإشكالية املستقبل مشروط معرفيا وسياسيا وتارخييا بنوعية

بذاته وباآلخر، عرب التاريخ وموقعه منه وفعله فيه أو تأثره به، هكذا يصبح هذا الطرح يف جماالته العديدة ففي

كل احلاالت و باختالف املنطلقات، تلتقي أسئلة الفكر العريب للمستقبل يف إشكاليات ثنائيات مل حيسم فيها بعد

احلداثة التقليدية، املعاصرة، األصالة، التقدم، التأخر، االستقالل، : رخييا واجتماعيامعرفيا فلسفيا وسياسيا تا

التبعية، الدميقراطية، االستبداد، الوحدة، التجزئة، العقل، النقل، األنا، اآلخر من تلك الثنائيات اليت متظهرت يف

.العديد من أحباث املفكرين العرب املعاصرين

حقل البحث املتعلق باملستقبليات يربط بالضرورة بني التاريخ ودراسة املستقبل لقد حصل تراكم معريف يف

والعلم السياسي والعلم التكنولوجي يف عامل الغد اعتمادا على نقد ومعرفة حدود التنمية يف العامل املعاصر، وهنا

تقبله؟ أحدهم يضع العامل يظهر سؤال حول ماهية النظرة املستقبلية املعقولة يف عامل ال يتحكم يف شؤون مس

الدميغرايف يف الصدارة واآلخر جيسد العامل التقين وثالث يرى أن احلالة الذهنية الفكرية أجدر باالهتمام، نالحظ

أن التطورات احلديثة للفكر لن تكون مبعزل عن تطورات العلوم االجتماعية واالقتصادية بصورة أمشل عن السياق

.املتعدد األبعاد للمستقبل

فلقد امتد البحث واحلوار يف الغرب املعاصر حول إشكالية املستقبل كعوامل خمتلفة وجب التجنيد هلا معرفيا

وعلميا وسياسيا، فاملسألة مرتبطة بنمط احلداثة الربجوازي الغريب الذي أفرز تناقضاته وحدوده بشهادة الغرب

اصر مل تصدمه احلداثة فقط بل املستقبل كذلك باعتباره ذاته، من هذه الناحية، وجب التأكيد على أن الغرب املع

الدراسات املستقبلية من حماور ومالمح البحوث و شرطا وبعدا من مساره التارخيي، لذا التزم بدراسة املستقبل

لمية العلمية واألكادميية األساسية يف اتمع الغريب، إن دراسة املستقبل يف العامل الغريب، تعتمد على معطيات ع

ودميوغرافية واقتصادية وسياسية مندرجة يف نسق معني، فيمكن القول بأن دراسة املستقبل هي يف حقيقتها

استشراف للمستقبل جبميع أبعاده الزمنية أي مجلة تنبؤات مشروطة تشمل املعامل الرئيسية ألوضاع جمتمع ما يف

Page 114: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

113

سات لفهم معامل وصور املستقبل من افتراضات مرحلة من مراحله التارخيية، وتنطلق هذه االجتهادات والدرا

.عديدة خاصة باملاضي واحلاضر والستكشاف أثر دخول عناصر مستقبلية على اتمع

:بني دراسة املستقبل و البحث يف املاضي الفكر العريب املعاصر ـ 02

آفاق املستقبل ليست مسدودة ، و حنن هنا أمام مثال جتسده أوروبا ، إذ هي تشكل اليوم الكتلة إن

الوحيدة يف العامل و األقل ممارسة للعنف ، فقد أصبحت قادرة على تدبر شؤوا بعد أن خاضت حروبا قاسية ،

شته أوروبا يف احلرب العاملية فأدركت أن هذا النوع من املمارسات ال ينتج عنه سوى الدمار ، و لعل ما عا

و قد جنحت أوروبا يف ذلك بعمل حتويلي خارق على الذات ، حتولت معه إىل مساحة " الثانية لدليل على ذلك

مبعىن أن حتقيق (1)". للتداول ، على غري صعيد ، بقدر ما حتررت من وهم اإليديولوجيات الطوباوية التحررية

يتطلب جتاوز الفكر األحادي ، و تكسري النظام الشمويل من –ما حققته أوروبا بالقياس إىل –التطور و الرقي

منطلق أن التفتح و فهم املشكالت يقتضي احلوار و عدم إقصاء اآلخر ، الذي نقصد به يف هذا املوضع من

. خيتلف معنا فكريا و يشترك معنا ثقافيا

كي تقلدهم ، بل لكي تستلهم منهم ، أو تستثمر مقوالم ذا املعين ، جند أن أوروبا عادت إىل الفالسفة ال ل

يف السلم و احلرية و الدميقراطية على حنو جديد ، و منه يتكشف لدينا أن حتقيق فعل التنمية يقتضي اإلستفادة

. من أخطاء املاضي ، و ليس تقديسه ، و هذا من أجل خلق فكر عملي جديد يقوم على الفهم و التشخيص

ل يف اخلطاب العريب املعاصر يتجلى يف صورة ممارسته الوصاية على الشأن القومي حتت شعار معني إن املشك

ما ينتج عنه صراع بني املذاهب و األحزاب ، ما يعي يف هذه احلالة أن كل تيار مبرجعياته يعترب نفسه املخلص

141ص غليون برهان ، مصدر سابق ،: (1)

Page 115: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

114

أمام حتقيق تنمية هذا الواقع الذي أصبح الوحيد لألزمة اليت يعاين منها الواقع العريب ، و هذا ما يشكل عائقا

. شبيها ببحرية راكدة

كما أننا جند يف اخلطاب العريب مضامني أيديولوجية فهي اجم الثقافة الغربية ، و حتاول إنكار دورها يف

، العامل املعاصر ، وهنا يتجلى بوضوح رفض هذا النوع من اخلطاب للفكر الغريب الذي اصبح يشكل جزءا منا

و عليه فاخلطاب العريب املعاصر أوقع نفسه يف تناقضات تعرب عن الدوغمائية اليت أصبحت تشكل بنية العقل

يتطلب ممارسة حيويتنا الوجودية ، وتشغيل طاقتنا الفكرية ، باإلشتغال " العريب إذن فتحقيق التنمية املنشودة

يف إبتكار عناوين وقيم جديدة لصناعة احلياة و العامل بلغة اخللق و التحول أو الشراكة و التداول ن حبيث نسهم

و بالتايل (1)" . ، أو على األقل نسهم يف إعادة إنتاج و صوغ العناوين القدمية على سبيل اإلثراء و التطوير

فتغيري الواقع العريب حنو ما هو أفضل إمنا يتطلب تكاثف اجلهود ليس فقط من طرف السلطة احلاكمة ، بل كل

الفئات اإلجتماعية و كل حسب ختصصه ، من خالل إستثمار كل ما هو قابل للتغيري و بناء على حاجات

. اتمع يف احلاضر و املستقبل

تنفي بالضرورة وجود عناصر خمتلفة يف هذه اإلشكالية يف مسرية وسياق الفكر العريب إال أن هذه الوضعية ال

أو بالتعبري االصطالحي بني الواقع الراهن -بني احلاضر واهول–املعاصر، يتجسد الصراع يف إطار الفكر العريب

أسئلة ملحة وعناصر جند ة، لذلك انطالقا من عمق األزمة اليت مير ا العرب يف مستوياا العديد -واملستقبل

إجابة خمتلفة ومناهج متباينة حمورها العرب واملستقبل، أي كيف ينظر الفكر العريب إىل املستقبل؟ فالدراسات يف

مركزة على قضايا احلداثة والعقل والتنمية والفلسفة والثورة -على قلتها وحمدوديتها-الفكر العريب املعاصر

صادية املعرفية واحلركات االجتماعية، وقد عين ا عد هام من املختصني وغري املختصني العلمية واألنساق االقت

سؤال الفرد أو : يف مجيع جماالت املعرفة والعلوم ، ومت ذلك من خالل عالقة الفكر العريب بسؤاله املستقبلي

. 142حرب علي ، املصاحل و املصائر ، مصدر سابق ، ص (1)

Page 116: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

115

صر يف جماالته املختلفة، وبذلك تتقلص اتمع أو النخبة، هكذا بدأت العلمانية والعقالنية متيزان الفكر العريب املعا

.مواقع وفضاءات األسطورة والالعقالنية يف حركة هذا الفكر

ومن هنا جاءت مجلة األدوات املعرفية واألسئلة الضرورية الخنراط الفكر العريب باملستقبل واملسامهة يف حنته

املكتوبة -إذا نالحظ بأن كل املؤشرات. ةطبقا لقوانني التاريخ والصراع االجتماعي ولوازم احلضارة البشري

يف إطار هذا الفكر تدل على توجه العقل العريب بكل إرهاصاته وتراكماته وأوهامه -واملنطوقة واملسكوت عنها

أن السؤال العريب مطروح يف عالقة عضوية جدلية بالتاريخ ومبطالبة " فبهذا املعىن جند حنو املستقبل وشروطه

، وبتحديات العصر منظورا إليها من زواياها العديدة، الداخلية (1)" ضارية اجتماعية عديدةفكرية سياسية ح

ر العريب املعاصر الذي يعمل على تأسيس وظيفي ومعريف للمستقبلية كعلم قائم بذاته فكال" واخلارجية، ف

، مسالك املستقبل وآليات (2)" واهلوية والنهضة واحلداثة يواصل حتاليله، وحفرياته لعالقات املستقبل بالتراث

احلفر فيه متنوعة ومتباينة إىل حد عدم القدرة الفكرية املعرفية على تأليفه، انطالقا من تعدد عناصر وتأويل املاضي

من هذه األرضية املركزة واملعقدة وذات التراكمات الكربى، " عالقته باملستقبل،وواحلاضر يف الفكر العريب

، وكان (3)" يف حتليل خطاب النهضة والسلطة واحلداثة والتقدم - من أجل دراسة املستقبل– اخنرط الفكر العريب

يف كل ذلك حاضرا فكرا ومنهجا، فعالمات االستفهام حول املسار واملصري والوجود -وال يزال–الغرب

ذا كانت الفلسفة تتعاىل على جمسمة يف سؤال عن اجتاه ومعىن التاريخ العريب مرتبطا باملشروع احلضاري العريب، إ

الزمن وال تقيده بالتاريخ أو التحقيب التارخيي الذي يقيم فواصل بني املاضي واحلاضر واملستقبل، بل تنخرط يف

نسق معريف كلي للتجربة التارخيية يف منطقها الداخلي، ووعيها الشمويل، هنا تتعمق العالقة وتتكثف بني التاريخ

ستقبل، ويف هذا اإلطار النظر الفلسفي التارخيي، يصبح العمل الفكري العريب من أجل وفلسفة التاريخ وعلم امل

.37م، ص1983مطالب املستقبل العريب، دار العلم للماليني، بريوت، : قسطنطني زريق: (1) . 4م، ص1988، بريوت 55-45عدد -الفكر العريب املعاصر –احلداثة ما بعد احلداثة : صفدي مطاع: (2)

106م، ص1981، بريوت، 17الفكر العريب املعاصر، عدد -قراءة يف أسس اخلطاب السلطوي: املديين أمحد: (3)

Page 117: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

116

اكتشاف وكشف العقل العريب بنية وتكوينا ونقدا أمرا ضروريا وشرطا أساسيا لتحديد املستقبل وجتسيم

. التحديث

ركزة على مشاريع أو بدائل مل الدراسات املستقبلية يف الفكر العريب م أننعتقد من خالل هذه املنطلقات

.تتحدد كل مالحمها وشروط إجنازها

أدبا وفنا واقتصادا وسياسة وفلسفة –فالفكر العريب املعاصر يف أجهزته ودالالته وآلياته وتياراته وتصوراته

ي وناقدا للحاضر، منخرط بأشكال خمتلفة يف التفكري يف املستقبل، دارسا للماض - واجتماعا وتارخيا وعلما وتقنية

إال أن تعريف الفكر واتمع " فشموليته مظهر من مظاهر صحته وحركيته وارتباطه بشروط األزمة والتجاوز،

ويواصل الفكر العريب (1)" يف الفضاء العريب مل يقع الفصل فيها بني ما هو علمي وتقين وضوي وسياسي

جر عن ذلك من تبعية أو أزمة أو تنمية أو نبالتحديث واحلداثة ، وما ياملعاصر دراسته للمستقبل يف عالقاته

.استقالل أو حتديات

تعددت حماوالت فهم إشكاليات السياسي واإلبداعي واالقتصادي والعلمي التكنولوجي يف " إذا فقد

عالقاته املتنوعة بالبديل أي مبستقبل الفكر واإلنسان يف اتمع العريب، فدور االقتصاد حمدد ومركزي يف طبيعة

.ومشروعهم احلضاري اجلديد (2)" مستقبل العرب

عريب سؤاال وجوديا قبل أن يكون معرفيا وسياسيا، ومن هنا كان على الفكر هكذا يبدو لنا سؤال الفكر ال

أن يدخل عامل املستقبل حبثا عن موقع مميز فيه، فتعددت جماالت وحماور - بكل آلياته وأدواته–العريب املعاصر

جدلية و ،و اآلخر، ا األندراساته انطالقا من جدليات التاريخ العريب أمهها جدلية التوحيد والتجزؤ، جدلية

ال بد إذا للعقل العريب حىت يكون ف التنمية العربية، وجدلية السلطة واتمع، باإلضافة إىل الدين والسياسة،

45م، ص1977االقتصاد العريب أمام التحديات ، النفط واملال والتكنولوجيا، دار الطليعة، بريوت، : قرم جورج: (1) . 159م، ص1989، بريوت، 60دور الفلسفة يف بلورة املشروع احلضاري العريب، الوحدة، عدد : هاشم صاحل: (2)

Page 118: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

117

مستقبليا أن يقوم بدوره يف بناء املشروع العريب الوحدوي احلضاري من أن يكون ذا بنية وتوجه وحدوي،

أصبح البحث يف تاريخ وطبيعة اتمع العريب أمرا ال خالف فيه " ، ايلبالتمؤسسي، دميقراطي، عقالين، علمي

إا العالقة الكربى بني إشكالية التاريخ والتقدم يف الفكر (1) ." وشرطا من شروط الوعي بالتاريخ وباملستقبل

خنبة، بل تتجاوز هذه ليس االهتمام باملستقبل يف الفكر العريب املعاصر مهمة أفراد أو" ف إذا .العريب املعاصر

على اختالف الرؤى واملناهج -توحي (2)." احلدود والفضاءات ليشمل مؤسسات رمسية خمتصة وغري خمتصة

فكريا –بانفتاح الفكر على ما مل حيدث بعد يف حركية التاريخ العريب، ويتواصل اخلالف - واملنطلقات

ية الدولة القطرية والدولة القومية واالحتادات اإلقليمية حول عالقة املستقبل العريب بإشكال" - وسياسيا

(3)." والقيادات السياسية

أحد احلقول املعرفية اهلامة يف املستقبليات، -يف الدراسات الغربية–مع هذا ليس من اهلدف أن ميثل العرب

واالقتصاد املعاصرين، فالفكر ذلك أن الغرب ال يزال ينظر إىل العرب كمصدر من أهم املصادر الطاقة يف العامل

الغريب الذي يتناوله بالدرس والتحليل اتمع العريب يف كل أبعاده، ليس مرجعا وحيدا أو حجة ال تناقش، لذا،

بات من الضروري نقد مناهج ومناذج الدراسات املستقبلية الغربية اليت تعىن بالعرب، وحتديد قصورها وغاياا،

التأكيد على أن التكنولوجيا اجلاهزة واملستوردة ال تفيدنا كثريا يف دراسة املستقبل العريبويف هذا اإلطار، وجب

هذا السياق نرى اآلن بأنه توافرت األسباب والشروط لينخرط الفكر العريب املعاصر يف عملية التأسيس يف و

اسات املستقبلية العربية مطالبة منهجيا للمستقبل الذي يقع اختياره وليس الذي يفرضه أو يريده الغري، إن الدر

وسياسيا ومعرفيا باالستناد إىل معرفة وثيقة باحلاضر والتاريخ العربيني، وقضايامها ومشكالا وبالتطور التارخيي

.احلضاري للوطن العريب يف عالقاته االقتصادية السياسية بالنظام العاملي السائد

. 77م، ص1989، بريوت، 55إجراء تنموي أم أداة للتبعية؟ الوحدة، عدد ،نقل التكنولوجيا يف البالد العربية: مطيع املختار: (1) . 119م، ص1982املستقبل العريب، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت، ، صور.وآخرون.سعد الدين إبراهيم : (2) . 5الدولة القطرية ، مرجع سابق ، ص: سعد الدين إبراهيم: (3)

Page 119: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

118

ملطروحة على الفكر العريب املعاصر حيال التحديات املعاصرة ميكن أن نسميه ويف تقديرنا إن املهمة الكربى ا

ابتداع أصالة عربية مستقبليـة، أي حماولة إعادة التماسك إىل التاريخ العريب املتصل الذي تعود جذوره إىل

اسك يعترب املدخل الثقافة العربية، ويستوعب حقائق العامل املعاصر وعناصره ويستشرف آفاق املستقبل، فهذا التم

إىل قيام هوية عربية متميزة ومتفاعلة مع معطيات احلاضر واملستقبل، وال ميكن أن حيصل ذلك إال من خالل

تفهم تارخيي نقدي عقالين عميق للتراث واستيعابه، وكذلك فهم حقيقي دقيق حلقائق ومعطيات العامل املعاصر

بد من الشجاعة والقدرة على فهم الواقع العريب الراهن مبعوقاته بكافة إمكاناته وتعقيداته، ويف هذين الطرفني ال

وإمكانياته الذاتية وما حييق به من أخطار وديدات خارجية، وكذلك البد من إعطاء االهتمام الكايف حلاجات

السياق وباإلضافة إىل ذلك جند من الضروري أن نستخلص من ذلك.هذا العامل العريب احلقيقية الراهن واملستقبلية

أن من الوجوب أن يكون لدى املفكر العريب املعاصر قدرته العقالنية واحلرة والشجاعة لفهم احتياجات احلاضر

وحتديات املستقبل والستجابة الفاعلة هلا وهذا ال يتم إال بالعلم املسترد لكامل وظيفته على كل جوانب الواقع

.وصناعة األصالة العربية املستقبليةالعريب، فهذا حقا برأينا ما ميثل شرط اإلبداع

مما الشك فيه، إن أي مشروع للنهضة احلضارية ألي أي امة ميكن بالدرجة األوىل يف حترير الذات من مجيع

لكن ،وهذه الذات احلضارية لن تتحقق بتقليد غري صحيح وغري واع ملناهج ومفاهيم غري نابعة منها ،املعوقات

وهذا املوقف من الفكر ،طويرها لن تتحقق إال مبوقفها املوضوعي من احلقيقة حوهلاتأكيد الذات وحتريرها وت

. الغريب غري موضوعي

هذه النظرة تواجه الفكر العريب مواجهة فكرية جمرد ة تتجاهل ما وراءه من مواقع ومواقف إن

ةاحلقيقة ليس هناك ما يسمى بالفكر الغريب على إطالقه ، وخباصة يف جمال العلوم اإلنساني هذلك انه في،اجتماعية

. فهو مدارس واجتاهات وتصورات وأفكار ونظريات تعرب عن مواقع اجتماعية خمتلفة ومتقابلة

Page 120: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

119

ال يتحقـق إال يف إن املشروع احلضاري الذي حيدد مالحمه داخل اتمع القومي احملدد فان توصيفه الكامل

ما يطلق عليه النظام العاملي الذي فإن هلذا و ،رى فيها إال مشاريع هيمنةنإطار متيزه عن املشاريع املغايرة اليت ال

تنظم يف إطاره وحدات وأمناط من العالقات تنطوي علـى ، يتبدى بوضوح كامل يف شكل سياسي واقتصادي

جتماعي وعمليات حتديث تقفز أحيانا بسرعة وترتد أحيانـا الر اتطوالوعملية التنمية و، صراعات ومواجهات

.أخرى

الـيت تكـاد تكـون و الغربية السائدة يف معظم جماالت احليـاة االجتماعيـة ةيف املوج ذلك ويتجلى

مسطرة متاما على القطاع احلديث مـن الفكـر والفلسـفة العربيـة وإيـديولوجيا األحـزاب السياسـية

والفكـر القـومي العـريب هـو األخـر . يهتدي الفكر الغريب وفلسفته السياسـية ، حبيث املعاصرة مجيعها

دا ايطاليـا وأملانيـا ، إىل يواكب االجتاه الفكري السائد حلركات الوحدة السياسية العصـرية الـيت شـه

. درجة اعتبار جمموع اتمعات البشرية املتواجدة يف إطار العامل العريب وكأـا ايطاليـا أو أملانيـا أخـرى

"وهذا أدى بالفكر العريب إىل جتاهل املسار التارخيي املوضـوعي املغـاير متامـا تمعـات عاملنـا العـريب "

.(1)

قلية املختلفة اليت هلا هي مبثابة جواهر قائمة بـذاا ال ميكـن إن تلقـي أو تتواصـل إن هذه الطبيعة الع

ضمن حوار حضاري، وأي حوار يتحول إىل تبعية فكرية فينشا التنـاقض وهـذا مـا أدى بـالفكر العـريب

لة إىل تبعيته للفكر الغريب، يف مفاهيمه ومناهجه فأصبح بعض املفكرين نتيجـة هـذه التبعيـة ينكـر األصـا

باسم املعاصرة العصرنة وبعضهم ينكر العصرنة باسم األصالة ، أما الـبعض األخـر فيقـيم بـني األصـالة

والعصرنة جسرا هشا من إلقاء املفتعل أو التركيب فيغلب مفهوما علـى مفهـوم وهـو يستمسـك يهمـا

نتيجـة لكننا نتساءل عن حقيقة هذا التناقض هل هـو جمـرد تنـاقض فكـري ، معا يف ركاكة وسطحية

136ص 1983 1أنور عبد امللك ريح الشرق دار املستقبل العريب القاهرة ط: (1)

Page 121: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

120

اختالفات يف املنطلقات النظرية واملنهجية، اي تناقض فكري خالص وجمـرد يف فكـر هـؤالء املفكـرين أو

هو تناقض بني فكرهم وواقع حيام، بعبارة أخرى هل تناقض يف فكـر هـؤالء بـني األصـالة والعصـرنة

وهـذا يقودنـا إىل . ومناهجـه نابع من الواقع املتناقض، أم إن تبنيهم الفكر الغريب بنظرياتـه ومفـاهيمهم

أن هـذه التسـاؤالت جتابـه إي . تساؤل إال يوجد يف هذا الفكر الغريب ما يستحق الوقوف عنـده وتبنيـه

باحث خباصة ملا يتصدى ملسالة على غايـة مـن األمهيـة واحلساسـية واخلطـورة مثـل مسـالة جـدل

نـه حيظـى مجيـع هـذه التسـاؤالت احلضارات وموقع هذه احلضارات على حمك التاريخ العلمي ، غري ا

هـو جمـرد افتراضـات ويذهب إىل حد اعتبار الفكر الغريب ميثل الرصيد الفكري ملرحلـة اهليمنـة، بـل

. علمية ال غري

آفاق املستقبل ليست مسدودة ، و حنن هنا أمام مثال جتسـده أوروبـا ، إذ هـي تشـكل اليـوم إن

الكتلة الوحيدة يف العامل و األقل ممارسة للعنف ، فقـد أصـبحت قـادرة علـى تـدبر شـؤوا بعـد أن

خاضت حروبا قاسية ، فأدركت أن هذا النوع من املمارسات ال ينتج عنـه سـوى الـدمار ، و لعـل مـا

و قد جنحـت أوروبـا يف ذلـك بعمـل حتـويلي " شته أوروبا يف احلرب العاملية الثانية لدليل على ذلك عا

خارق على الذات ، حتولت معه إىل مساحة للتداول ، على غري صعيد ، بقـدر مـا حتـررت مـن وهـم

مـا حققتـه بالقيـاس إىل –مبعىن أن حتقيـق التطـور و الرقـي (3)". اإليديولوجيات الطوباوية التحررية

يتطلب جتاوز الفكر األحادي ، و تكسـري النظـام الشـمويل مـن منطلـق أن التفـتح و فهـم –أوروبا

املشكالت يقتضي احلوار و عدم إقصاء اآلخر ، الذي نقصد به يف هذا املوضع مـن خيتلـف معنـا فكريـا

. و يشترك معنا ثقافيا

. 141المصدر نفسھ ، ص : (3)

Page 122: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

121

ال لكـي تقلـدهم ، بـل لكـي تسـتلهم منـهم ، أو ذا املعين ، جند أن أوروبا عادت إىل الفالسفة

تستثمر مقوالم يف السلم و احلرية و الدميقراطية على حنـو جديـد ، و منـه يتكشـف لـدينا أن حتقيـق

فعل التنمية يقتضي اإلستفادة من أخطاء املاضي ، و ليس تقديسه ، و هذا مـن أجـل خلـق فكـر عملـي

. جديد يقوم على الفهم و التشخيص

إن املشكل يف اخلطاب العريب املعاصر يتجلى يف صـورة ممارسـته الوصـاية علـى الشـأن القـومي

حتت شعار معني ما ينتج عنه صراع بني املذاهب و األحزاب ، مـا يعـي يف هـذه احلالـة أن كـل تيـار

ـ كل عائقـا مبرجعياته يعترب نفسه املخلص الوحيد لألزمة اليت يعاين منها الواقع العـريب ، و هـذا مـا يش

. أمام حتقيق تنمية هذا الواقع الذي أصبح شبيها ببحرية راكدة

كما أننا جند يف اخلطاب العريب مضامني أيديولوجية فهـي ـاجم الثقافـة الغربيـة ، و حتـاول إنكـار

دورها يف العامل املعاصر ، وهنا يتجلى بوضوح رفض هذا النـوع مـن اخلطـاب للفكـر الغـريب الـذي

جزءا منا ، و عليه فاخلطاب العريب املعاصر أوقع نفسه يف تناقضـات تعـرب عـن الدوغمائيـة اصبح يشكل

. اليت أصبحت تشكل بنية العقل العريب

يتطلب ممارسة حيويتنـا الوجوديـة ، وتشـغيل طاقتنـا الفكريـة ، " إذن فتحقيق التنمية املنشودة

التداول ن حبيث نسـهم يف إبتكـار عنـاوين وقـيم جديـدة باإلشتغال بلغة اخللق و التحول أو الشراكة و

لصناعة احلياة و العامل ، أو على األقل نسهم يف إعادة إنتـاج و صـوغ العنـاوين القدميـة علـى سـبيل

و بالتايل فتغيري الواقع العريب حنو ما هو أفضـل إمنـا يتطلـب تكـاثف اجلهـود (1)" . اإلثراء و التطوير

طة احلاكمة ، بل كل الفئـات اإلجتماعيـة و كـل حسـب ختصصـه ، مـن ليس فقط من طرف السل

. خالل إستثمار كل ما هو قابل للتغيري و بناء على حاجات اتمع يف احلاضر و املستقبل

. 142حرب علي ، المصالح و المصائر ، مصدر سابق ، ص (1)

Page 123: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

122

يعتقد علي حرب أن السؤال الذي ينبغي طرحه هو ليس يف ما سـبق ان طـرح مـن قبـل و املتمثـل

هـو ملـاذا تتقـدم جمتمعـات كـثرية " ر املسلمون ؟ بل أن السؤال اجلوهري يف ملاذا تقدم الغربيون و تأخ

شرقية و آسيوية و إسالمية ، فيما ال حيسن العـرب التقـدم قياسـا علـى األهـداف و الشـعارات ، أو

و بناء على اإلشكالية اليت يطرحهـا علـي حـرب جنـد أنفسـنا (2)" . قياسا على ما ينجزه اآلخرون ؟

هنا أمام مقاربات بني اتمع العريب و خمتلـف اتمعـات األخـرى الـيت اسـتطاعت أن حتقـق لـذاا

. وجودا يف عامل معومل ، و أصبحت قادرة على منافسة دول عظمى

. 144المصدر نفسھ ، ص : (2)

Page 124: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

123

: اخلامتة

يف هذا العصر، هو جتاوز هوة التخلف بينها وبني الواقع العريب الشك أن التحدي األول واألكرب الذي يواجه

و ألهداف حمدد اجتاوز هذه اهلوة إال عن طريق مشروع تنموي ضوي شامل ، و عليه فال ميكن البلدان املتقدمة

هذه النهضة املنشودة تقتضي توافر استراتيجية ثقافية شاملة، تتظافر يف صنعها أبعاد متعددة، ، إن غايات ال

.تنمية شاملة لتحقيقوتتراكب فيها جوانب خمتلفة

لحاضر لوفلسفة استراتيجية تترجم واقع اتمع ورؤيته اتنموي امشروعباعتبارها وعليه فإن النهضة

اعلية فيها حىت تصبح أكثر قدرة على حتمل الصدمات ومواجهة إفرازات العصر بث روح الف تقتضيواملستقبل،

أبنية اتمع وأدواره، ويشمل اجلوانب املادية مجيعالنهضة عملية تغيري حضاري شامل يتناول فاملعومل، وعليه

بالنظرة الشاملة يترتب على ذلك األخذ مبنهج ينظر إىل الظاهرة التنموية يف تكاملها ويسمح. واإلنسانية فيه

. (1)للبناء االجتماعي ككل

تنطلق من الواقع السياسي واالجتماعي واالقتصادي ، إذ ة دعدمتتمع حماور ايف التنميةشمل مفهوم تو

إلحداث تغيري جذري يف هذا الواقع من ضمن رؤية استراتيجية للمستقبل وكيفية الوصول إليه وإدارة عملية

من اليت ختتلف مستلزماا التنميةبناء على ذلك، فإن للواقع القائم تأثريا كبريا على مواصفات حركة . التغيري

مما جيعل من حماولة اجلري وراء استنساخ النماذج التنموية الغربية رهانا خاسرا، . خر ومن زمن آلخرجمتمع آل

ذلك أن التطبيق االرجتايل هلذه التجارب، . أثبته التاريخ وأكدته التجارب الواقعية اليت مرت ا كل الدول العربية

تنطلق من االعتراف للتنميةعل اخلطوة األوىل والضرورية ول. دومنا قراءة فاحصة للواقع لن تزيد الواقع إال ترديا

.27، ص1985، وزارة اإلعالم، قطر، جوان 114هاللي علي الدين ، الفكر االجتماعي وقضية التنمية، مجلة الدوحة ع: (1)

Page 125: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

124

ف العالج يوصنستطيع ت، وحينما يشخص هذا العطل باألمراض اليت تشل حركة اجلسد وتعيقه عن التقدم

. يساعد على النهوض ما له ،الناجح

الذي يساعده على حترير و لعل أن املفكر يلعب دور املؤطر و املوجه هلذه العملية باعتباره ميثل طبيب الفكر

، حتقيق التنمية العامل العريب يف احلاجة إىل شوائب التفكري اإلحنيازي املوجه ، و على هذا األساس فالعقل من

(1). فالنهضة يف رأي املفكر برهان غليون هي حماولة لعقلنة احلداثة

اتمع وتطلعاته احلضارية، فأن مشروع التغيري االجتماعي، ووفاء لذاتية األمة وخصوصية ومن هنا فاتساقا مع

األمة األول، الذي ينبغي أن تتكثف اجلهود يف سبيله، وتعبأ الطاقات باجتاهه، باعتباره مرحلة تارخيية اجتماعية

متقدمة على مشروع احلداثة والتحديث، فال حتديث حقيقي وحداثة فاعلة بدون ضة، فالنهضة هي املرحلة

.اليت تسبق مرحلة املدنية واحلداثةالتارخيية الضرورية

التخلف مسة عارضة، وليست عاهة مزمنة، وإاؤها وقف على أبناء اتمع مجيعا إذا أرادوا كسر حلقة التخلف

وتعلقت مهتهم مبعانقة النهضة حينها لن تكون النهضة بعيدة املنال، وهذا يتطلب بداية قراءة فاحصة ملفردات

يب، قصد تشخيص خمتلف األدواء اليت أثقلت كاهل اجلسد العريب، وأعاقته عن اخلروج من الواقع االجتماعي العر

.أزماته الراهنة

قامت على استرياد اخلطط، والربامج، واخلرباء، " ، ال لشيء سوى أا لقد فشلت خطط التنمية يف العامل العريب

تمعات األخرى، وجاءت مثرة ملعادلة ألن تلك اخلطط، إمنا نبتت وتكاملت من خالل الظروف اخلاصة با

".اإلنسان النفسية، واالجتماعية يف تلك اتمعات بعيدا عن ظروف وحاجات اتمعات اإلسالمية احلقيقية

(1) :http://www.ssnp.info/thenews/daily/makalat/milad%sebaaly/Milad

Page 126: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

125

إن قصور فهم التنمية جعل الكثري من الدول تتدافع، ال بل تتهافت، القتناء آخر ما توصلت إليه احلضارة (1)

تنطلق من الذات وتستنبت حمليا وتصنع ذاتيا وال اليت دون االلتفات إىل أن النهضة الغربية من منجزات العلم،

وأختصر ،تستورد أو تستعار من اخلارج، وكان من نتيجة ذلك أن اختزلت معركة التنمية إىل معركة منو

.لبلدان املتقدمةمفرغة، وعمقت اهلوة بيننا وبني احلقة يف يدورمشروع النهضة إىل مشروع احلداثة، مما جعله

وبناء عليه فإن جمرد االكتفاء باسترياد أشكال التطور ومظاهر التحديث، ال جتعل من جمتمع ما متقدما، بل املسألة

أعمق من ذلك بكثري، ولعل مبدأها حتريك سواكن اتمع، ويئته نفسيا، واستئصال ما يكبله من قيود تعيق

، ألن التحديث الذي يتجاوز االنشغال باملظاهر باجتاه التركيز ل التنمية إجناح فعحركته باجتاه تفعيل دوره يف

هو صريورة تارخيية اجتماعية، تالمس بالدرجة األوىل البىن األساسية واجلوهرية يف العملية (على املضامني،

بثق انبثاقا من االجتماعية بأسرها، فأسس التحديث اتمعي ال تستورد من اخلارج الثقايف واحلضاري، وإمنا تن

. الذات والواقع اتمعي

ذلك أن التنمية يف فلسفتها العامة ال تعدو أن تكون قضية ثقافية، وال ميكن اختزاهلا يف زيادة عدد املصانع، أو

بناء لإلنسان، وحترير له، وتطوير (اآلالت، أو وفرة اإلنتاج، وزيادة االستهالك، وإمنا هي قبل هذا وذاك

وإطالق لقدراته، كما أا اكتشاف ملوارد اتمع، وطاقاته املدخرة، وحسن توظيفيها، وتسخريها، لكفاءاته،

. وادخارها، يف ضوء استراتيجية، ورؤية علمية للمستقبل، أو لعامل الغد

، ويف خضم كل هذه التفاعالت يظل اإلنسان هو وقود التنمية، وغايتها يف الوقت ذاته، ومشيدا للعمران البشري

ونتيجة للقفز على اإلنسان كعنصر حموري يف معادلة التنمية املنشودة، ظل مشروع التنمية باهتا تطغى عليه

ألنه مت يف نطاق أشياء اإلنسان، وأدواته االستهالكية، على حساب " املظاهر ويعوزه الولوج إىل جوهر املسألة

.98، ص1993، 1عبيد حسنة عمر ، المشاكلة الثقافية ، مساهمة في إعادة البناء، المكتب اإلسالمي، بيروت، ط: (1)

Page 127: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

126

إن املهمة الرئيسية بالنسبة للنهضة . (1)" فاعلة فيها اإلنسان نفسه، واالرتقاء به، كهدف ائي للتنمية، ووسيلة

.الفاعل الرئيس فيها يف العامل العريب هي الرفع من كفاءة اإلطار البشري باعتباره

معرفة وتكون هذه املشاركة أكثر ثراء وفاعلية حينما تعي ذاا وتنطلق من واقعها وتتحاور مع اآلخر من منطق

يؤدي إىل وجود خلل يف بنية مبوضوعية أو حتت نظرة سياسية و إيديولوجية ، سالواقع ألن غياب حتليل . الواقع

التطبيق أو بنية الواقع اجلديد، ويتسع هذا اخللل ويضيق بقدر أمهية العناصر النفسية والثقافية واالجتماعية

ها يف صياغة منوذج احلياة والتارخيية اليت يتضمنها الواقع القدمي، وكذلك بقدر موضوعيتها وقوة تأثريها ودور

(2). اليومية للبيئة احمليطة بالتطبيق

هم يف تطوير قدرات اتمع العقلية والفكرية، ويهيئ اإلنسان ااإلطار الذي يس ميثلالتعليم و عليه فإننا نرى أن

وعلى هذا فإن مشاريع التعليم والتثقيف ،ملوارد املتاحة يف تنفيذ الربامج واخلطط التنمويةيف اللنهوض واالستثمار

االجتماعي، ال تعد مشاريع استهالكية، بل هي من صميم العمليات اإلنتاجية، ألا تتجه لبناء اإلنسان وهو

(3) .الرأمسال احلقيقي ألي جمتمع

ل الفعالة، اليت إن اهلدف الرئيسي من عمليات التنمية هو اإلنسان، وعلى ذلك فإن التعليم والتدريب من الوسائ

لعل (1).ال غىن عنها إذا ما أريد للتنمية أن حتقق أهدافها، ويكون اإلنسان قادرا على استيعاب إجنازات التنمية

بطاقة وفرية من العلم واملعرفة، حىت تكون له القدرة على حتمل تبعات هذه احتتاج إىل إنسان مزود لتنميةمعركة ا

. 101 عبيد حسنة عمر ، مرجع سابق ، ص : (1) .121، ص2003 2سسة االنتشار العربي، بيروت طالقمودي سالم ، اغتصاب التطبيق، مؤ: (2)، 1996، 13، ع3محفوظ محمد ، العولمة الحديثة والوحدة الوطنية، مجلة الكلمة ، منتدى الكلمة للدراسات واألبحاث، بيروت،، س: (3)

.64ص

.60، ص2002القاهرة، عبد الحميد أحمد رشوان، التربية والمجتمع، المكتب العربي الحديث، اإلسكندرية، : (1)

Page 128: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

127

النهضة بكل ما تقتضيه من حتديات، فلم يعد امتالك الثروات، وتكديس املعدات هو املؤشر الوحيد املقبول

لتصنيف الدول عامليا على سلم التطور والرقي، بل باتت القدرات العلمية ومهارات التحكم يف أحدث خمرجات

عصرنا متثل ألن املعرفة باتت يف . عامليالعلم هي الرهان الذي حيكم السباق الدائر بني الدول على النطاق ال

. السمة البارزة للعصر الكوين الراهن

سريورة شاملة ومنظومة متكاملة متداخلة العوامل، ولذلك فهي حباجة ماسة إىل إدراك عميق التنميةيبدو أن

، السيما على ألبعادها ومنطلقاا، حىت يتم بناء اخلطط ورسم التوجهات الكربى هلا بناء على تصور سليم

، وينشرون دواعي الوعي بأمهية املشاركة اجلماهريية يف صنعها، احجر األساس هلذه ضعت يتال النخبةمستوى

مشكلة دولة النخبة أا تعتقد أن التحديث حيصل مرة واحدة وإىل األبد، بينما هو حاجة دائمة حيصل (غري أن

ة تطويرية داخلية، ما إن ينتهي من دورة حىت تبدأ أخرى، باستمرار، ويعرب الزمن من حمطة إىل أخرى كعملي

وتعتقد دولة النخبة أن شرط جناح التحديث هو أن يتم ضد اتمع، بينما الواقع التارخيي يؤكد أن التحديث ال

.يتم إال بواسطته

الكثري من برامج التنمية نتيجة الفتراض النخب احلاكمة بأم مؤهلون للتفكري بالنيابة عن الشعوب، تقد فشلف

ومل يبذلوا جهدا لشرح هذه األهداف، وتلقي مالحظات وأفكار قادة الرأي واملتخصصني ورجال األعمال

حقائق األوضاع الوطنية أو والنقابات وبقية منظمات اتمع املدين، ولذلك فإن أي جتربة ال تراعى فيها

ومن مث فإن أي مشروع مهما كانت له من (2). احتياجات سكان البالد البد أن يكون مآهلا الفشل الذريع

الدعائم املادية فلن يكتب له النجاح ما مل يكن له امتداد يف نسيج اتمع حىت يكسب رعاية واحتضان اتمع

باالمتداد يف ثنايا احلياة االجتماعية، والتغذي من طاقاا، ألن أفكار له، أي يكون له عمق اجتماعي يسمح له

.41، ص1999، جانفي 482ذياب التميمي عامر ، عالجات التنمية، مجلة العربي، ، وزارة اإلعالم، دولة الكويت، ع: (2)

Page 129: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

128

النهضة ال جيب أن تبقى سجينة ثلة خنبوية حمدودة من الناس بل البد هلا من اخلروج من العزلة كي تدخل يف

.يالنسيج االجتماعي، وتصل إىل خمتلف الشرائح والفئات االجتماعية، وتصبح جزءا من الكيان اتمع

التقدم أو التخلف، ولذلك يتجه االهتمام صوب االرتقاء بقدرات اإلنسان حهو مفتااإلنسان يف كل عصر

وتطوير مستوى أدائه حىت يصبح أكثر كفاءة يف التخطيط والتنفيذ، وأقدر على حتقيق تطلعات اتمع إىل النهضة

اآللية القادرة لذا أصبح اإلنسان وحده هو القوة الوحيدة، اليت إذا استثمرت أفضل استثمار تصبح هي . والتقدم

عاملية –ذلك أن اإلنسان الذي ميلك من معارف وجهد عقالين، وبتوجهات سياسية وطنية. على صنع التنمية

ومن هنا يصبح التعلم والتعليم مها اإلطاران احلاكمان -مركزها وتوابعها -ميلك فرض اإلرادة يف أركان القرية

حافل بالتحديات، فإن قدرة اإلنسان يف قراءة واقعه وحتليل ويف ظل عصر ، للبقاء احلضاري والتنمية املتواصلة

غوامضه واحلكمة يف التعامل معه برؤية متبصرة هي اليت حتدد نتيجة سجاله مع موجات العوملة املعاصرة اليت

مع كل هذا أصبحت العوملة واقعا جيب التعامل معه بقوة، وقدرة على . تتضارب بشأا الرؤى والطروحات

.ليات املنافسة، اليت هي اإلطار أو السياج احلامي ملكان الدول على اخلريطة الكونية املزمع تشكيلهاامتالك آ

Page 130: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

129

:الفهرس

: مقدمة

01................................. منطلقات و اآلليات لالفصل األول تقنين المفهوم ا

03................................. تعريف التنمية و االيدولوجية : المبحث االول

19......................................... كرونولوجيا مفهوم التنمية : المبحث الثاني

34................................. أدلجة التنمية في الخطاب العربي: الفصل الثاني

36.......................... التنمية و الوعي باألزمة اإليديولوجية :المبحث األول

50........... اإلستعماالت اإليديولوجية للتنمية و أزمة الوعي بالذات: المبحث الثاني

67.............. في الخطاب العربي المعاصرجدلية االنا و االخر : لمبحث الثالث ا

87........................ التنمية كرؤية فلسفية عند المفكرين العرب : الفصل الثالث

89................................. بستيمية ألزمة التنميةإنحو مواقف : المبحث األول

100............ تنمية الخطاب الفلسفي العربي المعاصر آفاق و تحديات : المبحث الثاني

113: ...........................................................................الخاتمة

119........................................................................ : الفهرس

120: .......................................................قائمة المصادر و المراجع

Page 131: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

130

:قائمة املصادر و املرجع

: املصادر و املراجع قائمة - أ

. 1979، 01ن نيب مالك ، تأمالت ، دار الفكر املعاصر ، بريوت ، ط ب - 01

.1991، 01اجلابري حممد عابد ، التراث واحلداثة ، دراسات ومناقشات ، املركز الثقايف العريب، الطبعة - 02

.1995، 03اجلابري حممد عابد ، العقل السياسي العريب ، حمدداته و جتلياته ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط - 03

–اجلابري حممد عابد ، وجهة نظر حنو إعادة بناء قضايا الفكر العريب املعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت - 04 . 1993، 01الطبعة

.1982، 2جورج لوكاش، التاريخ والوعي الطبقي ، ترمجة حنا الشاعر، دار األندلس، ط - 05

.1990يل سعد، دار املعرفة اجلامعية، اإلسكندرية ، جون بالمينتز ، األيديولوجية ، ترمجة إمساع - 06

.1986مستقبل الثقافة يف مصر، جملد من األعمال الكاملة، دار الكتاب اللبناين، بريوت، : حسني طه - 07

، 244ايان كريب، النظرية االجتماعية من بارسونز إىل هابريماس، ترمجة حممد حسني غلوم، عامل املعرفة ، العدد - 08 .1999بريل ، أ

.1985شرايب هشام مقدمات لدراسات اتمع العريب ، األهلية للنشر والتوزيع ، بريوت -09

2006، 01طرابيشي جورج ، هرطقات عن الدميقراطية و العلمانية و العلمانيةو احلداثة و املمانعة العربية ط -10

.1995رة، املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء، عبد اهللا العروي، األيديولوجية العربية املعاص - 11

.1983عبد اهللا العروي، العرب والفكر التارخيي، املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء،ودار التنوير ، بريوت، - 12

. 2005، 04، املركز الثقايف العريب ، ط علي حرب ، املمنوع واملمتنع - 13

. 2000، 1ايات املركز الثقايف العريب الدار البيضاء بريوت ،طعلي حرب ، حديث النه - 14

علي حرب، املاركسية ودراسة الثرات العريب االسالمي ، املاركسية ودراسة الثرات العريب االسالمي مناقشة العمال - 15 . 1980دار احلداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بريوت لبنان، د ط " حسني املروة والطيب تزيين

.1995، 2علي حرب، النص واحلقيقة، نقد احلقيقة،ط - 16

1993، 1علي حرب، نقد احلقيقة، املركز الثقايف، الدار البيضاء، بريوت،ط – 17

.2000علي حرب، حديث النهايات، املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء بريوت، ط - 18

Page 132: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

131

1987، 32ضة العربية ، العدد غليون برهان ، جملة الوحدة ، تصورات جديدة للنه - 19

.2حممد اركون الفكر االسالمي، قراءة علمية، ت هشام صاحل، املركز الثقايف العريب بريوت الدار البيضاء بريوت، ط - 20

. 1999حممد اركون، الفكر االصويل، واستمار التاصيل، ط هشام صاحل دار ساقي بريوت لبنان، ط - 22

. 1985، 02قرم، جورج ، التنمية املفقودة ، دار الطليعة ، بريوت ، لبنان ، الطبعة -23

1984، 04، الطبعة 1مروة حسني ، الرتعات املادية يف الفلسفة العربية اإلسالمية، ، دار الفارايب، بريوت ، ج -24

. 58ص 1986 01ور ، دار الفكر، دمشق ، ط بن بىن مالك، وجهة العامل اإلسالمي ، ترمجة شاهني عبد الصب - 25 ابن تيمية ،احلسبة ، دار الفكر، بريوت، بدون تاريخ -26

1987، 05املاوردي ، أدب الدنيا والدين ، حتقيق مصطفى السقا ، مكتبة مصطفى البايب ، ط - 27

1981أبو يوسف ، اخلراج ، حتقيق البنا ، دار اإلصالح، - 28

1986، 1برهان ، جمتمع النخبة ، دراسات الفكر العريب ، معهد اإلمناء العريب ، بريوت ، طغليون - 29

1، ط 2001 -الدار البيضاء املغرب-بلقزيز عبد اإلله ، أسئلة الفكر العريب املعاصر، مطبعة النجاح اجلديدة - 30

م1988، بريوت 55-45 عدد -الفكر العريب املعاصر –احلداثة ما بعد احلداثة : صفدي مطاع - 31

م1977االقتصاد العريب أمام التحديات ، النفط واملال والتكنولوجيا، دار الطليعة، بريوت، : قرم جورج - 32

م 1983مطالب املستقبل العريب، دار العلم للماليني، بريوت، : قسطنطني زريق - 33

1985للنشر والتوزيع ، بريوت شرايب هشام ، مقدمات لدراسات اتمع العريب ، األهلية - 34

عمارة حممد ، أزمة الفكر اإلسالمي املعاصر ، دار الشرق األوسط للنشر ، القاهرة ، ب ط ، ب ت - 35

02اجلابري حممد عابد ، اشكاليات الفكر العريب املعاصر ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بريوت ،ط - 36

1963هنري ايكن ، عصر األيديولوجية ، ترمجة فؤاد زكريا، مكتبة األجنلو املصرية ، - 37

املقريزي ، تاريخ ااعات ،دار ابن الوليد، بدون تاريخ - 38

ماركيوز هربرت ، العقل و الثورة ، هيجل و نشاة النظرية اإلجتماعية ، ترمجة فؤاد زكريا ، اهليئة - 39

ليف و النشر ، ب طاملصرية العامة للتأ

Page 133: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

132

اجلابري حممد عابد ، الروافد الفكرية العربية و االسالمية ملفهوم التنمية البشرية ، ندوة التنمية البشرية يف – 40

. 1995الوطن العريب ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بريوت ،

.1985امعية، حلب ، التنمية االقتصادية ، مديرية الكتب واملطبوعات اجل: الرداوي تيسري - 41رشيد مسعود، األيديولوجيا علم األفكار، املوسوعة الفلسفية العربية، الد األول، معهد االمناء العريب - 42

.1986بريوت، . زروخي إمساعيل ، دراسات يف الفكر العريب املعاصر ، دار اهلدى ، بدون طبعة - 43

.2، ط 1961ظيمه، مكتبة القاهرة احلديثة، القاهرة ، تنمية اتمع وتن: شوقي عبد املنعم -44 .1992نظرية التنمية السياسية املعاصرة ، املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، : عارف نصر حممد - 45 .1996التنمية يف اإلسالم، مفاهيم، مناهج وتطبيقات ، بريوت لبنان ، : العسل إبراهيم - 46 .1982الوظيفية يف علم االجتماع واألنثروبولوجيا، دار املعارف، القاهرة،على ليلة ، البنائية - 47 .مصر 1990دراسـات يف التنمية والتخطيط االجتماعي ، دار املعرفة، : عيد إبراهيم حسن - 48الكواري علي خليفة، حنو استراتيجية بديلة للتنمية الشاملة ، مركز دراسات الـوحدة العربية ، بريوت - 49

1985. .1979حممد عاطف غيث ، قاموس علم االجتماع، اهليئة املصرية العامة للكتاب، - 50

. 2000املسريي عبد الوهاب ، مصطلح العلمانية، ، دار الفكر، دمشق، - 51

نبيل رمزي ، سوسيولوجيا املعرفة ، جدل الوعي والوجود االجتماعي ، دار الفكر اجلامعي، - 52 .2001اإلسكندرية،

رشيد مسعود، األيديولوجيا علم األفكار، املوسوعة الفلسفية العربية، الد األول، معهد االمناء العريب - 53

1986بريوت،

امحد عبد العظيم حممد ، أسس التنمية الشاملة يف املنهج االسالمى ، سلسلة دراسات وحبوث اقتصادية - 54

. 1997،مركز صاحل كامل ، جامعة األزهر ،

رسالة دكتوراه ، مقاربة حول اشتراكية اإلسالم ومشكلة التأخر اإلسالمي ، حممد شوقر الفنجري - 55

. 1967باريس

2000براهيم مصطفى إبراهيم ، من ديكارت إىل هيوم ، دار الوفاء ، اإلسكندرية ، ب ط ، - 56

Page 134: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

133

. 1992عارف نصر، نظريات التنمية السياسية املعاصرة ، املعهد العاملي للفكر االسالمى ، - 57 . 1999عطية عبد القادر ، اجتاهات حديثة يف التنمية ، الدار اجلامعية للطبع والنشر ، - 58 76الغزايل عيسى، االجتاهات احلديثة يف التنمية ،املعهد العريب للتخطيط، جملة جسر التنمية ،العدد - 59

،2008 . . 1990حسن عيد إبراهيم، دراسات يف التنمية والتخطيط االجتماعي ، دار املعرفة ، - 60

.، 01، ط 1993كويت ، كمال عبد اللطيف ، يف الفلسفة العربية املعاصرة ، سعاد الصباح ، ال، 03، جملة عامل الفكر الكويت ،عدد : املوصلي أمحد ، جتارب التنوير وإخفاقاا يف العامل العريب - 61

2001مارس

م، 1982سعد الدين إبراهيم وآخرون صور املستقبل العريب، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت، - 63

، بريوت، 48الدولة القطرية وسيناريوهات املستقبل العريب، الوحدة، عدد : سعد الدين إبراهيم - 64

م1988

: قائمة املصادر باللغات األجنبية -ب

01 - K.Marx et F.Engels, l’Idéologie allemande, traduit par Auger, Badia, Baudrillard, Cartelle, editions sociales, Paris.

02 - Gazeneuve, Jean, Dix grandes notions de la sociologie, éditions du

seuil, 1976

قائمة املعاجم و املوسوعات -ج

. 1984، 01بدوي عبد الرمحن ، موسوعة الفلسفة ، املؤسسة العربية للدرات و النشر ، ط -01

. 1936التاليف و النشر ، القاهرة ، كرم يوسف ، قصة الفلسفة احلديثة ، مطبعة جلنة - 02

ويل ديورانت ، قصة الفلسفة ،من افالطون اىل جون ديوي ، ترمجة عباهللا املشعشع ، مكتبة املعارف ، - 03 2004جمددة ، 01بريوت ، لبنان ، ط

. 15ابن منظور لسان العرب ،دار بريوت للطباعة و النشر ، الد - 04

Page 135: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

134

مكتبة لبنان ، 1التهناوي حممد علي ،تقدمي و اشراف و مراجعة رفيق العجم ، حتقيق علي دحدوح ، ج - 05

. 1996، 1ط

. 1996، 35معلوف لويس ، املنجد يف اللغة ، دار الشرق ، مطبعة انتشارات ، ط – 06

. 1983دليل فضلي عدنان عباس ، دليل موسوعة علم النفس ، بغداد ، – 07

رشيد مسعود ، االيديولوجيا علم االفكار ، املوسوعة الفلسفية العربية ، الد االول ، معهد االمناء العريب – 08

. 1986، بريوت ،

: قائمة االت - ه

م1981، بريوت، 17املديين أمحد، قراءة يف أسس اخلطاب السلطوي، الفكر العريب املعاصر، عدد - 01

م1989، بريوت، 60هاشم صاحل،دور الفلسفة يف بلورة املشروع احلضاري العريب، الوحدة، عدد - 02

، 55إجراء تنموي أم أداة للتبعية؟ الوحدة، عدد : نقل التكنولوجيا يف البالد العربية: مطيع املختار - 03

م، 1989بريوت،

. 1988، 16د جملة الباحث العريب ، مركز الدراسات العربية ، عد - 04

التنمية البشرية يف الوطن العريب ، جمموعة باحثني ، الطبعة األوىل، مركز دراسات الوحدة العربية ، - 05

ـ 1995فرباير ، / بريوت ، لبنان، شباط

Page 136: þıþ⁄þ™þß’ H F’þfi¾H2 þâþìþÔþßþ“þí þÞþØþÌþßþ“ þflþäþÌþŁþ‚ þ”þŁþôþàþ¸ þâþÌþçþ“þí þıþ⁄þ þßþ“ þ“þ‹þº

1

الملخص

إن المشروع الحضاري التنموي يعبر عن نظرة عميقة للتأزم الحاصل للذات العربية و مختلف

القضايا الحضارية من حيث هي نظرة شاملة و متكاملة لمسائل الحياة ، اإلنسان ، الثقافة ، و

تشكل المد الثقافي الغربي ، و كل ما يطرحه الواقع من مشاكل و هموم ، لقد طرح المفكرون

العرب بعمق األزمة الحضارية للواقع العربي الذي أصبح يعاني التخلف ، و فشل المشاريع

التنموية فيه ، بحيث أصبحت التنمية تأخذ بالمعايير المادية للتطور و النمو ، مهملة في ذلك

اإلنسان الذي يعتبر المحرك ألي نشاط تنموي، من هذا المنطلق نجد أن هناك أزمة تنمية تعانيها

الدول العربية إذ يتجلى هذا بوضوح في مختلف مظاهر الحياة اليومية لإلنسان العربي ، فهو أصبح

مستهلكا ال مبدعا ، و مستسلما للواقع إذ كان من المفترض أن يكون فاعال فيه ، وهنا وجدنا أن

الخلل يكمن في األشكال التي يتعاطى معها اإلنسان العربي مع واقعه ، بحيث نجد أن غياب

الوعي و التهميش الذي يعانيه سيجعل منه يعاني من أزمة وجودية بالدرجة األولى .

الكلمات المفتاحية:

الخطاب؛ التطور. ؛ األزمة؛ التنمية؛ الحداثة؛ النهضة؛ التغيير؛ العقالنية؛ التراث؛ اآلخر