1163

72

Upload: kotob-arabia

Post on 21-Jun-2015

154 views

Category:

Education


11 download

TRANSCRIPT

Page 1: 1163
Page 2: 1163
Page 3: 1163

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

Page 4: 1163

א

ستستدرجنا األنوات المتعددة والمختلفة داخل النصـوص

أحيانا داخل النص الواحد، باندراجها في تشـكالت بؤريـة

ستبدو أنها المسؤولة عن الموجهات القرائية التي تشي بهـا

الكتابة ونحن نقع ـ كالعادة ـ في شرك البحث عن المقترح

أو البطلة الرئيسة في النص، في الحين الذي سـتبقى " أنا"للـ

: فيه هذه التشكالت تتنامى وتتسع لتشـمل وتـزيح فـي آن

.. اإلنسان إلى تبايناته، ستشغلنا هذه التباينات لكن ليس كثيرا

ستتسع البؤرة للمكان الذي لن يكتفي في ظهوره في كثير من

النصوص بأن يكون مجرد خلفيـة لصـورة، بـل سـيحتل

فـي نـص " الشـيخ عثمـان "ورة، كمـا فعـل حـي الص

ـ ". هم…شرفاتـ" سـوق "سيتبدى أنه للمكان أيضا تبايناته ف

يتحيد بمن فيه لتبقى بضعة حبيبات هي التي تنفتح بها " الملح

. البؤرة دون أن يحيط بها شيء أو أحدسيقنعنا البحر أنه مكان وال يلبث أن يصبح موضوعا لسـفر

على اإللحاح على وجـوده " آخرللبحر وجه "الذات في نص

منذ العتبة ـ عنوان النص ـ وحتى لحظة الغرق الذي لـن

Page 5: 1163

يكون موجودا هو اآلخر، في تلك اللحظة ال وجود لشيء إال

الذي يبـدو " ليل البحر"بعد لحظة تثير خوف لتحوالت جسد

طويال كالطريق المبهمة التي يقطعها الجسد إلـى المرحلـة

االحتمال ألن الطريق مملة وطويلة وال التالية التي ستبقى في

ذاتي الحائرة التي فشـل أبـي بقلبـه "مناص من هذه الحال

الحنون عن فهمها أو حتى أخي الذي طغى خوفـه الشـديد

الجسد الذي يسافر في تحوالته دون أن يجد من يسـأله " علي

من إجابـة "أو يفضي إليه بمخاوف تحوالته وعليه الهروب

ها بصوت عال كلما فاجأتني تغيرات جسدي أسئلة كثيرة أردد

ألطرد خوفا اعتلى "وإنه يهرب " أو داهمتني ارتعاشات ليلي

وإنها نفس التـرددات " سمائي وأقلق سحبي فجأة دون إنذار

البحر، وهو يندفع غير مكترث / العالية التي تنبعث من الجسد

الجسد الذي .. خوف األخ األكبر الذي يشده إلى الخلف / بنداء

ويقف مـذهوال " جسدي يتقدم دون خيار "ندفع إلى االحتمال ي

أمام جسد لفظه البحر فال يسأل إال عن االحتمـال، ال يـزال

هذا الجسد المذهول يندفع ويعبر الجسد الذي طفا ميتا يسـأله

. عن احتماله

Page 6: 1163

الجسدان ال ينزلقان بنا في مغبة الثنائيـة بمفارقـة الحيـاة

ترهـات أمـام مـا يطرحـه والموت بل ستبدو هذه المغبة

الجسدان معا في تحوالت سيبدأ جسدها فـي التشـكل مـن

ولنـا أن " سيادة، أمنيـات، تحقـق : "مفردات يقترحها النص

..نذهب بجسد التحوالت هذا كل إلى احتماالتهستتخذ الشكل ذاته لعبة قراءة جسد الـنص، قراءتنـا التـي

بالنص إال تتشكل بطبعها من موجهات قد ال تكون لها عالقة

بما ندعي أنها وشت به الكتابة في جسد سنرى أنه يتشكل من

الـدور .. تباينات فال يتبقى من المفردة إال ما تؤديه من دور

.الذي هو من مقترحناسنكتشف ذلك بعد أن تكون اللعبة قد انطلت علينا، سنكتشف

أن لعبة تذويب األدوار بين األنوات أو المفردات التي لم تعد

دف إلى مقترح أو رئاسة لكنها تذهب ـ بواسطتنا ـ إلـى ته

الطفولة، / األمومة: التشكل؛ إلى جديد، حتى في مفردات مثل

الذكورة تخضع في تشكلها هنا لحساب التباينـات ال / األنوثة

.لحسبة الثنائيةلعبة تذويب األدوار التـي تبـدأ .. إذن فاللعبة لم تكن مجانية

لجاهز وتعطيل جاهزيته، وفـي قـراءة بتفريغ قالب الثنائية ا

Page 7: 1163

بـدأ " للبحر وجه آخـر "الجسد الذي يسافر في تحوالته في

الصوت مصمت الذكورة واألنوثة في جسـد لتـوه غـادر

فلتوه يدخل المراهقة ويبدأ الصوت تدريجيا فـي " االبتدائية"

التمايز وهو يقطع التحوالت بما فيها من مخاوف الدور إلـى

ح لها اآلخرون جسدا ميتا لكنه لن يقـف األنوثة التي سيقتر

المقترح االجتماعي بل سـيتجاوزه / باألنوثة عند هذا الجسد

. السيادة واألمنيات والتحقق: ليعبر باألنوثة إلىوسيبقى هذا القالب معطال وإن كانت القراءة تعيـد تكوينـه

لقد أعملت الكتابة في هذه المجموعـة . وملئه على طريقتها

التواتر ما يكفي ألن نكون شركاء وشريكات في من الهدوء و

لعبة تذويب األدوار بدحرجـة ال مجـال معهـا للمعـاول

فـي (والصراخ في هدم وإعادة بناء األدوار، مرأة الـنص

تنفتح بدورها على الدور الذي ال يمكن له فـي ) حبيبات مثال

التنميط الجنسي حسب الواقع االجتماعي أن يكـون إال دور

فهـي ـ ) م يجىء من يقول لنا أنه دور ذكـوري إن ل(ذكر

مرأة النص ـ ترغب، وتقترب، وتبادىءـ وتنغمس في فعل

اللذة إلى الحد الذي تقترب به من تحقق االكتفاء، كـل ذلـك

دون أن يبدو أنها بصدد دور يناقض دورها أو حتى يشـكل

Page 8: 1163

إضافة مدخله،وال يبدو إال أنه دورها الذي يمتد في ويسـتمد

..هامن طبيعتصورة المرأة داخل النص ال تجافي صورتها داخل الواقـع،

وال تعتدي عليها، وال تهدمها، وال حتى تناقضها، إنها فقـط

بإعادة بنـاء الغائـب : تلتقطها؛ لكن من النقطة الغائبة، فإذن

تهدم التغييب، وهذه واحدة من أهم مالمح االشتغال النسـوي

.داخل هذا العملتجعل من هذا العمل منجزا نسويا بامتيـاز لكن السمة التي س

.البساطة: هيستتحدى غرور اللغة التاريخية؛ البساطة التي تدحرج بها هذه

الكتابة مفرداتها سواء عبر اللفظ أو داخل المعنى لتؤكد لنا أن

هنالك ما نفعله إذ نغمس أصـابعنا داخـل تراكميـة اللغـة

لغـة : "ليـه اآلن وتاريخيتها؛ هذه التي جعلت منها ما هي ع

".ليست محايدةليس أية أصابع؛ فقط األصابع التي تكون على قدر عال من

الوعي بذاتها هي التي تنتج النسوية؛ الكتابة التي ال يمكن لها

.أن تكون إال نسوية

Page 9: 1163

األصابع التي لم تترك لنا نادية الكوكباني في هذا العمـل أن

لنا نفسا يشبه الدبيب نلمس إال فوحانها هادئا وعميقا، تركت

.تجاه الكتابة النسوية

Page 10: 1163

.. .. א. מ

تنتسب قصص نادية الكوكباني القصـيرة إلـى منـاخ

التسعينات التي تبرز فيها أسمها السـيما خـالل السـنوات

.األخيرة تحديدالكن ذلك التصنيف الجيلي الذي يمنحنا فرصة قراءة قصصها

من اهتمامات جيلها الموضوعية واألسـلوبية، يجـب اال ض

يصادر فرصة أخرى أكثر إغراء، وهي لحظة قراءة فريـدة

لنموذج من األدب النسوي العربي الـذي زاد االهتمـام بـه

مؤخرا، في ضوء المناهج النقدية الحديثة، ونشاط اتجاهـات

والرجل ومعاناتهما من القراءة، صوب جالء صورة المرأة

نفسها، والتي يفترض جهة نظر نسوية في ما تكتبه المرأة و

النسويون من النقاد والباحثين أنها تكتب بوعي خاص يتشكل

من مجموعة افتراضات تحدد وعيها ووجودهـا وحريتهـا

ووجهة نظرها، وتتدخل في طريقتها في رسم الشخصـيات،

واختيار زاوية النظر وكذلك ما يتصل بلغة القصة، والرواة،

.. ومستوى تمثيل المكان والزمان ثم إعادة تمثيلهما في القصة

: وذلك كله ضمن وعي الكاتبة ذاتها وتنويعات هـذا الـوعي

Page 11: 1163

حدة وحماسة او اعتداال وتوسطا بل حتى في إعـادة إنتـاج

الصورة كما حددها صانع الخطاب األدبي أي الرجل وذلـك

خصوصيات في حاالت غياب الوعي بالهويه النوعية للمرأة و

خطابها الذي نؤمن بوجوده تمييزا له عن خطـاب الرجـل

اإلبداعي، احتكاما إلى الضغوط التي تسـلط عليهـا أسـريا

واجتماعيا وإنسانيا وليس فقط الختالفها الجنسي عن الرجل،

بهـذا المعيـار . وأهمية ذلك في إعطاء الخطاب خصوصيته

انتبـاهي جرت قراءة قصص نادية الكوكباني التـي لفتـت

٣٣٩٨القدس العربـي عـدد "في " مزحة"شخصيا بقصتها

والمفارقة هنا هي أن تلـك القصـة " م١٤/٤/٢٠٠٠بتاريخ

ليست نسوية " وهي ليست ضمن المجموعة التي نقدم لها هنا "

بحسب التصنيف الدارج في حبكتها األساسية حـول تمـرد

النهـوض الصـباحي : على يومياته العادية " هو األب "رجل

) التمارض(والجو األسري المعتاد، والعمل واألوالد، فيقرر

كوسيلة للتخلف عن أداء تلك العاديات اليومية، لكن تمارضه

إذ أنـه يحـاول : وهو تمثيل قريب من المزاح، يغدو مأساة

النهوض فال يستطيع، ثم يفقد قدرته على الحركـة وينتهـي

.بالموت

Page 12: 1163

ناء القصة كـذلك، لكـن تقليدية، وب " مزحة"لقد كانت حبكة

أعني الحفاظ علـى موقـع : االنضباط السردي فيها واضح

الراوي عند مسافة كافيـة لتوصـيل الحـدث، واسـتبطان

الشخصية وانفعاالتها ورصد تمردها، ثم التماهي في الحدث

بين الحقيقة والوهم، وصوال إلى نهاية فاجعة ال تبدو غريبـة

.رويفي سياق تصاعد الحدث وتناميه الذلكن القراءة النسوية التقليدية ترى في تلك القصـة تهميشـا

التي يتمـرد عليهـا ) اليوميات(للمرأة التي اندرجت ضمن

الرجل، فهي تؤدي دورا تقليديا هو في حقيقته نتاج المجتمـع

إيقاظ األسرة، إعداد الطعام (الذي رسم صورتها على أساسه

.).…إلخواإلزعاج حتى وهـي ترفـع فالزوجة ال تكف عن الصياح

الستائر لتسمح للشمس بالدخول إلى الغرفة وتحـث الرجـل

..على االستيقاظ والقيام ألداء ما كان يؤديه كل يومإنها ـ أي المرأة ـ تتحرك ضمن الصورة النمطيـة التـي

لكن قراءة منطقية أخرى قد تـرى فـي . أرادها لها المجتمع

يراد لها أن تؤديه، هـذا رسم هذه الصورة إدانة للدور الذي

علـى أنهـا " مزحة"من جهة، ومن جهة أخرى يمكن قراءة

Page 13: 1163

: استبطان للهم اإلنساني الذي يخضع له الرجل والمرأة معـا

أال وهو موضوع الرتابة التي يتمرد عليها اإلنسـان أخيـرا

بمزحة تنقلب تدريجيا إلى حقيقة يذهب اإلنسان نفسه ضحية

.لهاءات سابقة لقصص الكوكباني قد وجدتها ولقد كنت ضمن قرا

تبتعد عن الروي بضمير المتكلمة، لتتحدث بضمير المتكلم ـ

أعنـي شخصـيات (الرجل ـ أو تجعل أبطالها من الرجال

).القصة المحوريةوقد فسرت ذلك على أنه تهريـب أو تسـريب للمسـؤولية

االجتماعية، وهو أحد الضغوط التي تتعـرض لهـا الكتابـة

.ية في العادةالنسوفالكتابة بضمير المذكر أو اتخاذ الرجال شخصيات رئيسـية

هي إحدى السمات التي يشخصها النقاد النسويون في كتابـة

المرأة العربية خاصة، ويفسرونها بأنها هروب أو اختفاء من

مسؤولية القراءة الخاطئة التي تطابق بين الكاتبة وكتابتها، أو

ها اإلبداعية في افتراض المطابقة بـين بينها وبين نساء أعمال

لكننا يجـب أال . الحياة والكتابة وتماثلهما إلى حد االستنساخ

ويهمنـا . ننساق لهذا التفسير سواء في كتابة المرأة أو الرجل

Page 14: 1163

هنا أن نؤكد على الجانب التمثيلي للقصة خاصة، فهي تتوفر

ها مطابقة على واقعة حياتية ما، لكنها تعيد تمثيلها بما ال يجعل

لتلك الواقعة الخارجية، إن الكتابة تمنحها حياة ووجودا كتابيا

لذا فإن المطابقة بـين الشخصـيات والكتـاب . مختلفا تماما

أنفسهم أو الكاتبات أنفسهن هو من مخلفات القراءة االنعكاسية

.مرآتيا للواقع ونقال له) انعكاسا(التي ترى األدب ني أن تتجـاوز تلـك اللحظـة رغم ذلك، استطاعت الكوكبا

وهذه المجموعة (االختفائية حيث غاب في قصصها األخيرة

ما كنا نوهنا إليه من تهريـب لـوعي ) التي نقدم لها تحديدا

المرأة عبر اختيار الرجل راويا أو شخصية رئيسية للعمـل

.القصصيتتموضع المرأة في مكان بارز مـن " دحرجات"ففي قصص

أو راوية في قصص المجموعة أو أنهـا السرد، فهي ساردة

الشخصية الرئيسية التي تدور حولها حبكة القصة وتتراتـب

مـا "أفعال السرد وأحداثه، ويمكن استثناء القصة األخيـرة

من هذا التشخيص فراويهـا رجـل وهـو راو " يمكن إنقاذه

داخلي أو بطل لها، وعدا ذلك سنجد المرأة راوية خارجيـة

توصيلها عبر القصة التي تكـون هـي تحدد سير األحداث و

Page 15: 1163

شخصيتها الرئيسية غالبا، وهذا التكريس السردي؛ له داللـة

على وعي نادية الكوكباني بموقع المرأة في العمل، وتجسيدها

له من خالل إعطائها دورا أساسيا في بناء القصة، واألهـم

أو جالء وجهة النظر كلهـا مـن ) التبئير(من ذلك اعتمادها

رأة بما يعنيه وجودها في القصة من حضور جسدي خالل الم

ومناسبة لعرض وعيها بموقعها االجتماعي وال شك فـي أن

سترينا أن الكوكباني ال تزال فـي " دحرجات"قراءة قصص

إطار الواقعية الشاعرية، فهي وإن اعتمدت وجهـة النظـر

النسوية كميزة أسلوبية وموضـوعية لقصصـها، ال تفـارق

. لجملة مفردات وأحداث وشخصياتكمفهوم) الواقع(تضع بطلتهـا فـي ) حبيبات: قصة(ففي القصة األول كمثال

قلب سوق شعبي يكاد يكون حكرا للرجال، ثم تضـعها فـي

تقليدية تحولها عبر رصد انفعاالت البطلة ) معاكسة(مواجهة

إلى مناسبة لرصد ذبذبات استجابتها التي تمتزج فيهـا اللـذة

..بالضيق معاي قصص المجموعة كلها نجد هذا الرصد الذكي المنقـول وف

بطرق سرد تقليدية ليس فيها مغامرة أسلوبية أو تجريبا وهذا

ما يجعلني أعد نادية الكوكباني محافظة إلى حد ما على تقاليد

Page 16: 1163

السرد المألوف، فهي ال تقفز على األحداث وال تعيد ترتيبهـا

. حتى النهاية دائما إال بشكل خطي متنام متصاعد من البداية

لكن الجديد عندها هو في اقتحام آفاق الشخصيات المتنوعـة

السيما الصغار في أكثر من قصة، ولعلها بهـذا األسـلوب

تهرب مرة أخرى وعي المرأة بهويتها وحنينها إلى العـودة

إلى حريتها المفتقدة التي يسلبها منها المجتمع بمجرد نموهـا

..ة أو مشتهاةوبلوغها حد أن تكون مطلوبوأدوات السـباحة الطفوليـة، " أسامة والبحـر "إن البحر في

واأليسكريم بالفراولة التي يبيعها صاحب سيارة البيع الجوالة

وحصالة النقود والضفائر فـي " أيس كريم فراولة "في قصة

هي أمثلة على ممارسـة المـرأة " حصالة وضفيرتان "قصة

ـ في عمق الداللـة ـ لدورها األمومي في الظاهر، لكنها

تمارس نكوصا صحيا أي العودة إلى نقاء الطفولة وحريتهـا

التي ال يمكن لآلخر أن يصادرها، ولعل ذلك يتسـرب فـي

إذ تقول الراويـة ـ " …حصالة"جملة بالغة الداللة في قصة

تمنيت لو تمارس علي داللها كما تعودت فـي طلـب "األم

يت لو تصرخ وتـرفض األشياء التي ال أرغب فيها، بل تمن

".أمري السخيف الذي أمليته عليها

Page 17: 1163

لعل تلك الرغبة في تمرد البنت هو في حقيقته رغبة الراوية

ذاتها في أن تفعل ابنتها ما ال تستطيع هي أن تفعلـه بسـبب

..محددات المجتمعال أعني بذلك أن نادية الكوكباني تتجنب منـاطق البـوح أو

ا ترصده في المجتمع كما تخشى ذلك، فهي تتصدى لبعض م

حيث قلق خالة الراويـة علـى " همس حائر "في مطلع قصة

فهذه الليلة يجب أن تثبت فيهـا الفتـاة "ابنتها في ليلة عرسها

وهي بهذا تشخص " أشياء كثيرة لترفع رأسها ورأس أسرتها

بعمق ما وراء تلك العادة من نفعية أسـرية وصـك بـراءة

..لألسرة والمجتمعة الكوكباني في قصصـها القصـيرة، التـي ازدادت إن نادي

رسوخا ومنطقية تضيف إلى رصيد السرد النسوي العربـي

وسوف ترينا تجاربها الالحقـة فائـدة مـا ) واليمني خاصة (

.زرعته في مجموعتها المتميزة هذه حاتم الصكر. د

م٢٠٠١صنعاء أيلول

Page 18: 1163

الحياة الصـاخب لم تستطع منع نفسها من التماهي في نبض

حال ولوجها من باب اليمن الشهير والباقي بعد * لسوق الملح

أن اندثرت األبواب األخرى لمدينة صنعاء القديمة، ولم يعـد

. منها سوى تسميات تجعل لها ذكرى عبقة بماض لم ينسرغم تحديدها لما تريد شراءه إال أن التسكع اللذيذ في أسواقه

ى تذوقها كلما دخلتـه ، منـذ أن المتعددة له نكهة درجت عل

كانت تضيع في أزقته إلى أن أصبحت خبيرة في تفرعاتهـا

. المتشعبةعند أول دكان صادفها في سوق الحبوب بعد أن عبرت زقاق

دغدغت رائحة القهوة المنبعثة من أركانه ذكريات طفحت من جمجمتها للحظات، وقفت تالعب بـدالل

ل مختلفـة، فـول، ذرة، كلما وقعت عليه أصابعها من غـال

: ، سألت البائع"هذا ما أريد"و … عدس، فاصوليا، قمح، " بكم ثماني الدخن؟"ـ

فجأة وقبل أن يجيب أو حتى يصغي لسؤالها نتيجة انشـغاله

بزبون آخر، هبط أمامها بائع آخر، ظنته مالك الـدكان لمـا

Page 19: 1163

يتمتع به من ثقة في النفس ونظافة في الملبس، إضافة إلـى

: يته المهندمة ومرونة تعامله قائاللح " ريال بس٢٨٠ بـ "ـ

ودون أن يدع لها فرصة للرد بدأ يردد مهجل زراعي وعيناه

: تتفحصانها قائال قا صربوا الدخن والذرة قائم اليوم واهللا واليوم دائم

أدهشها ما سمعته وهزت رأسها إعجابا برده، خاصة وأنـه

انية وليس على غرار اللهجة التي كتـب ردده بلهجته الصنع

. بها سعيد الشيباني هذا المهجل " ريال، يناسبك؟٢٥٠شاخذه بـ، "ـ

عجن الدفء صوته، تقدم باتجاهها خطوة، فبدا لهـا أكثـر

وسامة بعد أن سكبت شمس الظهيرة عسلها علـى عينيـه،

تلعثمت، ارتبكت، فلم يعد يفصـل بينهمـا سـوى بعـض

: ن تتحرك ولو خطوة للخلفسنتيمترات، دون أ " ابدا الغالي يرخص لش"ـ

ومن ثم وجه كالمه للرجل الذي يقبع داخل الدكان والمشغول

. بترتيب ما تكوم أمامه من أشياء عن مالئمة السعر لبضاعته

Page 20: 1163

انشغلت بتفحص الدخن، تحتضن يديها حباته، تشم رائحتـه،

. تفاوضهماتنظر إليه عن قرب، لتتأكد من نقائه، حتى ينتهي باغتها دفء يده التي اندست بين حبات الـدخن، ارتعشـت

أوصالها، اكتسحت الحمرة مالمح وجههـا وزاد ارتباكهـا،

تلجمها شدة جرأته، ويدهشها أكثر سكوتها الالمعقـول عـن

: تماديه وعجزها ـ ربما ألول مرة ـ عن التعامل معه " ثماني بس؟"ـ

. لئهسألها وهو يتناول وعاء بدأ في م : لملمت ما تبقى من قواها، وبلهجة حادة أجابته

" ضعها في كيسين ليسهل علي حمله.. سعر رباعي، ـ تناول الكيس األول وهو يرمقها بنظرات صالت وجالت فـي

: مالمحها المبعثرة، منتشيا بانتصار حصاره لها قائال " إحنا في الخدمة، نحمله عنكم؟"ـ

زفيرها العالي غضبه، معتقده أن لهجتها مطت شفتيها وأعلن

ستردعه عن التمادي بعد أن قررت عدم الخوض معه في أي

. موضوع مهما استعرض قدراته " شكرا سأحمله بنفسي"ـ

Page 21: 1163

أعد لها طلبها في كيسين وفاجأها بسؤال استفزازي رد بـه

: على حدتها التي لم ترق لهيبدو أنها متعلمة مثلك ماذا ستفعلين بالدخن؟ أيعقل أن فتاة "ـ

تستطيع أن تعصد أو تخبز أو حتى تعمـل لحـوح؟ فهـذه

" أعمال ال يجدنها المتعلمات؟لطمته بسكوتها، وعالمات الحنق الشديد بادية على وجههـا

. بعد أن أدركت قصده في مد جسور لحوار ساخن بسـؤاله

رمت له بالقيمة على أكياس الحبوب التي أمامها ومـن ثـم

. كيسيها وهمت بالمغادرةالتقطتأدرك تماما الحالة التي وصلت إليها فسحب خطواته للخلـف

ليفسح أمامها الطريق، مكتفيا بنصر ساحق اعتلـى سـماءه

: ورسم على شفتيه ابتسامة وداع باردة وهو يقول " نحن في الخدمة، مع ألف سالمة"ـ

ب، قبل أن تخطو، وبحركة بهلوانية قفز فوق أكياس الحبـو

وانتصب كوتد بينها، بعد أن لمح أخـرى تتمايـل فـي أول

الفرحة، بحلق بؤبؤاها فيـه بانـدهاش، ** الزقاق بستارتها

تقدمت خطوة . تجمهرت حبيباته في عينيها أجداثا بال حراك

Page 22: 1163

خطوتين، وعلى األرض ألقت ما اثقل كاهلها ومضـت …

.قدما م ٢٠٠٠أبريل

صنعاء القديمة، يتميـز اشهر أسواق مدينة : سوق الملح *

.بتنوع وتفرع أسواقه التي تحوي كافة متطلبات الحياةعباءة شعبية كثيرة األلـوان تلبسـها المـرأة : ستارتها**

الصنعانية حال خروجها للتسوق، وفي الزيارات والمشـاوير

القصيرة

Page 23: 1163

هذا الصباح، تبحث يقظة أهل الحي عن شئ فقدته دون

سربت حيرتها إلـى جميـع سـاكنيه، ..! ن تعرف ما هو أ

اختزلت طقوسهم اليومية إلى رحلـة بحـث عمـا يـنقص

صباحهم الغريب هذا، تسارع الشعور؛ فطال الجميـع بـال

. استثناءودعت النسوة أزواجهن وقبلن أطفالهن، وتوجه الجميع إلـى

ما يشغله راسما على شفتيه ابتسـامة ناقصـة باحثـة هـي

. عما يكملهااألخرى " يا كريم.. يا رب "ردد أحد المارة

فتوجهت األنظار من حوله إلى المكان الـذي يقتعـده العـم

صالح، كان خاليا إال من قطعة الكرتون الذي يجلـس علـى

نصفها ويمكنه النصف اآلخر من سماع كل ما يقذف عليهـا

. وأوال بأول يدسها في جيب سترته الداخلي. من نقودكذا تعود أهل الحي على العم صالح؛ الرجل الضرير الذي ه

جاءهم قبل ستة أعوام ال يعرفون من أيـن، اختـار موقعـا

مميزا يجعل الداخلين والخارجين من وإلى الحـي يمـرون

Page 24: 1163

عليه، تماما في قلب الشارع، تقوده امرأة عجـوز قبـل أن

. يستيقظوا من نومهم وتعود الصطحابه قبل حلـول الظـالم

الم هو الشيء الوحيد الذي يملكه وهو على يقين بأنه لن الظ

يفقده، ال يعرفون له أهال أو بيتا أو حتى أقارب، فقط صوته

.. يا رب : "الجهوري الذي يطغى على كل ما في الحي مرددا

الستجداء عطف المارة، صوته الذي تسرب إلـى " يا كريم

منازلهم، ثنايا الحي فسكن حجارته، يتدحرج صداه إلى جوف

يقض مضاجعهم يستفز مرضاهم الباحثين عن الهدوء ولـو

. لساعات نهار قليلةقرر أهل الحي إعطاءه ما يكسبه من التسـول فـي اليـوم

ليشتروا هدوء النهار الذي فقدوه منذ تجذر صوته في الحـي

هكذا رد " رزقي بيد اهللا وليس بأيديكم "ذات صباح، دون فائدة

ءت كل محاوالتهم إليجاد حل بالفشـل عليهم العم صالح، وبا

. الذريعأصبح جزء من الحـي، .. لم يكن أمامهم خيار، تعودوا عليه

لهـذا . ينظمون على قدومه وعلى رحيله مواعيدهم وأعمالهم

كان غيابه المفاجئ للوهلة األولى مثيـرا لتسـاؤالتهم التـي

" يا كريم.. يا رب: "يوم بال. نشرت اذرعها في أرجاء الحي

Page 25: 1163

ترددت اإلشاعات في اليوم التالي عن مـوت العـم صـالح

بسكتة قلبية نتيجة تعرضه لسرقة أفقدته كل ما جمعـه مـن

وأخرى عن اكتفائه بإيجار عمارته التي بناها مـن . التسول

وثالثة عن إصابته في حادث سيارة أفقدتـه القـدرة . التسول

. على الحركة أليام سيعاود بعدها نشاطهلث فاق عدد الشائعات عدد سكان الحي ونـزح في اليوم الثا

. بعضها إلى األحياء المجاورةاليوم الرابع عادت األمور إلى سابق عهدها، أنهـى الحـي

تبخـرت . انشغاله بمصير العم صالح وتوقعات ما حدث لـه

جملة العم " يا كريم .. يا رب "الشائعات جميعها، كما تبخرت

. إزعاجهم ثانيةصالح بصوته الجهوري الذي لن يعاود م٢٠٠٠ مارس ٧

Page 26: 1163

كغيرها تنتظر سيارة الهـايلوكس الضـوء األخضـر

للعبور، في الجزء المكشوف منهـا يقنـع الصـغير شـقيقه

األصغر بالجلوس بعد أن وقف وتدلى نصفه األعلى محاوال

لمس السيارة األقل ارتفاعا والموازية لسـيارتهما، مسـتغال

ف في اللعب قبل أن يلفت انتباهه الصغير الذي لحظات الوقو

. يقبع في مقعدها الخلفيالشارع شديد االزدحام، اسعد الصـغير زحـف السـيارات

المالحقة للضوء األخضر، مكنته من التعرف على صـديق

جديد بادله التحية وشاركه اللعب والحديث وكأنهما صـديقان

ضحكاتهما حلقت. منذ خمسة أو ستة أعوام هي كل عمرهما

اللحظة . عاليا وارتدت إليهما، في صمت بارك نشوة اللحظة

التي جعلت أشعة شمس الظهيرة باردة، والشـارع المكـتظ

بالسيارات فارغا واإلشارة التي لم تصـل إليهـا سـيارتهما

. سرابا

Page 27: 1163

جره شقيقه بقوة هذه المرة، وبلهجة حادة أمره بالجلوس وإال

متعـة الجـزء المكشـوف سيشكوه لوالده الذي سـيحرمه

. لسيارتهما الجديدة ويجلسه في المقعد الخالي إلى جوارههدأ الصغير لثوان بعد هذا التهديد، واقتعد المكان الذي يمكنه

من رؤية صديقه الجديد الذي وهبته إياه السـيارة الجديـدة،

زحف السيارات مستمر إلدراك . واكتفيا بتبادل الحديث صمتا

لذي كان جادا هذه المرة في السماح لهمـا الضوء األخضر ا

ووقف ثانية ليودع صديقه، … بالعبور، غافل الصغير شقيقه

. أصدرت السيارة زفير غضب االنتظار الطويـل وانطلقـت

فشل الصغير في اللحاق بيد شقيقه األصغر ونجح اإلسـفلت

.في احتضانه

Page 28: 1163

..

جهة المقابلـة لـه يقفـان أمام ركن المنزل، تماما في ال

يرقبانه، يسكبان عليه جام شوقهما، يتأمالن مالمحه، كبـرت

أشجاره وربما قليال ارتفع سوره، فأكـل نافـذتهما وشـجرة

الياسمين التي احتضنت أغصانها ليال دافئة أيقظتها خيـوط

. الفجر على استحياءال شيء يعلو سماء قلبيهما المحلقـين نشـوة، … في الشارع

ط على ذراعه التي تتأبطها، تزداد التصاقا به، تعـانق تضغ

منزلهما، كل " نحن معا .. معك… أنا هنا "كفه الحرة أناملها،

ما فيه شاهد على ذكرياتهما إال ساكنوه، أدخل كفـه جيـب

معطفه الكحلي الذي شهدت ثناياه اشتعالهما، يتلمس مفتاحـا

. لمنزل بإمكان الناس جمعيا دخوله عداهمابــاكرا داهمهمــا الظــالم، يعشــقانه، يكرهــان األضــواء

االصطناعية، بها تبدو األشياء على غير حقيقتهـا، جعلـت

منزلهما عمالقا، أشجاره ضخمة، وسوره عاليا، جعلته باردا

وهو الشيء الوحيد الذي كان يمدهما بدفء غادرهما حتـى

. اللحظة

Page 29: 1163

ـ عه علـى لملم رداءها الذي تبعثر على األرض، أعاد وض

كتفها، أقفل أزرار معطفه، أغمضا أعينهما وتمنيا ما لم ولن

. يتحقق لهما أبدااتقدت جذوة ذكرياتهما، تلتذ خطواتهما باالقتراب منه، طافـا

حوله مرات ومرات، همسا له بكل ما خفي عنه منذ غادراه،

نقشا في ثنايا حجارته حكاية سيفك رموزها اآلثاريون يوما،

. ابه جحيمهما واغترفا من كنوزه ما يكفيهمادفنا في تردون وداع، أدارا له ظهريهما، سارا يسبقهما صمت يجيـب

على تساؤل المارة الذين درجوا على رؤيتهمـا فـي هـذا

الموعد، وصال نهاية الطريق، قشرا عن سمائهما كل الغيوم،

. وابتلعا زرقتها، دحرجا صمتهما وتبعاه كل في اتجاه م ٢٠٠٠ نوفمبر ٢٣

Page 30: 1163

كانت المرة األولى التي تنام فيها صغيرتي وهي تحتضن

حقيبتها المدرسية عوضا عن دميتها المفضـلة، بـل المـرة

األولى التي استغنت فيها وبرضى تام عن حكاية مـا قبـل

النوم، مكتفية بهدهدة أحالمها وابتسامات مالئكية ترتسم على

. شفتيها بين حين وآخرلم يمنعني ما فعلته عن ممارسة طقوسي معها حتى تغط في

نوم عميق، استلقيت بجوارها طوقتها يمناي وداعبت األخرى

:خصالت شعرها الناعم" ماما هل كل األمهات ال يـرافقن أوالدهـن للمدرسـة؟ "-

فاجأتني بسؤالها بعد أن قضت جل اليوم في مالحقتي كظلي

لتلقي على كاهلي ما أتعبهـا على غير عادتها تتحين فرصة

حمله في أسبوعها المنصرم، ارتسم على وجهها خيبة أمـل

ـ لم . أسرع مما توقعت " نعم"ألجمت لسانها فقد كان جوابي ب

يكن صمتها في تلك اللحظـة قبـوال ألمـري بـل دهشـة

إلصراري طوال األسبوع على إقناعها بعدم مرافقتـي لهـا

. للمدرسة حتى في يومها األول

Page 31: 1163

تمنيت لو تمارس علي داللها كما تعودت في طلب األشـياء

التي ال أرغب فيها، بل تمنيت لو تصرخ وتـرفض أمـري

السخيف الذي أمليته عليها وبجدية، لكنها لم تفعـل خـذلتني

. وربما أنا خذلتنيرددت المعلمة هذا الجملة " انظروا يا أطفال كم هي شجاعة ("

لـذي يبكـي ال يريـد وهي ممسكة بيدي متجهة نحو ذلك ا

المدرسة وتلك التي تشترط بإصرار رفقـة أمهـا لـدخول

الفصل، وتقنع ثالثا يصر على اصطحاب شقيقه األكبر، بأني

). لم أت برفقة أمي أو حتى شقيقي األكبرأعيد وضع غطائها، الذي ركلته منذ لحظات أطبع على خدها

. اقبلة، تدير وجهها هاربة من تنغيصي المستمر ألحالمه.. لم يكن يومها عاديا، أعدت فيه كل ما تم شراؤه منذ أيـام

مالبسها، حقيبتها، أدواتها، حافظة طعامها، واألهم تعليمـاتي

. و محاوالتها البريئة بالعدول عنهاانظروا يا أطفال كم هي شجاعة، الصغار فقط تصـطحبهم ("

استمرت المعلمة في ترديد هـذه الجملـة " أمهاتهم للمدرسة

اتلفت حولي، هذه تمسك حقيبة ابنها وتلك . كثر من أسبوع أل

تعدل ضفيرة شعر ابنتها، وثالثة تمرن صغيرتها على كيفيـة

Page 32: 1163

ما مـن أحـد ال يرافقـه . التعامل مع حافظة الطعام الجديدة

ما من أحد ألقضي معه االستراحة، أعود أدراجي إلى .. أحد

علـى الفصل، أحاور طعامي، تزدرده غيرتي ويبتلعه حقدي

). كل من له رفيق في يومه األولهوت حقيبة صغيرتي على األرض، مـدت يـدها وعينيهـا

اعترتني . مغمضتين لتناولها، وأعادت احتضانها مرة أخرى

قشعريرة لم تزلها شدة التصاقي بصغيرتي أو حتى حـرارة

. دموعيليست كأشقائها، إنها تسمع الكالم وتعتمد على نفسها برغم ("

خنقتني كلمات اإلطراء في المنزل والمدرسة، " صغرأنها األ

حشرتني المقارنة في صندوق ال يمكنني فيه إال هز رأسـي

دائما باإليجاب، صندوق املك مفتاحه ولم اجرؤ يوما علـى

). استخدامهصباحا، استيقظت صغيرتي فاجأها وجودي إلـى جوارهـا

لتي استبدلتها واحتضانها بتلك القوة، أنساها ذلك قبلة الصباح ا

.." هل ستـ ماما : "بسؤال لم تستطع إخفاءه أو حتى تأجيله

لم أدعها تكمل سؤالها، توجهت للنافذة فتحتها وألقيت مفتاحا

لصندوق حطمته للتو، اخترق الهواء كلما استعصى عليه في

Page 33: 1163

أوردتي منذ زمن، استنشقته مع صغيرتي التي احتضنتها وأنا

." سارافقني… بالطبع سأرافقك "أردد م٢٠٠١يناير ٢٥

Page 34: 1163

غدا سيأتي، سيعترف، وسيعتذر عما اقترفه في حقـي

من أخطاء، سيروي قصصا النتصـاراته يظننـي أجهلهـا،

وسيبرر هزائمه بأكاذيب أعرفها جيدا ومع ذلك سـبق لـي

تصديقها دون كيف أو لماذا؟ للعصفور الذي غدا سيأتي، سيطلب قفصا ـ بملء إرادته ـ

أغوته الحرية وأدمى قشها الناعم أحالمه وأمانيه، و سـألتذ

. بقص ريشه كي ال يعاود التحليق في سماواته األرضيةغدا سيأتي، سأنصت منتشية لحكاياته، سأنظر إليه بكل ثقـة

وربما جرأة على غير عادتي، سيدهشه ذلك، لكنه لن يتوقف

متاع، سـيرتفع حاجبـاي عن الحديث مقتنعا أنه شيق حد اإل

لهول مغامراته، وستدمع عيناي تأثرا بقسوة بعضها، وربمـا

سترسم شفتاي حدودا أوسع ألراضـيها سـيظنها ابتسـامة

لطرافة بعضها اآلخر، وستنهي أصابعي المعركـة الـدائرة

. لما تبقى منها بينها انفعاال غدا سيأتي، سأسدل الستار عن آخـر عـرض لمسـرحيته

بعد أن كنت جمهورها الوحيد الملقى على كاهلـه السخيفة،

أنهى جـرس الهـاتف … رن … رن . …فشلها لسنوات، و

Page 35: 1163

ـ … شرودها معتذرا عن موعـده . …خنقها صوته للمرة ال

. غدا م٢٠٠٠يوليو

Page 36: 1163

)3 (

هرولت نبيهة خارج منـزل صـديقتها فجـأة بعـد أن

. ذي كان بصـحبتها استشعرت اختفاء ابن شقيقتها رضوان ال

بحثت عنه في الحواري القريبة للمنزل، تسلقت عيناها أزقتها

الضيقة مذعورة من أفكار تنهش رأسها دون رحمة، ال فائدة

. ليس له أثرقفزت لذهنها فكرة االتصال بالمنزل للسؤال عنه أو لطلـب

. المساعدة وهي تلتقط أنفاسها لتستريح على دكة أحد المنازل

يقتها لينقذها مما هي فيه، حمـدت اهللا، انـه جاء صوت شق

استطاع العودة رغم صعوبة الطريق على طفل في سنه، لكن

هذا لم يمنعها من ضربه وبشدة حال وصولها للمنزل وهـي

. تؤنبه على عدم أخبارها بمغادرتهلم تتكلم شقيقتها أو تمنع عن صغيرها وابـل الضـرب

ـ بعد أن فرغت من " بيهةن"واكتفت بدحرجة بعض الكلمات ل

. مهمتها" انظري كم أراحك اهللا، إننا في هم دائم من هذا القبيل وأكثر "

أطبقت كلماتها التي أرادت بها تهدئة الموقف على أذني نبيهة

Page 37: 1163

كوحش غرز مخالبه لينهش في جروح أوشكت أن تنـدمل،

.. أريـد هـذا الهـم … بلى أريد "وانفجرت باكية وهي تردد

بوجودي في الحياة، وبطعم يشعرني … مرهاستعذب حلوه و

".آخر لها، تشابهت أيامي ولم أعد قادرة على تحملها كانت هذه من اللحظات النادرة التي تفقد فيها نبيهة السـيطرة

على أعصابها ويعلو صوتها بعد أن استوطنها هم اإلنجـاب

عاما، اعتقدت فيهـا للوهلـة ١٨منذ أن تزوجت خليل قبل

هاجمها القلـق بعـد أول سـنة زواج . أنها السبب األولى ب

وشحذت همتها ولم تترك طبيبا أو حتى مشعوذا إال ولجـأت

إليه حتى وصفات معارفها وأقاربها الشـعبية جربتهـا دون

فائدة، ورغم االختالف الكلي بين تشخيص األطبـاء وكـالم

المشعوذين إال أنها لم تخبر به أحدا وكيف تخبرهم أنهـا ال

تعاني من شئ و ال مانع لديها من اإلنجاب، مثل هذا تلمـيح

جارح، الرجل الذي ال يعيبه شئ كما درجـت العـادة؛ أوال

وكما تربت هي ثانيا هو السبب، هذه إهانة قد ال يغفرها لهـا

الزوج، أو حتى المحيطون بها فكيف إذا طلبت منه عـرض

.نفسه على طبيب

Page 38: 1163

بعد خمسة أعوام وقد تكونين أصبري يا ابنتي عمتك أنجبت "

، هكذا بثتها أمها أمال ستحققه لها األيام القادمة ومرت "مثلها

. الخمس بل ستة أعوام دون فائدةلم تستغرب نبيهة أو يتبادر لذهنها عدم سـؤال زوجهـا أو

لهفته لإلنجاب طوال هذه الفترة الذي يشـعر معهـا بقمـة

ب الحديث إذا فـتح السعادة كما يقول وهذا يجعله يوصد أبوا

معه أو مع أي أفراد من أسرته فهو البكر وكالمه يسمع من

أمه وشقيقاته خاصة بعد وفاة والده وتحمله مسؤولية المنـزل

الذي لم يعد قادرا على توفير احتياجاته بشـكل جيـد رغـم

الشهادة الجامعية التي يحملها مما جعله يفكر بالسفر بحثا عن

سد هذه االحتياجات وتـوفير بعـض فرصة عمل تمكنه من

. المال لبناء مستقبله فاجأ الجميع بحصوله على تأشيرة دخول إلحدى دول الخليج

وانه حال استقراره سيرسل في طلب نبيهة عند توفر تأشيرة

.. هكذا دون سابق إنذار أو تمهيد سافر خليـل … دخول لها

سكنتها غربته وتحول شعورها القاسي بالوحـدة وانتظارهـا

لزياراته البسيطة إلى أمل تصبر به نفسها وتقتل به وساوسها

شقتها .. في أوقات مريرة تقضيها بمفردها في شقتها البسيطة

Page 39: 1163

التي استأجرها خليل قبل أن يغادر بعد أن عانت كثيرا مـن

معايرتهـا بعـدم صداماتها المتكررة مع أمه وشقيقاته نتيجة

اإلنجاب إلى أن فاض بها الكيل ورمت يوما بالحقيقـة فـي

تقارير األطباء أثبتت أنني ال أعاني من شئ "وجوههن قائلة

بعدها توقفن عن الحديث ولم يفتحنه حتى مع " يمنع اإلنجاب

.خليل في إجازاته القليلة التي كان يقضيها بينهنهيها شئ ممـا جعلهـا كانت رغبة نبيهة في اإلنجاب ال يضا

تقرر مصارحة خليل بكل شئ عند زيارته، وفعال لم يفاجئها

رده الذي كانت تستشعره من نظرات خليل وهما فـي قمـة

سعادتهما بأنه يعاني من عقم مؤقت، ولو تمكن من الحصول

على تأشيرة دخول لها ألمكن األطباء معالجتهما معـا فهـذا

بحجم الحب الذي تكنه له شرط أساسي للعالج كما يؤكدون، و

صدقته وتحول انتظارها إلى أمل سيمكنها من تحقيق أحالمها

التي تأجلت عاما بعد عام فلم يكن باستطاعته الحصول على

. تأشيرة دخول بسهولةحتى عندما ساعدته الظروف وتمكن من الحصول عليها لـم

ي تبق معه نبيهة إال ستة أشهر فقط ظنت فيها أن األدوية الت

ودعته وهـي تقـول . استخدماها معا قد أزالت كل العوائق

Page 40: 1163

ولم تستطع أن تفسـر سـبب ". سأزف لك قريبا خبرا سارا "

تهربه من نظراتها أو حتى عدم رده عليها إال بعد أن عادت

ولم تزف له أية أخبار سارة، وكأن سفرها كـان ضـروريا

جاب خاصـة لتتأكد أن زوجها عقيم كليا وال أمل لها في اإلن

بعد أن عرضت نتائج الفحوصات والتقـارير التـي غافلتـه

وأحضرتها معها على طبيب متخصـص، وبـدأت تتسـاءل

وبشكل جدي مع ذاتها التي كانت لها خير صديق في أوقات

لما لم يصارحها خليل … كثيرة تحاصرها فيها حوائط صماء

إن حبها له سيجعلها تتخلى عن حلمهـا وبطيـب .. بالحقيقة

طر سترضى بالقدر وبنصيبها في الدنيا وستعيش تقلبـات خا

إنها .. ألم تكفه هذه السنوات ليعرف من هي زوجته .. ظروفه

هل كان سيصبر عليها لو كانت هي السبب : حتى لم تتساءل

. أم أنه كان سيتزوج بأخرى تنجب له األوالدجارتها لم يستطع زوجها تقبـل .. التجارب حولها تؤكد ذلك

ا عاقر فتزوج بأخرى رغم قصة الحب التي عاشاها فكرة أنه

. قبل الزواج ووعوده بالوفاء لها مهما حدث

Page 41: 1163

وصديقة أختها لم يشفع لها أنها ابنة عمه وكل مـا اسـتطاع

فعله هو إخفاء خبر زواجه عنها لفترة حتـى كشـفته لهـا

.الظروف وخضعت لألمر الواقعع وطلبت الطالق أما صديقتها فكان لها الشجاعة لتواجه الجمي

فسر صدقها مع نفسها وعدم .. حال معرفتها أن زوجها عاقر

تخليها عن األمومة بأنها جرأة وقلة تربية في مجتمع ال يرحم

. الخارجين عن عاداته الجائرةلم تكن نبيهة بحاجة لتستعرض في مخيلتها كل هذه القصص

ألن قرارها كان قد استقر في ذهنا قبل أن تعرف كـل هـذا

لكنها وجدته منفذا لتخرج من دائرة الحيرة التي تدور حولها

. منذ زمنتستلذ .. تدلـله كطفل .. وكعادتها استقبلت خليل بشوق ولهفة

تشاركه طموحاتـه .. أكاذيبه بمواصلة العالج الذي قد يطول

للمستقبل الذي سيجعلها فيه اسعد امرأة على وجـه األرض

. ن عليه غربتهتنعم بالمال والجاه فهذا ما يهوسكونها المفاجئ وعدم سؤالها عن الحلول التي شغلت حياتها

بالبحث عنها لإلنجاب جعلت خليل يصارحها بالحقيقة كاملـة

تاركا لها طلب الحل الذي ترتضيه لحياتهما فلم يعـد قـادرا

Page 42: 1163

على أن يقابل كل هذا الحب بكذبة تجعل من حياتـه وهمـا

لهـا، فقـد اسـتنزف مـن ومن غربته تأنيب ضمير بظلمه

. أحالمها الكثيركانت قناعتها أكيدة في العيش معه ألن هـذا هـو نصـيبها

وقدرها الذي رضيت به لكنها في المقابل طلبت منـه وهـي

تودعه بل رجته أن ينهي غربته التي طالت أكثر مما يجـب

فوجودهما معا كفيل بأن يعوضهما عن كل شئ لكن الوفـاء

واكتفت بمكالماته الهاتفيـة .. ما بعد عام بالوعد كان يؤجل عا

وإجازاته القصيرة وفي كل مرة تودعه باكية وهي ترجـوه

لقد أتقنت فنون الخياطة في . بالبقاء يكفيها وحدة ويكفيه غربة

غيابه ومعا سيتعاونا على العيش وعلـى تـدبير احتياجـات

دة الجميع، تشابهت أيامها ولم تعد تستطعم شيئا بدونه دون فائ

يوما بعد يوم تتدحرج من مخيلتها أحالمها لتـرتطم بواقـع

. مرير حولهاجاء وعده صادقا فخالل عام سيقوم خالله بإنهـاء .. وأخيرا

كل ما يلزم ليعود، أنهكته الغربة وأخذت منـه أكثـر ممـا

جهده الذي كان .. صحته التي تتدهور يوما عن يوم .. تصور

Page 43: 1163

التي ال تستحق منـه هـذا وطنه وأحق به وزوجته الوحيدة

.جزاء لمعروفها النادر معهقضت نصف العام في توفير المال من ممارسة الخياطة التي

قضت بتعلمها على جزء من وحدتها وأشعرتها بالسعادة وهي

أرادت . تقدم خدمة لجاراتها ومعارفها نظير مبـالغ زهيـدة

. تغيير بعض آثاث شقتها لتفاجئ بها خليل عند عودتهى غير عادته جاءتها مكالمة خليل يخبرها بموعد وصوله عل

ورغـم تحججـه .. الذي تقدم بضعة أشهر جاء صوته منهكا

بأنه إرهاق العمل الطويل إال أن نبيهة لم تقتنع وألحت عليـه

كثيرا ليخبرها إن كان مريضا أو يعاني من مشاكل طمأنهـا

يسـتطع وأكد لها موعد وصوله فشوقه لها وللعودة لم يعـد

.تأجيله أكثرلم يكن في وسعها إال تصديقه على الرغم من الفـارق بـين

مكالمات خليل المليئة بالحيوية التي تقرأ منها الشوق لرؤيتها

وبين هذه .. وتصلها أجمل العبارات تتزود منها لحين عودته

. المكالمة التي شغلها صوته الغريب ونبراته التعبة

Page 44: 1163

تستعجل عقارب الزمن ليأتي سريعا ظلت نبيهة قلقة ومتوترة

اليوم الذي سيصل فيه وعندها ستعرف مـا حـاول إخفـاءه

. عنهالم تستطع البقاء في المنزل لحين وصوله من المطـار كمـا

تعودت لكنها أصرت على شقيقها بأن تذهب معه السـتقبال

. خليل لتخلد ذكرى عودته النهائية بعد غربة طويلةئن تقع عليه عيناه وأول جسد سيرتمي تريد أن تكون أول كا

.. في أحضانه، ستستنشق معه هواء وطنه وتقبل ترابه معـه

.وتسير إلى جواره رافعه رأسها مودعة وحدتها إلى األبدهل غير رأيه وقرر البقاء .. لكن خليل لم يكن مع المسافرين

حتى نهاية العام؟ وعد الطائرة لكن لماذا لم يتصل بها ليخبرها بذلك؟ هل فاته م

هل يواجـه مشـاكل فـي .. ولم يستطع االتصال ألخبارها

؟ قطع فضاء حيرتها دوي مكبـر الصـوت …وهل… عمله

.. السيدة نبيهة عبـد الواسـع "الذي جلجل في أرجاء الصالة

.. السيدة نبيهة عبد الواسع رجـاء الحضـور لالسـتعالمات

تكرر اإلعالن للمـرة " شكرا.. رجاء الحضور لالستعالمات

الثانية والثالثة وقدماها ترفضان السير تجـول فـي وجههـا

Page 45: 1163

عالمات لم تعد قادرة على تمييزها فـي مخيلتهـا تصـول

أمسك شقيقها بيدها محاوال طمأنتهـا … معارك أسئلة ضارية

.بـ عل المانع خيرا بإذن اهللا توجها إلى مكتب االستعالماتتأكد من اسمها بابتسامة باهتة استقبلهما موظف االستعالمات

وأسم زوجها الثالثي وبعد أن تبين من صحة تلـك البيانـات

. ناولها قسيمة وهو يردد بأسى )٣(يمكنك استالمه، صالة العفش ـ صندوق رقم "ـ

Page 46: 1163

كان بإمكاني أن أفسر قلق خالتي على ابنتها في ليلـة

اء كثيـرة عرسها، فهذه الليلة يجب أن تثبت فيها الفتاة أشـي

لترفع رأسها ورأس أسرتها عاليا ـ خاصة إذا كانـت فـي

قرية صغيرة كقريتنا تلهث وراء ما تحتضنه الجدران أكثـر

. من انشغالها بتوفير لقمة العيشلكن ما لم استطع فهمه أو حتى تفسيره هو قلقها أيضا علـى

ابنها بل وتوترها الشديد الذي لم تخفه مالمـح وجههـا وال

ة الدائرة بين أصابع يديها المتشابكة، بدا لي ذلك جليا المعرك

أكثر من خلقها ألعذار واهية للمرور أمـام حجـرة نومـه

. وتناوب أجزاء جسدها لمراقبتها طيلة الليلةهل أقلقها كثرة شروده منذ قدم من المدينة ليتزوج ... !! ترى

تنفيذ بابنة عمه بعد أن استنفذت كل أساليبها إلقناعه بضرورة

وصية والده، حتى وإن لم يفكر يوما بها كزوجة أو تـراوده

. نحوها أي مشاعر حب كما يدعي

Page 47: 1163

نساء القرية مجتمعات لتجهيز طعام الغد، يتسامرن بالغنـاء،

الطريفة فيمـا بيـنهن منشـطا "* الحزاوي"وتتحول رواية

.لمقاومة تبعات السهر وانبعثـت بدأ حديثهن يتحول همسـا، ونظـراتهن غمـزا،

. ضحكات لؤم مكتومة من أركان كثيرةالليل يغسل سواده بضوء الفجر الذي لن يدخل القريـة فـي

غيبوبته حتى شروق الشمس فحسب، بـل سـيزف لخـالتي

. أخبار قضت أيام كثيرة تنتظرهافـوق " صـرة "تحمـل " المزينة"بلغ توترها ذروته، فها هي

بابتسامة ماكرة تجاهلت رأسها، وتختال بها بين ثنايا القرية، و

كل من أطلت رؤوسهن من النوافذ لقراءة عالمات وجههـا

. الستقصاء األخبار قبل أن تعم" المزينـة "أسرعت خالتي لتكـون أول مسـتقبليها، ألقـت

عند قدم خالتي، وأيقظت زغاريدها حجارة الدار " الصرة"بـ

. فهي النائمة الوحيدة في تلك الساعةرة، أخرجت منها خرقة بيضاء، تهافتت الص" المزينة"فتحت

النسوة لرؤيتها، انفرجت أسارير خالتي فقد زينـت الحمـرة

وجه الخرقة التي وضعتها بيدها على قمة حقيبة مالبس ابنتها

Page 48: 1163

وقبل أن تقفلها همست في أذنها فنكسـت العـروس رأسـها

. خجالالتحمت الزغاريد حتى وصلت أسماع الجيران، هربت خالتي

التي كانت تنتظر شيئا مماثال، لزوجة " المزينة"ا من بنظراته

ابنها وهي تعيد الخرقة الثمينة إلى صرتها وتبين للنسوة بأنها

ستحتفظ بها في مكان أمين ال تصله األيدي تماما، كما فعلت

. أمها بخرقتهالم يخرج ابن خالتي من حجرته حتى بعد أن فضت الشـمس

. برد القرية بأشعتها الدافئةأبني رجال وسـيد ... ال بد و أن أحدهم عمل ال بني شيئا "

، هكذا رددت خالتي وهي ترى زوجته تخرج بكامل "الرجال

الستقبال أهلها دون ابنها الذي تحججت " الصبحية"زينتها في

بتعبه المفاجئ نتيجة تعرضه للبرد أثناء االحتفال وهـو لـم

ـ ا عـن طقـس يتعود بعد على طقس القرية المختلف تمام

.المدينةلم يتحمس ابنها لشرب قهوة األعشاب التي أعدتها له .. خالتي

كما فعلت جارتها مع ابنها وظهر تأثيرها الفعال فـي مسـاء

Page 49: 1163

ذات اليوم، لكنه فعل ذلك ليرضيها ويبدل ـ نوعا ما ـ قلقها

. بطمأنينة كاذبةليل آخر يحث خالتي للحديث معه، ويحثه أكثر للهروب مـن

اجهتها بل ومن مواجهة ذاته الحـائرة، ليـل يحـاول أن مو

يلصق على عتمته صورا أخرى ألشياء كثيرة تتابعت علـى

جدار مخيلته، أحالمه التي رسـمها بـألوان سـني عمـره،

مستقبله مع امرأة أخرى يحبها، وصية والده، ابنـة عمـه،

وحب قد تأتي به العشرة وربما تبعثره الريح، وأخيرا حوائط

ء هي الشاهد األول على رجولته ـ رجولته البريئة التي صما

ارتضى لها كل ما يساور أمه وزوجته والمحيطين بـه مـن

شكوك في سبيل الوصول إلى قرار يمزق به ما حاكتـه لـه

. فقط إرادته.. األقدار ليصنع قدره بيده وبإرادتهأبدعت خالتي في خلق أعذار جديدة لمرض ابنهـا المفـاجئ

ته على التجول في المنـزل بكامـل زينتهـا وأصرت زوج

وبخطى واثقة، منتشية بهمس األركان الدافئـة فيـه معلنـة

براءتها راضية لنفسها أن تكون مجرد دمية تحـت الطلـب

بعيدة كل البعد عن الخوض في عمق ما يدور أو المشـاركة

. في البحث عن أسبابه أو أيجاد حال له

Page 50: 1163

واثقة، زينتها المفتعلة، كانـت نظراتها المتعالية، خطواتها ال

جارحة لمشاعره، قاتلة لكرامته، مستفزة لرجولتهكان بياض فجرها فاضحا، فتح ابن خالتي باب .. الليلة الثالثة

حجرته وعال صوته متعمدا إيقاظ كل من في المنزل آمـرا

زوجته بتحضير طعام اإلفطار ساخنا، حلقت زغاريد خالتي،

بين أرجاء القرية، وارتد إلى حجرتـه سافر صداها منتصرا

. منكساة * ة اليمني ة باللهج ي الحكاي ة وه ع حزوي جم

.الصنعانية

Page 51: 1163

؟؟ أيعقل أن تكون المصادفة قد ..أيعقل أن يحدث ما حدث

أيعقل أن يكون ما حدث ! ؟ لعبت دورها بإتقان إلى هذا الحد

لهـا األقـدار أن هو آخر التوقعات المستحيلة التي شـاءت

نعم يعقل، وقد حدث فعال ما كان يبـدو لـي .. تتحقق؟؟ نعم

تحقيقه ضربا من الجنون الذي يعتـري األحـالم للحظـات

. تمارس فيها جزء من نرجسيتها على أرض الواقع؟ أتعلـم أن !ترى أتدرك هي اآلن أنها برفقة األغلبية مـنهن

اتهن التـي صوتها الشجي وهي تغني أمامهن يحلق مع ذكري

اعتلت عرش المكان؟ وأن مالمح وجهها تعيد لهن سعادة أيام

مضت، لكنها ما زالت تمدهن بقوة واستمرار ورغبـة فـي

الحياة التي تكالبت همومها ومشاكلها عليهن دون تفريق؟ نعم دون تفريق بين من كانت رومانسية تعيش في أحضـان

ن كانت تنقلها الشعر تؤرقها كلماته وتشجيها عذوبته، وبين م

سيمفونيات بيتهوفن وباخ وشتراوس إلى عالم النقاء الروحي

والعذوبة المطلقة، بل وبين من كانت واقعية تغرس أحالمها

في أرض خصبة وهي تعلم مسبقا ما ستجني من ثمار، وبين

Page 52: 1163

من كانت تعانق أحالمها السحب عاشقة لبياضـها المـنعكس

. على روحها في األرضحداهن الشجاعة لتصارحها بما دار في رأسـها ترى أتملك إ

عند رؤيتها أو حتى تغازلها من بعيد لتبين لها حدود معرفتها

. بها رغم أنها تراها للمرة األولىشـدة .. لقد اكتشفن جميعا وربما في اللحظة ذاتها أنها هـي

الشبة لم يخف شيئا، افصح عن كل مـا أردن معرفتـه دون

واحدة منهن قد دخلـت عالمهـا سؤال عن فترات كانت كل

الخاص، رغم ذلك لم تستطع أعينهن إخفاء الفضول الكـامن

خلفها، والحنين إلى ماض كن فيه ملكات ـ بتتابع مدهش ـ

. لعرش واحد لم يصمدن في الدفاع عنه حتى فقدنهتكتمهن الشديد وسكوتهن عن الحديث حتـى فيمـا بيـنهن،

راتها الحـائرة أحيانـا مراقبتهن لها أحيانا والهروب من نظ

أخرى أيقظ في قلوبهن غيرة شعرن أنها دفنت مـن زمـن،

حب اتقدت جذوة لهيبه عند رؤيـتهن .. لتحكي عن حب كان

لها وسماع صوتها، والتنقل بحذر في مالمح وجههـا التـي

ـ دون (تشبه إلى حد التطابق، مالمح وجه والدها، ذلـك الـ

. وءالذي أسر قلوبهن يوما ورحل بهد) جوان م ٢٠٠٠ يونيو ٥

Page 53: 1163

وتلتها صدمة االكتشـاف .. سيدة األمنيات سبقتها األحالم (

). ربما.. فهل يكون هذا هو ثمنا لتحقيقهاأوفى والدي بوعده واصطحبني مع شقيقي األكبر لقضـاء

اإلجازة الصيفية على شاطئ الساحل الذهبي في مدينة عـدن

وق في المرحلة االبتدائية فهو يعرف حبي مكافأة لنجاحي بتف

الالمعقول للبحر وشوقي لرؤيتـه خاصـة بعـد أن غـزت

رسوماته التي أتقنها حوائط حجرتي وقضت علـى أي أمـل

للطالء في الظهور أو التباهي بجمال لونه الذي بذل والـدي

جهدا في اختياره ليكون أقرب ما يكون لزرقة البحر حسـب

وجدها أيضا فرصة مناسـبة ليـرد . ةرغبتي، لكن دون فائد

.. ألخيه جزء من زيارته المتكررة لنا محمال بهـدايا كثيـرة

اشتم فيها رائحة فريدة ال تشبه أي شئ مر في حياتي، هاربا

من طقس مدينته الخانق في الصيف مستمتعا باعتدال الطقس

وبالجبال العارية التي تربض على قممها، مدينتي المتنـاثرة

. ا كأوراق خريف بعثرتها الريح في كل االتجاهاتبيوته

Page 54: 1163

رغم قصر المسـافة، .. مملة …بدت لي الطريق طويلة

وتمنيت لو كان لوالدي سيارة، بالتأكيد كانت ستكون أسـرع

من هذا الباص الذي يعج بالركاب ويبـدد صـمته صـراخ

األطفال حينا وأحاديث متفرقة ترتفع حدتها وتهبط كالجبـال

نعبرها حينا آخر لكن تواضـع راتبـه جعلـه يـوفر التي

الضروريات لعائلته مكتفيا بدفء الحـب وطمأنينـة البـال

. كوسيلة نافعة جدا للتعامل مع الحياة ومعناحال وصولنا كان الليل قد بدأ يسدل ستارته على المدينة،

قضيت الليلة انتظارا ملتهبا حاولت إطفـاءه بـأحالم يقظـة

فوق رأسي الصغير حتى بدأت خيوط الضـوء فـي رفرفت

االنتشار ألعلن معها الثورة على النائمين فـي المنـزل دون

.استثناء، استعداد للذهاب لشاطئ البحرحدثت نفسي طويال وأنا أقف أمام البحر للمرة األولـى،

كان للقائه رهبة العظماء الممتزجة بود متبادل وارتعاشـات

فضاء الخياالت التي عشعشت في رأسي نشوة حلقت بي في

طويال وهاهي تتحول حقيقة ساطعة أمامي، حقيقة تختزن كل

. ما تستطيع أليام حرمان منه قادمة ال محال

Page 55: 1163

تجذرت قدماي في الرمال وأنا أرقبه، توغلت شـراييني

حباته الناعمة، غمرني وألول مـرة دفء مـدهش دغـدغ

فتقافز زفيري أمـامي أطرافي بشغف بدأت استنشق نسماته

متباهيا بألوان قوس قزح الساحرة، وأمام ندائه العـذب لمـا

استطع إال أن أطيع، تقدمت يجرفني شـوق السـنين التـي

مضت، عانقت أمواجه فتبدل صقيع قلبي دفئا، أعادني لصدر

أمي الحنون الذي غاب عني منذ عام، ليلبي نداء مـن نـوع

اكمة ويهبنـي صـداقته آخر، فهل يذيب ثلوج وحدتي المتر

أللقي في جوفه أسراري، وأهمس ألمواجه المتعانقة بخبايـا

أفكاري، وهمهمات ذاتي الحائرة التي فشل أبي بقلبه الحنون

على .. عن فهمها أو حتى أخي الذي طغى خوفه الشديد علي

الهروب من إجابة أسئلة كثيرة أرددها بصوت عـال كلمـا

. ني ارتعاشات ليليفاجأتني تغيرات جسدي أو داهمتأالحق ذراتها الهاربة من بين ثنايـا .. عدت للرمال ثانية

الشاطئ على امتداده يعج .. أصابعي، ارقب ما حولي بصمت

لكل منهم طريقتـه .. أطفاال ونساء .. شبابا وشيوخا .. بالناس

الخاصة في التعامل مع البحر مـع أمواجـه الهادئـة حينـا

مع رماله التـي تحتضـن أحالمهـم . .والغاضبة حينا آخر

Page 56: 1163

وتشكلها فتمنحهم متعة تحقيقها ولو للحظات، مـع صـخوره

التي تترنح على سطحها أقدام عارية منتشية بحرارتها فتمدها

. بقوة أعماقها التي تواجه اعتي األمواجهكذا تغادرنا اللحظات السـعيدة .. الشمس تعلن انسحابها

نهاية موجعة ونحن نتجـول فـي قبل أن ننعم بها، تداهمنا ب

ثناياها، الشمس تعلن انسحابها بهدوء، وقبل أن تمنح البحـر

أدرت لـه .. دفء المساء ونشوة همساته، وقفـت مودعـة

هاجت أمواجه، تالحقت، تالطمت، أطلقـت دويـا .. ظهري

صم أذني وأعاد لمخيلتي كوابيس مرة كانت تنهش أحالمـي

. ألجفاني مرة أخرىوتبتلع نومي لساعات قبل أن تلفظهالجميع يستعد للرحيل ربما ـ مثلي ـ يخيفهم ليل البحر

وربما لكل منهم حكاية يرغب في إنهائها بـالوداع أو بمـد

جسورها إلى الغد الذي أحاول استقدام تفاصيله في مخيلتـي

.. ألطرد خوفا اعتلى سمائي وأقلق سحبي فجأة دون إنـذار

النظر إليه ثانية الحتفظ بروعـة جاهدت أفكاري كي ال أعيد

ممتنة له بالسـعادة التـي وهبنيهـا دون مقابـل، .. ما كان

وامتزجت أصوات األمواج الهائجة مع أصوات غريبة قادمة

ترصد عيناي كل ما يحدث أمامها محاولـة .. من كل صوب

Page 57: 1163

تزايد الصراخ غير الواضح وتـدافع .. ربط ما يدور ببعضه

ولي بشـدة لمعرفـة مـا الناس من كل جانب حرضني فض

تسارع نبضات قلبي، وجفاف فمي جعالني أصارع .. يجري

وبال شـعور .. تفسيرا اعتراني منذ لحظات رافضة تصديقه

وجدتني أهرول باتجاه البؤرة التي تجمهرت حولهـا جميـع

األصوات رافضة اإلنصات لنداء يتردد بقوة من خلفي طالبا

أزاح .. دم دون خيـار مني التوقف، لكني لم أفعل، جسدي يتق

ثمة جسد لفظه البحر، ثم ..! كل ما يعيقه، وانتصب مذهوال

.. جسد ملقى، بال حراكتلتها صدمة .. سيدة األمنيات التي سبقتها األحالم .. وجه آخر

؟ ..!هل أدت ثمن تحقيقها .. االكتشاف م٢٠٠٠مارس

Page 58: 1163

حر الواسـع لم يرم صغيري بجسده الغض في حضن الب

كما توقعت أن يفعل، ليس ألن هذه طبيعة كل من يراه ألول

مرة، بل ألن صغيري يعشق الماء وهذه الكمية الكبيرة التـي

" البـانيو "يراها بعد أن تخيلها طويال ستعوضه عن حـوض

الضيق الذي يعيق حركته ويفسد تمريناتـه التـي يـدعوني

ارتكازه على يديه لمشاهدتها معتقدا أنه يسبح وهي ال تتعدى

. وتحريك رجليه بقوة حتى يبلل ثيابيبللـت الميـاه الدافئـة .. تقدمنا.. بحماس ارتدى لباس البحر

تقدمنا أكثر، استقبلتنا بحـب أمـواج .. التصق بي .. أقدامنا

زاد التصاقه بي وضغط على يدي، ظننته في بـادئ .. هادئة

ضـا التقـدم، بـدأ األمر دالال لكن صراخه الجاد ارتفع راف

.يتسلقني فعدنا أدراجنا في الحال، أخرجت األدوات التي "لتكن الرمال هي جسر العبور األول "

اخترتها معه من محل األلعاب في العاصـمة قبـل سـفرنا

ظـل ) مجرفة رمل، دلو، قوالب ملونة لحيوانات وأشـجار (

ليئـة ممسكا بالدلو لفترة يتأملني أبني قصرا كبيرا له حديقة م

Page 59: 1163

بالحيوانات واألشجار التي تحتاج للماء، وقبل أن أطلب منـه

ذلك كان يخطو الخطوة األولى باتجاه البحـر، لـم تمكنـه

ثانيـة … الموجة األولى من ملء الدلو، تقدم خطوة أخـرى

وثالثة غمر الماء نصفه األسفل مأل الدلو وعاد مسرورا بمـا

. فعل، "نات تريـد أن تشـرب حسنا هذا الماء لألشجار والحيوا "ـ

. هكذا حدثت نفسي بصوت عالأجاب صغيري تسبقه خطواته " سأذهب ألحضر لها الماء "ـ

المتلهفة نحو البحر، قضى وقتا أطول مأخوذا بالموج الـذي

بدأ في هدهدة جسده الصغير الذي غمر الماء معظمه، توقف

هل كانت نصيحتي له بعدم التقـدم ... فجأة وكأنه تذكر شيئا

. ؟ ربما"طوق الحماية"أكثر ألن الموج قد يؤذيه بدون رجع منتصرا للمرة الثانية، احضر المجرفـة، وبـدأ يعيـد

دفـن .. قصري إلى جذوره قبل أن يزرع آخر عوضا عنـه

إحدى يديه في الرمل، أخرجها بهدوء، فتكـون لـه كهـف

ال .. صغير فتح له منافذ تهوية بأصابعه، وجعله بـال بوابـة

بين قصره والبحر، لم يكترث لعبارات اإلطراء الشديد حاجز

لتفكيره الذكي بما صنعه ولكنه أمسك القوالب وشـكل منهـا

Page 60: 1163

حيوانات وأشجارا متعددة طلب مني جلب الماء لها، أمسكت

تبعني صغيري طالبا .. خطوة خطوتين … الدلو متجهة للبحر

.ريثما يحضر الماء بنفسه" طوق الحماية"مني نفخ … قـر طوق الحماية البالستيكـي في منتصف جسـده است

انتظرني امسك بيـدي … تباطأت قليال .. سبقني باتجاه البحر

. ليعيد معي وربما بمفرده اكتشاف البحر كما يريدقدماه ترتفعان عـن .. تقدمنا أكثر ... تقدمنا توقعت صراخه

الرمل، وبقوة يداه تمسكان بالطوق، عيناه محدقتان بي يزداد

فراجهما بصمت كلما داهمته موجة في لحظة غير متوقعـة ان

.يشعر فيها بعدم التوازنقدماه تتحركان بحرية، يـداه ... لم يهتم ... خطواتي تتراجع

. وعيناه تشعان بريق فرحة وانتصار... تجدفان ببراعةكان مندهشـا باكتشـافاته .. لم يبال... خطواتي تتراجع أكثر

دأ يطفو بدالل على المـاء، قدرتـه جسده الذي ب .. المتالحقة

على التحكم بخط سيره البسيط، وأخيرا أطفال غيره يعج بهم

. الشاطئ في أرجائه المتعددة

Page 61: 1163

جلست على الرمال .. أدرت له ظهري .. غادرت المياه تماما

أرقبه، بدأ يلوح لي بيده بين فترة وأخرى ألرى انتصـاراته

. ي االنسجام التام معهمالعظيمة مع أقرانه الذين بدأ فيرقـب .. استقر مع صمته بجانبي .. خرج صغيري من الماء

البحر الذي ربمـا فـي .. البحر الذي ال يستطيع رؤية نهايته

هذه اللحظات يعقد معه معاهدة حب صادقة بحجـم براءتـه

. والمتعة التي وهبها لهعاد للرمال مرة أخرى ليس معي هذه المرة بل مع أصدقائه

. ن منحهم له البحرالذيوهذا عمار وأخـوه .. وهذا ماجد.. أمي هذا ـ رضوان "ـ

، هكذا عرفهم إلي وقبل أن تعـود ابتسـامة "علي أصدقائي

.. ترحيبي ألدراجها تقافزوا من أمامي ليبدأوا عملهم الجـاد

كانوا أشبه بخلية نحل، يتنافسـون لبنـاء األجمـل، وربمـا

. األعظمئكية وهم يعيدون ما بنوه ألصله، هكـذا علت ضحكاتهم المال

ال شيء يعلوها سواهم والبحر الذي تسابقوا .. فضلوا الرمال

. …لدفئه مرة ثالثة ورابعة و

Page 62: 1163

أشفقت على صغيري من التعب الـذي منعتـه روعـة

التجربة من الشعور به، لكن احمرار جسده جعلني أطلب منه

تقـدم أمـامي بخطـى جمع أغراضه و .. المغادرة، لم يمانع

. هادئةيرقبـه .. أدرت ظهري للبحر وأدار لـه صـغيري وجهـه

أمسك يدي وطبـع … بامتنان، لوح له بيده الصغيرة مودعا

وتمتم بصـوت أزهـر فـي أذنـي .. عليها قبلة شكر دافئة

!.. ؟"أمي متى نعود ثانية.."أمال م٢٠٠٠يناير

Page 63: 1163

..

ور الثالث، يدور في خلدها سؤال تقف في شرفتها في الد

تطرحه على نفسها وال تنتظر منهـا .. حيرها لفترات طويلة

إجابة، لكنها اآلن حريصة على إيجاد جواب له، كحرصـها

فـي " حافة الهاشـمي "على الوقوف في شرفتها المطلة على

ـ أشهر منـاطق مدينـة عـدن، وأكثرهـا " الشيخ عثمان "

شـعورها القاتـل بالوحـدة، ازدحاما بالسكان، لتتغلب على

تقضي فيها جل نهارها ترقب فيها كل ما يحدث في الشـارع

الذي تدب في أوصاله حياة صاخبة حتى منتصـف الليـل،

مكتفيا معها بهدوء الساعات القليلة التي تستمر حتى بـزوغ

.الفجرألحيان كثيرة تتمنى لو أن كل المارة في الشارع ينظرون

إلى شرفتها يبادلونها؛ وتبادلهم التحية حتى لألعلى ـ تحديدا

ما الـذي جعـل .. "ولو مجرد ابتسامة فإنها تعني لها الكثير

ينظرون إلـى األسـفل يبتلعـون خطـواتهم .. الناس هكذا

تبحث عن إجابة لهذا السؤال بعد أن ملت تتبع ما " ؟..بشراهة

ألفت وجوه العاطلين عـن . يحدث في معظم أجزاء الشارع

Page 64: 1163

كبار السن في قهوة العم قاسم، وتمكنت من كشـف العمل، و

سر السيارات الفارهة التي تتناوب على عطارة العم محمـد؛

ليزودها بوصفات ألعشاب مختلفة تعيـد الشـباب وتزيـل

لماذا يهرول هؤالء الناس أما من أحد ينظر لألعلى "… العقم

تعلم أن الزمن تغير، وأن التسوق فـي مكـان " ولو خطفة

شرايينه البشر دون توقف والتسكع اللذيـذ علـى يسري في

أرصفة المحالت، والتقاط األنفاس تحـت ظـل األشـجار،

وتبادل التحية مع الجالسين في شرفاتهم أو حتى فوق أسطح

منازلهم، لم يعد يدخل البهجة على القلوب، أو حتـى يزيـل

عنها هموم الحياة مهما كانت، كالسابق، لهذا تتمنى فقط لـو

ظراتهم في كل مكان فـي الشـارع، فـي أركانـه تنتشر ن

.. ومحالته، في منازله وشرفاتهعالقتها الطيبة بجيرانها جعلتهم يحترمون رغبتها فـي

االنسحاب عندما تنتابها نوبات حزن بين حين وآخر، تتـذكر

فيها زوجها الذي توفي منذ خمسة أعـوام وولـديها الـذين

عدة حتـى ولـو أبـديا أصبحت زيارتهما لها قصيرة ومتبا

. رغبتهما الشديدة لعيشها في منزل أحدهما

Page 65: 1163

" جاري جمل "األطفال فقط يبادلونها التحية وهم يلعبون

ـ اللعبة المفضلة في الشيخ عثمان تعود معهم وربمـا بهـم

إلى ذكريات عائلتها الصغيرة التي كانت كل حياتها وتشعر

إلى شرفتها، تعلم باألسى اآلن وهي تستجدي نظرات المارة

جيدا أن ابتساماتها التي قررت إهداءها إياهم ـ لـو قـرروا

النظر ألعلى ـ لن توازي بياض السحاب وزرقـة السـماء

التي ستزيل عنهم بعض وربما كـل البـؤس الـذي يكسـو

.. وجوههم، وستنعش في نفوسهم ما شارف علـى الـذبول

ه، وربما الموت، لكن هذا هو كل ما تسـتطيع مـنحهم إيـا

ابتسامتها والوردة التي عادة ما تسقط سهوا من شرفتها إلـى

الشارع؛ تجتذب االنتباه الذي يدهسه المـارة كمـا دهسـوا

رؤوسهم منكسة لألسـفل يبتلعـون .. بأقدامهم ورودا غيرها

.. يضحي الجميع من أجله بالنظر ألعلى نهم . خطواتهم بنهم م٢٠٠١مارس

Page 66: 1163

صوت الموسـيقى الصـادر مـن سـيارة بيـع يتسلل

األيسكريم المتجولة إلى نافذة حجرتها، ينقض على مسامعها

ـ على غير عادته ـ بوحشية رغم عـدم تغيـره أو حتـى

تطل من نافذتها، تقذف عيناها كل ما . استبداله بنغمات أخرى

يعيقها عن تتبع السيارة منذ ولوجها للحارة، يشـدها تقـافز

اتجاه منزله طلبا للنقود قبل أن تغادر السـيارة، األطفال كل ب

يبهجها خروجهم من ثنايا األزقة يسابقون أقدامهم للوصـول

إلى العربة، يحرضها تجمعهم حولها على فعـل مماثـل ال

تزيل عن يديها المقبض الحديدي للنافـذة بعـد أن . تستطيعه

..طوقته بقوة للحظات، تجلس ذكرياتها على الكرسي أمامها " ماما أرمي لي نقودا ألشتري أيسكريم فراولة.. ماما "-

. ابن جارتها في الدور الثاني" حمادة"يوقظها صوت كانت تعيـد نقودهـا دون .. هي أيضا تحب أيسكريم فراولة

نقصان، عادة في اللحظة األخيرة دون أن تشتري ايسـكريم

. يدلل أطفال الحي جميلته ويتناوبون شـراءه لهـا .. فراولة

Page 67: 1163

يسكريم الذي يذوب في يدها بحـرارة غيـرة الصـديقات األ

.. وتباهيهاأيسـكريم الفراولـة .. أرمي لي نقودا أريد المزيد .. ماما -

..لذيذلـذة ..! أيسكريم الفراولـة .. كانت تطلب المزيد .. هي أيضا

كل خطابها كانوا يجلبون لها قالبا كبيـرا .. أيسكريم الفراولة

ذي اقتنع بأنها موضة الجيل الجديد، منه عند زيارة والدها ال

فمن غير المقنع أن تكون مصـادفة جلـبهم جميعـا لقالـب

عوضا عن األزهار التـي كانـت .. لة بالذات واأيسكريم فر

القالب الذي ما أن يحط حتى تزيحه ابنتـه . سائدة على أيامه

. جانبا كأنما تنتظر قالبا بمذاق ألذإرمي لي .. يسكريم غدا لن يعود بائع األ ..! أرجوك.. ماما -

..نقودا ألشتري المزيدتباعدت المسافة بين قوالب أيسـكريم الفراولـة … هي أيضا

تزين حائط حجرتها بلوحـة .. التي كانت تأتيها حتى انعدمت

أيسكريم فراولة داهمتها خطوط سوداء تتعمد وضعها كلمـا

طالت عيناها بياضا يغزو ليل شعرها، تطل من نافذتها ترقب

فاال أهدى لها أباؤهم يوما أيسكريم فراولة وغـادروا دون أط

. أن تأكله م٢٠٠٠ مايو ١٥

Page 68: 1163

)١( تعيقني عن التفكير إليجاد .. األحداث بتتابعها المدهش تخيفني

حل قد أصل إليه بعد فوات األوان، أعلل ما يجري دوما بأنه

النوع الـذي مصادفة فقط ال غير، وأتساءل ما إذا كانت من

يتحقق ربما الواحد في المائة أو المليون حدث، فمـا عسـا

!؟؟..أفعلأيجدر بي طلب الغوث وشرح ما حدث ويحـدث وسـيحدث

مهما كانت العواقب، ومهما كانت ردود األفعال التي سأواجه

بها، وستفصح عنها العيون؛ فقط لتقول بأن هذا بداية الجنون

حديث، أم الصمت والصبر همـا فيما إذا خجلت الشفاه عن ال

.ما يجب أن أتحلى به على األقل في الوقت الراهن

)٢( نعم األولى التي بدأت معها وربما بها اكتشاف .. كانت األولى

ذاتي بعد أن كدت أفقدها، وبفضلها عقدت صلحا جديدا مـع

العالم من حولي، ورغم مرور عشرة أعوام إال أنني أشـعر

Page 69: 1163

وأنها األفضل، أشير إليها دومـا بفخـر . .أنها دوما متجددة

واعتزاز، وال أشعر عند التحدث عنهـا بالخجـل أو عـدم

.الرضى الذي ينتابني أحيانا عندما أتحدث عن األخرياتهذا .. لكن أن يحدث لي هذا وبعد هذه المدة الطويلة وبسببها

ما لم أكن أستطيع استيعابه أو تصديقه كحقيقة واقعـة حتـى

.هذه اللحظةأيكون هذا جزاء تعبي وسهري عليها، وتفاني قلبي وعقلـي

في خدمتها ليشار إليها بالبنان، وبطاووسية أتحدث عـن مـا

أنجزته بها بدون مساعدة أو مشورة من أحد، حتى أحـداثها

.التي تالحقني اليوم

)٣( أشعر بالعجز تماما عن إيقاف عجلة سخيفة تجعلنـي دائـم

أحداثا تبدو لي واضحة وهـي السـبب الركض خلفها ألمنع

ترى أين .. فيها، بل السبب الرئيس وربما أنا دون أن أدري

هي اآلن؟ وكيف يمكنني إيجادها؟ وهل تغييرها ممكن؟ أم أن

وإن قررت ذلك فمن أيـن أبـدأ؟ ! التخلص منها أمر محتوم

وكيف أبدأ؟

Page 70: 1163

لبسني الخوف، وحجب عني رؤية كـل الطـرق الممكنـة

كنت مخلصا وجادا في عدم نسيان أو إهمـال للخالص، لقد

أي حدث منذ البداية، تفننت في كل ما يخصها، عانيت مـن

فبعد انتظار عامين تمكنت من الذهاب إلى مواطنهـا .. أجلها

.والتمتع بكل ما أحبته وزيارة حتى أماكن مرورها ولو خطفاواآلن يحدث لي هذا ألعاني من جديـد فـي البحـث عـن

كنني من تغيير كل هذه األحـداث أو حتـى بصيص أمل يم

.إعادتها بطريقة مختلفة قبل أن تقضي علي بنهايتها المفجعة

)٤( .. إن البحث عنها هو الحل الوحيد الذي يتراءى لـي اآلن

نعم سأبحث عنها ألخرج من هذه الدوامة التي تبتلعني بهوتها

غيري يفعل السحيقة يوما بعد يوم، ألنقذ ما يمكن إنقاذه، فمن

.. ذلك؟ سأجمع بداياتها في مسودة غزتها الكلمات المشـوهة

سأشتري جميع الصحف والمجالت التي احتضـنت كلماتهـا

سأخرجها من درج عتق أحـداثها عشـرة أعـوام .. المنمقة

سأمزقها وسأتلذذ برؤيتها تحترق وتتحول إلى .. ليذقنيها تباعا

واقع بتتابع أحداثها قد أنهي كتابتها لي على سطور ال .. رماد

Page 71: 1163

في حياتي بعد أن تفننت في كتابتها قصة جميلة نسجها الخيال

.وألبسها سطور الورق م٢٠٠٠يونيو

Page 72: 1163

:حياةلحظات ، ويبتلع الحائط ظله ، سـتدحرج الشـمس

اشعتها عل جسده الضئيل ، ستوقظه ليبحث عن رصيف آخر

. يأويه

:اكتشاف دهشة كلما توغلت شفتاه وارتخت تتسع حدقتا عينيها

. عيناه ، دهشة أخرى

:خطيئة . اشتعال ، تحوال سعيرا ، رماده ندم

: اعتداء

تنكمش ، تتكور ، تتـدحرج ، تسـقط ، تـرتطم ،

. تصرخ ، تستنجد، تنكسر ، تلملم اشالءها وتمضي

:خوف

.تزدرد ضحكتها ، يرعبها مذاقها الدافئ طويال