مدخل إلى دراسة النظم الإسلامية (pdf) · s !0v~ > vv=0r 6s! j`! ...

362

Upload: others

Post on 22-Sep-2019

18 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

درا إ

ا ا

إ . د

ا ة واا ذ ورأ رة ةوا ل اأ

زا

دار ااء لا

درا إ

ا ا

آن اي ا

: قال اهللا سبحانه وتعاىل

﴿ ¤ £ ¢ ¡ � ~ }

® ¬ « ª ©¨ § ¦ ¥﴾

]٢٠٨: البقرةسورة [

﴿ À ¿ ¾ ½ ¼ » º ¹

Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á

Ì Ë﴾ ] ١٢٤ ،١٢٣:طهسورة[

٥

ــا، احلمــد هللا رب العــاملني ، ومنهجــا قــويام ريض لعبــاده اإلســالم دين

سـيدنا حممـد؛ والصالة والسالم عـىل نبـي اهلـدى والرمحـة وعـىل آلـه ، ×

: وبعد. إىل يوم الدينبإحسان هم وتابعي، وأصحابه الذين اتبعوه ونرصوه

فمن رمحة اهللا بخلقه أن أرسل هلـم أنبيـاء ورسـال يأخـذون ب أيـدهيم إىل

، ويرشــدوهنم إىل مــا فيــه ســعادهتم يف الــدنيا واآلخــرة، الــرصاط املــستقيم

وظلت هذه املسرية متتابعـة منـذ فجـر اخلليقـة كلـام انقـىض زمـان رسـول ؛

بعث اهللا من بعـده آخـر، ×رسـول اهللا حممـد ، حتـى كـان مـسك اخلتـام،

ورسالته خامتة الر، الذي جعله اهللا خاتم املرسلني وجعل رشيعته ، ساالت

وخالـدة إىل أن يـرث اهللا ، وصـاحلة لكـل زمـان ومكـان، عامة لكل البـرش

. األرض ومن عليها

جمـرد رسـالة روحيـة مقـصورة عـىل مـا ×ومل تكن رسالة سيدنا حممـد

يــنظم عالقــة اإلنــسان بربــه فقــط ، بــل كانــت رســالة ذات رشيعــة رحبــة؛

ــسان ــة اإلن ــنظم عالق ــهتــشتمل عــىل مــا ي ــسان، برب ــه اإلن ــه بأخي ، وعالقت

كام أهنـا تـضمنت مجيـع مـا يـنظم شـئون ، وما فيه كله كلهوعالقته بالكون

وأموره املعاشية واملعادية عىل السواء، اإلنسان .

منذ أن هاجر إىل املدينة املنورة أول دولة حتكمها ×ولقد أقام الرسول

ا ا درا إ ٦

وتطب، رشيعة اإلسالم ق فيها نظمه ومبادئه يف كافة شئون الناس ثـم سـار ،

، ثم املسلمون بعدهم قرونا مـن الـزمن، عىل هذا النهج خلفاؤه الراشدون

يــستظلون بلــواء الــرشيعة اإلســالمية ويتحــاكمون إىل نظمهــا، فــسعدوا ،

. سمع الدنيا وبرصهاوأقاموا حضارة زاهرة كانت ملء، وعزوا وسادوا

فـإذا املـسلمون يبتعـدون شـيئا ، ودار الزمان دورته، بعت القرونثم تتا

حتـى إذا ، ويتهاونون يف األخـذ بنظمهـا، فشيئا عن تطبيق الرشيعة اخلالدة

ختــىل كثــري مــنهم عــن الــنظم اإلســالمية؛ كــان العــرص احلــارض وراحــوا ،

يتسولون ويتقممون نظام وضعية يستبدلوهنا برشيعتهم ونظمهـا وحيلـون ،

اللقيطة الناقصة حمل رشيعـةتلك النظم اهللا الربانيـة الكاملـة فكـانوا ممـن ،

بدلوا نعمة اهللا كفرا وأحلوا قومهم دار البوار وصار واقع كثري من الـبالد ،

، اإلسالمية بعيـدا عـن تطبيـق رشيعـة اإلسـالم ونظمهـا يف جمـاالت احليـاة

وحـرصت رســالة سـيدنا حم ومـا تــضمنته مـن تــرشيعات يف ناحيــة ×مــد

هي العالقة الروحية الشخصية بـني الفـرد وربـه؛ واحدة فقط ومل يـسمح ،

وإن جتاوزته فال ينبغي أن يتعدى هـذا ، هلا بتجاوز القفص الصدري للفرد

التجاوز جدران املساجد وبيوت العبادة .

ولقد صاحب هذا الواقع األليم محالت فاجرة نكراء توىل كربها أعـداء

ومن يوالوهنم مـن العلامنيـني والـشيوعيني وأرضاهبـم ، اإلسالم يف اخلارج

تروج إىل فصل اإلسالم وعزله ورشيعتـه عـن احليـاة، يف العامل اإلسالمي ،

٧

وتنــادي بــأن ال تكــون لــه أيــة كلمــة يف تنظــيم شــئون النــاس املعاشــية يف ،

ــس ــب ال ــااجلوان ــة وغريه ــصادية واالجتامعي ــتقص مــن ، ياسية واالقت وتن

رشيعتة ونظمه وترميها بالنقص، وتـصمها بـالتخلف والرجعيـة، وبعـدم ،

وقـصورها عــن الوفـاء بمتطلبـات احليـاة واألحيــاء يف ، مالءمتهـا للتطبيـق

مغلفني ادعاءاهتم ومحالهتم بزخـرف مـن القـول الباطـل، العرص احلارض ،

ونــسيج مــن الــشبهات اخلادعــة وكثــري مــن احلجــج املــزورة، مــن خــالل ،

وسائل ضخمة جبارة مسخرة ألولئك العلامنيني والـشيوعيني ومـن عـىل ،

شاكلتهم من املأجورين للنيل من رشيعة اإلسالم اهللا والـصد عـن سـبيل،

وابتغائها عوجا .

وهلذا كان لزاما عىل أهل العلم أن يـشمروا عـن سـواعد اجلـد كـل بـام ـ

لــرد عاديــة أولئــك املــأجورينـيــستطيع وكــشف زيــوفهم وإزهــاق ،

وبيان عظمة الرشيعة اإلسالمية، أباطيلهم وجـدارة نظمهـا املنبثقـة عنهـا ،

ذ بيد البرشية احلـائرة اليـوم إىل شـاطئ األمـانواألخ، بقيادة حركة احلياة ،

. وحتقيق السعادة والفالح لألفراد واملجتمعات

وأرجو أن يكون هذا البحث املتواضع خطوة وإسهاما يف اجتاه مواجهة

تلك احلمالت ورد كيد من يقفون خلفها عـىل وأن يكون كـذلك خطـوة ،

وتثبيتــا ، وإعــذارا إىل اهللا ،أداء للواجــب؛ طريــق البيــان والــدعوة والــبالغ

. للمؤمنني يف وجه تلك احلمالت الظاملة

ا ا درا إ ٨

أنـه ال مـانع مـن أن يتنـاول أكثـر مـن ـ يف هذا السياق ـوإنني أرى ؛ هذا

واحد من أهل العلم وأصحاب األقالم املنـارصة لتطبيـق رشع اهللا وملبـدأ ،

أو قـــضايا حمـــددة، قـــضية واحـــدة، احلـــل اإلســـالمي يركـــزوا عليهـــا و،

ويلحوا يف طرحها، ويعاجلوها كل بأسلوبه ومنهجه؛ وتتأكـد تجىلحتى ت،

وتــصري يف إطارهــا ووضــعها الــصحيح مــن الناحيــة ، مــن مجيــع جوانبهــا

وال نكتفي بطرح واحد، الرشعية لدى املخاطبني أو معاجلة واحدة لقضية

بل يكتب فيها كل من يـرى يف ، ما وإن كـان قـد ـ عـىل ذلـك نفـسه القـدرة

وال شك أن هلذا النهج أثـره يف تعزيـز وتـدعيم مواجهـة مـا ، ـ تناوهلا غريه

يلحون عليها يف كـل ، يطرحه أعداء احلل اإلسالمي من شبهات وأضاليل

دون ، وحيشدون للشبهة الواحدة عرشات األقالم والوسائل املختلفـة، آن

ويومهـوهنم بخطـورة ـمـن خـالل هـذه الطريقـة ـفيوحـون للنـاس ، ملـل

. وأمهية ما يدعونه ويطرحونه

وأن جيعـل هـذا العمـل ممـا ينفـع ، أسأل اهللا تعاىل التسديد واإلخـالص

. ويمكث يف األرض، الناس

﴿Ó Ò Ñ Ð ÏÎ Í Ì Ë﴾

ا إ ا : إ

ا ١٤٢٤ر م ٢٠٠٣

و ا ا

٩

ولاا : ا او

ا ا : ا اول

ا ا ا

ا ا ا

ورة ا ة اس

ا ا إ ا

ا ة ام

ا ة ام

ا وا ما ا

ا ا نم قاج اا

ا ا ا

ما ا : ا ا

ا ا درا إ ١٠

و ا ا

١١

ا اول

ا ا

ا :

يم أصــل يــدل عــىل تــأليف يشء النــون والظــاء واملــ « : قــال ابــن فــارس

ونظمت اخلرز نظام ، وتكثيفه ونظمت ، اخلـيط : والنظـام . الـشعر وغـريه

جيمع اخلرز وأنظمت الدجاجة . ويقال لكواكـب ، صار يف جوفها بيض :

نظم : اجلوزاء وجاءنا نظم من جراد ، . )١( »أي كثري :

العقــد مــن اجلــوهر واخلــرز ونحومهــا : والنظــام، االتــساق : واالنتظــام « ،

وسلكه اهلدية والسرية: والنظام . خيطه: أي لـيس ؛ نظـام وليس ألمرهم .

له هدي وال متعلق وال استقامة . )٢( »أي عادة ، وما زال عىل نظام واحد،

. )٣( »السرية و اهلدي و العادة : والنظام «

مازال : يقال ، الطريقة : والنظام . هه وعامدقوام : ألمر انظام : ويقال «

وضـع حواشـيه إبـراهيم . ٢/٥٦٧أمحد بن فارس بن زكريـا الـرازي . معجم مقاييس اللغة 1)(

. م ١٩٩٩هــ ١٤٢٠ط األوىل . بريوت . شمس الدين ، دار الكتب العلمية

. دار املعارف . ٤٤٦٩/ ٦لسان العرب ، مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور 2) (

. مؤســسة الرســالة . ١٥٠٠ن بـن يعقــوب الفريوزابــادي ص جمــد الــدي. القــاموس املحــيط 3) (

. م ١٩٨٧هــ ١٤٠٧ط الثانية . بريوت

ا ا درا إ ١٢

مجع نظم ، عىل نظام واحد . )١( »وأناظيم ، وأنظمة ،

األشـياء يف ووضـع ، والتنـسيقلمة النظام تدل عـىل معنـى الرتتيـبفك

. معينة مقصودةوطريقة ، خاصحسب منهج ، مواضعها

عبـارة عـن القواعـد أو : بأهنـايف ضوء ما سبق يمكـن تعريـف الـنظم و

وهتـدهيم أو ، التى جتمع ما يرسم للناس منهـاج وطريقـة حيـاهتماملبادىء

ويقيموا عىل أساسه ، توجههم إىل ما ينبغي أن يسريوا عليه يف كل شئوهنم

. مجيع سلوكهم وكل ترصفاهتم

يف األدبيات والدراسات املعارصة يراد بـه )النظم ( ولقد غدا مصطلح

وتـصوغ عـىل أساسـها ، لقوانني أو املبادئ التـي تتبناهـا دولـة مـن الـدولا

يف ، لتحقق األهداف التي تسعى إليهـا ، نمط وطريقة احلياة التي ترتضيها

، وذلــك مثـل الـنظم الـشيوعية والرأســاملية ، خمتلـف الـشئون واملجـاالت

. وغريها

ـــدكتور صـــبحي الـــصالح ـــادئ وتعـــال« : يقـــول ال ـــة مب يم لكـــل دول

ــصاد ــة، يف الــسياسة واإلدارة واالقت ــشأهتا صــياغة نظري ــدء ن ، تــصاغ يف ب

فيحـــسن القوامـــون عليهـــا تطبيقهـــا أو يـــسيئون ويزيـــدون أصـــوهلا أو ،

ويطورون أشكاهلا أو جيمـدون، ينقصون وقـد تستعـيص هـذه النظريـات ،

ثــم تظــل يف أعــني البــاحثني جمموعــة مــن ، كلهــا أو بعــضها عــىل التطبيــق

. ط الثالثة . جممع اللغة العربية بالقاهرة . ٢/٩٧٠ املعجم الوسيط )1(

و ا ا

١٣

فام أحراهـا أن تـسمى ، لقوانني سنها الشارع يف بعض املجتمعات للتنظيما

. )١( »عىل اختالف البيئات والعصور ) بالنظم (

ويف ظلـه يعـرف ، إن النظام هو القانون الذي يربط بني أفراد املجتمع «

، ومـا عليـه مـن واجبـات حيـاهلم ، كل فرد ما له من حقـوق جتـاه إخوانـه

ومن ثم ، هــوما هو حمرم عليه فينأى عن ، وع له فيامرسهويدرك ما هو مرش

بــل وحــضارته بــني املجتمعــات ، يتحقــق للمجتمــع اســتقراره ورفاهيتــه

. )٢( »األخرى

نظـم أي دولـة تتكـون مـن «: ويذكر الدكتور حسن إبراهيم حـسن أن

جمموعــات القــوانني واملبــادئ والتقاليــد التــي تقــوم عليهــا احليــاة يف هــذه

. )٣( »ولة الد

إن الـنظم هـي جمموعـة مـن « : فيقـول، مفهـوم الـنظم) ديفيـز ( ويقرر

العادات الشعبية واألعراف والقوانني تتداخل فـيام بينهـا حـول وظيفـة أو

مكونة أجزاء من البناء االجتامعي ، أكثر تعرف بتنظيمها املحكم ، ومتايز ،

. دار العلــم للماليــني . ٥٥صــبحي الــصالح ص / د. الــنظم اإلســالمية نــشأهتا وتطورهــا 1) (

. م ١٩٧٦هــ ١٣٩٦ط الثالثة . بريوت

دار الرشـيد . ١٢ص . حسن عبد احلميد عويضة / د. النظم اإلسالمية و املذاهب املعارصة )2(

. م ١٩٨١هــ ١٤٠١ط الثانية . بالرياض

. ١٤ص . عبد البـاري حممـد الطـاهر /د. نظم الدولة اإلسالمية يف عرص النبوة والراشدين )3(

). د(ص . يم حسن ، النظم اإلسالمية حسن إبراه/ نقال عن د. م ١٩٩٣هــ ١٤١٤

ا ا درا إ ١٤

. )١( »وظائفها

هـي الطـرق املقننـة حلـل مـشكالت املجتمـع أن النظم) جولدز(ويرى

)٢( .

ا ا:

فيمكن تعريفها ؛ أما عن النظم اإلسالمية خاصة ، هذا عن النظم عامة

، أو رشع أصوهلا ، مجلة الترشيعات أو املبادئ التي رشعها اهللا تعاىل : بأهنا

وا عىل أساسها مجيع ويقيم ، وهيتدوا هبدهيا ، ليسري عليها الناس يف حياهتم

. يف كافة شئوهنم املعادية واملعاشية ، وطرق عيشهم ، ترصفاهتم

فهي تتضمن منهج اإلسالم وهديه وتعاليمه يف كل ما يتصل بترصفات

أم ، ســواء يف هــذا عالقتــه بربــه ، وعالقاتــه يف احليــاة ، اإلنــسان وحركتــه

. وبالكون كله ، عالقته بالناس

ن العلامء والفقهاء املسلمني منـذ الـسلف حتـى عـرصنا وجدير بالذكر أ

وإن كانـت قـد تـضمنتها ــمل يتعرضوا لتعريف النظم اإلسالمية ، احلارض

مؤلفاهتم . كام سرتد اإلشارة إىل هذا الحقا ، وبحوثهم

مل حيـدد فقهـاء « : وهذا ما يقرره الدكتور مصطفى كـامل وصـفي قـائال

. ٢٤٥ص . حممد عاطف غيث /د. ، نقال عن قاموس علم االجتامع ١٢ السابق ص )1(

. ٢٤٤ص . ، نقال عن قاموس علم االجتامع ١١ السابق ص )2(

و ا ا

١٥

ــطالحي ــفا اص ــالم وص ــالمياإلس ــام اإلس ــصه ، ا للنظ ــددوا خصائ ومل حي

إال أن رضورات الثقافـــة ، فقـــد كـــانوا يف غنـــى عـــن ذلـــك ، األساســـية

ملا يرتبط به مـن املقارنـة بـالنظم ، اإلسالمية املعارصة تقتىض هذا التحديد

. )١ ( »ومعرفة وضعها من النظام اإلسالمي ، احلالية

العلامء والباحثون املعارصون ويالحظ من خالل استقراء ما كتبه ؛ هذا

وهـم ـــوخاصة الـذين حـاولوا صـياغة تعريـف هلـا ، يف النظم اإلسالمية

أهنم يكادون يتفقون عىل أن النظم اإلسالمية يراد هبـا القـوانني ؛ ــقليلون

، واملبـادئ أو التعـاليم أو القواعـد ، واملناهج ، أو الترشيعات أو األحكام

أو ، التي وضـعها اإلسـالم ... لتقاليد أو األعرافوا ، واألسس ، واألطر

فردا كان أو ــلتنظيم وإقامة حياة املجتمع املسلم ، التي تكون مأخوذة عنه

. يف شتى األمور عىل أساسهاــمجاعة

لتعـالج وتتـوىل تـرصيف ـــ كـام أملحنـا ـــوهذه النظم اإلسـالمية تتنـوع

احليــاة وتنظيمهــا يف كــل مــا خيــص الفــرد ويف كافــة املجــاالت ، واجلامعــة

ـــواحي ـــة ، والن ـــنظم االجتامعي ـــاك ال ـــصادية ، فهن ـــسياسية ، واالقت ، وال

ــة ــة ، والعــسكرية أو احلربي ــة ، واجلنائيــة ، والتعليميــة أو الثقافي ، واإلداري

/ د. مــصنفة الــنظم اإلســالمية ؛ الدســتورية والدوليــة واإلداريــة واالقتــصادية واالجتامعيــة )1(

. م ١٩٧٧هــ ١٣٩٧ط األوىل . القاهرة . مكتبة وهبة ١٩ص . كامل وصفي مصطفى

إال أنه مل يقدم ــ هو اآلخر ــ تعريفـا للـنظم » وصفي «ومع هذه املالحظة التي أبداها الدكتور

. اإلسالمية

ا ا درا إ ١٦

. النظم وغريها من ، باإلضافة إىل النظام التعبدي أو الروحي ، والقضائية

ا ا ا :

إن الـــرشيعة اإلســـالمية هـــي املنهـــل الـــذي تنهـــل مـــن معينـــه الـــنظم

وهي املورد الذي تـستقي منـه كـل أحكامهـا وقوانينهـا، اإلسالمية فهـي ،

ويف ، أصل لكل ما حوته النظم اإلسالمية من تفاصـيل وتعـاليم ومنـاهج

. وارتباطضوء هذا األمر يتضح ما بينهام من اتصال

عـىل ، ومن هنا جيدر بنا أن نلقي الضوء عىل مفهوم الرشيعة اإلسـالمية

: النحو التايل

الــرشعة والــرشيعة « . الطريقــة الظــاهرة التــى يتوصــل هبــا إىل النجــاة :

الطريق الذى يتوصل منه إىل املاء : والرشيعة يف اللغة .

والرشيعة ما رشع اهللا لعبـاده مـن الـ ورشع هلـم يـرشع أي سـن ، دين .

. )١ (»والشارع الطريق األعظم

واســتعامهلا فيـه لكونــه سـبيال موصــال إىل مـا هــو ، واملـراد هبــا الـدين «

أو ألنـه طريـق إىل ، كام أن املاء سبب للحياة الفانيـة ، سبب للحياة األبدية

العمل الذي يطهر العامل عن األوساخ املعنوية ام أن الرشيعة طريق إىل ك ،

. م ١٩٨٢هــ ١٤١٣بريوت . دار الكتب العلمية ٦/١٣٧ للقرطبي . اجلامع ألحكام القرآن)1(

و ا ا

١٧

املاء الذي يطهر مستعمله عن األوساخ احلسية « )١( .

نه ـــمـا رشعـه اهللا وس : وتعريفات العلامء للرشيعة تدور كلها عىل أهنـا

: حيـث يقـول ، ونختار منهـا تعريـف الـشيخ شـلتوت ، لعباده من أحكام

ليأخـذ اإلنـسان ، وهلا والرشيعة هي النظم التـي رشعهـا اهللا أو رشع أصـ«

، وعالقته بأخيـه اإلنـسان، وعالقته بأخيه املسلم ، هبا نفسه يف عالقته بربه

. )٢( »وعالقته بالكون واحلياة

: وقد قسمها الكاتبون يف تاريخ الترشيع اإلسالمي إىل ثالثة أقسام

، ن بـهوباإليام، وهي التي تتعلق بذات اهللا وصفاته : األحكام االعتقاديةــ١

ويـسمى ، وتتعلق بالرسل واإليامن هبم ، هياتــويسمى هذا اجلانب باإلل

وتتعلق باملالئكة وباجلن وبأمور اآلخـرة ومـا فيهـا ، هذا اجلانب بالنبوات

وهـذه األمـور حمـل دراسـتها علـم ، من بعث وحساب وميزان وجنة ونار

. التوحيد

ن الفـضائل التـي جيـب عـىل وهـي التـي تتعلـق ببيـا : األحكام التهذيبيةــ٢

وبيـان الرذائـل التـي جيـب عـىل اإلنـسان أن يبتعـد ، اإلنسان أن يتحىل هبـا

وحمــل دراســتها علــم ، حتــى يكــون مــثال أعــىل لإلنــسان الفاضــل ، عنهــا

. بريوت . دار إحياء الرتاث العريب . ٦/١٥٣لآللويس . روح املعاين )1(

اإلدارة العامــة للثقافـــة . ٦٠٥ص . الـــشيخ حممــود شـــلتوت . اإلســالم عقيـــدة ورشيعــة )2(

. م ١٩٥٩هــ ١٣٧٩اإلسالمية باألزهر

ا ا درا إ ١٨

. األخالق

وهي التـي تتعلـق بأفعـال العبـاد احلـسية مـن صـالة : األحكام العمليةــ٣

وغري ذلـك مـن ، ن هبا مع غريه من الناسوزكاة ومعامالت يتعامل اإلنسا

. )١( وحمل دراستها علم الفقه، األمور التي ال غنى لإلنسان عنها يف حياته

تتكون الـرشيعة يف عـرف رجـال القـانون مـن انـدماج الـنظم «و ؛ هذا

ــدة ــن روح واح ــا ع ــسجام النبعاثه ــسودها االن ــة ي ــة يف جمموع ، القانوني

وعة القواعد القانونية املتجمعة حول ظاهرة ويريدون بالنظام القانوين جمم

ــدة ــة واح ــزواج ، اجتامعي ــام ال ــة، كنظ ــام امللكي ــا ، ونظ ــني نطاقه ــذي يب ال

. وطرق اكتساهبا وانتقاهلا ، والسلطات التي ختوهلا

، إمـا ألهنـا صـدرت عـن روح واحـدة ، والرشيعة تقيم نظام متجانـسة

احدة ترتك آثارهـا يف خمتلـف أو منبعثة عن فكرة فلسفية و ، تصبغها بلوهنا

. )٢( »تطبيقاهتا

: ورة ا ة اس

ــه املي ــسان وأودع في ــاىل اإلن ــق اهللا تع ـــخل ــسهـ ــي جن ــة بن ، ل إىل خمالط

واألنس يف العيش مع اآلخرين يف إطـار جمموعـات إنـسانية وإن كانـت ـــ

٢٢ص . خـرين عبـد الـرمحن الـصابوين وآ/ د. املدخل الفقهي وتاريخ التـرشيع اإلسـالمي )1(

. م ١٩٨٢هــ ١٤٠٢ط األوىل . القاهرة . مكتبة وهبة . باختصار

. الكويت . مكتبة الفالح . ١٣ص . عمر سليامن األشقر /د. خصائص الرشيعة اإلسالمية ) 2(

. ١٢ص . ة القانون الوجيز يف نظري: م ، نقال عن ١٩٨٢ط األوىل

و ا ا

١٩

�وبدائية ورقيا ، تتفاوت قلة وكثرة اإلنـسان اجتامعـي أو : قيـلومـن هنـا ،

. مدين بطبعه

وأمر آخـر هـو أن النـاس يتفـاوتون يف أمـزجتهم وأخالقهـم ؛ هذا أمر

فمنهم سوي اخللق، ورغباهتم ومنهم معوج اخللـق يسء ، حسن السلوك،

ومنهم العدواين األناين، ومنهم القانع، السلوك كام أن ما يـريض شخـصا ،

، وهكـذا ... قد يبغضه آخر، وما حيبه فرد، ال يروق لسواهمقد، أو طائفة

فلو ترك كل أحد وما يشتهي وحتكـم ، لتضاربت املصالح وتفشت املظامل ؛

وآلت حال النـاس ، وتالشت العدالة والرمحة ، واتباع اهلوى، منطق القوة

ال يقر هلم يف ظلها قرار، إىل اعوجاج وفوىض، عيشوال يطيب هلم معها،

. وصارت جحيام ال يطاق

من أجل هذا كان الناس يف أمس احلاجة إىل وضع النظم التي تتـضمن

القواعد واإلرشـادات التـي تلـم شـعثهم وجتمـع عـىل االسـتقامة قلـوهبم ،

ــاهتم، وصــفوفهم ــأفرادهم ، وتــضبط جوانــب حي وتــسلك ســبيل اخلــري ب

. ومجاعاهتم

ا ا إ ا :

ولقد سادت املجتمعات البرشية أنـامط عديـدة ــ يف القديم واحلديث ــ

. اختلفت فيام بينها تبعا لتغاير املجتمعات والبيئات واألزمان، من النظم

وارتــضوها لتنظــيم ، لكــن تلــك الــنظم التــي وضــعها البــرش ألنفــسهم

ا ا درا إ ٢٠

وتلبـي كـل ، لبهممـا كانـت لتفـي بجميـع مطـا ؛ اهتم وتسيري شئوهنمــحي

ــاة الطيب ، حاجــاهتم وترقــى هبــم إىل احلي ة التــي يطمــح إليهــا األفــراد ــــ

والغرو، واجلامعات واإلنـسان مهـام أويت مـن ، فهي من وضـع اإلنـسان ؛

كـام أن العقـل ال ينفـك عـن التـأثر ، العقل والعلم فإن علمه قارص حمـدود

ن بيئته العقل اب( : ولذلك قيل، بالبيئة والظروففالنظم التـي يـضعها ، )

كـام أهنـا ال ختلـو ، وظروف اجتامعية خاصـة، إنام تكون وليدة حاجة معينة

، كـام أهنـا مـا تنفـك عـن القـصور ، أو مـنهام معـا، من اإلفـراط أو التفـريط

، وتظل بحاجـة إىل قـوة ذاتيـة حتمـل األفـراد واجلامعـات عـىل االلتـزام هبـا

وإن نظـرة متأملـة يف ، وسـلطان اإليـامن، دةوهي قـوة العقيـ، واخلضوع هلا

لتبـني صـدق ، النظم الرأساملية والشيوعية التي سادت يف العرص احلـديث

. ما نقول

تنبثـق عنهـا وتنـشأ مـن ، هلذا وغريه كان البد للنـاس مـن رشيعـة إهليـة

خالهلا نظم ربانية إىل سـبيل اهلدايـةــ مجاعات وفرادى ــتأخذ بيد البرش ،

وجتنبهم ما يكتنف النظم الوضعية من عيـوب وقـصور، وطريق السعادة ،

. وتشفي اإلنسانية من أسقامها ، ومتأل الفراغ اهلائل يف حياة الناس

ولـيس غـري اإلسـالم ونظمـه مـالذا ، وقد أعلنـت كـل الـنظم إفالسـها

وعقيدتـه هـي وحـدها ، فهـو وحـده الـدين احلـق، وحصنا للبـرشية اليـوم

الصحيحة احلية التي هلـا الـسلطان الفاعـل واألقـوى الـذي حيمـل العقيدة

و ا ا

٢١

ورشيعتــه هــي وحــدها الــرشيعة ، وجمانبــة الــرش، أتباعهــا عــىل فعــل اخلــري

التي تستطيع من خـالل مـا تـضمنته مـن نظـم أن تفـي بحاجـات ، الكاملة

وتكفل هلم احلياة الطيبـة، األفراد واجلامعات والعيـشة الراضـية يف الـدنيا ،

فعىل املسلمني أن يقدموا ما لدهيم من اخلـري املتمثـل يف اإلسـالم ، آلخرةوا

ــه ــه ونظم ــائر، ورشائع ــامل احل ــنظم ، إىل الع ــوا ب ــسهم فيلتزم ــدأوا بأنف وليب

ويطبقـوا تعاليمـه عـىل الوجـه الـذي رشعـه اهللا ، وليهتدوا هبديـه، اإلسالم

. وارتضاه

ا ة ام:

ـــســالمية ثــم إن الــنظم اإل ــاملفهوم الــسابق ـ ـــ ب قديمــة قــدم الــرشيعة ـ

حيــث تكونــت ، فهــي تعــود إىل عــرص الــوحي والنبــوة ، اإلســالمية ذاهتــا

وحتدد كياهنا ، وتكامل بنياهنا ، أصوهلا ومتيزت بني سائر النظم األخـرى ،

معاملهــا ومالحمهــا ، ×فكانــت نــشأهتا عــىل يــد رســول اهللا ســيدنا حممــد ،

ى دعائمها من خالل ما جاء به عليه الصالة والسالم مـن قـرآن حيث أرس

بثق عنهام من تعاليم وقـوانني ومبـادئ ومنـاهج سـار عليهـا ــوما ان ، وسنة

وكافة أمورهم املعاشية واملعادية ، وأقاموا عليها حياهتم ، املسلمون فهي ،

ومتت بتامم الرسـالة ، إذن قد اكتملت باكتامل الدين منـذ أن نـزل وذلـك ،

S R Q P O N M L K ﴿ :قولــه تعــاىل

VU T ﴾ ]٣:املائدة[.

ا ا درا إ ٢٢

وأضـيف إليهـا بعـض ، وإذا كانت النظم اإلسالمية قد اتسعت دائرهتا

وحــوت يف مــضامينها ، القواعــد واملنــاهج عــىل مــدى العــصور الالحقــة

فـإن ؛ ـــ السـيام يف عـرص نـشأهتا ـــفروعا وأنامطا مل تكن معهودة فيام سبق

ومـستجداته ، ومـشكالتهحيـث إن لكـل عـرص مـسائله ، هذا أمر طبيعي

وكـان املجتهـدون ، التي مل تكن موجودة أو معروفة يف العرص الذي سبقه

ــون كلمــتهم يف قــضايا زمــنهم املــستجدة يف كــل عــرص يقولويكيفوهنــا ،

ــسليم ــرشعي ال ــف ال التكيي ــول ، ــصوبة األص ــذا خ ــن ه ــنهم م ــد مك وق

ومتيزهــا باملرونــة ، يعية للــنظم اإلســالميةالتــرش والقــدرة عــىل اســتيعاب ،

ومالحقــة مــا يــستجد للنــاس مــن ، والوفــاء بحاجــاهتم ، مــصالح العبــاد

ووضعها يف اإلطار الصحيح املستند عىل دليـل ، أقضيات وأمور حادثات

واملنـسجم مـع املقاصـد العامـة لـرشيعة ، معترب مـن أدلـة التـرشيع والفقـه

. اإلسالم

وعىل هذا فإن ما أقره فقهاء املسلمني الراسخون وعلامؤهم املجتهـدون مـن

؛ وإن كانت حمدثة بسبب ما يطرأ يف كل عرص من أمور مل تكـن فـيام قبلـه ــنظم

واملبنيـة ، يكون داخال يف إطار النظم اإلسالمية املنبثقة من الـرشيعة اإلسـالمية

. ×ساها النبي ودعائمها التي أرعىل أصوهلا

ا ة ام:

وهكــذا نــشأت الــنظم اإلســالمية يف رحــاب النبــوة والرســالة حيــث ،

و ا ا

٢٣

وضع أسسها وأصوهلا الوحي الرباين وهي تستمد كلياهتا وجزئياهتا مـن ،

. فهذه جذورها وتلك نشأهتا ، الرشع اإلهلي الذي أنزله اهللا رب العاملني

تكونت مـن عـادات ، نظم الوضعية فهي عبارة عن قوانني برشيةأما ال

ثم تطـورت بمـرور الـزمن لتـصري قـوانني يـسري عليهـا ، الناس وأعرافهم

القـانون الوضـعي «ـــوهكـذا ف ، املجتمع أو اجلامعة البـرشية هنـا أو هنـاك

ثـم يتطـور ، ينشأ يف اجلامعة التي ينظمها وحيكمها ضـئيال حمـدود القواعـد

ر اجلامعــة فتــزداد قواعــده وتتــسامى نظرياتــه كلــام ازدادت حاجــات بتطــو

ويـضع ، وكلـام تقـدمت اجلامعـة يف تفكريهـا وعلومهـا ، اجلامعة وتنوعت

قواعد القانون األشخاص املسيطرون عىل اجلامعة وهـم الـذين يقومـون ،

فاجلامعــة إذن هــي التــي ختلــق القــانون ، بتهــذيب هــذه القواعــد وتغيريهــا

وتقدمـه مـرتبط ، وهـو تـابع هلـا ، عىل الوجه الذي يسد حاجاهتـاوتصنعه

. بتقدمها

مـع تكـون األرسة ـــ كام يقول علـامء القـانون ــوقد بدأ القانون يتكون

ثم تطور بتكون القبيلة ، يف العصور األوىل ثم تطور بتكون الدولـة ، ثـم ،

عـىل ، القـرن الثـامن عـرشبدأت املرحلـة األخـرية مـن التطـور يف أعقـاب

فتطور القانون الوضعي من ذلـك ، هدي النظريات الفلسفية واالجتامعية

وأصبح قائام عىل نظريات ومبادئ مل يكن ، الوقت حتى اآلن تطورا عظيام

ا ا درا إ ٢٤

. )١( »هلا وجود يف العصور السابقة

، يةالبـرش وأنتجتها العقول ، فالنظم الوضعية أنشأها املجتمع البرشي

وقد أثبتـت التجـارب العلميـة يف ميـادين الطـب البـرشي وعلـم الـنفس «

: مـصطلحاهتم حـسب ــمدى ما يتمتع به العقل البرشي من صفات أمهها

، فقـدان الـذاكرة ، الالمبـاالة ، القلـق ، التـوتر ، الشك ، الرتدد ، االضطراب

دي إىل عـدم الغبـاء املـؤ ، الـذكاء املوصـل إىل اجلنـون ، انفصام الشخـصية

كذلك أثبتت نظرياهتم العلمية وجتارهبم يف هـذا الـصدد وجـود ، اإلدراك

، الفرديـة بـني األفـراد الفـروق »ويطلقون عليـه ، التباين العقيل بني األفراد

وإىل جانب ذلك فإن النظريات العلمية والتـي هـي نتـاج عقـول بـرشية ختـضع

وكذلك جل ، دائام للتغيري والتبديل والنقد يـصدر عـن العقـل البـرشي مـن ما

. )٢( آراء وقوانني ونظم وأحكام وترشيعات

ا وا ما ا:

وأسس أخالقيـة يقـوم ، لكل نظام من النظم خلفية عقدية ينطلق منها

. عليه ويتسم هبا

، اد ينطلــق مــن خلفيــة عقديــة هــي اإلحلــــــ مــثال ــــفالنظــام الــشيوعي

مـن البحـوث املقدمـة ملـؤمتر الفقـه . لح عـثامن حممد صـا. وجوب تطبيق الرشيعة اإلسالمية ) 1(

:١٧١ص . هـــ ١٣٩٦اإلسالمي الذي عقدته جامعة اإلمام حممد بن سعود بالرياض سـنة

. النارش جامعة اإلمام حممد بن سعود . م ١٩٨٤هــ ١٤٠٤ . ١٧٢

. ٢٦ص . حسن عبد احلميد عويضة / د. النظم اإلسالمية واملذاهب املعارصة )2(

و ا ا

٢٥

ونكران الدين وحماربته والنظام الرأساميل ينطلـق مـن خلفيـة عقديـة هـي ،

واإليامن بـأن جمالـه الوحيـد هـو تنظـيم ، عزل الدين متاما عن شئون احلياة

وأن حدوده ال تتعدى جدران املعابـد ، العالقة الروحية بني اإلنسان وربه

. والكنائس

: ائرةوكالمها يقوم عىل أسس أخالقية ج

فالنظام األول قام عىل ظلم الفرد ومصادمة فطرته فـيام يتعلـق بامللكيـة

والثاين قام عىل ظلم كثري من طبقات املجتمع ، الفردية خاصـة الـضعيفة ،

وإنــام ، بقوانينــه االقتــصادية التــي ال تعــرف الرمحــة وال العــدل ، والفقــرية

والبحـث ، انـت األنانيـةفك ، تعرف أمرا واحدا هو املنفعة الشخصية فقط

ــأي طريق ــربح ب ــن ال ـــع ــار ، ةـ ــساوي ، واالحتك ــي ت ــة الت ــة املطلق واحلري

ــة ، الفــوىض ــدأ )١(واملاكيافللي ــىل مب ــربر الوســيلة ( القائمــة ع ــة ت ، )الغاي

ســيايس ومـؤرخ إيطــايل ، ولــد : بة إىل نيكولــو ماكيــافليل نـس)1(

م ، أحــد ١٥٢٧ ويفم وتــ١٤٦٩

) األمـري ( أعالم عرص النهضة يف أوربا ، اعتزل السياسة وتفرغ للتـأليف ، ومـن أشـهر كتبـه

الــذي أحــل فيــه نظــام احلكــم املطلــق ، وأبــاح للحــاكم كــل وســيلة تكفــل اســتقرار حكمــه

ت منافية للدين واألخالق ، وذلك عىل أساس أن الغاية تربر الوسـيلة ، واستمراره ، ولو كان

، الغاية تربر الواسطة أو الوسيلةومن هنا صار لفظ املاكيافللية وصفا لكل مذهب ينادي بأن

فأيد النظام اجلمهوري الذي يقوم عـىل سـيادة " املحارضات "غري أن ماكيافليل عاد يف كتابه

هذا النظام ، وفـضله عـىل النظـام امللكـي الشعب ، وعدد مزايا . املوسـوعة العربيـة امليـرسة .

هـــ ١٤١٦بـريوت . دار اجليـل . باختـصار وتـرصف ٢/١٦٢٨بإرشاف حممد شفيق غربال

. م ١٩٩٥

ا ا درا إ ٢٦

. وغريها من األخالق التي تقوم عليها الرأساملية

ــة و ــة وألن الــشيوعية والرأســاملية ال تقومــان عــىل أســس إيامني أخالقي

وترشيد ، فقد وقف كل منهام بجانب اليهود يف اغتصاب فلسطني ؛ نظيفة

وقـدم النظامـان الـشيوعي والرأسـاميل الـدعم املبـارش ، املاليني مـن أهلهـا

يف كل ما تقوم به من جرائم مل تعهدها ، وغري املبارش لدولة اليهود اللقيطة

هـود الغاصـبون حيظـون هبـذا وال يـزال الي ، اإلنسانية بحـق أهـل فلـسطني

. الدعم غري املتناهي حتى يوم الناس هذا

وأسسا أخالقية ، وأما النظم اإلسالمية فإن هلا أسسا إيامنية تنطلق منها

ولكنهــا ختتلــف متامــا عــن أســس الــنظم ، تقــوم عليهــا ومتتــزج بقوانينهــا

وشـتان بـني ، كـاختالف صـنعة اهللا عـام يـصنع البـرش ، األخرى الوضعية

< ? ﴿ :وسـبحان اهللا القائـل ؛ ص البـرشيــوبني النق ، اينــالكامل الرب

ED C B A @ ﴾ ]٣:امللك[.

ما ا :

وهـذه األسـس تـتلخص ، إن النظم اإلسالمية تنطلق من أسس إيامنية

، التي جاءت يف حديث جربيل املشهور يف أركان العقيدة اإلسالمية الستة

؟ فأخربين عن اإليامن: قال:فقد جاء فيه، عن اإليامن×النبي عندما سأل

وتــؤمن ، وكتبــه ورســله واليــوم اآلخــر ، أن تــؤمن بــاهللا ومالئكتــه «: قــال

و ا ا

٢٧

. )١( صدقت : قال، » بالقدر خريه ورشه

فأول وأهم أصل إيامين للنظم اإلسـالمية هـو االعتقـاد بـأن اهللا وحـده

وخلـق ، إلنـسان وجعلـه خليفـة يف األرضهو الرب اخلالق الذي خلـق ا

الــرازق ، وأنـه املـدبر هلــذا الكـون ، وجعلــه مـسخرا للنــاس ، الكـون كلـه

وأنه تعاىل هو وحده املـرشع ، وأن بيده كل يشء ، املحيي املميت ، املعطي

وأنـه جـل ، ال معبود بحق إال هـو ، وأنه سبحانه هو وحده املعبود ، خللقه

الذي ال ، وأنه الواحد األحد ، والصفات العال ، امء احلسنىوعال له األس

ند له وال صاحبة وال ولد .

ال ، ثم يأيت بعـد ذلـك اإليـامن بـأن اهللا خلـق مالئكـة أطهـارا مـن نـور

وأن لكل منهم أعامال كلفهـم ، يعصون اهللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون

. اهللا تعاىل هبا

ــالم )1( ــامن واإلس ــان اإلي ــامن ب بي ــحيحه ك اإلي ــسلم يف ص ــام م ــديث رواه اإلم ــن ح ــزء م ج

ــسان ــووي . واإلح ــسلم بــرشح الن ــؤال ٨ رقــم ١/١٥٠م ــامن ب س ــاري يف ك اإلي ، والبخ

. ، وأبو داود يف ك السنة ب يف القدر ) مصطفى البغا . ترقيم د ( ٥٠رقم . ملسو هيلع هللا ىلص جربيل النبي

، والرتمذي يف ك اإليامن ب مـا جـاء يف وصـف ) ترقيم حمي الدين عبد احلميد ( ٤٦٩٥رقم

سائي يف ك اإليـامن ورشائعـه ب ، والنـ) تـرقيم أمحـد شـاكر ( ٢٦١٠رقم . ملسو هيلع هللا ىلصجربيل للنبي

١/٢٤، وابـن ماجـة يف املقدمـة ب يف اإليـامن ) ترقيم أيب غدة ( ٤٩٩٠رقم . نعت اإلسالم

كلهم من روايـة عمـر بـن اخلطـاب ، . ٩٢١٧ و ٣٦٩رقم . ، وأمحد يف املسند ٦٤ و ٦٣رقم

. عدا البخاري ورواية عند أمحد وابن ماجه فعن أيب هريرة

ا ا درا إ ٢٨

وأن ، فيهـا هـدى ونـور ، عـاىل أنـزل كتبـا إىل األمـمثم اإليامن بأن اهللا ت

. الذي ختم اهللا به الكتب ، آخرها القرآن الكريم

، ثم األساس الرابـع وهـو أن اهللا تعـاىل أرسـل إىل النـاس رسـال مـنهم

ويبينون ، ويدلون الناس عىل سبيل اهلداية ، يبلغوهنم مراد احلق من اخللق

وأن اهللا ، واحليـاة الراضـية يف اآلخـرة ، الـدنياهلم معامل احليـاة الراشـدة يف

. ×تعاىل قد ختم مسرية الوحي والنبوة برسوله وحبيبه حممد

ثــم األســاس اخلــامس وهــو اإليــامن بــأن اهللا عــز وجــل ســوف جيمــع

حيث حياسب كل ، وهو يوم القيامة ، األولني واآلخرين ليوم ال ريب فيه

ــام قــدمت يــداه إنــسان ب ــام عمــلوجيــ ، X W ﴿ ،ازي كــل أحــد ب

c b a ` _ ^ ] \ [ Z Y ﴾

بـل ، وهنايـة احلـساب ، فليست الـدنيا هـي هنايـة املطـاف، ]٨، ٧:الزلزلـة[

. يوم ال تظلم نفس شيئا ، يف اليوم اآلخر ، احلساب النهائي هناك

وأن اهللا تعاىل قدر كـل يشء ، ثم األساس السادس وهو اإليامن بالقدر

وأن ما شـاء كـان ومـا ، ومشيئته كائنة ، وأن إرادته سبحانه نافذة ، ضاهوق

. وأن كل ما قدره اهللا يف كتاب حمفوظ منذ األزل ، مل يشأ مل يكن

ا ا :

فـإن ؛ عبارة عن جمموعـة مـن القـواننيــ يف جمملها ــوإذا كانت النظم

، صل بحـال مـن األحـوال عـن األخـالقالقوانني يف الـنظم اإلسـالمية ال تنفـ

و ا ا

٢٩

، وهناك أخالق هـي بمثابـة األسـس األخالقيـة العامـة للـنظم اإلسـالمية

ة للنظـام ــمثل األسس األخالقي ، وأخالق هي بمثابة األسس لنظام معني

. أو النظام السيايس ، أو النظام االجتامعي ، االقتصادي

ــس األخال ــن األس ــة م ــارة إىل ثالث ــي باإلش ــنظم وأكتف ــة لل ــة العام قي

. وعدم مؤاخذة أحد بذنب غريه ، واملساواة ، العدل : اإلسالمية وهي

؛ فإنه ما مـن نظـام يف اإلسـالم إال وهـو قـائم عـىل العـدل ؛ أما العدل

كــام أنــه ال يتــضمن ، أو حمابــاة ألخــرى ، لــيس فيــه ظلــم لفئــة مــن النــاس

وإن بـدا للـبعض مـا ، ترشيعا يف أي جمـال إال وهـو تـرشيع متـسم بالعـدل

أو تعـدد الزوجـات ، أو املـرياث ، كنظـام العقوبـات ، يوهم خالف ذلـك

حيث يشنع خصوم اإلسـالم بـأن قـوانني احلـدود والقـصاص فيهـا ، مثال

وأن تعـدد الزوجـات ، وأن إعطاء املرأة نصف الرجل فيه ظلـم هلـا ، ظلم

وهـم وافـرتاء عـىل والواقع أن هذا ، فيه حماباة للرجال عىل حساب النساء

وأمـا كـالم ، وقد ثبت أن هذه الترشيعات هي عني احلكمـة والعـدل ، اهللا

هؤالء اخلصوم فمحله النظم والقوانني الوضعية املتلبـسة بـالظلم حيـث ،

أو احلكـام لـصاحلهم عـىل ، يضعها األغنياء لصاحلهم عىل حساب الفقراء

، حساب مصالح األقليـةأو األغلبية ملصلحتهم عىل ، حساب املحكومني

، أما قانون الرب فإنه ال يأتيه الظلم من بـني يديـه وال مـن خلفـه ، وهكذا

. وترشيعه هو العدل ، ألنه سبحانه هو العدل

ا ا درا إ ٣٠

عـىل حيث إهنا تطبق ، وكذلك فإن النظم اإلسالمية قائمة عىل املساواة

والكبـري ، ريوالعظيم واحلقـ ، والغني والفقري ، احلاكم واملحكوم ؛ اجلميع

فـال يوجـد ، إذ الكل أمام القانون سـواء ، والرشيف والوضيع ، والصغري

أو أنـه حمـصن مـن املـساءلة ، يف ظل النظم اإلسـالمية أحـد فـوق القـانون

وال ، فال يستثنى أحد من القانون ، مهام كان موقعه أو منصبه ، واملحاسبة

يميــز أحــد بــيشء دون اآلخــرين س ــــ متــساوون يف حرمــة النفواجلميــع ،

ال فــضل ، والنــاس كلهـم سواســية ، وسـائر احلرمــات ، واملـال والعــرض

T S R Q ﴿ :وصـدق اهللا القائـل ، ألحد عىل آخر إال بـالتقوى

Z Y X W VU ﴾ ]١٣:احلجرات[.

فهو أنـه ال يؤاخـذ ؛ وأما األساس األخالقي الثالث الذي نشري إليه هنا

حيمل نتيجة عمل مل يصدر عنهوال ، أحد بذنب غريه :سـبحانه كام قـال ،

﴿µ´ ³ ² ± ° ﴾ ]فكــل إنــسان يتحمــل املــسئولية ، ]١٨:فـاطر

ونحـو ، واجلنون ، كاإلكره ، إال أن يكون له عذر معترب رشعا ، عن أعامله

. وعىل هذا األساس تقوم النظم اإلسالمية ، ذلك

مبـدأ مؤاخـذة اإلنـسان بعمـل لقد قامت املـسيحية املحرفـة عـىل قبـول

حيــث يعتقــدون أن املــسيح عيــسى عليــه الــسالم قــد صــلب ، غــريه يف ــــ

بحـسب ــفهو صلب ، فداء للبرش من خطيئة أبيهم آدم القديمةــزعمهم

فال ذنب لـه وال ألحـد ، ومل يشهده ، بسبب عمل مل يصدر منهــمعتقدهم

و ا ا

٣١

وهـذا ، الذي تـاب اهللا عليـه ، سالممن البرش الذين جاءوا بعد آدم عليه ال

وافتقاد ، كالالمباالة ، يرتتب عىل شيوعه أرضار كثرية ، مبدأ خلقي فاسد

، والتهــاون يف اإلتيــان بــأعامل خارجــة عــن القــانون ، الــشعور باملــسئولية

. وغري ذلك من اآلثار الضارة بالفرد واملجتمع

ا ا نم قاج اا:

وباإلضافة إىل ما سبق فإننا لو تأملنا يف القوانني التي حوهتا النظم

فليست ، يف سائر جماالهتا ، اإلسالمية لوجدناها ال تنفك عن األخالق

بل يتخللها الوصية الرشعية بمكارم ، القضية جمرد حقوق وواجبات

ففي ثنايا احلديث عن ، حتى يف أصعب الظروف واحلاالت ، األخالق

نجد اإلشارة إىل ما ينبغي أن ، الطالق وانقطاع العرشة بني الزوجني

:فيقول سبحانه ، يكون عليه مجيع األطراف من التحيل بحسن اخللق

﴿q r s t u v w x y z { | ~} � ¡

¢ £ ¤ ¥ ¦ § ©¨ ª « ¬ ® ¯ °

± ² ³ µ ¶ ¸ ¹ º » ¼ ½ ¾ ¿ À

Á Â Ã Ä ÆÅ Ç È É ËÊ Ì Í Î

ÐÏ Ñ Ò Ó Ô Õ ﴾ ]٢٣٧، ٢٣٦:البقرة[ .

﴾ {~ | } v xw y z﴿ :وقال سبحانه

]٢٢٩:البقرة[

ا ا درا إ ٣٢

] Y Z﴿ :يقول سبحانه ، ويف جمال القصاص واستيفاء الدماء

\ ] _ a` b c d e f hg i j k

l m n o p q r ts u v w x zy

.] ١٧٨:البقرة[ ﴾ ¢ ¡ � ~ { | }

d e f g h i j lk m n o﴿ :ال سـبحانهــوق

p q r s t u v xw y z { ﴾

]٣٣:اإلرساء[

¢ �¡ ~ { |﴿ :ويف جمـــال رد العـــدوان يقـــول ســـبحانه

£ ¤ ¥ ¦ ¨§ © ª « ¬ ﴾ ]٤٠:الشورى [.

ــبحانه ــال س ــصاد ق ــال االقت 0 / . ,- + * (﴿ :ويف جم

.]٣١:األعراف[ ﴾ 1

يــروي جــابر بــن عبــد اهللا ، البيــع والــرشاء واســتيفاء احلقــوقيف جمــال و

، رحـم اهللا رجـال سـمحا إذا بـاع « : قال×ريض اهللا عنهام أن رسول اهللا

. )١( » وإذا اقتىض ، وإذا اشرتى

.تـرقيم د( ١٩٧٠رقـم . خاري يف ك البيوع ب السهولة والسامحة يف البيـع والـرشاء رواه الب)1(

ــت)مــصطفى البغــا ــا جــاء يف اس ــوع ب م ــذي يف ك البي ــن ، والرتم ــري أو الــيشء م قراض البع

. ، وابن ماجه يف ك التجارات ب السامحة يف البيع ) ترقيم أمحد شاكر ( ١٣١٩رقم . احليوان

. ٢٢٠٣رقم

و ا ا

٣٣

ــوله ــداء اهللا ورس ــة أع ــرب ومقاتل ــال احل ــى يف جم ــارم ، وحت ــربز مك ت

: واه بريدة ريض اهللا عنه قالومن هذا عىل سبيل املثال ما ر، األخالق بقوة

إذا أمـر أمـريا عـىل جـيش أو رسيـة أوصـاه يف خاصـته ×كان رسـول اهللا

بتقوى اهللا ومن معـه مـن املـسلمني خـريااغـزوا باسـم اهللا يف « : ثـم قـال ،

اغزوا وال تغلوا، قاتلوا من كفر باهللا ، سبيل اهللا وال متثلـوا ، وال تغـدروا ، ،

. )١( »وليدا وال تقتلوا

ــن عمــر ريض اهللا عــنهام أن امــرأة وجــدت يف بعــض مغــازي وعــن اب

وهنـى عـن قتـل النــساء ، ×ول اهللا ــــفـأنكر رس ، مقتولـة×ول اهللا ـــرس

. )٢(والصبيان

١٢/٣٧سلم يف ك اجلهاد ب تأمري اإلمام األمراء عىل البعوث ، مسلم برشح النـووي رواه م)1(

تـرقيم حمـي الـدين ( ٢٦١٣ ، وأبو داود يف ك اجلهـاد ب يف دعـاء املـرشكني رقـم ١٧٣١رقم

، ويف ك ١٤٠٨رقـم . ، والرتمذي يف ك الديات ب ما جاء يف النهـي عـن املثلـة ) عبد احلميد

ترقيم أمحد شاكر ، وحممـد فـؤاد عبـد ( ١٦١٧رقم . يف القتال ملسو هيلع هللا ىلصصيته السري ب ما جاء يف و

، ومالك يف ٢٤٣٩ رقم ٢/٢٨٤، والدارمي يف ك السري ب وصية اإلمام يف الرسايا ) الباقي

. ٢/٤٤٨املوطأ ك اجلهاد ب النهي عن قتل النساء والولدان يف الغزو

ان يف احلـرب ، ومـسلم يف ك اجلهـاد والـسري رواه البخاري يف ك اجلهاد والسري ب قتل الصبي)2(

، وأبو ١٧٤٤ رقم ١٢/٤٨مسلم برشح النووي . ب حتريم قتل النساء والصبيان يف احلرب

ــاد ب يف قتــل النــساء ــم . داود يف ك اجله ، ) تــرقيم حمــي الــدين عبــد احلميــد ( ٢٦٦٨رق

تـرقيم ( ١٥٦٩ رقـم.والرتمذي يف ك السري ب ما جاء يف النهـي عـن قتـل النـساء والـصبيان

= ، وابن ماجه يف ك اجلهاد ب الغارة والبيات وقتـل النـساء والـصبيان )شاكر وعبد الباقي

ا ا درا إ ٣٤

وهكذا يتبـني لنـا قيـام الـنظم اإلسـالمية عـىل أسـس إيامنيـة وأخالقيـة

وحتقـق هلـم العيـشة ، دةتفيض عـىل حيـاة النـاس الرضـا والـسعا ، عظيمة

. التي تليق باإلنسان الذي كرمه رب العاملني ، الكريمة

ا ا ا :

مل »الـنظم اإلسـالمية «مما جتدر اإلشارة إليه يف هذا املقام أن مـصطلح

يف العـصور الـسابقة ، يكن متداوال لـدى علـامء اإلسـالم وفقهـاء الـرشيعة

إال أن عدم وجود املصطلح أو شيوعه ال يعني غياب ، ارضقبل عرصنا احل

ففي حياتنا الفكرية واالجتامعية مصطلحات حديثـة إىل ، مدلوله ومفهومه

ومـا حتملـه مـن مـضامني قـد يـسبق ، لكن ما تدل عليه من مفاهيم، حد ما

»االستـرشاق«ومـن األمثلـة عـىل هـذا مـصطلح ، وجودها بمئات الـسنني

مـن ـــ خاصة الرشق اإلسالمي ــي قيام الغربيني بدراسة الرشق الذي يعن

لـدوافع ، إلـخ ... شـعوبه، حـضاراته، أديانه، لغاته، علومه : كافة جوانبه

م الذي يعني حماربـة اخلـص»الغزو الثقايف أو الفكري «ومصطلح . خمتلفة

« ومــصطلح ، وحماولــة التغلــب أو القــضاء عليــه بغــري الطــرق العــسكرية

، وغريها من املصطلحات احلديثـة التـسمية واإلطـالق، »احلرب النفسية

. القديمة املفهوم واملضمون

٢/٢٩٣ ، والدارمي يف ك السري ب النهي عن قتل النساء والصبيان ٢٨٤١ رقم ٢/٩٤٧ =

. ، ومالك يف ك اجلهاد ب النهي عن قتل النساء والولدان يف الغزو ٢٤٦٢رقم

و ا ا

٣٥

وإذا كان فقهاؤنا القدامى وعلامؤنا السابقون مل يـضع أي مـنهم عنوانـا

فإن هذا ال يعنى أن ؛ » النظم اإلسالمية «ملصنف من مصنفاته حيمل اسم

؛ كـال، الميةـــقهي قد خال من التأليف يف الـنظم اإلستراثهم العلمي والف

التي تضمنت وفـصلت ، بل زخر هذا الرتاث الغزير بالدراسات الواسعة

نظرية اإلسالم وهديـه ومنهجـه فـيام يتعلـق بتنظـيم شـئون النـاس يف كافـة

أم ، أم االجتامعيـــة، ســـواء أكـــان ذلـــك يف اجلوانـــب الـــسياسية، األمـــور

، فـضال عـن األمـور العباديـة واخللقيـة والعقديـة، أم اإلدارية، االقتصادية

. وغريها

فقهاء الرشيعة وعلامء اإلسالم قضايا الـنظم اإلسـالمية مـن جوقد عال

وأودعوها مؤلفـاهتم ووصـلتنا ضـمن مـا أدركنـا مـن ثـروة ، كافة جوانبها

ــة ــة عظيم ــة وفكري ــان ، علمي ــابر الزم ــم يف غ ــن األم ــة م ــوفر ألي أم مل تت

ـــفجــزاهم اهللا عــن اإلس، حــارضهو ــا ، الم واملــسلمني خــري اجلــزاءـ ونفعن

. بعلمهم وجهدهم يف الدنيا واآلخرة

وقد اجته العلامء إىل التصنيف يف هذا املجال منذ القرن الثاين اهلجـري «

ثـم تطـور ليـشمل أغلـب موضـوعات ، باحلديث عـن موضـوعات حمـددة

، التي تعرضـت للـنظم إمجـاالوأضيف إليه بعد ذلك كتب التاريخ، النظم

أليب » اخلــراج « كتــاب : وفــيام يــيل نــذكر أهــم املــصنفات يف هــذا املجــال

ــف ـــ ه١٩٢(يوس ــة ) ـ ــراج يف الدول ــام اخل ــه نظ ــه مؤلف ــرض في ــذي ع ال

ا ا درا إ ٣٦

، ثم أضاف إليه موضوعات أخرى كاجلنايات والعقاب عليهـا، اإلسالمية

وقتـال أهـل الـرشك وأهـل ، وأرزاق القـضاة والعـامل، واحلكم عىل املرتـد

وكيف يدعون إىل اإلسالم، البغي . أو إىل الطاعة والعدل،

ـــذلك ـــب األوىل ك ـــن الكت ـــراج «وم ـــريش » اخل ـــن آدم الق ـــي ب ليح

الـسري «و، )ــه٢٢٤( أليب عبيد القاسم بن سالم » األموال «و، )ــه٢٠٤(

الذي تناول فيه مؤلفه مب، ملحمد بن احلسن الشيباين»الكبري احث تعـرض

ــام ــدويل الع ــانون ال ـــوالق، الق ــاصـ ــدويل اخل ــز ، انون ال ــرر مرك ــذي يق ال

ـــاألجان ــةـ ــق يف ، ب يف الدول ــب التطبي ــانون الواج ــازعتهم والق ــم . من ث

وأليب ) ـــه٤٥٠( للاموردي » األحكام السلطانية «ظهرت بعد ذلك كتب

عي والرعيـة السياسة الرشعية يف إصالح الرا «ثم ، )ــه٤٥٨(يعىل الفراء

لبـدر »حترير األحكام يف تدبري أهل اإلسـالم «و ، )ــه٧٢٨( البن تيمية »

الطـرق احلكميـة يف الـسياسة الـرشعية «و ، )ـــه٧٣٣(الدين بـن مجاعـة «

مـن التـآليف التـي توالـت إىل غري ذلك، )١( )ــه٧٥١(البن قيم اجلوزية

. فيام بعد

تعـد مـصدرا ـــ عامـة ــلفقه اإلسالمي ويمكننا القول بأن كتب ا ، هذا

باإلضــافة إىل بــاقي ، أساســيا للكتابــة يف الــنظم اإلســالمية قــديام وحــديثا

. ككتب التفسري والسنة وغريها ، املؤلفات يف علوم الرشيعة األخرى

. ٦ص . عبد الباري الطاهر / د. م الدولة اإلسالمية يف عرص النبوة والراشدين نظ)1(

و ا ا

٣٧

ـــنظم ـــرية يف جمـــاالت ال ولقـــد شـــهد عـــرصنا احلـــارض دراســـات كث

، بجهود مشكورة يف هذا املضامروبرزت كوكبة عظيمة قامت، اإلسالمية

وألقت بثقلهـا ، عندما أطلت العلامنية برأسها ، وخاصة يف واقعنا املعارص

وحـاول أرباهبـا وسـدنتها يف الغـرب وعمالؤهـم يف ، يف عاملنا اإلسـالمي

الرشق اإلسالمي أن يرسخوها ويمكنوا هلا عمليا كام حـدث يف ، ونظريا

عندئـذ انـربى العديـد مـن املـصلحني ، اإلسـالميةتركيا وكثري مـن الـبالد

فقـــاموا بالتأكيـــد عـــىل أن لـــدى الـــرشيعة ، والـــدعاة والعلـــامء يف األمـــة

وتنظـيم شـئون ، اإلسالمية منهجا متميزا وقادرا عـىل قيـادة حركـة احليـاة

وقدموا الرؤيـة اإلسـالمية يف حـل ، املجتمعات واألفراد يف شتى النواحي

عىل سبيل ــوكان من هؤالء ، واملسلمني خاصة ، مةمشكالت البرشية عا

دوعبـد احلميـ ، وسـيد قطـب ، املودوديوأبو األعىل ، حسن البناــاملثال

، وعبــد القــادر عــودة ، وحممــد أبــو زهــرة ، ومالــك بــن نبــي ، بــن بــاديس

ــزايل ــد الغ ــريس ، وحمم ــدين ال ــد ضــياء ال ــاوي ، وحمم ــف القرض ، ويوس

. ء والباحثنيوغريهم كثري من العلام

وقد أدخلت عدد مـن اجلامعـات يف العـامل اإلسـالمي ضـمن مقرراهتـا

ونحوهـا مـن ، الدراسية مواد حول النظم والثقافـة واحلـضارة اإلسـالمية

األمــر الــذي كــان لــه أثــر ملحــوظ يف ، املــواد التــي تــدور يف هــذا النطــاق

ــ ــنظم اإلســالمية والت ــة يف ال ــارز يف الكتاب ــشاط ب ــدوث ن ــاح ، صنيف فيه

ا ا درا إ ٣٨

ــذا ــدكتوراه يف ه ــستري وال ــة كاملاج ــات العلمي ــديم األطروح ــذلك تق وك

ــن ــر م ــالمية يف أكث ــضارة اإلس ــنظم واحل ــب ال ــن جوان ــب أو ذاك م اجلان

فــصارت ، ويف غـري بلــد مـن جامعــات وبلـدان العــامل اإلسـالمي، جامعـة

االت املكتبة اإلسالمية عامرة باملصنفات الكثـرية العميقـة واملتنوعـة يف جمـ

. النظم اإلسالمية

و ا ا

٣٩

ما ا � �

ا ا

ســبق أن أرشنــا إىل أن الــنظم اإلســالمية إنــام هــي منبثقــة عــن الــرشيعة

يف ـــبل ال نكون جمافني للحقيقة والواقع إذا قلنا بأن الرشيعة ، اإلسالمية

ـــجمملهــا ــنظمـ ــن ال ــارة عــن جمموعــة م ــنظم ومــن ، عب ــة ال ــإن غاي ــا ف هن

ـــة الـــرشيعة اإلســـالمية اإلســـالمية يف حقيقـــة األمـــر ال ختـــرج عـــن غاي

إنـام ترجـع إىل مقـصد ـــ عـىل تعـددها ــوهذه املقاصد ، ومقاصدها العامة

وهكـذا يمكننـا ، أال وهو حتقيق مصالح العباد يف الـدنيا واآلخـرة، أسايس

ســالمية هــي حتقيــق القــول بــأن اهلــدف العــام والغايــة العظمــى للــنظم اإل

املـضار بام جيلب هلم املنافع ويدفع عنهم ، مصالح العباد يف املعاش واملعاد

)١( .

ولقد قرر اإلمام الـشاطبي أن الـرشيعة إنـام وضـعت ملـصالح العبـاد يف

وأن هــذا األمــر قــد دل عليــه االســتقراء الــذي ال ، العاجــل واآلجــل معــا

: تعاىل يقول يف بعثة الرسل وهو األصـلفإن اهللا ، يمكن أن ينازع فيه أحد

يعـرف العلـامء املــصلحة بأهنـا )1( نجــم . رشح خمتــرص الروضـة . » جلــب نفـع أود فـع رضر «:

عبـد اهللا / حتقيـق د . ٣/٢٠٤الدين سليامن بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سـعيد الطـويف

. م ١٩٩٠هــ ١٤١٠ط األوىل . بريوت . مؤسسة الرسالة . رتكي بن عبد املحسن ال

ا ا درا إ ٤٠

﴿N O P Q R S T U V W YX ﴾

ــساء[ ــاء[ ﴾ a b c d ﴿ ، ]١٦٥:الن ــال ، ] ١٠٧:األنبي وق

; : 9 8 7 6 5 4﴿ :يف أصــــــــــل اخللقــــــــــة

< = > ? @ A B DC ﴾ ]٧:هــــــــــود[ ،

﴿C D E F G H ﴾ ]ـــــذاريات - , +﴿ ،] ٥٦:ال

. ] ٢:امللك[ ﴾ 32 1 0 / .

وهـو أن الـرشيعة قـد وضـعت ملـصالح ( يؤكـد عـىل أن هـذا األمـر ثم

. )١ (مستمر يف مجيع تفاصيل الرشيعة) العباد عاجال وآجال

ــيم ــن الق ــام اب ــول اإلم ــم : يق ــىل احلك ــها ع ــا وأساس ــرشيعة مبناه فال

ومـصالح ، وهـي عـدل كلهـا ورمحـة ، ومصالح العبـاد يف املعـاش واملعـاد

وعـن ، مـسألة خرجـت عـن العـدل إىل اجلـورفكل ، وحكمة كلها ، كلها

؛ وعـن احلكمـة إىل العبـث ، وعن املصلحة إىل املفسدة ، الرمحة إىل ضدها

فليست من الرشيعة وإن أدخلت فيهـا بالتأويـل اهللا بـني لفالـرشيعة عـد ،

وحكمتـه الدالـة عليـه وعـىل ، وظلـه يف أرضـه ، ورمحته بني خلقـه ، عباده

، وهي نوره الذي به دواء كل عليل، ة وأصدقها أتم دالل×صدق رسوله

، وطريقه املستقيم الذي مـن اسـتقام عليـه فقـد اسـتقام عـىل سـواء الـسبيل

اإلمـام أيب إسـحاق إبـراهيم بـن موسـى اللخمـي الغرنـاطي . املوافقات يف أصـول األحكـام )1(

. دار إحياء الكتب العربية . بتعليق الشيخ حممد اخلرض حسني . ٣ــ ٢/ ٢الشهري بالشاطبي

و ا ا

٤١

فهي هبا احلياة والغـذاء ، ولذة األرواح ، وحياة القلوب ، فهي قرة العيون

وكل خري يف الوجود فإنام هـو مـستفاد ، والدواء والنور والشفاء والعصمة

ولـوال ، وكـل نقـص يف الوجـود فـسببه مـن إضـاعتها، اوحاصـل هبـ، منها

وهي العـصمة للنـاس وقـوام ، رسوم قد بقيت خلربت الدنيا وطوي العامل

فإذا أراد اهللا سبحانه ، وهبا يمسك اهللا الساموات واألرض أن تزوال، العامل

وتعاىل خراب الدنيا وطي العامل رفع إليه مـا بقـي مـن رسـومها فالـرشيعة ،

وقطب الفالح والـسعادة يف ، هي عمود العامل × اهللا هبا رسوله التي بعث

. )١ (الدنيا واآلخرة

ولقد قرر العلامء أن املصالح التي وضعت الرشائع لتحقيقها تنقسم إىل

ومــصالح ، ومــصالح حاجيــة ، مــصالح رضوريــة : وهــي ، ثالثــة أقــسام

أن تكـون عائـدة فجميع األحكام والـنظم والتـرشيعات ال خيلـو ، حتسينية

. إىل واحد من هذه األقسام الثالثة

ــة هــذا األمــر ــىل يف ، وقــد أفــاض اإلمــام الــشاطبي وأجــاد يف جتلي وأب

ما يلقي الضوء عـىل ــ رمحه اهللا ــولنقتطف من كالمه ، معاجلته بالء حسنا

: حيث قال ، هذه األقسام الثالثة

وهذه املقاصد ال . لقتكاليف الرشيعة ترجع إىل حفظ مقاصدها يف اخل

شمس الدين حممد بن أيب بكر املعروف بابن القيم اجلوزيـة . إعالم املوقعني عن رب العاملني) 1(

. م ١٩٩١هــ ١٤١١ط األوىل . بريوت . دار الكتب العلمية . ١٢ ـ ٣/١١

ا ا درا إ ٤٢

. والثـاين أن تكـون حاجيـة. أحدها أن تكـون رضوريـة: تعدو ثالثة أقسام

. والثالث أن تكون حتسينية

، فأما الرضورية فمعناها أهنا ال بد منها يف قيـام مـصالح الـدين والـدنيا

بحيث إذا فقدت مل جتر مصالح الدنيا عىل استقامة بـل عـىل فـساد وهتـارج

. ويف األخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع باخلرسان املبني. حياةوفوت

، أحــدمها مــا يقــيم أركاهنــا ويثبــت قواعــدها : واحلفــظ هلــا يكــون بــأمرين

والثــاين مــا يــدرأ عنهــا . وذلــك عبــارة عــن مراعاهتــا مــن جانــب الوجــود

وذلـك عبـارة عـن مراعاهتـا مـن جانـب . االختالل الواقع أو املتوقع فيهـا

فأصــول العبــادات راجعــة إىل حفــظ الــدين مــن جانــب الوجــود . مالعــد

كاإليامن والنطق بالشهادتني والصالة والزكاة والـصيام واحلـج ومـا أشـبه

ما تقدم باإلبطال فرشع فيها ما يـدرأ واجلنايات ما كان عائدا عىل ... ذلك

، ات للـنفســـكالقـصاص والدي ، ال ويـتالىف تلـك املـصالحـــذلك اإلبط

: وجممــوع الــرضوريات مخــسة وهــي . ومــا أشــبه ذلــك ... د للعقــلواحلــ

وقد قالوا إهنـا مراعـاة . والعقل ، واملال ، والنسل ، والنفس ، حفظ الدين

. يف كل ملة

وأما احلاجيات فمعناهـا أهنـا مفتقـر إليهـا مـن حيـث التوسـعة ورفـع ،

فـإذا ، املطلوبالضيق املؤدي يف الغالب إىل احلرج واملشقة الالحقة بفوت

ولكنـه ال يبلـغ ، احلـرج واملـشقةــ عىل اجلملة ــمل تراع دخل عىل املكلفني

و ا ا

٤٣

وهـي جاريـة يف العبـادات . مبلغ الفساد العادي املتوقع يف املصالح العامة

ــات ــة . والعــادات واملعــامالت واجلناي ــادات كــالرخص املخفف ففــي العب

، ويف العـادات كإباحـة الـصيد . بالنسبة إيل حلوق املـشقة بـاملرض والـسفر

ويف اجلنايـات كتـضمني الـصناع ومـا . ويف املعامالت كالقراض واملساقاة

. أشبه ذلك

وأما التحسينات فمعناها األخذ بام يليق مـن حماسـن العـادات وجتنـب

وجيمـع ذلـك قـسم . األحوال املدنسات التـي تأنفهـا العقـول الراجحـات

وســرت العــورة وأخــذ الزينــة وآداب ، امكــارم األخــالق كالطهــارات كلهــ

. )١( وما أشبهها ، األكل والرشب

وهكــذا فاملــصالح الــرضورية يتوقــف عليهــا صــالح أمــور النــاس يف

. وإذا أصاهبا اختالل مل يستقم أمر احلياة ، معاشهم ومعادهم

واملصالح احلاجية تكون حاجة الناس إليها لدفع املـشقة ورفـع احلـرج

وإذا اختلت مل يضطرب نظام احلياة لكن يلحـق النـاس عنـت ، عنهم فقط

. وضيق ومشقة

واملصالح التحسينية مـا كانـت مـن بـاب الـسمو يف األخـالق وحماسـن

. أن رضر فواهتا دون القسمني السابقنيىوال خيف، العادات

. باختصار ٥ ـ ٣/ ٢وافقات امل)1(

ا ا درا إ ٤٤

وكام أكد اإلمـام الـشاطبي عـىل أن اسـتقراء األحكـام الـرشعية الكليـة

واملطلقــات واملقيــدات ، والظــواهر والعمومــات ، يــةواجلزئ واجلزئيــات ،

، يف كـل بـاب مـن أبـواب الفقـه ، ووقائع خمتلفة ، اخلاصة يف أعيان خمتلفة

يفيد العلم بأن الرشيعة كلها دائرة عىل مراعاة تلـك ، وكل نوع من أنواعه

املعـارصين أن فقد ذكـر بعـض البـاحثني؛ )١( األقسام الثالثة املشار إليها

احلــس واملــشاهدة يربهنــان كــذلك عــىل أن مــصالح النــاس ال تعــدو هــذه

. األنواع الثالثة التي جاءت الرشيعة حلفظها ومراعاهتا

ألن كل فـرد أو جمتمـع تتكـون مـصلحته مـن أمـور رضوريـة وأمـور «

الرضوري لـسكنى اإلنـسان مـأوى يقيـه حـر : مثال ، حاجية وأمور كاملية

واحلاجي أن يكـون املـسكن . ولو مغارة يف جبل ، وزمهرير الربدالشمس

، مما تسهل فيه السكنى بأن تكـون لـه نوافـذ تفـتح وتغلـق حـسب احلاجـة

والتحسيني أن جيمل ويؤثث وتوفر فيه وسائل الراحة فإذا توافر له ذلك ،

وهكذا طعام اإلنسان ولباسه وكل شـأن ، لحته يف سكناهــفقد حتققت مص

. تتحقـق مـصلحته فيـه بتـوافر هـذه األنـواع الثالثـة لـه، حياتـهنن شؤوم

فإذا توافر ألفراده ما يكفل إجياد وحفظ رضورياهتم ، ومثل الفرد املجتمع

. )٢( »مصاحلهم فقد حتقق هلم ما يكفل ؛ اهتم وحتسيناهتمــوحاجي

. وغريها من نفس اجلزء . ٣٤ ، ٣ ، ٢ ص٢ راجع املوافقات ج )1(

. مكتبة الدعوة اإلسالمية . ١٩٩ص . عبد الوهاب خالف . علم أصول الفقه )2(

و ا ا

٤٥

مصالح وإننا إذ نقرر أن غاية النظم اإلسالمية تتلخص يف حتقيق ، هذا

فإنه جيدر بنـا أن نـشري إىل أن هـذه املـصالح هـي ؛ اإلنسان يف دنياه وأخراه

ووفـق أدلتهـا ، فقط تلك التي تكون معتربة يف ميزان رشيعة اهللا عز وجـل

أمـا مـا نـراه أو ، الترشيعية املعتربة لدى اجلمهور من علامء األمة وفقهائهـا

يف بعـض املجتمعـات قـديام نسمع عنه من أمور سائدة أو متعـارف عليهـا

ـــ زورا وهبتانــا ــــيطلــق عليهــا ، وحــديثا كإباحــة الربــا والزنــا ، مــصالحـ

؛ وما أشبه ذلك ، ةالغاية تربر الوسيل : وتزكية مبدأ ، واالحتكار واخلمور

لكونـه ، فهذا كله ممـا ال يمـت للمـصلحة بـصلة مـن قريـب وال مـن بعيـد

، والفطـر القويمـة ، العقـول الـسليمةو ، يتعارض مع رشيعة اهللا احلكيمـة

وإن زعم أهل الغي والضالل خالف ذلك .

تراعـي ، كام أن الـنظم اإلسـالمية يف قـصدها حتقيـق مـصالح اإلنـسان

دون جـور عـىل أي ، ومصلحة الفـرد واجلامعـة ، املصالح العامة واخلاصة

مـدعاة ـــالشـك وـــويف هذا ، أو حماباة لطرف عىل حساب اآلخر ، منهام

. حلصول السعادة للجميع أفرادا ومجاعات

وباإلضافة إىل ما ذكرنا فإن استهداف النظم اإلسالمية حتقيـق املـصالح

ــة والتحــس ــسانــالــرضورية واحلاجي ــسانية اإلن ــق إلن ــضا حتقي ــه أي ، ينية في

، التي تليق به كإنسان كرمه ربه وخالقـه، وسمو به إىل آفاق احلياة الكريمة

_ ` h g f e d c b a ﴿ :تعـاىلحيث قال

ا ا درا إ ٤٦

o n m l k j i﴾ ]ــــي ال ، ]٧٠:اإلرساء فه

كـام هـو حـال الـنظم ـــتسعى لتحقيـق مـصلحته املاديـة أو اجلـسدية فقـط

التي بـدوهنا يكـون كاألنعـام ، بل تضم إليها مصلحته الروحيةــالوضعية

. بل أضل سبيال

وهـو يتـضمن سـائر ، نظم اإلسـالمية مـا هتـدف إليـه الـــ بإمجال ــهذا

، وتكــريم اإلنــسان ، كالعدالــة والرمحــة واملــساواة ، األهــداف اجلزئيــة

وغريهــا مــن األهــداف التــي ال خيفــى حــرص الــنظم اإلســالمية عــىل

بـام تعنيـه »املـصلحة « : وجيمعها كلهـا لفـظ ، وحفظها ورعايتها، حتقيقها

. من جلب املنافع ودفع األرضار

*****

ا در اا

٤٧

اما : ا در اا

إ در ا: ا اول

ا ا، أو ادر : ما ا

١ا آن ا

٢ ا

٣ ا ع

٤ اس

ا در : اأوا ،ا ا

١ اا

٢نا

٣ ا ف

٤ ا را

٥ ع

٦ ل ا

٧ اب

ا ا درا إ ٤٨

ا در اا

٤٩

ا اول

در ا إ

تـستمد أحكامهـا وقوانينهـا ـــ كام سبق أن أملحنـا ــإن النظم اإلسالمية

هو الرشيعة اإلسالمية بام اشتملت عليـه مـن ، ومنهجها من مصدر واحد

وهـذه ، خاصـة بـاملكلفني ، وأخالقيـة ، وعمليـة ، أحكام رشعية اعتقاديه

وعـىل هـذا تكـون مـصادر الـنظم ، م الرشعية هلا أدلـة تؤخـذ منهـااألحكا

.اإلسالمية هي نفس مصادر وأدلة الرشيعة اإلسالمية

مــا يــستدل بــالنظر الــصحيح فيــه عــىل « : واملقــصود بالــدليل الــرشعي

. حكم رشعي عميل عىل سبيل القطع أو الظن

، يعية لألحكـامواملـصادر التـرش ، وأصـول األحكـام ، وأدلة األحكام

. )١( »ألفاظ مرتادفة معناها واحد

، واإلمجـاع ، والـسنة ، الكتـاب : وهذه األدلة عىل وجه اإلمجال هـي«

، والعـرف، وقول الـصحايب، واالستحسان ، واملصالح املرسلة ، والقياس

. »وسد الذرائع« ، واالستصحاب ، ورشائع األنبياء السابقني

بـل ، ليست كلها حمل اتفاق بني العلامء عىل حجيتهـاإال أن هذه األدلة

. وبعضها اختلفوا يف حجيته ، اجلمهور عىل حجيته بعضها اتفق

. ٢٠ص . عبد الوهاب خالف . علم أصول الفقه )1(

ا ا درا إ ٥٠

: أما األدلة التي اتفق مجهور العلامء عىل حجيتها فهي أربعة

. الكتابــ١

. السنةــ٢

. اإلمجاعــ٣

. )١( القياســ٤

فرآهــا بعــضهم دلــيال عــىل ، لــامء فيهــاوأمــا األدلــة التــي اختلــف الع «

، املـصالح املرسـلة : ومل يرها البعض اآلخـر دلـيال عليهـا فهـي ، األحكام

والعــرف ، واالستحــسان ، ورشائــع األنبيــاء الــسابقني ، وســد الــذرائع ،

. )٢( »واالستصحاب ، وقول الصحايب

ثم إهنـا ، )٣( وأخرى عقلية ، مصادر نقلية : وهذه املصادر عىل رضبني

. القاهرة . دار الكتاب اجلامعي . ٢٣زكي الدين شعبان ص / د. إلسالمي أصول الفقه ا)1(

. ٢٤ص . السابق )2(

األدلة النقلية هي التي يكون طريق وجودها النقل ، وال دخل لعقل املجتهد ورأيـه يف تكوينهـا )3(

هـي الكتـاب وهذه األدلـة. وإجيادها ، وكل عمله ينحرص يف فهمها وأخذ األحكام منها بعد ثبوهتا

فإن عقل املجتهد ورأيه ال دخل له يف وجودها ، وكذلك اإلمجاع ، فإنه يوجد ويتقـرر قبـل ، والسنة

استدالل املجتهد بـه ، ومثلـه العـرف ، وكـذا رشائـع األنبيـاء الـسابقني ، وقـول الـصحايب عنـد مـن

ال دخـل لعقـل املجتهـد يعتربمها من األدلة ، ألن ذلك كله راجع إىل العمل بأمر منقول عن الشارع

. ورأيه يف وجوده

، القيـاس ، وهـيهد ورأيـه دخـل يف تكوينهـا ووجودهـاهي التي يكون لعقل املجت: واألدلة العقلية

وجـود هـذه األدلـة فإن عمل املجتهـد ورأيـه يف، واالستحسان يف بعض صوره ، واملصالح املرسلة

= . واضح ال ريب

ا در اا

٥١

متمثال يف الكتـاب ، وهو النقل أو النصوص ، كلها تعود إىل مصدر واحد

ومـا عـدامها مـن بقيـة املـصادر فـإنام هـو معتمـد ، والسنة املـرشفة ، العزيز

إن « : يقـول ولـذلك كـان الـشافعي ريض اهللا عنـه ، منبعث منهام ، عليهام

ر ـــوال شـئ عنـده غي ، »األحكام ال تؤخذ إال من نص أو محـل عـىل نـص

وإن كــان هــو يــضيق يف معنــى احلمــل عــىل الــنص ، الــنص واحلمــل عليــه

وغريه مـن األئمـة األعـالم يوسـعون معنـى احلمـل ، فيقرصه عىل القياس

ادر التــي ذكرناهــا عــىل اخــتالف يف ــفيــدجمون فيــه كــل املــص ، عــىل الــنص

. ويف آحادها ، مقدارها

نقرر مطمئنني أن مجيع املصادر أو األدلة مشتقة وهكذا فإننا نستطيع أن

حيث إن بقية املصادر ، ومستندة عليها ، من النصوص ملتمسة النور منها

؛ األمر كـذلك وإذ كان، إذ منه أدلة صحة االعتامد عليها، قد ثبتت بالنقل

وقد صار مستند األحكام ، هو العمدةــ متمثال يف القرآن والسنة ــفالنقل

ــة: األوىل : جهتــنيمــن واألخــرى ، داللتــه عــىل األحكــام اجلزئيــة الفرعي

كداللتـه عـىل أن ، داللته عىل القواعد التـي تـستند إليهـا األحكـام اجلزئيـة

أما بالنظر إىل األدلة من ناحية االستدالل هبا عـىل ، هو بالنظر إىل األدلة يف ذاهتا وهذا التقسيم إنام=

ألن ، وال يـستغني عنـه ، احلكم؛ فكـل واحـد مـن النـوعني حيتـاج يف داللتـه عـىل احلكـم إىل اآلخـر

واالسـتدالل بـاملعقول ال يكـون، االستدالل باملنقول حيتـاج إىل العقـل يف فهمـه وأخـذ احلكـم منـه

إذ العقـل وحـده ال يكفـي يف التعـرف عـىل األحكـام ، معتربا يف نظر الـرشع إال إذا اسـتند إىل النقـل

.٢٥ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي . الرشعية

ا ا درا إ ٥٢

ورشع من قبلنـا ، الصحايب وقول ، وعىل أن القياس حجة ، اإلمجاع حجة

. )١( حجة

مرتبـة يف «حجيتهـا هذا و لقد قرر العلامء أن األدلة األربعة املتفق عىل

ــب ــذا الرتتي ــىل ه ــا ع ــوع إليه ــا والرج ــتدالل هب ــرآن : االس ــسنة ، الق ، فال

نظر أوال يف القرآن ، أي أنه إذا عرضت واقعة . فالقياس ، فاإلمجاع فـإن ،

وجد فيه حكمهـا أمـيض وإن مل يوجـد فيـه حكمهـا نظـر يف الـسنة ، فـإن ،

فيهــا حكمهــا نظــر هــل أمجــع وإن مل يوجــد ، وجــد فيهــا حكمهــا أمــيض

فـإن وجـد أمـيض ، املجتهدون يف عرص مـن العـصور فيهـا وإن مل يوجـد ،

. )٢( »اجتهد يف الوصول إىل حكمها بقياسها عىل ما ورد النص بحكمه

ـــ ريض اهللا عنـه ـــويستدلون عىل هذا الرتتيب بحديث معاذ بـن جبـل

. ٧٥ ، ٧٤ص . أصـول الفقـه أليب زهـرة ، ٢٢ ٢١/ ٣املوافقـات للـشاطبي : بترصف عـن )1(

. ة القاهر. دار الفكر العريب

حيـث إن العمـل بالـسنة ، ثم إن اإلمام الشاطبي يقرر أن األدلـة كلهـا راجعـة إىل القـرآن الكـريم

واالعتامد عليها إنام يدل عليه بالكتاب Ë Ê É È Ç ﴿ :مثـل مـا جـاء يف قولـه تعـاىل ،

ÑÐ Ï Î Í Ì ﴾ ]فهذا األمر وما أشبهه يدل عىل عموم الطاعـة ملـا أتـى ] ٥٩:النساء ،

، كـام أن الـسنة إنـام جـاءت مبينـة للكتـاب وشـارحة ملعانيـه، و يف الكتاب ومما هو يف سـنته به مما ه

. فكتاب اهللا هو أصل األصول ، والغاية التي تنتهـي إليهـا أنظـار النظـار ومـدارك أهـل االجتهـاد

. ٢٣ ٢٢/ ٣املوافقات : راجع

. ٢١ص . عبد الوهاب خالف . علم أصول الفقه 2) (

ا در اا

٥٣

كيـف تقـيض إذا عـرض لـك «: إذ قـال لـه ، إىل اليمن×حني بعثه النبي

: قـال » ؟فإن مل جتد يف كتاب اهللا «: قال ، أقيض بكتاب اهللا: قال » ؟قضاء

وال يف ×فــإن مل جتــد يف ســنة رســول اهللا « : قــال ، ×فبــسنة رســول اهللا

، صـدره×فرضب رسول اهللا . أجتهد برأيي وال آلو: قال ، » ؟كتاب اهللا

ل رسول اهللا ملا يريض رسول اهللاحلمد هللا الذي وفق رسو «: وقال

« )١( .

والرتمذي يف ٣٥٩٢ رقم ٢/١٦٨ب اجتهاد الرأي يف القضاء . و داود يف ك األقضية رواه أب)1(

رقم ٦/٣٠٣ ، وأمحد يف املسند ١٣٣٢رقم ٣/٦٢ب ما جاء يف القايض كيف يقيض ، ك األحكام

. ١٦٨رقم ١/٧٢ ، والدارمي يف املقدمة ب الفتيا وما فيه من الشدة ٢١٥٠٢

فهـذا حـديث وإن كـان عـن : ، وعقب عليـه قـائال)١/١٥٤(وقعني وأورده ابن القيم يف إعالم امل

غري مسمني فهم أصحاب معاذ ، فال يرضه ذلك ألنه يدل عىل شهرة احلديث ، وأن الـذي حـدث

أن به احلارث بن عمرو عن مجاعة من أصحاب معاذ ال واحد مـنهم ، وهـذا أبلـغ يف الـشهرة مـن

يكون عن واحد منهم لو سمي وشهرة أصحاب معاذ بـالعلم والـدين والفـضل والـصدق ، كيف

؟ وال يعرف يف ال خيفىباملحل الذي ، بل أصحابه كلهم مـن أصحابه متهم وال كذاب وال جمروح

أفاضل املسلمني وخيارهم، ال يشك أهل العلم بالنقـل يف ذلـك، كيـف وشـعبة حامـل لـواء هـذا

رأيت شعبةإذا : ؟ وقد قال بعض أئمة احلديثحلديثا يف إسناد حديث فاشدد يديك به قال أبو .

وقد قيل إن عبادة بن نيس رواه عـن عبـ: بكر اخلطيب اد ، وهـذا إسـند الـرمحن بـن غـنم عـن معـاذ

ن أهـل العلـم قـد نقلـوه واحتجـوا بـه، فوقفنـا بـذلك عـىل ، عـىل أ ورجاله معروفون بالثقةمتصل

هـو «: ـ يف البحـرـ ، وقولـه » ال وصـية لـوارث «: ملسو هيلع هللا ىلص ه، كام وقفنا عىل صحة قولـ صحته عندهم

إذا اختلـف املتبايعـان يف الـثمن والـسلعة قائمـة حتالفـا وتـرادا «: ، وقوله» الطهور ماؤه احلل ميتته

وإن كانـت هـذه األحاديـث ال تثبـت مـن جهـة اإلسـناد ، ،» العاقلـة الدية عـىل « : ، وقوله» البيع

الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلـب اإلسـناد هلـا ، فكـذلك حـديث ولكن ملا تلقتها الكافة عن

معاذ ملا احتجوا به مجيعا غنوا عن طلب اإلسناد له .

ا ا درا إ ٥٤

ومل يتعرض يف احلديث لإلمجاع ألنه مل يكن لـه اعتبـار يف عـرص النبـي «

، دينـــوإنام وجـد يف عـرص اخللفـاء الراش ، وهو عرص نزول الوحي ، ×

، وهلذا كان البد من دليل آخر يدل عىل مرتبـة اإلمجـاع وأنـه قبـل القيـاس

ما رواه البغوي يف مصابيح السنة عـن ميمـون بـن مهـران وهذا الدليل هو

فإن وجد فيه ، نظر يف كتاب اهللا ؛ كان أبو بكر إذا ورد عليه اخلصوم : قال

وإن مل جيد يف كتاب اهللا نظر يف سـنة رسـول اهللا ، ما يقيض به بينهم قىض به

ة وإن أعيـاه أن جيـد يف سـن ، فإن وجد فيها ما يقيض به بينهم قىض بـه ، ×

فـإذا اجتمـع ، فاستـشارهم ، مجع رؤوس الناس وخيـارهم×رسول اهللا

فـإن أعيـاه أن جيـد يف ، وكـان عمـر يفعـل ذلـك ، رأهيم عىل شئ قـىض بـه

فـإن وجـد أبـا بكـر قـىض ، القرآن والسنة نظر هل كان فيه أليب بكر قضاء

وإال دعا رؤوس الناس فإن اجتمعوا عـىل شـئ قـىض ، فيه بقضاء قىض به

ومل يعـرف ، وأقرمها عىل هذا كبار الـصحابة ورؤوس املـسلمني«، )١( »به

. )٢( »بينهم خمالف يف هذا الرتتيب

مبتـدئني باحلـديث عـن ، ولننتقل اآلن إللقاء الضوء عىل تلك املـصادر

التبعية، ثم باحلديث عن املصادر ، املتفق عىل حجيتهااألصلية، أو املصادر

: التايلوعىل النح ، املختلف يف حجيتهاأو

. ٢٤زكي الدين شعبان ص / د. أصول الفقه اإلسالمي )1(

. ٢٢عبد الوهاب خالف ص . علم أصول الفقه )2(

ا در اا

٥٥

ا ام

ا ا، أو ادر

١ اآن ا

ذهب بعـض النـاس إىل أن القـرآن هـو اسـم علـم غـري مـشتق خـاص «

. الشافعي وهو مروي عن، وبه قرأ ابن كثري ، فهو غري مهموز ، بكالم اهللا

قرنت الشئ بالشئ ( وم منهم األشعري إىل أنه مشتق من وذهب ق إذا )

.والصحيح أن ترك اهلمزة من باب التخفيف ، ضممت أحدمها إىل اآلخر

قرأت الـشئ قرآنـا ( القرآن يف األصل مصدر : وقال بعض الفضالء (

ــه ــى مجعت ــه ، بمعن ــى تلوت ــا بمعن ــراءة أو قرآن ــاب ق ــال . أو قــرأت الكت وق

اسم لكل مقروء إذا نكر : القرآن لغة : بعضهم اسم هلذا املنزل : ورشعا .

العريب إذا عرف بالالم فعىل هذا يطلق عىل كل آية ولو قرصت . : وعرفا .

. )١( »فال يطلق إال عىل سورة أو آية مثلها ، اسم هلذا املنزل العريب املعجز

وقد عني األصـوليون بتعريـف القـرآن« ليتبـني مـا جيـوز بـه ، وحتديـده

ــات ) 1( ــسيني . الكلي ــى احل ــن موس ــوب ب ــاء أي ــوي أليب البق ــق د . ٧٢ص . الكف ــدنان /حتقي ع

. م ١٩٩٨هــ ١٤١٩ط الثانية . بريوت . مؤسسة الرسالة . حممد املرصي ، درويش

ا ا درا إ ٥٦

ومــا ال ، ومــا يكــون حجــة يف اســتنباط األحكــام ، الــصالة ومــا ال جيــوز

القرآن هو الكتاب : فقالوا . وما يكفر جاحده وما ال يكفر ، ينهض بذلك

املبدوء بسورة ، املنقول بالتواتر ، باللفظ العريب×املنزل عىل سيدنا حممد

.سورة الناساملختوم ب ، الفاحتة

سواء يف ذلك ؛ وعىل هذا فرتمجة القرآن ال تسمى قرآنا وإنام هي تفسري

وهي التـي مل تنقـل ، وكذلك القراءة الشاذة ، الرتمجة احلرفية وغري احلرفية

، ) فإن اهللا غفور رحـيم » فيهن «فإن فاءوا ( كقراءة ابن مسعود ، بالتواتر

وقراءتـه ، ) مثل ذلك »ي الرحم املحرم ذ«وعىل الوارث ( وقراءته أيضا

. )١( ) » متتابعات « فمن مل جيد فصيام ثالثة أيام(يف كفارة األيامن

وم

أي مفرقـا ، مـنجام×لقد كان نزول القـرآن الكـريم عـىل قلـب النبـي

هـي ، طـوال نحـو ثالثـة وعـرشين عامـا ، باتـــبحسب احلوادث واملناس

. ×التي انقضت بوفاة سيدنا حممد ، فرتة الوحي والرسالة

﴾ 4 3 2 1 0 / . - ,﴿ :قال اهللا تعاىل

]١٠٦:اإلرساء[

: فمعنـاه ، أما قراءة من قرأ بالتخفيف : قال اإلمام ابن كثري يف تفسريه

ثـم نـزل ، امء الـدنياــلناه من اللوح املحفـوظ إىل بيـت العـزة مـن الـســفص

. ٢٠: ١٩ص . حممد عىل السايس . تاريخ الفقه اإلسالمي )1(

ا در اا

٥٧

قالـه ، يف ثـالث وعـرشين سـنة×قا منجام عىل الوقائع إىل رسول اهللا مفر

.عكرمة عن ابن عباس

فرقناه « : وعن ابن عباس أيضا أنه قرأ أي أنزلناه آية آيـة ، ديدــ بالتش»

مبينا مفس أي لتبلغه للناس وتتلـوه ، » لتقرأه عىل الناس « : وهلذا قال ، راــ

مكث عىل« ، عليهم شـيئا بعـد : أي» ونزلنـاه تنـزيال « . عىل مهل : أي»

. )١( شئ

ولقد بني اهللا تعاىل بعض احلكم من هذا األمر يف ــفقال سبحانه ،

Á﴿ : معرض الرد عىل الكفار الذين اعرتضوا وتدخلوا فيام ال يعنيهم

Â Ã Ä Å Æ Ç È ÊÉ Ë Ì Í ÏÎ Ð

Ñ ﴾ ]٣٢:الفرقان. [

فكان من حك ، وإيناسـه × تثبيت قلـب النبـي : م تنزيل القرآن منجام

ــه ــؤمنني مع ــو وامل ــع ، ه ــام يقط ــالمية ب ــدعوة اإلس ــصوم ال ــىل خ ــرد ع وال

.ويبطل اعرتاضاهتم ، حججهم

وكذلك فـإن نـزول القـرآن الكـريم مـنجام كـان يتمـشى مـع خصيـصة

إذ لـو نـزل ، المالتي أخذ اهللا هبا عباده يف صدر اإلسـ ، التدرج يف الترشيع

األمر ، لتقرر احلالل واحلرام وسائر الترشيعات مجلة ؛ القرآن مجلة واحدة

، الــذي لــو حــدث لــشق عــىل النــاس الــذين كــانوا قريبــي عهــد باجلاهليــة

. م١٩٩١هــ ١٤١١ط األوىل . لقاهرة ا. دار الغد العريب ،٣/٦٩ تفسري القرآن العظيم )1(

ا ا درا إ ٥٨

كــام ، كهم بتلــك التــرشيعاتــوعــوق التــزامهم ومتــس ، ولــصعب علــيهم

أشارت إىل هذا أم املـؤمنني عائـشة ريض اهللا عنهـ إنـام نـزل « : إذ قالـت ، ا

حتـى إذا ، فيهـا ذكـر اجلنـة والنـار ، )١( أول ما نزل منه سورة من املفـصل

ال « : ولـو نـزل أول يشء ، ثاب الناس إىل اإلسـالم نـزل احلـالل واحلـرام

: لقـالوا» التزنـوا «: ولو نزل ، ال ندع اخلمر أبدا : لقالوا، »ترشبوا اخلمر

. )٢( »ال ندع الزنا أبدا

كام أن نـزول القـرآن مـنجام كـان عـامال مـن عوامـل تـسهيل حفظـه يف

. ×يف عهد الرسول ، الصدور عىل املسلمني

املفصل ٤. املثاين ٣. املئني ٢. الطوال ١: ن أقسام أربعة سور القرآ)1( .

سبع : فالطوال والـسابعة ، واألعـراف ، واألنعام ، واملائدة ، والنساء ، وآل عمران ، البقرة :

. هي يونس : وقيل ، قيل هي األنفال وبراءة معا لعدم الفصل بينهام بالبسملة

. ا عىل مائة أو تقارهبا التي تزيد آياهت: واملئون

سميت بذلك ألهنا تثني يف القراءة وتكـرر أكثـر مـن ، هي التي تليها يف عدد اآليات : واملثاين

. الطوال واملئني

. وقيـل غـري ذلـك ، من أول سـورة احلجـرات : وقيل » ق «من أول سورة : قيل : واملفصل

أو احلجــرات إىل عــم أو » ق«مــن : والــه فط. وقــصاره ، طوالــه وأوســاطه : وأقــسامه ثالثــة

وقصاره من الـضحى أو مل ، من عم أو الربوج إىل الضحى أو إىل مل يكن : وأوساطه ، الربوج

وتــسميته باملفــصل لكثــرة الفــصل بــني ســوره . يكــن إىل آخــر القــرآن عــىل خــالف يف ذلــك

. مؤسـسة الرسـالة .١٤٦ :١٤٥ ص. منـاع القطـان . مباحـث يف علـوم القـرآن . بالبسملة

. م ١٩٩٩هــ ١٤٢٠ط الثانية . بريوت

) . ترقيم البغا ( ٤٧٠٧رقم . رواه البخاري يف ك فضائل القرآن ب تأليف القرآن )2(

ا در اا

٥٩

وإ ا

فقــد بلغــه جربيــل عليــه ، ولقــد وصــل القــرآن الكــريم إلينــا بــالتواتر

نوات الـوحي خـالل سـ ، ×السالم عن رب العزة جل يف عاله إىل النبي

وحفظه عنه النبي ، والرسالة ثـم عرضـه عليـه قبـل أن يلحـق ، كـامال×

ثـم حفظـه عـن النبـي ، بالرفيق األعـىل مجـع غفـري مـن الـصحابة× ثـم ،

حفظه عـنهم خلـق كثـري مـن التـابعني أخـذوه عـن الـصحابة كـامال عـن ،

وعـن ، ه مكتوبـا يف املـصاحفباإلضـافة إيل كونـ ، طريق التلقي والتلقـني

وهكذا يف كل عـرص مـن العـصور إىل يومنـا ، التابعني أخذه أتباع التابعني

بل وصل إلينا مدونا ، مل يصلنا حمفوظا فقط ، هذا وكـذلك بـالتلقي عـن ،

. احلفاظ واملقرئني جيال بعد جيل

ت يف وإىل يومنا هذا ال يزال يوجد أنـاس كثـريون قـد اختـصوا بإجـازا

وهـذا أمـر ، ×القراءات القرآنية بالسند الصحيح املتـصل إىل رسـول اهللا

ال نظري له يف أية أمة مـن األمـمومل يتـوفر لكتـاب مـن الكتـب الدينيـة أو ،

فــإن اهللا تعـاىل قــد ؛ وال عجـب ، وكــر الـدهور ، غريهـا عـىل مــر العـصور

g h i j﴿ : هفقال جل شـأن ، ظ كتابه القرآن الكريمــتكفل بحف

k l m ﴾ ]٩:احلجر [.

ا ا

معجــزة اإلســالم اخلالــدةــــ وال يــزال ــــولقــد كــان القــرآن ومرجــع ،

ا ا درا إ ٦٠

الرشيعة األعظممن استمسك به نال احليـاة ، واهلادي إىل السبيل األقوم ،

1 0 /﴿ :عـاىلقـال ت ، الطيبة والـسعادة احلقـة يف الـدنيا واآلخـرة

.]٩:اإلرساء[ ﴾ 5 4 3 2

À Á Â Ã Ä Å Æ Ç ¿ ¾ ½﴿ :وقـــال ســـبحانه

È É Ê Ë Ì ﴾ ]١٢٤ ، ١٢٣:طه[.

ضمن اهللا تعاىل ملن قرأ القـرآن وعمـل : قال ابن عباس ريض اهللا عنهام

. )١(وتال اآلية . قى يف اآلخرةــوال يش ، بام فيه أن ال يضل يف الدنيا

، احلكيمة ن كل ما حتتاجه البرشية من جوانب الترشيعولقد حوى القرآ

ـــان ــالتــي تتــيح لبنــى اإلنــس ـــ يف ظلهــا ـ ــاة الراشــدةـ ــوا احلي وأن ، أن حيي

ففيه ما يلبـي كـل حاجـات ، والعز والسعادة ، يتسنموا ذرا املجد والفالح

، والعقليـة والوجدانيـة ، ويفي بجميع مطالبه الروحيـة واملاديـة ، اإلنسان

. الفردية واجلامعيةو

ــرآن ــرشيعات الق ــل ت ــسلمون األوائ ــق امل ــد طب ــه ، ولق ــوا هدي ، واتبع

حيـث أنـشأهم ، فكان أثـر ذلـك فـيهم قويـا وواضـحا ، واعتصموا بحبله

واسـتنقذهم مـن الـضاللة إىل ، وسام هبم مـن الثـرى إىل الثريـا ، خلقا آخر

. غنمبعد أن كانوا رعاة ، وجعلهم قادة األمم ، اهلداية

. طبعة دار الكتب املرصية . ١/٩ اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي )1(

ا در اا

٦١

وهــي ، لــذلك نقــول إن رشيعــة القــرآن هــي أقــوى وجــوه اإلعجــاز«

وهي قائمة إىل اليوم حجة عـىل العـريب ، الدالة عىل إعجازه إىل يوم القيامة

، ومـن ال يعرفـه ، ال يفرتق يف قبوهلا من يعرف لسان القرآن ، واألعجمي

R S T U﴿ :وهي شفاء ألسقام املجتمعات كام قـال سـبحانه

V W X Y Z [ \ ] _ ﴾ ]٥٧:يونس [.

فقــد« ؛ وباســتثناء األحكــام اخلاصــة بالعقائــد والعبــادات واألخــالق

امالت بحسب ما تتعلق به وما يقـصد هبـا إىل األنـواع ــتنوعت أحكام املع

:اآلتية

وهـي التـي تتعلـق بـاألرسة مـن بـدء ، أحكام األحـوال الشخـصيةــ١

.قة الزوجني واألقارب بعضهم ببعضويقصد هبا تنظيم عال ، تكوهنا

ادالهتم ـــوهي التي تتعلق بمعامالت األفراد ومب ، األحكام املدنيةــ٢

ويقـصد ، من بيع وإجارة ورهن وكفالة ورشكة ومداينـة ووفـاء بـااللتزام

. هبا تنظيم عالقات األفراد املالية وحفظ حق كل ذي حق

بام يصدر عن املكلف من جرائم وهي التي تتعلق، األحكام اجلنائيةــ٣

ويقـصد هبـا حفـظ حيـاة النـاس وأمـواهلم ، وما يستحقه عليها مـن عقوبـة

.وأعراضهم وحقوقهم وحتديد عالقة املجني عليه باجلاين وباألمة

، وهي التـي تتعلـق بالقـضاء والـشهادة واليمـني، أحكام املرافعاتــ٤

ا ا درا إ ٦٢

. الناسويقصد هبا تنظيم اإلجراءات لتحقيق العدل بني

، وهـي التـي تتعلـق بنظـام احلكـم وأصـوله ، األحكـام الدسـتوريةــ٥

وتقرير ما لألفـراد واجلامعـات ، ويقصد هبا حتديد عالقة احلاكم باملحكوم

.من حقوق

وهـي التـي تتعلـق بمعاملـة الدولـة اإلسـالمية ، األحكـام الدوليـةــ٦

ويقـصد ، دولة اإلسالميةوبمعاملة غري املسلمني يف ال ، لغريها من الدول

، هبا حتديد عالقة الدولة اإلسالمية بغريها من الدول يف السلم ويف احلرب

.وحتديد عالقة املسلمني بغريهم يف بالد الدول اإلسالمية

ـــ٧ وهــي التــي تتعلــق بحــق الــسائل ، األحكــام االقتــصادية واملاليــةـ

ويقـصد هبـا تنظـيم ، وتنظـيم املـوارد واملـصارف ، واملحروم يف مال الغني

. )١( » وبني الدولة واألفراد ، العالقات املالية بني األغنياء والفقراء

دا

ال ريـب يف هـذا وال خـالف ـــوإذا كان القرآن الكريم قطعي الثبـوت

فـإن داللتـه عـىل األحكـام قـد تكـون ؛ وله إلينـاـــحيـث تـواتر وص ، ــفيه

. وقد تكون ظنية احتاملية ، قطعية

دون ، أو حكــم بعينــه ، فمثــال القطعــي الــذي يــدل عــىل معنــى بذاتــه

. باختصار ٣٣: ٣٢ص . عبد الوهاب خالف . أصول الفقه ـ1

ا در اا

٦٣

Ü Ý Þ﴿ :قوله تعاىل ، أو حكم مغاير ، احتامل الداللة عىل معنى آخر

ß à á ﴾ ]١٩:حممد[.

� ~ { | } u v w x y z﴿ :وقوله سبحانه

¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § ¨ © ª ¬« ® ¯ °

± ² ³ µ ¶ ﴾ ]٢٧٩ ، ٢٧٨:البقرة [.

.] ٢٧٥:ةالبقر[ ﴾ ;> : 9 8 7﴿ :وقوله سبحانه

﴾ Ø Ù Ú Û Ü Ý Þ àß á â äã﴿ :وقوله عز وجل

]١٩٦:البقرة[

? < = > :; 9 8﴿ :وقولـــه جـــل وعـــال

A@ ﴾ ]٢٨٣:البقرة[.

أو عـىل غـري ، ومثال الظني الذي حيتمـل الداللـة عـىل أكثـر مـن معنـى

﴾ H I J K ML﴿ :ىلقوله تعا ؛ حكم

]٢٢٨:البقرة[

هــذه اآليــة مــن أشــكل آيــة يف كتــاب اهللا تعــاىل مــن : قــال ابــن العــريب

ــام ــالم ، األحك ــامء اإلس ــا عل ــردد فيه ت ــديام ، ــصحابة ق ــا ال ــف فيه واختل

ولو شاء ربك لبني طريقها وأوضح حتقيقهـا ، وحديثا ولكنـه وكـل درك ،

ليظهر فضل املعرفة يف الدرجات املوعود بالرفع ، البيان إىل اجتهاد العلامء

ا ا درا إ ٦٤

وقد أطال اخللق فيها النفس ؛ هبا وال حلـوا عقـدة ، فام استضاءوا بقـبس ،

اجللس )١( .

هـي : فقال أهـل الكوفـة ؛ واختلف العلامء يف األقراء : وقال القرطبي

قتـادة وهو قول عمر وعيل وابـن مـسعود وأيب موسـى وجماهـد و ، احليض

والضحاك وعكرمة والسدي وهـو ؛ هـي األطهـار : وقـال أهـل احلجـاز .

قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثامن والـشافعي

)٢( .

يف املراد بالقروء يف ــ رمحهم اهللا تعاىل ــوهكذا اختلف األئمة والفقهاء

ار كاإلمام مالك واإلمـام فبعضهم ذهب إىل أهنا ثالثة أطه ، اآلية الكريمة

، وبعـضهم ذهـب إىل أهنـا ثـالث حيـضات كاإلمـام أيب حنيفـة ، الشافعي

وقد رام كال ، فروي عنه هذا وذاك ، وقد اختلفت الرواية عن اإلمام أمحد

، الفريقني أن يدلل عىل أن اسم القرء يف اآليـة ظـاهر يف املعنـى الـذي يـراه

. )٣( ستعراضهاال جمال هنا ال ، وهلم عىل ذلك أدلة

. بريوت . دار الكتب العلمية . ١/٢٥١ أحكام القرآن البن العريب املالكي )1(

واجللــس ) : مــادة جلــس ( وقــد جــاء يف لــسان العــرب الــصخرة العظيمــة الــشديدة ، ويف :

اجللس ) : نفس املادة ( املعجم الوسيط وتعبري ابن . الغليظ واملرتفع والطويل من كل يشء :

. فيه إشارة إىل معضالت املسائل وصعاهبا واملعقد منها ) لس عقدة اجل( العريب بــ

. ط دار الكتب املرصية . ٣/١١٣للقرطبي . اجلامع ألحكام القرآن )2(

. دار الفكر ، ٦٨: ٢/٦٧البن رشد القرطبي . راجع بداية املجتهد وهناية املقتصد )3(

ا در اا

٦٥

أا آنو

ــذا ــه « ؛ ه ــني أن أحكام ــرآن يتب ــام يف الق ــات األحك ــتقرأ آي ــن اس وم

، تفصيلية يف العبادات وما يلحق هبـا مـن األحـوال الشخـصية واملواريـث

وال يتطـور بتطـور ، ألن أكثر أحكام هذا النوع تعبدي وال جمال للعقل فيه

وأما فيام عدا العبادات واألحوال الشخصية من األحكام املدنيـة ، اتالبيئ

فأحكامه فيهـا قواعـد عامـة ؛ واجلنائية والدستورية والدولية واالقتصادية

ألن ، ومل يتعرض فيهـا لتفـصيالت جزئيـة إال يف النـادر ، ومبادئ أساسية

يهـا عـىل فاقتـرص القـرآن ف ، هذه األحكام تتطور بتطور البيئات واملـصالح

ر يف ــليكـون والة األمـر يف كـل عـص ، القواعد العامة واملبـادئ األساسـية

سعة مـن أن يفـصلوا قـوانينهم فيهـا حـسب مـصاحلهم يف حـدود أسـس ،

. )١( »القرآن من غري اصطدام بحكم جزئي فيه

ولذلك فإنه ال ينبغي عند النظـر يف القـرآن واالسـتنباط منـه االقتـصار

وفيه أمور ، ألنه إذا كان كليا ، نظر يف رشحه وبيانه وهو السنةعليه دون ال

وبعـد ، فـال حمـيص عـن النظـر يف بيانـهـــ كام أرشنـا ــوقواعد عامة ، كلية

فإهنم أعـرف بـه ، ذلك ينظر يف تفسري السلف الصالح له إن أعوزته السنة

. من غريهم

. ٢١٧ ٢١٦/ ٣املوافقات : ويراجع . ٣٤ ـ٣٣خالف ص . علم أصول الفقه )1(

ا ا درا إ ٦٦

٢ ا

عـىل صـاحبها أكمـل الـصالة ، النبوية املرشفةواملصدر الثاين هو السنة

.وأتم التسليم

وهـي «، )١( »الطريقـة ولـو غـري مرضـية : والسنة بالضم والتـشديد «

من قولك سننت املاء عـىل « ، )٢( »سريته : وسنة رسول اهللا ، السرية

وسن عليه الدرع ، صببته : أي ، وجهي كأن سالك الطريق ، صبها : أي،

ينصب عليها انصباب املاء « )٣( .

من قـول أو فعـل أو ×ما أثر عن النبي : وهي يف اصطالح املحدثني «

تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو سرية ، سواء كان قبل البعثـة أو بعـدها ،

. وهي هبذا ترادف احلديث عند بعضهم

ما نقل عـن النبـي : األصولينيويف اصطالح مـن قـول أو فعـل أو ×

.تقرير

مـن غـري افـرتاض وال ×مـا ثبـت عـن النبـي : ويف اصطالح الفقهـاء

وقــد تطلــق ، وتقابــل الواجــب وغــريه مــن األحكــام اخلمــسة ، وجــوب

. ٤٩٧ص ، أليب البقاء أيوب بن موسى احلسيني الكفوي ، الكليات )1(

. ١/٥٥٠ معجم مقاييس اللغة )2(

. ٢/٦٠للطويف . رشح خمترص الروضة )3(

ا در اا

٦٧

طـالق الـسنة كـذا وطـالق : ومنـه قـوهلم ، عندهم عـىل مـا يقابـل البدعـة

. )١( » البدعة كذا

. والذي يعنينا هنا هو السنة يف اصطالح األصوليني

هـو مـا نقـل عـن الـصحابة أو ؛ ويضيف إليها اإلمام الشاطبي أمرا آخر

:ويــستدل عــىل هــذا اإلطــالق األخــري بحــديث، اخللفــاء ريض اهللا عــنهم

. )٢( »دين املهدينيــعليكم بسنتي وسنة اخللفاء الراش«

، وفعلـه ، ×قوله : ة أمورــىل أربعوهكذا فهو يقرر أن السنة تطلق ع

. )٣( تم ما جاء عن الصحابة واخللفاء ، وتقريره

ويذهب أحـد علـامء األصـول إىل أن للـسنة عرفـا خاصـا يف اصـطالح

وعرفـا رشعيـا ، قوال أو فعـال أو تقريـرا×وهو املنقول عن النبي ، العلامء

، والتـابعني ابةأو عن السلف مـن الـصح ، ×عاما وهو ما نقل عن النبي

. باختــصار ٤٨ :٤٧ ص ،مــصطفى الــسباعي/د. الــسنة ومكانتهــا يف التــرشيع اإلســالمي )1(

. م ١٩٧٨هــ ١٣٩٨ط الثانية . بريوت . املكتب اإلسالمي

، والرتمـذي يف ك ٤٦٠٧ رقـم ٣٩٨ :٢/٣٩٧ رواه أبو داود يف ك الـسنة ب يف لـزوم الـسنة )2(

حـسن : وقـال الرتمـذي . ٢٦٨٥ رقم ٤/٣٠٨العلم ب ما جاء يف األخذ بالسنة واجتناب البدع

، ٤٢ رقـم ١٦ :١/١٥ملهـديني صحيح ، وابن ماجه يف املقدمة ب اتباع سـنة اخللفـاء الراشـدين ا

، والـدارمي يف مقدمـة سـننه ب اتبـاع ١٦٦٩٥ و ١٦٦٩٤ رقـم ١١٠ ـ ٥/١٠٩وأمحـد يف املـسند

.كلهم من رواية العرباض بن سارية . ١/٩٧ ، واحلاكم يف املستدرك ٩٥م رق١/٥٧السنة

. ، باختصار وترصف ٣ ـ٤/٢ املوافقات )3(

ا ا درا إ ٦٨

. )١( وغريهم من األئمة املقتدى هبم

، القوليـة الكثـرية×أحاديثـه ؛ مـن قـول×ومثال مـا نقـل عـن النبـي

فمـن كانـت ، وإنام لكل امرئ مـا نـوى ، إنام األعامل بالنيات «: ×كقوله

ومن كانت هجرته لـدنيا ، هجرته إىل اهللا ورسوله فهجرته إىل اهللا ورسوله

. )٢ (» فهجرته إىل ما هاجر إليه ، مرأة ينكحهايصيبها أو ا

. )٣( » من لطم مملوكه أو رضبه فكفارته أن يعتقه « : ×وقوله

؛ فـإن صـدقا وبينـا ، البيعـان باخليـار مـا مل يتفرقـا «: وقوله عليه السالم

وإن كتام وكذبا حمقت بركة ، بورك هلام يف بيعهام . )٤( » بيعهام

. بترصف ٦٤ ـ ٢/٦٣ رشح خمترص الروضة )1(

، فـتح البـاري ملسو هيلع هللا ىلص رواه البخاري يف ك بدء الوحي ب كيـف كـان بـدء الـوحي إىل رسـول اهللا )2(

. إنـام األعـامل بالنيـة ملسو هيلع هللا ىلصويف غريه مـن املواضـع ، ومـسلم يف ك اإلمـارة ب قولـه . ١ رقم ١/١٥

ه ، وأبــو داود يف ك الطــالق ب يف مــا عنــي بــ١٩٠٧ رقــم ٥٤ ـ٥٣/ ١٣مــسلم بــرشح النــووي

، والرتمـذي يف ك فـضائل اجلهـاد ب مـا جـاء فـيمن يقاتـل ٢٢٠١ رقم ١/٥٠٧ق والنيات الطال

، ٤٢٢٧رقــم ١٤ ـ ٢/١٣ ك الزهــد ب النيــة ، وابــن ماجــه يف١٦٥٣ رقــم ٢٤٤ ـــ٣/٢٤٣ريــاء

. اخلطاب ، كلهم من رواية عمر بن١٦٩ رقم ١/٤٣وأمحد يف املسند

رقـم ١٢٧ ــ١١/١٢٦مـسلم بـرشح النـووي رواه مسلم يف ك اإليـامن ب صـحبة املامليـك ، )3(

. ٥٢٤٤ رقم ١٦٧ وص ٥٠٣١ رقم ٢/١٣٨عن ابن عمر ، وأمحد يف املسند ١٦٥٧

رواه البخاري يف ك البيوع ب إذا بني البيعان ومل يكـتام )4( . ٢٠٧٩ رقـم ٤/٣٦٢فـتح البـاري .

مـسلم بـرشح . عني ويف غريه من املواضع ، ومسلم يف ك البيـوع ب ثبـوت خيـار املجلـس للمتبـاي

. عن حكيم بن حزام . ١٥٣٢ رقم ١٧٦ ـ١٠/١٧٥النووي

ا در اا

٦٩

العمليـة ×أفعالـه وتـرصفاته ؛ مـن فعـل×نقل عن النبـي ومثال ما

، كـصالته ، ومـا شـاهده الـصحابة منـه عليـه الـصالة والـسالم ، املختلفة

كـان جيمـع بـني : أنـه×مثـل مـا جـاء عنـه ، وجهـاده ، وقـضائه ، وحجه

. )١(الصالتني يف السفر

، هوعـال صـوت ، كـان إذا خطـب امحـرت عينـاه : أنـه×وما جاء عنـه

. )٢(حتى كأنه منذر جيش ، واشتد غضبه

قىض بالشفعة فيام مل يقسم ×وما جاء من أنه )٣( .

أنـه كـان حيـب التـيمن يف تنع×وما ثبت عنه ، هـورهوط، لـهوترج، لـه

الصالة يف السفر ثابتة يف كتب السنة ، ومنها ــ عىل سـبيل املثـال ـــ مـا ملسو هيلع هللا ىلص أحاديث مجع النبي )1(

رواه البخاري يف ك تقصري الصالة ب اجلمع يف السفر بني املغرب والعشاء ، وقـد أورد فيـه ثالثـة

، ١١٠٦ أحاديـث رقـم ٢/٦٧٥تح البـاري ابن عمر وابن عبـاس وأنـس ، راجـع فـأحاديث عن

، ويف غــريه مــن املواضــع ، ومــسلم يف ك صــالة املــسافرين ب جــواز اجلمــع بــني ١١٠٨ ، ١١٠٧

، ٧٠٥ ، ٧٠٤ ، ٧٠٣ ومــا بعــدها ، أحاديــث رقــم ٥/٢١٢الــصالتني يف الــسفر ، رشح النــووي

. ، بروايات متعددة ٧٠٦

، والنـسائي يف ك ٨٦٧ رقـم ١٥٤ ــ٦/١٥٣مسلم برشح النـووي . سلم يف ك اجلمعة رواه م)2(

، ١٤٢١٩ رقـم ٢٩٤ــ٤/٢٩٣د يف املـسند ، وأمحـ١٨٩ ــ٣/١٨٨ العيدين ب كيف اخلطبة صالة

.من رواية جابر

، ٢٢٥٧ رقــم ٤/٥٠٩فــتح البــاري . رواه البخــاري يف ك الــشفعة ب الــشفعة فــيام مل يقــسم )3(

. من حديث جابر . ١٦٠٨ رقم ٤٦ ـ ١١/٤٥رشح النووي ملساقاة ب الشفعة، ومسلم يف ك ا

ا ا درا إ ٧٠

. )١(ويف شأنه كله

. )٢( كان القرآن ×ه لقوما جاء أن خ

ت كلها ترشيعا يلزم التأيس ليس×عىل أن األفعال الصادرة عن النبي

مـن ×ولـذا جعـل العلـامء أفعـال النبـي ، به عليه الـصالة والـسالم فيهـا

: حيث مرشوعية اإلقتداء به عليه السالم فيها من عدمه عىل أنواع

كـالنوم ، بحكم الطبيعة أو اجلبلـة البـرشية×فمنها أفعال صادرة عنه

فإنه ال يعـد تـرشيعا ، و ذلكواألكل والرشب ونح ، واالستيقاظ والقعود

عـىل ×إال إذا فعلهـا النبـي ، ×وإنام تدل عىل اإلباحة له وألمته ، لألمة

ونحـو . . . وأكلـه بـاليمني ، كنومه عـىل اجلانـب األيمـن ، هيئة خمصوصة

. فيكون سنة أي مستحبا ، ذلك

، ريع وبيــان األحكــامــ عــىل جهــة التــش×ومنهــا أفعــال صــادرة عنــه

٣٢٤ ـ١/٣٢٣ رواه البخاري يف ك الوضوء ب التـيمن يف الوضـوء والغـسل ، فـتح البـاري )1(

رقـم ١/٦٢٣فـتح البـاري . ، ويف ك الصالة ب التيمن يف دخـول املـسجد وغـريه ١٦٧رقم

٣/١٦٠رشح النـووي . ك الطهـارة ب االسـتطابة ويف غريه من املواضع ، ومـسلم يف ٤٢٦

. ، من رواية عائشة ٢٦٨رقم

، ٧٤٦ رقـم ٢٧ ـ٦/٢٥ رواه مسلم يف ك صالة املـسافرين ب صـالة الليـل ، رشح النـووي )2(

، وأمحــد يف املــسند ١٣٤٢ رقــم ٣١٤ ـ ١/٣١٣وأبــو داود يف ك الــصالة ب يف صــالة الليــل

ـ ١/٤١٠ ملسو هيلع هللا ىلص ك الصالة ب صفة صالة رسول اهللا ، والدارمي يف٢٣٧٤٨ رقم ٨١ ـ ٧/٨٠

. ، من حديث عائشة ١٤٧٥ رقم ٤١١

ا در اا

٧١

كحج فإنـه ممـا ، وبيعه ونحو ذلـك ممـا يتـصل ببيـان الـرشيعة ، وصالته ، ه

يقتدى به عليه الصالة والسالم فيها . ويكون ترشيعا لألمة ،

، ومنها أفعال قـام الـدليل عـىل أهنـا خاصـة بـه عليـه الـصالة والـسالم

وعـدم جـواز ، والوصـال يف الـصوم ، كاجلمع بني أكثر من أربع زوجـات

فهذا ما ال جيوز التـأيس بـه عليـه الـصالة ، وغري ذلك ، لصدقةاألكل من ا

.إذ إنه ليس ترشيعا لألمة ، والسالم فيه

وهنــاك كتــب ، وقــد تكفلــت كتــب األصــول بالبحــث يف هــذه املــسألة

. )١( فلريجع إليها من يشاء ، صنفت فيها خاصة

به مـن يـصدر عـن أصـحا×فمثالـه سـائر مـا رآه النبـي ؛ وأما التقرير

ومل ، ثــم أقــرهم عليهــا ، وكــذلك مــا بلغــه عــن أحــدهم ، أقــوال وأفعــال

.وله شواهد كثرية ، ينكرها عليهم

احتلمـت يف ليلـة شـديدة : قـال ، منها مـا رواه عمـرو بـن العـاص

فأشـفقت إن اغتـسلت أن أهلـك ، الربودة ثـم صـليت بأصـحايب صـالة ،

يــا « : فقـال ، ذكـروا ذلــك لـه ، × فلـام قـدمنا عــىل رسـول اهللا ، بحــالـص

ذكرت قـول اهللا عـز : فقلت . » ؟صليت بأصحابك وأنت جنب ، عمرو

ت مفتيم، ]٢٩:النساء[ ﴾ I J LK M N O P Q﴿ :وجل

حممـد . د، وداللتهـا عـىل األحكـام الـرشعيةملسو هيلع هللا ىلصأفعـال الرسـول : منها ــ عىل سـبيل املثـال ـــ )1(

. بريوت -مؤسسة الرسالة . سليامن األشقر

ا ا درا إ ٧٢

. )١( ومل يقل شيئا ×فضحك رسول اهللا . ثم صليت

، بسبب شـدة الـربودة ، للتيمم مع وجود املاء×فكان هذا إقرارا منه

واخلوف من حصول الـرضر الـذي قـد يقـع مـن جـراء اسـتعامل هـذا املـاء

. البارد

بـامرأة تبكـي عنـد × النبـي رمـ : قالومنها ما رواه أنس بن مالك

فإنـك مل تـصب ؛ إليـك عنـي : فقالت ، » اتقي اهللا واصربي « : فقال ، قرب

فلم ، ×ت باب النبي فأت ! ×إنه النبي : فقيل هلا؛ ومل تعرفه ــبمصيبتي

إنـام الـصرب عنـد الـصدمة « : فقـال ، فقالـت مل أعرفـك ، جتد عنـده بـوابني

. )٢( »األوىل

حيـث مل ، للمـرأة بـاخلروج لزيـارة املقـابر×ففي هذا إقرار من النبي

ـــوإنام كان كل ما صدر منه عليـه الـصالة والـسالم متعلقـا ، اــينكر عليه

ولـو كـان ، وهـو الـصرب وعـدم اجلـزع ، بـآداب الزيـارة بام له صـلةــفقط

ـــبـأن قـال هلـا ، ولنهاهـا ، ذهاهبا للقبور حراما ملا أقرها عىل مبـدأ الزيـارة

، ولكن هـذا مل حيـدث منـه عليـه الـصالة والـسالم ، )وال تعودي ( : مثال

أيتـيمم د الـربب رواه أبو داود يف ك الطهارة ب إذا خـاف اجلنـ)1( ، وأمحـد يف ٣٣٤ رقـم ١/٩٣

صــحيح عــىل رشط : وقــال١/١٧٧ ، واحلــاكم يف املــستدرك ١٧٣٥٦ رقــم ٥/٢٣١مـسنده

. الشيخني ، ووافقه الذهبي

، ومـسلم يف ك ١٢٨٣رقم ٣/١٧٧فتح الباري . قبور رواه البخاري يف ك اجلنائز ب زيارة ال)2(

. ٩٢٦ رقم ٢٢٨ ـ٦/٢٢٧اجلنائز ، رشح النووي

ا در اا

٧٣

. وحجة يف مرشوعية زيارة القبور للنساء ، فكان إقرارا

×إن رسـول اهللا : مـا روتـه عائـشة ريض اهللا عنهـا قالـتومنها أيضا

تـري أن جمـززا نظـر أمل « : فقـال ، دخل عيل مرسورا تـربق أسـارير وجهـه

إن هـذه األقـدام بعـضها مـن : فقـال آنفا إىل زيد بن حارثة وأسامة بن زيـد

. )١( »بعض

عـىل حجيـة ـ إىل يومنـا هـذا ـلـصحابة ولقد أمجع املسلمون منذ عـرص ا

وأهنا مصدر أصيل من مصادر الترشيع بعد كتـاب اهللا تعـاىل ، السنة النبوية

)٢( .

مــن بعــض املــشاغبني عــىل الــسنة ، وال اعتبــار بــام خيــالف هــذا اإلمجــاع

.)قرآنيون ( بزعم أهنم ، املطهرة

ــسنة ــة ال ــات حجي ــديثا يف إثب ــديام وح ــامء ق ــاض العل ــد أف ــةولق ، النبوي

ومن هـؤالء ، ووجوب الرجوع إليها يف االستدالل عىل األحكام الرشعية

واإلمــام الــشاطبي يف ، » الرســالة «عــىل ســبيل املثــال اإلمــام الــشافعي يف

الــسنة « :ومــن الكتابــات احلديثــة يف هــذا الــشأن كتــاب، »املوافقــات«

ــائف )1( ــرائض ب الق ــاري . رواه البخــاري يف ك الف ــتح الب ــم ٢١/٥٧ف ، ٦٧٧١ و ٦٧٧٠ رق

. ١٤٥٩رقم ٤١ـ ١٠/٤٠ومسلم يف ك الرضاع ب العمل بإحلاق القائف الولد ، رشح النووي

. بترصف ٢٣٨للخرضي ص . أصول الفقه )2(

ا ا درا إ ٧٤

وغــري ، »مــصطفى الــسباعي«لــدكتور ل »ومكانتهــا يف التــرشيع اإلســالمي

واألدلة القاطعة عىل ، باحلجج الدامغةالزاخرة ذلك من الكتابات العديدة

.حجية السنة املرشفة

ــشاطبي ــام ال ــال اإلم ــاب : ق ــا إىل الكت ــة يف معناه ــسنة راجع ــي ، ال فه

وهو ، وذلك ألهنا بيان له ، وبسط خمترصه ، وبيان مشكله ، تفصيل جممله

﴾ > ; : 9 8 7 6 5﴿ : الذي دل عليه قوله تعاىل

]٤٤:النحل[

فال جتـد يف الـسنة أمـرا إال والقـرآن قـد دل عـىل معنـاه داللـة إمجاليـة أو

. )١( تفصيلية

وضع اهللا رسوله من دينه وفرضه وكتابه املوضع : وقال اإلمام الشافعي

الذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علام لدينه وحـرم ، هبام افـرتض مـن طاعتـ ،

،بام قرن من اإليامن برسوله مع اإليـامن بـه، وأبان من فضيلته، من معصيته

+ * ( ) ' & % $ # " ! ﴿ :فقــــال تعــــاىل

.] ٦٢:النور[ ﴾ 10 / . - ,

فجعل كامل ابتداء اإليامن الذي ما سواه تبع له اإليامن باهللا ثم برسـوله:

×.

حتـى ، ع عليه اسم كامل اإليامن أبـدافلو آمن عبد ومل يؤمن برسوله مل يق

. ٤/٦ املوافقات )1(

ا در اا

٧٥

.من برسوله معهيؤ

ففــرض اهللا عــىل النــاس اتبــاع وحيــه وســنن رســوله :فقــال يف كتابــه ،

﴿JI H G F E D C B A @ ? > ﴾ ]٢٣١:البقرة[

﴾f e d c b kj i h g﴿ :وقال

]٣٤:األحزاب[

فسمعت ، وذكر احلكمة ، ذكر اهللا الكتاب وهو القرآن مـن أرىض مـن

سنة رسول اهللا: احلكمة : أهل العلم بالقرآن يقول )١( .

ومــا ســن رســول اهللا فــيام لــيس هللا فيــه حكــم فــبحكم اهللا ســ: وقــال ، نه

﴾ @ ? * = > ; : 9﴿ :وكــذلك أخربنــا اهللا يف قولــه

.]٥٣ ، ٥٢:الشورى[

وقد سن رسول اهللا مع كتاب اهللا .يس فيه بعينه نص كتابوسن فيام ل،

ويف العنـود ، وجعل يف اتباعـه طاعتـه ، كل ما سن فقد ألزمنا اهللا اتباعه

ومل جيعل له مـن اتبـاع سـنن ، معصيته التي مل يعذر هبا خلقا )٢(عن اتباعها

ملا وصفت ، رسول اهللا خمرجا .وملا قال رسول اهللا،

سمع عبيد أنه ، مر بن عبيد اهللاأخربنا سفيان عن سامل أبو النرض موىل ع

أمحـد حممـد حتقيـق . وما بعدها باختـصار٧٣ص . الشافعي لإلمام حممد بن إدريس، الرسالة)1(

. شاكر

هكـذا يف األصـل ، وتأنيـث الـضمري عـىل إرادة الـسنن : ال حمقق الرسالة الشيخ أمحد شـاكر ق)2(

. هامش ٨٨الرسالة ص . التي ألزمنا اهللا اتباعها

ا ا درا إ ٧٦

ال ألفني أحـدكم «: الــ ق×اهللا بن أيب رافع حيدث عن أبيه أن رسول اهللا

متكئا عىل أريكته يأتيه األمر من أمري مما أمرت به أو هنيت عنه فيقول ال ،

. )١( » ما وجدنا يف كتاب اهللا اتبعناه . أدري

لعـن اهللا الواشـامت : هللا عنـه قـالوروي أن عبد اهللا بـن مـسعود ريض ا

واملستوشامت واملتنمصات واملتفلجات للحسن املغريات خلق اهللا، : قال .

بلغنـي عنـك ؛ يـا أبـا عبـد الـرمحن : فقالت . فبلغ ذلك امرأة من بني أسد

، ×ومـا يل ال ألعـن مـن لعنـه رسـول اهللا : فقـال. أنك لعنت كيت وكيت

لقـد قـرأت مـا بـني لـوحي املـصحف فـام : فقالت املرأة . اهللاوهو يف كتاب

لئن كنت قرأتيه لقـد وجدتيـه : فقال . وجدته : ﴿p qقـال اهللا .

r s t u v xw y {z ﴾ ]٧:احلرش[.

لــزوم الــسنة واحلــديث رواه أيــضا أبــو داود يف ك الــسنة ب يف . ٨٩ـــ ٨٨ الرســالة ، ص )1(

، والرتمذي يف ك العلم ب ما هني عنه أن يقال عند حـديث رسـول اهللا ٤٦٠٥ رقم ٢/٣٩٧

حسن صحيح ، وابـن ماجـه يف مقدمـة سـننه ب : ، وقال الرتمذي ٢٦٧٢ رقم ٤/٣٠٢ ملسو هيلع هللا ىلص

، واحلــاكم يف ١٣ رقــم ٧ ١/٦ والتغلــيظ عــىل مــن عارضــه ملسو هيلع هللا ىلصتعظــيم حــديث رســول اهللا

. كلهم من رواية أيب رافع . وصححه ووافقه الذهبي ١٠٩ ـ١/١٠٨املستدرك

ال ألفـني : ( ـرمحـه اهللاـ قال حمقـق سـنن ابـن ماجـه األسـتاذ حممـد فـؤاد عبـد البـاقي صـيغة )

، من ألفيت اليشءدة بالنون الثقيلةاملؤك املتكلم فسه عن أن نملسو هيلع هللا ىلص، وظاهره هني النبي ؛ وجدته

واملراد هنيهم عن أن يكونوا عىل هـذه احلالـة،جيدهم عىل هذه احلالة . ١/٧ سـنن ابـن ماجـه.

. من حوايش املحقق

ا در اا

٧٧

وروي عن عبد الرمحن بن يزيد أنه رأى حمرما عليه ثيابه فنهـاه : فقـال .

ــزع ث ــاب اهللا تن ــن كت ــة م ــي بآي ــايبائتن ــه . ي ــرأ علي p q r﴿ : فق

s t u v xw ﴾ ]٧:احلرش[ .

: فقال له ابن عباس. وروي أن طاووسا كان يصيل ركعتني بعد العرص

إنام هني عنهام أن تتخذ سـنة : فقال . اتركهام قـد هنـى : فقـال ابـن عبـاس .

فال أدري أتعذب عليها أم تؤجر ، الة بعد العرصــ عن ص×رسول اهللا ،

ــــــالأل - , + * ( ) ' & % $ # " !﴿ :ن اهللا ق

.]٣٦:األحزاب[ ﴾ 10 / .

أجتد ! إنك امرؤ أمحق : وقد روي عن عمران بن حصني أنه قال لرجل

ثــم عــدد إليــه الــصالة ، يف كتــاب اهللا الظهــر أربعــا ال جيهــر فيهــا بــالقراءة

إن كتـاب اهللا ؟ أجتد هذا يف كتاب اهللا مفرسا : ثم قال ، والزكاة ونحو هذا

وقيل ملطرف بـن عبـد اهللا بـن الـشخري . وإن السنة تفرس ذلك ، أهبم هذا :

، واهللا مــا نريــد بــالقرآن بــدال : فقــال لــه مطــرف ، ال حتــدثونا إال بــالقرآن

. ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا

كـان الـوحي ينـزل عـىل : وروى األوزاعي عن حـسان بـن عطيـة قـال

: قـال األوزاعـي . وحيرضه جربيل بالسنة التي تفـرس ذلـك× رسول اهللا

.الكتاب أحوج إىل السنة من السنة إىل الكتاب

ا ا درا إ ٧٨

. )١(يريد أهنا تقيض عليه وتبني املراد منه : قال ابن عبد الرب

أ ر ا

وخـرب ، إىل متـواترروتقسم السنة باعتبار سندها عنـدا جلمهـو « ؛هذا

. )٢ (»وهو املشهور أو املستفيض ، وزاد احلنفية قسام ثالثا ، آحاد

مجع مـن الـصحابة ×هي التي رواها عن رسول اهللا : فالسنة املتواترة

ورواها عن هذا اجلمع مجع من التـابعني ، يمتنع اتفاقهم عىل الكذب عادة

مـع مجـع مـن تـابعي ورواها عن هذا اجل ، يمتنع اتفاقهم عىل الكذب عادة

. التابعني يمتنع اتفاقهم عىل الكذب عادة

فاملعترب يف التواتر هو حتقـق اجلمـع الـذي يمتنـع اتفـاقهم عـىل الكـذب

، عـرص الــصحابة : وهــي ، عـادة يف كـل عــرص مـن هــذه العـصور الثالثـة

أما بعد عرص تابعي التابعني فـال ، وعرص تابعي التابعني ، وعرص التابعني

وذلك ألن السنة قد صارت بعـد عـرص تـابعي ، وال التفات إليه ، هعربة ب

نظرا إلقبال العلامء عىل مجعهـا وتـدوينها يف ، التابعني مشهورة ومستفيضة

.مؤلفات خاصة

إن احلــديث املتــواتر يوجــب العلــم اليقينــي : وقــد قــال مجهــور العلــامء

ملتواترة االحتجاج هبـا واألحاديث ا . الرضوري كالعلم الناشئ من العيان

. ، باختصار ١٥ ـ ١٣/ ٤ املوافقات )1(

. ٢١٣ أصول الفقه للخرضي ، ص )2(

ا در اا

٧٩

.)١(يف قوة االحتجاج بالقرآن

ومــن هــذا القــسم الــسنن العمليــة يف أداء الــصالة ويف الــصوم واحلــج

وغري ذلك من شعائر الدين التي تلقاها املسلمون عـن الرسـول ، واألذان

مـن غـري اخـتالف يف عـرص عـن ، مجوعا عـن مجـوع ، باملشاهدة أو السامع

.)٢(وقل أن يوجد يف السنن القولية حديث متواتر، قطرأو قطر عن، عرص

. لفظي ومعنوي : واخلرب املتواتر ينقسم إىل قسمني

ولـه أمثلـة كثـرية منهـا ، هـو مـا تـواتر لفظـه ومعنـاه : فاملتواتر اللفظـي

فهذا احلـديث ، » متعمدا فليتبوأ مقعده من النارمن كذب عيل « : حديث

. وحديث احلوض رواه مخسون ونيف ، )٣( رواه نحو املئتني

. باختصار ١٠٨ص . أصول الفقه أليب زهرة )1(

. ٤١ص . عبد الوهاب خالف . علم أصول الفقه )2(

مجوع الصحابة الذين رووا هذا احلديث عن النبي من بني )3( ، ، واملغرية بن شعبةيرةأبو هر: ×

، وأبو سعيد اخلدري ، وعبد اهللا بن مسعود ، وعبد اهللا بـن عبـاس ، وعـيلوعبد اهللا بن عمرو

، جابر بن عبـد اهللا ، ووهـب بـن جـابربن أيب طالب ، والزبري بن العوام ، وأنس بن مالك ، و

. األكوع ، ومعاوية بن أيب سفيان ، ريض اهللا عنهم وسلمة بن

رقـم ملسو هيلع هللا ىلص البخاري يف ك العلم ب إثم من كذب عـىل النبـي :من رواية أيب هريرة فقد أخرجه

رقـم ملسو هيلع هللا ىلص ، ومسلم يف مقدمة صحيحه ب تغليظ الكذب عـىل رسـول اهللا ) ترقيم البغا ( ١١٠

ملسو هيلع هللا ىلصسننه ب اتقاء احلديث عن النبـي ، والدارمي يف مقدمة ٩٠٦١ ، وأمحد يف املسند ، رقم ٣

من النياحة عـىل البخاري يف ك اجلنائز ب ما يكره : ومن روايــة املغرية بن شــعبة ،٥٩٣رقم

= ، وأمحـد٤ رقم ملسو هيلع هللا ىلص، ومسلم يف املقدمة ب تغليظ الكذب عىل رسول اهللا ١٢٢٩امليت رقم

ا ا درا إ ٨٠

اري يف ك أحاديـث األنبيـاء البخـ: ومن رواية عبد اهللا بن عمـرو . ١٧٦٧٤رقم . يف املسند =

، والرتمذي يف ك العلم ب ما جاء يف احلـديث عـن ٣٢٧٤رقم . ب ما ذكر عن بني إرسائيل

، والـدارمي يف مقدمـة سـننه ب ٦٤٥٠رقـم . ، وأمحـد يف املـسند ٢٦٦٩رقـم . بني إرسائيل

ك الزهـد مـسلم يف : ومن رواية أيب سعيد اخلـدري . ٥٤٢رقم . ملسو هيلع هللا ىلص اتقاء احلديث عن النبي

، وابن ماجه يف مقدمة سننه ٣٠٠٤رقم . والرقائق ب التثبت يف احلديث وحكم كتابة العلم

. ١٠٧٨٠رقـم . ، وأمحد يف املسند ٣٧رقم . ملسو هيلع هللا ىلص ب التغليظ يف تعمد الكذب عىل رسول اهللا

. الرتمذي يف ك الفتن ب ما جـاء يف النهـي عـن سـب الريـاح :ومن رواية عبد اهللا بن مسعود

، ٢٦٥٩رقـم . ملسو هيلع هللا ىلص ، ويف ك العلم ب ما جاء يف تعظيم الكـذب عـىل رسـول اهللا ٢٢٥٧رقم

، وأمحـد يف ٣٠رقـم . ملسو هيلع هللا ىلصوابن ماجه يف املقدمة ب التغليظ يف تعمد الكذب عـىل رسـول اهللا

ا جاء يف الذي الرتمذي يف ك تفسري القرآن ب م:ومن رواية ابن عباس . ٣٦٨٦رقم . املسند

يف املقدمة ب اتقاء ، والدارمي٢٦٧٠رقم . ، وأمحد يف املسند ٢٩٥١م رق. يفرس القرآن برأيه

الرتمـذي يف ك املناقـب : ومن روايــة عيل بن أيب طالـب . ٢٣٢رقم . ملسو هيلع هللا ىلصاحلديث عن النبي

وأخرجه من روايـة . ٥٨٥رقم . وأمحد يف املسند ، ٣٧١٥رقم . ب مناقب عيل بن أيب طالب

رقـم . ملسو هيلع هللا ىلص العلـم ب يف التـشديد يف الكـذب عـىل رسـول اهللا أبو داود يف ك: الزبري بن العوام

ابن ماجه يف املقدمة ب التغليظ يف : ومن رواية أنس بن مالك .١٤١٦رقم . ، وأمحد ٣٦٥١

، والدارمي يف املقدمـة ب اتقـاء ١١٥٣١رقم . ، وأمحد ٣٢رقم . ملسو هيلع هللا ىلصالكذب عىل رسول اهللا

ابـن ماجـه يف املقدمـة ب : ر بـن عبـد اهللاومن روايـة جـاب . ٢٣٥رقم . ملسو هيلع هللا ىلصاحلديث عن النبي

، والـدارمي ١٣٨٤٣رقـم . ، وأمحـد ٣٣رقـم . ملسو هيلع هللا ىلصالتغليظ يف تعمد الكذب عىل رسول اهللا

من طريق ( ومن رواية وهب بن جابر . ٢٣١رقم . ملسو هيلع هللا ىلصيف املقدمة ب اتقاء احلديث عن النبي

تقـاء احلـديث عـن النبـي الدارمي يف املقدمـة ب ا) :يعىل بن مرة ابن وهب عن أبيه عن جده

بـن ومن روايـة معاويـة . ١٦٠٧١رقم . أمحد : لمة بن األكوعومن رواية س. ٢٣٤رقم . ملسو هيلع هللا ىلص

. ١٦٤٧١رقم . أمحد : أيب سفيان

ا در اا

٨١

ما اتفق نقلتـه : أو هو ، هو ما تواتر معناه دون لفظه : واملتواتر املعنوي

وال يلــزم يف هــذا النــوع أن يكــون ، عــىل معنــاه مــن غــري مطابقــة يف اللفــظ

ولكـن املعنـى املـشرتك ، أصحاب كل رواية عىل حدة قد بلغوا حد التواتر

. باعتبار جمموع الروايات ، لوغ حد التواتريشرتط فيه ب

فهـذا ، وأن اعتبارهـا هبـا ، كون األعامل مبناها النية : ومثال هذا النوع

إذ وردت به أخبار كثـرية تبلـغ ، بصورة متواترة×املعنى روي عن النبي

وإن كان كل خرب مل يبلغ بنفسه حـد ، حد التواتر يف داللتها عىل هذا املعنى

. )١(ر التوات

ومثــال التــواتر املعنــوي كــذلك كــون األمــة اإلســالمية ال جتتمــع عــىل

وأن اهللا تعاىل قد عصمها من أن جتمع عىل اخلطأ والباطل ، ضاللة وهذا ،

وتناقلتـه عـنهم ، املعنى تضمنته روايات عديدة جلمـع كثـري مـن الـصحابة

، املتضمنة له، أنهواشتهرت األحاديث الواردة بش، الرواة واألئمة بالقبول

وسـوف ، وكرم حـاتم ، واستفاضت حتى صار معناها ثابتا كشجاعة عيل

، وكـالم األئمـة بـشأهنا ، نورد عددا من هذه األخبار املتضمنة هلذا املعنـى

. عند احلديث عن حجية اإلمجاع من السنة النبوية

مجـوع آحـاد مل تبلـغ ×فهي ما رواها عـن الرسـول : وأما سنة اآلحاد

. القاهرة. دار الطباعة املحمدية .٦٧ص . عاطف أمحد أمان /د. ديث دراسات يف علوم احل)1(

. م ١٩٩٧هــ ١٤١٧ط األوىل

ا ا درا إ ٨٢

أو مجـع مل يبلـغ حـد ، واحـد أو اثنـان×بأن رواها عن الرسـول ، التواتر

يف عـرص الـصحابة ، )١(وهكـذا ، ورواها عـن هـذا الـراوي مثلـه ، التواتر

. والتابعني وتابعيهم

وإنام تفيد الظن الـراجح بثبوهتـا ، وحكم سنة اآلحاد أهنا ال تفيد العلم

إال أنــه تــوافرت فــيهم ، ن كــانوا آحــاداألن رواهتــا وإ ، ×عــن الرســول

رشوط ترجح صدقهم يف روايتهم .

ألن ، وهلذا ال يصح االعتامد عىل سـنة اآلحـاد يف األحكـام االعتقاديـة

وإنام يعمـل هبـا يف األحكـام ، هذه األحكام ال تبنى إال عىل القطع واليقني

. العملية إذا حتققت الرشوط املعتربة فيها

ومـصدر مـن مـصادر الـرشيعة باتفـاق الـصحابة ، اآلحاد حجـةوسنة

والتابعني ومن بعدهم ومل خيالف يف ذلك إال املتكلمون من املعتزلة ومن ،

ألنه خيالف النصوص العديدة الـواردة ، وهو رأي باطل ، سلك مسلكهم

ووجوب الرجـوع إليهـا يف ، يف كتاب اهللا تعاىل التي تدل عىل حجية السنة

، من غري تفرقة بني املنقول منها بطريق التـواتر واآلحـاد ، ع األحكامترشي

وألنه أيضا خيالف إمجاع الصحابة ومن بعـدهم عـىل قبـول خـرب الواحـد ،

متى صح ثبوته عن رسول اهللا ، ولزوم العمل به × )٢( .

. ٤٢ص . خالف . قه علم أصول الف)1(

. باختصار ٦٠ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي )2(

ا در اا

٨٣

و واحـد أو اثنـان أ×فهي التي يروهيا عن النبي ؛ وأما السنة املشهورة

ثم تنترش ، أو يروهيا عن الصحايب واحد أو اثنان ، نحو ذلك من الصحابة

بعد ذلك فريوهيا قوم يؤمن تواطؤهم عىل الكـذب فاشـتهارها يكـون يف ،

ــابعني ــيل عــرص الــصحابة أو عــرص الت ــي ت الطبقــة الت وال يعــد احلــديث ،

مــشهورا إال إذا كــان انتــشاره واستفاضــته بعــد عــرص تلــك ألن ، الطبقــة

. )١(األحاديث كلها بعد التدوين قد اشتهرت

وهــي ال تفيــد العلــم اليقينــي الــذي تفيــده الــسنة املتــواترة وال العلــم ،

الظني الذي تفيده سنة اآلحاد وإنام تفيد علام يقرب من اليقني ، وهـو مـا ،

مــئن القلــوب إليــه أي العلــم الــذي تط ، » علــم الطمأنينــة «ســامه احلنفيــة

، بـل يقارهبـا ، لرجحان جانب الصدق رجحانا ال يصل إىل درجة اليقـني

. )٢( فهي حجة يلزم العمل هبا

فالقرآن كله قطعي ، ثم إن السنة ليست كالقرآن من حيث الثبوت

، أما السنة فمنها ما هو قطعي الثبوت ، كام سبق أن ذكرنا ، الثبوت

بل فيها ما حيكم ببطالن ثبوته ونسبته إىل النبي ، الثبوتومنها ما هو ظني

ولذلك فإن رتبتها تالية للقرآن ، كاألحاديث الواهية واملوضوعة ، ×

منها ما هو ، فهي كالقرآن ؛ وأما من حيث الداللة عىل األحكام ، الكريم

. ١٠٨ص . أصول الفقه أليب زهرة )1(

. ، باختصار وترصف ٥٩ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي )2(

ا ا درا إ ٨٤

. ومنها ما هو ظني الداللة ، قطعي الداللة

ا ء

فقـد ، ومنزلـة يف الـدين، وملا للسنة املرشفة من مكانة يف التـرشيع ؛ هذا

وخاصــة أويل ، حظيــت بعنايــة غــري حمــدودة مــن املــسلمني قــديام وحــديثا

يف سـبيل تنقيـة ـــ ليس هلا يف الـدنيا مثيـل ــفلقد بذلوا جهودا فائقة ، العلم

وقاموا ، ــ عىل اختالف دوافعهم ــ السنة النبوية مما أدخله فيها الوضاعون

وفـق منهـاج ، بأعامل جليلة يف مقاومة حركة الوضع يف احلديث الـرشيف

وحققوا يف هذا املضامر ، دون أن تأخذهم يف اهللا لومة الئم ، علمي صارم

وهذا كله يعرفه أي منصف مطلع عىل تاريخ الـسنة ، نجاحا منقطع النظري

د له ما خلفوه من تراث علمي مرتامي األطراف يف جمـال ويشه ، وعلومها

وهيـأ األسـباب حلفـظ ، الـذي هـدى ووفـق ، واحلمد هللا ، السنة وعلومها

.دينه احلنيف

ا در اا

٨٥

٣ اع

العــزم عــىل الــشئ : أحــدمها« : اإلمجــاع يف كــالم العــرب عــىل معنيــني

وإليـه ، إذا عـزم عليـه ، أمجع فالن عـىل كـذا : ومنه يقال ، صميم عليهوالت

]٧١:يونس[ ﴾ 6 5﴿ : اإلشارة بقوله تعاىلوبقوله ، اعزموا : أي،

ال صيام ملـن مل جيمـع الـصيام مـن الليـل « : عليه السالم أي يعـزم، )١( » .

وعىل هذا فيصح إطالق اسم اإلمجاع عىل عزم الواحد .

. إذا اتفقـوا عليـه ؛ أمجع القـوم عـىل كـذا : ومنه يقال ؛ االتفاق : لثاينا

، دينيـا كـان أو دنيويـا ، وعىل هذا فاتفاق كل طائفـة عـىل أمـر مـن األمـور

يسمى إمجاعا )٢(.

وإذا قلت أمجعت األمة عىل احلكم فإنه حيتمـل األمـرين مجيعـا« أهنـا ؛

الرتمذي يف ك الـصوم ، و٢٤٥٤ رقم ١/٥٦٥ رواه أبو داود يف ك الصيام ب النية يف الصيام )1(

، والنـسائي يف ك الـصيام ٧٣٠رقـم ١٧٩ ـ٢/١٧٨ب ما جاء ال صيام ملن مل يعزم من الليل

، ومالـك يف املوطـأ ك الـصيام ب مـن ١٩٨ ــ٤/١٩٦ب ذكر اختالف الناقلني خلـرب حفـصة

أمجع الصيام قبل الفجر ، والدارمي يف ك الصيام ب من مل جيمع الـصيام٥ رقم ١/٢٨٨ مـن

. » حفصة«املؤمنني أم كلهم من رواية . ١٦٩٨رقم ٢/١٢الليل

/ ١سيف الدين أيب احلسن عيل بن أيب عـيل بـن حممـد اآلمـدي . اإلحكام يف أصول األحكام )2(

. دار الفكر . ١٣٧

ا ا درا إ ٨٦

. )١( »ا أمجعت عىل القول به وتصويبه والثاين أهن ، عزمت عىل إنفاذه

اتفاق جمتهدي العرص من هذه األمة عىل « : ويف اصطالح علامء الرشع

.)٢( »أمر ديني

عبارة عن اتفاق مجلة أهل احلل والعقد من أمـة « : وعرفه اآلمدي بأنه

. )٣( »عىل حكم واقعة من الوقائع ، حممد يف عرص من األعصار

ولـو يف ، × اتفـاق علـامء أمـة حممـد « : بـن رشـيق أن املـراد بـهوذكر ا

.)٤( »حلظة واحدة عىل حكم من األحكام الرشعية

و اع

:البد من توافر الرشوط اآلتية ؛ ولكي يتحقق اإلمجاع وينعقد

وهم الذين يوجد عندهم القدرة ، أن يكون االتفاق من املجتهدينــ١

أما العـوام ومـن مل يبلـغ درجـة ، استنباط األحكام من أدلتها الرشعيةعىل

ألهنـم ليـسوا أهـال للنظـر يف ، االجتهاد فال اعتبار باتفاقهم وال بخالفهـم

.مدارك األحكام الرشعية

. ٣٦٧ص . أليب الوليـد ســليامن بــن خلــف البــاجي . إحكـام الفــصول يف أحكــام األصــول )1(

. م ١٩٨٩هــ ١٤٠٩بريوت ط األوىل . مؤسسة الرسالة . اهللا حممد اجلبوري عبد / حتقيق د

. ٦ ، ٥/ ٣للطويف . رشح خمترص الروضة )2(

. ١٣٨/ ١ اإلحكام يف أصول األحكام )3(

حتقيق حممـد . ٣٨٥/ ١للعالمة احلسني بن رشيق املالكي . لباب املحصول يف علم األصول )4(

. م ٢٠٠١هــ ١٤٢٢ط األوىل . ديب . حوث للدراسات اإلسالمية دار الب. غزايل عمر جايب

ا در اا

٨٧

، وعىل هذا لو خال بعـض العـصور مـن املجتهـدين مل يتحقـق اإلمجـاع

وكذلك لو وجد جمتهد واحد يف عرص ، ورأى رأيـا مل يكـن ذلـك إمجاعـا ،

فال يلزم غـريه العمـل برأيـه ، ألن اإلنسان ال يتفق مع نفسه وإنـام يلزمـه ،

.وحده العمل به

فإن وجد عدد من املجتهدين حتقق اإلمجاع باتفـاقهم إذا كـانوا ثالثـة أو

فإن وجد اثنان فقـط واتفقـا عـىل رأي ، أكثر عىل الرأي الراجح ل ال فقيـ ؛

.وهو رأي اجلمهور ، وقيل يكون إمجاعا ، يكون هذا االتفاق إمجاعا

أما إذا اتفق أكثر املجتهدين ، أن يكون االتفاق من مجيع املجتهدينــ٢

، فإنه ال يكون إمجاعا عند اجلمهـور، وخالف بعضهم يف ذلك ، عىل حكم

املخـالفني ألن احلـق حيتمـل أن يكـون يف جانـب ، مهام قل عـدد املخلفـني

.ولو كان واحدا ، لألكثر

مـع ، إن اإلمجـاع يتحقـق باتفـاق أكثـر املجتهـدين : قال بعـض العلـامء

فتكـون ، ألن اتفاق األمة يطلق ويراد به اتفاق الكثـرة منهـا ، خمالفة األقل

وألن األكثر يأخذ حكـم الكـل يف ، العصمة من اخلطأ يف رأي هذه الكثرة

.األمور الفقهية

ناء عىل رأي اجلمهور الـذين يـشرتطون لتحقـق اإلمجـاع اتفـاق مجيـع وب

أو أهـل املـرصين ، ال يعترب اتفاق أهل املدينة أو أهل احلرمني ؛ املجتهدين

أيب : أو اتفـاق الـشيخني، أو طائفة معينة كأهل البيت، )الكوفة والبرصة (

ا ا درا إ ٨٨

يكـون اتفـاقهم فـال ، ألن هؤالء ليسوا كل املجتهـدين ، بكر وعمر إمجاعا

.إمجاعا رشعيا ملزما للناس كلهم

فـال يعـد اتفـاق املجتهـدين ، × أن يكون املجتهدون من أمة حممد ــ٣

وهذا عـىل فـرض وجـود ، من أمة غريه من األنبياء السابقني إمجاعا رشعيا

وذلـك لقيـام ، املجتهدين يف أتباع أولئك األنبياء عليهم الـصالة والـسالم

، اختصاص األمة املحمدية بالعـصمة مـن اخلطـأ عنـد االتفـاقاألدلة عىل

. بخالف غريهم من األمم

وعــىل هــذا ال وجــود ، × أن يكــون اإلمجــاع بعــد وفــاة الرســول ــــ٤

إن وافـق الـصحابة ×ألن الرسـول ، ×لإلمجاع وال اعتبار به يف عرصه

وإن ، مجـاععىل احلكم الـذي اتفقـوا عليـه كـان احلكـم ثابتـا بالـسنة ال باإل

.وال يكون ما اتفقوا عليه حكام رشعيا ، خالفهم فال عربة باتفاقهم

كـالوجوب أو ، أن يكون احلكـم الـذي اتفقـوا عليـه حكـام رشعيـاــ٥

. ونحو ذلك ، أو الصحة أو الفساد ، احلرمة

، وعىل هذا ال يكون االتفاق عىل األمور اللغوية أو العقلية حكام رشعيا

ــد الرتتيــب والتعقيــب وأن كاتفــاق علــام ء اللغــة عــىل أن حــرف الفــاء يفي

. )١(وأن الضدين ال جيتمعان ، الواحد نصف اإلثنني

. ٨٠ ـ٧٩ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي )1(

ا در اا

٨٩

هذا وقد اتفق أكثر املسلمني عىل أن اإلمجاع حجة رشعية جيـب العمـل

والنظام من املعتزلة ، خالفا للشيعة واخلوارج ، به عىل كل مسلم )١( .

أد اع

: ولقد دل القرآن والسنة عىل حجية اإلمجاع بأدلة كثرية

A B C D E @ ? <﴿ :فمن القرآن الكريم قوله تعـاىل

F G H I J K L M N PO Q R ﴾

]١١٥:النساء[

وجه االستدالل هبا أنه سبحانه توعد بالنار من اتبـع غـري : قال الطويف

وإذا أمجعـوا عـىل أمـر كـان ، ع سـبيلهموذلك يوجب اتبـا ، سبيل املؤمنني

وهـو ، منهم ومن غريهم ، فيكون اتباعه واجبا عىل كل واحد ، سبيال هلم

. )٢(املراد بكون اإلمجاع حجة

مجع اهللا تعاىل بني مشاقة الرسول : وقال الرازي واتبـاع غـري سـبيل ×

ا ملـا مجـع بينـه فلو كان اتباع غـري سـبيل املـؤمنني مباحـ ، املؤمنني يف الوعيد

إن زنيـت ورشبـت املـاء عاقبتـك : كـام ال جيـوز أن يقـال ، وبني املحظور ،

. فثبت أن متابعة غري سبيل املؤمنني حمظورة

عبارة عن متابعة قول أو فتوى غـري قـوهلم : ومتابعة غري سبيل املؤمنني

. ١٣٩/ ١ لآلمدي ، اإلحكام)1(

. ١٥/ ٣ رشح خمترص الروضة )2(

ا ا درا إ ٩٠

ــواهم ــورة ، وفت ــك حمظ ــت تل ــوهلم ؛ وإذا كان ــة ق ــون متابع ــب أن تك وج

. )١(رضورة أنه ال خروج من القسمني ؛ اهم واجبةوفتو

@ ? < = > ; :﴿ : وقــــال جــــل شــــأنه

A B C D FE ﴾ ]١٤٣:البقرة[.

أي عدوال خيارا : قال الطويف ؛ والتفـسري كذلك قال أئمة أهل اللغة ،

﴾= >﴿ : تعـاىل وقال ، الوسط من كل يشء أعدله : قال اجلوهري

وروى ، بني اجليـد والـرديء : أي ، يشء وسط: ويقال أيضا ، عدال : أي

. عدوال : قال ﴾= >﴿ :عن قتادة يف قوله ، عبد الرزاق عن معمر

قيـل للعـدل : قال أهـل املعـاين لتوسـطه بـني طـريف اإلفـراط ، وسـط :

. والتفريط يف أخالقه

وقيل شبه بوسط اليشء ، اآلفات ألنه حمفوظ مما يلحق األطراف من ،

@ ? <﴿ :ط العدول قوله تعـاىلــوالدليل عىل أن املراد بالوس

A ﴾ ، لتشهدوا يوم القيامة عـىل األمـم أن أنبيـاءهم بلغـوهم أمـر : أي

فدل عىل أن املراد بالوسط من تقبل شهادته، اهللا تعاىل بالتوحيد وأحكامه ،

. وهو العدل ، عىل ذلك اخللق العظيم ، خصوصا يف ذلك اليوم

. ٢/٨لإلمام فخر الدين حممد بن عمر بن احلـسني الـرازي . املحصول يف علم أصول الفقه )1(

. م ١٩٨٨هــ ١٤٠٨ط األوىل . بريوت . دار الكتب العلمية

ا در اا

٩١

فاالسـتدالل هبـا مـن ؛ وإذا ثبت أن الوسط يف اآلية الكريمة هو العدل

:وجهني

وإنـام حيـسن املـدح إذا ، أن وصفهم بالعدالة يف سـياق املـدح :أحدمها

وذلك يوجب أن ما اتفقـوا عليـه ، كانوا عىل الصواب يف أقواهلم وأفعاهلم

.يكون صوابا

إمـــا لكـــل واحـــد مـــنهم أو ، أن الوصـــف بالعدالـــة :الوجـــه الثـــاين

فتعني ، لوجود آحاد الفساق فيهم كثريا ، واألول باطل قطعا ، ملجموعهم

وذلك يقتيض أن مـا يقولونـه ، الثاين وهو أن الوصف بالعدالة ملجموعهم

، ألن قائل غري احلق والصواب يكون كاذبـا ، جمتمعني عليه حق وصواب

والكاذب ال يكون عدال )١(.

ــــال جــــل شــــ 4 3 2 1 0 / .﴿ : أنهوق

.] ١١٠:آل عمران[ ﴾ 7 6 5

، وينهـون عـن املنكـر ، وذلك أنه تعـاىل أخـرب أهنـم يـأمرون بـاملعروف

وال يفـوهتم ، ال يـأمرون بـه ، وذلك يقتيض أن ال يفوهتم حق وال صواب

، وهــو يـدل عــىل أن كــل مـا اتفقــوا عليــه ، باطـل وال خطــأ ال ينهـون عنــه

وتنـاهوا عنـه باطـل ، وكل مـا اتفقـوا عـىل نفيـه، وتآمروا به حق وصواب

. ١٧ـ ١٦/ ٣ رشح خمترص الروضة )1(

ا ا درا إ ٩٢

. )١(وذلك يفيد أن احلق والصواب من لوازم إمجاعهم ، وخطأ

.)٢( وهناك آيات أخرى من الكتاب العزيز دالة عىل حجية اإلمجاع

فمـام روي مـن األخبـار املتظـاهرة املتـواترة ؛ )٣(وأما األدلة مـن الـسنة

ونفـي اخلطـأ ، الصالة والسالم يف صحة اإلمجـاعاملعنى عن الرسول عليه

وكـون ، وتعظيم القول والشأن يف مفـارقتهم ، عن أهله ووجوب اتباعهم

وعبـد اهللا بـن ، عمـر : فمنهم ، الرواة لذلك من جلة الصحابة املشهورين

وأبـو ، وعبد اهللا بن عمر ، وأنس بن مالك ، وأبو سعيد اخلدري ، مسعود

. ×وغريهم ممن روى ذلك عن النبي ، اليامنوحذيفة بن ، هريرة

مل يكــن اهللا «و، »أمتــي ال جتتمــع عــىل اخلطــأ«: نحــو قولــه عليــه الــسالم

عىل ضـاللة سألت اهللا أن ال جتتمع أمتي«و، »بالذي جيمع أمتي عىل ضاللة

مــن رسه بحبوبــة اجلنــة فليلــزم اجلامعــة«و ، )٤ (»وأعطانيهــا وإن دعــوهتم ،

. ١٨ـ ٣/١٧ رشح خمترص الروضة )1(

راجع يف تفصيل هذه األدلة ، والرد عىل مـا يـرد عليهـا مـن اعرتاضـات )2( املحـصول للـرازي :

ومــا ١٤٠/ ١مــا بعــدها ، اإلحكــام لآلمــدي و١٤/ ٣ ومــا بعــدها ، رشح خمتــرص الروضــة ٢/٨

ومـا بعـدها ، أصـول اجلـصاص ٣٦٩ص . بعدها ، إحكام الفصول يف أحكام األصـول للبـاجي

. ومـا بعـدها ١٠٧/ ٢أليب بكـر أمحـد بـن عـيل اجلـصاص الـرازي . املسمى الفصول يف األصول

. م ٢٠٠٠ هــ١٤٢٠ط األوىل . بريوت . حممد تامر ، دار الكتب العلمية / حتقيق د

. ٣٨٠ ٣٧٨إحكام الفصول للباجي ص : مأخوذة من )3(

= وهـو عنـد أيب داود يف ك، لكنها متفقة يف املضمون واملعنى هذا احلديث ورد بألفاظ خمتلفة)4(

ا در اا

٩٣

، )١( »وهـو مـن اإلثنـني أبعـد، فإن الشيطان مـع الواحـد ، حتيط من ورائهم

يـد اهللا عـىل اجلامعـة ومـن شـذ شـذ يف النـار «: × وقوله تـزال ال «و ، )٢ (»

تـزال طائفـة مـن ال «و ، )٣( » طائفة من أمتي عىل احلق حتـى يظهـر أمـر اهللا

، والرتمـذي يف ك من رواية أيب مالك األشـعري٤٢٥٣ رقم ٢/٣٠٧ الفتن ب ذكر الفتن ودالئلها =

من رواية ابن عمـر ، وابـن ماجـة يف ك الفـتن ب ٢١٧٣ رقم ٤/٦٨ اجلامعة الفتن ب ما جاء يف لزوم

مـن ٢٠٧٨٦ رقـم ٦/١٧٨ من رواية أنس ، وأمحـد يف املـسند ٣٩٥٠ رقم ٢/١٣٠٣السواد األعظم

. رواية أيب ذر

ــة )1( ــزوم اجلامع ــاء يف ل ــا ج ــتن ب م ــذي يف ك الف ــه الرتم ــم ٦٨ ـ٤/٦٧ أخرج ــال ٢١٧٢ رق ، وق

صحيح غريب من هذا الوجه ، وقد روي هذا احلديث من غـري وجـه عـن عمـر عـن حسن : الرتمذي

. من رواية عمر ١٧٨ رقم ٤٥/ ١، وأمحد يف املسند ×النبي

. من رواية ابن عمر ٢١٧٣ رقم ٤/٦٨ أخرجه الرتمذي يف ك الفتن ب ما جاء يف لزوم اجلامعة )2(

يف املعنى عـن غـري واحـد مـن الـصحابة ؛ فقـد هذا احلديث ورد بصيغ متقاربة يف اللفظ ومتحدة )3(

ال « : ملسو هيلع هللا ىلصالبخاري يف ك االعتصام بالكتاب والسنة ب قول النبـي : أخرجه من رواية املغرية بن شعبة

، ٧٣١١ رقـم ١٣/٣٠٦ ، فـتح البـاري » تزال طائفة من أمتـي ظـاهرين عـىل احلـق وهـم أهـل العلـم

ة من أمتي ظاهرين عىل احلق ال يرضهم من خـالفهم ال تزال طائف « : ملسو هيلع هللا ىلصومسلم يف ك اإليامن ب قوله

، والدارمي يف ك اجلهاد ب ال يزال طائفـة مـن هـذه األمـة ١٩٢١ رقم ١/٦٥ مسلم برشح النووي »

ال « : ملسو هيلع هللا ىلصمـسلم يف ك اإليـامن ب قولـه : ومـن روايـة ثوبـان . ٢٤٣٢ رقم ٢/٢٨٠يقاتلون عىل احلق

، وأبـو داود يف ك ١٩٢٠ رقم ١/٦٥سلم برشح النووي م . » ظاهرين عىل احلق تزال طائفة من أمتي

، والرتمـذي يف ك الفـتن ب مـا جـاء يف ٤٢٥٢ رقـم ٢/٣٠٧واملالحم ب ذكر الفتن ودالئلهـا الفتن

رقـم ٢/١٣٠٤ ، وابن ماجــه يف ك الفتن ب مـا يكـون مـن الفـتن٢٢٣٦ رقم ٤/٩٨األئمة املضلني

وصـححه ووافقـه ٤/٤٤٩ستدرك حلـاكم يف املـوا ،٢١٨٩٧ رقـم ٦/٣٧٦وأمحد يف املـسند ، ٣٩٥٢

= ال تزال طائفة من أمتي ظـــاهرين عـىل«: ملسو هيلع هللا ىلصمسلم يف ك اإليامن ب قوله : ومن رواية جابر. الذهبي

ا ا درا إ ٩٤

من خالفهم إال ما أصـاهبم مـن أمتي عىل احلق ظاهرين ال يرضهم خالف

وفـارق اجلامعـة قيـد شـرب مـات ميتـة ، من خرج عن اجلامعة «و، )١( »واءأل

. )٢( »جاهلية

.وما هو بمعناها يطول ويكثر تتبعها ، إىل غري هذه األخبار

يف [ مـسلم : ومن رواية معاويـة بـن أيب سـفيان . ١٩٢٣ رقم ١/٦٦مسلم برشح النووي . » احلق=

رقم ١/٥٧٢و داود يف ك اجلهاد ب يف دوام اجلهاد أب: ومن رواية عمران بن حصني ] . نفس املوضع

ابـن ماجـه : ومن رواية أيب هريرة . وصححه ووافقه الذهبي ٤/٤٥٠ ، واحلاكم يف املستدرك ٢٤٨٤

الرتمذي يف : ومن راية معاوية بن قرة عن أبيه . ٧ رقم ١/٥ ملسو هيلع هللا ىلصيف مقدمة سننه ب اتباع سنة الرسول

ويف الباب عـن عبـد اهللا بـن حوالـة : ، وقال الرتمذي ٢١٩٩م رق٤/٨٢ك الفتن ب ما جاء يف الشام

وابن عمر وزيد بن ثابت وعبد اهللا بن عمرو ، وهذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه يف املقدمـة ب

الـدارمي يف ك اجلهـاد ب اليـزال : ومن رواية عمر بن اخلطـاب . ٦ رقم ١/٤ ملسو هيلع هللا ىلصاتباع سنة الرسول

وصـححه ووافقـه ٤/٤٤٩ ، واحلـاكم ٢٤٣٣ رقـم ٢/٢٨٠ عـىل احلـق طائفة من هذه األمة يقاتلون

. ١٦٥١٧ رقم ٧٥ ـ٥/٧٤أمحد يف املسند : ومن رواية سلمة بن نفيل السكوين . الذهبي

. من حديث أيب أمامة ٢١٨١٦ رقم ٦/٣٦٢ رواه أمحد يف املسند )1(

البخـاري يف ك الفـتن ب : عبـاس جاء هذا احلديث يف أكثر من رواية ؛ فقد أخرجه من رواية ابـن )2(

، ويف ك املظـامل ب ٧٠٥٤ رقـم ١٣/٧ ، فتح الباري » سرتون بعدي أمورا تنكروهنا «: ملسو هيلع هللا ىلصقول النبي

وجوب مالزمة مجاعـة ب ، ومسلم يف ك اإلمارة٧١٤٣رقم ١٣/١٣٠اعة ، فتح الباري السمع والط

، وأمحـد ١٨٤٩ رقم ٢٤٠ ـ ١٢/٢٣٩ برشح النووي املسلمني عند ظهور الفتن ويف كل حال ، مسلم

٤٣٢ــ ٢/٤٣١أبـو داود يف ك الـسنة ب يف قتـل اخلـوارج : ، ومن روايـة أيب ذر٢٦٩٧ رقم ١/٤٨٨

النسائي يف ك حتريم الدم ب التغليظ فيمن قاتـل حتـت رايـة عميـة : ومن رواية أيب هريرة. ٤٧٥٨رقم

. ٥٣٦٣رقم ١٨٤ ـ٢/١٨٣ أمحد :عمر ، ومن رواية ابن٧٨٨٤ رقم ٢/٥٧٣، وأمحد ٧/١٢٣

ا در اا

٩٥

وغـري ، قـد وردت مـن جهـات خمتلفـة ، فهذه أخبار ظاهرة مـشهورة «

هـد وقـد كانـت مـع ذلـك شـائعة يف ع ، جائز أن تكون كلها ومهـا أو كـذبا

حيتجون هبا يف لزوم حجة اإلمجاع : الصحابة ومل ، ويدعون النـاس إليهـا ،

وما كان هذا سبيله مـن األخبـار ، يظهر من أحد منهم إنكار ذلك وال رده

فهو يف حيز التواتر املوجب للعلم بصحة خمربها « )١( .

تلقني هلا م، وتناقلها األئمة وتداولوها، فهذه األخبار ونحوها قد ثبتت

حتى صارت لتواترها املعنوي كشجاعة ، غري منكرين ليشء منها، بالقبول

.وذلك يقتيض عصمة األمة من اخلطأ، وسخاء حاتم، عيل

فألن ذلك شـأن املعـصوم ؛ وأما أن املعصوم ال يصدر عنه إال الصواب

ومفهومــه يف عــرف الــرشع فثبــت بــذلك أن اإلمجــاع الــصادر عــن األمــة ،

.)٢( حجة وهو املراد بكونه ، والصواب جيب اتباعه ، مة صواباملعصو

ا ع

عـىل ـــ وهم املجتهدون مـن األمـة ــوإذا أمجع أهل احلل والعقد ؛ هذا

أو غـري معتمـد ، فإن هذا اإلمجاع ال يكون صادرا عـن هـوى ، أمر رشعي

، لـه مـستند رشعـي ينبثـق عنـهبل البد مـن أن يكـون ؛ كال . . عىل الرشع

ودليل جيتهد املجمعون يف استنباط احلكم منه .

. ٢/١١٥ أصول اجلصاص )1(

. ٣/٢١ رشح خمترص الروضة )2(

ا ا درا إ ٩٦

اتفق الكل عىل أن األمة ال جتتمـع عـىل احلكـم إال عـن « : قال اآلمدي

فـإهنم قـالوا بجـواز ، خالفا لطائفة شاذة ، مأخذ ومستند يوجب اجتامعها

هللا تعـاىل الختيـار بـأن يـوفقهم ا ، انعقاد اإلمجاع عن توفيق العـن توقيـف

.)١( »الصواب من غري مستند

، ومل خيتلف أحد عىل أن مستند اإلمجاع يمكـن أن يكـون كتابـا أو سـنة

ولكن اختلف هل يمكـن أن يكـون قياسـا أو نحـوه ، فجـوزه األكثـرون ،

.)٢( وأنه حجة يلزم العمل به ، واملختار جوازه ، ومنعه البعض

أا ع

: واإلمجاع عىل قسمني

ويسميه بعض العلامء نطقي ، رصيح : أحدمها وهو ، نسبة إىل النطقــ

، رصاحــة أن يـصدر عــن املجتهــدين مجيعــا مــا يؤيــد احلكــم املجمــع عليــه

ونحو ذلك ممـا يعـد موافقـة ، أو اإلفتاء والقضاء به ، أو الكتابة ، كالكالم

، كـان حجـة رشعيـة ، وصحت روايتـه ، مجاعفمتى ثبت هذا اإل ، رصحية

حرم خالفه «و « )٣(.

سكويت: والثاين ، )٤ (»وسـكت الـبعض ، ما نطـق بـه الـبعض«وهو ،

. ١٨٠/ ١ اإلحكام )1(

. ١٨٢/ ١ السابق )2(

. ٤١١/ ١ لباب املحصول يف علم األصول )3(

. من نفس اجلزء ٧٩ ـ٧٨ويراجع ص ، ١٢٦ / ٣ رشح خمترص الروضة )4(

ا در اا

٩٧

مع اشـتهار ، ويسكت الباقون ، أي أن يقول بعض أهل احلل والعقد قوال

فمـن ، وهذا القـسم خمتلـف يف حجيتـه ، وبلوغه إياهم ، هذا القول لدهيم

فذهب أمحـد ، ومنهم من قال بأنه ليس كذلك ، الفقهاء من قال بأنه حجة

بن حنبل وأكثر أصحاب أيب حنيفة وبعـض أصـحاب الـشافعي واجلبـائي

لكن من هؤالء مـن رشط يف ذلـك انقـراض العـرص ، إىل أنه إمجاع وحجة

ــائي ــشافعي إىل نفــي األمــرين ، كاجلب وهــو منقــول عــن داود ، وذهــب ال

ولــيس ، وذهــب أبــو هاشــم إىل أنــه حجــة ، صــحاب أيب حنيفــةوبعــض أ

وذهب أبو عيل بن أيب هريرة من أصحاب الشافعي إىل أنه إن كان ، بإمجاع

. )١(وإن كان فتيا كان إمجاعا ، ذلك حكام من حاكم مل يكن إمجاعا

: واختلف أهل العلم يف هذا الباب من وجه آخر

أو من واحد أو اثنني من أهـل ، ة كبريةإذا ظهر من مجاع : فقال قائلون

ومل يظهر من واحد مـنهم ، وانترش واستفاض يف عامة أهل العلم ، العرص

.فهو إمجاع صحيح ؛ خالف للقائل به

ال يكون هذا إمجاعـا حتـى يكـون القـائلون بـه اجلمهـور : وقال آخرون

ويكون الذي مل يظهر خالفه عدد قليـل ، األعظم إذا كـان القـائلون فأمـا ،

وإن ، فلــيس ينعقــد هبــذا إمجــاع ، والــساكتون اجلمــع الكثــري ، نفــرا يــسريا

. ١/١٧٤ اإلحكام لآلمدي )1(

ا ا درا إ ٩٨

.)١(تركت اجلامعة إظهار اخلالف

، وقد التمس أصحاب كل رأي من األدلة واحلجج ما يؤيدون به رأهيم

كام حاول كل فريق الرد عىل ما يثار من اعرتاضات عـىل حججـه وأدلتـه ،

وهذا مبسوط يف مظانه من كتـب األصـول عـىل اخـتالف ، عنهاواإلجابة

. )٢(مناهج ومدارس كاتبيها وعصورهم

. ٢/١٤٠صول اجلصاص أ)1(

٤٠٧ص . إحكام الفصول أليب الوليد سليامن بن خلـف البـاجي : ـعىل سبيل املثال ـ يراجع )2(

، واملحــصول لفخــر الــدين ى أن اإلمجــاع الـسكويت إمجــاع وحجــةومـا بعــدها ، وهــو ممــن يــر

جـة ، وما بعدها ، وهو ممن يرى أن اإلمجاع الـسكويت ال يكـون إمجاعـا وال ح٧٤/ ٢الرازي

. وما بعدها ٣/٧٨رشح خمترص الروضة : وانظر أيضا

ا در اا

٩٩

٤ اس

قاس النعـل إذا قـدره : يقال ، هو عبارة عن التقدير : القياس وقـاس ،

ــه : اجلراحــة بامليــل ــل ، إذا قــدر عمقهــا ب ــه ســمي املي ومن وهــو ، مقياســا

هـذا قيـاس : يقـال ، وهو تشبيه الـيشء بالـيشء ، يستعمل يف التشبيه أيضا

.)١(إذا كان بينهام مشاهبة ، ذاك

.وهي األصل الذي يقاس به غريه ، ونظري القياس العربة

وسمي القياس الرشعي نظرا ألنه بنظر القلب يصاب .

ويــسمى اجتهــادا ألنــه باجتهــاد القلــب أي ببذلــه جمهــوده يف معرفــة ،

النظري يسمى قياسا )٢(.

فقـد عـرف بأنـه ؛ وأما القياس يف الرشع واصطالح علامئه محـل فـرع :

عىل أصل يف حكـم بجـامع بيـنهام كحمـل النبيـذ عـىل اخلمـر يف التحـريم ،

. )٣(اإلحلاق والتسوية بينهام يف احلكم : ونعني باحلمل ، بجامع اإلسكار

وعرف أيضا بأنه تعدية حكم املنـصوص عليـه إىل غـريه بجـامع « : « ،

. ٧١٣ص . الكليات )1(

. ٢٧٨ص . تقويم األدلة يف أصول الفقه ، لعبيـد اهللا بـن عمـر بـن عيـسى الـدبويس احلنفـي ) 2(

. م ٢٠٠١هــ ١٤٢١ط األوىل. بريوت . دار الكتب العلمية . حتقيق خليل امليس

. ٢١٩ /٣ رشح خمترص الروضة )3(

ا ا درا إ ١٠٠

كتعدية حتريم اخلمر املنصوص عليه إىل النبيـذ الـذي مل يـنص عـىل حتريمـه

وكتعدية حتريم التفاضل يف الرب املنصوص عليه ، للجامع املذكور املشرتك

إىل األرز الــذي لــيس منــصوصا عليــه لتفاضــل والتغــابن لعلــة حــصول ا ،

.)١(وهو اجلامع املشرتك بينهام ، فيهام

مثـل كثـري مـن األمـور التـي ، فالقياس الرشعي جيري فيام ال نـص فيـه

حيث يقوم املجتهد من العلامء بقياس األمـر الـذي لـيس فيـه ، استحدثت

ويعطـى املقـيس حكـم املقـيس ، نص رشعي عىل نظري له ورد نـص بـشأنه

، كاحلشيش ونحوه من املخدرات، جامعة يشرتكان فيهالوجود علة ، عليه

لوجود علة جامعـة ، ويأخذ حكمها وهو التحريم ، فإنه يقاس عىل اخلمر

. ومشرتكة بينهام وهي اإلسكار

ن اسأر

، وال يتـصور وجـوده بـدوهنا ، وللقياس أركان تتوقف عليهـا حقيقتـه

. )٢( »واحلكم ، والعلة ، والفرع ، األصل « : وهي

وأما الفرع فهو ، كاخلمر ، أما األصل فهو اليشء أو املحل املقيس عليه

وأمـا ، ونقيسه عـىل غـريه كاحلـشيش ونحـوه ، اليشء الذي مل يرد نص فيه

أو « أو الوصـف اجلـامع بـني األصـل والفـرع ، العلة فهي املعنـى املـشرتك

. نفس املوضع ، السابق)1(

. ٦٦٣/ ٢البن رشيق املالكي . لباب املحصول يف علم األصول )2(

ا در اا

١٠١

فيه كل من اخلمر والنبيـذ كاإلسكار الذي يشرتك ، » املقيس واملقيس عليه

ونريـد تعديتـه إىل ، وأما احلكم فهو مـا ثبـت يف حـق األصـل ، والويسكي

.أو الصحة أو الفساد ، كالتحريم أو الوجوب ، الفرع

: )١( كام ذكرها أحد الباحثني ــولنوضح هذا ببعض األمثلة

عـىل فهـذا احلـديث يـدل، )٢( » ال يـرث القاتـل « : ×قال رسـول اهللا

ــرياث ــن امل ــل م ــان القات ــصد ، حرم ــل ق ــم أن القات ــذا احلك ــة يف ه والعل

اســتعجال اإلرث قبــل أوانــه بفعــل حمــرم فــريد عليــه قــصده ، ويعاقــب ،

. معاملة له بنقيض مقصوده ، بحرمانه من املرياث

فإذا قتل املوىص له املويص كان قاصدا الستعجال الوصـية قبـل أواهنـا

فيحرم مـن الوصـية بالقيـاس عليـه ، كالوارث إذا قتل مورثه ،بفعل حمرم

. وهي القتل ، الشرتاكهام يف علة احلكم

فقتل الوارث املورث أصل أو مقيس عليه وقتل املوىص له للمـويص ،

والقتل بقصد استعجال الشئ قبل أوانـه ، فرع أو مقيس عىل ذلك األصل

. بترصف يسري ١٠٠ ـ٩٩ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي )1(

ــة ٤٥٦٤ رقــم ٣٨٧ ـ٢/٣٨٦ رواه أبــو داود يف ك الــديات ب ديــات األعــضاء )2( ، مــن رواي

بـن من رواية عمـر٣٥٠ و ٣٤٩ و ٣٤٨ رقم ١/٨٠ عن أبيه عن جده ، وأمحد عمرو بن شعيب

و ٣٠٨٣ و ٣٠٨٠ رقـم ٤٧٩ ـ ٢/٤٧٨اخلطاب ، والـدارمي يف ك الفـرائض ب مـرياث القاتـل

. موقوفا عىل ابن عباس وعيل ٣٠٨٦

ا ا درا إ ١٠٢

، ث هـو حكـم األصـل الثابـت باحلـديثواحلرمـان مـن املـريا ، هو العلـة

. للفرع بالقياس وحرمان املوىص له من الوصية هو احلكم الثابت

املؤمن أخو املـؤمن فـال حيـل للمـؤمن أن يبتـاع « : ×وقال رسول اهللا

. أي يرتك ، )١( » وال خيطب عىل خطبة أخيه حتى يذر ، عىل بيع أخيه

أن يشرتي شيئا قد رغب غريه فهذا النص الرشيف حيرم عىل الشخص

والعلــة يف هــذا ، أو خيطــب امــرأة قــد ســبقه غــريه إىل خطبتهــا ، يف رشائــه

وهـذا يـؤدي ، وإيذاء لـه ، التحريم أن يف هذا العمل اعتداء عىل حق الغري

. إيل القطيعة والعداوة وخلق الضغينة يف النفوس

لكـن ، مـهواستئجار الشخص عـىل اسـتئجار غـريه مل يـرد الـنص بحك

توجــد فيــه العلــة التــي ألجلهــا رشع احلكــم يف املنــصوص عليــه فيكــون ،

حكمه مثل حكمه الشرتاكهام يف العلة فرشاء الـيشء الـذي رغـب الغـري .

ـــه ، يف رشائـــه ـــة للغـــري أصـــل أو مقـــيس علي ـــة املـــرأة املخطوب ، أو خطب

رشاء وحتـريم الـرشاء عـىل ، واالستئجار عىل استئجار الغري فرع أو مقيس

أو اخلطبة عىل خطبـة الغـري ، الغري ، هـو احلكـم الثابـت لألصـل بـالنص ،

واإليذاء والقطيعة وخلق الضغينة يف النفوس هو العلة التي ألجلهـا رشع

وحتــريم االســتئجار عــىل اســتئجار الغــري هــو احلكــم ، احلكــم يف األصــل

ح رواه مسلم يف ك النكاح ب حترم اخلطبة عىل خطبة أخيه حتـى يـأذن أو يـرتك ، مـسلم بـرش)1(

. ١٤١٢رقم ٩/١٩٧النووي

ا در اا

١٠٣

. الثابت بالقياس للفرع

ا ءا س

يرى مجهور العلامء ومجيع الـصحابة أن القيـاس بـالرأي عـىل األصـول

التــي ثبتــت أحكامهــا بالنــصوص بتعديــة أحكامهــا إىل الفــروع حجــة مــن

وذهـب ، وطريق من طرق أحكامه ، ومصدر من مصادره ، حجج الرشع

وأن ، داود ومن تابعـه مـن أصـحاب الظـاهر إىل أن القيـاس لـيس بحجـة

وإليه ذهـب أيـضا الـشيعة وإبـراهيم النظـام ومجاعـة مـن ، العمل به باطل

. )١( املعتزلة البغداديني

:فقــال ، وقــد خلــص الــشيخ أبــو زهــرة مواقــف الفقهــاء مــن القيــاس

: والفقهاء بالنسبة له عىل ثالثة مناهج

واألخذ به يف موضـع ال نـص فيـه مـن كتـاب أو ، االحتجاج به : أوهلا

، وال أمـر انعقـد عليـه إمجـاعهم فيـه ، ألحد مـن الـصحابةوال قول ، سنة

. وهبذا أخذ اجلمهور ، وذلك من غري إرساف وال جماوزة للحد

فنفـوا القيـاس يف ، أخذ به قوم أرسفوا عىل أنفـسهموالتايل من املناهج

والظاهريـة ، وهم الظاهرية والشيعة اإلمامية ، الفقه اإلسالمي نفيا مطلقا

املحـرر يف أصـول الفقـه ، ٢٦٠ص . تقويم األدلة يف أصـول الفقـه : بترصف واختصار عن )1(

دار . حتقيـق حممـد عويـضة . ٩٢/ ٢لإلمام أيب بكر بن حممـد بـن أمحـد أيب سـهل الرسخـيس

. ٤٦٠إحكام الفصول ص ، م ١٩٩٦هــ ١٤١٧ ١ط. بريوت . الكتب العلمية

ا ا درا إ ١٠٤

فــال يتجهــون إىل تعــرف املرامــي ، لقيــاس تعليــل النــصوصينفــون مــع ا

لـيمكن أن يعـرف حكـم مـا تنطبـق ، واملقاصد من النصوص وبيان عللها

، ومل يأخـذوا إال بالنـصوص ذاهتـا ، بل اطرحوا ذلـك جانبـا ، عليه العلل

ومجـدوا ، ومل يتوسعوا يف تعرف مقاصدها ، وبذلك ضيقوا معاين األلفاظ

. ر ما تدل عليهعىل ظواه

، قــوم مــن املتبعــني للمــذاهب توســعوا يف األقيــسة : واملنهــاج الثالــث

ــة ــرتاك بينهــا يف عل ــني أشــياء ال اش ــوة ، وحــاولوا اجلمــع ب ــم زادوا يف ق ث

. القياس أحيانا فجعلوه خمصصا لبعض عمومات الكتاب والسنة

. )١( يالوأقوم ق ، والشك أن منهاج اجلمهور أهدى سبيال : ثم قال

أد ار اس

ـــوقد استدل مجهور العلامء عـىل حجيـة القيـاس بأدلـة كثـرية تنحـرص

. واإلمجاع ، والسنة ، هي الكتاب ، يف ثالثةــبشكل رئيس

﴾ ´ ³ ²﴿ :فالدليل عىل ذلك من الكتاب قوله تعاىل «

.] ٢:احلرش[

، للغة هو متثيل اليشء بغريه وإجـراء حكمـه عليـهواالعتبار عند أهل ا

. ومساواته به

﴾ ´ ³ ²﴿ :وقد روي عن ثعلب أنـه فـرس قولـه تعـاىل

. ٢٢١ـ ٢٢٠ص . صول الفقه أليب زهرة أ)1(

ا در اا

١٠٥

وهو ممن عـول عـىل قولـه ، وأن االعتبار هو القياس ، بأن املراد به القياس

وإنام سمي االتعاظ والفكر والرؤية ، يف اللغة والنقل عن العرب ؛ اعتبارا

نه مقـصود بـه التـسوية بـني األمـر وبـني مثلـهأل واحلكـم يف أحـد املثلـني ،

وهبذا حيـصل االنزجـار واالتعـاظ إذا علـم نـزول العـذاب ، بحكم اآلخر

فكأنـه قـال ، خافوا عند مواقعته من نزول العـذاب، عىل مثل ذلك الذنب

ــة ــم إىل اخلــالف والــشقاق: يف هــذه اآلي صــارت ، اعلمــوا أنكــم إذا رصت

حالكم حال بني النضري . )١(واستحققتم من العذاب مثل الذي استحقوه،

وأمر البـاقني باالعتبـار هبـم ، فإن اهللا تعاىل كام بني إهالك قوم بكفرهم

فكـذلك ؛ فكان اعتبارا واجب العمل به ، لينزجروا عن الكفر فال هيلكوا

إذا بني اسام أو صفة فعلق به حكام من أحكامه وجب االعت بار به يف أصـل

فإنـه ال فـرق بـني ، ووجب إثبات احلكم فيه متى وجد الوصف فيه ، آخر

حكم هو حتليل أو حتريم تعلق بوصف هو كيل وبني حكم هـالك تعلـق ،

. )٢(بوصف هو كفر

d e f g h i j﴿ :قولـه تعـاىل : ومن األدلـة أيـضا

k l m n po ﴾ ]٨٣:النساء [.

] عليـه[املنـصوص ] احلكم[ استخراج املعنى من واالستنباط ليس إال

. ٤٧٨ ـ٤٧٧ص . إحكام الفصول يف أحكام األصول )1(

. ٢٦٤ص . تقويم األدلة يف أصول الفقه )2(

ا ا درا إ ١٠٦

وقيـل املـراد العلـامء وهـو ، وقيل املراد بأويل األمر أمـراء الـرسايا ، بالرأي

ــر ــامء ، األظه ــانوا عل ــالرأي إذا ك ــستنبطون ب ــام ي ــرسايا إن ــراء ال ــإن أم ، ف

واستنباط املعنى من املنصوص بالرأي إما أن يكون مطلوبا لتعدية حكمـه

وطمأنينـة ، أو ليحصل به طمأنينـة القلـب ، وهو عني القياس ، رهإىل نظائ

ــم يف ــه ثبــت احلك ــذي ألجل ــى ال ــالوقوف عــىل املعن ــام حتــصل ب القلــب إن

. )١(املنصوص

وعن الـصحابة يف هـذا البـاب أكثـر ×ول اهللا ــثم إن األخبار عن رس

. وأشهر من أن ختفى ، من أن حتىص

فوجه من ذلك عـىل مـا ، مـن طريـق املقايـسة×ا رسول اهللا ما علمن :

أرأيـت لـو « : قال لعمر حني سأله عن القبلة يف حالة الصوم×روي أنه

متضمت بامء ثم جمجتـه أكـان يـرضك فـإن ، وهـذا تعلـيم املقايـسة ، )٢( » ؟

بالقبلة يفتتح طريق اقتضاء الشهوة كام ، وال حيصل بعينه اقتضاء الشهوة ،

. إدخال املاء يف الفم يفتتح طريق الرشب وال حيصل به الرشبأن ب

أرأيت لو كان عىل أبيك دين أكنت تقضينه « : للخثعمية×وقال » ؟

. ١٠٠ ٩٩/ ٢ املحرر يف أصول الفقه للرسخيس )1(

ــ ١/٣٧، وأمحد يف املسند ٢٣٨٥ رقم ١/٥٥٠ ب القبلة للصائم رواه أبو داود يف ك الصوم)2(

، ١٧٢٤ رقـم ٢/٢٢ يف القبلـة للـصائم ، والدارمي يف ك الـصوم ب الرخـصة١٣٩رقم ٣٨

. صحيح عىل رشط الشيخني ، ووافقه الذهبي : ، وقال ١/٤٣١واحلاكم يف املستدرك

ا در اا

١٠٧

وهـذا تعلـيم املقايـسة وبيـان ، )١( » فـدين اهللا أحـق « : قـال ، نعم : فقالت

. بطريق إعامل الرأي

أرأيـت لـو كــان « : ا للـذي سـأله عـن قـضاء رمـضان متفرقـ×وقـال

عليك دين فقضيت الدرهم والدرمهني أكـان يقبـل منـك ، نعـم : قـال» ؟

. )٢( » اهللا أحق بالتجاوز « : ×فقال

إنه دم عرق انفجر فتوضئي لكل صـالة «: للمستحاضة×وقال « )٣( ،

، وابن ماجه يف ٢٢٨ ـ ٨/٢٢٧ رواه النسائي يف ك آداب القضاة ب احلكم بالتشبيه والتمثيل )1(

. ٢٩٠٩ رقم ٢/٩٧١ احلي إذا مل يستطع ك املناسك ب احلج عن

هذا؛ وحديث املرأة اخلثعمية وسؤاهلا النبـي أخرجـه البخـاري ومـسلم وأبـو داود : يف احلـج ملسو هيلع هللا ىلص

والرتمذي ومالك وأمحد، لكن بدون أن يكون فيـه تـشبيه النبـي احلـج بالـدين ، أو قياسـه بـه، ملسو هيلع هللا ىلص

وقد ورد تشبيه النبي . يف أحاديث أخرى غري حديث اخلثعمية احلج بالدينملسو هيلع هللا ىلص

بروايتني ٢٣٣٤ و ٢٣٣٣رقم ٣/١٧٤ ب القبلة للصائم ك الصيامنه الدارقطني يف سنرواه )2(

إسناد« :أوالمها قال عنها حسن إال أنـه مرسـل سـنن(، حـديث جـابرمـن واألخـرى متـصلة ،»

قيـق، حت)هــ٣٨٥: املتـوىف (الـدارقطني لبغـداديا أمحـد بـن عمـر بـن عـيل احلـسن أبو، الدارقطني

، )م٢٠٠٤ هــ١٤٢٤ األوىل ط، لبنـان - بـريوت الرسـالة، ؤسـسةوآخـرين، م رنؤوط،األ شعيب

قـالوا مـا يف املـصنف ك الـصيام ب ابن أيب شـيبة رواهو تفريـق يف رمـضان . ٩١١٣ رقـم ٢/٢٩٢

إبـراهيم بـن حممـد بـن اهللا عبـد شـيبة، أيب بـن بكـر أبـو، واآلثـار األحاديـث يف املـصنف الكتاب(

.)هـ١٤٠٩ األوىل، ط، الرياض - الرشد كتبة، ماحلوت يوسف كامل: قيق، حت)هـ٢٣٥: املتوىف(

مــن روايــة ٣٠٦رقــم ١/٤٨٧ رواه البخــاري يف ك احلــيض ب االستحاضــة ، فــتح البــاري )3(

ستحاضة وغسلها وصالهتا ، فاطمة بنت أيب حبيش قيس بن املطلب ، ومسلم يف ك احليض ب امل

= ،رواية فاطمة بنـت أيب حبـيش وعائـشة من ٣٣٤ و ٣٣٣رقم ٤/١٦٢٥مسلم برشح النووي

ا ا درا إ ١٠٨

، فهــذا تعلــيم للمقايــسة بطريــق أن الــنجس ملــا ســال حتــى صــار ظــاهرا

. وجب تطهري أعضاء الوضوء به ، سل ذلك املوضع للتطهريووجب غ

اهلـرة ليـست بنجـسة ألهنـا مـن الطـوافني علـيكم « : وقال عليه السالم

وهذا تعليم املقايسة باعتبار الوصف الذي هـو مـؤثر يف ، )١( » والطوافات

ودفع صفة النجاسة ألجل ، فإن الطواف مؤثر يف معنى التخفيف ، احلكم

. م البلوى والرضورةعمو

علمنا القياس والعمل بال×فظهر أنه رأي كام علمنـا أحكـام الـرشعــ ،

ما علمنا ذلك لنعمل به يف معارضة النصوص×ومعلوم أنه فعرفنا أنه ،

ــصالة = ــدع ال ــضة ت ــت احلي ــال إذا أقبل ــن ق ــارة ب م ــو داود يف ك الطه ــم ١/٧٨ وأب ، ٢٨٦ رق

، ويف ب ذكــر األقــراء ١١٩ ـ ١/١١٦والنــسائي يف ك الطهــارة ب ذكــر االغتــسال مــن احلــيض

، ١٢٤ ـ ١/١٢٣ني دم احليض واالستحاضـة بروايات متعددة ، ويف ب الفرق ب١٢٣ ـ ١/١٢٠

وابن ماجه يف ك الطهارة ب ما جاء يف املستحاضة التي قد عـدت أيـام أقرائهـا قبـل أن يـستمر هبـا

. ٦٢١ و٦٢٠ رقم ١/٢٠٣الدم

والرتمـذي يف ك الطهـارة ، ٧٦ و ٧٥ رقـم ١/٣١ رواه أبو داود يف ك الطهارة ب سؤر اهلـرة )1(

حسن صـحيح، والنـسائي يف : وقال الرتمذي . ٩٢ رقم ١٥٠ ـ ١/١٤٩ب ما جاء يف سؤر اهلرة

، وابــن ماجــة يف ك الطهــارة وســننها ب الوضــوء بــسؤر اهلــرة ١/٥٥ك الطهــارة ب ســؤر اهلــرة

إلنــاء ، والــدارمي يف ك الطهــارة ب اهلــرة إذا ولغــت يف ا٣٦٧ رقــم ١/١٣١والرخــصة يف ذلــك

، ١٣ رقم ٢٣ ـ١/٢٢ ، ومالك يف املوطأ ك الطهارة ب اهلور للوضوء ٧٣٦ رقم ٢٠٤ ـ ١/٢٠٣

وصححه ووافقه الـذهبي ، كلهـم ١/١٦٠ ، واحلاكم يف املستدرك ٢٢٠٢٢ رقم ٦/٤٠١وأمحد

. من حديث أيب قتادة األنصاري

ا در اا

١٠٩

علمنا ذلك لنعمل به فيام ال نص فيه × )١( .

فهـو أن الـصحابة ـــ وهو أقوى احلجـج يف هـذه املـسألة ــوأما اإلمجاع

اتفقوا عىل استعامل القياس يف الوقائع التي ال نص فيها من غـري نكـري مـن

. أحد منهم

رجوع الصحابة إىل اجتهاد أيب بكـر ريض اهللا عنـه يف أخـذ : فمن ذلك

وقياس خليفة رسول اهللا ، الزكاة من بني حنيفة وقتاهلم عىل ذلكعىل ×

. ذ الزكاة للفقراء وأرباب املصارف يف ذلك بوساطة أخ×الرسول

: مــا روي عــن عمــر أنــه كتــب إىل أيب موســى األشــعري : ومــن ذلــك

اعرف األمثال واألشباه ثم قس األمور برأيك

.

ومن ذلـك أن عمـر كـان يـش ك يف قـود القتيـل الـذي اشـرتك يف قتلـه ــ

أرأيت لو أن نفرا اشرتكوا يف رس: فقال له عيل ، سبعة ؟ تقطعهـم أكنت، قة

ثـم قويـت . )٢(وهو قيـاس للقتـل عـىل الـرسقة ، فكذلك: قال . نعم: قال

لـو متـاأل : وقـال يف مجاعـة قـتلهم بواحـد ، هذه املسألة بعد ذلك عند عمر

عليه أهل صنعاء لقتلتهم به )٣( .

لقيـام الـدليل ، أهنم أمجعوا عىل إمامة أيب بكر بـالرأي : ومن ذلك أيضا

وإنـام ورد الـنص عـىل أهنـا مـن ، طالن القول بالنص عىل رجل بعينهعىل ب

. ٢/١٠١ املحرر يف أصول الفقه )1(

. باختصار ٢٣٢ ـ٢٣١/ ٤ اإلحكام لآلمدي )2(

. ٥٢٢ص . إحكام الفصول )3(

ا ا درا إ ١١٠

إمـا ؛ بـايعوا أحـد هـذين الـرجلني : ولذلك قال أبو بكر لألنصار ، قريش

ولو كان منصوصا عليه مل يقـل ، أو أبا عبيدة بن اجلراح ، عمر بن اخلطاب

ابسط يدك أبايعك : وقال عمر أليب بكر ، ذلك : يعـةوقال عمـر بعـد الب ،

رضينا لدنيانا من رضيه رسول اهللا واهللا ال نقيلـك : وقال عـيل ، لديننا×

وهذا ؟ لدنيانا أفال نرضاك ، لديننا×ارتضاك رسول اهللا ، وال نستقيلك

. بجامع حصول األهلية للمسؤولية يف كل ، )١(ترصيح بالقياس

أا س

حيــث إن كونــه مــن املــصادر التــرشيعية ،ثــم إن للقيــاس أمهيــة كبــرية

يتيح للمجتهدين من علامء األمة أن يواكبوا ما يـستجد ؛ للنظم اإلسالمية

ــات ــاألفراد واجلامع ــزل ب ــداث تن ــور وأح ــا ، مــن أم ــضعوها يف إطاره وي

ويف هـذا رفـع ، بإحلاقها بنظائرها املنـصوص عليهـا ، الصحيح من الرشع

ة للنظم اإلسالمية كي تـستوعب مجيـع وإتاحة الفرص ، للحرج عن الناس

. وتتعامل مع كل املشكالت يف ضوء منهج رشعي حكيم ، املستجدات

. ٥٠٨ص . السابق )1(

ا در اا

١١١

ا ا

ا ا، أوادر

١ ا ا

ا

، عنهمويدرأ الفساد ، املصالح هي كل ما من شأنه أن حيقق النفع للخلق

الـصاد والـالم « : )صـلح ( قال ابن فارس عنـد احلـديث عـن معنـى مـادة

يقـال صـلح الـيشء يـصلح ، واحلاء أصل واحـد يـدل عـىل خـالف الفـساد

إن مكة تسمى : وقال بعض أهل العلم ، ويقال صلح بفتح الالم ، صالحا

صالحا « )١( .

. )٢( » واملصلحة عبارة عن جلب منفعة ودفع مرضة «

أا

من حيث شـهادة الـرشع هلـا ــوقد ذكر العلامء أن مصالح الناس تنقسم

: )٣( إىل ثالثة أقسامــباالعتبار أو اإللغاء

ـــار: األول ـــرشع باالعتب ـــا ال ـــهد هل ـــصلحة ش ـــام ، م ـــأن رشع األحك ب

. ١٨ ـ٢/١٧ معجم مقاييس اللغة )1(

. ٤٥٣/ ٢ لباب املحصول يف علم األصول )2(

نفــس . املرجــع الــسابق : ومنهــا عــىل ســبيل املثــال ، يراجــع يف هــذا التقــسيم كتــب األصــول )3(

. ٣٠٨/ ٤واإلحكام لآلمدي ، ٢٠٦ ـ ٢٠٥/ ٣ورشح خمترص الروضة ، املوضع

ا ا درا إ ١١٢

، وفــرض العقوبــات الرادعــة مــن أجــل صــيانتها، والتــرشيعات لتحقيقهــا

، والـنفس ، الـدين : كمـصلحة النـاس يف حفـظ كـل مـن ، وعدم تعطيلهـا

والتــي اصــطلح عــىل تــسميتها بالــرضوريات ، والعقــل ، واملــال ، والنــسل

. اخلمس

، وعـدم اعتبارهـا، مصلحة شهد الرشع احلنيف بإبطاهلا وإلغائها: الثاين

ألخيهـا يف مثـل مـصلحة األنثـى يف مـساواهتا ، فهي مصلحة ملغـاة مهـدرة

ـــرياث ـــاىل ، امل ـــه تع ـــدليل قول ـــشارع ب ـــا ال ـــد ألغاه c d e﴿ :فق

gf h i j lk ﴾ ]ومثل مصلحة من يزيد ، ]١١:النساء

: 9 8 7﴿ :بـدليل قولـه تعـاىل ، ماله ويستثمره عن طريق الربـا

.]٢٧٥:البقرة[ ﴾ ;>

لغاء أو باإل ، مصلحة مل يرد من الرشع دليل يشهد هلا باالعتبار : الثالث

ومل يرتب حكـام عـىل وفقهـا أو ، وهي التي سكت الشارع عنها ، واإلبطال

وهي ما تعرف باملصالح املرسلة ، خالفها أي املطلقة عن دليـل يـدل عـىل ،

، وهي التي تسمى عنـد األصـوليني باملناسـب املرسـل ، اعتبارها أو إلغائها

صحف املتفرقـة التـي ومن أمثلتها املصلحة التـي رآهـا الـصحابة يف مجـع الـ

كتب فيها القرآن يف مصحف واحد يف عهد أيب بكر واملصلحة التي رأوها ،

. )١(وتضمني الصناع ونحوها ، وصك النقود ، يف اختاذ السجون

. ١٣٤زكي الدين شعبان ص / د. أصول الفقه اإلسالمي )1(

ا در اا

١١٣

ا ا را

املـسلمني ويقرر الشيخ عبد الوهاب خالف أنه قد ذهب مجهور علـامء

وأن ، ينبني عليها تـرشيع األحكـام ، ملصلحة املرسلة حجة رشعيةإىل أن ا

يـرشع ، الواقعة التي ال حكم فيها بـنص أو إمجـاع أو قيـاس أو استحـسان

وال يتوقف ترشيع احلكم بنـاء ، فيها احلكم الذي تقتضيه املصلحة املطلقة

. عىل هذه املصلحة عىل وجود شاهد من الرشع باعتبارها

: دليلهم عىل هذا أمرانثم يذكر أن

فلو مل ترشع األحكام ملـا ، أن مصالح الناس تتجدد وال تتناهى : أوهلام

واقتـرص التـرشيع عـىل ، وملا يقتـضيه تطـورهم ، يتجدد من مصالح الناس

لعطلـت كثـري مـن مـصالح النـاس يف ؛ املصالح التي اعتربها الشارع فقـط

تـرشيع عـن مـسايرة تطـورات النـاس ووقف ال ، خمتلف األزمنة واألمكنة

وهذا ال يتفق وما قصد بالترشيع من حتقيق مصالح الناس ، ومصاحلهم .

؛ أن من استقرأ ترشيع الـصحابة والتـابعني واألئمـة املجتهـدين : وثانيهام

ال لقيـام شـاهد ، يتبني أهنم رشعوا أحكاما كثرية لتحقيق مطلـق املـصلحة

. باعتبارها

وحارب ، ع الصحف املفرقة التي كانت مدونا فيها القرآنفأبو بكر مج

واستخلف عمر بن اخلطاب ، مانعي الزكاة .

وعمر أمىض الطالق ثالثا بكلمة واحدة ومنـع سـهم املؤلفـة قلـوهبم ،

ــصدقات ــن ال ــدواوين ، م ــراج ودون ال ــع اخل ــسجون ، ووض ــذ ال ، واخت

ا ا درا إ ١١٤

. ووقف تنفيذ حد الرسقة يف عام املجاعة

ونـرشه وحظـر مـا عـداه ، وعثامن مجع املسلمني عىل مـصحف واحـد ،

وورث زوجة من طلق زوجته للفرار من إرثها .

واملكــاري ، والطبيــب اجلاهــل ، واحلنفيــة حجــروا عــىل املفتــي املــاجن

، إقــرارهواملالكيــة أبــاحوا حــبس املــتهم وتعزيــره توصــال إىل، )١(املفلــس

. القصاص من اجلامعة إذا قتلوا الواحدوالشافعية أوجبوا

ومجيع هذه املصالح التي قصدوها بام رشعوه من األحكام هي مصالح

وألهنا ال دليل من الـشارع ، وقد رشعوا بناء عليها ألهنا مصلحة ، مرسلة

وما وقفوا عن التـرشيع ملـصلحة حتـى يـشهد شـاهد رشعـي ، عىل إلغائها

، إن الصحابة عملوا أمورا ملطلـق املـصلحة : يفوهلذا قال القرا ، باعتبارها

ي يعلم العوام احليل الباطلة هو الذ:املفتي املاجن) 1( رتداد لتبني املـرأة مـن زوجهـا، كتعليم اال ،

تبيـني احلقـائق . احلـالل أو لتسقط عنه الزكاة ، وال يبايل بام يفعل من حتليل احلرام ، أو حتريم

. دار الكتاب اإلسالمي . ١٩٣ /٥عثامن بن عيل الزيلعي . قائق رشح كنز الد

. ٧٧٣ص . الكليات أليب البقاء الكفوي . هو أجرة اإلبل ونحوها :والكراء

واملكاري املفلس هو الذي يتقبل الكراء ، ويؤجر اجلامل ، ولـيس لـه مجـال وال ظهـر : حيمـل

،ه، والنــاس يعتمــدون عليــه ويــدفعون الكــراء إليــهــا، وال لــه مــال يــشرتي بــه الــدوابعلي

، خلروج خيتفي ، فتذهب أموال الناس، فإذا جاء وقت اويرصف هو ما أخذه منهم يف حاجته

. ٥/١٩٣تبيني احلقائق رشح كنز الدقائق . وتفوت حاجتهم من الغزو واحلج

واملفتــي املــاجن يفــسد عــىل النــاس ديــنهم ، والطبيــب اجلاهــل يفــسد عــىل النــاس أبــداهنم ،

. دار املعرفة ،٢٤/١٥٧املبسوط للرسخيس . س أمواهلم واملكاري املفلس يفسد عىل النا

ا در اا

١١٥

الــسياسة كــل فعــل يكــون : وقــال ابــن عقيــل ، ال لتقــدم شــاهد باالعتبــار

وال ، وإن مل يضعه الرسول ، دوأبعد عن الفسا ، الناس أقرب إيل الصالح

نطـق الـرشع فقـد غلـط وغلـط بام ال سياسة إال : ومن قال . نزل به وحي

. )١(الصحابة يف رشيعتهم

ا ا و

فـإن هنـاك رشوطـا البـد مـن ، وحتى يمكن العمل باملـصلحة املرسـلة

: وهي ، توفرها

واملراد هبذا أن ، وليست مصلحة ومهية ، أن تكون مصلحة حقيقيةــ١

وأمـا ، يتحقق من أن ترشيع احلكم يف الواقعـة جيلـب نفعـا أو يـدفع رضرا

من غري موازنة بني مـا جيلبـه مـن رضر ، أن الترشيع جيلب نفعاجمرد توهم

املصلحة التي تتوهم يف سـلب : ومثال هذه . فهذا بناء عىل مصلحة ومهية

وجعـل حـق التطليـق للقـايض فقـط يف مجيـع ، الزوج حق تطليـق زوجتـه

. احلاالت

واملـراد هبـذا ، وليست مـصلحة شخـصية ، أن تكون مصلحة عامةــ٢

ن يتحقــق مــن أن تــرشيع احلكــم يف الواقعــة جيلــب نفعــا ألكــرب عــدد مــن أ

. وليست ملصلحة فرد أو أفراد قالئل منهم ، أو يدفع رضرا عنهم ، الناس

أن ال يعارض الترشيع هلذه املصلحة حكام أو مبدأ ثبـت بـالنص أو ــ٣

. ٨٦ ـ ٨٥ص . خالف ، علم أصول الفقه)1(

ا ا درا إ ١١٦

. )١(باإلمجاع

رضـت عـىل أهـل بحيـث لـو ع ، أن تكون املصلحة معقولة يف ذاهتاــ٤

فـإن كانـت املـصلحة غـري معقولـة فـال ، العقول السليمة تلقوهـا بـالقبول

ومـن أمثلتهـا أن بعـض القـضاة شـاور ، يصح اعتبارها وبناء احلكم عليها

فأنكر عليه ، ليمنعه من الكتابة ، ابن دقيق العيد يف قطع أنملة كاتب مزور

. )٢(مع العقاب وذلك ألن جريمته ال تتناسب ، أشد اإلنكار

ا ا أ

ــة املــصلحة املرســلة فيقــول ــاحثني إىل أمهي ــد الب ــشري أح املــصالح : وي

والــذي يمكــن أن يمــدنا باألحكــام ، املرســلة مــن أهــم املــصادر الــرشعية

فبواســطة هــذا املــصدر يمكــن ، الالزمــة ملواجهــة وقــائع احليــاة املتجــددة

ــربة ــم خ ــذين هل ــامء ال ــدها للعل ــة وقواع ــا العام ــرشيعة ومبادئه ــروح ال ب

، األساسية أن يـرشعوا لألمـة األحكـام والقـوانني التـي حتقـق مـصلحتها

دوا هلــا دلــيال ــــإذا مل جي ، ومطالبهــا املتجــددة ، وتلبــي حاجاهتــا العارضــة

. )٣( أو القياس ، أو اإلمجاع ، خاصا من الكتاب أو السنة

. ٨٧ ـ٨٦ ص ، السابق)1(

. ١٤٠ص . زكي الدين شعبان / د، أصول الفقه اإلسالمي)2(

. السابق نفس املوضع )3(

ا در اا

١١٧

٢ا ن

عد اليشء واعتقاده حسنا : االستحسان لغة : استحسنت كذا : يقال ،

. )١(هو طلب األحسن من األمور : وقيل . أي اعتقدته حسنا

هو عدول املجتهد عن مقتـىض قيـاس جـيل : ويف اصطالح األصوليني

إىل مقتىض قياس خفي دح أو عن حكم كيل إىل حكم استثنائي لدليل انق ،

يف عقله رجح لديه هذا العدول )٢( .

اأم

تــرجيح : أحــدمها ، مـن تعريــف االستحـسان رشعــا يتبـني أنــه نوعـان

قياس خفي عىل قياس جيل بدليل استثناء جزئية مـن حكـم : وثانيهام ، )٣(

. )٤(كيل بدليل

. ١٠٧ الكليات ص )1(

. ٧٩ص . علم أصول الفقه ) 2(

هو القياس الظاهر الذي يتبادر إليه الذهن ، وتسبق إليه األفهام بسبب ظهور : القياس اجليل )3(

هو االستحسان وهو القياس الذي خفيت علته لـدقتها وبعـدها عـن : والقياس اخلفي . العلة فيه

حادثــة واالستحــسان يف الواقــع أحــد القياســني ، وال شــك أن القياســني إذا تعارضــا يف. ذهن الــ

وجب ترجيح أحدمها ليعمل به إذا أمكن ، وقد سمي باالستحسان إشارة إىل أنه الوجه األوىل يف

العمل به لرتجحه عىل اآلخر ــ ٧٠٤ ص ١الـزحييل ج وهبـة / د. أصول الفقه اإلسالمي . ٧٠٥ـ

. م١٩٨٦هــ ١٤٠٦ط األوىل . دمشق . دار الفكر . باختصار

. ٨٠ص . علم أصول الفقه )4(

ا ا درا إ ١١٨

ــوع األول ــة الن ــن أمثل ــ : وم ــذهب احلنف ــرر يف امل ــم املق ــعاحلك ي أن بي

األرض الزراعيــة ال يــدخل فيــه الــرشب والطريــق واملــسيل اخلاصــة هبــذه

إال إذا نص عليها يف عقد البيع ، األرض .

واحلكــم املقــرر أيــضا أن إجــارة األرض الزراعيــة يــدخل فيهــا الــرشب

ولــو مل يــنص عليهــا يف عقــد ، والطريــق واملــسيل اخلاصــة هبــذه األرض

. اإلجارة

فإنـه ، �الث يشبه كـال مـن البيـع واإلجـارة وهـو الوقـفوهناك ترصف ث

يشبه البيع من ناحية أن كال منهام خيـرج العـني مـن ملـك صـاحبها ويـشبه ، �

�اإلجارة من ناحية أن كال منهام يفيد ملك االنتفاع بـالعني دون ملـك العـني

. نفسها

رض وبناء عىل شبه الوقف بكل من البيع واإلجارة اجتمع يف وقـف األ

: الزراعية قياسان متعارضان

ومقتىض هذا القيـاس أن ، قياس وقف هذه األرض عىل البيع : أحدمها

الرشب والطريق واملسيل ال يـدخل يشء منهـا يف الوقـف إال بـالنص عليـه

. كام هو احلكم املقرر يف البيع ، من الواقف

القيـاس ومقتىض هذا ، قياس وقف هذه األرض عىل اإلجارة : وثانيهام

ولــو مل يــنص عليهــا يف ، أن الــرشب والطريــق واملــسيل تــدخل يف الوقــف

. كام هو احلكم املقرر يف اإلجارة ، الوقف

وملا كان شبه الوقف بالبيع أظهر من شبهه باإلجارة لتبـادر األول إىل ،

ا در اا

١١٩

كـان قيـاس الوقـف ، واحتياج الثاين إيل إنعام النظـر ، الفهم بمجرد النظر

وقد ترجح ، وقياس الوقف عىل اإلجارة هو اخلفي ، البيع هو الظاهرعىل

حيـث إن االنتفـاع بـالعني ، هذا القياس اخلفي عىل القياس الظـاهر لقوتـه

فكــان شــبه ، املوقوفــة بالزراعــة ال يتــأتى إال بالــرشب واملــسيل والطريــق

الوقف باإلجارة أقوى من شبهه بالبيع إن : نفيـةومن أجـل هـذا قـال احل ،

وإن مل يـنص عليهـا الواقـف ، دخول الرشب واملسيل والطريق يف الوقـف

، وعـــدم دخوهلـــا يف الوقـــف إال بـــالنص عليهـــا قيـــاس ، استحـــسان

. وباالستحسان نأخذ

فاالستحــسان يف هــذا املثــال معنــاه العــدول عــن احلكــم بعــدم دخــول

ة إىل احلكـم الرشب والطريق واملسيل يف الوقف إال بـالنص عليهـا رصاحـ

بناء عىل رجحان القيـاس اخلفـي ، إن مل ينص عليها رصاحة ، بدخوهلا فيه

. )١( املقتيض هلذا احلكم عىل القياس اجليل املقتيض خالفه

قيـاس ظــاهر : األول ؛ وهكـذا نـرى أنــه قـد يتجــاذب املـسألة قياســان

لكنـه أقـوى قياس دقيق غري متبادر إىل الـذهن و : الثاين ، متبادر إىل الذهن

ــه ويأخــذ ، مــن األول ــل املجتهــد إلي ــد التأمــل يف املــسألة فيمي ويظهــر عن

. كام رأينا يف املثال السابق ، )٢( بمقتضاه ويرتك القياس األول اجليل

. ١٥٣ ـ١٥٢أصول الفقه اإلسالمي ص 1)(

. مؤسـسة الرسـالة ١٦٨ص . عبـد الكـريم زيـدان / د. املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية )2(

. م ١٩٩٦هــ ١٤١٧ط الرابعة عرشة . بريوت

ا ا درا إ ١٢٠

أنـه قـد ؛ فبيانـه ، وهو استثناء جزئية مـن حكـم كـيل ، وأما النوع الثاين

ولكن ، جزئيات القاعدةتقتيض القاعدة العامة حكام كليا ينطبق عىل مجيع

فتنفـرد ، يظهر للمجتهد دليل يقتيض استثناء مسألة معينة من احلكم الكيل

، أو مـصلحة ، ودليل االستثناء قد يكون نصا ، تلك املسألة بحكم خاص

. )١(أو غري ذلك ، أو عرفا

إذ القاعـدة املقـررة يف ، ومن أمثلـة هـذا النـوع مـسألة تـضمني الـصناع

ــصري يف الــضامن أ ــا أو التق ــة إال بالتعــدي عليه ــني ال يــضمن األمان ن األم

كاخليـــاطني ، ومقتـــىض هـــذه القاعـــدة أن ال يـــضمن الـــصناع ، حفظهـــا

إال إذا وجـد مـنهم ، ما يكون حتت أيدهيم من أمـوال النـاس ، والصباغني

ولكــن أفتــى أبــو يوســف وحممــد بــن احلــسن . تعــد أو تقــصري يف احلفــظ

يهم إال إذا كان اهلالك من يشء ال يمكن االحرتاز منـه بوجوب الضامن عل

عىل خالف ما تقيض به القاعـدة العامـة ، والنهب العام ، كاحلريق الشامل

وذلـك حمافظـة عـىل أمـوال ، وهبذا احلكم قال مالك بن أنـس ، يف الضامن

نظـرا لكثـرة اخليانـات وضـعف سـلطان اإليـامن عـىل ، الناس من الـضياع

نص علامء احلنفيـة عـىل أن احلكـم بالـضامن يف هـذه املـسألة وقد ، النفوس

والشك أن هـذا االستحـسان هـو عـدول ، استحسان عىل خالف القياس

، هؤالء الفقهاء عن احلكم يف هذه املسألة بعدم الضامن إىل احلكم بالـضامن

. ١٦٩ص . السابق)1(

ا در اا

١٢١

وأن القيـاس املقابـل هلـذا االستحـسان ، بناء عىل املصلحة التي الحظوهـا

وهـي أن األمـني ال يـضمن األمانـة إال ، دة املقـررة يف الـضامنمعناه القاعـ

والتــي تــرك أبــو يوســف وحممــد ، بالتعــدي عليهــا أو التقــصري يف حفظهــا

. )١(ومالك تطبيقها يف الصناع للمصلحة

نا

املشهور يف كتب األصـول وغريهـا أن االستحـسان أصـل مـن أصـول

وأن غريهم مـن الفقهـاء مل يأخـذوا ، لذين يأخذون بهوأهنم هم ا ، احلنفية

ــه ــام ، ب ــتنباط األحك ــه يف اس ــدوا ب ــع ، ومل يعت ــالف للواق ــذا خم ألن ؛ وه

ــة ــع األئم ــد مجي ــرب عن ــسان معت ــة يف ، االستح ــب الفقهي ــع الكت ــن يتتب وم

، املــذاهب املختلفــة جيــدها مــشحونة باألحكــام املبنيــة عــىل االستحــسان

. )٢( املالكية واحلنابلة وأظهرها يف ذلك كتب

فإنــه أراد باالستحــسان اتبــاع ؛ أمــا مــن أنكــره مــن العلــامء كالــشافعي

وهلــذا ســلم بــه ، وهــذا ال جيــوز ، وتــرشيع األحكــام بغــري دليــل ، اهلــوى

. )٣(أصحابه بعد أن تبني هلم مراد القائلني به

. ١٥٢ص . أصول الفقه اإلسالمي )1(

. ١٥٥ السابق ص )2(

. ١٦٩ املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية ص )3(

ا ا درا إ ١٢٢

٣ ا ف

، من قـول أو فعـل أو تـرك ، وا عليهالعرف هو ما تعارفه الناس وسار

. ويف لسان الرشعيني ال فرق بني العرف والعادة ، ويسمى العادة

مثل تعـارف النـاس البيـع بالتعـاطي مـن غـري صـيغة : فالعرف العميل

مثــل تعــارفهم إطــالق الولــد عــىل الــذكر دون : والعــرف القــويل . لفظيــة

والعـرف ، لفظ اللحـم عـىل الـسمكوتعارفهم عىل أن ال يطلقوا ، األنثى

يتكــون مــن تعــارف النــاس عــىل اخــتالف طبقــاهتم عــامتهم وخاصــتهم ،

وال دخــل ، بخــالف اإلمجــاع فإنــه يتكــون مــن اتفــاق املجتهــدين خاصــة

. )١(للعامة يف تكوينه

: وقد اتفق العلامء عىل أمرين ؛ هذا

أن العرف إذا كان خمالفـا ألدلـة : األمر األول الـرشع وأحكامـه الثابتـة

التي علم من رس ترشيعها أهنا ال ختتلف باختالف األزمـان والبيئـات فإنـه

ال يلتفت إليه وال يعتد به ألنه عرف فاسد ، بل جيب إلغاؤه ، وذلك مثل ،

. وخروج النساء كاسيات عاريات ، والقامر ، التعارف عىل التعامل بالربا

العرف إذا كان ال خيـالف نـصا مـن نـصوص الـرشيعة أن : األمر الثاين

فـال حيـل حرامـا ؛ القطعية وال قاعدة مـن قواعـدها األساسـية وال حيـرم ،

. ٨٩ص . عبد الوهاب خالف . علم أصول الفقه )1(

ا در اا

١٢٣

ــا ، حــالال ــاء ؛ وال يبطــل واجب ــه يف بن ــد ب ــه يكــون عرفــا صــحيحا يعت فإن

ــتنباطها ــام واس ــط ، األحك ــة واخلط ــور التجاري ــض األم ــارف بع ــل تع مث

، القـضائية واالجتامعيـة التـي تتطلبهـا حاجـة األمـةواألنظمـة ، السياسية

. وتستدعيها مصلحتها

وذلك ألن املقصود مـن التـرشيع إصـالح حـال النـاس وإقامـة العـدل

فإذا مل يراع يف الترشيع عوائـد النـاس ، ورفع احلرج والضيق عنهم ، بينهم

نـاس يف وقـع ال ؛ وما تعارف عليه أهل العقول الرشيدة والطبـاع الـسليمة

ويف إقــرارهم عليــه تــسهيل عــىل النــاس ورفــع ، احلــرج وحلقــتهم املــشقة

ورفع احلـرج نـوع مـن املـصلحة التـي مـن أجلهـا رشعـت ، للحرج عنهم

. )١(األحكام

أن الفقهـــاء عـــىل اخـــتالف مـــذاهبهم اعتـــربوا العـــرف : واخلالصـــة

وجعلــوه أصــال مــن األصــول التــي تبنــى عليهــا الفتــاوى ، الــصحيح

ووردت عــنهم فيــه كلــامت جــرت جمــرى املبــادئ العامــة ، واألحكــام

العــادة حمكمــة « : مثــل قــوهلم ، والقواعــد الكليــة الثابــت بــالعرف «و، »

وغـري ، )٢( » استعامل الناس حجة جيب العمـل هبـا «و ، »كالثابت بالنص

. املعروف عرفا كاملرشوط رشطا : ذلك كقوهلم

. ١٥٨ ١٥٧ص . أصول الفقه اإلسالمي )1(

. ٩١ص . علم أصول الفقه )2(

ا ا درا إ ١٢٤

م يمكــن أن يــستوعب بنظمــه حاجــات كــل وهكــذا نجــد أن اإلســال

ويتعايش مع كل احلضارات مـن خـالل هـذه النظـرة احلكيمـة ، الشعوب

من منطلق أنه ما كان منها صاحلا يف ، والوسطية لعادات الناس وأعرافهم

ــسليمة ــزان العقــول ال ــادئ ، والفطــر القويمــة ، مي غــري متعــارض مــع مب

جيـب ، اإلسـالم عـرف معتـرب يف نظـر فهـو ؛ الرشيعة اإلسـالمية ومقاصـدها

مراعاته من قبل أهل االختصاص كاملجتهدينوما ، وغريهم ، والقضاة ،

، وال ينبغي مراعاتـه رشعـا، فهو غري معترب ؛ كان من تلك األعراف فاسدا

فام أحكم هذا الدين يف أصوله ومنهجه .

ا در اا

١٢٥

٤ ا را

. )١( كان وسيلة وطريقا إىل اليشء ما : الذريعة

وقد غلب يف اصطالح األصوليني إطالق الذريعـة عـىل الوسـيلة التـي

يتوصل هبا إىل املمنوع رشعا منعها بـالنهي عنهـا : دها معناهــوس ، فمـن ،

منـع الوسـائل املؤديـة إىل املفاسـد : سد الذرائع عـىل هـذا واملفاسـد هـي ،

. )٢( منوعة رشعا عىل سبيل التحريم أو الكراهةاألمور امل

: واألفعال التي تؤدي إىل املفاسد قسامن ؛ هذا

كالقتـل ، قسم يؤدي إىل وقوع املفاسـد املحرمـة رشعـا بذاتـه : أحدمها

. واخلمر املؤدي إىل مفسدة ذهاب العقل ، املفيض إىل مفسدة إزهاق النفس

ألنـه مـن قبيـل املحـرم ، لـامء يف حتريمـهوهذا القسم ال خالف بـني الع

وال يدخل يف موضوع سد الذرائع ، لذاته .

ولكنــه عبــارة عــن أفعــال ، قــسم ال يــؤدي إىل املفاســد بذاتــه : وثانيهــا

لكنها تتخذ وسـيلة إىل احلـرام ، جائزة أو مرشوعة يف ذاهتا وهـذا القـسم ،

من األفعال هو ما يدخل يف دائرة سد الذرائ . ع

فاملراد بسد الذرائع عند األصوليني منع األفعال اجلائزة التي يتوصـل :

. ٣/١٠٩قيم البن ال. إعالم املوقعني )1(

. ١٦٦ ـ١٦٥ص . أصول الفقه اإلسالمي )2(

ا ا درا إ ١٢٦

. )١( . هبا إىل املمنوع رشعا

دا

وقد ذكر ابن القيم عرشات األدلة من القرآن والسنة وعمـل الـصحابة

. )٢(سه ولو كان جائزا يف نف ، عىل املنع من فعل ما يؤدي إىل احلرام

: من هذه األدلة

§ ¦ ¥ ¤ £ ¢ ¡ � ~ { |﴿ :قولـــه تعـــاىل

.] ١٠٨:األنعام[ ﴾ ¨©

فحرم اهللا تعاىل سب آهلـة املـرشكني مـع كـون الـسب غيظـا ومحيـة هللا ،

لكونه ذريعة إىل سبهم اهللا تعـاىل ، وإهانة آلهلتهم وكانـت مـصلحة تـرك ،

مسبته تعاىل أرجح من مصلحة سبنا آلهلتهم وهذا كالتنبيه بل كالترصيح ،

. عىل املنع من اجلائز لئال يكون سببا يف فعل ما ال جيوز

وأمـرهم ، أنه تعاىل هنـى املـؤمنني يف مكـة عـن االنتـصار باليـد : ومنها

لــئال يكـون انتــصارهم ذريعـة إىل وقـوع مــا هـو أعظــم ؛ بـالعفو والـصفح

ومـصلحة حفـظ نفوسـهم ، ضاء واحـتامل الـضيممفسدة من مفسدة اإلغ

. ودينهم وذريتهم راجحة عىل مصلحة االنتصار واملقابلة

لئال يتخذ ذريعة إىل ، أنه تعاىل هنى عن البيع وقت نداء اجلمعة : ومنها

. ، بترصف ١٦٦ السابق ص )1(

. وما بعدها ٣/١١٠إعالم املوقني : انظر )2(

ا در اا

١٢٧

. التشاغل بالتجارة عن حضورها

كان يكف عن قتال املنافقني ×أن النبي : ومنها ـــمصلحة مع كونه ــ

، إن حممدا يقتـل أصـحابه : وقوهلم ، لئال يكون ذريعة إىل تنفري الناس عنه

فإن هذا القول يوجب النفور عن اإلسالم ممن دخل فيه ومـن مل يـدخل فيـه ،

ومفسدة التنفري أكرب من مفسدة ترك قتلهم ومصلحة التأليف أعظم مـن ،

. مصلحة القتل

عـت مـن قبـول شـهادة العـدو عـىل عـدوهأن الرشيعة من : ومنها لـئال ،

يتخذ ذلك ذريعة إىل بلوغ غرضه من عدوه بالشهادة الباطلة .

أن سـد الـذرائع أصـل يف الفقـه اإلسـالمي : ويقرر الشيخ أبو زهـرة ،

ومل خيتلفـوا يف أنـه أصـل ، وأهنم اختلفوا يف مقداره ، أخذ به الفقهاء مجيعا

. )١(مقرر ثابت

وكان دوهنام يف األخذ به الشافعي ، وقد أكثر منه اإلمامان مالك وأمحد

بـل ، ومل يعتـرباه أصـال قـائام بذاتـه ، ولكنهام مل يرفـضاه مجلـة ، وأبو حنيفة

. )٢(كان داخال يف األصول املقررة عندمها كالقياس واالستحسان

أراا

تظهـر أمهيـة : حيـث يقـول ، سد الذرائعويشري أحد الباحثني إىل أمهية

. ٢٩٣ص . أصول الفقه )1(

. ٢٩٤ص . السابق )2(

ا ا درا إ ١٢٨

سد الذرائع يف الترشيع أن املـرشع يـستطيع أن يمنـع مـن بعـض املباحـات

ويـسد علـيهم ، التي اختذها الناس وسائل إىل املفاسد واإلرضار باملجتمع

: ومن أمثلة ذلك ، باهبا

إذا تغاىل املالك يف رفع أجورها ، حتديد أجور املساكن لك إىل وأدى ذ ،

اإلرضار باملستأجرين وحتميلهم ما ال يطيقون .

، منع الزوج من السفر بزوجته إىل بلد بعيد إذا كان غـري مـأمون عليهـا

. أو إيذائها أو سلب ماهلا ، خشية اإلرضار هبا

غــري أنــه ينبغــي مالحظــة أن يكــون هــذا األمــر املبــاح الــذي يمنــع منــه

وأن تكون هـذه املفـسدة مـن نـوع ، موهومةموصال إىل مفسدة حقيقية ال

حتـى ال يتخـذ هـذا املنـع وسـيلة إىل ، املفاسد التي أقـر الـشارع املنـع منهـا

ألن الرشيعة ، وإيقاعهم يف احلرج ، وهي التضييق عىل الناس ، مفسدة أعظم

. )١( ودفع املشقة ، التي قررت سد الذرائع قررت أيضا رفع احلرج

. ١٧٠ ١٦٩ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي )1(

ا در اا

١٢٩

٥ ع

األحكـام التـي رشعهـا تعـاىل ملـن سـبقنا مـن : املقصود برشع من قبلنا

. )١(وأنزهلا عىل أنبيائه ورسله لتبليغها لتلك األمم ، األمم

وتلك األحكام التي تضمنها رشع من قبلنا عىل أنواع :

أحكام مل يرد هلا ذكر يف كتاب: النوع األول وهذا ، × نا وال يف سنة نبينا

. النوع ال يكون رشعا لنا بال خالف بني العلامء

أحكام قصها القرآن أو الـسنة وقـام الـدليل مـن رشيعتنـا : النوع الثاين

فهـذا النـوع ال . أي أهنا خاصة باألمم الـسابقة ، عىل أهنا منسوخة يف حقنا

. يكون رشعا لنا بال خالف بني العلامء

وقـام الـدليل مـن ، أحكام جاءت يف القرآن أو يف السنة : لنوع الثالثا

رشيعتنا بأن هذه األحكام مفروضة علينا كـام كانـت مفروضـة عـىل غرينـا

وإن مـصدر ، وهـذا النـوع ال خـالف يف أنـه رشع لنـا ، من األمم الـسابقة

. رشعيته لنا نفس أحكام رشيعتنا

ومل يقـم ، وص الكتـاب أو الـسنةأحكام جاءت هبـا نـص : النوع الرابع

، دليل من سياق هذه النصوص عىل بقاء احلكم أو عـدم بقائـه بالنـسبة لنـا

ــــاىل ــــه تع ــــل قول ~ � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ ﴿ :مث

. ١٧٥ص . عبد الكريم زيدان / د. عة اإلسالمية املدخل لدراسة الرشي)1(

ا ا درا إ ١٣٠

°¯ ® ¬ « ª © ¨ §﴾ ]٤٥:املائدة[ ،

. )١(العلامء هذا هو حمل اخلالف بني ؟ فهل يعترب هذا النوع رشعا لنا أم ال

، إنـه يكـون رشعـا لنـا : عض املالكية والشافعيةفقال مجهور احلنفية وب

ما دام قد قص علينا ومل يرد يف رشعنا مـا ينـسخه ، وعلينا اتباعه وتطبيقه ،

، وقـصه علينـا ، ألنه من األحكام اإلهلية التي رشعها اهللا عىل ألـسنة رسـله

وهلـذا اسـتدل ، فيجب عىل املكلفـني اتباعهـا ، ومل يدل الدليل عىل نسخها

:وقتل الرجل باملرأة بـإطالق قولـه تعـاىل ، احلنفية عىل قتل املسلم بالذمي

﴿£ ¤﴾ .

ألن رشيعتنــا ناســخة ، إنــه ال يكــون رشعــا لنــا : وقــال بعــض العلــامء

. إال إذا ورد يف رشعنا ما يقرره ، للرشائع السابقة

ــذهب األول ــرشائع ، واحلــق هــو امل ــسخت مــن ال ــام ن ــا إن ألن رشيعتن

وألن قص القرآن علينا حكام رشعيا سابقا بـدون ، بقة ما خيالفها فقطالسا

، ألنه حكم إهلي بلغه الرسـول إلينـا ، نص عىل نسخه هو ترشيع لنا ضمنا

وألن القرآن مصدق ملا بني يديـه مـن التـوراة ، ومل يدل دليل عىل رفعه عنا

فام مل ينسخ حكام يف أحدمها فهو مقرر ، واإلنجيل . )٢(له

. ١٧٦ص . املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية )1(

. ٩٤ص . عبد الوهاب خالف . علم أصول الفقه )2(

ا در اا

١٣١

٦ ل ا

مـن لقـي النبـي : الصحايب عنـد مجهـور األصـوليني هـو وآمـن بـه ×

حتى صار يطلق عليه اسـم الـصحايب عرفـا ، والزمه زمنا طويال وذلـك ،

وأيب هريــرة وعبـد اهللا بــن ، ×وزوجــات الرسـول ، كاخللفـاء الراشـدين

وغريهم ممـن صـدقوا برسـالة ، اس وزيد بن ثابتمسعود وعبد اهللا بن عب

وســمعوا أقوالــه وختلقــوا ، والزمــوه وشــاهدوا أفعالــه ، ×ســيدنا حممــد

. بأخالقه الكريمة

وقــد كــان مــن هــؤالء مجاعــة اشــتهروا بالفقــه والقــدرة عــىل اســتنباط

. األحكام من مصادرها

الــرشعية وقــد تعــرض علــامء األصــول للكــالم عــىل الفتــاوى واآلراء

وبحثـوا فيهـا مـن ناحيـة اعتبارهـا ، الصادرة عن الصحابة ريض اهللا عنهم

وعــدم ، مــصدرا رشعيــا لألحكــام كالكتــاب والــسنة واإلمجــاع والقيــاس

ونقول خمتلفة عـن أئمـة املـذاهب ، وكانت هلم فيها أقوال كثرية ، اعتبارها

. )١(الفقهية

؛ ع اخلالف حول هذه املسألةوجتدر اإلشارة إىل أن حمل النزاع وموضو

، إنام هو فيام يذهب إليه الصحايب من آراء تكون حمل خالف بني الصحابة

. باختصار ١٧٤ ـ١٧٣ص . أصول الفقه اإلسالمي )1(

ا ا درا إ ١٣٢

هذا هو الذي تباينت واختلفت املـذاهب بـشأن ، وجماال لالجتهاد والرأي

. كونه حجة عىل املسلمني أم ال

اتفق الكل عىل أن مذهب الصحايب يف مسائل االجتهـاد : قال اآلمدي

إمامـا كـان أو حـاكام أو ، يكون حجة عىل غريه من الصحابة املجتهدينال

. مفتيا

واختلفــوا يف كونــه حجــة عــىل التــابعني ومــن بعــدهم مــن املجتهــدين :

وأمحـد بـن حنبـل يف ، فذهبت األشاعرة واملعتزلة والشافعي يف أحد قوليه

ك بـن وذهـب مالـ ، والكرخي إىل أنه لـيس بحجـة ، إحدى الروايتني عنه

، والـشافعي يف قـول لـه ، أنس والرازي والربذعي من أصحاب أيب حنيفة

وذهـب قـوم ، وأمحد بن حنبل يف رواية له إىل أنه حجة مقدمة عىل القياس

وذهـب قـوم إىل أن احلجـة ، وإال فال ، إىل أنه إن خالف القياس فهو حجة

. )١( يف قول أيب بكر وعمر دون غريمها

ــــيمكــن الرجــوع إليهــا ، ريــق ملــا ذهــب إليــه بأدلــةولقــد احــتج كــل ف

. )٢( يف كتب األصولــمبسوطة

فإنـه ال ؛ ومـا ذهـب إليـه العلـامء بـشأنه ، وإذا كان هذا هو حمل النـزاع

. ٤/٣٠١ اإلحكام يف أصول األحكام )1(

١٨٥/ ٣ ، ورشح خمتـرص الروضـة ٤/٣٠١اإلحكـام لآلمـدي : راجع ــ عىل سبيل املثال ـــ )2(

. وما بعدها

ا در اا

١٣٣

نزاع بني العلامء يف حجية قول الصحايب والعمل بـه إذا كـان فـيام ال يـدرك

ــالرأي واالجتهــاد ــل هــذا ، ب أن يكــون عــن ســامع مــن ألن الظــاهر يف مث

والـسنة مـن أقـوى احلجـج الـرشعية ، فهو مـن قبيـل الـسنة ، ×الرسول

. باتفاق املسلمني

وقد مثل علامء احلنفية هلذا بام روي عـن عبـد اهللا بـن مـسعود ريض اهللا

وما روي عن عائشة ريض اهللا عنها أن ، عنه أن أقل مدة احليض ثالثة أيام

ولـو بـدورة مغـزل ، ن أمـه أكثـر مـن سـنتنياحلمل ال يمكث يف بطـ فـإن ،

وإنــام طريــق معرفتهــا الــسامع مــن ، التقــديرات ال تعــرف بــالرأي والعقــل

. )١( ×الرسول

كام أنه ال خالف يف أن قول الصحايب الذي حصل عليه االتفاق حجـة

أمـا ،ألن اإلمجاع من املصادر الترشيعية كام قلنا ، ومصدر للترشيع ، أيضا

قول الصحايب الذي مل يعرف له خمالف فهو مـن قبيـل اإلمجـاع الـسكويت ،

. )٢(وهو حجة أيضا عند القائلني به

وإذا كانت اآلراء قد انقسمت حول حجية مـذهب الـصحايب الـصادر

وإىل ، إىل قائل بأنه حجة ملزمة ملن جاء بعد الـصحابة ، عن رأي واجتهاد

يل إىل ما ذكره شيخنا الدكتور عبد الكريم زيدان فإنني أم ، قائل بغري ذلك

. ١٧٤ص . أصول الفقه اإلسالمي )1(

. ١٧٤عبد الكريم زيدان ص / د. املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية )2(

ا ا درا إ ١٣٤

من أن قول الصحايب ليس بحجة ملزمة ولكن نرجح األخذ به حيـث ال ،

ــسنة ــاب ويف ال ــسألة يف الكت ــم للم ــه ، حك ــصادر الفق ــاع وم وال يف اإلمج

. )١(عىل وجه الرتجيح ال اإللزام ، األخرى

٧ اب : قـال ابـن فـارس ، للغة يدل عىل املالزمـة واملقاربـةاالستصحاب يف ا

: مـن ذلـك ، الصاد واحلاء والباء أصل واحد يدل عىل مقارنة يشء ومقاربتـه

. )٢( وكل يشء الءم شيئا فقد استصحبه ، الصاحب

هــو احلكــم عــىل الــيشء باحلــال التــي كــان : ويف اصــطالح األصــوليني

أو هو جعل احلكـم ، تغري تلك احلالحتى يقوم دليل عىل ، عليها من قبل

الذي كان ثابتا يف املايض باقيا يف احلال حتى يقوم دليل عىل تغريه )٣( .

فكـل أمـر علـم وجـوده ثـم حـصل الـشك يف عدمـه فإنـه حيكـم ببقائـه

. بطريق االستصحاب لذلك الوجود السابق

وكل أمر علم عدمه ثم حصل الشك يف وجـوده فإنـه حيكـ م باسـتمرار

. )٤(عدمه بطريق االستصحاب لذلك العدم السابق

. ١٧٥ص . السابق )1(

. ٣٤/ ٢ معجم مقاييس اللغة )2(

. ٩١ ص .عبد الوهاب خالف . علم أصول الفقه )3(

. ١٧٦ص . أصول الفقه اإلسالمي )4(

ا در اا

١٣٥

وقد بني عىل االستصحاب بعض املبـادئ أو القواعـد الـرشعية فمـن ،

: ذلك

األصل بقاء ما كان عىل مـا كـان حتـى يثبـت مـا يغـريهــأ وعـىل هـذا ،

ذا وعـىل هـ ، فمن ثبتت حياته ال حيكم بوفاتـه حتـى تثبـت الوفـاة بالـدليل

األصل بنيت أحكام املفقود يف الفقه .

فكـل عقـد أو تـرصف أو حيـوان أو . األصل يف األشياء اإلباحـةــب

نبات أو طعام ال يعرف حكمه ال يف الكتاب وال يف الـسنة وال يف املـصادر

ــرى ــل ؛ األخ ــذا األص ــصحابا هل ــه است ــوازه وإباحت ــم بج ــه حيك أي ، فإن

. شياء وهو اإلباحةاستصحابا للحكم األصيل لأل

فاليشء الثابت وجوده عـىل وجـه اليقـني : اليقني ال يزول بالشكــ ـج

ال حيكم بزوالـه بمجـرد الـشك فمـن تـيقن الوضـوء ثـم شـك بانتقاضـه ،

حكم ببقائه .

أي إن ذمة اإلنسان تعترب غـري مـشغولة بـيشء : األصل براءة الذمةــد

فمن ادعى عىل غريه دينا فعليه اإلثبات ، حتى يثبت انشغاهلا به ) ١( .

ولذلك وسـع نطـاق ، وإن االستصحاب يؤخذ به حيث ال دليل ؛ هذا

فنفاة القياس وسـعوا يف ، االستصحاب الذين حرصوا األدلة يف أقل عدد

. ١٧٩ـ ١٧٨ص . املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية )1(

ا ا درا إ ١٣٦

وأثبتـوا بـه ، فالظاهرية واإلمامية وسعوا يف االستدالل بـه ، االستدالل به

، يف مواضع كثرية مل يثبتهـا مجهـور الفقهـاء الـذين أثبتـوا القيـاساألحكام

قـد أخـذ الظاهريـة يف موضـعه ، فكل موضع فيه قياس أخـذ بـه اجلمهـور

والـشافعي الـذي مل يأخـذ باالستحـسان كـان أكثـر أخـذا ، باالستصحاب

ألنـه يف كـل موضـع كـان للعـرف أو ، باالستصحاب من احلنفية واملالكية

. فيه حكم كان حمله عند الشافعي االستصحاباالستحسان

ومن أجل هذا كان أقل الفقهـاء أخـذا باالستـصحاب املالكيـة إذ هـم ،

حتـى مل يبقـوا لالستـصحاب إال دائـرة ، الـذين وسـعوا نطـاق االسـتدالل

ويقاربوهنم يف التقليل منه ، واحلنفية يلوهنم يف هذا ، ضيقة)١( .

الستصحاب ال يثب ت حكام جديداويذكر العلامء أن ا ولكن يـستمر ،

، به احلكم الثابت بدليله الدال عليه كاإلباحـة األصـلية أو العـدم األصـيل

. أو حكم الرشع بيشء بناء عىل وجود سببه

ال إلثبـات ، إن االستصحاب حجة إلبقاء مـا كـان : وهلذا يقول العلامء

. )٢(ما مل يكن

صحاب بمعنـى لطيـف يـشري إليـه الـدكتور ونختم احلديث عـن االستـ

وهـــو أن االستـــصحاب جيعـــل الفقهـــاء يف ســـعة، زكـــي الـــدين شـــعبان

. ٣٠٤ص . أصول الفقه أليب زهرة )1(

. ١٧٩ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي )2(

ا در اا

١٣٧

ويفــتح هلـم طرقــا يـصدرون هبــا ، وخيلـصهم مــن مواقـف احلــرية والـرتدد

زيادة عىل ، وينفذون منها إىل الفصل يف القضايا يف رسعة ، الفتوى يف يرس

وأنـه ديـن الفطـرة الـذي ال يـشعر ،ما فيه من الداللة عىل سامحة اإلسالم

. )١(املستظلون بلوائه بحرج فيام رشع هلم

، فقد كانت هذه ملحات يف املصادر الترشيعية للنظم اإلسـالمية : دــــوبع

تبني من خالهلا عظمة هذه النظم وأصالتها حيث إهنا مـن معـني الـوحي ،

كـام تبــني مــن هــذا ، ريويف أنــواره تــس ، وهبديــه القــويم تـسرتشد ، تـستقي

ـــ من خالل مصادرها املـشار إليهـا ــالعرض الرسيع أن النظم اإلسالمية

وتقـدم ، قادرة عىل أن تتعامـل مـع مجيـع مـشكالت اإلنـسانية وتـستوعبها

ــاد ــاش واملع ــسعدها يف املع ــا ي ــدها إىل م ــذ بي ــذي يأخ ــسديد ال ــنهج ال ، امل

، تلفت األعصار وتباينت األمصارمهام اخ ، وينقذها مما تعانيه من أزمات

، والعاملية ، والشمول ، وذلك بام اختصت به من اليرس والسامحة واملرونة

يف ــــ إن شــاء اهللا ـــوغـري هــذا مـن اخلــصائص التـي ســيأيت احلـديث عنهــا

. الفصل التايل

*****

. ١٨١ص . السابق )1(

ا ا درا إ ١٣٨

ا ا

١٣٩

ا ا : ا ا

ما : ا اول

ما ا : ا

ا ا : ا

اا ا : ا

ا ا : ومت واا ا

اة ا امم : ا ادس

ا وي : ااء اي واماء اا ا

١٤٠ ا ا ا إ در

ا ا

١٤١

، عـىل الـرشيعة اإلسـالميةتنبني ــ كام سبق أن أرشنا ــالنظم اإلسالمية

يف ضـوء وهــدي مــصادرها ، وتـستمد مجيــع قوانينهـا وكافــة مبادئهـا منهــا

فالــرشيعة ، املــسلمنيوأدلتهــا التــرشيعية املعتــربة لــدى علــامء وفقهــاء

بـل ال ، اإلسالمية هي النبع الـذي تفـيض منـه وتنبثـق عنـه نظـم اإلسـالم

نذهب بعيدا إذا قلنا بأن الرشيعة يف مجلتها عبـارة عـن جمموعـة مـن الـنظم

. ليسري عليها اخللق يف كافة أمورهم ، التي رشعها اهللا أو رشع أصوهلا

، صـة التـصور اإلسـالميفالنظم اإلسالمية جتمـع يف مـضامينها خال

وتفاصيل املنهج العميل اإلسالمي لترصيف شئون الناس وفـق مـا رشعـه

وعىل هذا فإنه يمكننا القول بـأن خـصائص ، اهللا تعاىل وارتضاه من الدين

، كوهنا مأخوذة منهـا ، النظم اإلسالمية هي من خصائص رشيعة اإلسالم

.وقائمة عىل أصوهلا

مــن ونظمهــا د بــه رشيعــة اإلســالم فــر تت مــا: هنــاونقــصد باخلــصائص

.يف دنيا الناس ننيا أو قو أو نظم رشائعةصفات ال يشاركها فيها أي

: وذلك عىل النحو التايل، اخلصائص والسامت ذهوسأعرض ألبرزه

١٤٢ ا ا ا إ در

��ا اول �

ما

إن النظم اإلسالمية مـأخوذة ومـستمدة مـن رشع اهللا الـذي أوحـاه إىل

وقد شاءت حكمته جـل ، ورمحته للعاملني ، خاتم النبيني× حممد رسوله

g h i﴿ :إذ قـال سـبحانه ، جالله أن حيفظ رشعـه بحفـظ مـصدره

j k l m ﴾ ]٩:رجاحل[.

ورشع اهللا تعاىل روح ونور قال عز من قائل؛ : ﴿! " # $

% '& ( ) * + , - . / 0 1 2 3 4 5 6

87 9 : ; < = > ? @ A B C D E F G

IH J K L M N ﴾ ]٥٣، ٥٢:الشورى [.

فـالنظم اإلســالمية نــور مـن نــور اهللا وهــي تنهـل مــن معــني الــرشيعة ،

الربانية وتصدر يف كل تعاليمها عن ينبوعهـا ، فهـي نظـم ربانيـة املـصدر ،

.] ١٣٨:البقرة[ ﴾ j lk m n o p rq﴿ ،إهلية الصبغة

، وهو أعلم بام يصلحه وبام يفسده ، واهللا تعاىل هو الذي خلق اإلنسان

0 / . - ,﴿ :وصــدق اهللا إذ قــال ، فــرشع لــه مــا يالئمــه ويناســبه

% $ # " !﴿ :وقــــال ســــبحانه ، ]١٤:امللــــك[ ﴾ 2 1

ا ا

١٤٣

.]١٦:ق[ ﴾ / . - , + * )( ' &

يتمتـع هبـا أي نظـام إن خاصية الربانية التي ختتص هبا نظم اإلسـالم ال

فجميع النظم املعروفة وغري املعروفة اآلن إمـا وضـعية ، عىل وجه األرض

وإمـا أهنـا يف بـادئ أمرهـا كـان هلـا صـلة بالـرشع ؛ من وضع البـرش ابتـداء

فقل بتها رأسـا ، لكنها رسعان ما امتدت إليها يد التحريف العابثة ، اإلهلي

وغريت فيها وبدلت ، عىل عقب وأدخلت فيها من الترشيع ما مل يأذن به ،

حتى آل أمرها إىل انقطاع صـلتها بالـرشع الـذي كانـت ، اهللا وما ال يرضاه

تنسب إليه . وصارت هي والنظم الوضعية سواء ،

وهذا ينطبق عىل ما يزعم اليوم أنه رشيعـة التـوراة ، أو رشيعـة اإلنجيـل ،

�ات مـا غـيش كـال مـن العهـد القـديم وقد تكفلت كتب عديـدة ببيـان وإثبـ

باألدلـة الدامغـة ، وما اكتنفهام مـن تبـديل وتغيـري ، واألناجيل من حتريف

مثل ما كتبه العالمة رمحت اهللا بن خليـل الـرمحن اهلنـدي ، واحلجج القوية

، »أمحـد ديـدات «ومثـل كتابـات الـشيخ ، )إظهـار احلـق ( يف كتابه القيم

توجــد نظــم يف العــامل حافظــت عــىل ربانيتهــا ســوى الــنظم وهكــذا ال

حيــث قــال ، ألن اهللا عــز وجــل قــد تكفــل بحفــظ مــصدرها ، اإلســالمية

.] ٩:احلجر[ ﴾ g h i j k l m﴿ :سبحانه

. وما كان من صنع البرش ، وشتان بني ما كان من صنعة اهللا

إن ما رشعه اهللا تعاىل كامل وعدل ورمحـة دايـة وصـالح وإصـالح وه ،

١٤٤ ا ا ا إ در

يشء فهو ترشيع اهللا احلكيم اخلبري الـذي أحـاط بكـل ، لكل زمان ومكان

.] ٥٠:املائدة[ ﴾ Ô Õ Ö × Ø Ù Ú﴿ ،علام

فإنه من عمـل الواضـعني مـن ذوي الـسلطة ؛ بخالف النظام الوضعي

ــه . يف اجلامعــة ــه ويف عمل ــأثر يف تكوين ولــيس مــن شــك يف أن الواضــع يت

: وبالعوامـل الطبيعيـة ، والبيئة ، والعادة ، كالعرف : جتامعيةبالعوامل اال

وأن تلك العوامل أو أكثرها عرضة للتغري فـال ، واجلو ، واملكان ، كالزمن

يكون القـانون الـذي وضـعه الواضـع يف هـذه احلالـة مالئـام حلالـة أخـرى

وطبعت فيها األفكار بطابع آخـر ، تغريت فيها تلك املؤثرات ان واإلنـس .

وال يملـك عـىل ، مهام بلغ من الفكر ال يستطيع أن يتكهن بـام حيـدث بعـد

لــذلك تــرى ، الــزمن أن يــسري بالنــاس يف جــادة واحــدة مــن نظــام احليــاة

ــل ــة إىل تكمي ــصة ويف حاج ــام ناق ــعية دائ ــوانني الوض ــري ، الق وإال ، أو تغي

تالفـاه وهذا النقص هو مـا ي ، كانت خائرة بعيدة عن املقصود منها وقتا ما

. )١(عىل الدوام رجال القانون بالتأويل والتغيري

دون ما سد اام

إن كون النظم اإلسالمية ربانية املصدر جيعل من اليسري اخلـضوع هلـا ،

انطالقا من شعور داخيل يف نفـس اإلنـسان ، واالنقياد لتعاليمها وقوانينها

حيــث إن ، احــرتام كــل مــا هــو آت مــن جهــة الــرشع والــدينحيملــه عــىل

. ١٣ص . حممد عيل السايس . تاريخ الفقه اإلسالمي )1(

ا ا

١٤٥

هذا بعكـس ، سلطان الدين ورقابته عىل النفس أقوى من أي سلطان كان

إذ إهنا ال متلك سـلطانا عـىل النفـوس كـذلك ، النظم أو القوانني الوضعية

، بـل كثـريا مـا يتـربم النـاس منهـا ، الذي متلكه النظم املنبثقة مـن رشع اهللا

واألمثلـة ، والـتملص منهـا ، وحيتالون يف االلتفـاف عليهـا ، ون هباويضيق

. عىل هذا يف حياة البرش تكاد ال حتىص

ــارصة ــا املع ــن حياتن ــثال م ــذ م ــضوع ، لنأخ ــاس يف اخل ــال الن ــو ح وه

وحــاهلم يف ، واالنقيــاد لنظــام الــرضائب الــذي تفرضــه القــوانني احلديثــة

عىل نحو مـا ، رشعه اهللا رب العاملنياخلضوع واالنقياد لنظام الزكاة الذي

ــالمي ــام اإلس ــروف يف النظ ــو مع ــام ؛ ه ــال نظ ــاس حي ــد الن ــسوف نج فل

مـع ، وغالبيتهم حتـاول االلتفـاف عليـه والـتملص منـه ، الرضائب ضائقة

ومن يعطـي شـيئا بموجبـه ال ، وجود العقوبات القانونية عىل هذا املسلك

ه إال بسبب انعدام ثقة الناس فـيمن وما هذا ونحو ، يعطيه إال عن كره منه

وفيمن يرصفه ويوزعه ، وفيمن يطبقه ، وضع هذا النظام فمن قائل بأنـه ،

ومن قائل بأنه ال يرصف يف مظانه الصحيحة ، نظام جائر ومن قائل بأنـه ،

ال حيصل إال من الضعيف الفقري الذي ال ظهـري لـه بيـنام الغنـي احلقيقـي ،

بـل وهـو ، اإلعطاء هو من يستطيع احلصول عـىل اإلعفـاء منـهالقادر عىل

إىل آخــر مــا ال يكــاد ينتهــي مــن ... مــن يــستفيد منــه دون البــائس احلــزين

. التعليالت واملسوغات

١٤٦ ا ا ا إ در

مع أن القائم عىل مجعها ، ال حيدث يشء من هذا حيال نظام الزكاةلكن

وإنام مجعيـات ، كوماتوحتصيلها يف أغلب بالد العامل اإلسالمي ليس احل

كام أنه ليس هنـاك قـوانني تعاقـب مـن ال ، ومؤسسات أهلية غري حكومية

خيرج زكاة ماله املستحقة عليه رشعا كام هو احلـال مـع مـن يتهربـون مـن ،

فالسواد األعظم من حكومـات العـامل اإلسـالمي قـد نفـضت ــالرضائب

واحلمـد هللا الـذي ال حيمـد عـىل ـــأيدهيا مـن قـضية الزكـاة ومـا يتعلـق هبـا

ومع كل هذا فإن ماليني املسلمني يف شتى بقـاع املعمـورة ، ــمكروه سواه

طيبة بـه ، يسارعون ويسابقون إىل إخراج ما هو مستحق عليهم يف أمواهلم

بــل وتــرى كثــريا مــنهم يزيــدون عــىل ، منــرشحة بــه صــدورهم ، نفوسـهم

رغبة فيام عند اهللا من األجـر ، وعافيتصدقون تط ، املقدار املفروض عليهم

ومــا هــذا االنــصياع واخلــضوع هلــذا النظــام إال ملــا وقــر يف قلــب ، واملثوبــة

، نبيـا ورسـوال×وبمحمـد ، وباإلسالم دينـا ، املسلمني من اإليامن باهللا ربا

ومـن مجلـة مـا رشعـه ، وما يتفرع عـن هـذا اإليـامن مـن رضـا بـام رشع اهللا

. فكان هلذا اإليامن سلطانه الذي ال خيفى ، كاةسبحانه نظام الز

سنت أمريكا ، يف صدر القرن العرشين امليالدي ؛ ويف التاريخ احلديث

قانونـــا حيـــرم اخلمـــر ويمنعهـــا منعـــا باتـــا واســـتنفرت كافـــة األجهـــزة ،

ــة ــسات املعني ــة ؛ واملؤس ــن إعالمي ــضائية ، م ــة ، وق ــة ، وتنفيذي ، وتعليمي

، واحليلولة دون انتهاكـه أو اخلـروج عليـه ، طبيق القانون املذكورلت ، وغريها

ا ا

١٤٧

فأنف وأزهقت عـرشات النفـوس ، قت يف سبيل ذلك املاليني حيـث قتـل .

إىل ١٩٢٠من أجل تنفيذ هذا القانون يف الفرتة الواقعة بني ينـاير مـن سـنة

وسجن نصف مليون ، مئتا نسمة١٩٣٣أكتوبر من سنة وغرم ا ، جلناة مـا

وصـودر مـن األمـالك مـا يـساوي ، يربو عىل مليون ونصف مليـون جنيـه

طبقــا لإلحــصاءات التــي أذاعهــا ديــوان القــضاء ــــأربعامئــة مليــون جنيــه

. األمريكي لتلك الفرتة

وكل هذا وغريه من اجلهود املضنية مل يزد األمريكان إال غراما باخلمر ،

وبعد نحو عرش سنني إىل إباحة ، هناية األمرحتى اضطروا يف ، وجنونا هبا

اإلعـالن الرسـمي م١٩٣٣فصدر يف أوائل شهر ديسمرب من سنة ، اخلمر

. )١(يف أمريكا بإلغاء قانون التحريم

وحاصل القول أن النتائج التي ظهـرت يف أمريكـا عقـب حتـريم اخلمـر

: تتلخص يف أنه

زعة للبغـي والتمـرد عليـه ونشأت ن ، زالت عن القلوب حرمة القانون

. يف كل طبقة من طبقات املجتمع

بــل زاد اســتعامهلا بعــد ، مل تتحقــق الغايــة املقــصودة مــن حتــريم اخلمــر

. التحريم عىل ما كان عليه قبله

أليب . نحن واحلضارة الغربيـة : يراجع ملن شاء هذه اإلحصاءات وغريها بالتفصيل يف كتاب )1(

.بريوت . مؤسسة الرسالة . وما بعدها ٥٢ص . األعىل املودودي رمحه اهللا

١٤٨ ا ا ا إ در

ومثلهـا ، جتشمت احلكومة خـسائر ال حتـىص يف تنفيـذ قـانون التحـريم

فتــأثرت بــذلك ، أيـضا أصــاب الـشعب األمريكــي الشـرتائه اخلمــر خفيـة

. اقتصاديات البالد

وفـسدت ، كثرت األمراض واختلت الصحة وازدادت نسبة الوفيـات

تمـع األخالق وشاعت الرذائل وتفاحـشت اجلـرائم يف مجيـع طبقـات املج

. )١(وعىل األخص يف اجليل الناشئ

وال ريب أن برشية قـانون حتـريم اخلمـر املـشار إليـه جعلتـه عاريـا عـن

التــي كــان يمكــن أن حتمــل األمريكــان عــىل االنــصياع لــه ، اتيــةالقــوة الذ

بمثل ما حتظى بـه وهيهات أن حتظى قوانني البرش وأنظمتهم ، وااللتزام به

الـذي حيفـز ، الترشيعات اإلهلية من استنادها عىل سلطان الدين والعقيـدة

مهـام حتمـل يف سـبيل ، صاحبه وحيمله عىل فعل اخلري واإلقالع عـن الـرش

وبذل من التضحيات ، ذلك من املصاعب فال عجب إذ رأينا األمريكان ،

فتكـبح عـن الـرش ، ومل تكن توجد قوة تسيطر علـيهم ، قد انفلت زمامهم

. مجاحهم وتلزمهم جادة الصواب

تؤكـد عـىل قيمـة وأمهيـة ربانيـة ، وهذه صورة أخـرى مغـايرة ملـا سـبق

وكيف أن هذه اخلاصية هلا أثـر كبـري ، النظم اإلسالمية يف نفوس املسلمني

واخلضوع هلا عىل الوجه الذي يريض اهللا عـز وجـل، يف االلتزام بتعاليمها ،

. ٥٩ـ ٥٨ ص . السابق )1(

ا ا

١٤٩

. تعود إىل نحو أربعة عرش قرنا من الزمان

ووجوب ، عندما صدر األمر اإلهلي بتحريم اخلمر حتريام قاطعا

& % $ # " !﴿ :وذلك يف قول اهللا تعاىل ، االنتهاء عنها

' ( ) * + , - . / 0 1 2

3 4 5 6 7 8 9 : ; < = > ? @

BA C D E F G H I J LK M N O

P Q R S T ﴾ ]٩٢ ــ٩٠:املائدة [.

وكان لسان ، حتى انتهوا من فورهم ؛ وما إن سمع املسلمون أمر رهبم

. )انتهينا ربنا ( : حاهلم قبل مقاهلم

فاه فردــكانت الكؤوس عىل الش وها وجموهـا وسـارعوا إىل إراقـة مـا ،

تبقى لدهيم من مخر فلكـم ، وهم الذين عشقوها وافتتنوا هبا دهرا طويال ،

وقرضوا يف وصـفها األشـعار ، ســزينوا هبا املجال واجتمـع عـىل رشهبـا ،

وإذا هم يقطعون صلتهم هبا دون ضجر ، وهتادى هبا األصدقاء ، األخالء

وال كان هلا يف قلـوهبم ذرة مـن ، يكن هلم هبا من قبل عهدكأن مل ، أو تردد

ود .

كنـت أسـقي أبـا عبيـدة بـن : عن أنس بن مالـك ريض اهللا عنـه أنـه قـال

١٥٠ ا ا ا إ در

اجلراح وأبا طلحة األنصاري وأيب بن كعب رشابا من فضيخ . ومتر )١(

إن اخلمر قد حرمت : فجاء آت فقال : قال نـس يا أ : فقال أبو طلحة .

فقمـت إىل مهـراس : قـال . قم إىل هذه اجلرار فاكـرسها فـرضبتها ، لنـا)٢(

. )٣( بأسفله حتى تكرست

واالستـسالم هللا رب ، فهل كان هناك من سـلطان غـري سـلطان الـدين

؟ العاملني

. وهكذا نجد حال الناس مع النظام الرباين والنظام الوضعي

*****

ورشاب يتخذ من برس مفضوخ ولبن غلبه املاء ، عصري العنب: الفضيخ 1 . القـاموس املحـيط .

والبرس ، ٣٢٩ص . ٤٤٦السابق ص . هو التمر قبل إرطابه :

املهراس ـ 2 . ٧٤٩ص . القاموس املحيط . وحجر منقور يتوضأ منه ، اهلاوون:

والبخاري يف ، ١٣ رقم ٨٤٧ـ ٢/٨٤٦اه مالك يف املوطأ ك األرشبة ب جامع حتريم اخلمر روـ 3

ك األرشبة ب نزل حتريم اخلمر وهي من البرس والتمـر ، ٥٥٨٢ رقـم ١٠/٤٠فـتح البـاري .

. ١٩٨٠ رقم ١٣/١٥١مسلم برشح النووي ، ومسلم يف ك األرشبة ب حتريم اخلمر

ا ا

١٥١

ا ام

ا

. وأما اخلصيصة األخرى للنظم اإلسالمية فهي الشمولية

واملقصود هبا أن هذه النظم جـاءت مـضامينها وتعاليمهـا شـاملة لكـل

ومجيــع شــئون اخللــق الدنيويــة واألخرويــة ، منــاحي احليــاة فهــي ليــست ،

أنظمة منزوية يف ركن ضـيق ومقـصورة عليـه ، ن غـريهتتـوىل عالجـه دو ،

، �بل إهنا متلك منهجا فذا لكل مـا يتعلـق باإلنـسان والكـون واحليـاة ؛ كال

، كذلك نظمـت عالئقهـم ببعـضهم ؛ وكام أهنا نظمت عالقة الناس برهبم

، وحرب ، وتعليم ، وجنايات ، وقضاء ، واجتامع ، وسياسة ، من اقتصاد

. . ائناتوعالقتهم بالبيئة وما خلق اهللا فيها من ك ، وسالم

وغري هـذا مـن اجلوانـب الكثـرية التـي هلـا صـلة بانتظـام احليـاة يف هـذا

. الكون

أن ا ما ن ز رو د

ــون ــد روج العلامني ـــلق ــرشقني ـ ــن املست ــيهم م ــذا معلم ــابعني يف ه مت

واملنرصين ومن سلك مـسلكهم ولـف لفهـم سـالم ال يملـك إىل أن اإلـــ

سوى نظام روحي مقصور عىل تنظيم العالقة بني الفرد وربـه فقـط فهـو ،

١٥٢ ا ا ا إ در

يف ـــوإن جتـاوزه فـال يزيـد ، حمصور يف إطـار القفـص الـصدري لإلنـسان

وهكذا ، هم يروجون هلذا ، عن جدران املساجد وبيوت العبادةــزعمهم

. وكذلك يتمنون . . يريدون

لريبـأ بنفـسه عـن ، ئحة العلم ورائحة التجرد معـاواحلق أن من شم را

. الرتويج ملثل هذا الباطل والزور

إن هــذا الــرتويج يمكــن أن ينطبــق عــىل غــري اإلســالم كالنــرصانية

اعطـوا مـا لقيـرص لقيـرص« : التي تقول أناجيلهـاــ مثال ــاملوجودة اآلن ،

. )١( » هللاوما هللا

مملكتـي ليـست مـن هـذا « : عليـه الـسالم أنـه قـالوتنسب إىل املـسيح

. )٢( » العامل

أو يلصق به فال . . أما أن ينطبق عىل اإلسالم . وكال . .

ومها املـصدران الرئيـسان ــ ×إن الناظر يف القرآن الكريم وسنة النبي

ليدرك بام ال يدع جماال للريب شـمولية مـنهج اــللنظم اإلسالمية إلسـالم

وذلــك مــن خــالل ، ونظمــه لكافــة شــئون اخللــق يف معاشــهم ومعــادهم

التي ترسم للنـاس معـامل احليـاة الراشـدة يف ، النصوص الترشيعية املتنوعة

. الدارين

. وإنجيل لوقـا ، ١٧فقرة ١٢إصحاح . وإنجيل مرقس ، ٢١قرة ف٢٢إصحاح . إنجيل متى )1(

. ٢٥ فقرة ٢٠إصحاح

. ٣٦ فقرة ١٨إصحاح . إنجيل يوحنا )2(

ا ا

١٥٣

ليـدرك مـن ، ×وسنة خاتم املرسلني ، واملتأمل يف آيات الذكر العزيز

هـذه احلقيقـة ما يربهن عىلةخالل اآليات الرصحية واألحاديث الصحيح

، ــ خاصية الشمولية ــويدلل بجالء عىل تلك اخلاصية العظيمة ، الناصعة

. ويدحض أباطيل العلامنيني وأرضاهبم

أو ، إن أطول آية يف القرآن العزيز مل تتحدث عن شأن روحي كالصالة

ونحو هذا من األمور . . . أو اخلوف والرجاء ، أو االستغفار ، ذكر اهللا

بل حتدثت مع اآلية التي تليها عن أمور ترشيعية ؛ املحضةةالروحي

آية الدين «حتى أطلق عليها علامؤنا ، اقتصادية وقضائية هامة وهي ، »

*+ ( ) ' & % $ # " !﴿ :قوله تعاىل

, - . 0/ 1 2 3 4 5 6 7 98

: ; < = > ? @ A B C D FE G H

I J K L M N O P Q R S T U V XW

Y Z [ ]\ ^ _ a b c d

e f g h i j k l nm o p q

r s ut v w x y z { | } �~ ¡ ¢ £ ¤

¥ ¦ § ¨ ª© « ¬ ® ° ± ²

³ ´ µ ¶ ¹¸ º » ½¼ ¾ ¿ À Á

ÃÂ Ä Å Æ Ç ÉÈ Ê ÌË Í ÏÎ Ð

Ñ Ò Ó Ô ! " # $ % & ' ( ) +* ,

١٥٤ ا ا ا إ در

- . / 0 1 2 3 4 5 76 8 9 ;:

< = > ? A@ B C D E ﴾] ٢٨٢:البقرةسورة ،

٢٨٣[.

ر اا آن وال اا

وغري خاف أن القرآن الكـريم وسـنة النبـي عليـه الـصالة والـسالم قـد

وجوانـب املعـامالت املختلفـة ، تضمنا احلديث عن سائر األمور املعاشـية

، واملـرياث ، والطالق ، كالزواج ، ووضعا قواعدها وأصوهلا ، بني الناس

ـــة ، واجلـــوار ـــشورى ، واحلكـــم ، والقـــضاء ، واألطعمـــة واألرشب ، وال

، والربــا ، والقــصاص ، والــديات ، واحلــروب ، واملعاهــدات ، واحلــدود

كل هـذا جنبـا إىل جنـب مـع احلـديث ، والكون والبيئة ، والرشاء ، والبيع

. ور التعبديةوسائر األم ، عن الصالة والطهارة والصيام واحلج

: وهذه بعض األمثلة التفصيلية

.]٢٧٥:البقرة[ ﴾ ;> : 9 8 7﴿ :يقول اهللا تعاىل

نا بورك هلـام يف ــفإن صدقا وبي ، البيعان باخليار ما مل يتفرقا « : ×وقال

وإن كذبا وكتام حمقت بركة بيعهام ، بيعهام « )١( .

﴾ º » ¼ ½ ¾ ¿ À ÂÁ﴿ :وقال تعاىل

]١٣٠:آل عمران[

. وقد سبق خترجيه ، رواه البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام )1(

ا ا

١٥٥

؟ يـا رسـول اهللا مـا هـي : قيـل . » اجتنبوا السبع املوبقات « : ×وقال

، وقتـل الــنفس التــي حــرم اهللا إال بــاحلق ، والــسحر ، الــرشك بــاهللا « : قـال

وقـذف املحـصنات ، والتويل يـوم الزحـف ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا

. )١( » املؤمنات الغافالت

والرب بالرب ، والفضة بالفضة ، الذهب بالذهب « : ×وقال والشعري ،

مـثال بمثـل ، وامللح بـامللح ، والتمر بالتمر ، بالشعري يـدا ، سـواء بـسواء ،

. )٢( » يدا بيد فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان ، بيد

﴾ 32 1 /0 . - , + * (﴿ :وقال تعاىل

]١٢٨:النساء[

الصلح جائز بني املسلمني إال صلحا حرم حالال أو أحـل « : ×وقال

واملـــسلمون عـــىل رشوطهـــم إال رشطـــا حـــرم حـــالال أو أحـــل ، حرامـــا

. )٣( » حراما

،. . .)ظلـام إن الذين يأكلون أموال اليتـامى : (ي يف ك الوصايا ب قول اهللا تعاىلرواه البخار )1(

مـسلم بـرشح . ومسلم يف ك اإليامن ب الكبـائر وأكربهـا ، ٢٧٦٦ رقم ٥/٤٦٢فتح الباري

وأبـو داود يف ك الوصـايا ب مـا جـاء يف التـشديد يف أكـل مـال ، ٩٠ رقم ٨٣ ٢/٨٢النووي

. كلهم من حديث أيب هريرة ، اليتيم

، ١٥٨٧رقـم ١١/١٤ بـرشح النـووي مـسلم. رواه هبذا اللفظ مسلم يف ك املساقاة ب الربـا )2(

. كالمها من حديث عبادة بن الصامت . ٢٢٢٢٠ رقم ٦/٤٣٦وأمحد يف املسند

= مـن حـديث أيب، ٣٥٩٤ رقم ١٦٩ ـ ٢/١٦٨رواه أبو داود يف ك األقضية ب يف الصلح )3(

١٥٦ ا ا ا إ در

وليس لعرق ظامل حق ، من أحيا أرضا ميتة فهي له « : ×وقال « )١( .

ª « ¬ ® ° ± ² ³ ©﴿ :وقال سـبحانه

µ ¶ º¹ ﴾ ]٥٨:النساء[.

أد األمانة إىل من ائتمنك وال ختن من خانك « :×وقال «) ٢( .

ا والرتمـذي يف ك األحكـام ب مـ ، . . . )واملـسلمون عـىل رشوطهـم ( بدون قولـه ،هريرة=

وابن ، حسن صحيح: وقال ١٣٥٧ رقم ٣/٧٣ يف الصلح بني الناس ملسو هيلع هللا ىلصذكر عن رسول اهللا

ــة أيب داود يف ك األحكــام ب الــصلح كالمهــا مــن ، ٢٣٥٣ رقــم ٢/٧٨٨ماجــه بمثــل رواي

. حديث عبد اهللا بن عمرو بن عوف املزين عن أبيه عن جده

، ٣٠٣٧ رقــم ٢/٥٩اء املــوات رواه أبــو داود يف ك اخلــراج واإلمــارة والفــيء ب يف إحيــ )1(

كالمهـا مـن . ١٣٨٣ رقـم ٣/٨٩والرتمذي يف ك األحكام ب ما ذكر يف إحياء أرض املوات

رقـم ٢٩٥ ـ٤/٢٩٤وأمحد يف املسند ، حسن غريب: وقال الرتمذي ، حديث سعيد بن زيد

من أحيا أرضا ميتة فهـي لـه ، «: من حديث جابر بلفظ ١٤٦٦٣ رقم ٣٦٦وص ، ١٤٢٢٦

ومالك يف املوطـأ ك األقـضية ب ، هي الطري» العافية «و ، » ما أكلت العافية فهو له صدقةو

مرســال. (القــضاء يف عــامرة املــوات ملسو هيلع هللا ىلص مــن حــديث هــشام بــن عــروة عــن أبيــه عــن النبــي )

والعرق الظامل: وقال اإلمام مالك. ٢٦ رقم ٢/٧٤٣كل مـا احتفـر أو أخـذ أو غـرس بغـري :

. حق

رواه أبو داود يف ك اإلجارة ب يف الرجـل يأخـذ حقـه مـن حتـت يـده )2( ، ٣٥٣٥ رقـم ٢/١٥٧

والــدارمي يف ك البيــوع ب يف أداء ، ١٢٦٨ رقــم ٣/٣٣ منــه ٣٨والرتمــذي يف ك البيــوع ب

وأمحد يف املسند ، كلهم من حديث أيب هريرة . ٢٥٩٧ رقم ٢/٣٤٣األمانة واجتناب اخليانة

صحايب مل يسم عن١٤٩٩٨ رقم ٤/٤٢٣ .

ا ا

١٥٧

.] ١٨٨:البقرة[ ﴾ k l m n o﴿ :وقال عز وجل

. )١( » أال إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام « :×وقال

﴾ c d e gf h i j lk﴿ :وقال تعاىل

]١١:النساء[

ـــال ـــه « : ×وق ـــق حق ـــل ذي ح ـــى ك ـــد أعط إن اهللا ق ـــية ، ـــال وص ف

. )٢( » لوارث

قبل أن جيف عرقه ، اعطوا األجري أجره « : ×وقال « )٣( .

+ * ( ) ' & % $ # " !﴿ :وقــال تعــاىل

, - . / 0 1 2 3 4 5 6 7 8

وقد . من حديث خريم بن عمرو السعدي ١٨٤٨٧رقم ٤٤٤ ـ ٥/٤٤٣رواه أمحد يف املسند )1(

وثبـت هــذا ، بحرمــة الـدماء واألمـوال واألعـراض يف حجــة الـوداعملسو هيلع هللا ىلصتكـرر إخبـار النبـي

. بروايات صحيحة

والرتمـذي ، ٢٨٧٠م رقـ٢/٥أخرجه أبو داود يف ك الوصايا ب ما جاء يف الوصية للوارث )2(

والنـسائي ، ٢١٢٨ ورقم ٢١٢٧ رقم ٤٣ ـ ٤/٤٢يف ك الوصايا ب ما جاء ال وصية لوارث

وابـن ماجـة يف ك الوصـايا ب ال وصـية ، ٦/٢٤٧يف ك الوصايا ب إبطال الوصـية للـوارث

والـــدارمي يف ك الوصـــايا ب الوصـــية للـــوارث ، ٢٧١٣ و ٢٧١٢ رقـــم ٢/٩٠٥لـــوارث

من رواية أيب أمامة وعمـرو ١٧٢١٣ و ١٧٢١١ رقم ٥/٢٠٤أمحد و ، ٣٢٦٠ رقم ٢/٥١١

. بن خارجة

. من حديث ابن عمر ٢٤٤٣ رقم ٢/٨١٧رواه ابن ماجه يف ك الرهون ب أجر األجراء )3(

١٥٨ ا ا ا إ در

.] ٣:املائدة[ ﴾ ?@ < >= ; : 9

i j k l m n o p q r s t﴿ :وقال جل شأنه

u v w x y z { | } ~ � ¡ ¢ £ ¤

.]١٤٥:األنعام[ ﴾ ¦§ ¥

ــال ــه « : ×وق ــه مع ــاب ومثل ــت الكت أال إين أوتي ــل ، ــك رج أال يوش

فام وجـدتم فيـه مـن حـالل ، عليكم هبذا القرآن : شبعان عىل أريكته يقول

ال حيـل لكـم حلـم احلـامر أال . وما وجدتم فيه من حرام فحرمـوه ، فأحلوه

وال لقطة معاهد إال أن يستغني عنها ، وال كل ذي ناب من السبع ، األهيل

ومن نزل بقوم فعليهم أن يقـروه ، صاحبها فـإن مل يقـروه فلـه أن يعقـبهم ،

. )١( » بمثل قراه

º » ¼ ½ ¾ ¿ À Á ÃÂ ¹ ﴿ :وقال تعاىل

Ä Å Æ Ç È ! #" $ % & ' ( ﴾

]١٠٦، ١٠٥:النساء[

فال تقـض بيـنهام حتـى ، إذا جلس إليك اخلصامن ، يا عيل « :×وقال

كام سمعت من األول ، تسمع من اآلخر تبـني لـك فإنك إذا فعلـت ذلـك ،

ويف ك األطعمة ب النهـي ، ٤٦٠٤ رقم ٢/٣٩٧رواه أبو داود يف ك السنة ب يف لزوم السنة )1(

كالمهـا مـن ، ١٦٧٢٢رقـم ١١٦ــ ٥/١١٥وأمحـد ، ٣٨٠٤ رقـم ٢/٢١٣عن أكـل الـسباع

. حديث املقدام بن معد يكرب

ا ا

١٥٩

. )١( » القضاء

فهـو ؛ من أدرك ماله بعينـه عنـد رجـل أو إنـسان قـد أفلـس «: × وقال

. )٢( » ن غريهأحق به م

﴾ {~ | } v xw y z﴿ :وقال تعاىل

]٢٢٩:البقرة[

ــــــال ســــــبحانه ª © § ¦ ¥ ¤﴿ : وق

.] ١٧٩:البقرة[ ﴾ »

7 6 5 4 32 1 0 / . - , +﴿:وقال عز وجل

والرتمـذي يف ك األحكـام ، ٣٥٨٢ رقم ٢/١٦٦رواه أبو داود يف ك األقضية ب كيف القضاء 1

: وقال، ١٣٣٦ رقم ٣/٦٣ب ما جاء يف القايض ال يقيض بني اخلصمني حتى يسمع كالمهام

. ٨٨٤رقم ١/١٧٨ ـ وهذا لفظه ـوأمحد ، حديث حسن

رواه البخاري يف ك االستقراض ب إذا وجد ماله عند مفلس يف البيع والقـرض والوديعـة فهـو 2

ومـسلم يف ك املـساقاة ب مـن أدرك مـا باعـه عنـد ، ٢٤٠٢ رقم ٥/٧٦فتح الباري . أحق به

، ١٥٥٩ رقـم ٢٢٢ ـ ١٠/٢٢١مـسلم بـرشح النـووي ، املشرتي وقد أفلس فله الرجوع فيـه

رقـم ٢/١٥٣١٥٤أبو داود يف ك اإلجارة ب يف الرجل يفلـس فيجـد الرجـل متاعـه عنـده و

٣/٣٢والرتمذي يف ك البيوع ب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنـده متاعـه ، ٣٥١٩

٧/٣١١والنسائي يف ك البيوع ب الرجل يبتاع البيع فيفلس ويوجد املتاع بعينه ، ١٢٦٦رقم

رقـم ٢/٧٩٠ام ب مـن وجـد متاعـه بعينـه عنـد رجـل قـد أفلـس وابن ماجـة يف ك األحكـ،

، ٢٥٩٠ رقــم ٢/٣٤٠والــدارمي يف ك البيــوع ب فــيمن وجــد متاعــه عنــد املفلــس ، ٢٣٥٨

. كلهم من رواية أيب هريرة

١٦٠ ا ا ا إ در

8 9 : ; < = > ? A@ B C D E F G H

I J K L M N O P Q R S T VU W X Y

Z [ \ ] ^ _ a b c d e f g

h i j lk m n o p q r s t u v w x y

z { | } ~ � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § ¨ ©

ª ¬« ® ¯ ° ± ² ³ ´ µ ¶ ¸ ¹ º »

¼ ½ ¾ ¿ À Á Â Ã ÅÄ Æ Ç È É Ê

Ë Ì Í Î Ï Ð Ñ Ò ﴾ ]٩ ــ ٢:النور[.

I J K L M N O P Q R S T U V﴿ :وقــال تعــاىل

W X ZY [ \ ] ^ ﴾ ]٨:املمتحنة[.

.]١:املائدة[ ﴾ ^_ [ \ ] Z﴿ :وقال سبحانه

. وغري هذا من األمثلة التي يطول ذكرها يف هذا املقام

ــوله ــنة رس ــاب اهللا وس ــني يف كت ــع الب ــذا الواق ــد ه ــل بع ــامري ×فه ي

ــئون ــع ش ــه جلمي ــالم ونظم ــمولية اإلس ــدأ ش ــم يف مب ــون وأرضاهب العلامني

. ! ؟ الناس

ماذا ؛ وإىل جانب ما أرشنا إليه من أمر النصوص الترشيعية الوفرية

وكذا خلفائه ، العملية×يقولون فيام ثبت من ممارسات رسول اهللا

تلك املامرسات التي تؤكد عىل متتع الرشيعة ، الراشدين املهديني من بعده

×ول حيث عقد الرس ، اإلسالمية ونظمها املختلفة بخاصية الشمولية

ا ا

١٦١

، )السفراء ( وأرسل الرسل ، وسري اجليوش ، ومجع الزكاة ، املعاهدات

وغري هذا من الشئون التي قام هبا عليه ، وقىض بني الناس ، وأقام احلدودالصالة والسالم بوصفه نبيا يبني للناس ما نزل إليهم من رهبم وحاكام ،

حيث ، لح الدنيا بالدينويص ، سياسيا يقود الناس ويسوسهم برشع اهللا

قال منزل الدين ومرشعه : ﴿O P Q R S T U

V W X Y [Z \ ] ^ _ a` b c

d e f g ih ﴾ ]٤٨:املائدة [.

﴾ Ð Ñ ÓÒ Ô Õ Ö × Ø Ù Ú﴿ :وقال

]٥٠:املائدة[

تبني لـه ؛ ومن نظر يف تراثنا اإلسالمي من فقه وتفسري وحديث وغريه

ال سـيام مـا كـان يف ، يف كل مشكالت احلياةكيف خاض علامؤنا وفقهاؤنا

حتى خلفوا وراءهم ، وقالوا فيها كلمتهم وفق رشع اهللا تعاىل ، عصورهم

، مصنفات ترشيعية هائلة مـستوعبة لقـضايا النـاس ومـشكالهتم املختلفـة

واألسس والقواعد الكلية التي يبنـى ، متضمنة ملنظومة واسعة من املبادئ

عليها ويـسرتشد هبـا يف التعـرف عـىل أنظمـة اإلسـالم واسـتلهامها يف كـل

األمر الذي يدل عىل أنه ما من واقعة إال ولإلسالم فيها رأي ، عرص وهللا ،

. واحلمد هللا رب العاملني . فيها حكم

وم ا ل ا و

اشـية بكـالم ونختم حديثنا عن شـمولية الـنظم اإلسـالمية لألمـور املع

١٦٢ ا ا ا إ در

وهـو يتحـدث عـن ، نفيس لألستاذ الفضيل الدكتور عبـد الكـريم زيـدان

: فيقول ، شمول الرشيعة اإلسالمية

، من املعروف أن الرشيعة اإلسالمية نظام شـامل جلميـع شـئون احليـاة

وتبني له أصول العقيـدة وتـنظم صـلته ، فهي ترسم لإلنسان سبيل اإليامن

وهكذا ال خيرج عن ، وحتكم عالقاته مع غريه ، سهوتأمره بتزكية نف ، بربه

حكم الرشيعة أي يشء )١( .

وبعد أن أشار إىل ما تضمنته الرشيعة اإلسالمية مـن األحكـام املتعلقـة

ثم األحكـام اخلاصـة بالعبـادات التـي يقـصد هبـا ، ثم األخالق ، بالعقيدة

مـع ذكـر ، رع عنهـاحتدث عن املعامالت وما يتف ؛ تنظيم عالقة الفرد بربه

: )٢(فقال ، ما يقابلها يف القانون احلديث

األفـراد وهي التي يقصد هبا تنظـيم عالقـات ، العادات أي املعامالت

وهـــذه تـــشمل مجيـــع روابـــط القـــانون العـــام واخلـــاص يف ، فـــيام بيـــنهم

تنقسم إىل مـا ) املعامالت ( ألن أحكام العادات ، )٣(االصطالح احلديث

. ٥٠ص. املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية )1(

. ٥١ ــ ٥٠ص. السابق )2(

والـضابط املميـز بـني االثنـني وجـود الدولـة ، ن خـاصينقسم القانون إىل قـانون عـام وقـانو3) (

أو . وهـذا هـو القـانون العـام ، باعتبارها صاحبة السلطان يف العالقات التي ينظمها القانون

: نقـال عــن ، هــامش٥٠ص . الـسابق . ( وهـذا هــو القـانون اخلــاص ، عـدم وجودهـا فيهــا

= ) . ٢٥٨أصول القانون للدكتور السنهوري ص

ا ا

١٦٣

: يأيت

، األحكام املتعلقة بـاألرسة مـن نكـاح وطـالق ونفقـة ونحـو ذلـكــأ

. وهي ما يسمى يف الوقت احلارض بقانون األرسة أو األحوال الشخصية

األحكــام املتعلقــة بعالقــات األفــراد املاليــة ومعــامالهتم كــالبيع ــــب

وهـي مـا يـسمى حاليـا بقـانون ، واإلجارة والرهن والكفالـة ونحـو ذلـك

حكـام مـا يتعلـق بالـرشكات ومـن هـذه األ ، عامالت أو بالقانون املـدينامل

والتفلــيس واألمــور التجاريــة األخــرى التــي ينظمهــا يف الوقــت احلــارض

. القانون التجاري

وهـي ، األحكـام املتعلقـة بالقـضاء والـدعوى والـشهادة واليمـني ــج

. تدخل فيام يسمى اليوم بقانون املرافعات

يف " املـستأمنني "ام املتعلقة بمعاملة األجانب غري املسلمني األحكــد

ــة ــا الدول ــع رعاي ــنهم أو م ــيام بي ــاهتم ف ــيم عالق ــالمية وتنظ ــة اإلس الدول

. وهي تدخل فيام يسمى اليوم بالقانون الدويل اخلاص ، اإلسالمية

، واإلداري ، والقــانون الدســتوري ، القــانون الــدويل العــام: وأقــسام القــانون العــام هــي =

. واجلنائي ، واملايل

وقـانون ، قـانون األحـوال الشخـصية: القـانون املـدين بـشقيه : وأقسام القانون اخلاص هـي

والقانون الدويل ، وقانون املرافعات املدنية والتجارية ، والقانون التجاري ، اليةاملعامالت امل

) . نفس املوضع ، السابق. ( اخلاص

١٦٤ ا ا ا إ در

األحكام املتعلقة بتنظيم عالقة الدولة اإلسالمية بالدول األخرى ــ ــه

. وهي تدخل فيام يسمى اليوم بالقانون الدويل العام ، السلم واحلربيف

ـــو ــراد يف ، األحكــام املتعلقــة بنظــام احلكــم وقواعــدهـ وحقــوق األف

وهـــي تـــدخل فـــيام يـــسمى اليـــوم بالقـــانون ، الدولـــة وعالقـــاهتم معهـــا

. الدستوري

تنظـيم و ، حكام املتعلقـة بمـوارد الدولـة اإلسـالمية ومـصارفها األــز

وهي تـدخل ، العالقات املالية بني األفراد والدولة وبني األغنياء والفقراء

. يف القانون املايل

األحكام املتعلقة بتحديد عالقـة الفـرد مـع الدولـة اإلسـالمية مـن ــح

وهـذه . )اجلـرائم ومقـدار عقوبـة كـل جريمـة ( جهة األفعال املنهي عنها

ويلحق هبا . أو قانون العقوبات ، ن اجلنائيتدخل فيام يسمى اليوم بالقانو

وهي ما ، اإلجراءات التي تتبع يف حتقيق اجلرائم وإنزال العقوبة باملجرمني

. ــه . يسمى اليوم بقانون حتقيق اجلنايات أ

*****

ا ا

١٦٥

ا ا

ا

الت إىل باإلسـالم ليكـون خامتـة الرسـا×أرسل اهللا تعاىل نبيه حممـدا

حيـث ، يف سائر األعصار واألمـصار وإىل أن تقـوم الـساعة ، الناس مجيعا

.]١٠٧:األنبياء[ ﴾ a b c d ﴿ :قال سبحانه

﴾ r s t u v w x y﴿ :وقال جل شأنه

]١٥٨:األعراف[

; : 9 8 7 6 5 4﴿ :وقــال عــز وجــل

< = > ? @ A B ﴾ ]١:إبراهيم [.

]٢٨:سبأ[ ﴾ } u v w x y z﴿ :وقال تعاىل

.] ١٩:األنعام[ ﴾ 65 4 3 2 1 0 / .﴿ :وقال عز شأنه

وسـائر مـن بلغـه القـرآن ، أي ألنذركم به يا أهل مكـة : قال املفرسون

أو مــن الثقلــني ، ووصــل إليــه مــن األســود واألمحــر بــه أهيــا أو ألنــذركم .

القــرآن مــن بلغــه : قــال ابــن جريــر . القيامــةاملوجـودون ومــن ســيوجد إىل يــوم

. )١( × فكأنام رأى حممدا

لإلمـام . الكشاف ، بريوت. دار إحياء الرتاث العريب . ٧/١١٩لإلمام اآللويس . روح املعاين 1

. دار عامل املعرفة . ٢/٧الزخمرشي

١٦٦ ا ا ا إ در

ــد اهللا ريض اهللا عــنهام قــال : ×قــال رســول اهللا : وعــن جــابر بــن عب

أعطيت مخسا مل يعطهن أحد من األنبيـاء قـبيل « نـرصت بالرعـب مـسرية :

وجعلت يل األرض مسجدا وطهورا ، شهر ام رجل من أمتـي أدركتـه وأي ،

الصالة فليصل وأحلت يل الغنائم ومل حتل ألحد قبيل ، وكان النبي يبعث ،

إىل قومه خاصة وبعثت إىل الناس كافة وأعطيت الشفاعة ، « .

كل إلى وبعثت ، النبي يبعث إىل قومه خاصة كان « : ويف رواية ملسلم

. )١( »أمحر وأسود

فـرشيعتها ومـا تـضمنته مـن أنظمـة ؛ ت رسالة اإلسالم عامليـةوإذا كان

قـد أراد هلـا اهللا تعـاىل بـأن تكـون ، يف القـرآن والـسنة×جاء هبا الرسـول

. لعموم الناس

وهذا بـني واضـح يف قـول اهللا سـبحانه : ﴿ ¹ º » ¼

½ ¾ ¿ À Á ÃÂ ﴾ ]١٠٥:النساء [.

ــث إن حممــدا ــه×وحي ــاء واملرســلني قــد خــتم اهللا ب ــال ، األنبي كــام ق

فقد جعل اهللا رسـالته خامتـة ؛ ]٤٠:األحزاب[ ﴾ Ã Ä﴿ :سبحانه

١/٥١٩فـتح البـاري ) . فلم جتدوا ماء فتيممـوا ( ك التيمم ب قول اهللا تعاىل رواه البخاري يف 1

ــم ــسلم يف ك املــساجد ، ٣٢٥رق ــووي ، وم ــسلم بــرشح الن ــم ٥ ٥/٣م ، ٥٢٣ و ٥٢١ رق

ــيمم بالــصعيد والــدارمي يف ك الــصالة ب ، ٢١١ ـ ١/٢٠٩والنــسائي يف ك الغــسل ب الت

. ١٣٨٩ رقم ٣٧٥ـ ١/٣٧٤األرض كلها طهور ما خال املقربة واحلامم

ا ا

١٦٧

ومتممـــة ملـــا شـــيدوه مـــن رصح اهلدايـــة ، لرســـاالت األنبيـــاء الـــسابقني

ألهنــا تناســب ، وأراد هلــا أن تكــون ذات صــبغة عامليــة إنــسانية ، والرشــاد

وجعــل رشيعتــه عامليــة ، رص يف كــل عــرص ومــــــ كــل اإلنــسان ــــاإلنــسان

صـاحلة ومـصلحة لكـل زمـان ـــ بحـق ـــوكانت ، ومالئمة للبرش أمجعني

فهي متلك املقومات واخلصائص التـي جتعلهـا جـديرة ، وال غرو ، ومكان

، وتنطوي عىل رفع احلرج واملشقة ، وواقعية ، كوهنا ربانية ؛ هبذه اخلاصية

وجتمع بني الثبات واملرونة ، بالوسطيةوتتسم ، ومالئمة للطبيعة اإلنسانية

وغري هذا مـن املـؤهالت التـي ال تتـوافر ، ــ كام سنشري إىل هذا بعد قليل ــ

. ألي نظام أو مذهب أو نحلة قائمة عىل وجه األرض

ورشيعته عامة ، ومن منطلق ما ذكرنا من أن اإلسالم دين عاملي

رشع ه التـي رشعهـا اهللا أوفـإن نظمـ ؛ وتأسيـسا عـىل هـذا ، لكل البرش

فهي نظـم عامـة ، وختتص هبذه اخلاصية ، أصوهلا تتسم كذلك هبذه السمة

أو خاصـة ، وليست لشعب دون شعب ، ومجيع بني اإلنسان ، لكل البرش

. بل لكل الشعوب واملجتمعات ، أو جمتمع دون آخر ، بعقل دون عقل

سسة عىل رشيعة اإلسالم ثم إن التاريخ يشهد بأن النظم اإلسالمية املؤ

، قد أقامت حضارة عظيمـة راقيـة ، واملنطلقة من مبادئه السمحاء ، الغراء

وبـسطت ، امتدت رقعتها قرونـا طويلـة ، كانت ملء سمع الزمان وبرصه

فام قرصت يوما عـن الوفـاء ، وأجناس عديدة ، ظالهلا عىل شعوب خمتلفة

١٦٨ ا ا ا إ در

ومـا عجـزت يومـا ، ني البرشونعم بظالهلا من ب ، بحاجات من آوى إليها

، عن استيعاب مشكالت اإلنـسانية وإجيـاد احللـول الـصائبة واملالئمـة هلـا

وعـاش ، وشـفاء كـل عليـل ، ودواء كـل سـقيم ، فكانت أمان كل خائف

. )١( الطيبةظلها احلياة الراشدة يف ــ مسلمهم وغري مسلمهم ــالناس

إىل هـذه احلـضارة التـي حـرم منهـا وال يزال العامل احلائر اليوم يتعطش

فـذاق الـويالت وعـاش البـؤس والـشقاء عنـدما ، دهرا طويال من الـزمن

. انتقل زمام القيادة إىل احلضارة الغربية التي أقامت قطيعة مع اهللا

ولسوف يأيت اليوم الذي يـسطع فيـه نـور اإلسـالم ورشيعتـه ونظمـه ،

. الطيبة اهلنيئةليتفيأ اخللق ظالل احلياة الكريمة

[ \ ] T U V W X Y Z﴿:القائل وصدق اهللا

^ * ` a b c d e f g h i j k l m ﴾

.]٩، ٨:الصف[

إن أي حضارة مهام بلغت من النظم وحوت من املبادئ والتـرشيعات ؛

ال يمكــن أن متــأل الفــراغ الــذي خلفــه غيــاب تطبيــق الــرشيعة اإلســالمية

ال توجـد عـىل وجـه ـــ كام ذكرنـا ــألنه ، وال أن تكون نظمها عاملية، ليوما

وشـتان بـني نظـم مـصدرها ، األرض رشيعة ربانية سوى رشيعة اإلسالم

. دار الكلمــة . بتــرصف ٧٧ـــ ٧٦ص . للمؤلــف . العوملــة الثقافيــة وموقــف اإلســالم منهــا )1(

. م ٢٠٠١هــ ١٤٢١ط األوىل . مرص . املنصورة

ا ا

١٦٩

رشيعة ربانية ومـن لـدن علـيم خبـري بفطـر ، من الـوحي اإلهلـي احلكـيم ،

. - ,﴿ ،خلق اإلنسان ويعلم ما فيـه نفعـه ورضره ، البرش ونفوسهم

ونظم برشية؛ ]١٤:امللك[ ﴾ 2 1 0 / مصدرها اإلنسان الـذي ،

، هو عرضة لألغيار وخاضع للمؤثرات الداخلية واخلارجيـة عـىل الـدوام

أو النزعـات ، حتـت تـأثري األهـواءـــ يف كثـري مـن األحيـان ـــكام أنه واقع

أو ، أو مـــصالح طبقـــة اجتامعيـــة عـــىل حـــساب طبقـــة أخـــرى ، األنانيـــة

بل وجهله ، فضال عن قصور علمه ، ضالالت الفكر ووساوس الشيطان

، وحمدودية علمه الذي يعتمد عـىل األسـباب ، حتى بنفسه التي بني جنبيه

فإذا وجدت األسباب وجد . وإذا انتفت األسباب انعدم ،

وم رة اس اإ

عــل حــضارته بنظمهــا ويف إطــار موجــة العوملــة اآلن يــسعى الغــرب جل

ويعمـل الغربيـون عـىل التمكـني هلـذه احلـضارة يف العـامل ، وثقافتها عامليـة

ــستغلني ، عــىل حــساب األنظمــة األخــرى وخاصــة اإلســالمية ، أمجــع م

ومغرتين يف ذات الوقت بام هم فيه من ، ضعف العامل اإلسالمي وترشذمه

. سطوة مادية وقوة ملموسة

. . ضارة الغربية هلذاولكن هيهات أن تصلح احل

بل حتمل يف مضامينها ، إهنا ال حتمل يف طياهتا عوامل بقائها وانتشارها

بـل وانتحارهـا الوشـيك بـإذن ، عوامل انحسارها وإفالسهاــ وبجدارة ــ

١٧٠ ا ا ا إ در

. اهللا تعاىل

وتـسري عـىل خطـى ، إهنا تتسم بخصائص احلضارات الفاسـدة الظاملـة

ــبقتها إىل ا ــاء س ــضارات عوج ــزوالح ــاء وال ــان ، لفن ــضارة اليون ــل ح مث

. وحضارة الرومان البائدتني

إن من ينظر بتجرد وعمق يف احلضارة الغربية املاديـة جيـد أهنـا مل تـسعد

بل إهنـا ، ومل تفلح يف عالج مشكالت املجتمعات اإلنسانية ، بني اإلنسان

، وأفــرزت كثــريا مــن العطــب واألزمــات ، خلفــت كثــريا مــن املــشكالت

ومن يـامري يف هـذا فإننـا ، وسببت عديدا من األدواء التي أشقت البرشية

ونطلـب منـه أن حيـول بـرصه جتـاه ، نحيله إىل حوادث التـاريخ وسـجالته

يف ظل احلضارة الغربية ــوينظر بعني بصريته فيام هم عليه ، واقع الغربيني

أي شعب سار عىل وال ، وسيدرك أن هذه احلضارة مل تسعد أهلهاــاملادية

وأنــه لــيس هلــا مــن اخلــصائص مــا يؤهلهــا ألن تكــون بــديال عــن ، هنجهــا

اإلسـالم فـضال عـن ثقافـةـــ كام يريـد هلـا أهلهـا ــثقافات العامل كله عامة

. )١(ونظمه

*****

. بترصف ، نفس املوضع السابق ، العوملة الثقافية )1(

ا ا

١٧١

اا ا �� �

ا

ورضـيه ، إن من مظاهر كامل الدين اإلسالمي الذي اختاره اهللا لعبـاده

جـاءت تـرشيعاته ونظمـه ؛ ومن خصائصه العظيمـة أنـه ديـن وسـط ، هلم

واالستمرار عىل بالبقاء فكان جديرا ، بعيدة عن جانبي التفريط واإلفراط

ألن الناس ال تستقيم هلم حياة يف ظل نظم ، مر األزمان واختالف البيئات

ون نظـام تتـسم كـام أهنـم ال يطيقـ ، تتسم بالتفريط أو االنفـالت والفـوىض

وهكذا تتجىل أمهية خاصية الوسطية التـي امتـازت هبـا ، باملغاالة والتشدد

. رشيعة اإلسالم وما ينبثق عنها من أنظمة

واملتأمل يف النظم اإلسالمية ومناهجها يتبني له بوضوح هـذه اخلاصـية

، ال شـبيه لـه يف أي نظـام أو مـذهب يف دنيـا النـاس ، عىل نحـو فـذ عظـيم

ث إن النظم الوضعية عىل اختالف أطيافها ومشارهبا ال تـسلم يف كثـري حي

. من األحيان من اجلنوح إىل اإلفراط أو التفريط

وجتـــدر اإلشـــارة إىل أن القـــرآن الكـــريم قـــد أرســـى مبـــدأ التوســـط

ــالمية ــاة اإلس ــدال يف احلي ــي ، واالعت ــه النب ــد علي ــا×وأك ــنته نظري يف س

. وعمليا

١٧٢ ا ا ا إ در

0 / .﴿ :املثــال يقــول اهللا تعــاىل يف حمكــم التنزيــلفعــىل ســبيل

.] ٢٩:اإلرساء[ ﴾ : 9 8 7 6 5 4 3 2 1

É Ê Ë Ì Í﴿ :ويقــول ســبحانه يف وصــف عبــاد الــرمحن

Î Ï Ð Ñ Ò Ó ﴾ ]٦٧:الفرقان [.

º » ¼ ½ ¾ À¿ Á Â Ã﴿ :وقال سبحانه

Ä ÆÅ Ç È É Ê ÌË Í Î Ï Ð ÒÑ Ó Ô Õ Ö

.]٧٧:القصص[ ﴾ ×

جاء ثالثة رهـط إىل بيـوت أزواج النبـي : وعن أنس ريض اهللا عنه قال

كـأهنم تقالوهـا ؛ فلـام أخـربوا ، × يسألون عن عبادة النبـي × : وقـالوا!

قد غفـر لـه مـا تقـدم مـن ذنبـه ومـا تـأخر! ؟ ×أين نحن من النبي قـال !

أصوم الـدهر أبـدا وأنا : وقال اآلخر ، فأصيل الليل أبدا ؛ أما أنا : أحدهم

. فال أتزوج أبدا ؛ وأنا أعتزل النساء : وقال اآلخر ، وال أفطر

أمـا ! ؟ أنتم الذين قلتم كذا وكذا « : فقال ، إليهم×فجاء رسول اهللا

، وأصيل وأرقـد، لكني أصوم وأفطر؛ إين ألخشاكم هللا وأتقاكم لهــ واهللا ــ

. )١( » نيفمن رغب عن سنتي فليس م ؛ وأتزوج النساء

ــاح )1( ــب يف النك ــاح ب الرتغي ــاري يف ك النك ــتح ال. رواه البخ ــاري ف ــم ٩/٥٦ب ، ٥٠٦٣ رق

= مـسلم بـرشح. ومسلم يف ك النكاح ب استحباب النكاح ملن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنـة

ا ا

١٧٣

وعــن أيب ربعــي حنظلــة بــن الربيــع األســيدي الكاتــب أحــد كتــاب ــــ

كيـف أنـت يـا : فقـال ، لقيني أبو بكر ريض اهللا عنـه : قال×ول اهللا ــرس

: قـال! ؟ ما تقـول! سبحان اهللا : قال ، نافق حنظلة : قلت : قال ؟ حنظلة

اجلنة حتى كأنـا رأي عـني يذكرنا بالنار و×نكون عند رسول اهللا : قلت ،

عافسنا األزواج واألوالد والـضيعات×فإذا خرجنا من عند رسول اهللا ،

. فنسينا كثريا

فواهللا إنا لنلقى مثل هذا : قال أبو بكر ريض اهللا عنه فانطلقت أنا وأبو !

: قال! نافق حنظلة يا رسول اهللا: قلت×بكر حتى دخلنا عىل رسول اهللا

يا رسول اهللا نكون عندك تذكرنا بالنـار واجلنـة حتـى : قلت» ؟ ما ذاكو «

ـــني ـــا رأي ع كأن ـــسنا األزواج واألوالد ، ـــدك عاف ـــن عن ـــا م ـــإذا خرجن ف

والـذي نفـيس بيـده لـو « : ×فقـال رسـول اهللا ، نسينا كثريا ؛ والضيعات

تــدومون عــىل مــا تكونــون عنــدي ويف الــذكر لــصافحتكم املالئكــة عــىل ؛

. )١( مرات ثالث . »ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ، شكم ويف طرقكمفر

، ٦/٦٠والنسائي يف ك النكاح ب النهـي عـن التبتـل ، ١٤٠١رقم ٩/١٧٥١٧٦النووي =

. ١٣١٢٢ رقم ٤/١٢٦وأمحد

مـسلم بـرشح النـووي ، اآلخرةرواه مسلم يف ك التوبة ب فضل دوام الذكر والفكر يف أمور )1(

، ٢٥٢٢رقم ٢٣١ ـ ٤/٢٣٠ ٥٩والرتمذي يف ك صفة القيامة ب، ٢٧٥٠ رقم ٦٧ ١٧/٦٥

. حسن صحيح : وقال

= معنـاه حاولنـا: وغريه قال اهلروي،هو بالفاء والسني املهملة) عافسنا: (قال اإلمام النووي

١٧٤ ا ا ا إ در

أعظـم « : ×قـال رسـول اهللا : وعن أنس بن مالك ريض اهللا عنه قال

املؤمن هيم بأمر دنياه وأمر آخرته ؛ �الناس مها « )١( .

ا ا و

نظم اإلسـالمية فإهنـا أكثـر وإذا أردنا أن نذكر مظاهر ودالئل وسطية ال

وحـسبنا أن نـشري هنـا إشـارة رسيعـة بـام يفـي ، من أن حتىص يف هذا املقـام

. باملقصود إن شاء اهللا

دا ا

مـن املـشكالت االقتـصادية التــي شـغلت الفـرد واملجتمـع واهتمــت ،

وقـد تقاسـمت ، مـشكلة امللكيـة الفرديـة ؛ بعالجها الـنظم قـديام وحـديثا

. املذاهب والنظم غري اإلسالمية فيها طريف اإلفراط والتفريط

ظم التـي وقفـت ـــ من أبـرز النــ يف العرص احلديث ــوكانت الشيوعية

حيـث شـنت عليهـا حربـا ال ، من امللكية الفردية موقـف الغلـو واإلفـراط

. هوادة فيها

يف عـددها ـــزب الشيوعي لسان احلــ) الربافدا ( فقد قالت صحيفة (

» كــارل مــاركس « : نحــن نــؤمن بثالثــة( : م١٩٤٩ نيــسان ٢٦الــصادر

مجـع ضـيعة ) والـضيعات ( ، نـاأي عاجلنـا معايـشنا وحظوظ ، ذلك ومارسناه واشتغلنا به=

وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة ، بالضاد املعجمة .

. ٢١٤٣ رقم ٢/٧٢٥رواه ابن ماجه يف ك التجارات ب االقتصاد يف طلب املعيشة )1(

ا ا

١٧٥

وامللكيـة . والـدين . اهللا : وال نؤمن بثالثـة أشـياء ، » ستالني « و» لينني «و

. )١( )»اخلاصة

، كام اختذ الشيوعيون تدابري عمليـة ملحـارصة امللكيـة الفرديـة وخنقهـا

وإجبار الشعب عىل العمل يف املزارع اجلامعيـة ، املمتلكات اخلاصةكتأميم

. ونحو ذلك

ويف مقابــل املوقــف الــشيوعي كانــت الرأســاملية مــن أبــرز الــنظم التــي

حيـث قامـت عـىل أسـاس ، لزمت جانـب التفـريط حيـال امللكيـة الفرديـة

. تقديسها

امللكية تضخيم شأنلقد تطرفت الرأساملية يف : وحقا ما يقوله البعض

. )٢(كام تطرفت الشيوعية يف إلغاء هذه امللكية ، الفردية

؟ فامذا كان من منهج اإلسالم ونظمه بشأن هذه املشكلة

ومل يتجاهل واقعها وال كوهنـا ، لقد اعرتف اإلسالم بامللكية الفردية*

وأن حـب التملـك يمثـل أحـد الـ ، أمرا مغروزا يف النفس اإلنسانية دوافع

والتنــافس يف اإلجــادة ، حيفــزه للعمــل واإلنتــاج ، الكــربى لــدى اإلنــسان

. واملشاركة والسعي يف إعامر الكون ، واالبتكار

. ط الثانية . مرص . دار املعارف . ٣٥ص . عبد احلليم حممود /د . فتاوى عن الشيوعية )1(

إرشاف وختطــيط ومراجعــة . ملوســوعة امليــرسة يف األديــان واملــذاهب واألحــزاب املعــارصة ا )2(

. ط الثالثة . الرياض . الندوة العاملية للشباب اإلسالمي . ٢/٩٢٣مانع ابن محاد اجلهني /د

١٧٦ ا ا ا إ در

فلـم يعمـل عـىل ؛ ثم سلك اإلسالم منهجا وسطا يف التعامـل معهـا*

ومل يطلـق هلـا العنـان ، ــ كام فعلت الشيوعية ــقتلها وإلغائها كـام فعلـت ـــ

. ــأساملية الر

لقد أباح اإلسالم لكل إنسان أن يشبع غريزة حب التملك املركوزة *

وفــتح البــاب أمامــه ليحــوز الثــروات ، يف نفــسه بأيــة ، وجيمــع األمــوال ،

. وسيلة من الوسائل املرشوعة

سواء أكـان سـبب التملـك وضـع اليـد عـىل يشء مبـاح مل يكـن مملوكـا

. لشأن يف إحياء املوات ونحوهكام هو ا ، ألحد من قبل

كـالبيع واهلبـة ، أم كان التملك ناشـئا عـن عقـد مـن العقـود املـرشوعة

. وغري ذلك

أم كــان ســبب التملــك اخلالفــة كــاإلرث الــذي حيــل بــه الــوارث حمــل

. )١( املتوىف

ثم إن اإلسالم وضع قيودا عىل امللكية الفردية حتقـق مـصلحة الفـرد *

وأن ال حتمـل الرغبـة يف ، فأمر أن يكون مصدر التملك حـالال ، عةواجلام

أو اإلرضار ، التملك صاحبها عىل التعدي عىل أموال اآلخرين وحقوقهم

كيـة يف الفقـه اإلسـالمي يراجـع ـ ملزيـد مـن التفـصيل حـول أسـباب املل)1( : عـىل سـبيل املثـال ـ

دار . ومـا بعـدها ١٧ص . عـدنان خالـد الـرتكامين / د. امللكيـة يف الفقـه اإلسـالمي ضوابط

. م ١٩٨٤ هــ ١٤٠٤ط األوىل . جدة . املطبوعات احلديثة

ا ا

١٧٧

فحرم اإلسالم مجيـع وسـائل الكـسب املحرمـة كالـرسقة والغـش يف ، هبم

. وغري ذلك ، واالحتكار ، والربا وغصب األموال ، البيع والرشاء

بل ألزم اإلسالم صاحب املال بأن ال ينفـق شـيئا مـن ؛ يس هذا فقطول

فال جيوز أن ينفقه يف حمرم حتت أي مسوغ كان، ماله إال يف حالل كادعـاء ،

وهذا اإللزام أو التقييد ، احلرية الشخصية الذي يتشدق به النظام الرأساميل

للملكية من جانب اإلسالم يتيح للامل أن يوجه نح ، و النافع مـن األعـامل

ويـصونه مـن أن يبذلـه ، وما يعـود بـاخلري واملـصلحة عـىل الفـرد واجلامعـة

. أو عىل أحسن الفروض فيام ال ينفع وال يرض، مالكه فيام يرض وال ينفع

ومـصلحة ـــومن القيـود التـي وضـعها اإلسـالم عـىل امللكيـة الفرديـة

ــى ــذا ال ختف ــة يف ه ـــاجلامع ــال إذا ؛ ـ ــصطلح أن امل ــا أو بامل ــدا معين ــغ ح بل

الرشعي نصابا حمددا فقد وجب عىل مالكه رشعـا أن ؛ مع رشوط أخرى ،

ــه نــصيبا مفروضــا يــؤدي أو خيــرج من يوجــه إىل مــصارف ، وهــو الزكــاة،

عىل رأسها الفقراء املعدمون، حمددة . واملساكني البائسون ،

، قـد فـتح البـاب لإلنفـاق التطـوعيوباإلضافة إىل الزكاة فإن اإلسالم

. وإغاثة امللهوف ، وحث عىل الرب واإلحسان ، حيث رغب يف الصدقة

ومـن القيـود ـ كـذلك ـ أنـه إذا تعارضـت مـصلحة الفـرد مـع مـصلحة

املجموع قدمت مصلحة املجموع، من غري ظلم للفـرد أو جـور عـىل حقـه

ت هناك رضوة لنـزع ملكيـة يف التعويض املناسب، واسرتضائه، كام لو كان

١٧٨ ا ا ا إ در

خاصة،من أجل حتقيق مصلحة عامة حقيقية .

واإلســهام يف أوجــه اخلــري التــي ، كــام أنــه رغــب يف القــرض احلــسن*

. تعود بالنفع عىل املجتمع كله

ثم إن اإلسالم يف تعامله مع امللكيـة الفرديـة يوجـه دائـام إىل اسـتثامر *

وعدم تركه مدخر ، املال ويؤكد عىل هذا التوجه الذي ، ا معطال أبد الدهر

فنـرى اإلسـالم يـشجع عـىل التجـارة والبيـع ، فيه مصلحة الفرد واجلامعـة

ونحـو هـذا مـن أنـشطة ، وإحياء املوات ، واملضاربة ، والقرض ، والرشاء

. االستثامر احلالل النافع

ومن املعروف يف الفقه اإلسالمي أن من وضـع يـده عـىل أرض ميتـة مل

بــل عطلهــا وأمهــل ، لكنــه مل يقــم هبــذا ، بقــصد إحيائهــا ، يــسبق تعمريهــا

وهو من يـسمى ــوتركها عىل هذه احلال زمنا طويال ، استثامرها وإعامرها

باملحتجر . )٢( فإن هذا يسقط حقه يف ملكيتها بعد ثالث سنني؛ )١(

أو حيتفر حوهلا ، واالحتجار أن يرضب عليها منارا«: قال أبوعبيد يف معنى احتجار األرض )1(

ثم يدعها مع هذا فال يعمرها ، مما يكون به احليازة ، وما أشبه ذلك ، أو حيدث مسناة ، حفريا

لإلمـام أيب عبيـد القاسـم . كتاب األموال »ويمتنع غريه من إحيائها ملكان حيازته واحتجاره

هـــ ١٤٠١ط الثالثـة . القاهرة . دار الفكر . حتقيق حممد خليل هراس . ٢٦٣ص . بن سالم

. م ١٩٨١

باإلضافة إىل كتب الفقه . وما بعدها ٢٦٧السابق ؛ ص : ه يف يراجع تفصيل هذا احلكم بأدلت )2(

. يف هذا الباب

ا ا

١٧٩

بل إن اإلسالم يوجه الويص عىل ما

ل اليتيم وحيضه عىل أن يـستثمر لـه

وأن ال يبقيـه معطـال ومـدخرا دون اسـتثامر ، ماله الذي حتت يده باالجتـار

. فينفد بسبب اإلنفاق والزكاة

اجتـروا يف « : ×قال رسول اهللا : عن أنس بن مالك ريض اهللا عنه قال

. )١( » أموال اليتامى ال تأكلها الزكاة

ط دار احلـــرمني بالقـــاهرة ( ٤١٥٢ رقـــم ٤/٢٦٤أخرجـــه الطـــرباين يف املعجـــم األوســـط )1(

وأخـربين سـيدي وشـيخي : وقـال ) ٣/٦٧( وأورده اهليثمي يف جممع الزوائـد ، )هــ ١٤١٥

: وقـال» أسـنى املطالـب «وأورده صـاحب . إسـناده صـحيح أن ] العراقـياحلـافظ :قصدي[

سـنده : وقـال ، ورواه البيهقـي موقوفـا عـىل ابـن عمـر ، صححه العراقي وحسنه ابـن حجـر

الــشيخ حممــد درويــش ، أســنى املطالــب يف أحاديــث خمتلفــة املراتــب. صــحيح أي املوقــوف

. م ١٩٨٣هــ ١٤٠٣دار الكتاب العريب ، ٣٥ رقم ٢٦احلوت ص

أال مـن ويل «: خطـب النـاس فقـال ملسو هيلع هللا ىلصأن النبـي : عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جـده و

يتيام له مال فليتجر فيه وال يرتكه حتى تأكله الصدقة أخرجه الرتمذي يف جامعه ك الزكـاة . »

ب اجتار الويص يف مال اليتـيم أو ، ك البيوع، والبيهقي يف السنن الكربى ، ب زكاة مال اليتيم

: قـال الرتمـذي. والدارقطني يف ك الزكاة ب وجوب الزكاة يف مـال الـصبي واليتـيم، اضهإقر

إنام يروى هذا احلديث مـن هـذا الوجـه ألن املثنـى يـضعف يف احلـديث؛ويف إسـناده مقـال، .

، وقد رويناه يف كتـاب الزكـاة عـن املثنـى بـن الـصباح عـن عمـرو بـن شـعيب: وقال البيهقي

والصحيح رواية حسني املعلم ، عيل عن أيب إسحاق الشيباين عن عمرووروي عن مندل بن

ابتغـوا ": عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن املسيب أن عمر بن اخلطاب ريض اهللا عنـه قـال

وروي مـن وجـه آخـر ، وقد رويناه من أوجه عـن عمـر ، "بأموال اليتامى ال تأكلها الصدقة

= نصب الرايـة : انظر . الصحيح أنه من كالم عمر :وقال الدارقطني . ملسو هيلع هللا ىلصمرسال عن النبي

١٨٠ ا ا ا إ در

وجيه اإلسالمي باسـتثامر املـال إنعـاش لالقتـصاد وهنـوضويف هذا الت

وإجياد فرص مناسبة لتوظيف الطاقات البرشية يف املجتمع ، به بـام يعـود ،

. وفيه أيضا تضييق لرقعة البطالة ، باخلري والرخاء عىل اجلميع

وهـو يعتـرب أحـد ، وباإلضافة إىل ما سبق فقد رشع اإلسالم املرياث*

يتـيح ، وهـو تـرشيع حكـيم عـادل ، د عىل امللكية بعد وفـاة صـاحبهاالقيو

اإلسالم بموجبه ألقرب الناس من املالـك أن يكـون لـه نـصيب مـن املـال

عىل نحو مـا هـو مفـصل يف ، بحسب درجة القرابة من املتوىف ، بعد الوفاة

. نظام املرياث يف الرشيعة اإلسالمية

كيـة الفرديـة يف حـال حيـاة املالـك وبعـدهذا املوقف اإلسالمي من املل

ينــتج عنــه حركــة إجيابيــة فاعلــة يف املجتمــع ، وفاتــه وعمــل دؤوب مــن ،

األفراد وجد واجتهاد إلعامر احلياة .

فإذا علم اإلنسان أن اخلري الذي يرتتب عـىل سـعيه وينـتج مـن عملـه ،

وكده سوف يمكـن مـن امتالكـه واالنتفـاع بـه والتـرصف مهـام بلـغ ، فيـه

وأن هذا املال كذلك سيؤول من بعـده ، حجمه ما دام بالضوابط الرشعية

إىل ورثته الذين هم أعـز النـاس إليـه مثـل أوالده ونحـوهم فـال شـك أن ؛

والعمل املتواصل ، هذا األمر سيكون دافعا وحافزا له عىل البذل والعطاء

دار . ٣٩١ ـ٣٨٨/ ٢مجال الدين عبد اهللا بن يوسـف الزيلعـي . يف ختريج أحاديث اهلداية =

. احلديث

ا ا

١٨١

وهــذا هــو الــذي ، جتمــعلإلســهام يف التنميــة والرخــاء االقتــصادي يف امل

ومنهجه الرشـيد احلكـيم يف التعامـل مـع ، حيدث يف ظل النظام اإلسالمي

. والنظر إىل امللكية الفردية ، الثروة

وأما إذا ما أحس اإلنسان بأنه مهام اجتهد ومهام حصل من كـسب فإنـه

لن يمكن من االنتفاع به إال يف حدود معينة ضـيقة وبأنـه إذا تـويف ، وتـرك

فإنـه يف هـذه احلـال ؛ وراءه شيئا من كسب يده فلن يعود عىل ورثته بالنفع

وسـوف حيجـم عـن توظيـف ، سوف يتقاعس عن بذل أقىص ما يف وسعه

وبالتــايل ســوف يتضعــضع ، كــل طاقاتــه لإلســهام يف التنميــة االقتــصادية

،إن مل تكــن تنهــار ، وتقــل مــوارد الــبالد ، وتــضعف مقوماتــه ، االقتــصاد

فيام كان يعرف باالحتاد السوفيتي ، وهذا ما حدث يف ظل النظام الشيوعي

. البائد

وهكذا نرى وسـطية الـنظم اإلسـالمية يف التعامـل مـع مـشكلة امللكيـة

ــة ــراط ، الفردي ــريف اإلف ــا ط ــرى حياهل ــة األخ ــمت األنظم ــني تقاس يف ح

. والتفريط

ة اا

فإننـا ؛ آخر يتجىل من خاللـه وسـطية اإلسـالم ونظمـهولو أردنا مثاال

. نشري إىل منهج اإلسالم املعتدل يف التعامل مع مشكلة الغريزة اجلنسية

يـتلخص يف أنـه ، لقد تعامل اإلسالم مع الغريزة اجلنسية تعامال وسطا

١٨٢ ا ا ا إ در

وكذلك مل يطلق هلا العنان وجيردها من أية قيود ، مل يقتلها أو يكبتها وإنام ،

وكـرس أنياهبـا ، وإن شئت فقل إنـه قلـم أظافرهـا ، وعدل مسارها ، هذهبا

وهـو الـزواج أو ، وذلك بأن رشع إرواء الغريزة بالطريق املرشوع ، احلادة

. وما عدا هذين من السبل فممنوع رشعا ، ملك اليمني

ـــول ســـبحانه ـــذا يق > ; : 9 8 7 6﴿ :ويف ه

= > ? @ A B C D E F G H I

J K L ﴾ ]٧ ــ٥:املؤمنون [.

وهكذا يأيت موقف اإلسالم حيال مشكلة الغريزة اجلنـسية وسـطا بـني

. الغلو والتفريط

الذي حيبـذه ، يف نظام الرهبنةــ عىل سبيل املثال ــحيث إننا نجد الغلو

إذ يعتـربون قتـل الغريـزة اجلنـسية وعـدم إروائهـا ، رجال الدين النصارى

مصادمني بذلك الفطـرة التـي ، ق الزواج قمة املثالية والسموولو عن طري

. فطر اهللا الناس بل اخللق مجيعا عليها

لـدى احلـضارة الغربيـة ـــ عىل سبيل املثال ــونجد التفريط واالنفالت

التي سلكت مسلك الفوىض وتركت احلبل عىل الغـارب للغريـزة ، املادية

ــسية ــوابط ، اجلن ــة ض ــزعم أ ، دون أي ــصيةب ــة شخ ــذه حري ــة ، ن ه مكفول

. للجميع من غري نزاع

ا ا

١٨٣

مل ينتج عنهام سوى اخللل واهلالك ) اإلفراط والتفريط ( وكال املنهجني

، والذي ال ختفى دالئلـه عـىل أحـد ، املاحق الذي طال األفراد واجلامعات

ومثـل التفكـك ، مثل انتشار األمراض اجلنسية الفتاكة كالزهري واإليـدز

ووجـــود طفولـــة معذبـــة تتمثـــل يف األطفـــال غـــري الـــرشعيني ،األرسي

كـام تنطـق بـذلك اإلحـصاءات اخلاصـة ، وقلـة النـسل عمومـا ، واللقطاء

، وتفــيش الــشذوذ اجلنــيس الــذي اختــذ صــورا عديــدة ، بالــدول األوربيــة

إىل غري ذلك من اآلثار التي هبطت بتلـك املجتمعـات ... وبدرجة مفزعة

. إىل أسفل سافلني

ــصلحهم ــا ي ــه م ــيام رشع خللق ــيم ف ــسبحان اهللا احلك ــسعدهم يف ، ف وي

.الدارين

*****

١٨٤ ا ا ا إ در

ا ا

ومت واا ا

وأن ، لقد أراد اهللا تعاىل لدينه احلنيف أن يكون دينـا عامـا لكـل اخللـق

يكون خالـدا حتكـم رشيعتـه األفـراد واملجتمعـات اإلنـسانية ن يكـون وأ ،

صــاحلا ومــصلحا لكــل زمــان ومكــانــأن حيمــل يف ، ــا ب وهلــذا كــان حري

مضامينه وخصائـصه مـؤهالت خلـودهوصـالحية رشيعتـه لكـل عـرص ،

. ومرص

أن رشيعة اإلسالم ــ باإلضافة إىل ما سبق ذكره ــومن هذه اخلصائص

عجـاز وهـذه اخلاصـية واحـدة مـن مظـاهر اإل ، جتمع بني الثبات واملرونـة

، ألهنـا ربانيـة ، الترشيعي الذي ال يمكن أن يتوافر إال للرشيعة اإلسالمية

موحى هبا من عند اهللا الذي خلق اخللـق وهـو حكـيم خبـري حمـيط علـيم ،

. بفطرهم وطباعهم وما يالئمها

ومن هنا فقد حوت نظم هذه الرشيعة وقوانينها أمورا تتسم بالثبـات ؛

تتـسم باملرونـة وتقبـل التغـري ؛ وأخرى بخالف ذلك ، ال تقبل التغيري أبدا

. وتغري األحوال والبيئات ، بام يتمشى مع تطور املجتمعات

إن هناك أمورا علم اهللا تعاىل أزال أهنا تناسب البرش منذ تنزل الـوحي ،

وال أصـحاب ، ال خيتلف فيها أهل عرص عـن آخـر ، وإىل أن تقوم الساعة

ا ا

١٨٥

فرشع اهللا تعاىل بشأهنا أحكاما اقتـضت حكمتـه سـبحانه ، مكان عام سواه

أن تكون ثابتة وأن تظل كام هي نصا وروحـا مظهـرا ؛ شـكال ومـضمونا ؛

وســواء أتقــدمت أم ، وتطــورت البــرشية ، مهــام تغــري الزمــان ، وجــوهرا

. تأخرت

ى ثابتـا يف كـل زمـان ومن أمثلة ما اقتضت حكمة اهللا عز وجـل أن يبقـ

، وهـي اإليـامن بـاهللا ، أو أركـان اإليـامن الـستة ، أصـول العقيـدة ؛ ومكان

والقـدر خـريه ورشه حلـوه ، واليـوم اآلخـر ، ورسـله ، وكتبـه ، ومالئكته

ومره .

. واحلج ، والزكاة ، والصيام ، كالصالة ، ومنها العبادات املعروفة

، والوفــاء ، واألمانــة ، والــصدق ، كالــصرب ، ومنهــا مكــارم األخــالق

. وغريها ... والرمحة ، والعفة ، والقناعة ، والتواضع ، واحلياء

ـــديات ، والقـــصاص ، ومنهـــا احلـــدود ـــزواج ، وال ، والطـــالق ، وال

. وغري ذلك من الثوابت ... واالحتكار ، والزنا ، وحرمة الربا ، واملرياث

نـصوص تفـصيلية رصحيـة حمكمـةوهذه األمور الثابتة قد جاءت هبا ،

.]٢٧٥:البقرة[ ﴾ ;> : 9 8 7﴿ :نحو قوله تعاىل

; : 9 8 7 6 5 4 3﴿ :وقولــه ســبحانه

.]١٨٣:البقرةسورة [ ﴾ @ ? < = >

١٨٦ ا ا ا إ در

S T U V W﴿ :وقوله عز وجل

X Y Z [ \ ] _

` a b c d e f

g h i j k l m n o p q

r s t u v w x y z

{ | } ~ � ¡ ¢ £ ¥¤ ¦ §

© ª ﴾ ]٢٣:النساء. [

: قـال×عـن النبـي ، ومن ذلك أيضا ما روتـه عائـشة ريض اهللا عنهـا

حيرم من الرضاعة ما حيرم من الوالدة « « )١( .

يقول وهو بمكة عـام ×أنه سمع النبي ، وما رواه جابر ريض اهللا عنه

. » إن اهللا ورسوله حرم بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واألصنام « :الفتح

يا رسول اهللا أرأيت شحوم امليتة فإنه يطىل هبا الـسفن : فقيل ويـدهن ،

ويستصبح هبا الناس ، هبا اجللود . ؟

قاتـل اهللا « : عند ذلك×ثم قال رسول اهللا ، » هو حرام ، ال « : فقال

ــي )1( ــوت أزواج النب ــاء يف بي ــا ج ــس ب م ــرض اخلم ــاري يف ك ف ــاري . ملسو هيلع هللا ىلصرواه البخ ــتح الب ف

وحيـرم مـن الرضـاع ) الاليت أرضعنكم وأمهاتكم(ويف ك النكاح ب ، ٣١٠٥ رقم ٦/٤٢٣

ومـسلم يف ك الرضـاع رقـم ، ٥٠٩٩ رقـم ٩/٤٣فـتح البـاري . ما حيرم من النـسب ١٤٤٤

. ١ رقم ٢/٦٠١ومالك يف املوطأ ك الرضاع ب رضاعة الصغري ، ]وهذا لفظه[

ا ا

١٨٧

ن اهللا ملـــا حـــرم علـــيهم شـــحومها مجلـــوه ثـــم بـــاعوهإ ، اليهـــود فـــأكلوا ،

ثمنه « )١( .

مــا أســكر كثــريه فقليلــه « : قــال×ومــا رواه جــابر أيــضا عــن النبــي

. )٢( » حرام

. فهذه بعض األمثلة عىل ما هو ثابت بني مما رشعه اهللا تعاىل

هي دائرة أوسع وأعم ، دائرة أخرىــكام ذكرنا ــويقابل هذا الثابت من ،

وفـق أصـول ، وتالحق التطورات واملستجدات ، شأهنا أن تستوعب النوازل

وإن ، بام يوسع عىل الناس ويرفع احلـرج واملـشقة عـنهم، الرشيعة ومقاصدها

. وهي دائرة تتسم باملرونة والسعة، اختلفت أعصارهم وأقطارهم

ا ا وموا ا ا ويـساعد عـىل إبقائهـا ، فام الذي يعمل عـىل تـوافر هـذه املـساحة املرنـة

؟ مستمرة يف الرشيعة اإلسالمية ونظمها

١ا ا مر إن أول عامل يف إجياد هـذه اخلاصـية املرنـة يف الـرشيعة اإلسـالمية هـو

تكـون فام كان اهللا احلكيم العليم ليرشع خللقه رشيعة، ركوهنا ربانية املصد

ثـم تكـون هـذه ؛ وعاملية لكـل البـرش يف كـل زمـان ومكـان، خامتة الرشائع

. ٢٢٣٦ رقم ٤/٤٩٥فتح الباري . رواه البخاري يف ك البيوع ب بيع امليتة واألصنام )1(

والرتمــذي يف ك ، ٣٦٨١ رقــم ٢/١٨٩رواه أبــو داود يف ك األرشبــة ب مــا جــاء يف الــسكر )2(

وابن ماجـه يف ك األرشبـة ب ، ١٨٧٢ رقم ٣/٣٤٣األرشبة ب ما أسكر كثريه فقليله حرام

. ٥٦١٦ رقم ٢/٢١٩وأمحد ، ٣٣٩٤ و٣٣٩٣ رقم ٢/١١٢٥ما أسكر كثريه فقليله حرام

١٨٨ ا ا ا إ در

الـذي علـم ، الرشيعة جامدة عاجزة عن مواكبة ومسايرة التطور اإلنـساين

. اهللا سلفا أنه كائن وواقع

ولذا اقتضت حكمته سبحانه وعدله ورمحته أن ي لزم عباده بتـرشيعات

وهــذه يــنص عليهــا ــــ كــام أرشنــا إىل بعــضها ســابقا ــــثابتــة قطعيــة حمــددة

وأن يكلفهم ، سواء أكان يف القرآن أم يف السنة، بنصوص تفصيلية رصحية

وهـذه ، وطريقـة حتقيقهـا، ثم يوسع عليهم يف كيفيـة اإلتيـان هبـا، بأمور ما

وقـد ال يكـون هـذا التكليـف وال ، ةتأيت ضمن قواعد كلية ونصوص عام

، ـــ رمحـة بعبـاده غـري نـسيان ــبل يسكت اهللا تعاىل عن أمور ، ذاك الترشيع

وهذا ما يسمى بالعفو .

ــه ــة اخلــشني ريض اهللا عن ــن أيب ثعلب ع ــي ، ــن النب ــال×ع إن اهللا « : ق

فال وحرم أشياء ، وحد حدودا فال تعتدوها ، فرض فرائض فال تضيعوها

وسكت عن أشياء رمحة لكم غري نسيان فال تبحثوا عنها، تنتهكوها « )١( .

مـا أحـل اهللا يف « : قـال×وعن أيب الـدرداء ريض اهللا عنـه عـن النبـي

فـاقبلوا ، وما سكت عنه فهو عفـو ، وما حرم فهو حرام ، كتابه فهو حالل

è é﴿ :تال هـذه اآليـةثم ، » فإن اهللا مل يكن لينسى شيئا ، من اهللا عافيته

وعـزاه إىل ) ١/١٧١(وأورده اهليتمـي يف جممـع الزوائـد ، ٤/١١٥ملستدرك رواه احلاكم يف ا )1(

وقد تكلم، ورواه الدارقطني يف سننه ، ورجاله رجال الصحيح: وقال ، الطرباين يف الكبري يف

سند هذا احلديث ؛ لكن يشهد له أحاديث أخر . مثل حديث أيب الدرداء التايل ،

ا ا

١٨٩

ê ë ﴾ ]١(] ٦٤:مريم(.

فحـديث أيب ثعلبـة قـسم فيـه أحكـام اهللا أربعـة : قال اإلمام ابن رجب

وذلك جيمع أحكام ، ومسكوت عنه ، وحدود ، وحمارم ، فرائض : أقسام

. )٢(الدين كلها

ة كالـصال ، فام فرضه اهللا عىل عباده وألـزمهم القيـام بـه ؛ فأما الفرائض

. والزكاة والصيام واحلج

ومنـع مـن قرباهنـا وارتكاهبـا ، فهي التـي محاهـا اهللا تعـاىل؛ وأما املحارم

. وانتهاكها

فاملراد هبا مجلـة مـا أذن يف فعلـه ؛ وأما حدود اهللا التي هنى عن اعتدائها

واعتـداؤها هـو ، أو اإلباحـة ، أو النـدب ، سواء كان عىل طريق الوجوب

? =< > ;﴿ :كـام قـال تعـاىل ، ارتكاب ما هنى عنهجتاوز ذلك إىل

@ A B C D FE ﴾ ]من طلق عـىل غـري : واملراد، ]١:الطالق

. ما أمر اهللا به وأذن فيه

احلـث، والـدارقطني يف الـسنن ك الزكـاة ب ٤٠٨٧ رقـم ١٠/٢٦بزار يف مسنده رواه ال) 1( عـىل

إخراج الصدقة ، واحلاكم يف املستدرك ك التفسري ب تفسري سـورة مـريم ٢٠٦٦ رقم ٣/٥٩

صحيح: وقال٣٤١٩ رقم ٢/٤٠٦ اإلسناد

والبيهقي يف السنن الكربى ك . ، ووافقه الذهبي

مجاع أبواب حيل ال ما أكله مل ماب يذكر حتريمه .١٩٧٢٤ رقم ١٠/٢١

احلـافظ الفقيـه زيـن الـدين . جامع العلوم واحلكم يف رشح مخسني حديثا من جوامـع الكلـم )2(

حتقيـق . ٥٢٢ص . عبد الرمحن بن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهري بابن رجـب

. هــ ١٤٢٢ط الثالثة . السعودية . اجلوزي دار ابن . طارق عوض اهللا حممد

١٩٠ ا ا ا إ در

وقد تطلق احلدود ويراد هبا نفس املحـارم ال تقربـوا : وحينئـذ فيقـال ،

. ]١٨٧:البقرة[ ﴾ ba _ [﴿ :كام قال تعاىل ، حدود اهللا

وقد تسمى العقوبات املقدرة الرادعة عن املحارم املغلظة حدودا كـام ،

. وحد رشب اخلمر ، وحد الرسقة ، حد الزنا : يقال

فهو ما مل يذكر حكمه بتحليـل ؛ وأما املسكوت عنه وال ، وال إجيـاب ،

�فيكون معفوا عنه ، حتريم . ال حرج عىل فاعله ،

أنـه : يعني» رمحة من غري نسيان « : ألشياء التي سكت عنهاوقوله يف ا

حيـث مل حيرمهـا علـيهم حتـى ، ورفقـا ، إنام سكت عن ذكرها رمحة بعباده

بــل ، ومل يوجبهـا علــيهم حتـى يعـاقبهم عــىل تركهـا ، يعـاقبهم عـىل فعلهــا

. )١(وإن تركوها فكذلك ، فإن فعلوها فال حرج عليهم ، جعلها عفوا

ــد ــووج ــرة العف ــذكر أن دائ ــال ، ير بال ــعة يف جم ــه واس ــسكوت عن أو امل

. الترشيع

وقد مر بنا عند احلديث عن االستصحاب أن العلـامء بنـوا عليـه بعـض

، »أن األصــل يف األشــياء اإلباحــة « : ومنهــا ، القواعــد واملبــادئ الــرشعية

ملـصادر وال يف ا ، فكل أمر مل يـرد بـشأنه حكـم ال يف الكتـاب وال يف الـسنة

األخــرى فإنــه حيكــم بإباحتــه بنــاء عــىل مبــدأ استــصحاب احلكــم األصــيل

كـام ذكرنـا يف ـــوهـذا األصـل وأمثالـه مـن شـأنه ، لألشياء وهـو اإلباحـة

. باختصار ٥٣٧ ـ٥٢٣ص . جامع العلوم واحلكم )1(

ا ا

١٩١

وخيلصهم من مواقف احلرية ، جيعل الفقهاء يف سعة « أن ــالفصل السابق

وينفذون منهـا إىل ، ويفتح هلم طرقا يصدرون هبا الفتوى يف يرس ، والرتدد

زيـادة عـىل مـا فيـه مـن الداللـة عـىل سـامحة ، الفصل يف القضايا يف رسعة

رة الذي ال يـشعر املـستظلون بلوائـه بحـرج فـيام ــوأنه دين الفط ، اإلسالم

. )١( »من أحكام رشع هلم

٢ ا ا أ ء ة ا ا ام ا ر

دئو

وإذا كانت أحكام الرشيعة اإلسالمية قد جاءت تفصيلية واضـحة فـيام

يتصل بجوانب العقائـد والعبـادات واملواريـث وغريهـا مـن األمـور التـي

وال تتطـور بتطـور ، حيث ال جمال للعقل واالجتهـاد فيهـاــتتسم بالثبات

ة قواعد عامة ومبادئ أساسـية فإهنا قد جاءت يف صور؛ البيئات واألزمان

ــة ــب املعاش ، كلي ــن اجلوان ــري م ــصل بكث ــيام يت ــك ف ـــوذل ــصادـ ، ية كاالقت

وغريها مما يكون عرضـة ، ةــوالسياسة والعالقات الدولي للتطـور بتطـور

ويف هــذا مــن الــسعة واملرونــة مــا يــضمن حتقيــق ، األزمــان واملجتمعــات

. ناس وأحواهلمبام يتناسب مع ظروف ال ، مقاصد الرشيعة

، أن اإلسالم قد أمر بالـشورى وحـث عليهـاــ عىل سبيل املثال ــنجد

ولكنـه يف الوقـت ، القوليـة والعمليـة×كام جاء يف القرآن وسنة الرسول

. ١٨١ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي )1(

١٩٢ ا ا ا إ در

، ذاته مل يلزم املسلمني بوسيلة حمددة يتم من خالهلـا حتقيـق مبـدأ الـشورى

روا من الوسـائل املباحـة رشعـا بل ترك الباب مفتوحا أمام املسلمني ليختا

حتى وإن مل تكن معروفة يف عـرص النبـوة واخللفـاء ، ما يتالءم مع واقعهم

كوسيلة االسـتفتاء التـي نراهـا يف عـرصنا مـثال ، الراشدين املهـم هـو أن ،

بـضوابطه ـــيتحقق مطلب الرشع ومقصده بتطبيق وتنفيـذ مبـدأ الـشورى

بكـل صـوره وألوانـه مـن حيـاة النـاس يف وأن ينتفي االسـتبداد ، الرشعية

. املجتمع اإلسالمي

ذج ات واد ا ا ودئ :

ثم إن املتأمل يف القرآن الكـريم والـسنة النبويـة املطهـرة جيـد كثـريا مـن

معـامل تظل ، اآليات واألحاديث التي هي بمثابة قواعد عامة ومبادئ كلية

ــة للنــاس ، رشــاد ــارات هداي وتظــل تــستوعب كــل جديــد يف باهبــا ، ومن

. وموضوعها إىل أن تقوم الساعة

﴾ ¨ § ¦ ¥ ¤ £﴿ :من ذلك قول اهللا تعاىل

]٥٦:األعراف[

﴾ × Í Î Ï Ð ÒÑ Ó Ô Õ Ö﴿ :وقوله سبحانه

]٧٧:القصص[

.]٢٠٥:البقرة[ ﴾ _ [ \﴿ :وقوله تعاىل

ا ا

١٩٣

. )١( » ال رضر وال رضار « : ×ول وقول الرس

وجـد أم مل ـــفهل هناك أي نوع من أنواع اإلفساد واإلرضار يف الكون

يوجد ! ؟ ال تشمله هذه النصوص املذكورة وأشباههاــ

مـثال ـــلو أخـذنا جانـب احلفـاظ عـىل البيئـة وصـيانتها مـن املفاسـد ـــ

يف أن يرض بالبيئة ممـا كـان معروفـالوجدنا أن كل ما من شأنه ؛ واألرضار

ومـا عـرف بعـد ذلـك ، عرص نزول الوحي ، ومـا مل تعرفـه البـرشية بعـد ،

حتـى القيـام بـدفن ، ويف الطريـق ، ويف الظـل ، من قضاء احلاجة يف املـاء(

، كـل هـذا داخـل حتـت النهـي عـن الفـساد ؛ )النفايات الكياموية الـضارة

واألمر املطلق ! بعدم اإلرضار

﴾ ^_ [ \ ] Z﴿ :ومن ذلك قول اهللا عز وجل

]١:املائدة[

ســواء كــان ، فكــل مــا يــصدق عليــه أنــه عقــد يكــون الوفــاء بــه واجبــا

و٢٣٤٠ رقــم ٢/٧٨٤رواه ابـن ماجــه يف ك األحكـام ب مــن بنـى يف حقــه مـا يــرض بجـاره )1(

ومالك يف املوطأ ك األقـضية ب القـضاء ، ابن عباسمن رواية عبادة بن الصامت و . ٢٣٤١

ـ٤٤٦ /٦وأمحـد ، مـن روايـة عمـرو بـن حيـي املـازين عـن أبيـه . ٣١ رقم ٢/٧٤٥يف املرفق

مـن ٥٨ ـ ٢/٥٧واحلاكم يف املستدرك ، من حديث عبادة بن الصامت . ٢٢٢٧٢ رقم ٤٤٧

من ضار ضاره ا «: وفيه زيادة وهي، رواية أيب سعيد اخلدري هللا، ومن شاق شاق اهللا عليـه «،

. ووافقه الذهبي ، صحيح اإلسناد عىل رشط مسلم: وقال احلاكم

١٩٤ ا ا ا إ در

وهلذا أقر الفقهاء كثريا من العقود ، أو غري معروف ، معروفا باسم خاص

لـك بعقـود ومل يتقيـدوا يف ذ ، التي مل يرد هبا دليل خاص عمال هبذا العموم

مسامة ومل تـصل هـذه القـوانني ، كام تقيد بذلك بعض القوانني الوضـعية ،

. )١(احلديثة إىل ما وصل إليه الترشيع اإلسالمي إال يف العصور

﴾ 1 0 / . ,- +﴿ :ومن ذلك أيضا قوله تعاىل

]٣١:األعراف[

ام يـشمل كـ ، وهذا أصل عام يدخل حتتـه كـل صـور اإلرساف وألوانـه

ــه ــع جماالت ــة ، مجي ــواحي الروحي ــان يف الن ــواء أك ــواحي ؛ س ــان يف الن أم ك

. املعاشية واالقتصادية

هنـى رسـول اهللا : وكذلك حديث أم سـلمة ريض اهللا عنهـا أهنـا قالـت

عن كل مسكر ومفرت× )٢( .

﴾ À Á ÃÂ Ä Å Æ Ç ÉÈ ¿﴿ :وقوله تعاىل

]٢:املائدة[

. ٤٥ص . زكي الدين شعبان / د. أصول الفقه اإلسالمي )1(

وأمحــد يف املــسند ، ٣٦٨٦رقــم ٢/١٩٠رواه أبــو داود يف ك األرشبــة ب مــا جــاء يف الــسكر )2(

واملفرت . ٢٦٠٩٤ رقم ٧/٤٣٧ هـو املخـدر للجـسد جـامع . وإن مل ينتـه إىل حـد اإلسـكار ،

. ٧٨٦ص . العلوم واحلكم

ا ا

١٩٥

.] ٤٠:الشورى[ ﴾ �¡ ~ { |﴿ : وقوله سبحانه

.]١٥:اإلرساء[ ﴾ ¸µ ¶ ¹ ³﴿ :وقوله سبحانه

ومبـدأ أسـايس فـيام يتعلـق بمـسؤولية اإلنـسان عـن ، وهذا أصـل عـام

. وحتمل نتيجة سائر ترصفاته ، أعامله

�ولكم تأملت مليا يف حديث رسول اهللا : الذي يقول فيه ألصـحابه×

إياكم واجللوس « جمالـسنا يا رسول اهللا مالنـا مـن : فقالوا ، » يف الطرقات

بد فإذا أبيتم إال املجلس « : ×فقال رسول اهللا ، نتحدث فيها ،

فـأعطوا ؛

غـض « : قـال! ؟ ومـا حـق الطريـق يـا رسـول اهللا : قالوا ، » الطريق حقه

ــرص ــف األذى ، الب ــسالم ، وك ــاملعروف ، ورد ال ــر ب ــن وا ، واألم ــي ع لنه

. )١( » املنكر

أمـرا مـن األمـور احلميـدة التـي » وكـف األذى « : ×فهل تـرك قولـه

لتنظـيم املـرور وضـامن سـالمة مـن ، تواضع البرش عليها يف الدنيا بأرسهـا

! ؟ دون أن يشملها ، يسريون يف الطرقات أو يستخدموهنا بأي وجه

رواه البخاري يف ك املظامل ب أفنيـة الـدور واجللـوس فيهـا واجللـوس عـىل الـصعدات )1( فـتح ،

ياأهيــا الــذين آمنــوا ال ( ويف ك االســتئذان ب قــول اهللا تعــاىل ، ٢٤٦٥ رقــم ٥/١٣٤البــاري

ومـسلم يف ك ، ٦٢٢٩ رقم ١١/١٠فتح الباري ، ) بيوتا غري بيوتكم حتى تستأنسوا تدخلوا

مـسلم بــرشح . اللبـاس والزينـة ب النهـي عـن اجللـوس يف الطرقـات وإعطـاء الطريـق حقـه

. وأخرجه أبو داود والرتمذي والدارمي وأمحد ، ٢١٢١ رقم ١٠٢ ـ١٤/١٠١النووي

١٩٦ ا ا ا إ در

تنـدرج حتتهـا ، دئ أساسـيةومبـا ، فهذه األمثلة ونحوهـا قواعـد عامـة

ويمكـن أن يلحـق هبـا طرائـق ، وتتفرع عنها فروع وأحكام كثرية متجددة

وأمور حمدثة يف شئون الناس املعاشية .

٣در اع او

خـصوبة وتنـوع ؛ ومن عوامل مرونة رشيعـة اإلسـالم ونظمـه كـذلك

حيـث إن هـذه، ينـا يف الفـصل الـسابق عىل نحـو مـا بــاملصادر الترشيعية

كأهنـا مـواد ، املصادر ليست منحرصة يف دائرة نـصوص تفـصيلية حمـدودة

دون إتاحة املجال لعمـل العقـل ، قانونية جامدة مقصورة عىل أمور بعينها

بــل هنــاك جمــال واســع للعقــل يف التعامــل مــع القــضايا . . كــال ، وجهــده

وملتزمــا ، سرتشدا بنــصوص الــرشعووضــع احللــول هلــا مــ ، واملـشكالت

ثـم ، ومن هنا كان القرآن والسنة املصدرين األصـيلني ، بروحه ومقاصده

املــصلحة ( كالقيــاس واالستــصالح ، كانــت هنــاك مــصادر أخــرى تبعيــة

املرســلة ، وســد الــذرائع ، واالستــصحاب ، والعــرف ، واالستحــسان ، )

وهـذه ، عية للـنظم اإلسـالميةوغريها مما ذكرناه يف فـصل املـصادر التـرشي

وليس معنى هـذا أهنـا ، ومكانة بارزة ، املصادر لالجتهاد فيها دور واضح

بـل إهنـا . . كال ، أو أهنا تعمل بعيدا عنهام ، منقطعة الصلة بالقرآن والسنة

. ويف ضوء هدهيام تسري ، وعىل أساسهام تعمل ، من معينهام تستقي

مـن ، املصادر التـرشيعية للـنظم اإلسـالميةإن هذا األمر املتعلق بتنوع

ا ا

١٩٧

ومــا ، شــأنه أن جيعلهــا قــادرة عــىل مواجهــة كافــة مــا يــستجد مــن قــضايا

تتمخض عنه حركة التطـور التـي تـشهدها املجتمعـات اإلنـسانية عـىل مـر

عــن طريــق اســتنباط األحكــام الــرشعية ، يف سالســة ومرونــة ، العــصور

مــن خــالل هــذه املــصادر ، حيــاهتماملناســبة ملــا ينــزل بالنــاس ويطــرأ عــىل

. واألدلة

ومن أجل هـذا حكمـت الـرشيعة اإلسـالمية أمـاكن شاسـعة وأقطـارا

فـام ، وقرونـا مديـدة ، أزمنـة عديـدة ، وأجناسـا شـتى مـن البـرش ، واسعة

ضاقت عن الوفاء بحاجات من اسـتظلوا بظلهـا مـن املـسلمني وغـريهم ،

دواء لكل علـةوال ، بل قدمت العالج لكل مشكلة مـن غـري تكلـف وال ،

. أو حتميل للناس ما ال يطيقون ، إعنات

متلــك القــدرة عــىل عــالج ــــ وســوف تظــل ــــوال تــزال هــذه الــرشيعة

وخاصـة املـسلمني ، إذا ما آوى الناس إليها ، البرشية احلائرة من أوجاعها

ليقـدموا للعـامل ، فإن عليهم أن يعودوا إىل رشع رهبم عودة صـادقة ، اليوم

نموذجــا حيتــذى ومــثال صــادقا يف التمــسك بــرشع رهبــم ، وجعــل نظــم ،

اإلسالم هي احلاكمة واملهيمنة يف حياهتم كلهـا ليحيـوا احليـاة الراشـدة ، ،

. وينالوا عز األوىل واآلخرة

١٩٨ ا ا ا إ در

ا ادس

مما ة اا

سالمية إنام هـي لتنظـيم شـئون النـاس يف كافـة من املعلوم أن النظم اإل

وعالقتـه ، وعالقته ببني جنسه ، فهي تنظم عالقة اإلنسان بربه ، اجلوانب

. بكل ما يف الكون من حوله

إهنا إذا ترشيعات ومناهج رشعت ليسري عليها ويلتزم هبدهيا اإلنسان .

نسان الـذي وضـعت ومن هنا كانت هذه النظم مراعية متاما لطبيعة اإل

. . ألجله

فلم تنظر إىل اإلنسان أو تتعامل معـه عـىل أنـه ملـك ذو أجنحـة كـام مل ،

. تنظر إليه عىل أنه شيطان مارد

. . بل خملوق فيه نوازع اخلري ونوازع الرش

. . وطبيعة مادية طينية ، فيه طبيعة روحانية من نور اهللا

حيتــاج إىل مــا يغــذي ر كــام حيتــاج إىل مــا يغــذي جــسمه ، وحــه وعقلــه

. وبدنه

وأنـه عرضـة لألغيـار ، ثم إهنا راعت كذلك ضـعف اإلنـسان حيـث ،

يمـرض ويــصح

وينــشط ويف ، وتتيــرس لــه األحــوال ، وينتبــه ويغفــل ، رتــــ

ا ا

١٩٩

وتتعرس عليه أخرى ، أحيانا ويفقـدها أخـرى ، ويملك إرادته أحيانا ، ...

ىل آخر معامل وسامت هذه الطبيعة اإلنسانية التي أحاط بدقائقها وكلياهتـاإ ،

وخفيها وجليها خالق اإلنسان ومرشع اإلسالم ، . سبحانه وتعاىلــ

ة اا زأ وا امما ا:

ه نظم اإلسالم احلنيف إنام هو إن من أبرز هذه املظاهر أن كل ما تتضمن

فام كان اهللا تعـاىل ليلـزم اإلنـسان أو يكلفـه بـام ، يف مقدور اإلنسان وطاقته

فكل الـنظم اإلسـالمية التـي ، أو بام ال يقدر عىل القيام به ، هو فوق طاقته

منـسجمة ، رشعها اهللا أو رشع أصوهلا قد جاءت مالئمة لطبيعـة اإلنـسان

، أم بالعبـادات ، سواء أكان هذا فيام يتـصل بالعقائـد ، برشيمع تكوينه ال

. أم باملعامالت

.] ٢٨٦:البقرة[ ﴾ ¬® » ª © §﴿ :قال اهللا تعاىل

.] ٧:الطالق[ ﴾ ]\ U V W X Y Z﴿ :وقال جل شأنه

. ولذلك كان التكليف يف اإلسالم دائام بام يطاق

حوهتا رشيعة اإلسالم وأنظمتـه مل ومع أن التكاليف والترشيعات التي

فــإن اهللا تعـاىل مل يأخــذ ؛ ختـرج عـن حــدود االسـتطاعة والطاقــة اإلنـسانية

لعلمه سبحانه بـأن اإلنـسان ابـن األغيـار ، عباده بالعزيمة دائام وأنـه قـد ،

تعرض له العوارض املعيقة عن أداء مـا يلزمـه اإلتيـان بـه فكـان أن يـرس ،

٢٠٠ ا ا ا إ در

رفعـا للحـرج ، وأباح لـه الـرخص عنـد الـرضورات ، ملشقةعليه يف حال ا

وهذا مظهر آخر من مظـاهر مراعـاة الـنظم اإلسـالمية ، ودفعا للعنت عنه

. للطبيعة اإلنسانية

. ]٦:املائدة[ ﴾ R S T U V W X﴿ : قال اهللا تعاىل

﴾ ¯ ® ¬ » ª © §﴿ :وقال سبحانه

]١٨٥:البقرة[

وقال عز من قائل : ﴿z { | } ~ � ¢¡ ﴾ ]٧٨:احلج[.

.] ١٦:التغابن[ ﴾ w x y z﴿ :وقال سبحانه

مـا « : يقول×سمعت رسول اهللا : وعن أيب هريرة ريض اهللا عنه قال

. )١ (»وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، هنيتكم عنه فاجتنبوه

، ميةوقد عالج فقهاء املسلمني قـضية رفـع احلـرج يف الـرشيعة اإلسـال

ويستنبط مـن ، وما يتفرع عنها من مبادئ ، وبحثوا ما يتصل هبا من قواعد

والتــي مــن فروعهــا مجيــع ، املــشقة جتلــب التيــسري : مثــل قاعــدة ، أحكــام

إذا عـرض مـا يقتـيض ، الرخص التي رشعهـا اهللا تعـاىل ختفيفـا عـىل عبـاده

ــ )1( ــصام بالكت ــول اهللا رواه البخــاري يف ك االعت ــسنن رس ــداء ب ــسنة ب االقت ــتح ، ملسو هيلع هللا ىلصاب وال ف

مسلم بـرشح ، ملسو هيلع هللا ىلصومسلم يف ك الفضائل ب وجوب اتباعه ، ٧٢٨٨ رقم ١٣/٢٦٤الباري

. ٢٣٣٧ رقم ١٥/١٠٩النووي

ا ا

٢٠١

ـــز، احلـــرج مرفـــوع رشعـــا : وقاعـــدة ، التخفيـــف واحلاجـــة تن ل منزلـــة

ونحوها من قواعد وما يتفرع عنها من ، الرضورات يف إباحة املحظورات

جتيل سامحة اإلسالم ويرسه ، فروع واستنباطات فقهية وسهولة االلتـزام ،

. )١( بترشيعاته ونظمه

ثم إننا لو تأملنا يف مضامني النظم اإلسالمية بجميع ما اشـتملت عليـه

ــ لوجــدناها كلهــا منــسجمة مــع واقــع ؛ رشيعاتمــن أحكــام ومبــادئ وت

وال يوجـد يشء ، ومتمشية مع طبيعته التـي فطـره عليهـا خالقـه ، اإلنسان

علم هذا من علمه ، منها خيرج عن هذا األمر بحال من األحوال وجهله ،

من جهله . وأنكره من أنكره ،

وكم من ترشيعات حوهتا نظم اإلسالم حاول املغ رضون واملبطلون أن

يصوروها عىل أهنا مصادمة لل ومن ثم فهي ، اينــواقع اإلنســ يف زعمهم ــ

ال تصلح أن تكون ضمن أنظمة املجتمع وقوانينهــ وظلـوا دهـرا طـويال ،

وإذا هبم يف هناية املطاف يرغمون عىل الرتاجـع ، يامرون وجيادلون بالباطل

ويقـرون يف أنظمـتهم وقـوانينهم تلـك التـرشيعات ، عن مواقفهم السابقة

. التي كانوا ينكروهنا عىل نظم اإلسالم باألمس

، نظـام الطـالق الـذي رشعـه اإلسـالم ؛ ومن أقرب األمثلـة عـىل هـذا

: يف كتابـه ، يراجع يف هذا ــ عىل سبيل املثال ــ ما ذكره الشيخ عبـد الوهـاب خـالف رمحـه اهللا )1(

. وما بعدها ٢٠٧ص . علم أصول الفقه

٢٠٢ ا ا ا إ در

، وينكـرون عـىل اإلسـالم تـرشيعه ، حيث كان األوربيون ال يأخـذون بـه

وتزين هلم الكنيسة موقفهم هذا �دوا حال ملشكالهتم األرسيـة لكنهم مل جي ،

، فرسعان ما التجأوا إليـه ، التي تفاقمت يوما بعد يوم إال يف نظام الطالق

. وعملوا به

وهكذا نرى أن الـنظم اإلسـالمية مل تتعامـل مـع اإلنـسان بنظريـة املثـل

فلم ترسح به يف عـامل اخليـال واألوهـام ، التي تكون يف معزل عن الواقع ،

فكانـت بحـق واقعيـة يف ، وتعاملت معه عـىل الطبيعـة ، شت واقعهبل عاي

. مراعية لطبيعته وإنسانيته ، نظرهتا لإلنسان

*****

ا ا

٢٠٣

ا ا

ا ااء امي وااء اوي

ــ سواء أكان ثوابا أم عقابا ــإن اجلزاء عىل األعامل يف النظم اإلسالمية

ــه طبيعــة خاصــة ــا فقــط ، ل ــوانني ، فهــو مل يكــن دنيوي ــنظم والق كحــال ال

ويف العاجــل ، وإنــام رشعــه اهللا تعــاىل وجعلــه دنيويــا وأخرويــا ، الــسائدة

فليست العقوبات عىل األعامل املحرمة مقـصورة عـىل هـذه ، واآلجل معا

ملن مل يتب ــبل هناك ما هو أشد منها ، احلياة وليست اإلثابة ، يف اآلخرةــ

بل هناك ما هو أعظم منها عند ، عىل األعامل الصاحلة تكون يف الدنيا فقط

. اهللا يف اآلخرة

وهذا واضـح ومفـص ، ل يف املـصدرين األساسـيني للـنظم اإلسـالميةــ

ومها كتاب اهللا عز وجل من خالل آيـات وأحاديـث ، ×وسنة الرسول ،

، وقـد أفاضـت كتـب التفـسري واحلـديث ، �رشااجلزاء عىل األعامل خـريا و

باإلضافة إىل كتب الفقه التي تكفلـت ، والرتغيب والرتهيب يف هذا األمر

. ببيان األحكام العملية

ــات املــرياث ــال يقــول اهللا تعــاىل عقــب آي ¦﴿ :فعــىل ســبيل املث

§ ©¨ ª « ¬ ® ° ± ²

³ µ ¸¶ ¹ º » ¼ ½

٢٠٤ ا ا ا إ در

¾ ¿ À Á Â Ã Ä Å Æ Ç È

É ﴾ ]١٤، ١٣:النساء [.

وبعد احلديث عن قتل النفس وما يرتتـب عليـه مـن عقوبـة وكفـارة يف

c d e f g﴿ :يقـــــول ســـــبحانه ؛ الـــــدنيا

h i j k l m n o p q r ﴾

]٩٣:النساء[

ومـا ، وبعد احلديث عن جريمة القذف ومـا يرتتـب عليهـا مـن عقوبـة

ــه املجتمــع املــسلم مــن آداب ح يــال صــيانة األعــراض ينبغــي أن يــتحىل ب

Å Æ Ç È É Ê Ë Ì﴿ :يقــول ســبحانه ؛ واحرتامهــا

Í Î Ï Ð Ñ Ò ÔÓ Õ Ö × Ø Ù ﴾ ]١٩:النور[.

Ä Å Æ Ç È É﴿ :ويف شأن منع الزكاة قـال سـبحانه

Ê Ë Ì Í Î ÐÏ Ñ Ò Ó ÕÔ Ö × Ø Ù Ú ÜÛ Ý

Þ ß áà â ã ä å ﴾ ]١٨٠:آل عمران[.

اس بن ثعلبة احلارثي ريض اهللا عنهوعن أيب أمامة إي ×أن رسول اهللا ،

من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب اهللا لـه النـار « : قال وحـرم ،

فقال رجل، »عليه اجلنة وإن «: فقال ؟ وإن كان شيئا يسريا يا رسول اهللا:

ا ا

٢٠٥

قضيبا من أراك « )١( .

ااء امي يأ ود ااء او

إن هــذه اخلاصــية جـــديرة بــأن حتمـــل النــاس عـــىل التــزام القـــوانني

وجتعلهــم يفعلــون ذلــك حتــت تــأثري الــوازع الــديني قبــل ، والتــرشيعات

مـن منطلـق العقيـدة اإلسـالمية التـي مـن ، اخلوف مـن العقـاب الـدنيوي

. أركاهنا اإليامن باهللا واليوم اآلخر

. دين والعقيدة عىل النفس ال يعدله سلطانومعلوم أن سلطان ال

إن من شأن وجود اجلـزاء األخـروي يف الـنظم اإلسـالمية أن يـوقظ يف

تلك القوة التي جتعل من صاحبها حارسا ورقيبا ، نفس الفرد قوة الضمري

ــسلطة ــانون وال ــل الق ــسه قب ــىل نف ــارم ، ع ــك املح ــال ينته ــارف ، ف وال يق

فإنـه رسعـان مـا ؛ وإن حدث منه زلل ، ز احلدودوال يتجاو ، املحظورات

ويرجع ملتزما بـام ، ويتحقق بالتوبة واإلنابة ، يعود إىل الرشاد واالستقامة

. فيه صالح الفرد واجلامعة

لقد جاء الصحايب اجلليل ماعز بن مالك ريض اهللا عنه معرتفا بني يدي

، وهـو طـائع خمتـار ، عليـهطالبا تطهريه بإقامة احلد ، بالزنا×رسول اهللا

راجيا أن خيفف هذا عنه عقـاب اآلخـرة وكـذلك فعلـت الغامديـة ريض ،

مـسلم بـرشح النـووي . رواه مسلم يف ك اإليامن ب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمني فاجرة )1(

. ١٣٧رقم ٢/١٥٧

٢٠٦ ا ا ا إ در

. )١(عليهام توبة عظيمة أن اهللا تعاىل قد تاب×وقد أخرب النبي ، اهللا عنها

قديمها وحديثها ــإن النظم والقوانني الوضعية قد أولت كل عنايتها ــ

ولـذلك مل تـسلم مـن كثـرة ، ا نحو اجلزاء الدنيويورصفت مجيع اهتامماهت

، حماوالت األفراد للخروج عليها غري مكرتثني بالعقوبات التـي تتـضمنها

بينام استطاعت النظم اإلسالمية حل هذه املشكلة من خـالل تنـوع اجلـزاء

وقد حدثنا التاريخ أن الذين قطعـت أيـدهيم يف ، فيها إىل دنيوي وأخروي

. يف عهد اخلالفة الراشدة كانوا عددا قليالــ عىل سبيل املثال ــ حد الرسقة

لتـرشيع ×وقد أرشنا سابقا إىل درجة احرتام املسلمني يف عهـد النبـي

. حتريم اخلمر بمجرد بلوغهم التحريم النهائي هلا

وكذلك سجل التاريخ رسعة انصياع النساء املسلامت لاللتزام بترشيع

ــه ســبحانهاحلجــاب عنــدما أنــ m n o﴿ :زل اهللا تعــاىل ذلــك يف قول

p q r s t u v xw y z { |

. مـسلم يف ك احلـدود ب حـد الزنـا : قصة ماعز والغامدية ــ ريض اهللا عنهام ـــ رواهـا األئمـة )(1

و داود يف ك احلـدود وأبـ، ١٦٩٦ و ١٦٩٥رقم ، وما بعدها١١/١٩٩مسلم برشح النووي

ويف ب املـرأة التـي أمـر ، وما بعده٤٤١٩رقم ، وما بعدها٢/٣٤٩ب رجم ماعز بن مالك

والرتمـذي يف ك احلـدود ب مـا ، ٤٤٤٢ و ٤٤٤٠ رقم ٢/٣٥٤ برمجها من جهينة ×النبي

ويف ب تـربص الـرجم ، ١٤٣٤ و ١٤٣٣ رقـم ١١٨ ـ٣/١١٧جاء يف درء احلد عن املعرتف

والنسائي يف ك اجلنائز ب ترك الصالة عىل املرجوم ، ١٤٤٠ رقم ٣/١٢٣ى تضع باحلبىل حت

ويف ج ، ١٩٤٠٢ رقـم ٥/٦٠٢وأمحـد يف املـسند ، ٦٤ـ ٤/٦٢ويف ب الصالة عىل املرجوم

. ٢٢٤٤٠ و ٢٢٤٣٣ رقم ٤٧٨ـ ٤٧٧ و ٤٧٦ ص ٦

ا ا

٢٠٧

.]٥٩:األحزاب[ ﴾ ¤ £ ¢ ¡ ~� {

وإنـام كـان االعتبـار ، ومل يكن هذا وأمثالـه خوفـا مـن اجلـزاء الـدنيوي

. األعظم للجزاء األخروي

حريــصا عـــىل تــذكري املـــسلمني بـــاجلزاء ×وهلــذا فقـــد كــان النبـــي

حيـث ال ، وباملوقف العظـيم يـوم يقـوم النـاس لـرب العـاملني ، األخروي

ينفع اإلنسان إال استقامته .

عــن أيب محيــد عبــد الــرمحن بــن ســعد الــساعدي ريض اهللا عنــه : قــال ،

رجال من األزد عىل صدقات بنـي سـليم ×استعمل رسول اهللا يـدعى ـــ

ابن اللتبيـة فقـال ، وهـذا هديـة ، هـذا مـا لكـم : قـال ، فلـام جـاء حاسـبه،

فهال جلست يف بيت أبيك وأمـك حتـى تأتيـك هـديتك « : ×رسول اهللا

.» ؟إن كنت صادقا

ثم خطبنا فحمد اهللا وأثنى عليه فـإين أسـتعمل ؛ أمـا بعـد « : ثـم قـال ،

الرجل منكم عىل العمل مما والين اهللا ا وهـذ ، هـذا مـا لكـم : فيأيت فيقول ،

هدية أهديت يل أفال جلس يف بيـت أبيـه وأمـه حتـى تأتيـه هديتـه إن كـان !

واهللا ال يأخذ أحد منكم شيئا بغري حقه إال لقي اهللا تعاىل حيمله يوم ! صادقا

فألعرفن أحدا منكم لقـي اهللا حيمـل بعـريا لـه رغـاء ، القيامة أو بقـرة هلـا ،

يديـه حتـى رئـي بيـاض إبطيـهثم رفـع ، » أو شاة تيعر ، خوار : ثـم قـال ،

٢٠٨ ا ا ا إ در

اللهم هل بلغت « « )١( .

وعن أم سلمة ريض اهللا عنها ، إنام أنـا بـرش « : قال×أن رسول اهللا ،

، ولعل بعضكم أن يكون أحلـن بحجتـه مـن بعـض ، وإنكم ختتصمون إيل

فمن قضيت له بحق أخيه ، فأقيض له بنحو ما أسمع أقطع له قطعـة فإنام ؛

. )٢( » من النار

ا ااء امي

ولــيس معنــى هــذا أن الــنظم اإلســالمية قــد أعطــت األولويــة للجــزاء

، وخاصـة يف جانـب العقوبـات ، فأمهلت معه اجلزاء الدنيوي ، األخروي

ئـام يف إذ اإلنـسان ال يكـون دا ، حيث إن كليهام مطلوب ، بل وازنت بينهام

فهــو معــرض لــنفس تنازعــه ؛ صــفاء روحــي أبــدا أو شــيطان يــضله ، أو ،

خليل يغويه أو فتور يعرتيه ، فتزل قدمه ، ، وينحرف عن سواء الـرصاط ،

ويف ك احليل ، ١٤٢٩رقم ) والعاملني عليها : ( رواه البخاري يف ك الزكاة ب قول اهللا تعاىل )1(

ب احتيال العامل ليهدى له رقـم ، ويف ك األحكـام ب حماسـبة اإلمـام عاملـه ، ٦٥٧٨رقـم ،

وأبـو ، ١٨٣٢رقـم ، ومـسلم يف ك اإلمـارة ب حتـريم هـدايا العـامل ، )ترقيم البغـا ( ٦٧٧٢

حمي الـدين عبـد ترقيم ( ٢٩٤٦رقم ، داود يف ك اخلراج واإلمارة والفيء ب يف هدايا العامل

والدارمي يف ك الزكاة ب ما هيدى لعامل الصدقة ، )احلميد . ١٦٦٩رقم ،

ومـــسلم يف ك ، ٦٩٧٦ رقـــم ١٢/٣٥٥فـــتح البـــاري ، ١٠رواه البخـــاري يف ك احليـــل ب )2(

رقـم ٥ــ ١٢/٤مـسلم بـرشح النـووي ، األقضية ب بيـان أن حكـم احلـاكم ال يغـري البـاطن

. أفصح وأبني ) : أحلن ( ومعنى ، ١٧١٣

ا ا

٢٠٩

ويزعه السلطان ، ففي هذه احلال ترده العقوبة .

ملـا : قـال أنـهـــ ريض اهللا عنهام ــوقيل عن عثامن ، وقد روي عن عمر

يزع اهللا بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن )١( .

ولذلك رشعت العقوبات يف اإلسالم ، وكـان منهـا عقوبـات حمـددة ،

ــصاص ــديات والق ــدود وال ــاب ، كاحل ــدخل يف ب ــددة ت ــري حم ــرى غ وأخ

ترك تقديرها ألهل الشأن واالختصاص كـأويل األمـر أو مـن ، التعزيرات

بحسب ظروف وطبيعة املخالفة أو املعصية ، مينوبون عنه .

، كام أن اإلنسان بطبيعتـه يميـل إىل املكافـأة واملثوبـة عـىل مجيـل صـنيعه

فيكون هذا حمفزا لـه عـىل مواصـلة العمـل ، وإحسان عمله يف احلياة الدنيا

وإعــامر الكــون واإلتيــان بكــل مــا يعــود بــالنفع واخلــري للحيــاة ، الــصالح

بيان اجلـزاء الـدنيوي ×فتضمن كتاب اهللا تعاىل وسنة رسوله ، واألحياء

عـىل ــومن ذلك ، كام تضمنا ذكر اجلزاء األخروي ، عىل األعامل الصاحلة

: سبيل املثال

ـــاىل ـــال اهللا تع * ( ) ' & % $ # " !﴿ :ق

.]٩٦:األعراف[ ﴾ 2 1 0 / . - , +

اخلطيب البغدادي يف تـاريخ بغـداد : أورده منسوبا إىل عمر )1( . دار الكتـب العلميـة ، ٤/١٠٧

ابـن كثـري يف البدايـة والنهايـة : وأورده منسوبا إىل عثامن بن عفان . بريوت حتقيـق . ٢/٣٠١

. م ١٩٩٧هــ ١٤١٧ ط األوىل. القاهرة . دار هجر . عبد اهللا بن عبد املحسن الرتكي / د

٢١٠ ا ا ا إ در

.]٢٧٦:رةالبق[ ﴾ T U V W YX﴿ :وقال عز وجل

ـــــأنه ـــــل ش ـــــال ج Y Z [ \ ] _ a﴿ :وق

b c ed f g h i j k ﴾

]٩٧:النحل[

من أحـب أن يبـسط « : قال×وعن أنس ريض اهللا عنه أن رسول اهللا

وينسأ له يف أثره فليصل رمحه ، له يف رزقه « )١( .

مـن ما « : قال× وعن جابر وأيب طلحة ريض اهللا عنهام أن رسول اهللا

امرىء خيـذل امـرأ مـسلام يف موضـع تنتهـك فيـه حرمتـه وينـتقص فيـه مـن

ومــا مـن امـرىء ينــرص ، عرضـه إال خذلـه اهللا يف مـوطن حيــب فيـه نـرصته

مسلام يف موضع ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه حرمته إال نـرصه اهللا يف

. )2( » هموطن حيب فيه نرصت

ــن ــار اشــتامل ال ظم اإلســالمية عــىل اجلــزاء وهكــذا تــتجىل أمهيــة وآث

. إضافة إىل اجلزاء الدنيوي ، األخروي

تشهد بام هلا من فضل وعظمة ، تلك أهم خصائص النظم اإلسالمية ،

ينسأ له يف أثره «ومعنى . رواه البخاري ومسلم )1( يؤخ : » . ر له يف عمره وأجله

وأمحـد يف املـسند ، ٤٨٨٤ رقم ٢/٤٥٨ رواه أبو داود يف ك األدب ب من رد عن مسلم غيبة )2(

. ١٥٩٣٣ رقم ٦١٣ ـ ٤/٦١٢

ا ا

٢١١

، واألخـذ بيـدها إىل أقـوم سـبيل ، وجدارة بقيـادة سـفينة البـرشية احلـائرة

ة وأهنـا متلـك املقومـات التـي جتعلهـا صـاحل ، وأطيـب حيـاة ، وأهنأ عيش

ومصلحة لكل زمان ومكان .

*****

ا رآة ا ا

٢١٣

اا ا : ا ا رآ ة ا

ة ا و : ا اول

ما ا : ة ا ازنا

ا ا : د واة ا ا

اا ت : ا ج اا وأدوا ا

ا ا : ة اوا

اارة واذ ا وؤ : ا ادس

ا ا : د اد او

: وأ رة اا

ا ا درا إ ٢١٤

إن لتطبيق النظم اإلس المية وااللتزام هبا أعظم اآلثار وأطيب الـثامر يف

فهــي ســبيل إىل كــل خــري ؛ ــــ أفــرادا ومجاعــات ــــحيــاة األمــة اإلســالمية

ــالح ــدنيا ، وف ــة يف ال ــاة الطيب ــل إىل احلي ــق موص ــيم ، وطري ــيم املق ، والنع

. ورضوان اهللا األكرب يف اآلخرة

رص أن حتيا حيـاة العـز سـابغةوإذا أرادت األمة اإلسالمية يف هذا الع ،

وأن يكون هلا ذكر وصدارة يف العاملني فـإن ؛ كام كانت يف سالف الزمـان ،

ذلك لن يتحقق هلا إال بتطبيق اإلسالم بـام حـواه مـن تـرشيعات ومبـادىء

. لتنظيم سري احلياة واألحياء

، إلسـالميةونشري إىل أهم آثار تطبيق اإلسالم وأنظمته يف حياة األمـة ا

: عىل النحو التايل

ا رآة ا ا

٢١٥

ا أول

و ة ا

إن أعظم ثامر وآثار التزام املـسلمني بـنظم اإلسـالم وتطبـيقهم ملبادئهـا

ونيـل ثوابـه وحـسن جزائـه ، هو الفوز برضا اهللا رب العاملني ؛ وأحكامها

نظم اإلســالمية التــي رشعهــا اهللا تعــاىل أو ذلــك أن الــ ، يف الـدنيا واآلخــرة

وطلب منهم أن يقيموا شعائرها ، قد تعبد خلقه وعباده هبا ، رشع أصوهلا

أو ، من غري تفريق بني ترشيع وتـرشيع ، وأن يأخذوا هبا مجيعا ، ورشائعها

. بني نظام وآخر

ــل ــال اهللا عــز وج ¤ £ ¢ ¡ � ~ {﴿ :ق

¥ ¦ § ©¨ ª « ¬ ® ﴾ ]٢٠٨:البقرة[.

املصدقني برسوله أن ، يقول تعاىل آمرا عباده املؤمنني به : قال ابن كثري

وتـرك ، والعمـل بجميـع أوامـره ، يأخذوا بجميع عرى اإلسالم ورشائعه

قال العويف عـن ابـن عبـاس وجماهـد . مجيع زواجره ما استطاعوا من ذلك

ــد يف ــن زي ــسدي واب ــادة وال ــة وقت ــضحاك وعكرم ــاووس وال وط ــه :قول

ــالم ﴾ ¤ £ ¢ ¡﴿ ــي اإلس ــن . يعن ــن اب ــضحاك ع ــال ال وق

، يعني الطاعـة ﴾ £ ¢ ¡﴿ :وأبو العالية والربيع بن أنس ، عباس

ا ا درا إ ٢١٦

قال ابن عباس وجماهـد ؛ ﴾¤﴿ وقوله . املوادعة : وقال قتادة أيضا

وأبو العالية وعكرمة والربيع بن أنس والسدي ومقاتـل بـن حيـان وقتـادة

أي اعملوا بجميع األعامل ووجوه الرب : اوالضحاك مجيع .

أي ، حاال مـن الـداخلني ﴾¤﴿ : من جيعل قولهنومن املفرسي

وهـو أهنـم أمـروا كلهـم أن ؛ والصحيح األول . ادخلوا يف اإلسالم كلكم

يعملوا بجميـع شـعب اإليـامن ورشائـع اإلسـالم مـا ، وهـي كثـرية جـدا ،

. )١(استطاعوا منها

عــىل أن املــؤمنني أمــروا بــأن يــدخلوا يف الطاعــات : وقــال الزخمــرشي

أو يف شعب اإلسالم ورشائعه ، وأن ال يدخلوا يف طاعة دون طاعة ، كلها

وأن ال خيلوا بيشء منها ، كلها )٢( .

، هبــذا الوصــف املحبــب إلــيهم ، إهنــا دعــوة للمــؤمنني باســم اإليــامن

دعـوة للـذين ؛ ويـصلهم بـاهللا الـذي يـدعوهم ، والذي يميزهم ويفردهم

. آمنوا أن يدخلوا يف السلم كافة

يف ذوات ، وأول مفاهيم هذه الدعوة أن يستسلم املؤمنون بكلياهتم هللا

ــسري القــرآن العظــيم )1( ــصار ٢٥٢ ـ١/٢٥١ تف ــاهرة . دار الغــد العــريب . باخت ط األوىل . الق

. م ١٩٩١هــ ١٤١١

أليب القاسم جار اهللا حممـود . األقاويل يف وجوه التأويل الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون )2(

. دار عامل املعرفة . ١/١٢٧بن عمر الزخمرشي اخلوارزمي

ا رآة ا ا

٢١٧

االستــسالم أن يستــسلموا . ويف الــصغري والكبــري مــن أمــرهم ، أنفــسهم

الذي ال تبقى بعده بقية ناشزة مـن تـصور أو شـعور ، نيـة أو عمـلومـن ،

استـسالم . ال ختـضع هللا وال تـرىض بحكمـه وقـضاه ، ومن رغبة أو رهبـة

االستسالم لليد التي تقود خطاهم وهـم . الطاعة الواثقة املطمئنة الراضية

وهـم مطمئنـون إىل الطريـق ، واثقون أهنا تريد هبم اخلري والنصح والرشاد

. يف الدنيا واآلخرة سواء ، واملصري

وة توجـه يف كـل حــني للـذين آمنـواوهـي دعـ ليخلـصوا ويتجــردوا ، ،

، وتتوافق خطرات نفوسهم واجتاهات مشاعرهم مع ما يريد اهللا تعاىل هبم

. يف غري ما تلجلج وال تردد وال تلفت ، وما يقودهم إليه نبيهم ودينهم

واملسلم حني يستجيب هذه االستجابة يدخل يف عـامل كلـه سـلم وكلـه

، ال حرية وال قلق ، وكله رىض واستقرار ، عامل كله ثقة واطمئنان . مسال

ســالم مــع العقــل . ســالم مــع الــنفس والــضمري . وال رشود وال ضــالل

سـالم مـع الوجـود كلـه ومـع كـل . سالم مـع النـاس واألحيـاء . واملنطق

. وسالم يظلـل احليـاة واملجتمـع . سالم يرف يف حناياه الرسيرة . موجود

. )١( يف األرض وسالم يف السامءسالم

وتضمنه من ، فااللتزام بدين اهللا عز وجل وما حواه من ترشيعات

ط الثانيـة . بـريوت . دار الـرشوق . باختـصار ٢٠٧ــ ١/٢٠٦سيد قطب . يف ظالل القرآن )1(

. م ١٩٨٦هــ ١٤٠٦عرشة

ا ا درا إ ٢١٨

وتطبيقه عىل الوجـه الـذي رشعـه اهللا سـبحانه ، مبادىء ونظم وأحكام

ولرسـوله ، إنام هو طاعة واجبة للـرب جـل وعـال ؛ ×يف كتابه وسنة نبيه

. ن جزائه يف اآلخرة والعاجلةينال هبا الطائعون رضوان اهللا وحس ، ×

I J K L M N O P Q R S﴿ : قـــــال تعـــــاىل

T U V XW Y Z [ \ ]

_ a` b c d ﴾ ]٧٠، ٦٩:النساء[.

﴾ m n o p q r s t vu﴿ :وقال سبحانه

]١٤:احلجرات[

ــــــأنه ــــــل ش ــــــال ج ° ® ¬ » ª﴿ :وق

± ² ³ µ ¸¶ ¹ º

.]١٣:النساء[ ﴾ «

كـام ، باالنقياد لرشعه وما يدعو إليـه فيـه احليـاة ، واالستجابة ألمر اهللا

³ ² ± ° ® ¬ »﴿ :قــــال عــــز وجــــل

¶µ ﴾ ]٢٤:األنفال[.

. وبكل معاين احلياة ، إهنا دعوة إىل احلياة بكل صور احلياة

ال جمــرد عقيــدة مستــرسة ، إن هــذا الــدين مــنهج حيــاة كاملــة مــنهج ،

ومــن ثــم هــو دعــوة للحيــاة يف كــل ، ترتقــىواقعــي تنمــو احليــاة يف ظلــه و

ا رآة ا ا

٢١٩

والتعبري القرآين جيمل هذا ، ويف كل جماالهتا ودالالهتا ، صورها وأشكاهلا

² ± ° ® ¬ »﴿ :كله يف كلامت قليلـة موحيـة

³ ¶µ ﴾ ]٢٤:األنفال[.

فاحلياة احلقة هي ثمرة من ثامر الطاعة واالنقياد ملنهج اهللا الذي جاء به

كام أن يف املعصية وعدم االلتزام برشعه سبحانه وترك ، ×رسول اهللا

تطبيقه اهلالك والشقاء يف الدنيا واآلخرة ¾ ½﴿ :حيث قال سبحانه ،

¿ À Á Â Ã Ä Å Æ Ç È É Ê Ë Ì

Í Î Ï Ð Ñ Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù Ú

! " # $ &% ' ( ) * + , - . / 0

. ]١٢٧ ــ١٢٣:طه[ ﴾ 7 6 5 4 32 1

ضـمن اهللا تعـاىل ملـن قـرأ : قـال ابـن عبـاس : قال القرطبـي يف تفـسريه

وتـال ، وال يـشقى يف اآلخـرة ، القرآن وعمل بام فيـه أن ال يـضل يف الـدنيا

. اآلية

ووقـاه يـوم ، من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه اهللا مـن الـضاللة : وعنه

أي دينـي ﴾ Å Æ Ç È﴿ : آليةثم تال ا ، القيامة سوء احلساب

. )١(والعمل بام فيه ، وتالوة كتايب

. م ١٩٩٣هــ ١٤١٣بريوت . العلمية دار الكتب . ١١/١٧١اجلامع ألحكام القرآن )1(

ا ا درا إ ٢٢٠

ــن أيب هريــرة ريض اهللا عنــه أن رســول اهللا كــل أمتــي « : قــال×ع

مـن « : قـال ؟ يا رسول اهللا ومن يأبى : قالوا . » يدخلون اجلنة إال من أبى

. )١( »ومن عصاين فقد أبى ، أطاعني دخل اجلنة

بيق للمنهج الرباين متمثال يف الرشيعة اإلسـالمية ومـا إن االنقياد والتط

وينقـذنا مـن غـضب ، تضمنته من مبادئ ونظم هو الذي ينجينا من اإلثـم

ــه ــرين ، اهللا وعذاب ــني واآلخ ــع اهللا األول ــوم جيم ــرب ، ي ــاس ل ــوم الن ويق

ــا ، العــاملني ــاه يف حياتن ــل حكمن ــه ه ــه ورشع ــن دين ــبحانه ع ــسألنا س ، وي

أم جعلناه مضيعا واختذناه مهجورا ؛ دستوراوجعلناه نظاما و . ؟

ففـاز ، وجعلـه دسـتوره وإمامـه ، فهنيئا ملن التـزم بـرشع اهللا وأحكامـه

. وذلك هو الفوز العظيم ، برضوان اهللا وثوابه

وأمحد يف ، ٧٢٨٠ رقم ١٣/٢٦٣فتح الباري . رواه البخاري يف ك االعتصام بالكتاب والسنة 1

. ٨٥١١ رقم ٣/٤٦املسند

ا رآة ا ا

٢٢١

ما ا

ة ا ازنا

ة الرأسـاملية والـشيوعية وبخاصــإن من آفات النظم الوضعية السائدة

. أهنا قد فشلت يف حتقيق التوازن واالعتدال عىل مستوى الفرد واملجتمع

وغالت يف إعـالء شـأن ، فال خيفى أن الرأساملية قد جنحت نحو الفرد

. النزعة الفردية

ويف مقابل هذا االجتاه فإن الشيوعية قد تطرفت يف إعـالء شـأن النزعـة

يف حتطــيم النزعــة الفرديــة بحجــة مراعــاة مــصلحة وبالغــت ، االجتامعيــة

. الشعب واملجتمع

ويف ذات الوقت فإن كال النظامني قد ضل الطريق إلجياد التـوازن بـني

حيــث طغــت ، فــردا كــان أم مجاعــة ، املاديــة والروحيــة يف حيــاة اإلنــسان

وصارت احليـاة ، النزعة املادية لدى كل منهام عىل حساب النزعة الروحية

، اقتصادا واسـتثامرا : وحسب مناهجها مادة يف مادة، ظل تلك األنظمةيف

ــتهالكا ــا واس ــسارة ، وإنتاج ــا وخ ــهوات ، وربح ــز وش وغرائ ــيطرة ، وس

إىل غري ذلك من مظـاهر اجلوانـب املاديـة . . . واستعامرا ، ومتلكا ، ونفوذا

التي حرصت تلك األنظمة نفسها يف إطارها .

ا ا درا إ ٢٢٢

ألهنـا ، ي اكتنف تلك األنظمـة والحقهـا لـيس غريبـاوهذا الفشل الذ

فكـان ، موصـومة بامليـل جهـة اإلفـراط أو التفـريط ، نظم جمافية للوسطية

. طبيعيا أن ال يثمر تطبيقها يف حياة الناس توازنا واعتداال

إذا طبقت عىل الوجـه الـذي رشعـه ــأما النظم اإلسالمية فإهنا جديرة

أفـرادا ـــثمـر وحتقـق التـوازن واالعتـدال يف حيـاة األمـة بـأن تـــاهللا تعاىل

ألهنا نظم من خصائصها الوسطية واالعتدال يف شتى جوانبها ، ومجاعات

. كام سبق أن بيناــوكافة مبادئها

إنه يف ظل النظم اإلسالمية ال وجود لتلك املشكلة التي خلفتها الـنظم

، ني النزعة الفردية والنزعـة اجلامعيـةواملتمثلة يف فقدان التوازن ب، األخرى

. وبني حقوق املجتمع ومتطلباته ؛ أو بني تطلعات الفرد وآماله وحاجاته

وقد أرشنا يف الفـصل الـسابق إىل بعـض املظـاهر التـي تـدل عـىل قـدرة

النظم اإلسالمية عىل حتقيق التوازن واالعتدال بني النزعة الفردية والنزعة

التـي تقاسـمت ، حلديث عن مشكلة امللكية الفرديةوذلك عند ا ، اجلامعية

فيها كل من الرأساملية والـشيوعية ومـا يـدور يف فلكهـام مـن أنظمـة طـريف

بيــنام عاجلتهــا الــنظم اإلســالمية بمــنهج وســط متــزن ، اإلفــراط والتفــريط

وال يـــرض بمـــصالح ، وحيفـــظ حقوقـــه ، يلبـــي رغبـــات الفـــرد ، معتـــدل

. حقوقهأو جيور عىل ، املجتمع

وإذا كانت النظم األخرى مل تفلح يف حتقيـق التـوازن لـدى اإلنـسان يف

ا رآة ا ا

٢٢٣

، حيـث مالـت إىل النزعـة املاديـة كـل امليـل ، نزوعه نحو املادية والروحيـة

وأعلت من شأهنا يف حـني أسـقطت مـن ، ورصفت إليها مجيع اهتامماهتـا ،

ومل تعرهــا اهتاممــا يــذ ، حــساهبا النزعــة الروحيــة كــان هــذا هــو إذا . . كر

فإن للنظم اإلسالمية ؛ ــ وقد خلف وراءه آثارا مريرة ــموقف تلك النظم

. ال حيقق سوى املصلحة للفرد واجلامعة ، موقفا مغايرا

ذلك أن النظم اإلسالمية مل تنظر إىل اإلنسان عـىل أنـه ذو طبيعـة ماديـة

بـل عـىل أنـه حيمـل الطبيعتـني ،وال عىل أنه ذو طبيعة روحية جمردة ، بحتة

فيه روح هلا أشـواقها ؛ وفيه تطلع ونزوع إىل كليهام مجيعا ، معا ومـادة هلـا ،

: ألن اهللا هكذا خلقه وفطره ، حاجاهتا

﴿k l m n o p q r s t u v w x y z

.] ٧٢ ـ ٧١:صسورة [ ﴾ { | }

ففي اإلنسان جانب مـادي يعـود إىل طبيعـة تكوينـه الطينـي وجانـب ،

روحي يعود إىل تلك النفخة الربانية العلوية التي أودعها اهللا تبارك وتعاىل

فصار هبذه النفخة القدسية كائنا متميزا عن سائر الكائنات ، فيه منذ خلقه

. يف األرض

مركـب منـذ البـدء » الكـائن «هـذا : يقول الشهيد سيد قطب رمحه اهللا

طبيعتـه طبيعـة ، نفـصالن فيـهمن هذين األفقني اللذين ال ي ال » املركـب «

وال بد مـن مالحظـة هـذه احلقيقـة . . »! املمزوج « أو » املخلوط «طبيعة

ا ا درا إ ٢٢٤

ودقة تصورها كلـام حتـدثنا عـن تركيـب اإلنـسان مـن الطـني ومـن النفخـة

إنـه ال انفـصال . . العلوية التي جعلت منه هذا املخلـوق الفريـد التكـوين

وال ترصف ألحدمها بـدون اآلخـر يف حالـة ، يف تكوينهبني هذين األفقني

وال يكـون روحـا ، إنه ال يكون طينا خالـصا يف حلظـة ، واحدة من حاالته

وال يتـرصف تـرصفا واحـدا إال بحكـم تركيبـه الـذي ال ، خالصا يف حلظة

! يقع فيه االنفصال

والتوازن بـني خـصائص العنـارص الطينيـة فيـه والعنـارص العلويـة هـو

فق األعىل الذي يطلب إليه أن يبلغهاأل ، وهو الكـامل البـرشي املقـدر لـه ،

فليس مطلوبا منه أن يتخىل عن طبيعة أحد عنرصيه ومطالبه ليكـون ملكـا

ــا ــون حيوان ــسان ، أو ليك ــشود لإلن ــامل املن ــو الك ــنهام ه ــد م ــيس واح ول ،

املخلــوق واالرتفــاع الــذي خيــل بــالتوازن املطلــق نقــص بالقيــاس إىل هــذا

أجلهــا خلــق عــىل هــذا النحــو واحلكمــة التــي مــن ، وخصائــصه األصــيلة

. اخلاص

والذي حياول أن يعطل طاقاته اجلسدية احليويـة هـو كالـذي حيـاول أن

ويريـد ، كالمها خيرج عـىل سـواء فطرتـه . . يعطل طاقاته الروحية الطليقة

مري ذلـك املركـب يف وكالمهـا يـدمر نفـسه بتـد ، منها ما مل يـرده اخلـالق لـه

. وهو حماسب أمام اهللا تعاىل عىل هذا التدمري ، كياهنا األصيل

عـىل مـن أراد أن يرتهـبن فـال يقـرب ×من أجـل هـذا أنكـر الرسـول

ومن أراد أن يقوم الليل فـال ، ومن أراد أن يصوم الدهر فال يفطر ، النساء

ا رآة ا ا

٢٢٥

. )١( » نيفمن رغب عن سنتي فليس م « : أنكر عليهم وقال . ينام

وأقـام لـه ، ولقد أقام اإلسالم رشيعته لإلنسان عىل أساس تكوينه ذاك

عليها نظاما برشيا ال تدمر فيه طاقة واحدة من طاقات البرش إنام قصارى ،

لتعمـل مجيعهـا يف غـري ، هذا النظـام أن حيقـق التـوازن بـني هـذه الطاقـات

فكـل اعتـداء ، ألخـرىوال اعتداء مـن إحـداها عـىل ا ، طغيان وال ضعف

واإلنسان حفيظ عىل خـصائص ، وكل طغيان يقابله تدمري ، يقابله تعطيل

والنظام الـذي يقيمـه اإلسـالم حفـيظ عـىل ، فطرته ومسئول عنها أمام اهللا

. هذه اخلصائص التي مل هيبها اهللا جزافا لإلنسان

كيانــه والــذي يريــد قتــل النــوازع الفطريــة احليوانيــة يف اإلنــسان يــدمر

ومثلــه الــذي يريــد قتــل النــوازع الفطريــة اخلاصــة باإلنــسان دون ، املتفــرد

مـن االعتقـاد يف اهللا واإليـامن بالغيـب الـذي هـو مـن خـصائص ، احليوان

ــونتهم البــرشية . . اإلنــسان ــدهم يــدمر كين ــاس عقائ ، والــذي يــسلب الن

مها كال . . كالذي يسلب الناس طعامهم ورشاهبم ومطالبهم احليوية سواء

. )٢( !الشيطان عدو لإلنسان جيب أن يطارده كام يطارد

رقـم ٦ ٩/٥فـتح البـاري . احلديث أخرجـه البخـاري يف ك النكـاح ب الرتغيـب يف النكـاح )1(

رشح . النكاح ملن تاقت نفسه إليـه ووجـد مؤنـة ومسلم يف ك النكاح ب استحباب ، ٥٠٦٣

، ٦/٦٠والنـسائي يف ك النكـاح ب النهـي عـن التبتـل ، ١٤٠١ رقم ١٧٦ ـ٩/١٧٥النووي

. كلهم من رواية أنس بن مالك . ١٣١٢٢ رقم ٤/١٢٦وأمحد يف املسند

.٢١٤٠ ـ ٤/٢١٣٩يف ظالل القرآن )2(

ا ا درا إ ٢٢٦

لقد ترتب عـىل فـشل الـنظم واملـذاهب الوضـعية يف حتقيـق التـوازن يف

حياة الفرد واجلامعة أن شقي اإلنسان الذي يعيش يف ظلهاوشـاع القلـق ،

ــراد واجلامعــات ، واحلــرية ــوافر ، ودب الــشقاء إىل األف ــرغم ممــا يت عــىل ال

والتقدم احلـضاري ، ناس يف ظل تلك النظم الوضعية من الرخاء املاديلل

وكل ما يعد من عنارص االرتقـاء والتحـرض مـن منظـور تلـك ، والعمراين

! النظم اجلاهلية املختلة املوازين

، إن الواقع يف املجتمعات األوربيـة واألمريكيـة ومـن يـسري يف دروهبـا

ويتبع سننها لينبئ عن ت حيـث انتـشار ، عاسة اإلنسان وشـقاء نفـسه هنـاك

ـــسكرات ـــدرات وامل ـــة ، املخ ـــصبية والبدني ـــسية والع ـــراض النف ، واألم

حتى يصل ، وتفكك الروابط االجتامعية واألرسية ، والشذوذ واالنحالل

هروبـا مـن جحـيم احليـاة ، احلال إىل إقدام عرشات األلوف عىل االنتحـار

وافرتســتهم اهلمــوم التــي صــاحبها ، ضياعالتــي اكتــنفهم فيهــا القلــق والــ

، كــل هــذا مــع تــوافر ســبل الرخــاء املــادي . . . أمــراض نفــسية وعــصبية

وألوان التقدم احلضاري بمستوى مل تعرف له الدنيا من قبل مثيال !

وسيظل حـال اإلنـسان هكـذا يف ظـل تلـك الـنظم مـا دامـت تنظـر إىل

متجاهلـة ، ه جمـرد كـائن مـاديالتـي تعتـرب ، تلـك النظـرة املختلـةناإلنسا

ولـن يكـون ، تكوينه وتطلعه الروحـي الـذي حيتـاج إىل الغـذاء واالرتـواء

، ارتواؤه وغذاؤه الروحي يف الطعام والرشاب واجلنس والنوم وغري ذلك

ا رآة ا ا

٢٢٧

والـــصلة ، والتـــنعم بطمأنينـــة العقيـــدة ، بـــل يف تـــذوق حـــالوة اإليـــامن

نحـو مـا هـو مفـصل يف مـنهج عـىل ، الصحيحة احلـسنة بـاهللا رب العـاملني

. النظم اإلسالمية املعتدل املتوازن

إن حياة النفوس يف هدى اهللا عز : وحقا ما يقوله األستاذ البهي اخلويل

، كام أن حياة األرض فيام أنزل اهللا هلا مـن املـاء ، وال حياة هلا بغريه ، وجل

وحمال أن جتد األرض ريا حتيا به يف غري هذا املاء وال ، ال جتده يف ذهب. .

. . إنـام جتـده يف املـاء فقـط ، وال غـري ذلـك ، وال نـار ، وال هـواء ، يف فضة

أو ، مـا أنـزل اهللا مـن مـدنيات زائفـة فالذين يطلبون أن حتيا نفوسهم بغـري

أو يظنوهنا حتيا بكثرة ما جيمعون من عرض الدنيا ، علوم خالية من الروح

إذ ال موت ، بل خيبطون يف أودية املوت ، يف الوهمإنام يرضبون ؛ ومتاعها

g h i j﴿ :وال حياة إال فيام يعرضون عنـه ، إال فيام يطلبون

k l m n o p q r s t u v w yx

z { | } ~ � ﴾ ]١٢٢:األنعام. [

بعيـدين عـن مـا دامـوا ، وف يظل هؤالء التعساء أمواتا غري أحياءــوس

إىل أن متـسها رمحـة اهللا ، كـام تظـل األرض امليتـة ميتـة ، مصدر احلياة احلـق

ويـشيع يف ظاهرهـا وباطنهـا بركـات احليـاة ، بالغيث املبارك فتهتـز وتربـو

. )١(وأرسارها

. بريوت . ار الندوة اجلديدة د . ٥٥ص . البهي اخلويل . تذكرة الدعاة )1(

ا ا درا إ ٢٢٨

ا ا

د واة ا ا

رشعـه اهللا تعـاىل ملـن شـأنه إن تطبيق النظم اإلسالمية عىل الوجه الذي

وعــىل كافــة ، أن يثمــر حــصول األمــن بكــل صــوره يف حمــيط األمــة كلهــا

، األمر الذي يضفي عىل احلياة ملـسات حانيـة، مستوياهتا وخمتلف قطاعاهتا

ــسان يف عــامل ــي يفتقــدها اإلن ــة الت ــسكينة والطمأنين ــا ال ــشيع يف أجوائه وي

. ومصابة باخللل ، القصوريف ظل أنظمة وضعية معلولة ب ، اليوم

؛ إن األمن الذي يكتنف احلياة يف ظل تطبيق رشيعة اإلسالم وأنظمتها

إنام هو أمن عام وشـامل لكـل جانـب حيتـاج اإلنـسان إىل الـشعور بـاألمن

. وليس أمنا يف جانب دون آخر ، فيه

، فعىل املستوى النفيس الذايت يتحقق األمـن لإلنـسان يف ظـل اإلسـالم

والعبادات وحسن الـصلة بـاهللا عـز ، يث إن اإليامن والعقيدة اإلسالميةح

وعـدم القلـق واالضـطراب ، يورث اإلنسان الطمأنينـة والـسكينة ، وجل

. النفيس

ــــل ) ' & % $ # " !﴿ :وصــــدق اهللا القائ

.] ٨٢:األنعام[ ﴾ + * (

ا رآة ا ا

٢٢٩

إن اإلسالم عندما يطبق برشائعه ونظمه ؤمن واملجتمع يوجد الفرد امل؛

. املؤمن اآلمن

ذلك أن أكثـر مـا يـدخل النـاس يف دائـرة القلـق النفـيس واالضـطراب

وهاتـان ، الكبري يف احليـاة هـو اخلـوف مـن فـوات الـرزق وضـياع األجـل

القضيتان قد انحسم أمرمها يف نفس الفرد املـسلم واملجتمـع املـسلم الـذي

نشئ يف ظل رشع اهللا وعىل هـداه ه مـن العقائـد املقـررة يف ديـن حيـث إنـ ،

سبيال عىل رزق ــ كائنا من كان ــأنه سبحانه مل جيعل ألحد من اخللق ؛ اهللا

بل أمر كل منهام بيد اهللا العزيز احلكيم ، أحد أو أجله .

( ) ' & % $ # "﴿ :أما الرزق فقد قال اهللا تعـاىل يف شـأنه

.] ٦:هود[ ﴾ *

.]٥٨:الذاريات[ ﴾ T U V W X Y Z﴿ :وقال جل شأنه

ــــشأنه ¤ £ ¢ ¡﴿ :وأمــــا األجــــل فقــــد قــــال اهللا ســــبحانه ب

.]٦١:النحل[ ﴾ © ¦§ ¥

﴾ b c d e f g h i j lk﴿ :وقال سبحانه

] ١٤٥:آل عمران[

وما أجدرنا أن نتأمل يف هذا احلديث مليا

:

قالــت أم حبيبــة زوج : قــال ، عــن عبــد اهللا بــن مــسعود ريض اهللا عنــه

اللهم أمتعني بزوجي رسـول اهللا : ×رسول اهللا ، وبـأيب أيب سـفيان ، ×

ا ا درا إ ٢٣٠

ســألت اهللا قــد « : ×فقــال النبــي : قــال . وبـأخي معاويــة بــن أيب ســفيان

آلجال مرضوبة لـن يعجـل شـيئا قبـل ، وأرزاق مقسومة ، وأيام معدودة ،

حله أو يؤخر شيئا عن ح ، ولو كنت سألت اهللا أن يعيـذك مـن عـذاب ، له

. )١( » كان خريا وأفضل ؛ يف النار وعذاب يف القرب

وكذلك فإن أمر اإلنسان كله بيد اهللا وحده ال يستطيع أحد من اخللق ؛

مهام أويت من قوة أن يلحق بأحد رضرا . أو حيقق له نفعا إال بإذن اهللا ،

, + (* ) ' & % $ # " !﴿ :قـــال تعـــاىل

- . / 10 2 3 4 5 6 87 9 : ; ﴾

]١٠٧:يونس[

ــــبحانه ــــال س µ´ ¶ ¹ ³ ² ± ° ® ¬ »﴿ :وق

º » ¼ ¾½ ¿ À Á ﴾ ]٢:فاطر [.

يومـا ×كنـت خلـف النبـي : قـال ، وعن ابـن عبـاس ريض اهللا عـنهام

احفـظ اهللا جتـده ، حيفظـكاحفظ اهللا : يا غالم إين أعلمك كلامت « : فقال

واعلــم أن ، وإذا اســتعنت فاســتعن بــاهللا ، إذا ســألت فاســأل اهللا ، جتاهــك

مل ينفعوك إال بـيشء قـد كتبـه اهللا ؛ األمة لو اجتمعت عىل أن ينفعوك بيشء

رواه مسلم يف ك القدر ب بيان أن اآلجال واألرزاق وغريها ال تزيد وال تنقص عـام سـبق بـه )1(

رقـم ١/٦٤٤وأمحـد يف املـسند ، ٢٦٦٣ رقم ٢١٤ـ ١٦/٢١٢مسلم برشح النووي . القدر

٣٦٩٢ .

ا رآة ا ا

٢٣١

وإن اجتمعوا عىل أن يرضوك بيشء مل يرضوك إال بيشء قـد كتبـه اهللا ، لك

رفعت األقالم وجفت . عليك

. )١( » الصحف

واالعتقاد باآلخرة يـؤدي دوره األسـايس يف إفاضـة الـسالم عـىل روح

إن احلـساب اخلتـامي . . ونفـي القلـق والـسخط والقنـوط ، املؤمن وعاملـه

فـال نـدم عـىل اخلـري ، والعدالـة املطلقـة مـضمونة يف هـذا احلـساب ، هناك

وال قلـق عـىل ، لـق جـزاءهواجلهاد يف سبيله إذا مل يتحقق يف األرض أو مل ي

األجر إذا مل يوف يف هذه العاجلة بمقاييس الناس فـسوف يوفـاه بميـزان ،

وال قنوط من العـدل إذا توزعـت احلظـوظ يف الرحلـة القـصرية عـىل ، اهللا

. )٢(وما اهللا يريد ظلام للعباد ، فالعدل ال بد واقع ، غري ما يريد

ي تصاغ يف ظل تطبيـق رشع اهللا تعـاىل وهكذا يتبني لنا أن الشخصية الت

، حتيـا حيـاة طيبـة تغمرهـا الـسكينة ؛ وااللتزام بـرشائعه وشـعائره ونظمـه

حيـاة بعيـدة عـن أمـراض ؛ ويشيع يف أجوائها الرضا ، وتسودها الطمأنينة

. وقلق األعصاب واضطراهبا ، النفوس

، عـيويف ظـل تطبيـق الـنظم اإلسـالمية يتحقـق كـذلك األمـن االجتام

حـسن : وقـال الرتمـذي ، ٢٥٢٤ رقـم ٤/٢٣١ منه ٥٩رواه الرتمذي يف ك صفة القيامة ب )1(

ب مـا . وابن السني يف عمل اليـوم والليلـة ، ٢٦٦٤ رقم ١/٤٨٢وأمحد يف املسند ، صحيح

يوىص به الغالم إذا عقل ص دار . حتقيق عبـد الـرمحن كـوثر الـربين . ٤٢٥ رقم ٢٧٥ ـ٣٧٤

. جدة . القبلة

. ١/٢٠٨يف ظالل القرآن )2(

ا ا درا إ ٢٣٢

، وتتالشى اجلرائم والعـداوات ، وتسرت العورات ، حيث تصان احلرمات

وتكفل احلريات ، وأوارص القربـى واملحبـة ، كام تتوطـد روابـط األخـوة ،

وتنحرس الفـوارق الطبقيـة والعرقيـة يف ظـل أخـوة الـدين وربـاط العقيـدة

. واإليامن

كل جوانب ــعاته ونظمه من خالل ترشيــفلقد أحاط اإلسالم ؛ أجل

، والضامنات األكيـدة القويـة، األمن االجتامعي بالتوجيهات الالزمة البينة

ــي تبقــى مــصانة بعيــدة عــن عبــث العــابثني ، واعتــداءات اآلثمــني ، ك

كام يتبني هذا بوضوح وجالء ملن يطالع يف املنظومة ، وانتهاكات الفاسقني

. والسنة النبوية ، اآليات القرآنيةالتي تضمنتها ، الترشيعية العظيمة

ــة ــات رباني ــة بتوجيه ــراض مكفول ــة األع فحرم ــة ، ــن الغيب ــى ع ، تنه

ــم ــتهزاء هب ــرين واالس ــن اآلخ ــسخرية م ــذف ، وال ــا ، والق ــرم الزن وحت ،

وتتبع العورات ، والنظرات املحرمة . أو هتك أستارها ،

ــة بتــرشيعات إهل وحرمــة النفــوس مكفول ــة تعظــم مــن حرمــة هــذه ، ي

وحتـرم قتـل ، وتنهى عن إحلاق األذى باآلخرين ، النفوس التي خلقها اهللا

أو أي ، والقيام بام يؤدي إىل إتالفهـا ، النفس التي حرم اهللا قتلها إال باحلق

. جزء من أجزائها

ــة ــة رصحي ــات قرآني ــة بآي ــوال مكفول ــة األم وحرم ــة ، ــث نبوي وأحادي

واخلـداع يف البيـع والـرشاء وسـائر ، تنهى عن الـرسقة والغـش ، حةصحي

ا رآة ا ا

٢٣٣

وحترم أكل أموال الناس بالباطل ، املعامالت واغتصاب أموال الضعفاء ،

وتبني بوضوح وحـزم أنـه ال حيـل ألحـد أن يمـد يـده ، كاليتامى ونحوهم

وال أن يأخذ شـيئا مـن أمـوال اآلخـرين إال ، عىل مال غريه دون وجه حق

، كـالبيع والـرشاء ، أو بوسـيلة مـرشوعة ، عن تراض أو طيب نفس منهم

وتنبـه املـسلم إىل أنـه . ونحـو ذلـك ، واهلبـة أو اهلديـة ، واملرياث والوصية

سوف يسأل بني يدي اهللا تعاىل يوم الدين عن مالـه مـن أيـن اكتـسبه وفـيم

. أنفقه

كافـل والتـواد هنـاك مـا والـرتابط والت ، والتواصل بـني أفـراد املجتمـع

يف دائـرة ؛ ويكفـل حتققـه عـىل كافـة الـدوائر واألطـر واملـستويات ، ينظمه

. ثم يف إطار اإلخاء اإلسالمي العام ، األرسة واجلوار واألرحام

وهذه احلرمات واآلداب والتوجيهات مصانة وحماطة كذلك بضامنات

، مري الذي صنعه اإليامنذلك الض ، أوهلا ضمري املسلم نفسه ، قوية أكيدة

وهذبته العبادات .

ثم ضامنة اجلو النقي الذي يتمثل يف رأي عام نظيف فاضل تشيع فيـه ،

ــضائل ــل ، الف ــواحش والرذائ ــاعة الف ــه بإش ــسمح في ــؤمر فيــه ، وال ي وي

.ويتناصح الناس فيام بينهم ، وينهى عن املنكر ، باملعروف

يــة ضــامنة أخــرى لتوطيــد دعــائم األمــن داخــل ثــم تــأيت التــدابري العقاب

فال يضيع مال إنـسان ، وصيانة احلرمات والكرامات واحلريات ، املجتمع

ا ا درا إ ٢٣٤

وال يــذهب دم إنــسان بــريء ، هــدرا بالــرسقة ونحوهــا مــع وجــود احلــد

وال يلطـخ عـرض إنـسان أو تـدنس ، رخيصا ضائعا والقـصاص موجـود

د العقوبـات الزاجـرة مـن حـدود وال يعتدى عىل حرمته مع وجو ، كرامته

وتعزيرات تطبق عىل اجلميع وال سـيد ، ال يستثنى منها حاكم أو حمكـوم ؛

ــيع ، أو مــسود ــف أو وض ــام ، وال رشي ــالمي أم ــع اإلس ــل يف املجتم فالك

. القانون سواء

وقد جسد هـذه املـساواة القانونيـة وعـرب عنهـا أصـدق تعبـري مـوقف ؛

وإقامتـه احلـد عليهـا مـع ، املرأة املخزوميـة التـي رسقـت يف قصة×النبي

، عىل املـأل اسـتعداده لتحقيـق العـدل ×وإعالنه ، كوهنا رشيفة يف قومها

؛ وأحــبهم إىل قلبــه ، ولــو كــان عــىل أقــرب اخللــق إليــه ، وتنفيــذ األحكــام

فاطمة ابنته عليه الصالة والسالم . وريض اهللا عنها ،

أن قريشا أمههم شأن املرأة التـي رسقـت يف ، يض اهللا عنهاعن عائشة ر

ومن جيرتئ عليه إال أسامة بن زيد : فقالوا ، يف غزوة الفتح×عهد النبي

حب رسول اهللا ؟ ×

فأيت هبا رسول اهللا فتلون وجه رسول ، فكلمه فيها أسامة بن زيد ، ×

ــال ، ×اهللا ــد « : فق ــن ح ــد م ــشفع يف ح ــامة. » ؟ود اهللاأت ــه أس ــال ل : فق

، فاختطـب×فلـام كـان العـيش قـام رسـول اهللا ، استغفر يل يا رسول اهللا

فـإنام أهلـك الـذين مـن ؛ أمـا بعـد« : ثـم قـال ، فأثنى عىل اهللا بام هـو أهلـه

ا رآة ا ا

٢٣٥

قـــبلكم أهنـــم كـــانوا إذا رسق فـــيهم الـــرشيف تركـــوه وإذا رسق فـــيهم ،

الضعيف أقاموا عليه احلد وإين والذي نفيس بيده لو أن فاطمة بنت حممد ،

رسقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك املرأة التي رسقت فقطعت يدها ، » .

فحـسنت توبتهـا بعـد وتزوجـت : قالت عائـشة وكانـت تـأتيني بعـد ،

. )١( ×ذلك فأرفع حاجتها إىل رسول اهللا

والتزم ، داب والتوجيهاتفإذا ما طبقت تلك النظم والترشيعات واآل

وشـيوع ، هـل تثمـر إال حتقيـق األمـن والـسكينة ؛ هبا األفـراد واجلامعـات

! ؟ وانتشار احلب والسالم ، االستقرار والطمأنينة

وهتتـد بنـور ، إن نظرة فاحصة يف حال النفوس التي مل تطمئن بـاإليامن

بـرشيعة وواقـع تلـك املجتمعـات التـي ضـلت طريـق االهتـداء ، اإلسالم

عجـزت وعاشت يف ظـل أنظمـة جاهليـة غـري إسـالمية ، اإلسالم ونظمه

بـالرغم ممـا حققتـه مـن رخـاء مـادي وتقـدم ، عن حتقيـق األمـن لإلنـسان

إن هذه النظرة لتبني لكل ذي بصرية كيف أن النظم اإلسـالمية ؛ حضاري

قه لإلنـسان عىل حتقيق ما عجزت النظم املغايرة عن حتقيــ بجدارة ــقادرة

. ولكن كثريا من الناس ال يبرصون ، من نعمة األمن واالطمئنان

فـتح البـاري . ب كراهية الـشفاعة يف احلـد إذا رفـع إىل الـسلطان رواه البخاري يف ك احلدود )1(

يف ك احلــدود ب قطــع الــسارق الــرشيف وغــريه وهــذا لفظــه ومــسلم ، ٦٧٨٨ رقــم ١٢/٨

. ١٦٨٨ رقم ١١/١٨٧مسلم برشح النووي . والنهي عن الشفاعة يف احلدود

ا ا درا إ ٢٣٦ � �

اا ا

وأدوا ت ا ج اا

لقد ختىل السواد األعظم من بلدان العامل اإلسالمي يف عـرصنا احلـارض

وتطبيــق نظــم اإلســالم وقوانينــه يف الــشئون ، عــن حتكــيم رشع اهللا تعــاىل

واجتهت هذه البلدان يف العـرص احلـديث نحـو الـرشق ، احلياتية واملعيشية

، وأخذت تطبق يف حياهتا أنظمة غري إسالمية، ونحو الغرب أخرى ، تارة

فكان من ، والشيوعي اإلحلادي ، الرأساميل العلامين : كان أبرزها النظامان

نتيجة هـذا التوجـه وثـامره النكـدة أن ختلقـت ونبتـت ، مـشكالت عديـدة

ووجدت أزمات طاحنة ، ونشأت أمراض خطرية اكتوت بنارها البلدان ،

واملجتمعــات اإلســالمية التــي اســتبدلت بــرشع اهللا واألنظمــة املنبثقــة منــه

واتسعت رقعة تلك األزمـات واملـشكالت لتطـال ، أنظمة أخرى وضعية

. عاتمعظم نواحي احلياة املعيشية عىل مستوى األفراد واجلام

، واملالحظ أن هذه املشكالت تتفـاقم يومـا بعـد يـوم وعامـا بعـد عـام

مـع سـعيها لـتلمس ، وتدخل بالد العامل اإلسالمي يف مشكلة تلـو أخـرى

لكنهـا تـأبى إال أن تبحـث عـن احللـول ، احللول من هنـا وهنـاك وهنالـك

سـا عـىل وبؤ ، فال يزيـدها هـذا إال شـقاء عـىل شـقائها ، بعيدا عن رشع اهللا

. بؤسها

ا رآة ا ا

٢٣٧

لقد جرب املسلمون يف العـرص احلـارض احللـول الـرشقية والغربيـة فـام

بـل مـا ، وال أصلحت هلـم شـأنا ، وال حققت هلم نفعا ، أغنت عنهم شيئا

زادهتم إال تأخرا وتعثرا وكرست تبعيـتهم وختلفهـم يف دنيـا النـاس ،

ومل ،

العــرص احلــديث اســتبدلت نجــد دولــة واحــدة مــن الــدول اإلســالمية يف

بــرشيعة اإلســالم ونظمهــا منــاهج وأنظمــة وضــعية تغــري حاهلــا إىل قــد ؛

أو صعد نجمها إىل العال ، األحسن .

التي ختلت عن رشيعة ، وأقرب مثال عىل هذا يف العرص احلديث تركيا

الـذي تطـرف أصـحابه يف عـزل ، وسارت عـىل الـنهج العلـامين ، اإلسالم

وكـل مـا يمـت إليـه بـصلة ، م مـن حيـاة النـاساإلسال وصـارت تـتقمم ،

وتتسول النظم من هنا وهناك حلل مشكالهتا التي تزداد وتتفاقم حتى هذه

. الساعة

يف ــــ بتخليهــا عــن اإلســالم يف حياهتــا املعاشــية ــــفهــل صــارت تركيــا

؟ مصاف الدول العظمى يف العامل

إهنــا مل تعــد يومــا مــ ــة وهــي يف ، ا يف الــدول األوىل وال يف الــدول الثاني

سلسلة دول ما يـسمى بالعـامل الثالـث وهـذه ونحوهـا ، أو العـامل النـامي ،

ملـصطلح العـامل املتخلـف) مؤدبـة ( عبارات وقـل مثـل هـذا يف نظـريات ،

التي أخـذت بالرأسـاملية أو ، تركيا من بقية دول العامل اإلسالمي املعارصة

. وتركت رشيعة اهللا وراءها ظهريا ، بالشيوعية

ا ا درا إ ٢٣٨

وحقا ما يقوله شيخنا القرضـاوي لقـد ثبـت فـشل احللـني الـدخيلني : �

املستوردين من عند غرينا ، عىل بالدنا احلل الليربايل الديمقراطي : ومهاــ

وكـان إثـم كـل مـنهام ، يف كل جماالت احلياةــواحلل االشرتاكي الثوري ،

وفشله أضعاف نجاحه ، كرب من نفعهأ .

. فشل يف املجال االقتصاديــأ

. فشل يف جمال احلرية والطمأنينة للشعبــب

. فشل يف املجال العسكريــج

. فشل يف املجال الروحيــد

. فشل يف املجال األخالقيــ ــه

. فشل يف املجال العريب واإلسالميــو

وماذا تعني إنجازات جزئية ومكاسب وقتية أمام ؟ ا بعد ذلك كلهفامذ

. )١( ؟ اخلسائر الكربى والفشل العام

مل حتقـق ، إن هذه األنظمة التي جلأ املسلمون إليها تـاركني نظـم ديـنهم

، بـل أذاقـتهم لبـاس اجلـوع واخلـوف ، ألهلها الغـربيني أنفـسهم الـسعادة

فهـي مل تــشف غليـل أهلهــا ، والقلــقوسـامتهم األزمــات واالضـطراب ،

! ؟ وتنجح هنا يف ديارنا ، فهل ستفشل هناك

القاهرة ط . تبة وهبة مك . ٧ص . يوسف القرضاوي / د. احلل اإلسالمي فريضة ورضورة )1(

. م ١٩٧٧هــ ١٣٩٧الثالثة

ا رآة ا ا

٢٣٩

ولـن ، ودينـه ومنهجـه ، وإذا كان ذلك كذلك فال حـل إال يف رشع اهللا

وشفاء أمراضنا ومشكالتنا إال العالج اإلسـالمي ، ينفعنا يف عالج أدوائنا

الذي جربته األمة من قبل قرونـا عديـدة وبـدل ، فبوأهـا مقـام الـصدارة ،

�وذهلــا عــزا ، وضــعفها قــوة ، خوفهــا أمنــا وانتــشلها مــن ، وفقرهــا غنــى ،

. الظلامت إىل النور

وسارت عـىل هنجـه ، وحتاكمت إىل رشيعته ، لقد طبقت أمتنا اإلسالم

ونظمـه نحــوا مــن عــرشة قــرون بــالرغم ممــا وجــه إىل املــسلمني ــــكانــت ،

أسـعد األمـم عـىل ـــن بعض املآخذ بشأن تطبيق اإلسالم ونظمه خالهلا م

أفـضل مـرات ـــ مع ذلـك ــوكانت املجتمعات اإلسالمية ، وجه األرض

ومرات مـن كافـة املجتمعـات التـي صـاغتها املنـاهج األرضـيةوسـادهتا ،

. رشقية كانت أم غربية ، األنظمة اجلاهلية

إن أمامنا عالجا جرب وثبت وهو املنهج اإلسـالمي والـنظم ، نجاحه

وأمامنا عالجا جـرب وثبـت فـشله ، اإلسالمية وهـو األنظمـة األخـرى ،

، فبـأي العالجـني نأخـذ ، ال سـيام الـشيوعية والرأسـاملية ، غري اإلسالمية

! ؟ وإىل أهيام نلجأ

إن من السفه أن يرص املتنفذون يف كثري من بلدان العامل اإلسالمي عـىل

وتــسول الــنظم املغــايرة لــه ، اإلســالماســتبعاد والتــي ال تزيــد األزمــات ،

بينام العالج الشايف واحلل النـاجع ، واملشكالت عندنا إال تعاظام واشتعاال

ا ا درا إ ٢٤٠

فلمصلحة من هذا التوجه الشاذ الـذي ، موجود وجمرب يف نظام اإلسالم

ث بالـذي هـو والـذي هـو أخبـ ، يستبدل الذي هـو أدنـى بالـذي هـو خـري

! ؟ أزكى

وعجـل ، فحـسم داءه ، إن أفضل أنواع العالج هـو مـا جربـه املـريض

واألمحق من الناس هو الذي يدع الدواء املجـرب املوفـور عنـده ، شفاءه ،

بـل عنـد خـصومه وأعـداء ، عنـد األجانـب عنـه ، ليبحث عن دواء جديد

مـع أن هـذا الــذي يلتمـسه مل يـش ، دينـه وأمتـه ومل هييـئ هلــم ، أصـحابه ف

. )١( ومل يزدهم إال خباال ، العافية

وم ا مء ان اد م ات ا أزت

إن العلامنيني ومن عىل شاكلتهم من أعداء احلل اإلسالمي يشيعون أن

تمعـات والبلـدان اإلسـالمية مـن اإلسالم ونظمه هو سبب مـا تعانيـه املج

�ويومهوننا أننا إذا أردنا رقيا وحال ملشكالتنا ، أزمات ومشكالت وختطيا ، �

فلننبذ تعاليم اإلسـالم ونظمـه ؛ وهنوضا من كبوتنا ، ألزماتنا يف ـــألهنـا ،

مل تعد تناسب عرصناــزعمهم ولنأخذ بمناهج الغرب املجافية للمـنهج ،

!!اإلسالمي

. أن هذا تزوير وتدليسواحلق

. ١٤٣ـ ١٤٢ص . احلل اإلسالمي )1(

ا رآة ا ا

٢٤١

أين تعاليم اإلسالم ونظمه التي طبقهـا املـسلمون يف : ونحن نقول هلم

! ؟ عرصنا هذا فقادهتم إىل التخلف

هاتوا لنا جماال واحـدا طبـق فيـه املـسلمون يف أي بلـد مـن بلـدان العـامل

فعـاد ، ىلاإلسالمي نظام اإلسالم ومنهجه عىل الوجه الذي رشعه اهللا تعـا

. عليهم هذا التطبيق بخلق املشكالت واألزمات

املجال االقتصادي الـذي تعـاين أكثـر بلـدان ــ عىل سبيل املثال ــلنأخذ

ولننظر هل السبب هو ، العامل اإلسالمي فيه ختلفا وتقهقرا بشكل ملحوظ

بأن حرمـت ؛ أهنا أخذت بالنظام اإلسالمي وهديه يف الشئون االقتصادية

، وطبقت نظام الزكاة وتولـت تنفيـذه وعملـت عـىل تفعيلـه ، ربا ومنعتهال

وشجعت العمل وكرمت العاملني ، والتزمـت بتعـاليم ، ـــ ال الالعبـني ـــ

وســائر أوجــه ، اإلســالم وأحكــام رشيعتــه يف االســتثامر والبيــع والــرشاء

أم !؟فــساء اقتــصادهم واكتنفتــه العلــل واألمــراض، النــشاط االقتــصادي

وهو أهنم خالفوا تلك املبادئ والتعاليم وأداروا هلا ، العكس هو الصحيح

! ؟ فذاقوا مرارة الفقر واجلوع ، ظهورهم

ــالنهج ــذوا ب ــديث أخ ــرص احل ــالمية يف الع ــدول اإلس ــن ال ــريا م إن كث

فلــام أفلــسوا حتولــوا إىل ، االشــرتاكي يف جمــال االقتــصاد حينــا مــن الــدهر

؛ وبقـي األمـر كـام هـو ، ام تبدل احلال غري ما كان عليـهف ، النظام الرأساميل

!! ؟ فهل اإلسالم هو املسئول . . . وفقرا ، وبؤسا ، وختلفا ، ضعفا

ا ا درا إ ٢٤٢

والوصـول إىل ، وجمال آخـر وهـو مـا يتعلـق باجلريمـة والقـضاء عليهـا

إذ مــن امللمــوس وامللحــوظ اتــساع رقعــة ، حتقيــق األمــن يف حيــاة النــاس

واالعتـداء ، واالغتـصاب ، كالرسقة ، صورها وأنواعهاوتفيش ، اجلريمة

وهنب أموال الدولـة واألفـراد بكميـات ، وترويعهم ، عىل حرمات الناس

. إلخ . . . خيالية وأرقام فلكية

فهــل طبــق املــسلمون نظــام اإلســالم ومنهجــه يف وقايــة املجتمــع مــن

هذا الـشأن منظومـة واإلسالم يملك يفــوصيانته من أرضارها ، اجلريمة

وقلقــا ، فــأفرز هــذا التطبيــق فــوىض يف حيــاة النــاســــتــرشيعية فــذة

�واختالال أمنيا وانتشارا للجريمة، واضطرابا ، أم العكس هو الصحيح! ؟

فكـان ، وأن الواقع هو أهنم أعرضوا عن نظام اإلسالم وهديه هبذا الـشأن

! ؟ ما كان

بـصالبة ـــفى يتبجح العلامنيون وأرضاهبم ومع هذا الواقع الذي ال خي

ويقولـون بـأن ، ويذهبون إىل حتميـل اإلسـالم أوزار نظـم فاشـلة ، ــوجه

وأنـه هـو الـذي أفـرز كـل ، تطبيق اإلسالم هو املسئول عن هذه األزمـات

!! املشكالت

أال لقــد آن األوان لكــي يطبــق املــسلمون رشيعــة اإلســالم وأنظمتــه ،

ويــربأوا مــن عللهــم ، يــع مــشكالهتم وينتــرصوا عليهــافيتخلــصوا مــن مج

وليعلمـوا أهنـم ، وأوجاعهم التي ال يشفيهم منها شفاء ناجعا إال اإلسالم

ا رآة ا ا

٢٤٣

ــه والــضالل ــة التي ، والبــؤس والــشقاء ، ســوف يظلــون يــرضبون يف أودي

ولسوف يظلون خيوضون يف مشكلة تلو األخرى مـا دامـوا معرضـني عـن

ومرصين عىل تقمم وتـسول مـا يـرضهم ، الرباينواملنهج ، البلسم الشايف

من قبل الرشق تارة والغرب أخرى ، وال ينفعهم .

À Á Â Ã Ä Å Æ ¿ ¾ ½﴿ :وصــدق اهللا القائــل

Ç È É Ê Ë Ì ﴾ ]١٢٤، ١٢٣:طه [.

� �

ا ا درا إ ٢٤٤ � �

ا ا�� �� �

ة اوا

يف عرصنا هذا حلـم عزيـزإن وحدة شعوب وأقطار األمة اإلسالمية ،

وأملـوا يف ، وأمنية طاملا تطلع املسلمون يف املـشارق واملغـارب إىل حتقيقهـا

، وصـار املـسلمون اليـوم طرائـق قـددا ، بعـد أن عمـت الفرقـة ، حصوهلا

وبعد ما صاحب هـذا الواقـع املريـر مـن تـداعي األمـم عـىل املـسلمني كـام

. تتداعى األكلة إىل قصعتها

وال ريب أن أكرب عوامـل هـذا التـرشذم والتفكـك الـذي اكتنـف أمتنـا

فكــان أن متزقــت ، اليــوم هــو أهنــا تركــت االلتــزام بتطبيــق رشع اهللا تعــاىل

ومن ثـم فقـدت الربـاط اجلـامع ، وتشتت بني املذاهب والنظم والقاسـم ،

. وتتوحد يف ظله ، املشرتك الذي كانت تلتقي عليه

وتقاســمتها الــوالءات ، ا األهــواء واملــذاهب األرضــيةثــم تــشعبت هبــ

فتلـك ؛ بل املتناقضة واملتصارعة فيام بينهـا ، واألحالف السياسية املختلفة

وأخـرى والؤهـا ، بلدان من املسلمني والؤهـا للكتلـة الـرشقية الـشيوعية

وثالثة ملا يسمى بمجموعة دول عدم االنحيـاز ، للكتلة الغربية الرأساملية ،

. ورابعة ال إىل هؤالء وال إىل هؤالء

ا رآة ا ا

٢٤٥

واتبعـوا مـا ، ورصاطـه املـستقيم ، وهكذا تركوا اتباع منهج اهللا القويم

فتفرقوا شذر مذر ، سواه من املناهج والسبل وخـالفوا وصـية اهللا وأمـره ،

ــم ــبحانه ، هل ــال س ــث ق J K L M ON P Q﴿ :حي

R S T U WV X Y Z [ \ ﴾

]١٥٣:األنعام[

يومـا خطـا ×خط لنـا رسـول اهللا : ن ابن مسعود ريض اهللا عنه قالع

. » هذا سبيل اهللا « : ثم قال

هذه سـبل عـىل كـل « : ثم قال ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شامله

J K L M﴿﴿ :ثــم تــال ، »ســبيل منهــا شــيطان يــدعو إليــه

ON P Q R S T U V﴾ )١( .

تحقق بعيدا عن تطبيـق رشيعـة اإلسـالم إن وحدة األمة ومتاسكها لن ي

ومن العبث أن تلتمس هذه الوحـدة بعيـدا عـن هـذا الطريـق ، وأنظمتها ،

ــاىل ــنهج اهللا تع ــة مل ــعية جمافي ــة وض ــل أنظم ــق يف ظ ــال أن تتحق ــن املح وم

. ورشيعته

ــولقد رأينا كيف وحد اإلسالم برشيعته ومنهجه الشعوب اإلسالمية

وابن ماجه يف مقدمـة ، ٢٠٢ رقم ١/٧٨رواه الدارمي يف مقدمة سننه ب كراهية أخذ الرأي )1(

ويف ج ، ٤١٣١ رقـم ٢/٥وأمحد يف املـسند ، ١١ رقم١/٦ ملسو هيلع هللا ىلصسننه ب اتباع سنة رسول اهللا

. وصحح إسناده ، ٢/٣١٨واحلاكم يف املستدرك ، ١٤٨٥٣ رقم ٣٩٤ ص ٤

ا ا درا إ ٢٤٦

، قرونـا عديـدةـــوتنائي ديارهـا ، وتباين أقطارها، عىل اختالف أعراقها

إال عنـدما انتقـضت معظـم ؛ فام وهنت تلك الوحدة وتالشت يف واقعهم

ومل يبــق منهــا إال جوانــب قليلــة مــن الــشعائر ، عــرى اإلســالم يف حيــاهتم

. واملظاهر اإلسالمية ، التعبدية

حياهتم جانبني خطريين لقد افتقد املسلمون بغياب تطبيق رشع اهللا من

: من جوانب الوحدة

نظرا لعدم االجتامع وااللتقاء عىل ، وحدة الفكر بني أبناء األمة : أوهلام

، املرتبط بمبادئـه وتعاليمـه والنـابع منهـا ، الفكر املصطبغ بصبغة اإلسالم

واملربأ من التبعية ألي فكر دخيل .

فقد تفرق املسلمون وتوزعـوا بـني األ فكـار واملـذاهب غـري اإلسـالمية

ــا ــرع منه ــا تف ــة ، وم ــة واملذهبي ــات الفكري ــات والتوجه وتعــددت الوجه

تبعـا للتبــاين واالخــتالف احلاصـل بــني املــذاهب التــي ، املتباينـة فــيام بينهــا

، وما لكل منها من خلفية فكرية وعقائدية مغايرة ملا سواها، ساروا وراءها

ـــفــال عجــب ـــ واحلالــة هــذه ـ ورصاع ، حتــدث فــوىض فكريــة هائلــة أنـ

، يـؤدي إىل انـثالم وحـدة األمـة ، واضطراب وتناقض يف األفكار واآلراء

. وهيدد وجودها ، ويكاد يذهب برحيها

حيـــث إن ، الوحـــدة الـــسياسية بـــني دول العـــامل اإلســـالمي : ثــانيهام

، واحـدا كيانا سياسيا ــ يف اجلملة ــالرشيعة اإلسالمية جتعل من املسلمني

ا رآة ا ا

٢٤٧

وإن كـان ، الذي ينتظم أقطـارهم يف عقـد واحـد ، من خالل نظام اخلالفة

فلام أن غيب رشع اهللا عمليا من حياة املـسلمني ، لكل قطر حاكمه غيـب ؛

ومتـزق صـفهم بـني ، وانفرط عقد املسلمني ، معه نظام اخلالفة اإلسالمية

. المية يف العاملالوالءات واألحالف والتكتالت الدولية غري اإلس

؛ )والوحــدة الــسياسية ، الوحــدة الفكريــة( وبافتقــاد هــذين األمــرين

وهو كام ال خيفى متفرع من التخيل عـن تطبيـق ، تفرق املسلمون أيدي سبأ

ــه ، رشع اهللا ــق رشع ــة إال بتطبي ــة كامل ــدة األم ــتعادة وح ــق الس وال طري

سبحانه تاما كامال غري جمزأ � .

ا ا درا إ ٢٤٨

��ا ادس �� �

ا

ؤو ذارة واا

تنفـرد هبـا عـام سـواها ، إن األمة اإلسالمية أمة ذات خصائص متميـزة

قـد ابتعثهـا ، ومن تلك اخلصائص أهنا أمة ذات رسـالة سـامية ، من األمم

فتخرج من شاء من عبادة العباد ، اهللا لرتشد البرشية وتعلمها إىل عبادة اهللا

ومن ضـيق الـدنيا وظلامهتـا ، ومن جور األديان إىل عدل اإلسالم ، وحده

. إىل سعة اإلسالم ونوره

4 3 2 1 0 / .﴿ :وصــــدق اهللا القائــــل

والقائــــــل ، ]١١٠:آل عمــــــران[ ﴾ 9: 8 7 6 5

A B @ ? < = > ; :﴿ :ســـــبحانه

C D FE ﴾ ]١٤٣:البقرة[.

ومكانتهـا بيـنهم مكانـة ، أفـضل األمـمـــسـالة بام حتملـه مـن رــفهي

. األستاذية والصدارة

تناهلـا األمـة عـىل ، واحلق أن هذه املكانة مل تكن حماباة من اهللا أو جماملـة

فـإذا ، واألخـذ بأسـباهبا ، ولكنها متوقفة عىل قيامها بواجباهتـا ، أي وضع

ا رآة ا ا

٢٤٩

. فرطت مل يكن هلا من هذه املكانة حظ أو نصيب

قـد انتزعـت منهـا القيـادةـــ كام ال خيفى ــاألمة اإلسالمية اليوم وإن ،

وصـارت يف مـؤخرة ، وتبوأها غريها مـن األمـم ، وأقصيت عن الصدارة

وحتكم فيها مـن أراذل اخللـق وسـفهاء البـرش ، الركب وذيل القافلة مـن ،

رشيعة اهللا وما هذا إال بتفريطها يف تطبيق ، كان باألمس ال يدفع عن نفسه

ولـن تـستعيد األمـة مكانتهـا ، عىل الوجـه الـذي يريـده سـبحانه ويرتـضيه

ــنهج اهللا ، الالئقــة هبــا ــالعودة إىل م ــد إال ب ــوع والرائ ــام املتب ــون يف مق وتك

والرضـا بغـريه بـديال ، ولن يزيدها ترك املـنهج الربـاين ، والسري عىل هداه

. وانحدارا وانكسارا ، إال ضياعا وهوانا

واسـتهدوا هبديـه ، د حتاكم املـسلمون إىل اإلسـالم وطبقـوا رشيعتـهلق

متبـوعني ال ، فكـانوا خالهلـا سـادة أعـزة ، ونظمه أكثـر مـن عـرشة قـرون

ال ، بعد أن كانوا من قبل يف ضالل مبـني ، وكانوا يف منعة ومتكني ، تابعني

رعـاة بعـد أن كـانوا ، وأضـحوا باإلسـالم قـادة أمـم ، وزن هلم يف العاملني

. غنم

U V W X﴿ :روى اإلمام الطربي عنـد تفـسري قـول اهللا تعـاىل

Y Z [ ]\ ﴾ ] كــان هــذا : عــن قتــادة أنــه قــال، ]١٠٣:آل عمــران

احلي من العرب أذل الناس ذال وأجوعـه ، وأعراه جلودا ، وأشقاه عيشا ،

ا ا درا إ ٢٥٠

. موالرو ، فارس : عىل رأس حجر بني األسدين) ١( مكعومني ، بطونا

مـن عـاش مـنهم ، ال واهللا ما يف بالدهم يومئذ من يشء حيسدون عليـه

ومن مات ردي يف النار ، عاش شقيا واهللا ما نعلـم ، يؤكلون وال يأكلون ،

وأدق فيهـا شـأنا ، قبيال يومئذ من حارض األرض كـانوا فيهـا أصـغر حظـا

. منهم

وأحل لكم بـه ، ه الكتابفورثكم ب ، حتى جاء اهللا عز وجل باإلسالم

وجعلكـم بـه ملوكـا عـىل رقـاب ، ووضع لكم به مـن الـرزق ، دار اجلهاد

فإن ربكـم مـنعم ، فاشكروا نعمه ، وباإلسالم أعطى اهللا ما رأيتم ، الناس

. )٢( فتعاىل ربنا وتبارك ، وإن أهل الشكر يف مزيد اهللا ، حيب الشاكرين

ملا قدم : وعن طارق بن شهاب قال عمـر الـشام عرضـت لـه خماضـة ،

فنزل عمر عن بعريه ونـزع خفيـه أوقـال موقيـه ثـم أخـذ بخطـام راحلتـه ،

فقـال لـه أبـو عبيـدة بـن اجلـراح ، وخاض املخاضـة لقـد فعلـت يـا أمـري :

كعم البعري كعام )1( شد فاه يف هياجه لئال يعض أو يأكل :

فهو كعيم ومكعوم . وكعم الوعـاء . :

وكعم اخلوف فالنا . سد رأسه عقل لسانه عن القول : والكعامـة والكعـام . مـا جيعـل عـىل :

وتعبري قتـادة ريض اهللا عنـه ) . كعم ( مادة . املعجم الوسيط . ال يعض أو يأكل فم احليوان لئ

يشري إىل ما كان فيه العرب قبل اإلسالم من قهر وخـضوع وانكـسار شـوكتهم أمـام سـطوة ،

. وحتكمهم يف املنطقة حينذاك ، الفرس والروم

دار . ٤/٣٧د بـن خالـد الطـربي حممد بن جريـر بـن يزيـ. جامع البيان عن تأويل آي القرآن )2(

. هــ ١٤٠٥بريوت . الفكر

ا رآة ا ا

٢٥١

نزعت خفيك؛ املؤمنني فعال عظيام عند أهل األرض وقدمت راحلتـك ، ،

وخضت املخاضة .

أوه لـو كـان غـريك : فصك عمـر بيـده يف صـدر أيب عبيـدة فقـال : قال

! ؟ يقوهلا يا أبا عبيدة

أنــتم كنــتم أقــل النــاس وأذل النــاس فمهــام ، فــأعزكم اهللا باإلســالم ،

. )١( تطلبوا العزة بغريه يذلكم اهللا تعاىل

راحــوا يبتغــون العــزة يف غــري ، وهــاهم املــسلمون يف العــرص احلــارض

فـام عـاد علـيهم ذلـك إال بالـشقاء ، م من النظم واملذاهب األرضيةاإلسال

والـضعف الـسيايس ، والتخلف ومزيـد مـن التبعيـة والرتاجـع احلـضاري

. األرض أمم وضاعت هيبتها بني ، حتى ذهبت ريح األمة ، والعسكري

وجيـدد ، هو اجلدير بأن يـرد لألمـة عافيتهـاــ وليس غريه ــإن اإلسالم

، بام يملكه من مـنهج متكامـل ، وما فقدت من قوهتا ، ا بيل من شباهباهلا م

وانتـشاهلم مـن ، وقدرة فائقة عىل النهـوض بأتباعـه ومعتنقيـه مـن كبـوهتم

. الضعف واالنحطاط الذي اكتنف حياهتم يف العرص احلارض

ــداؤه ــسلمني وأع ــصوم امل ــه خ ــا يزعم ــل م ــل الباط ــن أبط وإن م يف م

ن أن اإلســالم هــو الــذي يقــود املــسلمني إىل الــرتدي الــداخل واخلــارج مــ

. ٣/٨٢ رواه احلاكم يف املستدرك )1(

ا ا درا إ ٢٥٢

ــادئ ، ولألســف صــدقهم كثــري مــن املــسلمني ، واالنحطــاط فأقــصوا مب

ــاهتم ــن حي ــاالت ، اإلســالم ونظمــه م ــرة املج ــه يف دائ ــوا عــىل إبقائ وعمل

وصـاروا يف ، فأصـبح حـاهلم مـن يسء إىل أسـوأ ، الروحية والتعبدية فقط

. حال ال حيسدون عليها

إن أعــداءنا يعلمــون علــم اليقــني أن اإلســالم هــو وحــده القــادر عــىل

والصعود هبم إىل مراقي الـسيادة ، انتشال املسلمني مما هم فيه من انحطاط

ــادة ــني ، والقي ــرص والتمك ــة ، والن ــىل مكافح ــدين ع ــون جاه ــذا يعمل ول

ومقاومة أي طريق أو أي جهد أو توجه يؤدي إىل بعث اإلسالم ويعمـل ،

حتـى ال تعـود القـوة اإلسـالمية مـن ، ىل إحيائه عمليا يف حياة املـسلمنيع

. ألن هذا ما ال يريدونه ، جديد إىل العامل

: م١٩٤٤يقول لورانس براون يف كتاب له صدر عام

لقد كنا نخوف بشعوب خمتلفة « ولكننـا بعـد االختبـار مل نجـد مـربرا ،

لقــد كنــا نخــو ، ملثــل هــذا اخلــوف ف مــن قبــل بــاخلطر اليهــودي واخلطــر

إال أن هـذا . وباخلطر البلـشفي ، )باليابان وتزعمها عىل الصني ( األصفر

إننا وجدنا اليهود ، كام ختيلناه) مل يتحقق ، مل نجده( التخويف كله مل يتفق

أما الشعوب الصفر فـإن هنـاك دوال ديمقراطيـة كبـرية تتكفـل ، أصدقاءنا

ولكن اخلطـر احلقيقـي كـامن يف نظـام اإلسـالم ويف قدرتـه . . . بمقاومتها

ــىل التوســع واإلخــضاع ــه اجلــدار الوحيــد يف وجــه : ويف حيويتــه ، ع إن

ا رآة ا ا

٢٥٣

. )١( »االستعامر األوريب

: م١٩٥٢وقال مسئول فرنيس يف وزارة اخلارجية سنة

فهـي حلقـة الحقـة ، ليست الشيوعية خطرا عـىل أوربـا فـيام يبـدو يل«

، وإذا كان هناك خطر فهـو خطـر سـيايس عـسكري فقـط ، سابقةحللقات

ــري ــا الفك ــيس خطــرا حــضاريا تتعــرض معــه مقومــات وجودن ــه ل ولكن

. واإلنساين للزوال والفناء

ــر ــو اخلط ــا ه ــارشا عنيف ــدا مب ــددنا هتدي ــذي هي ــي ال ــر احلقيق إن اخلط

فهـم ،فاملسلمون عامل مستقل كل االستقالل عن عاملنا الغريب ، اإلسالمي

ــي اخلــالص ــراثهم الروح ــون ت ــة ذات ، يملك ــضارة تارخيي ــون بح ويتمتع

دون حاجـة إىل ، فهم جديرون أن يقيمـوا هبـا قواعـد عـامل جديـد ، أصالة

والروحيـة أي دون حاجـة إىل إذابـة شخـصيتهم احلـضارية»االستغراب«

. )٢( »يف الشخصية احلضارية الغربية

: )لعامل العريب املعارص ا( مؤلف كتاب ، ويقول مور بريجر

إن اخلوف من العرب واهتاممنا باألمة العربية ليس ناجتـا عـن وجـود «

. ١٨٤عمــر فــروخ ص / د ، مــصطفى خالــدي/ د. التبــشري واالســتعامر يف الــبالد العربيــة )1(

. م ١٩٨٦بريوت . صيدا . املكتبة العرصية

امئة وثيقة سياسـية خـالل القـرن الرابـع عـرش معامل التاريخ اإلسالمي املعارص من خالل ثالث )2(

. القاهرة . دار االعتصام . ١١٣ص . أنور اجلندي رمحه اهللا . اهلجري

ا ا درا إ ٢٥٤

جيـب حماربـة اإلسـالم ، بـل بـسبب اإلسـالم ، البرتول بغزارة عند العرب

العــرب ألن قــوة ، للحيلولــة دون وحــدة العــرب التــي تــؤدي إىل قــوهتم

. )١ (» تتصاحب دائام مع قوة اإلسالم وعزته وانتشاره

وهنــاك أقــوال كثــرية هبــذا الــشأن تبــني بوضــوح تأكــد الغــرب مــن أن

جدير بأن يأخذ بيد األمة اإلسالمية إىل القـوة ــ بتعاليمه ونظمه ــاإلسالم

ولــذلك فــإهنم يعتربونــه ، وأن جيعلهــا يف موقــع القيــادة العامليــة ، والعــزة

. خطرا عىل حضارهتم املادية البائسة

د غفلة املـسلمني فام أش« ومـا أوعـى أعـداءهم الـذين لـو أدركـوا أن ،

لعبـؤوه يف زجاجـات وسـقوه لنـا ولكـل مـن ؛ اإلسالم يقود إىل التخلـف

ولكنهم يقفـون ، يف أفريقيا وغريها ، يريدون السطو عليهم وعىل ثرواهتم

والـسبب ، يف وجه اإلسالم وقفة يقظة ال يقفوهنا أمام أيـة قـوة يف األرض

ارتفع به ؛ و شعورهم وإدراكهم أن اإلسالم إذا عرفه املسلمون وطبقوهه

وحتقق عىل يديه ارتقاؤهم وسبقهم ومتكنهم ، شأهنم « )٢( .

. القـاهرة . دار النرش والتوزيـع اإلسـالمية . ٣٦توفيق الواعي ص /د. دور املسلم يف احلياة )1(

. ٢٠٣نقال عن معركة اإلسالم للصواف ص

. القــاهرة . مكتبــة ســعيد رأفــت . ٨٣ـــ ٨٢ص . عــامرة نجيــب /د. م فقــه الــدعوة واإلعــال )2(

١٩٨٦ .

ا رآة ا ا

٢٥٥

ا ا

د اد او

واألفراد ، ال شك أن اإلنسان هو أغىل ثروة متلكها األمم واملجتمعات

. والركيزة اهلامة لقوة األمة ، سية للمجتمعهم املكونات األسا

وإنــام تــسعد األمــة وتعظــم قوهتــا بقــدر صــالح أفرادهــا فــإذا رزقــت ؛

وكانـت ، باألفراد الصاحلني فقد هتيأت هلا أسباب النجاح والفـالح مجيعـا

وإن رزئـت ، وجديرة باخلريية بني أمـم العـاملني ، خليقة بالسيادة والريادة

د ال حظ هلم من الصالحبأفرا ، حتولـت تلـك الثـروة اإلنـسانية إىل هبـاء ؛

ووقفــت األمــة عــىل حافــة ، وصــارت كالزبــد الــذي ال نفــع فيــه وال غنــاء

. اهلالك والفناء

إن رصيد األمة من األفراد الصاحلني يشبهه يف عامل االقتصاد رصـيدها

د الذهبي يف خزانتها تكـون فبقدر ما يتوفر هلا من هذا الرصي ؛ من الذهب

وكام ال ينفع األمة وفرة النقود وكثـرة العملـة بـدون أن ، قوهتا االقتصادية

فال تغني عنها كثـرة األفـراد وزيـادة األعـداد ؛ يكون هلا غطاء من الذهب

بـل ربـام كـان أولئـك األفـراد غـري الـصاحلني وبـاال ، املجردة من الصالح

. ة واألحياءوعىل احليا ، عليها

ـــمن أجل هذا كانت عناية أنبيـاء اهللا ورسـله وخاصـة خـامتهم حممـدا

ا ا درا إ ٢٥٦

، كبـرية بإصـالح الـنفس اإلنـسانيةـــصلوات اهللا وسالمه عليهم أمجعـني

؛ جتعل منه إنـسانا صـاحلا يف كـل املجـاالت ، وصياغة الفرد صياغة ربانية

، قته بالكون من حولـهوعال، وعالقته بالناس، صاحلا يف عالقته بربه تعاىل

. وباجلملة عبدا سويا مستقيام كام حيب ربنا ويرىض

وقــد أثمــر تطبيــق اإلســالم ونظمــه يف حيــاة املــسلمني األولــني وجــود

، قاعدة عريضة من األفراد الصاحلني الذين تكونت هبم خـري املجتمعـات

وحتققــت عــىل أيــدهيم خــري أمــة أخرجــت للنــاس ، دايــةكانــت منــار ه ،

ومصدر إسعاد للعاملني قرونا عديدة من الزمان وال يـزال اوكـان عهـده ،

. ونورا متأللئا يف سجل الزمان ، غرة يف جبني التاريخ

لقد حتول السلف الصالح يف ظـل املـنهج الربـاين وتعاليمـه ونظمـه إىل

حــوت مــن ســامت الكــامل ، أنــشأها اإلســالم خلقــا آخــر ، نوابــغ فريــدة

بعـد أن ، وعجائـب الـدنيا ، اخلري مـا جعـل منهـا مفـاخر الزمـانوخصال

فكـان منهـا األمـري العـادل ، أضاعتها اجلاهلية حينا مـن الـدهر واخلـازن ،

والقائـد العابـد ، والقـايض املقـسط ، األمني واجلنـدي ، والـوايل املتـورع ،

وبفــضل ، رةوكانــت بفــضل الرتبيــة الدينيــة التــي ال تــزال مــستم ، املتقــي

، مادة ال تنقطـع ومعينـا ال ينـضب ، الدعوة اإلسالمية التي ال تزال سائرة

وال ، ال تزال تسند احلكومة برجال يرجحـون جانـب اهلدايـة عـىل اجلبايـة

وهنـا ظهـرت املدنيـة اإلسـالمية ، يزالون جيمعون بـني الـصالح والكفايـة

ا رآة ا ا

٢٥٧

ها التي مل تتـوفر لعهـد وجتلت احلياة الدينية بخصائص ، بمظهرها الصحيح

. )١(من عهود التاريخ البرشي

إن وجود الفرد الصالح يعني وجود فرد حيرتم القـانون وال يمـد يـده ،

إىل ما ال حيل له وال تسول لـه نفـسه إيـذاء أحـد ، وال يـسمح لـه ضـمريه ،

وقبل هذا وبعده ال يقرص يف حق خالقه ، باإلفساد يف األرض يتجرأ وال ،

عىل انتهاك ما حرم ربه عليه وسـواء ، سواء أكان يف الـرس أم يف اإلعـالن ،

. . أكان يف حرضة الرقيب من البرش أم يف غيبته

ــاين ــؤمن الرب ــرد امل ــه الف إن ــد هللا ، ــواله ، العاب ــه وم ــول بخالق ، املوص

املرتفــع عــن مــساوئها ، املستمــسك بمكــارم األخــالق ، لخــريالفاعــل ل ،

املجانب للرش وكيفام كانت حاله ورتبته ، حيثام كان موقعه ، . .

فهل من أمة عىل وجـه األرض تـستغني عـن مثـل هـذا الكنـز الثمـني ،

املتمثل يف ذلك الفرد الصالح ! ؟

ولقد أتى عـىل األمـة اإلسـالمية زمـان أضـاعت فيـه التمـسك بـرشيعة

وعمـدت إىل نظـم ، الـذي يريـد اهللا ويـرىضاإلسالم ونظمـه عـىل الوجـه

فتالشـى رصـيدها مــن ، مـستوردة مـن الـرشق تـارة ومــن الغـرب أخـرى

ــا ــن أبنائه ــصاحلة م ــدة ال ــب ، القاع ــاهج ، وال عج ــر املن ــات أن تثم فهيه

مكتبـة. ١٠٤ص . احلـسن عـيل احلـسني النـدوي أبـو . ماذا خرس العامل بانحطـاط املـسلمني )1(

. املنصورة . فياض

ا ا درا إ ٢٥٨

األرضــية املغــايرة لــرشع اهللا واملعاكــسة لــه فــردا صــاحلا ، وإنــسانا زاكيــا ،

. هذاوالواقع املشاهد خري دليل عىل

والــسائدة يف عــامل ، املخالفــة لــرشع اهللا لقــد أثمــرت املــذاهب والــنظم

ــوم ــا ، الي ــسانا مادي ــه ، إن ــصلة برب ــوع ال ــة ، مقط ــيم النبيل ــن الق ــدا ع ، بعي

واقـرتاف مـا فيـه ، ال يتورع عن اإلفـساد يف األرض ، واألخالق الفضيلة

. أذى ورضر باحلياة وباألحياء

الصالح يعم األفـراد واملجتمعـات إال يف رحـاب إنه ال يمكن أن نرى

ــالم ــه ، اإلس ــدي رشيعت ــ ، وه ــالل تعاليم ــت ظ ــههوحت وإذا أراد ، ونظم

�املسلمون اليوم أن يعيدوا سرية أسالفهم األماجد صـالحا وبـرا ومهابـة ؛

، وليطبقوا مـنهج رهبـم ، فلينفضوا أيدهيم من كل منهج خيالف رشيعة اهللا

ولن يصلح حال هذه األمة إال بام صلح به أوهلا ، ×وفق هدي نبيهم .

ا رآة ا ا

٢٥٩

ا ا

وأ رة اا

عندما ختىل املسلمون يف العرص احلديث عن تطبيق الـرشيعة اإلسـالمية

وراحوا يطبقون أنظمـة أخـرى ، ونظمها عىل الوجه الذي رشعه اهللا تعاىل

اسـتغل أعـداء ؛ ج عـن هـذا ختلفهـم وانحطـاطهم وتبعيـتهمونت ، وضعية

اإلسالم هذا الواقع الذي آلت إليه حال املسلمني يف تشويه صـورة الـدين

ــأن رشيعــة ، احلنيــف وأهلــه ــدنيا ضــجيجا وافــرتاء ب وراحــوا يمــألون ال

وأهنـا أعجـز مـا تكـون عـن ، اإلسالم ال تتضمن أسباب الرقي والتحـرض

وزعموا أن الدليل عىل ما ادعوه هو واقع ، لعرصالتعامل مع مستجدات ا

حيــث إن اإلســالم لــو كــان يملــك مبــادئ التحــرض ، الــشعوب املــسلمة

ملا كان حال املسلني كام يـرى اليـوم ؛ والرقي والتقدم وعـىل هـذا املنـوال ،

. أخذوا يف رسم صورة شائهة لإلسالم واملسلني

ريا ما يروجـه العلامنيـون يف ولألسف كث ، والواقع أن هذا ادعاء ساقط

ليــأتوا بمجــال : وقلنـا ، وقـد أرشنــا إىل بطالنـه ســابقا ، بالدنـا اإلســالمية

وقلنـا بـأن مـا ، واحد طبق املسلمون فيه اإلسالم كـام ينبغـي فـساء حـاهلم

يعانيه املسلمون اليوم من أزمـات ومـشكالت اقتـصادية وأمنيـة وسياسـية

فكيـف حيمـل اإلسـالم ، إسـالميةهو ثمرة أخـذهم بـنظم غـري ، ونحوها

ا ا درا إ ٢٦٠

! ؟أوزار وأخطاء تلك النظم الوضعية الفاشلة التي تطبق يف بالد املسلمني

وثمة أمر آخر هو أننا إذا أردنا أن نجني ثامر تطبيق الرشيعة اإلسـالمية

ــا ــسعد هب ــا ، ون ــا مجيعه فلنطبقه ــادئ ، ــض مب ــذ املــسلمون بع ــا أن يأخ أم

ليواجهــوا هبــا مــشكالت نظــم أخــرى هــي ، لرتقيــعاإلســالم عــىل ســبيل ا

السائدة واملطبقة واملهيمنة بالفعلفـإن اإلسـالم لـيس يؤخـذ عـىل سـبيل ؛

بل يطبق كله ألن مجيع نظمه وتـرشيعاته يـرتبط بعـضها بـبعض ، الرتقيع ،

فاالقتصاد مثال مرتبط باحلـدود ومـا يتـصل هبـا مـن ، وخيدم بعضها بعضا

والنظـام الرتبــوي ، وكالمهــا مـرتبط بالنظـام االجتامعــي، جوانـب األمـن

. وهكذا

نتيجـة لـيس ، وخالصة األمر أن ما فيه املـسلمون مـن ضـعف وتـأخر

ــنظم اإلســالم ــة يؤدوهنــا بــسبب تــركهم هلــا ، التــزامهم ب ــل هــو رضيب ، ب

. رشقية تارة وغربية أخرى ، وأخذهم بأنظمة أخرى

ــرصن ــسلمون يف ع ــق امل ــا طب ــق وإذا م ــالم التطبي ــم اإلس ــارض نظ ا احل

وآتـى ، وجعلوا هلـا الكلمـة العليـا يف حيـاهتم ، واهتدوا هبدهيا ، الصحيح

ــإذن اهللا ــة املباركــة ب وانعكــس هــذا عــىل حــال ، هــذا التطبيــق ثــامره الطيب

فــإن هــذا ؛ وفالحــا وســعادة ، وعــزا وســيادة ، املــسلمني قــوة وازدهــارا

سيكون خـري وأبلـغ رد عـىل تلـك ا ، حلمـالت املـشوهة لإلسـالم وأتباعـه

وإضفاء مشاعر الثقة والعزة عـىل ، وسيكون سببا يف تثبيت قلوب املؤمنني

ا رآة ا ا

٢٦١

ـــدعوة ، نفوســـهم ـــد لل ـــا يف التمهي ـــامال قوي ـــذلك ع ـــوف يكـــون ك وس

الـذين حتـول تلـك ، ال سيام بني غري املسلمني يف بـالد الغـرب ، اإلسالمية

الصورة املشوهة دون اعتنا . ق الكثريين منهم لإلسالم

. واهللا اهلادي واملوفق إىل الرصاط املستقيم

. وآخر دعوانا أن احلمد هللا رب العاملني

*****

وا ا

٢٦٥

ا ا :وا ا

ا ا ظ ا ر

: ا ا

ر ا ده: ا اول

ما ده: ا ا ر

ا ا :ا ءوا ل اطا ر

ا ا درا إ ٢٦٦

وا ا

٢٦٧

����� �

ا ا

أن الطفل يطلـق عـىل املولـود مـا دام نـاعام ، وأنـه )١(جاء يف كتب اللغة

الصغري مـن كـل يشء ، والـصغري مـن األوالد للنـاس والظبـاء ونحوهـا ،

. والطفولة هي املرحلة من امليالد إىل البلوغ

تكـون مـن الـوالدة حتـى البلـوغ وأن وكذلك يرى الفقهاء أن الطفولة

. اإلنسان يكون طفال من والدته حتى بلوغه

والطفل يطلـق عـىل الـصغري مـن وقـت انفـصاله إىل «: يقول الشوكاين

.)٢( »البلوغ

هو جنـني مـا دام يف بطـن أمـه ، فـإذا انفـصل ذكـرا «: ويقول ابن نجيم

إىل البلـوغ ، فغـالم إىل تـسع )٣(فصبي ، ويسمى رجال كام يف آية املواريث

عرشة ، فشاب إىل أربع وثالثـني ، فكهـل إىل إحـدى ومخـسني ، فـشيخ إىل

آخر عمره ، هكـذا يف اللغـة ، ويف الـرشع يـسمى غالمـا إىل البلـوغ وبعـده

مهـدي املخزومـي ، /أــ كتاب العني ، للخليل بن أمحد الفراهيدي حتقيـق د: انظر عىل سبيل املثال ) 1(

ب ـــ القـاموس . ، منـشورات وزارة الثقافـة واإلعـالم ، العـراق ٧/٤٢٨إبراهيم السامرائي /د

سة الرسـالة ، بـريوت ط ، مؤسـ١٣٢٦املحيط ، ملجد الدين حممد بن يعقوب الفـريوز آبـادي ص

. جممع اللغة العربية القاهرة ط الثانية ٢/٧٨٠ ــ املعجم الوسيط ج.م ١٩٨٧هــ ، ١٤٠٧الثانية

. دار املعرفة ، بريوت ٢/٤٣٧فتح القدير ، حممد بن عيل الشوكاين ) 2(

. أي عىل سبيل املجاز »... ويسمى رجال «: قوله ) 3(

ا ا درا إ ٢٦٨

.)١( »شابا ، وفتى إىل الثالثني ، فكهل إىل مخسني فشيخ

ن اغ

يكون باالحتالم ، وذلك عند تفسري قول ذكر اإلمام الطربي أن البلوغ

، ﴾ ¼ « º ﴿: ، فقـال ] ٦:النساء[ ﴾ ¼ « º ¹﴿: اهللا تعاىل

فإنــه يعنــي إذا بلغــوا احللــم ، عــن جماهــد يف قولــه :﴿¹ º » ¼ ﴾

عنـد : قـال ﴾ ¼ « º ¹﴿: حتى إذا احتلمـوا ، وعـن ابـن عبـاس

احللم ، وقال ابن يزيد يف قوله تعـاىل :﴿¹ º » ¼ ﴾ احللـم : قـال )٢(.

ثالثـة يـشرتك : والبلوغ يكون بخمـسة أشـياء «: وقال اإلمام القرطبي

فيها الرجال والنساء ، واثنتـان خيتـصان بالنـساء ، ومهـا احلـيض واحلبـل ،

ــوغ وأن الفــرائض ــه بل ــامء يف أن ــم خيتلــف العل ــل فل ــيض واحلب ــا احل فأم

فقـال : ا اإلنبـات والـسن فأمـ: واألحكام جتب هبام ، واختلفوا يف الـثالث

مخـسة عـرشة سـنة بلـوغ ملـن مل حيـتلم ، : األوزاعي والشافعي وابن حنبـل

وهو قول ابـن وهـب وأصـبغ وعبـد امللـك بـن املاجـشون وعمـر بـن عبـد

العزيز ومجاعة مـن أهـل املدينـة ، واختـاره ابـن العـريب ، وجتـب الفـرائض

ىل مذهب أيب حنيفة النعامن ، زين العابدين بن إبراهيم ابن نجـيم ، حتقيـق حممـد األشياء والنظائر ع) 1(

. م ١٩٦٨هــ ، ١٣٨٧ ، مؤسسة احللبي ورشكاه ٣٠٦عبد العزيز الوكيل ص

حتقيق حممود ٥٧٥، ٧/٥٧٤جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، أليب جعفر حممد بن جرير الطربي ) 2(

. ثه أمحد حممد شاكر ، دار املعارف ، ط الثانية حممد شاكر ، راجعه وخرج أحادي

وا ا

٢٦٩

. واحلدود عندهم عىل من بلغ هذا السن

والـذي نقـول بـه أن حـد البلـوغ الـذي تلـزم بـه : ن الفـرج قال أصبغ ب

الفرائض واحلـدود مخـسة عـرشة سـنة ، وذلـك أحـب مـا فيـه إيل وأحـسنه

عندي ، وأنه احلد الذي يسهم فيه يف اجلهـاد وملـن حـرض القتـال ، واحـتج

، ندق وهو ابن مخس عرشة سنة فأجيزبحديث ابن عمر، إذ عرض يوم اخل

.)١(نه كان ابن أربع عرشة سنة ومل جيز يوم أحد أل

هذا فـيمن عـرف مولـده ، وأمـا مـن جهـل : قال أبو عمرو بن عبد الرب

مولده وعدة سنه أو جحده ، فالعمل فيه بام روى نافع عن أسلم عن عمـر

أال ترضبوا اجلزية إال عىل مـن : أنه كتب إىل أمراء األجناد بن اخلطاب

. جرت عليه املوايس

ــث ــال ع ــالم رسق وق ــرض مئــزره : امن يف غ ــد اخ ــان ق ــروا إن ك )٢(انظ

بني قريظـة ، فكـل ×عرض رسول اهللا : فاقطعوه ، وقال عطية القرطبي

من أنبت منهم قتله بحكم سعد بن معاذ ، ومـن مل ينبـت مـنهم اسـتحياه ،

، ومـسلم يف صـحيحه يف ٥/٤٥أخرجه البخاري يف صحيحه يف كتاب املغازي ، باب غزو اخلندق ) 1(

، ١٨٦٨ رقـم ١٢، ١٣/١١كتاب اإلمارة ، باب بيان سن البلوغ ، صحيح مسلم بـرشح النـووي

عىل عمر بن عبد العزيز وهو يومئـذ خليفـة ، فقدمت: وقد أردف اإلمام مسلم احلديث بقول نافع

إن هذا حلد بني الصغري والكبري ، فكتب إىل عمله أن يفرضوا ملن كان ابن مخـس : فحدثته هذا فقال

. عرشة سنة ، ومن كان دون ذلك فاجعلوه يف العيال

ام حيرم عليه من النساء ، عف ع: اإلزار وشد مئزره دون النساء اعتزهلن ، وفالن عنيف املئزر : املئزر ) 2(

. ١/١٥املعجم الوسيط

ا ا درا إ ٢٧٠

.)١(فكنت فيمن مل ينبت فرتكني

لم حتـى يبلـغ مـا مل ال حيكم ملن مل حيـت: وقال مالك وأبو حنيفة وغريمها

يبلغه أحد إال إذا احتلم ، وذلك سبع عرشة سنة ، فيكون عليه حينئذ احلد

، بلوغـه بـأن يغلـظ صـوته: مالـك مـرة إذا أتى ما جيب عليـه احلـد، وقـال

، واية أخرى تسع عرشة، وهي األشهر، وعن أيب حنيفة ر)٢(وتنشق أرنبته

يهـا النظـر ، وروى اللـؤلئي بلوغها سبع عرشة سـنة وعل: وقال يف اجلارية

ال يبلــغ بالــسن مــا مل حيــتلم ولــو بلــغ : عنــه ثــامن عــرشة ســنة ، وقــال داود

.)٣(أربعني سنة

والواقع أن االحتالم ، واحليض ال يتأخران عن هذه السن يف الغالـب ،

وأن تأخر حيضها عن هذه السن ، يكون من قبيل االستثناء ، وألنه ببلـوغ

نضج عقل الطل وتفكريه ، ثم إن هـذا مـا عليـه عامـة هذه السن يكون قد

الفقهــاء ، فــضال عــن حــديث ابــن عمــر الــسابق ، وكــام يقــول اإلمــام ابــن

، دار الوفاق بريوت ، وأخرجـه أبـو داود يف ٢/٢٤٤السرية النبوية البن هشام : رواه ابن إسحاق ) 1(

، والرتمذي يف كتاب السري باب مـا جـاء يف ٤٤٠٤كتاب احلدود ، باب يف الغالم يصيب احلد رقم

، ث حسن صحيح ، والنسائي يف الطالقهذا حدي: ل الرتمذي ، وقا١٥٩٠النزول عىل احلكم رقم

، وابن ماجه كتاب احلدود ، باب من ال جيب عليه احلـد رقـم ٦/١٥٥باب متى يقع طالق الصبي

، وصـححه ٣٩٠، ٤/٣٨٩ ، واحلـاكم يف كتـاب احلـدود ١٨٢٩٩ رقـم ٥/٤٠٢ ، وأمحد ٢٥٤١

. ووافقه الذهبي

. ١/١٥شاخمون ، املعجم الوسيط : األرانب طرفه ، وقوم شم: أرنبة أنفه ) 2(

دار الكتـاب ٣٥، ٥/٣٤اجلامع ألحكام القرآن ، أبو عبد اهللا بن حممد بن أمحد األنصاري القرطبي ) 3(

. العريب

وا ا

٢٧١

أوىل من سن مل يعتربها وال قام يف × والسن التي اعتربها النبي «: العريب

.)١( »الرشع دليل عليها

عادة عـن مخـسة واالحتالم ال يتأخر«: يقول األستاذ عبد القادر عودة

ذه الـسن فـذلك يرجـع آلفـة يف عرشة سـنة ، فـإذا مل حيـتلم إنـسان حتـى هـ

، ، فكان العقل دائام بال آفة، واآلفة يف اخللقة ال توجب آفة يف العقلخلقته

.)٢( »ووجب اعتبار الشخص بالغا تلزمه األحكام

وهكــذا يتبــني مــن خــالل العــرض الــسابق أن انــتامء مرحلــة الطفولــة ،

ابتداء البلوغ يكون عند سن اخلامسة عرشة ، وهبذا خيتلـف اإلسـالم مـع و

كثري من الترشيعات الوضعية التي جتعل اإلنسان طفـال حتـى سـن الثامنـة

. عرشة

وننتقل اآلن لبيان أهم مظاهر رعاية الطفولة يف ظل الـنظم اإلسـالمية،

: ونجعلها يف ثالثة حماور ، عىل النحو التايل

. عاية الطفل قبل ميالده ر: أوال

. رعاية الطفل بعد ميالده : ثانيا

. رعاية األطفال اليتامى واللقطاء : ثالثا

، حتقيق حممد عبـد القـادر ١/٤١٨أحكام القرآن ، أليب بكر حممد بن عبد اهللا املعروف بابن العريب ) 1(

. هـ ١٤٠٨العلمية ، بريوت ط األوىل عطا ، دار الكتب

مكتبة دار الرتاث ، ١/٦٠٣الترشيع اجلنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي ، عبد القادر عودة ) 2(

.القاهرة

ا ا درا إ ٢٧٢

ا اول

ر ا ده

١ ص ط ء ا ا وع س

مـن إن يف مقدمة احلقوق األدبية التي قررها اإلسالم للطفـل ؛ أن يـول

طريق مرشوع ، ومن خالل رباط مقدس ، وحتت ظـل عالقـة حـالل بـني

. رجل وامرأة ، يف إطار أرسة مؤسسة عىل تقوى من اهللا ورضوان

: ولتحقيق هذا األمر ، سلك اإلسالم مسلكني

. ام وم : اول

ما : ح ورا .

بل والفطرة السليمة ؛ جريمة كربى ، إذ ذلك أن الزنا يف نظر اإلسالم ،

تصيب الزناة أنفسهم ، واألرس ، واملجتمع ، : أن أرضارها تصيب اجلميع

. واألطفال الذين يولدون من طريق هذه الفعلة اخلبيثة

إن الطفل املولود من طريق حرام ، يكون ضائعا تائهـا ، يولـد بحرمانـه

وأساه ، فاقدا للرعاية وحمروما من اهلناءة والـسعادة ، ال يعـرف لـه أبـا وال

نسبا ، وقد يكون مصريه أن يلقى يف قارعة الطريق أو يف غابة وحيدا بائسا

: ال يدري ماذا ختبئ له األيام ، لسان حاله يقول

وا ا

٢٧٣

ـــــد هـــــذا جنـــــاه عـــــيل أيب ـــــىل أح ـــــت ع ـــــا جني وم

من أجل هذا وغريه حرم اإلسالم الزنا حتريام قاطعا ، وع ده من الكبائر

﴾ Z [ ]\ _ a b﴿: املوبقات ، فقال اهللا تعـاىل

. ] ٣٢:اإلرساء[

يا رسول اهللا ، أي الذنب أكرب عند اهللا ؟ : قال رجل : وعن عبد اهللا قال

ثـم أن «: ثـم أي ؟ قـال : ، قـال »أن تـدعو هللا نـدا وهـو خلقـك ؟ «: قال

أن تــزاين بحليلــة «: أي ؟ قــال ثــم : ، قــال » تقتــل ولــدك أن يطعــم معــك

﴾ 7 6 5 4 3 21 0﴿: ا تـصديقه ، فـأنزل اهللا » جارك

.)١( اآلية]٦٨: الفرقان [

مـا مـن ذنـب بعـد «: قـال ×وعن اهليثم بن مالك الطائي ، عن النبـي

.)٢( » الرشك أعظم عند اهللا من نطفة وضعها رجل يف رحم ال حيل له

مـا مـن ذنـب بعـد « : قـال×عن النبـي ، يوعن اهليثم بن مالك الطائ

. )٣( »الرشك أعظم عند اهللا من نطفة وضعها رجل يف رحم ال حيل له

؛ ويدعو إليه ، نجده حيث عىل الزواج ؛ ويف مقابل حتريم اإلسالم للزنا

، ومـسلم يف ك اإليـامن ب ٣٥ ــ ٨/٣٤: أخرجه البخاري يف ك الديات ، ب قول اهللا تعاىل )1(

. ١٤١ رقم ٨٠ ــ ٢/٧٩نووي كون الرشك أقبح الذنوب ، رشح ال

. ، ط دار الغد العريب ، القاهرة ٣٩ ص٣رواه ابن أيب الدنيا كام ذكر ذلك ابن كثري يف تفسريه جـ) 2(

. ، دار الغد العريب ، القاهرة ٩/ ٣ رواه ابن أيب الدنيا ، كام ذكر ذلك ابن كثري يف تفسريه ) 3(

ا ا درا إ ٢٧٤

حيــث مل ، حيــث ذكــر اهللا تعــاىل يف القــرآن الكــريم أن الــزواج ســنة محيــدة

علـيهم مجيعـا ، وهم األنبياء واملرسـلون ، يارهايرتكها أفاضل البرشية وخ

، ]٣٨ : الرعــد[ ﴾ ۀۀ ٹ ٹ ڻ ڻ ں ں ڱ ڱ﴿ : فقــال تعـاىل ، الـصالة والـسالم

. ]٣٢ : النور[ ﴾ پ پپٻ ٻ ٻ ٻ ٱ﴿ : وحث عليه فقال سبحانه

ــي ــن ×فقــال ، يف الــزواج×وكــذلك رغــب النب ــه اب ــه عن ــيام يروي ف

فإنه أغض للبـرص وأحـصن ، ة فليتزوج من استطاع منكم الباء« : مسعود

. )١( »ومن مل يستطع منكم فعليه بالصوم فإنه له وجاء ، للفرج

ومـصلحة الطفـل يف ، ويـدعو إىل الـزواج ، وهكذا حيرم اإلسالم الزنـا

فكان هذا أول مظـاهر اهـتامم اإلسـالم بـه قبـل أن ــ كام بينا ــهذا ال ختفى

بـل قبـل أن يتخلـق جنينـا يف أحـشاء ، يشم نسيم احلياة عىل وجـه األرض

. أمه

٢ وأ ا ر أا ص ا ؛ وكام حيرص اإلسالم عىل أن يأيت الطفل من نكـاح ولـيس مـن سـفاح

يكونـان مبعـث افتخـاره ، كذلك حيرص عىل أن يكـون ذا أبـوين كـريمني

وديــن ، ئلوحــسن الــشام ، بــام يكــون فــيهام مــن كــرم األصــل ، واعتــزازه

، وهذا لفظه ، والبخـاري ٢٠٤٦يض عىل النكاح رقم رواه أبو داود يف ك النكاح ، ب التحر) 1(

، ومـسلم ٦/١١٧، » من استطاع منكم الباءة فليتـزوج« : ملسو هيلع هللا ىلصيف ك النكاح ، ب قول النبي

. ١٤٠٠ رقم ٩/١٧٢يف ك النكاح ، ب استحباب النكاح ، رشح النووي

وا ا

٢٧٥

تعـود ، وبام يسديان إليه من تأديـب وتربيـة صـحيحة ومـستقيمة ، وتقوى

. عليه باخلري يف الدارين

وطلـب ، فقد حث اإلسـالم عـىل حـسن االختيـار ، ولكي يتحقق هذا

واملنبـت ، من راغب الزواج أن يتحرى املرأة الصاحلة ذات الدين واخللـق

، ن يتحرى وخيتار لبنته الرجـل الـصالحكام طلب من ويل الفتاة أ ، الطيب

ونسوق بعـض النـصوص ، صاحب اخللق احلسن واالستقامة يف أمر دينه

: التي حتمل توجيهات هبذا اخلصوص فيام ييل

ور اا» ا أ « :

﴾ : ﴿H I J K L M ONيقول اهللا

]٢٢١:البقرة[

. ] ١٣:احلجرات[ ﴾ : ﴿Q R S T VUويقول

ملاهلــا : تــنكح املــرأة ألربــع « : قــال× عــن النبــي عــن أيب هريــرة و

. )١( » فاظفر بذات الدين تربت يداك ، وحلسبها ومجاهلا ولدينها

من رزقه اهللا امرأة صاحلة فقد أعانة « : قال× عن النبي وعن أنس

. )٢( » فليتق اهللا يف الشطر الثاين ، عىل شطر دينه

ــدين ) 1( ــاء يف ال ــاح ، ب األكف ــاري يف ك النك ــسلم يف ك٦/١٢٣رواه البخ ــاع ، ب ، وم الرض

. ١٤٦٦ رقم ١٠/٥١استحباب نكاح ذات الدين ، رشح النووي

= ، ٢/١٦١ ، واحلاكم يف ك النكاح ٤/٢٧٢رواه الطرباين يف األوسط ، كام يف جممع الزوائد ) 2(

ا ا درا إ ٢٧٦

ــــــ فــيام بعــد ــــــالزوجــة أثــره عــىل نفــوس األبنــاء وإن الختيــار ، هــذا

وذلك تبعا حلاهلا من توافر ، باإلجياب أو السلب ، وخاصة عندما يكربون

. اخلصال الطيبة فيها أو عدمه

إن سليامن بن عـيل عـاب يومـا عـىل أوالده وأهنـم ليـسوا كـام : وقد قيل

، قات مكـة واملدينـةإنـك عمـدت إىل فاسـ : ]أحد أوالده[فقال له ، جيب

وإنــام نحــن ، فأوعيــت فــيهن نطفــك ثــم تريــد أن ينجــبن ، وإمــاء احلجــاز

حـني اختـار ، هال فعلت يف ولدك ما فعل أبوك فيك ، كصاحبات احلجاز

. )١(لك عقيلة قومها فزوجها منك

: » أب ا «ار اوج

﴾ \[ ] V W X Y Z﴿: يقـــــــــــول اهللا تعـــــــــــاىل

.]٢٢١:البقرة[

( ') & % $ # " !﴿: يقــول ســبحانه و

.]٣٢:النور [﴾ 3 2 1 /0 . - , + *

ــال ــزين ق ــاتم امل ــن أيب ح ــول اهللا : وع ــال رس ــن « : ×ق ــاءكم م إذا ج

، » إال تفعلوا تكـن فتنـة يف األرض وفـساد ، هترضون دينه وخلقه فأنكحو

ينـه إذا جـاءكم مـن ترضـون د« : قال ؟ وإن كان فيه ، يا رسول اهللا : قالوا

. هذا حديث صحيح اإلسناد ، ووافقه الذهبي : وقال =

دار مكتبـة ٢/٢٩٣د األبـشيهي املستطرف يف كل فن مستظرف ، شهاب الدين حممد بن أمحـ) 1(

. م ١٩٨٧احلياة ، بريوت

وا ا

٢٧٧

. )١( »ثالث مرات ، وخلقه فأنكحوه

ثم إن ترغيـب اإلسـالم يف الرجـل الـصالح مل يقـف عنـد حـد اإليـصاء

بـل يبـاح للـويل أو األب أن يعـرض ؛ بقبوله إذا تقدم لبناتنا واملوافقة عليه

ابنته عىل من يراه كفأ صاحلا من الرجال .

ولقد عرض عمر ابنته حفصة بعـد مـا تـويفــ عنهـا خنـيس بـن حذافـة

×قبـل أن خيطبهـا النبـي ، عىل عثامن وأيب بكر للزواجــالسهمي باملدينة

. )٢(لنفسه

بــل ال حــرج مــن عــرض املــرأة نفــسها عــىل الرجــل الــصالح الكــفء

. اهليتزوج

تعــرض عليــه ، ×جــاءت امــرأة إىل رســول اهللا : قــالفعــن أنــس

مـا أقـل : فقالت بنت أنس ؟ ألك يب حاجة ، يا رسول اهللا : قالت ، نفسها

، × هي خـري منـك رغبـت يف النبـي « : قال ، حياءها واسوأتاه واسوأتاه

. )٣( »فعرضت عليه نفسها

: ، وقـال ١٠٨٧رواه الرتمذي يف ك النكاح ، ب إذا جاءكم من ترضون دينـه فزوجـوه رقـم ) 1(

. هذا حديث حسن غريب

القصة رواها البخاري يف صحيحه ، ك النكاح ، ب عرض اإلنـسان ابنتـه أو أختـه عـىل أهـل ) 2(

، وأمحد ٨٤ ــ ٦/٨٣ئي يف ك النكاح ، ب إنكاح الرجل ابنته الكبرية ، والنسا٦/١٣٠اخلري

. ٤٧٩٢ رقم ٢/١٠٦ ، ٧٥ رقم ١/٢٢

= ، ٦/١٢٩، ب عــرض املــرأة نفــسها عــىل الرجــل الــصالح رواه البخــاري يف ك النكــاح) 3(

ا ا درا إ ٢٧٨

٣ة ا ا )١ (و

ال شك يف أنه سوف يـنعكس ؛ ثم إن أي رضر يلحق باجلنني يف الرحم

. وقد يمتد تأثريه السلبي عىل الطفل مدى احلياة ، هعليه بعد والدت

فحـرم قتلـه أو ، ولقد أحاط اإلسالم اجلنني بسياج من احلفظ والرعاية

، وحــرص عــىل ســالمته ودفــع األذى عنــه بكــل الــسبل ، االعتــداء عليــه

: وذلك عىل النحو التايل

ا ا وجتــب صــيانتها وعــدم ، ا حرمتهــاإن اإلســالم يعتــرب اجلنــني نفــسا هلــ

، بـأي عمـل أو بـأي طريقـة ، فإذا ما تسبب أحد يف موت اجلنـني ، إتالفها

�أو حيـا ثـم مـات بـسبب ، ومتت هذه اجلناية بأن انفصل ميتا من بطـن أمـه

ــاين ــل اجل ــا ، فع ــي قرره ــة الت ــه العقوب ــت علي ــة ووجب ــه اجلناي ــت علي ثبت

يف ك ، وابـن ماجـه ٦/٧٩يف ك النكاح ، ب عرض املرأة نفسها عىل مـن تـرىض والنسائي=

. ١٣٤٢٣ رقم ٤/١٧٢ ، وأمحد ٢٠٠١النكاح ، ب التي وهبت نفسها للنبي ، رقم

اجلنــني كــام تفيــده عبــارات اللغــة عــىل اخــتالف مواردهــا وعبــارات كتــب التفــسري والفقــه ، ) 1(

هو املادة التي تتكون يف الرحم من عنرصي احليوان املنوي : وعبارات من كتب املتخصصني

ا يؤيده معنى مادة جنني ، فإهنا راجعة إىل االستتار املتحقـق هبـذا املعنـى ، والبويضة ، وهذا م

اجلنني واألحكام املتعلقة به . ومنه املجنون الستتار عقله ، واجلان الستتاره عن أنظار الناس

، دار النهضة العربيـة ، القـاهرة ط األوىل ٣١حممد سالم مدكور ص/ يف الفقه اإلسالمي ، د

. م ١٩٦٩هــ ١٣٨٩

وا ا

٢٧٩

. اإلسالم

ــة أن يكــون مــن نــوع خــاص وال يــشرتط يف الفعــ« ، ل املكــون للجناي

ويـصح أن يكـون الفعـل ، ويصح أن يكون قـوال ، فيصح أن يكون عمال

. )١( »ويصح أن يكون معنويا ، ماديا

ا يا ا طرحتـه مـا كـل هـو واجلنـني « : يقول األستاذ الشهيد عبد القادر عودة

املـرأة ألقتـه مـا كل عن اجلاين مسئولية مالك ويرى ، ولد أنه يعلم مما املرأة

، دمـا أو علقـة أو مـضغة كـان أو اخللقـة تـام كـان سواء ، محل أنه علمي مما

وإنــام ، الــدم طــرح عــن مــسئولية ال أن املالكيــة فقهــاء مــن أشــهب ويــرى

أيـضا املـالكى القاسـم ابـن يـرى بيـنام ، واملضغة العلقة طرح عن املسئولية

، يـذوب ال احلار املاء عليه صب إذا يالذ املجتمع الدم عن اجلاين ئوليةمس

ءيش ال هـذا ألن يـذوب احلـار املـاء عليـه صـب إذا يالـذ املجتمع الدم ال

. فيه

: ذا ومن األمثلة عىل الفعـل املـادي، ه٢/٢٩٣الترشيع اجلنائي اإلسالمي، عبد القادر عودة ) 1(

الرضب والـضغط عـىل الـبطن وإدخـال مـواد غريبـة يف الـرحم ، ومـن األمثلـة عـىل األقـوال

ــة ــال املعنوي ــل : واألفع ــرضب أو القت ــل بال ــف احلام ــع ، كتخوي ــزاع والرتوي ــد واإلف التهدي

ليها فجأة ، ومن األمثلة عىل األفعال املعنوية جتويع املرأة أو صيامها ، فلو صامت والصياح ع

فأدى الصوم إىل اإلجهاض كانت مسؤولة عن اجلنايـة ، ويـرى بعـض الفقهـاء أن مـن يـشتم

امــرأة شــتام مؤملــا يــسأل جنائيــا إذا أدى شــتمه إىل إجهــاض املــرأة ، الــسابق ٢٩٤ ــــ ٢/٢٩٣

. باختصار

ا ا درا إ ٢٨٠

اسـتبان إذا املـرأة تطرحه عام اجلاين مسئولية يوالشافع حنيفة أبو ويرى

ثقـات فـشهد لقـهخ مـن ءيش فيهـا يتبني مل مضغة ألقت فإذا ، خلقه بعض

. أيضا مسئول فاجلاين ؛ لتصور يبق لوو ، يآدم خلق مبدأ بأنه

، يآدمـ صـورة فيـه مـا املـرأة أسـقطت إن اجلاين مسئولية احلنابلة ويرى

أنـه عىل دليل ال حيث مسئولية فال ؛ يآدم صورة فيه ليس ما أسقطت فإن

اجلــاين كـان خفيـة صـورة فيـه أن ثقــات فـشهد مـضغة ألقـت وإذا ، جنـني

ففيــه لتـصور يبقــ لـو يآدمـ خلــق مبـدأ أنـه شــهدوا وإن ، جنائيـا مـسئوال

؛ العلقـة حكـم يف فهـو يتـصور مل ألنه ؛ عنه مسئولية ال أصحهام : وجهان

خلـق مبتدأ ألنه يسأل : والثاين ، بالشك مسئولية فال الرباءة األصل وألن

. )١( تصور لو ما أشبه يآدم

ا ا

، أو بقول كالتهديـد ، إذا تسبب إنسان يف سقوط اجلنني بفعل كالرضب

وإمـا أن يلقـى حيـا ثـم يمـوت ؛ فإن اجلنني إما أن يسقط من بطن أمه ميتـا

كــام ذكــر ، ولكــل حالــة عقوبتهــا ، بــسبب اجلنايــة عليــه وهــو يف بطــن أمــه

. )٢(الفقهاء

. ، ويف هامشه املراجع التي أخذ عنها ٢/٢٩٥رجع السابق امل) 1(

طبعـة احللبـي ، اجلـامع ألحكـام القـرآن للقرطبـي ٢/٤١٥بداية املجتهد البن رشد : راجع ) 2(

ــه الــزحييل / ، والفقــه اإلســالمي وأدلتــه د٥/٢٠٧ ومــا بعــدها ، دار الفكــر ، ٦/٣٦٢وهب

= وما بعدها ، دار٣/٦٧شيخ السيد سابق للم، فقه السنة ١٩٨٥هــ ١٤٠٥دمشق ط الثانية

وا ا

٢٨١

يجب عىل اجلاين الغرةفإذا مات اجلنني يف بطن أمه وسقط ميتا ف وهي ،

عبد أو وليدة سـبع سـنني أو ثـامن ـــــ كام قال اإلمـام الـشافعي ــــوسنها ،

. وقيمتها مخسامئة درهم أو مائة شاة أو مخس من اإلبل ، سنني

أن امــرأتني مــن هــذيل رمــت واألصــل يف هــذا مــا رواه أبــو هريــرة

عبـد ؛ بغـرة× رسـول اهللا فقىض فيـه ، إحدامها األخرى فطرحت جنينها

. )١(أو وليدة

فيجـب فيـه الديـة ؛ وأما إذا انفصل اجلنني حيا ثم مـات بـسبب اجلنايـة

ــالكبري ــة ك ــرا ، كامل ــان ذك ــإن ك ــري ؛ ف ــة بع ــب مائ ــى ، وج ــان أنث وإن ك

. وقد حكى النووي اإلمجاع عىل هذا ، فخمسون

. )٢( »تعددت الديات لكل جنني ؛ وإذا تعددت األجنة«

ــة أخــرى ــة فهنــاك عقوب هــي «و ، وهــي الكفــارة ، وباإلضــافة إىل الدي

. )٣( »العقوبة املقدرة حقا هللا يف ذلك

فمـن مل جيـدها أو جيـد ، والكفارة عقوبة أصلية وهي عتق رقبة مؤمنة«

. ١٧٦ ــ ١١/١٧٥م ، مسلم برشح النووي ١٩٩٠هــ ١٤١١الريان ، القاهرة ط الثانية =

ومـسلم يف ك القـسامة ب ديـة اجلنـني ، ٨/٤٥أخرجه البخاري يف ك الديات ب جنني املرأة ) 1(

. ١٦٨١ رقم ١١/١٧٥رشح النووي

. ٢٤٩ ، اجلنني ، حممد سالم مدكور ص ٢/٣٠١مي الترشيع اجلنائي اإلسال) 2(

. ٢٥٢اجلنني ص ) 3(

ا ا درا إ ٢٨٢

، فالصوم عقوبـة بدليـة ، فعليه صيام شهرين متتابعني ؛ قيمتها يتصدق هبا

. )١( » امتنع تنفيذ العقوبة األصلية ال تكون إال إذا

سـواء ألقتـه حيـا أو ميتـا ، ويعاقب اجلاين هبا كلام ألقت األم جنينهـا« ،

. وسواء كان اجلاين هو األم أو أجنبيا عنها

وهـذا هـو رأي الـشافعي ، وإن ألقت األم أجنة ففـي كـل جنـني كفـارة

. وأمحد

ـــرتك ـــة يف مجاعـــةوإذا اش ـــت اجلناي ـــرأةا فألق ـــا مل ـــه جنين ـــيهم فديت عل

. كفارة منهم كل وعىل ، باحلصص

ــك وجيعــل ــارة مال ــدوبا الكف ــا من ــة يف إليه ــني عــىل اجلناي ــست اجلن ولي

، حيـا وانفـصاله ميتـا اجلنـني انفـصال بـني فيفـرق حنيفـة أبـو أمـا ، واجبة

. )٢( » األوىل دون الثانية احلال يف الكفارة ويوجب

ذا و ا أو اصا إ

سـواء أكـان جلـدا أم ، إذا اقرتفت املرأة احلامل مـا يوجـب عليهـا احلـد

ســواء أكــان ، أو ارتكبــت مــا يوجــب عليهــا القــصاص ، رمجــا أم غريمهــا

أجل تنفيذ العقوبة عليها حتى ؛ القصاص يف عضو من األعضاء أم بالقتل

. ٢٥٢ ، اجلنني ص ٢/١٧٢الترشيع اجلنائي ) 1(

. ٤١٧ ــ ٢/٤١٦ ، بداية املجتهد ٢٥٢ ، اجلنني ص٢/٢٠٣الترشيع اجلنائي ) 2(

وا ا

٢٨٣

ثم ترضعه اللبأ ، تضع جنينها )١( .

قصة املرأة التي ، واألصل يف تأجيل العقوبة عن احلامل حتى يتم محلها

أو ، وترضـع طفلهـا ، إىل أن تضع ، إقامة احلد عليها×زنت وأخر النبي

. يوجد من يتكفل به من املسلمني

مــن حــديث طويــل يف قــصة مــاعز ــــفعــن ســليامن بــن بريــدة عــن أبيــه

: قالــوالغامدية

، طهـرين ، يـا رسـول اهللا : فقالـت ، امرأة من غامد مـن األزدثم جاءته

أراك تريـد : فقالـت ، »وحيك ارجعي فاسـتغفري اهللا وتـويب إليـه « : فقال

إهنـا : قالـت» ؟ ومـا ذاك « : قـال ، أن ترددين كـام رددت مـاعز بـن مالـك

ي ما حتى تضع « : فقال هلا ، نعم : قالت» ؟آنت « : فقال ، حبىل من الزنا

فـأتى : قـال ، فكفلها رجل من األنصار حتـى وضـعت : قال ، » يف بطنك

إذا ال نرمجهـا ونـدع ولـدها « : فقال ، قد وضعت الغامدية : قال×النبي

إيل رضـاعه : فقام رجل مـن األنـصار فقـال ، »صغريا ليس له من يرضعه

. )٢(فرمجها : قال ، يا نبي اهللا

فلـام ، » فـاذهبي حتـى تلـدي « : قـال هلـا×بي ويف رواية أخرى أن الن

اللبأ كضلع ) 1( نـد الـوالدة ، ، وهـو اللـبن الـذي ينـزل ع٦٥القاموس املحيط ص . أول اللبن :

. وفيه خصائص غذائية ووقائية عالية

. ١٦٩٥ رقم ١١/٢٠١أخرجه مسلم يف ك احلدود ب حد الزنا ، رشح النووي ) 2(

ا ا درا إ ٢٨٤

ــه بالــصبي يف خرقــة قالــت ــه : ولــدت أتت ــي « : قــال ، هــذا قــد ولدت اذهب

، فلــام فطمتــه أتتــه بالــصبي يف يــده كــرسة خبــز» فأرضــعيه حتــى تفطميــه

فـدفع الـصبي إىل ، وقـد أكـل الطعـام ، هذا يا نبـي اهللا قـد فطمتـه : فقالت

وأمـر النـاس ، أمـر هبـا فحفـر هلـا حتـى صـدرهاثـم ، رجل مـن املـسلمني

. )١(فرمجوها

أو يوجـد ، وعىل هذا فإن املرأة تؤخر بعد الوضـع حتـى ترضـع الطفـل

. من يتكفل بإرضاعه

وال حتد حامل حتى تضع : قال املاوردي وال بعد الوضع حتى يوجد ،

. )٢(لولدها مرضع

فـريوى أن امـرأة ، هـذا من بعده عـىل×وقد جرى صحابة رسول اهللا

إن : فقـال لـه معـاذ ، فهم عمـر برمجهـا وهـي حامـلزنت يف أيام عمر

عجـز النـساء أن : فقـال ، كان لك سبيل عليها فليس لك سبيل عىل محلها

. )٣( أنه قال مثل هذا وروى عن عيل ، ومل يرمجها ، يلدن مثلك

×أخرجه مسلم يف املوضع السابق ، وأبو داود يف ك احلـدود ، ب يف املـرأة التـي أمـر النبـي ) 1(

. ٤٤٤٢برمجها من جهينة ، رقم

٢٠٣ والواليات الدينية ، اإلمام حممد بن حبيـب البـرصي املـاوردي صاألحكام السلطانية) 2(

اجلنــني ، حممــد ســالم مــدكور : م ، دار الفكــر ، مــرص ، ويراجــع ١٩٨٣هــــ ١٤٠٤ط األوىل

. حيث عرض هلذه املسألة بالتفصيل ٢٤٢ ــــ ٢٣١ص

. ٢/٤٥٠الترشيع اجلنائي اإلسالمي ) 3(

وا ا

٢٨٥

ىل حيـاة اجلنـني مـن وهكذا يأيت عدم إقامة احلد عـىل احلامـل حفاظـا عـ

ــف ــيم ؛ التل ــرآين احلك ــدأ الق ــع املب ــشيا م ﴾ ¸µ ¶ ¹ ³﴿ : متم

.] ١٥:اإلرساء[

ت و أةا

وقــد ذكــر الفقهــاء أنــه لــو ماتــت األم ويف بطنهــا جنــني وحتــرك وثبتــت

وكان يف عمر من يعيش غالبا إذا ولـد ؛ حياته ـــــة أشـهر بـأن جتـاوز سـت ،

، فإنه جيـوز شـق بطـن األم وإخـراج اجلنـني منهـاــــوهي أقل مدة احلمل

. وإنقاذ حياته

أنه لو ماتت امرأة حامل والولد يتحرك قد جتاوز « : وقد ذكر ابن حزم

6 7 ﴿ : وخيـرج لقولـه تعـاىل ، فإنه يشق بطنها طـوال ، ستة أشهر

ن تركـه عمـدا حتـى ومـ ، ]٣٢ : املائدة [﴾ 8 9 : ;>

. )١(يموت فإنه قاتل نفس

ا ز ا رن

ثم تقيض يف أيـام ، وقد أباح اإلسالم للحامل أن تفطر يف شهر رمضان

مـسألة ١٧١ ص٥ ، وعبارة ابن حزم نقـال عـن املحـيل جـــ٢٦٠ ــــ ٢٥٨اجلنني ص: يراجع ) 1(

إن حممد بن عجالن مكث يف بطن أمه ثـالث سـنني ، فامتـت وهـو يـضطرب : ويقال . ٦٠٧

اضطرابا شديدا ، فشق بطنها ، وأخرج وقد نبتت أسنانه اجلامع ألحكـام القـرآن، القرطبـي .

حقيق شعيب األرنـؤوط وآخـرين ، بت٦/٣١٨، سري أعالم النبالء للحافظ الذهبي ٩/١٨٩

. م ١٩٩٢هــ ١٤١٢مؤسسة الرسالة ، بريوت ط الثانية

ا ا درا إ ٢٨٦

E ﴿ : كـام قـال تعـاىل ، شـأهنا يف ذلـك شـأن املـريض غـري املـزمن ، أخر

PO N M L K J I H G F ﴾ ]١٨٤ : البقرة[ .

ــي ــضحاك والنخع ــاح وال ــن أيب رب ــاء ب ــرصي وعط ــسن الب ــال احل وق

احلامل واملرضع يفطـران : والزهري وربيعة واألوزاعي وأصحاب الرأي

وبه قـال أبـو عبيـد وأبـو ، بمنزلة املريض يفطر ويقيض ، وال إطعام عليهام

. )١(واختاره ابن املنذر ، وحكى ذلك أبو عبيد عن أيب ثور ، ثور

اض

وإنــه ممــا ال خــالف عليــه أن اجلنــني إذا نفخــت فيــه الــروح فإنــه نفــس

. فضال عن إزهاقها ، ال جيوز مسها بأي سوء ، حمرتمة

﴾ Ç È É Ê Ë Ì Í ÏÎ﴿: قــــــــــال اهللا تعــــــــــاىل

. ]١٥١:األنعام[

. )٢( » أخرىال جتني نفس عىل « : أنه قال×كام صح عن النبي

واختـذ مـن ، ولقد رأينا كيف أن اإلسالم يعتـرب اجلنـني نفـسا معـصومة

فجعـل عقوبـات ملـن يعتـدي ، الترشيعات مـا يـصون حرمـة هـذه الـنفس

. ٢/١٩٣اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ) 1(

من رواية ثعلبة بـن ٥٤ ــ ٨/٥٣رواه النسائي يف ك القسامة ب هل يؤخذ أحد بجريرة غريه ) 2(

زهدم ، وابن ماجه يف ك الديات ب ال جيني أحد عىل أح مـن روايـة أسـامة بـن ٢٦٧٢د رقم

. من رواية أيب رمثة ٧٠٦٥ رقم ٢/٤٥٢إسناده صحيح ، وأمحد : رشيك ، وقال يف الزوائد

وا ا

٢٨٧

ونحـو هـذا كـام ، أو االقتصاص منهـا ، ومنع إقامة احلد عىل احلامل، عليه

. مىض منذ قليل

رم إذا علـم تكـوين اجلنـني اتفق الفقهاء عىل أن اإلجهاض أمر حم«وقد

جيـوز : وقد اختلفوا يف حتديـد هـذه املـدة فبعـضهم قـال ، ونفخ الروح فيه

يبـاح قبـل : وآخـرون قـالوا ، ال جيـوز : وبعـضهم قـال ، قبل أربعني يومـا

ال جيـوز : وقال املالكيـة ، أربعة أشهر إذا مل تنفخ فيه الروح كام قال احلنفية

وإذا نفخـت فيـه ، لرحم ولو قبـل األربعـني يومـاإخراج املني املتكون يف ا

. )١( »الروح حرم إمجاعا

بأن اإلجهاض أمـر حمـرم يف أي مرحلـة مـن مراحـل : وعىل هذا فنقول

كـأن تتعـارض ، وال يباح إال لرضورة ملحـة ال مفـر منهـا ، تكوين اجلنني

هـذه فيجـوز يف ، وخيرب هبـذا طبيـب مـسلم ثقـة ، حياة اجلنني مع حياة أمه

لتبقـى حيـاة أمـه التـي هـي ، احلال أن نضحي باجلنني الذي حياته تقديرية

. واهللا أعلم ، وألهنا هي األصل ، حياة يقينية

٤ ق اا

عـىل نحـو ـــــوصاهنا من التلف ، وكام حافظ اإلسالم عىل حياة اجلنني

وحـرم املـساس هبـا ، اليـة ملـرشوعة فإنه حافظ له عىل حقوقه املــــما سبق

عبـد الـرمحن الـصابوين ، /حقوق الطفل يف قوانني األحوال الشخـصية يف الـبالد العربيـة ، د) 1(

اجـع التـي أخـذ ، ويف هامـشه املر٢٥٥ضمن بحوث حلقـة رعايـة الطفولـة يف اإلسـالم ص

. عنها

ا ا درا إ ٢٨٨

. أو حرمانه منها ، بسوء

وأمر أن حيفظ له نصيبه كـامال غـري ، فقد رشع اإلسالم املرياث للجنني

بل أخذ بكل االحتياطات التي تكفل حتقيق األصلح ، منقوص حتى يولد

. له

، وقد ذكر الفقهاء أن احلمل توقف له حصته اإلرثية حتى والدتـه حيـا

. لو مات بعد االستهالل بلحظات فمرياثه قائم ويورث عنهو

يمكــن تأجيــل توزيـع الرتكــة إىل مــا بعــد وضــع : وقـال بعــض الفقهــاء

، فتقسم ويرتك للحمل أوفر النصيبني ، احلمل إال إذا طلب الورثة القسمة

يوقف له حظ ذكر واحد فقـط عـىل أن يؤخـذ كفيـل مـن : وقال أبو حنيفة

. )١(إذا تبني أن حصته أكثر مما أوقف له ، يهم فيام بعدالورثة للرجوع عل

فـإذا أوقـف للجنـني أو ، وكذلك جيوز الوقف عىل اجلنني والوصـية لـه

. واختاذ التدابري املالئمة لصيانته ، أويص له بامل وجب احلفاظ عليه

بـام يغنـي عـن ، وقد تكفلت كتب الفقـه بتفـصيل القـول يف هـذا األمـر

. )٢(فنكتفي هبذا القدر ، هذا املقامتناوله يف

. ٢٤٥السابق ، ص ) 1(

. اجلنني واألحكام املتعلقة به يف الفقه اإلسالمي : يراجع عىل سبيل املثال ) 2(

وا ا

٢٨٩

ما ا

ر ا ده

١ةا ا

ــرحم ــة ال ــني ظلم ــادر اجلن ــا غ ــدنيا ، وإذا م ــرج إىل ال ــبط إىل ، وخ وه

، فإن أول حق يكفله اإلسالم له هو حقه يف احليـاة ؛ وغدا طفال ، األرض

. ني ذكر وأنثىدون تفريق ب

وضمنه له وهو جنـني ، وإذا كان اإلسالم قد أكد عىل هذا احلق للطفل

فمن باب أوىل يؤكد عليه ويـضمنه لـه عنـدما يغـدو طفـال ؛ حياته تقديرية

. يعيش حياة يقينية

ســفها وظلــام ، ولقــد كــان أهــل اجلاهليــة يقتلــون أوالدهــم وخاصــة ،

هنيا شـديدافنهاهم اهللا عن ذلك ، اإلناث وتوعـد مـن يفعـل ذلـك أشـد ،

. الوعيد

ــاىل ــال تع J K L M ON P Q SR T U V﴿ : ق

W X ﴾ ]٣١ : اإلرساء[ .

ـــل ـــن قائ ـــز م ـــال ع ﴾ ^ [ \ ] W X Y Z﴿ : وق

. ]١٤٠ : األنعام[

ا ا درا إ ٢٩٠

؟ أي الذنب أكرب عند اهللا ، يا رسول اهللا : قال رجل: وعن عبد اهللا قال

ثـم أن « : قـال ؟ ثـم أي : قـال ، » ؟ ا وهـو خلقـكأن تـدعو هللا نـد « : قال

أن تــزاين بحليلــة « : قــال ؟ ثــم أي : قــال ، » تقتــل ولــدك أن يطعــم معــك

) ' & % $ # " !﴿ : ها تـصديقفـأنزل اهللا ، »جارك

. )١( اآلية ]٦٨:الفرقان[ ﴾ 21 0 / . - , + * (

سـمعت رسـول اهللا : ل قاعن أبيه ، وعن سليامن بن عمرو بن األحوص

: يقول يف حجة الوداع للناس×

ــإن دمــاءكم « : قــال ، )٢(يــوم احلــج األكــرب : قــالوا» ؟ أي يــوم هــذا « ف

ال جينـي ، وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا يف بلدكم هذا

» . . .وال مولـود عـىل والـده ، أال ال جيني جـان عـىل ولـده ، جان إال عىل نفسه

. )٣(احلديث

ــاىل 1 ــول اهللا تع ــديات ، ب ق ــه البخــاري يف ك ال ـــ أخرج ﴾ f e d c﴿: ـ

ـــ ٢/٧٩ ، ومسلم يف ك اإليامن ب كون الرشك أقبح الـذنوب ، رشح النـووي ٣٥ ــ ٨/٣٤

. ١٤١ رقم ٨٠

يـوم النحـر ، ألن فيـه متـام احلـج ، ومعظـم أفعالـه مـن : يوم عرفـة ، وقيـل : يوم احلج األكرب ) 2(

الطواف والنحر واحللق والرمي ، ووصف احلج باألكرب ألن العمرة تـسمى احلـج األصـغر .

. ، دار عامل املعرفة ٢/١٣٨الكشاف للزخمرشي

: ، وقـال ٢١٦٦رقـم . يف ك الفتن ب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم حرام رواه الرتمذي ) 3(

. ٣٠٥٥رقم . حديث حسن صحيح ، وابن ماجة يف ك املناسك ب اخلطبة يوم النحر

وا ا

٢٩١

ال « : ومعـي ابنـي فقـال×أتيـت النبـي : قـال ، وعن اخلشخاش العنـربي

. )١( » جتني عليه وال جيني عليك

يرفــع يديــه حتــى رأيــت ×رأيــت رســول اهللا : وعـن طــارق املحــاريب قــال

. )٢( »أال ال جتني أم عىل ولد ، أال ال جتني أم عىل ولد « : بياض إبطيه يقول

٢ عا ا

وأخـرب القـرآن الكـريم ، ثم إن اإلسالم أوجب إرضاع الطفل عقب والدته

{ | } z﴿ : فقـال تعـاىل ، أن متام مـدة الرضـاعة حـوالن

. ]٢٣٣ : البقرة[ ﴾ ¥¦ ¤ £ ¢ ¡ ~�

كيـف ال وهـو لـو ، وال خيفى أن إرضاع الطفل وثيق الصلة بحقـه يف احليـاة

إذ ال سـن لـه هبـا يقطـع ؛ والدتـه هللـكترك بدون إرضاع بعد وال يـد لـه هبـا ،

. فلم يكن يناسبه غذاء سوى اللبن ، وال رجل يميش عليها ، يبطش

ال ، بل هـو أمـر واجـب رشعـا ، وهلذا مل يكن إرضاع الطفل مسألة اختيارية

، فيجب عىل األم إرضاع طفلها ما دامت يف عصمة الـزوج ، يمكن التهاون فيه

إن ، كانـت مطلقـة وجــب عـىل ويل الطفـل إعطاؤهــا أجـرة عـىل الرضــاعةوإن

فـإن ، وأن يتم هذا االتفاق باملعروف ، من غري إرساف وال بخل ، طلبت أجرة

. ٢٦٧١رواه ابن ماجه يف ك الديات ، ب ال جيني أحد عىل أحد رقم ) 1(

ــرة ) 2( ــد بجري ــسائي يف ك القــسامة ب هــل يؤخــذ أح ــه يف ك ٨/٥٥غــريه رواه الن ــن ماج ، واب

إسـناده صـحيح ورجالـه : ، وقـال يف الزوائـد ٢٦٧٠الديات ب ال جيني أحد عىل أحد رقـم

. ثقات

ا ا درا إ ٢٩٢

وتعرس االتفاق وجب عـىل األب أو الـويل أن يبحـث لـه عـن ، مل يصال إىل حل

> :; 9 8 7 6﴿ : كــام قــال تعــاىل ، امــرأة أخــرى لرتضــعه

= ?> @ A B C D ﴾] ٦ : الطالق[ .

: رمحه اهللاوما أحكم ما قاله ابن حزم

سيد ملك يف أو زوج عصمة يف ، أمة أو كانت حرة والدة كل عىل والواجب

ترضـع أن ، يلحق مل أو مائه من تولد بالذي هاولد قحل ، منهام اولخ كانت أو،

. )١( ذلك عىل ربوجت ، اخلليفة بنت أهنا ولو ، كرهت أم أحبت ولدها

| } z﴿ : ثم تـابع يـدلل عـىل مـا ذهـب إليـه بقولـه تعـاىل

. ]٢٣٣ : البقرة[ ﴾ ¥¦ ¤ £ ¢ ¡ ~� {

: وعقب قائال

وإال ، ثابـت نـص خـصه مـا إال اشيئ منه خيص أن ألحد حيل ال عموم وهذا

، علـيكم أشـد هـذا : قلنـا ، أمر ال خرب هذا : قيل فإن ، تعاىل اهللا عىل كذب فهو

مـا هذا ويف اهللا أخرب ما تكذيب يف ساع هخرب فمخالف ، بذلك أخرب إذ

، سـليامن وأيب ، ثـور وأيب ، ييـح بـن واحلـسن ، لـيىل أيب ابـن قـول وهـذا ، فيه

جتـرب ال الـرشيفة : قـال ومـرة ، قولنا مثل قال فمرة مالك واختلف ، وأصحابنا

هاشـمية فرب ، التقوى هو لرشفا ألن ؛ الفساد غاية يف قول وهذا ، ذلك عىل

املحىل لإلمام أيب حممد عـيل بـن أمحـد بـن سـعيد بـن حـزم ، حتقيـق الـشيخ أمحـد حممـد شـاكر ) 1(

. ، دار الرتاث ، القاهرة ١٠/٣٣٥

وا ا

٢٩٣

حرمـة صارت قد غية بنت أو زنجية ورب ، هزال متوت خليفة بنت عبشمية أو

درجمـ خـالف وهـذا ، الرضـاع عـىل األم جترب ال : حنيفة أبو وقال ، هأم أو ملك

. )١( للقرآن

، كام أخرب اهللا ، واألصل أن كل أم يلزمها رضاع ولدها : وقال القرطبي

وأوجب هلن عىل األزواج النفقـة والكـسوة ، ر الزوجات بإرضاع أوالدهنفأم

. )٢(والزوجية قائمة

إذا تـسبب صـيامها ، ثم إن اإلسالم أباح للمرضع أن تفطر يف شهر رمضان

وهـذا كـي ال ، ثم تقيض بعد ذلك كاملريض مرضا غـري مـزمن ، يف نقص اللبن

. لة سابقاوقد مر ذكر هذه املسأ ، يترضر الطفل

ا ا م ا أ

ولقد كشف العلم احلديث بوسائله املتقدمة عن الفوائد اجلمـة واخلـصائص

التكوينية والصحية والغذائية العالية املتكاملة التي أودعهـا اهللا سـبحانه وتعـاىل

فات ومميـزات لـبن أثبت العلم أنه ال يوجد بديل لـه كـل صـ«كام ، يف لبن األم

األم الذي حيتوي ضمن مكوناته عىل عنارص وقائية حتمي الطفل من أمراض ال

. )٣( »حد هلا

. ١٠/٣٣٧السابق ) 1(

. ، طبعة دار الغد العريب ، القاهرة ١/١٠٨٥امع ألحكام القرآن اجل) 2(

قاموس الطفل الطبي ، وضع نخبة من أساتذة كلية الطب والعلامء يف مـرص والعـامل العـريب ، ) 3(

. م ١٩٨٥ ، دار اهلالل ، ط األوىل ١٣ ص .إعداد حممد رفعت

ا ا درا إ ٢٩٤

ونسجل هنا بعض ما ذكره العلم من خصائص لبن األم وأمهيته للطفل فـيام

: )١(ييل

فهـو حيتـوي عـىل ، حليب األم غذاء متكامل للطفـل يف األشـهر األوىلــــ١

كام حيتوي عـىل ، الوحدات احلرارية التي يؤمنها الدهن والسكرنسبة معينة من

. الربوتني والفيتامني وغريها من املواد األخرى الالزمة لنمو الطفل الرسيع

ـــ٢ ــاتـــ ــض االلتهاب ــي الطفــل مــن بع ــب األم يق ــهال ، حلي وأمههــا اإلس

. والنزالت املعوية التي تعترب أهم أسباب موت األطفال يف العامل

املعــروف بالــصمغ أو اللبــأ « الكلــسرتوم ــــــ٣ الــذي ينــزل مــن الثــدي يف »

: اليومني األوليني غذاء مهم للطفل ألنه

. غني بالربوتيناتــــأ

. سهل ينظف أمعاء الطفل من الرباز األول أو األسود اللونــــب

يـوفر عليهـا ولـذلك ، حليب األم دائام طازج وحارض باحلرارة املناسبةــــ٤

. الكثري من الوقت والتعب

وخـصوصا إذا حافظـت ، حليب األم ال حيتاج إىل تعقـيم مـن اجلـراثيمــــ٥

. عىل نظافة احللمة قبل اإلرضاع

. ماال واقتصادي ال يكلف، حليب األم سهل اهلضم يالئم معدة الطفلــ٦

، دار العلـم للماليـني ، ٦٠ ـــ ٥٦طفلك حتى اخلامسة ، سنية النقـاش عـثامن ص: نقال عن ) 1(

حميـي الـدين طـالو العلبـي /م ، تطور اجلنـني وصـحة احلامـل ، د١٩٨٥بريوت ، ط التاسعة

. م ١٩٩٠هــ ١٤١٠ دار ابن كثري ، بريوت ، ط الثالثة ٣٨٥ ــ ٣٨٤ص

وا ا

٢٩٥

زائدة أو لإلصابة الرضاعة من الثدي جتعل الطفل أقل تعرضا للسمنة الـــ٧

. أو بأي اضطرابات أخرى من هذا القبيل ، بشدة فقدان املاء

فهي تتيح له أن يلمس ، كذلك تؤمن رضاعة الثدي للطفل فوائد نفسيةــ ٨

ويف الوقـت ، وأن ينعم بصوهتا ووجههـا ، يف صدر أمه احلنو والقرب والدفء

. ذاته يشبع برضاعته

ضـاعة الطبيعيـة حتقـق للطفـل احلاجـات املاديـة وهكذا يتبني لنا كيف أن الر

أو البدنية والنفسية الرضورية له يف هذه الفرتة الزمنية البالغة األمهية ، واملعنوية

. ــه . أ . يف حياته كلها

٣ أ إ ا ا

وأن ال ينـسب ، ولقد حرص اإلسالم عىل أن يلحق كل طفل بأبيه الـرشعي

أو يدعي أحد نسب طفل ليس بابنه ، حد إىل غري أبيهأ كـام حـرم نفـي النـسب ،

نظـرا ملـا يرتتـب ، وهكذا اهـتم اإلسـالم هبـذا األمـر ، وحرم التبني ، الصحيح

. عليه من التزامات وحقوق وآثار مادية ومعنوية عىل الفرد واملجتمع

إذ ، قل أمهية عن حقـه يف احليـاة ال تــــ فيام أرى ــــوإن أمهية النسب للطفل

أغلب الظن أنه يعيش يف مهانة ، أو املشكوك يف نسبه ، إن املرء املجهول النسب

أو ، ومــن املالحــظ أن اللقطــاء وجمهــويل النــسب ، وشــعور بالــضياع ، وذل

ــساهبم ــون عرضــة لالنحطــاط اخللقــي ، املــشكوك يف صــحة أن ــا مــا يكون غالب

بل ربام امتألت نفوسهم حقدا وغال عىل املجتمـع، والرتدي يف هاوية الضياع ،

. اللهم إال إذا امتدت إليهم األيادي الرحيمة احلانية

ا ا درا إ ٢٩٦

ولقد أكد اإلسالم عىل حرمة األنـساب ، وهنـى بحـزم عـن التالعـب فيهـا ،

وحرم ة أن ينسب أحد إىل غري أبيه ، وتوعد من يفعل ذلك بأشد الوعيد .

« : يقول حني نزلت آية املتالعنني×ه سمع رسول اهللا أنعن أيب هريرة

ولن يـدخلها ، أيام امرأة أدخلت عىل قوم من ليس منهم فليست من اهللا يف يشء

، وأيــام رجــل جحــد ولــده وهــو ينظــر إليــه احتجــب اهللا تعــاىل منــه ، اهللا جنتــه

. )١( »وفضحه عىل رؤوس األولني واآلخرين

من ادعى إىل غري « :يقول ×سمعنا النبي : بكرة قاالسعد وأيبوعن

. )٢( » أبيه وهو يعلم أنه غري أبيه فاجلنة عليه حرام

ت اق إط

نلقي عليها الضوء ، وهناك عدة طرق يثبت من خالهلا النسب للطفل ، هذا

: فيام ييل

ت ا ط اواج أ

يـا رسـول : قام رجل فقـال : عن جده قال، عن أبيه ، عن عمرو بن شعيب

ب ، والنسائي يف ك الطـالق ، ٢٢٦٣رواه أبو داود يف ك الطالق ب التغليظ يف االنتفاء رقم ) 1(

، وابـن ماجـه يف ك الفـرائض ، ب مـن أنكـر ١٨٠ ـــ ٦/١٧٩التغليظ يف االنتفاء مـن الولـد

، ٢٢٣٨ ، والدارمي يف ك النكـاح ، ب مـن جحـد ولـده وهـو يعرفـه رقـم ٢٧٤٣ولده رقم

. صحيح عىل رشط مسلم ووافقه الذهبي : ، وقال ٢/٢٠٣واحلاكم يف ك الطالق

ومـسلم يف ك اإليـامن ، ب بيـان ب مـن ادعـى إىل غـري أبيـه ، ،رواه البخاري يف ك الفـرائض )2(

. والدارميو أمحد ، ، وابن ماجه ، أبو داود ، وحال إيامن من رغب عن أبيه وهو يعلم

وا ا

٢٩٧

ال دعـوة « : ×فقـال رسـول اهللا ، إن فالنا ابني عاهرت بأمه يف اجلاهليـة ، اهللا

. )١( »الولد للفراش وللعاهر احلجر ، ذهب أمر اجلاهلية ، يف اإلسالم

ــة« ال دعــوة يف ×فقــال ، ومعنــى عــاهرت بأمــه أي زنيــت هبــا يف اجلاهلي

ذهب أمر اجلاهليـة وبطلـت عوائـدهم ، بلحوق ولد الزنى بالزنىاإلسالم أي

ألهنـا كانـت حـرة بخـالف ؛ أي ألمـه ، فالولد للفراش ، وظهر عليها اإلسالم

. )٢( »الرقيقة فالولد لسيدها

فمعنـاه أنـه إذا كـان ، » الولد للفراش « : ×وأما قوله : قال اإلمام النووي

شـا لـه فأتـت بولـد ملـدة اإلمكـان منـه حلقـه للرجل زوجة أو مملوكة صارت فرا

سـواء كـان ، وصار ولدا جيري بينهام التوارث وغريه من أحكام الوالدة ، الولد

موافقــا لــه يف الــشبه أو خمالفــا ومــدة إمكــان كونــه منــه ســتة أشــهر مــن حــني ،

. اجتامعهام

عقـد فإن كانـت زوجـة صـارت فراشـا بمجـرد ، أما ما تصري به املرأة فراشا

، ورشطوا إمكان الـوطء بعـد ثبـوت الفـراش ، ونقلوا يف هذا اإلمجاع ، النكاح

رقـم ٢/٣٧٤ ، وأمحـد يف املـسند ٢٢٧٤رواه أبو داود يف ك الطالق ، ب الولد للفراش رقم ) 1(

: وما األثلب ؟ قـال : ، قالوا » اهر األثلب وللع« : بلفظ ٦٨٩٤ رقم ٤٢٠ ، ويف ص٦٦٤٣

أخرجه البخـاري » الولد للفراش وللعاهر احلجر « : ، والشطر الثاين من احلديث » احلجر «

، وغـريه مـن املواضـع ، ومـسلم يف ك الرضـاع ، ب ٣/٥يف ك البيوع ، ب تفـسري املـشبهات

. ، وأخرجه باقي الستة١٤٥٨ رقم ١٠/٣٧الولد للفراش وتوقي الشبهات ، رشح النووي

ـــ ٢/٣٥٠، تأليف الشيخ منصور عيل ناصف × التاج اجلامع لألصول يف أحاديث الرسول ) 2(

. م ١٩٧٥هــ ١٣٩٥ هامش ، دار الفكر ، ط الرابعة ٣٥١

ا ا درا إ ٢٩٨

ثم أتت بولـد ، فإن مل يكن بأن نكح املغريب مرشقية ومل يفارق واحد منهام وطنه

. مل حيلقه لعدم إمكان كون منه ؛ لستة أشهر أو أكثر

شرتط اإلمكـان إال أبا حنيفة فلم يـ ، هذا قول مالك والشافعي والعلامء كافة

. بل اكتفى بمجرد العقد

حتى لو طلق عقب العقد من غري إمكان وطء فولدت لستة أشهر مـن : قال

، وال حجة له يف إطالق احلديث، وهذا ضعيف ظاهر الفساد، العقد حلقه الولد

، هذا حكم الزوجة ، وهو حصول اإلمكان عند العقد ، ألنه خرج عىل الغالب

افعي ومالك تصري فراشـا بـالوطء وال تـصري فراشـا بمجـد وأما األمة فعند الش

. )١(امللك

. وحسن الظن، وجيب أن يكون األصل بني الزوجني هو تقوى اهللا ، هذا

إن امـرأيت ولـدت : فقـال×أن أعرابيا أتـى رسـول اهللا ، عن أيب هريرة

: قـال» ؟ من إبـلهل لك « : ×فقال له رسول اهللا ، غالما أسود وإين أنكرته

: قـال ، » ؟ هـل فيهـا مـن أورق « : قـال ، محر : قال» ؟ فام ألواهنا « : قال ، نعم

عـرق ، يـا رسـول اهللا : قـال» ؟ فأتى ترى ذلـك جاءهـا « : قال ، إن فيها لورقا

ومل يرخص له يف االنتفاء »لعل هذا عرق نزعه « : قال ، نزعها)٢( .

. ٣٨ ــ ١٠/٣٧مسلم برشح النووي ) 1(

لومـا بأصـل مبـني أخرجه البخاري يف ك االعتصام بالكتاب والسنة ، ب مـن شـبه أصـال مع) 2(

. ، ورواه بـاقي الـستة ١٥٠٠ رقم ١٠/١٣٣ ، ومسلم يف ك اللعان ، رشح النووي ٨/١٥٠

ومنـه قيـل للرمـاد أورق ، ] أو يف لونـه بيـاض [ واألورق هو الـذي فيـه سـواد لـيس بـصاف

= األصل من النسب تشبيها بعرق الثمرة، ومعنى نزعه: وللحاممة ورقاء، واملراد بالعرق هنا

وا ا

٢٩٩

ا واجا ء اوو

ألن النـسب حيتـاط ؛ الزواج الفاسد يف إثبات النسب كالزواج الـصحيح «و

. )١( »يف إثباته إحياء للولد وحمافظة عليه

فـاألول ، وهو بخالف الزنـا ، وكذلك الوطء بشبهة يصح يف إثبات النسب

أمـا الزنـا ، و أمتهوإنام وطئها الرجل ظنا منه أهنا زوجته أ ، ال توجد فيه نية الزنا

. فأمره ال خيفى

ثبـت ، فإن أتت املرأة بولد بعد ميض ستة أشهر أو أكثـر مـن وقـت الـوطء«

وإن أتت به قبل ميض ستة أشهر ال يثبت ، نسبه من الواطئ لتأكد أن احلمل منه

، إال أنه ادعاه ثبت نسبه منـه ، لتأكد أن احلمل قد حدث قبل ذلك ، النسب منه

وإذا تـرك الرجـل املوطـوءة عـن ، ن وطئها قبـل ذلـك بـشبهة أخـرىإذ قد يكو

. )٢(ثبت النسب من الواطئ كام يثبت بعد الفرقة من زواج فاسد ، شبهة

ت ا ط اار ب

: )٣(واإلقرار بالنسب نوعان

إقرار عىل نفس املقرــــأ : ويشرتط فيه الرشوط التالية ،

أن يكون املقر لـه جمهـول النـسبــــ١ إذ ال جيـوز لولـد معلـوم النـسب أن :

. مسلم برشح النووي ، املوضع السابق . أشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه =

. ٧/٦٨٦وهبه الزحييل /الفقه اإلسالمي وأدلته د) 1(

. ٧/٦٨٨السابق ) 2(

. وما بعدها ٢٦٥حقوق الطفل يف قوانني األحوال الشخصية يف البالد العربية ، ص) 3(

ا ا درا إ ٣٠٠

ينسب لغري أبيه . ألن النسب ال يقبل الفسخ بعد ثبوته ؛

أن يولد للمق ر ولـد مثـل املقـر لـهــــ٢ كـيال يكـون املقـر مكـذبا بـإقراره ، ،

. بحيث يكون فارق السن بينهام يسمح بذلك

يصدق املقر له بالنسب هبذا اإلقرار أنــــ٣ إال إذا كان الولـد صـغريا غـري ،

أمـا إذا كـان الولـد يف ، بحيث ال يعتد بأقوالـه ، أو فاقد األهلية كاملجنون ، مميز

وكذب املقر بام ادعاه كان االدعاء بالنسب باطال ، سن البلوغ مثال .

عدم ادعاء املقر بأن هذــــ٤ألن الزنا ال يصلح سـببا ، ا الولد هو ابنه من زنا

. )١( »الولد للفراش « : من أسباب ثبوت النسب لقوله

وكذلك ال يثبت النسب إذا ادعى املقر أنه تبني هذا الطفلألن التبني حمرم ؛

. يف اإلسالم

أما اإلقرار عىل غري نفس املقرــــب فـال ، يهـذا أخـ : كام لو قال شخص :

ألن اإلقرار حجة قارصة عىل نفس ، يثبت مثل هذا النسب إال إذا صادقه األب

املقروكذلك إذا أقرت زوجة بنسب ولد إىل الـزوج فـال يثبـت النـسب إال إذا ،

وأما إقرار الزوجة ببنوة ولد بعد ، إنه ابنه من الزنا : عىل أال يقول ؛ أقر به األب

، ورثة الزوج عىل هذا اإلقرار يعترب النسب صـحيحافإن صادق ، وفاة زوجها

وإال فال نسب حينئذ إال من األم ألن النسب لألم ثابت يف مجيع احلاالت ولو ؛

. ــه . أ. خالفا للشيعة اجلعفرية ، كان من زنا عند مجهور الفقهاء

. متفق عليه ، وقد سبق خترجيه ) 1(

وا ا

٣٠١

ما ق ول ا ا

القيم رأيا لبعض أهـل العلـم بجـواز حلـوق ولـد الزنـى بمـن وقد أورد ابن

)وطئها سيدها ( أو مملوكة ) أي زوجة ( برشط أن ال تكون املرأة فراشا ، ادعاه

وسليامن بـن يـسار ، واحلسن البرصي ، ونسب القول هبذا إىل عروة بن الزبري،

. الوضوحووصفه بالقوة و ، وانترص ابن القيم هلذا الرأي ، وغريهم،

: ــ » الولد للفراش « بعد ذكر حديث ــقال ابن القيم

فقـد دل احلـديث عـىل حكـم اسـتلحاق الولـد : فـإن قيـل وعـىل أن الولـد ،

فام تقولون لـو اسـتلحق الـزاين ولـدا ال فـراش هنـاك يعارضـه ، للفراش هـل ،

يلحقه نسبه ويثبت له أحكام النسب ، ؟

فكان إسحاق بـن راهويـه ، ألة جليلة اختلف أهل العلم فيهاهذه مس : قيل

يذهب إىل أن املولود من الزنى إذا مل يكن مولـودا عـىل فـراش يدعيـه صـاحبه ،

أحلق بـه ، وادعاه الزاين وأول قـول النبـي ، عـىل أنـه ، » الولـد للفـراش « : ×

ــراش ــاحب الف ــزاين وص ــازع ال ــد تن ــذلك عن ــم ب حك ــسن ، ــذهب احل ــذا م وه

فادعى ، فولدت ولدا ، رواه عنه إسحاق بإسناده يف رجل زنى بامرأة، البرصي

جيلد ويلزمه الولد : ولدها فقال وسـليامن بـن ، وهذا مذهب عروة بن الـزبري ،

ذكر عنهام أهنام قاال، يسار أيام رجل أتى إىل غالم يزعم أنـه ابـن لـه: وأنـه زنـى ،

دع ذلك الغالم أحدبأمه ومل ي واحتج سليامن بأن عمر بـن اخلطـاب ، فهو ابنه ،

كان يليط أوالد اجلاهلية بمن ادعاهم يف اإلسالم وهذا املـذهب كـام تـراه قـوة ،

وليس مع اجلمهور أكثر من ، ووضوحا » الولد للفراش «

ا ا درا إ ٣٠٢

وصاحب هذا املذهب أول قائل به فإن األب ، والقياس الصحيح يقتضيه ،

وينـسب إليهـا وترثـه ويرثهـا ، وهو إذا كان يلحق بأمه ، أحد الزانيني ويثبـت ،

وقــد وجــد الولــد مــن مــاء ، النــسب بينــه وبــني أقــارب أمــه مــع كوهنــا زنــت بــه

فام املانع من حلوقه باألب إذا مل ، واتفقا عىل أنه ابنهام ، وقد اشرتكا فيه، الزانيني

يدعه غـ وقـد قـال جـريج للغـالم الـذي زنـت أمـه ، فهـذا حمـض القيـاس ؟ ريه

وهذا إنطاق من اهللا ال يمكن ، فالن الراعي : قال ؟ من أبوك يا غالم : بالراعي

. )١( "فيه الكذب

حممد بن أيب بكـر بـن أيـوب بـن سـعد شـمس الـدين ابـن قـيم . ــ زاد املعاد يف هدي خري العباد 1

ط . الكويـت . بـريوت ، مكتبـة املنـار اإلسـالمية . مؤسسة الرسالة ٤٢٦ــ ٥/٤٢٥اجلوزية

. م ١٩٩٤/هــ ١٤١٥السابعة والعرشون

الغـصب ب إذا هـدم حائطـا البخـاري يف ك املظـامل و: وحديث جريج العابد أخرجه األئمـة

ومـسلم ك الـرب ) . واذكر يف الكتـاب مـريم (فليبن مثله ، ويف ك أحاديث األنبياء ب قول اهللا

ـــ مـسند . وأمحـد يف املـسند . والصلة واآلداب ، ب تقديم بر الوالدين عىل التطـوع بالـصالة

واية أيب هريـرة كلهم من ر) . ترقيم رشكة حرف ( ٩٢٣٠ ، ٨٦٣٣ ، ٧٧٢٣أرقام . املكثرين

وكان جريج رجال عابدا ، فاختذ صومعة فكان فيهـا ، فأتتـه أمـه وهـو «: ريض اهللا عنه ، وفيه

يصيل فقالت يا جريج ، فقال : يا رب أمي وصاليت ، فأقبل عـىل صـالته ، فانـرصفت : ، فلـام

كان من الغد أتته وهو يصيل فقالـت يـا جـريج ، فقـال : يـا رب أمـي وصـاليت ، فأقبـل عـىل :

صالته ، فانرصفت ، فلام كان من الغد أتتـه وهـو يـصيل فقالـت يـا جـريج ، فقـال : ي رب أ:

أمي وصاليت ، فأقبل عىل صالته ، فقالـت اللهـم ال متتـه حتـى ينظـر إىل وجـوه املومـسات ، :

فتذاكر بنو إرسائيل جرجيا وعبادته ، وكانت امـرأة بغـي يتمثـل بحـسنها ، فقالـ إن شـئتم : ت

ألفتننه لكم ، قال فتعرضت لـه فلـم يلتفـت إليهـا ، فأتـت راعيـا كـان يـأوي إىل صـومعته:

=

وا ا

٣٠٣

ه من ق ولدلحوإن است « : حيث قال ، وإىل القول هبذا أيضا ذهب ابن تيمية

» و مذهب احلسن وابن سـريين والنخعـي وإسـحاقوه ، هقالزنا وال فراش حل)١( .

واخلالصة أن ابـن القـيم رمحـه اهللا يـستدل عـىل جـواز أن يـستلحق شـخص

بـاملعقول ، وال أمة وطئها سيدها ، ولده من الزنا إذا كانت املرأة غري ذات زوج

: واملنقول

ياسا عـىل إثباتـه فيتمثل يف إثبات النسب لألب الزاين قأما استدالله باملعقول

حيث إن الطفل يديل إىل كليهام بطريق الزنا ، لألم فكام أنه أحلق بأمه ، ونـسب ،

وثبت النسب بينه وبني أقارب أمـه مـع كوهنـا ، وقام التوارث بينه وبينها ، إليها

وقد وجد الولد من ماء الـزانيني ، زنت به واتفقـا عـىل أنـه ، وقـد اشـرتكا فيـه ،

فكذلك ينبغي أن يلحق بـاألب الـذي اسـتلحقه ، امابنه ومل يوجـد مـن يـدعي ،

أمكنتــه مــن نفــسها ، فوقــع عليهــا فحملــت ، فلــام ولــدت قالــت = هــو مــن :

جــريج ، فــأتوه

فاستنزلوه ، وهدموا صومعته ، وجعلوا يـرضبونه ، فقـال مـا شـأنكم ؟ قـالوا : زنيـت هبـذه:

البغي فولدت منك ، فقال أين الصبي ؟ فجاءوا به ، فقال : دعوين حتى أص: يل ، فصىل ، فلام

انرصف أتى الصبي فطعن يف بطنـه وقـال

يـا غـالم مـن أبـوك ؟ قـال : فـالن الراعـي ، قـال : :

فأقبلوا عىل جريج يقبلونه ويتمسحون به ، وقالوا نبني لك صومعتك من:

ذهب ، قال ال ، :

أعيدوها من طني كام كانت ، ففعلوا . احلديث » . . .

ضمن . نسخة إلكرتونية . ( ٥/٥٠٨أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين . الفتاوى الكربى )1(

األول اإلصـدار. من إصدار رشكـة األسـوة للربجميـات باملدينـة املنـورة . موسوعة ابن تيمية

) . هــ ١٤٢٦

ا ا درا إ ٣٠٤

. نسبه إليه

ووجـه الدال ، فهو ما جاء يف حديث جريج العابـدوأما املنقول ة أن جرجيـا لـ

نسب ابن الزنا للزاين وصدق ، نس اهللا خـرق لـه مـن العـادةبـامبته

، كرامـة لـه ،

أنطق الطفل الذي ملا يزل يف مهدهحيث أن شهد وأقرب ، وبداية والدته ، له بأن

وهذا إنطاق من اهللا ال يمكن فيه الكذب ، أباه هو فالن الراعي .

رشع من قبلنا ويظهر أن ابن القيم ينطلق يف استدالله بحديث جريج من أن

الذي مل ينكره اإلسالم ومل يقرره علينا رشع ومل يـرد مـا ، لنا ما مل خيالف رشعنـا

يدل عىل نسخه من كتاب أو سنة «و ، وهو ما عليه الكثريون من األصـوليني ،

مما كان ، جرى العمل عند مجهور الفقهاء عىل االستدالل بام كان رشعا ملن قبلنا

وقــد ســبقت اإلشــارة إىل هــذا األصــل عنــد ذكــر ، )١( »عــىل الــصفة املــذكورة

. يف الفصل الثاين من بحثنا هذا ، ملصادر الترشيعية للنظم اإلسالميةا

ت ا )٢(

كـام لـو ادعـت ، جـاز إثباتـه بالبينـة ، إذا مل يثبت النسب بالزواج أو بـاإلقرار

الزوجة الـوالدة وأنكرهـا الـزوج أو صـادق عـىل الـوالدة ولكنـه أنكـر أن مـا ،

فيصح إثبـات النـسب مـن والدة أو ، هذا الطفل الذي تدعي والدتهولدته هو

فقد روي عـن الزهـري أنـه ، تعيني الولد بشهادة امرأة مسلمة معروفة بالعدالة

، مكتبـة ٣٥٧حممد أديب الصالح ، ص / مصادر الترشيع اإلسالمي ومناهج االستنباط ، د)1(

. م ٢٠٠٢هــ ١٤٢٣العبيكان بالرياض ، ط األوىل

. ٢٦٧حقوق الطفل يف قوانني الشخصية يف البالد العربية ص) 2(

وا ا

٣٠٥

قضت السنة بجواز شـهادة النـساء فـيام ال يطلـع عليـه غـريهن مـن والدة : قال

. النساء وعيوهبن

وهــذا مــا جيــري عليــه الفقــه ، وجيــوز يف إثبــات النــسب بالــشهرة والتــسامع

فإذا رأى شخص رجـال وامـرأة يـسكنان بيتـا واحـدا ، والقضاء ويعـارش كـل ،

جـاز لـه ، وكان يغلب عليهام التقوى والـصالح ، منهام اآلخر معارشة األزواج

. ــه . أ . أن يشهد بأهنا امرأته

ت ا ط ا د

ويعـرف شـبه الرجـل بأبيـه وجـده ، اآلثار ويعرفهـا والقائف هم من يتتبع«

وهو اخلبري الذي يمكنه التعرف عـىل األنـساب بـالرجوع إىل ، )١( »وأخيه مثال

. )٢( »املشاهبات يف األعضاء الظاهرة من الوجه أو القدمني أو نحومها

. بل وفرح به ، وأقره وقبله ، أنه أخذ بقول القائف×ولقد ثبت عن النبي

دخـل عـيل مـرسورا ×إن رسول اهللا : عن عائشة ريض اهللا عنها أهنا قالت

أمل تري أن جمززا نظر آنفا إىل زيد بن حارثة وأسامة « : تربق أسارير وجهه فقال

. )٣( » إن هذه األقدام بعضها من بعض : بن زيد فقال

. هامش ٢/٣٥٢التاج اجلامع لألصول ، الشيخ منصور عيل ناصف ) 1(

ــشوربجي ص ) 2( ــرشي ال ــشار الب ــداث ، املست ــانون األح ــضاء ٩٣رشح ق ــال الق ــة رج ، مكتب

. م ١٩٨٧

، ومـسلم يف ك الرضـاع ، ب العمـل ١٣ــ ٨/١٢رواه البخاري يف ك الفرائض ، ب القائف ) 3(

. ، ورواه أصحاب السنن وأمحد ١٤٥٩ رقم ١٠/٤٠بإحلاق القائف الولد ، رشح النووي

ا ا درا إ ٣٠٦

هـذا مـن بنـي وقد ذكر اإلمـام النـووي عنـد رشحـه هلـذا احلـديث أن جمـززا

وكانـت ، تعرتف هلم العـرب بـذلك ، وكانت القيافة فيهم ويف بني أسد، مدلج

ـــــ أبيض زيد وكان ، السواد شديد سودأ لكونه أسامة نسب يف تقدح اجلاهلية

مع نسبه بإحلاق القائف هذا قىض فلام ، ــــ صالح بن أمحد عن داود أبو قاله كذا

لكونـه × النبـي فـرح ، القـائف قـول تعتمد يةاجلاهل وكانت ، اللون اختالف

. )١( النسب يف الطعن عن هلم ازاجر

وأثبتت عمر بن اخلطاب وابن عباس وأنس بن مالك احلكم« . )٢( »بالقافة

ت ا

فـإن كانـت هنـاك بينـة ؛ فـادعى كـل واحـد أنـه ابنـه ، لو تنازع مجاعة يف ولد

عمل فمـن خرجـت لـه القرعـة كـان ، وإال فبالقرعة ، وإال فبقول القائف ، هبا

. وهذا رأي اجلمهور ، الولد له

فقد تستعمل عند فقدان مرجح سواها من بينة ؛ وأما القرعة : قال ابن القيم

وليس ببعيد تعيني املستحق بالقرعة يف هـذه احلـال ، أو قافة ، أو إقرار إذ هـي ،

. )٣( قدور عليه من أسباب ترجيح الدعوى غاية امل

فجـاء رجـل مـن الـيمن ×كنت جالسا عند النبـي : قال ، عن زيد بن أرقم

وقـد قعـوا ، إن ثالثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا خيتصمون إليـه يف ولـد : فقال

. ١٠/٤٢مسلم برشح النووي ) 1(

. ٧/٦٨٠الفقه اإلسالمي وأدلته ) 2(

. ٤٣١/ ٥ زاد املعاد )3(

وا ا

٣٠٧

ثـم ، » فغلبـا «فغليـا ، طيبا بالولـد هلـذا : فقال الثنني ، عىل امرأة يف طهر واحد

ثـم قـال الثنـني طيبـا بالولـد هلـذا ، » فغلبـا «طيبا بالولد هلذا فغليا : قال الثنني

فمن قـرع فلـه ، إين مقرع بينكم ، فقال أنتم رشكاء متشاكسون ، » فغلبا «فغليا

فــضحك ، فــأقرع بيــنهم فجعلـه ملــن قــرع ، وعليــه لــصاحبه ثلثـا الديــة ، الولـد

. )١( نواجذه حتى بدت أرضاسه أو×رسول اهللا

وعليـه اجلمهـور سـلفا ، فالعمـل هبـا صـحيح ، للقرعة× فهذا إقرار منه «

فلـو تنـازع مجاعـة يف ولـد ، إال مالكا وأبا حنيفة ريض اهللا عـن اجلميـع ، وخلفا

وهناك بينة عمل هبا وإن مل تكن عمل بقول القـائف إن وجـد ، ، وإال فالقرعـة،

، بـل لـو تـساوى مجاعـة يف ولـد ، بالقائف وال بالقرعـةال يعمل : وقال احلنفية

وورثوه مجيعا كأب واحـد ، كان مشرتكا بينهم وورث من كل منهم كابن كامل

« )٢( .

٤ اثا ا

وإذا أحلــق الطفــل بأبيــه ونــسب إليــه فإنــه يرتتــب عــىل هــذا النــسب كافــة ،

، واحلـاكم ٢٢٦٩رواه أبو داود يف ك الطالق ، ب من قال بالقرعة إذا تنازعوا يف الولد رقـم ) 1(

. ، وصححه ووافقه الذهبي ٢/٢٠٧يف ك الطالق

تنازعني يف الولد كانوا وقعوا عىل أمه يف طهر واحـد هذا وقد ذكر صاحب التاج أن الثالثة امل

عـرض عـىل كـل اثنـني ظنا منهم أهنا الزوجة ، أو أهنا كانت أمة مشرتكة بينهم ، وأن عليا

منهم أن يقرع بالولد للثالث فأبوا ، فأجرى القرعـة بيـنهم ، وأعطـاه ملـن صـارت لـه وألزمـه

. ٢/٢٥٣التاج اجلامع لألصول . ذلك أخذ ب فرح ملا×لكل واحد بثلث الدية، وأن النبي

. ٢٥٣ ــ ٢/٢٥٢التاج اجلامع لألصول ) 2(

ا ا درا إ ٣٠٨

. حقه يف املرياثومنها ، احلقوق التي جتب للولد

وإذا كان اإلسالم قد أقـر وضـمن للجنـني حقـه يف املـرياث وحياتـه ملـا تـزل

فإنه بداهة يضمن له هـذا احلـق وكافـة احلقـوق املاليـة كالوصـية ؛ حياة تقديرية

. وبعد ما غدا إنسانا حييا حياة يقينية ، بعد والدته ، والوقف

بحجـة أهنـم ، رثون النساء وال األطفالولقد كان العرب قبل اإلسالم ال يو

فأعاد هلـم اإلسـالم هـذا احلـق ، ومل يركبوا عىل ظهر اخليل ، ال حيملون السالح

دون تفريــق بــني ذكــر ، وجعــل الطفــل مــساويا للكبــري يف املــرياث ، املــسلوب

. وأنثى

، جـالالر به وخيصون املرياث النساء يمنعون اجلاهلية أهل كان : قتادة قال «

باملـال داسـتب اكبـار وقرابـة اضـعاف ذريـة وتـرك مات إذا منهم الرجل كان حتى

. )١( » الكبار القرابة

% $ # " !﴿ : وقــد ذكــر املفــرسون عنــد قــول اهللا تعــاىل

& ' ( ) * + , - . / 0 21 3 4

ويفت ، األنصاري ثابت بن أوسأهنا نزلت يف ؛ ]٧ : النساء[ ﴾ يقال امرأة وترك

، اهيووصـ امليـت عـم ابنـا مهـا رجـالن فقـام ، منها له بنات وثالث ، ةحك أم هلا

يف وكانوا، اه شيئبناتو امرأته يعطيا ومل ، ماله فأخذا ، وعرفجة سويد : هلام يقال

إال ىعطـي ال : يقولـونو ، اذكر كان وإن الصغري وال النساء يورثون ال اجلاهلية

الغنيمة وحاز ، وضارب بالسيف ، وطاعن بالرمح ، اخليل ظهور عىل قاتل من

. ١/٤٢٦أحكام القرآن البن العريب ) 1(

وا ا

٣٠٩

ولـدها، اهللا رسـول يـا : فقاال ، فدعامها× اهللا رسولل ذلك كحة أم فذكرت،

حتـى انـرصفا «: فقـال، اعـدو أينكـ وال ، �الكـ حيمـل وال، افرس يركب ال

، وإبطاال لقوهلم ، ردا عليهماآلية هذه اهللا فأنزل ، » فيهن يل اهللا ثدحي ما أنظر

وترصفهم بجهلهمفإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونـوا أحـق باملـال مـن ،

فعكسوا احلكم وأبطلوا احلكمة ، والنظر يف مصاحلهم ، لعدم ترصفهم ، الكبار

.)١(وأخطأوا يف آرائهم وترصفاهتم ، فضلوا بأهوائهم

٥ ا ا ا

رعاية األدبية للطفـل يف ظـل اإلسـالم اهتاممـه بتخـري االسـم احلـسن ومن ال

وأمره بذلك ، للمولود .

وقد جعل اإلسالم لألبناء حقا عىل اآلباء أن خيتاروا هلم أسـامء مجيلـة غـري «

ومعرضة إيـاهم ، حتى ال تكون سببا يف إيذائهم يف كل آن ، مستهجنة أو قبيحة

. واستهزائهم هبم ، الكبارلسخرية األطفال و

ومما يؤكد عليه علامء الرتبية اليوم أن الطفل الذي يـستهزأ بـه مـن قبـل سـائر

خيـرس ، أو النتـسابه إىل عـشرية ذات اسـم قبـيح ، السـمه املـستهجن ، األطفال

فهـو يتجنـب األلعـاب اجلامعيـة ، ويسري دومـا إىل اضـمحالل واهنيـار ، نشاطه

. )٢( » معارشهتم لألطفال وخياف من

ــوار ١٠٦ ، أســباب النــزول للنيــسابوري ص ٥/٣١اجلــامع ألحكــام القــرآن ) 1( ، مطبعــة األن

. ١/٤٢٦م ، أحكام القرآن ١٩٨٤هــ ١٤٠٤املحمدية ، القاهرة

= تربية الطفل يف ضوء السنة ، دراسة أعدها الدكتور العبد خليل أبـو عيـد ، عـرض وتقـديم)2(

ا ا درا إ ٣١٠

وإطالقهـا ، ولقد هنى القرآن الكريم عن التنادي باألسامء واأللقاب الـسيئة

Ô Õ﴿ : فقال سبحانه وتعـاىل ، حتى ال تشيع يف املجتمع املسلم ، عىل أحد

×Ö ﴾ ]ــسوء : أي« ، ]١١ : احلجــرات ــي ي ــداعوا باأللقــاب وهــي الت ال ت

الشخص سامعها « )١( .

ولقد عني ر فكـان حيـث عـىل حتـسني ، هبـذا األمـر عنايـة فائقـة×سول اهللا

، وحيـذر مـن التـسمي باألسـامء القبيحـة ، ويرشـد إىل األسـامء احلـسنة ، االسم

وكثريا ما كان يقوم بنفـسه بتغيـري بعـض األسـامء إىل مـا هـو خـري منهـا إذا رآهـا

: هبذا اخلصوص فيام ييل×وهذه شذور من هديه ، تستحق ذلك

إنكـم تـدعون يـوم القيامـة « : ×قـال رسـول اهللا : قال أيب الدرداء عن

. )٢( »بأسامئكم وأسامء آبائكم فأحسنوا أسامءكم

جمدي نور الدين ، جملة منار اإلسالم ، وزارة األوقاف باإلمارات العربيـة املتحـدة ، العـدد =

. م ١٩٩٠هــ فرباير ١٤١٠الثامن ، السنة اخلامسة عرشة ، شعبان

. ٤/٢١٢تفسري القرآن العظيم ) 1(

ــم ) 2( ــري األســامء ، رق ــو داود يف ك األدب ، ب يف تغي رقــم ٦/٢٥٠ ، وأمحــد ٧٩٤٨أخرجــه أب

، ونسب ابن حجر ٢٦٩٤ ، والدارمي يف ك االستئذان ، ب يف حسن األسامء ، رقم ٢١١٨٥

ورجاله ثقات إال أن يف سنده انقطاعـا بـني عبـد اهللا : يف الفتح تصحيحه إىل ابن حبان ، وقال

دار ١٠/٥٩٣فتح الباري . زكريا رواية عن أيب الدرداء ، وأيب الدرداء ، فإنه مل يدركه بن أيب

١/١٠٣م ، ورمز السيوطي إىل حـسنه يف اجلـامع الـصغري ١٩٨٧هــ ١٤٠٧الريان ، القاهرة

. ط مؤسسة الريان ، بريوت ٢٤٨ط احللبي بمرص ، وجود النووي إسناده يف األذكار ص

الصحاح ما يشهد هلذا احلديث من أن اإلنسان يدعى يوم القيامة باسمهوقد جاء يف: قلت =

وا ا

٣١١

تـسموا « : قـال×عـن النبـي ، وعن أيب وهب اجلشمي وكانت لـه صـحبة

وأصـدقها ، عبـد اهللا وعبـد الـرمحنوأحـب األسـامء إىل اهللا ، بأسامء األنبياء

. )١( »وأقبحها حرب ومرة ، حارث ومهام

أخنى األسامء عند اهللا رجـل « : ×قال رسول اهللا : قالوعن أيب هريرة

. )٢( »تسمى ملك األمالك

رآهـا تـستحق التغيـري إىل مـا هـو ، قـام بتغيـري كثـري مـن األسـامءكام انه

. أفضل منها

و ، )٣( »ام هـش«وسامه ، » شهاب « غري اسم فقد ثبت يف الصحيح أنه

باب ما يدعى النـاس : واسم أبيه ، وقد عنون البخاري رمحه اهللا يف كتاب األدب بابا أسامه =

إن الغـادر « : أنـه قـال ×بآبائهم ، ثم ذكر فيه حـديث ابـن عمـر ريض اهللا عـنهام عـن النبـي

، وهذا احلديث عنـد مـسلم وأيب » هذه غدرة فالن بن فالن : القيامة ، يقال يرفع له لواء يوم

. داود والرتمذي وابن ماجه وأمحد

، وأبـو داود يف ك األدب، ٧٥ صرواه البخاري يف األدب املفرد ب أحب األسـامء إىل اهللا ) 1(

اخليــل ، والنــسائي يف ك اخليــل ، ب مــا يــستحب مــن شــية٤٩٥٠ب يف تغيــري األســامء رقــم

٦/٢١٨ .

رقم ١٠/٦٠٤رواه البخاري يف صحيحه ك األدب ، ب أبغض األسامء إىل اهللا ، فتح الباري ) 2(

، ومسلم يف صحيحه ك األدب ، ب حتريم التـسمي بملـك األمـالك ، رشح النـووي ٦٢٠٥

٤٩٦١ ، وأبو داود يف كتاب األدب ، ب يف تغيري االسم القبـيح رقـم ٢١٤٣ رقم ١٤/١٢١

. أفحش : أي » أخنى « ى ، ومعن

. ٣٦٢رواه البخاري يف األدب املفرد ، ب شهاب ص) 3(

ا ا درا إ ٣١٢

برة «و ، )١( » مسلم « إىل » غراب « مجيلـة « إىل » عاصية «و ، )٢( » زينب « إىل »

جثامة «و ، )٣( » حسانة « إىل » « )٤( .

اسـم العـاص وعزيـز وعتلـة وشـيطان ×وغري النبي : قال اإلمام أبو داود

وسـمى ، سـلاموسمى حربا ، وشهاب فسامه هشاما ، واحلكم وغراب وحباب

وشعب الضاللة سامه ، وأرضا تسمى عفرة فسامه خرضة ، املنبعث : املضطجع

شعب اهلدى . )٥(رشدة وسمى بني مغوية بني ، وبنو الزنية سامهم الرشدة ،

وقـد تكلـم اإلمـام ابـن القـيم حـول موضـوع التـسمية ومـا يتعلـق بـه ، هذا

بتفــصيل يف كتابيــه فلريجــع إلــيهام مــن أراد ، » زاد املعــاد «و ، » حتفــة املــودود«

. االستزادة

ا وا اد

ومن السنة أن يسمى الطفل ويعق عنه يوم سابعه ، والعقيقة بفـتح العـني « .

. )٦( »وهي اسم ملا يذبح عن املولود ، املهملة

. ٣٦٢ ــ ٣٦١البخاري يف األدب املفرد ، ب غراب ص) 1(

ــحيحه ك األدب ، ب ) 2( ــسلم يف ص ــية ، وم ــم عاص ــل اس ــرد ، ب حتوي ــاري يف األدب املف البخ

. ٢١٤٠ رقم ١٤/١١٩استحباب تغيري االسم القبيح ، رشح النووي

. ٢١٣٩ رقم ١٤/١١٩مسلم برشح النووي ) 3(

. وصححه ووافقه الذهبي ١/١٦رواه احلاكم يف املستدرك ) 4(

ــــيح ، وقــــال) 5( تركــــت أســــانيدها : أورده يف ســــننه يف ك األدب ، ب يف تغيــــري االســــم القب

. لالختصار

. ٩/٥٠٠فتح الباري ) 6(

وا ا

٣١٣

غـالم رهينـة بعقيقتـه كـل « : قـال×عن سـمرة بـن جنـدب أن رسـول اهللا

. )١( »وحيلق ويسمى ، تذبح عنه يوم سابعه

: اخلطـايب قـال ، » بعقيقته مرهتن « : قوله معنى يف فلواخت : قال ابن حجر

هذا : قال حنبل بن أمحد إليه ذهب ما فيه قيل ما وأجود ، هذا يف الناس اختلف

معنـاه : وقيل ، أبويه يف يشفع مل طفال فامت عنه يعق مل إذا أنه يريد ، الشفاعة يف

منهــا انفكاكــه وعــدم لزومهــا يف املولــود فــشبه ، منهــا بــد ال الزمــة العقيقــة أن

. )٢( املرهتن يد يف بالرهن

: قالـت ، فعن أم كـرز الكعبيـة ، وعن األنثى شاة ، ويذبح عن الذكر شاتان

وعـن »ان مكافأتـ«عن الغالم شاتان مكافئتان « : يقول×سمعت رسول اهللا

. )٣(سمعت أمحد أي مستويتان أو مقاربتان : قال أبو داود ، »اجلارية شاة

وقد ذهب البعض إىل أنه ال فـرق بـني الغـالم واجلاريـة فيـصح أن يعـق عـن

، والرتمـذي يف ك األضـاحي ، ب ٢٨٣٨لعقيقـة رقـم رواه أبو داود يف ك الـضحايا ، ب يف ا) 1(

حــسن صــحيح ، والنــسائي يف ك العقيقــة ، ب متــى يعــق : ، وقــال ١٥٢٧مــن العقيقــة رقــم

، والدارمي يف ك األضاحي ، ب ٣١٦٥، وابن ماجه يف ك الذبح ، اب العقيقة رقم ٧/١٦٦

. لخيص وصححه الذهبي يف الت٧/٢٣٧ ، واحلكم ١٩٦٩السنة يف العقيقة رقم

. ٩/٥٠٨فتح الباري ) 2(

، والرتمذي يف ك األضاحي ، ب مـا ٢٨٣٤رواه أبو داود يف ك الضحايا ، ب يف العقيقة رقم ) 3(

، وابن ٧/١٦٥ ، والنسائي يف ك العقيقة ، ب العقيقة عن الغالم ١٥١٨جاء يف العقيقة رقم

ك األضـاحي ، ب الـسنة يف ، والـدارمي يف٣١٦٢ماجه يف ك الـذبائح ، ب يف العقيقـة رقـم

. ، وصححه ووافقه الذهبي ٢٣٨ ــ ٤/٢٣٧ ، واحلاكم ١٩٦٦العقيقة رقم

ا ا درا إ ٣١٤

أن رسـول : استدالال بحديث ابن عبـاس ريض اهللا عـنهام ، الغالم بشاة واحدة

عق عن احلسن كبشا كبشا ×اهللا )١( .

. )٢(قد ذكر ابن حجر أن العدد ليس رشطا بل مستحب و

وعن نافع أن عبد اهللا بن عمر مل يكن يسأله أحـد مـن أهلـه عقيقـه إال أعطـاه

. )٣(وكان يعق عن ولده بشاة شاة عن الذكور واإلناث ، إياها

وعن هـشام بـن عـروة أن أبـاه عـروة بـن الـزبري كـان يعـق عـن بنيـه الـذكور

. )٤(ة واإلناث بشاة شا

حتـى وإن مل ، وهكذا حيرص املسلم عىل العقيقة ما اسـتطاع إىل ذلـك سـبيال

. ]١٦ : التغابن[ ﴾ w x y z﴿: واهللا يقول، جيد شاة فيعق بام دون ذلك

سـمعت أيب يـستحب العقيقـة ولـو : وعن حممد بن إبراهيم التيمي أنـه قـال

. )٥(بعصفور

٦وا ا ا ةا م

فهي ، إن طفولة اإلنسان تتميز من بني سائر الكائنات بطوهلا : الواليةــــأ

لـذا فهـو بحاجـة إىل مـن ، وقـد تزيـد ، متتد من والدته إىل نحو أربعة عرش عاما

. ٢٨٤١رواه أبو داود يف ك الضحايا ، ب يف العقيقة رقم ) 1(

. ٥٠٧ ــ ٩/٥٠٦فتح الباري ) 2(

. ٢/٥٠١رواه مالك يف املوطأ ، ك العقيقة ، ب العمل يف العقيقة ) 3(

. ك ، نفس املوضع رواه مال) 4(

. » املوضع السابق « رواه مالك يف املوطأ ) 5(

وا ا

٣١٥

وغـري ذلـك ممـا ، من تربية وتعليم وإنفاق ، يقوم بأمره ورعاية شئونه ومصاحله

. حيتاجه الطفل عادة

كان له عـىل أبيـه أو نائبـه أو وصـية حـق ، ى ثبت للطفل النسب من أبيهومت

. وحقه يف حضانة مستقرة مستمرة ، الوالية عىل النفس واملال

، والواليــة هــي تــدبري الكبــري الراشــد شــئون القــارص الشخــصية واملاليــة«

أم ، سـواء أكـان فاقـدا هلـا كغـري املميـز ، والقارص مـن مل يـستكمل أهليـة األداء

. ناقصها كاملميز

هي اإلرشاف عىل شئون القارص الشخصية من صيانة : والوالية عىل النفس

. وحفظ وتأديب وتعليم وتزويج

هـي اإلرشاف عـىل شـئون القـارص املاليـة مـن اسـتثامر : والوالية عـىل املـال

. )١ (»كالبيع واإلجارة والرهن وغريها ، وترصفات

فـإن مل يكـن األب ؛ السفيه واملجنون تكـون لـألب والوالية عىل الصغري و«

فـإن مل يكـن ويص انتقلـت إىل ، ألنـه نائبـه ؛ موجودا انتقلت الوالية إىل الويص

. )٢( »واجلد واألم وسائر العصبات ال والية هلم إال بالوصية ، احلاكم

، الـصغري بحفـظ القيام عن عبارة :بأهنا وعرفها الفقهاء« : احلضانةــب

، يـصلحه بـام وتعهـده ، بـأمره يستقل وال يميز ال الذي املعتوه أو ، الصغرية أو

. ٧/٧٤٦وهبه الزحييل /الفقه اإلسالمي وأدلته ، د) 1(

. م ١٩٧١هــ ١٣٩١ ، دار الكتاب العريب ، بريوت ٣/٥٧٩فقه السنة ، الشيخ سيد سابق ) 2(

ا ا درا إ ٣١٦

عـىل يقـوى كـي ، اوعقليـ اونفـسي اجـسمي وتربيتـه ، ويـرضه يوذيـه ممـا ووقايته

. بمسئولياهتا واالضطالع احلياة بتبعات النهوض

رضيعـ فيهـا اإلمهـال نأل ، واجبـة لـصغريةا أو للـصغري بالنـسبة واحلضانة

. )١( » والضياع للهالك الطفل

وتثبت لكل مـن الرجـال ، وفيها نوع والية وسلطنة ، وتسمى كفالة أيضا«

، وعىل القيام به أصـرب ، ألهنن باملحضون أشفق ، لكن النساء هبا أليق ، والنساء

ثـم إن بلـغ ، وتنتهـي بـالبلوغ أو اإلفاقـة ، وأوالهـن األم ، وبأمر الرتبيـة أبـرص

، وال جيرب عىل اإلقامة عند أبويه ذكرا أو أنثـى ، فله أن يسكن حيث شاءرشيدا

. )٢( »واألوىل أال يفارقها

وإذا تزوجـت ، اتفق األئمة عىل أن احلـضانة تثبـت لـألم مـا مل تتـزوج«وقد

. )٣ (»ودخل هبا الزوج سقطت حضانتها

: قالت أن امرأة ، عن جده عبد اهللا بن عمرو، عن أبيه ، عن عروة بن شعيب

وحجـري لـه ، وثديي لـه سـقاء ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، يا رسول اهللا

أنـت « : ×فقـال رسـول اهللا ، وأراد أن ينتزعـه منـي ، وإن أباه طلقني ، حواء

. مكتبة دار الرتاث ، القاهرة ٢/٢٨٨السابق ) 1(

شيخ إبراهيم البيجوري عىل رشح العالمـة ابـن قاسـم الغـزي عـىل مـتن الـشيخ أيب حاشية ال) 2(

. هــ ١٣١٩ ، الطبعة األوىل باملطبعة اخلريية ٢/١٩٧شجاع يف مذهب اإلمام الشافعي

ــشعراين ) 3( ــاب ال ــد الوه ــام عب ــزان ، لإلم ــة ٢/١٣٣املي ــرصية ط الثاني ــة امل ــة األزهري ، املطبع

. هــ ١٣١٧

وا ا

٣١٧

. )١( »أحق به ما مل تنكحي

أنـا بيـنام : قال ، صدق رجل ، املدينة أهل من موىل ، سلمىوعن أيب ميمونة

طلقهـا وقـد ـــ فادعيـاه ، هلـا ابـن معها فارسية امرأة جاءته هريرة أيب مع السج

يـذهب أن يريـد زوجـي ـــــ بالفارسية رطنت ــــ هريرة أبا يا : فقالت ــ زوجها

: فقـال زوجهـا فجـاء ، بـذلك هلا ورطن ، عليه استهام : هريرة أبو فقال ، بابني

سـمعت أين إال ، هذا أقول ال إين للهما : هريرة أبو فقال؟ ولدي يف حياقني من

إن ، اهللا رسـول يـا : فقالـت ، عنـده قاعـد وأنـا × اهللا رسـول إىل جـاءت امرأة

فقـال ، نفعنـي وقـد عنبـة أيب بئـر مـن سـقاين وقـد بـابني يذهب أن يريد زوجي

فقـال؟ ولـدي يف حيـاقني مـن : زوجهـا فقـال » عليـه اسـتهام « : × اهللا رسول

فانطلقت أمه بيد فأخذ » شئت أهيام بيد فخذ أمك وهذه أبوك هذا « : × النبي

. )٢( به

ا م أ

وتركيزه عىل أحقيـة األم ، ومل يكن اهتامم اإلسالم بأمر حضانة الطفل ، هذا

، إال لألمهيـة البالغـة والفائـدة العظيمـة التـي جينبهـا الطفـلــــ كام أرشنا ــــهبا

ـــر اخلطـــ ـــهواألث ـــاحثون ، ري عـــىل نمـــوه يف شـــتى جوانب ـــا أكـــده الب وهـــذا م

رقـم ٣٧٩ ـــ ٢/٣٧٨ ، وأمحـد ٢٢٧٦داود يف ك الطالق ، ب من أحق بالولد رقـم رواه أبو ) 1(

٦٦٦٨ .

، وابــن ماجــه خمتــرصا يف ك ٢٢٧٨رواه أبــو داود يف ك الطــالق ، ب مــن أحــق بالولــد رقــم ) 2(

، والــدارمي يف ك الطــالق ، ب يف ختيــري ٢٣٥١األحكـام ، ب ختيــري الــصبي بــني أبويـه رقــم

. ٢٢٩٣م الصبي بني أبويه رق

ا ا درا إ ٣١٨

. واإلخصائيون النفسيون

يقـول مـدير املركـز » أثر حرمان الطفل من أمـه عـىل سـلوكه «وحتت عنوان

: القومي للبحوث الرتبوية الدكتور فؤاد البهي السيد

يمكن أن نوضح أمهية عالقة الطفل بأمه يف سني املهـد بـام حيـدث لـه «

والطفل الذي حيرم من أن حيب وحيب يف باكورة حياتـه ، ندما يبعد عنهاع

نتيجـــة لعزلـــه بعيـــدا عـــن أمـــه يتـــأخر نمـــوه البـــدين والعقـــيل واللغـــوي

ــي ــالغ ، واالجتامع ــرضر ب ــصيته ب ــصاب شخ ــد ، وت ــذي ال جي ــل ال والطف

يـصبح مـستكينا كئيبـا وال يـستجيب ، الفرصة الطبيعيـة للتعبـري عـن حبـه

فـإذا مل تتجـاوز مـدة ، ويبدو عليه البـؤس والـشقاء ، ت اآلخرينالبتساما

ابتعــاد الطفــل عــن أمــه ثالثــة شــهور فإنــه رسعــان مــا يــسرتد قدرتــه عــىل

فــإذا امتــد ، ويعــود ذلــك إىل مظــاهر نمــوه الطبيعــي ، مبادلتهــا عواطفهــا

احلرمان العاطفي خلمسة شهور أخرى فإن النمو العاطفي للطفل ما يلبث

»بشكل ملحوظ عن النمو العاطفي ألقرانه ومـن هـم يف سـنه أن يتخلف

)١( .

٧ ر واا قما

ورغـب ، ومن رعاية اإلسالم للطفل أن أوجب عىل أبيه اإلنفـاق عليـه

، دار الفكــر العــريب ، ط الرابعــة ٢٢٧فــؤاد البهــي الــسيد ص . األســس النفــسية للنمــو ، د ) 1(

. م ١٩٧٥

وا ا

٣١٩

دون فـرق ، كام حث عىل الرمحة بالـصغار والـشفقة علـيهم ، يف هذا األمر

.يف هذا بني األنثى والذكر

إذا أنفق املسلم « : قال × عن أيب مسعود األنصاري البدري عن النبي

. )١( »عىل أهله نفقة وهو حيتسبها كانت له صدقة

أفضل دينار ينفقه الرجل دينـار أنفقـه « : قال × وعن ثوبان عن النبي

ودينار أنفقه عىل دابتـه ، ودينار أنفقه عىل أصحابه يف سبيل اهللا ، عىل عياله

وأي رجل أعظـم أجـرا مـن ، وبدأ بالعيال : قال أبو قالبة ، »بيل اهللا يف س

. )٢( رجل ينفقه عىل عيال صغار حتى يغنيهم اهللا

ــا رســول اهللا ، املثــل األعــىل يف الرمحــة باألطفــال × ولقــد رضب لن

. والعطف عليهم ومداعبتهم والتبسط معهم

ثـم { ـــــ أو احلـسني ـــــبيـد احلـسن × أخذ النبي : عن أيب هريرة قال

ترق « : ثم قال ، وضع قدميه عىل قدميه « )٣( .

. والعتق من النار ، وإن رمحة الصبيان توجب للمرء رمحة اهللا

ثـالث هاتفأطعم هلا ابنتني حتمل مسكينة يجاءتن : عن عائشة أهنا قالت

، ومـسلم يف ك الزكـاة ، ٦/١٨٩رواه البخاري يف ك النفقات ، ب فضل النفقـة عـىل األهـل ) 1(

. ١٠٢ رقم ٧/٨٨ب فضل النفقة عىل األقربني ، رشح النووي

. ٣٣٠ي يف األدب املفرد ، ب نفقة الرجل عىل أهله صرواه البخار) 2(

. ١٢٠رواه البخاري يف األدب املفرد ، ب املزاح مع الصبي ص ) 3(

ا ا درا إ ٣٢٠

، لتأكلهـا متـرة فيهـا إىل تورفعـ ، متـرة مـنهام واحـدة كل فأعطت ، مترات

، بيـنهام تأكلهـا أن تريـد كانـت يالتـ التمـرة فـشقت ، ابنتاهـا هاتمفاستطع

قد اهللا إن « : فقال × اهللا لرسول صنعتي الذ فذكرت ، شأهنا يفأعجبن

. )١( » النار من أعتقها أو اجلنة هلا أوجب

٨ د واوا لب او ا

سـواء يف ، د حث اإلسالم عىل التزام العدل والتـسوية بـني األوالدولق

التـي ، حفاظا عىل مشاعرهم النفسية ، الرعاية املعنوية أم يف الرعاية املادية

أو حـدوث املجاملـة واملحابـاة ، يناهلا الرضر عند وقوع اجلـور يف املعاملـة

يكـون وحتـى ال ، من جانب األب لصالح أحدهم مـع حرمـان اآلخـرين

فكثـريا ، أو حيقد أحـدهم عـىل أخيـه ، هناك جمال ألن حيسد بعضهم بعضا

مـا تقــع الـشحناء ويكــون احلـسد والبغــضاء يف البيئـة التــي ال يراعـى فيهــا

. العدل بني أفراد األرسة

عليـه وزين هلم الشيطان أن أباهم يعقوب إخوة يوسف لقد توهم

يفضل أخاهم يوسف عليهمالسالم ، فدبت يف قلوهبم الضغينة واحلسد ،

يسبغ عىل طفله يوسـف مـشاعر بمجرد أن شعروا بأن أباهم يعقوب

، ٢٦٣٠رواه مسلم يف ك الرب والصلة ، ب فضل اإلحـسان إىل البنـات ، رشح النـووي رقـم ) 1(

. ١٥٥٢ رقم ٢/٢٤٧واألصبهاين يف الرتغيب والرتهيب

وا ا

٣٢١

، التي حيتاج إليهـا أي طفـل صـغري يف مثـل سـنه ، احلب والعطف واحلنان

وبــالرغم مــن أن احلنــو عــىل الطفــل أمــر طبيعــي وهــو مــن حاجــات نمــوه

فـإن هـذا ؛ ـــتهم البـاكرة وال شك أهنم قد ظفروا بـه يف طفـولــاألساسية

: قال تعاىل ، احلنو الطبيعي العادل قد أوغر صدور اإلخوة الكبار الرجال

﴿V W X Y Z [ \ ] _ ` a b c d ﴾

. ]٨ : يوسف[

فيلزمـون ، وإننا نرى يف الواقع بعض اآلباء ال يبالون بمشاعر أوالدهم

مـن أن يلتزمـوا بالعـدل يف بـدال ، خط اجلور واملحاباة يف وضوح وسـفور

وآثـار سـيئة ، األمر الذي يؤدي إىل عواقب غـري حممـودة ، معاملة األوالد

. تكدر صفو العالئق االجتامعية واألرسية

، يف وضـوح وحـزم عـىل العـدل بـني األوالد × ولذا فقد حـث النبـي

، × اهللا رســول إىل حيملنــيانطلــق يب أيب : قــال ، فعــن الــنعامن بــن بــشري

، مـايل مـن وكـذا كذا النعامن )١( نحلت قد أين اشهد ، اهللا رسول يا : قالف

: قـال ، ال : قـال ، »؟ النعامن نحلت ما مثل نحلت قد بنيك لأك« : فقال

الـرب يف إليـك يكونـوا أن أيـرسك« : قـال ثـم » غـريي هـذا عـىل هدــفأش«

. »اإذ فال« : قال ، بىل : قال ، »؟ سواء

ويف روايـة فقـال لـه ، فاردده : ويف رواية قال ، فارجعه : اية قالويف رو

. ت ووهبت أعطي: أي ) 1(

ا ا درا إ ٣٢٢

فـاتقوا « : قـال ، ال : قـال» ؟ أفعلت هذا بولـدك كلهـم«: × رسول اهللا

. »اهللا واعدلوا يف أوالدكم

. )١( »وإين ال أشهد إال عىل حق ، فليس يصلح هذا« : ويف رواية قال

بـأن هـذا ×رصيح مـن النبـي ولقد جاء يف بعـض روايـات احلـديث تـ

« : ×إذ قال ، إنام هو من حقوق األوالد عىل آبائهم ، العدل بني األوالد

. )٢( »إن لبنيك عليك من احلق أن تعدل بينهم

إن هلم عليك من احلق أن تعدل بيـنهم كـام أن لـك « : ويف رواية أخرى

. )٣( »عليهم من احلق أن يربوك

أوالده بـني يـسوي أن ينبغـي أنـه احلديث هذا ويف: قال اإلمام النووي

بـني ويـسوي ، يفـضل وال اآلخـر مثـل مـنهم واحـد لكـل وهيب ، اهلبة يف

، األنثيـني حـظ مثـل للـذكر يكون : أصحابنا بعض وقال ، واألنثى الذكر

، بعـضهم فـضل فلو ، احلديث ظاهرب بينهام يسوي أنه املشهور والصحيح

أنه : حنيفة وأيب ومالك الشافعي ذهبفم ، بعض دون لبعضهم وهب أو

١١رواه مــسلم يف ك اهلبــات ، بــاب كراهيــة تفــضيل بعــض األوالد يف اهلبــة ، رشح النــووي ) 1(

، والنــسائي يف ك النحــل ، ب ذكــر اخــتالف ألفــاظ النــاقلني خلــرب ١٦٢٣ رقــم ٦٩ ــــــ ٦٥/

ـــ ٦/٢٥٨الــنعامن بــن بــشري يف النحــل ـــ ٥/٣٣٤ ، وأمحــد ٢٦٢ ـــ ، ١٧٨٩٤ أرقــام ٣٣٨ ـ

١٧٩١١ ، ١٧٩٠٣ ، ١٧٨٩٠٢ ، ١٧٨٩٩ ، ١٧٨٩٥ .

. ١٧٩٠٣ رقم ٥/٣٣٦رواه أمحد ) 2(

. ١٧٩١١ رقم ٥/٣٣٧أمحد ) 3(

وا ا

٣٢٣

وجماهـد وعـروة سوطـاو وقـال ، صـحيحة واهلبـة ، بحرام وليس مكروه

أشهد ال « : برواية واحتجوا ، حرام هو : وداود وإسحاق وأمحد والثوري

وموافقـوه الـشافعي واحـتج ، احلـديث ألفـاظ مـن وبغريهـا ، » جـور عىل

ملـا باطال أو احرام كان ولو : الواق ، »غريي هذا عىل فأشهد« : × بقوله

الـشارع كـالم يف األصـل : قلنـا ، اهتديـد قالـه : قيل فإن ، الكالم هذا قال

فـإن ، النـدب أو الوجوب عىل أفعل صيغة إطالقه عند وحيتمل ، هذا غري

فلـيس ، »جور عىل أشهد ال« : × قوله وأما ، اإلباحة فعىل ، ذلك تعذر

مـا وكـل ، واالعتـدال االسـتواء عـن امليـل : هـو اجلور ألن ؛ حرام أنه فيه

وضـح وقـد ، امكروه أو احرام كان سواء ، جور فهو االعتدال عن خرج

لـيس أنـه عـىل يـدل ، »غـريي هـذا عـىل أشـهد« : × قولـه أن قـدمناه بام

ــل فيجــب، بحــرام ــه عــىل اجلــور تأوي ــه كراهــة مكــروه أن هــذا ويف . تنزي

ــديث ــة أن احل ــض هب ــض دون والداأل بع ــحيحة بع ــه ، ص ــب مل إن وأن هي

هيــب أن يــستحب : أصــحابنا قــال ؛ األول رد اســتحب هــذا مثــل البــاقني

. جيب وال ، األول رد استحب يفعل مل فإن ؛ األول مثل الباقني

. )١( أعلم واهللا . للولد هبته يف الوالد رجوع جواز : وفيه

الوالـد بعـدم ختـصيص والذي يظهر يل أن القاعدة أو األصـل أن يلتـزم

وأن االستثناء أن خيـصص ، بعض األبناء هببة أو عطية دون البعض اآلخر

. ٦٧ ، ١١/٦٦مسلم برشح النووي ) 1(

ا ا درا إ ٣٢٤

ونحو ، تستدعي مساعدته ، كأن يكون به إعاقة بدنية ، ألحدهم لرضورة

. هذا ما أراه وسطا بني اآلراء ، ذلك

عىل أنه جيب أن يؤخذ يف االعتبـار أن العلـامء متفقـون عـىل أن الـسلوك

وأن يف هذا اخلـري كـل ، بالتسوية بني األوالد× هو االلتزام بأمره القويم

. اخلري

٩ هوو ا ا ا ا

ــة ــه يف الرتبي ــل حق ــالم للطف ــا اإلس ــرص عليه ــي ح ــوق الت ــن احلق وم

مـن والتي تعـصمه ، املبنية عىل منهج إسالمي سليم ، الصحيحة املستقيمة

وجتعـل منـه رجـال صـاحلا نافعـا ، االنحراف أو الشطط يف مستقبل أيامه ،

، ويــشق طريقــه بعزيمــة واســتقامة ، يــستطيع أن يواجــه مــصاعب احليــاة

. ويكون نموذجا للمؤمن الصحيح

وهذه الرتبية اإلسالمية للطفل جيب أن تكـون دعائمهـا األساسـية هـي

التـي ، يتضح هذا من خالل قـصة لقـامنكام ، العقيدة والعبادة واألخالق

وكـام ، تعد نموذجا من نامذج الرتبية الراقيـة املعروضـة يف القـرآن الكـريم

والـسلف الـصالح رضـوان اهللا ، ×يتجىل من خالل ما أثر عـن الرسـول

. عليهم

وحــق الطفــل يف الرتبيــة القويمــة فــرض فرضــه اهللا تعــاىل ومــسئولية ،

وا ا

٣٢٥

. وال يسعه إال النهوض هبا ، املسلمسوف حياسب عليها األب

ــــــــــــال اهللا : ﴿« ¬ ® ° ± ² ³ق

µ ﴾ ]٦ : التحريم[ .

يف عيل عن رجل عن منصور عن الثوري سفيان قال : قال ابن كثري

وقـال ، وعلمـوهم أدبـوهم : يقـول ﴾ ² ± ° ﴿ : تعاىل قوله

اعملـوا : يقول ﴾ ² ± ° ﴿ عباس ابن عن طلحة أيب بن عيل

النـار من اهللا ينجكم بالذكر أهليكم وأمروا ، اهللا معايص واتقوا اهللا طاعةب

أهلـيكم وأوصـوا اهللا اتقوا : قال ﴾ ² ± ° ﴿ : جماهد وقال،

وأن ، اهللا معصية عن وتنهاهم اهللا بطاعة تأمرهم : قتادة وقال ، اهللا بتقوى

معـصية هللا ترأيـ فإذا ، عليه وتساعدهم به وتأمرهم اهللا بأمر عليهم تقوم

يعلـم أن املـسلم عـىل حـق : ومقاتـل الضحاك قال وهكذا ، عنها قذعتهم

. )١( عنه اهللا هناهم وما عليهم اهللا فرض ما وعبيده وإمائه قرابته من أهله

إن اهللا سائل كل راع عام اسرتعاه « : قال× عن النبي وعن احلسن

. )٢( » أحفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته

. م ١٩٩١هــ ١٤١٢ ، طبعة دار الغد العريب ، القاهرة ٤/٣١٩تفسري القرآن العظيم ) 1(

ابن حبان ، ترتيب األمري عالء الـدين رواه ابن حبان يف صحيحه ، اإلحسان برتتيب صحيح) 2(

، دار ، قدم له وضبط نصه كـامل يوسـف احلـوت٤٤٧٦ رقم ٧/١٢عيل ابن بلبان الفاريس

. م ١٩٨٧هــ ١٤٠٧الكتب العلمية بريوت ، ط األوىل

ا ا درا إ ٣٢٦

راع كلكـم أال « : يقـول×سـمعت رسـول اهللا : وعن ابـن عمـر قـال

عن مسئول وهو راع الناس عىل يالذ فاألمري ، رعيته عن مسئولوكلكم

عـىل راعيـة واملـرأة ، عنهم مسئول وهو بيته أهل عىل راع والرجل ، رعيته

وهـو سـيده مـال عـىل راع والعبـد ، عـنهم مسئولة وهى وولده بعلها بيت

. )١( » رعيته عن مسئول وكلكم راع فكلكم أال ، عنه لمسئو

، وال يمكن حتقيق الرتبية الـسليمة للطفـل عـىل الوجـه املطلـوب ، هذا

ــة يــزود هبــا الطفــل ــة فكري مــن غــري أن تكتنفهــا وتواكبهــا خلفي وثقافــة ،

إسالمية يلقنها ولكي ، حتى يتناسق العلم مع العمل والتطبيق مع الفهم ،

ن لديــه قــدر مقبــول مــن العلــم والثقافــة حيفظــه مــن أعاصــري الغــزو يكــو

. الفكري والثقايف وأخطاره املاحقة

ومن هنا فإن حق الطفل يف تعليمه الثقافة اإلسالمية وتزويده بمعـارف

وقد حرص اإلسالم عليـه ، اإلسالم حق آكد بجانب حقه يف تربية سليمة

: تاليةكام يتجىل ذلك يف السطور ال ، واهتم به

رف وا ا و ص اا

وهيــأ ، لقــد اهــتم اإلســالم بغــرس املبــادئ اإلســالمية يف نفــس الطفــل

رقــم ٢/٤١١أخرجــه البخــاري يف ك اجلمعــة ، ب اجلمعــة يف القــرى واملــدن ، فــتح البــاري ) 1(

أخرى من صـحيحه ، ومـسلم يف ك اإلمـارة ب فـضيلة األمـري العـادل ، ، ويف مواضع ٨٩٣

. وهذا لفظ مسلم ١٨٢٩ رقم ١٢/٣١٢رشح النووي

وا ا

٣٢٧

إىل حد أنـه يـسبق مولـد الطفـل ، األسباب هلذا األمر منذ وقت مبكر جدا

ــه ــالمية ، ذات ــياغة إس ــريه ص ــصوغ تفك ــىل أن ي ــرص ع ــل ، فح وأن يؤص

وأن يـزود عقلـه باملعـارف اإلسـالمية التـي ، نفـسه فـاهيم اإلسـالمية يفامل

تتمشى وتتفق مع ما أراده له من تنشئة صاحلة وتأسيس عىل تقوى مـن اهللا

. ورضوان

ومجيــع شــئون ، فــإن اإلنــسان إنــام يــصدر يف كــل تــرصفاته ؛ وال غـرور

ن الفـصل إذ ال يمكـ ، عام يف نفسه من تفكري ومعارف ومعتقدات ، حياته

ويف احليـاة أمثلـة كثـرية ، وبني أعامله وتـرصفاته ، بني مفاهيم املرء وثقافته

: تؤكد هذا األمر

فالــذي لديــه ثقافــة إســالمية خيتلــف نمــط حياتــه عــن آخــر لديــه ثقافــة

يكـون ، واملرأة التي صيغ تفكريها صياغة علامنية غربيـة ، شيوعية إحلادية

سلوكها مغايرا ألخرى أرشبـت م وشـكل فكرهـا وفـق ، عـارف اإلسـالم

إنـام كـان هـذا بـسبب فكـر ، الـذي يقـسو عـىل نفـسه )١(والراهب ، مبادئه

والطفل الذي أرشب ثقافة اإلسـالم خليـق ، سيطر عىل رأسه وعشش فيه

بأن يرى يف حياته العملية نموذجا للمسلم الذي أراده اهللا بخـالف آخـر ،

رضبت حوله سجف . أو ملئ عقله بثقافة تغريبية مضلة ، من اجلهل )٢(

. املتعبد الذي انقطع عن ملذات الدنيا واعتزل أهلها : الراهب ) 1(

السجف ) 2( . ١/٣٣مجع سجاف وهو السرت ، املعجم الوسيط :

ا ا درا إ ٣٢٨

وإن أول رافد يسهم يف تثقيـف الطفـل أي هتـذيب خلقـه وتغذيـة ، هذا

، ولـذا فـإن اإلسـالم يبـدأ مـن هنـا ، عقله باألفكار واملعارف هو الوالدان

ويضع رشوطا ومواصـفات عـىل الرجـل أن يراعيهـا عنـد اختيـار رشيكـة

وعىل أهل املرأة أن يراعوها عند ، والدهالتي ستكون أم أ ، حياته وزوجته

فإذا حتقـق ، وعىل رأس تلك املواصفات التقوى والصالح ، تزويج ابنتهم

فأغلـب الظـن أن سـتكون ، وكـان الوالـدان صـاحلني وتقيـني ، هذا األمر

وبالتايل فسوف يسهم هذا يف غـرس أفكـار إسـالمية ، معارفهام غري ملوثة

. أة سوية هلم يف ظلهامونش ، يف نفوس أطفاهلام

التـي حتـث عـىل حتـري ، وقد ذكرنا بعض النصوص من القرآن والسنة

يف موضـع ــ حلظة التفكري يف الزواج ــالتقوى الصالح منذ اللحظة األوىل

. سابق من هذا الفصل

ثم إن اإلسالم حيرص كل احلرص عىل أن يكون أول يشء يطرق سمع

كــام ورد يف الــسنة ، يف األذان يف أذنيــه متمــثالاملولــود هــو ذكــر اهللا

. املرشفة

أذن يف×رأيـت رسـول اهللا : قـال ، ×فعن أيب رافع موىل رسول اهللا

. )١( أذين احلسن حني ولدته فاطمة بالصالة

الرباين برتتيب مسند اإلمام أمحد ابن حنبـل الـشيباين مـع رشحـه رواه أمحد يف مسنده ، الفتح) 1(

= بلوغ األماين من أرسا الفتح الرباين ، تأليف أمحد بن عبد الـرمحن البنـا الـشهري بالـساعايت ،

وا ا

٣٢٩

أنه أذن يف أذنه اليمنـى وأقـام » أذن يف أذين احلسن « : ولعل املراد بقوله

ــظ ، يف اليــرسى ــق لف وأطل ــدخول يف ــم بال ــىل اإلقامــة ألهنــا تعل األذان ع

وقـد جـاء إطـالق األذان ، كام أن األذان إعـالم بـدخول الوقـت ، الصالة

. )١( » بني كل أذانني صالة « : ×عىل اإلقامة يف قوله

وجهلنـا ، )٢( وإذا كانت هذه السنة التي هلا حكم علمنا منهـا مـا علمنـا

، دار إحياء الرتاث العـريب ، ط ١٣/١٣٣ك العقيقة ، ب التأذين يف أذن املولود حني يولد =

ــو داود يف ــه األوىل ، وأب ــؤذن يف أذن ــد في ــصبي يول ــسنن ك األدب ، ب يف ال ــم ٤/٢٣٨ال رق

: ، وقـال ١٥١٤ رقـم ٤/٩٧ ، والرتمذي يف ك األضاحي ، ب األذان يف أذن املولود ٥١٠٥

. هذا حديث حسن صحيح

أخرجـه البخـاري يف ك األذان ، » بني كل أذانني صـالة « ، وحديث ١٣/١٣٣الفتح الرباين ) 1(

، ومـسلم يف ١٥٤ ص ١اإلقامة ، و ب بني كل أذانني صالة ملن شـاء جـــب كم بني األذان و

. ٨٣٨ رقم ٦/١٢٤ك صالة املسافر ، ب بني كل أذانني صالة رشح النووي

أن يكـون أول مـا يقـرع سـمع اإلنـسان : ورس التـأذين واهللا أعلـم : ~قال اإلمـام ابـن القـيم ) 2(

شهادة التي أول ما يدخل هبا يف اإلسـالم ، فكـان كلامته املتضمنة لكربياء الرب وعظمته ، وال

ذلك كالتلقني له شعار اإلسالم عند دخوله إىل الدنيا كام يلقـن كلمـة التوحيـد عنـد خروجـه

منها ، وغري مستنكر وصول أثر التأذين إىل قلبه وتأثره بـه وان مل يـشعر ، مـع مـا يف ذلـك مـن

، وهو كان يرصـده حتـى يولـد فيقارنـه فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلامت األذان

للمحنة التي قدرها اهللا و شاءها ، فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظـه أول أوقـات تعلقـه بـه ،

وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إىل اهللا وإىل دينه اإلسالم وإىل عبادته سـابقة عـىل دعـوة

تغيـري الـشيطان هلـا ، ونقلـه عنهـا ، الشيطان ، كام كانت فطرة اهللا التي فطر عليها سـابقة عـىل

حتفة املودود بأحكام املولود ، اإلمام ابن القيم اجلوزيـة ، حتقيـق عبـد . ولغري ذلك من احلكم

. هــ ١٣٨٠ املطبعة اهلندية العربية ، بمباي ١٦احلكيم رشف الدين ، ص

ا ا درا إ ٣٣٠

والدة الطفل ونسمعه هذا الذكر احلكيم وهو نقوم هبا عند ، منها ما جهلنا

فمن بـاب أوىل أن نـسمعه ونلقنـه هـذا الكـالم وأمثالـه مـن ؛ ملا يدرك بعد

، بـل قبـل سـن التمييـز ، املعارف واملفاهيم اإلسالمية عندما يـدرك ويميـز

وجيـري ، فـيلقن رأس املعرفـة ، وبالتحديد عندما يأخذ يف النطق والكالم

. وهي شهادة التوحيد ، وأسمى املعارف ، حقيقة احلقائقعىل لسانه

افتحوا عىل صبيانكم أول كلمـة « : قال× عن النبي {فعن ابن عباس

. )١( »ال إله إال اهللا ولقنوهم عند املوت ال إله إال اهللا

وجدت يف كتاب جـدي الـذي حدثـه عـن : وعن عمرو بن شعيب قال

. )٢( »أوالدكم فعلموهم ال إله إال اهللا إذا أفصح « : قال×رسول اهللا

إذا أفـصح الغـالم ×كان النبي : قالوعنه أيضا عن أبيه عن جده

} s t u v w x y z﴿: من بني عبد املطلب علمه هذه اآليـة

. )٣(] ١١١ : اإلرساء[ ﴾ © ¦§ ¥ ¤ £ ¢ ¡ � ~ { |

اب الـستون ، بـاب يف أخرجه احلافظ أبو بكر أمحد بن احلسني البيهقي يف شعب اإليـامن ، البـ) 1(

حتقيق حممد السعيد بسيوين زغلول، ٨٦٦٤٩ رقم ٣٩٨ ــ ٦/٣٩٧حقوق األهلني واألوالد

ــريوت ، ط األوىل ــة ب ــب العلمي ـــ ١٤١٠دار الكت ــامل ١٩٩٠هـ ــز الع م ، وأورده صــاحب كن

. ، وعزاه إىل ابن عساكر يف تارخيه والبيهقي ٤٥٣٣٢ رقم ١٦/٤٤١

٣٧٣ اليـوم والليلـة ، بـاب مـا يلقـن الـصبي إذا أفـصح بـالكالم صرواه ابن السني يف عمل) 2(

. جدة . حتقيق عبد الرمحن كوثر الربين ، دار القبلة للثقافة اإلسالمية ٤٢٣حديث رقم

. ٤٢٤ حديث رقم ٣٧٤رواه ابن السني ، السابق ص) 3(

وا ا

٣٣١

ىل له املعارف اإلسالمية يوما حيث جت ، ويستمر هذا التثقيف مع الطفل

ويشب عليها إىل أن يـستوي ، فتجري منه جمرى الدم يف العروق ، بعد يوم

كأحسن ما يكون املسلم فهام وتطبيقا .

يـا « : فقـال ، يومـا×كنـت خلـف رسـول اهللا : قال{عن ابن عباس

إذا ، جتاهـك جتـده اهللا احفظ حيفظك اهللا احفظ : غالم إين أعلمك كلامت

ــألت ــأل س ــتعنت وإذا ، اهللا فاس ــتعن اس ــاهللا فاس ــم ، ب ــة أن واعل ــو األم ل

ولـو ، لـك اهللا كتبـه قد ءبيش إال ينفعوك مل ءبيش ينفعوك أن عىل اجتمعت

، عليـك اهللا كتبـه قـد ءبـيش إال يـرضوك مل ءبيش يرضوك أن عىل اجتمعوا

. )١( » الصحف وجفت األقالم رفعت

ويـصحح هلـم مفـاهيمهم التـي تنبثـق ، األطفـال يوجه×وكان النبي

. ــ إذا كان ثمة داع إىل هذا ــعنها عاداهتم وسلوكهم

، ×كنــت غالمــا يف حجــر رســول اهللا : عــن عمــر بــن أيب ســلمة قــال

وكانــت يــدي تطــيش يف الــصحفة ســم اهللا وكــل ، يــا غــالم« : فقــال يل ،

. )٢( »وكل مما يليك ، بيمينك

ن صـحيح ، هـذا حـديث حـس: منـه ، وقـال ٥٩أخرجه الرتمذي يف ك صـفة القيامـة ، بـاب ) 1(

ط املكتــب اإلســالمي ، بــريوت ، وابــن الــسني يف ٣٠٧ ، ٣٠٣ ، ١/٣٩٢وأمحــد يف املــسند

. ٤٢٥ حديث رقم ٣٧٥ ــ ٣٧٤عمل اليوم والليلة ، باب ما يويص به الغالم إذا عقل ص

، ومسلم يف ١٩٦ /٦رواه البخاري يف ك األطعمة ، ب التسمية عىل الطعام واألكل باليمني ) 2(

. ٢٠٢٢رقم ١٩٣ /٣بة ، ب آداب الطعام والرشاب وأحكامهام ، رشح النووي ك األرش

ا ا درا إ ٣٣٢

كلـامت أقـوهلن يف ×علمنـي رسـول اهللا : احلـسن بـن عـيل قـالوعن

فـيمن يوتولن ، عافيت فيمن يوعافن ، هديت فيمن اهدين اللهم « : الوتر

وال تقـيض فإنـك ؛ قـضيت مـا رش يوقنـ ، أعطيـت فيام يل وبارك ، توليت

. )١( » وتعاليت ربنا تباركت واليت من لذي ال وإنه ، عليك يقىض

كــان يعلمهــم هــذا الــدعاء كــام × أن رســول اهللا {س وعــن ابــن عبــا

عــذاب مـن بــك أعـوذ إين اللهــم « : يقـول ، يعلمهـم الــسورة مـن القــرآن

، الـدجال املسيح فتنة من بك وأعوذ ، القرب عذاب من بك وأعوذ ، جهنم

. )٢( » واملامت املحيا فتنة من بك وأعوذ

إلســالم بغــرس يتــضح لنــا مــدى اهــتامم ا ، فمــن هــذا العــرض الــوجيز

األمر الذي كـان لـه أحـسن ، املعارف واملفاهيم اإلسالمية يف نفس الطفل

رقـم ٢/٣٢٨أخرجه الرتمذي يف السنن ، أبواب الـصالة ، ب مـا جـاء يف القنـوت يف الـوتر ) 1(

حـديث احلـسن يف القنـوت : هـذا حـديث حـسن ، وقـال الـشيخ أمحـد شـاكر : ، وقال ٤٦٤

، ١٤٢٥ رقـــم ٢/٦٣، ب القنـــوت يف الـــوتر حـــديث صـــحيح ، وأبـــو داود يف ك الـــصالة

، وأمحـد يف املـسند ، ٢٤٨ /٣والنسائي يف ك قيام الليل وتطـوع النهـار ، ب الـدعاء يف الـوتر

، والدارمي يف ٣١١ــ ٣١٠ /٣الفتح الرباين أبواب القنوت ، باب القنوت يف الوتر وألفاظه

حلـاكم يف املـستدرك ، ك معرفـة ، وا١٥٩٣ ، رقم ١/٤٢٥ك الصالة ، ب الدعاء يف القنوت

. صحيح عىل رشط الشيخني : وقال ١٧٢ /٣ {الصحابة ــ مناقب احلسن واحلسني

، ومسلم يف ك املساجد ب ما ١/٢١٥رواه مالك يف املوطأ ، ك القرآن ، ب ما جاء يف الدعاء ) 2(

ك الـصالة ، ب ، وأبو داود يف ٥٩٠ رقم ٩٩ ــ ٥/٨٨يستعاذ منه يف الصالة ، رشح النووي

. ٩٨٤ رقم ١/٢٥٩ما يقول بعد التشهد

وا ا

٣٣٣

حيـث نـتج عنـه تطبيـق ، وأطيـب الـثامر عـىل اإلسـالم واملـسلمني ، اآلثار

وحـرص عـىل أن تـسود ، والتزام عميل مثـايل بتعاليمـه ، صحيح لإلسالم

. وتنترش

العاريـة عـن التطبيـق أو ومل يكن اإلسالم حريصا عـىل املعرفـة النظريـة

بل كانت هذه املعرفة اإلسـالمية سـبيال لتزكيـة ؛ كال، املنفصلة عن العمل

. وممارسة شعائر اإلسالم وتطبيق أحكامه ورشائعه، النفس وإحياء القلب

بل إنه يمقت خمالفـة ، وال خيفى أن اإلسالم ال يفصل العلم عن العمل

k l m n﴿ : قال تعاىل ، اتويعده من أكرب املوبق ، العمل للعلم

o p q r s t u v w x y z { | ﴾

. ]٣ ، ٢ : الصف[

تتـصالن بـام ، وإن هنـاك ظـاهرتني مرضـيتني يف عـرصنا احلـارض ، هذا

: جيب أن تزوال من واقع املسلمني ، نحن بصدد احلديث عنه اآلن

، ملـسلمعدم االهتامم بغرس املفاهيم اإلسالمية يف نفس الطفل ا: األوىل

واألدهـى واألمـر أن ، وتفريـغ عقلـه وقلبـه منهـا ، بل وحماولة جتهيلـه هبـا

هناك جهودا تبذل من أجل غرس مفاهيم غري إسالمية يف نفسه .

ــة ــن األوىل : الثاني ــل م ــا الطف ــه إذا نج ــارف ، أن ــه املع ــن يلقن ــد م ووج

فإنه يلقنها عىل طريقة ملء الوعاء أو حشو الذ ، اإلسالمية هن بمعلومات

ا ا درا إ ٣٣٤

، أي أن الظاهرة الثانية هي االهتامم باجلانـب النظـري فقـط ، نظرية وكفى

وينحرص اهتاممنا عنـد تقـديرهم ، وعدم توجيه الطفل إىل العمل بام تعلمه

فيوحي هذا إىل الطفل بعدم أمهيـة ، ومكافآهتم فيام حيفظون ويعرفون فقط

ه مـا قـد يـراه مـن تـرصفات ويعمق هذا األمـر يف نفـس ، العمل أو التطبيق

وخاصــة إذا كــان هــذا ، كثــري مــن املــسلمني املناقــضة ملــا جيــب أن يكــون

التناقض صادرا عن أحد مثقفيه أو معلميه ومربيه .

لقد آن األوان ملكافحة األمية الفكرية املتفشية بـني قطاعـات كثـرية مـن

افحـة لألميـة وإن هـذه املك ، املسلمني تفـيش الغـازات الـسامة يف األجـواء

. ليست بأقل خطرا من مكافحة األمية احلرفية ؛ الثقافية أو الفكرية

فهـو حجـر ، وجيب أن ال نتجـاوز الطفـل بـل تكـون البدايـة مـن عنـده

فلنهتم بغرس األفكار اإلسالمية يف نفـسه ، يف بناء رصح األمة ، األساس

يف األفـق مـر والح ، وال نرتكه هنبا للغزو الفكري الـذي استـرشى خطـره

كـي ، وعلينا أن نأخذ بيده إىل العمل بام يعلم وإىل التخلق بام يفهـم ، ثمره

. وحتى ال تزل قدم بعد ثبوهتا ، ال نميض بعيدا عن الرصاط املستقيم

، بـل إنـه مـسئولية وأمانـة ، وجيب أن نعلم أن هذا األمر ال خيار لنا فيه

. تكليف رشعي كام أنه ، يفهو مطلب عرص ، سوف يسألنا اهللا عنها

وا ا

٣٣٥

اا

اطل ا واءر

ولقد خص اإلسالم اليتيم واللقيط بمزيد من العناية والرعايـة وأوىص

ووسعهام برمحته ، هبام خرياتقديرا لظروفهام ، ورصف إليهام كبري اهتاممه ،

وصارا وباال عىل ، ة تعرضا للضياعوألهنام إن تركا بدون رعاي ، وضعفهام

. اللهم إال إذا تدورك األمر ، املجتمع الذي يعيشان فيه

١ا ر

حفظـت عـن : قـالفعـن عـيل ، واليتيم هو مـن فقـد أبـاه يف صـغره

. )١( » ال يتم بعد احتالم « : ×رسول اهللا

g h i j k ml n o p q﴿ : قــال تعــاىل

r s t u v w x y z {

. ]٣٦ : النساء[ ﴾ �¡ ~ { |

وإمـا أن يكـون فقـريا بحاجـة ملـن يعولـه ، واليتيم إما أن يكـون ذا مـال

. وينفق عليه

، والطرباين من حديث حنظلة ٢٨٧٣رواه أبو داود يف ك الوصايا ، ب متى ينقطع اليتم رقم ) 1(

ال يتم بعد حلم ، وال يـتم عـىل جاريـة إذا هـي حاضـت « : بلفظ رجالـه : ، وقـال اهليثمـي »

. ٤/٢٢٦ثقات ، جممع الزوائد

ا ا درا إ ٣٣٦

حيث ، وحرم األكل منه بغري حق ، فإذا كان لليتيم مال وجبت صيانته

فقــال ، وشــدد يف هــذا األمــر ، توعــد اهللا مــن يأكــل مــال اليتــيم بغــري حــق

ـــــبحانه ـــــام[ ﴾ +, * ( ) ' & % $ # " !﴿ : س : األنع

١٥٢[ .

\ ] T U V W X Y Z﴿ :وقــال عــز شــأنه

] _^ a ﴾ ]١٠ : النساء[ .

فعن أيب هريـرة ، أكل ما اليتيم من الكبائر املهلكة×وعد الرسول

وما ، اهللا رسول يا : قالوا . »املوبقات السبع اجتنبوا« : قال×عن النبي

بـاحلق إال اهللا حرم التي النفس وقتل ، والسحر ، باهللا الرشك« : قال ؟ هن

املحـصنات وقذف ، الزحف يوم والتويل ، اليتيم مال وأكل ، الربا وأكل،

. )١( » الغافالت

؟ فهل له أن يأكل منه ، وإذا كان هناك ويص عىل مال اليتيم ، هذا

ــاىل ــال تع ﴾ Ì Í Î ÐÏ Ñ Ò Ó Ô ÖÕ﴿ : ق

. ]٦ : النساء[

فإذا كان الويص عىل مال اليتيم غنيا ميسورا ، فالواجب أن يـستعفف ،

ــاري يف ك الوصــايا ، ب قــول اهللا تعــاىل ر) 1( » إن الــذين يــأكلون أمــوال اليتــامى « : واه البخ

. ٨٩ رقم ٣/٨٣ ، ومسلم يف ك اإليامن ، ب الكبائر وأكربها ، رشح النووي ٣/١٩٥

وا ا

٣٣٧

، فهنـاك خـالف بـني الفقهـاء ، وأمـا إذا كـان فقـريا ، كام يف اآلية الكريمـة

ــــ بــاملعروف ــــفمــنهم مــن أبــاح لــه أن يأكــل مــن مــال اليتــيم نظــري أجــرة

ان جيـب عليـه سـداد مـا أكـل إذا واختلف القـائلون هبـذا الـرأي فـيام إذا كـ

، واآلخر املنـع ، اجلواز : أحدمها ، أم ال يكون عليه ذلك عىل قولني، أيرس

. )١( ومن الفقهاء من مل جيوز أكل الويص من مال اليتيم

ويكـون ، والذي يظهر أنـه ال مـانع مـن أكـل الـويص الفقـري بـاملعروف

تـاج إىل جهـد يف تثمـريه خاصـة إذا كـان لليتـيم مـال حي ، بقدر أجرة عملـه

فـال يشء . . . وسفر وتنقـل ونحـو ذلـك ، والقيام عىل شئونه ، وإصالحه

الـذي كـان ، يف أن يأخذ أجرة باملعروف نظري ما بذله مـن اجلهـد والوقـت

وال ، من املمكن أن يبذله ويستفيد منه يف عمل رشيف يتكسب من ورائـه

. سيام وهو فقري حمتاج

، ﴾ Ì Í Î ÐÏ Ñ Ò Ó Ô ÖÕ﴿ :فعن عائشة

أنزلت يف وايل اليتيم أن يصيب من ماله إذا كان حمتاجـا بقـدر مالـه : قالت

. )٢( باملعروف

: فقـال×أن رجال أتى النبي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

، اجلـامع ٤٥٤ ـــ ١/٤٥٣تفسري القرآن العظـيم : ملزيد من التفصيل يراجع عىل سبيل املثال ) 1(

. ٥/٤٦١ ، فتح الباري ٣٠ ــ ٥/٢٨ألحكام القرآن

رواه البخاري يف كتاب الوصـايا ، بـاب ومـا للـويص أن يعمـل يف مـال اليتـيم ، فـتح البـاري ) 2(

. ٢٧٦٥ رقم ٥/٤٦٠

ا ا درا إ ٣٣٨

كل من مال يتيمك غري « : فقال : قال ، إين فقري ليس عندي يشء ويل يتيم

. )١( »وال مبادر وال متأثل مرسف

فإذا بلـغ اليتـيم وصـار عـاقال راشـدا وعـرف مـن خـالل اختبـاره أنـه ،

دفع إليه مالـه ، يمكن أن حيسن الترصف يف ماله ¶﴿ : كـام قـال تعـاىل ،

¹ º » ¼ ½ ¾ ¿ À Á Â ÄÃ ﴾ ]ــــساء : الن

٦[ .

. هذا إذا كان اليتيم ذا مال

ــيم ــهوأمــا إذا كــان اليت ــه ويعول ــإن ، فقــريا بحاجــة إىل مــن ينفــق علي ف

وعـدم ، واإلحـسان إليـه ، وحيـث عـىل كفالتـه ، اإلسالم يـويص بـه خـريا

. انتهاره

. ] ٩:الضحى[ ﴾ f g h i﴿: قال تعاىل

� ~ { | } s t u v w x y z﴿: وقال سـبحانه

¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § © ª « ¬ ® ° ± ² ³

µ ¶ ¸ ¹ º » ¼ ½ ¾ ﴾ ]١٨ ـ١١:البلد .[

أخرجه أبو داود يف ك الوصـايا ، ب مـا جـاء يف مـا لـويل اليتـيم أن ينـال مـن مـال اليتـيم رقـم ) 1(

. ٦٩٨٣ رقم ٢/٣٤٣ ، وأمحد يف املسند ٢٨٧٢

وال متخذ منـه أصـل » وال متأثل « وال مبادر بلوغ اليتيم بإنفاق ماله ، : أي » وال مبادر « ومعنى

. ٦/٢٥٦حاشية اإلمام السندي عىل سنن النسائي . مال

وا ا

٣٣٩

خري بيت يف املسلمني بيت فيه يتيم « : قال×وعن أيب هريرة أن النبي

أنـا وكافـل ، ورش بيـت يف املـسلمني بيـت فيـه يتـيم يـساء إليـه ، حيسن إليه

. )١( وأشار بأصبعيه»اليتيم يف اجلنة كهاتني

اللهم إين أحرج حق الضعيفني « : ×قال رسول اهللا : وعنه أيضا قال

. )٢( »اليتيم واملرأة

٢ ا ر

، الطريـق ضال أو الشارع يف يوجد الذي البالغ غري الطفل هوواللقيط

. )٣( نسبه يعرف وال

وأخــذ اللقــيط فــرض كفايــة فــال جيــوز اإلمهــال فيــه أو تركــه للــضياع ،

فالتقاطــه مــن ، يشء ضــائع ال كافــل لــهكــل : قــال الــشافعي« ، واهلــالك

. )٤( »فروض الكفايات

. )٥( » وحيكم له بحكم اإلسالم إن التقطه يف دار املسلمني «

وإذا ما ادعى أحد نسب اللقيط أحلـق بـه متـى كـان هـذا ممكنـا ألن يف ؛

رواه البخاري يف األدب املفرد ، باب خري بيت بيت فيه يتيم حيسن إليه ص) 1( ٦٥ .

رقــم ٣/١٨٢ ، وأمحــد يف املــسند ٣٦٧٨دب ، ب حــق اليتــيم رقــم رواه ابــن ماجــه يف ك األ) 2(

أحرج « ومعنى . ٩٣٧٤ أحذر من تضييع حقهام ، وأزجر عن ذلك زجرا بليغا : أي » .

. ٢/٣٠٩ طبعة دار الريان ، بداية املجتهد ٣/٣٥٩فقه السنة ) 3(

. ٢/٣٠٩بداية املجتهد ) 4(

. ٢/٣١٠السابق ) 5(

ا ا درا إ ٣٤٠

. )١( هذا مصلحة له دون إرضار بأحد

، نظرا لظروفـه القاسـية ، والرعايةوإذا كان اليتيم بحاجة إىل اإلحسان

حيــث إن ظروفــه أقــسى مــن اليتــيم يف ، فــإن اللقــيط أحــوج إىل هــذا منــه

إذ هو غالبا ما يلقيه أهله فرارا من حتمـل ، من حيث جهالة نسبه ، الغالب

ومواراة جلريمة زنا وقعت بـني ، أو ختلصا من العار ، تبعات اإلنفاق عليه

ذا املظلوم وحيدا فريـدافيرتك ه ، أمه وأبيه ال يعلـم مـا تـأيت بـه حـوادث ،

. الليايل ورصوف الزمان

وهـو ـــوإما أن يكون غـري ذلـك ، واللقيط إما أن يكون معه مال ، هذا

فإذا وجد معه مالــالغالب وإذا ، واإلنفـاق عليـه منـه ، وجـب صـيانته ،

. عىل شئونهوالقيام ، وجب عىل املسلمني كفالته ، كان فقريا

، بمعنى أن يستلحقه بنسبه، وال جيوز لواحد من املسلمني أن يتبناه نسبا

لتــسهيل ، ويمكــن للدولــة أن تنــشئ لــه اســام ، فــالتبني حمــرم يف اإلســالم

. ومل تكن موجودة من قبل ، املعامالت التي استجدت يف عرصنا

، يف الــدينواإلسـالم يوجـه املــسلمني إىل معاملـة اللقــيط معاملـة األخ

ويف هـذه ، أساسـها االحـرتام واملحبـة ، وهي معاملة سـامية راقيـة كريمـة

. النظرة اإلسالمية للقيط من التكريم ما ال خيفى

g h i j k ml n o p﴿: يقــــــول اهللا تعــــــاىل

. بترصف ٣/٣٦٠السنة فقه ) 1(

وا ا

٣٤١

q r s t vu ﴾ ]٥:األحزاب[ .

هــذا ، وجــدير بالــذكر أن اإلحــسان إىل اللقــيط بــأي صــورة مــن صــور

له أكرب األجر عند اهللا تعاىل ، وكيف ال ومـن حيـسن إليـه يـصونه املعروف

ــول ــاىل يق ــالك ، واهللا تع ــن اهل ــه م ــضياع ، وحيفظ ــن ال 7 6﴿: م

. ] ٣٢:املائدة[ ﴾ ;> : 9 8

يثيـب عـىل اإلحـسان إىل البهـائم واحليوانـات وجيـزي وإذا كـان اهللا

باإلكرام والغفران من يرحم كلبا ملعونة واملرمحـة إىل فكيف بمن يمد يد ا ،

. وأمسى عرضة للبؤس والشقاء، قد انقطعت به السبل، طفل فاقد ألبويه

فاشـتدبطريـق رجـل امبيـن « : قـال× أن رسـول اهللا عن أيب هريـرة

يلهـث كلـب فـإذا خـرج ثـم ، فرشبفيها فنزل ابئرفوجد ، العطش عليه

مثـللعطـش الكلـب مـن ا هـذا بلـغ لقـد : فقال ، العطش من الثرى يأكل

، »لـه فغفـر لـه اهللا فـشكر ، الكلـب فـسقى ماء خفه فمأل ، مني بلغ الذي

كبـدذات كل يف « : قالف؟ اجرأل البهائم يف لنا وإن ، اهللا رسول يا : قالوا

. )١( » أجر رطبة

أن اهللا تعاىل غفر المرأة بغي من بني إرسائيل×كام أخرب النبي

ألهنـا ؛

٢٤٦٦ رقم ٥/١٢٦أخرجه البخاري يف ك املظامل ، ب اآلبار التي عىل الطريق ، فتح الباري ) 1(

وغريه من املواضع ، ومسلم يف ك السالم ، ب فضل سـقي البهـائم املحرتمـة ، رشح النـووي

. ٢٢٤٤ رقم ١٤/٢٤١

ا ا درا إ ٣٤٢

. )١( له العطش يف يوم حارسقت كلبا كاد يقت

فامذا نجـد مـن جـزاء عـىل اإلحـسان إىل ، هذا جزاء اإلحسان إىل كلب

إنسان يف أمس احلاجة إىل اإلحسان ؟

كرب من كربة مؤمن عن نفس من « : قال×عن أيب هريرة عن النبي

يـرس معـرس عـىل يرس ومن ، القيامة يوم كرب من كربة عنه اهللا نفس الدنيا

أخيـه عون يف العبد كان ما العبد عون يف واهللا ، واآلخرة الدنيا يف عليه اهللا

« )٢( .

أيام مسلم كسا مـسلام « : قال× عن النبي وعن أيب سعيد اخلدري

وأيـام مـسلم أطعـم مـسلام عـىل ، ثوبا عىل عري كساه اهللا مـن خـرض اجلنـة

ام عىل ظمأ سـقاه اهللا وأيام مسلم سقى مسل ، جوع أطعمه اهللا من ثامر اجلنة

٣( » من الرحيق املختوم( .

يف ظالل هـذه التوجيهـات والتوصـيات وأمثاهلـا حيظـى الطفـل اللقـيط

ــا) 1( ــقي البه ــضل س ــسالم ، ب ف ــسلم يف ك ال ــه م ــديث أخرج ــووي احل ــة ، رشح الن ئم املحرتم

. ٢٢٤٥ رقم ١٤/٢٤٢

أخرجه مسلم يف ك الذكر والدعاء ، ب فضل االجتامع عـىل تـالوة القـرآن ، والرتمـذي يف ك ) 2(

، وابن ماجه يف املقدمة ب فضل العلامء، ١٤٣٠احلدود ، ب ما جاء يف السرت عىل املسلم رقم

. ٧٣٧٩ رقم ٢/٤٩٧ ، وأمحد ٢٢٥رقم

، والرتمـذي يف ك صـفة ١٦٨٢أبـو داود يف ك الزكـاة ، ب يف فـضل سـقي املـاء رقـم أخرجه ) 3(

. ١٠٧١٧ رقم ٣/٣٨٧ ، ورجح وقفه عىل أيب سعيد ، وأمحد ٢٤٥٧ رقم ٨القيامة ب

وا ا

٣٤٣

بالرعاية والصيانة ماديا ومعنويا ويعيش يف جو يعينه عىل أن يشق طريقه ،

. حمبة للخري ونافعة لبني اإلنسان مجيعا، يف احلياة بنفس آمنة مطمئنة

وتلـك صـور مـن ، فهذا هو الطفل يف رحاب اإلسالم ونظمه : عدأما ب

احلقوق منحهاوالتي تدل داللة قاطعة ، والرعاية التي سعد هبا يف ظالله ،

وتفرده بالـسمو والكـامل عـىل مـا سـواه مـن ، عىل عظمة اإلسالم وربانيته

. األديان واملذاهب والنظم

﴿Á Â Ã Ä Å Æ Ç È É Ê Ë ÍÌ ﴾ ]٤٣:عرافاأل[ .

*****

ادر واا واس

٣٤٥

ادر واا . سبحان من أنزله. . لقرآن الكريما

عيل بن حممد بن حبيب البرصي . األحكام السلطانية والواليات الدينيةــ١

. م١٩٨٣ ــه١٤٠٤ط األوىل . مرص - دار الفكر . املاوردي

أليب الوليــد ســليامن بــن خلــف . إحكــام الفــصول يف أحكــام األصــول ــــ٢

ط . بــريوت - مؤسـسة الرسـالة . بـد اهللا حممــد اجلبـوريع/حتقيـق د . البـاجي

.م١٩٨٩ ــ ه١٤٠٩األوىل

.بريوت - دار الكتب العلمية . أحكام القرآن البن العريب املالكي ــ٣

العالمة سـيف الـدين أيب احلـسن عـيل بـن . اإلحكام يف أصول األحكام ــ٤

.دار الفكر . أيب عيل بن حممد اآلمدي

راجعـه ، لإلمام أيب عبـد اهللا حممـد بـن إسـامعيل البخـاري. ملفرد األدب اــ٥

اإلمـارات . وزارة الشئون اإلسـالمية . واعتنى بتصحيحه حممد هشام الربهاين

. م١٩٨١ ــه١٤٠١

للثقافـة اإلدارة العامـة . الشيخ حممود شلتوت . اإلسالم عقيدة ورشيعة ــ٦

.م١٩٥٩ ــه١٣٧٩اإلسالمية باألزهر

زيــن العابــدين بــن ، شــباه والنظــائر عــىل مــذهب أيب حنيفــة الــنعامن األــــ٧

مؤسـسة احللبـي ورشكـاه . حتقيق حممد عبد العزيـز الوكيـل . إبراهيم بن نجيم

. م١٩٦٨ ــه١٣٨٧

بن عيل أليب بكر أمحد . الفصول يف األصول: املسمى،أصول اجلصاص ــ٨

ط . بـريوت - العلميـةدار الكتـب . حممـد تـامر/حتقيـق د . اجلصاص الرازي

ا ا درا إ ٣٤٦

. م٢٠٠٠ ـه١٤٢٠األوىل

. القاهرة - دار الفكر العريب . الشيخ حممد أبو زهرة . أصول الفقه ــ٩

- دار الكتاب اجلامعي. زكي الدين شعبان/د. أصول الفقه اإلسالمي ــ١٠

.القاهرة

تـأليف شــمس الـدين أيب عبــد اهللا . إعـالم املــوقعني عـن رب العــاملني ـــ١١

. بـريوت - دار الكتـب العلميـة . مد بن أيب بكر املعروف بابن القيم اجلوزيةحم

. م١٩٩١ ــ ه١٤١١ط األوىل

حتقيـق حممـد . األموال لإلمام احلافظ احلجة أيب عبيد القاسم بن سالم ــ١٢

.م١٩٨١ ــه١٤٠١ ط الثالثة .القاهرة - دار الفكر . خليل هراس

أليب الوليــد حممــد بــن أمحــد بــن رشــد . ملقتــصدبدايــة املجتهــد وهنايــة ا ــــ١٣

. م١٩٨١ ــه١٤٠١ط اخلامسة . مطبعة احللبي بمرص . القرطبي

الــشيخ منــصور عــيل . التــاج اجلــامع لألصــول يف أحاديــث الرســولــــ١٤

. م١٩٧٥ ــه١٣٩٥ط الرابعة . دار الفكر . ناصف

عمـر /د ، الـديمـصطفى خ/د . التبشري واالستعامر يف الـبالد العربيـة ــ١٥

. م١٩٨٦بريوت - صيدا . فروخ املكتبة العرصية

.بريوت . دار الندوة اجلديدة . البهي اخلويل . تذكرة الدعاة ــ١٦

عبــد القــادر . التــرشيع اجلنــائي اإلســالمي مقارنــا بالقــانون الوضــعيــــ١٧

. القاهرة - مكتبة دار الرتاث . عودة

ط . القاهرة - دار الغد العريب . ظ ابن كثريتفسري القرآن العظيم للحاف ــ١٨

. م١٩٩١ ــ ه١٤١١األوىل

ادر واا واس

٣٤٧

لألمـام أيب زيـد عبيـد اهللا بـن عمـر بـن . تقويم األدلـة يف أصـول الفقـه ــ١٩

دار الكتـب . حتقيـق الـشيخ خليـل حمـي الـدين املـيس . عيسى الدبويس احلنفي

.م٢٠٠١ ــ ه١٤٢١ط األوىل . بريوت - العلمية

اإلمام حممد بن جرير بـن يزيـد بـن . امع البيان عن تأويل آي القرآنج ــ٢٠

، وأيــضا طبعــة دار املعــارف . ــــه١٤٠٥بــريوت - دار الفكــر . خالــد الطــربي

بتحقيق الشيخني حممود وأمحد شاكر

. جــامع العلــوم واحلكــم يف رشح مخــسني حــديثا مــن جوامــع الكلــم ــــ٢١

ن أيب الفرج عبد الرمحن بن شهاب الدين تصنيف اإلمام احلافظ الفقيه زين الدي

دار . حتقيق طارق عوض اهللا حممـد . البغدادي ثم الدمشقي الشهري بابن رجب

. ــه١٤٢٢ط الثالثة . السعودية - ابن اجلوزي

ـــ٢٢ ــي . اجلــامع ألحكــام القــرآن ـ ــة . القرطب ــب العلمي ــريوت . دار الكت ب

.باإلضافة إىل طبعات أخرى . م١٩٩٣ ــه١٤١٣

. حممد سـالم مـدكور . اجلنني واألحكام املتعلقة به يف الفقه اإلسالميــ٢٣

. م١٩٦٩ ــه١٣٨٩ط األوىل . القاهرة - دار النهضة العربية

عبـد /د . حقوق الطفل يف قوانني األحوال الشخصية يف البالد العربيةــ٢٤

. سـالممنـشور ضـمن بحـوث حلقـة رعايـة الطفولـة يف اإل . الرمحن الـصابوين

عقدت . م١٩٨٢ ــه١٤٠٢ . يبإرشاف منظمة املؤمتر اإلسالم . ييف أبو ظب

مكتبــة . يوســف القرضــاوي/د . احلــل اإلســالمي فريــضة ورضورة ــــ٢٥

. م١٩٧٧ ــه١٣٩٧ط الثالثة . القاهرة - وهبة

، مكتبة الفـالح. عمر سليامن األشقر/د. خصائص الرشيعة اإلسالمية ــ٢٦

ا ا درا إ ٣٤٨

. م١٩٨٢وىل ط األ . الكويت

حتقيـق ورشح أمحـد . الرسالة لإلمام املطلبي حممد بن إدريس الشافعي ــ٢٧

.حممد شاكر

.بريوت - دار إحياء الرتاث العريب . لآللويس . روح املعاين ــ٢٨

املكتـب . مصطفى السباعي/د . السنة ومكانتها يف الترشيع اإلسالمي ــ٢٩

. م١٩٧٨ ــه١٣٩٨ط الثانية . بريوت - اإلسالمي

حممـد بـن أيب بكـر بـن أيـوب بـن سـعد . زاد املعاد يف هدي خري العباد ــ٣٠

ــة ، شــمس الــدين ــسابعة ،بــريوت - مؤســسة الرســالة . ابــن قــيم اجلوزي ط ال

. م١٩٩٤ ـه١٤١٥والعرشون

حتقيـق . للحافظ أيب عبد اهللا حممـد بـن يزيـد القزوينـي. سنن ابن ماجه ــ٣١

.دار الفكر . باقيحممد فؤاد عبد ال

. احلــافظ أيب داود ســليامن بــن األشــعث السجــستاين . ســنن أيب داود ــــ٣٢

وكـذلك . م١٩٩٤ ـهـ١٤١٤بـريوت - دار الفكـر . حتقيق صدقي حممد مجيـل

.طبعة الشيخ حممد حمي الدين عبد احلميد

×وهو اجلـامع املختـرص مـن الـسنن عـن رسـول اهللا . سنن الرتمذي ــ٣٣

احلــافظ أبــو عيــسى حممــد بــن . الــصحيح واملعلــول ومــا عليــه العمــلومعرفــة

دار . وعبـد القـادر عرفـان، حتقيق وختريج صـدقي حممـد مجيـل العطـار. سورة

.وكذلك طبعة الشيخ أمحد شاكر . م١٩٩٤ ــه١٤١٤بريوت - الفكر

ـــ٣٤ ــدارمي ـ ــدارمي . ســنن ال ــرمحن ال ــد ال ــن عب ــد اهللا ب اإلمــام احلــافظ عب

دار الكتـاب . وخالـد الـسبع العلمـي ، حتقيـق فـؤاد أمحـد زمـريل . السمرقندي

ادر واا واس

٣٤٩

.م١٩٨٧ ــه١٤٠٧ط األوىل . بريوت . العريب

سنن النسائي بـرشح احلـافظ جـالل الـدين الـسيوطي وحاشـية اإلمـام ــ٣٥

. بريوت - دار الكتب العلمية . السندي

تبـة رجـال مك . املستشار البـرشي الـشوربجي . رشح قانون األحداثــ٣٦

.م١٩٨٧القضاء

نجم الدين أيب الربيع سليامن بن عبد القوي بن . رشح خمترص الروضة ــ٣٧

. عبـد اهللا بـن عبـد املحـسن الرتكـي/حتقيـق د. عبد الكـريم بـن سـعيد الطـويف

. م١٩٩٠ ــه١٤١٠ط األوىل . بريوت - مؤسسة الرسالة

. صـحيح البخـاريمطبوع عىل فتح الباري بـرشح . صحيح البخاري ــ٣٨

ــسقالين ــر الع ــن حج ــافظ اب ــان . للح ــاهرة ط األوىل - دار الري ـــه١٤٠٧الق ـ

.وطبعات أخرى . وكذلك طبعة الدكتور مصطفى ديب البغا . م١٩٨٧

ـــ٣٩ ــووي ـ ــرشح الن ــسلم ب ــحيح م ــان . ص ــاهرة - دار الري ط األوىل . الق

. عبد الباقيمع االعتامد عىل ترقيم األستاذ حممد فؤاد . م١٩٨٧ ــه١٤٠٧

ـــ٤٠ ــد الوهــاب خــالف . علــم أصــول الفقــه ـ ــة الــدعوة . الــشيخ عب مكتب

.اإلسالمية

. حتقيق حممد عبد الرمحن كوثر الربين. البن السني . عمل اليوم والليلةــ٤١

. جدة - دار القبلة للثقافة اإلسالمية

ـــ٤٢ ــا ـ ــالم منه ــف اإلس ــة وموق ــة الثقافي ــف . العومل ــةدار الك . للمؤل . لم

.م٢٠٠١ ــه١٤٢١ط األوىل . مرص - املنصورة

.٢ ط. مرص - دار املعارف. عبد احلليم حممود/د. فتاوى عن الشيوعية ــ٤٣

ا ا درا إ ٣٥٠

ط . دمـشق - دار الفكـر . وهبـة الـزحييل/د. الفقه اإلسـالمي وأدلتـه ــ٤٤

. م١٩٨٥ ــه١٤٠٥الثانية

ـــ٤٥ ــسنةـ ــه ال ــشيخ ســيد ســابق . فق ــان . ال ــاهرة - دار الري ــة . الق ط الثاني

. باإلضافة إىل طبعات أخرى . م١٩٩٠ ــه١٤١١

ط الثانية عرشة . بريوت - دار الرشوق . سيد قطب . يف ظالل القرآن ــ٤٦

.م١٩٨٦ ــ ه١٤٠٦

وضع نخبة من أساتذة كلية الطـب والعلـامء يف . قاموس الطفل الطبي ــ٤٧

. م١٩٨٥ط األوىل . ر اهلاللدا . إعداد حممد رفعت . مرص والعامل العريب

ـــ٤٨ ــادي مؤســسة . القــاموس املحــيط ـ ــن يعقــوب الفريوزاب ــدين ب جمــد ال

. م٩٨٧ ــ ه١٤٠٧ط الثانية . بريوت - الرسالة

أيب . الكشاف عن حقائق التنزيل وعيـون األقاويـل يف وجـوه التأويـل ـــ٤٩

. امل املعرفةدار ع . القاسم جار اهللا حممود بن عمر الزخمرشي اخلوارزمي

/ حتقيـق د . أليب البقاء أيوب بن موسـى احلـسيني الكفـوي . الكليات ــ٥٠

ط الثانيــة . بــريوت - مؤســسة الرســالة . ريــوحممــد املــص ، عــدنان درويــش

. م١٩٩٨ ــ ه١٤١٩

. للعالمة احلسني بن رشيق املـالكي . لباب املحصول يف علم األصول ــ٥١

ط . ديب - دار البحـوث للدراسـات اإلسـالمية . حتقيق حممد غزايل عمر جـايب

.م٢٠٠١ ــه١٤٢٢األوىل

لــسان العــرب أليب الفــضل مجــال الــدين حممــد بــن مكــرم بــن منظــور ــــ٥٢

. دار املعارف . األفريقي املرصي

ادر واا واس

٣٥١

. بـريوت - مؤسـسة الرسـالة . مناع القطـان . مباحث يف علوم القرآن ــ٥٣

.م١٩٩٩ ــ ه١٤٢٠ط الثانية

للحـافظ نـور الـدين عـيل بـن أيب بكـر . جممـع الزوائـد ومنبـع الفوائـد ـــ٥٤

.م١٩٨٢ ــه١٤٠٢ط الثالثة . بريوت - دار الكتاب العريب . اهليتمي

املحـرر يف أصـول الفقـه لإلمـام أيب بكـر بـن حممـد بـن أمحـد أيب سـهل ــ٥٥

األوىل ط . بـريوت - دار الكتب العلميـة . حتقيق حممد بن عويضة . الرسخيس

.م١٩٩٦ ــه١٤١٧

لإلمام فخر الدين حممـد بـن عمـر بـن . املحصول يف علم أصول الفقه ــ٥٦

. م١٩٨٨ ــه١٤٠٨ط األوىل . بريوت . دار الكتب العلمية . احلسني الرازي

حتقيـق أمحـد حممـد . أليب حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حـزم . املحىلــ٥٧

. القاهرة - دار الرتاث . شاكر

عبـد الـرمحن الـصابوين /د. املدخل الفقهي وتاريخ الترشيع اإلسالمي ــ٥٨

.م١٩٨٢ ـه١٤٠٢ط األوىل . القاهرة - مكتبة وهبة . وآخرين

مؤسـسة . عبد الكـريم زيـدان/د . املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية ــ٥٩

.م١٩٩٦ ــه١٤١٧ط الرابعة عرشة . بريوت - الرسالة

. للحافظ أيب عبد اهللا احلـاكم النيـسابوري . عىل الصحيحنياملستدرك ــ٦٠

.بريوت - دار املعرفة . وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي

- دار إحيـاء الـرتاث العـريب . لإلمام أمحد بـن حنبـل الـشيباين . املسند ــ٦١

.م١٩٩٤ ــه١٤١٤ط الثانية . بريوت

ورية والدوليـة واإلداريـة واالقتـصادية الدسـت مصنفة النظم اإلسالمية ــ٦٢

ا ا درا إ ٣٥٢

ط األوىل . القــاهرة - مكتبــة وهبــة . مــصطفى كــامل وصــفي/د . واالجتامعيــة

.م١٩٧٧ ــه١٣٩٧

ائة وثيقـة سياسـية ـــمعامل التاريخ اإلسالمي املعـارص مـن خـالل ثالثم ــ٦٣

.القاهرة - دار االعتصام . أنور اجلندي . خالل القرن الرابع عرش اهلجري

.ط الثالثة . القاهرة . جممع اللغة العربية . املعجم الوسيط ــ٦٤

. أليب احلسني أمحد بن فارس بن زكريـا الـرازي . معجم مقاييس اللغة ــ٦٥

ط األوىل . بريوت - دار الكتب العلمية . وضع حواشيه إبراهيم شمس الدين

. م١٩٩٩ ــه١٤٢٠

يف أيب إسـحاق إبـراهيم بـن موسـى تأل . املوافقات يف أصول األحكام ــ٦٦

دار . بتعليق الشيخ حممد اخلـرض حـسني . اللخمي الغرناطي الشهري بالشاطبي

.إحياء الكتب العربية

إرشاف . املوسوعة امليرسة يف األديـان واملـذاهب واألحـزاب املعـارصة ــ٦٧

ط . الريــاض. النــدوة العامليــة للــشباب اإلســالمي. مــانع بــن محــاد اجلهنــي/د

.ثالثةال

. حتقيق وتعليـق حممـد فـؤاد عبـد البـاقي . املوطأ لإلمام مالك بن أنس ــ٦٨

.م١٩٨٥ ــه١٤٠٦بريوت - دار إحياء الرتاث العريب

- مؤسـسة الرسـالة . أليب األعـىل املـودودي . نحن واحلضارة الغربيـة ــ٦٩

.بريوت

دار العلـم . صـبحي الـصالح/د . الـنظم اإلسـالمية نـشأهتا وتطورهـا ــ٧٠

.م١٩٧٦ ــه١٣٩٦ط الثالثة . بريوت - للماليني

ادر واا واس

٣٥٣

. حسن عبد احلميد عويـضة/د . المية واملذاهب املعارصةــالنظم اإلس ــ٧١

. م١٩٨١ ــه١٤٠١ط الثانية . الرياض - دار الرشيد

عبـد البـاري /د . نظـم الدولـة اإلسـالمية يف عـرص النبـوة والراشـدين ــ٧٢

. م١٩٩٣ ــه١٤١٤ . الطاهر حممد

*****

ا ا درا إ ٣٥٤

ادر واا واس

٣٥٥

س ات ا اع

٥................................................................مقدمة

النظم اإلســالمية وغايتــها: الفصــل األول ..........................٩

١١..............................مالمح النظم اإلسالمية : املبحث األول

١١.........................................................مفهوم النظم

١٤......................................................النظم اإلسالمية

١٦...........................يعة اإلسالمية صــلة النظم اإلسالمية بالرش

١٨.........................................رضورة النظم يف حياة الناس

١٩......................................حاجة العامل إىل النظم اإلسالمية

٢١................................................نشأة النظم اإلسالمية

٢٢..................................................نشأة النظم الوضعية

٢٤.........................األسس اإليامنية واألخالقية للنظم اإلسالمية

٢٦......................................................األسس اإليامنية

٢٨....................................................األسس األخالقية

٣١......................... النظم اإلسالميةامتزاج األخالق بالقانون يف

٣٤...........................................الكتابة يف النظم اإلسالمية

٣٩.............................غــايــة النــظم اإلسالميــة: املبحث الثاين

املصادر الترشيعية للنظم اإلســالمية: الفصــل الثاين ..................٤٧

ا ا درا إ ٣٥٦

ا اع

٤٩..................... تعريف إمجايل باملصادر الترشيعية: املبحث األول

٥٥................تفق عىل حجيتها امل األصلية، أواملصادر: ثايناملبحث ال

٥٥..................................................ــ القــرآن الكــريم١

تعــريفــه نزولــه منــجام ..............................................٥٦

٥٩..............................................وصــوله إلينــا بالتــواتر

٥٩........................................ما اشــتمل عليــه من التــرشيع

٦٢................................................داللتــه عىل األحــكام

٦٥................................أحــكام القــرآن كلــية وتفصــيلية

٦٦.................................................. ــــ الســــــــــــــنة ٢

٦٦..........................................................مفــهومــها

حجــيتــــها ..........................................................٧٣

٧٨.............................................أقســامها باعتبــار الســند

٨٤...............................................عنــاية العلــامء بالســنة

٨٥................................................. ــ اإلمجــــــــــــاع ٣

٨٥...........................................................مفــــهومــه

٨٦...............................................رشوط حتقق اإلمجاع

٨٩................................................أدلــة حجيــة اإلمجــاع

٩٥......................................................مســتند اإلمجــاع

ادر واا واس

٣٥٧

ا اع

٩٦....................................................مجــاع أقســام اإل

٩٩.................................................. ــ القيــــــــــــاس ٤

٩٩...........................................................تعــــريفــه

١٠٠......................................................أركــان القيــاس

١٠٣................................موقف العلامء من األخذ بالقياس

١٠٤......................................أدلة اجلمهور عىل حجية القياس

١١٠.......................................................أمهيــة القيــاس

١١١............... املختلف يف حجيتها التبعية، أواملصادر: لثاملبحث الثا

١١١..........................................ــــالح املرســــــلة ــ املصــ١

١١١........................................................معنى املصلحة

١١١.....................................................أقســام املصــالح

١١٣................................موقف اجلمهور من املصلحة املرسلة

١١٥......................................رشوط العمل باملصلحة املرسلة

١١٦.................................................أمهية املصالح املرسلة

١١٧......................................................ــ االستحسان٢

١١٧............................................................. تعــريفــه

١١٧............................................................. أنــواعــه

١٢١..................................................حجيــة االستحسان

ا ا درا إ ٣٥٨

ا اع

١٢٢........................................................ ــ العــــرف ٣

١٢٥.................................................. ــ ســد الــذرائــع ٤

١٢٦....................................................األدلة عىل حجيته

١٢٧.....................................................أمهية سد الذرائع

ــ شــرع من قــبــلنا٥ .................................................١٢٩

١٣١............................................. ــ قــــول الصــــــحايب ٦

١٣٤.................................................. ــ االســتصــحاب٧

١٣٩...........................خصائص النظم اإلسالمية: الفصل الثالث

١٤١ ........................................................... متهيد

١٤٢........................................الربــــانيــــــة : املبحث األول

١٤٤.........................سهولة انقياد الناس للنظم الربانية دون غريها

١٥١.........................................الشمــولـية : املبحث الثــاين

١٥١..................بطالن زعم العلامنيني أن اإلسالم دين روحي حمض

١٥٤........................عىل سائر األمور املعاشيةاشتامل القرآن والسنة

١٦١......................وصف بليغ لشمول الرشيعة اإلسالمية ونظمها

١٦٥..........................................العــامليــة : املبحث الثــالث

١٦٩......................................إفالس احلضارة الغربية ونظمها

١٧١............................................الوســطية: املبحث الرابع

ادر واا واس

٣٥٩

ا اع

١٧٤................................من مظاهر وسطية النظم اإلسالمية

١٧٤................................................مشكلة امللكية الفردية

١٨١...............................................لة الغريزة اجلنسيةمشك

١٨٤........................اجلمع بني الثبات واملرونة : املبحث اخلــامس

١٨٧.........................من عوامل السعة واملرونة يف النظم اإلسالمية

١٨٧..........................................ــ ربانية الرشيعة اإلسالمية١

باجلوانـب ــ جميء كثري من أحكام الـرشيعة اإلسـالمية اخلاصـة ٢

...........................ة املعاشية يف صورة قواعد عامة ومبادئ كلي

١٩١

١٩٢......نامذج من اآليات واألحاديث التي متثل قواعد عامة ومبادئ كلية

١٩٦................................ــ خصوبة وتنوع املصادر الترشيعية ٣

١٩٨...........................مراعاة الطبيعة اإلنسانية : املبحث السادس

اليرس والسهولة أبرز مظاهر مراعـاة الـرشيعة اإلسـالمية للطبيعـة

................................ .......................اإلنسانية

١٩٩

٢٠٣.........اجلمع بني اجلزاء الدنيوي واجلزاء األخروي : املبحث السابع

٢٠٥.......................أمهية وجود اجلزاء األخروي مع اجلزاء الدنيوي

ال هيمل اإلسالم اجلزاء الدنيوي......................................٢٠٨

٢١٣............آثار تطبيق النظم اإلسالمية يف حيــاة األمــة: الفصل الرابع

٢١٤ .........................................................متهيد

ا ا درا إ ٣٦٠

ا اع

حتصيل مرضاة اهللا تعاىل ومثوبته : املبحث األول .....................٢١٥

٢٢١........................... يف حياة األمةحتقيق التوازن : املبحث الثاين

٢٢٨...................حتقق األمن يف حياة الفرد واجلامعة : املبحث الثالث

٢٣٦...............ج الشايف ملشكالت األمة وأدوائها العال: املبحث الرابع

بطالن ادعـاء العلامنيـني مـسئولية اإلسـالم ونظمـه عـام تعانيـه

.................................................. املجتمعات اإلسالمية من أزمات

٢٤٠

٢٤٤...........................وحدة األمــة اإلســالمية : املبحث اخلامس

ـــصدارة التمكـــني ل: املبحـــث الـــسادس ألمـــة وتبوؤهـــا مقـــام ال

........................................................... واألستاذية

٢٤٨

٢٥٥...............................وجود الفرد الصــالح: املبحث السابع

تبديد الصورة املشوهة لإلسالم وأهله : املبحث الثامن ...............٢٥٩

رعايـة الطفولـة يف ظـل « بـني النظريـة والتطبيـق: الفصل اخلـامس

»النظم اإلسالمية

٢٦٥

٢٦٧................................إلسالم مفهوم الطفولة يف ا: متهيد

٢٦٨..................................................متى يكون البلوغ ؟

٢٧٢..............................رعاية الطفل قبل ميالده: املبحث األول

٢٧٢......ــــ حرص اإلسالم عىل جميء الطفل من طريق مرشوع مقدس ١

٢٧٥.......................ــــ حرص اإلسالم عىل اختيار أم الطفل وأبيه ٢

ادر واا واس

٣٦١

ا اع

٢٧٨........................ــــ حمافظة اإلسالم عىل حياة اجلنني وسالمته ٣

٢٨٠..............................................ية عىل اجلننيعقوبة اجلنا

٢٨٣.............................احلامل إذا وجب عليها احلد أو القصاص

٢٨٥...............................املرأة متوت ويف بطنها جنني ثبتت حياته

٢٨٥................................احلامل جيوز هلا الفطر يف شهر رمضان

٢٨٦.....................................................حكم اإلجهاض

٢٨٧........................................... ــــ احلقوق املالية للجنني ٤

٢٨٩...............................رعاية الطفل بعد ميالده: املبحث الثاين

٢٨٩............................................. الطفل يف احلياة ــــ حق١

٢٩٢.............................................ــ حق الطفل يف الرضاع٢

٢٩٣........................... أمهية لبن األم للطفل يف نظر العلم احلديث

٢٩٥................................ــــ حق الطفل يف النسب إىل أبيه ٣

٢٩٦.................................................. طرق إثبات النسب

٢٩٦................................ أــــ ثبوت النسب عن طريق الزواج

حكم الزواج الفاسد ووطء الشبهة ................................٢٩٩

٢٩٩................................بوت النسب عن طريق اإلقرار ب ــــ ث

٣٠١.............................كالم البن القيم حول استلحاق ولد الزنا

٣٠٤.......................................... جــ ــــ ثبوت النسب بالبينة

ا ا درا إ ٣٦٢

ا اع

٣٠٥................................ د ــــ ثبوت النسب عن طريق القيافة

٣٠٦......................................... هــ ــــ ثبوت النسب بالقرعة

٣٠٧.......................................... ــــ حق الطفل يف املرياث ٤

٣٠٩................................ ــــ حق الطفل يف االسم احلسن ٥

٣١٢.........................................التسمية والعقيقة عن املولود

٣١٥.........................ــــ حق الطفل يف الوالية واحلضانة املستقرة ٦

٣١٧..............................................أمهية حضانة األم للطفل

٣١٩................................ ــــ اإلنفاق عىل الصغار والرمحة هبم ٧

٣٢١............ ــــ وجوب العدل بني األوالد والتسوية بينهم يف العطايا ٨

٣٢٤........ السليمة وتزويده بالثقافة اإلسالمية ــــ حق الطفل يف الرتبية٩

٣٢٦ حرص اإلسالم عىل تزويد الطفل باملعارف واملفاهيم اإلسالمية

٣٣٥.....................رعاية األطفال اليتامى واللقطاء : املبحث الثالث

٣٣٥......................................................ــ رعاية اليتيم ١

٣٣٩.....................................................ــ رعاية اللقيط ٢

٣٤٥..................................................املــصادر واملراجــع

٣٥٥.................................................فهرس املوضوعات

*****

ادر واا واس

٣٦٣

ا . إ :د.أ

* ة واا ذ ورأ أ ،ال ا

زا رة ةوا. * ا ١٣٨٥ ١٩٦٥،

"د " ،" "ا ، ..

* آن اا ،ب ا ا ل اأ ج أن إ ،ا ز ا

زا رة ة١٤٠٧وا ١٩٨٧ . * ة ل اأ راها ل درم

زا ١٤١٦ ١٩٩٦. * إ ا دا ا رج در أن

، ر اة وا ا، ٢٠٠٥ " أذ" رة ةوا ل اأ ٢٠٠٨.

أذ از، و إاد اة زارة * ر ، ا ف، واوا

ا دا ا. ا ا اا اة *

زا ،ة اوا. * ث اراه واوا ا د ر

ا ، ا و وم فأ او ر.

*ا ا ن ا . * أ ولا دا ن ،زاررات ، ووا ، و ،

م د و ، أن وأ، ورك أ ل ا واوات واات، وا إتت،اوا وما ات واوا ،.

: اث وات، د * . اي واا .. او اي ١٢ا ا درا إ . ٣ ا ا و يو اا .. ه

. ا ورات ا٤ .وآره٥ ا وا ا اق ) ..

).را ااق٦ ت ا ا و ] .رد

]. ) واد مة ة(ب ٧ ا أ رة.. آدأ ] .ب رد ) أ

رة واا ا آد ( ا ر را.[ ٨ا ا .

٩ ا ة إا وة وأا . . اة ااة غ اداع١٠١١ ا و ا ا . ١٢دا اف ا ور اا . ١٣ ة اا ورةو . ١٤ ء ةا " ط أ " أ

"١٥ ". اا ق ا ر . ١٦ ا ا . ١٧ق ا ا ا اا . . آن١٨١٩ تةا ا .