-قول ابو حاتم (يكتب حديثه) قال الذهبي في السير6/360: علمت...

745
سان ل ن ي ث حد م ل ا م ج عُ م( ى ن عُ ي رح ش ب" حات ل صط م ن ي ث حد م ل ا" مة ي د" ق ل ا" ة ث ي حد ل وا م ه وز م وز م ه" تزا ا ش9 وا

Upload: others

Post on 29-Dec-2019

7 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

-قول ابو حاتم (يكتب حديثه) قال الذهبي في السير6/360: علمت بالستقراء التام انه عنده ليس بحجة

لسان المحدثين

(مُعجم يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم

وشرح جملة من مشكل عباراتهم

وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم)

تأليف

محمد خلف سلامة

المجلد الثالث

(الثاء – الصاد)

فصل الثاء

405. ثالث الحروف :

هو حرف التاء ؛ انظر (ثاني الحروف).

406. ثاني الحروف :

هو الباء ، ذكر الصفدي في مقدمة (الوافي بالوفيات) كيفية ضبط حروف المعجم ، فقال : (قالوا : "الباء الموحدة"، وبعضهم يقول : "الباء ثاني الحروف" ، و"التاء المثناة من فوق" ، لئلا يحصل الشبه بالياء ، فإنها مثناة ، ولكنها من تحت ، وبعضهم قال : "ثالث الحروف" ----) ؛ وانظر (الإعجام) و (علامات الإهمال) .

407. الثاء المثلثة :

اسم احترازي لرابع حروف المعجم، أعني التاء ، وإنما ضبطت بهذا الوصف (المثلثة) والذي معناه أنها ذات ثلاث نقط من فوقها، لتمييزها عن الموحدة التحتية وهي الباء ، وعن المثناة الفوقية وهي التاء، وعن المثناة التحتية، وهي الياء .

408. الثابت :

الثابت من الأحاديث هو الحديث المقبول المحتج به ، سواء كان صحيحاً ، أو حسناً ، عند من يحتج بالحسن ، وهم المتأخرون إلا قليلاً ، وقليل من المتقدمين أحياناً.

وانظر (ثبتَ) .

409. الثبَتُ :

أي الثبات والحجة ؛ قال الإمام البخاري في (صحيحه) (1412) في (باب : العشر فيما يسقي من ماء السماء، وبالماء الجاري) : (حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً، العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر).

ثم قال البخاري: (هذا تفسير الأول، لأنه لم يوقت في الأول، يعني حديث ابن عمر (وفيما سقت السماء العشر) ؛ وبين في هذا ووقَّت، والزيادة مقبولة، والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبت، كما روى الفضل ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة، وقال بلال: قد صلى، فأخذ بقول بلال، وترك قول الفضل).

قال ابن حجر في (الفتح) : (قوله "والزيادة مقبولةٌ" أي من الحافظ ، والثبت بتحريك الموحدة : الثبات والحجة ؛ قوله "والمفسر يقضي على المبهم" أي الخاص يقضي على العام). انتهى.

وقال الحاكم في (معرفة علوم الحديث) (ص14) : (ذكر النوع الثالث من أنواع علم الحديث : النوع الثالث من هذا العلم معرفة صدق المحدث وإتقانه وثبته وصحة أصوله وما يحتمله سنه ورحلته من الأسانيد وغير ذلك من غفلته وتهاونه بنفسه وعلمه وأصوله).

فقد أراد بقوله (ثبته) أي وثاقته .

وقال السخاوي في (فتح المغيث) (2/111) في شرح كلمة (ثبْت) : (بسكون الموحدة : الثابت القلب واللسان والكتاب ، الحجة ؛ وأما بالفتح : فما يُثْبِتُ فيه المحدث مسموعه ، مع أسماء المشاركين له ، فيه، لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره).

وقال اللكنوي في (فهرس الفهارس) (1/68) : (وقال الشمس محمد بن الطيب الشرقي في حواشيه على (القاموس) : استعملوا الثبَت بالفتح والتحريك في الفهرسة التي يجمع فيها المحدث مروياته وأشياخه ، كأنه أُخذ من الحجة ، لأن أسانيده وشيوخه حجة له ، وشاع ذكره ، وذكره كثير من المحدثين وغيرهم ولم يتعرض له المصنف .

وقال فيها أيضاً : وأما إطلاق الثبَت على الكتاب الذي يجمع فيه المحدث مشيخته ويثبت فيه أسانيده ومروياته وقراءته على أشياخه المصنفات ونحو ذلك فهو اصطلاح حادث للمحدثين ، ويمكن تخريجه على المجاز أيضاً لأن (فَعَل) بمعنى مفعول ، أو مفعولٌ فيه كثير جداً .

ونحوه في تاج العروس ، انظر مادة (ثبت) .

وفي كناشة العلامة حامد العمادي الدمشقي نقلاً عن شيخه الشيخ عبد الكريم الحلبي الشهير بالشراباتي صاحب الثبت المشهور قال : الثبت بالثاء المثلثة وسكون الموحدة الثقة العدل ، وبفتح الموحدة هو ما يجمع مرويات الشيخ). انتهى كلام الكتاني .

410. الَّثبْتُ :

الثَّبْتُ ، بسكون الباء : هو الثقة والحجة ، وكأن الكلمة بهذا المعنى مأخوذة من ثبات القلب واللسان والكتاب والحجة ؛ انظر (الثبَتُ) .

411. ثبَتَ :

أي صحَّ، أو ورد بإسناد صحيح أو حسن من غير علة قادحة ؛ والثابت عند المتأخرين هو الصحيح والحسن ، وأما عند المتقدمين فهو الصحيح وبعض ما يحسنه المتأخرون .

412. ثبَّتَ الحديث :

أي صححه وحكم له بالثبوت ؛ قال الدارمي في (تاريخه عن ابن معين) (ص243) (952) : (وسمعت يحيى وسئل عن الرجل يُلقي الرجل الضعيف من بين ثقتين ، يوصل الحديث ثقة عن ثقة ، ويقول: أنقص من الحديث وأصل ثقة عن ثقة يحسن الحديث بذلك؟ فقال: لا يفعل ، لعل الحديث عن كذاب ليس بشيء فإذا هو قد حسَّنه وثبَّته ، ولكن يحدث به كما روي ؛ قال عثمان [هو الدارمي] : وكان الأعمش ربما فعل ذلك).

413. ثبت رضا :

انظر (ثبت) و(رضا) .

414. ثبتت عدالته :

معنى قولهم (فلان ثبتت عدالته) أنه انتهى التحقيق إلى ترجيح كونه عدلاً ضابطاً ترجيحاً بيناً .

ومن كان كذلك، فكل من ادعى في حقه خلافَ ذلك فلا يقبل قوله إلا إذا أتى عليه بأدلة تقاوم الأدلة التي ثبتت بها عدالة ذلك الراوي وتوهنها .

قال العلامة المعلمي رحمه الله في (التنكيل) (ص265-268) تحت هذه الترجمة (قولهم : من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا ----) :

(---- وفي "فتح المغيث" للسخاوي (ص130) عن محمد بن نصر المروزي : "كل من ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك بأمر لا يحتمل أن يكون غير جرحة".

وفي ترجمة عكرمة من (مقدمة فتح الباري) عن ابن جرير : "من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح ، وما تسقط العدالة بالظن وبقول فلان لمولاه : لا تكذب علي ، وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجَّهه إليه أهل الغباوة " .

وقال ابن عبد البر : "الصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يُلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة " .

قال السخاوي في (فتح المغيث) [2/30] : "ليس المراد إقامة بينة على جرحه ، بل المعنى أنه يستند في جرحه إلى ما يستند إليه الشاهد في شهادته ، وهو المشاهدة ونحوها " .

قد يقال : إن كان المراد بثبوت العدالة أن يتقدم التعديل والحكم به والعمل بحسبه على الجرح ، فهذا إنما يكثر في الشهود ؛ وإن كان المراد بثبوتها حصول تعديل على أي حال كان ، فهذا لا وجه له ، فقد تقدم في القاعدة السادسة ما يعلم منه أن التعديل يتفاوت ، ويحتمل كثير منه الخلل كما يحتمله الجرح الذي لم يشرح كل الشرح أو أشد ، ومن تتبع صنيع أهل العلم تبين له أنهم كثيراً ما يقدمون الجرح الذي لم يشرح كل الشرح على التوثيق ، كما في حال ابراهيم بن أبي يحيى والواقدي وغيرهما ؛ وكثيراً ما يقع للبخاري وغيره القدح فيمن لم يدركوه وقد سبق أن عدله معدل أو أكثر ، ولم يسبق أن جرحه أحد .

فأقول : الذي يتحرر أن للعدالة جهتين :

الأولى : استقامة السيرة وثبوت هذا بالنظر إلى هذه القاعدة تظهر فيمن تظهر عدالته [كذا] ويعدل تعديلاً معتمداً وتمضي مدة ثم يجرح ؛ فأما ما عدا ذلك فالمدار على الترجيح ، وقد مر في القاعدة السابقة .

الجهة الثانية : استقامة الرواية ، وهذا يثبت عند المحدث بتتبعه أحاديث الراوي واعتبارها وتَبَيُّنِ أنها كلها مستقيمة تدل على أن الراوي كان من أهل الصدق والأمانة ؛ وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا لكن إذا كان القادحون في الراوي قد نصوا على ما أنكروه من حديثه بحيث ظهر أن ما عدا ذلك من حديثه مستقيم فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث ؛ فإذا تبين أن لها مخارج قوية تدفع التهمة عن الراوي فقد ثبتت استقامة روايته .

وقد حاولت العمل بهذا في بعض الآتين في قسم التراجم كالحارث بن عمير والهيثم بن جميل .

فاما ما عدا هذا [أي الصنف المذكور] فإننا نحتاج إلى الترجيح ؛ فقد يترجح عندنا استقامة رواية الرجل باحتجاج البخاري به في "صحيحه" لظهور أن البخاري إنما احتج به بعد أن تتبع أحاديثه وسبرها وتبين له استقامتها ، وقد علمنا مكانة البخاري وسعة اطلاعه ونفوذ نظره وشدة احتياطه في "صحيحه" ، وقس على ذلك ، وراجع ما تقدم في القواعد السابقة ؛ والله الموفق).

415. ثبَّتني فيه فلان :

هذه الكلمة من العبارات التي دارت على ألسنة الرواة قديماً فترى الراوي يقول في بعض مروياته: (حدثني زيد وثبّتني فيه عمرو) ثم يسوق الحديث ، أو يقول عند بعض المواضع من حديثه : (شككتُ في كذا فثبتني فيه فلان) ، ومفاد كل واحدة من هاتين العبارتين أن قائلها تحمل الحديث من بعض شيوخه ثم شك في شيء من متنه أو إسناده ، أو نسيه ، فسأل عن ذلك بعض مَن يثق به ممن شاركه في سماع ذلك الحديث من ذلك الشيخ فأخبره بما عنده ، فحدث به هو على هذه الكيفية المذكورة .

مثال ذلك ما قاله أبو داود رحمه الله إذ قال في (سننه) : (باب الرجل يخطب على قوس) :

(1096- حدثنا سعيد بن منصور ثنا شهاب بن خراش حدثني شعيب بن رزيق الطائفي قال : (جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الحكم بن حزن الكلفي فأنشأ يحدثنا قال وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ، أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه ، فقلنا : يا رسول الله زرناك فادع الله لنا بخير ؛ فأمر بنا أو أمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون ؛ فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام متوكئاً على عصا ، أو قوس ، فحمد الله وأثنى عليه ، كلمات خفيفات طيبات مباركات ، ثم قال : أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به ولكن سددوا وأبشروا).

قال أبو علي [هو راوية سنن أبي داود : محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي] : سمعت أبا داود قال : ثبتني في شيء منه بعضُ أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس).

قال في (عون المعبود) (3/313) في شرح كلام أبي داود هذا : (ثبتني : من التثبيت ، أي ذكَّرني بعد أن غاب عني أو شككت فيه ----) إلى آخره.

وقال ابن الصلاح في (مقدمته) (ص253) في فروع (النوع السادس والعشرين):

(العاشر : إذا كان الإصلاح بزيادة شيء قد سقط ، فإن لم يكن في ذلك مغايرة في المعنى فالأمر فيه على ما سبق ؛ وذلك كنحو ما رُوي عن مالك رضي الله عنه أنه قيل له: أرأيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد؟ فقال: " أرجو أن يكون خفيفاً ".

وإن كان الإصلاح بالزيادة يشتمل على معنى مغاير لما وقع في الأصل تأكَّدَ فيه الحكمُ بأنه يذكر ما في الأصل مقروناً بالتنبيه على ما سقط ليسلم من معرة الخطأ ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل ؛ حدث أبو نعيم الفضل بن دُكين عن شيخ له بحديث قال فيه : "عن بُحَيْنَةَ" ، فقال أبو نعيم: "إنما هو ابن بحينة ، ولكنه قال: بحينة " .

وإذا كان مَن دُوْنَ موضع الكلام الساقط معلوماً أنه قد أتى به وإنما أسقطه مَن بعده ، ففيه وجه آخر ، وهو أن يُلحق الساقط في موضعه من الكتاب ، مع كلمة (يعني) ، كما فعل الخطيب الحافظ إذ روى عن أبي عمر ابن مهدي عن القاضي المحاملي بإسناده ، عن عروة عن عمرة بنت عبد الرحمن يعني عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدني إليَّ رأسَه فأرَجِّلُه ؛ قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي "عن عمرة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إليَّ رأسه " ، فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد ؛ وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه ، وإنما سقط من كتاب شيخنا أبي عمر؛ وقلنا فيه : "يعني عن عائشة رضي الله عنها" ، لأجل أن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك ؛ وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا .

ثم ذكر بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: سمعت وكيعاً يقول: أنا أستعين في الحديث بـ(يعني).

قلت : وهذا إذا كان شيخه قد رواه له على الخطأ ؛ فأما إذا وجد ذلك في كتابه وغلب على ظنه أن ذلك من الكتاب لا من شيخه ، فيتجه ههنا إصلاح ذلك في كتابه وفي روايته عند تحديثه به ، معاً؛ ذكر أبو داود أنه قال لأحمد بن حنبل: وجدت في كتابي "حجاج عن جريج عن أبي الزبير" يجوز لي أن أصلحه (ابن جريج)؟ فقال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به.

وهذا من قَبيل ما إذا درس من كتابه بعضُ الإسناد أو المتن فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط من كتابه ، وإن كان في المحدثين من لا يستجيز ذلك ؛ وممن فعل ذلك نعيم بن حماد فيما رُوي عن يحيى بن معين عنه؛ قال الخطيب الحافظ: ولو بين ذلك في حال الرواية كان أولى.

وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو مِن حفظه، وذلك مروي عن غير واحد من أهل الحديث، منهم عاصم وأبو عوانة، وأحمد بن حنبل .

وكان بعضهم يبين ما ثبَّته فيه غيرُه فيقول: "حدثنا فلان وثبتني فلان" ؛ كما روي عن يزيد بن هارون أنه قال: أخبرنا عاصم ، وثبتني شعبة ، عن عبد الله بن سَرْجِس.

وهكذا الأمر فيما إذا وجد في أصل كتابه كلمة من غريب العربية أو غيرها غير مقيدة وأشكلت عليه فجائز أن يسأل عنها أهل العم ويرويها على ما يخبرونه به ؛ رُوي مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهما ، رضي الله عنهم ؛ والله أعلم) . انتهى كلام ابن الصلاح.

وهذا النوع من الإستثبات لا يكون في الأحاديث وحدها ، بل يكون في أسماء الرجال وتراجمهم ونحوها؛ تجد أمثلة ذلك في كتب الائتلاف والاختلاف ، كـ(الاكمال) و (تهذيب مستمر الأوهام) كلاهما لابن ماكولا و(تكملة الاكمال) لابن نقطة البغدادي.

ومثلُ قولِهم (ثبتني) قولُهم (أفهمني) ؛ قال البخاري في (صحيحه) : في (باب قول الله تعالى : واجتنبوا قول الزور) :

(5710- حدثنا أحمد بن يونس حدثنا بن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ؛ قال أحمد : أفهمني رجلٌ إسناده).

قال ابن حجر في (فتح الباري) (10/474) : (وقوله هنا في آخره "قال أحمد : أفهمني رجل إسناده" : أحمد هو ابن يونس المذكور والمعنى أنه لما سمع الحديث من بن أبي ذئب لم يتيقن إسناده من لفظ شيخه ، فأفهمه إياه رجل كان معه في المجلس .

وقد خالف أبو داود رواية البخاري فأخرج الحديث المذكور عن أحمد بن يونس هذا ، لكن قال في آخره : قال أحمد : فهمت إسناده من ابن أبي ذئب وأفهمني الحديث رجل إلى ابن أخيه ؛ وهكذا أخرجه الإسماعيلي عن إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس .

وهذا عكس ما ذكره البخاري ، فإن مقتضى روايته أن المتن فهمه أحمد من شيخه ولم يفهم الإسناد منه ، بخلاف ما قال أبو داود وإبراهيم بن شريك؛ فيُحمل على أن أحمد بن يونس حدث به على الوجهين .

وخبط الكرماني هنا فقال : "قال أفهمني : أي كنت نسيت هذا الإسناد فذكرني رجل إسناده " ؛ ووجه الخبط نسبته إلى أحمد بن يونس نسيان الإسناد وأن التذكير وقع له من الرجل بعد ذلك ؛ وليس كذلك ؛ بل أراد أنه لما سمعه من ابن أبي ذئب خفي عنه بعض لفظه، أما على رواية البخاري فمن الإسناد ، وأما على رواية أبي داود فمن المتن ، وكان الرجل بجنبه فكأنه استفهمه عما خفي عليه منه فأفهمه ، فلما كان بعد ذلك وتصدى للتحديث به أخبر بالواقع ولم يستجز أن يسنده عن ابن أبي ذئب بغير بيان .

وقد وقع مثل ذلك لكثير من المحدثين ؛ وعقد الخطيب لذلك باباً في كتاب (الكفاية) .

وانظر إلى قوله (أفهمني رجل إلى جنبه) أي إلى جنب ابن أبي ذئب ثم قال الكرماني وأراد رجل عظيم والتنوين يدل عليه والغرض مدح شيخه ابن أبي ذئب أو رجل آخر غيره أفهمني اهـ.

ولم يتعين أنه تعظيم للرجل الذي أفهمه من مجرد قول رجل بل الذي فيه أنه إما نسي اسمه فعبر عنه برجل أو كنى عن اسمه عمداً، وأما مدح شيخه فليس في السياق ما يقتضيه). انتهى.

وقال البخاري في (صحيحه) (5907- حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه ، فجاء فقال : قوموا إلى سيدكم ، أو قال : خيركم فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : هؤلاء نزلوا على حكمك ؛ قال : فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ؛ فقال : لقد حكمت بما حكم به الملك.

قال أبو عبد الله [هو البخاري] : أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد من قول أبي سعيد على حكمك).

قال ابن حجر في (تغليق التعليق) (5/128-129) : (يحتمل أن يكون أراد ببعض أصحابه محمد بن سعد صاحب (الطبقات) فإنه رواه في ترجمة سعد عن أبي الوليد هشام بن عبدالملك وقع من رواية غيره قال البيهقي في (شعب الإيمان) أنا أبو عبدالله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا محمد بن أيوب أخبرني أبو الوليد ثنا شعبة ----) الحديثَ.

وقال أبو داود في (سننه) (1/164) : (603- حدثنا سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم المعنى عن وهيب عن مصعب بن محمد عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الامام ليأتم به ، فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر ----) الحديثَ؛ قال أبو داود عقبه : (اللهم ربنا لك الحمد أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان).

قال صاحب (عون المعبود) (2/221) في شرح هذه الجملة : (مراد المؤلف أنه روى هذا الحديث عن سليمان بن حرب وسمع من لفظه لكن جملة اللهم ربنا لك الحمد ما سمعـ[ـها] من لفظ الشيخ، أو سمعـ[ـها] ولكن لم يفهم فأفهمه بعض أصحابه، أي رفقائه وأخبر أبا داود بلفظ الشيخ ؛ وهذا يدل على كمال الاحتياط والاتقان على أداء لفظ الحديث).

تنبيه : بعض المحدثين كان إذا وقع له من الأحاديث ما يحتاج فيه إلى التثبيت رواه مرتين : أي رواه مرة ، عالياً ، عن شيخه الأول ؛ ومرة نازلاً عن الذي ثبته فيه .

ولهذا ترى بعض النقاد يحملون أحياناً ما يجدونه من رواية الراوي الحديث عن شيخه مرتين إحداهما بلا واسطة والأخرى بواسطة، مع تصريحه بالسماع في الروايتين ، على هذا المعنى ، أعني التثبيت.

فائدة :

هذا الحمل المتقدم ذكره هو إحدى طرقهم في الجمع بين الروايتين ، وفيها قبول الروايتين بل توحيدهما؛ وثَمَّ طرق أخرى :

فالطريقة الثانية - وفيها جمع أيضاً - أن يقال : سمعه أولاً نازلاً ، ثم لقي شيخ شيخه في تلك الرواية النازلة فرواه عنه عالياً ، أي بلا واسطة .

والطريقة الثالثة : أن يقال : اضطرب فيه .

والطريقة الرابعة : أن يرويه مرة مدلّساً ، ومرة غير مدلس؛ وهذه الطريقة لا تصلح إلا في حق المدلسين.

والطريقة الخامسة : أن يرويه عن شيخ اختلط بأخرة، ثم يعود فيسمعه ممن سمعه من ذلك الشيخ قبل اختلاطه، فيرويه عنه نازلاً؛ وهنا يكون النزول أفضل من العلو.

فهذه خمس طرق للجمع بين الروايتين ، ومعلوم أنه لا بد لمن اختار واحدة منها في موضع من المواضع أن تكون أدلتها هي الأرجح .

416. ثقة :

تعني كلمة (الثقة) عند جمهور المحدثين العدل الضابط التام الضبط ، ويصفون حديث من يوصف بها بأنه حديث صحيح في حالة اجتماع بقية شروط التصحيح المقررة في موضعها .

والثقة ليس معصوماً من الخطأ ، ولكنه راوٍ يندر خطؤه ؛ قال الذهبي في (الموقظة) (ص37) : (وليس مِن حدِّ الثقة أنه لا يغلط ولا يخطئ ، فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يُقَرّ على خطأ ؟ ) .

هذا اصطلاح جمهورهم في لفظة (الثقة) ، ولكن من النقاد من لا يقتصر في استعماله لهذه الكلمة على العدول الضابطين ، بل يستعملها أيضاً في وصف الصدوق عند الجمهور ، وهو العدل الضابط الذي خف ضبطه ، أعني راوي الحديث الحسن عند المتنأخرين ؛ شأنَ من لا يفرق بين الحديث الصحيح والحسن ويصف كِلا النوعين بالصحة ؛ بل كان جماعة من المتقدمين ربما يطلقون كلمة ثقة لا يريدون بها أكثر من ان الراوي لا يتعمد الكذب ، يدل على ذلك أمور منها أن جماعة يجمعون بينها وبين عبارات التضعيف في سياق واحد .

والحاصل أن كلمة (ثقة) معناها المعروف التوثيق التام ، وقد تصرف عن هذا المعنى ولكن لا تصرف عنه إلا بدليل .

قال العلامة المعلمي اليماني في أول كتابه (الاستبصار في نقد الأخبار) : (فإن منهم من لا يطلق " ثقة " إلا على من كان في الدرجة العليا من العدالة والضبط.

ومنهم من يطلقها على كل عدل ضابط وإن لم يكن في الدرجة العليا.

ومنهم من يطلقها على العدل وإن لم يكن ضابطاً.

ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً و احداً قد تُوبع عليه.

ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً له شاهد.

ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثاً لم يستنكره هو.

ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى عنه ثقة.

إلى غير ذلك مما يأتي ـ إن شاء الله تعالى).

وقال رحمه الله في (التنكيل) (1/71-75 – دار الكتب السلفية) في ثنايا توجيهه لمن أراد البحث في أحوال الرواة :

(ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه، مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة ، واختلاف الرواية عنه في بعضهم ، مع مقارنة كلامه بكلام غيره ، فقد عرفنا في الأمر السابق رأي بعض من يوثق المجاهيل من القدماء إذا وجد حديث الراوي منهم مستقيماً ، ولو كان حديثاً واحداً لم يروه عن ذاك المجهول إلا واحد، فإن شئت فاجعل هذا رأياً لأولئك الأئمة كابن معين ، وإن شئت فاجعله اصطلاحاً في كلمة (ثقة) كأن يراد بها استقامة ما بلغ الموثِّق من حديث الراوي ، لا الحكم للراوي نفسه بأنه في نفسه بتلك المنزلة .

وقد اختلف كلام ابن معين في جماعة ، يوثق أحدهم تارة ويضعفه أخرى ، منهم ----.

وجاء عنه توثيق جماعة ضعفهم الأكثرون ، منهم---- .

وهذا يُشعر بأن ابن معين كان ربما يطلق كلمة (ثقة) لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب .

وقد يقول ابن معين في الراوي مرة (ليس بثقة) ومرة (ثقة) أو (لا بأس به) أو نحو ذلك (راجع تراجم جعفر بن ميمون التميمي، وزكريا بن منظور، ونوح بن جابر)؛ وربما يقول في الراوي : (ليس بثقة) ويوثقه غيرُه (راجع تراجم عاصم بن علي وفليح بن سليمان وابنه محمد بن فليح ومحمد بن كثير العبدي) .

وهذا قد يُشعر بأن ابن معين قد يُطلق كلمة (ليس بثقة) على معنى أن الراوي ليس بحيث يقال فيه : (ثقة) على المعنى المشهور لكلمة (ثقة) .

فأما استعمال كلمة (ثقة) على ما هو دون معناها المشهور فيدل عليه مع ما تقدم أن جماعة يجمعون بينها وبين التضعيف ----.

وأما كلمة (ليس بثقة) فقد روى بشر بن عمر عن مالك إطلاقها في جماعة منهم صالح مولى التوءمة وشعبة مولى ابن عباس .

وفي ترجمة مالك من (تقدمة الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم عن يحيى القطان أنه سأل مالكاً عن صالح هذا ؟ فقال : (لم يكن من القراء) وسأله عن شعبة هذا فقال : (لم يكن من القراء) .

فأما صالح فأثنى عليه أحمد وابن معين ، وذكر أنه اختلط بأخرة ، وأن مالكاً إنما أدركه بعد الاختلاط .

وأما شعبة مولى ابن عباس فقال أحمد : (ما أرى به بأساً) وكذا قال ابن معين ، وقال البخاري : (يتكلم فيه مالك ويُحْتَمل منه) .

قال ابن حجر : (قال أبو الحسن ابن القطان الفاسي : قوله "ويحتمل منهُ" يعني من شعبة ، وليس هو ممن يُترك حديثه ، قال : ومالك لم يضعفه ، وإنما شح عليه بلفظة ثقة . قلت : هذا التأويل غير شائع ، بل لفظة (ليس بثقة) في الاصطلاح توجب الضعف الشديد ، وقد قال ابن حبان : روى عن ابن عباس ما لا أصل له ، حتى كأنه ابن عباس آخر) .

أقول : ابنُ حبان كثيراً ما يهوِّل مثلَ هذا التهويلِ في غير محله كما يأتي في ترجمته وترجمة محمد بن الفضل من (قسم التراجم) [أي من التنكيل] .

وكلمة (ليس بثقة) حقيقتها اللغوية نَفْيُ أن يكون بحيث يقال له : (ثقة) ولا مانع من استعمالها بهذا المعنى وقد ذكرها الخطيب في (الكفاية) في أمثلة الجرح غير المفسر ، واقتصار مالك في رواية يحيى القطان على قوله (لم يكن من القراء) يُشعر بأنه أراد هذا المعنى .

نعم إذا قيل : (ليس بثقة ولا مأمون) تعين الجرح شديد ، وإن اقتصر على (ليس بثقة) فالمتبادر جرح شديد ، ولكن إذا كان هناك ما يُشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حملت عليه .

وهكذا كلمة (ثقة) معناها المعروف التوثيق التام ، فلا تصرف عنه إلا بدليل ، إما قرينة لفظية كقول يعقوب : (ضعيف الحديث وهو ثقة صدوق) وبقية الأمثلة السابقة ، وإما حالية منقولة أو مستدل عليها بكلمة أخرى عن قائلها - كما مر في الأمر السابع عن (لسان الميزان) - ، أو عن غيره ، ولا سيما إذا كانوا هم الأكثر). انتهى.

وقال عبد الله بن يوسف الجديع في (التحرير) (2/570) : (قولهم "ثقة " ، ويشبهها " متقن "، و " ثبت " : هذه اللفظة إذا صدرت من ناقد عارف كمن وصفنا ، فإنها تعني أن الموصوف بها صحيح الحديث ، يكتب حديثه ويحتج به في الانفراد والاجتماع.

قال أبو زرعة الرازي في حصين بن عبد الرحمن السلمي : "ثقةٌ" ، فقال ابن أبي حاتم : يحتج بحديثه ؟ قال : " إي ، والله ").

لكنهم إذا اختلفوا فلاحِظْ أن لفظ (ثقة) يمكن أن يجامع اللِّين اليسير الذي لا يضعَّف به الراوي ، وإنما قد ينزل بحديثه إلى مرتبة الحسن ، كقول علي بن المديني في أيمن بن نابل : " كان ثقة ، وليس بالقوي " ، وقول يعقوب بن سفيان في الأجلح بن عبد الله الكندي : " ثقة ، في حديثه لين" ، وفي فراس بن يحيى : " في حديثه لين ، وهو ثقة " .

كما أنه قد يجامع الضعف الذي يُبْقي الراوي في إطار من يعتبر بحديثه ، مثل قول يعقوب بن شيبة في علي بن زيد بن جدعان : " ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو".

وإدراك هذا يُعِين على الإجابة عن تعارض ظاهر في العبارات المنقولة عن الناقد المعين ، ويَكثُر مِثلُه عن يحيى بن معين ، حيث تختلف عنه الروايات في شأن بعض الرواة جرحاً وتعديلاً، كما يعين على الإجابة كذلك عن تعارض يقع بين عبارات النقاد في الراوي المعين) ؛ وانظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .

417. ثقة أجمعت الأمة على الاحتجاج به :

معناها واضح ، وهي من أعلى عبارات التوثيق التام .

418. ثقة إن شاء الله :

من وثق راوياً ثم استثنى كما في هذه العبارة فالظاهر أنه لم يخبره جيداً أو أنه عنده بعض التردد فيه ، وأنا أميل إلى أن مثل هذه اللفظة يكون صاحبها حسن الحديث لأني أراها مقاربة لكلمة (صدوق) .

419. ثقة بإجماع :

أي لم يخالف أحد من النقاد في توثيقه .

420. ثقة بلا ثُنيا :

أي بلا استثناء ولا تردد .

421. ثقة بلا مدافعة :

أي لا يوجد ما يدفع توثيقه .

422. ثقة بلا نزاع :

أي بلا اختلاف بين النقاد في توثيقه .

423. ثقة ثبت :

أي ثقة مؤكد التوثيق ، انظر (ثقة ثقة ثقة) و(ثقة) و (ثبت) .

424. ثقة ثقة :

أي ثقة مؤكد توثيقه .

425. ثقة ثقة ثقة :

أي ثقة مؤكَّدٌ توثيقُه جداً ؛ فهذه العبارة تستعمل لتوكيد توثيق الراوي وبيان علو مرتبته بين الثقات ؛ وكلما كرر الناقد كلمة التوثيق التام أكثر – سواء كان ذلك بلفظها أو بمعناها - كان ذلك أعلى في رتبة الراوي الثقة الذي قالها فيه ؛ فما زاد عن مرتين مثلاً يكون أعلى منها ؛ قال السخاوي في (فتح المغيث) (2/111) في تعليل هذا المعنى وبيانِه : (لأن التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زياده على الكلام الخالي منه ؛ وعلى هذا فما زاد على مرتين مثلاً يكون أعلى منها ، كقول ابن سعد في شعبة : ثقه مأمون ثبت حجة صاحب حديث ) ؛ ثم قال السخاوي : (وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك قول ابن عيينة : حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقة ثقة ، تسع مرات ؛ وكأنه سكت لانقطاع نفسه) .

وقال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (1/49) : (نا محمد بن سعيد المقرىء سمعت عبد الرحمن بن الحكم بن بشير يذكر عن ابن عيينة قال: نا عمرو بن دينار وكان ثقة ثقة ثقة ، وحديثاً أسمعه من عمرو أحب إليّ من عشرين من غيره).

426. ثقة حافظ :

انظر (ثقة) و(حافظ) .

427. ثقة ربما أخطأ :

أي ثقة يخطئ أحياناً قليلة ؛ وانظر (ثقة ربما أغرب) .

428. ثقة ربما أغرب :

لا ينبغي أن يهدر قول ابن حبان أو غيره من النقاد في الراوي الذي يوثقه : (ربما أغرب) ، أو (يُغرب) ، وذلك لأن الناقد يعلم أن كل الثقات أو أكثرهم ربما يغربون أو يَهِمون ، فما كان ليختص بعضهم عند توثيقه له بهذه الزيادة أي (ربما أغرب) إلا لفائدة ؛ وهي - على ما يَظهر - الإشعارُ بأنه ليس من ذوي الإتقان الفائق ، وأنه إذا خالفه ثقة من الذين لم يعكّر صفو توثيقهم بهذه اللفظة أو نحوها فالأصل في حكم ذلك الاختلاف تقديمُ رواية ذلك الموثَّق توثيقاً تاماً أو مطلقاً ، أي العاري توثيقه عن تلك اللفظة .

ولكنَّ ابن حبان – والحق يقال – ربما تسرع فوصَفَ الراويَ الثقةَ بأنه يهم أو يُغرب ، بمجرد وقوفه على رواية واحدة له وجده واهماً فيها.

وانظر (النكت) لابن حجر (2/678) ، و (مقدمة الفتح) له (ص621) ترجمة مقدم بن محمد ، و (نتائج الأفكار) له (1/59) - طبعة بغداد ، و (التنكيل) للمعلمي اليماني (ص579 و 712) وترجمة علي بن صدقة في (التنكيل) أيضاً (1/366) ، وحاشية (الفوائد المجموعة) للمعلمي أيضاً (ص347 و 416 و 485 و 492) ، و (إتحاف النبيل) لأبي الحسن المأربي (1/89-90) ، و (تحرير التقريب) (1/47) .

ويتراءى لي أن معنى قولهم في الراوي : ( ثقة ربما أخطأ) قريب من معنى قول الجمهور : (صدوق) .

429. ثقة ربما وهم :

هي بمعنى (ثقة ربما أخطأ) وقريب من ذلك عبارة (ثقة ربما أغرب) ، فانظرهما.

430. ثقة روى عنه شعبة :

انظر (ثقة روى عنه مالك).

431. ثقة روى عنه مالك :

هذه العبارة تُشعر بأن مستند قائلها في توثيق من قالها فيه إنما هو رواية مالك عنه ، ويزداد هذا الاحتمال قوة إذا كان لذلك الراوي تلامذة آخرون غير مالك ، أو إذا لينه أو تكلم فيه بعض النقاد ، أو إذا كان قائل هذه العبارة قد صرح بأن مالكاً لا يروي إلا عن ثقة ، أو صرح غيره من النقاد المعتمدين عنده بتوثيقه شيوخ مالك لروايته عنهم ؛ قال السيوطي في (إسعاف المبطأ برجال الموطأ) (ص4) :

(قال أبو سعيد الأعرابي : كان يحيى بن معين يوثق الرجل لرواية مالك عنه ، سئل عن غير واحد فقال : ثقة روى عنه مالك) .

ويقال مثل هذا فيمن قال في الراوي : (ثقة روى عنه شعبة) أو (ثقة روى عنه يحيى بن سعيد القطان) أو ذكر غيرهما ممن ادُّعي فيه أنه لا يروي إلا عن ثقة ، ولا سيما إذا كان صاحب تلك الدعوى هو ذلك الناقد نفسه، أعني الذي قال : (ثقة روى عنه فلان).

432. ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو :

انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .

433. ثقة صدوق :

هذه العبارة قد تطلق على الراوي الثقة فيكون فيها معنى التوكيد لتوثيقه ؛ وقد يطلقها الناقد على من يتردد فيه بين مرتبتي الثقة والصدوق ، أو الذي يكون أحياناً ثقة وأحياناً أخرى صدوقاً ؛ ولعل التوسط في أمرها هو الأقرب ، فيكون معناها كمعنى (ثقة) ، إلا إذا قامت قرينة تقود إلى الأخذ بمعنى أعلى أو أدنى فيصار حينئذ إليها ؛ وانظر (ثقة) و(صدوق) و(صدوق ثقة) .

434. ثقة صدوق ليس بحجة :

انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .

435. ثقة صدوق وإلى الضعف ما هو :

انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .

436. ثقة صدوق وليس بالقوي في الحديث ولا بالساقط :

انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .

437. ثقة صدوق وفي حديثه اضطراب :

انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .

438. ثقة ، في حديثه لِين :

انظر (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط) .

439. ثقة في حفظه شيء :

هذا إنزال للراوي من درجة التوثيق التام إلى ما هو أقل منه ، وإن كان اسم الثقة غير منفك عنه.

وهذه العبارة تحتمل في الأصل ثلاثة معان :

أولها : أن الراوي ثقة له أوهام .

وثانيها : أنه ثقة خفيف الضبط أي أنه حسن الحديث ، بمعنى الحسن عند المتأخرين .

وثالثها : أنه عدل ولكنه سيء الحفظ .

وهذا الاحتمال الثالث أضعف من اللذَين قبله ؛ ولذا فأقل ما ينبغي أن يُحكم به لمن وصف بهذه العبارة هو أنه حسن الحديث .

440. ثقة في نفسه :

أي عدل غير متهم بما ينافي عدالته وصدقه ، وأما الضبط فلا تعرُّضَ له في هذه العبارة .

ولا تطلق هذه العبارة على من كان متروكاً بسبب فحش غلطه وكثرته ؛ ولكن قد تقال له مقرونة بما يدل على أن المراد نفي تهمته بالكذب وتعمدِ الخطأ.

وقد تطلق على الراوي الثقة، فيكون الذي اقتضى عدم الإطلاق - أعني عدم الاقتصار على لفظة (ثقة) - هو في الغالب أحد الأمور التالية :

أولها : أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً ، ولكنه مبتدع.

الثاني : أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً ، ولكنه كثير الرواية عن المجاهيل والضعفاء، أو تكثر روايتهم عنه، فغلب على أحاديثه الضعف والنكارة.

الثالث : أن يكون ثقة ولكنه ليس من المتقنين المتثبتين.

441. ثقة له أوهام :

هي بمعنى قولهم (ثقة يخطئ) ، فاظرها ، وانظر (ثقة ربما أخطأ) .

442. ثقة مطلقاً :

أي ثقة في كل شيوخه ، أو ثقة وثاقة تامة ؛ وانظر (مراتب التعديل والتجريح) : المرتبة الأولى منها، وانظر أيضاً (التوثيق المطلق).

443. ثقة وفاقاً :

أي ثقة باتفاق النقاد ؛ واتفاقهم على توثيق راو يصلح أن يُعدَّ توكيداً لتوثيقه ، أو قائماً مقام التوكيد ، ولا سيما إذا كان مكثراً وكثُر موثِّقوه ؛ وانظر (مراتب التعديل والتجريح) : المرتبة الأولى منها .

444. ثقة وفيه ضعف :

قال ابن حجر في (مقدمة فتح الباري) (ص422) : (ع عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي : أبو محمد البصري ، أحد الأثبات ، قال علي بن المديني : ليس في الدنيا كتاب عن يحيى بن سعيد الأنصاري أصح من كتاب عبد الوهاب ؛ ووثقه العجلي ويحيى بن معين وآخرون ؛ وقال ابن سعد : ثقة وفيه ضعف ؛ قلت : عنى بذلك ما نُقم عليه من الاختلاط ؛ قال عباس الدوري عن ابن معين : اختلط بآخرة ؛ وقال عقبة بن مكرم : واختلط قبل موته بثلاث سنين ؛ وقال عمرو بن علي : اختلط حتى كان لا يعقل .

قلت : احتج به الجماعة ولم يكثر البخاري عنه ؛ والظاهر أنه إنما أخرج له عمن سمع منه قبل اختلاطه ، كعمرو بن علي وغيره ؛ بل نقل العقيلي أنه لما اختلط حجبَه أهله فلم يرو في الاختلاط شيئاً ؛ والله أعلم) .

445. ثقة وليس بحجة :

انظر (حجة) .

446. ثقة وليس ممن يوصف بالضبط :

سبق الكلام تحت مصطلح (ثقة) على طريقة من يجمع بين كلمة (ثقة) وبعض الكلمات الأخرى التي ظاهرها – بحسب اصطلاح الجمهور – مخالف لظاهر كلمة ثقة .

وفيما يلي ثلاثة مباحث مختصرة دائرة حول هذه القضية :

المبحث الأول :

في اصطلاح يعقوب بن شيبة في قوله (ثقة) :

كان يعقوب بن شيبة ممن يخرج عن اصطلاح الجمهور في لفظة ثقة إذا قرنها بما هو أدنى منها.

فقد قال في محمد بن سابق كما في (هدي الساري) (ص 612): (ثقة وليس ممن يوصف بالضبط).

وقال في شريك بن عبد الله القاضي كما في (تهذيب التهذيب) (4/296): (صدوق ثقة سيء الحفظ جداً) .

وقال في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم كما في (تاريخ بغداد) (10/217) و (تهذيب الكمال) (17/106): (ضعيف الحديث ، وهو ثقة صدوق ، رجل صالح) .

وقال في الربيع بن صبيح كما في (تهذيب التهذيب): (صالح صدوق ثقة ضعيف جداً) .

وروى الخطيب في (تاريخ بغداد) (7/24) عن محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال : (حدثنا جدي قال : إسرائيل بن يونس صالح الحديث وفي حديثه لين) ؛ زاد الخطيب : (وقال [أي يعقوب] في موضع آخر : إسرائيل ثقة صدوق وليس بالقوي في الحديث ولا بالساقط).

وقال في سفيان بن حسين كما في (تاريخ بغداد) (9/151): (صدوق ثقة ، وفي حديثه ضعف).

وقال في عبد السلام بن حرب كما في (تهذيب التهذيب) (6/317): (ثقة ، في حديثه لِين).

وقال في محمد بن مسلم بن تدرس كما في (تهذيب الكمال) (26/408): (ثقة ، صدوق، وإلى الضعف ما هو).

وقال في علي بن زيد بن جدعان كما في (تهذيب الكمال) (20/438): (ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو).

وقال في عبد الكريم بن مالك الجزَريِّ كما في (تاريخ ابن عساكر) (36/466) : (إلى الضعف ما هو ، وهو صدوق ثقة ) .

وكذلك جمع يعقوب بين كلمة صدوق وبعض عبارات التضعيف ، كقوله في مندل بن علي كما في (تاريخ بغداد) (13/250) : (وأصحابنا يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم من نظرائهم يضعفونه في الحديث ، وكان خيراً فاضلاً صدوقاً وهو ضعيف الحديث وهو أقوى من أخيه في الحديث) .

وراجع تراجم إسحاق بن يحيى بن طلحة، ومؤمل بن إسماعيل، ويحيى بن أمان في (تاريخ بغداد) (14/123-124) و(تهذيب التهذيب) (1/245) و(هدي الساري) (ص603) وترجمة حماد بن سلمة في (شرح علل الترمذي) (2/781) .

وبهذا يُعلم أن توثيق يعقوب بن شيبة لبعض الرواة قد لا يكون دالاً على التوثيق المطلق المصطلح عليه عند جمهور المحدثين، ويتأكد ذلك ، أي عدم الدلالة ، عندما يقرن يعقوب بكلمة (ثقة) كلمة تليين أو تضعيف ؛ وانظر (إلى الضعف ما هو) .

وقال الشيخ عبد الله السعد (حفظه الله وبارك في علمه) عند كلامه على توثيق يعقوب بن شيبة لعبدالله بن عمر العمري : ( وأما توثيق يعقوب بن شيبة له ؛ فجوابه : أنَّ يعقوب لم يوثِّقه توثيقاً مطلقاً ؛ بل ليَّنه وأشار إلى ضعفه ؛ فقال : ثقة صدوق ، وفي حديثه اضطراب .

فذكر أنَّ في حديثه اضطراباً ، وأما قوله " ثقة ----" فلا يظهر أنه يقصد الثقة في الحديث ، وإنما يقصد الثقة في نفسه ؛ بدليل ما تقدَّم [ يعني : من بيان كون العمري ليس ثقة مطلقاً ] .

ولذلك قال عنه في روايةٍ أخرى : هو رجل صالحٌ ، مذكور بالعلم والصلاح ، وفي حديثه بعض الضعف والاضطراب ، ويزيد في الأسانيد كثيراً .

فبيَّن في هذه الرواية جلالته وفضله وصلاحه وأنَّ في حديثه بعض الضعف ، وأنه يزيد في الأسانيد كثيراً ، وهذا جرحٌ مفسَّرٌ .

وكثيراً ما يقرن يعقوب بن شيبة التوثيق مع التضعيف .

كقوله عن عبدالله بن محمد بن عقيل : صدوق ، وفي حديثه ضعف شديد .

وقال عن الربيع بن صبيح : رجلٌ صالحٌ ، صدوقٌ ، ثقةٌ ، ضعيفٌ جداً ) .

انتهى كلام الشيخ ، وقد نقلته من (ملتقى أهل الحديث) على الشبكة العالمية.

المبحث الثاني :

هذا مبحث آخر قد يظهر منه أن استعمال عثمان بن أبي شيبة للفظة (ثقة) ليس بعيداً في معناه منه عند يعقوب بن شيبة .

فقد وصف عثمان بن أبى شيبة بعضَ الرواة بلفظة (ثقة) ونفى عنهم كونهم حجة ، وكما في هذه العبارات التالية ، وهي لابن شاهين في كتابه ( تاريخ أسماء الثقات )، وقد سقتُها بأرقامها في ذلك الكتاب :

70- سئل عثمان بن أبي شيبة عن أشعث بن سوار، فقال: ثقة صدوق، قيل: هو حجة؟ قال: أما حجة فلا .

97 - أحمد بن يونس كان ثقة ليس بحجة ؛ قاله عثمان بن أبي شيبة.

982- عبد الرحمن بن سليمان : ثقة ، قاله يحيى ؛ وقال عثمان : هو ثقة صدوق ليس بحجة.

1124- فضيل بن عياض : قال عثمان : كان ثقة صدوقاً ليس بحجة.

1189- قال عثمان : ليث بن أبي سليم ثقة صدوق وليس بحجة.

1267- قال عثمان بن أبي شيبة: محمد بن الحسن الأسدي ثقة صدوق؛ قلت [كذا]: هو حجة ؟ قال: أما حجة فلا ؛ وهو ضعيف.

قال المحقق المدقق الفاضل أبو محمد الألفي في مشاركة له في بعض مطارحات ملتقى أهل الحديث عقب نقله ثلاثاً من العبارات السابقة :

(والنظر في معنى قوله هذا عن الثلاثة المذكورين ، وفيهم الثقتان النبيلان : فضيل وأحمد ، يدور على ثلاثة أنحاء :

( أولاً ) : لا ينبغى أن يؤخذ من تأويل هذا المصطلح توهين الإمام الثبت المتقن المأمون أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعى الكوفى شيخ الإسلام . وإليك ما قاله الحافظ الذهبى رداً على قول عثمان بن أبى شيبة عنه ( ثقة وليس بحجة ) :

قال الحافظ [الذهبي في] ( ميزان الإعتدال ) (8/34) : ( اليربوعي أوثق من عثمان . قال فيه أحمد بن حنبل : شيخ الإسلام . وقال أبو حاتم : كان ثقة متقناً . وقال النسائي : ثقة . وقال ابن سعد والعجلي : ثقة صدوق صاحب سنة . وقال الخليلي : ثقة متفق عليه . وقال ابن قانع : ثقة مأمون . وذكره ابن حبان في الثقات ) اهـ .

قلت : وقد احتفى البخاري ومسلم باليربوعي ، وهو في الطبقة الوسطى من شيوخهما ، فأخرج له البخاري في ( صحيحه ) سبعين حديثاً ، وأخرج له مسلم في ( صحيحه ) أربعة وخمسين حديثاً . وهو في الكوفيين كمسدد بن مسرهد في البصريين ، إلا أن مسدداً أكثر منه حديثاً ، ولذا أخرج له البخاري : ثلاثمئة واثنين وتسعين حديثاً ، فهو رأس المكثرين من شيوخ البخاري . وأما اليربوعي فكان ممن يقيم اللفظ ولا يروي بالمعنى ، وقد جهدت أن أجد لليربوعي وهماُ أو خطأً ، فلم أقف عليه .

( ثانياً ) : تأويل قولهم فلان حجَّة . قد بان لى من معاني الحجَّة عندهم :

(1) الذى ثبتت إمامته ، وذاعت شهرته ، وعرف فضله . وهذا معنىً واسع ، ولكنه غير شائع الاستعمال ، وربما يستعمله بعض المتساهلين من أئمة التعديل والتزكية ، كابن سعد . وهو واقع بكثرة في تراجم المتأخرين كالحافظ الذهبي في كتابيه ( سير الأعلام ) و ( تذكرة الحفاظ ) . قال ابن سعد : كان الحسن البصري جامعاً عالماً رفيعاً ثقة حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلا . وقال : كان أيوب السختياني ثقة ثبتاً في الحديث جامعاً كثير العلم حجة عدلا . وقال الذهبي : القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق الإمام القدوة الحافظ الحجة عالم وقته بالمدينة . وقال : عبد الرحمن بن أبي نعم الإمام الحجة القدوة الرباني أبو الحكم البجلي الكوفي . وهذا أكثر من أن يحصى .

(2) الحافظ الضابط المتقن . وهذا أشيع معانيه ، وربما اقتصر عليه الأكثر . سئل يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي فقال : ثقة وليس بحجة . وأصل ذلك أنه سئل عنه وعن موسى بن عبيدة الربذي : أيهما أحب إليك ؟ ، فقال هذا القول ، وإنما ذهب إلى أن ابن إسحاق أمثل وأوثق من موسى بن عبيدة الربذي ، وإن لم يكن ضابطاً متقناً كمالك وعبيد الله بن عمر في المدنيين .

(3) الذى يُرجع إليه عند الاختلاف ويؤخذ بقوله ، فهو كالقائم مقام الدليل والبرهان ، أو الذي تدفع به الخصومة . قال أبو زرعة الدمشقي: قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة ، فقلت له : محمد بن إسحاق منهم ؟ ، فقال : كان ثقة ، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وذكر قوماً آخرين .

وهذا من ألطف المعاني وأخفاها ، وإنما يستعمله المتشددون أمثال : عبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن سعيدٍ القطان ، وابن معين ، وأبي حاتم الرازي ؛ وعليه يتنزل قول عثمان بن أبي شيبة ، ومن طالع أحكامه على الرجال حكم من غير تردد أنه في عدادهم ، وإن وثق بعض الضعفاء .

(4) أن الحجة بالمعنى السابق ، ولكن مقروناً براوٍ ما أكثر الثقة ملازمته والأخذ عنه ، فكان الأضبط والأوثق والأحفظ لحديثه دون سائر أصحابه ؛ وذلك شبيهٌ بقولهم :

الثوري حجة في الأعمش على سائر أصحابه .

مالك حجة في الزهري على سائر أصحابه .

ابن عيينة حجة في عمرو ين دينار على سائر أصحابه .

حماد بن سلمة حجة في ثابت البناني على سائر أصحابه .

شعبة حجة في قتادة على سائر أصحابه .

إسرائيل حجة في أبي إسحاق على سائر أصحابه .

الأوزاعى حجة في يحيى بن أبي كثير على سائر أصحابه .

قال أبو حاتم الرازي : حماد بن سلمة في ثابتٍ وعلي بن زيد أحبّ إليَّ من همام ، وهو أضبط الناس وأعلمهم بحديثهما ، بيَّن خطأ الناس في حديثهما . وقال يحيى بن معين : من خالف حماد بن سلمة في ثابتٍ فالقول قول حماد ، وحماد أعلم الناس بثابتٍ .

ونزيدك إيضاحاً وبياناً ، لهذا المعنى ، بذكر هذا المثال -----: [ثم ذكر المثال وهو حديث خرّجه ، ثم قال في ختامه ]:

والخلاصـة ، فالحديث ثابت معروف من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن حبيب بن سبيعة عن الحارث عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والحكم فيه لحماد على هذا الجمع الكثير ، لا لهم ، لأنه الحجة في حديث ثابت .

( ثالثاً) : الجمع والتفريق بين ثقة وحجة ؛ إذا بانت لك معانى الحجة في كلامهم ، فلننظر الآن في الفرق بينه وبين الثقة ، ولنضرب له موعداً آخر ، فإن الكلام عليه طويل الذيل بعيد المرامي ؛ ونفعني الله وإياكم بما علمنا ، إنه نعم المولي ونعم النصير) ؛ انتهى كلامه وليته أتمه.

المبحث الثالث :

وهذا بحث ثالث في معنى كلمة (ثقة) عند ابن سعد صاحب (الطبقات) :

كان ابن سعد قد أكثر من استعمال كلمة (ثقة) بمعنى كلمة (عدل)، فمن أمثلة ذلك ما يلي :

1- قال ابن سعد في موسى بن عبيدة الربذي (تتمة الطبقات رقم 399): (وكان ثقة كثير الحديث وليس بحجة)؛ مع انه على ما قال محقق الكتاب مجمع على ضعفه وعدم الاحتجاج به!.

2- وقال في أسباط بن محمد بن عبد الرحمن كما في (تهذيب التهذيب) (1/211): (كان ثقة صدوقاً إلا أن فيه بعض الضعف).

3- وقال ابن حجر في الفصل التاسع من (مقدمة الفتح): (عمر بن نافع مولى ابن عمر، قال أبو حاتم: ليس به بأس، وكذا قال عباس الدوري عن ابن معين؛ وقال ابن عدي في ترجمته: حدثني ابن حماد عن عباس الدوري عن ابن معين قال: عمر بن نافع ليس حديثه بشيء، فوهم ابن عدي في ذلك؛ وإنما قال ابن معين ذلك في عمر بن نافع الثقفي؛ وقوله في هذا وفي هذا بيِّن في (تاريخ عباس).

وأما مولى ابن عمر فقال أحمد: هو من أوثق ولد نافع؛ ووثقه النسائي أيضاً وغيره؛ وقال ابن سعد: كان ثبتاً قليل الحديث، ولا يحتجون بحديثه؛ كذا قال وهو كلام متهافت كيف لا يحتجون به وهو ثبت). انتهى كلام ابن حجر.

4- وقال ابن سعد في جعفر بن سليمان الضبعي كما في (التنكيل) (ص259): (ثقة وبه ضعف).

5- وقال في راو آخر كما في (تهذيب الكمال) (5/15): (كان ثقة صدوقاً له رواية وفقه وفتوى في دهره، وكان كثير الخطأ في حديثه).

6- وقال في نافع بن عمر الجمحي كما في (الميزان) (4/241): (ثقة فيه شيء).

7- وقال في عاصم بن أبي النجود كما في (التنكيل) (ص654): (ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه).

8- وقال في سلمة بن وردان الليثي كما في (تهذيب التهذيب) (4/160): (وقد رأى عدة من الصحابة، وكان عنده أحاديث يسيرة، وكان ثبتاً فيها، ولا يحتج بحديثه، وبعضهم يستضعفه)؛ وكلمتا ثقة وثبت لهما عند الجمهور معنى واحد.

9- وقال في الإمام الجليل الثقة أبي إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد: كان ثقة فاضلاً صاحب سنة وغزو كثير الخطأ في حديثه.

وبعد هذه الأمثلة أنبه إلى أن في استعمال ابن سعد لكلمة (ثقة) احتمالين :

الأول : أنه كان يقصر استعماله لكلمة ثقة بمعنى العدل على المواضع التي يستعمل فيها هذه الكلمة مقترنة بغيرها من عبارات النقد وألفاظه، دون المواضع التي يستعمل فيها هذه الكلمة (ثقة) مجردة أي غير مقترنة بكلمة أخرى دالة على نقص ضبط الراوي أو سوء حفظه، وأنه إذا جردها ولم يقرن بها ما ينافي التوثيق التام فإنه – أي التوثيق التام - هو مراده بكلمة (ثقة).

الثاني : أنه يستعملها بالمعنى المذكور حيثما وردت وكيفما وردت، مطلقاً .

فليحقق ذلك؛ فإنه يحتاج إلى استقراء لاستعمالاته لكلمة ثقة مقرونة ومجردة، مع الدراسة والمقارنة وملاحظة الاحتمالات؛ وذلك يستغرق وقتاً غير قصير؛ والله الموفق.

وأما الخطيب البغدادي فقد يظهر للمتبع لأقواله أنه يتساهل في إطلاق لفظة (ثقة) على من يستحق أن يُقتصر في تعديله على نحو كلمة (صدوق) و(لا بأس به) ؛ ولكن الخطيب نفسه قال في (الكفاية) (ص 22): (أرفع العبارات أن يقال: حجة ، أو: ثقة) ؛ ففي هذا إيراد على القائلين بأن الخطيب عنده بعض التساهل في إطلاق لفظة (ثقة) ، وإن كان لا يلزم من عبارته السابقة تسويته بين اللفظتين ، ولا سيما أن الفرق بينهما بين الأئمة مشهور ، وقد أسند الخطيب نفسه في (تاريخه) (1/231-232) عن العباس بن محمد الدوري قال : سمعت يحيى بن معين يقول : (محمد بن إسحاق ثقة ولكنه ليس بحجة)؛ والله أعلم .

447. ثقة يخطئ :

هذه الكلمة يختلف معناها بحسب قائلها ومن قيلت فيه ومقامها ، فالمكثر جداً إذا قيل فيه : (يخطئ) ، فليس ذلك بضائره كثيراً ، بخلاف المقل فإنه إذا قيل فيه : (يخطئ) ، فربَّما كان ذلك دليلاً على ضعفه ووهنه أو تدل – في الأقل – على لِينه .

فممن قيلت فيه من الحفاظ المكثرين العلماء هو الحافظ البزار ، ولكنها لم تكد تؤثر في منزلته بين ثقات حفاظ الحديث ، فهذا بعض ترجمته من (تاريخ بغداد) (4/334) (2157) : (أحمد بن عمرو بن عبد الخالق أبو بكر العتكي المعروف بالبزاز من أهل البصرة ---- ؛ وكان ثقة حافظاً صنف (المسند) وتكلم على الأحاديث وبين عللها وقدم بغداد وحدث بها----.

أخبرنا عبد الغني بن سعيد الحافظ قال سمعت أبا يوسف يعقوب بن المبارك يقول: ما رأيت أنبل من البزاز ولا أحفظ .

حدثني علي بن محمد بن نصر قال : سمعت حمزة بن يوسف يقول: سألت الدارقطني عن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار فقال: "ثقة يخطئ كثيراً ويتكل على حفظه" .

وذكر الحاكم أبو عبد الله بن البيع أنه سمع الدارقطني يقول : "أحمد بن عمرو بن عبد الخالق يخطئ في الإسناد والمتن ، حدث بالمسند بمصر حفظاً ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه ولم تكن معه كتب ، فأخطأ في أحاديث كثيرة ، يتكلمون فيه ، جرحه أبو عبد الرحمن النَّسائي) .

448. ثقة يخطئ كما يخطئ الناس :

انظر (حجة) ، ثم قارن بمعنى (ثقة يخطئ).

449. ثقة يغرب :

انظر (ثقة ربما أغرب) .

450. الثلاثة :

أي سنن أبي داود والترمذي والنسائي .

451. ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير :

أسند الخطيب البغدادي في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (2/162) إلى الإمام أحمد قال : (ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير) .

قال الخطيب : (وهذا الكلام محمول على وجه ، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها لسوء أحوال مصنفيها وعدم عدالة ناقليها وزيادات القُصّاص فيها ؛ فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة ، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه مرضية وطرق واضحة جلية .

وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان).

ثم أسند إلى أحمد أنه سئل عن تفسير الكلبي فقال : من أوله إلى آخره كذب ، فقيل له : فيحل النظر فيه ؟ قال : لا . ثم ذكر الخطيب كذب مقاتل.

ثم قال : (ولا أعلم في التفسير كتاباً مصنفاً سلم من علة فيه أو عري من مطعن عليه) .

ثم قال :

(وأما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرفِ العناية إليها محمد بن إسحاق المطلبي ومحمد بن عمر الواقدي ؛ فأما ابن إسحاق فقد تقدمت منا الحكاية عنه أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم ويضمنها كتبه ؛ وروي عنه أيضاً أنه كان يدفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليلحقها بها----.

وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض وكلام أئمتهم فيه طويل عريض----). انتهى النقل عن الخطيب.

وانظر (لا أصل له).

452. الثلاثيات :

هي الأحاديث التي يكون بين منتهاها وهو النبي صلى الله عليه وسلم وبين مصنف الكتاب الذي أخرجها فيه : ثلاثة رواة ، وإذا أطلقت هذه اللفظة فالمراد بها الثلاثيات من المرفوعات دون غيرها من الموقوفات والمقاطيع .

قال الكتاني في (الرسالة المستطرفة في بيان مشهور كتب السنة المشرفة) (ص97-98) : (و "الثلاثيات" للبخاري ، وهي اثنان وعشرون ، جمعها الحافظ ابن حجر وغيره ، وشرحها غير واحد ؛ وأطول أسانيده تسعة ؛ ولمسلم خارج "صحيحه" ، لأنها ليست على شرطه ، وللترمذي في "جامعه" ، وهي حديث واحد ، وهو حديث أنس "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر" ، ولابن ماجه ، وهي خمسة أحاديث بسند واحد عن أنس لكن من طريق جبارة بن المغلس الحماني الكوفي ، وهو ضعيف ، عن كثير بن سليم الضبي ، وهو ضعيف أيضاً ، عن أنس ، رضي الله عنه ؛ وللدارمي في "سننه" وهي خمسة عشر حديثاً ، وللشافعي في "مسنده" وغيره من حديث وهي جملة أحاديث ، ولأحمد في "مسنده" ، وهي ثلاثمئة وسبعة وثلاثون حديثاً على ما في "عقود اللئالي في الأسانيد العوالي" ، وقيل : ثلاثمئة وثلاثة وستون ، وهو ما جرى عليه الشيخ محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان النابلسي السفاريني - نسبة إلى سفارين قرية من أعمال نابلس وُلد بها - الحنبلي مذهباً الأثري معتقداً القادري مشرباً [!] المتوفى بنابلس سنة ثمان وثمانين ومئة وألف ، في "نفثات الصدر المكمد بشرح ثلاثيات المسند" ، وهو في مجلد صخم ، ولعبد بن حميد في "مسنده" وهي واحد وخمسون حديثاً ، وللطبراني في "معجمه الصغير" ، وهي ثلاثة) .

453. الثمانيات :

يراد بهذه اللفظة عند أهل الحديث الأحاديث المسندة التي يكون بين راويها والنبي صلى الله عليه وسلم ثمانية رواة ؛ قال الكتاني في (الرسالة المستطرفة) (ص100) عقب ذكره جماعة من أصحاب العوالي وكان آخرهم ذكراً أبي الفرج ابن الصيقل : (و "الثمانيات" له أيضاً ، وهي في أربعة أجزاء ، وللرشيد أبي الحسين يحيي بن علي بن عبد الله العطار ، سماها "تحفة المستفيد في الأحاديث الثمانية الأسانيد" ، وللضياء المقدسي وغيرهم) .

454. ثم سكت :

روى العقيلي في (الضعفاء) (790) عن أحمد بن محمد بن هانئ قال : (قلت لأبي عبد الله: ابنا بريدة، سليمان، وعبد الله؟ قال: أما سليمان فليس في نفسي منه شيء، وأما عبد الله ؛ ثم سكت ؛ ثم قال: كان وكيع يقول: كانوا لسليمان بن بريدة أحمد منهم لعبد الله بن بريدة، أو شيئاً هذا معناه) ؛ وانظر (أحلى) .

455. ثنا :

هي مختصر صيغة الأداء (حدثنا) ، فانظر (حدثنا) .

وهذه فائدة زائدة :

قال السخاوي في (فتح المغيث) (2/211-212) عقب شيء بيّنه : (ووصف غيرُ واحد بالتدليس مَن روى عمن رآه ولم يجالسه ، بالصيغه الموهمة ؛ بل وصف به من صرح بالإخبار في الإجازة ، كأبي نعيم ، أو بالتحديث في الوجاده ، كإسحاق بن راشد الجزري ، وكذا فيما لم يسمعه كفطر بن خليفة ، أحد من روى له البخاري مقروناً ، ولذا قال علي بن المديني : قلت ليحيى بن سعيد القطان : يُعتمد على قول فطر "ثنا" ويكون موصولاً؟ فقال : لا ، فقلت : أكان ذلك منه سجية؟ قال : نعم ؛ وكذا قال الفلاس إن القطان قال له : وما ينتفع بقول فطر "ثنا عطاء" ولم يسمع منه ؟! ؛ وقال ابن عمار عن القطان : كان فطر صاحب ذي "سمعت سمعت" ، يعني أنه يدلس فيما عداها ؛ ولعله تجوَّز في صيغة الجمع فأوهم دخوله ، كقول الحسن البصري "خطبنا ابن عباس" ، و"خطبنا عتبة بن غزوان" ، وأراد أهل البصرة بلده ، فإنه لم يكن بها حين خطبتهما ؛ ونحوه في قوله "حدثنا أبو هريرة " ، وقول طاوس "قدم علينا معاذ اليمن" ، وأراد أهل بلده فإنه لم يدركه كما سيأتي الإشارة لذلك في أول أقسام التحمل .

ولكن صنيع فطر فيه غباوة شديدة ، يستلزم تدليساً صعباً ، كما قال شيخنا .

وسبقه عثمان بن خرزاذ فإنه لما قال لعثمان بن أبي شيبة : إن أبا هشام الرفاعي يسرق حديث غيره ويرويه وقال له ابن أبي شيبة : أعلى وجه التدليس أو على وجه الكذب؟ قال : كيف يكون تدليساً وهو يقول : ثنا ) ؛ انتهى ؛ وانظر (تدليس الصيغة) .

456. الثنائيات :

قال الكتاني في (الرسالة المستطرفة في بيان مشهور كتب السنة المشرفة) (ص97) : (ومن الوحدانيات فما بعدها "الوحدانيات" لأبي حنيفة الإمام جمعها أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري المقري الشافعي في جزء ، لكن بأسانيد ضعيفة غير مقبولة والمعتمد انه لا رواية له عن أحد من الصحابة ، و "الثنائيات" لمالك في "الموطأ" ، وهي أعلى ما عنده ) .

فصل الجيم

457. الجادّة :

انظر (سلك الجادة) .

458. جاز القنطرة :

هذه كلمة الحافظ ابن المفضل ؛ قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (13/457) متعقباً بعض العلماء : (---- واستند إلى أن الجرح مقدم على التعديل ، وفيه نظر ، لأنه ثقة مخرج حديثه في الصحيحين ولم ينفرد به ؛ وقد نقل ابن دقيق العيد عن ابن المفضل وكان شيخ والده أنه كان يقول فيمن خُرِّج له في الصحيحين : هذا جاز القنطرة؛ وقرر ابن دقيق العيد ذلك بأن من اتفق الشيخان على التخريج لهم ثبتت عدالتهم بالاتفاق بطريق الاستلزام ، لاتفاق العلماء على تصحيح ما أخرجاه ، ومن لازمه عدالة رواته إلى أن تتبين العلة القادحة بأن تكون مفسرة ولا تقبل التأويل).

قلت : في هذا التعميم نظر ، فمعلوم أنهم أخرجوا لبعض الضعفاء انتقاءً .

459. الجامع :

انظر (السنن) و(الجوامع) .

460. جائز الحديث :

تحتمل هذه اللفظة رتبتين : رتبة من يقال فيه : صدوق حسن الحديث ، وهي رتبة احتجاج في الغالب، وذلك هو الأكثر في استعمال هذه اللفظة ، ورتبة المعتبر به سواء كان ليناً أو مستوراً .

461. جحود الحديث :

المراد بهذه العبارة أن يذكر راو معين – وليكن زيداً مثلاً - أو يذكر غيرُه لشيخ من المحدثين أن زيداً سمع من ذلك الشيخ حديثاً معيناً فينفي الشيخ تحديثه بذلك الحديث إما نفياً مطلقاً أو مقيداً بزيد؛ فيقال لصنيع ذلك الشيخ : جحد الحديث الفلاني ، أو جحد تحديثه لفلان بحيث كذا وكذا.

فائدة : ينظر في مسألة جحود الشيخ لمرويه إلى جهتين :

الأولى : قوة جحود الشيخ أي قوة جزمه بالنفي ، وقوة جزم الراوي عنه بالسماع .

والثانية : رتبة كل منهما في العدالة والضبط .

ويرجَّح قول من فاق صاحبه في محصل الفرق بينهما في هاتين الجهتين ، ولكن ينبغي قبل الترجيح مراعاة القرائن الحافّة بدعوى كل منهما كالمتابعات والشواهد ونحوهما ومظان الوهم أو النسيان وأسبابهما وما يتعلق بذلك .

فائدة ثانية : قال الزركشي في (النكت) (1/313-314) : (قوله "أما إذا قال المروي عنه : لا أعرفه--- إلى آخرهِ " حاصله أنه يعمل بالخبر لأن الراوي جازم بسماعه، قال ابن شاهين : بلغني عن أبي بكر الأثرم قال : قلت لأحمد بن حنبل : يضعف الحديث عندك أن يحدث الثقة عن الرجل ويسأل عنه فينكره أو لا يعرفه؟ فقال : لا، قد كان معمر يروي عن ابنه عن نفسه عن عبد الله بن عمر.

وحكى ابنُ الأثير ثلاثة مذاهب :

أحدها : هذا.

وثانيها : أنه يبطل العمل به.

وثالثها : التفصيل في الشيخ؛ فإن كان رأيه يميل إلى غلبة نسيان وكان ذلك عادته في محفوظاته قبل رواية غيره عنه؛ وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلاً بذلك الخبر رد؛ فقلما ينسى الإنسان شيئاً حفظه نسياناً إلا ويتذكر بالتذكير، والأمور تبنى على الظاهر، لا على النادر؛ وحينئذ فللشيخ أن يقول : حدثني فلان عني أني حدثته.

تنبيه : هذا كله إذا أنكره قولاً؛ وفي إنكاره فعلاً حالتان :

إحداهما : أن ينكره فعلاً بأن يعمل بخلاف الخبر فإن كان قبْل الرواية فلا يكون تكذيباً لأن الظاهر أنه تركه لما بلغه الخبر، وكذا إذا لم يعلم التاريخ؛ وإن كان بعد الرواية فإن كان الخبر يحتمل ما عمل به بتأويل لم يكن تكذيباً وإلا فالخبر مردود.

الثانية : أن ينكره تركاً وإذا امتنع الشيخ من العمل بالحديث دل على أنه لو عرف صحته لما امتنع من العمل به، وله حكم ما قبله. ذكره ابن الأثير في مقدمة "جامع الأصول" ) انتهى كلام الزركشي.

462. جراب الكذب :

جراب الشيء هو وعاؤه ، فالمراد بهذه العبارة المبالغة في وصف الراوي بالكذب .

463. الجَرْح :

الجَرح لغةً : هو التأثير في البدن بشق أو قطع، واستعير في الأمور المعنوية بمعنى التأثير في الخُلُق والدين ، بوصف يناقضهما أو يقدح فيهما.

والجرحُ اصطلاحاً : الطعنُ في الراوي ووصفه بما يمنع من قبول روايته .

وهو على درجات ، فمنه ما يمنع من الاحتجاج بالراوي ولا يمنع من الاستشهاد به ، ومنه ما يترك الراوي بسببه، أي يكون غير صالح لا للاحتجاج ولا للاستشهاد ، ومنه وصفه بالوضع أو الكذب أو فحش الغلط .

464. الجُرح :

الفرق بين الجَرح ، بالفتح، والجُرح ، بالضم، هو أن الأولى مصدر والثانية ، اسم للأثر ؛ فنقول : الناقد جَرح الراوي، فالراوي فيه جُرح وفيه جُرحة، ولا يحسن أن يقال فيه جَرح، كما لا يقال فيه تضعيف أو فيه تجريح، بل يقال : فيه ضَعف وفيه جَرح.

465. الجرح المبهم :

قال المناوي في (التعاريف) (ص147) :

(البهمة : الحجر الصلب ؛ ثم قيل لما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً، وعلى الفهم إن كان معقولاً : مبهم ؛ ويقال : أبهمت الباب أغلقته إغلاقاً لا يهتدى لفتحه ؛ وأبهم الكلام إبهاماً إذا لم يبينه؛ ويقال للمرأة التي لا يحل نكاحها : هي مبهمة عليه ؛ ومنه قول الشافعي : لو تزوجها ثم طلقها قبل الدخول لم تحل له أمها ، لأنها مبهمة عليه ، وتحل بنتها ؛ وهذا التحريم يسمى المبهم ، لأنه لا يحل بحال.

البهيمة : ما لا نطق له ، لما في صوته من الإبهام ----). انتهى.

قلت : الإبهام في الجرح يكون في الجارح كقولهم في الراوي (ضُعِّف)؛ ويكون في معنى الجرح وتفسيره ، كقولهم (فيه كلام) ؛ ويكون في دليله، كقولهم (يستحق الترك)؛ ولكنهم أكثر ما يطلقون تسمية الجرح المبهم على النوع الأول ، أي الطعن الذي يُجهل قائله الأول، أي على الطعن الذي يذكره العالم ، أو الناقد ، نقلاً له عن غيره من غير أن يبين من هو الطاعن ، مثاله قول الناقد في الراوي : (اتُّهم بسرقة الحديث) وقوله (تُكلِّم فيه).

466. الجرح المبيَّن :

هو الجرح الذي تبين فاعله ومقصده ودليله ، فهو بمعنى الجرح المفسَّر ، ويأتي قريباً بيان معناه بتوسع.

467. الجرح المجمل :

هو الجرح الذي لم يعين قدرُه ، أو ما قد يُحتاج إليه من دليله ومستنده ، ليُعرفَ أثرُه، ولم يبين سببهُ ليعلم نوعُه ومقداره، فيبقى محتملاً لأن يكون قادحاً أو غير قادح ، ومعتبراً أو غير معتبر ؛ فهو وسط بين الجرح المبهم والجرح المجمل ، أو يكون الجرح المبهم أحد أقسام الجرح المجمل.

ولقد توسع كثير من المتأخرين والمعاصرين برد طائفة من كلام علماء الحديث وأئمته في جملة من الرواة بحجة أنه جرحُ مجمَل؛ مع أنه ليس كل جرح مجملٍ مردوداً، ولا كل ما زُعم أنه مجمل فهو مجمل على الحقيقة، ومع أن الأصل في كلام الأئمة ونقولهم في كتبهم في التجريح والتعديل هو الطعن في الرواة من جهة روايتهم، وأيضاً الأصل في نقل أولئك الأئمة أنهم لا ينقلون إلا ما ثبت - أو قويَ - عندهم سنده، وأنهم لا ينقلون جرحاً غير معتبر ؛ قال العلامة المعلمي في (التنكيل) (1/80) : (ومن تتبع صنيع أهل العلم تبين له أنهم كثيراً ما يقدِّمون الجرح الذي لم يُشرح كل الشرح ، على التوثيق)؛ وقال فيه (1/64) : (فالتحقيق أن الجرح المجمل يثبتُ به جرح من لم يعدل نصاً ولا حكماً ، ويوجب التوقف فيمن عُدِّل حتى يُسْفِر البحث عما يقتضي قبولَه أو ردَّه)، وقال فيه (1/63) : (والذين جرحوا الرواة يكثر في كلامهم الإجمال ، وأن لا يستفسرهم أصحابهم ، ولم يبق بأيدي الناس إلا نقل كلامهم ، ولم يزل أهل العلم يتلقون كلماتهم ويحتجون بها).

وانظر (الجرح المفسر) .

468. الجرح المفسر :

الجرح المفسر هو الجرح الذي يُذك�