العرفان إلى المعرفة من

1

في عالم النقاء يا أخ الصفاء...الفناء شيء والشيء فناء...

ال يختلفان أبدا ودائما في لقاء...الشيء يفنى والفناء يتجسد بما شاء...رقصة مستمرة في األرض والسماء...

في اإلحساس واإلدراك والصحوة...وفي نار السمو واالرتقاء...

الفناء موجود في كل شيء موجود...وكل شيء نور من نور... لم يظهر ولم يزول...ليس طاهرا وال نجسا، ليس مكتمال وال ناقصا...الله نور السموات واألرض، وأنتم نور من نور...

2

المعرفة مصيبة وبالء... سرطان ال يشفى بأي دواء...المعرفة فصلت اإلنسان عن األكوان وجعلته ضائعا بعيدا عن الوجدان..

عندما تصادف وردة برية ترقص في الجبال، أنت ال تعلم ما هو اسمها وال وصفها، لذلك تراها

دون أن تدور في فكرك أي معرفة عنها، فيخفق قلبك من

الدهشة والسر المكنون في جمال اللون... الوردة أمامك وأنت أمامها... سحر الدهشةيجمعكما في وصال واتصال.

إذا عرفت وأدركت أن هذه وردة جورية أو زهرة أقحوان أو أي

اسم آخر، فتلك المعرفة بالذات ستفصل الوصل.. سترى الوردة

وستراك لكن ال جسر بينكماألنك تعرفها!

المعرفة تصنع مسافة بينك وبين الوجود... كلما ازدادت المعرفة كبرت المسافة... وكلما نقصت المعرفة صغرت المسافة... وعندما تكون في

لحظة من الالمعرفة، ستختفي كل المسافة وتتصل بالنفس الشفافة......

عندما تقع في حب امرأة أو رجل... يوم حدوث الحب ال يوجد مسافةبينكما...

ال شيء بينكما إال اإلعجاب والدهشة وخفقة القلب في شوق ولهفة...إثارة ونشوة لكن ال يوجد معرفة...

إنك لم تعرف بعد من هذه المرأة، ودون المعرفة ال تفصلك عنها أي مسافة، لذلك تشعر بجمال تلك اللحظات األولى من الحب وغمرة

األحاسيس الجميلة واللطافة. بعد أن تعيش مع هذه المرأة ليوم أو يومين، تبدأ المعرفة بالتشكل، وصار لديك بعض األفكار عن المرأة، عرفت ما اسمها وعمرها وشهادتها وعملها

وراتبها مثال، فتكونت صورة معينة عنها في فكرك...

3

مجرد أربع وعشرين ساعة صنعت شيئا ميتا أصبح من الماضي الذي انطبع في فكرك، فأصبحت تنظر إلى نفس المرأة لكن لم يعد هناك أي شيء من ذلك الغموض األخاذ... وبهذا نزلت من قمة نشوة الحب الهائم إلى

وادي معرفة الفكر الغائم...

فهم هذا الموضوع سيوصلك إلى نبع التفهم

من لدني علما.. وأبعد من العلم والتعلم.

فهم أن المعرفة تفصل وتصنع العزل والفصل..

هو ذاته سر التأمل وإنشاء الوصل

التأمل هو حالة من فناء الفكر وإحياء التفكر... التأمل هو فراغ من النقاء غير مشوش بالمعرفة... وهذه قصة أبونا آدم عندما هبط من الجنة ألنه

أكل من شجرة المعرفة، هذه القصة فيها عبرة أقوى من أي فكرة.

هل من المنطقي أن اإلنسان هبط مستواه بسببالمعرفة؟؟؟؟

ألنيبدو األمر غير منطقي أبدا ....المنطق جزء من المعرفة

المنطق كله في خدمة المعرفةوتغذيتها.

يبدو األمر غير منطقي ألن المنطق بحدذاته هو السبب الجذري لهبوط اإلنسان!

انظر وراقب الناس.... ستجد أن اإلنسان المنطقي والقانوني والعقالني دائما في كل تصرفاته، والذي ال يسمح ألي شيء غير منطقي أن يدخل

حياته، ستجده مجنونا..!!يجب أن توازن العقالنية بالالعقالنية.... وتوازن المنطق بالالمنطق..

هذا هو قانون توازن الكون... المتضادات تتالقى وتتعادل... اإلنسان العقالني هو إنسان متضخم العقل لكنه غير عقالني وال عاقل... سيخسر الكثير... سيخسر كل شيء جميل وكل شيء حقيقي... سيجمع

4

كثيرا من التوافه واألفكار وستكون حياته دنيوية كالحمير المحملةباألسفار...

لماذا هبط اإلنسان بسبب المعرفة؟؟ ألن المعرفة تصنع المسافة... ألن المعرفة تصنع "أنا" و "أنت"... تصنع الشيء المنظور والشخص

الناظر...الشيء المعروف والشخص الذي يعرف...

المعرفة تسبب انفصام الشخصية ألنها تفصم وتقطع... ولن يكون هناك سبيل لجمع ما انقطع... لذلك كلما أصبح اإلنسان أكثر معرفة، أصبح أقل

في العرفان والتدين واإليمان...... كلما جمع اإلنسان "ثقافة" و"علما" أكثر، ستنقص إمكانية معرفته لله السر األكبر..... لذلك يقول السيد

المسيح: لن تدخلوا ملكوت الله ما لم تعودوا كاألطفال.

ما هي الميزة المقدسة في الطفل التي خسرتها أنت؟

الطفل عنده صفة عدم المعرفة...أي البراءة...

ينظر بعيون مستغربة ومعجبة...بعيون شفافة دون صور مسبقة... ينظر إلى عمق األشياء لكن ليس

لديه أفكار وأحكام تسبقالنظرة...

ال يعكس أفكاره على ما يراه،لذلك يرى الحق والحقيقة...

هذا مفتاح االنتقال من الرؤية إلىالرؤيا.........

فقط... الواقع... أما أنت فتعرف الحقيقةالطفل يعرف الواقع الذي صنعته أنت حول نفسك، بأفكارك ورغباتك وأحالمك.

5

الواقع هو ترجمة وتفسير للحقيقة الداخلية. الحقيقة هي ببساطة كل ما هو كائن في طبيعته األصلية، أما الواقع فهو ما

الحقيقة.عنفهمته أنت من الحقيقة، فكرتك

الواقع يتألف من أشياء عديدة ومنفصلة

الحقيقة تتآلف في طاقة كونية واحدة متصلة

لهذا الفكر يفصل ويفصل

والقلب يصل ويوصل

قبل أن أكمل الغوص في أسرار أعمق، لنتفق على هذه النقطة: المعرفة مصيبة وبالء

الفناء هو الصمت وأروع ألحان الغناء.. ماذا سيفنى فيك لكي تغني وتغنى؟فناء الفكر، هذا االنشغال المتواصل داخلك، ثم صنع مساحة فارغة.

عندما ال تكون مشغوال ستكون في تناغم مع الكون في سالم، وعندما تنشغل ستتشوش األلحان ويضيع االنسجام... لهذا، في أي وقت تحصل

فيه على لحظة من الصمت الداخلي، هناك بهجة عظيمة... في تلكاللحظة هناك طعم للحياة، هناك معنى أبعد من الكلمات والمعاني...

لحظة فيها رقصة ال غصة... وفي هذه اللحظة حتى لو أتى الموت، سيكونرقصا واحتفاال وانتقاال بنفس راضية وهانية...

يجب رمي المعرفة... فهمها واالستغناء عنها... ليس ألنني أكتب هذا وأنت تقرأ، وال ألنك سمعت فكرة أن العلم محدود من أي مصدر كان... إذا

قمت برميها ألنني أقول لك ارمها، عندها سترمي معرفتك وستتبنى كالميليصبح هو معرفتك الجديدة البديلة ولن تستفيد شيئا.......

الفناء يجب أال يأتي من الفكر ألن الفكر ذكي محتال.. سيرمي أصنامهالفكرية القديمة ويأتي إليك بأفكار جديدة بنفس اآللية القديمة.

اللعبة ذاتها مكررة، لكن بكلمات وأفكار جديدة براقة.

6

فإذا كيف نرمي المعرفة وندخل في بحر التعرف والتصرف؟

ببساطة.. مجرد رؤية أن المعرفة تخلق المسافة، رؤية واستيعاب كاملستكفي...

ال داعي ألن تستبدل معرفتك بمعرفة جديدة، بل رؤيتك الخارقة ستحرق كل ما لديك من "معارف" وتحولها إلى رماد، وتتحول أنت إلى "ما

عارف"... هذه الرؤية العميقة هي ما يسمى بالبصيرة... عين الحكمة...

أتى رجل إلى الرسول وقال: "أمرني يا رسول الله".. فسأله: على ماذا؟قال الرجل: "اجعلني أميرا على البصرة".... فأجابه الرسول:"البصرة تزول... أجعلك أميرا على بصيرتك التي ال تزول..."

البصيرة تحرق وتخترق المعرفة كلها... ولن تسمح لمعرفة أخرى بالقدوممكانها..

عندها سيكون هناك نوع من الفناء... ال يوجد أي شيء يعكر األجواء...فيتجلى النور اإللهي في قلبك معلنا البقاء...

يجب أن ترى ما أقول بنفسك في نفسك... ال أن تتعلمه وتحفظه... عندما تقرأ في موقع بيت الحق، ال تبدأ بجمع المعلومات وحشوها في

رأسك... قراءتك يجب أن تكون قلبية ال فكرية... تجربة لتنمية البصيرة... اقرأ وامضغ الكلمات بوعي وهدوء... حتى لو لم تفهم أحيانا غير مهم...

األهم هو اإلحساس الداخلي الذي يصلك بين الكلمات.. اإلحساس ورؤية

7

المعنى المقصود سيوصلك إلى الالمحدود.... مباشرة... ليس مطلوبمنك أن تقوم بتدريبات مثال بعد القراءة، بل الرؤيا بحد ذاتها كافية وشافية. إذا بدأت تتدرب على تقنية معينة للتخلص من المعرفة، أو إذا سألتني بعد

القراءة: أتخلصكيف"لقد فهمت أن المعرفة بالء... وتصنع مسافة... لكن

منها؟"... ستكون العبرة قد فاتتك. " هذا دليل عدم فهمك للمقصود...كيفبمجرد أن تخطر في ذهنك كلمة "

ال يمكن أن تأتيك هذه الكلمة ألنها طلب لمزيد من المعرفة!!!!!".. تطلب طرقا أو تقنيات معينة يجب القيام بها....كيف"

أما البصيرة، الرؤيا العميقة، تصلك باإلحساس وكافية من األساس، التحتاج ألي مجهود منك بعدها... فقط افهم النقطة المقصودة!

اقرأ بقلبك ال بفكرك... أبحر مع هذه الكلمات وحلق في سمائها... انظر إلى ماذا أقول، دون جدال... ال تقل صح وال تقل خطأ... ال توافقني وال

تخالفني في الرأي... فقط اشعر بالنور بين الحروف، وهذه هي البصيرةالمنيرة.

اقرأ بانتباه، بيقظة، ليس بتركيز وتحليل وتفسير......وال تقارن بين المقاالت السابقة أو الالحقة فتضيع في متاهات الفكر...

عندما ترى غروب الشمس.. أو زهرة برية... هل توافقها أم تخالفهاالرأي؟؟؟!

اقرأ بحضور مع النور... فهو الذي يكتب من خاللنا... وال أحاول إقناعك بأيشيء.... وال أن أنقلك إلى نظرية أو فلسفة أو شريعة أو دين جديد!!

هذه فقط مشاركة معكم ببعض االختبارات... في هذه المشاركة والحضرة إذا كنت حاضرا يمكن أن يحصل ذات االختبار لك أيضا...... البصيرة

المنيرة معدية! عندما أقول: المعرفة بالء، يمكنك أن توافق أو ال توافق، وفي الحالتين

ستخسر المطلوب يا محبوب...!

فقط اقرأ العبارة ببراءة، تعمق بالرؤيا وانظر كيف تعمل المعرفةوتتكدس...

8

سترى كيف تصنع المعرفة حاجزا متناميا معرقال لحياتك، وكيف تنمو على حساب البراءة عندك، فتخسر روح الطفل ودهشته وحركته وبهجته، لتصبح حياتك جامدة ومملة بكل المعلومات المحشية في الرأس... وتخسر اللغز

الله...والغموض في الحياة، ومع اختفاء السر والغموض ستخسر...

سيختفي خفاء الحياة ألنك ستبدأ تفكر بأنك تعرف... طبعا، عندما تعرفكيف سيكون هناك أي خفاء؟...

وما خفي أعظم... العلم فعال محدود وما أوتيتم من العلم إال قليال... ولم يعرف اإلنسان حتى اآلن إال أتفه األشياء.. لم يعرف إال بعض الوقائع

والمعلوماااات، وبقي الالمحدود أبعد من حدود فكرنا المحدود بالقيود،بقيت الحقيقة بعيدة دون أن يلمسها أحد.

هذا ليس فقط اختبار األنبياء والحكماء، بل أيضا اختبار عدة علماء وغيرهم... واختبار الشعراء والرساميننكإديسون، نيوتن، أينشتاي

والفنانين... كل األذكياء في العالم مهما كان عملهم أو مكانتهم يتفقونتماما على نقطة واحدة:

كلما عرفنا أكثر، ازداد فهمنا بأن الحياة سر غير محدود.

معرفتنا مهما كانت كبيرة لن تدمر هذا السر وتكشفه

األغبياء فقط هم الذين يعتقدون ألنهم عرفوا قليال،

لم يعد هناك أسرار وخفايا في الحياة

عرفت شيئا وغابت عني أشياء... فقط الفكر المتوسط الذكاء وما دونه بالغباء، هو الذي يتعلق كثيرا بالمعرفة.. الفكر الذكي يبقى أعلى من

مستوى المعرفة... يستخدمها طبعا ألنها مفيدة ولها دورها، لكنه يعرف تماما أن كل ما هو حقيقة هو شيء خفي وسيبقى مخفيا... يمكننا

االستمرار بالتعرف والتعلم لكن الله يبقى فوق كل ذي علم عليم... اقرأ الكلمات ببصيرة مفتوحة وانتباه كلي... في هذه الرؤيا سيباح لك

شيء ما، وهذا البوح سيغيرك تلقائيا... ال تسأل "كيف".

9

البصيرة أهم من البصرة... أوقى وأقوى من أي فكرة...

الفكرة شيء، لذلك تعمل في عالم األشياء... الفكرة شفافة خفية لكنها ال تزال شيء ألنه يمكن تسجيلها كذبذبات

وحملها وإرسالها كأي شيء جامد... أما الفناء فال يؤخذ وال يعطى... يمكنك أن تشترك فيه وتتحرك ضمنه لكن ال يمكن ألحد أن يعطيك إياه... ليس

سلعة يمكن تداولها...والفناء هو فقط الذي يعمل في عالم الحقيقة.

الحقيقة تدرك فقط عندما يختفي الفكر... على الفكر أن يتوقف عن عملهالمتواصل لكي ترى بنور الله.

الفكرة ال يمكن أن تستخدم الحقيقة

لكن الحقيقة يمكن أن تستخدم الفكرة

ال يمكنك الوصول إلى الحقيقة بالتفكير، لكن عندما تصل إلى الحقيقة يمكنك استخدام الفكرة في خدمتها... وهذا كل ما فعله ويفعله األنبياء

واألولياء والعلماء باألبدان واألديان.

كل ما تقرؤه في بيت الحق هو أفكار، لكن وراءها هناك صمت مطلقوفراغ.. فناء لم ينتج من األفكار بل أبعد منها ومن األسوار.

هل الحظت هذه الظاهرة: ال يمكنك التفكير بالفراغ.. ال يمكنك تحويله إلىفكرة...

ال يمكنك التفكير به ألنه عبارة عن توقف التفكير، وإذا فكرت به لن يكونفراغا أبدا... يجب أن ترحل الفكرة ليأتي الفراغ وال يمكن أن يلتقيا...

عند رحيل األفكار وقدوم الفناء، يمكنه أن يستخدم كل الوسائل ليعبر عننفسه.

البصيرة هي حالة من الفطرة، الالفكرة... رؤيا دون معرفة مسبقة...

10

بقراءتك لهذه الكتب المميزة ستمر بك عبارات ولحظات تنقل لكالعبرة...

لكن تلك اللحظات هي فجوات: رحلت عنك فكرة ولم تأتي بعد فكرة أخرى.. وهناك فراغ... في هذا الفراغ شيء ما يبرق فيك ويبدأ

باالرتعاش... كأن أحدا يضرب على الطبل، الطبل فارغ من الداخل لذلك يمكنه أن

يصدر صوتا... الفراغ يتجاوب ويرن ويصدر لحنا جميال... عندما تكون أنت حاضرا، دون أي فكرة، عندها يمكن حدوث شيء

وبسرعة.عندها يمكنك رؤية ما أكتبه لك ولن تكون فقط كلمات مقروؤة....

الفراغ ككلمة معناها الفناء المطلق... الالشيء... الحال الخالي دون أي شغل أو انشغال... الفكر الفارغ هو حضور طاهر... ومن خالل هذا

الحضور كل النور متاح لك.... كل أسرار األرض والسماء والمجرات متاحةبسماحة، ألن كل الكون ينبع من ذلك الحضور الطاهر.

األشجار تنبت منه والنجوم البعيدة تولد منه ونحن كذلك منه وإليهراجعون...

في ذلك الحضور الصافي أنت مع الله وفي الله وأنت الله....بانشغالك، ستسقط... ستخرج من جنات عدن...

بعدم انشغالك وتذكرك للذكرى النافعة ستعود للجنات... إلى بيتك األصلي. عندما ال ينشغل الفكر بالواقع الواقع، باألشياء واألفكار، عندها سيكون ما

يكون.وكل ما يكون عندها هو الحقيقة المطلقة.....

فقط في الفناء هناك اندماج ولقاء...فقط في الفناء ينفتح قلبك على الحقيقة والحقيقة تدخل فيك...

فقط في الفناء ستصبح حامال محمال بالحقيقة.

هناك ثالث حاالت للفكر:11

الحالة األولى هي المحتوىوالوعي:

أنت دائما ممتلئ الفكر، فكرة تأتي وتروح، رغبة، غضب، طمع

وطموح.. الفكر دائما مشغول ليل نهار كل

يوم، عندما تكون مستيقظا تسميه "تفكير" وعندما تكون نائما تسميه

"حلم" لكنها اآللية ذاتها.. الحلم شيء بدائي أكثر ليس إال، ألنه يفكر

عبر الصور... ال يستخدم المفاهيمبل األلوان واألشكال.

الحلم أكثر بدائية من التفكير، مثل الطفل الصغير يفكر عبر الصور، لذلك في كتب األطفال عليك وضع صور كبيرة وملونة، يتعلمون من خاللها

األحرف والكلمات، وتدريجيا يكبرون وتصغر تلك الصور وبعدها تختفي..... اإلنسان البدائي أيضا يفكر من خالل الصور، وهكذا تجد أقدم اللغات هي

لغات تصويرية، مثل الصينية والهيروغليفية مثال. في الليل تعود إلى الحالة البدائية وتنسى تعقيدات النهار فتبدأ تفكر عبر الصور، لكنه أيضا تفكير مماثل... وأسلوب التحليل النفسي هنا جيد، ألنه

ينظر في أحالمك: فيها حقيقة أكثر من "يقظتك" ألنك أكثر بدائية وأقرب إلى أصلك، فيها ال

تحاول خداع أي شخص... في النهار لديك طبقات من الشخصية تحيط بك وتخفيك، ومن الصعب جدا معرفة الشخص الحقيقي وراءها: عليك أن

تحفر بعمق وهذا يجرح والشخص سوف يقاوم... أما في الليل، مثلما تنزع عنك ثيابك ستزول الشخصية.. لن تحتاجها ألنك لن تتواصل مع أي شخص

وستكون بمفردك في السرير، لن تكون حتى في هذا العالم بل فيمملكتك الخاصة بك فال داعي لالختباء أو التظاهر.

يحاول المحلل النفسي دراسة أحالمك ألنها تظهر حقيقتك بوضوح أكثر... لكن هذه هي لعبة الفكر ذاتها، محكية بلغات مختلفة ليس أكثر.. هذه هي

الحالة االعتيادية للفكر: تفكير وأفكار... وعي ومحتوى.

الحالة الثانية هي الوعي دون محتوى:

12

وهذا هو التأمل.... أنت متيقظ تماما، وهناك فجوة من الصحوة.ال تمر بك أي فكرة، وأنت يقظ لست نائم...

الحالة األولى تدعى الفكر والثانية تدعى التأمل... ثم تأتي:

الحالة الثالثة.. الذوبان: عندما يختفي المحتوى أي الشيء المنظور، فال يمكن للناظر أن يبقى

لفترة طويلة، ألنهما يتواجدان سوية وينتجان بعضهما البعض. عندما يبقى الفكر دون أفكار سيتجول قليال هنا وهناك، نتيجة استمرار

حركته السابقة... دون المحتوى لن يبقى الوعي لفترة طويلة النعدام الحاجة إليه، ألن

الوعي هو دائما "وعي لشيء ما"... عندما يسألك أحدهم: هل أنت واعي؟ستقول له: واعي لماذا؟

إذا أوال تختفي الفكرة ثم يختفي الوعي وراءها..... ذوبان القطرة في بحر الفطرةبعدها تأتي الحالة الثالثة وهي

ال يوجد محتوى وال وعي... لكن تذكر، هذا االختفاء للمحتوى والوعي ليسحالة من الالوعي، بل هو حالة من الوعي الفائق، الوعي التجاوزي.

درجة ونظر إلى الداخل180الوعي أصبح واعيا فقط لنفسه... استدار واكتملت الحلقة ورجعت إلى بيتك األمين الحصين...

إذا أوال ارم المحتوى من فكرك فتصبح نصف فارغ، ثم ارم الفكر والوعي فتصبح مكتمل الفراغ... وهذا الفناء المكتمل هو أجمل شيء يمكن أن

يحصل لك... أعظم بركة وكرامة يكرم بها أي إنسان على مر الزمان.......

في هذا الفناء وزوال األنا والنفس هناك كل االستقرار واألمان...ستفاجأ بمعرفتك لهذا:

األمان واالستقرار األبدي التام يتحقق بفناء ذاتك

13

سيختفي كل الخوف..... ألنه، ما هو الخوف األساسي؟

... كل المخاوف األخرى من الظالم و القططالخوف من الموتإنه والفئران والكهرباء واالرتفاعات والطيران وغيرها ما هي إال انعكاسات عن

هذا الخوف األساسي... كل المخاوف يمكن أن نرجعها إلى خوف واحد من الموت، خوف من أنه: "يوما ما سوف أختفي، يوما ما سأموت وأنتهي.. أنا اآلن حي وموجود واليوم آت ال محالة سأزول فيه من

الوجود"... هذا يرعب األوصال.. هذا هو جذر الخوف كله.

ولكي نتجنب ذلك نسلك طرقا تتيح لنا أطول حياة ممكنة... ونحاول تحصين حياتنا وتأمينها.... نبدأ بمسايرة الناس وطال عمرك يا أمير ويا

وزير، وتدريجيا نصبح أكثر أمانا وضمانا بسبب الخوف... ثم نصبح مشلولين... ألنك كلما ازددت أمانا واستقرارا كلما نقصت منك الحيوية

والحياة! الحياة موجودة في روح التحديات وفي األزمات... الحياة تحتاج إلى

عدم األمان! عندما تمر بك حالة من التحدي أو تهديد األمان ستجد أنك أكثر حيوية

ولهذا يصبح األغنياءوتيقظ، سترى فيهم نوعا من البالهة أغبياء:

والغباء والخدر طوال الوقت... إنهم آمنون جدا وال يوجد أي تحدي أمامهم، لذلك ال يحتاجون ألن يكونوا أذكياء!...

طالما أنهم في أمان، فلماذا الذكاءوتشغيل العقل؟؟

الذكاء مطلوب فقط في تحديات الحياة، وعندها تقوى ناره لتنجزالمعجزات...

نركض وراء األمان والضمان من حساببسبب الخوف من الموت البنك إلى تأمينات الحياة، ونركض وراء الزواج والحياة المستقرة، وراء

المنزل والعمل والمال، نصبح مواطنين في دولة ما، ننضم إلى تيار وحزب

14

سياسي، ننتمي إلى طائفة ودين ونصبح معلبين متقوقعين، والمعلبات علىالرفوف واشتري حتى تهتري!

كل هذه طرق إليجاد األمان، إليجاد مكان تنتمي إليه فتشعر باألمان كانتمائك إلى وطن أو دين... وبسبب هذا الخوف يستمر رجال الدين

والسياسيين باستغاللك.إذا لم تكن واقعا في فخ الخوف فال يمكن ألي أحد أن يستغلك...

الخوف تحديدا هو الذي يسمح للمستغل باستغاللك، ألن المستغل سيؤمنلك أو يعدك على األقل، أنه سيجلب لك األمان ويضمنه...

البضاعة يمكن أال تصلك أبدا، هذا شيء آخر، لكن مجرد هذا الوعد.. على الوعد يا كمون... والوعد يبقي على الناس مستغلين ومضطهدين

ومربوطين.....

بمجرد أن تعرف هذا الفناء الداخلي فلن يكون هناك أي خوف من الموت، ألن الموت قد حصل مسبقا!!!! لقد حصل في فن الفناء... لقد اختفيت تماما فيه، فكيف يمكن أن تكون خائفا بعد اآلن؟ خائف من ماذا؟ خائف

على ماذا؟ومن سيكون هناك لكي يخاف؟؟؟؟؟؟؟؟

في الفناء سيختفي كل الخوف بسبب حدوث الموت قبل حدوثه.. موتوا قبل أن تموتوا... لم يعد هناك أي موت ممكن الحدوث.. ستشعر بنوع من

الال-موت، النموت، نوع من الخلود مع الواحد األحد في هذا الوجود... لقد حل البقاء فيك بعد حال الفناء... واآلن لن تبحث عن أي أمان لزوال

األمانالحاجة الزائفة إليه... هذا معنى ما يقال دون أي فهم: ................بالله

هذه هي حالة أهل الله وأهل الحق والطريق... حالة من ال يريد إال رضاه... وأيها الحق لم تترك لي صديق..... هذه هي حالة اإلنسان الذي

ليس بحاجة إلى أي انتماء ألي بلد أو دين أو أي علبة فارغة ليسكن فيها.

فقط عندما تصبح فانيا يمكن أن تصبح ذاتك.. يبدو األمر متناقضا.

15

ولن تحتاج للمساومة ألن المرء يساوم مدفوعا بالخوف والطمع... ويمكنك أن تعيشا متمردا إلى الحق وثائرا حقيقيا ألنه ليس لديك شيء

لتخسره... ال شيء يسبب لك الخوف... ال أحد يستطيع قتلك، ألنك قمت بذلك

بنفسك!ال أحد يمكنه سلب أي شيء منك، ألنك قد رميت كل ما يمكن أخذه منك..

أنت اآلن في فناء... أنت فناء... لذلك تبدو الظاهرة متناقضة: في هذا الفناء ينبع أمان عظيم من العظيم.. استقرار ما بعده قرار... ألنه

ال يوجد أي موت ممكن الحدوث... فقط االنتقال والنموت...

ومع اختفاء الموت يختفي الزمن أيضا... وتختفي كل المشاكل التي سببها الموت عبر الزمن... في اليقظة بعد هذا السبات وزوال المشكالت

ستبقى فقط السماء الصافية.. مليئة باألنوار اإللهية الشافية.... المكانالذي أشار إليه كل األولياء.

مقام الفناء هو سابع المقامات السبعة.. سدرة المنتهى والنهاية... كل التقنيات والطرق والتأمالت ضرورية حتى الوصول إلى المقام السادس،

بعدها سترى أن الفناء هو المطلوب للقاء. في المقام السابع سترى بنظرة تجاوزية وأبدية تختلف عن النظرة

العادية. ومن الهام أن نعرف كيف يظهر الخالق في المخلوق.. األبدي في

16

المحدود... الباطن في الظاهر... وبنفس الوقت الظاهر هو الباطن أيضا...الشيء والالشيء..

الله يتكامل بنا ليعرف... اإلنسان بذرة الله والله بذرة في قلب اإلنسان..

كيف يمكن أن يكون الخالق والمخلوق واحد؟كيف يمكن أن يكون الفراغ والشيء هما واحد؟

يبدو الكالم غير منطقي ويظهر أنه بال فائدة أيضا! فهذه أقطاب متناقضةتماما...

قبل أن نفهم هذا المقام العالي يجب أن نفهم بعض األشياء: الله ربقلوب ال رب عقول وجيوب... ليس منطقيا بل أبعد من المنطق:

هناك طريقتان لفهم الواقع: ...الطريقة األولى هي المنطق وأرسطو هو أب هذه النظرة في

الغرب.. وهذا تحليل يمشي خطوة فخطوة في خط مستقيم واضح، ال

يسمح للفكرة المناقضة بالتدخل أبدا... فيقول أن الشيء "أ" هو "أ"

فقط وليس عكسه أبدا... مستحيل أن يتوافق األمر مع نقيضه مهما كان... هذا هو أساس المنطق المنحدر من أرسطو، ويبدو صحيحا تماما ألننا جميعا نشأنا وتعلمنا في

المدارس والجامعات وفق هذا المنطق.. العالم كله محكوم بأرسطو:

"أ" هو "أ" وليس نقيضه.

في الغرب ارتبطت...الطريقة الثانية هي الجدلية أو الديالكتية هذه الطريقة بأسماء مثل هرقل وهيغل من الفالسفة، وتقول أن الحياة

تتحرك عبر المتناقضات والمتعاكسات، مثلما يتدفق النهر بين ضفتين كل

17

منهما تقابل األخرى، متعاكستان لكنهما يحافظان على تدفق النهربينهما....

هذه النظرة أكثر واقعية... مثل الكهرباء التي فيها قطبان موجبوسالب...

لو أن منطق أرسطو واقعي لكانت الكهرباء غير منطقية بتاتا.. وحتى الله حسب هذا المننننننطق سيبدو غير منطقي: كيف يخلق حياة جديدة من تالقي رجل وامرأة، ذكر وأنثى، متناقضان؟ لو أن الحياة ستستمع فقط

ألرسطو لكان الجنس المثلي هو النموذج العادي المنتشر، والجنس المتخالف هو المنحرف النادر، سيحب الرجل رجال والمرأة امرأة.. ألن

للمتناقضات ال يمكن أن تتالقى!!! لكن الله يقبل الوجهين... في كل مكان تلتقي المتناقضات: فيك أنت

بالوالدة والموت... في األرض بالنهار والليل، الصيف والشتاء... الشوكة والوردة تلتقيان وتصدران من نفس الفرع والمصدر... الرجل والمرأة...

الكهولة والصبا... الجمال والقبح.. الجسد والروح... الدنيا واآلخرة... كلهامتناقضات متعاكسة ومن كل شيء ذكر وأنثى....

المتناقضات فقط هي التي تصنع السيمفونية... وإال ستكون الحياة رتيبة مملة كأغنية مفردة العازف واألداة، يقوم العازف بطرق نفس الوتر مرارا

وتكرارا فيمل الحضور ويهربون بسرعة! في السيمفونية تلتقي األنغام مع بعضها بين الطبقات واآلالت، بين القرار

والجواب، بين العزف المفرد والعزف الجماعي.. وهذه هي جمالية الحياة. وهكذا نجد أن نظرة العلماء واألنبياء واألولياء تجمع النقيضين وال تفرق...

لذلك تجدها واقعية وأقرب للحقيقة منها إلى الفلسفة والنظرية...

هنا يوجد شيء آخر يجبإذا أحب رجل امرأة، أو أحبت امرأة رجال،فهمه أيضا... يقول علماء الطبيعة وعلماء النفس:

الرجل ليس رجال فحسب بل امرأة أيضا...

والمرأة ليست امرأة فحسب بل رجل أيضا...

18

لذلك عندما يلتقي رجل وامرأة، يتم اللقاء بين أربعة ال اثنان... رجل وامرأة، ورجل مخبأ في المرأة مع المرأة المخبأة في الرجل.. ويبدو هذا

اللقاء مضاعفا ومعقدا ومتشابكا أكثر من االعتقاد السائد.

الرجل هو رجل وامرأة معا.. لماذا؟

ألنه أتى من االثنين، من أبيه وأمه، وهما ال يزاالن في دمه وخاليا جسمه... ال بد أن تكون رجل وامرأة معا ألنك تركيب ولقاء بين األقطاب

المتعاكسة، وال يمكنك إنكار واحد منهما واإلبقاء على اآلخر، مثلما كان واليزال يحدث بين الناس.....

كلنا عميان ونتبع أرسطو دون سؤال في كل موقف وحال، وهذا قد سببمشكالت كبيرة لإلنسان، وهي مستحيلة الحل إذا تبعنا منطق أرسطو.

أن يكون رجال فقط دون التشبه بالنساء: أال يظهر أيالرجللقد تم تعليم ميول وصفات أنثوية، أال يظهر أي لطافة في القلب، وال أي تقبل لآلخر، وأن يكون عدوانيا هجوميا دائما... وتم تعليمه أال يبكي أبدا، ألن الدموع

للنساء.. بالرجل: ال تظهري أبدا أي عنف وعدوان، التتشبه أال مرأةالوتم تعليم

تعبري عن أحاسيسك واكبتيها، ابق دائما متقبلة ورحبة الصدر وحنونة معالجميع.

كل هذا التعليم مضاد للواقع وقد شل الطرفين... في عالم أفضل وفهم أكبر، سيكون الرجل رجال وامرأة معا، والمرأة كذلك... ألن الرجل بحاجة

أحيانا ألن يكون امرأة!

هناك لحظات يحتاج الرجل فيها ألن يكون رقيقا، في لحظات اإلحساس وهناك لحظات تحتاج المرأة فيها ألن تكون العميق أو الحب وغيره..

معبرة وشديدة وهجومية، كلحظات الدفاع عن النفس أو الغضب أوالتمرد.

إذا كانت المرأة سلبية متقبلة فقط، فستتحول تلقائيا إلى عبد مستعبد... وإذا كان الرجل هجوميا بشدة دون أي طبعا هذا ما حصل عبر األجيال...

رقة، فسوف يشن الحروب والعنف والدمار لألرض والبشر والعمار.

19

لقد كان الرجل وال يزال يحارب باستمرار، وال يبدو أن اإلنسان خلق فيهذه األرض إال للقتال!.. في ثالثة آالف سنة صنعنا خمسة آالف حرب!

وتستمر الحروب هنا وهناك واآلتي أخطر... ولم تمر األرض بأي لحظة من الصحة والسالم... كل مكان فيه حرب.. أكانت في العراق وفلسطين أم

كوريا وفيتنام أم الهند والباكستان مرض التقتيل والتذبيح يصيب كلإنسان.

على الرجل أن يستمر بالقتل، لكي يبقى رجال......! من مال وطاقة البشر موضوعة لتطوير الحروب وأسلحتها وقنابلها،75%

من الكيماوية إلى النووية فالهيدروجينية والنيترونية والقادم أجمل..... يبدو أن غاية اإلنسان في األرض هي الحرب، وأبطال الحروب هم الذين

نكرمهم ونحتفل بهم مع كل السياسيين، حاملي األلقاب العظيمة عبر التاريخ: أدولف هيتلر، ونستون تشرشل، جوزيف ستالين، ماو زيدونغ..

تستمر هذه األسماء وذكراها، لماذا؟ ألنهم خاضوا حروبا عظيمة ودمروادمارا هائال...

سواء كانت حربهم هجوم أم دفاع، ليس هذا مهما، لكنهم كانوا دعاة ومشجعي الحرب... وال أحد أبدا يعلم من الذي كان يعتدي، ما إذا كان

األلمان معتديين أم ال، فاألمر يعتمد على الذي يفوز وهو الذي يكتبالتاريخ على هواه..

لكن الواضح تماما هو أن الرجل يضع كل طاقته من أجل الحربما هو السبب؟ال من أجل الحب..

السبب هو تعليمه الدائم أن يكون رجال فقط، وتم إنكار المرأة داخله... لذلك ال تجد أي رجل مكتمل... والحالة نفسها عند المرأة، ال يوجد أي

امرأة مكتملة ألنها تنكر الجزء الذكري داخلها، عندما كانت طفلة لم تستطع قتال الصبيان وال تسلق األشجار، كان عليها أن تبقى في البيت

وتلعب بالدمى، تلعب لعبة ربة المنزل... وهذا هو ما أوصلنا إلى التشتتوالضياع.

20

الرجل ثنائي الكيان والمرأة كذلك، وكالهما ضروريان لبناء إنسان حقيقي متكامل ومتناغم مع األكوان.... الوجود كله ثنائي يقوم على النقيضين،

والمتناقضات ليست فقط متناقضات بل أيضا متكامالت.

في المقام السابع، في هذه المكانة األعلى من الفكر والمكان والزمان، الشيء هو ال شيء... الرجل امرأة والمرأة رجل، الحياة موت والموت حياة... المتناقضات ليست بعيدة عن بعضها بل تتناغم متشابكة دائما

وتتواجد معا... ظاهريا تبدو ثنائية في عالم االزدواجية، لكن باطنيا كالهماواحد موحد.

في عالم النقاء يا أخ الصفاء...

الفناء شيء والشيء فناء...

ال يختلفان أبدا ودائما في لقاء...

الشيء يفنى والفناء يتجسد بما شاء...

رقصة مستمرة في األرض والسماء...

في اإلحساس واإلدراك والصحوة...

وفي نار السمو واالرتقاء...

الحياة والكون كله يتألف ويتآلف من األقطاب المتعاكسة، لكن فقط بمستوى السطح تختلف عن بعضها... إنها مثل يداي: أستطيع أن أقابلهما

ضد بعضهما وأضربهما ببعض وأصنع نوعا من العراك بينهما، لكن كال اليدين هما يداي أنا، وفي داخلي كالهما كيان واحد موصول، وهذه هي

الحالة بالضبط. لماذا نتكلم كل هذا الكالم؟؟؟ ألنك إذا فهمت هذه النقطة ستزول كل هواجسك ومخاوفك... الحياة موت والموت حياة.. وجودك في الحياة

يماثل فناءك واختفاءك منها، وفناؤك يماثل بقاءك أيضا... لعبة متشابهة ورقصة بين طرفين هما طرف واحد في الحقيقة... عندها لن يبقى فيك أي خوف وال مشاكل، وبهذه الرؤية الداخلية سيظهر فيك رضى عظيم...

والرضى والتسليم نهاية العلم والتعليم.

21

الفناء موجود في كل شيء موجود

وكل شيء نور من نور... لم يظهر ولم يزول...

ليس طاهرا وال نجسا، ليس مكتمال وال ناقصا...

الله نور السموات واألرض، وأنتم نور من نور...

كل األشياء فيها خالء.. الفراغ موجود في لب كل شيء، في اإلنسانوالشجرة والصخرة وحتى النجمة... واآلن العلماء سيوافقون:

يقول العلم أن النجمة عندما تنفجر وتختفي فإنها تتحول إلى ثقب أسود، خالء... لكن ذلك الخالء ليس مجرد خالء، فيه طاقة هائلة ممتلئة وتفيض

من بعيد.

مفهوم الثقب األسود مهم جدا لفهم كالم األنبياء!!!

إن النجمة تعيش لماليين وباليين السنين لكن يوما ما ال بد أن تموت... كل شيء يولد ال بد أن يموت ال محالة، وهذا هو اإلنسان.. يعيش سبعين سنة

ثم ماذا يحصل؟يتعب وتضعف قوته ويختفي النور... يعود إلى أصله الموحد بالجذور...

إذا الموت سوف يحدث لكل شيء عاجال أم آجال... الجبال العالية ستصير سهوال منبسطة وحتى األرض هذه البسيطة ستزول بكاملها وكل من عليها

فان...شمسنا ستختفي أيضا، لكن عندما تختفي نجمة كبيرة، فأين ستختفي؟

22

سوف تنطوي وتختفي ضمن ذاتها، لديها كتلة هائلة من الوزن والطاقة لكنها ستنهار.. مثل رجل عجوز يسير في الشارع وفجأة يقع ميتا، وإذا بقي

جسده ملقى على األرض فسوف يتحلل ويتحول إلى طين وتراب، حتى عظامه ستصبح غبارا منثورا... يوما ما كان ذلك الرجل يعيش وينمو، يمشي ويحب ويقاتل، واآلن كل هذا تحول إلى ثقب أسود!... هذا ما

يحدث للنجمة: تختفي النجمة في ذاتها وتتحول إلى ثقب أسود.. لماذا هذا االسم: الثقب

األسود؟ ألنه اآلن لم يبقى فيها أي شيء ملموس أو منظور.. مجرد خالء نقي...

وهذا ما يسميه األولياء: الفناء..... هذا الفناء في السماء قوي جدا، بحيث إذا مررت بتأثيره أو بالقرب منه

سوف يسحبك إليه، وسوف تختفي وتفنى فيه أيضا. بالنسبة للرحالت الفضائية سيكون هذا مشكلة مستقبلية كبيرة، هناك عدة

نجوم انفجرت متحولة إلى ثقوب سوداء، وال يمكنك رؤيتها ألنها ال شيء. ال يمكن رؤيتها لكنك قد تمر عبرها، وإذا مرت سفينة فضائية بالقرب منها

فسوف تسحب إليها دون أي سبيل للعودة منها... ولن تسمع أي إشارةمن هذه السفينة بعد تلك اللحظة، ال أين ذهبت وال ماذا حصل لركابها.

هذا الثقب األسود مماثل جدا للفناء... كل األشياء تنهار وتختفي متحولة إلى ظالم، وبعدها بعد أن ترتاح لمدة طويلة تعود لتظهر من جديد، وتولد

نجمة جديدة... وهذا يستمر لألبد: حياة ثم موت... موت ثم حياة... ويستمر الكون

بالتكون. الفناء أوال يتجسد في الشيء، ثم يتعب الشيء فيذهب إلى الفناء

ويسترجع طاقته من الراحة واالسترخاء، فيعود من جديد إلى الظهور... أنت تعمل طوال النهار وتصبح متعبا، في الليل تختفي في نومك في

الموت األصغر وتتحول إلى ثقب أسود مصغر، تطفئ اإلضاءة وتختفي تحت غطائك مغمض العينين، وفي بضعة دقائق يختفي الوعي... لقد

اختفيت في ذاتك.. وهناك لحظات حتى األحالم تختفي فيها ويكون النوم أعمق ما يكون، في هذا النوم أنت في ثقب أسود وكأنك ميت، من هنا

نقول هذا الموت األصغر.

23

في هذه اللحظة أنت تعيش الموت وترتاح فيه... وفي الصباح تعود من جديد إلى الحياة ممتلئا بالنشاط والحيوية والطاقة... وإذا كان نومك جيدا

وعميقا دون أحالم سيكون الصباح نشيطا جدا ومشعا بالنور كأنك عدتإلى أيام الشباب.

إذا كنت تعرف كيف تنام بعمق، ستستطيع شحن نفسك وتجديد جسدككل مرة..

ثم في المساء تعود للتعب واالنهيار من تعب النهار... تماما ذات الشيء يحدث لكل شيء... اإلنسان نموذج مصغر عن الكون

وفيه انطوى العالم األكبر... وما يحصل لإلنسان يحصل لكل األكوان علىمقياس أكبر.

كل مساء تختفي في الفناء، وكل صباح تعود لتظهر في عالم األشياء... شيء ثم ال شيء، ثم شيء ثم ال شيء، وتستمر الحياة باالنتقال بين

الطرفين....

إنك لست بحاجة لعمل أي فعل.. الفهم فقط هو المطلوب.. وهذه عبرةجوهرية يمكنها تغيير كامل حياتك إذا استطعت رؤيتها ببصيرتك.

كل شيء نور من نور... لم يظهر ولم يزول...

ليس طاهرا وال نجسا، ليس مكتمال وال ناقصا...

الله نور السموات واألرض، وأنتم نور من نور...

لم يقم أحد بصنع األشياء وال بإيقافها عن الوجود... وستسألونني هنا: لكنأال يوجد خالق يتحكم ويخلق ويميت كما يشاء؟؟؟

ارجعوا إلى أسماء الله واقرؤوها بالبصيرة.. األول واآلخر، الظاهر الحقيقة فوق مستوى الثنائيات... فوقوالباطن، الرحمن والمنتقم..

مستوى إدراكنا الجزئي لألحداث، فوق األفكار كلها... ووصولك إلى الله أو الحقيقة ليس محصورا بمعتقد معين، خلق الخالق طرقا بعدد ما خلق من خلق... حتى االعتقاد بالله أو أي معتقد غالبا قد يكون عائقا وليس إلزاميا

للوصول... وهؤالء عدة حكماء من الشرق مثل بودا وغيره، لم يحتاجوا حتى لـ "فكرة وجود الله" أو "وجود خالق متحكم ومسيطر كشخص"، بل

اكتشفوا عملية الخلق واإلبداع األقرب من حبل الوريد في كل الخلق... كيف يكون هناك خالق ومخلوق منفصلين وبينهما كل هذا الحب والشوق

24

والتوحد؟؟ هذا يسبب فرضية متناقضة ال داعي لها... األلوهية ستحدث فيقلبك طبيعيا من تلقاء نفسها، دون أن يزرعها أحد فيك...

الذي يشاء الهدايةاإلنساننور من نور، يهدي الله إلى نوره من يشاء... تأتيه الهداية من حيث ال يدري، أي من قلبه... ليس "الله" كما نفهم بالفهم

السطحي هو الذي قرر في البداية أن يخلق النور والهداية، فظهر النور في األرض... ثم في أحد األيام يقرر إخفاء النور فيختفي وينتهي كل

شيء... صح، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لكن ألنه قدير فهذا فوق التفسير، ليس كشخص يفكر ويقرر ويغضب ويدمر... الحقيقة أعلى

من ألعاب وانفعاالت األطفال... لماذا نفهم الله على هوانا ونقحمه في كل أمورنا ونعمل منه تعليقة لكل جهلنا ومصائبنا؟؟؟ لماذا نتعبه معنا!! يوما ما يخلق هذا اإلنسان ويكافئه،

ويوما آخر يميته ويحاسبه ويخفيه، ثم يعود ويحييه... فكر فقط بهذا العملالمتواصل على ماليين الناس؟

العارفون بالله يرحمونك ويريحونك من كل هذه االعتقادات.... ويعيدونك إلى الطبيعة، إلى دين الفطرة الواحد ال إلى أدياااااان الفكرة المتعددة...

انظر بعين الطبيعة إلى األشجار التي تنتج البذور ثم البذور التي تنتجما هي البذرة؟؟؟األشجار من جديد وهكذا..

البذرة هي اختفاء الشجرة...... انتقالها من الشكل إلىالالشكل...

يمكنك حمل بذرة في جيبك بل آالف البذور، لكن ال يمكن حمل شجرة! الشجرة لديها أغصان وفروع وأوراق وساق وجذور، أما البذرة فشيء

صغير يكاد ال يرى... ولو أنك لم تكن تعلم أن هذه البذرة التافهة ستتحول إلى شجرة، فلن تصدق أبدا هذا السحر العجيب الذي يحول البذرة إلى

شجرة تحمل مئات الثمار واألزهار كل سنة... لكنك تعلم علم اليقين بهذا السحر المبين... من البيان لسحرا... لذلك فأنت ال تولي أي اهتمام لهذا

الموضوع. تحول البذرة إلى شجرة معجزة بحد ذاتها... البذرة الصغيرة تحمل كل معلومات الشجرة وأوراقها وثمارها وكل أجزائها... بتفاصيل مذهلة لم

يستطع العلم كشفها حتى اليوم... يقول العلماء أن بذرة واحدة قادرة على جعل األرض بكاملها خضراء...

البذرة فيها طاقة كامنة مذهلة، ليست قادرة على ملئ األرض فحسب بلالكواكب كلها..

25

الكون كله يمكن أن يولد من بذرة واحدة... هذه البذرة الضئيلة عظيمةالقدرة... هذا الفناء الهزيل قوي جدا وضخم اإلمكانيات وغير محدود!

يقول العارفون أنه ال يوجد أي شخص يخلق الوجود وال أحد يوقفه... وال حاجة للذهاب إلى المعابد للصالة والدعاء والطلب المتواصل من الله: يا

الله افعل هذا، وال تفعل هذا!!... ال يوجد أحد وال أحد سيستجيب لمثل هذاالدعاء ألنه مجرد رياء وغباء...

ما هي الرسالة وراء هذا الكالم؟؟ هل هو مجرد تحدي وتشويش للمعتقدات المنتشرة بين العموم كما قد

يشك البعض ويرجم؟؟؟؟أبدا.... المقصود بين السطور أن يحل الرضى والتسليم في الصدور... ألم نشرح لك صدرك؟... اقبل كل األشياء كما هي فهذه طبيعتها دون بداية وال نهاية... تأتي وتختفي كشيء طبيعي ال يحتاج منك كثيرا من

التفسير والتحليل.... في هذا الرضى، في التسليم لشيئية األشياء والمشيئة الكونية، ستختفي كل المشاكل وكل ما يقلق حياتك... ال يمكن إيقاف شيء وال تغييره وال إنتاجه من جديد... األشياء كما هي من الله وإلى الله، لذلك ليس عليك

القيام بشيء.. أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد... وهو الفعل األكبرالله أكبر، ال فاعل أكبر أو أصغر من فاعل آخر....

تستطيع الشهادة على األشياء وحدوثها... وتستطيع المشاركة معها والسباحة في نهر تغيراتها والتغيير نظام ثابت... عندما تكون في سكون هذا الكون الداخلي سيكون هناك فرح عظيم... وهذا السكون هو الحرية

الحقيقية.

في الحياة كل شيء نور... ليس طاهرا وال نجسا... وال يوجد كذلك إنسانخاطئ إبليس وال إنسان صحيح وقديس...

ترى األشياء بنور الله كما هي، ال كما يفسرهاالبصيرة هي الثورة المنيرة: الفكر ويصنفها حسب فكرة الطهارة، فتأتي معها فكرة النجاسة... نصنع

فكرة القديس المتدين فنجد ظهور الشرير الكافر...

26

هل تريد أن يختفي األشرار والمخطئون من الحياة؟

قال الحبيب: يا أيها الكافرون، لكم دينكم ولي ديني... هذا القبول والرحمة هو السر... ال يمكن أن يختفي المذنبون الضالون إال عندما

يختفي القديسون ومن يسمون أنفسهم أصحاب األديان... إنهم يتواجدونمعا كوجهين لعملة واحدة...

هل تريد أن يختفي الشر والفسق والفجور من األرض؟

إذا يجب على األخالق وفرضها أن تزول..... األخالق هي التي تصنع عدم االلتزام باألخالق... المثل والقيم األخالقية هي التي تسبب اإلدانة لبعض

الناس الذين ال يستطيعون االلتزام بها، ال يستطيعون السير والحياة معها... ويمكنك جعل أي شيء غير أخالقي وحرام: فقط قم بنشر فكرة

أن "هذا شيء أخالقي وحالل"...!!!

يمكنك تقديس أي شيء، وراقب كيف يصبح مشكلة كبيرة وفرصة يمكنك تحريم أي شيء، وراقب كيف يصبح لتنجيسه أو الكفر به...

الممنوع مسموح ومرغوب وموجود...

ترى الحقيقة، دون تقديس وال تنجيس، دون إعجاب وال إدانة...البصيرة الحالل والحرام أو الطهارة والنجاسة كلها مواقف فكرية.. هل يمكن أن تقول عن الشجرة أنها حالل أم حرام؟ هل يمكن أن تقول عن العصفور

أنه مؤمن طاهر أم كافر عاهر؟؟؟؟ حاول أن ترى اآلن بهذه النظرة التجاوزية: ال خطأ وال صح... ال مسيء وال محسن.. ال شيء حالل وال شيء حرام..... في هذا القبول الالمشروط أين هي إمكانية تشكل القلق أو أي

مشكلة لديك؟؟؟

هذا الرضى هو جنة أخاذة بحد ذاته وال يمكنك حتى أن تحسنها أو تزينها... وال يوجد أي هدف لتحققه، ألنه من األساس ال يوجد أي قيمة ألي عمل...

وما خلقت الجن واإلنس إال للعبادة والتعبد.. الرحلة رحلة داخلية دون هدف.. هدفها الرحلة نفسها، الحياة لعبة ال علبة... وال يوجد أحد يؤديها أو

اللهيوجهها من وراء الكواليس.. كل شيء يحدث دون أن يقوم به أحد... إذا كان الفاعل موجودا ستظهر...فعل وليس اسم أو فاعل

المشاكل: عندها ابدأ بالصالة له وقم بمالحقته بالدعاء والطلبات وتقرب27

منه ليحبك ويحقق طلباتك، وهذا الفاعل سيساعد كل محبيه والمؤمنين به فقط، أما أولئك الغير مؤمنين به سيحرمون من العطاء وسيعانون في نار

جهنم... هذا هو ما يفكر به كل التابعين ألي دين مهما كان! األنبياء والحكماء جاؤوا للتوحيد والسالم والمحبة بين الناس جميعا... لكن الناس انقسموا وتصارعوا وصار المسلمون يفكرون أن المسلمين فقط هم الذين لهم الجنة، أما غير المسلمين فهم مساكين وذاهبين إلى النار، والحالة نفسها عند المسيحيين واليهود والبوذيين والهندوسيين: اإلنسان غير الهندوسي ليس عنده أي فرصة أو أمل... والمسيحيون يفكرون أن الذين ال يذهبون إلى الكنيسة فلن يعبروا عبرها إلى بر األمان وسيعانون من نار الجحيم المؤبدة إلى األبد.... هذا دون ذكر عشرات الطوائف في

كل دين....

العارف بالله يرى بنور الله: ال يوجد إنسان خير وال إنسان شرير، ال شيء الشجرةنظيف وال شيء قذر، األشياء كما هي فحسب... جرب أن تالحق

؟؟؟!".. وإذاأحمر؟ لماذا لونك ليس خضراءبأسئلتنا الغبية: "لماذا أنت أنصتت الشجرة لك فسوف تجن وتتعقد نفسيا وتقول لنفسها:

؟ لماذا؟ حقا السؤال هام جدا ولم يخطر على باليأحمر"لماذا لوني ليس ؟"خضراءمن قبل.. لماذا أنا

، وعاجال أم آجال سترىاألحمر وقم بتمجيد ومديح األخضرقم بإدانة اللون األشجار مستلقية على أسرة األطباء النفسيين وتخضع للتحليل النفسي

وأدوية االكتئاب!!!

28

لقد قمت أنت منذ البداية بصنع المشكلة، ثم يأتي شخص آخر صديق لكليعمل كمنقذ، وهذا عمل وتجارة وأرباح جيدة لكما معا....

الرؤيا بالبصيرة تقطع جذور المشاكل من األصل.. ويقول المعلم المستنير لك: أنت كما أنت، وحالك هي حالك، ال يوجد شيء لتحسنه وال مكان

لتذهب إليه وال هدف لتحققه... وهذا هو كل المقصود: أنت إنسان وخليفة ومستنير وحكيم كما أنت، وال يوجد أي زيادة لتضاف لك... "الزيادة"

ستسبب المشاكل ليس إال... فكرة "الزيادة" ستصيبك بالجنون... فاقبل الطبيعة وعش طبيعيا، ببساطة

وعفوية، لحظة بلحظة، وستأتيك اليقظة والبركة ونور القداسة واإليمان، ليس ألنك قمت بحفظ الكتب وأداء الفروض، بل ألنك مكتمل كامل كما

أنت.

بالبصيرة، ال شيء مكتمل وال شيء ناقص.. هذه القيم بالقيمة...

ال شيء جيد وال شيء سيء... الدنيا واآلخرة والجنة والنار متشابهان... ال حدود فاصلة بين هذا العالم والعالم اآلخر بل امتداد مع المدد... مع

البصيرة تختفي البصرة... تختفي كل الفوارق والفواصل ألنها مصنوعة منالفكرة...

وباختفاء األفكار في الفناء سيختفي اإلناء ويجمعنا الماء...أفكارنا المختلفة تسبب االختالفات وأحيانا الخالفات...

عندما تختفي المعرفة واألفكار يظهر العرفان...ال يوجد ثنائية بل توحيد أحد مع كل إنسان...

الله في قلبي وأنا في قلب الله... المحيط في القطرة والقطرة فيالمحيط...

إذا أدركت هذا التوحيد ستختفي كل هواجسك وقلقك ألنك إنسان ناقص:ال يوجد كمال وال يوجد نقصان.. انظر إلى هذا وشاهده اآلن!

ال تأتي الحقا وتسألني كيف أقوم بذلك....... ال يوجد "كيف" من األساس."كيف"، ستجلب المعرفة من جديد، والمعرفة هي البالء.

29

إذا كنت في حال من الالفكر ستتناغم مع الكون... باختفاء دوران األفكار بينك وبين الحقيقة، ستختفي كل الحواجز وتتصل باألصول... وهذا ما يتوق

إليه اإلنسان على الدوام... إنك تشعر بانفصالك عن أصلك كالشجرة المقطوعة الجذور، وهذا هو

بؤسك الحقيقي، وأنت مقطوع الجذور بسبب األفكار المشتتة التيتفصلك...

ارم هذه الوسيلة التي تفكر! الله بسيط ليس بحاجة إلى وسيط أووسطاء...

انظر إلى الحقيقة كما هي، دون أي فكرة في فكرك، دون أي فكرة عنكيف يجب أن تكون...

انظر بعين البراءة... بعين الالمعرفة وهذا هو العرفان.... تزول كل هواجسك وعقدك... وتعيش كإنسان...

باطمئنان وأمان مطلق دون حاجة للضمان...وبزوال المشاكل واألحوال، ستصبح مسيحا آخر ونبيا عدنان..

أنتم جميعا أنبياء وحكماء، لكنكم ال تدركون وال تتذكرون...ألنكم تحملون الوسائط الفكرية العازلة...

لديك عيون ممتازة لكنك ترتدي النظارة، وتقوم النظارة بعزل وتشويهالنظر وتلوين المناظر.... فانزع النظارة عن عيونك!

هذا معنى ما نقول: ارم الفكر....تخلى عن الفكر تأتيك نعمة الصمت... وفي هذا الصمت أنت مبارك...

لم تكن أبدا غير ذلك، أنت دائما تسير بالبركة والنعمة...لكن الذكرى المفقودة عادت إليك اآلن....

وضع قدمين تحاول فجأة رأيت تفاهة ما تحاول القيام به: ... لم يكن هناك أي حاجة باألساس ألن الحية ال تحتاجها وهيللحية

مكتملة كما هي، تستطيع الحركة دون أقدام... لكنك فقط من باب الشفقة على الحية المسكينة ستحاول تثبيت قدمين لها... إذا نجحتستقتل الحية! لكن من حسن الحظ أنك لن تستطيع النجاح أبدا......

30

إنك تحاول جمع وبلع المعلومات والمعارف لكي تصبح مثقفا وعالما وفقيها و و و و... ولهذا أنت تفقد اإلدراك... تفقد البصيرة األهم من أي بصرة

وفكرة!!!! بتكديس المعرفة ستخسر التعرف.. ستخسر قدرتك على الرؤية

والتصرف...هذا ما قصدته بـ "وضع القدمين للحية".........

التعرف هو طبيعتك األصلية...ال حاجة المتالك المعرفة لكي تعرف....

وفي الواقع، المعرفة هي العائق، المعرفة هي البالء...تخلى عن المعرفة وكن عارفا باألحوال.....

لقد كنت دائما مستنيرا وال تزال... فقط تذكر ذلك الحال...

In the light of the beloved master… OshoBaytalHaq.com©

31