تفسير سورة البقرة -...

821
1 القرآن تأويل فيلبيان ا جامع الطبري تفسير الطبري جعفر أبوملي، ا غالب بن كثير بن يزيد بن جرير بن محمد عام طبرستان في المولود839 عام بغداد في والمتوفي م923 مول امجلد ال

Upload: others

Post on 15-Oct-2020

35 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  •  

    جامع البيان في تأويل القرآن

    تفسير الطبري

    م923م والمتوفي في بغداد عام 839المولود في طبرستان عام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي، أبو جعفر الطبري

    المجلد األول

  •  

    جامع البيان في تأويل القرآن

    المجلد األول

    مقدمة

    بسم هللا الرحمن الرحيم

    من هللا وأمربركة

    الحمد رب العالمين الرحمِن الرحيم َملِِك يوِم الدين

    .والحمد الذي خلق السمواِت واألرَض وجعل الظلماِت والنورَ

    .والحمد الذي أنزل على عبده الكتاب ، ولم يجعْل له ِعَوًجا

    .ھو الحكيُم الخبيرُ والحمد الذي له ما في السمواِت واألرِض ، وله الحمد في اآلخرة ، و

    ا لنھتدَي لوال أْن ھدانا هللا .والحمد الذي ھدانا لھذا ، وما كنَّ

    .وصلى هللا وسلم وبارك على سيدنا وموالنا محمٍد ، رسول هللا وخيرته من خلقه ، خاتم النبيين ، وأشرف المرسلين

    .وعلى آله وأصحابه ومن تبعھم بإِحساٍن إلى يوم الدين

    نا كلَّما ذكره الذاكرون ، وَغَفل عن ذكره الغافلونفصلَّى هللا" لين واآلخرين. على نبيِّ أفضَل وأكثَر . وصلى هللا عليه في األوَّانا وإياكم بالصالة عليه ، أفضَل ما زكَّى أحًدا من أمته بصالته عليه ، والسالم عليه . وأزكى ما صلَّى على أحٍد من خلقه وزكَّ

    )1" (ورحمة هللا وبركاته

    __________

    .، بتحقيقنا 39، رقم ) الرسالة(اقتباس من كالم الشافعي ، في كتابه ) 1(

    : أما بعد

    ، وإخراج نفائس ) ُتراث اإلسالم(، إلحياء ) دار المعارف بمصر(فإن ھذا التفسير الجليل ، باكورة عمل عظيم ، تقوم به الذين خدموا ديَنھم ، وُعُنوا بكتاب رّبھم ، وسّنة نبّيھم ، وحفِظ . ا األفذاذالتي بقيْت لنا من آثار سلفنا الصالح ، وعلمائن. الكنوز

    .لغتھم ، بما لم تصنعه أمٌة من األمم ، ولم يبلْغ غيُرھم ِمْعشاَر ما وّفقھم هللا إليه

    قيمته العلمية ، وما فيه وما بي من حاجٍة لبيان). تفسير الطبري(كتاُب : فكان أَّوَل ما اخترنا ، باكورًة لھذا المشروع الخطير إماَم (استحقَّ به مؤلفُه الحجُة أن يسمَّى . وھو أعظم تفسير رأيناه ، وأعاله وأثبُته. من مزايا يندر أَن توجَد في تفسيٍر غيِره

    ).المفّسرين

    قوم دوَنه من عقباٍت ، وكنُت أخشى اإلقداَم على االضطالع بإِخراجه وأُْعِظُمه ، عن علٍم بما يكتنُف ذلك من صعوباٍت ، وما ي .وعن خبرٍة بالكتاب دھًرا طويال أربعين سنًة أو تزيد

    ى من عزمي ، وشدَّ من أْزري ، أخي األصغر ، األستاذ محمود محمد شاكر خير من يستطيع -فيما أعلم -وھو . لوال أْن قوَّ .ال أعرف أحًدا غيَره له أھال .أن يحمل ھذا العبء ، وأن يقوم بھذا العمل حقَّ القيام ، أو قريًبا من ذلك

    .ولكني أقّر بما أعلم ، وأشھد بما أَْسَتْيقن. وما أريد أن أشھَد ألخي أو أُْثنَي عليه

  •  

    وقد أََبى أخي السيد محمود إال أن ُيْلِقَي علّي بعَض العبء ، بالتعاون معه في مراجعة الكتاب ، وبتخريج أحاديثه ، وَدْرس .ولكّني لم أستطع التخلَي عنه ، فقبلُت وعملُت ، متوكال على هللا ، مستعيًنا به. مٌل فوَق مقدوريع - وحَده -وھذا . أسانيده

    عفا هللا عنه بمنه القاھرة يوم أحمد محمد شاكر كتبه. إنه سميع الدعاء. وأسأل هللا سبحانه الھدى والسداد ، والرعاية والتوفيق 1374جمادى اآلخرة سنة 4الجمعة

    حيمِ ِبسِم هللاَِّ حمِن الرَّ الرَّ

    ِخْذ َوَلًدا َوَلْم َيُكْن َلُه َشِريٌك * َتَباَرَك الَِّذي نزَل اْلفُْرَقاَن َعَلى َعْبِدِه لَِيُكوَن لِْلَعاَلِميَن َنِذيًرا { َماَواِت َواألْرِض َوَلْم َيتَّ الَِّذي َلُه ُمْلُك السََّرهُ ا َوال * َتْقِديًرا ِفي اْلُمْلِك َوَخَلَق ُكلَّ َشْيٍء َفَقدَّ َخُذوا ِمْن ُدوِنِه آلَِھًة الَ َيْخلُقُوَن َشْيًئا َوُھْم ُيْخَلقُوَن َوال َيْملُِكوَن ألْنفُِسِھْم َضّرً َواتَّ

    أََعاَنُه َعَلْيِه َقْوٌم آَخُروَن َفَقْد َجاُءوا ُظْلًما َوَقاَل الَِّذيَن َكَفُروا إِْن َھَذا إاِل إِْفٌك اْفَتَراهُ وَ * َنْفًعا َوال َيْملُِكوَن َمْوًتا َوال َحَياًة َوال ُنُشوًرا لِيَن اْكَتَتَبَھا َفِھَي ُتْمَلى َعَلْيِه ُبْكَرًة َوأَِصيال * َوُزوًرا ُه * َوَقالُوا أََساِطيُر األوَّ َماَواِت َواألْرِض إِنَّ رَّ ِفي السَّ قُْل أَنزَلُه الَِّذي َيْعلَُم السِّ

    }يًما َكاَن َغفُوًرا َرحِ

    * * *

    ْفَنا * َبْعُضُھْم لَِبْعٍض َظِھيًرا قُْل لَِئِن اْجَتَمَعِت اإلْنُس َواْلِجنُّ َعَلى أَْن َيأُْتوا ِبِمْثِل َھَذا اْلقُْرآِن الَ َيأُْتوَن ِبِمْثلِِه َوَلْو َكانَ { َولََقْد َصرَّاِس إاِل ُكفُوًرا لِلنَّاِس ِفي َھَذا اْلقُْرآِن ِمْن ُكلِّ َمَثٍل َفأََبى أَْكثَ }ُر النَّ

    * * *

    ين ُكلِّه َوَلْو َكِرَه اْلُمْشركونَ والحمد الذي أرسَل رسوَله محمًدا صلى هللا عليه وسلم بالُھَدى وِدينِ . الحقِّ لُيْظِھَره َعلَى الدِّوِس الْ { َماَواِت َوَما ِفي األْرِض اْلَملِِك اْلقُدُّ ِ َما فِي السَّ َّ ِ يِّيَن َرُسوال ِمْنُھْم َيْتلُو َعلَْيِھْم * َعِزيِز اْلَحِكيِم ُيَسبُِّح ُھَو الَِّذي َبَعَث ِفي األمِّ

    يِھْم َوُيَعلُِّمُھُم اْلِكَتاَب َواْلِحْكَمَة َوإِْن َكاُنوا ِمْن َقْبُل لَِفي َضالٍل ُمِبيٍن ا َيْلَحقُوا ِبِھْم وَ * آَياِتِه َوُيَزكِّ ُھَو اْلَعِزيُز اْلَحِكيُم َوآَخِريَن ِمْنُھْم َلمَُّ ُذو اْلَفْضِل اْلَعِظيِم * ِ ُيْؤِتيِه َمْن َيَشاُء َوهللاَّ }َذلَِك َفْضُل هللاَّ

    * * *

    ٍة ، ونسَتعينك وَنْسَتھديك ، ونعوُذ برضاَك من َغَضِبك ، فاغفر َلنا واْرَحمنا ك وتْب علينا إنّ اللَُّھّم إِّنا نبرأُ إليك من ُكلِّ َحْوٍل وقوَّحيم اُب الرَّ قُوا ِديَنھم َوكاُنوا ِشَيًعا ُكلُّ ِحْزٍب ِبَما َلَدْيِھْم َفِرُحون. أْنَت التَّوَّ نا َوال تجعلَنا من الذين فرَّ .ربَّ

    * * *

    للُھمَّ اھدنا أن نكون قّوامين بالِقْسط ُشَھداَء على الناس ، ا: اللُّھمَّ اجعلنا مسلِميَن لك ، َواِفين لك بالميثاق الذي أخذَت علينا نا هللا ثم استقاموا ، وعلمو َھداء ، الذين قالوا ربُّ يقين والشُّ دِّ ا صراَطك المستقيم ، صراَط الذين أنعمت عليھم من النبّيين والصِّ

    ة ، وَخَشعت لمَھاب ته الملوُك األِعزَّ ة َسْطوِته ذُوو أنك أنت الجّباُر الذي َخَضعْت لَجبُروِته الجَبابرة ، والعزيُز الذي ذلّْت لعزَّْنَيا َوِفي اآلِخَرِة َوُيِضلُّ { : المھابة ، فلم ُيرِھْبھم بغُي باٍغ وال ُظْلم سّفاٍح ظالم اِبِت ِفي اْلَحَياِة الدُّ ُ الَِّذيَن آَمُنوا ِباْلَقْوِل الثَّ ُيَثبُِّت هللاَّ

    ُ َما َيَشاُء الِِميَن َوَيْفَعُل هللاَّ ُ الظَّ َ َوال تْحَسبَ } { هللاَّ ُرُھْم لَِيْوٍم َتْشَخُص ِفيِه األْبَصاُر نَّ هللاَّ َما ُيَؤخِّ الُِموَن إِنَّ ا َيْعَمُل الظَّ * َغاِفال َعمَّ }ُمْھِطِعيَن ُمْقِنِعي ُرُءوِسِھْم الَ َيْرَتدُّ إَِلْيِھْم َطْرفُُھْم َوأَْفِئَدُتُھْم َھَواٌء

    * * *

    بين في جّنات النعيم ، فقد كان اللُّھم اغفر ألبي جعفر محمد بن جرير الطبري -، وتغّمده برحمتك ، واجعله من السابقين المقرَّْوا ما - ما َعلِْمنا من الذين َبيَّنوا كتاَبك للناس ولم يكتموه ، ولم يشَتُروا به َثَمًنا قليال من َمتاع ھذه الحياِة الدنيا ؛ ومن الذين أدَّ

    لوھم أمانَة ما َحَملوا ، لزمھم من حقِّك ، وذاُدوا عن سنة نبِّيك ؛ ثوا الخَلَف من بعدھم علم ما َعلموا ، وَحمَّ ومن الذين ورَّنا وھْم بميثاقك آخذون ، وخلُعوا لك األنداَد ، وكَفروا بالطاغوِت ، وَنَضحوا عن دينك ، وذبُّوا عن شريعتك ، وأفَضْوا إليك ربَّ

    فاعُف اللھّم عنا وعنھم ، واغفر لَنا ولھم ، وارحمنا وارحمھم ، . وعلى عھدك محافظون ، يرجون َرْحمَتك ويخافُون عذاَبك .أنت موالَنا فانصرَنا على القوِم الكافرين

  •  

    * * *

    ومنذ ھداني هللا " . إِّني ألعجُب َممْن قرأ القرآن ولم يعَلم تأويَله ، كيف يلتذُّ بقراءته ؟ : " كان أبو جعفر رضي هللا عنه يقول فقرأُت تفسيره صغيًرا وكبيًرا ، . كتاب التفسير ، وكتاب التاريخ: لعلم ، وأنا أصاحب أبا جعفر في كتابيه إلى االشتغال بطلب ا

    ًة إال وأنا أسمُع صوته يتخّطى إلّي القرون إني ألعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله ، كيف يلتذُّ بقراءته ؟ : وما قرأُته مرَّ .رضي هللا عنهفكنُت أجُد في تفسيره مصداَق قوله

    .بيد أني كنُت أجُد من المشّقة في قراءِته ما أجد

    فال يسلم لي المعنى حتى أعيد قراءة الفقرة منه . كان يستوقفني في القراءِة ، كثرةُ الفُُصول في عبارته ، وتباُعد أطراف الُجَملتھج أبو جعفر ، ولكن تبيَّن لي أيًضا أن قليال من الترقيم وكان سبب ذلك أّننا ألفَنا نھًجا من العبارة غيَر الذي ان. مرتين أو ثالًثا

    فلما فعلُت ذلك في أنحاٍء متفرقة من نسختي ، وعدُت بعُد إلى قراءِتھا ، وجدُتھا قد . في الكتاِب ، خليٌق أن يجَعل عبارته أبينَ ْنه ، فينسُب إليه ما لم أجده في كتابه ، ولما راجعُت كتب التفسير ، وجدُت بعَضھم ينقُل عَ . ذھب عنھا ما كنت أجد من المشّقة

    َن لي أن سبب ذلك ھو ھذه الجمل التي شّقت عليَّ قراءتھا . يقرؤھا القارئ ، فرّبما أخطأ ُمراَد أبي جعفٍر ، وربَّما أصابَ . فتبيَّلى طالب العلم ، وحتى تجّنبه فتمنَّيت يومئٍذ أن ينشر ھذا الكتاب الجليُل نشرًة صحيحة محّققة مرّقمًة ، حتى تسُھل قراءُتھا ع

    لل في فھم ُمَراد أبي جعفر .كثيًرا من الزَّ

    ولكْن تبيَّن لي على الزمن أن ما طبع من تفسير أبي جعفر ، كاَن فيه خطأ كثير وتصحيٌف وتحريف ، ولما راجعُت التفاسير محرفة ، فعلمُت أن التصحيف قديم في النسخ القديمة التي تنقُل َعْنه ، وجدُتھم يتخّطوَن بعض ھذه العبارات المصحفة أو ال

    وكان للذين طبعوه عذٌر قائٌم ، وھو سقم . وال غرو ، فھو كتاٌب ضْخٌم الَ يكاُد يسلُم كّل الصواب لناسخه. المخطوطةمخطوطاته التي سلمت من الضياع ، وضخامة الكتاب ، واحتياجه إلى مراجعة مئات من الكتب ، مع الصْبر على المشقة

    - فأضمرُت في َنْفسي أن أنُشر ھذا الكتاَب ، حتى أؤّدي بعض حقِّ هللا عليَّ ، وأشكُر به نعمًة أنالُھا . الَخَلل َبَصر بمواضعوالمن رٍب الَ يؤّدي عبٌد من عباده شكَر نعمة ماضيٍة من نعمه ، إال بنْعمة منه حادثٍة توِجب عليه أن يؤّدي - أَنا َلَھا غيُر مستحّق

    .إقداُره على شكر النعمة التي سلفت ؛ كما قال الشافعي رضي هللا عنه شكرھا ، ھي

    من ، وتفانت األّياُم ، وأنا مستھَلٌك فيما الَ ُيْغني عّني شيًئا يوم يقوم الناس لرّب العالمين م الزَّ حتَّى أيقَظِني عدواُن . وتصرَُّب به إلى ربِّ العاِدين ، وُظْلم الّظالمين ، وطغياُن الجبابرة المتكّبرين ، ف عقدت العزَم على طبع ھذا التفسير اإلماِم ، أتقرَّ

    .العالمين ، ملك يوم الدين

    دار " فرأى أن تنشره - أطال هللا بقاءه ، وأقبسني من علمه -وأفضيُت بما في نفسي إلى أخي األكبر السيد أحمد محمد شاكر لم يمض إال قليل حتى أعدَّت الدار ُعّدتھا لنشر ھذا الكتاب الضخم ، و). ُتراث اإلسالم(، باكورَة أعمالھا في نشر " المعارف

    .مشكورًة على ما بذلته في إحياء الكتاب العربيّ

    وكنت أحبُّ أن يكون العمل في نشر ھذا الكتاب مشاركة بيني وبين أخي في كّل صغيرٍة وكبيرة ، ولكن حالت دون ذلك كثرة علمِه وھدايته ، وأتجّنَب ما أخاف من الخطإ والزلل ، في كتاٍب قال فيه أبو عمر الزاھد ، وليَته َفَعل ، حتى أستفيد من . عمله

    وأنَّى لمثلي أن يحّقق كلمة " . قابلُت ھذا الكتاب من أّوله إلى آخره ، فما وجدُت فيه حرًفا خطأً في نحو أو لغة : " غالم ثعلب !أبي عمر في كتاب أبي جعفر

    !ن العجز والتھاون ، أَضعاَف ما أُوتي أسالفُھم من الجّد والقدرةونحن أھل زماِن أُوتوا م

    ا ، فيتكلّم عن بعض رجالھا ، حيُث يتطلب التحقيق ذلك ، ثم فتفضل أخي أن ينُظَر في أسانيد أبي جعفر ، وھي كثيرة جّدًج جميع ما فيه من أحاديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َنَظر في عملي وراجعه واستدرك فإن وجَد بعد ذلك فراًغا. يخرِّ

    . فشكرُت له ھذه اليَد التي طّوقني ِبھا ، وكم له عندي من يٍد الَ أملك جزاَءھا ، عْند هللا جزاؤھا وجزاُء كّل معروفٍ . عليه .وحسُبه من معروف أّنه سّدد ُخطاَي صغيًرا ، وأعانني كبيًرا

    ما بين أيدينا من مخطوطاته ومطبوعاته ، ومراجعته على كتب وتوليُت تصحيَح نّص الكتاب ، وضبطه ، ومقابلته على وبذلُت ُجْھدي في ترقيمه . وعلّقُت عليه ، وبّينت ما استغلَق من عبارته ، وشرحُت شواھده من الشعر. التفسير التي نقلت عنه

    .، وال حول وال قوة إال با فكّل ما كان في ذلك من إحساٍن فمن هللا ، وكّل ما فيه من َزَلٍل فمّني ومن عجزي. وتفصيله

  •  

    والنسخ المخطوطة الكاملة من تفسير الطبري ، الَ تكاُد ُتوَجد ، والذي ِمْنھا في دار الكتب أجزاٌء مفردة من الجزء األّول ، ًة والجزء السادس عشر ، ومنھا مخطوطة واحدة كانت في خمسة وعشرين مجلًَّدا ضاع منھا الجزء الثاني والثالث ، وھي قديم

    .تفسير 100: وھي محفوظة بالدار برقم . وھي على ما فيھا تكاُد تكون أصّح النسخ. غير معروفة التاريخ

    ا لنشر ھذا الكتاب أما سائر المخطوطات فھي سقيمة رديئة ، لم تنفع في كثير وال قليل ، فْضال عن أنھا قطع . فجعلتھا أّمً .صغيرة منه

    وفتح " للسيوطي ، " الدّر المنثور " سير ، وذلك بمراجعة ما فيه من اآلثار على كتاب فنھجُت نھًجا آخر في تصحيح ھذا التفأما ابن كثير في تفسيره ، فإنه لم يقتصر على نقل اآلثار ، بل . للشوكاني ، فھما يكثران النقل عن تفسير أبي جعفر" القدير

    ه في مواضع متفرقة ، وكذلك نقل أب فقابلُت . و حيان والقرطبي في مواضع قليلة من تفسيريھمانقل بعض كالم أبي جعفر بَنصِّل من التفسير أذكر مرجع كّل أثٍر في ھذه . المطبوع والمخطوط من تفسير أبي جعفر على ھذه الكتب وكنت في ھذا الجزء األوَّ

    ، إاِل عند االختالف ، الكتب ، ثم وجدُت أن ذلك يطيل الكتاب على غير جدوى ، فبدأت منذ الجزء الثاني أغفل ذكر المراجع .أو التصحيح ، أو غير ذلك مما يوجب بيان المراجع

    وراجعُت كثيًرا مّما في التفسير من اآلثار ، على سائر الكتب التي ھي مّظنة لروايتھا ، وبخاّصة تاريخ الطبري َنْفِسه ، ومن أحّرر أكثرھا في الطبري تحريًرا أرجو أن وبذلك استطعُت أن. في طبقته من أصحاب الكتب التي تروي اآلثار باألسانيد

    .يكون حسًنا مقبوال

    للفراء، " ومعاني القرآن " ألبي عبيدة ، " َمجاز القرآن " أّما ما تكلّم فيه من النحو واللغة ، فقد راجعته على أصوله ، من ذلك .وغيرھما مّمن يذكر أقوال أصحاب المعاني من الكوفيين والبصريين

    ما لم يكن منھا منسوًبا ، وشرحُتھا ، وحققت ما َيحتاُج قد تتبعُت ما استطعُت منھا في دواوين العرِب ، ونسبتوأما شواھُده ف .إلى تحقيق من قصائدھا ، مختصًرا في ذلك ما استطعت

    ه ، لّما وقد رأيُت في أثناء مراجعاتي أّن كثيًرا ممن نقل عن الطبري ، رّبما أخطأ في فھم ُمَراد الطبري ، فاعترض عليفقيدت بعَض ما بدا لي خالَل التعليق ، ولم أستوِعْب ذلك استيَعاًبا مخافة اإلطالة ، وتركت كثيًرا . استغلَق عليه بعُض عبارته

    مما وقفُت عليه من ذلك في الجزء األّول ، ولكني أرجو أْن أستدِرك ما فاتني من ذلك في األجزاء الباقية من التفسير إن شاء .ا سبحانههللا ربُّنَ

    وبّينُت ما وقفُت عليه من اصطالح النحاة القدماء وغيرھم ، مّما استعمله الطبري ، وخالَفه النحاةُ وغيرھم في اصطالحھم ، وقد وضعُت . ورّبما فاتني من ذلك شيٌء ، ولكني أرجو أْن أبّين ذلك فيما يأتي من األجزاء. بعد ذلك ، إلى اصطالح ُمْسَتحَدث

    ا بالمصطلحات ، في آخر كّل جزٍء ، حتى يتيّسر لطالب ذلك أن يجَد ما استبَھَم عليه من االصطالح في موضع ، فھرًسا خاّصً .في جزٍء آخر من الكتاب

    وكنُت أحبُّ أن أبّين ما انفرَد به الطبرّي من القول في تأويل بعض اآلياِت ، وأشرح ما أَْغَفله المفّسرون غيُره ، ولكني خفُت سبًبا في زيادة الكتاب طوال على طوله ؛ مع أني أََرى أن ھذا أمٌر يكشف عن كتاب الطبري ، ويزيدنا معرفة أن يكوَن ذلك

    بالطبري المفّسر ، وبمنھجه الذي اشتّقه في التفسير ، ولم اختلف المفّسرون من بعده ، فأغفلوا ما حرَص ھو على بيانه ؟

    ًصا يجَمُع ما وكنُت أحبُّ أيًضا أن أَُسھِّل على قارئ كتابه ، فأجعل في آخِر اآلياِت المتتابعة التي انتھى من تفسيرھا ، ُمَلخَّق في عشراٍت من الصفحاتِ رين الذين نقلوا َعْنُه ، كانوا يقرأون القطعة من . تفرَّ وذلك أني رأيُت نفسي قديًما ، ورأيت المفسِّ

    ًقا ا قبلھا ، أو كانوا يقرأونه متفرِّ وھذه القراءةُ ، كما تبيِّن لي ، كانْت سبًبا في كثيٍر من الَخْلط في معرفة .التفسير مفصولًة عمَّألنَّه لما خاف التكرار لطول الكتاِب ، اقتَصر في بعض المواِضع على ما الَ ُبدَّ . ُمَراِد الطبري ، وفي نسبة أقواٍل إليه لم يقْلھا

    والقارئ الملتِمس لمعنى آيٍة من . في تفسير اآليات المتصلة المعاني منه ، ثَقًة منه بأّنه قد أبان فيما مضى من كتابه عن نھجه اآلياِت ، ربَّما َغَفل عن ھذا التراُبط بين اآلية التي يقرؤھا ، واآليات التي سبَق للطبري فيھا بياٌن يّتصل كل االتصال ببيانه عن

    نه يحتاُج إِلى تكرار بعِض ما مضى ، وإلى إِطالٍة في ولكني حين بدأت أفعل ذلك ، وجدت األمر شاًقا عسيًرا ، وأ. ھذه اآلية .وھذا شيٌء يزيُد التفسيَر طوال وضخامة. البيانِ

  •  

    ا رأيُت أن كثيًرا من العلماء كان يعيُب على الطبري أنه حَشَد في كتاِبِه كثيًرا من الرواية عن السالفين ، الذين قرأوا الُكتُ ب، ولمَّأحببُت أن أكشف عن طريقة -التَّوراة واإلنجيل : روا من الرواية عن أھل الكتاَبْين السالَِفْين وذكروا في معاني القرآِن ما ذك

    الطبري في االستدالل بھذه الرواياِت روايًة روايًة ، وأبّين كيف أخطأ الناُس في فھم مقصده ، وأّنه لم َيْجعل ھذه الروايات قطُّ وأحببُت أن أبّين عند ُكلِّ روايٍة مقالة الطبرّي في إِسناِدھا ، . طل من يديه وال من خلفهمھيمنًة على كتاب هللا الذي الَ يأتيه البا

    ٌة في دين هللا ، وال في تفسير كتابه ، وأن استدالله بھا كان يقوم مقام االستدالِل بالشِّعر القديم ، على وأنه إسناٌد الَ تقوم به ُحجَّوغيرھما من المواضع تعليًقا يبيُن 458، 454: 1وقد علقُت في ھذا الجزء . جملةفھم معنى كلمة ، أو للداللة على سياِق

    ا ، اعتماًدا على ھذا التعليق ورأيُت أن أَدَع . عن نھج للطبري في االستدالل بھذه اآلثار ، وتركُت التعليَق في أماكَن كثيرة جّدًر " ذلك حتى أكتب كتاًبا عن ألني رأيُت ھناَك أشياء كثيرًة ، ينبغي بياُنھا ، . طبع ھذا التفسيربعد الفراغ من " الطبري المفسِّ

    فاسأل . ورأيتني يجّد لي ُكلَّ يوم جديٌد في معرفة نھجه ، كلَّما زدُت معرفًة بكتابه ، وإلًفا لطريقته. عن نھج الطبري في تفسيرهع بيان الحّجة في موضع موضٍع ، على ما تبّين لي من هللا أن يعنيني أن أفرَد له كتاًبا في الكالم عن أسلوبه في التفسير ، م

    ورحَم هللا أبا جعفر ، فإنه ، كما قال ، كان حدَّث نفسه بھذا التفسيِر وھو صبيٌّ ، واستخار هللا في عمله ، وسأله . أسلوبه فيهأتنشطون : تفسيره قال ألصحابه ثم لما أراد أن يملي. العوَن على ما نواه ، ثالَث سنين قبل أن يعمله ، فأعانه هللا سبحانه

    فاختصره لھم ! ھذا مّما تفَنى فيه األعماُر قبل تمامه: فقالوا . ثالثون ألف ورقة: كم يكون قدُره ؟ فقال : لتفسير القرآن ؟ قالوا ا وھذا. فكان ھذا االختصار سبًبا في تركه البياَن عّما نجتھد نحُن في بيانه عند كل آية. في ثالثة آالف ورقةٍ االختصاُر بّيٌن جّدً

    .لمن يتتّبع ھذا التفسيَر من أولِه إِلى آخره

    ولكّني وجدت الكتابة عن تفسيره في ھذه الترجمة ، لن . ھذا وقد كنُت رأيُت أن أكتب ترجمًة للطبري أْجَعلُھا مقّدَمًة للتفسيرفأعرضُت عن ذلك ، وقلت أجمع . في تفسيره إال بعد الفراغ من كتابه ، وكشف النقاب عّما استبھم من منھاِجه تتيّسر لي

    ترجمًة للطبري ، فجمعُت ُكّل ما في الكتب المطبوعة والمخطوطة من ترجمة وأخبار ، وما قيل في تصانيفه وتعدادھا ، فإذا قريًبا ھي قد تجاوزت ما يمكن أن يكوَن ترجمًة في صدر ھذا التفسير ، فآثرُت أن أفردھا كتاًبا قائًما بنفسه ، سوف يخرجُ

    .بعون هللا سبحانه

    أّما الفھارُس ، فإِّني كنت أريُد أن أدَعھا حتى أفرَغ من الكتاب ُكلِّه ، فأصدرھا في مجلداٍت مستقلّة ، ولكن الكتاَب كبيٌر ، ل فأُفرد بعض الفھا رس مع وحاجُة الناِس ، وحاجتي أَنا ، إلى مراجعة بعضه على بعض ، وربط أّوله بآخره أوجبْت أن أتعجَّ

    فقد تبّين لي أّنه رّبما ذكر في تفسير اآلية في . فجعلت فھرًسا لآليات التي استدّل بھا في غير موضعھا من التفسير. ُكّل جزء .ھذا الموضع ، قوال في اآلية لم يذكُره في موضعھا من تفسير السورة التي ھي منھا

    لى ما مضى في كتابه ، وليكون ھذا الفھرس مرجًعا لكل اللَُّغة التي وأفردت فھرًسا ثانًيا أللفاظ اللغة ، ألنه كثير اإلحالة عوھو فھرٌس الَ . رواھا الطبري ، وكثير منھا مّما لم يرد في المعاجم ، أو جاء بيانه عن معانيھا أجوَد من بيان أصحاب المعاجم

    .ُبدَّ أن يتم عند ُكّل جزء ، حتى الَ يسقط علّي شيٌء من لغة الطبري

    ھرًسا ثالًثا لمباحث العربّية ، ألّنه كثيًرا ما يحيُل على ھذه المواِضع ، وألّن فيھا نفًعا عظيًما تبّينُته وأنا أعمل في ھذا وأفردت ففھرًسا رابًعا للمصطلحات القديمة التي استحدث الناُس غيرھا ، ليْسُھل على قارئ كتابه أن يجد تفسيرھا في وزدت. التفسير

    رھا عند ُكّل موضع ذكرْت فيه ، لكثرة تكرارھا في الكتابموضعھا ، فإِني لم أف وفھرًسا خامًسا ، ھو ردوده على الفرق . سِّ .وأصحاب األھواءِ

    وأفردُت فھرًسا سادًسا للرجال الذي تَكلَّم عنھم أخي السيد أحمد في المواضع المتفرقة من التفسير ، حتى يسھُل على من يريد وھذا فھرٌس الَ ُبّد منه مع ُكلِّ . فإِّنه حفظه هللا ، لم يلتزم الكتابة على الرجال عند ُكّل إِسنادٍ . تهأن يحّقق إسناًدا أن يجد ضالّ

    .جزٍء حتى الَ تتكّرر الكتابة على الرجال في مواضع مختلفة من الكتاب ، ولتصحيح أسماء الرجال حيث كانوا من التفسير

    ِذْكِر ما سوى ذلك ، ولم أذكر فيه بدأه في تفسير ُكّل آية ، ألّن آيات أما الفھرس العام للكتاب ، فقد اقتصرت فيه علىفمن التمس تفسير آية ، فليستخرج رقمھا من المصحف ، وليطلْب . المصحف مرقمة ، وأثبتنا أرقام اآليات في رأس الصفحات

    .رقمھا في تفسير الطبري من رؤوس الصفحات

    * * *

    ھرًسا مع كلِّ جزٍء ، فإني سأجعُل َلُه فھرًسا مفرًدا بعد تمام طبع الكتاِب ، على نمط اخترُته ھذا ، وقد تركُت أن أْصَنع للشعر ف .لصناعته

  •  

    ة ، فستكون بعد تمام الكتاب كله ا فھارس الكتاب عامَّ وھي تشتمل فھارس أسانيد الطبري ، على طراز أرُجو أن أكون . وأمَّفھرس األماكن ، وفھرُس المعاني ، والفھارس الجامعة لما أفردُته من الفھارس ثم فھرس األعالم ، و. موفًقا في اختياره وعمله

    وھذا شيٌء الَ ُبدَّ منه ، لضبط ما في التفسير من مناحي العلم المختلفة ، وليتيّسر على الطالب أن يجد ُبْغيته حيث . مع كلِّ جزء .نهشاء من كتاب الطبري ، ألّنه كثير اإلحالة في كتابه على ما مضى م

    * * *

    يُت الصواَب ما استطعُت ، وأردُت أن أجَعَل نشَر ھذا الكتاِب اإلماِم في التفسير ، ُزْلَفى إِلى هللاِ وبعد ، فقد بذلُت جھدي ، وتحرَّه فأسأُل هللا أن يتقبَّل مني ما أخلصُت فيه ، وأن يغفر لي ما خالط! ولكن كيف يخلُص في زماننا عمٌل من شائبة تشوبهُ . خالصةً

    وأضرع إليه أن يغفر لََنا . ِمْن أمِر ھذه الدنيا ، وأن يتغّمدني برحمته َيْوَم الَ َيْنَفُع ماٌل َوال َبُنوَن ، إال َمْن أََتى َهللا ِبَقْلٍب َسلِيمٍ . وإلخواِننا الَِّذيَن َسَبقُوَنا باإليمان ، وآخُر َدْعَوانا أِن الحمُد ربِّ العالمين

    محمود محمد شاكر

    سم هللا الرحمن الرحيمب

    بركة من هللا وأمر

    بري في سنة ست وثلثمئة ، قال ت األلباَب بدائُع ِحَكمه ، : قرئ على أبي جعفر محمد بن جرير الطَّ الحمد الذي َحجَّلَّته ، شاھدةٌ وقطعت عذَر الملحدين عجائُب ُصْنعه ، وَھتفْت في أسماع العالميَن ألسُن أد) 1(وَخَصمت العقوَل لطائُف ُحججه

    وال مثَل له مماثل ، وال شريَك له ُمظاِھر ، وال َولَد له وال والد ، ولم ) 2(أنه هللا الذي الَ إله إال ھو ، الذي الَ ِعْدَل له معادل ة ، يكن له صاحبٌة وال كفًوا أحٌد ؛ وأنه الجبار الذي خضعت لجبروته الجبابرة ، والعزيز الذي ذلت لعّزته الملوُك األعزّ

    : وخشعت لمھابة سطوته َذُوو المھابة ، وأذعَن له جميُع الخلق بالطاعة طْوًعا َوَكْرًھا ، كما قال هللا جل ثناؤه وتقدست أسماؤه َماَواِت َواألْرِض َطْوًعا َوَكْرًھا َوِظاللُُھْم ِباْلُغُدوِّ َواآلَصاِل { ِ َيْسُجُد َمْن ِفي السَّ َّ ِ فكل موجود إلى ]. 15: سورة الرعد [} َو

    َوحدانيته داع ، وكل محسوس إلى ُربوبيته ھاد ، بما وَسمھم به من آثار الصنعة ، من نقص وزيادة ، وعجز وحاجة ، .وتصرف في عاھات عارضة ، ومقارنة أحداث الزمة ، لتكوَن له الحجة البالغة

    ه بھجته ، برسٍل ابتعثھم إلى من يشاء من عباده ، دعاًة ثم أْردف ما شھدْت به من ذلك أدلَُّته ، وأكد ما استنارت في القلوب منُسِل { إلى ما اتضحت لديھم صّحته ، وثبتت في العقول حجته ، ٌة َبْعَد الرُّ ِ ُحجَّ ]165: سورة النساء [} لَِئال َيُكوَن لِلنَّاِس َعَلى هللاَّ

    __________

    . غلبه وظھرت حجته على حجته: جادله بالحجة والبرھان ، وخصمه : وخاصمه . تهغلبه على حج: نازعه الحجة ، وحجه يحجه : حاجه يحاجه ) 1( .جمع لطيفة ، وكل شيء دقيق محكم وغامض خفي ، يحتاج إلى الرفق والتأني في إدراكه ، فھو لطيف: واللطائف

    .ثلهساواه وما: وعادله . النظير والمثيل: والعديل ) بكسر العين وفتحھا وسكون الدال(العدل ) 2(

    كَّر أولو النھي والحلم ھم بعْونه ، وأبانھم من سائر خلقه ، بما دل به على صدقھم من األدلة ، وأيدھم به من الحجج . وليذَّ فأمدَّا َتأُْكلُوَن ِمْنُه َوَيْشَربُ { ) 1(البالغة واآلي المعجزة ، لئال يقول القائل منھم ا َتْشَرُبوَن َما َھَذا إاِل َبَشٌر ِمْثلُُكْم َيأُْكُل ِممَّ َوَلِئْن * ِممَّ

    ُكْم إًِذا َلَخاِسُروَن فجعلھم سفراَء بينه وبين خلقه ، وأمناءه على وحيه ، ] 34 - 33: سورة المؤمنون [} أََطْعُتْم َبَشًرا ِمْثلَُكْم إِنَّمراتَب مختلفة، -كراماته فيما خصھم به من مواھبه ، ومّن به عليھم من - واختصھم بفضله ، واصطفاھم برسالته ، ثم جعلھم

    م بعضھم بالتكليم والنجوى ، وأيَّد بعضھم . ومنازل ُمفترقة ، ورفع بعضھم فوق بعض درجات ، متفاضالت متباينات فكرَّل نبينا محمًدا صلى هللا عليه وسلم ، من الدرجات بُروح القدس ، وخّصه بإحياء الموتى ، وإبراء أولى العاھة والعمى ، وفضَّ

    وخصه من درجات النبّوة بالحظ األجَزل ، ومن ) 2(فحباه من أقسام كرامته بالقسم األفضل . ا ، ومن المراتب بالُعظمىبالعليوابتعثه بالدعوة التامة ، والرسالة العامة ، وحاطه وحيًدا ، وعصمه فريًدا ، من كل جبار . األتباع واألصحاب بالنصيب األوفر

    . ظھر به الّدين ، وأوضح به السبيل ، وأنھج به معالم الحق ، َوَمحق به منار الشِّركحتى أ) 3(عاند ، وكل شيطان مارد مؤيًدا بداللة على األيام باقية ، وعلى ) 4(وزھق به الباطُل ، واضمحل به الضالُل وُخَدُع الشيطان وعبادةُ األصنام واألوثان

    يزداد ضياؤھا على كّر الدھور إشراًقا ، وعلى مّر الليالي واأليام الدھور واألزمان ثابتة ، وعلى َمرِّ الشھور والسنين دائمة ، ائتالًقا ،

  •  

    __________

    .، ومثل ھذا التبديل كثير في المطبوع ، سأغفل منه ما شئت لكثرته ، وطلبا لالختصار في التعليق بما ال غناء فيه" القائل فيھم : " في المطبوع ) 1(

    .، وھو الحظ والنصيب من الخير) ونبكسر فسك(جمع قسم : األقسام ) 2(

    الذي مرن على الشر حتى بلغ الغاية ، فتطاول : والمارد . الذي جار ومال عن طريق الحق ، ثم عتا وطغا وجاوز قدره: الجبار العنيد والعاند ) 3( .عتوا وتجبًرا

    بضم (والخدع جمع خدعة . وال أظنھا جيدة ھنا. عن اإلذاللبالجيم مضمومة ، من جدع األنف ، وھو قطعھا ، كناية " وجدع : " في المخطوطة ) 4( .وھي ما يخدع به من المكر والختل) : فسكون

    يَصى من هللا له بھا دون سائر رسله الذين قھرتھم الجبابرة ، واستذلَّتھم األمم الفاجرة ، فتعفَّْت بعدھم منھم اآلثار ، - ) 1(ِخصِّ .من كان منھم ُمْرسال إلى أمة دون أمة ، وخاّصة دون عامٍة ، وجماعة دون كافَّةودون -وأخملت ذكرھم الليالي واأليام

    فالحمُد الذي كرمنا بتصديقه ، وشّرفنا باتِّباعه ، وجعلنا من أھل اإلقرار واإليمان به وبما دعا إليه وجاء به ، صلى هللا عليه .اتهوعلى آله وسلم ، أزكى صلواته ، وأفضَل سالمه ، وأتمَّ تحي

    فھم به على سائر األمم ) 2(ثم أما بعد فإّن من جسيم ما خّص هللا به أمة نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم من الفضيلة ، وشرَّمن وحيه وتنزيله ، - جّل ذكره وتقدست أسماؤه -من المنازل الرفيعة ، وحباھم به من الكرامة السنية ، حفَظه ما حفظ عليھم

    نبوة نبيھم صلى هللا عليه وسلم داللة ، وعلى ما خصه به من الكرامة عالمًة واضحة ، وحجًة بالغة ، الذي جعله على حقيقةأبانه به من كل كاذب ومفتٍر ، وفَصل به بينھم وبين كل جاحد وُملِحد ، وفَرق به بينھم وبين كل كافر ومشرك ؛ الذي لو

    رھا وكبيرھا ، على أن يأتوا بسورة من مثله لم يأتوا بمثله ولو كان اجتمع جميُع من بين أقطارھا ، من ِجنِّھا وإنسھا وصغيَبه شھاًبا المًعا ) . 3(بعضھم لبعض ظھيًرا َلم نوًرا ساطًعا ، وفي ُسَدف الشُّ وفي مَضلة المسالك ) 4(فجعله لھم في ُدَجى الظُّ

    ُ مَ { دليال ھادًيا ، وإلى سبل النجاة والحق حادًيا ، لَُماِت إَِلى النُّوِر َيْھِدي ِبِه هللاَّ الِم َوُيْخِرُجُھْم ِمَن الظُّ َبَع ِرْضَواَنُه ُسُبَل السَّ ِن اتَّ منه الَ تنام ، حرسه بعين]. 16: سورة المائدة [} ِبإِْذِنِه َوَيْھِديِھْم إَِلى ِصَراٍط ُمْسَتِقيٍم

    __________

    أفرده به : وخصيصى ) بفتح الخاء وضمھا(بالشيء يخصه خصا وخصوصية خصه. ، وھو تصرف من الطابعين" تخصيًصا : " في المطبوع ) 1( .دون غيره

    .، ليجعلوا كالم الطبري دارًجا على ما ألفوا من الكالم" ثم : " حذف الطابعون قوله ) 2(

    .88: ، واإلسراء 38: ، ويونس 23: يضمن ما جاء في سورة البقرة ) 3(

    ليل يخالطھا بعض الضوء ، تكون في أول الليل وآخره ، ما بين الظلمة إلى الشفق ، وما بين الفجر إلى جمع سدفة ، وھي ظلمة ال: السدف ) 4( .الصالة

    ة وحاطه بُركن منه الَ يضام ، الَ َتِھي على األيام دعائمه ، وال تبيد على طول األزمان معالمه ، وال يجوز عن قصد المحجَّمن اتبعه فاز وُھِدى ، ومن حاد عنه ضلَّ وَغَوى ، فھو موئلھم الذي إليه عند . حبهوال يضل عن ُسُبل الھدى ُمَصا) 1(تابعه

    وحصنھم الذي به من وساوس الشيطان يتحصنون ، وحكمة ) 2(االختالف َيِئلون ، ومعقلھم الذي إليه في النوازل يعقلون ى به يصدرون ، وحبله الذي بالتمسك به من ربھم التي إليھا يحتكمون ، وفْصل قضائه بينھم الذي إليه ينتھون ، وعن الرض

    .الھلكة يعتصمون

    ره ، وناسخه ه ، ومجَمله ومفسَّ ه وخاصِّ اللھم فوفقنا إلصابة صواب القول في ُمْحَكمه وُمَتشابھه ، وحالله وحرامه ، وعامِّكمه ، والثبات على التسليم وألھمنا التمسك به واالعتصام بمح. ومنسوخه ، وظاھره وباطنه ، وتأويل آية وتفسير ُمْشِكله

    وصلى هللا على . إنك سميع الدعاء قريب اإلجابة. وأوزعنا الشكر على ما أنعمَت به علينا من حفظه والعلم بحدوده. لمتشابھه .محمد النبي وآله وسلم تسليما

  •  

    ه الغاية ، ما كان في العلم به اعلموا عباَد هللا ، رحمكم هللا ، أن أحقَّ ما ُصِرفت إلى علمه العناية ، وُبلِغت في معرفترًضى، وللعالم به إلى سبيل الرشاد ھدى ، وأن أجمَع ذلك لباغيه كتاُب هللا الذي ال ريب فيه ، وتنزيله الذي ال ِمْرية فيه ،

    ) .3(ميد الفائُز بجزيل الذخر وسنّى األجر تاليه ، الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ، تنزيٌل من حكيم حَ

    منشئون إن شاء هللا ذلك ، كتاًبا مستوِعًبا لكل ما بالناس إليه الحاجة من - في شرح تأويله ، وبيان ما فيه من معانيه - ونحن .غيره في ذلك كافًيا علمه ، جامًعا ، ومن سائر الكتب

    __________

    .استقامة الطريق وسھولته: والقصد . الطريق: المحجة ) 1(

    لجأ : الحصن المنيع في رأس الجبل ، وعقل إليه يعقل عقال وعقوال : والمعقل . الملجأ والمنجى: والموئل . لجأ طلًبا للنجاة: وأال ووؤوال وأل يئل) 2( .وإن صحت في قياس العربية. بمعنى عقل" اعتقل " ولم أجد . ، وفي المخطوطة مثلھا غير منقوطة" يعتقلون " وفي المطبوعة . إليه وامتنع به

    . 42: تضمين آية سورة فصلت ) 3(

    وُمبيِّنو ِعَلل كل . واختالفھا فيما اختلفت فيه منهُ ) 1(ومخبرون في كل ذلك بما انتھى إلينا من اتفاق الحجة فيما اتفقت عليه منه حو الصحيح لدينا من ذلك ، بأوجز ما أمكن من اإليجاز في ذلك ، وأخصر ما أمكن من مذھب من مذاھبھم ، وُمَوضِّ

    .االختصار فيه

    ِه ، ويْبعد من َمساِخطه وصلى هللا على َصفوته من خلقه وعلى آله وسلم تسليًما . وهللا نسأُل عونه وتوفيقه لما يقرب من مَحابِّ .كثيًرا

    البياُن : ذلك و. اإلبانُة عن األسباب التي البدايُة بھا أولى ، وتقديمھا قبل ما عداھا أْحرى: وأوُل ما نبدأ به من القِيل في ذلك عما في آي القرآن من المعاني التي من ِقَبلھا يدخل اللَّْبس على من لم يعان رياضَة العلوم العربية ، ولم تستحكم معرفُته

    .بتصاريف وجوه منطق األلُسن السليقية الطبيعية

    __________

    .راجعة إلى كتاب هللا" منه " والھاء في . ، وھو تصرف ال خير فيه" عليه األمة " في المطبوعة ) 1(

    والّداللة على أن ذلك من - القوُل في البياِن عن اتفاق معاني آي القرآن ، ومعاني منِطق َمْن نزل بلسانه القرآن من َوْجه البيان ( )مع اإلبانِة عن فْضل المعَنى الذي به َباَين القرآُن سائَر الكالم - هللا تعالى ذكره ھو الحكمة البالغة

    إن من أعظم نعم هللا تعالى ذكره على عباده ، وجسيم ِمنَّته على خلقه ، ما : جعفر محمد بن جرير الطبرّي ، رحمه هللا قال أبو ) 1(منحھم من َفْضل البيان الذي به عن ضمائر ُصدورھم ُيبينون ، وبه على عزائم نفوسھم َيُدلّون ، فَذلَّل به منھم األلسن

    سون ، وإلى حاجاتھم به يتوّصلون ، وبه بينھم فبِ . وسھَّل به عليھم المستصعب اه به يَسبِّحون ويقدِّ دون ، وإيَّ ِه إياه ُيَوحِّ .يَتحاوُرون ، فيتعارفون ويتعاملون

    فَبْيَن خطيب مْسِھب ، وَذلِِق اللسان : طبقاٍت ، ورفع بعضھم فوق بعض درجاٍت - فيما منحھم من ذلك - ثم جعلھم ، جّل ذكره وجعل أعالھم فيه ُرتبة ، وأرفعھم فيه درجًة ، أبلَغھم . عن نفسه ال ُيبين ، َوعىٍّ عن ضمير قلبه ال يعَبر) 2(ٍم ُمْھِذب ، ومْفحَ

    ثم عّرفھم في تنزيله ومحكم آيِ كتابه فضَل ما حباھم به من البيان ، . فيما أراَد به َبالًغا ، وأبيَنھم عن نفسه به بياَنا

    __________

    .نه وسھله ونفى عنه جفوته وصعوبتهلي: ذلل الشيء ) 1(

    وذلق ). بكسر الھاء(، وإذا أكثر وأصاب فھو مسھب ) بفتح الھاء(رجل مسھب : أكثر الكالم ، فإذا أكثر الكالم في خطأ قالوا : أسھب الرجل ) 2(أسرع وتابع ، وفي حديث : لمتكلم في كالمه من أھذب الطائر في طيرانه ، والفرس في عدوه ، وا" : مھذب " وقوله . فصيح طليق ال يتوقف: اللسان

    " وفي المطبوعة . أسكته فلم يطق جواًبا وانقطع ، فھو مفحم: كلمنى فالن فأفحمته : يقال . أي يسرع فيه ويتابعه" فجعل يھذُب الركوع " أبي ذر .. " ومعجم عن نفسه

  • 10 

     

    أُ ِفي اْلِحْلَيِة َوُھَو ِفي اْلِخَصاِم َغْيُر { : ل تعالى ذكُره فقا) 1(فّضلھم به عليه من ذى الَبَكم والُمسَتْعِجم اللسان على من أََوَمْن ُيَنشَّفقد َوَضَح إذا لذوي األفھام ، وتبين ألولي األلباب ، أّن فضَل أھل البيان على أھل الَبَكم ]. 18: سورة الزخرف [} ُمِبيٍن

    أراد إبانته عن نفسه ببيانه ، واستعجام لسان ھذا عما حاول إبانته والمستعجِم اللسان ، بفضل اقتدار ھذا من نفسه على إبانة ما .بلسانه

    وكان المعنى الذي به بايَن الفاضُل المفضوَل في ذلك ، فصار به فاضال واآلخُر مفضوال ھو ما وصفنا - فإْذ كان ذلك كذلك فال شك -َف األقدار ، متفاوَت الغايات والنھايات من فْضل إبانة ذى البيان ، عما قّصر عنه المستعجُم اللسان ، وكان ذلك مختل

    أن أعلى منازل البيان درجًة ، وأسنى مراتبه مرتبًة ، أبلُغه في حاجة الُمِبين عن نفسه ، وأبيُنه عن مراد قائله ، وأقرُبه من فھم العباد ، كان حجًة وَعَلًما لرسل فإن تجاوز ذلك المقدار ، وارتفع عن ُوْسع األنام ، وعجز عن أن يأتي بمثله جميُع . سامعه

    كما كان حجًة وَعَلًما لھا إحياُء الموتى وإبراُء األبرص وذوي العمى ، بارتفاع ذلك عن مقادير أعلى منازل -الواحد القھار ا قطُع وكالذي كان لھا حجًة وَعَلمً . وأرفع مراتب ِعالج المعالجين ، إلى ما يعجز عنه جميع العاَلِمين) 2(طّب المتطببين

    مسافة شھرين في الليلة الواحدة ، بارتفاع ذلك عن ُوسع األنام ، وتعّذر مثله على جميع العباد ، وإن كانوا على قطع القليل من .المسافة قادرين ، ولليسير منه فاعلين

    نطَق أعلى ، فإْذ كان ما وصْفنا من ذلك كالذي وصْفنا ، فبّيٌن أْن ال بيان أْبَيُن ، وال حكمة أبلُغ ، وال م

    __________

    .التبست عليه فلم يتھيأ له أن يمضي فيھا ، فسكت وانقطع عن القراءة: استعجمت عليه قراءته . كل من ال يقدر على الكالم فھو أعجم ومستعجم) 1(

    .جمع مقدار ، وھو القوة ، ومثله القدر والقدرة والمقدرة: مقادير ) 2(

    امرؤ قوًما في زمان ھم فيه رؤساء صناعة الخطب والبالغة ، وقيِل الشعِر تحّدى بهمن بيان ومنطق -وال كالَم أشرُف فسفَّه -وشاعر منھم وفصيح ، وكّل ذي سجع وكھانة ) 1(والفَصاحة ، والسجع والكھانة ، على كل خطيب منھم وبليغ

    ر بعقولھم ل منه والتصديق به ، واإلقرار بأنه رسوٌل وتبرأ من دينھم ، ودعا جميعھم إلى اتباعه والقبو) 2(أحالمھم ، وقصََّته على حقيقة نبّوته . إليھم من ربھم ما أتاھم به من البيان ، والحكمة والفرقان ، - وأخبرھم أن داللته على صْدق مقالته ، وحجَّ

    عضه َعَجَزة ، ومن القدرة ثم أنبأ جميعھم أنھم عن أن يأتوا بمثل ب. بلسان مثل ألسنتھم ، ومنطق موافقٍة معانيه معانَي منطقھمإال من تجاھل منھم وتعامى ، . فأقّر جميُعھم بالعجز ، وأذعنوا له بالتصديق ، وشھدوا على أنفسھم بالنقص. عليه نَقَصةٌ

    فأبدى من ضعف عقله ما . واستكبر وتعاشى ، فحاول تكلُّف ما قد علم أنه عنه عاجز ، ورام ما قد تيقن أنه عليه غير قادر: " ًرا ، ومن ِعّي لسانه ما كان مُصوًنا ، فأتى بما ال يعِجُز عنه الضعيف األخرق ، والجاھل األحمق ، فقال كان مستت

    ونحو ذلك من الحماقات ) 3" ! (والطاحنات طحًنا ، والعاجنات عجًنا ، فالخابزات خبًزا ، والثاردات َثْرًدا ، والالقمات لَْقًما .المشبھِة دعواه الكاذبة

    وكان هللا تعالى ذكُره وتقدست أسماؤه ، أحكَم -تفاُضُل مراتب البيان ، وتباُيُن منازل درجات الكالم ، بما وصفنا قبل فإْذ كان الحكماء ، وأحلَم الحلماء ،

    __________

    والصواب ما . تقيم بھا كالموكلتاھما ال يس" . كل " بحذف .. " على خطيب" ، وفي المخطوطة " على " بحذف .. " كل خطيب: " في المطبوعة ) 1(يعني أن الذين تحداھم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " . على كل خطيب منھم وبليغ ... وأراد الطبري أنھم رؤساء صناعة الخطب والبالغة. أثبتناه

    .بالقرآن من العرب ، كانوا رؤساء البيان والبالغة على كل مبين وبليغ من سائر العرب

    " وقصر معقولھم : " وفي المطبوعة . نسبھم إلى السفه ، وھو خفة الحلم واضطراب الرأي وضعفه ، وھو باب من الجھل: سفه أحالمھم ) 2(قصر " وأما قوله . نسبھم إلى قصر العقل وقلته" : قصر " وكأنه أراد بقوله . ما لفالن معقول ، أي ما له عقل: والمعقول مصدر كالعقل ، يقال

    .وأنا في شك من صواب ھذا الحرف. معنى استخف بھا ، فعداه بالباء ، أي عاب عقولھم واستقصرھا واستخف بھا" قصر " ن ، فكأنه ضم" بعقولھم

    .وسواه 245: 3انظر تاريخ الطبري . من ھذيان مسيلمة الكذاب لعنه هللا) 3(

    انه ، جّل ذكره ، على بيان جميع خلقه ، كفضله كان معلوًما أن أبيَن البيان بياُنه ، وأفضَل الكالم كالمه ، وأن قدَر فْضل بي - .على جميع عباده

  • 11 

     

    كان معلوًما أنه غير جائز أن -وكان غيَر مبين مّنا عن نفسه َمْن خاطَب غيره بما ال يفھمه عنه المخاطب - فإْذ كان كذلك ال برسالة إال بلساٍن وبياٍن يفھمه يخاطَب جل ذكره أحٌدا من خلقه إال بما يفھمه المخاَطُب ، وال يرسَل إلى أحد منھم رسو

    قبل الخطاب وقبل مجيء -ألن المخاطب والمرَسَل إليه ، إن لم يفھم ما خوطب به وأرسل به إليه ، فحالُه . المرَسُل إليهن أن يخاطب وهللا جل ذكره يتعالى ع. سواٌء ، إذ لم يفْده الخطاُب والرسالُة شيًئا كان به قبل ذلك جاھال -الرسالة إليه وبعَده

    خطاًبا أو يرسل رسالًة ال توجب فائدة لمن ُخوطب أو أرسلت إليه ، ألن ذلك فينا من فعل أھل النقص والعبث ، وهللا تعالى عن ]. 4: سورة إبراھيم [} َوَما أَْرَسْلَنا ِمْن َرُسوٍل إاِل ِبلَِساِن َقْوِمِه لُِيَبيَِّن َلُھْم { : ولذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله . ذلك ُمَتعالٍ

    } َوَما أَنزْلَنا َعَلْيَك اْلِكَتاَب إاِل لُِتَبيَِّن َلُھُم الَِّذي اْخَتَلفُوا ِفيِه َوُھًدى َوَرْحَمًة لَِقْوٍم ُيْؤِمُنونَ { : وقال لنبيه محمد صلى هللا عليه وسلم .ى إليه جاھالفغير جائز أن يكوَن به مھتدًيا ، مْن كاَن بما ُيْھدَ ]. 64: سورة النحل [

    اللة -فقد تبين إًذا أن كّل رسول جل ثناؤه أرسله إلى قوم ، فإنما أرسله بلسان من أرسله إليه ، وكّل -بما عليه دللنا من الدِّاب فاتضح بما قلنا ووصفنا ، أن كت. كتاب أنزله على نبي ، ورسالة أرسلھا إلى أمة ، فإنما أنزله بلسان من أنزله أو أرسله إليهوإْذ كان لسان محمد صلى هللا عليه . هللا الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم ، بلسان محمد صلى هللا عليه وسلم

    ٌن أن القرآن عربيٌّ ا ، فبيِّ ا أَنزْلَناهُ قُْرآًنا َعَرِبّيًا َلَعلَّ { : وبذلك أيًضا نطق محكم تنزيل ربنا ، فقال جل ذكره . وسلم عربّيً ُكْم إِنَّوُح األِميُن * َلَتنزيُل َربِّ اْلَعاَلِميَن َوإِنَّهُ { : وقال ]. 2: سورة يوسف [} َتْعقِلُوَن * َعلَى َقْلِبَك لَِتُكوَن ِمَن اْلُمْنِذِريَن * نزَل ِبِه الرُّ

    ].195 - 192: سورة الشعراء [} ِبلَِساٍن َعَرِبيٍّ ُمِبيٍن

    فالواجُب أن تكون معاني كتاب هللا -ما عليه استشھدنا من الشواھد ، ودللنا عليه من الدالئل ب - وإْذ كانت واضحًة صحُة ما قلنا المنزل على نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم ، لمعاني كالم العرب موافقًة ، وظاھُره لظاھر كالمھا مالئًما ، وإن باينه كتاُب

    .، بما قد تقّدم َوْصفَُناهُ هللا بالفضيلة التي فَضَل بھا سائَر الكالم والبيان

    إْذ كان موجوًدا في كالم العرب اإليجاُز واالختصاُر ، واالجتزاُء باإلخفاء من اإلظھار ، وبالقلة -فإْذ كان ذلك كذلك ، فبيِّن الكناية عنھا، من اإلكثار في بعض األحوال ، واستعماُل اإلطالة واإلكثار ، والترداد والتكرار ، وإظھاُر المعاني باألسماء دون

    واإلسرار في بعض األوقات ، والخبُر عن الخاّص في المراد بالعاّم الظاھر ، وعن العاّم في المراد بالخاّص الظاھر ، وعن ح ، وعن الصفة والمراُد الموصوف ، وعن الموصوف والمراُد الصفة ، وتقديُم ما ھو في المعنى الكناية والمراُد منه المصرَّ

    -ما ھو في المعنى مقّدم ، واالكتفاُء ببعض من بعض ، وبما يظھر عما يحذف ، وإظھاُر ما حظه الحذف مؤخر ، وتأخيُر .أن يكون ما في كتاب هللا المنزل على نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم من ذلك ، في كّل ذلك له نظيًرا ، وله ِمْثال وشبيًھا) 1(

    .هللا ذلك وأمّد منه بعوٍن وقّوةونحن ُمَبيِّنو جميع ذلك في أماكنه ، إن شاء

    __________

    ، وما بينھما اعتراض طويل ؛ وھذا دأب الطبري أبًدا ، حتى كأنه لم يكن يخشى على قارئ أن يسوء " فبين " مبتدأ قوله .. " أن يكون: " قوله ) 1( .فھمه أو تكل فطنته

  • 12 

     

    ربالقول في الَبَيان عن األحرف التي اتفقت فيھا ألفاظ الع

    وألفاظ غيرھا من بعض أجناس األمم

    إنك ذكرت أنه غيُر جائز أن يخاطب هللا تعالى ذكرهُ أحًدا من خلقه إال بما يفھمه ، وأن : إن سألنا سائل فقال : قال أبو جعفر ..يرسل إليه رسالة إال باللسان الذي يفقھه

    حدثنا عْبسة ، عن أبي إسحاق ، : حدثنا َحّكام بن َسْلم ، قال : فما أنت قائل فيما حدثكم به محمد ُبن ُحميد الرازي ، قال - 1ضعفان من األجر ، : الكفالن : ، قال ] 28: سورة الحديد [} ُيْؤِتُكْم ِكْفَلْيِن ِمْن َرْحَمِتِه { : عن أبي األحوص عن أبي موسى

    ) .1(بلسان الحبشة

    إِنَّ { : َعنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس حدثنا حكام ، عن: وفيما حدثكم به ابن ُحَمْيد ، قال - 2 ) .2(َنشأ : بلسان الحبشة إذا قاَم الرجُل من الليل قالوا : قال ] 6: سورة المزمل [} َناِشَئَة اللَّْيِل

    ِبي { : بي ميسرة حدثنا عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن أ: حّدثنا حكام ، قال : وفيما حّدثكم به ابن حميد قال - 3 َيا ِجَباُل أَوِّ ؟) 3(سبِّحي ، بلسان الحبشة : قال } َمَعهُ

    .فقد حدثونا به" حّدثكم " وكل ما قلنا في ھذا الكتاب : قال أبو جعفر

    __________

    .وفي إسناده ھناك خطأ 28: يأتي بھذا اإلسناد في تفسير سورة الحديد - 1الخبر ) 1(

    6: اده في تفسير سورة المزمل يأتي بإسن - 2الخبر ) 2(

    10: يأتي بإسناده في تفسير سورة سبأ - 3الخبر ) 3(

    حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن : حدثنا سلم ابن قتيبة ، قال : وفيما حّدثكم به محمد بن خالد بن ِخداش األزدّي ، قال - 4ْت ِمْن َقْسَوَرٍة { : قوله زيد ، عن يوسف بن مھران ، عن ابن عباس رضي هللا عنھما أنه سأل عن ] 51: سورة المدثر [} َفرَّ

    ) .1(ھو بالعربية األسد ، وبالفارسية شار ، وبالنبطية أريا ، وبالحبشية قسورة : قال

    : قالت قريش : حّدثنا يعقوب القّمى ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن ُجَبير قال : وفيما حدثكم به ابن حميد قال - 5َلْت آَياُتُه أَأَْعَجِميٌّ َوَعَرِبيٌّ قُْل ُھَو لِلَِّذيَن آَمُنوا { : ال أنزل ھذا القرآن أعجميٌّا وعربّيًا ؟ فأنزل هللا تعالى ذكره لو لََقالُوا لَْوال فُصِّ

    يٍل ِحَجاَرًة ِمنْ { . فأنزل هللا بعد ھذه اآلية في القرآن بكل لسان فيه] 44: سورة فصلت [} ُھًدى َوِشَفاٌء : سورة ھود [} ِسجِّ ) .2(سنك وكل " فارسية أعربت : قال ] 74: ، وسورة الحجر 82

    حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي : حدثنا عبد الرحمن بن مھدّي ، قال : وفيما حدثكم به محمد بن بشار ، قال - 6 ) .3(في القرآن من كل لسان : ميسرة ، قال

    بار التي يطوُل بذكرھا الكتاب ، مما يدل على أن فيه من غير لسان العرب ؟وفيما أشبه ذلك من األخ

    ھذه األحرف وما أشبھھا لم تكن للعرب : من أجل أنھم لم يقولوا -إّن الذي قالوه من ذلك غير خارج من معنى ما قلنا : قيل له لھا منطًقا قبل نزول القرآن ، كالًما ، وال كان ذاك

    __________

    51: يأتي بإسناده في تفسير سورة المدثر - 4ر الخب) 1(

    وفي الدر . وھي أجود.. " فأنزل هللا بعد ھذه اآلية كل لسان فيه: " ونص الخبر ھناك . 44: يأتي بإسناده في تفسير سورة فصلت - 5الخبر ) 2(وانظر سائر ما . 82: يأتي بإسناده مختصًرا في تفسير سورة ھود ثم .. " . حجارة. وأنزل هللا تعالى بعد ھذه اآلية فيه بكل لسان: " 367: 5المنثور

    .كالم مستأنف ، ضربه مثال لما جاء في القرآن من األلسنة األخرى" .. حجارة من سجيل " وقوله . 4: في تفسير سورة الفيل " سجيل " روى في

  • 13 

     

    " .بكل لسان : " وفيه 367: 5وھو في الدر المنثور . لم أجده في مكان آخر بعد - 6الخبر ) 3(

    حرف كذا بلسان : وإنما قال بعضھم ) . 1(فيكون ذلك قوال لقولنا ِخالًفا - وال كانت بھا العرب عارفًة قبل مجيء الفرقان ولم نستنكر أن يكون من الكالم ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس األمم . الحبشة معناهُ كذا ، وحرُف كذا بلسان العجم معناه كذا

    تلفة األلسن بمعنى واحد ، فكيف بجنسين منھا ؟ كما وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من األلسن المختلفة ، وذلك المخمما -مما يتعب إحصاؤه ُويِمّل تعداده ، كرھنا إطالة الكتاب بذكره - كالدرھم والدينار والدواة والقلم والقْرطاس ، وغير ذلك

    .ولعّل ذلك كذلك في سائر األلسن التي نجھل منطقھا وال نعرف كالمھا. باللفظ والمعنى اتفقت فيه الفارسية والعربية

    فيما ذكرنا من األشياء التي عدْدنا وأخِبْرنا اتفاَقه في اللفظ والمعنى بالفارسية والعربية ، وما أشبَه ذلك مما - فلو أن قائال قال بعضه عربي وبعضه فارسي ، أو : كله عربي ال فارسي ، أو قال ذلك كله فارسي ال عربي ، أو ذلك: -سكتنا عن ذكره

    كان مخرج أصله من عند الفرس فوقع إلى العرب : كان مخرج أصله من عند العرب فوقع إلى العجم فنطقوا به ، أو قال : قال، وال العجم أحقَّ أن ألن العرَب ليست بأولى أن تكون كان مخرُج أصل ذلك منھا إلى العجم) 2(كان مستجَھال -فأعربته

    .تكون كان مخرج أصل ذلك منھا إلى العرب ، إذ كان استعمال ذلك بلفظ واحد ومعنى واحد موجوًدا في الجنسين

    وإْذ كان ذلك موجوًدا على ما وصفنا في الجنسين ، فليس أحُد الجنسين أولى بأن يكون أصُل ذلك كان من عنده من الجنس ذلك إنما كان من أحد الجنسين إلى اآلخر ، مّدٍع أمًرا ال يوَصل إلى حقيقة صّحته إال بخبر والمّدعي أن مخرج صل. اآلخر

    .يوجب العلم ، ويزيل الشّك ، ويقطع العذَر صحُته

    __________

    .مخالف ، وسيكثر مجيئھا في كالم الطبري: خالف ) 1(

    : واستجھل فالًنا . والفصل في عبارة الطبري يكون أطول من ھذا ، كما سيمر بك. .. "لو أن قائال قال: " ، جواب قوله " كان مستجھال : " قوله ) 2( .فساد الرأي واضطرابه ، ألنه مبني على التحكم المحض ، كما ترى في رد الطبري: والجھل ھنا . عده جاھال ، أو وجده جاھال

    في بيانھا ومنطقھا -ربّيًا ، إذ كانت األّمتان له مستعملتين عربّيًا أعجمّيًا ، أو حبشّيًا ع: أن يسمَّى : بل الصواب في ذلك عندنا ) .1(منه - فليس غيُر ذلك من كالم كّل أمة منھما ، بأولى أن يكون إليھا منسوًبا . استعماَل سائر منطقھا وبيانھا -

    جنس منھا استعماَل سائِر فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيھا وفي معناھا ، وُوجد ذلك مستعمال في كلمن الدرھم والدينار والدواة والقلم ، التي اتفقت ألسن الفرس - منطقھم ، فسبيُل إضافته إلى كل جنس منھا ، سبيُل ما وصفنا

    ).2(اجتماٌع واقتراٌن -والعرب فيھا باأللفاظ الواحدة والمعنى الواحد ، في أنه مستحقٌّ إضافته إلى كل جنس من تلك األجناس

    وذلك ھو معنى من روينا عنه القوَل في األحرف التي مضت في صدر ھذا الباب ، من نسبة بعضھم بعَض ذلك إلى لسان ألّن من نسب شيًئا من ذلك . الحبشة ، ونسبة بعضھم بعَض ذلك إلى لسان الفرس ، ونسبة بعضھم بعَض ذلك إلى لسان الروم

    ھو عربّي ، نفى ذلك أن يكون : أن يكون عربّيًا ، وال من قال منھم - إلى ما نسبه إليه بنسبته إياه -إلى ما نسبه إليه ، لم ينِف وإنما يكون اإلثبات دليال على النفي ، فيما ال يجوز . مستحّقًا النسبَة إلى من ھو من كالمه من سائر أجناس األمم غيرھا

    قوله داال على أنه غير قاعد ، ونحو ذلك مما يمتنع اجتماعه فالن قائم ، فيكون بذلك من : اجتماعه من المعاني ، كقول القائل وذلك كقول القائل فالن قائم مكلٌِّم فالًنا ، فليس في تثبيت القيام له ما . فأّما ما جاز اجتماعه فھو خارج من ھذا المعنى. لتنافيھما

    دلَّ على نفي كالم آخر ،

    __________

    .. " بأولى منه" ، أي " ى بأول" ، متعلق بقوله " منه " قوله ) 1(

    ، كما مر " عربي أعجمي ، أو حبشي عربي : " أي أن يقال ھو " اجتماع واقتران " وأراد الطبري بقوله " . باجتماع وافتراق " في المطبوعة ) 2(اجتماع .. نھا ، سبيل ما وصفنافسبيل إضافته إلى كل جنس م: " وسياق عبارته بعد حذف التفسير واالعتراض من كالمه ھو ھذا . آنفا في كالمه

    .أي أن يجمع بين الوصفين أو يقرن بين النسبتين" . واقتران

    .فقائل ذلك صادق إذا كان صاحبه على ما وصفه به. لجواز اجتماع ذلك في حاٍل واحٍد من شخص واحد

  • 14 

     

    ا بعضھا عربّيًا ، غيُر مستحيل أن يكون عربّيًا بعض - في األحرف التي ذكرنا وما أشبھھا - فكذلك ما قلنا ھا أعجمّيًا ، وحبشّيً .فناِسُب ما َنسَب من ذلك إلى إحدى األمتين أو كلتيھما محقٌّ غيُر مبطل. إذ كان موجوًدا استعماُل ذلك في كلتا األمتين

    ن أنساب وذلك أ. فقد ظّن جھال -كما ھو مستحيل في أنساب بني آدم -فإن ظن ذو غباٍء أن اجتماع ذلك في الكالم مستحيٌل ِ { : بني آدم محصورة على أحد الطرفين دون اآلخر ، لقول هللا تعالى ذكره سورة [} اْدُعوُھْم آلَباِئِھْم ُھَو أَْقَسُط ِعْنَد هللاَّ

    فلو . وليس ذلك كذلك في المنطق والبيان ، ألّن المنطق إنما ھو منسوب إلى من كان به معروًفا استعمالُه]. 5: األحزاب بلفظ واحد ومعنى واحد ، كان ذلك منسوًبا إلى كل جنس -جنسين أو أكثر -عماُل بعض الكالم في أجناس من األمم ُعِرف است

    كما لو أّن أرًضا بين َسھل وجبل ، لھا . من تلك األجناس ، ال يستحق جنٌس منھا أن يكون به أولى من سائر األجناس غيرهلم يمتنع ذو عقل صحيح أن يصفھا بأنھا ُسْھلية - ، لھا ھواء البر وھواُء البحر ھواء السھل وھواء الجبل ، أو بين برٍّ وبحرٍ

    ية ِبْحرية ، إذ لم تكن نسبتھا إلى إحدى صفتيھا نافيًة حقَّھا من النسبة إلى األخرى) . 1(جبلية ولو أفرَد لھا مفرٌد . أو بأنھا َبرِّ .اإحدى صفتيھا ولم يسلبھا صفتھا األخرى ، كان صادًقا محقًّ

    .وكذلك القول في األحرف التي تقدم ذكرناھا في أول ھذا الباب

    أّن فيه من كّل : عندنا بمعنى ، وهللا أعلم -في القرآن من كل لسان : وھذا المعنى الذي قلناه في ذلك ، ھو معنى قول من قال .ن القول فيما مضىلسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرھا من األمم التي تنطق به ، نظيَر ما وصفنا م

    __________

    .سھلى ، بضم السين ، على غير القياس) : بفتح فسكون(النسبة إلى سھل ) 1(

    أن يعتقد أّن -وذلك أنه غيُر جائز أن ُيتوّھم على ذي فطرة صحيحة ، مقّر بكتاب هللا ، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود هللا ، بعد ما ) 1(عربّي ، وبعضه رومّي ال عربّي ، وبعضه حبشي ال عربي بعَض القرآن فارسي ال عربّي ، وبعضه نبطي الالقرآن حبشيٌّ أو فارسيٌّ ، وال : ألن ذلك إْن كان كذلك ، فليس قوُل القائل . أخبر هللا تعالى ذكُره عنه أنه جعله قرآًنا عربّيًا

    وال . ھو عربي) : 2(بالتطويل من قول القائل بأولى -نسبُة من نسبه إلى بعض ألسن األمم التي بعُضه بلسانه دون العرب إذ كان الذي بلسان غير . قول ناسبه إلى بعض األجناس التي ذكرنا ھو عربيٌّ بأولى بالّصحة والصواب من: قوُل القائل

    .العرب من سائر ألسن أجناس األمم فيه ، نظيَر الذي فيه من لسان العرب

    __________

    ، وھو فاسد المعنى فآثرت أن أثبت ما يقتضيه سياق " وبعضه رومي ال عربي " مكان " وبعضه عربي ال فارسي " في المطبوع والمخطوط ) 1( . 16وقد ذكر الروم آنًفا في ص . الكالم

    حدى الصفات نسبة القول إلى التزيد والسعة في الكالم ، حتى يستغرق الوصف بإ" التطويل " وأراد الطبري بقوله " بالتطول : " في المطبوعة ) 2(وال جائز نسبته إلى : " إلى قوله .. " وذلك أنه غير جائز أن يتوھم: " من أول قوله -وكالم الطبري يحتاج إلى فضل بيان . سائر الصفات األخرى

    : فأقول " . كالم العرب

    عانيه وحدوده ، مقًرا بأن الخبر قد جاء من ربه أنه جعل إنه ال يستقيم في العقل أن يكون الرجل مؤمًنا بكتاب هللا ، عارًفا بم: أراد الطبري أن يقول أن بعض : ثم يعتقد مع ذلك - " ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لوال فصلت آياته أأعجمي وعربي " ، ولم يجعله أعجميا بقوله " قرآنا عربيا " القرآن

    فإنه إن فعل ، فقد نفى عن بعض القرآن أنه . وبعضه حبشي ال عربي القرآن فارسي ال عربي ، وبعضه نبطي ال عربي ، وبعضه رومي ال عربي ، .وأثبت لبعض القرآن أنه أعجمي ، وهللا تعالى ينفي عن جميعه أنه أعجمي. عربي ، وهللا يصف القرآن كله بأنه عربي

    ولو جاز ألحد أن . لى بعض القرآن دون بعضصفة شاملة ال يجوز ألحد أن يخصص شمولھا ع" قرآنا عربيا " وخبر هللا تعالى عن كتابه أنه جعله القرآن : " ، لجاز أيًضا لقائل أن يقول من عند نفسه .. " بعض القرآن حبشي ال عربي ، أو فارسي ال عربي: " يخصص شمولھا من عند نفسه فيقول

    " .حبشي أو فارسي أو رومي ، أو أعجمي

    ند نفسه على بعض القرآن بأنه عربي ، ويقول إن بعضه اآلخر يوصف بأنه حبشي أو أن الذي يخصص شمول الصفة من ع: وحجة الطبري في ذلك ولو جاز ذلك ، لجاز لقائل . يدعى أن وصف القرآن بأنه عربي ، محمول على تغليب إحدى الصفات على سائر الصفات األخرى - فارسي أو رومي

    .، فغلب إحدى الصفات على الصفات األخرى، ألنه فعل مثله " القرآن حبشي أو فارسي أو رومي : " أن يقول

    ، لم يكن أولى بأن ينسب إلى التوسع في الكالم والتزيد في الصفة ، من " القرآن حبشي أو فارسي : " وإذا اقتصر المقتصر على صفة بعضه فقال .ة، ألنه اقتصر أيًضا على صفة بعضه ، فتوسع في الكالم وتزيد في الصف" القرآن عربي : " القائل

  • 15 

     

    ، أولى بالصحة والصواب " القرآن عربي : " وإذا كان ما في القرآن من فارسي ورومي ونبطي وحبشي ، نظير ما فيه من عربي ، فليس قول القائل وله ، جاز وإذا جاز ألحدھما أن يفعل ذلك مصيًبا في ق. ، فكالھما أطلق صفة أحد النظيرين على اآلخر" القرآن فارسي أو حبشي : " من قول القائل

    .لآلخر مثله مصيًبا في قوله

    ، فھذه شھادة من هللا تعالى " ولو جعلناه قرآًنا أعجميا لقالوا لوال فصلت آياته أأعجمي وعربي : " وھذا فساد من القول وتناقض ، ومخالف لقوله تعالى : " كما يقال " . القرآن حبشي أو فارسي : " مذھب ھذا القائل أن يقال وقد اقتضى " . قرآًنا عربيا " بأنه لم يجعله أعجمًيا ، كشھادته سبحانه بأنه جعله

    غير جائز أن يتوھم على ذي فطرة صحيحة ، مقر بكتاب هللا ، ممن قرأ القرآن ، " وھذا قول . فناقض ھذا قول هللا سبحانه. سواء" القرآن عربي .كما قال الطبري رحمه هللا" وعرف حدود هللا

    بل معناه أن - ، ليس يعني به أن فيه ما ليس بعربي مما ال يجوز أن ينسب إلى لسان العرب " في القرآن من كل لسان : " من السلف وإذن فقول القائل واحد بمعنى فيه ألفاًظا استعملتھا العرب ، وھذه األلفاظ أنفسھا مما استعملته الفرس أو الروم أو الحبش ، على جھة اتفاق اللغات على استعمال لفظ

    فإن السلف أعرف بكتاب هللا وبمعانيه وبحدوده ، ال . واحد ، ال على جھة انفراد الكلمة من القرآن بأنھا فارسية غير عربية ، أو رومية غير عربية .يدخلون الفساد في أقوالھم ، مناقضين شھادة هللا لكتابه بأنه عربي غير أعجمي

    في القرآن من كل لسان ، إنما عنى بقيله ذلك ، أّن فيه من : لقائل من السلف وإذا كان ذلك كذلك ، فبيِّن إًذا خطأ من زعم أن ا .البيان ما ليس بعربّي ، وال جائز نسبته إلى لسان العرب

    ممن زعم أن األحرف التي قدمنا ذكرھا في أول الباب وما أشبھھا ، إنما ھي كالم أجناس من األمم - ويقال لمن أبى ما قلنا بته سوى العرب ، وقعت ما برھانك على صحة ما قلت في ذلك ، من الوجه الذي يجب التسليم له ، فقد : -إلى العرب فعرَّ

    ھذه األحرف ، وما : علمَت من خالفك في ذلك ، فقال فيه خالف قولك ؟ وما الفرُق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال ئر أجناس األمم غيرھا فنطقت كل أمة منھا ببعض ذلك أشبھھا من األحرف غيرھا ، أصلھا عربي ، غير أنھا وقعت إلى سا

    من الوجه الذي يجُب التسليم له ؟ -بألسنتھا

    .فلن يقول في شيء من ذلك قوال إال ألزم في اآلخر مثله

    ل عليھم في ذلك تأويله - فإن اعتلَّ في ذلك بأقوال السلف التي قد ذكرنا بعضھا وما أشبھھا ، طولبَ بالذي -مطالَبتنا من تأوَّما أنكرَت أن يكون من نسب شيًئا من ذلك منھم إلى من نسبه من أجناس األمم سوى العرب ، إنما : وقيل له . قد تقدم بيانه

    أرأيَت من قال ألرض ُسْھلية : نسبه إلى إحدى نسبتيه التي ھو لھا مستحق ، من غير َنفيٍ منه عنه النسبة األخرى ؟ ثم يقال له ھي جبلية ، ولم يدفْع أن تكون ُسْھلية ، أناٍف عنھا أن تكون لھا الصفة : ولم ينكر أن تكون جبلية ، أو قال ھي ُسھلية ،: جبلية

    األخرى بقيله ذلك ؟

    : ھي فارسية ، وفي القسطاس : فما أنكرت أن يكون قوُل من قال في سّجيل : ال قيل له : وإن قال . كابر َعْقَله! نعم: فإن قال .ذلك ؟ وسأل الفرَق بين ذلك ، فلن يقوَل في أحدھما قوال إال ألِزم في اآلخر مثله نظيرَ - ھي رومية

    التي نزل بھا القرآن من لغات العرب القول في اللغة

    على أن هللا جل ثناؤه أنزل جميع القرآن ) 1(قد دللنا ، على صحة القول بما فيه الكفاية لمن ُوفِّق لفھمه ، : قال أبو جعفر .دون غيرھا من ألسن سائر أجناس األمم ، وعلى فساد قول من زعم أن منه ما ليس بلسان العرب ولغاتھا بلسان العرب

    أبألسن جميعھا أم بألسن بعضھا ؟ إذ كانت : في الّداللة عليه بأيِّ ألسن العرب أنزل - إذ كان ذلك صحيًحا - فنقول اآلن وكان -وإْذ كان ذلك كذلك . و األلسن بالبيان ، متباينو المنطق والكالمالعرب، وإن جَمع جميَعھا اسُم أنھم عرب ، فھم مختلف

    ا وأنه أنزل بلساٍن عربّي مبين ، ثم كان ظاھُره محتمال خصوًصا وُعموًما هللا جل ذكُره قد أخبر عباَده أنه قد جعَل القرآن عربّيًعمومه ، إال ببيان َمْن جعل إليه بياَن القرآن ، وھو لم يكن لنا السبيُل إلى العلم بما عنى هللا تعالى ذكره من خصوصه و -

    .رسول هللا صلى هللا عليه وسلم

    .وكانت األخبار قد تظاھرت عنه صلى هللا عليه وسلم) 2( - فإذ كان ذلك كذلك

    ال عن أبي ال أعلمه إ: - حدثنا أنس بن عياض ، عن أبي حازم ، عن أبي سلمة ، قال : بما حدثنا به خالد بن أسلم ، قال - 7 :هللا صلى هللا عليه وسلم قال أن رسول: -ھريرة

  • 16 

     

    __________

    بأن هللا ... قد دللنا على صحة القول: " ، أي " بأن هللا جل ثناؤه " ، واألجود أن تكون " على أن هللا جل ثناؤه : " ھكذا في المطبوع والمخطوط ) 1( .، والباء وما بعدھا متعقلة بالقول" جل ثناؤه

    صح وثبت أن الذي نزل به القرآن: " وھو قوله 20س 48: ، يأتي في ص " فإذ كان ذلك كذلك : " جواُب قوله ) 2(

    وه إلى -ثالث مرات -أنزل القرآُن على سبعة أحرف ، فالِمراُء في القرآن كفٌر فما عْرفتم منه فاعملوا به ، وما جھلتم منه فردُّ ) .1(عالمه

    قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي ھريرة قال : باط بن محمد ، قال حدثني عبيد بن أس - 8 ) .2(أنزل القرآن على سبعة أحرف ، عليٌم حكيم ، غفوٌر رحيم : رسول هللا صلى هللا عليه وسلم

    ، عن أبي ھريرة ، عن النبي حدثني عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة : حدثنا أبو كريب ، قال - 9 .صلى هللا عليه وسلم مثَله

    حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن واصل بن حّيان ، عمَّن ذكره ، عن : حدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال - 10سبعة أحرف ، لكل أنزل القرآن على : قال رسول هللا صلى هللا