أسرار الصلاة - ابن القيم الجوزية
DESCRIPTION
الصلااااااااةTRANSCRIPT
Ó˙�îÿ =á^àã= و الفرق و الموازنة بين ذوق الصالة و السماع
لإلمام العالمة أبي عبد اهللا محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي
الشهير بابن قيم الجوزية٧٥١-٦٩١
ينشر ألول مرة على الشبكة المعلوماتية اعتنى به
ام الجزائريأبو عبد اهللا هم
م٢٨/٠٤/٢٠٠٤
بسم ا الرمحن الرحيم
رب يسر و أعن يا كرمي قال اإلمام حممد بن أيب بكر بن القيم اجلوزية رمحه اهللا تعاىل .
فصل
يف املوازنة بني ذوق السماع وذوق الصالة و القرآن ، و بيان أن أحد الذوقني مباين نه كلما قوي ذوق أحدمها و سلطانه ضعف ذوق اآلخر لآلخر من كل وجه ، و أ
و سلطانه.
0Fالصالة قرة عيون المحبين و هدية اهللا للمؤمنين
)١ (
فاعلم أنه ال ريب أن الصالة قرة عيون احملبني ، و لذة أرواح املوحدين ، و بستان العابدين و لذة نفوس اخلاشعني ، و حمك أحوال الصادقني ، و ميزان أحوال
لسالكني ، و هي رمحة اهللا املهداة إىل عباده املؤمنني .اهداهم إليها ، و عرفهم با ، و أهداها إليهم على يد رسوله الصادق األمني ، رمحة بم ، و إكراما مم ، لينالوا با شرف كرامته ، و الفوز بقربه ال حلاجة منه إليهم ،
ـ العناوين اجلانبية من وضع حمقق الرسالة ) ١(
با قلوبم و جوارحهم مجيعا ، و جعل بل منة منه ، و تفضال عليهم ، و تعبدحظ القلب العارف منها أكمل احلظني و أعظمهما ؛ و هو إقباله على ربه
سبحانه ، و فرحه و تلذذه بقربه ، و تنعمه حببه ، و ابتهاجه بالقيام بني يديه ، و انصرافه حال القيام له بالعبودية عن االلتفات إىل غري معبوده ، و تكميله حقوق
حقوق عبوديته ظاهرا و باطنا حىت تقع على الوجه الذي يرضاه ربه سبحانه.و ملا امتحن اهللا سبحانه عبده بالشهوة و أشباهها من داخل فيه و خارج عنه ،
اقتضت متام رمحته به و إحسانه إليه أن هيأ له مأدبة قد مجعت من مجيع األلوان و ، و دعاه إليها كل يوم مخس مرات ، التحف و التحف و اخللع و اخللع و العطايا
و جعل يف كل لون من ألوان تلك املأدبة ، لذة و منفعة و مصلحة و وقار مذا العبد ، الذي قد دعاه إىل تلك املأدبة ليست يف اللون اآلخر ، لتكمل لذة عبده يف كل من ألوان العبودية و يكرمه بكل صنف من أصناف الكرامة ، و يكون كل
ل من أفعال تلك العبودية مكفرا ملذموم كان يكرهه بإزائه ، و يثيبه عليه نورا فعخاصا ، فإن الصالة نور و قوة يف قلبه و جوارحه و سعة يف رزقه ، و حمبة يف العباد له ، و إن املالئكة لتفرح و كذلك بقاع األرض ، و جباما و أشجارها ، و أ�ارها
يوم لقائه. تكون له نورا و ثوابا خاصافيصدر املدعو من هذه املأدبة و قد أشبعه و قد أشبعه و أرواه ، و خلع عليه خبلع
القبول ، و أغناه ، و ذلك أن قلبه كان قبل أن يأيت هذه املأدبة ، قد ناله من اجلوع و القحط و اجلذب و الظمأ و العري و السقم ما ناله ، فصدر من عنده و
عام و الشراب و اللباس و التحف ما يغنيه .قد أغناه و أعطاه من الط
تشبيه القلب باألرض
و ملا كانت اجلدوب متتابعة على القلوب ، و قحط النفوس متواليا عليها ، جدد له الدعوة آلة هذه املأدبة وقتا بعد وقت رمحة منه به، فال يزال مستسقيا ، طالبا إىل
تمطرا سحائب رمحته لئال ييبس ما أنبتته له من بيده غيث القلوب ، و سقيها مستلك الرمحة من نبات اإلميان ، و كأل اإلحسان و عشبه و مثاره ، و لئال تنقطع مادة النبات من الروح و القلب ، فال يزال القلب يف استسقاء و استمطار هكذا
غيث بره دائما ، يشكو إىل ربه جدبه ، و قحطه ، و ضرورته إىل سقيا رمحته ، و ، فهذا دأب العبد أيام حياته.
فالقحط الذي ينزل بالقلب هو الغفلة ، فالغفلة هي قحط القلوب و جدبا ، و ما دام العبد يف ذكر اهللا و اإلقبال عليه فغيث الرمحة ينزل عليه كاملطر املتدارك ، فإذا
منه ، و غفل ناله من القحط حبسب غفلته قلة و كثرة ، فإذا متكنت الغفلةاستحكمت صارت أرضه خرابا ميتة ، و سنته جرداء يابسة ، و حريق الشهوات
يعمل فيها من كل جانب كالسمائم.فتصري أرضه بورا بعد أن كانت خمصبة بأنواع النبات ، و الثمار و غريها ، و إذا تدارك عليه غيث الرمحة اهتزت أرض إميانه و أعماله و ربت ، و أنبتت من كل
زوج بي ، فإذا ناله القحط و اجلدب كان ننزلة شجرة رطوبتها و خضرتا و لينها و مثارها من املاء ، فإذا منعت من املاء يبست عروقها و ذبلت أغصا�ا ، و
حبست مثارها ، و رنا يبست األغصان و الشجرة ، فإذا مددت منها غصنا إىل ر ، فحينئذ تقتضي حكمة قيم البستان نفسك مل ميتد ، و مل ينـقد لك ، و انكس قطع تلك الشجرة و جعلها وقودا للنار .
القلب ييبس إذا خال من توحيد اهللا
فكذلك القلب ، إمنا ييبس إذا خال من توحيد اهللا و حبه و معرفته و ذكره و دعائه ، فتصيبه حرارة النفس ، و نار الشهوات ، فتمتنع أغصان اجلوارح من
متداد إذا مددتا ، و االنقياد إذا قدتا ، فال تصلح بعد هي و الشجرة إال للنار اال] ، ٢٢[الزمر : { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اهللا أولئك في ضالل مبين}
فإذا كان القلب ططورا نطر الرمحة ، كانت األغصان لينة منقادة رطبة ، فإذا مددتا ت معك ، و أقبلت سريعة لينة وادعة ، فجنيت منها من مثار إىل أمر اهللا انقاد
العبودية ما ممله كل غصن من تلك األغصان و مادتا من رطوبة القلب و ريه ، فاملادة تعمل عملها يف القلب و اجلوارح ، و إذا يبس القلب تعطلت األغصان من
تنتشر يف اجلوارح ، أعمال الرب ؛ ألن مادة القلب و حياته قد انقطعت منه فلمفتحمل كل جارحة مثرها من العبودية ، و هللا يف كل جارحة من جوارح العبد عبودية
ختصه ، و طاعة مطلوبة منها ، خلقت ألجلها و هيئت ما .
الناس ثالثة أقسام في استعمال جوارحهم
و الناس بعد ذلك ثالثة أقسام :خلقت له ، و أريد منها ، فهذا هو من استعمل تلك اجلوارح فيما أحدهما :
الذي تاجر اهللا بأربح التجارة ، و باع نفسه هللا بأربح البيع.
و الصالة وضعت الستعمال اجلوارح مجيعها يف العبودية تبعا لقيام القلب با و هذا رجل عرف نعمة اهللا فيما خلق له من اجلوارح و ما أنعم عليه من اآلالء ، و النعم
ام بعبوديته ظاهرا و باطنا و استعمل جوارحه يف طاعة ربه ، و حفظ نفسه و ، فق جوارحه عما يغضب ربه و يشينه عنده.
من استعمل جوارحه فيما مل ختلق له ، بل حبسها على املخالفات و و الثـاني :
املعاصي ، و مل يطلقها ، فهذا هو الذي خاب سعيه ، و خسرت جتارته ، و فاته رضا ربه عز و جل عنه ، و جزيل ثوابه ، و حصل على سخطه و أليم عقابه.
من عطل جوارحه ، و أماتا بالبطالة و اجلهالة، فهذا أيضا خاسر بائر و الثـالث : أعظم خسارة من الذي قبله ،فإن العبد إمنا خلق للعبادة و الطاعة ال للبطالة .
بطال الذي ال يف شغل الدنيا و ال يف سعي اآلخرة.و أبغض اخللق إىل اهللا العبد البل هو كل على الدنيا و الدين ، بل لو سعى للدنيا و مل يسع لآلخرة كان مذموما خمذوال ، و كيف إذا عطل األمرين ، و إن امرء يسعى لدنياه دائما ، و يذهل عن
أخراه ، ال شك خاسر.
تمثيل لهذه األصناف الثالثة لرجل األول ، كرجل أقطع أرضا واسعة ، و أعني على عمارتا بآالت احلرث ، و فا
البذر و أعطي ما يكفيها لسقيها و حرثها ، فحرثها و هيأها للزراعة ، و بذر فيها من أنواع الغالت ، و غرس فيها من أنواع األشجار و الفواكه املختلفة األلوان مث
أقام عليها احلرس ، و حصنها من الفساد و أحاطها حبائط ، و مل يهملها بل املفسدين ، و جعل يتعاهدها كل يوم فيصلح ما فسد منه ، و يغرس فيها عوض ما
يبس ، و ينقي دغلها و يقطع شوكها ، و يستعني بغلتها على عمارتا.ننزلة رجل أخذ تلك األرض ، و جعلها مأوى السباع و اموام ، و و الثـاني :لجيف و األنتان ، و جعلها معقال يأوي إليه فيها كل مفسد و مؤذ و موضعا ل
لص ، و أخذ ما أعني به من حرثتها و بذارها و صالحها ، فصرفه و جعله معونة و معيشة ملن فيها ، من أهل الشر و الفساد.
ى ننزلة رجل عطلها و أمهلها و أرسل املاء ضائعا يف القفار و الصحار و الثالث : فقعد مذموما حمسورا.
فهذا مثال أهل اليقظة ، و أهل الغفلة ، و أهل اخليانة.
أهل اليقظة و الغفلة الخيانة
مثال أهل اليقظة ، واالستعداد ملا خلقوا له. فاألول :
مثال أهل اخليانة. و الثـاني : مثال ألهل الغفلة . و الثـالث :
ام أو قعد ، أو أكل أو شرب ، أو نام ، أو إذا حترك أو سكن ، أو ق فاألول :
لبس ، أو نطق ، أو سكت كان كله له ال عليه ، و كان يف ذكر و طاعة و قربة و مزيد .
إذا فعل ذلك كان عليه ال له ، و كان يف طرد و إبعاد و خسران . و الثاني : إذا فعل ذلك كان يف غفلة و بطالة و تفريط . و الثـالث :
يتقلب فيما يتقلب فيه حبكم الطاعة و القربة. ول :فاأل
يتقلب يف ذلك حبكم اخليانة و التعدي ، فإن اهللا مل ميلكه ما ملكه و الثاني :ليستعني به على خمالفته ، فهو جان متعد خائن هللا تعاىل يف نعمه عليه معاقب
على التنعم با يف غري طاعته.
لك و يتناوله حبكم الغفلة و اموى و �مة النفس و طبعها يتقلب يف ذ و الثالث :، مل يتمتع بذلك ابتغاء رضوان اهللا تعاىل و التقرب إليه ، فهذا خسرانه بني واضح
، إذ عطل أوقات عمره اليت ال قيمة ما عن أفضل األرباح و التجارات .، رمحة منه بم ، و هيأ فدعا اهللا عباده املؤمنني املوحدين إىل هذه الصلوات اخلمس
مم فيها أنواع العبادة ؛ لينال العبد من كل قول و فعل و حركة و سكون حظه من عطاياه.
ما هو سر الصالة ؟ و تمثيل لذلك
و كان سر الصالة و لبها إقبال القلب فيها على اهللا ، و حضوره بكليته بني يديه ،
مى حبديث نفسه ، كان ننزلة وافد وفد إىل فإذا مل يقبل عليه و اشتغل بغريه وباب امللك معتذرا من خطاياه و زهللا مستمطرا سحائب جوده و كرمه و رمحته ،
مستطعما له ما يقيت قلبه ، ليقوى به على القيام يف خدمته ، فلما وصل إىل باب ، أو واله امللك ، و مل يبق إال مناجته له ، التفت عن امللك وزاغ عنه ميينا و مشاال
ظهره ، و اشتغل عنه بأمقت شيء إىل امللك ، و أقله عنده قدرا عليه ، فآثره عليه ه قلبة قلبه ، و حمل توجهه ، و موضع سره ، و بعث غلمانه و خدمة ، و صري
ليقفوا يف خدم طاعة امللك عوضا عنه و يعتذروا عنه ، و ينوبوا عنه يف اخلدمة ، و لك و يرى حاله مع هذا ، فكرم امللك وجوده و سعة بره و إحسانه امللك يشاهد ذ
تأيب أن يصرف عنه تلك اخلدم و األتباع ، فيصيبه من رمحته و إحسانه ؛ لكن فرق بني قسمة الغنائم على أهل السهمان من الغامنني ، و بني الرضخ ملن ال سهم له :
[األحقاف هم و هم ال يظلمون }{ و لكل درجات مما عملوا و ليـوفيهم أعمال] ، و اهللا سبحانه و تعاىل خلق هذا النوع اإلنساين لنفسه و اختصه له ، و ١٩:
خلق كل شيء له ، و من أجله كما يف األثر اإلمي : " ابن آدم خلقتك لنفسي ،
و خلقت كل شيء لك ، فبحقي عليك ال تشتغل نا خلقته لك عما خلقتك له " .
آخر : " ابن آدم خلقتك لنفسي فال تلعب و تكفلت برزقك فال تتعب ، و يف أثر ابن آدم اطلبين جتدين ، فإن و جدتين و جدت كل شيء ، و إن فـتك فاتك كل
شيء ، و أنا أحب إليك من كل شيء".و جعل سبحانه و تعاىل الصالة سببا موصال إىل قربه ، و مناجاته ، و حمبته و
األنس به .
بين الصلوات الخمسة تحدث الغفلةما
و ما بني الصالتني حتدث للعبد الغفلة و اجلفوة و القسوة ، و اإلعراض و الزالت ، و اخلطايا ، فيبعده ذلك عن ربه ، و ينحيه عن قربه ، فيصري بذلك كأنه أجنبيا
سره ، و من عبوديته ، ليس من مجلة العبيد ، و رنا ألقى بيده إىل أسر العدو له فأ غله ، و قيده ، و حبسه يف سجن نفسه و هواه .
فحظه ضيق الصدر ، و معاجلة امموم ، و الغموم ، و األحزان ، و احلسرات ، و ال يدري السبب يف ذلك. فاقتضت رمحه ربه الرحيم الودود أن جعل له من عبوديته
حداث اليت كانت عبودية جامعة ، خمتلفة األجزاء ، و احلاالت حبسب اختالف األ من العبد ، و حبسب شدة حاجته إىل نصيبه من كل خري من أجزاء تلك العبودية .
الكالم عن الوضوء
فبالوضوء يتطهر من األوساخ ، و يقدم على ربه متطهرا ، و الوضوء له ظاهر و باطن :
فظاهره : طهارة البدن ، و أعضاء العبادة.لقلب من أوساخ الذنوب و املعاصي و أدرانه بالتوبة ؛ و و باطنه و سره : طهارة ا
{ إن اهللا يحب التوابين و مذا يقرن تعاىل بني التوبة و الطهارة يف قوله تعاىل : ] و شرع النيب صلى اهللا عليه و سلم للمتطهر ٢٢٢البقرة : يحب المتظهرين }[
للهم اجعلين من التوابني ، أن يقول بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد مث يقول : "ا و اجعلين من املتطهرين " .
فكمل له مراتب العبدية و الطهارة ، باطنا و ظاهرا ، فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك ، و بالتوبة يتطهر من الذنوب ، و باملاء يتطهر من األوساخ الظاهرة .
و الوقوف بني فشرع له أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على اهللا عز و جل ،يديه ، فلما طهر ظاهرا و باطنا ، أذن له بالدخول عليه بالقيام بني يديه و بذلك
خيلص من اإلباق.و نجيئه إىل داره ، و حمل عبوديته يصري من مجلة خدمه ، و مذا كان اليء إىل
املسجد من متام عبودية الصالة الواجبة عند قوم و املستحبة عند آخرين.
م العبودية الذهاب للمسجدمن تما
و العبد يف حال غفلته كاآلبق من ربه ، قد عطل جوارحه و قلبه عن اخلدمة اليت خلق ما فإذا جاء إليه فقد رجع من إباقه ، فإذا وقف بني يديه موقف و التذلل و االنكسار ، فقد استدعى عطف سيده عليه ، و إقباله عليه بعد اإلعراض عنه .
التكبير " اهللا أكبر ".عبودية
و أمر بأن يستقبل القبلة ـ بيته احلرام ـ بوجهه ، و يستقبل اهللا عز و جل بقلبه ، لينسلخ طا كان فيه من التويل و اإلعراض ، مث قام بني يديه مقام املتذلل اخلاضع املسكني املستعطف لسيده عليه ، و ألقى بيديه مسلما مستسلما ناكس الرأس ،
اشع القلب مطرق الطرف ال يلتفت قلبه عنه ، و طرفة عني ، ال مينة و ال يسرة خ ، خاشع قد توجه بقلبه كله إليه.
ه بالتعظيم و اإلجالل و واطأ قلبه لسانه يف التكبري و أقبل بكليته عليه ، مث كربقلبه فكان اهللا أكرب يف قلبه من كل شيء ، و صدق هذا التكبري بأنه مل يكن يف
شيء أكرب من اهللا تعاىل يشغله عنه ، فإنه إذا كان يف قلبه شيء يشتغل به عن اهللا دل على أن ذلك الشيء أكرب عنده من اهللا فإنه إذا اشتغل عن اهللا بغريه ، كان ما اشتغل به هو أهم عنده من اهللا ، و كان قوله " اهللا أكرب " بلسانه دون قلبه ؛
اهللا ، معظما له ، جمال ، فإذا ما أطاع اللسان القلب يف ألن قلبه مقبل على غريالتكبري ، أخرجه من لبس رداء التكرب املنايف للعبودية ، و منعه من التفات قلبه إىل غري اهللا ، إذا كان اهللا عنده و يف قلبه أكرب من كل شيء فمنعه حق قوله : اهللا
فتني ، اللتني مها من أعظم احلجب بينه أكرب و القيام بعبودية التكبري من هاتني اآل و بني اهللا تعاىل.
عبودية االستفتاح
و أثىن على اهللا تعاىل نا هو أهله ، فقد " سبحانك اللهم و بحمدك"فإذا قال :
خرج بذلك عن الغفلة و أهلها ، فإن الغفلة حجاب بينه و بني اهللا.
عند الدخول عليه تعظيما له و متهيدا و أتى بالتحية و الثناء الذي خياطب به امللك ، و كان ذلك متجيدا و مقدمة بني يدي حاجته.
فكان يف الثناء من آداب العبودية ، و تعظيم املعبود ما يستجلب به إقباله عليه ، و رضاه عنه ، و إسعافه بفضله حوائجه
حال العبد في القراءة و االستعاذة
ا االستعاذة باهللا من الشيطان الرجيم فإنه أحرص ما فإذا شرع يف القراءة قدم أمامه
يكون على خذالن العبد يف مثل هذا املقام الذي هو أشرف مقامات العبد و أنفعها له يف دنياه و آخرته ، فهو أحرص شيء على صرفه عنه ، و انتفاعه دونه
و عطله بالبدن و القلب ، فإن عجز عن اقتطاعه و تعطيله عنه بالبدن اقتطع قلبه ، و ألقى فيه الوساوس ليشغله بذلك عن القيام حبق العبودية بني يدي الرب تبارك و تعاىل ، فأمر العبد باالستعاذة باهللا منه ليسلم له مقامه بني يدي ربه و ليحي
قلبه ، و يستنري نا يتدبره و يتفهمه من كالم اهللا سيده الذي هو سبب حياة قلبه ، ، فالشيطان أحرص شيء على اقتطاع قلبه عن مقصود التالوة.و نعيمه و فالحه
و ملا علم اهللا سبحانه و تعاىل حسد العدو للعبد ، و تفرغه له ، و علم عجز العبد عنه ، أمره بأن يستعيذ به سبحانه ، و يلتجئ إليه يف صرفه عنه ، فيكتفي
: ال طاقة لك بذا العدو ، باالستعاذة من مؤونة حماربته و مقاومته ، و كأنه قيل له فاستعذ يب أعيذك منه ، و استجر يب أجريك منه ، و أكفيكه و أمنعك منه .
نصيحة ابن تيمية البن القيم
و قال يل شيخ اإلسالم ابن تيمية قدس اهللا روحه و نور ضرمه يوما : إذا هاش بالراعي فاستغث به عليك كلب الغنم فال تشتغل نحاربته ، و مدافعته ، و عليك
فهو يصرف عنك الكلب ، و يكفيكه.
فإذا استعاذ اإلنسان باهللا من الشيطان الرجيم أبعده عنه .فأفضى القلب إىل معاين القرآن ، و وقع يف رياضه املونقة و شاهد عجائبه اليت تبهر العقول ، و استخرج من كنوزه و ذخائره ما عني رأت و ال أذن مسعت و ال
ى قلب بشر ، و كان احلائل بينه و بني ذلك ، النفس و الشيطان ، فإن خطر علالنفس منفعلة للشيطان ، سامعة منه ، مطيعة فإذا بـعد عنها ، و طرد أمل با امللك
، و ثبتها و ذكرها نا فيه سعادتا و ااتا.
ه و مناجاته ، فليحذر فإذا أخذ العبد يف قراءة القرآن ، فقد قام يف مقام خماطبة رب كل احلذر من التعرض ملقته و سخطه ، بأن يناجيه و خياطبه ، و قلبه معرض عنه ، ملتفت ، إىل غريه ، فإنه يستدعي بذلك مقته ، و يكون ننزلة رجل قربه ملك من ملوك الدنيا ، و أقامه بني يديه فجعل خياطب امللك ، و قد واله قفاه ، أو
جهه مينة و يسرة ، فهو ال يفهم ما يقول امللك ، فما الظن نقت التفت عنه بو امللك مذا.
فما الظن نقت امللك احلق املبني رب العاملني و قيوم السماوات و األرضني.
حال العبد في الفاتحة
فينبغي باملصلي أن يقف عند كل آية من الفاحتة وقفة يسرية ، ينتظر جواب ربه له { الحمد هللا رب سمعه و هو يقول : " محدين عبدي " إذا قال : ، و كأنه ي العالمين}. وقف حلظة ينتظر قوله : " أثىن علي عبدي ". { الرحمن الرحيم }فإذا قال : ين }فإذا قال : انتظر قوله : " جمدين عبدي ". {مالك يوم الدانتظر قوله تعاىل : " هذا بيين و بني ين }{ إياك نعبد و إياك نستعفإذا قال : عبدي ".إىل آخرها انتظر قوله : " هذا لعبدي و {اهدنا الصراط المستقيم }فإذا قال :
لعبدي ما قال ".و من ذاق طعم الصالة علم أنه ال يقوم مقام التكبري و الفاحتة غريمها مقامها ، كما
لسجود مقامها ، فلكل عبوديته من عبودية الصالة ال يقوم غري القيام و الركوع و اسر و تأثري و عبودية ال حتصل يف غريها ، مث لكل آية من آيات الفاحتة عبودية و
ذوق و وجد خيصها ال يوجد يف غريها.
جتد حتت هذه الكلمة إثبات كلل كمال { الحمد هللا رب العالمين }فعند قوله : ، و تنزيهه سبحانه و حبمده عن كل سوء ، فعال و وصفا و للرب و وصفا و امسا
امسا ، و إمنا هو حممود يف أفعاله و أوصافه و أمسائه ، منزه عن العيوب و النقائص يف أفعاله و أوصافه و أمسائه.
فأفعاله كلها حكمة و رمحة و مصلحة و عدل و ال خترج عن ذلك ، و أوصافه و نعوت جالل ، و أمساؤه كلها حسىن.كلها أوصاف كمال ،
من معاني الحمد
و محده تعاىل قد مأل الدنيا و اآلخرة ، و السموات و األرض ، و ما بينهما و ما فيهما ، فالكون كله ناطق حبمده ، و اخللق و األمر كله صادر عن محده ، و قائم
شيء موجود ، و حبمده ، و وجوده و عدمه حبمده ، فحمده هو سبب وجود كلهو غاية كل موجود ، و كل موجود شاهد حبمده ، فإرساله رسله حبمده ، و إنزاله كتبه حبمده ، و اجلنة عمرت بأهلها حبمده ، و النار عمرت بأهلها حبمده ، كما
ا وجدتا حبمده. ا إمن أ�
ة إال حبمده ، و ال و ما أطيع إال حبمده ، و ما عصي إال حبمده ، و ال تسقط ورقيتحرك يف الكون ذرة إال حبمده ، فهو سبحانه و تعاىل احملمود لذاته ، و إن مل
ممده العباد.كما أنه هو الواحد األحد ، و إن مل يوحده العباد ، و هو اإلله احلق و إن مل يؤمه
هللا عليه و ، سبحانه هو الذي محد نفسه على لسان احلامد كما قال النيب صلى اده". سلم : " إن اهللا تعاىل قال على لسان نبيه : مسع اهللا ملن مح
فهو احلامد لنفسه يف احلقيقة على لسان عبده ، فإنه هو الذي أجري احلمد على لسانه و قلبه ، و أجراؤه حبمده فله احلمد كله ، و له امللك كله ، و بيده اخلري كله
، عالنيته و سره . ، و إليه يرجع األمر كلهفهذه املعرفة نبذة يسرية من معرفة عبودية احلمد ، و هي نقطة من حبر جلي من
عبوديته.و من عبوديته أيضا : أن يعلم أن محده لربه نعمة منه عليه ، يستحق عليها احلمد
، فإذا محده عليها استحق على محده محدا آخر ، و هلم جرا.
فد أنفاسه كلها يف محد ربه على نعمة من نعمه ، كان ما جيب فالعبد و لو استنعليه من احلمد عليها فوق ذلك ، و أضعاف أضعافه ، و ال مصي أحد البتة ثناء عليه نحتمده ، و لو محده جبميع احملامد فالعبد سائر إىل اهللا بكل نعمة من ربه ،
ده على إمامه احلمد.ممده عليها ، فإذا محده على صرفها عنه ، محقال األوزاعي : " مسعت بعض قوال ينشد يف محام لك احلمد إما على نعمة و إما
على نقمة تدفع".
شهود العبد لعجزه عن احلمد ، و أن ما قام به منه ، و من عبودية الحمد :راه على فالرب سبحانه هو الذي أممه ذلك ، فهو حممود عليه ، إذ هو الذي أج
لسانه و قلبه ، و لوال اهللا ما اهتدى أحد.
تسليط احلمد على تفاصيل أحوال العبد كلها ظاهرها و و من عبودية الحمد :باطنها على ما مب العبد منها و ما يكره ، بل على تفاصيل أحوال اخللق كلهم ،
كله يف برهم و فاجرهم ، علويهم و سفليهم ، فهو سبحانه احملمود على ذلكاحلقيقة ، و إن غاب عن شهود العبد حكمة ذلك ، و ما يستحق الرب تبارك و تعاىل من احلمد على ذلك و احلمد هللا : هو إمام من اهللا للعباد ، فمستقل و
مستكثر على قدر معرفة العبد بربه. و قد قال النيب صلى اهللا عليه و سلم يف حديث الشفاعة : " فأقع ساجدا فيلهمين
اهللا حمامد أمحده با مل ختطر على بايل قط ".
عبودية {رب العالمين}
من العبودية شهود تفرده سبحانه بالربوبية { رب العالمين}مث لقول العبد : : وحده ، و أنه كما أنه رب العاملني ، و خالقهم ، و رازقهم ، و مدبر أمورهم ، و
حده إمهم ، و معبودهم ،و ملجأهم و موجدهم ، و مغنيهم ، فهو أيضا و مفزعهم عند النوائب ، فال رب غريه ، و ال إله سواه.
{ الرحمن الرحيم}عنوان : عبودية
عبودية ختصه سبحانه ، و هي شهود العبد عموم { الرحمن الرحيم }و لقوله :
رمحته.موجود بنصيبه منها ، و و مشوما لكل شيء ، و سعتها لكل خملوق و أخذ كل
السيما الرمحة اخلاصة بالعبد و هي اليت أقامته بني يدي ربه : أقم قالنا ـ ففق بعض اآلثار أن جربائيل يقول كل ليلة أقم فالنا ، و أمن فالنا فربمحته للعبد أقامه يف
ه خدمته يناجيه بكالمه ، و يتملقه و يسرتمحه و يدعوه و يستعطفه و يسأله هدايتو رمحته ، و متام نعمته عليه دنياه و أخراه فهذا من رمحته بعبده ، فرمحته وسعت
{ ربنا كل شيء ، كما أن محده وسع كل شيء ، و علمه وسع كل شيء ، ] ، و غريه مطرود حمروم قد فاتته هذه ٧[ غافر : وسعت كل شيء رحمة و علما} الرمحة اخلاصة فهو منفي عنها.
{ مالك يوم الدين}بودية عنوان ع
عبوديته من الذل و االنقياد ، و قصد العدل و { مالك يوم الدين }و يعطى قوله القيام بالقسط ، و كف العبد نفسه عن الظلم و املعاصي ، و ليتأمل ما تضمنته
اهللا فيه من إثبات املعاد و تفرد الرب يف ذلك باحلكم بني خلقه ، و أنه يوم يدين اخللق بأعمامم من اخلري و الشر ، و ذلك من تفاصيل محده ، و موجبه كما قال
].٧٥[الزمر:{ و قضي بينهم بالحق و قيل الحمد هللا رب العالمين}تعاىل : و يروى أن مجيع اخلالئق ممدونه يومئذ أهل اجلنة و أهل النار ، عدال و فضال ،
رب العالمين}.{الحمد هللاو ملا كان قوله إخبارا عن محد عبده له قال : محدين عبدي.
ما معنى ( الثناء ) (التمجيد)
إعادة و تكريرا ألوصاف كماله قال : " أثىن { الرحمن الرحيم}و ملا كان قوله
ا يكون بتكرار احملامد ، و تعداد أوصاف احملمود ، علي عبدي " ، فإن الثناء إمن وصفه بالرمحة. { الرحمن الرحيم }يه ، و فاحلمد ثناء عل
و ملا وصف العبد ربه بتفرده نلك يوم الدين و هو امللك احلق ، مالك الدنيا و اآلخرة ؛ و ذلك متضمن لظهور عدله ، و كربيائه و عظمته ، و وحدانيته ، و
يد هو : صدق رسله ، مسى هذا الثناء جمدا فقال : " جمدين عبدي " فإن التمج الثناء بصفات العظمة ، و اجلالل ، و العدل ، و اإلحسان .
عبودية { إياك نعبد }
انتظر جواب ربه له : " هذا بيين و بني { إياك نعبد و إياك نستعين }فإذا قال : عبدي ، و لعبدي ما سأل ".
هللا سبحانه و و تأمل عبودية هاتني الكلمتني و حقوقهما ، و ميز الكلمة اليت تعاىل ، و الكلمة اليت للعبد ، و فقه سر كون إحدامها هللا ، و األخرى للعبد ، و
و التوحيد الذي تقتضيه كلمة { إياك نعبد }ميز بني التوحيد الذي تقتضيه كلمة ، و فقه سر كون هاتني الكلمتني يف وسط السورة بني نوعي { و إياك نستعين }
{ و إياك على { إياك نعبد }ء قبلهما ، و الدعاء بعدمها ، و فقه تقدمي الثنا، و تقدمي املعمول على العامل مع اإلتيان به مؤخرا أوجز و أخضر ، و نستعين }
سر إعادة الضمري مرة بعد مرة .
تقديم العبادة على االستعانة
تعانة ، فالعبادة هللا و االستعانة قلت : أراد تقدمي العبادة ـ و هي العمل ـ على االسللعبد ، فاهللا هو املعبود ، و هو املستعان على عبادته ، فإياك نعبد ؛ أي إياك أريد بعباديت ، و هو يتضمن العمل الصاحل اخلالص ، و العلم النافع الدال على اهللا ،
و معرفة و حمبة ، و صدقا و إخالصا ، فالعبادة حق الرب تعاىل على خلقه ، االستعانة تتضمن استعانة العبد بربه على مجيع أموره ، و هي القول املتضمن
قسم العبد.فكل عبادة ال تكون هللا و باهللا فهي باطلة مضمحلة ، و كل استعانة تكون باهللا
وحده فهي خذالن و ذل. و تأمل علم ما ينفع العباد و ما يدفع عنهم كل واحد من هاتني الكلمتني من اآلفة
املنافية للعبودية نفعا و دفعا و كيف تدخل العبد هاتان الكلمتان يف صريح العبودية.
القرآن مداره على هذه الكلمة
و تأمل علم كيف يدور القرآن كله من أوله إىل آخره عليهما ، و كذلك اخللق ، و لغايات ، و األمر و الثواب و العقاب و الدنيا و اآلخرة ، و كيف تضمنتا ألجل ا
أكمل الوسائل ، و كيف أتى بما بضمري املخاطب احلاضر ، دون ضمري الغائب ، و هذا موضوع يستدعي كتابا كبريا ، و لوال اخلروج عما حنن بصدده ألوضحناه و بسطناه ، فمن أراد الوقوف عليه فقد ذكرناه يف كتاب : "مراحل السائرين بني
ني " و يف كتاب " الرسالة املصرية ".منازل إياك نعبد و إياك نستع
ضرورة العبد لقوله {اهدنا الصراط المستقيم }
الذي { اهدنا الصراط المستقيم }مث ليتأمل العبد ضرورته و فاقته إىل قوله مضمونه معرفة احلق ، و قصده و إرادته و العمل به ، و الثبات عليه ، و الدعوة
ملدعو إليه فباستكمال هذه املراتب اخلمس يستكمل إليه ، و الصرب على أذى ا العبد امداية و ما نقص منها نقص من هدايته.
و ملا كان العبد مفتقرا إىل هذه امداية يف ظاهره و باطنه ، بل و يف مجيع ما يأتيه ، و يذره من :
أنواع الهدايات التي يفتقر لها العبد
و عمال و إرادة ، فهو حمتاج إىل التوبة منها و أمور فعلها على غري امداية علما •
توبته منها هي من امداية. و أمور قد هدي إىل أصلها دون تفصيلها فهو حمتاج إىل هداية تفاصيلها. •
و أمور قد هدي إليها من وجه دون وجه ، فهو حمتاج إىل متام امداية يف كماما • هداه.على امدى املستقيم ، و أن يزداد هدى إىل
و أمور هو حمتاج فيها إىل أن مصل له من امداية يف مستقبلها مثل ما حصل • له يف ماضيها.
وأمور هو خال عن اعتقاد فيها فهو حمتاج إىل امداية فيها اعتقادا صحيحا. •و أمور يعتقد فيها خالف ما هي عليه ، فهو حمتاج إىل هداية تنسخ من قلبه •
تثبت فيه ضده. ذلك االعتقاد الباطل ، وو أمور من امداية : هو قادر عليها ، و لكن مل خيلق له إرادة فعلها ، فهو •
حمتاج يف متام امداية إىل خلق إرادة.و أمور منها : هو غري قادر على فعلها مع كونه مريد ما ، فهو حمتاج يف هدايته •
إىل إقدار عليها.يد ما ، فهو حمتاج إىل خلق القدرة و أمور منها : هو غري قادر عليها و ال مر •
عليها و اإلرادة ما لتتم له امداية.و أمور : هو قائم با على وجه امداية اعتقادا و إرادة ، و علما و عمال ، فهو •
حمتاج إىل الثبات عليها و استدامتها ، فكانت حاجته إىل سؤال امداية أعظم و مذا فرض عليه الرب الرحيم هذا احلاجات ، و فاقته إليها أشد الفاقات ،
السؤال على العبيد كل يوم و ليلة يف أفضل أحواله ، و هي الصلوات اخلمس ، مرات متعددة ، لشدة ضرورته و فاقته إىل هذا املطلوب.
مث بني أن سبيل أهل هذه امداية مغاير لسبيل أهل الغضب و أهل الضالل ، و • هم .هو اليهود ، و النصارى و غري
فانقسم اخللق إذن إىل ثالثة أقسام بالنسبة إىل هذه امداية :منعم عليه : حبصوما له و استمرارها و حظه من املنعم عليهم ، حبسب حظه من
تفاصيلها و أقسامها.
مل يعط هذه امداية و مل يوفق ما . و ضال : عرفها و مل يوفق للعمل نوجبها. و مغضوب عليه :
حائد عنها ، حائر ال يهتدي إليها سبيال. : فالضالمتحري منحرف عنها ؛ الحنرافه عن احلق بعد معرفته به مع و المغضوب عليه :
علمه با.فاألول املنعم عليه قائم بامدى ، و دين احلق علما و عمال و اعتقادا و الضال
عكسه ، منسلخ منه علما و عمال.ا رأسا ، عارف به علما منسلخ عمال ، و اهللا املوفق و املغضوب عليه ال يرفع فيه
للصواب.و لوال أن املقصود التنبيه على املضادة و املنافرة اليت بني ذوق الصالة ، و ذوق
السماع ، لبسطنا هذا املوضوع بسطا شافيا ، و لكن لكل مقام مقال ، فلنرجع إىل املقصود.
عبودية التأمين و رفع اليدين
ع له التأمني يف آخر هذا الدعاء تفاؤال بإجابته ، و حصوله ، و طابعا عليه ، و شر
و حتقيقا له ، و مذا اشتد حسد اليهود للمسلمني عليه حني مسعوهم جيهرون به يف صالتم.
مث شرع له رفع اليدين عند الركوع تعظيما ألمر اهللا ، و زينة للصالة ، و عبودية ية باقي اجلوارح ، و اتباعا لسنة رسول اهللا صلى اهللا عليه و خاصة لليدين كعبود
سلم فهو حلية الصالة ، و زينتها و تعظيم لشعائرها.
مث شرع له التكبري الذي هو يف انتقاالت الصالة من ركن إىل ركن ، كالتلبية يف ة شعار انتقاالت احلاج ، من مشعر إىل مشعر ، فهو شعار الصالة ، كما أن التلبي
احل ،(طيز ليعلم أن سر الصالة هو تعظيم الرب تعاىل و تكبريه بعبادته وحده. )
عبودية الركوع
مث شرع له بأن خيضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعا لعظمة ربه ، و استكانة ميبته و تذلال لعزته.
ه قامته ، و فثناء العبد على ربه يف هذا الركن ؛ هو أن مين له صلبه ، و يضع لينكس له رأسه ، و مين له ظهره ، و يكربه معظما له ، ناطقا بتسبيحه ، املقرتن
بتعظيمه.فاجتمع له خضوع القلب ، و خضوع اجلوارح ، و خضوع القول على أمت األحوال ، و جيتمع له يف هذا الركن من اخلضوع و التواضع و التعظيم و الذكر ما يفرق به
به ، و اخلضوع للعبيد بعضهم لبعض ، فإن اخلضوع وصف العبد ، بني اخلضوع لر و العظمة وصف الرب .
و متام عبودية الركوع أن يتصاغر الراكع ، و يتضاءل لربه ، حبيث ميحو تصاغره لربه من قلبه كل تعظيم فيه لنفسه ، و خللقه و يثبت مكانه تعظيمه ربه وحده ال شريك
له .
الرب خرج تعظيم الخلقإذا عظم القلب
و كلما استوىل على قلبه تعظيم الرب ، و قوى خرج منه تعظيم اخللق ، و ازداد تصاغره هو عند نفسه فالركوع للقلب بالذات ، و القصد و اجلوارح بالتبع و
التكملة.مث شرع له أن ممد ربه ، و يثين عليه بآالئه عند اعتداله و انتصابه و رجوعه إىل
هيئاته ، منتصب القامة معتدما فيحمد ربه و يثين عليه بآالئه عند اعتداله أحسن و انتصابه و رجوعه إىل أحسن تقومي ، بأن وفقه و هداه مذا اخلضوع الذي قد
حرمه غريه.
عبودية القيام
مث نقله منه إىل مقام االعتدال و االستواء ، واقفا يف خدمته ، بني يديه كما كان يف قراءة يف ذلك ، و مذا شرع له من احلمد و الد نظري ما شرع له من حال حالة ال
القراءة يف ذلك.و مذا االعتدال ذوق خاص و حال مصل للقلب ، و خيصه سوى ذوق الركوع و
حاله ، و هو ركن مقصود لذاته كركن الركوع و السجود سواء.كما يطيل الركوع و السجود ، و و مذا كان رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يطيله
يكثر فيه من الثناء و احلمد و التمجيد ، كما ذكرناه يف هديه صلى اهللا عليه و سلم يف صالته و كان يف قيام الليل يكثر فيه من قول : " لريب احلمد ، لريب احلمد
" و يكررها.
عبودية السجود
يعطي يف سجوده كل غضو من مث شرع له أن يكرب و يدنو و خير ساجدا ، وأعضائه حظه من العبودية ، فيضع ناصيته باألرض بني يدي ربه ، مسندة راغما له أنفه ، خاضعا له قلبه ، و يضع أشرف ما فيه ـ و هو وجهه ـ باألرض و السيما
وجه قلبه مع وجهه الظاهر ساجدا على األرض معفرا له وجهه و أشرف ما فيه بني ه ، راغما أنفه ، خاضعا له قلبه و جوارحه ، متذلال لعظمة ربه ، خاضعا يدي سيد
لعزته ، منيبا إليه ، مستكينا ذال و خضوعا و انكسارا ، قد صارت أعاليه ملوية ألسافله.
و قد طابق قلبه يف ذلك حال جسده ، فسجد القلب للرب كما سجد اجلسد بني أنفه و وجهه ، و يداه و ركبتاه ، و رجاله فهذا العبد يدي اهللا ، و قد سجد معه
هو القريب املقرب فهو أقرب فهو ما يكون من ربه و هو ساجد .و شرع له أن يقل فخذيه عن ساقيه ، و بطنه عن فخذيه و عضديه عن جنبيه ،
ليأخذ كل جزء منه حظه من اخلضوع ال ممل بعضه بعضا .احلال أن يكون أقرب إىل ربه منه يف غريها من األحوال كلها ، فأحر به به يف هذه
كما قال النيب صلى اهللا عليه و سلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد ) عن أيب هريرة رضي اهللا عنه ].٤٨٢".[رواه مسلم (
يوم و ملا كان سجود القلب خضوعه التام لربه أمكنه استدامة هذا السجود إىل القيامة ، كما قيل لبعض السلف :
هل يسجد القلب ؟
الصالة مبناها على خمسة أركان
قال : " أي و اهللا سجدة ال يرفع رأسه منها حىت يلقى اهللا عز و جل ".[هذا القول عزاه ابن تيمية لسهل بن عبد اهللا التسرتي كما يف جمموع الفتاوى
)٢٣/١٣٨) (٢١/٢٨٧[ ( خبات القلب ، و ذله ، و خضوعه ، و تواضعه و إنابته و حضوره مع إشارة إىل إ
اهللا أينما كان ، و مراقبته له يف اخلالء و املأل ، و ملا بنيت الصالة على مخس : القراءة و القيام و الركوع و السجود و الذكر .
مسيت باسم كل واحد من هذه اخلمس :] ، و قوله : ٢[ املزمل : ل إال قليال}{ قم الليفسميت " قياما " لقوله :
].٢٣٨[البقرة : {وقوموا هللا قانتين}] ٧٨[اإلسراء : {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا}و "قراءة" لقوله :
].٤٨[املزمل : {فاقرءوا ما تيسر منه }، { و إذا ] ، ٤٣لبقرة :[ ا { و اركعوا مع الراكعين }و مسيت " ركوعا " لقوله : ].٤٨[املراسالت :قيل لهم اركعوا ال يركعون}
[ احلجر : { فسبح بحمد ربك و كن من الساجدين}و " سجودا " لقوله : ].١٩[العلق : { و اسجد و اقترب}] ، وقوله ٩٨
م { ال تلهكم أموالك] ، ٩[ اجلمعة : { فاسعوا إلى ذكر اهللا}و "ذكرا " لقوله : ].٩[ املنافقون : و ال أوالدكم عن ذكر اهللا }
و أشرف أففعاما السجود ، و أشرف أذكارها القراءة ، و أول سورة أنزلت على افتتحت بالقراءة ، و { اقرأ باسم ربك }النيب صلى اهللا عليه و سلم سورة
ختمت بالسجود ، فوضعت الركعة على ذلك ، أوما قراءة و آخرها سجود.
ل العبد بين السجدتينحا
مث شرع له أن يرفع رأسه ، و يعتدل جالسا ، و ملا كان هذا االعتدال حمفوفا بسجودين ؛ سجود قبله ، و سجود بعده ، فينتقل من السجود إليه ، مث منه إىل
جود اآلخر ، كان له شأن ، فكان رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يطيل الساجللوس بني السجدتني بقدر السجود يتضرع إىل ربه فيه ، و يدعوه و يستغفره ، و يسأله رمحته ، و هدايته و رزقه و عافيته ، و له ذوق خاص ، و حال للقلب غري
ثل جاثيا بني يدي ربه ، ملقيا ذوق السجود و حامن ؛ فالعبد يف هذا القعود يتمنفسه بني يديه ، معتذرا إليه طا جناه ، راغبا إليه أن يغفر له و يرمحه ، مستعديا له
على نفسه األمارة بالسوء.
لماذا االستغفار بين السجدتين
و قد كان النيب صلى اهللا عليه و سلم يكرر االستغفار يف هذه اجللسة فيقول : " اغفر يل ، رب اغفر يل ، رب اغفر يل " ، و يكثر من الرغبة فيها إىل ربه. رب
فمثل أيها املصلي نفسك فيها ننزلة غرمي عليه حق ، و أنت كفيل به ، و الغرمي طاطل خمادع ، و أنت مطلوب بالكفالة ، و الغرمي مطلوب باحلق ، فأنت تستعدي
خلص من املطالبة ، و القلب شريك عليه حىت تستخرج ما عليه من احلق ،؛ لتت النفس يف اخلري و الشر ، و الثواب و العقاب ، و احلمد و الذم .
و النفس من شأ�ا اإلباق و اخلروج من رق العبودية ، و تضييع حقوق اهللا عو و جل و حقوق العباد اليت قبلها ، و القلب شريكها إن قوي سلطا�ا و أسريها ، و
ته إن قوي سلطانه.هي شريكته و أسري
فشرع للعبد إذا رفع رأسه من السجود أن جيثو بني يدي اهللا تعاىل مستعديا على نفسه ، معتذرا من ذنبه إىل ربه و طا كان منها ، راغبا إليه أن يرمحه و يغفر له و يرمحه و يهديه و يرزقه و يعافيه ، ز هذه اخلمس كلمات ، قد مجعت مجاع خري
فإن العبد حمتاج بل مضطر إىل حتصيل مصاحله يف الدنيا و يف الدنيا و اآلخرةاآلخرة ، و دفع املضار عنه يف الدنيا و اآلخرة ، و قد تضمن هذا الدعاء ذلك
كله.فإن الرزق جيلب له مصاحل دنياه و أخراه و جيمع رزق بدنه و رزق قلبه و روحه ، و
هو أفضل الرازقني. و العافية تدفع مضارها.
مداية جتلب له مصاحل أخراه.و ا و املغفرة تدفع عنه مضار الدنيا و اآلخرة.
و الرمحة جتمع ذلك كله. و امداية تعم تفاصيل أموره كلها.و شرع له أن يعود ساجدا كما كان ، و ال يكتفي منه بسجدة واحدة يف الركعة
قرب العبد من ربه كما اكتفى منه بركوع واحد ؛ و ذلك لفضل السجود و شرفه و و موقعه من اهللا عز و جل ، حىت إنه أقرب ما يكون إىل ربه و هو ساجد ، و هو
أشهر يف العبودية و أعرق فيها من غريه من أركان الصالة ؛ و مذا جعل خامتة الركعة ، و ما قبله كاملقدمة بني يديه ، فمحله من الصالة حمل طواف الزيارة ، و
ما يكون العبد من ربه و هو ساجد ، فكذلك أقرب ما يكون منه كما أنه أقرب يف املناسك و هو طائف كما قال ابن عمر ملن خطب ابنته و هو يف الطواف فلم يرد عليه فلما فرغ من الطواف قال : أتذكر أمرا من أمور الدنيا و حنن نرتاءى هللا
سبحانه و تعاىل يف طوافنا.الركوع قبل السجود تدرجيا و انتقاال من الشيء إىل ما و مذا و اهللا أعلم ، جعل
هو أعلى منه.
لماذا يكرر السجود مرتان
و شرع له تكرير هذه األفعال و األقوال ؛ إذ هي غذاء القلب و الروح اليت ال قوام مما إال با ، فكان تكريرها ننزلة تكرير األكل لقمة بعد لقمة حىت يشبع ، و
د نفس حىت يروى ، فلو تناول اجلائع لقمة واحدة مث دفع الطعام الشرب نفسا بعمن بني يديه فماذا كانت يغين عنه تلك اللقمة ؟ و رنا فتحت عليه باب اجلوع أكثر طا به ؛ و مذا قال بعض السلف : " مثل الذي يصلي و ال يطمئن يف
قمتني ماذا تغين عنه صالته كمثل اجلائع إذا قدم إليه طعام فتناول منه لقمة أو ل ذلك".
و يف إعادة كل قول أو فعل من العبودية و القرب ، و تنزيل الثانية منزلة الشكر على األوىل ، و حصول مزيد خري و إميان من فعلها ، و معرفة و إقبال و قوة قلب ، و انشراح صدر و زوال درن و وسخ عن القلب ننزلة غسل الثوب مرة بعد مرة .
ه حكمة اهللا اليت بـهرت العقول حكمته يف خلقه و أمره ، و دلت على كمال فهذرمحته و لطفه ، و ما مل حتط به علما منها أعلى و أعظم و أكرب و إمنا هذا يسري
من كثري منها.فلما قضى صالته و أكملها و مل يبق إال االنصراف منها ، فشرع اجللوس يف
ليه نا هو أهله ، فأفضل ما يقول العبد يف جلوسه هذه آخرها بني يدي ربه مثنيا ع التحيات اليت ال تصلح إال هللا ، و ال تليق بغريه.
عبودية الجلوس للتشهد و معنى التحيات
و ملا كان من عادة امللوك أن ميوا بأنواع التحيات من األفعال و األقوال املتضمنة طلب البقاء ، و الدوام مم ، و أن يدوم للخضوع مم ، و الذل ، و الثناء عليهم و
ملكهم. فمنهم : من ميي بالسجود و منهم من ميي بالثناء عليه
و منهم : من ميي بطلب البقاء ، و الدوام له .و منهم : من جيمع له ذلك كله فيسجد له ، مث يثين عليه ، مث يدعي له بالبقاء و
الدوام.ي كل شيء هالك إال وجهه سبحانه أوىل بالتحيات و كان امللك احلق املبني ، الذ
كلها من مجيع خلقه ، و هي له باحلقيقة و هو أهلها ؛ و مذا فسرت التحيات لك و
بامللك ، و فسرت بالبقاء و الدوام ، و حقيقتها ما ذكرته ، و هي حتيات امل
لك و املليك. امل
لك ، و له فاهللا سبحانه هو املتصف جبميع ذلك ، فهو أوىل بهفهو سبحانه امل
لك ، فكل حتية حتي با ملك من سجود أو ثناء ، أو بقاء ، أو دوام فهي هللا امل
على احلقيقة ؛ و مذا أتى با جمموعة معرفة باأللف و الالم إرادة للعموم ، و هي وزن مجع حتية ، حتيا با امللوك ، و هي " تفعلة" من احلياة ، و أصلها " حتييه" على
" تكرمه" ، مث أدغم إحدى اليائني يف اآلخر فصارت " حتية " فإذا كان أصلها من احلياة ، و املطلوب منها ملن حتي با دوام احلياة ، كما كانوا يقولون مللوكهم :
لك احلياة الباقية ، و لك احلياة الدائمة. و بعضهم يقول : عش عشرة آالف سنة.
و اشتق منها : أيامك أو أيامه ، و أطال اهللا بقاءك.أدام اهللا
و حنو ذلك طا يراد به دوام احلياة و امللك ، فذلك مجيعه ال ينبغي إال هللا احلي القيوم الذي ال ميوت.
الذي كل ملك سواه ميوت ، و كل ملك سوى ملكه زائل.
عطف الصلوات و الطيبات
مل ذلك كلما أطلق عليه مث عطف عليها الصلوات بلفظ اجلمع و التعريف ؛ ليشلفظ الصالة خصوصا و عموما ، فكلها هللا و ال تنبغي إال له ،فالتحيات له ملكا ، و الصلوات له عبودية و استحقاقا ، فالتحيات ال تكون إال هللا ، و الصلوات ال
تنبغي إال له . مث عطف عليها بالطيبات ، و هذا يتناول أمرين : الوصف و امللك.
ا الوصف : فإنه سبحانه طيب ، و كالمه طيب ، و فعله كله طيب ، و ال فأم يصدر منه إال طيب ، و ال يضاف إليه إال الطيب ، و ال يصعد إليه إال الطيب.
معنى الطيبات
فالطيبات له وصفا و فعال و قوال و نسبة ، و كل طيب مضاف إليه طيب ، فله
و األفعال ، و كل مضاف إليه كبيته و عبده ، و روحه و ناقته الكلمات الطيبات ، و جنته دار الطيبني ، فهي طيبات كلها ، و أيضا فمعاين الكلمات الطيبات هللا وحده ، فإ�ا تتضمن تسبيحه ، و حتميده ، و تكبريه ، و متجيده ، و الثناء عليه
عليه با ، و معانيها له وحده باآلئه و أوصافه ؛ فهذه الكلمات الطيبات اليت يثىنال شريك له : كسبحانك اللهم و حبمدك وتبارك امسك و تعاىل جدك و ال إله
غريك.
و كسبحان اهللا و احلمد هللا ، و ال إله إال اهللا ، و اهللا أكرب.و سبحان اهللا و حبمده ، سبحان اهللا العظيم ، و حنو ذلك . و كل طيب له و
، و هو طيب ال يقبل إال طيبا ، و هو إله الطيبني و ربم ، و عنده و منه و إليه جريانه يف دار كرامته ، هم الطيبون.
أطيب الكالم بعد القرآن
فتأمل أطيب الكلمات بعد القرآن ، كيف ال تنبغي إال هللا ؟ و هي : سبحان اهللا و
باهللا ، فإن " سبحان احلمد هللا و ال إله إال اهللا و اهللا أكرب و ال حول و ال قوة إالاهللا " تتضمن تنزيهه عن كل نقص و عيب و سوء عن خصائص املخلوقني و
شبههم.و " احلمد هللا " تتضمن إثبات كل كمال له قوال ، و فعال ، و وصفا على أمت
الوجوه ، و أكملها أزال و أبدا .معبود سواه باطل ، و أنه و " ال إله إال اهللا " تتضمن انفراده باإلمية ، و أن كل
وحده اإلله احلق ، و أن من تأله غريه فهو ننزلة من اختذ بيتا من بيوت العنكبوت ، يأوي إليه ، و يسكنه من احلر و الربد ، فهل يغين عنه ذلك شيئا .
و " اهللا أكرب " تتضمن أنه أكرب من كل شيء ، و أجل ، و اعظم ، و أعز و أقدر ، و اعلم ، و أحكم ، فهذه الكلمات ال تصح هي و أقوى و أمنع ، و
معانيها إال هللا وحده.
عبودية التسليم على األنبياء و الصالحين
مث شرع له أن يسلم على سائر عباد اهللا الصاحلني ، و هم عباده الذين اصطفى سالم على { قل الحمد هللا و بعد الثناء ، و تقدمي احلمد هللا فطابق ذلك قوله :
] ، و كأنه امتثال له ، و أيضا فإن هذا حتية ٥٩[النمل :عباده الذين اصطفى}املخلوق فشرعت بعد حتية اخلالق و قدم يف هذه التحية أوىل اخللق با و هو النيب صلى اهللا عليه و سلم ، الذي نالت أمته على يده كل خري ، و على نفسه ، و
احلني ، و أخصهم بذه التحية األنبياء و املالئكة ، بعده و على سائر عباد اهللا الصمث أصحاب حممد صلى اهللا عليه و سلم ، و أتباع األنبياء مع عمومها كل عبد
صاحل يف السماء و األرض.مث شرع له بعد هذه التحية السالم على من يستحق السالم عليه خصوصا و
عموما.
معنى الشهادتين في التحيات
أن يشهد شهادة احلق اليت بنيت عليها الصالة ، و الصالة حق من مث شرع له حقوقها ، و ال تنفعه إال بقرينتها و هي الشهادة للرسول صلى اهللا عليه و سلم بالرسالة ، و ختمت با الصالة كما قال عبد اهللا بن مسعود : " فإذا قلت ذلك
فقد قضيت صالتك ، فإن شئت فقم و إن شئت فاجلس".إما أن ممل على انقضائها إذا فرغ منه حقيقة ، كما يقوله الكوفيون ، او و هذا
على مقاربة انقضائها و مشارفته ، كما يقول أهل احلجاز و غريهم ، و على التقديرين فجعلت شهادة احلق خامتة الصالة . كما شرع أن تكون هي خامتة
احلياة. ". "فمن كان آخر كالمه ال إله إال اهللا دخل اجلنة
و كذلك شرع للمتوضئ أن خيتتم وضوءه بالشهادتني ، مث ملا قضى صالته أذن له أن يسأل حاجته.
الصالة على النبي
و شرع له أن يتوسل قبلها بالصالة على النيب صلى اهللا عليه و سلم ، فإ�ا من أعظم الوسائل بني يدي الدعاء ، كما يف السنن عن فضالة بن عبيد أن رسول اهللاصلى اهللا عليه و سلم قال : "إذا دعا أحدكم فليبدأ حبمد اهللا ، و الثناء عليه ، و
ليصل على رسوله مث ليسل حاجته". مث جعل الدعاء آلخر الصالة كاخلتم عليها.
فجاءت التحيات على ذلك ، أوما محد هللا ، و الثناء عليه مث الصالة على رسوله النيب صلى اهللا عليه و سلم للمصلي بعد الصالة مث الدعاء آخر الصالة ، و أذن
عليه أن يتخري من املسألة ما يشاء.
سنن اآلذان الخمس
و نظري هذا ما شرع ملن مسع اآلذان : أن يقول كما يقول املؤذن.
و أن يقول رضيت باهللا ربا ، و باإلسالم دينا ، و نحد رسوال. لة ، و أن يبعثه املقام احملمود.و أن يسأل اهللا لرسوله الوسيلة و الفضي
مث ليصل عليه . مث يسأل حاجته.
فهذه مخس سنن يف إجابة املؤذن ال ينبغي الغفلة عنها.
فصل
سر الصالة اإلقبال على اهللا
و سر الصالة و روحها و لبها ، هو إقبال العبد على اهللا بكليته فيها ، فكما أنه ال لقبلة إىل غريها فيها ، فكذلك ال ينبغي له أن يصرف ينبغي أن يصرف وجهه عن ا قلبه عن ربه إىل غريه فيها.
بل جيعل الكعبة ـ اليت هي بيت اهللا ـ قبلة وجهه و بدنه ، و رب البيت تبارك و تعاىل قبلة قلبه و روحه ، و على حسب إقبال العبد على اهللا يف صالته ، يكون
رض اهللا عنه ، كما تدين تدان.إقبال اهللا عليه ، و إذا أعرض أع
لإلقبال على اهللا في الصالة ثالث منازل
و اإلقبال يف الصالة على ثالثة منازل:*إقبال العبد على قلبه فيحفظه و يصلحه من أمراض الشهوات و الوساوس ، و
بطلة لثواب صالته أو املنقصة ما. اخلطرات امل
ه فيها حىت يعبده كانه يراه.إقباله على اهللا نراقبت * و الثاني :إقباله على معاين كالم اهللا ، و تفاصيله و عبودية الصالة ليعطيها *و الثالث :
حقها من اخلشوع و الطمأنينة و غري ذلك.فباستكمال هذه املراتب الثالث يكون قد أقام الصالة حقا ، و يكون إقبال اهللا
على املصلي حبسب ذلك.
كل جزء من أجزاء الصالة كيف يكون اإلقبال في
فإذا انتصب العبد قائما بني يديه ، فإقباله على قيومية اهللا و عظمته فال يتفلت مينة و ال يسرة.
و إذا كرب اهللا تعاىل كان إقباله على كربيائه و إجالله و عظمته.و كان إقباله على اهللا يف استفتاحه على تسبيحه و الثناء عليه و على سبحات
وجهه ، و تنزيهه عما ال يليق به ، و يثين عليه بأوصافه و كماله.فإذا استعاذ باهللا من الشيطان الرجيم ، كان إقباله على ركنه الشديد ، و سلطانه و
انتصاره لعبده ، و منعه له منه و حفظه من عدوه.كالمه كما و إذا تلى كالمه كان إقباله على معرفته يف كالمه كأنه يراه و يشاهده يف
قال بعض السلف : لقد جتلي اهللا لعباده يف كالمه.و الناس يف ذلك على أقسام و مم يف ذلك مشارب ، و أذواق فمنهم البصري ، و األعور ، و األعمى ، و األصم ، و األعمش ، و غري ذلك ، يف حال التالوة و
ته و صفاته و أفعاله الصالة ، فهو يف هذه احلال ينبغي له أن يكون مقبال على ذا و أمره و �يه و أحكامه و أمسائه.
و إذا ركع كان إقباله على عظمة ربه ، و إجالله و عزه و كربسائه ، و مذا شرع له يف ركوعه أن يقول : " سبحان ريب العظيم " .
فإذا رفع رأسه من الركوع كان إقباله على محد ربه و الثناء عليه و متجيده و عبوديته تفرده بالعطاء و املنع. له و
فإذا سجد ، كان إقباله على قربه ، و الدنو منه ، و اخلضوع له و التذلل له ، و االفتقار إليه و االنكسار بني يديه ، و التملق له.
فإذا رفع رأسه من السجود جثى على ركبتيه ، و كان إقباله على غنائه وجوده ، و بني يديه و االنكسار ؛ أن يغفر له و يرمحه كرمه و شدة حاجته إليهن ، و تضرعه
، و يعافيه و يهديه و يرزقه.فإذا جلس يف التشهد فله حال آخر ، و إقبال آخر يشبه حال احلاج يف طواف
الوداع ، و استشعر قلبه االنصراف من بني يدي ربه إىل أشغال الدنيا و العالئق و قد ذاق قلبه التأمل و العذاب با الشواغل اليت قطعه عنها الوقوف بني يدي ربه و
قبل دخوله يف الصالة ، فباشر قلبه روح القرب ، و نعيم اإلقبال على اهللا تعاىل ، و عافيته منها و انقطاعها عنه مدة الصالة ، مث استشعر قلبه عوده إليها خبروجه من
اتصلت محى الصالة ، فهو ممل هم انقضاء الصالة و فراغه منها و يقول : ليتها بيوم اللقاء.
و يعلم أنه ينصرف من مناجاة من كل السعادة يف مناجته ، إىل مناجاة من كان األذى و امم و الغم و النكد يف مناجاته ، و ال يشعر بذا و هذا إال من قلبه حي
معمور بذكر اهللا و حمبته ، و األنس به ، و من هو عامل نا يف مناجاة اخللق و الطتهم من األذى و النكد ، و ضيق الصدر و ظلمة القلب ، و رؤيتهم ، و خم
فوات احلسنات ، و اكتساب السيئات ، و تشتيت الذهن عن مناجاة اهللا تعاىل عز و جل .
الكالم على التسليم
و ملا كان العبد بني أمرين من ربه عز و جل :
قتضاؤه من القيام أحدمها : حكم الرب عليه يف أحواله كلها ظاهرا و باطنا ، و ا بعبودية حكمه ، فإن لكل حكم عبودية ختصه ، أعين احلكم الكوين القدري. و الثاين : فعل ، يفعله العبد عبودية لربه ، و هو موجب حكمه الديين األمري.
و كال األمرين يوجبان بتسليم النفس إىل اهللا سبحانه ، و مذا اشتق له اسم ا سلم حلكم ربه الديين األمري ، و حلكمه الكوين اإلسالم من التسليم ، فإنه مل
القدري ، بقيامه بعبودية ربه فيه ال باسرتساله معه يف اموى ، و الشهوات ، و املعاصي ، و يقول : قدر علي استحق اسم اإلسالم فقيل له : مسلم.
الشروع في بيان ثمرات الخشوع
حمبته و عبوديته سكن إىل ربه ، و قرب و ملا اطمأن قلبه بذكر اهللا ، و كالمه ، ومنه ، و قرت به عينه فنال األمان بإميانه و نال السعادة بإحسانه ، و كان قيامه
بذين األمرين أمرا ضروريا اه ال حياة له ، و ال فالح و ال سعادة إال به .لطباع املطالبة و ملا كان ما بلي به من النفس األمارة ، و اموى املقتضي ملرادها و ا
، و الشيطان املغوي ، يقتضون منه إضاعة حظه من ذلك ، أو نقصانه ، اقتضت رمحة ربه العزيز الرحيم أن شرع له الصالة خملفة عليه ما ضاع عليه من ذلك ، رادة عليه ما ذهب منه ، جمددة له ما ذهب من عزمه و ما فقده ، و ما أخلق من إميانه
كل صالتني برزخا من الزمان حكمة و رمحة ، ليجم نفسه ، و ميحو ، و جعل بني با ما يكتسبه من الدرن ، و جعل صورتا على صورة أفعاله ، خشوعا و خضوعا و انقيادا و تسليما و أعطى كل جارحة من جوارحه حظها من العبودية ، و جعل
ثوابا و حملها الدخول عليه مثرتا و روحها إقباله على ربه فيها بكليته ، و جعل تبارك و تعاىل ، و التزين للعرض عليه تذكريا بالعرض األكرب عليه يوم القيامة.
لكل شيء ثمرة و ثمرة الصالة اإلقبال على اهللا
و كما أن الصوم مثرته تطهري النفس ، و مثرة الزكاة تطهري املال ، و مثرة احل وجوب تسليم النفس إليه ، اليت اشرتاها سبحانه من العباد ، و جعل املغفرة ، و مثرة اجلهاد
اجلنة مثنها ؛ فالصالة مثرتا اإلقبال على اهللا ، و إقبال اهللا سبحانه على العبد ، و يف اإلقبال على اهللا يف الصالة مجيع ما ذكر من مثرات األعمال و مجيع مثرات
األعمال يف اإلقبال على اهللا فيها.قل النيب صلى اهللا عليه و سلم : جعلت قرة عيين يف الصوم ، و ال يف و مذا مل ي
احل و العمرة ، و ال يف شيء من هذه األعمال و إمنا قال : " و جعلت قرة عيين يف الصالة ".
و تأمل قوله : " و جعلت قرة عيين يف الصالة " و مل يقل : " بالصالة " ، إعالما وله كما تقر عني احملب نالبسته حملبوبه و تقر عني منه بأن عينه ال تقر إال بدخ
اخلائف بدخول يف حمل أنسه و أمنه ، فقرة العني بالدخول يف الشيء أم و أكمل مت قرة العني به قبل الدخول فيه ، و ملا جاء إىل راحة القلب من تعبه و نصبه
قال : " يا بالل أرحنا بالصالة ".
لماذا الراحة بالصالة ؟
أقمها لنسرتيح با من مقاساة الشواغل كما يسرتيح التعبان إذا وصل إىل مأمنه أي و منزله و قر فيه ، و سكن و فارق ما كان فيه من التعب و النصب.
و تامل كيف قال : " أرحنا بالصالة " و مل يقل : " أرحنا منها " ، كما يقوله ماض و تكلف ، فهو يف عذاب املتكلف الكاره ما ، الذي ال يصليها إال على إغ
ما دام فيها ، فإذا خرج منها وجد راحة قلبه و نفسه ؛ و ذلك أن قلبه طتلئ بغريه
، و الصالة قاطعة له عن أشغاله و حمبوباته الدنيوية ، فهو معذب با حىت خيرج منها ، و ذلك ظاهر يف أحواله فيها ، من نقرها ، و التفات قلبه إىل غري ربه ، و
ترك الطمأنينة و اخلشوع فيها ، و لكن قد علم أنه ال بد له من أدائها ، فهو يؤديها على أنقص الوجوه ، قائل بلسانه ما ليس يف قلبه و يقول بلسان قلبه حىت
نصلي فنسرتيح من الصالة ، ال با. فهذا لون و ذاك لون آخر .
، و لقلبه سجنا ضيقا حرجا ، و ففرق بني من كانت الصالة جلوارحه قيدا ثقيال لنفسه عائقا ، و بني من كانت الصالة لقلبه نعيما ، و لعينه قرة و جلوارحه راحة ،
و لنفسه بستانا و لذة.الصالة سجن لنفسه ، و تقييد جلوارحه عن التورط يف مساقط املكات فاألول :
رمحة حبسب عبوديته هللا تعاىل ، و قد ينال با التكفري و الثواب ، أو ينال من ال فيها ، و قد يعاقب على ما نقص منها.
الصالة بستان له ، جيد فيها راحة قلبه ، و قرة عينه ، و لذة و القسم اآلخر : نفسه ، و راحة جوارحه ، و رياض روحه ، فهو فيها يف نعيم يتفكه ، و يف نعيم
نزلة العالية من اهللا عز و جل ، و يتقلب يوجب له القرب اخلاص و الدنو ، و امليشارك األولني يف ثوابم ، بل خيتص بأعاله ، و ينفرد دو�م بعلو املنزلة و القربة ،
اليت هي قدر زائد على جمرد الثواب.
من فوائد الصالة القرب من اهللا
{ و مذا تعد امللوك من أرضاهم باألجر و التقريب ، كما قال السحرة لفرعون :{ قال نعم و إنكم لمن ] ، ٤١[الشعراء: إن لنا ألجرا إن كنا نحن الغالبين}
].١١٤[األعراف : المقربين}
فوعدهم باألجر و القرب ، و هو علو املنزلة عنده.مثله مثل عبد دخل الدار ، دار امللك ، و لكن حيل بينه و بني رب فاألول :
ب ، فهو حمجوب من وراء السرت فلذلك مل تقر عينه بالنظر إىل الدار بسرت و حجاصاحب الدار و النظر إليه ؛ ألنه حمجوب بالشهوات ، و غيوم اموى و دخان
النفس ، و خبار األماين ، فالقلب منه بذلك و بغريه عليل ، و النفس مكبة على ما �واه ، طالبة حلظها العاجل.
الء الصالة إال على إغماض ، و ليس له فيها راحة ، و فلهذا ال يريد أحد من هؤ ال رغبة و ال رهبة فهو يف عذاب حىت خيرج منها إىل ما فيه قرة عينه من هواه و
دنياه.مثـله كمثل رجل دخل دار امللك ، و رفع السرت بينه وبينه ، و القسم اآلخر :
و طاعته ، و قد أحتفه امللك بأنواع فقرت عينه بالنظر إىل امللك ، بقيامه يف خدمتهالتحف ، و أدناه و قربه ، فهو ال مب االنصراف من بني يديه ، ملا جيده من لذة القرب و قرة العني ، و إقبال امللك عليه ، و لذة مناجاة امللك ، و طيب كالمه ،
جهة ، و و تذلله بني يديه ، فهو يف مزيد مناجاة ، و التحف وافدة عليه من كل مكنت و قد اطمأنت نفسه ، و خشع قلبه لربه و جوارحه ، فهو يف سرور و راحة يعبد اهللا ، كأنه يراه ، و جتلى له يف كالمه ، فأشد شيء عليه انصرافه من بني يديه رشد املعني ، فهذه إشارة و نبذة يسرية يف ذوق الصالة ، و سر
، و اهللا املوفق امل جتل من جتلياتا.من أسرارها و
فصل
الفرق بين أهل السماع و أهل الصالة
فنحن نناشد أهل السماع باهللا الذي ال إله إال هو ، هل جيدون يف مساعهم مثل هذا الذوق أو شيء منه؟ بل نناشدهم باهللا ، هل يدعهم السماع جيدون بعض هذا
الذوق يف صالتم أو جزءا يسريا منها؟ من هذا الذوق رائحة ، أو مشوا منه مشة قط ؟ بل هل نشقوا
و حنن حنلف ، عنهم أن ذوقهم يف صالتم و مساعهم صد هذا الذوق ، و مشربم ضد هذا املشرب.
و لوال خشية اإلطالة لذكرنا نبذة من ذوقهم يف مساعهم ، تدل على ما ورائها . و ذوق اآليات ، و ذوق ال خيفى على من له أدىن عقل ، و حياة قلب ، الفرق بني
األبيات ، و بني ذوق القيام بني يدي رب العاملني ، و القيام بني يدي املغنني ، و بني ذوق اللذة و النعيم نعاين ذكر اهللا تعاىل و التلذذ بكالمه ، و ذوق معاين
الغناء ، و التطريب الذي هو رقية الزنا ، و قرآن الشيطان ، و التلذذ نضمو�ا فما مع و اهللا األمران يف قلب إال و طرد أحدمها اآلخر ، و ال جتتمع بنت رسول اجت
اهللا و بنت عدو اهللا عز و جل عند رجل أبدا ، و اهللا سبحانه و تعاىل أعلم.
فصل
فمىت جتئ األذواق الصحيحة املستقيمة إىل قلوب قد احنرفت أشد االحنراف عن كت ما كان عليه هو و أصحابه و السلف هدي نبيها صلى اهللا عليه و سلم ، و تر
الصاحل ، فإ�م كانوا جيدون األذواق الصحيحة املتصلة باهللا عز و جل يف األعمال : الصالة املشروعة ، و يف قراءة القرآن ، و تدبره و استماعه ، و أجر ذلك ، و
وف و يف مزامحة العلماء بالركب ، و يف اجلهاد يف سبيل اهللا ، و يف األمر باملعر النهي عن املنكر ، و يف احلب يف اهللا و البغض فيه ، و توابع ذلك ، فصار ذوق املتأخرين ـ إال من عصمه اهللا ـ يف الرياع و الدف ، و املواصيل ، و األغاين املطربة من الصور احلسان و الرقص ، و الضجي ، و ارتفاع األصوات ، و تعطيل ما مبه
املخالفة موى النفس .فشتان بني ذوق األجلان و ذوق اهللا ، و يرضاه من عبادته القرآن و بني ذوق العود و الطنبور ، و ذوق املؤمنني و النور ، و بني ذوق الزمر و
[القمر { اقتربت الساعة و انشق القمر } ذوق الزمر ، و بني ذوق الناي و ذوق لصافات ، و بني ذوق ] و بني ذوق املواصيل و الشبابات و ذوق يس و ا٠١:
غناء الشعر و ذوق سورة الشعراء ، و بني ذوق مساع املكاء و التصدية و ذوق األنبياء.
و بني الذوق على مساع تذكر فيه العيون السود و اخلصور و القدود ، و ذوق مساع سورة يونس و هود ، و بني ذوق الواقفني يف طاعة الشيطان على أقدامهم صواف
اقفني يف خدمة الرمحن يف سورة األنعام و األعراف ، و بني ذوق ، و ذوق الو الواجدين على طرب املثالث و املثاين ، و ذوق العارفني عند استماع القرآن العظيم و السبع املثاين ، و بني ذوق أوىل األقدام الصفات يف حظرية مساع الشيطان ، و
ذوق أصحاب األقدام الصافات بني يدي الرمحن.
ن اهللا هكذا تنقسم و املواجيد ، و يتميز خلق املطرودين من خلق العبيد ، و سبحاسبحان املمد مؤالء و هؤالء من عطائه و املفارق بينهم يف الكرامة يوم القيامة ، فواهللا ال جيتمع حمبو مساع قرآن الشيطان و حمب مساع كالم الرمحن يف قلب رجل
واحد أبدا. اهللا و بنت رسول اهللا عند رجل واحد أبدا. كما ال جتتمع بنت عدو
أنت القتيل بكل من أحببته ** فاخرت لنفسك يف اموى من تصطفي
سماع أهل الحق
كان أصحاب حممد صلى اهللا عليه و سلم و رضي اهللا عنهم ، إذا اجتمعوا و
حمبوبم ، اشتاقوا إىل حاد مدو بم ، ليطيب مم السري ، و حمرك مرك قلوبم إىل أمروا واحدا منهم يقرأ و الباقون يستمعون ، فتطمئن قلوبم ، و تفيض عيو�م و
جيدون من حالوة اإلميان أضعاف ما جيده السماعاتية من حالوة السماع.و كان عمر بن اخلطاب إذا جلس عنده أبو موسى يقول : يا أبا موسى ذكرنا ربنا
عمل تلك األقوال يف قلوب القوم عملها ، و ، فيأخذ أبو موسى ، يف القراءة ، و ت كان عثمان بن عفان يقول : لو طهرت قلوبنا ملا شبعت من كالم اهللا.
و أي و اهللا ، كيف تشبع من كالم حمبوبم و فيه �اية مطلوبم ؟ و كيف تشبع من القرآن ؟ و إمنا فتحت به ال بالغناء و األحلان؟!
* فإن تركناه زاد السقم و املرضو إذا مرضنا تداوينا بذكركم *
و أصحاب الطرب و األحلان عن هذا كله نعزل ، هم يف وادي و القوم يف واد.
و الضب و النون قد يرجى التقاؤمها ** و ليس يرجى التقاء الوحي و القصب
فأين حال من يطرب على مساع الغناء و القصب بني املثالث و املثاين و ذوقه و حال من جيد لذة السماع و روح احلال ، و ذوق طعم اإلميان إذا مسع يف وجده إىل
حال إقبال قلبه على اهللا و أنسه به و شوقه إىل لقائه ، و استعداده لفهم مراده من كالمه و تنزيله على حاله و أخذه حبضه الوافر منه قارئا جميداص حسن الصوت و
األداء يقرأ :طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إال تذكرة لمن يخشى {بسم اهللا الرمحن الرحيم
تنزيال ممن خلق األرض و السماوات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات و ما في األرض و ما بينهما و ما تحت الثرى و إن تجهر
].٧-١[طه:بالقول فإنه يعلم السر و أخفى}
ال هذا النمط من القرآن الذي إذا صادف حياة يف قلب صادق قد شم و أمثرائحة احملبة و ذاق حالوتا ، فقلبه ال يشبع من كالم حمبوبه و ال يقر و ال يطمئن إال به ، كان موقعه من قلبه كموقع وصال احلبيب بعد طول امجران ، وحل منه
، فما ظنك بأرض حياتا بالغيث أصابا حمل املاء البارد يف شدة امجري من الظمأوابله ، أحوج ما كانت إليه ، فأنبت فيها من كل زوج بي ، قائم على سوقه
يشكره و يثين عليه.فهل يستوي عند اهللا تعاىل و مالئكته و رسوله و الصادقني من عباده ، مساع هذا
عبيد نفوسهم الشهوانية و مساع هذا ، و ذوق هذا و ذوق هذا ، فأهل مساع الغناء ، يعلمون السماع طلبا للذة النفس و نيال حلظها الباطل ، فمن مل مييز بني هذين السماعني ، و الذوقني فليسأل ربه بصدق ، رغبته إليه أن ميي قلبه امليت ، و أن
جيعل له نورا يستضيء به يف ظلمات جهله ، و أن جيعل له فرقانا فيفرق به بني و الباطل ، فإنه قريب جميب.احلق
فصل في التنبيه على نكتة خفية من نكت السماع
و يف السماع نكتة حقيقية أصلية يعرفها أهلها ، و جيدو�ا بعد انقضائه و هي أنه قد علم الذائقون منهم أنه ما وجد صادق يف السماع الشعري وجدا ، و حترك به
لس قبضا على قلبه ، و نوع استيحاش ، و إال وجد بعد انقضائه و مفارقة الأحس ببعده و انقطاعا و ظلمة ، و ال يتفطن مذا األمر إال من يف قلبه أدىن حياة
و إال : فما جلرح نيت إيالم ، و لو سئل عن سبب هذا مل يعرفه ؛ ألن قلبه فيه ، مغمور يف السماع و ذوقه الباطل ؛ فهو غافل عن استخراج آالمه اليت طرقته
و عن أسباب فساد القلب منه ، و لو وزنه بامليزان العدل لعلم من أين أتى ، فامسع اآلن السبب الذي ألجله نشأ منه هذا القبض ، و هذه الوحشة ، و البعد .
ملا كان السماع الشعري أعلى أحواله أن يكون طتزجا حبق و باطل ، و مركبا من حبه أن تأخذ الروح حظها احملمود منه ، شهوة و شبهة ، و أحسن أحوال صا
طتزجا حبظ النفس ، و الشيطان و اموى فهو غري صاف ، و ال خالص ، فامتزج نصيب الصادق فيه من الرمحن بنصيب الشيطان ، و اختلط حظ القلب حبظ
النفس ، هذا أحسن أحواله ، فإنه مؤسس على حظ النفس و الشيطان و هو فيه من الرمحن فهو فيه بالعرض ، لوم يوضع عليه و ال أسس عليه بذاته و هو نصيبه
فاختلط يف وادي القلب املاء اليسري الصايف باملاء الكثري الكدر ، و غلب اخلبيث يف الطيب ، أو جتاورا و التقت الواردات الرمحانية ، و الواردات الشيطانية.
خيفى عليه ذلك الوقت و املستمع الصاد لغلبة صدقه ، و ظهور أحكام القلب فيه أثر الكدر و ال يشعر به سيما مع سكر الروح به ، و غيبتها عن سوى مطلوبه ، فلما أفاق من سكره ، و فارق لذة السماع و طيبه ، وجد اللوث و الكدر الذي هو حظ النفس ، و الشيطان ، و أثر جثوم الشيطان على قلبه فأثر فيه ذلك األثر
أحس به بعدا و كلما كان أصدق و أمت طلبا كان وجوده مذا قبضا ، و وحشة ، و أمت و أظهر فإن استعداده هو حبياة قلبه يوجب له االحساس بذا ، و ال يدري من
أين أتى ، و هذا له يف الشاهد نظائر و أشباه منها : إن الرجل إذا اشتغل قلبه اشتغاال تاما نشاهدة حمبوب أو رؤية خموف ، أو لذة
ملكت عليه حسه و قلبه ، إذا أصابه يف تلك احلالة ضرب ، أو لسع أو سبب مؤمل ، فأنه ال يكاد يشعر به ، فإذا فارقته تلك احلالة وجد منه أمل حىت كأنه أصابه تلك الساعة ، فإنه كان يف مانع مينعه من اإلحساس باألمل فلما زال املانع أحس باألمل.
ا في السماع الباطلأهل الصدق إذا دخلو
و مذا كان بعض الصادقني إذا فارق السماع بادر إىل جتديد التوبة و االستغفار ، و أخذ يف أسباب التداوي اليت يدفع با موجب أسباب القبض و الوحشة و البعد.و هذا القدر إمنا يعرفه أولوا الفقه يف الطريق أصحاب الفطن ، املعتنون بتكميل
و معرفة أدوائها و أدويتها و اهللا املستعان.نفوسهم ، و ال ريب أن الصادق يف مساع األبيات قد جيد ذوقا صحيحا إميانيا ، و لكن ذلك
ننزلة من شرب عسال يف إناء اس.
و النفوس الصادقة ذوات اممم العالية رفعت أنفسها عن الشراب يف ذلك اإلناء و طهارتا ، و علو مهتها فهي ال تشرب ذلك تقذرا له ، ففرت منه الستقامتها
الشراب إال يف إناء يناسبه ، فإذا مل جيد إناء يناسبه صانت الشراب عن وضعه يف ذلك اإلناء ، و انتظرت أن يليق به.
و غريها من النفوس تضع ذلك الشراب يف أي إناء انفق ما ؛ من عظام ميتة أو ما شرب به اخلمر ، أو ال يستحي الغراب جلد كلب أو خنزير أو إناء مخر ، طاملا
أن يشرب أطيب شراب و ألذه يف هذه اآلنية ؟و لو جرد الصادق ذلك يف حال مساعه لوجد ذوقه من ذلك ، و لكن حالوة
العسل تغيب عنه نتنه و قذره و أثر قبحه على قلبه يف تلك احلال ، فبعد مفارقته كان صادقا يف حاله مع اهللا و كان مساعه يوجب له ذلك وحشة و قبضا ، هذا إذا
هللا و باهللا.و أما إن كان كاذبا كان مساعه للذة نفسه و حظه فهو يشرب النجاسات يف اآلنية القذرات و ال مس بشيء طا ذكرناه ؛ الستيالء اموى و النفس و الشيطان عليه.
يشرب الشراب و أما صاحب السماع القرآين الذي تذوقه ، و شرب منه ، فهو الطهور ، الطيب النظيف يف أنظف إناء ، و أطيبه ، و أطهره .
فاآلنية ثالثة : نظيف ، و اس ، و خمتلط. و الشرابات ثالثة : طاهر و اس و طزوج.
القلوب ثالثة
و القلوب ثالثة : صحيح سليم فشرابه الشراب الطهور يف اإلناء النظيف ، و راب النجس يف اإلناء القذر ، و قلب فيه مادتان.سقيم مريض فشرابه الش
إميان و نفاق ، فشرابه يف إناء حبسب املادتني ، و قد جعل اهللا لكل شيء قدرا ، فالعارف من نظر يف األسباب إىل غاياتا و نتائجها ، و تأمل مقاصدها ، و ما
تؤول إليه.احلرام ، قطع بتحرمي هذا و من عرف مقاصد الشرع يف سد الذرائع املفضية إىل
السماع ، فإن املرأة األجنبية و مساع صوتا حرام ، و كذلك اخللوة با .
المحرمات في الشريعة
و حمرمات الشريعة قسمان : قسم حرم ملا فيه من املفسدة. • و قسم حرم ألنه ذريعة إىل ما اشتمل عليه من املفسدة. •
رم ، و مل ينظر إىل ما هو وسيلة إليه استشكل وجه فمن نظر إىل صورة هذا احمل التحرمي .
و اهللا سبحانه و تعاىل أعلم ، و احلمد هللا رب العاملني ، و صلى اهللا و سلم على سيد املرسلني حممد صلى اهللا عليه و سلم و على آله و أصحابه و التابعني مم
ني.بإحسان إىل يوم الدين ، ننك و كرمك يا أرحم الرامح
قال محققه ـ عفا اهللا عنه ـ :"فقد من اهللا علي إذ وفقين و انتدبين إلخراج هذا السفر اجلليل ، بذه الصورة ،
] ، " و هي ٠٧معتمدا يف إخراجه على ثالثة نسخ خطية من بلدان ثالث" [ص مصر و العراق و اململكة العربية السعودية.
الصورة أبدا و ال هو مستل من كتاب كبري .و الكتاب مل ينشر سابقا بذه و حقيقة هذه الرسالة هو أ�ا جزء من كتاب " مسألة السماع " و الذي نشر أيضا بعنوان آخر ـ كما سيمر ـ و لكن هذا اجلزء جاء ناقصا عن املخطوطات ، و فيه
] ١٩تقدمي و تأخري ، و فيه حتريف."[صسالة بشكل مستقل و باسم مغاير هو عمل مث قال : " فوجدت أن نشر هذه الر
شرعي و مشروع ؛ ألسباب كثرية أذكر منها :أن هذه الرسالة بشكلها النهائي ختتلف كثريا عن اجلزء املطبوع يف كتاب " - أ
الكالم على مسألة السماع".أ�ا ال تشبه أي كتاب أو رسالة منشورة سابقا ، فقد استلت من كتب ابن - ب
ؤلفات ، منها ما استل قدميا ، و منها ما استله املعاصرون القيم كثري من امل ]١٩.." [ص
و أضاف قائال : "فهذا الكتاب ال يعترب كتابا مستال فهو ال يشبه أبدا املستالت السابقة سواء ما استل حديثا أو قدميا ، بل هو كتاب مستقل بذاته.
يم على مراحل فهو مكون كتاب " الكالم على مسألة السماع " ألفه ابن الق -ج] حملققه راشد بن عبد العزيز ٧٣من قسمني أو جزئني كما يف مقدمة الكتاب [ص
احلمد. اجلزء األول من فصلني : الفصل األول بيان حكم الغناء يف الشريعة.
الفصل الثاين : أن تعاطي السماع على وجه اللعب و اخلالعة و على وجه للقربة و الطاعة.
فصل باملوازنة بني ذوق الصالة و ذوق الغناء.و ختم هذا ال اجلزء الثاين : و اشتمل على ذكر شبه املغنني و دحضها.هـ ] مث بعد فرتة ٧٤٠و يبدو يل أن ابن القيم أجاب عن هذه الفتيا يف سنة [
] ٢٣٣أضاف ما اجلزء الثاين و دليل ذلك قول ابن القيم يف بداية اجلزء الثاين [ صس الدين أبو عبد اهللا حممد بن أيب بكر احلنبلي إمام اجلوزية يف متام : قال الشيخ مش
اجلواب عن الفتيا الواردة يف السماع سنة أربعني و سبعمائة اليت أجاب فيها العلماء على املذاهب األربعة رضي اهللا عنهم أمجعني. أي أن ابن القيم ألف كتابه على مرحلتني .
اجلزء األول و فصله األخري و رسالتنا هذه مستلة من �ايةبقي هناك سؤاال ملاذا كل هذه االختالفات يف النسخ بني املطبوع و املخطوط ، و
بني نفس املخطوط؟و أقرب جواب وقع يل هو : أن ابن القيم نفسه استل هذه الرسالة مث نقحها أكثر
من مرة.نقحة و املصححة من و مع وقوع السقط و التحريف من النساخ ، و كثرة النسخ امل
ابن القيم نفسه. جعل هذا االختالف الكبري بني النسخ.
فهي إذن رسالة استلها ابن القيم نفسه و نقحها و أعاد النظر فيها عدة مرات و أضاف و حذف و قدم و أخر . و أصبحت على شكلها احلايل . هذه األسباب
].٢٢-٢١مستقل.[ص الثالثة هي اليت دفعتين لنشر هذه الرسالة بشكل
انتهى