1

بسم االله الرحمن الرحيم

2

سلسلة عندما نطق السراة

الخلق الأول

ونودتع أكمدا بكم

قسم الدراسات والبحوث

جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

مملكة البحرين

الطبعة الأولى

2005

4

لمقدمةا

إخوانـا، أصبحنا والطائر الذي ربى فرخ الوقـواق (

نحتضن بيض الأعداء، نفقسه له مجانا في أعـشاش

أدمغتنا، ننميه ليرمي في التراب فراخنا، فراخ تراثنا

الصحيح، نغذيه ونحتضنه، ثم نستميت دفاعـا عنـه

جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية ).بحياتنا

توطئة

في مسألة خلـق لم تكن الأمة الواحدة مختلفة قط ولا جاهلة

الملفقة التي نـصبت مـن ) السبعينية(آدم وكيفيته، قبل بزوغ التوراة

نفسها حكما مهيمنا في مثل هذه المسائل، فإن الكهنة الـسبعين الـذين

كتبوا التوراة قاموا عمدا وجهـلا بكتابتهـا وفـق أسـلوبهم ووفـق

حـين اجا قدسيا سيمنظورهم وفهمهم ونواياهم، بعد أن جعلوا لكتابهم

ضمنوه كثيرا من الأساطير المقدسة والحكايات الشفوية المقتبسة مـن

الحضارات العربية التي قبلهم والتي كان يتم تناقلها شفويا، وأثبتوهـا

ليصوغوا لهم تراثا مركزيا منتحلا منفوخا يخرجوا به مـن بـداوتهم

هو الـذي أتـى ) ع(ى المفتقرة للحضارة، وصيروا الأمر وكأن موس

أتى ببعض أخبارها فإن الرسالات والنبـوات ) ع(بها، ولا نستبعد أنه

أن بعـضا منهـا إلـى ن اليوم يالمحقققد خلص كثير من و. تراكمية

وجود أقـدم همل ، حيث تكشف سبق التوراتيين مسروق ومقتبس ممن

5

ـ لمضامينها رب والبـابليين في كتابات وألواح ورقم الـسومريين الع

.والسوريين وعرب مصر والجزيرة

، )ع(إن نسبة شامل محتوى هـذه المـدونات إلـى موسـى

وبالتالي إلى االله عز شأنه، أطغت بالقدسية على ما سـمي بـالتوراة

ـ ـه يتضمن بعض ما ج ـليوسم بكتاب مقدس، الذي نسلم بأن ه ـاء ب

يات الشعبية، وأيـضا الخرافـات ، وفيه الأساطير والمرو )ع(موسى

والافتراءات، وفيه كذلك تراثنا العربي الشفوي، أعيد صياغته بنقص

.فهم وبأخطاء وتحريف

ومع أن القرآن جاهد ليسقط تلك القداسة عما كتبـه الأحبـار

وكتاب التوراة الذين إما أنهم أخفوا ما لا يوافق هواهم مـن حقـائق

وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننـه : (االكتاب أو حرفوه

للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنـا قلـيلا

ونشترا يم ا أنهم ألفـوا و )187:عمران آل()فبئسـ، وإم وا غيرهـا دس :

)عنـد اللـه فو ذا منه قولوني ثم ديهمبأي الكتاب ونكتبي ل للذيني

ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويـل لهـم ممـا

ونكسبة المخ )79:البقرة()ينـة ، فالقرآن قد أسقط هذه القدسيترعـة لمدو

الذي لم يسلم من الإضاعة مـع ) ع(الكهنة الذين خلطوا كتاب موسى

.أكوام من خليط أهوائهم وأنسوجاتهم

6

إلا أن الأمر ومع الأسف مضى تاريخيا بخـلاف التعليمـات

والتضمينات والتوصيات القرآنية، فكان أن عطلت تلك القداسة الزائفة

ن محسوما لدى الأوائل، وعد من بـديهياتهم، مسيرة الفكر في أمر كا

هو أمر عطل الفكر الإسلامي برمته في مثل هذه القـضايا، بـدخول

كثير من أهل الكتاب في الملة الجديدة بفهوماتهم القديمـة المظنـون

قدسيتها، وبثها كحقائق واستيلائها على الفكر، ثم كان تقريب الكثيـر

من الكهنة والأحبـار إبـان العـصور الأولـى، من أولئك الكتابيين

ودخولهم في العملية الروائية كمرجعيات تاريخية وإسلامية، لحـساب

سياسية وصراعات مذهبية، وبعد انفتاح باب الروايات لكـل أجندات

ذي مأرب، طم وادي الفكر بالكثير من الروايات التوراتية الذين كانوا

اره، حتى أنك لا تكاد تتتبع الروايات المتعلقـة هم أساسه ومنبعه وبذ

بالخلق الأول إلا وتجد كعبا ووهبا وغيرهما في السلسلة والإسناد، أو

تحال على مجاهيل، بل إن معظم الأخبار تنقل بصراحة عـن أهـل

" وجاء عن أهـل الكتـاب "، أحيانا بعبارة الكهنة الكتاب أي عن توراة

ويكفـي أن نعلـم أن ! أنها معروفة من أخبار الأولين وأحيانا بمسلمة

ولمـن " وهب بن منبه "في قصص الأنبياء كتبه " إسلامي"أول كتاب

تتبع الأسانيد لن يعدم أن يجد وهبا يقف علـى رأسـها، وأن أكبـر

القصاصين هم كعب الأحبار ووهب وتميم الداري وهـم مـن أهـل

.الكتاب سابقا

7

، أن الذهن البشري، ظل مـن عادتـه ثانيةؤسف إنه لمن الم

التواطؤ على صاحبه والتنصل من مسئوليته البحثية، فالإنسان يميـل

فكره إلى المحاكاة، وإلى التواري في ظلال الغير، فيـأنس لـو قـال

مقالته أناس سبقوه، ويرتعد لو كان سيأتي بغريـب أو مـا سـيدعى

كما يقولون، فهـو بطبعـه يـأنس " اس عيد الحشر مع الن "، إذ "بدعة"

للمألوف والمسموع ويستظل به لأنه يدافع من متراس حصين، وينفر

تبنيه لا يجلب الـسلامة، وعليـه أن عن الغريب وغير المسموع لأن

.يقيم متاريسه وحده لو صمدت للراجمات

يدخل بصاحبه فـي نفـق مـؤامرة خفيـة - بهذا -فالذهن

لحقيقة العزباء، لهذا حدث التواطؤ اللاشـعوري واللامعلـن لمواراة ا

بين أهل القرآن وأهل التوراة في كثير من القضايا، مع وجود فـصال

!بين الأمتينظاهر سافر بين الكتابين وعداء

والوضع للآن هو هو، لذا فأي طرح جديد سـيواجه بداهـة

منهما قوته من الآخر لا مـن بعنف هذا التواطؤ الذي اكتسب فيه كل

عولجت الشريفة نفسه، عن تشابه زائف وهمي في النصوص القرآنية

المألوف الذي انداح على الـنص بتأويلها تجاه الفهم التوراتي الخرافي

القرآني بتواتر القصاصين، فظن المسلمون أنهم حققوا قـوة الحقيقـة

وهو غير توراة (ه من توراة الكهنة القرآنية كونهم أخذوا شهادة توثيق

8

وإنه لفـي زبـر (، إمضاء منهم لفهم قاصر عن قوله تعالى )موسى

لينرائيل*الأوني إسب اءلمع هلمعي ة أنآي مله كني لمأو (

!)197، 196:الشعراء(

زيـف قـصص فة القاتلة إنما أعطوا والحقيقة أنهم بهذه العط

التوراة وهفواته الوثاقة المطلوبة والـصدقية، لا العكـس، وربطـوا

مصير الكتاب الحكيم الذي لا يأتيه الباطل، بآخر مختلط ما أنـزل االله

، فأصلحوا بتلك الخطوة عمـل المفـسدين بعد تشويهه به من سلطان

.)81:يونس()الله لا يصلح عمل المفسدين(و

ة، وكل آياته في هذه فمع أنالقرآن جاء بالحقيقة البيضاء النقي

أو ( تقول نقيض مـا تـصوره التـوراة )مسألة خلق البشر (المسألة

أو ما تمضيه روايات المـسلمين المنحولـة )بالأولى تفسير نصوصه

بشكل مباشر أو غير مباشر من استيلاء الفكر التوراتي، إلا أن :

المتصور عن بدايـة " للسيناريو"متسالم عليه الاستحكام الفكري ال *

. الخلق

وللقداسة الزائفة الموجودة في تلك الصورة المـسبغة علـى آدم *

. الأول

ولإهالة التقديس على آلاف المرويات كائنة ما كانت، ولـو كـان *

. ومن جاهد بين يديه براء منها)ص (نبي الإسلام

9

. ألة حاكمية قرآن االله وعدم فهم نظامه مع مسالخاطئوللتعامل *

* م نـسولوقوع التشابه في ألفاظه التي تحاكي في الظاهر المتوهج

القصاصين، حتى وصل بالأمر أن يستدل بالقرآن على المزعـوم

! التوراتي، مع أن القرآن المهيض جانبه لديهم يقول النقيض

آن الواضـحة أن كل ذلك وغيره قد حجب أشعة نـور القـر

تصل إلى عقل المسلم، وحجب القرآن أيضا أن يصل إلـى مخاطبـة

، فساد "الكتاب المقدس "العالم، بل الذي وصل هو التوراة تحت مسمى

.هذا التصور المتخلف والخاطئ على عقول العالم كله

) فـي الغـرب (ولولا رحمة االله وتنصل بعض رجالات العلم

هـذا، وانبثـاقهم " الكتـاب المقـدس "سطوات لاهوت وتحررهم من

وبحــثهم archaeology(1 ( وأركيولوجيــا،)geology (جيولوجيــا

لاستدراك الحقيقة المقبـورة، الحقيقـة ،)genealogy(وسلاليا آثاريا

يعرفونها ويعيشونها -توراة التدوين قبل -التي كان العرب الأوائل

أساطيرهم المقدسة لديهم لتبقـى معلمـا ويدونونها، وأشبعوا بها كل

وذخرا، فقام هؤلاء العلماء المنفلتون من الأسر الكهنوتي بمجهـودهم

♦ 1 منير البعلبكي، المورد القريب،. هو علم الآثار القديمة: الأركلوجيا -

هو الأرض " أرك"كلمة عربية التركيب فالـ " لوجي-أرك"و. 28ص

جاءت تسمية صخور ومنها ) 7بطرس البستاني، محيط المحيط، ص (لغة، فهو لغة صخور الأرض = بالإنجليزية، ولوجي " رك"الأرض

.وعلمها

10

: العلمي المتجرد الجبار تطبيقا لما حث عليه القرآن المهجور من قبل

) ي الله أ الخلق ثمدف بوا كيض فانظروا في الأرنشئ النشأة قل سير

ء قديرلى كل شيع الله ة إنلوا بجهـودهم )20:العنكبوت()الآخرفتوص ،

إلى كثيـر مـن -التي انقطع المسلمون مع الأسف عنها -المباركة

.الحقائق في تاريخ خلق الإنسان

إن أكبر مهزلة، بل أكبر مأساة، أن تم تعليق مصداقية ووثاقة

، مع أن "خلق الإنسان "يقوله القرآن وربطه بما زعمته التوراة في ما

القرآن أثبت أنه جاء ليقص على بني إسرائيل أكثر الـذي هـم فيـه

إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيـه (يختلفون

ختلفونعلى )76:النمـل ()ي الصادق من تلك الكتب فـضلا ، وأنه مهيمن

وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بـين يديـه مـن (عن غيرها

لا تتبـعو ل اللـهـا أنـزبم مـنهيب كمه فـاحليمنا عيهمالكتاب و

مهاءو48:المائدة()أه( ولبس الإسلام كالفرو مقلوبـا، ، انقلب ظهر المجن

وصار الفكر ،فصار أهل الكتاب هم الذين يقصون على القرآن وأهله

، وقضايا العلـم التوراتي هو المهيمن على تفسير قضايا القرآن وآياته

. والكون

نعم، لو تم ربـط القـرآن بالمـدونات الـسومرية والبابليـة

رة وادي النيل من أرض مصر، ة والمندائية والسورية وحضا والأكادي

لكان أجدى، لأن تلك حقائق، لا مقولات ظنونية، ولأنها أصيلة غيـر

11

منتحلة، ولأنها تريد تعليم الحقيقة لا ادعائها، ولأنها أخيـرا صـيغت

.1فتراضبعلم وتعليم لا بجهل وا

؟لماذا البحث

واقفـه فـي كلنا يعادي ويسالم، كلنا يحب ويبغض، كلنا لنا م

الحياة من كل القضايا، ولو وخزا أو نبضا على مـستوى الخلجـة أو

تمثله أو البوح به، كلنا يفعـل ذلـك وفـق الشعور إن تعذرت وسيلة

جمموازين أو أنظمة ذاتية قد تبر ه ولا بها شعور ه، هي أشـبه شعور

مة تلك المواقـف، ، فإذا أردنا أن نتحقق من سلا "لوحه المحفوظ "بـ

وكفاءة تلك الأنظمة، وصوابية تلك الموازين، لنحقق كما قال خليـل

، علينا أن نغرز )162:الأنعام() الله رب العالمين مماتي و محياي(الرحمن

في أنظمة وعينا الحقائق ونزيح الأباطيل والأوهام، علينـا أن نعيـد

نا لحركاتنـا وسـكناتنا، و إدارت كتابة وعينا وفق النظام الرباني، لتخط

♦ 1 امويل كريمر، خبير التراث السومري، لو رأيت صلو تأملت ما يقوله -

لو سمعت دهشته بالأوائل ! استعجابه كيف تم انتحال هذا التراث في التوراةرين المحدثين والمفكرين السومريين، يوجد فرق مهم بين المفك( .. فيكتب

ذلك أن المفكر الحديث مستعد للإقرار بأن معرفته واستنتاجاته إن هي إلا لم المفكر السومري جواب أو حل مطلق، ولكن ة وأنه متشكك في أينسبييكن كذلك، إنه كان على يقين من أن آراءه كانت مطلقة الصحة، وأنه كان

من صامويل كريمر، ". علم اليقين كيف خلق الكون وكيف يسير ويعمليعلم .159، ص ألواح سومر

12

خطوات نافعة ومسئولة وهادفة وصحيحة، نثاب عليها بـدلا مـن أن

.نحاسب، في حبنا وبغضنا، في حربنا وسلمنا

ة، حتى الـشيطان لا لا أحد يستطيع أن يبرمج أحدا آخر عنو

ي أن إذا صيغ مراكز تحكم مشاعرنا وبالتالي أنظمة تحريكنـا إلا يقدر

ارة الإذننا الأمأنفس ل ( ليفعل أعطته ا كانملطان إ وس من كمليع لاي

كموا أنفسلوموني ولي فلا تلوم تمبتجفاس تكموعد كل . )22:إبراهيم()أن

الذي نستطيعه أن نقدم للقارئ أنظمة تفكير، نفتح له مساحات بحـث،

ونصعقه بحقائق، ونرشقه بنتائج، نقدمها لأنها خلاصة تجربتنـا فـي

وعينا لكينونتنا وتطورنا، فنقدمها عن اقتناع أكيد بسلامتها وبراءتهـا

وخيريتها، لكنا ندعو القارئ بالإيمان النزيه الحر وإن اتسمت لغتنـا

أن يكـون بصرامة المحق أو بقوة المصيب، فلسنا ندعو القـارئ إلا

ي دا مع ما نقول، مثلما ينبغي أنا متجررحـحيال كذلك صبح ه برمجت

التي هو في أسرها الآن، وليأخذ كل ما نقوله على نحـو الفرضـية

والزعم، ليختبرها بنفسه، فقناعته لن يحاسب عليها غيره أألهمه بهـا

!ملاك أم برمجه بها شيطان، حاشاك االله

مستبدلة واحدة في معادلات تفكيرنا قد نحن نوقن أن معلومة

كلها؟ تحدث فارقا في نتيجة سلوكنا وحياتنا، فكيف لو تغيرت المعادلة

د النظامكله؟ بل كيف لو استعيض عن كل موازيننـا ما بالك لو تجد

13

ليـوم حتما سيكون لنا بعث وحشر وقيامـة قبـل ا ! بموازين القسط؟

. الآخر

هل نحن مقتنعون أن معرفة الحقيقة بحد ذاتها مطلب، لأنهـا

اللبنة الصحيحة في أساس بنائنا ومعمارنا الثقافي وفي تشكيل وعينـا

لحقيقة وجودنا من أجل فهم من نحن وما دورنا في الكـون كخلـق

: أن؟هل نشعر ضروريا ومهما: متميز؟ فلنسأل أنفسنا إذا

أن أي تقدم أو مراكمة لمناهج أو معلومات على أسـس ندرك . 1

خاطئة سينتج تقدما بطيئا أو منحرفا ووشيك العطب، فخطأنـا

الأول سيغدو أخطاء متراكمة طويلـة حـصيلتها نكـون أو لا

: المـأثور قـول ل، ل آخر – مسخا –نكون، أو ربما نكون شيئا

ائر على غير الطريق لا تزيـده العامل على غير بصيرة كالس (

.1) السير إلا بعداسرعة

مات تراثنا الاعتقادي، ونراجعها علـى نتحقق من كثير من مسل . 2

محك أنها دخائل خالطتنا، قد تكون اندست إلينـا غفلـة، مـن

لصياغة في لا شعورنا كركائز تعمل عملها خفاياعدونا، هذه ال

عـن االله، أو ت، وتـشكل اعتقادنـا فلسفتنا عن الحياة والمـو

ملائكته، أو كتبه، أو رسله، أو اليوم الآخر بما يكتنفه، أو عالم

♦ 1 وأيضا محمدي .10 صروضة الواعظين،الفتال النيسابوري، -

.2092، ص3 ج،ميزان الحكمةالريشهري،

14

الروح والمادة، عن أصلنا وسر وجودنا وما نحن آئلون إليـه،

رهذه الأمور هي التـي تـسي سـلبا أو إيجابـا - الحقيقة أن

. مساءبح فرد، وتلزمه بإلزاماته ص كل-بصورة خفيةو

نكتشف أن قرآننا فيه كل شيء، مع أنا كنا ولا نزال لا يكـشف . 3

فقط، وأن نفاجأ بأن الواهية لنا منه شيء، بل تسوق لنا التفاسير

المفسرين هم من أعلوا بتفاسيرهم فوق القرآن فانطمر تحتهـا،

. في مهمات المسائل-ساحبينا معهم -فأودى بهم أن يخطئوا

نبرهن عمليا، بأن النظام المعرفي المـوروث، وآليـة قـراءة . 4

، هي القاصرة، ما أدى إلـى تعطيلـه !"تفعيله"القرآن وطرائق

وتعميته وهجره، وإلى إعلاء كلمات الغير وتـصوراتهم فـوق

مـن الـنص ة يشمئزفلذات الأم كلام االله، ما جعل بعضا من

ـ الديني كله ، لأن التـسطيح أو الفهـم جعاته ومن خطابـه وس

البشري قد تدرع بالإلهي، وافترض على النفوس افتراضا تحت

".لا حكم إلا الله"شعار

نعرف أن لغتنا العربية قديمة قدم الإنسان الأول، وأن لهجـات . 5

شعوب هذه المنطقة كلها ثروة صحيحة وخزائن فهم، للتـراث

م مبادئ الحضارات وتاريخها، ولفهـم القـرآن القيم كله، ولعلو

.الكريم أيضا

15

م ويقـدم أننا شربنا الكثير وما نزال، مما يصدر لنا ويترج عين . 6

لنا في مناهجنا وإعلامنا أنه علم وحقائق، عن تاريخ منطقتنـا

.والعالم، وكثيره خاطئ ومدلس

بية قديمة بائدة، وما نعرف أن لغة التوراة في أساسها لهجة عر . 7

هذه اللغـة . ، بل هو أمر مخترع "اللغة العبرية "من شيء اسمه

التي هي كأحد لهجاتنا يستطيع أي قارئ أن يقرأهـا ويفهمهـا

لفـق فـي التـوراة أو أضيف ، فيكشف بنفسه زيف ما إجمالا

.روزو

ـ عقيدة التوحيد وجدت أن ب ؤمنن . 8 ذ آدم فـي هـذه المنطقـة من

الإنسان، ما يشعرنا بالتواصـل التـاريخي واحتـرام الآبـاء

.والمعلمين

أن ما أثر ودون من شعوب حضارات أمتنا من بابليين نكتشف . 9

، يثبت أنهـم كلهـم )آموريين(، ومصريين، وفينيقيين )سريان(

ـ ا كانوا عربا والتوحيد والأخلاق سمتهم الغالبة، وإن سـوق لن

الغرب واليهود عكس ذلك، فأقنعونا بادعاء وثنية آبائنا وتعـدد

آلهتهم وفسادهم وتفاهة معارفهم وبلادتهم وبداوتهم، وما أبشعها

!من جريمة وافتراء

لحظ تواصل تراثنا الديني والعلمي والحضاري، الذي يبدأ من ن . 10

16

يرة تبدأ ، مس )ص(وينتهي بخير الهداة حبيب االله محمد ) ع(آدم

من الجنة سكنا وتنتهي بها عقبى، وركبا يبـدأ مـن الـصحف

الأولى وينتهي بالقرآن العظيم، فيتعلم كيف يقرأ تلك المـدونات

الأساطير وبأي عقل وروح واحتـرام، وبـأي ك" زبر الأولين "و

.أدوات يفهمها

لحة مع يرى القارئ مصافحة بين قرآنه وتراثه من جهة، ومصا . 11

حقائق العلم من جهة أخرى، فلا يعيش انفصاما معرفيا بين علم

ودين، وأن نضع العصابة عن عينيه فيرى بعقل رياضي وقلب

يعشق كل بديع، جمال قرآنه، وسحر بيانـه، ودقـة نظامـه،

وروعة مخبوء معارفه، فيعرف ربه ويذكره مدهوشا ومـسبحا

.ومنيبا

علم القارئ كيف يبحث، وكيف يسأل، وكيف يحـتج، وكيـف يت . 12

ـ ه ه واعتقـاد يتحرر من سطوة من سطا علـى فكـره ونظام

، " وبرمجهـا منهجها" شعوره ومواقفه و ه وصادر وطرائق تحليل

وأن يتعلم بـالأهم كيـف . واستغفله دهرا ممارسا التفكير عنه

ط وحجاب، فيقرأ ذاتيا كتـاب من المصدر نفسه بلا وسائ ينهل

.ربه بنفسه كفى بها بصيرا بدون وصايات وتحكمات

يتمكن القارئ لأول مرة من فهم أساطير الأولـين مـن آبائـه . 13

17

وأسلافه، ويفرق بينها وبين الخرافات، ويرى فيها ارتباطا وثيقا

اعتقـاده مع لهجته العربية من جهة والتقاء مع مقولات مصادر

سة، فيستشعر انتماءمجذوذالمقد ته غيرلأم .

يرى القارئ بالدليل الباهر عظم هذه الأمة الخالدة، وأنها أمـة . 14

الإنسان وأمة دينه وعلمه منذ وجد، بها بـدأ االله وبهـا يخـتم،

أن الأرض هي فعلا الله يورثهـا ؛فيمتلئ أملا بعد إياس وإحباط

.عباده الصالحينمن يشاء من

يرتقي القارئ ليعرف مقدار الزيف المهول الذي سطا في هـذا . 15

، إلـى انعتـق العالم، ليختبر وعيا كونيا آخر، يختبره بنفسه إذا

فسح ليس فيها مساحة للزيف أو الترهات، ولا للحروب المسفلة

الــضيقة، ولا للحــروف الجوفــاء المتزلفــة، ولا للقداســات

" لا نبـالي "لمخترعة المهترئة، فيركمها جميعا علـى قارعـة ا

سبحان الـذي أسـرى (وينطلق تلقاء النور، ولو وحده مع االله

.)1:الإسراء()بعبده ليلا

يبزغ أفراد في أمتنا ليس فيهم شركاء متشاكـسون متـشعبون، . 16

ب باحتذائهم أجواء يكونون للأمة صفوا بلا كدر، عل أن تترط

الخصومات المفتعلة، ما بين مذهب ومذهب، وملة وملة، بل ما

وإنـساني، وعـالمي وديني ،وقومي وديني ،بين ديني وعلمي

18

وقومي ووطني، فما رأيكم بحل كل المسائل؟ بأن يعتز المـرء

وفق هذه الأطروحة بلسانه لأنـه لـسان العـالمين، محترمـا

لأنهم أخذوا عن هذا اللسان، ودينه لأن الملل كلها في الآخرين

تـه لأنهو للعـالمين، ويفخـر بقومي واحد انيرب أصلها دين

الشعوب تفرقت من ها هنا، وينتمي للعالم لأنهم ولائـد بقعتـه،

وللإنسانية لأنها رسالته منذ ظهرت وظهر، ولوطنه لأنه المهد

ارة والدين، هذا الرجوع للأصـل الـذي الأول للإنسان والحض

تنفني به مصنوعات التناقض الطارئة التي جزأت شمل الأمـة

الواحدة، هو الذي احتاط له نبي الإسلام والعـرب والإنـسانية

ومن 1)الناس بنو آدم، وآدم من تراب ): (ص(والعالمين بقوله

بـه تراب هذه المنطقة بالخصوص، وليس ثمة طريق نلـتمس

جوع الأشـموا (نورا إلا بهذا الرفالتمـس كـماءرـوا وجعار

.)13:الحديد()نورا

وأخيرا، أن ينشأ جيل مسلح ذاتيا بالحقيقة والإيمان الخالص، لا . 17

تهوله عسكرة المادة وضجيجها، ولا زعيـق الـصخابين، ولا

التدين، بل يحاكمهم بمنطق علمية المدعين بالنزاهة والتجرد أو

مهمـا تـسلطنوا فـي " البشر"صائب بلا انسحاق، ولا تهويل

♦ 1 ؛ محمد بن عيسى الترمذي،361، ص2 جالمسند،أحمد بن حنبل، -

.735، ص5ج ،سننال

19

الآفاق، على أعناق الناس، متى علق حبلـه وانوثـق بالواحـد

" الإنـسان "الأحد، وبالقوة الجبارة التي صممت الكون، وأبدعت

المربـوبين لغايتها السامية، لا ليحشر وقودا في دهاليز وأنفاق

التائهين وثرثراتهم، سواء ترهيبا مارسوا عليه أو ترغيبا، حتى

لو وضعوا الشمس في يمينه أو القمر في شماله ما ودع أمـره

الذي انكشف له، لأن قوته ورهبته ورغبته أعكفهن تجاه خالقه

ذل (العلي را منخي ل لكعج شاء الذي إن كارري تبنات تجج ك

.)10:الفرقان()من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا

فهل نستطيع أن نقدم كل ذلك للقارئ في هذا البحث الصغير،

وما (:لنفسهلا، ولكن القارئ الحر يستطيع أن ينتجه ويقدمه أو ذاك؟

خي من وا لأنفسكممتقد وهننثـر ، )110:البقرة()ر تجد فنحاول أن ا نحنأم

خطوطا لمعالم هذا الطريق، روح تلك الثمرات، نقـدمها فـي أمثلـة

" ليلة القـدر "" طوفان نوح " "معصية آدم " "جنة آدم "، "خلق آدم "تطبيقية

وغيرها، نعالج بها بعض الاعتقادات، وليس غرضنا الأسـاس هـو

حسب، بل الطريق إليها، المنهج ومؤسسات الوصول، هـو النتيجة و

الذي نعرضه للقارئ ليختبره، النظـام الـذي أورث تلكـم النتيجـة،

هي تقدمتنا للقارئ وابتلاؤنا إياه، كيف - لا نتيجة العلاج -المعالجة

يضرب ويقسم ويطرح لا حاصل الضرب والطرح، فلعل وعسى بهذا

.الله من غبش ظلمات ما الأمة فيهوغيره يسري به ا

20

أسئلة البحث وطبيعته ودواعيه

في هذه المسألة، مسألة خلق البشر " يقص الحق "هل أن القرآن

غيرها؟ وخلق آدم، كما هو في

القـصص "وهل مدونات ما سمي بالتوراة حرية بوسـام هـذا

الذي تدعيه؟" الحق

منبثق مـن - كمسلمين وعرب -هل اعتقادنا في هذه المسألة

بها المروي الإسـلامي رثتأإغراقات قرآننا أم من إهالات توراتية و

والشعبي؟

يتعارض مع العلم؛ القرآن أم إسقاطاتنا التوراتية علـى اوأيهم

هذا القرآن؟

وماذا عن جذورنا العربية وتراثنا الأسطوري القـديم؛ تـراث

دوـدرك هـذه )ع(ن، منذ آدم الرسول الأنبياء والمعلمين المهـل ي ،

الحقيقة أيضا ويقصها؟

واحدة فـي ارتباطهـا بمركـز التعلـيم هل أن هذه الأمة أمة

الرباني، منذ القدم، أم أننا أمة بلا جذور، من علـى منطقتهـا كهنـة

،ـة والقـصص التـاريخياليهود بولادة التوحيد وبالمعـارف الإلهي

ق الكونية والطبيعية، وبالتحضر والتدوين؟وبالحقائ

21

ثم، هل لأمتنا، نصر مؤزر منظور سياسي أو اقتـصادي بـل

) الأمة(وعسكري، على الصهيونية المحلية والعالمية، ما دامت ترفل

الـذي هـو " قرآنها"في جانبها المعرفي والاعتقادي، بل وفي تفسير

،نبعها الزلال الصفي ات التوراة، وترضع مـن لبانـات دفي قيمحكي

تسطيراته، تفسيرا أو شرحا، واستدراكا أو نقلا؟

ا، ونحننستقل خارجا حضاري في دواخـل أسارىكيف لنا أن

أذهاننا، بتراث مصنوع صنعا مـرة مـن الإسـرائيليات، وأخـرى

ن نعادي قوما، مستورد من الغرب الإمبريالي الممالئ لها؟ كيف لنا أ

نحن نأكل من خبز عجينهم، ونحذو حـذو تفـسيرهم عـن الكـون

والأنبياء والأرض، بل وعنا كأمة، وعن التاريخ، حذو القـذة بالقـذة

ر ضبن أو (والنعل بالنعل، حتى أنهم لو دخلوا جحكقراءتهم للكـو

المـصنوع لدخلنا معهم، لأنا رهنا تراثنا وكتابنا بتـراثهم ) لخلق آدم

وبكتابهم المكتوب بأيديهم؟

كيف لنا أن نجلو الحقيقة، وتاريخنا يـصوغه الأجنبـي عنـا

وهل الأمة إلا ثقافتها ! تزويرا، وقرآننا تفسره تفاصيل التوراة تحريفا؟

الثقافـة هـي "أليست ! وتاريخها؟ وقد سرقا على حين غفلة من أهلها

، علـى رأي "ناس بأشد مـن الحكومـات التي تهيمن على مصائر ال

!الفيلسوف الإيطالي أنطونيو گرامشي؟

22

عملية البحث في مـسألة خلـق آدم -لبعض الناس -قد تبدو

-مسألة عبثية، أو عبئية، وغير ذات بال، في ظاهرها طبعا، لكنهـا

لاستحـصال كـل رشقة نيزك، تبرق لنا السبيل -بعين الرصد الغائر

متـى - الإجابات أو محاولة تلمـسها أو بعـضها، نعيـد بهـا تلك

ربطنا بجذور أمتنا، وبترنا عن إرث دخيل أسس على غير -وعيناها

تقوى، ممنهج، لمخطط توراتي مدسوس علينا وعلى مسيرة الـوعي

. الإنساني برمته ونحن لا نشعر

ـ ن تـراكم ثم هي تجلو الغبار عن قرآننا النير الذي ضـج م

الغبار أو الآراء والأهواء عليه، وتعيد ثقتنا المخلخلـة فـي تراثنـا

الصحيح، مثلما أنها في الآن نفسه تتيح لنا إلماحـات تعرفنـا علـى

ر التـاريخية الرئيس، ذلك المزوالإنساني رقي نا، وعدوسمات عدو

.، المتلبس بالدين الكهنوتي، الشيطان الأكبر1الأوحد

مفيد أن ننبه القارئ أن بحثنا ليس موجها ضد ملل التوحيد من ال -1 ♦

وتعاليمها وأتباعها النزيهين، وما كلامنا الحاد هنا إلا من حيث الأمانة التاريخية، كنقد لمعطيات نشاز في توراة الكهنة المليء بالتحريف والتزوير

نسان عموما وعقل ، أورثت إما خللا فكريا في عقل الإ)ع(لا توراة موسى المؤمن خصوصا، وإما خللا علميا واضطهادا للوعي كما دلت عليه أحقاب القرون الوسطى لكل من خرج عن الفهم التوراتي للكون، ولا تزال آثار هذا الاضطهاد باقية بنحو أو بآخر في الأديان، وأخبرا وهو الأسوأ بما

وتحريفاتها، ورؤاها، من نشوء أفرزته بعض أفكار التوراة، ووعودها، الفكر الصهيوني الممثل لأسوأ ما في التوراة من إسقاطات وإباحات، والمستفيد الأكبر من كل التلفيق الذي أسسه الأولون ولو كان صحيحا تاريخيا وجغرافيا، إلا أن مجرد تدوينه وجعله كتابا مقدسا منسوبا الله تعالى

23

:قسام البحثأ

وبعد، سنقدم في الفصل الأول خلاصة قـصة الخلـق الأول

بجولة سريعة في مصادر التراث كلها باعتبارها حلقة واحدة لتعلـيم

رباني، ثابت منذ أول الدهر على هذه المقولة الراسخة، لولا أصـابع

والتزوير، وسنناقش بإيجاز ما يتعلق بهذه المسألة في مـدو نات الدس

لفهم الإسلامي الدارج، خلفية ا التوراة التي هي المصدر الفعلي الخفي ل

ونوضح الصواب الذي فيها والخطأ، الذي أورث الالتباس بين البشر

سنضع منذ البـدء للقـارئ الحقيقـة الـصادمة .الهمج وآدم الإنسان

لها، لأ عارية، الحقيقة التي قد يصعب استيعابها وتقبنها خلاف ها وفهم

السائد، ولكن لابد لنا من صدمة لنفيق على كنوز تراثنا وقرآننا ومـا

.يأتي به العلم

وسنضطر في الفصل الثاني للولوج فـي دقـائق التفـصيل

القرآني لمغاور هذه القصة، قصة البشر والإنسان، ببيان قرآني واسع

طاقا قرآنيـا وموسع ومفصل، برهانا على المنظور الصحيح بل استن

في فهم -لدى الفرد المؤمن - إقناعية في الأساس، لما له من ركيزة

الأصل الإنساني وكنهه، ودوره في الوجود، والاسـتخلاف، ووعيـه

لوعود الإلهية، هو الذي فرخ الصهيونية البشعة، وهذا ولموسى وربطه با

أحرار يناهضون الصهيونية، أو " يهود"بطبيعة الحال لا يعني أنه ليس ثمة .لا يقرون التزوير أو الإسقاط التوراتي لنهب الشعوب واحتلال أراضيها

24

بربه الأكرم، والعوالم الأخرى، ليدرك عظيم نعمة إنسانيته الموهوبة،

ي ويخرج بصورة صحيحة عن حقيقة نفسه وعن عالمه والمحيط الـذ

هو فيه، بعيدا عن إملاء الخرافات وترهات الأوهام التي لا تغني من

الحق التاريخي والعلمي والقرآني شيئا، ولا ترفع لأمتنـا فكـرا ولا

لترسم له دوره المناط . ذكرا، ولا تورث نتاجا سليما ولا عاقبة حسنة

ركت دهرا بلا تفـسير به ليترسمه، وسنعيد لآيات قرآننا العزيز التي ت

.حقائقها ونواصع دلالاتها وتفاصيلها العالية ودقتها الباهرة

وفي الفصل الثالث سنعرج على ما تيسر لنـا مـن شـواهد

مدونات تراثنا العربي القديم بخصوص هذه المـسألة، تـراث آبائنـا

الديني الصحيح وأساطيره المدونة في ألواح سومر وبابل وأوگريـت

رقمها وبرديات وادي النيل ونقوشـها ومـدوناتها، ونحـاول فـك و

بناء على كونهـا مـن طلاسمها إن وجدت بما أقدرنا الموفق سبحانه

، لنشهد تطابق الحقيقة الغائبة ثقافة هذه الأمة الواحدة ومصاغة بلغتها

عن أمتنا وهي بين يديها أو تحت قدميها، راجـين مـن االله التـسديد

.وغفران الزلل

وسنعقد أخيرا فصلا لمناقشة بعض الإشكالات؛ مروية كانت،

أو علمية، أو تراثية، التي ربما تقفز إلى ذهن القارئ المثقف، كعينـة

فقط لا كاستقصاء، بعد تكريسنا لمفاتيح الحقيقة في الفصلين الـسابقين

.له

25

:منهج البحث

التـي منهجناهـا فـي وفي ضوء القواعدإننا في هذا البحث

سنثبت أن كتاب لفهم نصوص القرآن، " 1 والعقـل قرآنمفاتح ال"كتاب

االله العزيز لا يرقى إليه شك أنه جاء بالحقيقة التي لا خـلاف فيهـا،

وأنه لا يصطدم مع حقائق العلم والمكتشفات بل يـضيف عليهـا مـا

وراة الموجودة بـين فاتهم وما لم يصلوا إليه بعد، وأنه يفسر مدونة الت

أيدينا ويصلح أخطاء مدونيه أو مترجميه سواء لقصور الأوائل علـى

أحسن تقدير أو لسوء مقاصدهم ومقاصد التالين وهو الأرجح، ذلك أنا

بطبيعتها المنتحلة إلا جزء من )المسماة بالعهد القديم (لا نرى التوراة

عـض كـلام االله وحكمـه تراث التاريخ العربي لهذه المنطقة وفيها ب

باشتراطه التاريخي أيضا، وفيها ما يـستحق النظـر وفيهـا مـا لا

يستحق، وفيها ما ينبغي نقده، وفيها ما ينبغي رميه لمجافاته الحقـائق

الواضحة وخدشه في صلاح أنبياء االله المقدسين، وعنصريته البغيضة

. "تاب كشكولك"للآخرين، وفيه الكثير من المزور والمسروق،

وسنثبت بتعريجنا على تراثنا العربي الأصيل في حـضارات

العراق وسوريا الكبرى وحضارة وادي النيل، تطابقا تاما في الحقيقة

ما نأتي ببعض الروايات الصحيحة التـي بـذرها نبـيالتائهة، ورب

.ماعية جمعية التجديد الثقافية الاجتوالعقل، قرآنمفاتح ال: انظر بحث -1 ♦

26

وأهل بيته النجباء وأصحابه الكـرام المفـضية إلـى ) ص(الإسلام

.الصحيحالتصور

على أن هناك عقبة كأداء، ستواجه القارئ لا محالة مواجهته

ثنايا البحث نفسه، بل في عقله المقـدس منللشيطان الرجيم، عقبة لا

لما درج على سماعه وتربي عليه، وليس أولها يقينـه بـأن تـراث

العرب الأوائل كله خرافات وأنهم وثنيون ومشركون، وهذا التعمـيم

فـي الـصحف "لم وهم وخطأ وظلم للآباء والأنبياء، وكفر بمـا الظا

". الأولى

طبيعته النفسانية ثانيا، تلـك العـصية - القارئ –وسيواجه

- وبـصرامة إباء -والآبية للتسليم لأي جديد عليها، والتي سترفض

أنها كانت مخدوعة بتاريخها ومستغفلة عـن كتابهـا الأقـدس، فكرة

ل أول ما تنشغل بالتسلح للرد الحاد، والتمنع لنقض الفكرة بدلا ستنشغ

من محاولة فهمها أو تلمس الحق الذي فيها ورؤية هداها، وبالتمترس

من فلان وفلان وما نسب مرويـا إلـى كبـار وراء ما قاله الرجال

السادة والأصحاب زورا أو خطأ، وبدلا من طلـب الحكمـة والعلـم

ش لخدمة كتاب ربها الجليل وكشف حقيقته الحقة والتتلمذ بـين والتعط

نفس ستفزة يديه، سيلفى القارئ المات منسوبة لأئممن المروي ه أمام كم

الإسلام المكرمين توهمه بالعكس، وكلها مدخولة على الدين ولا شأن

27

همهـا لهم رضوان االله عليهم بها فهي إما منسوبة إلـيهم أو أسـيئ ف

.وتفسيرها

ولسنا بفضل االله في حاجة أن نرهق أنفسنا أو القـارئ لنقـد

تلك المرويات المنسوبة، أو معالجتها، وبين أيدينا كتـاب الهائل ل كم ال

)89: النحل()تبيانا لكل شيء ( وأنزل حاكما،مصدرا أساسيا و االله العزيز

لا يأتيه الباطل من بين يديـه (أنه كما أخبر أصدق القائلين سبحانه، و

وكفى بالمأثورات المناقضة لكتاب االله خللا ، )42 :فـصلت ()ولا من خلفه

لو كان من عند غيـر (أنها متضاربة تضارب النقيض للنقيض، وحقا

، وإذا كان نبـي االله العظـيم )82: النساء()الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا

قد تجرئ عليه وكثرت عليه الكذابة وتواترت، فكيـف بغيـره ) ص(

فتنزيه ساحة أئمة الإسلام والهدى من أنهم قالوا بـاطلا ! ممن دونه؟

وخطأ وتناقضا، وهم أهل االله وأهل ولايته وأولو العلم، أولـى مـن

كتـاب –فتها الصريحة للقـرآن الاجتراء بالزعم أنهم قالوها مع مخال

وللحقيقة التاريخية والعلمية، التي لن يشك فيها مع مستقبل الأيام -االله

.عاقل

28

1الفصل الأول

الحقيقة الضائعة في خلق البشر

:تمهيد

موجز الحقيقة كما يقصها القرآن والتـراث الـديني العربـي

تطوالإنسان الكائن العاقل الم ر انبثـق قبـل عـشرات القديم كله، أن

ألف سنة باتفاق علمـاء الآثـار 50 إلى 35بين (الآلاف من السنين

، لكنه لم ينشأ هكذا من تراب أو من الفراغ، كمـا حـشت )الأحافيرو

التوراة ذلك في عقول المتدينين ومنهم نحن المسلمون للأسف، وتخلى

ون لانكشاف خلافه عن ذلك العلماء التجريبيون والمكتشفون المتحرر

لديهم باليقين العلمي القاطع، بل جاء الإنسان من قمة سـلالة بـشرية

بالتقريب بـين (بدائية تطورت بدورها عبر مئات الآلاف من السنين

، لا مليون إلى سبعة ملايين سنة حـسب تقـديرات علمـاء الآثـار

، وهـو لـيس بمعـصوم عـن 2فآدم هو أول كائن إنساني ). تقديرنا

.، ومنه نسلت الإنسانية المليارية هذه1الخطأ

ننبه القارئ الكريم أننا سنتجاوز الإشارة إلى المصادر والأحاديث وما -1 ♦

شابه، باعتبار أن هذا هو موجز، ستعاد أفكاره وسيتم التفصيل فيها في .الفصول القادمة وسيشار إلى مصادرها ومراجعها المستقاة منها هناك

♦ 2- إنأوة بلهجاتها اللغةب "آدم "لل اسم أطلق على الإنسان العاقل الأوالعربي خلقه على السريانية والفينيقية والعرباء، ولأن آدم"فكلمة ، هصورت الرب"

29

فليس هناك كـائن بـشري ،ل كائن بشريا كيف خلق أوأم

أول، بل مجموعة كائنات بشرية، نشأت بتدبير القوة الربانية من طين

الأرض وعناصرها، في أجواء مر بها كوكب الأرض مـن ضـغط

ولن تمر، ثم هـذه الكائنـات وحرارة ومغناطيسية وكيمياء لم تمر به

البشرية المنبثة رجالا ونساء، تزاوجت، وأنجبت السلالة البشرية التي

فلم يتطور الكائن البشري من . تطورت عبر مئات الآلاف من السنين

قرد أو من كائنات أدنى كما يقول العالم شارلز داروين، بـل بـدأت

بجيناتها الخاصة بها، ونمت فـي الكائنات جميعها متمايزة بأنواعها،

طينية بدلا من الأرحام حتى اكتملت، فخرجت إلى ) بيوض(حاضنات

.الدنيا، لتبدأ من بعدها حقبة التزاوج

ومنها .الدم، الأصل، المثيل الشبيه، المماثل: تعني"دمو "."المثيل"تعني فهذه الكلمة أو الاسم . نسخ صورة شيء عن شيءالدمية هي ، دمية: أيضا

بتركيبها وبلفظها العربي، فمن الأسماء التي أطلق العرب ذهب كل الأرجاءعليه أيضا كإنسان عاقل وتدل على عقليته والتي ميزته عن كل الكائنات

الخالق، المبدع، المخترع، الماهر،: وهي تعني، "نأم"الأخرى هي كلمة ي ه: أو مانوت) .. آمون/آمين(، والتي اشتهرت في التراث الديني الحاذق

"دو/ ذو" أو التعريف"هـ"وبإضافة . الصنعة، الإبداع، الاختراع، المهارة صارت تعني الإنسان "هيومن" أو "ندوم: "حسب اللهجات العربية القديمة

.الخ.. العاقل المبدع الخالق الماهر ، جمعية التجديد )آدم الإنسان وآدم الرسول: بين آدمين: (راجع بحث -1 ♦

.اعيةالثقافية الاجتم

30

!صورة تخيلية عن نظرية تطور الإنسان الداروينية

فلو قيض لنا أن نكون حاضري ذلك المشهد الرهيـب، فـي

ا حسبنا إلا أننا على سطح كوكب غريب عبر الزمن السحيق، لم رسف

آخر، نعاين فيه فيلما جامحا من أفلام الخيال العلمي عن تخلق كائنات

. غريبة وانبثاقها من باطن مستنقعات الطين بدون تزاوج

والتراث الديني في نصوصه، بغـض النظـر عـن أفهـام

ليه، كان متفقا حول هذه النقطة بحيثياتها، ودليلنا على مترجميه ومؤو

ا بهذه الحقيقة يجده ماتساق القرآن الكريم والتراث العربي في مقولاته

:القارئ في المصادر التالية

.القرآن الكريم: الأول

القديمة: الثالث .توراة الكهنة: الثاني نات التراث العربيمدو.

31

: موجز ما يقوله التراث الصحيح -أولا

لا يسع المتأمل في كتاب االله إلا أن يجد أنه قد ميز بوضـوح

الملائكـة (بين مصطلح البشر والإنسان، منذ اختصام الملأ الأعلـى

من أولئـك البـشر الهمـج ) الإنسان(أوان تكوين الخليفة ) وسادتهم

السابقين الذين تطوروا سلاليا عبر عـشرات ومئـات الآلاف مـن

أي اختصام سابق في أولئـك -القرآن -لك لم يثبت السنين، لكنه مع ذ

احتجاج حين خلق البشر، الذي ظل ردحا يسكن الغابـات أي الملأ أو

والكهوف ويسفك دماء بعضه ويفسد لا واعيا، هذا الصنف الذي أشار

في الجزء الأول مـن قـصة الحـضارة " ويل ديورانت "ى أشباهه إل

هم حتى إلى ما قبل عقدين من الزمن، بـل وأثبت العلم الآثاري وجود

" قدموس"حين صادفهم " الإنياذة"في كتابه " ڤيرجل"وقد ذكرهم . وللآن

أولئك . أيضا" كاهن طروادة "الأمير العربي الفينيقي، كما اصطدم بهم

البشر الذين أول ما نبتوا ظلوا يحاكون الحيوانات في كل شيء، كمـا

البـشر ): (والنعجـة " أشـنان "أسطورة ( في يصفهم تراثنا السومري

الأوائل لم يعرفوا أكل الخبز، ولم يعرفوا ارتداء الملابس بعد، وكانوا

).يسيرون على أيديهم وأرجلهم، ومن القنوات يشربون الماء

هل أتى على الأنسان حين من الـدهر " (الإنسان"وفي سورة

الأول " الدهر"، أثبت سبحانه وجود هذا )1:الإنسان()ورالم يكن شيئا مذك

غيـر "حين لم يكن الإنسان شيئا مذكورا، بل مجرد همج غير واع، و

32

يعني ليس له صحيفة أعمال ولا حـساب ولا حـضارة ولا " مذكور

اتصال لا بملائكة ولا بشياطين ولا روح رباني، وهذا مـا وصـفته

السومرية قبل أكثـر مـن " رسم الآلهة المدينة عندما : "بدقة أسطورة

عام، التي بينت وجودا بشريا غير معبأ به لدى الملائكة قبـل 4000

الإنسان، فحين تمت تسوية الإنسان بـدخول القـوى -إيجاد الخليفة

ثم نفخ الروح فيـه، ) الأمشاج(الربانية على نظامه ومدوناته الجينية

حـسب " إما شاكرا وإما كفـورا "و" عا بصيرا سمي"صار ذاك الكائن

سورة الإنسان، أي دخل الإنسان عالم الوعي بتعرفـه علـى الخيـر

والشر فوعى ذاته والعوالم التي تحيط به ووعى ربه، وأعطـي هبـة

تدبير ما حوله، فيكـون ول ربوبية هي الحرية والتصرف ليختبر وعيه

غ له إذاك سجود من ملائكة، وعداوة مـن إما شاكرا وإما كفورا، بز

شياطين، واكتسب منظومة القيم وابتدأ يعلم الحضارة واللغـة بهـذه

ث مـنستحدانية التي هي الوديعة التي حملها الإنسان المالروح الرب

ركام السلالة البشرية المتحدرة من البشر الأوائل المخلوقة من الطين،

.)12:المؤمنون()ولقد خلقنا الأنسان من سلالة من طين(كما بين سبحانه

ويعلن القرآن في كثير من آياته أن هناك نـشأة للبـشر مـن

إذ : (ثم نشأة أخرى مغـايرة فـي بطـن الأم " الإنبات"الأرض وهي

، وهـذه )32:النجم()مهاتكمأنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أ

النشأة الأخرى البادئة بالنطفة هي التي سوف يفصل فيهـا سـبحانه

33

من نطفة ) ثم(هو الذي خلقكم من تراب : (وتعالى عبر القرآن الكريم

)ثم ( لقةع من)طفلا ) ثم كمخرجالنشأ )67: غافر()ي ن الأولى ، فهنا ذكرتي

.الإنبات من التراب، والأخرى التي في بطون الأمهات

من بذرتـه الأولـى، "يالبشرالكائن "فمنذ أن خرجت أفواج

ظل عقيما وقد أشارت إلى هذا متون سومر وبابل، وإلى أن أخذ فـي

التكاثر عن طريق النطفة والبويضة مرت أزمنة مديدة، فـالقرآن لـم

الذي ذكـره ) ع(حلة لكنه اختزلها في عبارة نوح يفصل عن هذه المر

في القرن الثالـث ( الكهنة السومري العربي قبل تدوين توراة التراث

ـ يأي ذ " زيوسـدرا " عام وسماه ألفي أكثر من ب )قبل الميلاد درص ال

، وسماه التراث البابلي العربي في الألفية الثالثة قبل الميلاد )الصدارة(

كمـا حكـى عنـه ) ع(ها، فقال فظ النفوس وحا حائطي أ" أتونفشتيم"

، فالعرب الأوائل عرفوا أن البشر )14:نـوح ()وقد خلقكم أطوارا (القرآن

مر بأطوار حتى صار إنسانا، ولهذا كان المحاور المؤمن القديم كمـا

كفرت بالـذي قال له صاحبه وهو يحاوره أ : (نقلها القرآن عنه يقول

فحقبة النشأة ! ؟)37:الكهف()خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا

. من التراب أولا، ثم حقبة التخلق من النطف في الأرحام

وقد جاء في المروي الإسلامي الإشارة لكائنات بشرية قبـل

هي للآن لها وجود كامن فـي الإنسان وظلت متزامنة مع وجوده، بل

34

وابـن عبـاس والحـسن ) ع(فعن علـي " 1النسناس"باطنه دعوها

إن هم ( وعقبوا بالقول )وبقي النسناس , ذهب الناس (البصري أيضا

يقـل (فهي هذا، وفي المأثور أن في آخر الزمان أيـضا ) إلا كالأنعام

في دواخل الفرد علـى أي تستولي الهمجية ) الناس ويبقى النسناس

إنسانيته وينطمر العقل والروحنة منه، وهذا للأسف هو مـا نـشهده

.يومنا، بل هو السائد

الذي أحسن كل شـيء خلقـه (وفي موضع قرآني آخر نقرأ

جعـل " ثم "– فالبداية كانت من الطين - وبدأ خلق الأنسان من طين

أي جاءت بعدها مرحلـة )8-7:الـسجدة ()ه من سلالة من ماء مهين نسل

. التكاثر الزوجي

والخلايا الأولى التي كانت بمثابة بذور البـشر، والمتكونـة

، أي تختزن جنس )xx-xy(خنثى /على ضفاف الأنهار كانت لاجنسية

، )احـدة من نفـس و (، كما عبر القرآن عنها )××(وأنثى) ×y(ذكر

هو نصف ذكر ونـصف (وتفيد الميثولوجيا الفارسية أن البشر الأول

.الأولى إذا الخلايا/فهي البويضات) أنثى

؛ أبو بكر 178، ص7جمصنف ابن أبي شيبة، ابن أبي شيبة، : أنظر -1 ♦

حلية ؛ أبو نعيم الأصبهاني، 123،124، ص2 جكتاب الزهد الكبير،البيقهي،

، 3، جسير أعلام النبلاء؛ محمد الذهبي، 328، 203، ص1، جالأولياء

.15، 13، ص 20؛ ج494، 17؛ ج156، ص10؛ ج342ص

35

وفي التراث السومري والبابلي وصفوا الكـائن الحـي الأول

القوة الذي أبدعته قوة المياه العذبـة /الكائن"وهو " بالمخلوق الخنثى "

وبهـا 1" ظفره الوسخ ليس بذكر ولا أنثى من تحت ) إيا/أنكي(النقية

، هـذا )المعبر عنه ببعث عشتار (انبعثت قوى الإخصاب في الأرض

يعني بلغتنا أن فعالية المياه العذبة كونت خلايا كل كائن حي بتـدبير

ربوبي في الطمي الطيني الوسخ المتشكل على شواطئ المـسطحات

والله خلق كـل دابـة : (كما قال سبحانه ) الظفر الوسخ للماء (المائية

، ))Kurgarra(تحت ظفره وسخا خلق منه كوركارا ثم استخرج من ( -1 ♦

،؛ ويقول خزعل 149، ص عشتار ومأساة تموزفاضل عبدالواحد علي

إله صنعه أنكي من تحت : كوراكارو: (263، صإنجيل سومرالماجدي، " كورا"إن ). ظفره الوسخ ليس بذكر ولا أنثى لإنقاذ إنانا من العالم الأسفل

غيات وأول مبادئ الحياة، لذا فإننا نجد القوة القائمة مفردة لها ارتباط بالصب" نين كورا"على إطلاق قوة الصبغيات التي تشكلت في الماء أولا تدعى

إلهة الأصباغ الطافية : ننكورا: (261والتي يعرفها الماجدي في الصفحة دة فاعلية فصبغيات الخلايا الحية، هي ولي") ننمو+ أنكي "فوق الماء، ابنة

) أنكي(والعجيب أن قوى المياه العذبة المخصبة . الماء، وناموس النمو، إذاوواضح أنه السماد الذي يعرفه الزراع، ) إيسمد(تسمي الأساطير وزيره

. فهو المخصب للحياةطبعا، نحن في موضع الاستشهاد بما يقولون لا بمناقشته، وإلا فإن تسمية ♦

من الممكن أن تشير لأرباب التدبير في الجبل المقدس الأول، ) نين كورا(فالكور من التكوير وهو الجبل والتكوين الأرضي، وتسمى الأقاليم كورا

العناية الربانية، فلم يبدأ تخلق كائنات اليابسة إلا بعد /هي الربة" نين"لليوم، وا، ومن الممكن تفسير هذا الكوكب، وهو جبالها ويابساته" كور"وجود

الأرض الثابتة، أي قرار الأرض /بأنه الجبل) Kurgarra"(قر-كور"واستقرارها كحاضنة طبيعية تحوي خلايا أولى لا جنسية هي بداية كائناتها

). حسب الأسطورة) إنانا(كائنات عشتار أو العناية (الحية

36

، )30:الأنبيـاء ()وجعلنا من الماء كل شيء حي(، وقوله )45:النور()من ماء

حتى بلغت هذه الخلايا البدئية في مراحل تطورها التكـاثر بالانقـسام

بـشر بـالغين، إلى زوجين، ثم علقت ونمت حتى بلغت وفقست عن

، كما نبت كل شـيء قـبلهم بمئـات "قوالب الطين /بيوض"نبتوا من

وعشرات ومئات الملايين من السنين، وفي ملحمة الخليقة البابلية قبل

عام إشارة إلى هذا، أن القوة الربانية المـضطلعة بالإنـسان 4000

البـشر، قامت بعد تذليل الأرض بسمائها، بخلـق ") إنليل"ويسمونها (

شـقا فـي الأرض، -أي الـرب -فحفر( :الملحمة تقول لكن كيف؟

ووضع بدايات البشرية في الـشق، وعنـدها بـدأ البـشر يظهـر

وهذا، من نصوص سومر، فالحقيقة واحـدة ،)كالحشيش في الأرض

.هي هي لم تتغير

ثم بعد أحقاب من تواجد أجيال مديدة من أولئك البشر، انتقـل

ن عن طريق النطفة الذكرية والبويضة الأنثويـة بـتلاقح التكاثر ليكو

جعل نـسله " ثم "*وبدأ خلق الإنسان من طين : (الجنسين، وهو قوله

سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم " ثم "*من سلالة من ماء مهين

الأفئدو ارصالأبو عمالس ونا تشكرلاحظ دلالات )9-8:السجدة()ة قليلا م

"رون "ثموهذه الآيات لا تحتمل يمينا ولا شمالا مهما حـاول المفـس ،

ليها تقديما أو تأخيرا أو تقديرا، بدأ خلق الإنسان من طين، هو طوره

لقـاح " مـاء "صار لهذا البشر سلالة تأتي مـن " ثم"البشري الأول،

37

اختار زوجا منه ليـنفخ فيهمـا مـن روحـه، آدم " ثم"ذكوره بإناثه،

.وحواء

، فمعناه كائن حي مثلنا، لا تمثال طينـي "بشر"فالقائل إذا قال

، أو ص 28أو شمعي على هيئتنا، فإذا قال تعالى في سورة الحجـر

نفخت فيه من روحي فإذا سويته و *ني خالق بشرا من طين إ (:71

اجدينس وا لهمـن لمخلـوق فالبشر ا ، "طينا كهيئة بشر "فلم يقل ) فقع

الطين هو كائن حي لا محالة، قبل تسويته ونفخ الروح فيـه، وهـذه

. بداهة لغوية، لا تحتاج فلسفة ولا تعقيدا

قبـل فهذا النفخ في الكائن البشري المخلوق ابتداء من طـين

، بل التوراةمدة، والتي تطورت سلالاته، ليس نفخ النفس كما زعمته

.نفخ الروح هو الذي ميز الإنسان من سائر الذوات الحية ذات النفس

ولقـد خلقنـا : ()14-12(وقوله سبحانه في سورة المؤمنـون

) ثم (*طفة في قرار مكين جعلناه ن ) ثم (*الأنسان من سلالة من طين

خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنـا المـضغة عظامـا

أنشأناه خلقا آخـر فتبـارك اللـه أحـسن ) ثم(فكسونا العظام لحما

م الـذي سـيتمخض فهذه قبل أن ) الخالقينحفا لما في الرتكون وص

طفلا، هي نفسها مراحل تكوينه الأولى ما قبل التاريخ، عدا أن البشر

خرجوا إلى الدنيا من بذورهم كبارا بالغين كمـا سـائر المخلوقـات

الأخرى، كانت الولادة الكونية إذا أولا، ثم جاءت الـولادة التكاثريـة

38

هذا بالذات ما فات علـى مفـسري القـرآن عبر التلقيح الزوجي، و

النفس (معرفته في سر تولد الرجال والنساء من الخلايا الحية الأولى

التي انقسمت إلى خلايا أنثوية مخـصبة، وخلايـا ذكريـة ) الواحدة

مخصبة، ثم نمت في المستنقعات وانبثقت عن رجال بالغين ونـساء،

ة"حيث نظامكم -الربوبيبعـد دهـور "رب الذي هو لكل الكائنات، ثم

بدلا من الرحم الأول " الأرحام"جاءت مرحلة التزاوج والاستيلاد من

عاصرها لأنه لحق عليها الإنسان و وهو الأرض، وهي المرحلة التي

" االله -الألوهيـة "أتى من سلالتها، وبعد أن أعطي الروح وعى معنى

الى في كتابه المبين في أول سورة النـساء التي خوطب بها، فقال تع

الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق ربكميا أيها الناس اتقوا (حصرا

الـذي اللـه منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونـساء واتقـوا

الأربه و لوناءتسام1:النساء()ح(.

ومن المدهش أن القرآن قد كرر أن النشأة الأولى هي تمامـا

لذلك احتفظ تراثنـا كالنشأة الآخرة، وكما بدأنا سنعود، بنفس الكيفية،

البشر )تخلق (الديني منذ القدم بطرائق دفن تعي هذه البداية، فكما نشأ

أن يـدفن ليعـاد في قوالب الطين، وحواضن الطين، فهكـذا يجـب

*والله أنبتكم من الأرض نباتـا (تصنيعه يوم البعث إنباتا مرة أخرى

" جلجامش"، وحين رثى )18-17:نوح() ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا

صديقي الذي أحب عاد إلـى (في الملحمة البابلية قال " إنكيدو"صديقه

39

أي حـائط وحـافظ "(أوتونفشتيم"، وفي الطوفان البابلي ينعى )الطين

، إذن، )قد عاد البـشر إلـى الطـين : (قائلا) ع(، وهو نوح )النفوس

.فالتراث واحد

كيف خلق الإنسان؟ -ثانيا

إن التراث يؤكد بأن ذلك تم بتدخل قوى علوية، وهـذا هـو

فلدى .صد والإرادة الإلهية الصدفة العمياء وبين الق البون الشاسع بين

السومريين نجد حوارا بين القوى الروحانية المكلفة بتخليق الإنـسان،

، )هو مبدأ الحكمة والنقاء وهو المنجـي والمحيـي " (إنگي"فيخاطب

أي القـوة المـدبرة، " (نـين مـو / حنين ما "خاطب القوة التي فوقه

الكائن الـذي نطقـت باسـمه إن( ):، الأم الكبرى حياءسيدة الإ /قوة

ني سماته، إنه الإنـسان ، موجوداربطي عليه صورة الأرباب، عي( ،

والنص واضح أن الكائن البشري البهائمي موجـود قبـل الإنـسان

وصاروا شجرة أي نسلا، هم الصفوف البشرية الأولى التـي ظلـت

بعـدها، تفقس في بدء الخلق من بيوض الأرض، فما خرج غيـرهم

.تماما كما الكائنات الأخرى كل من بذرته

بالتدخل ) DNAسلسلة الـ (جينات هذا الكائن " ربط"ثم عدل

في عملية صفها، بصف معدل جديد وتركيزة جديدة، لتحويل نطفتـه

40

إنسانيا، كما أنبأ تعالى عن تلك القوى الخلاقة وصـف 1"مخلقة"إلى

الإنساني الذي أثبت العلم حديثا أنها مغايرة عن جينات بـشر الجينوم

30والذي انتهى عـصره قبـل " غير المخلقة "البهائمي " النياندرتال"

إنا خلقنا الأنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سـميعا : (ألف سنة

آدم (وأكملـت مـدارك الإنـسان الأول ، فهو هذا، )2:الإنـسان ()بصيرا

وعقله، بالتأكيد على جينات العقل ليكون عقله فوق الغريـزة ) وحواء

لا خاضعا لها كالبشر الهمج، بعد أن زود بكينونة أخرى فوق العقـل

لتكون وسيلة اتصاله بمبدئه حيث المـلأ الأعلـى، " الروح"هي هبة

آدم كان قبلا مخلوقا ماديا محضا، حتـى أن يؤكدون أن " المندائيون"و

.من عالم الأنوار، وأودعت فيه فصار كاملا" روح"أحضرت نسمة

ثم تم إفراد آدم لحواء فقط، وحواء لآدم وحسب، وإسـكانهما

يـا آدم اسـكن أنـت وزوجـك (الجنة الأرضية كما قـال تعـالى

، تدشينا لشريعة الأسرة الواحدة وقدسيتها بوجود الأب )35:البقرة()الجنة

لينسلا نـسلا إنـسانيا غيـر ) االله/وهي تدعى في التراث شريعة إيل (

ا على مستوى الكائن الإنـساني الإلهـيزيح عمليولينسخ وي ،همجي

نظام الطبيعة الغرائزي السائد، نظام الإخصاب والإباحـة والأمومـة

، وهو الذي عبر عنه أسـطوريا بإنقـاذ )يعة عشتار شر(والنسل فقط

، التي أتت على 5 -لحجحسب آية سورة ا" المخلقة وغير المخلقة"معنى -1 ♦ ، الحقيقة دون قناع، آدموعصى: أنظر بحث. وصف المضغةذكرها في

.جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

41

، إذ أن 1بعد هبوطها إلى العـالم الـسفلي ) عشتار/أنانا(لـ ) إيا/إنكي(

أي الفكر الإخصابي والزواج العشوائي قد هبط وسـفل " عشتار"دور

وانحط لدى الكائن الواعي، وانتهى على مستوى رقي الإنسان وتطور

نزع عـن الـشريعة القديمـة : (نقرأ في الأسطورة ه وسلوكه، ف قيم

لم يعد الشاب في الطريق يخـصب المـرأة الـشابة، (، و )صدارتها

، )فليرقد إذن الرجل وحده في غرفته، ولتنم المرأة وحدها إلى جانبه

عشتار"إغراء " جلجامش"ولهذا نرى رمزيا رفض الملك البابلي" أي ،

فعـت عنهـا جميـع أثـواب الـسيادة ر(رفضه لشريعة العشواء،

لقد صيغت قـوانين العـالم الأسـفل بعنايـة " أنانا"والسلطان، أي

تحولا بعدئـذ " النظام القديم "، ولنشهد مع إذلال )واكتمال، فلا تناقشي

ولتخدم نظام الحكمة والأسرة، نظام " لتلبس ثوب الطهارة "، "لعشتار"

، )إيـل (وشـريعة االله ) أنگي(اء والنجاة نظام النق ") إيا("الحياة الجديد

في هذه الحقبة، كخطابة، ونـساجة، ) عشتار(فيبرز دور قيمة النسل

أنانـا "كما في أسطورة (وكاهنة تقف مع قيم الشرف وتعاقب منتهكها

، والمغزى )السومرية، البستاني الذي انتهك قوانين الأسرة " والبستاني

السومرية والبابلية والآشورية إلى العالم ) عشتار/أنانا(لأسطورة هبوط -1 ♦الية مبدأ الخصب بعد تهيمعنى تكويني قديم أيضا، يناسب فع ؤ السفلي

كوكب الأرض، حيث نلاحظ أن حيوية المياه النقية بتشكل الأنهار للحياة، بعد تشكيل اليابسة ) عشتار(، هي التي بعثت مبدأ الخصب )أنكي/أيا(

المناسبة للخصب، على أن يكون له دورات نصف سنوية في معظم ة لمد) دموزي السوري أو أدونيس(المناطق، لذلك يتم التضحية بالخصب

.نصف عام

42

م الإنسانية، وهذا ما أثـر عـن هو تسييد القيإيـزيس "ة على الهمجي "

: م.سيدة وادي النيل قبل الألف الرابع ق ) أي البصارة " حيزى"وهي (

وعقدت بين الرجل والمرأة، وقضيت بأن يحب الأبناء آباءهم، لقـد (

)..حدا لأكل البشر" أوزوريس"وضعت مع أخي

العتي عن هذا ومع هذا التراث الباهر، ندهش جدا للانحراف

المسار المعرفي الثابت والموغل في القدم حين نقرأ النص التـوراتي

وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض، ونفخ في أنفه نـسمة : "يقول

!)7: 2التكوين(" حياة، فصار آدم نفسا حية

وبالتالي نفخ فيه ! كيف جبل آدم من تراب كما يجبل التمثال؟

هذا نقيض ما أثبته التراث الصحيح عبر نوح وقبل ! حية؟ فصار نفسا

أي أنه طور بعد طور مختلـف، فالكـائن ) وقد خلقكم أطوارا (نوح

البشري مر في مرحلة تطور وليس مرة واحدة بأنه جبل كالتمثال ثـم

، )61: هـود ()رضهو أنشأكم من الأ : (نفخ فيه، وأثبته التراث عبر هود

منهـا : (نفسه الذي استرسل القرآن علـى لـسانه ) ع(وعبر موسى

كما نخرجمنهو كما نعيدفيهو المخلـوق )55:طـه ()خلقناكم فأثبـت أن ،

الترابي هو الجنس البشري لا آدم وحده، وخرجوا أولا كالنبات أنفسا

عبر أعظم الأنبياء الـصادق الأمـين ثم! حية، لا كالتمثال الأجوف

هذا، فضلا عن أن النفس لا يختص بها الإنسان وحده، )! ص(محمد

بل أن كل الكائنات الحية ذات نفس، هذا ما أكـده القـرآن وتراثنـا

43

قد صـيرت " الروح"الصحيح لولا مشاغبة توراة الكهنة وتوابعهم، و

حيا لذلك في الحديث القدسي يخاطـب آدم ناطقا أي مفكرا ومبدعا لا

.1"حييت"وليس ) يا آدم بروحي نطقت(عز وجل آدم

والله (وقد رأينا كيف رسم القرآن الكريم صورة الخلق الأول

، هذه الآية حاسمة، الإنبـات يحكـي )17:نوح()أنبتكم من الأرض نباتا

مثال من الطين، وكلمة الإنبات تقدح صورة تختلف جذريا عن جبل الت

بـل إن . فورا فينا صورة الخروج من بذرة فـي الأرض، لا غيـر

ات الصحيحة، عن النبيع للمرويص(المتتب ( وعن علي)ما ) علاسـي

سيرى هذا الأمر الذي ينسجم مع كلام االله بوضوح، " نهج البلاغة "في

وسيرى أن ،ر التوراتيرت آدم ما تخلى عن التصووح صـينفخ الر

!مفكرا لا حيا

فالإنسان لم يجبل كتمثال من الطين، كما زعم كهنة التـوراة

الذين كانوا ذوي فهم بدائي ومنظور جامد، وأخذ بهذا للأسف خلـق

كثير وفسروا خلق الإنسان الأول على أنه جبل مـن تـراب وتـرك

يدخل من أنفه ويخرج من دبـره، زمانا حتى يجف ثم صار الشيطان

فهذه صورة مزريـة جـاءت بدايـة عـن الكهنـة ! ويرفسه برجله

إن استحكام هذه . وتلقفها البعض وزينوها للأذهان والقلوب التوراتيين

سنكمل التفصيل في الفصل الرابع جوابا على إشكال في خطبة مولانا -1 ♦

في خلق آدم ) ع(علي.

44

الصورة على الأفهام الواعية، حدت بالإمام الباقر سليل النبي الأكـرم

يح في مسألة خلـق آدم محاق التراث الصح نيوما ما أن ينعى ا ) ص(

، وهـذا 1)لو علم الناس كيف ابتدأ الخلق لما اختلف اثنـان (: قائلا

! يعني أن الناس لا يعلمون، مهما ادعوا وكابروا

التمثال ويخرج من -ثم كيف كان إبليس يدخل من منخر آدم

بل كان في سجوده ! ، مع أن إبليس حينها لم يصر بعد شيطانا؟ 2دبره

طاعته وتدبيره حتى أن استوى آدم بروحه نودي به ليكون خادمـا و

في هذا المشروع الرباني المـستحدث، مـشروع الإنـسانية، فـأبى

ولو تتبعنا النص التوراتي نفسه لرأينا الحقيقة بازغة علـى .واستكبر

:خلاف ما توهموا وأوهموا، فنقرأ

) ع(؛ وفي بحار الأنوار، عن أبي عبداالله 282، 1جالمحاسن، البرقي، -1 ♦

". أما لو علموا كيف كان بدء الخلق وأصله، لما اختلف اثنان: "قال .135، ص2ج بحار الأنوار،المجلسي،

البداية هذا المروي تجده لدى معظم الطوائف، وننقله لك من كتاب -2 ♦: لابن كثير، في الجزء الأول، ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدموالنهاية

فخلقه االله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه فخلقه بشرا فكان جسدا من طين (ة ففزعوا منه لما رأوه ت به الملائكأربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمر

وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمرت الجسد كما به فيضربه فيصوال كالفخار(يقول ار يكون له صلصلة فلذلك حين ت الفخيصولصص من(

وقال للملائكة لا ،ن فيه وخرج من دبره ودخل ملقت ما خويقول لأمرترهبوا من هذا فإنكم صمد و ربهنطت عليه لأهلكلهذا أجوف لئن س (..

وأيضا ) ص(وهناك صياغات كثيرة لهذه الرواية، ونسبتها إلى رسول االله ولبعض هذا السياق شاهد من الأحاديث (إلى أهل بيته، ويعقب ابن كثير

)!!!.كثير منه متلقى من الإسرائيلياتوإن كان

45

كجنسها، بهـائم وقال االله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية (

ودبابات ووحوش أرض كأجناسها، وقال االله نعمل الإنـسان علـى

ذكرا وأنثـى .. فخلق االله الإنسان على صورته .. صورتنا كشبهنا

.)28 -24: 1التكوين()خلقهم

:فنلاحظ التالي

إنبات أجناس الكائنات الحية من الأرض، وهو صحيح، كما بينـا -1

.سلفا

. كجنسه، متميزا بشفرته الجينية، وهو صـحيح خروج كل جنس -2

ومن كـل شـيء خلقنـا (والتراث بما فيه القرآن الكريم يؤكد

ونتذكر لكمن لعيجولا أنه خلق كـل الأزواج ) 49:الذاريات)(ز

، ) التكـوين الأول ظرفسوى من الماء وهو (من شيء واحد

خرجت من بـذرة مختلفـة بتركيبـة فكل أصل وفرع وشجرة

جينية وتكوين متميز عن البيضة الأخرى، فأخرجت فصائل من

المخلوقات لا يخرج منه إلى غيره، فالبعوضة لن تتحول إلـى

فيل، والقط لن يتطور إلى بومة، كل من شجرته، والقـرد لـن

يتحول إلى إنسان، كما هي في نظرية داروين التـي أدهـشت

46

أن كلا من هذه الشجرات لها : بل التراث الواحد يؤكد ، 1بالغر

بذرتها واستمرت بها، فعند قدامى عـرب وادي النيـل يقـول

وخلقت حشودا من الأشياء :(وتعني الفتاح بادئ الحياة " إمفتاح"

كما صنعت نشوءات حافرة وجاءت ذرياتها .. أنشأت أنفسها

).إلى الكينونة من نشوءات ولادتها

وبـين . والعلم أثبته . البشر آخر المخلوقات، وهذا أيضا صحيح -3

القرآن أنه سبحانه ما أشهد الناس خلق السماوات والأرض ولا

خلق أنفسهم، ذلك لأنهم آخـر النـشوءات أولا، ولأن الجـنس

لم يعاصـر البـزوغ البـشري - وبدايته آدم -الإنساني ثانيا

.نالبدئي من الطي

أين الخطأ في التوراة؟ -ثالثا

الخطأ أنهم خلطوا بين البشر والإنسان، فالذي خلـق علـى

صورة الرب، ليكون ربا للأرض هو الإنسان، وهـذا سـيأتي بعـد

ة تحمل على الاعتقاد بأن أيا من لا توجد علامة واحد: "أوستن كلارك -1 ♦

المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيره، إن كل مرحلة لها وجودها المتميز الناتج عن عملية خلق خاصة متميزة، لقد ظهر الإنسان على

، إميل دوركايم: انظر("الأرض فجأة وفي نفس الشكل الذي تراه عليه الآن :وأيضا) 222، 42، صقواعد المنهج في علم الاجتماع

♦ http://www.alhawali.com/index.cfm?fuseaction=paragraphs&contentID=27#99990140

47

أحقاب، بعد مئات الآلاف من السنين، لا أولئك البشر الـذين سـبقوه

مجـاميع مـن أي ، )هـم ذكرا وأنثى خلق (دهرا فهم كما قالوا عنهم

ودليل أنهم خلطوا، أنهم سيتكلمون بعد فقـرة .الذكور والإناث البشر

كمـا تـصوروا طبعـا -" جبله من التـراب "عن خلق آدم لوحده و

إسكانه الجنة، ثم حين التطرق لنسل آدم في الأرض عن و – وزعموا

شبه لق االله الإنسان، على هذا كتاب مواليد آدم، يوم خ : (كتبوا الآتي

وباركـه ودعـا اسـمه آدم يـوم ذكرا وأنثـى خلقـه االله عمله،

ذكـرا (والذي يهمنا هو تمييز القارئ بين عبارة .)2-1: 5التكـوين ()لقخ

، مـع السابقة الخاصة بجموع البشر في الفقرة الأولى ) وأنثى خلقهم

.لاحقةالخاصة بآدم وحواء الإنسان في مرحلة ) ذكرا وأنثى خلقه(

أن التوراة انتحلت من التراث العربـي، فقـد وعـت وحيث

فاستعارت مـن التـراث حقيقة وجود الجنس الهمجي، فتحدثت عنه،

التوراة لوجود ، وتطرقت 1وهي امرأة وحشية " ليليت"البابلي شخصية

، وسمته جبارا أي عصيا، فنقرأ عن )الإنسان الهمجي (النسل الهجين

ث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم وحد: (طوفان نوح

فاتخذوا لأنفسهم . بنات، أن أبناء االله رأوا بنات الناس أنهن حسنات

نساء من كل ما اختاروا، فقال الرب لا يدين روحي في الإنسان إلى

الحقيقة دون ، آدموعصى: بحثشخصية عولجت بإسهاب في : ليليت -1 ♦

.عية التجديد الثقافية الاجتماعية جمقناع،

48

كـان فـي . الأبد، لزيغانه هو بشر وتكون أيامه مئة وعشرين سنة

يام، وبعد ذلك أيضا إذ دخل بنو االله على في تلك الأ ) نفيليم(الأرض

ـ ـاس وولدن لهم أولادا، ه ـبنات الن ر ذوو ـؤلاء هـم منـذ الده

نلاحظ أن الجنس البشري الهمجي موجـود منـذ .)4-1: 6تكوين ()اسم

! الدهر، بل هم قبل آدم، وإلا فمن أين جاءوا إن لـم يكونـوا قبلـه؟

بشر الهمج، ما يولـد هجنـاء ونلحظ صريحا تزاوج الإنسان بإناث ال

وأن نفخة الروح هـي فـي الإنـسان . جبارين عصيين على التربية

ين أيضا، ونلحـظ الترميـز بـأنحصرا، وتنتقل إلى الهجائن البشري

لأن فيه نفخة الروح، والفتيات الهمجيات هن " ابن للرب "الإنسان هو

قـات إنـسانيا أو علـى أي بشر بلا روح، هن غير مخل(بنات الناس

، فيمتزج المخلق بغير المخلق، وينتج هجينـا )أحسن التقدير هجينات

وفـي " الإنـسان -الإنـسان "ولـيس " الحيوان -الإنسان"إنسانا، هو

ين وقلوبهم قلوب الشياطين (المرويورة الآدميوفي . 1)صورتهم ص

نراه في عـصر عمشامروياتنا عن الفساد الذي انتشر بهذا التزاوج ال

وقام بعده لمـك، (1 أب نوح فينقل المسعودي عن ذلك الزمن 2"لمك"

؛ الميرزا النوري، 277، ص11جوسائل الشيعة، الحر العاملي، -1 ♦

.378، ص11جمستدرك الوسائل، أب نوح، واسمه سرياني، والسريانية لهجة عربية قديمة قبل ": لمك"-2 ♦

الفصحى، والكاف لدى العرب للمثلية، والميم لبناء تعريف كما نجدها يومنا متصدرة اسم المفعول وبعض صيغ الفاعل والمصدر واسم الآلة واسم

الشبيه والمثيل، لكن أقل منزلة من الأصل، وبهذا " مك"المكان والزمان، فـ

49

وقام بعده نوح .. ي ، وتوف كوائن واختلاط في النسل وكان في أيامه

فلمـا (، وينقـل الطبـري )، وقد كثر الفساد في الأرض )ع(بن لمك

لموضع غيرنا قد علمت أنه لم يبق في هذا ا "لمك"أدرك نوح قال له

) ع(، ولهذا السبب قال نـوح 2)فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة

، وأكد سـبحانه بقولـه )27: نـوح ()ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا(حين دعا

، وعبـارة )77:الأنبيـاء ()إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين (عنهم

ت لوصف قوم نوح وقوم لوط في القرآن، وقال تعالى جاء" قوم سوء "

فالداعي الأكبر للإهلاك هـو )25: نوح()ما خطيئاتهم أغرقوا م: (أيضا

كهم الاعتقاديالظالم وليس شر خطيئاتهم ومسلكهم الفجوري.

يـا (مخاطبا خطاة اليهـود ) ع(ولا نندهش من قول عيسى

) د أبيكم إبراهيم، وإنما أنتم أبناء الـشيطان أبناء الأفاعي، لستم أولا

، فهو تمثيل غير بعيـد )33: 23متـى ()أيها الحيات أولاد الأفاعي (وقال

عن الفكرة نفسها إذ كانت العرب تطلق على سكنة الكهوف من الهمج

، وندرك بهذا علة تسمية نـوح "أبناء الأفاعي والحيات وأبناء التنين "

شبيه إيل، مثيل الرب، وكانت مكة أيضا المقام والموطن " إيل-مكا"سمي

والمأهول بالملائكة، الأول للإنسان لأنها مثيل مصغر لبيت القدس المعمور لذا جاء الفعل العربي"ر، " مكث"أو " مكت"أو " مكبمعنى أقام وتوطن وعم

حيث كانت " مكة"بإضافة لام التعريف، يشير إلى نسبة إلى " لمك"ولعل اسم .أرض السريان في تلك الأنحاء العربية

.10، ص1 ج، مروج الذهب، المسعودي-1 ♦

.108، ص 1، جطبري تاريخ ال الطبري،-2 ♦

50

-أوتـو "حافظ النسل، و ) خاشش-عترة(أي " تراخاسسأ"لدى البابليين

ط النفوس، بل نـدرك بالخـصوص ئأي حا )حاط الـ نفوس (" نفشتم

بتفريطهم في أمانـة ) ع(الإنسان أيام نوح -غضب الرب على البشر

الحيـواني الهمـج، - البشر بمعاشرات غير سوية تصنع أشباه الروح

الإنسان إلى الأبد، لزيغانه هو لا يدين روحي في (بإهلاكه بالطوفان

الـروح )3: 6تكوين ()رشب ـلبفعومل معاملة البـشر الحيـواني وس ،

ش وأغرق، وهذا ما العالمـد المتوحيسير إليه الآن، غافلين عن توع

وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف مـن (االله في قوله

شاءا يم دكمعب م آخرينة قويذر من ا أنشأكمفهـذه )133:الأنعـام ()كم ،

الآية العجيبة ليس لها صدقية في الواقع العربي التـاريخي ولا فـي

جئنـا مـن ) الناس(الواقع الإنساني العالمي، إلا بنحو واحد، هو أننا

مـا "و " إن يشأ"ا المشهد أبدا، لقرينة ذرية قوم آخرين، ولم يتكرر هذ

، ولدليل توعد االله به، فهو استبدال الجـنس الإنـساني برمتـه "يشاء

لصالح خلق جديد، كما تم ذلك مرة قبل التاريخ باستبدال الهمج بنـا،

ويأت بخلق جديـد، إن يشأ يذهبكم (فهذه الآية يكافئ مضمونها قوله

زيز ولى الله بعع ا ذلكأت ( و )16:فاطر()ميو ا الناسهأي كمذهبشأ يي إن

.)133:النساء()بآخرين وكان الله على ذلك قديرا

فيمـا (والميم الأخيـرة للجمـع ) Nefilimنفيليم (أما لفظة

تعني الجبابرة، " كلدية"ها كلمة ، فالبعض قال أن !)يعرف باللغة العبرية

51

مشيرا إلى خرافة ملائكة ساقطين، غير " نبيل"والبعض قال أن أصلها

أي " نفل"أنه في اللهجة الكنعانية العربية التي تعزى إليها العبرية نجد

الهابطـة (، انفصل، فلماذا لا تكون هي الـسلالة الأدنـى 1سقط/هبط

وهذه اللفظة مـا زال ! ن بخصائصها؟ والمنفصلة عن الإنسا ) حيوانيا

في العربيـة " نفل"في العربية الفصحى، التي كانت تلفظ " نثل"يقابلها

القديمة وفي اللهجات أيضا حيث الثاء فاء، وهي تعني الأمر نفـسه،

.وهو الروث" النثيل"انفصال شيء من شيء وسقوطه منه، ومنه جاء

ووسـين بـالتوراة بعـد وقد تساءل بعض علماء الغرب المه

ألا يمكن أن يكونوا هـم المعبـر : "الهمج" النياندرتال"اكتشاف بشر

، لاسيما وأن قدراتهم الجسمية وهـيكلهم "النفيليم"عنهم في التوراة بـ

رغم أن النياندرتال الهمج الـصرف !؟"أقوى من الإنسان وأشد بطشا

يس إلا الإنسان الهمجي، كائن غير ذكي ولا متطور لذلك انقرض، فل

.هو الكائن الشرير القوي، يملك ذكاء الإنسان الخارق وبطش الهمج

بل والغريب والمدهش في آن، أن قـراء التـوراة الـذين لا

يقرون بعربية منشأها يقفون طويلا أمام كثير من ألفاظها، التي كتبت

، فتراهم يتحيرون في )Septuagint(باللاتينية في الترجمة السبعينية

عن الطوفان وسببه في التوراة، في الـنص معناها، فإليك هذا النص

The earth was corrupt before( :)11: 6التكوين (الإنجليزي المترجم

.اللغة الكنعانيةيحيى عبابنة، : أنظر -1 ♦

52

.violenceand the earth was filled with , God(، الكلمــة إن

ـ ) violence ڤيولنس(الأخيرة ر إلـى تعني قسوة وعنف، ولكن انظ

ترجمتها في النص العربي المأخوذ عن اللاتينية أيضا، كيف صارت

أما ).ظلما الأرض وامتلأت االله أمام الأرضوفسدت ( ):ظلما(الكلمة

كما يسمى، فذلك هـو الغريـب " بمنطوقه العبري "في نصها الأصل

ضـاد ، أرص هي أرض، فالصاد "أرص ملأى همس : " فتقول ،بعينه

" العبريـة "لدينا أحيانا، والشين والسين يتبادل مواقعها في العربيـة و

، فما هـو "همش"هي " همس"، فـ "لسان كنعان "المأخوذ بعضها من

الذي ملأ الأرض، فجاءه الطوفان؟ لنقرأ أقوال " همش/همس"هذا الـ

" همـش "ما هو ذا الشر الفظيع جدا المـدعو : ، إذ يتحيرون 1باحثيهم

الذي استدعى بالضرورة طوفانا هائلا لجرفه بالخصوص مـن هـذه

المنطقة؟

♦ 1 - Genesis also states that God brought the flood because the world was

full of hamas. The term hamas is very complex. The wide range of meanings for the term hamas means that a lexical analysis of the word is not sufficient to allow us to determine what particular evil is here called hamas and what it was about this particular evil that necessitated a flood.

♦ http://home.apu.edu/~geraldwilson/atrahasis.html Strong’s ؛ Hebrew and Greek Dictionaries, H2555

53

فـي ومن يواصل في قراءة المقال المشار إليه في الهامش أو

" همـش "، يرى أنهم يقولـون أن الكلمـة القاموس العبري الإغريقي

توحي بأنواع من الشرور، والعنف، والقسوة، والوحـشية، والرذائـل

! لكنهم لا يعرفون معناها على وجه الدقة، وكيـف جـاءت والخطايا،

فاسأل أي عربي يتكلم بلهجته، ويلفظ الجيم جيما فرنسية قريبـة مـن

ـ (شالشين كما في كثير من لهجاتنا، ما هو الهم ـج؟ )ژالهمأو الهم

.يجيبك

نموذج لكائن همجي صرف لا يتطور

54

لذي يستخدم السلاح لإبادة خصومه نماذج للإنسان الهمجي المتطور ا4

55

:ختام الفصل

هو الذي خلقكم مـن : (وخلاصة القول، بينه سبحانه في قوله

ونتـرتم أنـتم ثم هعند ىمسل مأجلا وى أجقض 2:الأنعـام ()طين ثم( ،

،فالأجل المقضي والمنقضي هو الطور البشري، في الدهر المنـسي

ألف سنة للحقبة الإنسانية كمـا 50وقد انقضى، والأجل المسمى هو

أخبر القرآن في آيات أخرى ودل عليه التراث، وهو القائم الآن ونحن

الهم فـسد فـي ما زلنا جميعا نمتري فيه ونتصارع تصارعج الذي ي

ويسفك الدماء بعيدا عن الهدف الرباني العميق من تـسويتنا الأرض

.إنسانا مذكورا

هذا آنفا هو ملخص ما يقوله لنا تراثنا الـصحيح، ولإكمـال

الصورة ووضع النقاط على حروفها، ولفهم المزيد مما يقوله تراثنـا

أنا لا نجـده : "المقدس بنصوصه في سياقها، ولغاية أخرى أسمى هي

ا أن نأتي بالقرآن شاهدا فقط ودليلا ونمضي، بل هاد أيضا هـو، لائق

، فينبغي أن نقف عنده وننصت له ونـستمع للحـسنى "هادي"ـ بل ال

وزيادة، بهذا الرجوع التأملي إلى تلك المنابع الصرفة نتعـرف علـى

ذلك المـدى -كمسلمين أو كعقلاء –السياق العام لتلك الآيات، لنرى

حـروف كتـاب االله من الحقيقة الباهرة التي يختزنها وميض الرهيب

تعالى، وتشع منه فياضة بأبعادها اللانهائية في فضاء الوعي الإنساني

.الجوال

56

الفصل الثاني

خلق البشر والإنسان في القرآن الكريم

الخروج من الطين

:تمهيد

ـ"، و "البشر"الكلام في المصطلح القرآني تجاوز سن ، "سانالإن

ومدلولهما في اللسان العربي، بناء على أن القارئ العربي بات يعـي

هذا الفرق، لاسيما وأن كثيرا من المفكرين بينوا هذا الفارق وأشـبعوا

كونه ميزاننا، وهـو اللـسان العربـي -الأمر فيه، والقرآن الحكيم

استثناء لمن طلب نجد أن كل آياته تدعم التفريق بامتياز وبلا -المبين

الحقيقة بلا مراء، إذ المصطلح القرآني دقيق لا يأتي بهذا مكان هـذا،

مظهر بيولوجي تتعلق بالصورة الإحيائيـة التـي نحـن " البشرية"فـ

عليها أنى أتت واستعملت، والإنسانية جوهر معرفي، لمكان الـروح

57

ـ سان لا بـشريته إلا المنفوخة فينا، لذلك فإن كلام االله يخاطـب الإن

وكلـوا واشــربوا ولا (كمحكومـة للإنـسان وقالــب لـه، كقولــه

أو ملكاتها وحـصائلها " الأنا العليا "، فكل مظاهر )31:الأعـراف ()تسرفوا

من وعي وعلم ودين وأخلاق وفلسفة وحضارة هي مظهر إنـساني،

دنيا وغرائز وعقل من حياة " الأنا السفلى "والعكس أيضا، فكل مظاهر

سفلي وأجهزة جميع ذلك ووظائفه، هي مكون بشري، فالبشرية قالب،

).روح(والإنسانية قلب

فنحن جميعا بمن فيهم الأنبياء بلحاظ وجودنا الطبيعـي كلنـا

إن نحـن (بشر لا تمايز بيننا لا أسود ولا أبيض، لذلك قالت الأنبياء

مثلكم شربلحـاظ الإنـسانية ومنهـا الـوعي )11:إبراهيم()..إلا ب لكن ،

لـذلك والتقوى وإدراك الغاية والاتصال بالمبدأ الربوبي، فالتمايز بين

، فقد يكون )ولكن الله يمن على من يشاء من عباده : (عقبوا بإضافة

أو كلاهما أو لا أحد منهما الأبيض إنسانا أو الأسود . فالمرء عليه أن

لمن شاء مـنكم *نذيرا للبشر(يرتقي من بشريته متقدما إلى إنسانيته

تأخري أو متقدي االله)37، 36:المدثر()أن ،أم ر بهذا والشيطانيأمر بالضد .

: وقد وعى الأولون هذا التفريق، فقال صاحب الحكم العطائية

ـ الأكوان إلى المكون، بخروجك م اخرج من ( ن ن أوصاف بشريتك م

مناقض لعبوديتك، لتكون لنداء الحق مجيبا ومن حضرته كل وصف

58

ـ ، فالعبودية الواعية مظهر )قريبا ح بـل هـي المظهـر إنساني ،ر

الإنساني.

، ففكرت أن تتمتع بها لوحـدك، فأنـت إن كان في يدك نعمة

ساعد الآخرين وتشركهم ن فكرت أن تعطي بها، ت وإ .تمارس بشريتك

، إنما هذا مثال )إنسانيتك(فيها، تحب إسعادهم، فأنت تمارس ربوبيتك

الذي فيك والبشري لتعرف موقعك بين الإنساني.

فبناء على هذا، سنأخذ جولة سياحية في آيـات االله البـاهرة

شأن خلق البشر ثم الإنـسان، لنستكشف من معادلاته الدقيقة ما يقوله ب

مدركين بأن القرآن كونه كلام الإله، فإنه يصف الحقيقة، فحيثما تكلم

عن البشر، أو الإنسان، ومن أي زاوية أو جزئية، فالقصة الحقيقيـة

مكـن أنهي نفسها، كيفما سمعتها، لأنها واحدة، وواحدة هي، فـلا ي

.ه الوحدة، فهلم نصغ له ونقرأيرد لفظ أو حرف يقول بخلاف هذ

: اختصام الملأ الأعلى- أولا

الرب د الملائكة(إنحين أعلم الملائكة بإنـشاء الكـائن ) 1سي

وإذ قال ربك للملائكة إنـي (البشري الذي هو آخر الكائنات الأرضية

فإذا سويته ونفخت فيـه * خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون

♦ 1- تحقيق أن"د الملائكة وآمرها ووجه االله فيهم، له بحث " الربهنا هو سي

النظام والآخر الحقيقة دون قناع؛ ، آدموعصى : بحثنظرافي مكان آخر، انيعية، جمعية التجديد الثقافية الاجتماالرب.

59

اجدينس وا لهوحي فقعر لائكـة (و، )28،29:الحجر()منللم ـكبإذ قال ر

فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا *إني خالق بشرا من طين

اجدينس يذك )72، 71:ص()له ت على إيجـاد ، لمالملائكة احتج ر أبدا أن

فـوق غير مصنفة، هي هذه الفصيلة المتميزة الأخيرة، وهي فصيلة

الحيوان ذكاء، مع إخباره لهم بأنه متى ما تم تسويته ونفخ الروح فيه

م احتجاج منهم ، إلا أنه لم يق )السجود(سيأمرهم بالخدمة والإذعان له

. على ذلك

بمجرد أن قال في ظرف آخر أنه سيجعل مـن ذلـك بيد أنه

وإذ قـال (بأنه يفسد ويسفك الدماء أو تساءلوا المخلوق خليفة، احتجوا

ـنـا مـل فيهعض خليفة قالوا أتجاعل في الأرلائكة إني جللم كبر

اءمالد فكسيا وفيه فسدفمـاذا يعنـي هـذا؟ )30:البقرة()ي ، يعنـي أن

: الملائكة كانت لهم ثلاث محطات

تهيئـة وا في خدمخلق البشر من الطين، وهذه رضوا بها، بل -1

.وعاملة، لأنها مخلوقات مدبرة ظروفها

قرار السجود له، وهذه لم يحتجوا عليها فهي مخلوقات طائعـة -2

.وساجدة بطبيعتها

ر خليفة، وهذه أشكلوا عليها، لأنها مخلوقات قرار جعل ذلك البش -3

. ويسفكعاقلة، تعي النتيجة المنطقية، والبشر فعلا كائن مفسد

60

لأنهم عاينوا فعلا ما يفعلـه البـشر طـوال إشكالهمفنهض

التاريخ المديد من إفساد في الطبيعة ومن أكل بعضه البعض أيـضا،

وإذا (ة مثلمـا قـال سـبحانه وكلاهما عنصران منافيان لتولي الخلاف

،)205:البقرة()تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل

فهل عـسيتم إن تـوليتم أن تفـسدوا فـي الـأرض وتقطعـوا (و

كمامحوإهلاك ا )22:محمد()أر ،لنسل، ظاهرتـان تقفـان ، فالإفساد البيئي

على النقيض مع الدور الاستخلافي، هذا المنطق الصحيح، باحت بـه

. بعفويتهاالملائكة

أي الهمجيـة بأكـل اللحـوم (واللوثة الأخيرة بالخـصوص

ظلت في أقوام إلى عهد قريب في كثير من البلـدان حتـى ) البشرية

الأدغال، حـسب مـا الأوروبية المتحضرة منها وإلى الآن في بعض

لويـل ديورانـت " قصة الحضارة "يقوله ويوثقه كل العلماء، وراجع

الجزء الأول منه، ستجده يصفهم أنهم يسكنون الكهوف ويأكلون لحـم

البشر، وقد استمرت هذه العادة الهمجية في بعـض المنـاطق حتـى

ي هـي القرن الحادي عشر قبل الميلاد، لدى سكان إيرلندا وإيبيريا الت

أسبانيا وجماعات في الدانمارك، وأما في جزيرة بريطانيا فقـد كـان

فالدول الأوروبية .اللحم البشري يباع كما يبيع القصابون اللحوم اليوم

كما يقول ديورانت نفسه كانت تعيش حياة من الهمجية حتى الـسابع

والثامن عشر قبل الميلاد، حيث كانوا يصطادون بعـضهم الـبعض

61

م ويقدمونهم للولائم، في حين أن الحضارة الحقيقية كانـت ويسمنونه

تمتد في المنطقة العربية جنوبا عبر شاطئ المتوسط فقط، أمـا بقيـة

.الشعوب فما تزال في طور الهمجية وهجعتها

صورة تبين أن أوربا كانت موطن البرابرة الهمج

لمستولد وإذا كانت الملائكة سلمت بفضل الإنسان الروحاني ا

من الهمج البدائيين، فإن إبليس بعدها لن يسلم، حين يستدعى للسجود

مع الملائكة لآدم فلا يستطيع، لأنه يأبى أن يرى في الكـائن الـذي

62

أمامه جانبه الإنساني السامي المـشرق، ويـصر أن يـراه بأصـله

إلـى "الإنـسان "البشري، وظل جهاد إبليس حتى يومنا هو إرجـاع

، أما جهاد الملائكة فتحويل البشر إلى إنسان كما بدأوا به وكما "بشر"

أأسـجد لمـن خلقـت : (كان ينبغـي، لـذلك حـين قـال إبلـيس

، ) طينـا هلمن خلقت (، ظن معظم المفسرين أن التقدير )61:الإسراء()طينا

، في حين أن ")نمن طي "أي (فقدروا عائدا محذوفا هو الهاء، ثم قالوا

مفعـولا " طينـا "مثل هذا التقدير يقلب الآية على رأسها، لأنه يصير

ثانيا، هذا ما سيبدو، فينتج أن االله صير الإنسان طينا، بينمـا العكـس

هو الصحيح، الرب قد صير البشر الطيني إنسانا، وإبلـيس يماحـك

نـي، فهـو لا يـرى لا أسجد لمخلوقـك الطي : ويجادل ويأبى بالقول

الإنسان إلا بشرا وطينا، كما رأى المستكبرون أنبياءهم الروحـانيين

) شرإلا ب أنتم 10:إبراهيم()إن( ،)شرإلا ب ا أنتمـا أنـت إلا (، )15:يس()مم

شر154:الشعراء()ب( ،) شرذا إلا با هلهذا التغافل الإبل !!)24:المؤمنون()م يسي

:نقرأ

بشرا من صلصال مـن حمـإ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق ( -

روحـي فقعـوا لـه فإذا سويته ونفخت فيـه مـن * مسنون

اجدينس*. . . دجلأس أكن ـ قال لم ن لبشر خلقته من صلصال م

.)33-28:الحجر()حمإ مسنون

63

فإذا سـويته * من طين وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا ( -

اجدينس وا لهوحي فقعر نفخت فيه منو* . .. منه رقال أنا خي

خلقتهنار و طينمخلقتني من 76 -71:ص() ن(.

فنجد في السياقين أعلاه أن إبليس، يكرر عبارات نية مرحلة

الخلق البشري الأولى نفسها، صلصال قال صلصال، طين قال طين،

ولا يذكر التسوية والروح والإنسانية الموهوبة، وهذا إما أنه لم يجدد

روح الرب لعدم شهوده معلوماته بشأن البشر أنه سوي ونفخ فيه من

هذه المرحلة، أو أنه يتغافل هذه الميزة ولا يريد أن يراهـا أو يقنـع

.بوجودها

وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علـى الملائكـة فقـال (

ادقينص كنتم ؤلاء إناء هميقفـز سـؤال ، هنا )31:البقرة()أنبئوني بأس

ما الأسماء التي عرفها آدم ولم تعرفها : مهم عليه تتكئ معارف كثيرة

الملائكة؟

زات الشيء، هذا " الأسماء"إنهي السمات والخصائص وممي

ما بينه القرآن في آياته الكثيرة، لا مجرد العنوان الأبتر، الـذي هـو

مداليل، اسم يوافق ما أنزل االله به من سلطان، فهي دالات على " اسم"

ن أنبيى، وهذا يسماللغة فـي بدايـة الإنـسان كانـت "/الأسماء"الم

وصفية، تصدر تبعا لميزة الشيء المسمى، لا اعتباطية ولا تواضعية،

ما يدلك مرة أخرى أن أي لغة تحتفظ بهذه الخصيصة فـي أسـمائها

64

مر إلا في اللغة العربيـة فهي اللغة الإنسانية الأولى، ولا نجد هذا الأ

، حيث ترجع أصل كل كلمة إلى فعل أو جذر أولـي بلهجاتها وحدها

تم اشتقاق الاسم وهو أصله، وهي اللغة الوحيدة التي تجـد لهـا همن

.معاجم تعود بالأسماء إلى أصولها الثلاثية الفعلية

هذا التمييز في الأشياء، يبدأ بمدركات السمع والبصر والفؤاد

" اسـما "لإدراك التميز، فيبدأ مرحلة التجريد، ليصوغ لـه ) كمستقبل(

يناسبه كدال عليه، ما يسمى اليوم بالتصنيف، وهذا بالتمام مـا يقـوم

نوع أو فصيلة جديـدة مـن أي حين اكتشافه أي عليه العقل العلمي

قه شيء بناء على وجود فارق ومائز ولو ضئيل، إذ لو كان نفسه لألح

العلماء بالفصائل المصنفة والأسماء المتوفرة، ولما نحلوه اسما جديدا،

علـم ) آدم الأسماء كلها وعلم(لذلك كان التصنيف علما، ولذلك قال

مثلما قال بعـدها ) حفظ آدم (أو ) أنبأ آدم (التمييز والتصنيف، ولم يقل

).أنبئوني بأسماء هؤلاء(

وعلماء العالم اليوم أن الأسـماء ) يالعرب(لكن الفرق بين آدم

هـي الـسمات نفـسها -ثم ورثها الآباء العـرب -التي يطلقها آدم

والموائز، بينما افترق اليوم الأمر فلا يستدل من الاسم فـي أحيـان

كثيرة على شيء عدا ظرف الاكتشاف أو ثقافة المكتشف أو اسمه أو

، أي ليس له ارتباط بالصوت شيء أو لا ربما اسم كلبه أو قطته أيضا

ولا بالحرف، كما كان السين يضاف لدى الإغريق في نهاية الكلمـة

65

لا تعني سـوى أنهـا أشـعة " إكس أشعة"، خذ مثلا 1لتقديس الشيء

فقد عرفنا اسم مكتشفها فقط، أما ما " أشعة رونتجن "مجهولة، وإذا قلنا

.يءخصائصها التي نستفيدها من الاسم؟ لا ش

فإذا كانت الملائكة اكتشفت الفساد والهمجية في بنـي البـشر

كمصطلح دال على طبيعـة " السفك"و" الفساد"وميزته، ولديها مفهوم

معينة غير لائقة، فما الذي قصرت عنه وغلبها آدم فيه؟

كنظام اتصالي مع بقيـة الكائنـات " النظام الصوتي "هل هو

أن فيما بينها؟ أي ولكنهـا تفتقـد " الأسماء" الملائكة تعرف وتواصلي

جهاز التصويت بها، أي تفقد ملكة النطق والقدرة على التنغـيم التـي

-امتلكها الإنسان دون سائر الحيوانات، حيـث أن أرقـى الفـصائل

إنما تصدر طيفا واحدا من الأصوات لا تستطيع أن -بخلاف الإنسان

!تتعداه؟

بدو بأنه جوابالملائكة لغـتهم غيـر جهازيـة ي مغر، إذ أن

عضوية، بل إيحائية كالومض، ولكن من قال بأن نظام التواصـل لا

يبدو أن هذه السين التشريفية أو التقديسية، التي أخذها الإغريق عن -1 ♦

، "سين"الفينيقيين العرب، لها ارتباط بالنور الإلهي الذي دعي لدى الأوائل ورمزوا القمر به، وجعلت لاحقة للأسماء العظيمة كالملوك الأوائل مثل

" النور"، فسين أو سن تعني "نارام سن/ نارام سين"الأكادي حفيد سرجون ، "لمع النور"بمعنى " سنا"، ولعلها من "النور المقدس"أو " نور الأنوار"أو

بمعنى شمس بالإنجليزية، والقرآن الكريم قد أومأ لهذا في " سن"ومنه جاءت ".يا سين"المنطوقة " يس"قوله

66

خاصة ونحن مـسلمون ! يمكن أن يتكئ على لغة إيحائية وتخاطرية؟

ثـم أن !أن الملائكة المدبرة تدير أنظمة الطبيعة كلها باقتدار رهيب؟

لنا"بل قالوا " لا قدرة لنا"يقولوا الملائكة لم لا علم!"

أعتقد أن السر لا يكمن في تعليم آدم الأسماء فقط، فالملائكـة

التي قد علمتها، ولكن ماذا عن الشيء الذي " الأسماء"المسجدون تعلم

لم تتعلمه؟ الملائكة تقف، لأنها مبرمجة على الصحة، وعلى ما تعلم،

برمج على المشيئة والمحاولة، فلا يقف، بل يـتعلم ذاتيـا والإنسان م

وإن تعثر، فالإنسان لديه نظام تعلمي توليدي يجعله يطوي المـسافات

، لا )الأسـماء كلهـا " (كلهـا "إلى ما لا يعلم، فالسر يكمن في كلمة

-بعضها ويقف، فالرحمن قد علم الإنسان أصول البيان، فالملائكـة

لديها موسوعة أحكـام، والإنـسان أوتـي - التمثيل لا غيرعلى نحو

.أصول الأحكام

سيبدو الإنسان بليدا جدا لو نافس أضخم جهاز كمبيوتر فائق

ة أو استرجاع المعلومات، لكنات الحسابيالسرعة في مليارات العملي

هذه الكمبيوترات العملاقة لن تخرج لك إلا مـا سـبق ولقمتهـا بـه

تها عليه، فقد تستوعب كل قـواميس العربيـة كـشربة مـاء وبرمج

وتتيحها لك في أقل من معشار ثانية واحدة، ولكن ماذا لو أردتهـا أن

البليوني أرشيفهاتؤلف كلمة وصفية جديدة صحيحة غير موجودة في

أو التريليوني، كلمة واحدة فقط؟ ستدهش حين تظهر لك مباشرة على

67

، "سبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا " جملة العجز التام العرض" شاشة"

. ظاهرا كل تلك الحدود، ويتجاوزهائهنا يصرع العقل الإنساني البط

هـي " كلهـا "الأشـياء ) أسـماء (فمعرفة خصائص وسمات

دون أسماء بعض أو مسئولية خليفة الأرض، لا اختصاص دون آخر

الأسـماء، كمـا " إنباء"لا " علم"ة في فالأمر كان أشبه بمسابق .بعض

بينا، فالأسماء ليست معلومات تحفظ، كما يحفظ كثير طلاب المدارس

دروسهم، وإلا لظلمت الملائكة في هذا الامتحان المسرحي المحـددة

نتائجه سبقا كانتخابات بلداننا، بأن أنبئ آدم بالأجوبة سلفا من تحـت

ة لم تخبر، إذن؛ فلا فضل لـه علـيهم سـوى أنـه الطاولة والملائك

نوع؛ كلا، الامتحان كان أقرب لامتحان ! بالإجابة الصحيحة " غشش"

عنه امتحان محفوظات، امتحان نوع لا امتحـان وأهلية، ذكاء وقدرة

ويـتعلم بهـا أي "كلها"كم، فطبيعة آدم تجعله قابلا لأن يعلم الأسماء

الملائكة ينزع بهم للتخصص فيما علموا فقط ولا مجال ، وتكوين يتسم

لهم لعلم ما لم يعلموا، فهم عقلية توثيقية وصفية استنتاجية لا قياسـية

ـة البـشر، فـإنة ولا طافرة، لذلك حـين رصـدوا همجيؤيولا تنب

برنامجهم العقلي يعطي نتيجة واحدة لا غيرها، أن هذا المخلـوق لا

. ح للخلافة، وهذا ما قالوهيصل

68

وكينونـة الـشيء نفـسه ) اسـمه (وللتمييز بين سمة الشيء

ـ"ثم قـال " كلها): "بضمير الجمع لغير العاقل (قال ) مسماه( " همعرض

ـ هاوعلم آدم الأسماء كل " (هؤلاء"و ضرع ثـم معلـى الملائكـة ه ..

للأشياء، لأوهم بأنهـا " عرضها ثم"، ولو قال )هؤلاءأنبئوني بأسماء

مرة ثانية، بل إن هذا التنويع المعجز في الـضمائر بجعـل " الأسماء"

صـاحبة الـسمات، التجليات/للكائنات) هم(الأسماء، و /للسمات) ها(

يؤكد مرة أخرى على دور الخليفة أنه أهل للتعامل مـع المخلوقـات

أنى كانت رتبتها حيوانيـة أو نباتيـة أو )كمظاهر ربانية لأسماء االله (

لها مشاعر وأحاسيس تجاهـه، ترجـو جمادات، يعاملها كذوات حية

عدله وتتفاعل معه سلبا وإيجابا، فالجميع أوتار في معزوفـة الخـالق

" الـتعلم "التي على آدم " كلها"الحسنى الفعلية " الأسماء" الذي له الأجل

وحدة كونيـة ك لينظر إلى جميع المخلوقات ، ) والتحلي أي الاتسام (بها

.مسبحة واحدة

:النشأة الأولى والثانية والثالثة - ثانيا

إن كتاب االله يثبت بلسانه العربي المبين أن هنالـك نـشأتين

كيفيتين في خلقه؛ واحدة يخرج من الأرض كالنبات، والثانيـة مـن

69

مـن : أما تاريخيا فهـم ثـلاث نـشآت الأرحام بلقاح الذكر والأنثى،

الأرض، ثم من الأرحام، ثم من الأرض، فكيف ذلك؟

: النشأة من الأرض -1

وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله (

هرض غيالأر من أنشأكم وك هرمتعاسا وفيه هذه الآية )61:هود()م ،

:تبين أمرين

العربي وقومـه لا أقـل ) ع(أن التراث العربي أيام صالح - أ

بأكثر من ألف ) ع( وذلك قبل وجود موسى –الشفوي منه

سنة، فضلا عن التوراة التي نسجت بعد موسى بألف سـنة

، هذا التراث الشفوي يعرف حقيقة خلـق الإنـسان -أخرى

يتكلم عنها كمسلمة في الأذهان المعاصـرة ) ع(فإن صالحا

أو هو يذكرهم بها، فقط يبقى على القـوم عبـادة الخـالق

. الأحد

أن القرآن يقص الحقيقة كما هي، وكما قالها تراث الأولين، - ب

.لا اجتهاد فيها ولا تزييف

معنـى ، ليس لها إلا "أنشأكم من الأرض"فالتركيز هنا على

.واحد، هو خروج البشر أولا من الأرض

70

: النشأة من قوم آخرين -2

) ـدكمعب تخلف منسيو كمذهبشأ يي ة إنمحذو الر الغني كبرو

شاءا يم م آخرينة قويذر من ا أنشأكموهـذه )133:الأنعـام ()كم ،

عجيبة ليس لها صدقية في الواقع العربي التـاريخي ولا الآية ال

في الواقع الإنساني العالمي، إلا بنحو واحـد لا غيـر، فالآيـة

بأن الرب غني من جهـة، ) ص(تخاطب النذير البشير محمدا

وذو رحمة من جهـة أخـرى، فيـستطيع أن يـستغني عـن

بون؟ المخاطبين بإذهابهم، ولكن من هم المخاط

إذا كانوا قريشا فهل هم أنشئوا من ذرية قوم آخرين، وليـسوا

لا شيئا آخـر، " قوم آخرين "إذ هذا هو دلالة ! من ذرية آبائهم؟

" فرعون وقومه "أرض " بني إسرائيل "لاحظ كيف ورث سبحانه

وكـم (، و )28:الـدخان ()كذلك وأورثناها قوما آخـرين (في قوله

صمنا مـن قريـة كانـت ظالمـة وأنـشأنا بعـدها قومـا ق

ية المهلكـين، )11:الأنبيـاء ()آخرينفالقوم المنشأون ليسوا من ذر ،

أي الـسكان " القريـة المقـصومة "لأن أولئك أبيدوا جميعا فهم

).آخـرون (، أي غيرهم، وهذا معنى "آخرون"المبادون، بل هم

أما إذا كان المخاطب هو العالم كله باعتبار أن الرسالة خاتمة،

؟"من ذرية قوم آخرين"فكيف أتى العالم كله

71

هو حل واحد لكلا المسألتين، كيفما قرأتهما، الإنسان، قـريش،

والعالم، كلهم جاءوا من ذرية قوم آخرين مغـايرين لنـا، هـم

أنـشأنا . البهائمي البدائي غير الإنـساني البشر الأوائل، الخلق

عدا فلول ربما نعثر عليها فـي (سبحانه منهم وأبادهم بالتدريج

ويـستخلف (، لذلك قال تعالى )الأدغال أو في مغاور الكهوف

الدالة علـى حقبـة لاحقـة " بعدكم"وليس ) ما يشاء من بعدكم

ومة، بـل هـو الدالة على هوية معل " من يشاء "مباشرة، وليس

استبدال الجنس الإنساني كاملا، وليس توريث الذريـة الأبنـاء

.مكان آبائهم، أو استخلاف قوم مكان قوم

حصل مرة واحدة فقط " الإنشاء لنا من ذرية قوم آخرين "إن هذا

كما تتوعدنا هذه -حين إنشائنا أول مرة، ولو حصل مرة ثانية

نساني برمته، ولكنه لم يحصل، أمـا لاستبدل الجنس الإ -الآية

توريث الذراري، والاستبدال فقد حصلا كثيرا، بل همـا سـنة

الحياة والتاريخ، ولأنه لم يحصل قط في الماضي مـع خيـار

يشأ (حصوله مستقبلا قال سبحانه مستهلا إن ( يقـل ولـم) إذا

إن (، والصورة نفسها عبرت عنها آية أخـرى )شاء أو إن شاء

كمذهبشأ يـأت ييديـد ولـى اللـه *بخلـق جع ـا ذلـكمو

ألم تر أن الله خلـق الـسماوات (، وأخرى )17، 16:فاطر()بعزيز

، )19:إبـراهيم ()والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد

72

، كما بينـه صـريحا )غيرنا نحن" (الناس"جديد غير فهو خلق

وكـان اللـه بآخرين ويأت أيها الناس إن يشأ يذهبكم : (أيضا

لى ذلكالخاء المغـايرة فتحب" آخرين" لاحظ )133:النساء()قديراع

".الناس"في الكيفية لجنس

سورة الأنعام، لتشير أن حقبة بـزوغ ثم أن وضع هذه الآية في

البشر الأوائل التي منها تولد الإنسان بعد مئات آلاف الـسنين،

هي فترة تخليق الأنعام أيضا لأنهـا غـذاؤه حـسب السلـسلة

الغذائية، ولو لم تكن الأنعام موجودة لانقرض البـشر الأوائـل

.1جوعا وأكلوا بعضهم بعضا

:الأرحامنشأة الأرض ونشأة -3

) اسعو كبر إن ماحش إلا اللمالفوالأثم و ائركب ونتنبجي الذين

بكم لمأع وة هغفرض المالأر من أجنة فـي إذ أنشأكم إذ أنتمو

كمكوا أنفسفلا تز اتكمهطون أمن اتقى ببم لمأع و32:الـنجم () ه( .

وربك : (ت في الأنعاملإتمام الفكرة عن هذه الحقبة، وافق بين هذه الآيا -1 ♦

ا أنشأكمكم شاءا يم دكمعب تخلف منسيو كمذهبشأ يي ة إنمحذو الر الغنيم آخرينة قويذر ل ( وبين )133:الأنعام)(منعج ة ثماحدنفس و من خلقكم

ا وهجوا زمنه اتكمهطون أمفي ب خلقكماج يوة أزانيام ثمالأنع من ل لكمأنزفاطر السماوات والأرض جعل لكم من (، و)6:الزمر)( ..خلقا من بعد خلق

.)11:الشورى)( ..كم فيهأنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرأ

73

الأولى تتحدث عن مرحلة خلق البشر " إذ"لاحظ الحقبيتين جليا،

الثانية يبين تولد الجنس البشري فـي " إذ"قبل ولادة الأرحام، و

" هو أعلم بكم "ولماذا خاطب سبحانه الجنس الإنساني . الأرحام

!بنشأتهم في الحقبتين؟

الحقبتين ما زالت بصماتهما تؤثر في مسيرة الإنسان لأن هاتين

في ميوله الغرائزية البشرية لارتكاب الإثم والفواحش، الميـل

) العـشتارية الأولـى (البهائمي حيث شريعة الخصب والإباحة

موجود في جيناته ومكون وعيـه المتـراكم عبـر الـدهور،

الدهر (لزمن الأول ين المحطتين، محطة ا اتوالمورث له عبر ه

ل المنسيحيث ) الأو"هي الأرض، ومحطة الأرحـام " المستقر

حيث يقع في جيناته الشذوذ السلوكي الـذي يـسببه الوالـدان

بنوازعهما لحظة الوقاع الجنسي وعقد نطفته، وهـي محطـة

، وصار وجوب التخير "وديعة"، ولذلك صار الحمل "المستودع"

وفي هذا يمكن لنبـوءة . انة الدين ووعيه للنطف، من صميم أم

الإنجيل أن تتحقق بأن ذنوب الوالدين تقع علـى الأولاد فعـلا

وهـذا أشـبه ) الآباء أكلوا حصرما وأسنان الأبناء ضرسـت (

باقتران قيثارتين متنافرتي الذبذبة ما يؤدي إلى الخلل النفـسي

.والسلوكي في نفسية المواليد

74

:"النشأة الآخرة"و" لأخرىالنشأة ا" -4

من نطفة إذا *وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (: الآية الأولى

هذه الآية تبـين .)47 -45:النجم() وأن عليه النشأة الأخرى *تمنى

بوضوح أن تحديد جنس الذكورة والأنوثة، لا يكون في بويضة

– مجموعـة الكروموزومـات لأنها تعطـي نـصف (ى الأنث

لأنـه يعطـي (الذكر " حويمنات"، كما أنه ليس في 1)الصبغيات

، لكنها في مني الرجل حين يلقح البويضة، فـإن )النصف أيضا

يمتلك صـبغية الـذكورة كـان ) حيوان منوي " (حويمن"سبق

ة كان العكس، المولود ذكرا، وإن سبق آخر يملك صبغية الأنوث

ففي هذا الظرف فقط يتحدد ) إذا تمنى (وهذا تماما دلالة العبارة

مـن " الحويمنـات "، ظرف سـباق )إذا(الجنس لا قبله، ظرف

الرجل نفسه، لا قبله ولا بعده، ظرف أولى ساعات المعاشـرة،

أن نفهمه من قول نبي الأمـة ) في قراءة ثانية (وهذا ما يحتمل

، أن مـاء 2) ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد فإذا سبق ) (ص(

ماء الرجـل (الرجل وماء المرأة كلاهما من حويمنات الرجل،

.56، ص ، الشفرة الوراثية للإنسان وليروي هوددانييل كيفلس -1 ♦ماء الرجل ( وفي حديث آخر ؛189، ص3، جالمسندأحمد بن حنبل، -2 ♦

أذكرا أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة ابن حزم، ). بإذن الله وإذا علا منى المرأة منى الرجل آنثا،بإذن الله .187، ص9، جالمحلى

75

أي الحويمن الحامل الـصبغة الذكوريـة، ومـاء المـرأة أي

، مع تسليمنا بـالقراءة )الأنثويةالحويمن الآخر الحامل الصبغة

رأة حمضي، وماء الم) إفرازات(الأولى الأخرى القائلة أن ماء

غلبة الوسط الحمضي ولوحظ أن ،غلبة مـاء (الرجل قلوي أي

الأنثويـة ينشط الحويمنات ذات الـصبغة ) المرأة وعلو تركيزه

لتلقيح البويضة، والعكس في الآخر، وهذا من معجزات النبـوة

العظيمة التي لم يكتشفها إلا نوادر كبار علماء الطب في يومنـا

لقراءتان تلمحان إلى السببين العلميين في تذكير أو تأنيث هذا، فا

.الجنين

إذا "هي بويضة المـرأة بالخـصوص، و " نطفة"ولنا أن نجعل

أي حين يلقحها مني الرجل، لتظل متوالية خلـق الـذكر " تمنى

والأنثى من ذكر وأنثى، وهكذا، وهذا يوافق جواب نبي الأمـة

سعود الذي رواه الإمام أحمد فـي في حديث عبداالله بن م ) ص(

مم يخلق الإنسان؟ .. يا محمد : مسنده جوابا لليهودي الذي سأله

يا يهودي، من كل يخلق، من نطفة الرجـل ومـن ): ص(قال

.1نطفة المرأة

، 5 جالسنن الكبرى،؛ النسائي، 465، ص1 جالمسند،أحمد بن حنبل، -1 ♦

.340ص

76

، فمـا معنـى "النشأة الأخـرى "ومغزانا من الآية، هو عبارة

لخاء، وهـي تفيـد بفتح ا" آخر"هي مؤنث " أخرى" ؟"الأخـرى "

بكـسر الخـاء، " آخر"فهي مؤنث " آخرة"أما .البدلية والمغايرة

مـسافة " الآخـر "و" الآخر"وبين .1وهي مقابل الأولى والأول

، ولكن لـو قلنـا أنـه "الآخر"شاسعة، فلنا أن نقول أن االله هو

قـد و. لأشركنا معه إلها ثانيا، له كيفية مغـايرة عنـه " الآخر"

مرة بنفس المعنى مفيـدة 71في القرآن " أخرى"تكررت مفردة

ما سنقوله الآن وفـي .ة والمغايرة البدلي نفهم هذا لأن يجب أن

.النقاط التالية ينبني ويتأسس على هذا التفريق

فهـي (فالآية تخبرنا أن هناك نشأتين في الكيفية لا في الكميـة

):ثلاث في الكمية

. معتادة، من الأرحامنشأة - 1

نشأة أخرى، أي مغايرة في الكيفية بدلا من تلـك النـشأة - 2

. المعتادة

قل إن ()13:الواقعة) ( الآخرين، وقليل منثلة من الأولين: (لاحظ الآيات 1 ♦

الآخرينو لين49:الواقعة)(، لمجموعونالأو() لينلك الأونه نتبعهم ألم ثم ،

، )56:الزخرف)(فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ()16:المرسلات)(الآخرين .الآخر، بكسر الخاء عكس الأول

77

النشأة المعتادة هي التولد مـن لقـاح ذكـر وأنثـى، بويـضة

تفعيلهـا -نحن البشر -ن، وهذه النشأة المعتادة هي علينا وحويم

على أو تعطيلها، أما النشأة الأخرى فهي مخصوصة ومحتكرة

الرب بكيفية فردية غير تكاثرية لا دور لنا ذكورا وإناثا فيهـا،

؟"النشأة الأخرى"فمتى حصلت أو ستحصل تلك

ربما يجيب مجيب بأنها مقصورة على يوم البعث، قلنـا هـذا

مـع " البعث"أن لماذا : نصف صحيح، ولكن سيبقى لدينا إشكال

المغايرة في الكيفية عـن نـشأة تلكأي " النشأة الأخرى "كونه

، التي تدل علـى وحـدة "النشأة الآخرة "الأرحام، سمي أيضا

هـذه النـشأة " أولـى "كيفية وافتراق زماني وعددي فأين هي

لكن .فهذا الحل النصفي يورث التناقض ! الآخرة المشابهة لها؟

لإفـادة ) عليه(المستقر الذي تبينه الآية بتقديم الجار والمجرور

وحده لا علينا، فنـشأة ) النشأة الأخرى عليه(الاختصاص، أن

علينـا فهناك نشأة .الأرحام علينا، والنشأة الأخرى عليه دوننا

" أخـرى "هي نشأة التولد من الأرحام، وهناك نشأة على االله هي

: أي مغايرة للمعهود الذي نراه، وهذه الأخرى تحصل مـرتين

78

، وكلاهمـا ) الخلق البشري، وآخرة حين البعث أولى حين بدء (

.1لم نرهما

أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثـم يعيـده إن ( :الآية الثانية

لىذلكع سيرأ * الله يـدف بوا كيض فانظروا في الأرقل سير

إن الله علـى كـل شـيء النشأة الآخرة الخلق ثم الله ينشئ

الآية تدعو الناس بصراحة لاعتماد هوهذ. )19،20: العنكبوت()قدير

علم الآثار في معرفة كيف نشأ الخلق، والبشر، لتطابق الحقيقة

القرآنية وينكشف لهم صدقها، لا بأن يأخـذوها مـن التـوراة

انتباه القارئ أن هناك مرويا يعزى نصه إلى علي أمير المؤمنين نلفت -1 ♦

كل عجبت(): ع(مرة، ومرة أخرى إلى حفيده علي زين العابدين ) ع(ابن أبي الفتح ، )لمن أنكر النشأة الأخرى، وهو يرى النشأة الأولىالعجب ام وهي فالنشأة الأولى هنا نشأة الأرح ،288، ص2ج كشف الغمة، الإربلي،

ترى يوميا في الحيوان والإنسان، ولأنه قابلها بنشأة أخرى مغايرة هي العجب كل : (االنشأة من الأرض، إلا أنهم أحيانا ينقلون الرواية خطأ هكذ

الفيض الكاشاني، )، وهو يرى النشأة الأولىةخر لمن أنكر النشأة الآالعجببـ " الأخرى"تبدال كلمة باس ،1258، ص2جالآصفي في تفسير القرآن،

التي تقابلها هما " الأولى"و" الآخرة"، وهذا خطأ في النقل لأن النشأة "الآخرة"المشابهة " الأولى"بكيفية واحدة، والإنسان بهذا مستحيل أن يكون رأى النشأة

غير المعهودة لديه ولا " الأخرى"، فكلاهما من صنف النشأة "الآخرة"لنشأته أو (المخالفة لنشأته ) في الأرحام" (الأولى" لكنه رأى فقط نشأته المتصورة،

، ويمكن تصحيح الحديث حال تفسيره بحالة )من الأرض" (الأخرى) "لنشأتيهالتي الإنسان يراها ) الموافقة للنشأة الآخرة(واحدة فقط هي أن النشأة الأولى

كذا ستكون النشأة الأخرى دائما هي نشأة النباتات يوميا من الأرض، لأنه هالمغايرة لنشأة الإنسان الأولى من الأرحام، إنباتا من الأرض وبهذا دلل

.)19: الروم)(ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون( القرآن في قوله

79

أن هناك -كما قدمنا -، تعني ببساطة "لآخرةالنشأة ا ". المزورة

ة، ومن عجيب هذه الآية، مع إخبارها أننشأة أولى بنفس الكيفي

االله يبدئ الخلق ثم يعيده على مستوى النجوم بولادة النجوم من

موت أخريات، أو النباتات من البذرة فالشجرة فالبذرة وهكـذا،

لأرض لينظروا ويحققوا كيف فإنها تدعو الناس إلى السير في ا

بدأ الخلق البشري، لأنهم متى ما علموا ذلك، سيـسهل علـيهم

جدا معرفة أن االله على كل شيء قـدير، لأن النـشأة واحـدة

هي نشأة أولى، ) أي بداية الخلق (وبنفس الكيفية، سوى أن تلك

ـ" آخـرة "وهذا دلالة ". نشأة آخرة ) "إعادة الخلق (وهذه يس ول

، فالأولى والآخرة هما اثنتان بالكيفيـة نفـسها، تـراب "أخرى"

يختلط بالماء، فيتشكل طمي طيني مـائع، فتتجمـع العناصـر

والمكونات بل ومخلفـات الكائنـات المتحللـة مـن نباتـات

وحيوانات، لتشكيل الأحماض الأمينيـة اللازمـة التـي هـي

المـدبرون بـالنفخ فـي قوم الـسادة يأساسات الكائن الحي، و

الصور، فيبثوا شفرات كل إنـسان، بـإطلاق أوامرهـا إلـى

الأحماض لتشكل بروتينات وخلايا الجسم البشري وفق تعليمات

كمـا -الشفرات الجينية المتميزة لكل فرد، فيتركب شيئا فشيئا

في حاضنات الطين المائع المغلفة بقوالب الصلـصال، -الجنين

ثم يميـتكم ثـم فأحياكمكنتم أمواتا : (البعث تماما هذه صورة

80

ييكمحي ونعجه ترإلي وهي الصورة الأولى الغائرة )28:البقرة() ثم ،

. في الزمان، المشهد نفسه

وبهذه الكيفية تنحسم معارك كثيرة، في جدالات مـلأت كتـب

فيتهـا، فالمـادة مـادة الأرض الكلام، عن حشر الأجسام وكي

وعناصرها، منها خلقنا أول مرة ومنها نخرج ثانية، أما الشفرة

المورثة فكل وشفرته كما هي تماما، ولا يهم االله أننا تحللنا فـي

الأرض أو تبعثرنا في الفضاء أو تحولنا إلى حجـارة أو إلـى

ما تنقص الأرض منهم قد علمنا (حديد أو إلى بخار، لذلك قال

، فالكتاب الحفيظ أقرب فهم لـه هـو )4:ق()وعندنا كتاب حفيظ

بلى قادرين على : (، لذا قال تعالى )إيه.إن.الدي(مدونة الجينات

نانهب يونس منـذ )4:القيامـة ()أن هو هو نفسه، والإنسان العربي

عي تماما ما يفعل حين كان يمـارس دفـن آلاف السنين كان ي

ة البداية لأنه يعلـم أنهـا عـينحاكي بذلك وضعيموتاه، فهو ي

حيث شاع أسلوب الـدفن داخـل الجـرار النهاية، فيمهد لها،

الفخارية، وفي التوابيت الطينية، وتحت التراب، ثم رش المـاء

.عليه

ة، من أن ملايين النـاس وتنحسم بهذا الفهم أيضا التباسات كثير

تدفن في القبور، فمنها من مات غرقا ومنهم من أحرق وذر لم

رماده، ومنهم من افترسته الحيوانات أو تعفن وتحلـل، ومـنهم

81

من مات انفجارا في الجو بل وعلى سطح القمر حسب الحادثة

المشهورة، ومنهم ومنهم، فالكـل سـيخرج، بهـذه الـصورة،

ور طينية عريانا سواء دفن أم لم يدفن قبلا، كفن سيخرج من قب

د بذلك أرض المحشر، كمـستنبت زراعـيكفن، وتتوحي أم لم

لأبدان المبعوثين، سواء لمن طمر تحت ركـام جليـد سـيبريا

أو أحـرق وأندونيسيا وكندا، أو غرق في فيضانات بنغلاديش

فمبعثهم ومحـشرهم مـن في بمباي، أو دفن في أنحاء العالم،

أرض المحـشر (أرض العرب كما في الحديث النبـوي أنهـا

، هكذا كانت البداية وهكذا هي النهاية لذلك يؤكـد )1()والمنشر

كمـا بـدأكم (، و )104:الأنبيـاء ()كما بدأنا أول خلق نعيده (تعالى

ونودلالـة كـاف التـشبيه الآيتان، ود اتان، وه )29:الأعراف()تع

: والمحاكاة العربية، لا تعطي إلا الكيفية نفسها، الكيفية البدئيـة

، وقـال )48:الكهـف ()لقد جئتمونـا كمـا خلقنـاكم أول مـرة (

، الدر المنثور ؛ جلال الدين السيوطي، 194، ص3، جالتفسيرابن كثير، )1( ♦

وكذلك أوحينا إليك قرآنا (بل أن قراءة تسبر سطح هذه الآية . 112ص، 3ج

بيع لا رمالج موي تنذرا ولهوح نمى والقر أم ا لتنذربير7:الشورى)(ع( ،، وحيث "القرآن"، وحيث "العربية"ترسم ملامح خارطة المركز، حيث

" أم القرى"، وحيث "رسول الناس والعالمين) ص(محمد "وحيث ، "الوحي"لأنها في البقعة الأولى التي ظهر منها البشر الأوائل، ثم، بعد آدم وهبوطه،

، فهي أصل المجتمعات، الأقدم )القرى(صدر منها كل تجمعات الإنسانية لحجاز، والأول، فالمجتمع الأول كان هناك في تلك المغاور على سراة ا

الأخير سيكون هناك أيضا، لذلك كان المسلمون يحاكون يوم " يوم الجمع"و .الجمع هذا في موقف عرفة، الشبيه بالمحشر

82

ـالإ()فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مـرة ( ، )51:راءس

) حة قل يرل ما أوا الذي أنشأهيينا بالخلق ( وقال )79:يس()ييهأفع

ل هل بخل ـالأو س منفي لب ـ ـم ـ * دـق جدي ا ولقـد خلقن

والخلق الأول هنـا هـم البـشر ولـيس )16، 15:ق()..ان الإنس

ولقـد خلقنـا (ن قوله عاطفا بالفاء حي ) فلقد(الإنسان وإلا لقال

وضـرب لنـا (ليفيد أنه يسترسل في الحديث عنهم، و ) الإنسان

.)78:يس() خلقه قال من يحيي العظام وهي رميمىمثلا ونس

يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم (وكذلك

ر منغيخلقة وغة مضم من لقة ثمع من نطفة ثم من اب ثمتر

ثم ىمسل مإلى أج ا نشاءام محفي الأر نقرو لكم نيخلقة لنبم

نا عليها المـاء وترى الأرض هامدة فإذا أنزل .. نخرجكم طفلا

، وهذه الآيـة )5:الحـج ()اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج

حاكي البداية، هو تـصنيع مـن تـراب، وأنالبعث ي ترينا أن

الأرض هي الرحم الذي سيمر فيه الجنين البشري، سوى أنـه

هات، بل كمـا لن يخرج طفلا كما جرت العادة من أرحام الأم

ة يخرج رجلا وامرأة من رحم الأرض، موافقـا لقولـه ـالبداي

) .. ونجتخر كذلكا وتهوم دعب ضي الأرحيو* اتـه أنآي منو

ونتنتشر شرب إذا أنتم اب ثمتر من خلقكم* اتـه أنآي مـنو

)21-19: الـروم ()..ن أنفسكم أزواجا لتـسكنوا إليهـا خلق لكم م

83

وهذه الآية صريحة بأن الحقبة الأولى أخرجنـا مـن الأرض

بشر ينتشر ويدب تة تماما كما يخرج النبات، فإذا فجأة نحنالمي

هنا وهناك، فتلك آية ربانية مذهلة، ثم أعقبها بالآية الثانية حين

إناث البشر وذكورها، لتبدأ مرحلـة التـزاوج وهـي تعارفت

الحقبة التي عاصرها الآدمي وخاطبته الآية بها، وهما من آيات

االله الكبرى، والمنصف العاقل لن يجد محيصا من الاعتـراف

بدقة كلام االله وترتيبه، فالآية وبصراحة تعلن أن خلـق البـشر

، ثم في مرحلة لاحقة خلـق المنتشر المخرج كالنبات قد تم أولا

لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مـودة ورحمـة،

فهو الخلق الإنساني، من نفس الصبغة الجينية، ليـتم التوافـق

والاجتماعي والأسري قبـل . الروحي والعقلي فانتشار البشر تم

إلـى خلق الزوجين الإنسانيين، ومن لا يرى هذا جليا سـيعمد

تفكيك كلام االله وإعادة ترتيبـه، وتقـديم وتـأخير، وتـأويلات

. سفةعتم

الله(ولأن حقبة البداية نفسها هي حقبة النهاية قدم سبحانه قوله

هعيدي دأ الخلق ثمبي ونعجه ترإلي وعقـب )11:الـروم (في ) ثم ،

وهو أهـون الخلق ثم يعيده يبدأوهو الذي (ه ـه قول ـسبحان

ليط )27:الروم(في ) هـعبينهما تماما " الإنبات من الأرض "، ووس

. الآنفة)21_19:الرومآيات ( بدقة حسابية في

84

أو خلـق " (النشأة الأولى "فالتراث العربي الصحيح كان يعرف

يـث كيف حصلت، ويدرك أنها من طـين التـراب، ح ) البشر

خرجت البشر كالنبات، ولا أدل من ذلك أن نوحا قالهـا قبـل

، )17:نـوح ()والله أنبتكم من الأرض نباتـا ( عام 5000 أكثر من

فليست النشأة الأولى النشأة في الأرحام " النشأة الأولى "فهذه هي

لا نحـن خلقنـاكم فلـو (من النطفة والمني، فاالله حـين قـال

قوندتص* نـونـا تمم تمأيأفر * ـننح أم تخلقونـه أأنـتم

الخالقون* وقينبسبم نا نحمت ووالم نكمينا برقد نلى * نحع

ونلما لا تعفي م ننشئكمو ثالكمل أمدنب أن* لمع لقدو النشأة تم

، فقد أحال علـى علمهـم )62-57: الواقعـة () فلولا تذكرون الأولى

صلصال، وليـست /طين/ماء/بالنشأة الأولى التي هي من تراب

قد علمـتم فل"تلك التي تتخلق مما يمنون في الأرحام، وإلا لقال

الـسابق بالفاء ليكون عطفا وتفريعا على المعلوم " النشأة الأولى

المفيدة لعلم سابق خارج " علمتم"أي التخلق من المني، ولما قال

، فهذا يعني أنه أحـال 1بالواو" ولقد"سياق الكلام، أما وقد قال

على نشأة أخرى خارج الآية لكنها معلومة في العقلية التراثيـة

ي وبالإمكان تذكرها، وإن كانت ليست مشاهدة لديهم كنشأة المن

بالواو لا بالفاء ليدل " وما نحن بمسبوقين"ولخاصية الواو هذه قال أيضا -1 ♦

حق على عدم العجز عن الإماتة المذكورة أولا، وعلى البعث والإنشاء اللا .ثانيا

85

والأرحام، إذن؛ فالنشأة الأولى معلومة لديهم، كل الذي علـيهم

".فلولا تذكرون"هو أن يستحضروها

خلـق : والآية تشي بأن السلك الناظم بـين العمليـات الأربـع

الخلائق من المني، وتقدير الموت علـيهم، والإنـشاء الأخيـر

، وبرمجـة 1، والنشأة الأولى القديمة، سلك ورباط واحد )البعث(

، هو "ما تمنون " وهو "أفرأيتم"واحدة، أشارت إليه الآية بعبارة

الكتـاب "الخلية الأولى التي تحتوي على الشفرة الجينية، فهـي

، ومدونة التخليق والإماتة، وإن كان من سـر لمـوت "الحفيظ

الخلايا أو توقفها عن العمل فهو مخبوء كبرنـامج مقـدر فـي

فراتها، وقد كشف العلم حديثا بعضا من هـذا؛ سطور سلسلة ش

ث (الرابع فيه جينـة ) الصبغة(م الكروموسوأنتعنـى ) مـور

. جينة يحتويها500بطول الأعمار من أصل

♦ 1- الأسر، وهو السلسلة،هو المعب كما في التراث ( الرباط، ر عنه بشد

أي برنامج وقوانين تخليقية مقدرة ") اربط عليه صورة الآلهة"السومري ، )28:الإنسان)(نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا(

.وهو نفسه سلسلة الشفرة الوراثية الإنسانية، المدونة الجينية

86

نشأة الأرحام المعتادة

نشأة الأرض الأولى ثم الآخرة يوم البعث من بيوض الطين

87

:"تارة أخرى"الإخراج -5

بأنها تعني كرة بكيفية ثانية مغـايرة، " أخرى"لة إذا أمضينا دلا

نفـخ ثـم .. ونفخ في الصور (كما قوله ،"مغايرة"ونؤكد على

غيـر الكيفيـة " نفخة ثانية "، بأنها تعني )68:الزمـر ()..فيه أخرى

، الـدنيا الأولى، فالأولى للصعق والإماتة وسلب النفوس حياتها

، هـذا للإحياء، إذا كـان هـذا هي لعكس تماما والثانية على ا

منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنهـا : (سندرك لماذا قال سبحانه

كمى نخرجة أخر55:طه()تار( ،) ا خلقناكمل من ) منهبالإنبات الأو

بالـدفن :لتجـاوزا الآن نقـو ) وفيها نعيدكم (الطين كما قلنا،

. بالبعث والإنبات مرة ثانية ) ومنها نخرجكم (والموت الجسدي،

، ولماذا أضيفت هنا؟"تارة أخرى"لكن ما معنى

مرتين في كتاب االله، واختلفوا في أصل الكلمة " تارة"لقد جاءت

لكـن دلالـة ". طـور "الذي يبدو أنه " تور"فقيل أن أصلها من

نظر عن أصلها، معروفـة فـي منطـق الفهـم بغض ال " تارة"

المغـايرة : والسياق الاستعمالي العربي، فهـي تفيـد أمـرين

، "مرة" التغاير لا يمكن استعمالها في موقع ولإفادتها ؛والتكرار

فالفعل بكيفية واحدة لا يمكن أن تقـوم بـه تـارتين أو ثـلاث

، )101:التوبـة ()مرتينسنعذبهم (تارات، بل مرتين وثلاث مرات

مـن (، ولهذا السبب جاء )80:التوبة()إن تستغفر لهم سبعين مرة (

88

كمنا قل الذي فطرعيدةيرل مـا ( و)51:الإسراء()أوونا كمجئتم لقد

ة خلقناكمرل مل م )48:الكهف()أوخلق أو ة هو تماما كخلق ، لأنر

ثاني مرة، كلاهما من قبور طينية، ولو قال أنه خلقنا تارة أولى

ولهـذا ؛ كذا، لكان كيفية خلقنا في التارة الثانية حتمـا مغـايرا

لأن كليهما يفيدان التغـاير " أخرى"مع " تارة"السبب تيسر دمج

).كما أسلفنا(

إنه أمر مغاير حتما، ؟"خرىالإخراج تارة أ "إذن؛ ما الذي يقابل

بموتنـا خروجنا من الأرحام الذي ينتهـي هو: وتجاوزا نقول

منها نخـرجكم تـارة (، هو الذي يقابل )وفيها نعيدكم " (الدفن"و

ث واحد، كما قلنا، بل لمتكرر لا تأتي لحد" تارة"لكن . 1)أخـرى

، ل، دخـو خروج: حدث مرتين أو أكثر، فهنا في بطن الأرض

، فـنلاحظ أن دخولدخول، خروج، : ، وفي مثال البحر خروج

تعلقت بالحدث الثالث المغاير للثـاني، والمتكـرر عـن " تارة"

:وفائدتها، أي" تارة"الأول، وهذا بالضبط عمل

أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح (-1 ♦

غرقكمتارة"، هذه هي الـ)69:الإسراء)(في " الثانية في القرآن كله، لاحظ أن، لا "الخروج منه والنجاة"، هو "الإعادة في البحر تارة أخرى"ل الذي يقاب

، فهناك دخول البحر أول مرة، خروج منه، دخوله تارة "دخوله أول مرة"دخوله "، لقابلت "دخوله مرة أخرى"أخرى وهي تقابل الخروج منه، ولو قلنا

".في المرة الأولى

89

)ا خلقناكمكم() = منهمنها نخرج(

)منها نخرجكم(× ) نعيدكمفيها (

تارة منها نخرجكم، وتارة في الأرض دخلكمن: الأمرفكأن.

، ونخرجكم مـن )أرحام(وأنتم موجودون بعدما خرجتم بطريقة

. أخرىالأرض بطريقة

فالخلق الأول من الأرض هو للجنس البشري الأول كافـة، لا

كما يتصور أنه لآدم، فلذلك جاء ضـمير المفعـول المخلـوق

كما صوره الفهم التـوراتي، بجبـل بالجمع، أما كيفيته فليست

المخلوق البشري فضلا عن الإنساني من تراب، بل كما يمكننا

تماما وبالدقة نفسها تصور عملية الإعادة للبعث، إخراجا كمـا

... ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا بـه جنـات (النبات

.، الصورة هي هي)11-9:ق() بلدة ميتا كذلك الخروجوأحيينا به

منهـا (أفادت خروجا من الأرض " تارة"على أنا فهمنا آنفا أن

منهـا (، ثم خروجا آخر )فيها نعيدكم (، ثم دخولا فيها )خلقناكم

ب هذا كما بينا فيما سـبق، ش يكذ ا، ولكن الواقع المع )نخرجكم

لايين لم يدفنوا، بل أحرقوا، والبعض مات في الفضاء فهناك الم

التي أدركنا مـن " فيها نعيدكم "وفي خارج الكوكب، فكيف نفهم

؟"منها نخرجكم"أنها العملية التي تغاير " تارة"كلمة

90

هذا أمر لم يتوقف أحد ليسأله، وهو نفسه السر الـذي تكـشفه

: فهي تعمل بوجهين" نعيدكم"كلمة

وجه يعني الإدخال في الأرض ليقابـل الإخـراج الأول مـن

، وهذا الوجه يفيدنا أنه يعزز أن الخلـق )الخلق البدئي (الأرض

الـدفن أو (البدئي كان إخراجا سيقابله بعدئذ إدخال في الأرض

وانطـلاؤه لكن سيادة هذا الوجـه ). التحلل إلى عناصر التراب

.ل المطروحهو الذي أفضى بالإشكا

إعـادة )rebuilt/recreate (هـو " يعيدكم"الوجه الثاني لمعنى

تخليق وتركيب ذرات وخلايا وأعضاء الإنسان نفـسه، وهـو

قـل يعيـدنا فسيقولون من (الذي عناه المنكرون نفس المعنى

الـذي ، فهم لم يقصدوا الوجه )51:الإسراء()الذي فطركم أول مرة

!! ليسألوا عن هوية الدفان ! قطعا" من يدفننا في الأرض؟ "معناه

".من يعيد تخليقنا بعد انفنائنا؟"بل

فبهذا الكشف، تتضح الخارطة كلها ويـزول الإشـكال، أن االله

صنعنا في طين الأرض وأنبتنا منها لنخرج في البدء، ثـم لـو

" إعادتنا" زحل، فسوف يتم متنا أينما متنا ولو في المريخ أو في

في طين الأرض، لنخرج مرة ) بمعنى تصنيعنا (في نهاية الأمر

وهذا بالتمام ما أفـصحته الآيـات . ثانية كما خرجنا أول مرة

ثم يعيـدكم فيهـا ويخـرجكم *والله أنبتكم من الأرض نباتا (

91

فـي " أنبـتكم "بين " ثم"مل كيف جاءت ، فتأ )18، 17:نوح()إخراجا

المستقبلية، وهي حقبة قد تكون امتدت " يعيدكم"الزمن السحيق و

ما من لملايين السنين، ولكن"التـصنيع " (الإعادة"أتت بين " ثم

-، لأن الإخراج سيعقب الإعادة "الإخراج"و) في باطن الأرض

الطينية والمستنقعات مباشرة، فالأرض -التي هي التخليق نفسه

.إذا كانت مصنع النشوءات طرا

فهل من المعقول أن التراث العربي القديم الصحيح يعرف كـل

والله أنبتكم (هو الذي قال الآية الآنفة ) ع(هذا؟ نعم، لأن نوحا

) ع( لقومـه، واسترسـال جـواب موسـى )من الأرض نباتا

منها خلقناكم وفيها نعيـدكم (تنا المستهلة لفرعون هو حديث آي

.المحاكية لمقالة نوح تماما) ومنها نخرجكم تارة أخرى

:القرآني" الإنسان" مصطلح - ثالثا

، تعني ذلك الكائن الاجتمـاعي الـواعي "الإنسان"إن مفردة

ه الروح، فتميز ليتطور إلى المكلف الذي عدل جينيا ثم نفخ في

ه ومعرفة الكـون ووعـي ذاتـه ودوره الـساميمعرفة رب

المعهود له به، وهي تشمل آدم الإنسان وذريته بالـضرورة،

بينما نلحظ المفسرين يلوون هذه المفردة في التفاسير، حيـث

92

دأبوا أن يخصوا بها ذرية آدم فقط دون أبيهم آدم، ليتخلصوا

، فهـذا )النطفـة (ض مع اعتقادهم، لاسيما في آيات من التناق

إنا خلقنـا ( :يقول تعليقا على قوله تعالى ) ره(الإمام الطبري

ذريـة آدم أي إنا خلقنا : ()2: نسانالإ()نسان من نطفة أمشاج الأ

فالإنسان هو ذرية آدم فقـط، ولا نـدري كيـف )! من نطفة

! الإنسانية وهو سببها ومصداقها الأول الأكيد؟استثني آدم من

ذلك لأن الفهم التقليدي الدارج لم يفطن كيف أن آدم خلق من

نطفة وأمشاج ومني، فقاموا بإخراجه منها، مـع أن الآيـات

تنطبق أول ما تنطبق على آدم ثم من تفرع عنـه، فاللـسان

قـة بـلا هـوادة، أن العربي القرآني بنظمه يخبرنـا بالحقي

" الرحمن"خلق الإنسان، أي بعناية تدبيرية خاصة، و " الرحمن"

مرة، وهي مفهوم معرفـي واع 57مفردة وردت كصفة الله

ليتعامل به، فـالحيوان ) الإنسان مثلا (موهوب للكائن الواعي

، يدرك فقط نظامه الخاص به وبرنامجـه "الرحمن"لا يعرف

ر (الطبيعي هأيولـذلك قـال "الـرحمن "، ولكن لـيس )ب ،

الكافرون حين سفل إدراكهم ووعيهم إلـى حـدود الطبيعـة

وما وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا (وحضيض الغرائز

نمح60:الفرقان()؟الر( . خبرنا القرآن أيضا وبإصـرار أنكما ي

خلقه من طين، وخلق مـن بدأ - لا بني آدم فقط -" الإنسان"

93

صلصال، وخلق من نطفة، ومن أمشاج، ومن علـق، ومـن

، )37:القيامـة ()نطفة من مني يمنـى (سلالة، وأن الإنسان كان

ودقتها، تحتمان " الإنسان"فالاطراد القرآني، وخصيصة معنى

ج منها، " آدم"أنبـل داخل في كل هذه المعادلات ليس بمخر

بعضها لا يعني إلا إياه بالخصوص، أما كيف؟ فسنأتي إلـى

:تفصيله في البحث، والآيات هي

)28:النساء()وخلق الإنسان ضعيفا(

) 26:الحجر()ولقد خلقنا الأنسان من صلصال من حمأ مسنون(

) 67:مريم()ناه من قبل ولم يك شيئا يذكر الأنسان أنا خلقأولا(

ــلا ( ــاتي ف آي ــأريكم ــل س جع ــن ــسان م ــق الأن خل

)37:الأنبياء()تستعجلون

)12:المؤمنون()ولقد خلقنا الأنسان من سلالة من طين(

) ـدبو ء خلقـهكل شي نسالذي أح ان مـنأ خلـق الأنـس

)7:السجدة()طين

) خـصيم ـونطفـة فـإذا ه من أنا خلقناه انالأنس ري لمأو

بين77:يس()م(

) 3-1:الرحمن()خلق الأنسان. ..الرحمن (

)14:الرحمن()خلق الأنسان من صلصال كالفخار(

)19:المعارج()إن الأنسان خلق هلوعا(

94

إنا خلقنا الأنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلنـاه سـميعا (

) 2:الإنسان()بصيرا

)4:البلد()لقد خلقنا الأنسان في كبد(

)4:التين() تقويملقد خلقنا الأنسان في أحسن(

)2:العلق()خلق الأنسان من علق(

ولو أجلسنا أمامنا أي مسلم أو عاقل وأسمعناه شـريف قولـه

بـشر ومن آياته أن خلقكم من تراب ثـم إذا أنـتم ( :تعالى

ونالذي خلق م (،)20:الروم()تنتشر وهاء والم شرانب لـهعفج

" بـشر "هل كلمة : ثم سألناه سؤالا ، )54: الفرقـان ()نسبا وصهرا

أنـه كـائن : لأجاب كل من سئل توحي بكائن حي أم جماد؟

ق القرآن جوابهم هذا، لأنـه فـي كـل وولصد ،رودات حي

وحسب آية . مرة أتى بها بمعنى الكائن الحي 37المفردة الـ

البشر المخلوق من التراب، والماء، أن الروم والفرقان أعلاه،

هو كائن حي، ينتشر ويتزاوج، أي هو كما نحن تمامـا، بـل

وإذ قال ربك ( :فإذا جاء تعالى، ليقول . لا ننس هذا ،هو نحن

للملائكة إنـي خـالق بـشرا مـن صلـصال مـن حمـأ

نونمـشرا ( و ،)28:الحجـر ()سلائكة إني خالق بللم كبإذ قال ر

فهذا البشر المخلوق، كائن حي بالضرورة، . )71:ص()من طين

: وليس جمادا وتمثالا، ولو كان جمادا لكان ينبغي أن يقـول

95

مـن أني أخلق لكم (كما قال عيسى ) إني خالق كهيئة البشر (

، لكـان "طيرا) "ع( ولو قال ،)49:آل عمران ()الطين كهيئة الطير

يطير ككائن حي ولـيس تمثـالا .عليه أن فالبشر كائن حي

جامدا، وإلا له الحق من يزور متحـف الـشمع، أو أمـاكن

لقد رأيت الكثير من : المنحوتات والمجسمات أن يقول صادقا

!!البشر

كائن حي ولـيس جمـادا كمـا يـزعم " البشر المخلوق "لا،

بل أنتم بشر ممن (التوراتيون، واالله يرد عليهم بالمنطق نفسه

فهـم . كغيركم" بشرية"، أي مجرد كائنات حية )18:المائدة()خلق

ليسوا تماثيل، كزعمهم في بداية الخلق البشري، الذي هو آدم

، فعملية خلـق "بشر ممن خلق " "لق بشرا خا"فلاحظ !! لديهم

البشر أي جعله كما نحن، هي غير عمليـة نحـت قالـب أو

.هيكل طيني أو شمعي أو تمثال بهيئة بشرية

سبحانه في سـورتي هذا الكائن الحي المخلوق البشري يعقب

فيه من فإذا سويته ونفخت (بالعبارة نفسها " ص"و " الحجر"

اجدينس وا لهوحي فقعاه "، )رة، " إذا"، "فإذا سـوالمـستقبلي

دمنتشر بع حي طـين " خلقه بشرا "فهناك جنس بشري مـن

التي " إذا"، ينتظر )حسب آيتي الروم والفرقان (التراب والماء

96

النفخ في الروح، لتسجد لـه الملائكـة " إذا"للتسوية، وينتظر

.بعدئذ

: الإنسان اللامذكور دهرا-رابعا

هل أتى على الأنسان حين مـن الـدهر لـم يكـن شـيئا (

هنا هي " هل: "يقولون وما أكثر ما يقولون، )1:الإنـسان ()مذكورا

والحال المؤسف أنه ما من عربـي يـستعمل أو ". قد"بمعنى

" قـد "انه قد استعمل الحرف ، واالله سبح "قد"بمعنى " هل"يفهم

! في مئات المواضع، فما كان أيسر استخدامه هنا

إن مجرد الظن بالإبدال يلغي فكرة إحكام القـرآن، ويجعـل

كلام الناس فوق كلام االله، ويجعل القرآن محكوما لا حاكمـا،

ويجعل فكرة الإتيان بمثله بل بأحسن منه أمـرا مستـساغا،

يا ومبهما بل وتعمية لا بيانا، ويـصيرنا ويجعل القرآن احتمال

ررين المتنـازعين نهالحاجة لطبقة مـن المفـس اء في أمس

ها بمعنى شـيء آخـر، " قد"هي بمعنى " هل"يعلمونا أيوأي

وبالنهاية تحويل آيات القرآن إلى لغز لا يـدرك حلـه أحـد

ابليتـه المتدبرين بل نهبا للآراء، وفي الأخير يفضي بعـدم ق

للاستخدام بالمرة لأننا سنسير إذاك علـى أرض ملغومـة لا

97

لينقلـب سـؤال "قد"قد تنفجر في وجهنا بـ " هل"ندري أي ،

ربما عذر بعض المفسرين أنه ). قد(إلى إثبات وتحقيق ) هل(

ركن إلى رواية في هذا الشأن، لكنه بدلا مـن التفكـر فـي

حرفين من كتاب االله وأخـل الحقيقة وفي سر الرواية، مسح

.بنظامه الصارم المحكم بجرة قلم

إذا عرفنا أن الخلق هو غير الإبداء والابتداع من عدم بل هو

تغيير في الماهية والصورة، فالآية تخبرنـا أن هنـاك قـوة

ربانية خالقة تقول بأنها على عاتقها تم خلق الإنسان من نطفة

؟ هي تفتح الـسؤال للمخلـوق أمشاج، فمتى كان هذا الخلق

الإنساني أن يبحث بنفسه بأداة تحثه على طلب هذه المعرفـة

ليعرف أصله ويدرك النعمة، هي حقيقة تعرفها القـوة ) هل(

، لكن القرآن ) أتى على الإنسان حين من الدهر قد(الخالقة أنه

معد للإنسان لا للرب، فللإنسان أن يتساءل ما دام هو لـيس

خلـق (كيف خلق؟ : ا خالقا رب مم اننظر الأنس5:الطـارق ()فلي(

ليعرف نفسه ضمن الكون والمخلوقات التي فيه، ولا عجـب

أن سميت هذه السورة بسورة الإنسان، وسورة الدهر، لأنهـا

ل حـين لـميرجع بالبحث في الدهر الأو تستحث الإنسان أن

ورا، فصار مذكورا، وأعطي الـوعي يكن الإنسان شيئا مذك

.والمشيئة ليشكر أو يكفر

98

هل أتى على الإنسان حين من الدهر لـم : (ونص الآيات هو

كنذكورا يئا مـشاج * شينطفـة أم مـن انإنا خلقنا الإنس

ما شاكرا نا هديناه السبيل إ إ * نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا

فمن عجيب الدقة القرآنية أن تغييـر . )3-1: الدهر()وإما كفورا

كلمة واحدة أو حرف تقلب الأمر رأسا على عقب، والقـرآن

كتاب الكون والحق والتاريخ، فلا يمكن إلا أن يصف الحقيقة،

الحقيقة فـي " صياغة"ليس الحقيقة في كلمات، و " انبثاق"إنه

كلمات، أي هو انسباك طبيعي عفوي، لا اصـطناعي، هـو

فقط تصور لو بـدلنا فـي الآيـة . انعكاس لا رسم وتصوير

فوضـعنا الـضمير ..) من نطفـة اهإنا خلقن (الثانية لتكون

، بل الحق، ربما بدا للقـارئ )الإنسان(بدلا من الاسم ) الهاء(

ض أولى وأخصر، فلا حاجة لتكـرار مفـردة أن هذا الافترا

في الآية الثانية لأنها معلومة مذكورة مـن الآيـة " الإنسان"

. الأولى

بعض الفطنين للمستوى الإعجازي القرآنـي يفتـرض أن إن

تعمـل ) أكثر من آية متتامة(آيات القرآن أو الوحدات القرآنية

يـات التـي لوحدها أيضا بغض النظر عن سياقها وعـن الآ

حولها، فبناء على منهجه نستطيع القـول أن حـذف مفـردة

من الآية الثانية يصير الآية غير صالحة للعمل حال " الإنسان"

99

إنـا هـديناه (ة ـة الثالث ـا مفردة، لاسيما وأن الآي ـانتزاعه

والتي أقيم فيها الضمير هـذه المـرة بـدلا مـن ..) السبيل

هذا مـنهج حـسن .الآية الثانية الظاهر هي جزء من وحدة

. ورصين يستحق الثناء والأخذ في الاعتبار

لكن المتدبر في خصوص الآية الثانية يرى أن تغييب مفـردة

فيها سيضطره لإلحـاق الآيـة الثانيـة بـالأولى " الإنسان"

تحيل إلـى ) وهو الهاء المبدلة فرضا (ضرورة، لأن عائدها

نسان الآية الثانية هـو إنـسان الآيـة الآية الأولى، فسيكون إ

الأولى أخرج من العدم أو من الفراغ، فتصبح الآيـة الثانيـة

شرحا للأولى لا استئنافا منفصلا، وهذا سيقلب الآيـة علـى

عقبها ويمحو المعنى المستقل الذي في الآية الأولـى أيـضا،

لى هـو في الآية الأو " الإنسان"بينما .والآخر الذي في الثانية

في الآية الثانية هو " الإنسان"نحن، الجنس الإنساني برمته، و

أي أن هذا . أصلنا، الذي أنهى حقبة اللامذكورية لجنسنا " آدم"

النسق القرآني المدهش يخبر الإنسان القارئ للقرآن الـواعي

أنه في الآية الأولى كان حينا من الدهر شيئا ) أنا وأنت (لذاته

، أي ليس بإنسان، هو غير مكلف، لا يذكر لا بإيمان لا يذكر

ولا بمعصية، لا يذكر بقبيح ولا بحسن ولا مآثر تذكر، هـو

ضمن رعايا الطبيعة والتـسخير لا فوقهـا، عقلـه مـسخر

100

للغريزة، لا مسخر لها، لا يبدع شيئا ولا يلفت الملأ الأعلـى

بانتبـاه ووصـال، هـو إليه لا بحسد ولا بثناء وإعجاب ولا

، ")بصيرا"وليس (والنبات والحيوان واحد، يبصر كما البهائم

، لـم تـنفخ فيـه روح ")سـميعا "وليس (ويسمع كما البهائم

إما شـاكرا وإمـا (ويوضع فيه عقل وتطلق له مشيئة ليؤول

بل كان طائعا بالطبيعة كمجموعة غرائز يفكـر بهـا ) كفورا

كحال كل البهائم وإن كان أحـذقها وأعلاهـا وتديره بالكره

بلا بعث له ولا حساب عليـه " الدهر"وأشدها تطورا، يهلكه

ولا عتاب ولا كتاب، هذا الذي نجده في الأحافير أسبق مـن

عشرات الآلاف من السنين كبشر النياندرتال والبشر الـذين

بـل " إنـسان بكـين " "إنسان جاوه "سبقوه، وليس كما يقولون

. بشر

لـو بحثـت بعمـق : فالآية الأولى تخاطب الإنسان لتقول له

كان دهرا لا شيء يذكر، لأنـك ) البشري(لعلمت أن جنسك

إيتانـا "وهذا ما سنراه توضحه أسطورة . حينها لم تكن إنسانا

.البابلية لاحقا" والنسر

101

ولكن، متى صار الإنسان إنسانا؟

" الإنـسان "الآية الثانية، لذلك كـررت مفـردة هذا ما تبينه

للتباين، ولم تعوض بالضمير، فالإنسان قد بدأ خلقه في الآية الثانيـة

فقط، من ذلك الشيء الذي أشير له في الآية الأولى تعـيش سـلالاته

دهرا، ذلك المخلوق البشري النكرة اللامذكور الضائع في أحقاب مـا

ثار ولا مآثر، وهذا ما بينته آيات سورة البقـرة فـي قبل التاريخ بلا آ

اختصام الملائكة في آدم أنه كان من جنس همجي بهائمي في وصفهم

، )من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك (له

العبارة تشير إلى أن المجموعة البشرية كانت لا تعي التسبيح والحمد

ة للتدبير والاستخلاف، مجموعة فطريـة غيـر والتقديس وغير لائق

واعية تحكمها الغرائز، كغريزة الصراع والاقتتـال مـع الكائنـات

.الحيوانية ومع بعضها من أجل البقاء، لا غير

حين " البشر "هل أتى على (لماذا لم تقل الآية : فلو سأل سائل

؟"نـسان الإ"موضع " البشر"، بوضع )من الدهر لم يكن شيئا مذكورا

:لأجبنا

إنـا : (وماذا سنقترح بعدئذ للآية التي تليها، هل هـي أيـضا : أولا

، )فجعلناه سميعا بـصيرا .. من نطفة أمشاج " البشر "خلقنا

ن، وإنر الموضوع بـين الآيتـينفترض هذا تغي لم فإننا إن

102

افترضناه فالحكم خاطئ، لأن البشر كانوا مخلوقين منذ دهر،

متمثلا فـي " الإنسان"ذا المذكور كيفية خلقه للتو إنما هو وه

.بدايته آدم

أن االله سبحانه لا يخاطب إلا الإنسان، لأن أداة التواصل مـع : ثانيا

وح -الربخاطبـه بكفـره أو -وهي الرت فيـه، يضـعو

" المـذكور منـه "التي تعني الفصيلين " بشر"بشكره، فلو قال

وهو الهمج، لكان الخطـاب " اللامذكور منه "و الإنسان، و وه

خاطئا بتعميمه؛ لأنه خاطب المختار الـذي عقـل الألوهـة،

والمكره الذي لا يعقلها، بأن يفتش في أحقـاب دهـره الأول

ليرى بدائيته وهمجيته ونسيانه من الملأ الأعلى، فالثـاني لا

ولا مكلف والخطاب معه عبـث يصح عليه ذلك، وليس بواع

لأنه لم يتغير حاله في الزمانين، لذلك لا ترى في القرآن كله

خطابا إلهيا مع بشر، تراها كلهـا مـع -فعلا" كله"ونعني -

أن ،أحـدها " هل أتى علـى الإنـسان "، وآيتنا هذه "الإنسان"

:هو الذي" الإنسان"

. رآنيدعو ربه في كل آيات الق -

البر منـه والفـاجر، الـشكور منـه ،سيبعث ويحاسب -

. والكفور

103

عاداه الشيطان وأضله وجعله يكفـر ليـدخل النـار مـع -

. الداخلين

يوصيه سبحانه بوالديه إحسانا، وبأن يشكره، ولا يـشرك -

. هـب

. أما البشر الهمج فتركوا سدى، لن يترك سدى -

- لاقيهكادححا فمه كدإلى رب .

.أيضا" علمه البيان"و، علمه الرحمن ما لم يعلم -

. خلق في أحسن تقويم -

. عليه أن ينظر ويتذكر ويتفكر ويبصر -

له متلقيان ملائكيان يسجلان أقواله وأعماله لينبـأ يـوم -

.الحساب بما قدم وأخر

الربانية بعـد عرضـها وكـان وحده الذي حمل الأمانة -

. ظلوما جهولا

الخليفة، ولم "الإنسان"فالملأ الأعلى لم يختصموا إلا في ذكر

الذين خرجوا جماعات أول الدهر " البشر"يختصموا عند ذكر

فهل يعقل أن يطلب سبحانه من فـصيل البـشر . ككل حيوان

مذكور؟ هـو الهمج أن يفتش في ماضيه ليرى متى كان غير

104

كان وهو للآن غير مذكور، لم يتغير شيء بشأنه، وللآن هو

، ولا يستطيع أن يستوعب )لو كان للآن موجودا (فاقد للروح

في ذهنه معنى الزمان والمكـان ليبحـث فـي التـاريخ أو

المستقبل أو في الأكوان والفضاء، تلك خصيصة اختص بهـا

عـل الفصيل الآخر من البشر الذي أيقظ فقط، هـو الـذي ج

"الإنسان "مذكورا بنفخ الروح، فالمذكورية تميز ميزت البشر

عن أسلافه البشر الهمج، وهذا هو المطلوب منه أن يرى تلك

الحقبة الطفولية من أصله، بل وقد خوطب ليتوغـل لأعمـق

منها ليرى لحظة ولادته الكونية حين كان لا شـيء، وذلـك

بل أن يكون شيئا لا مذكورا، يتوغل ذهنيا وبحثا مـن بزمن ق

" شـيء لامـذكور "الآن كإنسان، إلـى " شيئا مذكورا "كونه

في الطين، حقبة خلق كائنات أصـله " لا شيء "كهمج، ثم إلى

: الأول في ذلك الطين العجيب، في قوله تعالى للإنسان نفسه

.)67:مريم()ا خلقناه من قبل ولم يك شيئاأولا يذكر الأنسان أن(

فكر، هـل : هل يصح أن تقول لقروي هو للآن قروي :والآن

مر عليك دهر لم تكن مدنيا؟ هذا كلام لا منطـق فيـه، ولا

هل مر عليك أيها المدني دهر : ولكن تقول لمدني ذلك .طائل

.نعم، حين كنت قرويا: حيح، وجوابهلم تكن مدنيا؟ فهذا ص

105

لأن الآية، تخاطب الإنسان الذي منح هبة المذكورية بـالروح : ثالثا

ليذكر ربه ويعي دوره، أنه قد يفقدها بتفريطه فيها، فيعامـل

معاملة هؤلاء الهمج بل أشد، مثلما نسمع عن الحساب حيـث

ائم التـي تمثلوهـا فـي يحشر بعض الأفراد في صور البه

حياتهم، وهجروا توظيف الروح، فيكونون في الحـشر كمـا

ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا (قال تعالى

ونجعرلا يا وضينوا )67:يس()مخون على الهيئة التي تكومسي ،

أولئك لا خلاق لهم فـي (ن فيها وتشكلوا عليها، ثم لا يذكرو

الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إلـيهم يـوم القيامـة ولا

كيهمز(، وقال )77:آل عمران ()ي لـه ذكري فإن نع ضرأع نمو

قـال رب لـم *معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمـى

قال كـذلك أتتـك آياتنـا *حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا

، فالشاهد، أنه عـاد )126-124:طه()فنسيتها وكذلك اليوم تنسى

غير مذكور، عقوبة؛ لا يكلمه الرب، ولا ينظـر إليـه، ولا

ثم ،شر أعمىحزكيه، ينسىيي .

،ل الشيطان إرجاع الإنسان إلى أصـله الطينـيلذلك كان فع

اللاذكر، ليكون في النهاية لامذكورا مـرة ثانيـة فيتحـسر

لقد أضلني عن الـذكر بعـد إذ (الإنسان لائما الشيطان بأنه

ـ()جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا فالإنـسان .)29:انالفرق

106

وح فيه شيئا، هو بشرينتفع بنفخ الر ز عن البهائم، لماللامتمي

همج، ولو لبس أرقى الألبسة وأذوقها، وتكلم بـأحلى الكـلام

وأعذبه، وركب أفخم المركبات وأعقدها، مادامت حياته يأكل

ويشرب وينكح وينام وهمه أن يفترس أي شيء ليعيش، بـلا

اخلي منه ولا أخلاق، ناسيا ربه، هـو فـي الفـرز ضابط د

ر، بالمعنى الحقيقييتطو أولئك الأسلاف ولم الدقيق، من .

؟ "الإنسان"فكيف خلق

، أنه خلـق "الدهر"أو " الإنسان"تجيب الآية الثانية من سورة

ف جينيغـزل )أمشاج.. نطفة (بتصرخلـط ويوالأمشاج هي ما ي ،

في لسان العرب لرأيـت " مشج" بين شيئين ولونين، ولو راجعت بدقة

غزول داخل بعضها في بعـض، : أمشاج وأوشاج : قول الأصمعي

الأمشاج الأخلاط؛ لأنها ممتزجة من أنواع، ولذلك : وقول ابن السكيت

اختلاط مـاء والمشيج: يولد الإنسان ذا طبائع مختلفة، وقال ابن سيده

كل لـونين اختلطـا، : الرجل والمرأة؛ واتفقوا أن أصل الأمشاج هو

ولا نجد في الإنـسان غيـر الكروموسـومات . وكل شيئين مختلطين

" صـبغة "تكون نتيجة مزيج بين لونين من الخصائص أي ) الأمشاج(

، ونصفها من ) منها 23(، حيث نصفها من الرجل )ومن ماء أب وأم (

، وهي مخـزن الطبـائع الموروثـة المختلطـة ) الأخرى23(لمرأة ا

107

من الوالدين كما عبر ابن السكيت، وصورتها كما بين العلـم ) صبغة(

هـي " صبغية"وكلمة .كما عبر الأصمعي) الجديلة(حديثا تشبه الغزل

التي هـي CHROMOSOMEكرموسوم /ترجمة لكلمة كروموثو

اللغات الأجنبيـة كروموسـوم، فكلمـة أصلها عربي ثم صارت في

" قرمـة "كرومـو لفظـا بالـسريانية و : هي الأصل وهي " كرومو"

صـارت فـي الفهـم " الـصبغة "وكما أن . أصل/صبغة: بالفصحى

في اللغة العربية أيـضا " الخلق الحيوي "المتداول طلاء، فالصبغة هي

من أحسن من الله صـبغة صبغة الله و : (أو كما يقوله القرآن الكريم

ونابدع له ننحأحسن مـن االله )138:البقرة()و نز ومخلق االله المتمي أي

" صـبغيات "أيضا تعني صبغة، فندعو الجينات " البويا"فكما أن . خلقا

وحياة، إلا : تعني" بويا"وهي كلمة صحيحة، فإن صبغة وخلق حيوي

مع الاستخدام اليومي العامي البسيط تستخدم في الطـلاء أنها صارت

فقط أي في الدهان، بينما هي في الأصل تعني صـبغة، فمـن هـذه

-BIO - 1علم الحيـاة " ( لوجي -بيو"ذهبت أوروبا وصارت ) البويا(

LOGY (كلمة بويا هي إغريقية ظنا أن .(!

♦ 1- لوغوس/ لنغو / لوغي / لوجي "وأيضا فإن-Logy " أصلها عربي

.كما اشتهر خطأ" علم"، وليس "لغة"وتعني

108

واحد" كروموسوم" وشريط لنواتهاصورة توضيحية للخلية و

أخص من الـ " مشاجأ"فعودا إلى الآية، واضح منها أن الـ

الخليـة المائعـة (، إذن؛ هي شيء لابد أن يوجد في النطفـة "نطفة"

.. نطفـة (فعلى هذا، ينتفي الوهم الذي يلحق هـذه الآيـة ). الأولى

نطفـة إذا / نطفة مـن منـي يمنـى (ويصيرها نفس آيات ) أمشاج

، ذلك أن كل آيات نطفة المني التي محـضنها الـرحم كانـت )تمنى

) آدم(شفرتها جينات إنسانية ثابتة متوارثة، أما تخليق الإنـسان الأول

ف وتعديل جينيفقد كان بتصر ،هندسـة (بتحويله من الكائن البهيمي

بنو(، فالإنسان الأول خلق من أمشاج، وبنوه )ربانية جينية بلغة اليوم

الصبغة الجينية من أبيهم الأول، لذلك نـرى / ورثوا هذه الخلقة ) آدم

109

" له سـمع وبـصر "وليس فقط " سميع بصير "تحول آدم المباشر إلى

كحال الآدميين مثلنا، فهذا السمو والنقلة في الوعي اختص بها الكائن

) أمـشاج (فسرت مباشرة بكلمـة ) من نطفة : (فقول كتاب االله . الأول

لى نحو تفصيل أكثر وللدقة، ولكن لنتريث قليلا، فليس هكذا سريعا، ع

فيستغني بالدقة والمباشـرة ) من أمشاج (إذ لم لم يقل سبحانه مباشرة

؟ ذلك، لأن هناك سـرا فـي "نطفة"عن الزيادة والعموم، ويلغي كلمة

وإضافتها فما هو؟" نطفة"وضع كلمة

1ية الأولى الخارجـة مـن تـراب الأرض أن المخلوقات البشر -1

والمخلوقات الثانية أيضا أي نحن البشر الإنسان الخارجة مـن (

قابلـة (بدأ كل منها من نطفة، أي مـن خليـة أولـى ) الرحم

، وكذلك الإنسان في طـور الـرحم يبـدأ )للإخصاب والتكاثر

ـ (بالنطفة أيضا، فآدم الإنسان الأول بدأ بالنطفة ى الخليـة الأول

الآية التي تبين هذا في سورة فاطر، التي تشير إلى الفطر الأول بقوله -1 ♦

والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من (تعالى هنا ليست تلك التي في " نطفة"، فالـ )11:فاطر)(ولا تضع إلا بعلمهأنثى

" نطفة"من ذكورة وأنوثة ينبغي أن تسبق " أزواج"الرحم، لأن مرحلة الـ الرحم لا أن تعقبها في ترتيب الآية، بل الأولى فهمها كمراحل الانبثاق

با أولا، ثم بعد دهور، بعد أن البشري، بيولوجيا الخلق البشري، إذ كان تراصار التراب طينا وسلالات طينية، تكونت من عناصره الخلية البشرية

، في الطين، ثم انقسمت عن خلايا جنسية "نطفة"، وهي الـ )البذرة(الأولى ثم جعلكم (لتكون بعد أحقاب مديدة الرجال والنساء وهي المعبر عنها

، وظلت إلى الآن هذه الأزواج، التي بدأت من نقطة تاريخية تنسل )أزواجا ).وما تحمل من أنثى ولا تضع(البشرية عبر أرحام إناثها، المعبر عنه

110

فالإنسان في كلا الحقبتـين . حينما لم يكن شيئا مذكورا ) المائعة

كيفمـا ) خلية حية أولـى (بل وكل الكائنات الحية تبدأ من نطفة

.كانت الطريقة الحاضنة خارج الرحم أو داخله

أو النطفة البدئية التي خلـق (الأولى ) أو الخلايا (يبدو أن الخلية -2

التي استنسخت نفسها بالانقسامات حتى صار ، تلك )منها الكائن

للكائن الحي جسم مكتمل بخلايا متعددة الوظائف، يبدو أن تلك

نة، إذ يلوح أنعها العلم بصبغة معيلو تتب خاص ة لها سرالخلي

في " الكرموسومات/الأمشاج"الكامنة في (تغيير الشفرة الوراثية

، فتغييرهـا ) الإنـسان تريليون خلية هي مجموع خلايـا 100

عبرها هو الطريق المختصر لتعديل كل الخلايـا سـواء قبـل

.الإنسان الأول - وهذا ما حصل لآدم. الانقسام أو بعده

يعبر بها عن المتبقي من قطرات الماء في الإناء، " نطفة"ن كلمة إ -3

وهي صورة تعادل ما نحن بصدده كون آخر قطرات الإناء هي

ل ما ستقريبا، بفرض عدم الاختلاط، وعلـى نحـو (كب فيه أو

وهي آخر ما بقي منه، وهذا يحاكي صـورة ) التمثيل والتقريب

النطفة الحية أو الخلايا الأم الأولى التي نسخت نفسها وانقسمت

النـسخ -شطب كل الخلايا /تجاهل/نزف/وهكذا، فلو قمنا بحذف

على الخلية الأصـل المضافة من جسم الإنسان، لصفينا أخيرا

المتبقية وهي كالنطفة في الإناء، وهي الخلايا الأولـى المعبـر

111

عنها علميا بالخلايا الجذعية كاملة القدرة أو القوة، أو قل هـو

. إيه .إن .النسخة الأولى من الـ دي

أمـر أدق االغريبة الوضـع فهـذ " نبتليه"أما ما دور لفظة

عة مستمرة لا ماضية لتليـق بالكـائن الأول وأعظم؟ ولم أتت مضار

ه جعلنـا ف) ( الإنـسان خلقنا(المنصرم، ولتناسب أفعال الآية الماضية

؟ ولماذا جاءت عارية من حـروف العطـف )ه السبيل هدينا) (سميعا

رين وعلـى )لنبتليه / فنبتليه: مثلا(والجربحيث أشكلت على المفس ،

أو مفعـولا " إنـا "ها خبرا ثانيا لـ أهل النحو في إعرابها ما بين كون

، أو "الإنـسان "أو حالا من " خلقنا"أو حالا من فاعل " خلقنا"ثانيا لـ

جاءت كذلك، لا لأجـل أن ؟)ذهب الكثير لتقدير حروف ومحذوفات

نقدر محذوفات ونكسر الآية ونفككها لإعادة بنائها بما نهوى وما يلائم

:قواعدنا، بل

الـصبغة /بالصف الجينـي (لإنسان الأول منذ لحظة تكونه لأن ا -1

، ذلك الصف الذي أصبح يتوارث كصبغة مستمرة في )المخلقة

، منذ اللحظة الأولى مـن اكتمـال الـصف 1بني آدم إلى الآن

نفخ فيه الروح التي هي من عالم ) التسوية وإعداد النفخ (الجيني

ابتلي بها، دخل إذاك بقدمـه فـي آخر، فكانت هي الأمانة التي

وإن حصل له تشوه باختلاطه بالهمج، وتزاوجه منهم، فصار الإنسان -1 ♦

.5 -خلق، كما بينته آية الحج أحيانا بل وغالبا من المخلق ومن غير الم

112

" الابـتلاء "عالم المذكورية إنسانا، دخل عالم الـوعي، عـالم

والامتحان، ابتلي بإسجاد الملائكة وبعـداوة إبلـيس، إعطائـه

-المشيئة، والعقل، وأمانة الروح، فصار مبتلى بأمور جديـدة

. ق ومكلفا ومحاسبا، وليس هملا كمـا الـساب -من يومها للآن

وكل معاني الابتلاء والبلاء من نعـم واختبـارات وخيـارات

ف التي نجدها في القرآن صارت تعنيه وحـده، ولنـا أنتصر

إما شاكرا .. نبتليه (الموافقة لـ ) ليبلوني أأشكر أم أكفر (نقرأ

).وإما كفورا

أن كل مقتضيات المشيئة والعقل والروح الإنسانية، لها ركـائز -2

" أمـشاج "، فإن "أمشاج"> --" نطفة" جينية، أي كما أن وأسس

، فالنظام الإنساني الدنيوي خاضع وأسـير للقـوة "نبتليه"> --

الخالقة عبر جيناته، وكما يقول سبحانه على لسان هـذه القـوة

نحن خلقناهم وشددنا أسرهم : (الخالقة في سورة الإنسان أيضا

، فالتبديل عبـر هـذا )28:الإنسان()ا بدلنا أمثالهم تبديلا وإذا شئن

يكون، من الأمشاج أو ما يعبر عنه بالتـصرف " الأسر/الرباط"

).DNA-إيه.إن.الدي(في خارطة جيناته، رباط أو سلسلة

أن نتيجة هذا الصف الجيني، والابتلاء بهـذه الأمانـة، فتحـت -3

وق مباشرة على عالم لم يكن يعيه ولا يدري به عيني هذا المخل

يعصي الشيطان ولا يسمع لـه، وابتلـي بـأن قبلا، فابتلي بأن

113

يطيع سادة الملائكة ويسمع لهم، وابتلي بالاختيار، فكان في قمة

يرى الملائكة ويسمعها والشيطان أيـضا، " سميعا بصيرا "وعيه

إليه آدم بولوجه المعجـز الذي انتقل " سميع بصير "وإن تعبير

إلى عالم الإنسانية ليس سهلا، بل هو سمة ربانية فقدها الإنسان

بعد إخراجه من الجنة وفقدها معـه بنـو آدم، وإلا لاسـتطاع

لذلك نلحظ أن آية (الآدمي أن يرى الملائكة وأن يرى الشيطان

إنـه ...يا بنـي آدم " في تحذيرها من الشيطان 27-الأعراف

قد خصت بني آدم فقـط " راكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ي

ويكفيـك أن تعـرف أن كـل ). دون الإنسان الأول آدم وحواء

في القرآن هي الله تعـالى عـدا ) مرة 47وردت " (سميع"صفة

مرات، هـي الله عـدا هـذه، 7وهي " سميع بصير "هذه، وكل

". بصيرسميع"فميزة الإنسان أنه يسمع ويبصر لا أنه

فجعلناه سـميعا .. نبتليه .. أمشاج .. نطفة (فالخلاصة أن

، هو خط تاريخي يشرح بالتفصيل ما جـرى علـى الكـائن )بصيرا

الأول، بانتقائه من مجموع كائنات بشرية بهيمية بدائية، فـردا ذكـرا

ما خلقنـاكم أول وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا ك (وفردا أنثى

ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتـركتم (،)48: الكهف()مرة

وركمظه اءرو لناكما خو94: الأنعام()م( طيني ضع في قالب تخليقيوو ،

114

لكـن 1 مرة أخرى لإعادة خلقه وتصنيعه، ثم تصويره وتسويته جينيا

الـذين سـيحملون ) ذريتـه (بمميزات الإنسان العاقل هو وكل نسله

، لـذلك قـال تعـالى فـي )بنـي آدم (ويرثون شفرة مورثاته نفسها

إنسانيا عبر - ثم صورناكم -أي بشريا – ولقد خلقناكم (11-الأعراف

بعـد نفـخ الأخيرة أي" ثم"و) ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم -جيناتكم

. الروح الربانية

هذا الخط التاريخي يسير من الإجمال إلى التفـصيل خطـوة

والتـي -خطوة، ومن السطح إلى العمق، فيقول بأن القوة الخالقـة

المضطلعة بتكليف من ربها بشئون الإنسان، أنها -)ع(أحدها جبريل

بالدخول علـى خلقت الإنسان من كائن قبله بدائي غرائزي لا يذكر،

وهي الصبغيات، وليس " أمشاج"، ثم على )الخلية الأم الأولى (النطفة

، مـا يـدل أن )أمشاج(بل بعضها ) مشج(ولا أحدها ) الأمشاج(كلها

كجينات وكوظائف ينبغي أن نكتشفها موزعة -مثلا-خصيصة العقل

ـ (على عدد من الأمشاج ـ )23أزواج الكروموسومات ال عوا ، ثم وض

♦ 1 - In recent years, the Out of Africa theory has become increasingly

dominant. In part, this is due to evidence provided by new genetic techniques. In three remarkable experiments, scientists extracted DNA from Neanderthal fossils and compared it with that of modern humans. The DNA was very different, supporting, but not proving the idea that Neanderthals were a separate species .

♦ (ref. http://www.channel4.com/history/microsites/N/neanderthal/)

115

مقتضيات الابتلاء من عقل، وضمير، ) كتابه الجيني /في برنامجه (فيه

، ونتيجـة لهـذا )شاهد منه (وسجل أعمال تسجل كل ما يصدر منه

أروه طريـق "سميعا بصيرا "التحويل جعلوا هذا المخلوق كالرب ثم ،

شكر الإله وطريق الكفور ليختار بنفسه الـسبيل الـصحيح الجميـل

.الأثر

: بث الرجال والنساء- ساخام

لدقة الهندسة القرآنية وبراعتها، لم يلتفت المفـسرون إلـى

ع مفردتيفي قولـه سـبحانه " النساء"و" الرجال"علة وض :

ولم يدركوا ارتباط ذلـك " وبث منهما رجالا كثيرا ونساء "

يا أيهـا النـاس : (، في قول البارئ عز وجل "الأرحام"بـ

وا ربكم الذي خلقكم من نفـس واحـدة وخلـق منهـا اتق

واتقوا الله الـذي رجالا كثيرا ونساء زوجها وبث منهما

به و لوناءتسامحقيبا الأرر كمليع كان الله 1:النـساء () إن( .

هـي " زوجها"، و 1هي آدم " النفس الواحدة "أن: فقال كثيرهم

ر الفهم التـوراتي أناء، وهذا ما قاد البعض إلى تصوحو

حسب تفننهم في قواعدهم ومجازاتهم، فقالوا أن بل زاد المفسرون أمورا -1 ♦

خلقكم من نفس : (من موارد تأنيث المذكر هو قوله تعالى في هذه الآيةخلقكم من نفس ( والمراد به آدم، بل أنهم أتوا بقراءة شاذة تقول )واحدة .وسبحان االله)!! واحد

116

ثم فهموا على ضوء ذلك أن من ! حواء خلقت من ضلع آدم

آدم وحواء بث االله الرجال والنساء، وهذا قادهم مرة ثانيـة

ا إلى الخطأ الثاني بتصور أن أبنـاء آدم الـذكور تزوجـو

حـسب -أخواتهم الإناث، فانبثقت البشرية، وكان الأمـر

مقبولا في البدايـة اضـطرارا ثـم حرمتـه -منظورهم

!!الشريعة

إذن، خطأ واحد استتبع أخطـاء علـى مـستوى العقيـدة

والتشريع، ناهيك عن الأخطاء على مستوى العلم والحقيقـة

. التاريخية

فقـه "ال فـي كتابـه شحرور، فقد فطن لهذا، فق محمد أما

وبث منهمـا رجـالا كثيـرا (لماذا قال : فإذا سأل " (المرأة

اءنسالبـث لا : من سورة النساء؟ نقول 1 في الآية )و لأن

يكون إلا من جماع جنسي، والجماع الجنسي لا يكـون إلا

لا يتحقق إلا بوجود ذكر " بث"من رجل وامرأة، ولأن فعل

فخير أفادنـا هـذا . انتهى1")امرأة"وأنثى بالغة " رجل"بالغ

هما للذكر والأنثـى البـالغين، " امرأة"و" رجل" أن ،المفكر

.فلنبدأ من حيث انتهى

، ص )رأةفقه الم (، نحو أصول جديدة للفقه الإسلاميمحمد شحرور -1 ♦

256.

117

فعلى رأي شحرور كان ينبغي أن تـنعكس الآيـة ليكـون

الرجال والنساء هما مصدر البث، والآية تقول أن المبثوث

-فلم يتنبه الجميع ! ء، فلاحظ هم رجال ونسا ) وليس الباث (

إلى نوعية المرحلة المتكلم عنها، - مع علو شأنهم وعقلهم

؟ )الكائن الحـي المتـنفس الأول " (النفس الواحدة"وما هي

وكيف تم خلق زوجها منها؟ فإذا كان البعض فهم أن النفس

الأولى آدم ومنها خلقت حواء، فهذا صحيح على مـستوى

ساني لا البشري، ومن آيات أخـرى لا هـذه، الوجود الإن

ووفق التصور الصحيح أيضا لا كما اشتهر، ممـا أدخـل

بذلك التسريجات التوراتية والزعم بخلق حواء مـن ضـلع

ولكنهم لـن يـستطيعوا أن ! وما شابه 1آدم أو فاضل طينته

ذكـور وإنـاث " (الرجال والنـساء "يجيبوا كيف صار بث

أين هـم كمـا حكـى رة، وأين هم الأطفال؟ مباش) بالغين

والله جعل لكم من أنفسكم أزواجـا (سبحانه ذلك في قوله

أشبه بالأجهزة فائقة (بناء على قولنا أن آدم وضع في حاضنة طينية -1 ♦

لإعادة تخليقه وصف جيناته، قد نعطي ) التقنية أو العلمية الخيالية في يومنا ة التي تقول أنة المنسوبة أو حتى التوراتيلأنفسنا فسحة للروايات الإسلامي

ة استنساخ آدم ألقي عليه الساء، لفرضيتخليق حو بات في الجنة حين تمبرنامجه الجيني لها، ليكونا نفسا واحدة جينيا، كما يمكن أن نقبل بهذا التصور كون حواء خلقت من فاضل طينة آدم، بأن وضعت في الحاضنة

ذهن القارئ نقول هذا تسهيلا ل. الطينية التخليقية التي سبق ووضع آدم فيها .أن لا تشاكسه المرويات على ظاهرها المتخيل

118

بنـين "، فـ )72:النحـل ()وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة

تحتمل تصور الأطفال، وهي اللفظة المناسبة، لكن " وحفدة

نتصو ينبثـون حـين كيف لنا أن ر رجالا بالغين ونـساء

الولادة؟

أن يجيب عليه مشكورا ولـم يفلـح، شحرورهذا ما حاول

ذكـورا وبث منهمـا (لأن الإشكال ما زال قائما، أن تعبير

أحق بالصياغة، لأنها تحتمـل الـصغار ثـم ) وإناثاكثيرا

اوج بـين وبإمكان تصور التـز . الكبار أي عالم الناس كله

إنـا (الذكور والإناث كما أخبرت كل الآيات وليس أولهـا

، بلا داعي لما افترضه )13:الحجرات()خلقناكم من ذكر وأنثى

إنمـا (هو بعث شيء متحرك وانتـشاره، : البث .شحرور

، وإذا تعلقـت )86:يوسـف ()أشكو بثي وحزنـي إلـى اللـه

وقات فقد ارتهنت في كل الآيـات ببـدايات الخلـق بالمخل

ة(الأولى حيث بث الدوابالكائنات الحي.(

:إذن، فإن آيتنا تنقسم إلى مرحلتين

" ربكم) + "مخافة" (اتقوا ") =اتقوا ربكم : (المرحلة الأولى

.غرائزية-مخافة موضوعية> ----) طبيعية(الأسباب

119

" االله) + "مخافـة " (اتقوا) = "اتقوا الله و: (المرحلة الثانية

.مخافة ذاتية واعية> ---) إيمانية(مسبب الأسباب

ولذلك نجد أن في المرحلة الأولى فصل بداية الخلق حيـث

الـنفس (كانت الخلايا الحاملة للجينـة البـشرية الأولـى

ن خلايا حية سابحة في الماء الأول تحمل الصبغتي ) الواحدة

، ثـم خلـق )خنثى(الذكرية والأنثوية، فهي عديمة الجنس

ة، ثـمة وخلايا أنثويمنها زوجها، بانقسامها إلى خلايا ذكري

نمت هذه الخلايا الذكورية والخلايا الأنثوية كما تنمو الخلية

الملقحة تماما في الرحم، لتشكل كائنات بـشرية، الخلايـا

لذكرية كونت ذكورا، ولكـن لـيس الأنثوية كونت إناثا، وا

إناثا وذكورا صغارا بل نموا في البيوض حتـى خرجـوا

بالغين أي نساء ورجالا، هذه هي مرحلـة ربوبيـة بحتـة

حتى لكأن الطبيعة هي التي تخلق، فليس مـن واع ) ربكم(

إذاك، هذه هي الحقبة الأولى " االله"بشري موجود يعي اسم

لا رجـلا ) رجالا كثيرا ونساء (كائن البشري لبزوغ هذا ال

واحدا وامرأة واحدة، ولا رجلا واحدا خلقت منـه أو مـن

ضلعه امرأة، ولا رجلا وامرأة تحدرا من قـرود أو مـن

سلالات أدنى، بل خلق بالغ، فصيلة مستقلة بذاتها قد انبثقت

م لما تطور وظلت تنبثق من الطين اللازب دهورا طويلة، ث

120

بعد دهر، فمن هؤلاء الرجال وهؤلاء النساء تم التـزاوج،

. فانتقل بعدها طور الخلق البشري إلى مرحلة الأرحام

هذا الطور الثاني هو الذي خرج منه الإنسان بعد أحقـاب

وعاصره، فأضحى الإنسان كأنه يخلق نسله، وصار يـؤثر

ـث الأبوان بإمكانه في الوليد المخلوق البشري القادم حي ا م

ا مأن يجعلا الجنين سـويا أو مـشوها بـسوء تـصرفاته

وأخلاقهما وما يتناولان، وبمقدار كفرهما بأي نـسبة مـن

رقيبا هنـا " االله"الوعي باالله والإحساس به وبرقابته، فجعل

لدخول التصرف الإنساني الحر ولحصول الـوعي عنـده

هو الرقيب هناك، بـل لـم " االله"بالألوهية ولم يكن مفهوم

ما أشهدتهم خلـق (يشهدهم سبحانه تلك المرحلة كما أخبر

السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ومـا كنـت متخـذ

، هذا الخلق الطينـي المـستنبت )51:الكهف()المضلين عضدا

سـبحان الـذي خلـق (الأول المبثوث قال سبحانه عنـه

الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومـن أنفـسهم وممـا لا

ونلمعالأزواج التي نبتـت مـن طـين الأرض )36:يس()ي ،

أزواج مـن النـوع الـذي تنبتـه : (كانت كأصناف النبات

، وهذا قبل الانتقال إلى مرحلة التـزاوج، وهـي )الأرض

، وهنـاك )من أنفـسهم (واج، أي مواليد ذكورية وأناثية أز

121

وهـو الـذي (وقد قال تعالى .أزواج تأتي بطرق لا نعلمها

أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومـستودع قـد فـصلنا

ونفقهم يكان ولا يـزا )98:الأنعـام ()1الآيات لقو ل ، فالمستقر

هو الأرض، هو في البداية حين النفس الواحدة، وهـو الآن

ولكـم فـي الأرض (لكل إنسان يحبو ويمشي هو مـستقر

ن بلقـاح )مستقروالمستودع هو الذي في الأرحام يتكـو ،

وهي عملية عكسية للبداية، حيـث الآن تخلـق . الزوجين

النفس الواحدة من زوجين، وفي البداية خلق الزوجان مـن

.س واحدةنف

فبما أنا عرفنا أن البداية البشرية انبثقت من خلايا وحيدة لا

جنسية، انقسمت كل منها إلى خليتـين جنـسيتين ذكريـة

وإناثية، ما أنتج بفعل الظرف الخاص واليد الربانية خلايـا

كثيرة تحتضن أجنة بشرية، نمـت هـذه ) بيوضا(مخصبة

حتى فقست " الأرض الطينية "عة في محضن الطبي " البيوض"

بعد أطوار طويلة الآماد عن أفراد بالغين ناضجين جنـسيا

)رجالا كثيرا ونساء(.

هذه الآية لها معنى باطن آخر، أن لكل نفس مثالها الآخر، فالمستودع هو -1 ♦

ما كان في هذه الدنيا للامتحان وهو المثيل، والمستقر هو ما كان في العالم لمستقر، النفس بقرينها الآخر، عالم المثال، وفي الآخرة يقترن المستودع با

).وإذا النفوس زوجت: (أو قل بصورة عملها

122

أجنة بشرية تولدت في بطن الأرض وانشقت الأرض عنهم رجالا ونساء بالغين

بما أنا عرفنا هذه البداية فقد عرفنا في الحقيقة النهاية أيـضا،

القبور الطينية عن رجال وإناث بالغين، لا عن كهول ولا حيث تفقس

" أتـراب "عن أطفال، فليس في الجنة والنار أطفال أو كهول بل كلهم

كهولسيد "، وليس ثمة " أهل الجنة شبابسيد "، وهناك 1أي متساوون

. لتساوي المخلوقات الترابيةجاءتفي الأصل " ترب"ولعل تسمية -1 ♦

123

هذه النهاية الشبيهة بالبداية والمحاكية لها، مغـزى آخـر "! أهل الجنة

)48:الكهـف ()لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مـرة (ووجه لقوله سبحانه

كمـا بـدأكم (، وقولـه )104:الأنبيـاء ()كما بدأنا أول خلق نعيده (وقوله

ونود29:الأعراف()تع( ةلمكان كاف تشبيه الكيفي ،)كما.(

ومن آياتـه ( أخبر سبحانه عنها هذه هي الصورة نفسها التي

ونتنتـشر ـشرب إذا أنتم اب ثمتر من خلقكم حيـث )20:الـروم ()أن ،

الانتشار جاء مباشرة، لكائنات بالغة خرجت مخلوقة للتو من التراب،

وهي الصورة نفسها والانتشار نفسه الذي سيعاد فـي البعـث، يـوم

يخرجون مـن الأجـداث كـأنهم : (ا بينا سابقا، فقال تعالى الإعادة كم

نتشرم ادر7:القمر()ج( .

علـى رأس سـورة 1ولعلنا ندرك الآن سر وضع هذه الآية

النساء، حيث كانت المرحلة الأولى الغرائزية في حفظ النوع البشري

فيها إلا كفحل إخصاب، مرحلة متأخرة، وأمومية بحتة لا دور للرجل

وفي المرحلة الثانية التي بدأت بآدم وحـواء، حـين أنـيط بالرجـل

)ة باتقـاء االله فـي ) الآدميدور الالتزام بالأسرة، جـاءت الوصـي

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها (-1 ♦

هما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن وبث من .)1:النساء)(الله كان عليكم رقيبا

124

الأرحام، وصيانة المرأة وحفظ النسل والأسرة، وهـذا مـا أفـضى

.بالمجتمع ليكون ذكوريا، سواء بشكل صحيح أو باستبداد

وإن انبثاق الخلق البشري الأول من الطـين جـاء بمراحـل

المعبـر عنهـا (مديدة بعد خلق الحيوانات قبله، إلا الأنعام الأربعـة

فقد تزامن إيجادها مـع الانـبلاج ) بثمانية أزواج ليبدأ تكاثرها بعدئذ

البشري لأنها صنعت خصيصا له، وجاءت بتخليـق خـاص أيـضا

ة بل بتدخل ليستأنسها ويتنشأ ضمن النشوءات الطبيعي سخرها، فهي لم

رباني خاص، بإنزال شفرتها وتخليق الآلاف منها إذاك مـع البـشر

بنفس الطريقة، بل الآية تخبر أن تخليقها تأخر حتى تزامن مع انتقال

تكاثر البشرية إلى مرحلة التخليق الإخصابي فـي بطـون الأمهـات

وأنزل لكـم -لقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها خ(البشريات

يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا مـن بعـد -من الأنعام ثمانية أزواج

إله إلا هـو فـأنى خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا

فونررون الذين خلطوا بـين . )6:الزمر()تصفمع تجاوز ما يقوله المفس

الآيات وساووها ببعضها وأخرجوها عن موضـوعها، وعجـزوا أن

يروا بين مفاصلها ارتباطا فأعادوا تفكيكها لتناسب أذهانهم ويروضوا

حة، لا تحكي لا عـن آدم فالآية واض . الآية ليستريحوا من معضلتها

ولا حواء، ولا بإنزال خراف من السماء، بل تـدلنا علـى أصـولنا

البشرية منذ صار البشر ينتجون أنفسهم، وأصول الأنعام التي سخرت

125

لنا وبها عاشت البشرية ولولاها لهلكنا منذ البداية، فأصـولنا كخلـق

ك (حيوانيتحمل الشفرة الأولى جاء من خلايا أولى ) بيولوجي متحر

)DNA( ،"رات " ثمبعد دهور وفي ظل ظروف مناسبة وتطو) جعـل

الأصـل، انقـسمت DNAهو نسخة أخرى من الــ ) منها زوجها

لتكوين زوج آخر من الخلايا وهكذا استمر بهذا الانقسام التخليق كمـا

يحدث في بطن الأم لذلك تركها سبحانه إيجازا، وقد فصلها سـبحانه

مـن مـصدر ( بولادة البشر البالغين، وأنزل سـبحانه 1-ي النساء ف

أنـزل ) القرار في الأرض حيث الجنة، والتدبير وتقريـر المـصائر

أصول الأنعام الثمانية، وما دام الموضوع عن الأصول بأنها الـشفرة

الجينية، فأصول الأنعام المنزلة هي خلاياها الأولى الحاوية شـفرتها

ليقها بهذه الكيفية المقدرة بروعة والمناسـبة لنـا غـذاء الجينية، لتخ

وشرابا ولباسا ومركبا، لتتخلق بداياتها كما تكونا نحن لكـن بـصورة

جاهزة ومعجلة، متزامنا ذلك مع مرحلة التكاثر البشري بين الرجـال

ة إلى الطور الرحميوالنساء، التي انتقلت بالولادات البشري .

: تطور السلالة البشرية- اسادس

*أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين يالذ(

ثم سواه ونفـخ *ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين

126

ئدة قليلا ما فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأف

ونوالعجيب فـي هـذه الآيـة أنهـا . )9 – 7 : السجدة()تشكر

أعجزت المفسرين لانحباسهم في الكماشة التوراتية، فمـع

بداهة أن"تفيد الترتيب والتراخي واتفاقهم على ذلك، إلا " ثم

من طين كالتمثـال، ثـم " جبل"أنه " آدم"أن تصورهم عن

يد الإله ونفخ فيه من روحـه، حيـرهم فـي الآيـة سوته

كيف جاء النسل من التمثـال : ..)ثم جعل نسله (الوسطى

الطيني البدئي وتكونت لذلك التمثال سلالة من مائه المهين

"بعدها "المني سبحانه -، ثم اه ونفخ فيـه -كما ينصسو قد

لأجـوف غيـر كيف أن تمثالا من الطـين ا ! من روحه؟

المستوي، بعد مدة أحقاب تخرج من منيه سلالة ونسل مـن

يه االله وينفخ فيه من روحـه -"ثم"ولاحظ -البشر، ثميسو

ليحيا؟ عجيب ها؟ بل أعجب منه العقل الذي يـصدق هـذا

إمـا أن : فهم بين ثلاثـة أمـور .وتنطلي عليه تلك الأمور

ن معتقـدهم التـوراتي أصدق القائلين سبحانه أخطأ، وإما أ

ا أنـة لا تفيـد فـي " ثم"عن آدم هو المخطئ، وإمالعربي

. اللسان العربي ما تفيده من التعقيب والمهلة

ا ابـنعا الثالثة أهون الشرور، وهذا ما تبناه البعض، أمطب

هشام فلم يقبل هذا، بل أجاب بأمر عجيب آخـر أن الآيـة

127

أي أنـه ! لآية الأولى لا على الثانيةالثالثة هي عطف على ا

بدأ خلق الإنسان من طين، ثم سواه (أعاد ترتيب الآية هكذا

ونفخ فيه من روحه، ثم جعل نسله من سـلالة مـن مـاء

والمصيبة العظمى أن بعض المفسرين أو الكتاب، )!! مهين

يدافعون بحرارة عن مثل هذا، وهم يدافعون لا عن القرآن

عتقادهم المقلد، ثم يدمغون كلامهم بالختام الملكـي بل عن ا

وهذا معروف أو شائع فـي القـرآن وفـي اللغـة : (هكذا

لا هو ليس بمعروف ولا بـشائع لا فـي : ، فنقول )العربية

!! القرآن ولا في اللغة

لكن الحقيقة المؤسفة بل والمخجلة أن كل تلك التخريجـات

فقط؛ هو نفسه الـذي هربـوا منـه إنما أفادت أمرا واحدا

جميعهم وتحاشوه تنزيها الله تعالى، هو أن االله عـز وجـل

، أو قد أخطأ في ترتيب آياتـه "ثم"فعلا قد أخطأ باستخدامه

.سبحانه وتعالى عما يصفون! سهوا

عموما، المتأمل المتجرد يـستطيع أن يلاحـظ بوضـوح

ن بدأت بمخلوقات تولدت مـن أن بداية خلق الإنسا : وإيجاز

الطين، ثم بعد مدة صارت تتناسل فكونت سلالات بالتكاثر

أي (، ثم تمت تسوية المخلوق هذا )من ماء مهين (الزوجي

الذي يراد له أن يصير إنسانا نهائيا بالنفخ فيه مـن ) أحدهم

128

الروح الإنسانية وإمداده بالمدارك المركزة لـه ولأجيـال

:التالي) 1-الشكل(لاحظ . ذريته

* أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين الذي(

ثم سواه ونفـخ *ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين

ة قليلا ما ئدفيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأف

ون9 - 7: السجدة()تشكر(.

129

)1-الشكل(

من طين

من ماء مهين

سواه ونفخ الروح

بعد عشرات أو مئات آلاف السنين

ثم

ثم

صار ينسل ويتكاثر من ذكر وأنثى

بدء خلق الإنسان)البشر الأوائل(

بعد عشرات أو مئات آلاف السنين

آدم وحواء

130

:أما في بسطها وتفصيلها فنلحظ التالي

االله أحسن كل شيء خلقه، فهناك مسيرة في إحسان كـل -1

.خلق، ولها بداية، ثم تطور، ثم تسوية

حل، كما بين نوح خلق الإنسان حتى صار حسنا مر بمرا -2

وقـد خلقكـم *ما لكم لا ترجـون للـه وقـارا ) (ع(

يذكرهم بفـضل -)ع(نوح -، وهو )13،14:نوح()أطوارا

ربهم أنه أوصلهم إلى أحسن طور، الذي هـو أحـسن

تقويم، فما هي هذه الأطوار التي امتـدت لعـشرات أو

ـ سنين حـسب الآيـات مئات الآلاف أو ملايين من ال

أعلاه؟

) = البويضات الطينية الأولـى (بدء خلق البشر : الأولى

."الخلق" = "بدأ خلق الإنسان من طين"

مسيرة عمليات التسوية في (تحسين خلق البشر : الثانية

ثم جعل نسله من سلالة مـن ) = "نسل السلالة

."ماء مهين، ثم سواه

إتمـام (تطـويره لإنـسان إحسان خلق البشر ب : الثالثة

ثم سـواه ) = " ونفخ الروح -التعديل-التسوية

."نهاية التسوية" = "ونفخ فيه من روحه

131

الإنساني، المخاطبون من االله بوجـوب التوالد :الرابعة

= الشكر أصحاب السمع والأبـصار والأفئـدة

"...وجعل لكم السمع "

ات؟فما هي الاستفادات من هذا التسلسل العجيب للآي

لاحظ الكلام عن الإنسان في مراحله، فحين كان طينا : أولا

هو ليس إنسانا، وحين كان سلالة بشرية ليس إنسانا،

فهذه مراحل تكوينـه، كمـا نقـول نخلـق الطاقـة

الكهربائية بدءا من تيار الماء، بوضع توربينات على

مجاريه القوية، ثم حصر الحركة المتولـدة ضـمن

طيسي لتتولد شحنات، نسوقها عبر أسلاك مجال مغنا

مكونة الكهرباء، فالكهرباء ليست الماء بـل بـدايتها

هناك، وهي ليست حركة التوربينات، بل هي آخر ما

وبـدأ خلـق "ينتج من تلك البدايات، لذلك قال تعالى

".الإنسان

الطين هو الطين، أي مزيج التراب مع الماء، ومرت : ثانيا

ملايين السنين حتى صـار قـابلا لأن عليه ظروف

يكون مادة للحياة باحتوائه على الأحماض وغيرهـا،

ومما أخصب الطين ليكون قابلا لإيلاد الكائن المعقد

الإنسان فيه، هو المخلوقات التي وجدت قبلـه مـن

132

الكائنات المجهرية مرورا بالعضويات واللاعضويات

انات، هذه هـي البيئـة الصغيرة إلى النباتات والحيو

الأولى التي تشكل فيها بداية المخلوق البشري الـذي

سيغدو بعد أحقاب إنسانا، فتولد أولا من الطين كائنـا

لـم "بشريا بالغا يدرج كما الحيوانات، المخلوق الذي

حاله ككـل المخلوقـات المنبثقـة " يركض في رحم

أسـاطير سـومر المنبثة الأولى، والتي عبرت عنه

، وتوضحها آيات قرآنية )لم يصبها ألم الولادة (وبابل

.أخرى

مواد ( ذلك الكائن البشري الخارج من تفاعلات الطين : ثالثا

، ليس فردا، )الماء ومركبات التراب وعناصر الحياة

وليس جنسا واحدا، بل هو مجموعة ذكور وإنـاث،

إلى مرحلة تكاثره بدليل أنه انتقل غرائزيا بعد أحقاب

بواسطة التوالد للتخلق من الماء المهين أي بالتزاوج

الجنسي، لا بالتولد والتخلق من طين الأنهار وهـي

الحقبة التي استمرت آمادا طويلة حتى انتهـت شـيئا

،والمنـاخي الخـاص فشيئا مع انتهاء الظرف البيئي

ر التزاوج انتقلت الصفات التخليقيأ في ففي طوة لتخب

).السائل المنوي(الماء المهين

133

عربيا هي امتداد شيء من شيء في رفق " السلالة"و

المـادة (وخفاء، فهي تصدق أولا على تطور الطين

يـصل " تسلسل زماني مديد جـدا "عبر سلالة ) الحية

لمئات الملايين مـن الـسنين، أسـهم فـي تطـور

بل البشر، فهو خصائصه، كل الأحياء التي خرجت ق

حسب السومريين، فقد " لب الطين "أو خلاصة الطين،

وتـصدق .مر بسلاسل معقدة من تغير الخـصائص

إن .ثانيا في تكون الأحماض النووية، وسلاسل الـدي

.إيه، في الطين لإنتـاج المخلـوق البـشري الأول

وتصدق ثالثا على اتصال الخليتين الجنسيتين الذكرية

إيـه .إن.الـدي " سلـسلة "لأنثوية في الرحم ليكونا وا

ونلاحظ (للمخلوق الجديد من الماء المهين هذه المرة

أيـضا " سـل سـلالة "هي من الفعـل " سلسلة"أن .(

وتنطبق رابعا على انقسام هـذه الخليـة المخـصبة

الأولى برفق وخفاء ونمو وامتداد فـي الـرحم فـي

وخامسا . شكل المخلوق الجديد سلسلة تطورية حتى ت

هو الامتداد التكاثري الخارجي فكل ذكـر يخـصب

أنثى فيكونان مخلوقا بشريا جديدا، وهكذا فـي كـل

134

مرة، فيتكون للمخلوق جنس وامتـداد هـو الـسلالة

. البشرية التي هي النسل

يأخذ بعـدا علويـا، علـى " السلالة"سوى أن مفهوم

الذي هو انحـداري، فـالطريق " النسل"م عكس مفهو

، بينما من آدم إلينا )آباء(منا إلى آدم يمر عبر سلالة

، وقد بين سـبحانه أن النـسل )أبناء(يمر عبر نسل

) وهو التناسل والانحدار من جيل أعلى لجيل أسـفل (

صار يتم من السلالة التي بدورها جاءت مـن مـاء

المخلوقين بداية مـن لإناثوامهين، هو مني الذكور

جعل نسله . (طين أرضي من سـلالة > -- ثم -- <

بـدأ خلـق (من البشر المخلوق > -- من ماء مهين

:، ومقلوبها الزماني)من طين> --) الإنسان

مـاء > ---ذكور وإنـاث > ---بدء الخلق طين

النسل البـشري > ---ة ـسلالة بشري > ---مهين

أي ظهـور " فيه من روحـه ثم سواه ونفخ "> ---

.الإنسان

؟"سلالة"ولماذا صار ينسل من سلالة؟ أي لماذا قال

135

ة انتخاب طبيعـيثم هناك سلالات، وأن ن أنبيهذا ي

حـسب (ورباني، للسلالة التي سيخرج منها الإنسان

كما يبين أن ثمة تسوية وتحـسين ). الآتي 2-الشكل

لة، فكل نـسل أو تجري على قدم وساق في كل سلا

عدة أجيال منه، يصير سلالة، بمعنى حصول تطـور

في النسل، وهو المسمى بتحسين النسل، حتى وصل

إلى استواء طبيعي مناسب ومقبول لاختيار الإنـسان

منه، فتم التدخل الرباني لإتمام التسوية عليه بتسريع

المـصنع التخليقـي -بعضها وتعديل الآخر في الجنة

.خيرالأ

التسوية ونفخ الروح، فالتسوية أخذت طورا مديدا فـي :رابعا

تحسين السلالة البشرية حتى انتصب بمقدار مناسب،

بتغير ظروف الأرض وجاذبيتها، وصار قادرا على

توظيف يديه في المـصنوعات، وتطـوير أصـوات

خاصة به كنظام تواصلي، ونظام اجتمـاعي، حتـى

على ذروة التسوية المناسبة لأعضائه اختير ليحصل

حسب " إحسان خلق الإنسان "وجوارحه، وهي مرحلة

ة بواسطة )الذي أحسن (بداية النصبالتسوية النهائي ،

قوى التخليق من الملائكة الصافة، بالتعديل الجيني له

136

، وإيتائه العقـل المفكـر، )آدم وحواء : لزوجين منه (

.فيه" وح الوعير"ونفخ الروح الربانية

البدئي من الطين، ثـم " الخلق: "هذه المراحل الثلاث

وتحـسين نـسلها بتغيـر " تسويتها"تكاثر السلالة و

الطبيعة الخارجية عبر قرون وأحقاب وتعلمـه مـن

بتـدخل القـوى " بالتعديل"الطبيعة، ثم إنهاء التسوية

م الربانية لإخراج الإنسان الكامل الذي في أحسن تقوي

من جميع الجهات، من أعلى تطور لنسل تلك السلالة

هذه المراحل . المستوية وأقصى ما استطاعت بلوغه

يا أيها الأنسان (عبر عنها القرآن في سورة الانفطار

*فعـدلك فسواك خلقك الذي *ما غرك بربك الكريم

، وأنـه )8-6:الانفطـار ()ء ركبـك في أي صورة ما شا

تغيرت صورته من طور إلى طور، منذ أنبتهم مـن

، ففي كل طور يركب )ع(الأرض نباتا كما قال نوح

صورة غير التي سبقها، حتى عدله فجعلـه إنـسانا

.واعيا مختارا يخاطب بالإيمان أو بالكفر

الروح، كلها مفردة نلاحظ أن الضمائر قبل النفخ من :خامسا

تتكلم عن البشر البدائي منذ بدايته إلى مرحلة تخليق

137

ـنم الإنسان منه، فتتكلم عنه كواحد، كجنس، لا يهم

بـل (هذا ومن ذاك، مع أن له نسلا، وصار سـلالة

وجموعا، لكنه يذكر كواحد، وكأنه كله من ) سلالات

لتخـصيب أجل أمر واحد، كذكور النحل التي تخرج

الملكة فالمطلوب منها واحـد فقـط، وكالحيوانـات

المنوية المليونية التي تتسارع لتخصيب البويضة، ما

المطلوب إلا واحد، والباقي ينتهي دورهم ويتلاشون

ينهـي حقبـة ) آدم(بعد التخصيب، فانبثاق الإنسان

أولئك الذين لا تمايز بينهم ولا عنوان، ليأتي بعـدها

تميز بصيغة الجمع للأناس الواعين الألوهة خطاب ال

) عمتشكرون.. وجعل لكم الس .(

من ذريـة آدم الإنـسان ( كل الناس هم من بني آدم :سادسا

أدوات العلـم (، جعل لهم سمع وأبصار وأفئدة )الأول

يقـل )والإدراك، أدوات العقل فوق الغريزي ولـم ،

من روحه، فهذا يدل أن سبحانه أنه سواهم ونفخ فيهم

التـسوية "كل الناس بعد آدم يرثون بـالولادة تلـك

مـن آدم الأول، ويرثـون ) التعديل الجيني " (النهائية

والآن .جزئية الروح الإلهية المنفوخة فيـه، تلقائيـا

:لنرسم الشكل الكلي للعملية

138

)2-الشكل(

:التاليينالرسم أعلاه بيان مطابق للنصين القرآنيين

139

*الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طـين (

ثم سواه ونفخ فيـه مـن *ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين

ة قليلا مالأفئدو ارصالأبو عمالس ل لكمعجوحه ورونالـسجدة ()ا تشكر :

7 - 9(.

ثم جعلناه نطفـة *ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (

ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنـا *في قرار مكين

لعظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله المضغة عظاما فكسونا ا

الخالقين نسأح* تونيلم ذلك دعب إنكم ـة * ثمامالقي مـوي إنكم ثم

ثونع16 – 12: المؤمنون()تب(.

:لفالنصان يوضحان، وكما الرسم أيضا، ثلاث مراح

مرحلة من الطين إلى الماء المهين -

مرحلة من الماء المهين إلى نفخ الروح -

مرحلة ما بعد نفخ الروح -

أما النص الثاني منهما بالخصوص، فمع أنه يشرح المراحـل

، يـصف 16 و 15الثلاث أيضا، فإنه لوحده أيضا، ومن دون الآيتين

ون القرار المكين فيها هـو المرحلة الأولى لوحدها أيضا، على أن يك

بيوض طينية في الأرض، والنطفة هي بذرة الخلايا البشرية الأولـى،

الإنشاء في الأرض كالإنشاء في الأرحام تماما، مع فارق أن ذلك لأن

140

الخارج من رحم الأرض مخلوق بالغ، والخارج مـن رحـم الأنثـى

.طفل

أ خلق الإنسان مـن لقه وبد الذي أحسن كل شيء خ ( فالآية

ثم سواه ونفخ فيـه * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين *طين

من روحه وجعـل لكـم الـسمع والأبـصار والأفئـدة قلـيلا مـا

ونجواب لسؤال ع ،)9 - 7 : السجدة()تشكر هذا الإنسان الموجـود : لمي

الـذي ) كجنس(أن هذا الإنسان : أمامنا اليوم كيف وجد؟ الآية تجيب

:هو أنتم

وهو الأجيال البشرية الأولى والـسلالات (بدأ خلقه من الطين -1

.، وهو لم يكن بعد إنسانا)اللاواعية

2- في مراحل لاحقة، قام يتزاوج، وصار ينسل نفسه من منـي ثم

.ذكر وأنثى تلك السلالات

" الإنـسان "ليسوي ) الذكر والأنثى (ثم انتخب زوجين من جنسه -3

.الآن فقط، ونفخ فيه من روحه

ليظهر بعدها الجنس الإنساني برمتـه الـذي لأفـراده الـسمع -4

.والأبصار والأفئدة والمعاني الباطنة كالشكر والكفور

141

يقرأ القرآن تقليدا، وأسير الآراء، قد وننوه أن الإنسان، الذي

يجد غضاضة في مثل هذه الفكرة، فيقوم سراعا كما أخبر القرآن من

شأن الإنسان بالمجادلة بالباطل ليدحض به الحـق، ولنـسف بنائيـة

النظام القرآني وضمائره، على حسب مدرسة التـرادف والاعتبـاط،

الناس ) ع(فإذا كان علي جادله بـالقرآن وهو أعلمن يد مبالقرآن وج

لا (بقانون الترادف واللانظام بمعنـى ) إن الحكم إلا الله (أيضا وصير

، فلا غرو أن يجد أي أحد مبتغاه من أي آية، لكن بشرط )إمرة إلا الله

اللعب بآيات االله بأن يشوه اللسانية المبينة لتلك الآيات فلا يأبه كيـف

قط رأيه على القرآن وكيف يخلخل التركيب والمنطـق والكلمـات يس

والأحرف، وبصراحة تامة لا يهمه معرفة الحقيقة بمقدار مـا يهمـه

.إثبات رأيه ودفع أي رأي مقابل

فمن الآراء التي تصر على الفرار عن الحقيقة، تلـك التـي

من الطين، ثـم تجعل موضوع الآية هو الإنسان عموما، تتكون مادته

هكذا، فـلا ! يصير نطفة من ماء مهين، ثم ينفخ فيه الروح في الرحم

يهم ترتيب القرآن ولا سر مفرداته ولا ضمائره ولا سياقها المـرتبط

بالتدبير الألفي في ليلة تقدير وجود الإنسان الأول، ولا توقفت لتـسأل

وكـان ينبغـي ) عل نـسله ثم ج (في قوله " نسله"ما فائدة وجود كلمة

، وحتى "جعل نسله "لا " سلالة من ماء مهين - هو -ثم جعله "التعبير

جعلـه "لا " من ماء مهين نطفةثم جعله "هذه لا تمشي بل المفروض

142

ولقد خلقنا الإنسان من (: ، كما قال تعالى في سورة المؤمنون "سلالة

، وإلـى مـا )13-12() في قرار مكينجعلناه نطفة ثم*سلالة من طين

!هنالك من أغاليط عديدة؟

ويحدونا الأمر بالإشادة بتعليق هو خير ما وصل إليه مفـسر

ن من الإنـسان الكامـل بالكمـال إلى فردي بانتهاء النسل وأما القول (

ـ الفكري -أي صـعودا - ثـم ،)أي آدم وحـواء (د من طريق التول

ر من نوع آخر من الإنسان غير الكامـل انشعابهما وانفصالهما بالتطو

البشر اللاواعي (بالكمال الفكري ثم انقـراض الأصـل وبقـاء ،)أي

فيدفعه .د منهما على قاعدة تنازع البقاء وانتخاب الأصلح الفرع المتول

آدم خلقه من تـراب ثـم إن مثل عيسى عند الله كمثل (: قوله تعالى

كونفي كن 59:آل عمران ()قال له( م وما في معناه من على التقريب المتقد

.1)الآيات

، لم يكن لديه من إشـكال إلا ظنـه )ره(فهذا المفسر الكبير

. التي سنتعرض لها" إن مثل عيسى"التعارض مع آية أخرى هي

رض أنه، وفق مخطط وتدبير ربـاني كـون نفت :فالخلاصة

شفرات أزواج مخلوقات اليابسة، وظهرت إلى الوجود بدءا في الطين

كالمجهريـات الذي أنتج أقل المخلوقات تعقيدا ) الهيولى الأول (الأول

.258، ص16، مجالميزانالطباطبائي، -1 ♦

143

النباتات، لمئات ملايين السنين، أسهمت بدورها الحيوي فـي نقـل و

قد ويحتوي على مركبات عـضوية أكثـر، الطين لحالة أخصب وأع

فتطور الطين ليوجد مستويات من الخلق أعقد كالحيوانات من أدناهـا

شيئا فشيئا لأعلاها، وهكذا حسب دورات الحياة، وفي محاكاة قريبـة

للسلسلة الغذائية، كلما انوجد مخلوق هيأ بتواجده وموته عبر ملايـين

ل إلى مستوى في الخلق أعقد، حتـى تـوج السنين، هيأ الطين للانتقا

الغنى الخصبي للطين، بإخراجه آخر المخلوقات وهم البشر الأوائـل،

سريعي الانقراض بحيث لـم الذين يبدو أنهم خرجوا عقيمين أولا، أو

، ثم بموتهم وتحللهـم يستطيعوا تكوين نسل طبيعي يعيد دورة حياتهم

وهكذا، فيتطور الطين لإخراج جيـل من رحم الأرض يخرج آخرون

ثان محسن عن الأول، واستمرت هذه الحالة أيضا مئات الآلاف مـن

السنين وكانت أعمارهم قليلة، باعتبار الظرف القاسي المحدق بهـم،

على التـزاوج ةل البشري اجي الأ نجحتولأنهم يخرجون بالغين، حتى

، فانتقـل وقادر على التناسل لتنسل نفسها أو خرج جيل أخير محسن

الـذي التكاثر عندها إلى الأرحام، متزامنا مع انتهاء الظرف الطبيعي

ـأج خـر بدأت ت لإيلاد البشر من الأرض، ف هيأ مـن البـشرية لاجي

، وبدأت عمليات التحسين في السلالة جـيلا بدلا من الأرض الأرحام

يـسمح بانتخـاب ، حتى بلغ مرحلة تطور مناسـب وراثيا بعد جيل

. زوجين منه لنفخ الروح فيهما وتحويلهما إنسانين

144

: غرض النسل الإنساني- سابعا

إن الجنس البشري القائم قبل آدم كان يتبع النظـام

وحـسب الفكـر (الأمومي، أي نظـام الطبيعـة

ــدعى بالنظــام الأمــوميي والبــابلي الــسومري

العشتاري( والإخـصاب ، نظام التزاوج العـشوائي

حيث لا وجود إلا لأم ترعى " أمومي"لبقاء النوع، و

الصغار، والرجل ما هـو إلا فحـل للإخـصاب

كممالك الحيوان، وبخلق الإنـسان انتقـل نظـام

حسب المـدونات " إيل"نظام (الاجتماع إلى الأسرة

-لدى الجـنس المتميـز -لتسود المعرفة ) القديمة

لدى الكائن الجديد كمـا بالإله وبالكون وبالخلائق،

يـا أيهـا النـاس إنـا (بين ذلك سبحانه في قوله

خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شـعوبا وقبائـل

لـيمع الله إن الله أتقاكم عند كممأكر فوا إنارلتع

ذكر والأنثى هنا همـا بدايـة ، فال )13:الحجرات()خبير

الموجود الإنساني لا البـشري، أي آدم وحـواء،

منهما نسلت الشعوب والقبائل الإنسانية وكرم بنـو

.آدم بوعي الإله

145

هذه البداية القادحة تاريخيا، وغرضها الرئيس، أثبتها سبحانه

:في قوله

) جة واحدنفس و من الذي خلقكم وه كنسا ليهجوا زل منهع

ا اللهوعا أثقلت دت به فلمرلا خفيفا فمملت حما حا تغشاها فلمهإلي

الشاكرين من الحا لنكوننتنا صآتي ا لئنمهبـالحا * را صما آتاهفلم

أيشركون ما * ركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون جعلا له ش

خلقوني مهئا وخلق شيهنا هي " نفس واحدة "، )191ـ 189: الأعراف()لا ي

النفس الإنسانية الأولى، أي آدم، وليست الخلية الحيوية الأولى كـالتي

وهـذه .، كما بينا فيمـا سـبق )6:، الزمر 98: ، الأنعام 1:النساء(في

الآيات تبين الغرض من خلق آدم وحواء، وتكوين نظام الأبويـة، أي

نظام الأسرة التي فيها أب وأم يرعون أبناء تسمى الذرية الإنـسانية،

يبسط لها في الجسم والعلم، لتكون ذريـة ربانيـة تـستعمر الأرض

لقها وغاية تخليقها الإنساني، لا نسلا حيوانيا بالخير، تعرف ربها وخا

انييا بلا روح ربا مادفيه، فلو أراد سـبحانه ذلـك لأبقـى ةغرائزي

الشريعة الأمومية فقط ولم يرفع البشر من حضيضهم إلى الإنـسانية

.بالعقل والروح والتخليق الجيني المطور المتميز

من نفس واحدة مخلقة بهـذه فخلقنا سبحانه بهذه المواصفات،

، وجعل من نفس النسخة تماما )الذكر الآدمي (الفرادة لتنتهض لدورها

ذكـرا (، فصارت الـنفس الإنـسانية ")حواء"الأنثى الآدمية (زوجها

146

، لتنبثق الإنسانية وتنسل منهمـا، ويكـون دائمـا أب وأم، أي )وأنثى

المشروع الإنساني الإلهي المتولد، إنسانان معا، ليقوما شراكة بتعاهد

جعلا من نفس الشفرة وذات المكون ليسكن الزوج إلى زوجه، الواحد

إلى الآخر، من جميع الجهات فكريا ونفسيا وروحيا فيقع الانـسجام،

تناغم السويب المنبت المالطي ية صالحة في هذا الجولتأتي الذر.

تم ربانيـا، فقـد نقـل ) دم وحواء لآ(فإذا كان التخليق الأول

التخليق الإنساني بعدئذ إلى الأبوين بتغشي الذكر الأنثـى بدايـة ثـم

. بممارسة التربية ضمن الوصايا الربانية المعهودة من جهة ثانية

ه "ولكنالإنسان الظلوم لجنسه الجهول برب " خلال مسيرته قد

اهما يستحضران االله ربهما فـي أخل بالميزان، فكل ثنائي زوجي، تر

قلبهما في أحلك الظروف، ظرف إثقال الحمل والتوجس، ويـدعوان

، لكنهما بعدئذ حين التربية يورثـان )بيولوجيا(بالذرية الصالحة جسما

أبناءهما المولودين معافين، يورثانهما العلم الخطأ والشرك والسفاسف

وخلق معلما ربانيا ليعلم أجياله وذراريـه كرم " الإنسان"والبهائمية، و

الصواب لا الخطأ، والحق لا الباطل، والخير لا الشر، فقام الإنـسان

يعمل العكس، حتى صار أكثر الأخطاء والخطايا الموجودة المنتشرة،

قالوا بـل وجـدنا : (يعزى أصلها إلى التوارث سواء من تقليد الآباء

، أو إهمالا مـن الآبـاء أوان التعلـيم )74:الشعراء()لك يفعلون آباءنا كذ

، )24: المؤمنـون ()ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين : (فتحتج الأبناء بعدئذ

147

.فتجنح أفعال الأبوين بالذرية بعيدا عن الفطـرة والاتجـاه للخـالق

بهائمية ومدرجا للوعي ومغرسـا فالأسرة التي جعلها االله حصنا عن ال

للقيم، انقلبت وصارت عشا لبذر المادية ووكرا للشرك وموبئا لـسوء

. التربية والسلوك

شـقها فيودليلنا أن االله يحكي عن المسيرة الإنسانية جميعها

الأسري) اء بالخصوص، قولـه فـي ذيـل ) كل أب وأملا آدم وحو

ا صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما فلما آتاهم (الآية

شركونـشركون (، )190:لأعرافا() يا يـا (ولـيس ) فتعالى االله عمعم

).يشركان

:ختام الفصل

رأينا كيف أن الآيات تصرح بدقتها أن الأصل الذي خلق االله

لماء والتراب وعناصره، ويقرر منه البشر هو الطين الذي هو مزيج ا

العلم الحديث أن الحياة ظهرت على هذه الأرض أول ما ظهرت على

الـذي ضفاف المسطحات المائية حيث يتكون بجوارها طمي الطـين

فـي ذلـك -ينشأ منه الزبد والحمأ المسنون على مر السنين، فنبتت

، ثم تعقد الخلق أولا الكائنات المجهرية البسيطة -الظرف وتلك البيئة

فجاءت الطحالب، فالنبات فالحيوان فالبشر، وأن هـذا التطـور فـي

148

حالات الطين وأشكاله السالفة الذكر والظروف حدثت عبـر مئـات

الملايين من السنين حتى أثمرت شجرتها الأولى، وكان أعقد و أكمل

وآخر ثمره من ثمارها وختامها هو البشر، الذي منه بعد مـدة صـنع

يا أيهـا الأنـسان (الإنسان الخالد بروحه المتطور إلى وعي الألوهة

.)6:الانشقاق()إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه

ومع هذا الكم المتواتر والهائل من آيات الحق التي ترسم كل

ثم مع بعضها، خارطة الخلق البشري واحدة منها منفردة، ثم ،الآدمي

إلا أنه من المؤسف، أن البعض لا يهمه إلا القدسيات الزائفـة لغيـر

كتاب االله، وقد رد أحد المفكرين على مقالة مصطفى محمود في كتابه

حين استفزه تعليقه على قولـه )" 54( ص -التفسير العصري للقرآن "

بمراحل التخليق أن آدم مر : بقول) ولقد خلقناكم ثم صورناكم : (تعالى

إن يجهـل : (والتصوير والتسوية واستغرقت ملايين السنين، رد عليه

لو تأمل مصطفى محمود في : (، ثم عقب )العربية فوقع في المحظور

إن مثل عيسى عند االله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال : (قوله تعالى

ملايـين في رحم أمه استغرق ) ع(، فهل خلق عيسى )له كن فيكون

السنين؟ ومر بـأطوار حيوانيـة مفترسـة كمـا زعـم مـصطفى

ـ .)!!!محمود؟ لا حـول ولا قـوة إلا بـاالله، واالله : أما تعليقنا نحن ف

.المستعان

149

أي محظور هذا وأينه، حين يعتق القرآن من سطوة : ونتساءل

ئق التوراة؟ وأي محظور من اتفاق الحقـا )يهوديات (تأثير إسرائيليات

العلمية مع القرآن، ولسنا نعني تفسيره بهـا وبالنظريـات المتقلبـة،

فالقرآن يفسر بعضه ببعضه ومستغن بنفـسه، حتـى عـن جهابـذة

المفسرين؟ وهل آراؤنا المفسرة للقرآن والمخالفة للعلم، هـي القـرآن

نفسه ليكون الخروج عنها خروجا إلى المحظور؟ متى سـيتفعل هـذا

القرآن إن بقي مطمورا هكذا تحت جهل أو قصور حامليه؟ مـا هـذه

المشاجب التي ترفع على من خالف رأيا جامدا غير قرآنـي وغيـر

مقدس، بأنه لا يفهم العربية أو الدين؟ فهل العربية سر كيميائي نـادر

ط المحتج أم أن العرب لا يعرفون لغتهم؟ ثم هل القياس السابق المغال

سـر التمثيـل ) ذلك القيـاس (به يشي عن فهم للعربية حقا؟ هل يفهم

ومغزاه في العربية، وماهية الزاوية الممثـل بهـا؟ وأيـن ") كمثل("

السياق القرآني لنرى من وقع في المحظور وفـسر القـرآن برأيـه

ر، فقـط وصادم القرآن بعضه ببعض ليوحي بتناقضه وهو لا يـشع

للتشبث بالأطلال القديمة؟

وطردا لهذا القياس، وعلى منواله نمضي حسب الفهم التقليدي

آدم جبل من الطين كالتمثال، وألقي علـى : التوراتي الشائع فينا لنقول

سنة، فكيف بالمثل عجن االله تمثال عيسى؟ 40باب الجنة حتى يجف

ليكون خلـق ! يطان فيه ويخرج؟ سنة ليجف ويدخل الش 40وأين ألقاه

150

ثم كيف زرع هذا التمثال الطيني في مريم ! عيسى لدى االله كخلق آدم

! بعد ذلك جنينا؟

وأين المثلية، في أن عيسى قد جاء الملك إلى أمه وتمثل لهـا

بشرا تاما ونفخ فيها روح الإنسان باعتبار المولود سـيجيء مـن أب

ليس من دعت غير بشريوح التي أونسل آدم، فكيف تصله نسمة الر

الذرية؟ عموما، فادعاء المثليـة ) جينات(في آدم وانتقلت في أصلاب

أين ذاك الملك الذي زار أم آدم وتمثل لها بشرا ونفخ فيها مـن : يسأل

!روحه، بدل أن ينفخوا في آدم مباشرة؟

ياس ذاك، وهو مزر فـي لاحظ أن قياسنا المعوج هو نفسه الق

الحقيقة ومخجل، ولا يفيد علما بمقدار ما يفيـدنا خـصاما ولجاجـا

وابتعادا عن بريق القرآن وروحنته في حروب لا أخوية وتـسفيلات

!كلامية

القرآنية ) مثل كذا كمثل كذا (أما عن مغزى التمثيل، وصياغة

أن االله عـز : اصل بغصته الاحتجاج والعربية، فلقياسنا المعوج أن يو

حملوهـا كمثـل مثل الذين حملوا التوراة ثم لـم ي (وجل يقول أيضا

الحمار له أذنان طويلتان : فطبقا لذاك القياس نستنتج )5:الجمعـة ()الحمار

نفقون أموالهم في مثل الذين ي : (ويقول! وذيل، فهل للتوراتيين أيضا؟

فهـل أولئـك المحـسنون )261:البقـرة ()...سبيل الله كمثل حبة أنبتت

في الأرض وسقوا ماء وطلع من فـوق رؤوسـهم ) كالحبة(طمروا

151

فهـل )176 :لأعـراف ا()فمثله كمثل الكلب : (ويقول! الحشيش والسنابل؟

مثل الذين (و! كان يدلع لسانه ويلهث وينبح كالكلب؟ الإنسان المذكور

فهل يخرجون خيوطا من مـؤخراتهم )41:العنكبوت()كمثل العنكبوت ...

أو يعششون في زوايا الغرف، ولهم ثمان أرجل، وأنثاهم أضخم مـن

نفـة ها، وأمثلتنـا الآ لمرء أن يحشد كثيرة يستطيع ا ترهات !ذكرهم؟

، ونعتـذر بل سوقها نعده استهزاء بآيات االله واحتجاجاتنا كلها سخيفة،

الله العلي ولكتابه العزيز وللقارئ المؤمن والعاقل منها، لكننـا نرمـي

لحاجة؛ أن قائمة آيات القرآن قاطبة تنفي هذا القياس الغريـب عـن

ة تقودنا للأسـف العربية والبعيد من المنطق، لكن جدالاتنا غير المثمر

لمثل هذا التلاعب والاستخفاف بآيات القرآن والتراشـق بهـا، فـي

حروب غير مقدسة عن آرائنا بتمزيق المصاحف ورفعها فـي وجـه

.الخصم

لـو سـلمت -هداهم االله وإيانـا -إن غاية جميع المتجادلين

ه، لا غيـر، وتثويرالنوايا وأحسنا الظن، هو الدفاع عن قرآننا الأقدس

من أجل كينونتنا ورفعتنا، إذن؛ فلنفكر في الآيات ولنفهمها كما هـي

مجردين من آرائنا وأوهامنا، فلا نأتي بها ونحن نلوي لسانها لتـشهد

على ما نقول شهادة زور، ونضع في فمها ما نريـد قولـه، ونـسبغ

ود عليها لبوسنا، أي عار علينا أن ننطق القرآن بهوانا وعصبيتنا ورد

!أفعالنا؟

152

والآن، لو عدنا إلى الآية بصفاء فكر وزكاة نفس لنقرأها فـي

إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم (سياقها كما هي

كونفي كن ة عيـسى )59:آل عمران ()قال لهفقد جاءت هذه تتويجا لقص ،

ى طائفة نصارى نجران إذاك وللآن لدى البعض، فـي المؤله لد ) ع(

لا يخـرج ) ع(معرض إقناعهم وكشف اعوجاجهم، فبينت أن عيسى

عن طرق الخلق البشرية، له جسم ترابي، مستكن في بويضة مـريم

، ثـم هـو روح "بشرا"التي فعلت وخصبت بالملك التدبيري المتمثل

ة لآدم ) ع(لك، باعتباره منفوخ فيها من الميأت من السلالة الذكوري لم

فلم يرث نسمة الروح العاقلة، فحصوله علـى الـروح لا بالوراثـة

كالآدميين بل كما حصل عليها آدم مباشرة، فتشابهه مع آدم في هـذه

الخصيصة بالخصوص، لا أكثر، بدليل أن نفـس القـصة يـسردها

ذلك عيسى ابن مـريم قـول ( بعدها سبحانه في سورة مريم ويعقب

ونترمق الذي فيه يبه روح تماما كـآدم ) ع(، فهو )34:مريم()الح بشر

قالت لهم رسلهم إن نحـن إلـا بـشر : ( من بعده وكل الأنبياء بنيهو

11:إبـراهيم ()مثلكم( يخرج لم ،)نـذ آدم ولا عن هذا المنوا ) عل السائد م

يومنا أيضا لن يخرج عـن في عن هذا النظام قيد شعرة، والاستنساخ

آل ()خلقه من تراب ثم قـال لـه كـن فيكـون (والذي . هذه الطريقة

خلقهمـا مـن ( في الآية هو آدم بالخصوص، لذلك لم يقـل )59:عمران

يسى لو أردنا أن نضع له آية نزعمهـا أما ع . ليعم عيسى وآدم ) تراب

153

التي هي نفـسها نفـخ ) فخلق من نطفة مستوية وقال له كن فيكون (

. فيهروح

قال له كن؟ هذا ما أوضـحته ) ثم(فكيف خلق آدم من تراب

سائر آيات القرآن الأخرى، بل لو لم يكن لدينا إلا هذه الآية لأفـادت

ن تراب جاء أولا، وهو ليس تمثـالا جامـدا، المخلوق م : الأمر نفسه

خلق "أو " شكله من تراب /جبله من تراب /صوره من تراب "وإلا لقال

بـل الآيـة . مـع الطيـر ) ع(كما فعل عيسى " من الطين كهيئة آدم

، أي كان كائنا حيا مخلوقا، وهـو إذاك "خلقه من تراب " أنه صريحة

نقل الشيء إلى طور آخـر غيـر : و هذا ه" خلق"غير تراب، فمعنى

خلـق ) (خلق السماء : (الطور السابق، فإذا قال القرآن أن االله سبحانه

، وكـان )خلق الأنعـام ) (خلق الذكر والأنثى ) (خلق بشرا ) (الأرض

،أمامنا سماء، وأرض، وبـشر حـي يا، فيعني أنالمخلوق شيئا ماد

، فـلا )45:النور()ق كل دابة من ماء خل(وذكر وأنثى، وأنعام، وإذا قال

يمكننا أن نتصور سوى وجود دواب أمامنا تدب أحيـاء، لا تماثيـل

على شكل دواب، وهذا بالتمام ما بينته حتـى منحوتةمائية أو جليدية

، فـالخلق )5:لرعـد ا()أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد (أقوال الكافرين

الثاني أو الجديد الذي من تراب، هو نفسه الخلق الأول البشري مـن

هو كائن بشري حي يمشي، آدم قبل نفـخ " خلق من تراب "تراب، فـ

" خلقوا مـن تـراب "حيا، والناس بعد مبعثهم " خلق من تراب "الروح

154

بعـد وجـود ) ثم(، )نخلقه من تراب ثم قال له كن فيكو (فـ . أحياء

آدم - كن"ذلك المخلوق البشري الحي الذي أصله من تراب، قال له

فالآية لا تقول أكثر من أن عيسى لم يخرج عـن الخلـق ".فيكون -

الآدمي، وأن آدم قبل أن يكون آدم الإنسان بـنفخ الـروح الإنـسانية

، كان مخلوقا آخر، خلقت "دمآ"المميزة الواعية فيه، أي قبل أن يسمى

خلقكم من (كما فصل سبحانه في بقية آياته كقوله -بداياته من تراب

ونتنتشر شرب إذا أنتم اب ثمتر(-) ثم ( بعد مئات الآلاف قال له كن ،

من السنين، تدخلت القوة الإلهية الخلاقـة وحولـت ذلـك المخلـوق

إلى آدم الإنسان بكلمـة الم ،الترابي ر من مخلوقات النسل البشريتحد

التي هي عملية نفخ الروح نفسه، الـروح " كن"هي " الأمر"من عالم

.)85:الإسراء()قل الروح من أمر ربي": (أمر الرب"التي من

ية، وخاطئ إن قصد به آدمتصور صحيح لإخراج البشر الأوائل من الأرض باليد الربان

155

الفصل الثالث

خلق البشر وآدم في تراث الآباء الأولين

:تمهيد

، باعتبار أننا قدمنا الكهنة ه توراة تلاسنعرض عن تفصيل ما ق

في الموجز في بداية البحث ما يفي بالغرض، وباعتبـار أن الحقيقـة

ريفهـا كمـا كما كانت شبه متجلية في نصوص التوراة حتى مـع تح

أشار القرآن وكما أثبت كثير من الباحثين العرب بل وبـاحثين يهـود

-أيضا ليس آخرهم المؤرخ الإسرائيلي هرتزوغ، فإن هذا المـصدر

مع مفرداته المحرفة عـن مواضـعها، أو الفهـم ( يضحى -التوراة

هو النشاز الوحيد في الميراث العربي حول مسيرة ) الخاطئ لعباراته

هذه المعرفة السامية منذ أول المدونات الدينيـة إلـى آخرهـا ثبات

لذا، فإنا سنرجع إلى زمن أقـدم حيـث الحـضارة ). القرآن الكريم (

العربية العمرانية الصحيحة في الرافدين ووادي النيل، وحيث التلويث

، لا الحضارة المخترعة للتوراتيين، التي لم تكن سـوى قليل أو نادر

لفة متنافرة تسكن الخيـام والمغـاور والبريـة، وكـانوا عشائر متخ

يحفرون الآبار بالعصي من أجل الماء، ويتقاتلون من أجل غنمـة أو

بئر ماء، ويغيرون على القوافل ويسرقون أموال الناس، كمـا تقولـه

156

التوراة نفسها، ثم انتحلت لها تراثا، لتصوغ لها حضارة في الهـواء،

.1بي البابليسما سمي بالبعد

) الأساطير والمدونات (كما أننا لن نحاول تثبيت التراث الأول

وبرهنته كمصدر صـحيح تـصلح نـصوصه للاعتمـاد والتوثيـق

المعرفي، ولن ننشغل بالتدليل على ذلك، بالرغم من حاجـة القـارئ

لهذا التعزيز، بفرض أن غيرنا من باحثين ومفكرين قد قام مـشكورا

. سنتعرض لبعضه في بحث آخر-ثانيا-، ولأننا بذلك

لكن القارئ يدري إجمالا أن القرآن قد أشـار إلـى وجـود

علـى النحـو " أساطير الأولين "و" صحف الأولين "و" الصحف الأولى "

المعتمد المحمود المحاكي لمقالات الأنبياء وللحقيقة القرآنية، وأشـار

علـم "اء لم ولن تنقطع عن الأرض، وأنـه أيضا إلى أن تعاليم السم

، ووجدنا لدى الأولين في الرافـدين "ما لم يعلم "منذ وجوده " الإنسان

الذين اتهموا جميعا جهلا بوثنيتهم، وهو غيـر -وسوريا ومصر النيل

" بابل"هذا السبي المسمى بالبابلي، حسب بعض المحققين، ليس إلى -1 ♦

اسما،الحضارة العريقة في العراق، بل إلى مدينة محاكية للعاصمةعاصمة تصغير " بابلون"في شبه الجزيرة العربية حيث كان بنو إسرائيل، وتدعى

، وهي )Babylon(كما هي مكتوبة في التوراة بالإنجليزية والعبرية " بابل"ظيم ، أشخصهم ملك بابل الع)21: 18 (رؤيا يوحناالتي دمرت، حسب

طريق التجارات وسلبهم الناس من موقعهم على الخط علىلفسادهم التجاري في سراة غرب الجزيرة العربية إلى الشرق قليلا في حامية من

".بابلون"حامياته العسكرية، وحصن من حصونه يدعى

157

نجد لديهم علوما وحقائق رفيعة لا يمكن أن توجد - صحيح بإطلاقه

ني بل وتلتقي تماما مع تعاليم الأنبياء وما أتت بـه مـن إلا بتعليم ربا

أسرار الكون والعالم الآخر، وقد دلت مروياتنا الإسلامية أن أنبياء االله

لأهـل ) ع(تحوت / كتعليم إدريس ،المعلمين قد انتشروا في هذه البقاع

والنحـت والفنـون -الرسـم والتـصوير والرمـوز -مصر الكتابة

. والعمارة والفلك والحساب والهندسة والنسج وغيرهاوالمساحة

رابي مـن اسـمه تعنـي -وكنموذج من حمورابي، وحامو

محامي الرب، كما نقول يومنا حامي الدين، أي الحارس من قبـل االله

كما فـي ) فسالنفس بالن (ي حمورابعلى حدوده، حيث نجد أن شريعة

ة الشمس، والشمس في التـراث المـصرينات أنه تلقاها من قوالمدو

تعبر عن مبـدأ العـدل والمـساواة ) شمش/أوتو(والرافدي ) أوتوم(

والرقابة الحية، هذه الشريعة الجزائية الصارمة التي سـبقت موسـى

قرن، هي عينها المكتوبـة 15بأربعة قرون وقبل صياغة التوراة ب

ي كتاب موسى، وضمنتها مدونات التوراة الموجودة، وأشار القـرآن ف

كتبنـا و: (إلى صحتها وأنها من تعاليم السماء لا بنحو واضع بشري

، يعني أن شـرائع الأنبيـاء )45:المائدة()عليهم فيها أن النفس بالنفس

في حضارات الوطن العربـي انيع(سـبقت موسـى والتعليم الرب (

.بكثير، فضلا عمن ادعى الانتساب إليه من التوراتيين

158

غير أنه، إن كان من خلل في تلك المدونات المنقولـة علـى

أيدي الغربيين من الألواح والرقم والبرديات وجدران المعابـد، فهـو

خطأ النقل النصي، ثم خطأ المترجمين، وللأسف الشديد فهذا هو مـا

لذا سنتجاوز باب البرهنة هـذا، خـشية اتـساع .صلنا وليس غيره و

البحث علينا وانفراطه، فكان إيثارنا أن نأتي بتلك النـصوص علـى

علاتها كشواهد أكثر منها كمعالجة أو كتصحيح، فمن تلك الآثار فـي

:تراثنا

: إشارات في التراث–أولا

شري الوحشي قد هناك إشارات كثيرة في التراث أن الخلق الب

: سبق الإنسان الاجتماعي

فـي ملحمـة الخليقـة (1فمن كتاب حضارة وادي الرافدين

وهو اسم " (إنليل"السومرية، الألف الرابع قبل الميلاد بعد قيام

بفصل السماء عن الأرض، ثـم خلـق ) يمثل قدرة االله وأمره

الإنسان ووضع في يده المعول للعمل وخدمة الآلهـة، نجـد

:ايات البزوغ البشري إنباتابد

.160، صحضارة وادي الرافدين ،عبد الوهاب حميد رشيد -1 ♦

159

فحفر شقا في الأرض

ووضع بدايات البشرية في الشق

وعندها بدأ البشر يظهر كالحشيش في الأرض

، نص يـتكلم )والنعجة" أشنان"أسطورة رب الشعير ( وأيضا

:عن الحالة الهمجية أول ما وجدت قبل التطور ثم الأنسنة

كل الخبزالبشر الأوائل لم يعرفوا أ

ولم يعرفوا ارتداء الملابس بعد

أي كـانوا يحـاكون (وكانوا يسيرون على أيديهم وأرجلهم

الحيوانات لا أنهم يسيرون على أربع، ومع هذا فـلا يمنـع

)تطورهم

ومن القنوات يشربون الماء

مردوخ

) القدرة الربانية(

يروض الطبيعة

الإنسانقبل خلق

160

فـي )حينمـا أولا =إينما إيليش (أما في ملحمة الخليقة البابلية

القوة الربانيـة الأسطورة وهو بطل أن فتقول اللوح السادس،

بعد ف، )الذي مردغ وذلل الطبيعة وسخرها " مردوخ"(المدبرة

بتمهيـده لهـا وتـشكيل غـلاف الأرض استقرار الأرض

للعـيش البـشري، ا صـالح ة الظـرف ، وصيرور والأنهار

ملايـين مئـات قبلواستقرار القمر وتبريده نهائيا بكل آثاره

وبعد اختصار كل تلك المئات الملايين من الـسنين، ،السنين

الذي كلما مرت حقب طوفانات عالمية نتيجة انحسار عصور

البحر الأول " ذات اليم /تيامت"جليدية، ذكرت بالغمر البدئي، و

وأعيد استلهامه، حتى حانت لحظة خلق الإنسان الواعي قبـل

م البـشر المتـوحش عدة عشرات ألف من السنين، على حطا

:1 الملحمةقولت اللاواعي قبله،

أي الملائكـة والقـوى ( سمع مردوخ كـلام الآلهـة عندما

")آلهة"الروحانية، وترجموها خطأ

وهي .209 ص، أساطير آرام- ثولوجيا السوريةالمي ،وديع بشور -1 ♦

:تحاكي قريبا ترجمة منشورة♦ "Blood I will mass and cause boned to be ♦ I will establish a savage, 'man' shall be his name ♦ Verily, savage man I will create ♦ (http://www.ancienttexts.org/library/mesopotamian/enuma.html)

161

أي قوة الإحياء الذي هـو " أيا ("بما يجول في قلبه " أيا"حدث

)أيضا" أنكي"

إني جامع دما، إني خالق عظما

"الإنسان"وسيكون اسمه سأخلق متوحشا،

"لولو"حقا سأخلق الإنسان المتوحش

النص لنا فيه وقفة، لأنه قد أسيء ترجمتـه، نظـرا لأن هذا

لكل كائن أرضي أو " آلهة"الغربيين ثم المعربين حشدوا كلمة

قوة كونية، علاوة أنه لم يهم بعض المعربين والمترجمين إلا

ـة صياغة نصالنظـر عـن علمي متع بغضقنع ومم أدبي

، "إنـسان "بكلمـة " بشر"مفرداته ودقتها، فهنا اختلطت كلمة

.، وشتان"تخليق"بـ " خلق"وكلمة

والمدهش أن النص قد ترجم بعدة تخمينات، فهناك كسر فـي

اللوح السادس وسطور تالفة وكلمات ضائعة، والمترجمـون

غ بمقارنات واجتهادات، بعـضها تعـسفي، قاموا بملء الفرا

وثالثـا بغيـر ،1والبعض ترجمها ثانيا بغير هـذه الترجمـة

♦ 1-"My blood will I take and bone will I [fashion], ♦ "I will make man, that man may ... [...]. ♦ I will create man who shall inhabit [the earth]," ♦ (http://www.sacred-texts.com/ane/stc/stc09.htm)

162

" مـردوخ /القوة الربانية الخالقة "ملخصها أن . وهكذا، 1الثانية

سيجمع الدم والعظام، من كائن أصلي، ليخلـق مـن الكـائن

ذه الفـصيلة البدائي إنسانا، ثم يطلب أن يؤتى له بواحد من ه

البشرية المتوحشة ليقتل وحده ومنه يصنع إنسانا تنسل منـه

.2الإنسانية

وهذه هي الوجهة الصحيحة، لشرح النص المعـرب أعـلاه،

فالبشر المتوحش موجود، ولن يتم خلقه لكن سـيتم تخليقـه،

سيخلق أي سيتم تحويله إلى إنـسان ") لولو"فالبشر المتوحش (

).Man(ل عاق

تكملة للنص الـسابق فـي )القوة الخالقة (لذلك يقول مردوخ

أي تلـك - من إخـوتهم قبض على واحد لي: (المصدر نفسه

وليقض عليه - kindredالفصيلة حسب الترجمة الإنجليزية

الواعي) أجل خلق البشرمن البشر الإنساني أي .

♦ 1 -' Blood to blood I join, ♦ blood to bone I join from an original thing, ♦ its name is MAN, aboriginal man ♦ is mine in making. ♦ (http://www.gatewaystobabylon.com/myths/texts/classic/enuma.htm#7) ♦ 2 - ' Let one of the kindred be taken; only one need die for the new

creation )المصدر السابق(.

163

ي تدل على كائن غيـر الت" لولو"وقد ناقشنا باستفاضة الاسم

، إلا أنه من المنصف الإشادة بما "وعصى آدم " في بحث واع

الإنـسان ":Lullu/لولـو ": (كتبه أحد الباحثين تعليقا، هكذا

البعيد أو السحيق، أو الإنسان الأول، أو الإنسان المتـوحش

الذي ذبح وصنع من لحمه ودمه مع ! وهو الإله .. والبدائي

، فلو حـذفنا كلمـة 1)سان، في الأسطورة الأكدية الطين الإن

.لما خالف الحقيقة شيئا" الكائن"العبثية، وحولناها إلى " الإله"

خلـق أن بداية البشرية متوحشة، ثـم تـم تحكيالأسطورة ف

من فرد بشري متوحش واحد قبض عليـه وقـضي الإنسان

خلق إنسان فردل ال عليه لية منه يأتي نـسة الإنـسانيبـشري

واللافت للنظر أن القارئ للترجمات التـي ، )أي آدم (الجديدة

وضعنا بعضها في الهامش لا يسعه إلا الاعتراف بمحاكاتهـا

إذ قال ربك للملائكة إنـي خـالق ( تعالى مقدس قوله الدقيق ل

.)72، 71:سورة ص().. فإذا سويته *بشرا من طين

البابلية، المعنية أيضا بالخليقـة " أتراخاسس"وأما في ملحمة

والطوفان، فنتبين أن خلق البشر تم من الطين لا مـن المـاء

، )إنكـي (الماء العذب /البدئي، الطين الذي وفرته قوى الأنهار

وأن خلق الإنسان بالخصوص لم يكن إلا بعد أن أطفئت قوى

.160 ص،متون سومرخزعل الماجدي، - 1 ♦

164

الإخصاب هي التي ستخلط الطين، أي قوى /القمر، وأن سيدة

ستخلقه، ثم بعد أحقاب من كائن ذي لحم ودم، سيتم مزج إله

وبشر في الجسم الطيني، أي نفخ الروح الربانية فـي البـشر

وواضح أن خلق الإنسان تم في نهايـة الـشهر . بكل بساطة

.1القمري

♦ 1 - They called up the goddess, asked ♦ The midwife of the gods, wise Mami, ♦ 'You are the womb-goddess creator of mankind! ♦ Create a mortal, that he may bear the yoke! ♦ Let him bear the yoke, the work of Ellil, ♦ Let man bear the load of the gods!' ♦ Nintu made her voice heard And spoke to the great gods, ♦ 'It is not proper for me to make him. ♦ The work is Enki's; He makes everything pure! ♦ If he gives me clay, then I will do it.' ♦ Enki made his voice heard ♦ And spoke to the great gods, ♦ 'On the first, seventh, and fifteenth of the month ♦ I shall make a purification by washing. ♦ Then one god should be slaughtered. ♦ And the gods can be purified by immersion. ♦ Nintu shall mix clay ♦ With his flesh and his blood. ♦ Then a god and a man ♦ Will be mixed together in clay ♦ (http://www.personal.psu.edu/faculty/o/x/oxf3/atrahasis.html)

165

:لبدء البشريطريقة القدماء في دفن الموتى تحاكي ا – ثانيا

ومن الآثار والنصوص، نستشف أن القدماء من سابق علمهم

بكيفية نشوءهم الأول، قد عمدوا إلى طريقة دفن تحاكي البدء

البشري، أي أن الدفن كان دينيا بحتا، لـذلك تـراه مرتبطـا

لدى حضارة وادي " كتاب الموتى "بالطقوس، ومن يطلع على

معرفة التي يمتازون بها، فبشأن الـدفن النيل يدرك عظمة ال

علـى دفـن تحـت تل قاليج آغاعثر في العراق في موقع (

أرضيات البيوت، بالإضافة إلى العثور على جـرار تحـوي

- خفاجـة وعثر على توابيت طينية في موقع -هياكل أطفال

السورية شاع الدفن داخل الجرار الفخارية خلال ماريوفي

وشاع الدفن في الجرار الفخاريـة فـي -ني ق م الألفية الثا

وفي مواقع أخرى عثر في بعض القبـور -المشرق العربي

-بشار خليـف "راجع ) على نماذج فخارية لزوارق شراعية

وهـذا يـدعم ".شعائر الموت ومعتقداته في الشرق القـديم

الفرضية أن البشر الأوائل كانت حاضناتهم بيوض فخاريـة

أن ط إنباتها هو الطين وغشاء تلـك البيـوض طينية، أيوس

لبيض الطيـور " الكلس"الرقيق هو من مواد الطين، كما هو

. والكلس من الطين أيضا

166

-ذاك المشهد التخليقي الأول قد أعيدت أجواؤه في تخليق آدم

له خروج من بيضة فخارية تخليقيـة ثانيـة، فصارالإنسان

لنمـاذج الفخاريـة للـزوارق، وحواء أيضا، ولك أن تقارن ا

والـذي (في الزورق " ننليل"والنص السومري عن اغتصاب

، وقد بينـا فـي المـوجز 1)نزعم أنه رمز على تخليق حواء

ة الطين كمصدر خلق البشر، وهذا أمريمعرفة الأوائل بخاص

لا يمكن للإنسان أن يتوصل إليه بلا تعليم، فمن الذي يـدري

هذا اللحم والعظم والأعصاب والدم، أصله طـين الإنسان أن

ين "طمي الأنهار "أيالد لولا أن ،/ أتى بهذا لـم انيالتعليم الرب

يكن إليه سبيل، فلم يشهد الإنسان السومري خلقا بشريا نهض

من بيوض الطين، بل شهد ولادات من بطون الأمهات، فمـا

) الملحمة المشهورة حسب(الذي حدا بالملك البابلي جلجامش

صديقي الذي أحب عاد إلـى (: أن يقول راثيا صديقه إنكيدو

التي تستبطن علما بأن من الطـين " عاد"، فلماذا يقول )الطين

، "الطين"بدلا من " التراب"؟ ولماذا لا يقول "دفن"بدايته وليس

مـؤتي حيـاة : أوتونفـشتيم (وفي الطوفان البابلي ينعى نوح

.، فالتراث معلم وواحد)وقد عاد البشر إلى الطين) (النفوس

جمعية التجديد الثقافية الحقيقة دون قناع،، آدموعصى :بحثانظر -1 ♦

.الاجتماعية

167

رسم تخيلي لجلجامش يحمل جثمان صديقه أنكيدو

وآخر لجلجامش وهو يندب أنكيدو

168

يدفنون موتاهم في الجرار الطينيـة عرب النيل وكان قدامى

والنواويس، فهذا التلاقي على الدفن في 1أيضا وفي التوابيت

مصر وسوريا والعراق، يدل أن القـوى الجرار والطين في

الربانية علمت الإنسان ما لم يعلم، وقد أشار سبحانه إلى نوع

من أنواع وسائل التعليم، حين بعث الغراب يعلم أحد أبناء آدم

) قـايين "أو التوراتي " قابيل"المشهور في التراث الإسلامي ("

ية تعليم الدفن كيف يدفن أخيه الذي قتله، وليست هذه هي بدا

غير عالم بهـا، ) ع(، ولم يكن آدم الإنسان الأول كما اشتهر

وما انفكت الملائكة تعلم الناس أساليب حضارتهم مباشـرة أو

عبر الأنبياء والمعلمين أو إلهاما، والـدفن وتقـديس الميـت

واحترامه، هي من التعاليم الأولى التـي تـواري سـوءات

عنها ذلك الفتى اليافع الشرير لغرته وابتعـاده الإنسان، غفل

.عن الهدى، لا لعدم وجود اهتداء لهذه الطريقة قبله

: القوى الروحانية المكلفة بتخليق آدم–ثالثا

سبق أن أشرنا في الموجز أن التراث يؤكد بأن خلق البـشر،

شاسع ثم الإنسان، قد تم بتدخل قوى علوية، وهذا هو البون ال

.331، ص ر القديمةديانة مصأدولف إرمان، : انظر -1 ♦

169

فلـدى .الصدفة العمياء وبين القـصد والإرادة الإلهيـة : بين

السومريين نجد حوارا بين القوى الروحانية المكلفة بتخليـق

م، ولكي لا يذهب . ق 2500الإنسان ويرجع نص تدوينه إلى

الذهن بعيدا، فالقوى الروحانية هي الملائكة المدبرة نفـسها،

" آلهـة "ر الخاطئة الواصلة إلينا والتي عدتها ترجمات الأساطي

بحسبانهم أن المنطقة هذه تغص منذ القدم بالشرك والوثنيـة،

توضع أمام القـارئ، " آلهة"لا بالتوحيد والمعارف، فكل لفظة

فما هي إلا رمز إلى فعاليات قدرة االله، وتعيناتهـا الخلقيـة،

ظـائف فهي قدرة االله حال الفعل، أي أنهـا تتمظهـر فـي و

وتدبيرات عبر قوى روحية نسميها الملائكة، تقوم بالنواميس،

ثم صار الأنبيـاء والمعلمـون يقدسـون أيـضا . والأسباب

لا بمعنـى " السادة"بمعنى " أربابا"ويحترمون فيطلقون عليهم

. الآلهة، كما نقول ربة البيت بمعنى السيدة لا الإلهة

يجري خطاب ،بين الملائكـة، قـوى ففي هذه النص رمزي

وهـو مبـدأ الحكمـة " إنجي/ إنقي/إنگي"التخليق، فيخاطب

" گـي -أن"هـو " أنگـي "والنقاء وهو المنجي، حيث مـرة

)ن/أند: عيقيع، لعدم لفظ حرف : گي --مسئول/عين/سي أي

العين، وهي قيعان الأرض، فهو مدبر الأرض من الملائكة،

مسئول توفير الميـاه " أنقي"أو ) الماء هو" عين القاع "وأيضا

170

المعتمد عليها حياة الأحياء خلقا واستمرارا، أو ) العذبة(النقية

وهو المنجي والمغيث والمعين والمعلم، مثلما نجد أن " أنجي"

أو الملاك هو الذي علم نوح بناء السفينة لإنجائـه " هذه القوة "

.الحضارةمن الطوفان وعلم البشر العلوم و

الجالسة للتدبير والمسئولة عن الماء،) إنكي(القوة الربانية

يفيض من جوانبه الأنهار

فهـي سـيدة ": نين ماح /نين ماخ "أما القوة الروحانية الثانية

حيث الخـاء " نين ماح "المخ، أي العقل المدبر، أما إن قرأت

فهي سـيدة الإحيـاء، السريانية واحدة، ) الأكادية(والحاء في

وقد تبرز تمظهرات أخرى أسبق لهـذه القـوى . باعثة الحياة

أي سيدة الماء، القوة الفعالة التي تخلـق مـن " نين مو "مثل

، "ناموس الخلـق الأول "الماء كل شيء حي، أو بتعبير آخر

باعتبار أن الخلايا الحية الأولى على كوكب الأرض قد بدأت

171

لهذا دعيت حضارة المايا لتـشير إلـى هـذه (ء في قاع الما

الحقبة، ورمز لها المصريون القدامى بزهرة اللوتس السابحة

، ثـم مـع تـشكل )فوق الماء وجعلوها مفتاحا للحياة وسرها

اليابسة من البراكين، تعقدت مظاهر الحياة لتنتقل إلى الطـين

الآسن وعناصره بدءا بالأحياء النباتي ة، يليها بملايـين المائي

السنين الحيوانية، وأخيرا جدا جاءت البشرية بالكيفيـة التـي

.شرحنا، وفي نهايتها بعد تطور تلك السلالات يأتي الإنسان

يفيض بالأنهار، شمش، يشرفون ) إيا(، إنكي )إنانا(نينورتا، عشتار

)مقر التدبير(على الجبل ذي القرنين

قوة الإنجـاء والخـلاص والحكمـة، وهو " أنجي"فيخاطب

أي القـوة المـدبرة، " نين مو "يخاطب القوة الإحيائية الأولى

إن الكائن الذي نطقـت " : الأم الكبرى، الناموس الأول، قائلا

172

ة تلك عليه "باسمه موجودانية الربت القولا، اربـط : ( ، فرد

فـي ترجمـة و) عليه صورة الأرباب وانفخ فيه من الروح

يا أماه، إن المخلوق الذي نطقت باسـمه موجـود، (أخرى

، )فاربطي عليه صورة الآلهة، عيني سـماته، إنـه إنـسان

يا أماه، إن المخلوق الذي نطقت باسـمه ( : وترجمة أخرى

موجود، فاربطي عليه صورة الآلهة، اعجنـي لـب الطـين

" المهـرة الـصانعين "، واجعلي "مياه العمق "الموجود فوق

يكثفون الطين، وعليـك أنـت أن توجـدي لـه الأعـضاء

من فـوق يـدك، ) الآلهة–الأم (والجوارح، وستعمل ننماخ

في أثناء صنعك، يا أمـاه ) .. الولادة(وستقوم بجانبك إلهة

. 1عليـه صـورة الآلهـة ) ننماخ(قدري مصيره، وستربط

؛ وانظر أيضا المصادر 199، ص ألواح سومرصامويل نوح كريمر، -1 ♦

إنكي ونينماح

يخلطان الطين

لصناعة الإنسان

والروح تحلق

أعلى لتنفخ فيه

173

وجـود قبـل والنص واضح أن الكائن البشري البهـائمي م

الإنسان وصاروا شجرة أي نسلا، هم البشر الأول الذين ظلوا

بيوض فما خـرج غيـرهم /يخرجون في بدء الخلق من بذرة

بعدها حين تغير الظرف وعقمت الأرض عن توليد مثل هذه

الحالات، خرجوا تماما كما سائر الكائنات الأخرى كل مـن

عملية تخليق ثانيـة فـي ثم جرى على واحد منها .. بذرته

اني خاصالطين (محضن طيني رب وفي )من لب ،لا طبيعي ،

حيث مقـر الأربـاب، ) الأبسو(داخل الجنة فوق مياه العمق

بـدأت مـشروعها ) الملائكة الصافة (فتلك القوى الروحانية

بمخلوق موجود كخامة لصنع الإنسان الذي سيصور واعيا به

بالملأ الأعلى وله مشيئة، أي علـى صـورة روح يتصل به

القـوة "أي القوى الروحانية، وتمعـن فـي وجـود " الآلهة"

حـسب الترجمـات ) إلهـة الـولادة "(المسئولة عن الولادة

القاصرة، فالولادة هي إخراج حي من حي لا من ميت، ولـد

.الإنسان من البشر

الميثولوجيا السورية ، وديع بشور: التي نقلت ترجمات أساطير سومر مثل

.69، ص أساطير آرام-

174

ا ستجن في كتابه زكري اليهودي ويقول بهذا الصدد الأمريكي

، عن خلـق البـشر لـدى 1)1976 - عشر الثانيالكوكب (

إن من الأحـداث التـي تناولتهـا الأسـاطير ": السومريين

السومرية المدونة في الرقم التي عثـر عليهـا فـي مكتبـة

آشوربانيبال في نينوى، ما أدى إلى نـشوء نـوع بيولـوجي

ى المعلومات عـن جديد سجلته أساطير سومر، وتوفر لنا أول

وفـي نـص . العمليات التي نسميها اليوم بالهندسة الوراثيـة

سومري نقرأ كيف تهيأ بويضة أنثى القرد الـشبيه بالإنـسان

) خلقها (والتي يلقحها ) ويعني البشر الهمجيي أحد الآلهة، ) أي

ثـم توضـع Enkiأي أحد المخلوقات الكونية واسمه إنكي

ق كوني اسمها نينورساغ غيـر البويضة في رحم إلهة مخلو

أن العملية تفشل فالمواليد كانوا عقيمين وذوي عيوب وراثية

أما التجربة التالية فكانت ناجحة وأول مولود لها كـان . كثيرة

وبعدها صـار الإنتـاج . اسمه آدابا وأمه كانت الإلهة نينكي

فيفتـرض أن . !نمطيا وأول مجموعة ناجحة سميت آدامـوا

سان العاقل كانت في تلك العمليات الجينية الواردة بدايات الإن

في الرقم المسمارية مما يعني مواصـلة للفرضـيات التـي

♦ 1 - http://home.iae.nl/users/lightnet/celestial/zechariah.htm

175

طرحها عدد من العلماء وهي أن ظهور الإنسان جاء نتيجـة

."لتدخل كوني في مصائر كوكبنا

، بأن ثمة تـدخل ربـوبي ونحن مع هذا الكاتب في استنتاجه

صورة وآلية حيثيات و للمفردات وفهمه ولسنا معه في تفسيره

الخلق الأول، وهو أمر سيتم معالجته في بحـث آخـر عـن

الخلق الكوني.

لكن الأساطير بينت فعلا أن ثمة خلقا بشريا قبـل الإنـسان

، لـيس )بشكل طبيعـي (ناقصا خلقته القوى الربانية المدبرة

ارة والذكاء والانتـصاب، بمستوى البشر الأواخر، ويفتقد المه

بل أيضا أخبرت بوجود البشر العقيم في أول الأمر الخـارج

من بيوض الطين قبل أن تطوره يد القدرة الربانية وتحـسنه

يجيء نسله من الماء المهين باقتران جنسي أ أنلقـد : (ليتهي

وصـنعت .. صنعت نين ماح من الطين المرأة التي لا تلـد

من الطين مخلوقا ليس له عضو الذكر ولا عـضو نين ماح

المخلوق البشري الذي لا يـتكلم، ولا " إنكي"وصنع ) "الأنثى

.1"يستطيع أن يتناول الأشياء بيده، ولا أن يثني ركبتيه

، وديع بشور؛ 200، ص واح سومرأل منصامويل نوح كريمر، -1 ♦

.86، ص أساطير آرام-الميثولوجيا السورية

176

:"كنزا ربا" كتاب الصابئة المندائيين –رابعا

فهـم أما الصابئة المندائيون الذين ذكرهم القرآن الكـريم،

سريان عرب، وموحدون، ويرجعون فـي تعـاليمهم إلـى

، أي أقدمها قبـل )ع(صحف آدم الرسول وشيث وإدريس

" كنــزا ربـا "ثمانية آلاف عام، وأهم كتبهم هـو كتـاب

كتـاب "أو " الكتاب العظيم "، ويسمى أيضا )الكنـز العظيم (

اهتمت نصوص ( : فيقول المستشرق الألماني رودولف " آدم

بعملية تكوين الإنسان، إذ إننا نجد ) كنـزا ربا (ي عديدة ف

أو الجـسد ) بغـرا (فيها التفريق بقوة بين تكوين الجسم

حصل " بغرا -آدم"لآدم، أي أن تكوين جسم، آدم " سطونا"

من قبل المشاركين في عملية التكوين وملائكة الكواكـب

بأمر من الخالق العظيم، حيث نجد فيه ملامح من العـالم

في الجسد مـن قبـل " نشمثا"وهبوط ). عالم النور (الأكبر

أحد الكائنات النورانية، ولا توجد نصوص موحـدة عـن

ذلك، أي من هو الكائن النوراني، ومع ذلك نذكر أسـماء

أحد الأثيري " مندادهي"الرسل الذين يتعلق الأمر بهم، وهم

-هيبـل "نفـسها " الحيـاة "المجهولين، عدد من الأثيري

لا يمكن الحصول علـى ". ادكاس زيوا "، "جبرائيل"، "زيوا

معلومات من النصوص حول تأثير المعرفة فـي عمليـة

177

تكوين الإنسان، التي تلعب دورا في هذه الموروثـات، إلا

أو أحد " مندادهي"قديما قد جلبت من قبل " نشمثا"أنه يبدو

.1)الرسل المجهولين

بثاهيـل : تكـوين جـسم آدم ( :ويقول أيضا عن خلق آدم

وملائكة الكواكب كونوا جسم آدم، بغرا، بإيعاز من أبيـه

" بثاهيـل . "وإرادته) الحي العظيم (، وبقدرة الخالق "أباثر"

، ملكـا "ملك هذا العـالم "، ويعطيه لقب "ابنا له"يسمى آدم

.2)وهو مثيله مثيل أباثر

فالنصان جليان أن آدم هو ملك هذا العالم، كما سيأتي فـي

سطورة التالية، وأنه مثيل للرب، وأن ملائكة الكواكـب الأ

وهـو ) جسد آدم(بأمر الخالق العظيم هم الذين خلقوا البشر

الخلق من الطين حسب كل التراث، ثم جاء أحد الكائنـات

أي " نـسمة "وهـي " نـشمتا "النورانية من عالم النور بـ

صبح مثيلا للـربوح، وأودعت فيه ليـ(الر وهـو ) اثرأب

واحدة فـي ) أو الطاء(الفاطر، حيث الباء فاء، والثاء والتاء

.أصوات السريانية

، 204 ص،النشوء والخلق في النصوص المندائية ،كورت رودولف -1 ♦

205.

.141ص ، النشوء والخلق في النصوص المندائيةكورت رودولف، -2 ♦

178

أكبـر .. عن المندائيين أن كائنات نورانية 1وينقل البعض

، انهمكت في عمليـة )أي أرباب (من الملائكة وليست آلهة

=مـار " (ربيبوتـا -د -مـار " "رب الأرباب "الخلق بأمر

دال للتعريف والإضافة في العربية القديمـة، رب، وال /سيد

وهو الفـاتح، " (افتاح إيل "، أحدهم هو )الربوبية = وربيبوتا

نفسه الذي تقدس عند عـرب " بتاح/فتاح"بادئ الحياة، وهو

ة الخلق الأولى في المـاء، ثـمالنيل، والذي بدأ عملي وادي

" دمآ"، وكان الخالق الذي لم ينجح في جعـل )على الأرض

وهذا يوافق ما فعلـه (يقف منتصبا، ) أو بالأحرى الإنسان (

، إذ كان مخلوقه )عند السومريين في البشر المعاقين " أنكي"

لذلك ). أي لم يزود بنفخة الروح الربانية بعد (ماديا بالكامل

من عالم الأنوار وأودعـت فـي آدم " روح"فقد أحضرت

هي لم تسبب في انتصابه سويا وحسب، بل وجعلته كاملا، ف

" هـوا "وفي وضعيته كشخص موحى إليه هـو وزوجتـه

تعلم آدم أن يحرر نفسه وروحه كي تعـود إلـى ). حواء(

أي " (روهـا "و .عالم الأنوار تاركة الجسد المـادي خلفهـا

هي كيان غامض يـدور بـين الجـسد والـنفس، ) الروح

-تاريخ سوريا الحضاري القديم أحمد داوود، : انظر مضمون الفقرة -1 ♦

.240، 239، صالمركز

179

كائنا أثيريـا كـان 360 إلى هذا العالم لقد هبط : ويقولون

وهو رب الأربـاب، أو (، "ربيبوتا - د -مار"على رأسهم

تجلـي الـضيا، حيـث (، ومنهم هيجل زيو )رب الملائكة

أبـاتر " (أباتر راما "، و )الضاد تلفظ زاي، التجلي النوراني :

أي (، ويحيـى )الرحيم/رحمة، الفاطر العلي : الفاطر، راما

افتـاح "، و )باهر الضيا " (بهرام زيو "، و )يي والمخلص المح

، )معطية سمات الحيـاة " (سيمات هيا "، و )فتاح الرب " (إيل

وكانوا يقومون بأعمال إلهية، وليسوا بآلهة، كما أنهم ليسوا

. بشرا، وليسوا ملائكة

:"عندما رسم الآلهة المدينة" أسطورة –خامسا

سبق أن قلنـا أن 1"المدينةعندما رسم الآلهة "أسطورة

هي من ترجمة الناقلين، والتعبير الأنـسب " الآلهة"كلمة

" عندما رسم الآلهة المدينة "، فعبارة "الأرباب/القوى"كان

:بإمكان ترجمتها إلى عبارات احتمالية كثيرة هي

: ... عندما

هذا النص الآخر له تكملة، حتى أن الأسطورة نفسها يطلق عليها البعض -1 ♦

جمعية الحقيقة دون قناع،، آدموعصى :بحثانظر " أسطورة إيتانا والنسر" .التجديد الثقافية الاجتماعية

180

أسـس /وضع /فصل /صاغ /شيد /هندس /خطط: رسم

..

/الـسادة /الملائكـة /المدبرون /القوى /الأرباب :الآلهة

..ملوك السماء /العلويون /الروحانيون /الأثيريون

": مـدن " حيـث -المسكن /البناء /المقام /البيت: المدينة

..تعني أقام، بنى، سكن، بات

الاحتمالات نستطيع أن نخرج بمئات التراكيـب تلكفمن

- وضـع -حينمـا (وبإمكاننا اختيـار . التي تبدو مناسبة

، والذي هو تماما قـول ) الأول -المقام / البيت -المدبرون

إن أول بيت وضع للناس للـذي ببكـة مباركـا (القرآن

المينللع دىهوالذي هو نفسه جنة سكنى )96:آل عمران ()و ،

الخليفة، آدم حينها، ومقام إبراهيم في زمن آخر، ومقـر

أرواح أبرار الناس في الأرض، كان هذا أول بيت مقدس

، مـزار 1ءيسجد الله فيه، بيت روحاني أنزل من الـسما

إينمركار "؛ وفي أسطورة 62، ص من ألواح سومرصامويل كريمر، -1 ♦

صانع : معركار(حارس، مركار /عين= إين " إينمركار" ، حيث "اتاورب أرالأرباب فيما / ، تتخاطب هذه القوى )رب الحرب= المعاركين الأبطال

":إنانا"، وقوة الخصب الكوني "إينماركار"بينها، بين القوة الحارسة

181

المعنية في النص وهو " المدينة"الموحدين، هذا البيت هو

آخر تقرأ للرب إنليل في (المسكن، لذلك نجد ترتيلة لنص

:1)مسمى السومريين

... ذات مظهر يبعث الخوف والرهبة)نيبور" (نفر "مدينة

)..الجبل العظيم(هي المزار حيث يسكن الأب " نفر"

الذي يعلو" إيكور"منصة البركة والخير في معبد

الطود الشامخ، الموضع المطهر

الأب إنليل) الجبل العظيم(أميره

، المزار السامي2"الإيكور"فقد أقام عرشه على منصة

♦ (Let Aratta build a temple brought down from heaven) : راجع موقع ♦ ♦ (http://www.piney.com/BabEnAratta.html).

، هو جبل النور، وفيه "أراتا"فواضح أن الأسطورة تحاكي البدء، حيث جبل ♦هذا هو الجبل " أراتا"المعبد والمزار القصي الذي أنزل من السماء، و

: المقدس الذي رحل إليه لوجال بندا جد جلجامش لطلب نصرة الأرباب♦ A third epic, Lugalbanda and Enmerkar, tells of the heroic journey to

Aratta made by Lugalbanda in the service of Enmerkar ♦ (http://www.piney.com/BabGloss.html)

.63 أساطير آرام، ص – الميثولوجيا السورية، وديع بشور -1 ♦

هي أشجار : يك حيث إ" أور-إيك "مركبة من " إيكور"لعل كلمة -2 ♦مغارة، فالمجموع / هي حور وغور، أي بيت: وأور . الجنة/ الفردوس

أي إحجور أي " ورگحإ"كما يمكن أن تكون ". المسكن الفردوسي"يعني

182

د ولا تبدل نواميسه المقدسـة، مثـل المعبد الذي لا تر

...السماء

مـا مـن أحـد " العمق"إن نواميسه المقدسة كنواميس

يستطيع إدراكها

..وقلب المعبد كالمزار القاصي وسر خفي كسمت السماء

بيت إنليل، إنه جبل الخير العميم

بيت اللازورد، المسكن الـسامي الـذي يبعـث " إيكور"الـ

قلوبالرعب في ال

...إن رهبته وخشيته لتضاهيان السماء

إن هذا النص العجيب لآبائنا القدماء الذين اعتنت بهـم اليـد

وسددتهم، ليعج بالعلوم وينضح بالأسـرار، وليـست الربانية

هي تلك المدينة التي فـي سـهل جنـوب العـراق " نيبور"

الخصيب، كما يظن المترجمون فليست تلك مـزارا سـاميا

قصيا وليست هي جبلا عظيما ولا تبعث الرعب والرهبة، بل

المكان المحجور والممنوع والقاصي وغير المدرك والخفي، تماما كما

كور، بيت الجبل -أو هي كما تترجم إي. تصفه الترتيلة في عباراتها)EKUR "Mountain-house"(يقول " كور" إذ ؛ تعني فوهة الجبل، والنص

.هذا أيضا

183

أيضا لأنـه " إنليل"المسمى (1هي الجبل العظيم حيث جنة آدم

والقارئ )الذي نفخ فيه من روحه ) إنليل(على صورة الرب ،

ا ومهيـبالمقصود هو مكان سام جد يدرك ببساطة أن للنص

" الـوفير "، وهـو المكـان "نفـر "جدا وقصي جدا، يـسمى

" المدينة"المياه المقدسة، فنلاحظ أن " نافورة"والخصيب وفيه

أي مسجد وبيت طاعة محضة لا " معبـد "، و"مزار"هي نفسها

. سـام " مـسكن "، و "بيت"، و "جبل"كبر ولا معصية فيه، وأنه

" المزار القاصي وسر خفـي كـسمت الـسماء "وإن عبارة

قرآنيا هو تستدعي في الذهن فو ىالمسجد الأقـصى "را مسم "

الحقيقي والأصل، الذي في الجنة أيضا وعلى ذلـك الجبـل

" والبيت المعمور .. الطور "والطود الشامخ، الذي يذكرنا بـ

".البحر المسجور"وأسفله

فماذا عن تلك الأسطورة؟

♦ 1- آخر يرينا أن هي الجنة تحديدا " نفر/ نيبور"ونص) في الوقت الذي لم

مأهولة بالآلهة فقط، كان " نفر"يكن قد خلق الإنسان بعد، ويوم كانت مدينة فالكلام هنا عن 73 ص ،.ن . م ، وديع بشور") إنليل"فتاها هو الرب ،

جنوب العراق التي " نفر"الجنة قبل وجود الإنسان، فهي ليست إذا مدينة بنيت بأيدي ذرية الإنسان بعد خروجه من الجنة ببضع عشرات آلاف من

.السنين

184

عندما رسم الآلهـة ("إن أقدم نص لهذه الأسطورة السومرية

البـابلي قد وصلنا من العـصر ") إيتانا والنسر "أو " مدينةال

موقـع مدينـة ي، وعثر عليه ف )م. ق 1600 -2000(القديم

سوسة العاصمة العيلامية، كما وصلنا نص منه آخـر مـن

، ونص ثالث )م. ق 1000-1600(العصر الآشوري الوسيط

من مكتبة آشور بني بعل من نينوى يعود للقرن السابع قبـل

الميلاد، وهو النص الأكثر اكتمالا ووضوحا من بـين تلـك

النصوص، وإن بعض المـؤرخين أوصـل شـواهد هـذه

أي أن الأسـطورة . م. ق 2600الأسطورة ومضامينها إلـى

قرنا فيما يعلم، أما 20 قرنا إلى 13أكثر من " مكتوبة"دامت

. شفويا قبل ذلك كم دامت؟ فاالله أعلم

ف الذين قرأوها بعين تاريخية أو أدبية أو جزئيـة وعلى خلا

عابرة، أو لتمرير فهم أو تحليل معين على السومريين الـذين

فكانـت ) ويعنون أنهم غير عرب (1زعموا أنهم غير ساميين

شواهدهم من هذه الأسطورة وغيرهـا بـالتعلق بترجمـات

السومريون غير ساميين فعلا، لكن لا على النحو المزعوم، فهم يقصدون -1 ♦

أنهم غير عرب أي ليسوا من هذه المنطقة، بناء على التقسيم الاستشراقي الاستعماري بعد تعميم فكرة توراة الكهنة وأن الناس جميعا هم من أبناء نوح سام وحام ويافث، لكن الحقائق تكذبهم إذ السومريون قبل سام، وهم

).ع(عرب، وليس الناس جميعهم أبناء نوح

185

ن ظنـوا خاطئة لمفردة أو لألفاظ وعبارات منها، وخلافا للذي

. 1أنها أسطورة تشويقية أو خرافية

فهم ما تقوله الأسطورة، ببـساطة -بإيجاز شديد -سنحاول

الأولين، الذين كانوا قريبي العهد بالإنسانية الأولى، وكانـت

الحقائق والاعتقادات والطبيعة تـشغل مـساحة أذهـانهم، لا

ى الأدب الافتراضات ولا التنظيرات ولا الاجتهادات، ولا حت

الشعبي إلا كقالب يخدم السلوك والـدين وتعلـيم الاجتمـاع

.والنظام

وكانوا يجسدون الفكرة ويموقعونهـا فـي حياتهـا حـسب

محسوساتهم، كانوا بعيدين عن التجريـد لأنـه يـسمو عـن

الطبيعة، وهم يريدون أن يعيشوا الطبيعة، فأسماء االله الحسنى

ة لتناول الفكـرة، فـاللطيف قـد تتخذ لديهم تشخصات طبيعي

يجسد بالهواء، والرحيم قد يجسد بالأم، والمعاقب قد يجـسد

لديهم بالرعد والبرق، وسنلفى في هذه الأسـطورة الـشمس

وهي تقوم مقام القيوم، الشهيد، القائم على كل نفـس ) شمش(

عض عدها خرافة لعسر تفسيرها لديه وعدم وجود ترابط بين جزئيها، الب -1 ♦

وبإمكانك أن تعثر على مثل هذا الرأي لدى بعض المترجمين الغربيين مثلما ، قاموس الآلهة والأساطيررولينغ، . بوب، ف. هـ.إدزارد، م. د: هو فيسومر أسطورة ، وقد أوردها أيضا فاضل عبد الواحد علي، 60ص

.ضمن فرع القصة الخرافية. 251، صةوملحم

186

بما كسبت، العادل، وجه االله الذي أينما نولي نجده، الكاشـف

لكل خبء، هكذا ينبغي أن نفهم ترميزاتهم لئلا نجحف بنوره

وسننقل النص، الذي هو عن ترجمة غربية، من كتـاب .بهم

كما هو موجود بنسخ قريبة فـي ) سلسلة الأساطير السورية (

، كما 251كتب فراس السواح، وسومر أسطورة وملحمة ص

في الهامش، وموجودة مجملة في كتـب أخـرى كمـا فـي

وغيرها مـن مـصادر، بـل 227لوجيا السورية ص الميثو

يستطيع المرء العثور عليها في الإنترنيت باسم أسطورة إيتانا

)ETANA MYTH:(

:النص الأول

...وضع الآلهة مخطط المدينة

...وأسس الآلهة المدينة

...وضع الآلهة أساساتها

إنـي "مضمون الأسطورة يحاكي المشهد القرآنـي : التعليق(

، والمدينة هـي الجنـة الأرضـية "جاعل في الأرض خليفة

للخليفة الأرضي كما قـدمنا أعـلاه، بعـد اسـتقرار المهيأة

الأرض بكل موجوداتها وأساساتها التـي هيأتهـا الملائكـة

187

ونـرى أن " آلهـة "المدبرون، وهي التي تنقلها التراجم أنهم

في الـنص " بابأر"أو " قوى"الترجمة المثلى والأصح كانت

السالف والآتي وفي كل النصوص، أما تعليقنا علـى البـاقي

.)فسنضعه أمام أسطر النص، بإيجاز مبالغ فيه

الـسادة : 1أنونـاكي ( :والآلهة الكبار أنوناكي محددو الأقدار

.")يوم القدر"الملائكة الأطهار، يحددون الأقدار في /الأنقياء

/مجمـع الملائكـة (د ن الـبلا تذاكروا وهم في المجمع بشأ

.)الأرض: الأرباب، حيث الجنة الأرضية المقدسة والمركز، والبلاد

المدبرون من سـادة ( مع آلهة الكون الذين يخلقون كل شكل

.)الملائكة الذين خلقوا الأرض وهيأوها، وخلقوا الكائنات

الجن -صنف الملائكة ( مهيبة كانت الايجيجو في نظر البشر

.")أجيج"منذ القدم، وهي متأججة " حجيج"رة الأرض الزائ

بدء اليوم الربـاني، رأس ( لقد حددوا للبشر عيد رأس السنة

.2) كانون الأول، يوم القدر، بداية الإنسان25السنة،

نقي، طاهر، فهم : ناكي –سماء، علوي، رفيع، سيد : أنو: ناكي -أنو -1 ♦

.أنقياء السماء، السادة الأطهار، الملائكة . جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية عيد الخليقة،، ليلة القدر: بحثراجع -2 ♦

188

موجود، لكـن كبهـائم " البشر(" دون أن يعينوا ملكا يحكمهم

.)ذكية، دون خليفة وملك

زمان فلم يكن حتى ذلك ال

لم يوجد، ولا حضارة، ولا عقل " آدم"أي ( من عمرة أو إكليل

.)مفكر مدبر، يصلح لتاج وعرش

ولا من صولجان مرصع باللازورد

العرش هو المـدبر، ( ولا من عرش قد أقيم حتى ذلك الحين

).الخليفة

وكان الآلهة السبعة

ور البشر فصيل غيـر مـذك ( يوصدون الأبواب وراء البشر

.)لدى الملائكة ولا يؤبه له، ولا اتصال معه

وفي الأماكن المأهولة

البشر لم يـدخلوا الجنـة المأهولـة (كانوا يوصدون الأبواب

.)بالملائكة، ليس بعد، إنما بدأ ذلك بآدم فقط

الملائكـة المتأججـة ( وكان الايجيجي يحيطـون بالمدينـة

والملـك " قال القرآن كما ،السماوية/يحيطون بالجنة الأرضية

.")على أرجائها

189

وفي هذه الحالة

هو الخليفة، ودور (كانت عشتار ترغب في إيجاد راع للبشر

.) نسل بشري الخليفةكقوة واضح، لأن" عشتار"

هـي قـوة " نـا ينإعشتار أو (" فكانت تفتش عن ملك للبلاد

ةالملائكة الـصاف أحد قوى الخصب، والتخليق، والنسل، هي

.)الموكولة بأسباب الطبيعة

عين "أنينا وهي بمعنى أن ( في إيجاد ملك البلاد " أنينا"وترغب

تبحث للأرض الزاهية، والطبيعة الأرضـية، عـن " السماء

.)، خليفة الرب في الأرضملكها

أي بـين ( عن عروش في الـسماء في التحري " إنليل"فأخذ

والعـرش هـو ،برينالملائكة إن كانوا يصلحون كخليفة ومد

.1) والتدبيرلمدبرل

ففتش في كل مكان عن عرش الملك

غير المفسرة إلا باعتسار وتكلف بهذا نستطيع تفسير كثير من الآيات -1 ♦

ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ (ومجافاة للعربية المبينة مثل أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على (، )17:الحاقة)(ثمانية

بهم، في هذه فعروشها هم أهلها المدبرون لها وتقوم)259:البقرة)(عروشها

).45الحج (و) 42الكهف (ية وفي التي مثلها الآ

190

أن : "يقـول المنـدائيون ( 1لأنه لم يكن بعد من ملك في البلاد

.)لتودع في آدم الكامل" روحا أحضر من عالم الأنوار

إنليل رب الروح نـزل (وعندئذ نزلت الملكية من السموات

، بعـد جعل الخلافة في أحد البشر بالروح من السماء وبأمر

.)نفخه بالروح

من البشر سـيخلق إنـسانا ( فقرر إنليل أن يخلق ملكا للبلاد

.)ملكا للأرض، ونسله سيكونون أربابها ومدبريها

: نصوص وادي النيل–سادسا

قبل الميلاد، فنجـد أما في وادي النيل في الألف الخامس

همجية، وتكريس نظـام الأسـرة طع شأفة ال قأنفسنا أمام

) مصر(بدلا من شريعة الأمومة، فتقول سيدة وادي النيل

أي " حـاز "مـن الفعـل " حيزيت"، وهي )Isis(إيزيس

المبصرة المنبأة الكاهنة، التي منها سمت العـرب أحـد

بالإبدالات بين الحـاء والهمـزة، ثـم ) عزى(أصنامها

" احزى"لهجتنا العامية نقول الهمزة والعين، وما زلنا في

ولم يكن قد ظهر ( عن هذه المرحلة مسخ الكائناتيقول أوفيد في كتاب -1 ♦بعد بين الكائنات من اتسم بطابع الآلهة، وكان جديرا بأن يملك الذكاء

). الإنسانثم كان أن خلق. الخارق الذي يتيح له أن يكون سيد سائر الخليقة

191

أي خمن وتكهن وتنبأ وحاول أن تعرف، والنص يجـده

إننـي ": ( لأدولف إرمان -ديانة مصر القديمة "القارئ في

أنا إيزيس عاهلة البلاد جميعا وقد تعلمـت علـى يـد

إنني أنا التي تشرق في نجمة، إنني أنا التـي .. هرمز،

بة، من أجلي قد شيدت مدينة بوسطة، يسميها النساء ر

إنني أنا التي فتقت السماء وبينـت مـسالك النجـوم،

واخترعت الملاحة، وعقـدت بـين الرجـل والمـرأة،

وقضيت بأن يحب الأبناء آباءهم، لقد وضعت مع أخـي

حـدا ) وتعني الوزير " آزر" من الفعل Osiris(أوزيريس

رار الخافية، لقـد أدلـت وأريت الناس الأس ! لأكل البشر

دولة الطغاة وحملت الرجال على حب النساء، وجعلـت

.1)..والفضة العدالة أقوى من الذهب

: 559، صديانة مصر القديمةأدولف أرمان، -1 ♦

♦ (I am Isis, mistress of the whole land. I was instructed by Hermes, and with Hermes I invented the writings of the nations in order that not all should write with the same letters. I gave mankind their laws, and ordained what no one can alter. I am the eldest daughter of Kronos. I am the wife and sister of the king Osiris. I am she who rises in the dog star. I am she who is called the goddess if women. I am she who separated the heaven from the earth. I have pointed out their paths to the star. I have invented seamanship.

192

♦ I have brought together men and women. I have ordained that the elders

shall be beloved by the children. With my brother Osiris I made an end of cannibalism. I have instructed mankind in the mysteries. I have taught reverence of the divine statues. I have established the Temple precincts. I have overthrown the dominion of the tyrants. I have caused men to love women. I have made justice more powerful than silver and gold. I have caused truth to be considered beautiful .. I assigned to Greeks and barbarians their language . . . I established penalties for those who practice injustice.)

♦ Refer to: ♦ http://www.mystic-mysteries-

magic.com/mysteries_egyptian_invoke_isis.htm ♦ http://duke.usask.ca/~niallm/252/Diodisis.htm ♦ http://www.sacred-texts.com/eso/sta/sta10.htm ♦ http://azothgallery.com/alchemical/k_damiani_sophiasoul.html ♦ and others

193

أكل لحم البشر

194

أثبتت البصارة إيزيس أمـرين رئيـسين مـن آثـار فقد

أكل لحم البشر، وشريعة الخـصب : الهمجية كانا سائدين

ة أو التأثر بها إذا كان فالحالة الهم .والزواج العشوائيجي

، في ظاهرة أكل البشر، ولوحقت آخر فلوله اإذاك موجود

لذلك ووضع حد له في بلاد العرب قبل سبعة آلاف سنة،

ليس غريبا أن نرى أن العربي ليس في ثقافته أكل لحوم

أيحـب (البشر، وأن القرآن يوضح طبيعتـه الإنـسانية،

، بل العربي لا ) أخيه ميتا فكرهتموه أحدكم أن يأكل لحم

يأكل جواده، إلا تضحية وكرما، في حـين نـرى فـي

الغرب استسهالا لهذا الأمر لدرجة أن المرء يعبر عـن

: شدة جوعه بقدرته على أكل حصان

(I am so hungry I could eat a horse)

ــا ى أمــسم ــشر فت ــم الب ــل لح ــادة أك ــة بع الهمجي

)Cannibalism( وكانت من فرط شيوعها في الغرب أن ،

دخلت في صميم نوادرهم وفكاهاتهم، ففي حين لا نـرى

في طرائف العرب بابا يتفكه بهذه العادة، فعلى النقـيض

195

في طرائف الغرب نجدهم يفردون لآكلي لحوم البشر بابا

.، لأنها جزء من الثقافة ومن تكوين المجتمع1للنوادر

دة من مئات الطرائف التي لا نجدها في ثقافة أمتنانموذج لواح

حيث -كما بينت إيزيس -أما ظاهرة الأمومة والخصب

لا عقد مخصوص بين الرجل والمرأة، ولا دور للآبـاء

قبـل -مع أبنائهم، فكانت سارية أيضا، إذ كان التكـاثر

: من تلك النوادر -1 ♦ بقائمة الطعام، أن رجلا من آكلي البشر دخل مطعما فأتى له الجرسون- ♦

)! ائتني بقائمة المدعوين: (فردها قائلاكم مرة قلت لك، أنه ليس من الأدب أن : ( ونصحت الأم ابنها قائلة له- ♦

). تتكلم وشخص في فمك: ما غذاؤنا اليوم يا أماه؟ أجابته: ودخل الطفل الجائع على أمه متسائلا- ♦

جدتي "وع كامل، كل يوم الغداء نفسه، أوه، لأسب: فامتعض متأففا! جدتك !هذه نماذج من طرائفهم"!!! جدتي

196

عشوائيا أي لـم يكـن هنـاك زواج -انتقاء آدم الإنسان

فالإخصاب كان السلاح الوحيد الفعال الذي كـان وأسرة،

يملكه ذلك الجنس البدائي في تلك الضرورات والظروف

القاسية، حين لم توجد ولا توجد معايير أخلاقيـة غيـر

وما وجدت المعايير الأخلاقية إلا بـآدم وبعـد .البهائمية

المعصية أيضا، فبدأت الأخلاق تتطور حـسب المفهـوم

ل للمعصية الأولى مع تطور الإنسان عبر المراحـل الأو

.التي مر بها وتجاربه واختبار وعيه ونظم اجتماعه

فنظر الإنسان إلى ضرورة التكاثر ليـسود علـى سـائر

المخلوقات الأخرى والعنصر البشري البهـائمي الآخـر

الذي كان مزاحما وموجودا بكثرة أيضا، والذي مثله مثل

لة اللحوم البشرية وغيرها، بـل كـانوا سائر الوحوش آك

بقي هذا النـوع إلـى ربمايصطادون بعضهم البعض، و

اليوم في الكهوف البعيدة في كل الأنحاء، وقد يتعلم قليلا

من الإنسان كما يتعلم أرقـى الحيـوان وأذكـاه بعـض

وح الواعي كالإنسان الـسويالشيء، لكنه يخلو من الر..

تدشـين حتى بعـد يقة التكاثرية طر ال ه هذ توقد استمر (

نظام الأسرة، فقد كان الخصب واجبا والعقم لعنة، ولمـا

أغلب المناطق التي لم تطأها أقـدام كانت الحقبة أمومية

197

فلم يكن تنسب الأبناء للآباء بل للأم، إذ أنبياء ومرسلين،

قبل تحول الفكر الـسائد أنثويةرمز لقوى " عشتار"كانت

" إيـزيس "لذلك نجـد أن .ة إيل الذكوري آنذاك إلى مرحل

وهي البصارة أو المتنبئة، هي التـي أرسـت الـشرائع

معها، المـسمى لـديهم " إدريس"الإنسانية، بتسديد النبي

" Thot/ Thoth : 1تـوت /تحـوت /إتحوت /حتحوت"

لأنه كما يقـال " إدريس"أيضا، وهو " إخنوخ /خنوخ"وهو

: هرمـز / هرمـوز "و أيضا المـسمى درس الكتب، وه

Hermes " مـوز والحكمـةعلـم الرولعلها من كونـه م

، والهاء إما هـي إقـلاب عـن "رموز -هـ"هرمز أو (

الألف إرمز، أو هي هاء التعريف كالألف واللام لـدينا،

.2باسمه" هرمز"وسمي مضيق ) حسب اللهجات القديمة

♦ 1- ن باسم النبيأي ذو الإحاطة : تحوط(توت / تحوت" إدريس"صار التيم

" = عنخ"و" توت عنخ آمون"، بادئة في أسماء ملوك مصر، مثل )بالعلومآمين، مين، ": آمون"عين أخ أي المعين والرقيب من الصاحب االله، واالله

.مينا، معن، أي المعنى الحقيقي للوجودآثارا له في المعمورة، "بل أن بعض الباحثين أثبت أسماء أخرى له، و -2 ♦

" أنسيبازي أنا"أن هرمس هو الملك السومري (وجعل أصله سومريا فيقول سلم قبل الطوفان، وت" سبار"الذي حكم مدينة " إيفيدواكس"ويسميه بيروس

المعارف والعلوم ونشرها شرقا إلى فارس والهند، ورحل " إنكي"من الإله وربما يكون قد بنى " إدريس"و" توت-هرمس"غربا إلى مصر وسمي هناك

وبذلك .. الأهرام، ولكنه علم السحر والطب والعرافة والحكمة للمصريين علوم للبشر كلها، ويرتقي يكون هرمس السومري أول عالم موسوعي علم ال

198

وهو إدريس وهرمز، يحمل اللوح والقلم، عند عرب ) وطتح(المعلم الرباني

وادي النيل

:"Cadmosقدموس " قصة الأمير العربي –سابعا

ة الأمير العربيونقرأ في التراث في قص" قدموس الفينيقي

Cadmos " ابن الملك أجينور، وهو الذي علـم الإغريـق

أختـه الحضارة والأبجدية الفينيقية، الذي راح يبحث عـن

في التاريخ الديني ميثولوجيا خزعل الماجدي، ) هرمس إلى مرتبة النبي .105، ص الخلود

199

أو أوروبا حسب أسطورة الإغريق والتـي " عروبة"الأميرة

سميت القارة باسمها، حينما ذهب إلى شبه جزيرة المـورا

" طيبـة "مع أفراد من عشيرته لبناء مدينـة ) اليونانية الآن (

Thebes افةديلفي (، كما أشارت عليه العرDelphi ( فـي

غـرزت أرجلهـا بتتبع بقرة وحيثمـا ) أبولو(معبد البعل

مدينـة "فالأرض تصلح لبناء المدن، فبينما كـانوا يبنـون

فأخذوا يبحثون عـن ) حسب القصة (شعروا بالعطش " طيبة

1الماء وذهبوا إلى المغاور والكهوف فخرج لهم أبناء التنين

الهمجية أبنـاء السلالة الأوائل يطلقون على وكان العرب("

الأفاعي وأبناء الحيـة، التنين وساكني الجحور والمغارات و

كمـا فـي 2الـصقالبة /وأشهرها وأشدها هـم الـصقلاب

هشر ات وفي الأدعية أيضا، وهم جيل من البشر نهمالمروي

أكول قصير القامة عريض الوجه والفكين يسحق العظـام

بها، وهذا الصنف كان موجودا في الشمال الأوروبي وفـي

الذي خرج إلـيهم مـن -أي هذا الصقلاب -الغرب وهو

الكهف، ودارت معركة بين هذا النوع مـن الهمـج وبـين

؛ 438 – 434، ص أساطير آرام–الميثولوجيا السورية وديع بشور، -1 ♦

. تحوي صفحات عن موجز لأسطورة قدموسم بلادهم بلاد تتاخ جيل من الناس: الأكول، الصقالبة: الصقلاب-صقلب -2 ♦

.514 ، صمحيط المحيطبطرس البستاني . الخزر بين بلغر وقسطنطينية

200

قدموس وجماعته حتى أنه قتل من جماعة قدموس العـدد

وتحولت قصته وقتله التنين ونثر أسـنانه وبنائـه 1")الكثير

.2المدن إلى أسطورة ورمز

المحارب الثالث عشر (نجد محاكاة لهذه المعارك، في فيلم أجنبي اسمه -1 ♦

The Thirteenth Warrior( أنطونيو بانديراس" بطله الممثل الأسباني" ، قاتل مع "هـ309 نلاضأحمد بن ف"ويحكي عن بطل عربييذهب شمالا وي

بعض الفرسان الشجعان قبائل الهمج المتوحشة البدائية من سكنة الكهوف .الذين تحكمهم شريعة أمومية متخلفة

♦ 2 - When Cadmus left Delphi, he soon ran into a white cow. He followed her a long way, over hill and mountain, through valleys and across rivers. Finally, the cow lay down on a knoll in the middle of a large plain-the perfect spot for a walled city. Then Cadmus sent one of his men to get water from a nearby spring. While he was gone, Cadmus sacrifice the cow to thank the gods. When the man he sent never returned, he sent two more men to see what had happened. They did not return either and he sent the rest of his men, a few at a time, after the others. Finally, he was left alone and went to see for himself what was keeping his men. When he reached the spring, he saw a dragon guarding the spring. At first, Cadmus was afraid it would eat him too, but the dragon was very sluggish and sleepy after eating so many men and Cadmus slew the dragon easily.

201

وهذا النوع من البشر الصقلاب هو الذي نراه في الإنيـاذة

عتيكـة نـراهم ضا، فحين ذهب الكاهن عنيا مع جماعة أي

وفـي .يصطدمون بهذا البشر الصقلاب آكل لحوم البـشر

)المرموز له بالتنين(قدموس يقاتل الهمج

202

" عنيـا "شرع الملك إيڤان يخبـر د لق: كتاب ڤيرجل الإنياذة

وجماعته النازحين إلى هناك بالكثير من أحـوال الـبلاد،

وكيف كانت في الأيام الماضية مأهولة بـشعب متـوحش

لما هرب رفاقي من هـذا : ة الوحوش، فقال لهم يعيش عيش

الشاطئ اللعين تركوني في كهف الصقلاب وهـو مخيـف

الهيئة، وحشي المنظر قد جاوز الحد في ضخامة جـسمه،

العينين كيف مد يـده يتغذى بلحم البشر، وقد رأيت بهاتين

وقبض على اثنين من رفاقي وسحقهما على الحجارة سحقا،

هذه هـي ". أطرافهما متناثرة تتجه نحو فمهرأيت أجل لقد

صورة الصقلاب ساكن الكهوف في أوروبا، قبـل هجـرة

العرب الأوائل إليها هناك في زمن قدموس وقبله، في شبه

ـ 1300جزيرة المورا وفي زمن الطرواديين بحوالي ل قب

الميلاد، كان هذا الكائن هناك ولعل تكوينه النفسي مـا زال

).هو السائد

203

صورة تخيلية للهمج آكل لحوم البشر

الأمير العربي دشن في أوروبـا " قدموس"بل إننا نرى أني

التي كان يسكنها البرابرة والهمـج آنـذاك، يدشـن فـي

أول مبـادئ الأسـرة والـزواج " اليونان"حاضرتها آنذاك

" مسخ الكائنـات "المسجل، فيقول أوفيد الروماني في كتابه

الـسعادة " قدموس"، ووجد "طيبة"نيت مدينة وب (116ص

ابنة الرب مـارس، " هرمونيا"في منفاه، فقد تزوج النبيلة

204

أسسوا تقاليد .. والربة فينوس، وأنجب منها أبناء وبنات

، والـرب )الأسرة، وأرسوا روابط المحبة بـين أفرادهـا

والربة تعنيان الـسادة المعلمـين والمـربين، وإن فهمهـا

.1الرومان خطأ فألهوا شخصياتها

" 2أتراخاسـيس " أصداء الهمجية أيضا في أسـطورة ونرى

م، والـذي . ق 1700التي يعود تدوينها إلى ) ع(وهو نوح

دية "حسبما يلوح من اسمه أنه ععترة: أترا" (حامي الذر -

ئ : خاسسخبمحتفظ، م يـدعو ) ع(حيث كان ) خاشش، أي

، لا الإباحة من جهة أولـى، ولا معاشـرة إلى شريعة إيل

الهمج من جهة ثانيـة، فهـو بهـذا صـائن النـسل أشباه

الإنساني، وهو باعتبار الطوفان المهلك الذي حـصل فـي

المنطقة وأباد الخاطئين والهمج هو أيـضا صـائن النـسل

الإنساني بدعائه على الفجار وإنجاء الأخيار ونسلهم معـه،

دة أسماء حسب ثقافة الأسـطورة، فهـو وقد حظي نوح بع

أساطير -الميثولوجيا السورية ع بشور،ودي: راجع بعض التفاصيل في -1 ♦

.435، ص آرام

كما وصلتنا بهذا التصويت، يحتمل مع الإبدالات ) هاسس-أترا (- 2 ♦خاشش، أي - عترة-أ: الصوتية بين السومريين أو الغربيين، أن تكون

حاسس، أي أكثر الناس إحساسا ودراية بالرب - أدرى-ب. المحتفظ بالنسلخاصص، أي المخصوص بالإطراء - إطرا- ج. وما يسخطهوما يرضيه

). سلام على نوح في العالمين(والثناء كما أثنى تعالى

205

يذ: الـسومري " زيوسـدرا "البـابلي، وهـو " أتراخاسس"

/أوتنبـشتم "وهو لدى البابليين أيـضا ،)الصدارة (درصال

. حائط وراعي النفوس" نفشتم -أوت

اللوح الثاني؛ أن االله امتحن " أتراخاسس"نجد أن في ملحمة

لأرض الظروف القاسـية، البشر بالبلاء والجوع، وعمت ا

" شريعة الهمـج "فعاد البشر المهلكون بعدئذ بالإغراق إلى

، 1حيث صاروا يأكلون بعضهم البعض ويـأكلون أبنـاءهم

.سواء أكلوهم ماديا أو هو رمز لحالة التوحش والظلم

ة في التراث السومري ـة الإخصابيـالقوة الكوني –ثامنا

:والبابلي

راث السومري والبابلي موقعـا خاصـا للقـوة لقد بين الت

سواء تعني ) عينان(وهي ) إنانا(الكونية الإخصابية وسمها

العين، أو عين العناية، أو عـين آن، أي عـين الـسماء،

لها لأنها تبقى كالحارسة الرقيبـة " كوكب الزهرة "ورمزوا

♦ 1- When the sixth year arrived, They served up a daughter for a meal,

Served up a son for food.

206

، 1في ظلمة الليل شرقا أو غربا إذا غاب الشمس أو القمـر

أي /أنف الروضات (، وهي أفروديت )الفانوس (فهي فينوس

عشتار أي مديمـة (، وهي عشتار الأكادية )مظهر الخصب

وعناة الأوغريتية أي العناية وقوة الخصب، )العترة والنسل

" الأنثـى "هي " أنتا"أو سيدة السماء لدى مصر، و " أنتا"وهي

أو الأرض، وهي العين الراعية المزهرة سواء في الـسماء

هي الأم، القوة الكونية المخصبة، تعنى بالخلق وبالجمـال

والزرع والنسل والخصب والزرع ومظاهر الحيـاة، ولـم

ا -يكند ) النساء( أدل من الأنثى -مفهوميكرمـز مجـس

يمتهن هذه الوظائف أو له هذه المخايل والسمات العظيمة،

عطـاء، نان وحـب و حمن توليد واعتناء بالذرية وإدرار و

ومن اعتناء بحقول الزرع، ومن جمـال وزينـة وتـورد،

علـى شـكل هذه القوة الجاذبة المخـصبة فقاموا يرسمون

كمفهوم فكري لا حقيقي، أي كتمثيل ذهنـي، ككـل " أنثى"

الرموز التي نرمزها اليوم في كل العلوم، بل كمـا نكتـب

نظامـا تواضـعيا ونلفظه، لنكون لنـا ) االله(رمز الجلاله

ير مركزك بكل ، وليتغ"عشتار النجوم"وليكن اسمك (في نشيد عن عشتار -1 ♦جلال بالنسبة إليها، الأكثر لمعانا، وليتغير مقامك بكل احترام، إلى المقام

، ليكن )أي الشمس(وشمش ) أي القمر(الأسمى، وحتى عند حراسة سين رينيه لابات وآخرون، ) سناؤك مشعا، وليتوهج مشعلك، في كبد السماء

.285، ص سلسلة الأساطير السورية

207

اتصاليا وتواصـليا فـي منظومـة أفكارنـا وأحاسيـسنا

.ومعتقداتنا، ليس إلا

روديـت؛ -أف( تعني وجه أو مظهر الخصب :فأفروديت

).روضة: روديت–هو الأنف والوجه والمظهر : أنف/أف

تعني مديمة النسل والعتـرة، :Ishtar(1(وعشتار الأكادية

وحي بالامتداد والديمومـة، ي) ش(حيث أن صوت الحرف

أي تقلب تقلبـا ) شقلب(، صاغوا )قلب(وكما أنهم في الفعل

ومنهـا العتـرة أي ) عتـر (هـي ) عشتر(متواصلا، فإن

السلالة، جعلوا الشين وسطها، لأن قـوة الإدامـة ذاتيـة،

، هـي القـوة "عـشتار "، والقوة المسئولة "عشتر"فصارت

ت ومازجت وجامعـت ولائمـت بـين الحيوية التي جاذب

الأزواج فألقحتها وأخرجت كينوناتها وأدامتهـا برعايتهـا

ونواميسها، فهي القوة التي تجذب كل زوجين في الوجـود

المادي أو الحيوي، الرجل للمـرأة مثـالا، وتـديم النـسل

ة تضجهذه القو ا(والتوالد والبقاء، لذلك نجد أنحين ) رمزي

الـذي ) ع(ينافي وظيفتها، كما في طوفان نوح يحصل ما

، وجعل "أستير"هي التي سماها التوراتيون ) Ishtarعشتار (هذه القوة -1 ♦

، فذهبت )نجمة الصباح والمساء(كوكب الزهرة /العرب رمزها التمثلي عينوهي نفسها عشتار، ما ) Starإستار (الغرب وصاروا يطلقون على النجمة

.يفيدك أن العقائد وأصول الأسماء والحضارة عربية

208

عـشتار صـرخت : (أباد من جاوره من أقوام عصت نوحا

كيف أعلن حربا تدمر شعبي، وأنا : كامرأة آلمها المخاض

اللوحـة -من ملحمة جلجامش ) (التي تسعى لتزيد توالدهم

).الحادية عشرة

إنانـا عـشتار أو (، ونظـام مستوى فكري رمز ل :فعشتار

طبيعي بحـت، / وجودا هو نظام كونيInanna(،السومرية

نظام : به وجدت المخلوقات واستدامت، وهو مفهوما ورمزا

أمومي/ مـز إليـه /أنوثيور ،ـإخصابي امرأة عاشـقة ب

وحين تطبيقه على الإنسان وتفاعل الإنسان بـه، . صارمة

حالـة بـزوغ كان هذا النظام هو الأصل وهو الطبيعي في

البشر الأولى إنباتا من الطين، لإدامـة نوعـه بالخـصب

والتزاوج المشاع باعتباره سلاحه الوحيد بـين الوحـوش

وظروف الطبيعة القاسية، لكن بعـد أن أوجـد الإنـسان

وأعطي الوعي فقد أعطي سلاح الإبداع، وجعـل مـسخرا

نـشأ فـي للطبيعة ولغرائزه غير خاضع لها بل مخضع، ف

التراث صراع زن مرموهو الفكـر ) فكر عشتار ( بين فكري

الغرائزي الإخصابي البحت والذي كـان لابـد منـه فـي

أي ) فكر إيل (، و وفي تلبية الغرائز بالحلال الأولى لبشريةا

شريعة االله، شريعة القيم والأسرة، تدشينا لشريعة الأسـرة

209

نسلا إنـسانيا غيـر الواحدة وقدسيتها بوجود الأب لينسلا

همجي ولا إباحي، ولينسخ ويزيح عمليـا علـى مـستوى

الكائن الإنساني الإلهي نظام الطبيعة الغرائزي السائد، نظام

، )شريعة عشتار (الإخصاب والإباحة والأمومة والنسل فقط

/أنانـا (لـ ) إيا /إنكي(وهو الذي عبر عنه أسطوريا بإنقاذ

ـ ) عشتار ، إذ أن دور 1ا إلـى العـالم الـسفلي بعد هبوطه

أي الفكر الإخصابي والزواج العشوائي قد هـبط " عشتار"

وسفل وانحط، وانتهى على مستوى رقي الإنسان وتطـور

فنقرأ " نزع عن الشريعة القديمة صدارتها "قيمه وسلوكه، و

لم يعد الشاب في الطريق يخصب المـرأة (في الأسطورة

قد إذن الرجل وحده في غرفته، ولتنم المـرأة الشابة، فلير

، ولهذا نرى رمزيا رفض الملك البـابلي )وحدها إلى جانبه

، أي رفضه لـشريعة العـشواء، "عشتار"إغراء " جلجامش"

) فعت عنها جميع أثواب السيادة والـسلطان، أيأنانـا "ر "

السومرية والبالبلية والآشورية إلى العالم ) عشتار/ أنانا(سطورة هبوط لأ -1 ♦

السفلي معنى تكويني قديم صحيح أيضا قبل هذا المعنى الاجتماعي، يناسب فعالية مبدأ الخصب بعد تهيؤ كوكب الأرض، حيث نلاحظ أن حيوية المياه

) عشتار( مبدأ الخصب ، هي التي بعثت)أنكي/أيا(النقية بتشكل الأنهار ة في معظم المناطق، لذلك يتميكون له دورات نصف سنوي للحياة، على أن

الصيف، " موت"، أو يقتله )دموزي السوري أو أدونيس(التضحية بالخصب لمدة نصف عام تحت الأرض، هي نفسها غيبوبة البذور، فالخصب

.ض بإخصابهاوالتزاوج صار له فصول بنزول إنانا وتمكنها من الأر

210

لقد صيغت قوانين العالم الأسفل بعنايـة واكتمـال، فـلا

تحـولا بعدئـذ " النظام القديم "، ولنشهد مع إذلال )اقشيتن

" لتلبس ثوب الطهارة "، "عشتار /للقوة الخصبية والغرائزية "

) إيـا (ولتخدم نظام الحكمة والأسرة، نظام الحياة الجديـدة

، لهذه الشريعة )إيل(وشريعة االله ) أنكي(نظام النقاء والنجاة

قـط، وحـواء لآدم وحـسب، العليا، تم إفراد آدم لحواء ف

وإسكانهما الجنة الأرضية قبل آلاف السنين كما قال تعـالى

.)35:البقرة()يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة(

فكريا واجتماعيا وعلـى (لذا نجد بروز :أنانا وشوكاليتودا

مـة النـسل ) المستوى الرمزي اللغوي والأسطوريقي دور

كخطابة، ونساجة، وكاهنة تقـف : في هذه الحقبة ) عشتار(

" أنانـا "مع قيم الشرف وتعاقب منتهكها كما في أسـطورة

؛ حيث تحكي أن فلاحا دؤوبا لاقى "شوكاليتودا" 1والبستاني

ظروفا صعبة في حقله حتى اهتدى لفكرة التظليل بالأشجار

؛ 159، ص إنجيل سومرخزعل الماجدي، : راجع هذه الأسطورة في -1 ♦

؛ فاضل عبد الواحد علي، 146 ص من ألواح سومر،صامويل كريمر،

عشتار ؛ فاضل عبد الواحد علي، 110 ص سومر أسطورة وملحمة،

، أساطير آرام-الميثولوجيا السورية؛ وديع بشور، 61صومأساة تموز،

؛77ص ♦ http://www.piney.com/InanaShu-kale-tuda.html .

211

ـ ")سربيتو"اسم الشجرة (الضخمة لحماية مزروعاته ن ، لك

حقله قد أبادته البلايا وفر هاربا لأن الدماء مـلأت الآبـار

والرياح عصفت بالبلاد، ذلك لأنه اغتصب فتاة في حقلـه

" العناية الربانية "أي دنس " (الربة إنانا "هي نجمه السماء أي

). نفسها

وواضح أن الأسطورة في الوقت الذي تعلم تجويد أسـلوب

ى الجد والابتكار والعمل الـدؤوب، إلا الفلاحة وتحض عل

أنها تربط أيضا بين السلوك الاجتماعي والطبيعة، أي بـين

ما لم يرتبطا بنسك أخلاقي ة والجدة، فالعبقريوح والمادالر

كاف واحترام للمقدس فإن لعائن الطبيعة تتـرى وتتـوالى،

ـ -الأسطورة-وهي ت ظـل إذ جعلت من الفتاة النائمة تح

الشجرة لتستريح هي أنانا ونجمة الـسماء والربـة، لكـي

أن لا تغتصب فتاة في الطريـق أو فـي : توحي لكل أحد

الحقل على ذمة الشريعة السالفة بعد نسخها، فلربمـا هـي

عشتار نفسها متلبسة، فتصيبك اللعائن والبلايا، فهـي -أنانا

أو لا تـرد (قية أسطورة وعظية، تشبه في الوصايا الأخلا

ك جاء يمتحنـك، أو أنهـا يـد االله تحقر سائلا فربما هو مل

أنها وعظية في صيانة النفس الإنـسانية -ودليلنا ) تختبرك

عن الإباحة القديمة والجاهلية الأولى الغرائزية التي منـع

212

فمـا . هو اسم الفلاح والـشجرة -1الإسلام من العودة إليها

هما؟

ا الاسم المعقد لنا فيه وقفة، فبناء على أن الـسومرية إن هذ

قديمة، وبنـاء علـى أن الأسـاطير ) عامية(لهجة عربية

مفاتيحها مخبوءة في شخصياتها وأسـمائهم، إذ أسـماؤهم

ليست اعتباطية بـل قـصدية فالاسـم هـو مفتـاح روح

لة الأسطورة، نجد هنا اسما طويلا هو في الحقيقة أشبه بجم

، فالشعب الذي يـسمي نينـا، أنكـي، أيـا، )شوكاليتودا(

لا يمكن أن ينحو للتعقيد باسم هـذا .. مردوخ، لولو، إيتانا

طوله، لاسيما في أسطورة ينبغي حفظها شـعبيا وتناقلهـا

ش وإلـى اشفويا، ما لم يكن ذا دلالة ذهنية قريبة إلى المع

) عشتار /أنانا(آخرا لـ الأفهام، إن الأسطورة أعطت بعدا

غير شريعة الخصب، هو عدم تعدي القيم ونظام الزوجيـة

تبرج الإناث وتعرضهم للذكور في عقيدة الخصب كما في الممالك -1 ♦

الحيوانية أمر مرغوب، لكن لا في عقيدة الأسرة وشريعة الخلافة الربانية، ، )33:الأحزاب( )ىولا تبرجن تبرج الجاهلية الأول:(لأنها غدت جاهلية أولى، ولماذا أضيفت هنا، لتدلك أن المقصود ليس "الأولى"وتمعن فقط في كلمة

مجتمع الجاهلية قبل البعثة النبوية، بل الحقبة التاريخية الموغلة في القدم، وحده للدلالة " الجاهلية"في الحقب البشرية، فالقرآن قد استخدم لفظ " لأولىا"

آل )(يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية(بعثة قبل العلى حقبة ما إذ جعل الذين كفروا (، )50:المائدة)(أفحكم الجاهلية يبغون(، )154:عمران

.)26:الفتح)(في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية

213

الرجل بجمـال فتـاة ولـو عقل أخذ نإمهما بلغ الشوق و

مستلقية أمامه أو تحت طائلته، فليمنع نفسه أن ينزو عليهـا

، والبستاني لم يمـسك نفـسه جنـسيا نزو الفحول المنساقة

أرتنا كيف تشرد وحل عليه غـضب فاعتدى، فالأسطورة

مع أنه كان خادما للطبيعة عارفا بأسرارها ولعائنها الطبيعة

وهـذا " بيتـو -سر"بدليل اهتدائه لغرس الشجرة الوارفة

البيـت "هي " بيتو -سر"الاسم لنا فيه وقفة، إن 1"سر أي ،

نظام الأسرة نفسه، الزوج والزوجة، لا الإباحة والعـشواء

تلاط، هذه هي الشجرة الوارفة الظلال فـي الأزمنـة والاخ

ذات الظل العريض، إن " بيتو -سر"إنها شجرة الـ : (كلها

ظلها لا يزول، لا في الفجر، لا فـي الظهيـرة، ولا فـي

، إنها كما تقول الأسـطورة التـي تحمـي حقـل )الغسق

فمـن . من زوابع الفتن وتبني أواصـره ) المجتمع وأفراده (

الشجرة، شجرة الأسـرة، لا ينبغـي عليـه أن غرس هذه

يدنسها، لأنه مع نظام الأسـرة تظهـر مفـاهيم العـرض

والشرف والنسب والعفاف، فهذه الأسطورة ترسم تهـذيبيا

أو " سر"قد تعطي دلالة " س ر"ف السين والراء ، إن حر" بيتو- سر"-1 ♦

، حيث السومريين يختزلون الكتابة من جهة، ومن جهة "أسر"أو " سور"أخرى فكتابتهم خالية من صوتيات الحروف اللينة، حروف العلة، إذن؛

، "أسرة البيت"أو " سور البيت"أو " سر البيت"تعني " سربيتو"سواء كانت . أن الحرمة البيتية المقدسة هي التي انتهكتفهو الأمر نفسه،

214

على مستوى الضمير تحاشي الاعتداء على أي فتاة وتدنيس

.1عرضها، وانتهاك قيم الأسر، لأن وراء ذلك وبالا عظيما

ــ" ــة " وكاليتوداش ــسختها بالإنجليزي ــن ن ــة ع المنقول

)Shukalletuda( هي كما يلوح لنا ،)Shuk-alle-tuda (

وباعتبار أنه لا الغرب ولا السومريون يلفظون العين، فهي

تعدى، أي الـشوق الـذي تعـدى -اللي -شوگ: بالعامية

.وتجاوز بصاحبه إلى الخطيئة

فـي " إيل"فظة على شريعة إذن فالأسطورة تدعو إلى المحا

الأسرة وتسييد القيم الإنسانية الضابطة عن الهمجية فينـا،

سيدة ) أي البصارة " حيزى"وهي " (إيزيس"وهذا ما أثر عن

م والتي صـارت مظهـرا .وادي النيل قبل الألف الرابع ق

وعقـدت بـين : (آخر لقوة عشتار المحافظة على الإنسان

ضيت بأن يحب الأبناء آبـاءهم، لقـد الرجل والمرأة، وق

)..حدا لأكل البشر" أوزوريس"وضعت مع أخي

لعل هذه الأسطورة الوعظية بعدم انتهاك الطهارة الإلهية والنظام الرباني -1 ♦

وإلا فإن الطبيعة نفسها تلاحق المنتهك بلعناتها ويأتيه الشر من حيث كان " أكتيون" عن الخير يأتيه، تحاكي أسطورة إغريقية جاءت على أعتابها،

" أركتيون"، إذ بينما كان )إنانا- وهي وجه إغريقي لعشتار" (أرتيميس"ووهي تستحم في غدير عارية، فغضبت " أرتيميس) "الربة(يصطاد، فاجأ

ماكس شابيرو، : انظر. فلاحقته كلاب صيده ومزقتهالربة وحولته غزالا .29، صمعجم الأساطير

215

علـى ) القـوة الخـصبية -عشتار /إنانا(هذا التحول لدى

الإنساني الواعي، هو الذي حولها لتعلم ربات الكائنصعيد

الأسرة من النساء، النسج، والزراعة، وممارسـة دورهـا

/حنة / عناة(الرجل والمرأة، تحت اسم كخطابة توفق بين

التـي " عـشتار "ريت، وتصبح عقيدة گفي أساطير أو ) أناة

أي الزوجة والصاحبة، وهـي " عشيرة"همها تناسل الناس،

حناث أي الزوجة، فيقوم الصدام بين /أو حناة " حنة"نفسها

الجديد، صراع بـين " العشيرتي"القديم و " العشتاري"الفكر

ن، بين المنسوخ والنسخ، بين الأرفع والأدنى، بـين عقيدتي

التقليدي والجديد، بين التوحيد الاجتماعي والشرك، بل هذا

التحول نرصده صريحا، في تراث البـابليين، الـذي حـدا

للوقوف مع جلجامش بعد إهانته لها، وبعـد دوره " إنانا"بـ

مـن ثـورة الطبيعـة " أوروك"الكبير في إنجـاء مدينتـه

الذي بدا ظاهرا وكأنه عقاب ) الثور السماوي (وأعاصيرها

سماوي إجابة لدعوات النساء الإباحيات اللاتـي تـوجهن

واسـتغاثاتهن ونيـاحهن الكبرى بـضجيجهن لمعابد الأم .

فتأنسن الفكر الإخصابي واقعا، رمـز أسـطوريا بوقـوف

ـ(عشتار إلى جانب جلجامش، كما قال تعـالى ا بكـت فم

) بكت السماء عليه دمـا : (ونقول) عليهم السماء والأرض

216

ودلائـل ، فكلها رموز وتمثيلات )وقفت السماء إلى جانبه (

".الإنساني -الطبيعي /الكوني"لهذا التآزر

عشتار مع جلجامش

التـي huluppu(1 الخلبو(عن شجرتها " إنانا"ونرى تخلي

" تخلب"، ويبدو أنها التي تترجم أنها الصفصاف أو الخالوب

العقول، وهي شجرة الإغراء والإباحة نفسها، تلـك التـي

بعدما قطعتها رياح التغيير من مدن " أوروك"استقدمتها إلى

فـرات الجزيـرة العربيـة (أخرى على ضفاف الفـرات

؛ والمصادر الكثيرة التي 223، ص ل سومرإنجيخزعل الماجدي، -1 ♦

".ملحمة جلجامش"تحوي

217

، نظـام 1 النظام الجديد تلك القرى بعد أن اعتمدت )الأصل

حين كـان " أوروك"رعتها سنين في ، فغرستها و )االله(إيل

. القديمحليفا لهذا الفكر" هواه"جلجامش على

قطـع هـذه الـشجرة، " إنانـا "فالتحول يبدأ حينما أرادت

الطبيعي التي ابتدأت مع الخليقـة الخصب شجرة ،شجرتها

مـستوى الإنـسان ل بالنـسبة وعدت شجرة خبيثة الأولى،

في سبيل التطور وعقبة ،تمنحى الرسالا لرقة ا مف الواعي،

قطعها من مدينة جلجـامش "إنانا/العناية "الإنساني، أرادت

، هذه هي المرحلة نفسها التـي ظهـر فيهـا دور "أوروك"

للفكر الخصبي والنسلي الملتزم بقوانين الأسـرة والأبـوة

بل الذي يبدو أن عقيدة الخصب التي كانت موجودة وظلت منذ الإنسان -1 ♦

الأول، كان أصلها شبه الجزيرة العربية، حيث نهر الفرات الأصل، جنوب ذه العراق، وحيث تأتي تعاليم الأنبياء والمصلحين من هذا الجنوب، من ه

المنقذ، والناقض، " أنكيدو"الصحراء، كرياح التغيير العاصفة مثلما جاء :لنسخ وإزالة شجرة الخالوب أو عقيدة الخصب والزواج المشاع، فاقرأ

♦ Once upon a time, a tree, a huluppu, a tree -- ♦ It had been planted on the bank of the Euphrates, ♦ It was watered by the Euphrates -- ♦ The violence of the South Wind plucked up its roots, ♦ Tore away its crown, ♦ The Euphrates carried it off on its waters ♦ (The Sumerians. Samuel Noah Kramer, p. 199 )

:وأيضا ♦♦ http://ccat.sas.upenn.edu/~humm/Topics/Lilith/gilgamesh.html

218

خضوع إنانا لجلجـامش، -تمثيليا -والمذعن لأطرها، أي

ورفـضه لتلـك لهـا غوائه، وبعد إهانتـه بعد فشلها في إ

فنجد أن جلجامش وائتمارا لنداء إلهي مـن .الشريعة البالية

يقـوم بقطـع ) ةمحيطقدرة ال ال=حوطو /أوتو(رب الشمس

في أسفلها ) الغرائز" (الحية"تلك الشجرة الخبيثة التي سكنت

والشياطين في وسطها وأعلاها، فقطعها جلجـامش وقتـل

إلـى )ليليـت (وبعثر سكنتها من الشياطين ) ائزالغر(الحية

طـائر - وفراخـه "Zu"طائر الزو (الخرائب المهجورة، و

وهم مفكـرو هـذه الـشريعة -) السو بالعامية أي السوء

. شردهم إلى الجبال-وكهانها

، وهو )عين سو (لقد كان السومريون دقيقين جدا حين قالوا

لإباحية، وهـو أصـل كـل وا" السيئات"رمز من فتح باب

حصل للإنسان، رمزوا له على شـكل طـائر لأن " سوء"

أصله مع الملائكة، هو إبليس، حين كان طاووس الجنـة،

Myth(المكتوبة في ثلاثة ألواح ) زو-أن(فتقول أسطورة

Of Anzu ( أن)كان طائرا في الجنة، نظر ) عين سو/أنزو

وتمنى فـي قلبـه ) لإنلي(ونظرة حسد إلى ) عين سوء (بـ

ة مكانه، وأراد سرقة ردائه الربوبيوتغييـر منـه الملوكي

، وتمت له بعد )سرقة لوح الأقدار (مصائر أرباب الأرض

219

ونـزل ) إنليـل (انتظار طويل تلك الفرصة، حينما تعـرى

يستحم في ماء التطهير، بعد أن نـزع عـن رأسـه تـاج

وقرر ) آنو( الأعلى غضب الرب . الملوكية ورداء الربوبية

-نـين (بالنار ورجمه عقابا له، بواسطة ) عين سو (رشق

، وهو الجبل الناري القاذف المحيط بالجنة ) Ninurtaنورتا

فصارت منذ ذاك حرما آمنا محظـورا إلا علـى الأراوح

-نـين (الطاهرة تدحر الشياطين بعيدا عنها بشهب الملائكة

.1)شهب القاذقةأصحاب النار وال= نورتا

، أن كـل )وعصى آدم ( لاحقا في بحث معصية آدم سنرى

هذه الحيثيات صحيحة، وأن إنليل المقصود هنا هو إنليـل

أي ،آدم"البشري " إنليـل (بالخصوص، مثيل الـرب( وأن ،

وهـم (الشيطان سيسرق منه الذرية لتغيير مصائر البـشر

).يفتهاأرباب الأرض المفترضون بعد جعل آدم خل

الحقيقة ، آدموعصىفي بحث ) سو- آن( شرح أسطورة طائر تكملة- 1 ♦

. جمعية التجديد الثقافية الاجتماعيةدون قناع،

220

)له وجه الشيطان) (سو-آن(رمز طائر عين السو

:)The Epic of Gilgamesh( في ملحمة جلجامش - تاسعا

نشهد سيرورة التحول الفكري لدى جلجامش مـن النظـام

، بـدخول "االله /إيـل "القديم العشتاري الإباحي إلى نظـام

/عـين : عـين /آن /إن) (Enkiduإنكيدو (شخصية تدعى

فهو سـيد النظـام ) 1أسر /قيد: كيد+ مسئول /سيد /رقيب

لدى السومريين ولدى " العين"فحرف (نلاحظ أن اللهجة عربية بحتة -1 ♦

، مكونة )En-kiduكيد -آن(لذا فإن ": ألف"المترجمين الغربيين أيضا ينطق كما تلفظ " عين"، يعني )En(بالإمالة " إن أو آن: "من مقطعين، الأول

بالعامية أي المسئول والراعي والرقيب والحارس والرب والمعين، والمقطع والقاف تلفظ كاف في لهجات عربية كثيرة كما هي لدى " كيدو: "الثاني

الغربيين، والواو الأخيرة في السريانية، مثلها مثل الألف الممدودة في

221

الجديد والأسرة، والمبشر به ضد الإباحة، لذلك يرمـزون

بثور له رأس إنسان، أما أنكيدو ) دموزي(لمظهر الخصب

نجم " "سليل نينورتا " "شبيه الآلهة " "العظيم" "النبيل"الإنسان

ض الرمـز فهـو مـرو 1"شهاب آنـو الثاقـب " "السماء

الإخصابي، أو قل مؤنسن الجموح الجنسي وكابح العشواء

والثور الهائج، فهو أشبه بنبي أو مصلح، لذلك كان يفـسر

أحلام جلجامش والمرشد الذي يبصره بالطريق ومخـاطره

إلى المزار الإلهي البعيد كما فـي قـول جلجـامش عنـه

، وهـو ، هـو مرسـل مـن االله )وأحظى بصديق ومرشد (

استجابة المظلومين، جاء مـن الـصحراء ومـن غابـات

كما نلفظها " قيد"الفينيقية، هي الضمة أو تنوين الضم في الفصحى، فكلمة

القيد والنظام والأسرة والرابطة والعقد : وهي تعنيkidu" "يكتبها الغربيون والوثاق والعلاقة والنسب والصهر فكلها بمعنى واحد يدل على الالتزام،

ئلة وعلاقة الأب بالابن، ومنه جاءت الأسرة، وعقد الزواج، وروابط العاأنها دشنته " إيزيس"فكلها روابط، وقيود، وأسر، وتنظيم، كما سبق وأخبرت

كما لا يمنع . الفينيقي في اليونان" قدموس"في حضارة مصر النيل، وفعله للنظام " المقوض"أي " أنقض"للفكر القديم، أو " النقيض" "أنكيدو"أن تعني

إذ القاف كاف، والذال دال لدى أهل ) أنقذ(أدلها أنه القديم، أو أسهلها وبة السماء الذي جاء استجا" المنقذ"سومر، كما لدى كثيرين وللآن، فأنكيد هو

.لاستغاثات أهل أوروكسليل "حسب اللوح الأول من الملحمة، و" أنكيدو"هذه هي أوصاف -1 ♦

جبال السراة، حيث المزار نين نورتا هي ربة الجبل المزهر، وهي " نينورتاوالمركز الرباني، فهذا دليل آخر على ارتباط أنكيدو بالتوجيه الإلهي بشكل

إله السماء، فهم نجم السماء الذي يهدي من " آنو" "شهاب آنو الثاقب"ما، أما الظلم والشهاب الذي ينقض.

222

فتقول الأسطورة عنـه أن القـوة 1الجبال، أي من المركز

رجل آت مـن (، )خلقت في الصحراء أنكيدو البطل(الإلهية

، بـل )قلب البادية، ليس في البلاد مـن يـضاهيه بأسـا

والأسطورة اقتبست شيئا من مفهومها عـن الخلـق الأول

صنعت صورة من فكرهـا مـن (فقالت عن القوة الربانية

جوهر السماء، غسلت بالماء يديها، وانتشلت من الطـين

، فصنعت أنكيدو النبيـل، )الفلاة(غرزة، رمتها في السهل

العمـود -اللـوح الأول ) "نينورتـا "ابن الفضيلة، جوهر

وقد كان جلجامش يرى منامات فـي قـدوم هـذا .الثاني

وث تأخذ بيديه، وكأنه صخرة مـن الـسماء هبطـت المبع

. بقربه

بادئة تأتي : "جل"" (جلجامش"اهتدى " أنكيدو" على يدي إذن

جل وعظم فهو العظيم : أمام أسماء القوى والملوك، بمعنى

هي جاموس بالإقلاب بـين الـشين والـسين، : "جامش"+

ـ) گاموس وگـاموش (وللآن بعض اللهجات تنطقه وع والن

الوحشي منه يعد من أقوى وأشرس الحيوانات على وجـه

الأرض تهابه حتى الأسود، وقدرته على تخصيب الإنـاث

هذا المركز كان منذ الدهر في غرب شبه جزيرة العرب، حيث -1 ♦

.صحراء، وغابات الجبال، جبال السراةال

223

لذا جاء في الأسطورة ) هائلة جدا، فهو الثور القوي العظيم

الأرباب العظام جعلوا جسده كاملا، يفوق الجميع، مخيف (

روك بالرب ، وأورد النص استغاثة شعب أو )كالثور البري

من طغيان جلجامش حين كان مستبدا ويتبع شريعة الإباحة

جاموسـا أنت الذي خلقـت مـن جلجـامش (لا التنظيم

. 1)هائجا

الثور العظـيم، لفـرط قوتـه / الجاموس -جلجامش -فهو

إن شـهوة : (وفحولته ضمن شريعة الخصب التي تحكمـه

رب، ولا جلجامش لم تترك عذراء لحبيبها، لا ابنة المحـا

/ ، لكنه حين تحول فكره إلى النظام الأسري )زوجة النبيل

وبعد رحلتـه " أنكيدو"الذكوري على يد المبعوث له والمنقذ

ة، بدأ صراعه مع الثور الوحشيالنظام القـديم /الأسطوري

،والـشعبي مثله سابقا، بدأ الصراع بين الرسميالذي كان ي

يا صديقي رأيت : (ول لصديقه أنكيدو بين الجديد والقديم، فيق

اللوحة الرابعة، ) لتوي حلما، أنا وبقر وحشي كنا في نزاع

وفعلا واجه جلجامش بعد عودته من غابة الأرز واهتدائـه

وقضى علـى ) عشتار(على يد أنكيدو، واجه نظام الإباحة

، )نظام السماء المنسوخ (ذاك النظام الغرائزي السائد قبلا

.174، ص سلسلة الأساطير السوريةرينيه لابات وآخرين، -1 ♦

224

رمزت الأسطورة محاولـة النظـام القـديم اسـتمالة وقد

جلجامش ومداهنته برمز أسطوري يحكـى علـى لـسان

هلـم : رفعت عشتار العظيمة عينيها فرأت جماله (عشتار

إلي يا جلجامش وكن عشيقي، امنحني بذرة من جـسدك،

جلجامش الذي ) دعني أصبح زوجتك وتكون زوجا لي لكن

يعة ثلاثا، لم يـداهن، فجـاءت الأسـطورة طلق هذه الشر

تصف لسان حاله، لبؤس هذا النظام الذي لا يصنع علاقات

أسرية ولا مجتمعية دائمة بل علاقات غرائزية فقط لا تقيم

أمـا أن (مجتمعا ولا روابط دائمة وقت الحاجة، فرد عليها

تصبحي زوجة لي فلن يكون، فماذا يكـون مـصيري إن

لي زوجة؟ بل ماذا كنت بالنسبة لعشاقك يا عشتار؟ صرت

إنك الموقد الذي ينطفئ وقت البرد، الباب الـذي لا يقـي

صاحبه نفخ الريح، إنك القلعة التي تسحق حاميتها، القار

الذي يتسخ به حاملوه، الضرف المثقوب الذي يبلل ظهـر

ء الضيق حامله، والحجر الذي يسقط على الأسوار، والحذا

) !الذي يلسع رجل لابسه، فأي عشاقك أحببت إلى الأبـد؟

العمود الأول، فهذا كلام تمثيلي عرفاني في -اللوح السادس

شبه كلام مولانا علـيع(نبذ شريعة الغرائز وتقديسها، ي (

يا دنيا أبي تعرضت أم إلي تشوقت، : (في خطابه مع الدنيا

225

حان حينك، غري غيري، لا حاجة لـي هيهات هيهات، لا

. 1)فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها

أن الطبيعة استشاطت غضبا -من التزامن الظرفي -وبدا

لكنـه تغلـب ) الثور السماوي ( والجفاف بالأعاصيرضده

واجتاز الظرف الصعب، وتغلب علـى كـل تمـرد اعليه

اريين أيضا الذين قطعا أوعزوا هذا اجتماعي من قبل العشت

الجفاف وكوارث الطبيعة من غضب الأم العشتارة، وأوغل

تحقيره أو إهانته آلهة الأنوثة العظيمـة لفتـرة عهـد (في

، حتى نرى في الملحمة كيف تطلق حشود النساء 2)الأمومة

والبغايا مشاعرهن فـي البكـاء والنـواح جـراء الإذلال

دها، جمعت عشتار كاهنات المعبد، وبنـات عن:(والتحقير

عيون ؛ الواسطي، 370، ص1، جمناقب آل أبي طالبابن شهر آشوب، -1 ♦

.556، صالحكم المواعظ

عزيز :، ترجمةجماليات ملحمة جلجامش، دياناكوف: تعبيرحسب -2 ♦

المسكوت عنه في ملحمة " المعموري، ، نقلا عن ناجح71حداد، ص

، 2002 - 12: العدد ، مجلة ألواح، "جلجامش♦ (http://www.alwah.com/magazine.htm)

226

اللوحـة ) الهوى والمحظيات، فوق فخذ الثـور ينتحـبن

.1السادسة من الملحمة

جلجامش وأنكيدو يقضيان على الثور السماوي، ثور عشتار التي ترى في الخلف

:ختام الفصل

أثبت تراث الأولين بزوغا بشريا من الطين خرج كما يخرج

، ثـم قـررت )الملائكـة (لوا غير مذكورين للأربـاب الحشيش، وظ

السماء أن تجعل ملكا للأرض من هذا المخلوق الذي هو موجـود،

، )إنليل ونليـل أي آدم وحـواء (فتم تخليق زوج منه، إلى إنسانين

؛ ملحمة كلكامشطه باقر، : لمراجعة نصوص الملحمة كاملة انظر -1 ♦ .وغيره من مصادر

227

وذلك بعد إعادة تخليقه في طين الجنة وماء كوثرها، من مزيج بشر

.وإله

مظاهر الصراع بين البشري والإنـساني نستنتج أن كل كما

، بين الهمجي والعاقل، بين الغرائـزي والعقلـي، بـين 1الذي فينا

الإباحي والمنظم، المدون في تراثنا بأساطيره ورموزه، ليس لـه إلا

معنى واحد؛ هو أن الحالة البشرية بطبيعتها البدائيـة قـد سـبقت

اللاواعية أولا " البشرية الهمجية "ا، أي الحالة الإنسانية، خلقا ونظام

الواعية، وهو نفـسه الـصراع بـين " البشرية الإنسانية "ثم أعقبها

وبـين النـسمة الروحانيـة، حـسب ) حياة الجـسد (النفس الحية

حسب البابليين، حيث الحيـة أسـبق " الحية والنسر "المندائيين، أو

سماويا، فالحية مكـون بـشري، خلقا وأخلد للأرض، والنسر أقرب

" أسطورة إيتانـا والنـسر "والنسر مكون إنساني، وهذا ما نجده في

، هـذا الـصراع بـين ) آدموعصى(التي سنترك تفسيرها إلى بحث

حتى الصراع بين جحود الخالق أو إنكاره أو الشرك به من جهة وبين -1 ♦

ي قاده لتوحيد التي هي أدل علامة على إشراقة الروح، هذا الصراع الذاولقد بعثنا في كل أمة (الأنبياء في كل محطة زمانية وكان أول بنودهم

وا اللهدبولا أن اعسة جهلنا وعقلنا، بين ،)36:النحل)(رهو صراع بين ثنائي يتنا إذا طغت وقادت، وبين أثر الروح الرباني غرائزنا وروحنا، بين بشر

الذي فينا ليعلينا إن كنا مؤمنين، وهو نفسه الصراع بين الأرض والسماء، .أو بين العماء والنظام الرباني الجديد حسب الأساطير

228

قوانين الـسماء " إيزيس "اءرسإالبشري والإنساني، نجده أيضا لدى

" انا والبـستاني إن"في بدء حضارة مصر ضد الحالة الهمجية، وبين

البيـت نظام سرضد الغرائزية المنفلتة الخارجة عن قانون الأسرة و

طوفـان "ضد الإباحة وفـي " جلجامش وعشتار "، وبين "بيتو -سر"

الهمجي، شبه ضد الكفران والنسل الخاطئ والوجود " نوح مع البشر

.ضد التوحش الأول" قدموس وأبناء التنين"ومع

229

صل الرابعالف

إشكالات ومعارضات

:تمهيد

مكـن أننستقصي الإشكالات التي ي نا، مهما بذلنا، أنلا يسع

وحتى لـو تطرأ في الأذهان، وبالذات أذهان المعضلين والمماحكين،

نه لـيس تكلف بالإجابة عليها أو تغطيتها، لأ ناستطعنا استقصاؤها فلن

وبة وتجميد عقل القارئ الباحـث الأجبإعداد من شأننا تلقين المعرفة

، ولكن يسعنا هنا مناقشة بعض منها إرساء للمنهج الذي قد واستتباعه

.يأخذ بيد القارئ لاجتياز تلكم الإشكالات بنفسه

:يوحي بالعكس) ص(حديث شريف للنبي -أولا

في بيانه الختامي في حـج الـوداع ) ص(لقد قال نبي الأمة

آدم من تراب، لا وليـد بـشر ف، 1"دم من تراب كلكم لآدم وآ "

ما الجواب؟همج، ف

.30، صتحف العقولابن شعبة الحراني، -1 ♦

230

إشكال في قول النبي تكـن ) ص(لم يكن ليقفز أي لـو لـم

صورة التفسير التوراتي منحوتة في أذهاننا، فالعقل يجد صعوبة فـي

إزاحة صورة راسخة واستبدالها بأخرى، بدليل أننا نقرأ قوله تعـالى

) باشركلوا وو د منوط الأسالخي من ضيط الأبالخي لكم نيتبتى يوا ح

لمئـات -افتراضـا -، فلو كانت الصورة المتوارثة )187:البقرة()الفجر

السنين في تحديد الفجر هي بأن يخيط كل شخص خيطا أسود وآخـر

ن استبان هذا من أبيض في كم قميصه، ويتفحصهما في آخر الليل، فإ

للعلم فإنه فعلا قد جاءت مـأثورات مـن (هذا فقد حان وقت الفجر،

، فسنجد أنفسنا أسارى نناهض أي تفسير بـديل )التفسير بهذه الصورة

آخر، مع أن الآية الشريفة لا تقول هذا، ومع أن الليلة القمراء تفـسد

ر الـصحيح، وكانـت العملية الفحصية هذه، لكننا لو أتينـا بالتفـسي

الصورة المنقوشة في الذهن التراثي الـدهري هـي تلـك، لـصرخ

إنمـا ! ؟1وأنت تريد أن تقنعنا بأنه خط الأفق " خيط"االله يقول : صارخ

هذا مثال، وما أكثر مثلها على هذا المنوال، نعيشها ونتنفسها ونحن لا

.نشعر

لى امتداد الشيء في دقة، ثم الخاء والياء والطاء أصل واحد يدل ع: خيط -1 ♦

بياض النهار، والخيط : فالخيط معروف، والخيط الأبيض.. يحمل عليه ، باب الخاء والياء وما معجم مقاييس اللغةابن فارس، . سواد الليل: الأسود

. 319يثلثهما، ص

231

ـ ود وسـطوة إن الإنسان الذي تسلح بالوعي، وتحرر من قي

إرث الاستبداد العقائدي أو الاجتماعي، سيسهل عليه أن يتبين الحـق

في النص وعظـي، ورد ) ص(في هذا وغيره، فإن بيان النبي الكريم

في مساق النهي عن العصبية والافتخار بالجنس أو باللون أو بالنسب،

لا لأبـيض لا فضل لعربي على أعجمي و ): (ص(بدليل إشفاعه بقوله

، وهل هناك أحط من التـراب، لينفـي هـذا )على أسود إلا بالتقوى

:بروحانيته العليا أرصد لنا أمرين) ص(فالنبي ! الغرور فينا؟

1- رة من آدم لا من غيره معه كما يزعمتحدة جمعاء مالإنساني أن

م القـي و ، وأن ميزة آدم هي الإنسانية العصريين بعض المفكرين

وعلى رأسها التقوى، وهو وعي الألوهة، فبهذا آدم هـو أبـو

.جميعا الإنسيين البشر

أن هذا الأصل من حيث لونه، وجنسه، ومادته، هو من تراب، -2

وسيعود للتراب، ففيم الافتخار؟ فليفخر المرء بباق من معـالي

.الأمور لا بزائل

هـل آدم وحـده : باليلكن السؤال الأهم الذي سيزيل التوهم ال

المخلوق من تراب؟

" وحـده "لا، كلنا من تراب، فالنص لم يضع أن آدم : الجواب

، بـل "مـن آدم "من تراب، وإلا لناقض القرآن، ولم يقل كلنـا

232

وهذه نقطة جوهرية نفك معها أيـضا بعـض الآيـات ". لآدم"

ه بــ العالقة، التي احتاج المفسرون إلى ليهـا فيمـا يـسمون

):تأويلها(

)37:الكهف()أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة(

)5:الحج()فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة(

) ــشرب إذا أنــتم اب ثــمتــر مــن خلقكــم اتــه أنآي مــنو

ون20:الروم()تنتشر(

)11:فاطر()والله خلقكم من تراب ثم من نطفة(

)67:غافر()هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة(

فلماذا يخاطب في جميع تلك الآيات أبناء آدم صـراحة بـأنهم

خلقوا من تراب لو كان آدم وحده مخلوقـا مـن تـراب دون

!الجميع؟

إذن، ليس آدم وحده المخلوق من تراب لنقوم بتـصور تمثـال

الآنف، بل كلنـا خلقنـا مـن ) ص(الطين الأجوف من حديث النبي

تراب، فهل كلنا صنع تمثالا طينيا ترك فترة ليجف؟ كلنا بمن فينا آدم

من تراب، تعني أن هذا الجنس البشري برمته الذي أمامنا مع الـذي

ولـلآن فمـادة (والذي سيأتي، خلق من تراب في بداية بزوغـه باد

مـن ، ثم صار خلقه من نطفة الزوجين، وفي زمن ما )جسمه ترابية

233

روحـا -من أنسال تلـك الـسلالة -الدهر، نفخ في أحد أولئك البشر

، ومـن شـجرته )وهو آدم (عدلت جيناته ليكون إنسانا بعد أن ربانيا

-الناس، كما من أشجار غيره استمر ينسل البشر -اء البشر وذريته ج

كجنس بشري، وكلنا " من تراب "، فكلنا بمن فيهم آدم حتى بادوا الهمج

نا نفخـة باعتبار كيفية تولدنا، وكلنا وصـلت " من نطفة "بمن فيهم آدم

الروح كوننا من أبناء آدم، سوى أن آدم أودعت فيه الروح مباشـرة

اسـتلمها كـآدم ) ع(ونحن استلمناها بالوراثة، وعيسى ) خلق بيد االله (

.مباشرة أيضا

وبين ) ع(وأيضا الفرق بيننا وبين آدم هو كالفرق بين عيسى

:آدم، هو

البشر الترابي الخالي مـن (تولد جسمه من ) البشر ذو الروح (آدم -

،)الروح

البـشر ذي (سامنا مـن تولدت أج ) البشر ذو الروح (عيسى ونحن -

،)الروح

إن مثل عيسى عنـد االله (لذلك خص سبحانه آدم دون عيسى

، لكن الجميع )من تراب ثم قال له كن -لا خلقهما - كمثل آدم، خلقه

آدم وبنوه كلهم ومن قبله أيضا من بشر، مخلوقون من تراب باعتبار

.أصلهم الأول

234

فنخلص إلى أن:

/طين، والبشر كلهم مخلوقون من تـراب /آدم مخلوق من تراب -

.طين، بشكل مباشر أو غير مباشر

وأيضا كـل البـشر قبلـه ) من ذكر وأنثى (آدم مخلوق من نطفة -

وبعده، عدا البشر الأوائل الذين خلقوا من الطين مباشرة وخرجوا

بالغين رجالا ونساء.

. آدم وحواءالناس مخلوقون من ذكر وأنثى، لأنهم من/الإنسان -

الأصـل : فتعني مـرة : الناس مخلوقون من نفس واحدة /الإنسان -

الأول أي الخلية الأولى التي نشأت في الطين قبل أن تنقسم إلـى

النفس الإنسانية بشفرتها المتميزة عن : وتعني مرة أخرى . جنسين

.البشر السابقين

:وللتوضيح تأمل الرسم التالي

235

)3-الشكل (

من + تراب من ماء

)من طين( =

البشــر الأوائـــل

نطفة من )وأنثى ذكر من(

البشـــر

الناس

الإنسانوزوجه) آدم(

نطفة من )وأنثى ذكر من(

تخليق الأمشاج ونفخ الروح

الإنسان أو الناسمن تراب أو من طين أو من

الأرض )بذرة بشرية(أو من نفس واحدة

الإنسان أو الناس من نطفة أو من ذكر وأنثى

)إنسانية(أو من نفس واحدة

الإنسان أو الناس من نطفة أو من ذكر وأنثى

236

:يوهم بالنقيض) ع(مأثور للإمام علي -ثانيا

خلق آدم في نهج البلاغة، بمـا ) ع(لقد وصف مولانا علي

يحاكي التوراة ظاهرا، فما هو الجواب؟

رض وسـهلها، ثم جمع سبحانه من حـزن الأ (:الخطبة هي

، تربة سنها بالماء حتى خلـصت، ولاطهـا وعذبها وسبخها

بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصـول،

أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتـى : وأعضاء وفصول

، ثم نفـخ فيهـا مـن لوقت معدود، وأجل معلوم صلصلت،

روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها، وفكر يتـصرف بهـا،

نـيا بق بهفررفة يعما، وهقلبات يوأدا، وهختدمي ارحوجو

. الخطبة الأولى–نهج البلاغة 1..)الحق والباطل

لا يرى فيها أمرا يخالف ) ع(في خطبة مولانا علي فالمتأمل

ح ما نحن بصدده، أنة في شيء، بل هي توضالحقيقة القرآني

واتقـوا الـذي خلقكـم (الخلق البشري، وهم الجبلة الأولون

لينالجبلة الأوـة )184:الشعراء()وـت علـيهم عمليهم الذين تم

ين، فالجبل من الطين تم على المخلوق البشري الجبل في الط

. قبل آدم بدهر، لا على آدم الإنسان كمـا زعمـت التـوراة

.20، ص1، جنهج البلاغة، الشريف الرضي -1 ♦

237

فالجبلة الأولون خلق بشري حـي وليـسوا تمـاثيلا جوفـاء

دم ترابا مـن آ الإلهوجبل الرب (فنص التوراة يقول ، !جامدة

منفخ في انفـه نـسض وـاة الأرية ح . ارنفـسا آفـص مد

، "صـور " "جبل" وفي النص العبري بدلا من )7:2التكوين ()حية

جبل آدم ترابا مـن "بل " صور"أو " جبل"لكن المشكلة لا في

، كما يصنع الفخار ، أي صوره هيكلا جامدا بلا حياة "الأرض

نفخت فيه نسمة حياة، الأمر كله، من رأسه إلى أخمـصه، ثم

).انظر الصورة التالية (.خاطئ

238

جبل آدم من الطين مباشرة كالفخارة، تصور توراتي خاطئ

ل صورة "قال ) ع(وعليعلى " جب ديأت بع لم وفي "آدم"لكن ،

وجعله أول جبلته، وأسكنه : (يقول عن آدم 1خطبة أخرى له

لق، فلم يقل أنه جبله من الخ: ، والجبلة )جنته وأرغد فيها أكله

.177، ص 1، ج"بة الأشباحخط "،نهج البلاغة، الشريف الرضي -1 ♦

239

تراب بلا نفس ولا حياة، بل تكلم عنه مجبولا ككائن حي ذي

.نفس، بل وذي روح أيضا

لوقت وأصلدها حتى صلصلت، : (في النص أعلاه ) ع(فقوله

.)انا، ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنس معدود، وأجل معلوم

الأجـل "في النص هـو نفـسه " أجل معلوم "فقد قلنا أن الـ

وقد أخذ ملايين السنين وانقضى، وهـو مـا بـين " المقضي

ظهور أول الكائنات البشرية إنباتا من طـين الأرض، حتـى

ل كائن إنسانيمن سلالاتها، كما في قوله تعالى ) آدم(بثق أو

ن طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنـده هو الذي خلقكم م (

ونترتم أنتم من الدهر"وهو نفسه ) 2:الأنعام()ثم حين " الذي لـم

أمـا . 1:يكن فيه الإنسان شيئا مذكورا كما في سورة الإنسان

ألف سنة التي نحن فيها، عمـر 50الأجل المسمى فهو الـ

الـذي " حين"سانية على الأرض، وهو الـ تجربة المحنة الإن

.)36:البقرة()ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين(في قوله

240

يتكلم عن خلق آدم، متجاوزا تفصيل ما قبله مـن ) ع(وعلي

، المخلوقين أساسا كقنطرة لوصول الإنسان كما 1بشر همجيين

2)شياء لأجلك، وخلقتك لأجلي خلقت الأ (في الحديث القدسي ،

وإلا .فالبشر السابقون لآدم هم من جملة الأشياء التي لأجلـه

♦ 1- كلام آخر عن خلق البشر قبل خلق آدم ينقله عنه ) ع(ولمولانا علي

، معلقا على ذلك أنه وجد ذلك في كتاب لعلي أمير )ع(حفيده الباقر إني خالق بشرا من (: " وتعالىفقال االله تبارك( .. ، منه )ع(المؤمنين

فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ، مسنونصلصال من حمأاجدينوكان ذلك من االله تقدمة: قال،)"سا في آدم قبل أن يخلقه واحتجاج

فاغترف ربنا تبارك وتعالى غرفة بيمينه من الماء العذب : منه عليهم، قالمنك : ه حتى جمدت، فقال لها فصلصلها في كف- وكلتا يديه يمين -الفرات

المهتدين والدعاة إلى والأئمةأخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين سأل عما أفعل وهم يسألون، أولا . أباليالجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا

ت فصلصلها في كفه فجمدالأجاج من الماء المالح أخرىثم اغترف غرفة ين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة منك أخلق الجبار: ثم قال لها

ولا اسأل عما أفعل وهم أباليإلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا وشرط في ذلك البداء فيهم، ولم يشترط في أصحاب اليمين : يسألون، قال

ام عرشه البداء، ثم خلط المائين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفأهما قدالشمال والجنوب والصبا : الأربعةطين، ثم أمر الملائكة وهما سلالة من

وها انزها ثم ؤونشا، وافامرؤوه أن يجولوا على هذه السلالة الطين ،والدبوروجزالريح والدم والمرة : الأربعةجروا فيها الطبائع ألوها ووها وفص

والبلغم، فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور من البدن من ناحية الأربعةا فيها الطبائع الأربعة فالريح من الطبائع جرواو

ة في الطبائع من ناحية الصبا، والمرالأربعةالشمال، والبلغم في الطبائع من ناحية الجنوب، الأربعة والدم في الطبائع ، من ناحية الدبورالأربعة

، فنرى 38، ص1ج، التفسيرالقمي، ..). فاستقلت النسمة وكمل البدن: قالأن الخلق كمل وبه نسمة، أي هو كائنات حية، وللآن لم ينفخ فيه من الروح

.ليكون آدم ويدعى الملائكة للسجود .361صالجواهر السنية، الحر العاملي، -2 ♦

241

كانت يد القدرة الإلهية قادرة على ابتداع آدم مـن دون هـذه

التفاصيل المذكورة، بل لم يكن ثمة داع أساسـا لـصنع آدم

وقـت (تمثالا أجوف وبقائه برهة مديدة من الزمن يعبر عنها

-مـا دام تمثـالا -، لم لم يتم صـنعه )معدود، وأجل معلوم

وقت معـدود وأجـل " إن هذا الـ .!مباشرة قبل نفخ الروح؟

التي بعده في النص، الذي سـبق نفـخ " ثم"، هو نفسه "معلوم

إنـسانا ذا أذهـان "الروح الإنسانية التي صيرت الكائن ذاك

وأدواته ومداركه، ووهبتـه وشحذت جوارحه" يجيلها وفكـر

".معرفة يفرق بها بين الحق والباطل"

ا إذ قال ) ع(ولقد كان علييقـل " فمثلت إنسانا "دقيقا جد ولم

التمثـال "، لأن البشر المخلوق من طين، هو نفسه هذا "بشرا"

وإن كان لنا أن نحسن الظـن ! في عقولنا المتصور" الأجوف

، فلأن الكائن البشري الذي استدرج إلى "أجوفتمثال "بتعبير

الجنة، وقام الملائكة المدبرون باستلامه لإجراء عملية تخليقه

الإنسان، هو فعلا كائن أجوف من الـروح -وتحويله إلى آدم

الإنسانية، وهو لحظة أن كان بين أيدي الملائكـة الـصافين

يد الخزاف، لا حـول لـه المخلقين كان كالتمثال الملقى بين

لذلك لا نرى، سيد الفـصاحة .وأشبه بالميت بين يدي مغسله

يتطرق إلى أن التمثال البشري ذاك ) ع(والبلاغة مولانا عليا

242

! لم يـذكر هـذا أبـدا ! قد دبت فيه الحياة بعد نفخ الروح فيه

فـي وكان الأولى ذكر ذلك، بل هو الأولى والأولى لا سيما

إذا أنتم (سياق الحديث عن خلق الكائن الحي كما بين سبحانه

شربون(، وكما في )20:الروم()تنتشر ة مـنابخلق كل د اللهو

، )45:النور() أربع .. رجلين ..ماء فمنهم من يمشي على بطنه

كما في معجزة عيسى (لطيران فالانتشار والزحف والمشي وا

هي ركائز وسمات انبعاث الحياة، بل ننـدهش إذ ) مع الطير

من علمه، لا يذكر أثرا ) ص(نجد أن عليا الذي علمه نبي االله

للحياة البتة ولا الحركة، ويذكر بـدلها آثـار العلـم والفكـر

لأن والذكاء والمعرفة والحـذق وأدوات التـسخير؟ فلمـاذا؟

التي هي مـن أمـر االله، ببداهـة، " لروح الربانية المنفوخة ا"

-في تـصورنا -"فالتمثال"ليست نفس الحياة ودبيب الحركة،

، خلقـه 1الخالي من الروح، ما هو إلا كائن ذو نفس حية سلفا

) ع(كما يقول علـي –االله في بيوض الطين وركب أعضاءه

ـة حتى آن أوان فقس -في بداية النصتلك البيـوض الطيني

: صلـصلت (فتشققت الأرض عنهم وخرجوا وهو المعبر بـه

فإذا : عز وجلهذا المعنى في قوله ) ع(وقد وضح حفيده الإمام الصادق -1 ♦ وخلق خلقاإن االله عز وجل خلق : ل قا"سويته ونفخت فيه من روحي

روحا، ثم أمر ملكا فنفخ فيه، فليست بالتي نقصت من قدرة االله شيئا من فيثبت أن هناك مخلوقا سابقا على نفخ ،172صالتوحيد، الصدوق، ".قدرته

.الروح وليس مجرد طين

243

أحنـاء "التي واضح أنها القشرة التي تحيط بالكائن الذي لـه

فبعد صلـصلة تلـك القـشرة ) "ووصول، وأعضاء وفصول

بتشقق طينها الجامد الواقي لها، بصوت وقعقعات متلاحقـة،

نهـض البـشر كمـا يظهـر "رض بالصلصلة بعد تشقق الأ

حسب التراث السومري، هي نفسها صورة قيامـة " الحشيش

يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك (الحشر في قوله تعالى

سيرنا يليع شررا فـي . )44:ق()حعاشت تلك الأسلاف ده ثم

وان مـد البـشر بنعمـة بعدها آن أ " ثم" "الأجل المعلوم "ذلك

الإنسانية بنفخ الروح، لكن لا روح الحياة الأرضية والحركة،

بـل روح )ع(فهذه يملكها، كما اتضح من مفهوم كلام علي ،

الحياة الخالدة، روح الرب.

ل العـارفين ) ص(باب مدينة علـم الرسـول ) ع(وعليأو

ـ الحياة البيولوجي سر درك أنة هـي مفـردة بالقرآن، وأنه ي

خلقكم من نفـس (فهي روح البدن، أي أصل الحياة " النفس"

ــدة ــساء()واح ــوت )1:الن ــي ســبب الم ــوفى ( وه ــه يت الل

ــأنفس ــر()ال ــأي أرض (، )42:الزم ــس ب ــدري نف ــا ت مو

، )185:آل عمـران ()كل نفس ذائقـة المـوت (، )34:لقمـان ()تموت

أخرجـوا (، )32:المائدة()من قتل نفسا (، )74:الكهف()أقتلت نفسا (

كمالقتل والتوفي ،)93:الأنعـام ()أنفس والعشرات غيرها تثبت أن

244

حصرا وهي سبب حياة " النفس"والإخراج والموت، يقع على

عـن وكل آيات القرآن .البدن، وبانقطاعها عنه انقطاع حياته

الروح التي من أمر االله، كلها، تقول أنها أمر آخـر لا شـأن

للحياة المادية به، هي من أمر االله، ونفخة من قدسه، ووسيلة

اتصاله بالملأ الأعلى وتوقد ذهنه، ووعيه، وسيره اللانهـائي

.لمعرفة ربه الأعلى

ي ربما يتعلق البعض بأهداب، نفخ الروح في مريم، أنه الـذ

في رحمها نفسا حية، فهذا توهم ) ع(به انغرس جنين عيسى

راجع لعدم قراءة آيات االله كما هي، هذا النفخ هو الذي جعل

من عيسى روح االله، وأنطقه وهو في المهد، وقذف بالإنجيل

إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس فـي : (في قلبه، قال تعالى

فالروح هي التي أنطقته، وهي التي هيأته )110المائدة ( ..)المهد

لتعلم الكتاب وغيره وتكليم النـاس بـه وبالحكمـة، وللقيـام

.. بالمعجزات من إحياء موتى وإشـفاء مرضـى وغيرهـا

.حسب ما تسوقه تكملة الآية من أمور

ـدرك ) ع(وهذا كلام علييـستقرئه ي نفي نهج البلاغة، م

الحياة " روح" في عشرات المواضع بين ر المؤمنين أميتفريق

عن الإنسان وتلج فيه وتوجـد تنفصلالتي " النفس"التي هي

في الحيوان كله، وبين الروح الربانية التي هي روح للـنفس

245

لا للبدن، تلك التي نفخت في الكائن البشري الحـي وصـار

الملائكة، فتـراه ، وانتقلت إلى ذريته ولأجلها أسجدت له "آدم"

وسبحان من أدمج قوائم ( :يقول من جملة عشرات المواضع

إلى ما فوقهما مـن خلـق ) الذباب(والهمجة ) النمل(الذرة

على نفسه أن لا يضطرب شبح مما ووأى. الحيتان والأفيلة

موعده، والفنـاء ) الموت( إلا وجعل الحمام أولج فيه الروح

هذه توجد فـي الذبابـة ) النفس الحية ( فروح الحياة 1)غايته

والفيل وفي كل حي.

وإن رأسه لعلى صدري، ولقد ) ص(ولقد قبض رسول االله (

في كفي فأمررتها على وجهـي، ولقـد وليـت نفسهسالت

، والـنفس هنـا هـي روح 2)والملائكة أعواني ) ص(غسله

اه وحفيـد ) ع(بل بين علـي .الحياة، وبمفارقتها يكون الموت

روح القدس، وروح : أن الأرواح خمسة ) ع(الباقر والصادق

الإيمـــان، وروح القـــوة، وروح الـــشهوة، وروح

المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون، وواضح /البدن/الحياة

أن الثلاثة الأخيرة هي التي تصلح للحالة البشرية، والاثنتـان

ت فـي آدم، أمـا الأوليان للأنبياء والمؤمنين، وهي التي نفخ

.75، ص2جنهج البلاغة، ، الشريف الرضي -1 ♦

.172، ص2 ج،غةنهج البلا، الشريف الرضي -2 ♦

246

فاختصر كـل تلـك إلـى ) ع(الآخر الكاظم ) ع(حفيد علي

إذن آدم قبـل . 1، وروح العقل )النفس(روح الحيوان : روحين

أن يكون آدم كان فيه روح الحيوان أي النفس الحيـة، أمـا

الروح التي من أمر االله، روح العقل، فبها مثل الكائن إنـسانا

.كر ويوظف جوارحه ويخترع ويسمويجيل أذهانه ويف

، والحقيقة أن )ص(هذا آنفا ما يقوله علي ربيب النبي العظيم

وهو القرآن الناطق، لم يخرج عن التصوير القرآني ) ع(عليا

مع قيد شعرة، إنما المتأثرون بالتفسير التوراتي خرجوا لأنهم

تصور، لا إلى ما في يحدقون إلى ما في أذهانهم من الأسف

النص.

: تصور أن آدم لم يولد في رحم-ثالثا

آدم لـم رات بـأنات المنسوبة أو التصوهناك بعض المروي

، فما حل هذا؟2"لم يركض في رحم"يولد أو

نعم، هذا صحيح، فالمرويات المختلط شـريفها بمدسوسـها،

في بعـض التـراث وفعلا نجد إصرارا. أورثت هذا الإرباك

.1130، 1129، ص 2، ج، ميزان الحكمةمحمد الريشهري -1 ♦

.439، ص4، جمستدرك سفينة البحارعلي النمازي، -2 ♦

247

والمرويات ظاهريا أن آدم لم يخلق في رحم، ما يعنـي أنـه

على ما نقول كما خرج البشر الأوائل 1خرج من بيضة كونية

لـم يـصبها ألـم (والتي حسب أساطير سومر وبابل من أم

من تمثال نحـت -بتصور آخر -وهي الأرض، أو ) الولادة

س مـن التـصور التـوراتي من الطين كما لدى الفهم المقتب

أساسا، وآيات الذكر الحكيم تدل على أنه مـن طـين، ومـن

تراب، ومن ماء، وأنه بغير أب وأم، تدل علـى كـل ذلـك

ظاهريا، مثلما تدل على أنه من سلالة صريحا، وأنه مسبوق

ببشر قبله، فما حل هذه الإشكالية والتناقض؟

سابق، أنهـا كلهـا صـحيحة، لقد بينا حسب رسم توضيحي

فالكائن البشري خلق من الطين كالنبات من ماء وطين، قـال

وهو الذي أنزل ()45:النور()والله خلق كل دابة من ماء (تعالى

، وقال )99: الأنعام()ماء فأخرجنا به نبات كل شيء من السماء

)اللهاتا وض نبالأر من تكموخلق النهاية كخلـق )17:نوح()أنب ،

حيـث تتخلـق )104:الأنبياء()كما بدأنا أول خلق نعيده (البداية

♦ 1 - The first and most famous was called Oannes or Oe, who was

thought to have come from a 'great egg'. ♦ (http://www.crystalinks.com/amphibiousgods.html)

، لولا علم الأوائل ولماذا أوزيريس يقول أنه أتى من بيضة شريفة: تعليق ♦ .وما هي أصولهم، ببداية الخلق

248

والذي نزل من (الأبدان من ماء يهبط ويختلط بتراب الأرض

ــد ــه بل ــدر فأنــشرنا ب ــاء بق اء ممالــس ــذلك ة ميتــا ك

ونجة )11:الزخرف()تخرفتتخلق الأبدان وتنشأ في القبور الطيني ،

في مستنبت طيني للذي مات حرقا أو نسفا أو غرقا أو حتـى

، إذن )18:نـوح ()ثم يعيدكم فيهـا ويخـرجكم إخراجـا (تبخرا

.رض الطينية المائيةفالبداية البشرية كما النهاية في رحم الأ

لكن هذه الصفوف والأمواج البشرية الأولى لا ذكر لها فـي

ذاكرة الزمان، وظل التزاوج وإخراج النسل فيه كما فـصائل

الحيوان الأخرى، أي نسله صار يأتي من ذكر وأنثى، لكـن

ليس هناك أب بل مجرد فحل ذكـري، ولا أم (ليس من أسرة

، وإن كان لديه بدايات نظم اجتماعيـة )يإلا بالمعنى الغرائز

بدائية باعتباره أرقى الحيوانات، بل الحيوانـات لهـا نظـم

فجـسم آدم . اجتماعية راقية أيـضا لكـن مبرمجـة عليهـا

البيولوجي، أي الكائن البشري قبل أن يصير آدم جاء عن هذا

مثيل الطريق، هذا النسل، لكنه للآن لا يسمى آدم الذي بمعنى

الرب المفكر والخلاق، فهو وغيره من بنـي جنـسه البـشر

ل للحيوان المنـويلا فضل لأحد على أحد كما لا فض ،سواء

الذي تخلقنا نحن منه على الملايين من إخوته الذين أهـدروا

واضمحلوا إلا بيولوجيا فـي سـرعته وسـلامته واقتـداره

249

ليخلـق ) في مثـال آدم الجنةالتي هي ك (ووصوله البويضة

، "لا فضل للأسود على الأبيض "وكما . منها أنا وأنت الإنسان

بشري لا ارتبـاط لـه ) ص(كما قال النبي آنفا، لأنه مظهر

.بالإنسانية بشيء

في الحقيقة؟" آدم"فمتى ولد

في الحقيقة، حينما استدرج ذلـك الكـائن البـشري " آدم"ولد

، ولك أن تعتبر أن )البويضةإلى الحويمن ك(البدائي إلى الجنة

هيكل ذاك الكائن المستدرج هي المواد الأولية التي صنع /جثة

منها آدم الإنسان، تلقته هناك الملائكة الصافة المسئولة عـن

في حاضـنة -لو أردنا أن نقرب الصورة -التخليق، ووضع

بـه أفـلام الخيـال كالذي تأتي (جديدة، بيضة تخليقية جديدة

، وتم إعادة خلقه وتعديل جيناتـه وتحفيـز )العلمي في يومنا

قوى عقله وأدواته، ونفخ نسمة الروح الربانية فيه، ثم أخرج

من غرفة العمليات، من المصنع، وليدا جديدا واعيـا بهويـة

، فآدم الإنسان لم يولد في رحـم بـل فـي "آدم"جديدة اسمه

مضافا إليه طين الجنـة طينة ذاك الكائن البشري ن م ،الجنة

ولد، وهذا بالتمام ما قاله تراث السومريين بين نينمو وأنكـي

يـا أمـاه، إن : (الذي مر معنا في فـصل التـراث ونعيـده

250

المخلوق الذي نطقت باسمه موجود، فاربطي عليه صـورة

ـ "الآلهة، اعجني لب الطين الموجود فـوق ، "قميـاه العم

وستقوم بجانبك .. يكثفون الطين " الصانعين المهرة "واجعلي

فنرى أن المخلوق البشري موجود، يوضع في ، )إلهة الولادة

أي مـادة بنـاء بيولوجيـا (قالب من لب الطين مرة أخرى

، ويكثف كما لدى عرب وادي النيل أو طاولة الخزاف ) الجسم

، ثم نجد فـي )لائكة الصافة الم(فيه القوى بالصانعين المهرة

النص مسئولة الـولادة، إذن هنـاك ولادة، وولادة جديـدة،

وليست خروجا وإنباتا من الأرض كالأوائل، بل من رحم هذه

مخصوص، والولادة هي إخراج حي انيرب ة، رحم تقنيالمر

المـسجى " البـشر "من " الإنسان"من حي لا من ميت، توليد

ويدا الرب همـا )75:ص()لما خلقت بيدي(يدي الملائكة تحت أ

.نينماح وأنكي حسب السومريين

لأن الجسم الذي صنع : صحيح أيضا مرتين " خلق من طين "و

منه كان من نسل السلالات المخلوقة من الطين، ووضع فـي

الـذي (حاضنة من الطين، بل وعومل خلال التخليق الآدمي

من الملائكة الصافة كـالطين بـين يـدي ) نفخ الروح أعقبه

.الخزاف

251

فصحيح أيضا، لأنه الآن قد ولد وخلـق " ليس له أب ولا أم "و

مخلوقا آخر غير بنية المخلوق القديم، فلو زرعنا قلب خنزير

في إنسان، فهل هذا الإنسان عليه أن ينسب نفسه إلى قطيـع

ولو تلفت أعـضاء إنـسان ! البشر؟الخنازير كما إلى مجتمع

واستطاع العلم أن يستبدلها كاملة فهل تتغير هوية الـشخص

لتتوزع على المتبرعين بالأعـضاء وينتـسب إلـى آبـائهم

وأمهاتهم؟

ولو أخذنا جثة إنسان ميت ذهبت نفسه إلى بارئها، ثم أجرينا

فخناها فيه، فهذا عمليات كثيرة عليها، ثم أتينا بروح جديدة ون

المخلوق هوية وروح جديدة، لا علاقة له بالمخلوق الـسابق

الذي انتهى كتابه وحسابه وذهب، سوى في تـشابه الـشكل،

ولو رآه من يعرفه وسأله لوجده غير ذاك لا يعرف شيئا عن

وقد ذهب قدامى .حياة المخلوق الآخر الذي أقيم على جثمانه

ن هذا بحيث نفوا نسبة الأبوة والأمومة المصريين إلى أبعد م

لأشرافهم الذين يبعثون في العالم الآخر لحياة أخرى أسـمى،

الملـك : "فكيف بوجود إنساني نشأ من جسم حيواني؟ فــ

252

ليس بإنسان إذ آباؤه ليسوا مـن -بحسبهم -الصالح المتوفى

.1"البشر، وأمهاته لسن من الناس

الإنــسان، " آدم"، إن كيـان "آدم"، إن هويــة "آدم"إن معنـى

، في عقله، وفي روحه، وهذه كلها خلقت "جيناته"موجودة في

وغرست للتو فيه، بحيث لو مات هيكل الجسد الترابي الـذي

خالدا بروحه وعقله -وكل آدمي -استعير له برهة، لبقي آدم

يكن له من الكائن الأو ل سوى الهيكل البشري وشخصيته، فلم

من الذي أعيد تصنيعه أيضا، فكيف يكون له انتساب لأب وأم

عالم حيواني آخر لا يمت لهما إلا بقطع لحـم وعظـم مـن

ن الهمجيـي هيكله؟ وهل حين خرج آدم راح يبحث عن هذين

وماذا لو كان الكائن البيولوجي الـذي اسـتدرج، !! أما وأبا؟

ع منه الإنسان، قردا مثلا، والقـدرة الربانيـة قـادرة، ليصن

وهـل يعـدون ! أنبحث في عالم القرود بعدها عن أقربائنـا؟

. أقرباء؟ فهذا كهذا

ولم يكن عصيا على االله أن يخلق بـدنا لآدم مباشـرة مـن

التراب كما خلق أسلافه الأقدمين البشر الأوائل، لكـن هـذه

حسب النظام الطبيعي، فلا تتدخل القـوى الطريقة التي جرت

نقلا عن متون . 294، ص ديانة مصر القديمةأدولف إرمان، : انظر -1 ♦

.809الأهرام، فقرة

253

إلا حين تعجز الطبيعة، فالكائن البـشري ) الأرباب(الربانية

أريد له أن يتطور أدهرا لينتخب كمادة لخلـق آدم الـسامي،

فبعد أطوار السنين يخلق الإنسان في أحسن تقـويم، والكـل

.ر مباشرمخلوق من تراب بشكل مباشر أو غي) جسمانيا(

:فخلق الإنسان كما بين القرآن على ثلاث طرائق

أن يأخذ خامة من لحم وعظم، من كائن حي آخـر، أو -1

مجموعة أعضاء، أو كائنات، ثم يـنفخ فيـه الـروح

ـ هذه هي ولادته، كما ع الإنسانية، فتعدطفـلا "آدم "د

أو الخلق إلهيا، هذا الطفل أو المولود أو الكائن الجديد،

الآخر، أو الكائن الإنساني، لا ينتمي إلى مادة صـنعه

ـ لـيس لـه أب ولا أم " آدم"السابقة ولا إلى كائناتها، ف

. بهذا الاعتبار، لأن ولادته كإنسان تمـت فـي الجنـة

ولادة إنسان من دون أن يـركض (ويشابه هذه الكيفية

ـ )في رحم ي ، فيما لو تم تخصيب بويضة وزرعهـا ف

.حاضنة طبية لا في رحم امرأة حتى يكون طفلا

254

أن تكون هناك بويضة في رحم امـرأة، لـم يمسـسها -2

كمـا بشر، وهي قابلة للتخصيب بأي طريقة ربانيـة،

توجد هذه الإمكانية اليوم علميا، ثم ينفخ فـي الجنـين

المتكون الروح الإنساني، الذي لم يستلمه من أصـلاب

أي هذا الوليد ليس آدم أباه إلا من طرف أمه، الرجال،

.وهذه طريقة خلق عيسى. فهو بلا أب

. الطريقة الدارجة التي يعرفها الجميع -3

؟ ما حكاية الضلع الذي منه خلقت حواء-رابعا

إن خلق حواء من ضلع آدم بالخصوص، قد جاء أولا فـي

، في الحين الذي قامت التوراة، ثم جاء في بعض المرويات

يـنكح آدم ات أخرى باستنكاره واستبشاعه بشاعة أنمروي

نفسه، كما استبشعت أن يكون أبناء آدم لـصلبه تزوجـوا

أحـد ) ع(فقد سأل الإمام جعفر الصادق .أخواتهم أي بناته

: إن أناسا عندنا يقولـون : أصحابه، عن خلق حواء قائلا له

خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى، إن االله عز وجل

يقـول ! سبحان االله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ): "ع(قال

إن االله تبارك وتعالى لم يكن له من القـدرة : من يقول هذا

255

ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه، وجعل لمتكلم من أهل

ينكح بعـضه إن آدم كان : التشنيع سبيلا إلى الكلام؟ يقول

بعضا إذا كانت من ضلعه، ما لهـؤلاء؟ حكـم االله بيننـا

فهذا الإمام الرباني، يرى أن أمثال هذه الآراء، .1"!وبينهم

وإن نسبوها إلى النبي وإلى أهل بيته وأصحابه، فهي غيـر

صحيحة، وهي التي تجعل لأهل التشنيع على الدين، سبيلهم

نا أن ننتقل للتفاسير لنجدها في كل ويكفي .في الطعن والكلام

تفسير، من أشهرها لأغمرها، وللمثال نجدها فـي تفـسير

في تعليقه على قوله تعالى فـي أول 2الكشاف للزمخشري

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم مـن : "سورة النساء

شعبكم من نفس واحـدة ": (نفس واحدة وخلق منها زوجها

صفتها وهي أنه أنشأها من تراب وخلق زوجها حـواء هذه

إذ يعلـق علـى ، وتفسير الرازي !)من ضلع من أضلاعها

المراد من هذا الزوج هو حواء، وفي : (نفس الموضع بقوله

وهو الذي عليـه : الأول: كون حواء مخلوقة من آدم قولان

عليه النوم، ثـم خلـق الأكثرون أنه لما خلق االله آدم ألقى

حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، فلما اسـتيقظ رآهـا

♦ 1- ،221، ص 11، جبحار الأنوارالمجلسي.

.1 آية- ، سورة النساء 1، جفتفسير الكشاالزمخشري، -2 ♦

256

ومال إليها وألفها لأنها كانت مخلوقة من أجزائه، واحتجوا

إن المرأة خلقت من ضـلع، فـإن ): ص(عليه بقول النبي

ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها وفيها عـوج اسـتمتعت

وهو اختيار أبي مـسلم الأصـفهاني أن والقول الثاني .بها

، فأين )أي من جنسها " وخلق منها زوجها : "المراد من قوله

الجميع عن هذا الرأي الثاني الأصوب مـن تلـك الدمغـة

.1!التوراتية الأولى؟

! وهو يأخذ أحد أضلاع آدم النائم ليصنع منه حواءربتصور توراتي لل

تلك المرويات بـضاعتها منهـا أما في التوراة التي أخذت

وسوقتها، والتي لا داعي منا لمحاولة اكتـشاف الفروقـات

.1 آية-، سورة النساء 2، جالتفسير الكبيرالفخر الرازي، -1 ♦

257

فأوقع( :بين النص التالي ومروياتنا، لأننا لن نجدها، فتقول

دم فنام فاخذ واحدة من أضـلاعه آله سباتا على الرب الإ

من أخذهاله الضلع التي لرب الإ وملأ مكانها لحما، وبنى ا

ما امرأةآدهرضأحإ و ملى آد . مذه «: فقال آدالآنه ظـمع

لأنهـا مـن امرأةهذه تدعى . من عظامي ولحم من لحمي

تـصق مـه ويل ألذلك يترك الرجل أبـاه و . »امرئ أخذت

.)24-21: 2التكوين () ويكونان جسدا واحدابامرأته

الحقـائق والخرافـات، جـامع وهو خليط " كتاب آدم "وفي

مسطورة فيه أقوال واجتهادات التراث الشعبي للمنطقة، بما

أو المسلمون في المـروي " التلمود"فيه ما يقوله اليهود في

الخامس منه، الفقـرة والتفاسير والقصص، نجد في الفصل

العاشرة، الأمر نفسه يجري على لسان حواء في مناجاتهـا

للرب تائبة باكية بمرارة، حيث تقول أنها مخلوقة من ضلع

1!!آدم وأن خطيئته كانت بسببها

♦ 1- And You took me, the bone, and make me a woman, bright like him, with heart, reason, and speech; and in flesh, like to his own; and You made me after the likeness of his looks, by Your mercy and power. (Book of Adam; Chapter 5; Paragraph 10)

♦ refer to: ♦ (http://www.hiddenmysteries.com/freebook/adameve/adameve1.html)

258

ولو حاولنا أن نحسن الظن بمـسألة الـضلع هـذه، لقلنـا

جيناتها، في بافتراض أخذ خلايا من آدم للنسج على منوال

قالب أو حاضنة الطين الذي وضع فيـه المـرأة البـشرية

أما أن يكون الضلع ضلعا فعلا . لتحويلها إلى حواء الإنسانة

/، ثم يملأ )Bone(و ) Rib(وكما يترجم أيضا بالإنجليزية

يلأم مكانه لحما، فهذا ما علم الطب يكذبه، فلـيس الـذكر

عن الأنثى لا من الجهة اليمنى التي ضنوا بها ينقص ضلعا

أن تصنع حواء منها، ولا من الجهة اليسرى، ويكذبه العقل

حواء من ذلك الضلع، فهذه كذبـة " بناء"والقرآن أيضا، أما

. آدم" جبل تمثال"ككذبة

ونلاحظ أن مع زعم النص أن الذي أخذ من آدم هو مجرد

عه، لا شيء من لحمه، وأن آدم كـان نائمـا لا أحد أضلا

أولا أن آدم يـدري، : يدري، نجد بعدها أمرين معاكـسين

بـل " عظم من عظامه "ثانيا أنه يقول أن حواء ليست فقط و

أما مزايدة الرجال على هذا بأن حـواء ، "!ولحم من لحمه "

هنـاك أضـلاع خلقت من ضلع أعوج أيضا، فلا نـدري أ

مستقيمة في القفص الصدري وأخرى عوجاء أم ماذا؟ فهذا

.لعقل مرة ثانيةبا إزراء

259

ولو تمعنا في المرويات التي دخلـت تراثنـا الإسـلامي،

ووضعنا للقارئ بعضها، لما وسعه إلا أن يقول أنها نقلـت

نسب لابـن ففي حديث : عن قصص التوراة، فتمعن وقارن

1"ولأم مكانـه لحمـا "ن خلق حواء من ضلع آدم ع عباس

: ، وقـال القرطبـى "وملأ مكانه لحما"وفي النص التوراتي

هـي حـواء ) ع(وزوج آدم : وقد جاء في صحيح مـسلم (

، وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه من )ع(

بذلك، ولو ألم بذلك لم يعطف رجل ) ع(غير أن يحس آدم

: امرأة، قيل : من هذه؟ قال : ه، فلما انتبه قيل له على امرأت

لأنها : ولم سميت امرأة؟ قال : حواء، قيل : وما اسمها؟ قال

لأنها خلقت : ولم سميت حواء؟ قال : من المرء أخذت، قيل

حي وألا ! فهل يجد المرء فرقا عن رواية التـوراة؟ ،!2)من

ص به آدم وحـده يـوزع ترى جوا مشبعا بأن الذكاء قد خ

الأسماء ويدلي بالإجابات، وحواء بكماء تستخدم فقط كمادة

للدرس والتعليق والشرح، كحالهـا المـزري اليـوم فـي

البداية ؛ ابن كثير، 329 ص ،1 ج ،جامع البيان ، جرير الطبريابن -1 ♦

؛ ابن 82 ص ،1 ج ،ثيرتفسير ابن ك ،ابن كثير؛ 81 ص،1 ج،والنهاية

تفسير القرآن ،مصطفى الخميني؛ 13 ص،1، ج قصص الأنبياءكثير،

.499 ص ،5 ج ،الكريم

.وغيره. 301، ص1، جالتفسيرالقرطبي، -2 ♦

260

الدعايات والأغاني الرخيصة، مجرد دمية خرساء تقـف أو

!كالحية، للمنظر ليس إلامبتسمة تتلوى

ف تراثنا القرآني ليغطي مساحة هكذا امتد خطأ التوراة ليغل

المستقبل، فبدلا من تـصحيح القـديم الخـاطئ بالجديـد

الصحيح، نسخ قديمهم البالي جديدنا، هكذا صرنا نمركـز

اليهود في التاريخ وفي الجغرافيا، وفي الألـسن، ونمركـز

توراتهم، فهم الأمة المختارة وتوراتهم لن ينسخ، هـذا مـا

نقوم بفعله أيضا لا هم فقطنحن .

ين مـؤخرا، أراد أنبعض البـاحثين الغـربي والغريب أن

يمسح تراث الأولين، ويمد الكذبة التوراتية لـوراء أيـضا،

فتجدهم وهم يفـسرون النـصوص الـسومرية والبابليـة،

التـي نـسميها ("نين تو "القوة الربانية /ويقرأون أن الربة

التي أسـهمت فـي )أي الأم الكبرى " نينة"لعامية باللهجة ا

تعني الضلع أيضا في " تي"خلق الإنسان، ذهبوا يقولون أن

، مـع 1السومرية، فعلى هذا فإن القوة هذه هي سيدة الضلع

♦ 1- Now the word for "rib" in Sumerian is "ti" which happens also to be

the Sumerian verb "to make live." So the Mesopotamian author of the myth is employing a pun to equate the "Lady of the Rib" (Ninti) with the "Lady Who Makes Live" (Ninti). Legends: The Genesis of Civilization by David M. Rohl pp. 209-10

261

، التـي هـي القـوة )Nintu(ويكتبها الجميع " نين تو "أنها

ض الحاضنة، قوة الأنوثية، الأم الكبرى، الرحم الأول، الأر

، "نينخرسـاج "و" مامي"التوليد، وتسمى بأسماء أخرى مثل

، لكن لأجل عين التوراة، لينحـرف "نيت"ولدى المصريين

وأحسب أن الكهنة .كل شيء، وليزور أي نص وأية تسمية

الذين ترجموا التوراة إلى الإغريقية التي عرفت بالترجمـة

بـل صارت هي أصل كـل تـراجم التـوراة السبعينية، و

أيضا، أحسبهم " !بالعبرية"حتى التي بالعربية والتي ومرجع

ا أنهـم لـمالعرب الأوائل إم ة منحينما سمعوا هذه القص

بحت ينـزع ونفسي فوها بغرض اجتماعييفهموها أو حر

تـوراة لفكر ذكوري مستبد، فإننا وإن كنا نجد في نـص ال

ــرب الإ" ــي وبنــى ال ــه الــضلع الت ــن آدم أل ــذها م خ

رة، ونجـد )2: 22التكوين("ةأامصـلعو " بالعربي " ضـلع "أي "

العبرية، حيث ضـاد ما يسمى ب بالسريانية التي أخذت عنها

العربية صاد سريانية، إلا أن كل هذه هي ترجمات للنسخة

" فة كلمكانت حتى النـسخة " هاالمحر كما أخبر القرآن، وإن

التي سبقت اللاتينية ليست هـي تـوراة " اليهودية"الأصل

حكايـة بعض موسى أيضا، إلا أن البـاحثين يقولـون أن

262

أيضا ليست موجودة في النسخة العبرية " الحية"أو " الضلع"

.1الأصل، بالمرة

موها كأنهم بعيدون عـن بل، إن الذين دونوا التوراة أو ترج

فقال (فهم روح اللغة، فربما كان في الأثر قول آدم لزوجه

مآد :" ــن ــم م لحــامي و ــن عظ ــم م ــذه الآن عظ ه

عـصم مـن عـصامي، " (بالعبرية" إذ )2: 23التكوين()"لحمي

صـادا (كما تلفظ بعض اللهجات الظـاء ) وبسر من بسري

، وبالاقلاب بين الشين والسين، فيقول آدم أنه )ايقريبة للز

سيجعلها عظما من عظامه، وبشرة من لحمه، فلـو كانـت

فعلا من عظمه، لما كان من داعي ليقول أنها بـشرة مـن

، فدلالة وجودها ينفي "الآن"بشرته، ولا داعي لوضع كلمة

ما أنها كانت كذلك قبلا، بينما المفروض عكس ذلك، لأنها ك

، فكـان "عظما من عظامـه "يزعمون أنها كانت فعلا قبلا

كانـت هـذه : "ينبغي لهم أن يكتبوا لإمضاء الفهم الـساذج

"!عظما من عظامي

♦ 1-Adam and Eve, the serpent, and of Adam's rib, which were introduced

in the Greek version of Genesis, have no corresponding passages in the Hebrew original.

♦ http://www.mazzaroth.com/ChapterThree/HistoryOfTheBible.htm

263

لكـنهم رفـضوا أن ،إذن هي وصلتهم ككل التراث السامي

يفهموها إلا بالطريقة الساذجة، مع أن هـذا الكـلام لمـن

لام محب انسجم مع إلفه بحيـث يعرف العربية بلهجاتها، ك

استعد ليحوطه كما يحوط عظمه ولحمه، كأنه امتـزج بـه

لأم ) ص(ماديا كما امتزج به روحا، فلو سمعوا قول النبي

1)لحمه من لحمي ودمه من دمي )(ع(سلمة في علي ثـم ،

حكاية خلق لعلي جاالله تعالى استل ) ع(أرادوا نس نوا أنلدو

) ص(وشفط قطرات دم منـه ) ص( من ذراع النبي لحمة

!!وهو نائم، وخلق منها عليا

وقد آمن علماء اليهود وباحثوهم بخلاف هذه المقولـة فـي

خلق حواء حسب معتقدهم الديني الخاص بهم في التلمـود،

:فمما افترضه أحبارهم، في كيفية خلق رفيق لآدم

المشهورة في كتـاب حكاية خلق حواء من ضلع آدم، -1

.التكوين، الذي يعدونه أول أسفار التوراة

البعض يقول أنه في اليوم السادس وآدم ابن عـشرين -2

سنة، عرضت عليه الحيوانات فأعطى لكل زوج اسمه،

ثم انتابته الغيرة من رؤية الاستئناس الزوجي بين كـل

، كنز العمال؛ المتقي الهندي، 42، ص42، جتاريخ دمشقابن عساكر، -1 ♦

.607، ص 11ج

264

عالج المسألة، وين، فدعا االله تعالى لينـصفه مـن قريني

مـن الرواسـب الطينيـة 1"ليليـت "فخلق له . توحده

وظـل هـذا الجـنس 2الوسخة، بدلا من الطين النقي ،

دب الأحقـاب، ثـم ة على مـرث البشريلوي الملتوي

الخصام بين آدم وقرينته لعدم التكافؤ فخلق لـه حـواء

أخرى أمام عينيه من عظام ولحم وجلـد ومـع أنهـا

بجمالها، إلا أنه تقزز من رؤية منظـر انتصبت أمامه

الخلق ولم يستطع تجاوزه ذهنيا، فأبعدت حـواء هـذه،

حتى خلقت له الثالثة المعروفة في غفلة عنه وهو نائم،

!من ضلعه

البعض قال أن حواء لم تخلق من الـضلع، بـل مـن -3

ـ(وهذا يذكرنا مرة ثانيـة بــ (عظمة العجز، ب عج

فيه النطفة الأولـى المنظمـة أن ، الذي يعزى )بالذن

).للخلق

، آدموعصى :بحثه الشخصية شبه الخرافية في هذسنتعرض بالتفصيل ل -1 ♦ . جمعية التجديد الثقافية الاجتماعيةالحقيقة دون قناع،

لاحظ أنهم يعلمون أن خلقا بشريا قد خلق من الطين الوسخ، وهذا يذكرنا -2 ♦قوة مياه " (إنكي"بأسطورة خلق البداية البشرية لدى السومريين، حين قام

ق البشر من ظفره الوسخ، أي من ترسبات الطين اللازب بخل) الحياةالمسنون المتخمر بالماء، ويدركون أن هنالك طينا نقيا في الجنة تم منه

الإنسان، لكنهم ضيعوا البوصلة تماما مع وجود بعض " آدم) "تعديل(تخليق . إشاراتها

265

البعض قال أن نية الرب منذ البدء خلق زوجين، فخلق -4

مذكر مواجه للأمام، وآخر مؤنث مواجـه كائنا له وجه

للخلف، ثم غير الرب رأيه ففصلهما وأقامهما في جنـة

رنا بعدم فهمهـم وهذا يذك (عدن ومنعهما من التزاوج،

للنفس الواحدة التي كونت الكائن البشري الأول، التـي

كانت خلايا لا جنسية، ثم انقسمت، ثم من كـل قـسم

للإناث، ومـن ) حاضنات جنينية (مؤنث تكونت بيوض

الأخرى الذكور، وفقست تلك البيوض عن بشر بالغين،

.1)كما بينا

البشري الهمجي إشارة المأثورات للنوع -خامسا

هل نجد في مأثورنا التراثي، مـن روايـات المعـصوم

والأصحاب ذكرا لهذا النوع البشري السابق على الظهور

الإنساني؟

:ار في الموقعراجع دراسة كاملة عن تكوين آدم وحواء لدى الأحب -1 ♦

♦ http://www.webcom.com/~gnosis/lillith.html؛ Hebrew Myths by Robert Graves and Raphael Patai (New York: Doubleday, 1964), pp 65-6

266

فقد عبر المسلمون الأوائل عن الكائنات البـشرية ..نعم

، ثم صارت رمزا دالا على )النسناس(التي سبقت آدم بـ

مكنون الـنفس الإنـسانية، لأنـه الهمجية والتوحش في

يختزن إرث تلك الأحقاب غير مفعلة بـل مـستكنة فـي

فقد أورد المروي الإسلامي إشـارات ..موسوعة جيناته

لكائنات بشرية قبل الإنسان وظلت متزامنة مع وجـوده،

فعـن " النسناس"بل هي للآن لها وجود في باطنه دعوها

ع(علي ( اس والحسن البأيـضا وابن عب صري) ذهـب

إلا ( وعقبـوا بـالقول )وبقي النسناس , الناس ـمه إن

فهي هذا، وفي المأثور أن في آخر الزمان أيضا ) كالأنعام

أي تستولي الهمجيـة فـي ) يقل الناس ويبقى النسناس (

.دواخل الفرد على إنسانيته وينطمر العقل والروحنة منه

: ي حديث عن أبى هريـرة ف: ( في النهاية الجزريوقال

هم يأجوج ومأجوج، : قيل . ذهب الناس وبقى النسناس

خلق على صورة النـاس أشـبهوهم فـي شـئ : وقيل

ويمكـن أن : وخالفوهم في شئ وليسوا من بنى آدم، قلت

يكون المراد بهم من كان قبل آدم عليه السلام من الإنسان

الـك إذن؛ فالجزري يرى أن هن ). غير المتمدن الوحشي

.غير متمدن قبل آدم) بشرا(إنسانا

267

وكان فكرة تزاوج الإنسان مع الهمج لها أثر بـاق فـي

أذهان السابقين، لكن الهمج كما كانوا يـسمون نـسناسا،

يسمون أيضا أبناء الحية أو التنين، أو سكان الكهوف، أو

غيلان، الجن أيضا لاستتارهم في الكهوف والمغاور، أو ال

كان عمرو بن يربـوع : (فنلحظ الجاحظ يكتب . والسعالي

.1)متولدا من السعلاة والإنسان

أين الصراحة في كتاب االله؟-سادسا

لم لم يأت القرآن بالقصة صريحة بلا : ولرب سائل يسأل

مواربة وكفلق الصبح منعا للخلاف؟

) حكمـات الآيات الم (القرآن قد فعل ذلك في هدى القلوب

هو الهـدى الـذي جـاء بـه ) الإيمان(لأن هدى القلب

فيجب أن يستعمل العقـل ) العلم(أما هدى العقل . صريحا

ليتطور، فعبادة العقل ليست التلقين والحفظ بـل التفكيـر

والتفكر والبحث والاستكـشاف والاختبـار والمحـاورة

والتصحيح والتشارك، فتلقين المعرفـة ليـست معرفـة

.155 ،147، ص1ج ،حياة الحيوانالجاحظ، -1 ♦

268

عقلي أن ملكات العقل لا (ة، أي العلم يكثر في العقل، لكن

، وتلقين المعرفة ثانيا هي وسيلة بائـسة لاحتكـار )تنمو

طريق العلم، أما تركها للاكتشاف واختبار الوعي فطريق

مدرسـة "فشتان بـين مدرسـتين؛ . لمشاعيتها وعولمتها

، لـذلك "مدرسة تبيين طريق المعرفـة "و" تلقين المعرفة

جماعي تنبذ الأنا فيه لتكـون بحث على القرآن حث قال

قـل سـيروا فـي : (، بقوله الأفكار بلا أب ولا صاحب

، جعـل )20:العنكبـوت ()الأرض فانظروا كيف بدأ الخلـق

لا -الوصول إلى المعرفة بالسير الاكتشافي والجمـاعي

د العقل بالاختبار وا -الفرديكما جعل ليتعب ،د الذاتيلتزو

طريق نمو العضلات بالمران لا بالكبـسولات، فجعلـت

الحقيقة قرآنيا تكسب بالتدبر والاجتهاد، تماما كما جعلـت

في خارج القرآن، ليكون كتاب الطبيعة الرباني محاكيـا

فتلقين المعـارف فـي الـذهن لا .لطبيعة الكتاب الإلهي

به ويجمده، لكـن خـوض التجربـة يحرر العقل بل يقول

باختبار المعرفة ومحاولة اكتشافها بعد الأخذ باليـد عـن

المنزلقات الروحية، والمهاوي الأخلاقيـة، والأعطـاب

الفكرية، هي الطريقة الناجعة لعروج الإنسان في إنسانيته

.الربانية

269

لكننا نصرح مع ذلك أن القرآن قد أتـى فعـلا بالحقيقـة

ح، لكـنمبـين وكفلـق الـصب صريحة وبلسان عربي

للراسخين في العلم ولأولى الألباب، وإنمـا هـو الفهـم

ارج الذي حكم قواعد هي غير قواعد اللسان العربـيالد

تفـسيرات مـن المبين، وعقائد متسربة من التـوراة، و

إملاءات أقوال الرجال جميعا، حكمهم علـى كتـاب االله

يقة، إذاك، وكأنها أشـبه بـالوهم أو بالخيـال فبدت الحق

والسراب بل صارت خلافا وبدعة، لأننا نقرأ القرآن ولا

. نقرأه في الحين نفسه

من هو آدم؟ جنس أم رجل، وكيف جاءت ذريته؟-سابعا

ما هو إلا جنس جديد، وليس اسـما " آدم" من يقول بأن ةمث

جه هي أيـضا جـنس جديـد لرجل فرد، وحواء أنثاه وزو

ورأي آخر يقول بل هما فـردان فقـط آدم .وليست واحدة

والحقيقة إن عملية التدخل في صف .وحواء ولا أحد معهما

الجينات في هذا الكائن البشري الذي كان سائدا وموجـودا

موروثاتـه فـي /جيناته /لرفعه عن طريق صف صبغياته

270

ويؤكـده (تراث أمتنا الواحدة صفة جديدة متميزة كما يوثقه

لم يكن مقتصرا على فرد واحد فقـط، لأن ) القرآن الكريم

إذا كان المخلوق رجلا واحدا : هذا سوف يوقعنا في إشكالية

وامرأة واحدة فكيف تكاثرا؟ هل ما أنجباه من أولادهما من

الذكور والإناث هما البداية؟ ثم تنـاكح الأخـوة بعـضها

حـواء (تقول بعض الآثار المدسوسة مـن أن بعض؟ كما

وكانت تلد في كل !)أو خمسمائة بطن (ولدت أربعين بطنا

يزوج ذكر كل بطن بأنثى ) ع(بطن ذكرا وأنثى، وكان آدم

هذا أمر مهول، من بقايا الهمجية البدائية، !!1)من بطن آخر

ة فـي سيوقع الإنسانية في إشكالية خطيرة، وانزلاقة عظيم

أولى عتباتها، واالله سبحانه لا يأذن بهذا، ولا سر تخليقه آدم

إنسانا عاقلا روحانيا متساميا عن الطور الهمجـي يـسمح

إذ كيف يحرم سبحانه مثل هـذا النكـاح ! بهذا أو يليق به

هذا يوقع من أخذ بهذا الرأي في ! ويبدأ به ولو اضطرارا؟

، البداية والنهاية؛ ابن كثير، 263، ص 6، جفتح الباري، ابن حجر -1 ♦

تفسير ؛ الثعالبي، 55، ص1، جقصص الأنبياء؛ ابن كثير، 103، ص1ج

؛ الطبرسي، 300، ص2، جفتح القدير؛ الشوكاني، 370، ص2، جالثعالبي

، 6، جتفسير القرطبي؛ القرطبي، 315، ص3، جتفسير مجمع البيان

، 1، جالتفسير الصافي؛ الكاشاني، ")اأربعين بطن"وفيه نص (134ص

؛ 218، ص11، جبحار الأنوار؛ المجلسي، 28، ص2، وج417ص

")!!خمسمائة بطن"وفيه نص (138، ص4، جالأماليالمرتضى،

271

وفلسفي تناقض عسير اعتقادي ثـم ،وتـشريعي وتاريخي

أخلاقي.

الحيز /إيزاجل(القوة الربانية تعتلي الجبل العظيم المهيب ) حيا=إيا(تصور سومري لـ

حيث مقر المدبرين والأبرار، التي أوجدت خزان الماء العذب الكامن في ) الجليل

يه آدم ويتطهر الذي تطهر ف) الكوثر(، ومنه يتشكل حوض التطهير )الأبسو(الأعماق

.فيه كل داخل للجنة، ومنه تفيض أنهار الجنة إلى خارج جبال السروات

ل هو الصحيح، أناء"و" آدم"إذن هل الرأي الأوهمـا " حو

جنس لا فردان؟ أي كالبشر الأوائل الذين خرجـوا رجـالا

تلفع بالصواب، إلا أنه ليس بالحقيقـة، إذ !ونساء كلا، وإن

كفردين بشريين، -قبل أن يكونا آدم وحواء -م وحواء أن آد

272

إلى أن وصـلا ) الأردن(الماء " ورد"استدرجا الدخول عبر

، وهنالـك اغتـسلا أول غـسل )الكـوثر (حوض التطهير

ة الأولى، ثم ما لبثا أنرهما من دنس الهمجية والجاهلييطه

لملـك صـفا وجاء ربـك وا : (حاطتهما الملائكة الصافات

.)22:الفجر()صفا

هذه الآية بالتحديد، لها خصوصية معينـة؛ هـي صـورة

النهاية فعلا، إلا إنها أيضا صورة البدايـة، صـدى هـذا

قل أمـر ربـي بالقـسط :(29-الموقف نراه في الأعراف

وا وأقيمجد وسكل م عند كموهج ادـ و صين لـه عـوه مخل

ينالد ونودتع أكمدا ب؟ ، ف)29:الأعراف()كمأنا الـربكيف بـد

، وهـو "فرادى"البداية كانت مع الآدم والحواء، فردا فردا،

ولقد جئتمونا فرادى كما خلقنـاكم أول (ما أخبره سبحانه

و لناكما خوم كتمترة ورم وركمظه اءوالتشبيه )94: الأنعام()ر ،

الملائكة حيث جنة آدم /هو بمجيئهم فرادى إلى مقر الأرباب

المجيء يتكرر مرتين؛ مرة حين دخل اوالجبل العظيم، فهذ

مركـز ) فـرادى (ذانك الكائنان البشران كلا علـى حـدة

الـرب اء فعدلته وسوته ثم ج الملائكة، وكانت صافة صفا

ـ أحدهما نفخ في فالمسئول وهو الروح العظيم، ه من روح

فقام المدبرون بصنع نـسخة ثانيـة آدم، اسم وأطلق عليه

273

والمجـيء . من نفس الطين والروح حواءمطابقة منه هي

الثاني بعد موت الإنسان بنص الآية لا ظرف المحشر الذي

وراء ظهـره إلا يأتي فيه الجميع ولا يترك أحد ما خـول

ة إلى نفس المكان، مقـربالموت، فتأتي تلك النفوس البشري

الملائكة، نفسا نفسا، كلما ماتت نفس ذهبت هناك لتعـرض

، فتحاسـب فـإن اسـتحقت المدبرين على الرب والملائكة

رمت وطرحت في نـار البـرزخ الروح نفخ فيها، وإلا ح

. )الألفي(طيط الرب والابتلاء حسب تخ

هذا خلق الإنسانية الأولى لا البشرية الأولى، وهـو الـذي

وهذا يدلك مرة ثانيـة . في الجنة التطهير كان قرب حوض

بشأن خلق الإنـسان السومرية" نينماخ وإنگي "أن أسطورة

تمت في الجنة حيث الملائكة الصافون وحيـث الحـوض

فالبداية كانت مـع الآدم الفـرد ".بسوالأ "القابع فوق خزان

والحواء الفردة صفا وسويا وعدلا ثـم نفـخ فيهمـا مـن

لكن حـواء ".الإنسان" وتحولا إلى كائن آخر هو ..الروح

نقلها من الطور الهمجـي ليست هي الأنثى الوحيدة التي تم

الإنسان، لكـن " آدم"إلى الطور الإنساني، هي الوحيدة مع

غيرها بعد إهباط ) سوت وعدلت (لقدرة الإلهية قد صنعت ا

ـ هؤلاءته، آدم من الجنة بمعصي ن النـساء الإنـسيات خلق

274

أبناء آدم وهم ذكور، وقـد دل القـرآن نخصيصا ليتزوجه

لكن هذا أمر .على هذا وكذلك بعض المأثورات الصحيحة

.سيتم تناوله في بحث معصية آدم

هل العلم يقر بهذا الرأي؟ ولماذا هذا الفارق الزمني - ثامنا

بين آدم الإنسان وآدم التوراة؟

) HomoSapiens(أن الإنسان العاقل "نعم، يقول طه باقر

ألـف 35قد ظهر فيما سموه العصر الحجري الحديث قبل

ألف سنة في حـدود 50منذ أقل من (، أو على الأقل سنة

وإن تقديرات العلماء . 1") الوسيط منتصف العصر الحجري

ألف سنة، أو 50 إلى 30أرخت لظهور الإنسان العاقل بين

إنسان كرمـانيون، نـسبة إلـى الكهـف "ما أطلقوا عليه

المكتشف فيه بقايا آثاره، بعد الحقبـة الجليديـة الأخيـرة،

والحقبة الجليدية الأخيرة التي ألمت بالأرض ولم تبـق إلا

حول الاستواء، أي ما بين المدارين وأكثر قلـيلا، حزام ما

كمناطق قابلة للعيش، وحسب التقديرات، قد ابتدأت متزامنة

معه، أي قبل خمسين ألف سنة تقريبا، لتبدأ في الانحـسار

.165، ص تاريخ الحضارات القديمة طه باقر،: مقدمةانظر -1 ♦

275

بما رافق ذلك من تغييـرات . م.مع مطلع الألف العاشر ق

فإن آخر عـصر دافـئ .جيولوجية وجغرافية للعالم بأسره

، ووجدت آثـار 1 ألف سنة قبل الميلاد 14بدأت معالمه قبل

لحضارات في المنطقة العربية، ترجع إلى ما قبـل الألـف

العاشر قبل الميلاد، ما يعني أن الإنسان العاقـل موجـود

وصار له نسل توزع في النواحي المتاحـة، وهـذا ينفـي

لمـيلاد، سنة قبل ا 4000 بأنه بـ الأول تأريخ التوراة لآدم

إذ حضارة سومر المشهورة ووادي النيل العريقة تمتد لقبل

من نطوفيين هذا التاريخ بكثير، فكيف بالحضارات السابقة

♦ 1-120,000 to 18,000 BCE; During the last ice age, sheets of ice up to two

miles thick covered much of the northern parts of North America, Europe and Russia. So much water had been withdrawn from the world's oceans that their level was about 400 feet (120 meters) lower than it is today.

♦ http://www.religioustolerance.org/ev_noah.htm ♦ The last Ice Age or glacial period on Earth ended roughly 14,000 years

ago. At that time, much of Northern Europe and North America lay under huge ice sheets that today remain only in Greenland.

♦ http://geography.otago.ac.nz/Courses/283_389/Resources/palaeo/IceAges.html

♦ The sea has risen 100 meters since the last ice age, ocean water now exerts a downward force on parts of the continental shelf that had been above sea level.

♦ http://yosemite.epa.gov/oar/globalwarming.nsf/content/ClimateTrendsSeaLevel.html

276

، لكن هذا أمر لن يتجلى إلا بـالتفريق بـين آدم وعبيديين

، وهو بحث آخر لـه )الأول ( وآدم الإنسان )الثاني (الرسول

محله الخاص.

:ختام الفصل

وبعد، فكثيرة هي الإشكالات والمعارضات التي قد توجد فـي

أذهان تشبعت بالتقليد أو تقديس اللامقدس، وبـالاجترار مـن تـراث

خاطئ على حساب الصحيح، وعدم فهم الصحيح من المـروي بـل

فلا يسعنا، مهما بذلنا، وكما قد أسلفنا إسقاط فهمنا المعكوس عليه، لذا

شكالات التي يمكن أن تطرأ في الأذهـان، وبالـذات أن نستقصي الإ

ها فلـن ءأذهان المعضلين والمماحكين، وحتى لو استطعنا استقـصا

نتكلف بالإجابة عليها أو تغطيتها، لأنه ليس من شأننا تلقين المعرفـة

والأجوبة وتجميد عقل القارئ الباحث واستتباعه، فأزمة العقل المسلم

ا، بل شأننا وواجبنا توضيح المحجة إلى الجواب، وقـد لم تأت إلا بهذ

نصبنا المنهج، وشيدنا منارته؛ أن كتاب االله هو سيد الناطقين، والحكم

درك نظامي ولا لغو، وما هو بالهزل، على الباحث أن ل، لا لهوالفص

كتاب ربه أولا متحررا من دهاليز التوارتيين وقوامع آراء الرجـال،

مؤمنا بأنه كتاب مبين فعلا، توافقه العلـوم والمكتـشفات وتـصدقه،

277

وتشهد بصدقه الروايات الصحاح لا المكذوبة، وبهذا المـائز نعـرف

الرواية المكذوبة من الصحيحة، لأن المكذوبة ستنهزم عـن موافقـة

القرآن، لأنها صدرت كدسائس من جاهلين بالقرآن لا من مقارنين له

.ين بهرومنذ

تمت إلى موضـوع وقد عملنا جاهدين أن نفسر الآيات التي

لم تكـن كلهـا إنالخلق، وفي الحقيقة، فإن جل الآيات التي فسرناها،

المفسرين فيها، لأنهـم مـا فـسروها فـي بمخالفتناستصدم القارئ

ـ ي، الحقيقة، فدونك أي تفسير أمامك، استله واقرأ فيه وستفهم ما نعن

بل أخطأوا فيها وخلطوا وغبشوا، لافتقادهم النظرة الشاملة للموضوع

القرآني وامتهانهم تجزئته، ولتأثرهم بالقصص التوراتي وما يوافقـه،

ولانطلاء كثير من المرويات المدسوسة عليهم فقدسوها، ولاتبـاعهم

نظاما خاطئا في التعرف على لغة القرآن ولـسانه العربـي المبـين

ونظامه الصارم، وأخيرا لجعلهم القرآن مهيمنا عليه بدلا من أن يكون

هو المهيمن، علاوة علـى عـدم مبـالاة بعـضهم بحقـائق العلـم

.الموضوعي

فالإشكالات حتما كثيرة بحجم الجهـل الموجـود، وبحـسب

العقول الموجودة، وعلى قدر تكرس اللانظام في فهم النصوص، فمـا

أن نتخير فقط أمهات الإشكالات وأصعبها، التـي وجـدنا وجدنا إلا

احتمال طروئها على ذهن الباحث الجاد وذللناها له، وإن وجد غيرها

278

فليلتمس الباحث الفطن مما قـدمنا سـبيلا - وهو موجود لا محالة -

. لتذليل الباقي

أقـيم وقد رأينا أن هذه الإشكالات التي سيقت، والتذليل الذي

بإزائها، قد أفادنا خلاف ما أريد له، فأورث فـي النتيجـة يقينـا، أن

النص القرآني، وأقوال المعصومين، وتراث الآباء الأولين، كلها تنبع

لما سجنا عقولنـا فـي -من مشكاة ربانية واحدة، هي الحق، ولكننا

ه، والقرآن وقول قمنا ببذر الخصام بين القرآن ونظام -أغاليط الرجال

المعصوم، وتراث الأولين والآخرين، وفقدنا الصفاء في فهم الأمور،

وتمييز الصحيح من السقيم، نسأل االله تعالى لنا ولقارئنا وللباحثين هذا

.الصفاء وذاك التحرر

279

ةـالخاتم

لقد كان هذا البحث، محاولة سريعة غير مكتملة فـي مـسألة

خلاصة نظرنا في كتاب االله العزيز وفي مـدونات واحدة فقط، تشكل

تراثنا العظيم، ليدرك القارئ وحدة هذا التراث في مسائله المعرفيـة

والاعتقادية، والقيمية أيضا، لحضارة لها تاريخ تليد منذ وجد الإنسان

الأول وما يزال فيها كمون العطاء الثر، فهي التي تمتلـك مخـزون

نية العليا، فعليها أن تحفر لطلبها في أرضها لا لتتوسلها الحقائق الإنسا

من الآخرين أو تنتظر ليجودوا عليها بهـا، أو أن يكتبـوا تاريخهـا

.بأيديهم فيصوغوا هويتها ويفصلوها لها

وإننا إذ نقدم هذا البحث للقارئ العربي والمسلم، مباينين فيها

ناتها، لا جرأة لأنا أردنا المخالفـة، أو النظرة التقليدية ووجهاتها وتلقي

الموافقة، ولا لنقسر القارئ الكريم عليها، بل لنحرره فيختبرهـا هـو

بنفسه، يقتنع بما شاء، ويرفض ما شاء ويطور ويصحح ما شاء، بعد

أن ينعتق من إذعانه العاطفي الرهبوي أو الرغبوي تجاه الإمـلاءات

ي تقولب له جاهزة باسـم الـدين، فتـصادر والسطوات المعرفية الت

تفكيره وعقله، وتمسخ ذاته وتسلب دوره وتقمع تطوره، ويظل يطوح

.به هائما في تقليد الأفكار سواء من بني جنسه أو من الأغراب

280

هذا البحث إحدى فرصه للانعتاق وللاختبار، وليقول بمـلء

له وقال التاريخ وقال فلان وفـلان، قال االله وقال رسو : الفم لمن يلوح

كفى سطوة على عقولنا، ها هو ذا االله : هذه المحاولة ترد عليه وتقول

ورسوله والتاريخ لم يفوهوا بذلك، بل أنتم قلتم، بعد أن توهمتم، تعالى

فلكم الأجر الواحد والكبير، " هو ما فهمتم واجتهدتم "أو في أحسن حال

وا الآخرين يختبروا وعيهم أيـضا، أطلقـوا سـراحهم، دع: فبوركتم

وأمـر ) أفلا يتدبرون القرآن (ليصيبوا الحقيقة التي قال عنها سبحانه

بمعزل ) قل سيروا في الأرض : (رسوله الأمين بأن يحفزهم لاكتشافها

ومـن جملـة ) ص(عن تلقين الموتى، تلك التي بعث النبي الهـادي

ويضع -لا أن يدفن عقولها - في الناس دفائن عقولهم أهدافه أن يثير

وقد قال الإمـام الـصادق .عنهم الإصر والأغلال التي كانت عليهم

من دخل في هذا الـدين بالرجـال :(يوما ما ) ص(حفيد نبينا العظيم

أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتـاب والـسنة

.1)زولتزالت الجبال قبل أن

فهذا البحث للاختبار؛ أن يختبر القارئ وعيه، حريته، عقلـه،

قرآنه، وتراثه، ومألوفه، ثم كيفيـة تـشكيله اعتقـاده، أبالرجـال أم

ليسترجع ذاته الحبيسة الذائبة والمطمـورة مـدى العمـر، ! بالكتاب؟

.فخلاص أمتنا العظيمة هو من خلاص أفراد أبنائها

♦ 1 . 12 صكتاب الغيبة،؛ النعماني، 7، ص1، جالكافيالكليني، -

281

رب العالمينوالحمد الله

وأفضل صلاة وسلام على سيدنا محمد وآله

صحبه ومن تولاه إلى يوم الدينوعلى

282

قائمة المصادر والمراجع

: العربية والمترجمة-أولا

مصنف ابـن ، )أبو بكر عبداالله بن محمد الكوفي (ابن أبي شيبة -1

مكتبة الرشـاد، : ، الرياض1تحقيق كمال الحوت، ط / أبي شيبة

1409.

تاريخ الأمـم والملـوك ،)أبي جعفر محمد ( جرير الطبري ابن -2

. مؤسسة الأعلمي: ، بيروت)تاريخ الطبري(

عن تأويـل جامع البيان ،)أبي جعفر محمد( جرير الطبري ابن -3

دار : ضـبط صـدقي جميـل العطـار، بيـروت / آي القرآن

.1415الفكر،

فتح ، )أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني (ابن حجر -4

تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ومحب الـدين الخطيـب، / الباري

.1379دار المعرفة، : بيروت

تحقی ق / المحل ى، )عل ي ب ن أحم د ب ن س عید (اب ن ح زم الأندل سي -5

.دار الفكر: أحمد محمد شاكر، بیروت

283

بھام شھ [1، ط الم سند ، )أبي عبد االله أحمد بن محمد (اب ن حنب ل -6

. دار الفكر: ، بیروت]قوالمنتخب كنز العمال في سنن الأ

تح ف ، )أبو محمد الحسن بن علي بن الحسین (ابن شعبة الحراني -7

مؤس سة : ، بی روت5 ق دم ل ھ محم د ح سین الأعلم ي، ط /العق ول

. 1974/ 1394الأعلمي للمطبوعات،

، النج ف مناق ب آل أب ي طال ب ، )محمد ب ن عل ي (ابن شھر آشوب -8

.1376المطبعة الحیدریة، : الأشرف

، معجم مقاييس اللغـة ، )أحمد بن فارس بن زكريا ( فارس ناب -9

دار إحيـاء التـراث : ، بيـروت ]جديدة مصححة وملونة [1ط

.2001العربي،

، البدايـة )الحافظ أبي الفـداء إسـماعيل الدمـشقي (ابن كثير -10

دار إحياء التـراث : ، بيروت 1تحقيق علي شيري، ط / والنهاية

. هـ1408العربي،

، تفسير القرآن )أبي الفداء إسماعيل الدمشقي الحافظ (ابن كثير -11

.هـ1412دار المعرفة، : ، بيروت)تفسير ابن كثير( العظيم

284

، قـصص )الحافظ أبي الفـداء إسـماعيل الدمـشقي (ابن كثير -12

، دار الكتب الحديثـة، 1تحقيق مصطفى عبدالواحد، ط / الأنبياء

1388.

، 2 ط كـشف الغمـة، ،)علي بـن عيـسى (أبي الفتح الإربلي -13

.1985/ 1405دار الأضواء، : بيروت

قـاموس الآلهـة ، )ف(، رولينـغ )هـ. م(، بوب )د(إدزارد -14

في الحضارة ) السومرية والبابلية (في بلاد الرافدين : والأساطير

تعريب محمد وحيد خياطـة، )/ الأوغاريتية والفينيقية (السورية

.2000دار الشرق العربي،: ، لبنان، سورية2ط

نـشأتها وتطورهـا : ديانة مـصر القديمـة ، ) لفأدو(إرمان -15

ترجمة عبدالمنعم أبو بكر ومحمد / ونهايتها في أربعة آلاف سنة

.1995/ 1415مكتبة مدبولي، : ، القاهرة1أنور شكري، ط

، 4، ط حليـة الأوليـاء ، )أبو نعيم أحمد بن عبداالله (الأصبهاني -16

.1405دار الكتاب العربي، : بيروت

: ، القـاهرة 3ترجمة ثروت عكاشـة، ط / تمسخ الكائنا أوفيد، -17

.1992الهيئة المصرية العامة للكتاب،

285

تحقيق السيد جلال / المحاسن، )أحمد بن محمد بن خالد (البرقي -18

. الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية

19- مكتبـة لبنـان، : بيـروت ،محيط المحـيط ، )بطرس(البستاني

1977.

2، ط أسـاطير آرام -الميثولوجيـا الـسورية ، )وديع(بشور -20

.لا ناشر، لا تاريخ: ، لا بلدة]منقحة ومعدلة[

دار العلـم : ط ، بيروت : ب المورد القريب، ، )منير(البعلبكي -21

.1986) يناير(للملايين، كانون الثاني

.1986بغداد، ، تاريخ الحضارات القديمة ،)طھ(باقر -22

دار المـدى للثقافـة : ، دمشق 5، ط ملحمة كلكامش ، )طه(باقر -23

.1986النشر والتوزيع ، و

أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بـن عبـداالله بـن (البيقهي -24

: ، بيروت 3 عامر حيدر، ط تحقيق/ كتاب الزهد الكبير ، )موسى

.1996مؤسسة الكتب الثقافية،

، )عبدالرحمن بن محمد مخلوف أبـي زيـد المـالكي (الثعالبي -25

تحقيـق )/ الجواهر الحسان في تفسير القـرآن (تفسير الثعالبي

286

دار إحياء التـراث : ، بيروت 1عبدالفتاح أبو سنة وآخرون، ط

.1418العربي،

: ، بيـروت 1 ط ، الحيوان حياة ،)ن الدميري كمال الدي (الجاحظ -26

.1994دار الكتب العلمية،

الجواهر السنية في الأحاديث ، )محمد بن الحسن (الحر العاملي -27

.مكتبة المفيد: قمالقدسية،

تحقی ق / وس ائل ال شیعة ، )م د ب ن الح سن مح(الح ر الع املي -28

دار إحی اء الت راث العرب ي، : ، بی روت 4عبدالرحیم الشیرازي، ط

1391 .

مفتـاح : تفسير القرآن الكـريم ،) روح االله مصطفى(الخميني -29

مؤسسة تنظيم ونشر آثار : ، طهران 1أحسن الخزائن الإلهية، ط

. 1418الإمام الخميني،

، 2 المركز، ط 1-لحضاري القديم تاريخ سوريا ا ، )أحمد(داوود -30

.1997مطبعة الكاتب العربي، : دمشق

ترجمة زكـي نجيـب / قصة الحضارة ، )ول وايريل (ديورانت -31

.1992/ 1412دار الجيل، : ، بيروت1محمود، ط

287

سير ، )أبو عبد االله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز (الذهبي -32

قـسوسي، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد العر / أعلام النبلاء

.1413مؤسسة الرسالة، : ، بيروت9ط

: ، بيـروت 1، ط التفسير، )فخر الدين محمد بن عمر (الرازي -33

.2002دار الفكر،

، 1، ط حـضارة وادي الرافـدين ،)عبد الوهاب حميـد (د رشي -34

. 2004دار المدى للثقافة والنشر والتوزيع، : دمشق

/ المندائيـة النصوصالنشوء والخلق في ،)كورت (رودولف -35

.1994 جامعة بغداد: بغداد ،رجمة صبيح مدلول السهيريت

دار : ، قـم ]منقحـة [1، ط ميزان الحكمة ، )محمدي (الريشهري -36

.هـ1416الحديث،

تفـسير الكـشاف، ، )أبو القاسم محمود بن عمر (الزمخشري -37

.مركز الإعلام الإسلامي: قم ،4ط

بهامشه القـرآن [ 1طالدر المنثور، ، ) جلال الدين (السيوطي -38

دار المعرفـة، : ، بيـروت ]لكريم مـع تفـسير ابـن عبـاس ا

.هـ1365

288

ترجمـة / معجم الأساطير ، )رودا(، هندريكس )ماكس(شابيرو -39

.1999دار علاء الدين، : حنا عبود، دمشق

فقـه (نحو أصول جديدة للفقـه الإسـلامي ، )محمد(شحرور -40

.2000الأهالي للتوزيع، : ، دمشق1، ط)المرأة

/ الأمـالي ، )بن الحسين بـن موسـى علي ( الشريف المرتضى -41

مكتبـة المرعـشي : ، قـم 1تحقيق محمد الغساني الحلبـي، ط

.1907/ 1325النجفي،

/ نهج البلاغة ، )محمد بن الحسين بن موسى (الشريف الرضي -42

. دار المعرفة: شرح محمد عبده، بيروت

حسن بـن / مستدرك سفينة البحار ، )علي النمازي (الشاهرودي -43

مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، :علي النمازي، قم

1419.

الجامع بـين : فتح القدير ، )محمد بن علي بن محمد (الشوكاني -44

.عالم الكتب: فني الرواية والدراية من علم التفسير، القاهرة

تحقيـق الـسيد / التوحيد، )محمد بن علي بن بابويه (الصدوق -45

ة المدرسين، مؤسسة النشر الإسلامي لجماع : هاشم الحسيني، قم

1387.

289

مجمع البيـان ،)أبي محمد علي الفضل بن الحسن ( الطبرسي -46

مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، : ، بيروت 1، ط في تفسير القرآن

1415.

المی زان ف ي تف سیر الق رآن، ، )ال سید محم د ح سین( الطباطب ائي -47

. 1972/ 1392 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،: ، بيروت2ط

دراسة صوتية صرفية دلاليـة : لكنعانيةاللغة ا ، )يحيى(عبابنة -48

دار مجـدلاوي : ، عمان 1مقارنة في ضوء اللغات السامية، ط

.2003للنشر والتوزيع،

، 1، ط سـومر أسـطورة وملحمـة ، )فاضل عبد الواحد (علي -49

.1999الأهالي للتوزيع، : دمشق

: ، دمـشق 1، ط عشتار ومأساة تموز ، )فاضل عبدالواحد (علي -50

.1999الأهالي للتوزيع،

الآصفي في تفسير القـرآن، ،)محمد محسن (الفيض الكاشاني -51

. هـ1418، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، 1ط

تحقيق أحمـد / التفسير، )محمد بن أبي بكر بن فرج (القرطبي -52

. 1372دار الشعب، : ، القاهرة2البردوني، ط

290

أ ت صحیح تف سیر القم ي ، )أب ي الح سن عل ي ب ن إب راھیم (القم ي -53

.1404مؤسسة دار الكتاب، : ، قم3د طیب الجزائري، طالسی

ترجمة طـه بـاقر، / من ألواح سومر ، )صامويل نوح (كريمر -54

.مكتبة المثنى ومؤسسة الخانجي: بغداد، القاهرة

/ التفسير الـصافي ، )محمد محسن بن الشاه مرتضى (الكاشاني -55

.1416مكتبة الصدر، : ، طهران2حسين الأعلمي، ط

تحقيق علي أكبر / الكافي، ) محمد بن يعقوب أبي جعفر (الكليني -56

.1985/ 1405دار الأضواء، : الغفاري، بيروت

الـشفرة الوراثيـة للإنـسان ، )ليروي(، هود )دانييل(كيفلس -57

) / القضايا العلمية والاجتماعية لمـشروع الجينـوم البـشري (

المجلس الوطني للثقافة والفنون : ترجمة أحمد مستجير، الكويت

.1997اير والآداب، ين

ديانـات : سلسلة الأساطير الـسورية ، وآخرين، )رينيه(لابات -58

دار عـلاء : ، دمشق 1تعريب مفيد عرنوق، ط / الشرق الأوسط

.2000الدين،

291

كنـز ، )علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (المتقي الهندي -59

مؤسـسة : تحقيق بكري حياني وصفوة السقا، بيـروت /العمال

.الرسالة

الأهلية للنـشر : ، عمان1، طإنجيل سـومر ، )زعلخ(الماجدي -60

.1998والتوزيع،

دراسة فـي أسـطورة : ميثولوجيا الخلود ، )خزعل(الماجدي -61

: ، عمـان 1الخلود قبل الموت وبعده في الحضارات القديمة، ط

.2002الأهلية للنشر والتوزيع،

بحـار الأنـوار، ، )محمد باقر بن المولى محمد تقي (المجلسي -62

.1983/ 1403 مؤسسة الوفاء، :، بيروت2ط

، )ميرزا حسين بن محمـد تقـي الطبرسـي (المی رزا الن وري -63

لإحی اء الت راث، ) ع(، مؤس سة آل البی ت 2طم ستدرك الوس ائل،

.ھـ1409

/، مروج الذهب )أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (المسعودي -64

من شورات الجامع ة اللبنانی ة، : رالناش ، 1طق ش ارل ب لا، تحقی

1979.

292

مجلة ، "المسكوت عنھ في ملحمة جلجامش "، )ناجح(المعموري -65

.2002 – 12: العدد ، ألواح

الـسنن ، )أبو عبدالرحمن أحمد بن علي بن شـعيب (النسائي -66

، 1 تحقيق عبـدالغفار البنـداري وسـيد كـسروي، ط /الكبرى

.1991/ 1411دار الكتب العلمية، : بيروت

، 1طكتـاب الغيبـة، ، )محمد بن إبراهيم بن جعفـر (النعماني -67

.1983/ 1403مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، : بيروت

تحقيق السيد / روضة الواعظين ، )محمد بن الفتال (النيسابوري -68

. منشورات الرضي: محمد مهدي الخراسان، قم

تحقی ق / عی ون الحك م الم واعظ ، )علي بن محمد اللیثي (الواسطي -69

.ش1376، دار الحدیث، 1حسین البیرخبدي، ط

: الانترنيت–ا ثاني

1 – http://azothgallery.com/alchemical/k_damiani_sophiasoul.html

2- http://home.apu.edu/~geraldwilson/atrahasis.html

3 - http://duke.usask.ca/~niallm/252/Diodisis.htm

4 - http://home.iae.nl/users/lightnet/celestial/zechariah.htm

5 - http://geography.otago.ac.nz/Courses/283_389/Resources/palaeo/IceAges.html

6 - http://home.apu.edu/~geraldwilson/atrahasis.html

293

7 - http://www.alhawali.com/

8 - http://www.alwah.com/magazine.htm

9 - http://www.ancienttexts.org/library/mesopotamian/enuma.html

10 - http://www.channel4.com/history/microsites/N/neanderthal/

11- http://www.crystalinks.com/amphibiousgods.html

♦ 12 - http://www.gatewaystobabylon.com/myths/texts/classic/enuma.htm#7

13 - http://www.hiddenmysteries.com/freebook/adameve/adameve1.html

14- http://www.islamedia.com/MIE2/maws/maws1.html.

15 - http://www.mazzaroth.com/ChapterThree/HistoryOfTheBible.htm

http://www.mystic-mysteries

magic.com/mysteries_egyptian_invoke_isis.ht-16

17 - http://www.personal.psu.edu/faculty/o/x/oxf3/atrahasis.html

18 - http://www.piney.com/BabEnAratta.html

19 - http://www.religioustolerance.org/ev_noah.htm

20 - http://www.sacred-texts.com/eso/sta/sta10.htm

21 -http://www.webcom.com/~gnosis/lillith.html

22 - http://yosemite.epa.gov/oar/globalwarming.nsf/content/Climate TrendsSeaLevel. html

294

: الإلكترونية-ثالثا

: القرآن-أ

، مصحف النور للنـشر المكتبـي سيمافور للتقنية، – 1

المملكـة العربيـة : دار الثـاني، الريـاض الإص

.2001السعودية،

: التوراة-ب

1- Rick Meyers,E-Sword, Ver 7.1.0,2000-2004, http://www.e-

sword.net

2- Online Bible Millennium Edition. Version: 1.11.90, Mar 28, 2002,

http://www.onlinebible.net/.

: أقراص مدمجة– ـج

، الإصـدار برنامج المعجم ركز المعجم الفقهي، م – 1

.هـ1421الثالث، قم المقدسة،

295

المكتبـة مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلـي، – 2

، الأردن 1.5،الإصـدار الألفية للسنة النبويـة

.1999/ 1419مركز التراث، ): عمان(

تـاريخ مركز التراث لأبحاث الحاسـب الآلـي، – 3

مركـز ): عمـان (، الأردن دمشق لابن عساكر

.التراث

296

فهرست المحتويات

.........................................................................................المقدمة

4........................................................................................توطئة

11..............................................................................لماذا البحث؟

20.........................................................أسئلة البحث وطبيعته ودواعيه

23...............................................................................أقسام البحث

25...............................................................................منهج البحث

28....................................... الحقیقة الضائعة في خلق البشر -الفصل الأول

28.......................................................................................تمهيد

31..............................................الصحيح موجز ما يقوله التراث -أولا

39............................................................. كيف خلق الإنسان؟ - ثانيا

46.......................................................... أين الخطأ في التوراة؟ -ثالثا

55...............................................................................ختام الفصل

56 ............................... خلق البشر والإنسان في القرآن الكریم -الفصل الثاني

56.......................................................................................تمهيد

58........................................................... اختصام الملأ الأعلى -أولا

68.................................................. النشأة الأولى والثانية والثالثة - ثانيا

297

91.....................................................القرآني " الإنسان "صطلح م-ثالثا

96...................................................... الإنسان اللامذكور دهرا -رابعا

115........................................................ بث الرجال والنساء - خامسا

125...................................................... تطور السلالة البشرية -سادسا

144...................................................... غرض النسل الإنساني - سابعا

147.............................................................................ختام الفصل

155 خلق البشر وآدم في تراث الآباء الأولین-الفصل الثالث

155.....................................................................................تمهيد

158............................................................ارات في التراث إش–أولا

165..................... طريقة القدماء في دفن الموتى تحاكي البدء البشري –ثانيا

168........................................ القوى الروحانية المكلفة بتخليق آدم –ثالثا

176......................................." كنزا ربا " كتاب الصابئة المندائيين –رابعا

179....................................."عندما رسم الآلهة المدينة" أسطورة –خامسا

190........................................................ نصوص وادي النيل –سادسا

Cadmos"................................198قدموس " قصة الأمير العربي –سابعا

205................. الإخصابية في التراث السومري والبابلي القوة الكونية–ثامنا

The Epic of Gilgamesh(..................220( في ملحمة جلجامش - تاسعا

298

226.............................................................................ختام الفصل

229............................................ إشكالات ومعارضات-الفصل الرابع

229.....................................................................................تمهيد

229.................................يوحي بالعكس ) ص( حديث شريف للنبي -أولا

236.....................................يوهم بالنقيض ) ع( مأثور للإمام علي - ثانيا

246.............................................. تصور أن آدم لم يولد في رحم -ثالثا

254.................................. ما حكاية الضلع الذي منه خلقت حواء؟ -رابعا

265................................ إشارة المأثورات للنوع البشري الهمجي -خامسا

267.............................................. أين الصراحة في كتاب االله؟ -سادسا

269...................... من هو آدم؟ جنس أم رجل، وكيف جاءت ذريته؟ - سابعا

هل العلم يقر بهذا الرأي؟ ولماذا هذا الفارق الزمني بين آدم الإنسان وآدم -ثامنا

274..................................................................................التوراة؟

276.............................................................................ختام الفصل

279.............................................................................ةـــ ـالخاتم

282..............................................................المصادر والمراجع قائمة

296.....................................................................فھرست المحتویات

414: تسجيل

299

سلسلة عندما نطق السراة

.مفاتح القرآن والعقل .1

.عقيدة الأمة منذ آدم..التوحيد .2

.جنة آدم تحت أقدام السراة .3

.بعد فطري وارتباط كوني..سان العربيالل .4

.وتحسب أنك جرم صغير..الإنسان الإنسان .5

.اختطاف جغرافيا الأنبياء..نداء السراة .6

.عيد الخليقة..ليلة القدر .7

.بين الحقيقة والأوهام..طوفان نوح .8

.آدم الإنسان وآدم الرسول..بين آدمين .9

.سرقة وتحريف تراث الأمة..مسخ الصورة .10

.حضاريتوثيق ..الأسطورة .11

.الحقيقة دون قناع..وعصى آدم .12

.كما بدأكم تعودون..الخلق الأول .13

.اليهود وتوراة الكهنة .14