آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!1

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

آذار / مارس 2016

انشق الحزب الشیوعي السوري ،عبر تاریخھ الطویل ، كثیرا. لدرجة ان الحركة الشیوعیة السوریة بأغلبیتھا الساحقة، او باالحرى باستثناء حزب العمل الشیوعي، ان كانت حلیفة للنظام ام ال، ھي مجرد انشقاقات عن الحزب الشیوعي األم (البكداشي). وخرجت من رحمھ. بل ان ما یعقد فھم واقع الحركة الشیوعیة الرسمیة في سوریا ان عددا من األحزاب التي تشكلت في العقد األخیر بأسماء اخرى انما ھي

مجرد تغییر ألسماء انشقاقات عن الحزب الشیوعي السوري –بكداش. والملفت للنظر، ان الحزب االم وانشقاقاتھ التي حافظت على انتمائھا " الشیوعي" او حتى تلك التي تخلت عنھا بشكل او باخر، تغرف من نفس الولیمة األیدیولوجیة الستالینیة واالنتھازیة السیاسیة

المریعة.

ما یلي ھو عرض سریع لمحطات مھمة في تاریخ الحزب الشیوعي السوري وانشقاقاتھ ولمحات عن مواقفھ، بما قد یفسر مواقفھ، وانشقاقاتھ ، من الثورة الشعبیة المستمرة منذ نحو خمس سنوات.

الفكرة الجوھریة التي تبرز في ھذا العرض ھي ان الحركة الستالینیة ،وما آلت الیھ، مع استثناءات شبھ نادرة، اما وقفت ضد ثورة الجماھیر الشعبیة ومع النظام، وأما مارست أسوأ انواع التحالف مع قوى رجعیة وارتبطت او راھنت على قوى اقلیمیة ودولیة. وكأن الستالینیة داء عضال ، بالنسبة

التباعھا، ال یكفي تغییر االسم او حتى قولھم بالتخلي عن الماركسیة لشفائھم منھ. وبكل األحوال ، فاننا عندما نمارس نقدا ونفضح مواقف األحزاب الستالینیة االنتھازیة فاننا ال ننسى بان ھذه األحزاب ضمت وتضم الیوم مناضلین مخلصین وشرفاء، من الواجب العمل معھم وتجاھھم، ولكننا

نعني بشكل اساسي قیاداتھا وسیاساتھا وممارساتھا.

الحزب الشيوعي السوري ۔۔۔ انشقاقات وانحطاطغياث نعيسة

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!2

بدایات التشكل

تشكلت النواة االولى في 28 تشرین االول/أكتوبر 1924 (للحزب الشیوعي السوري-اللبناني) ، ولكن االممیة الشیوعیة الثالثة (الكومنترن) لم تعترف بھ اال في أیلول /سبتمبر 1928 تحت اسم الحزب

الشیوعي السوري- فرع االنترناسیونال (االممیة). وتم إعالنھ في عام 1930.(1). وضمت النواتات االولى للحزب الشیوعي السوري ، مناضلین بارزین مثل النقابي فؤاد الشمالي، الذي

یعتبر األمین العام االول لھذا الحزب. ومن المفید تقدیم موجز تاریخي لفترة البدایات، وانتشار الفكر االشتراكي في بالدنا. والعالقة الوطیدة

والمتبادلة بین مجتمعات منطقتنا ، وال سیما ما یعرف بالشرق األوسط ومصر. في أعقاب الحرب العالمیة األولى أخذ مفھوم انقسام المجتمع إلى أغنیاء وفقراء، ومن ثم إلى مستثمرین ومستثمرین، ینمو باطراد بفعل التأثیر المزدوج للثورة الفرنسیة البرجوازیة 1789 والثورة البرولیتاریة الروسیة 1917. وكان ھذا المفھوم - القدیم في التاریخ قدم المجتمعات الطبقیة - قد توضحت معالمھ قبل الحرب العالمیة األولى على ید (الدیمقراطیین الثوریین)، أمثال فرح أنطون بفضل التطورات السیاسیة واالقتصادیة - أكثر شمولیة واتساعا وشبلي شمیل، ولكنھ أخذ اآلن طابعااالجتماعیة، التي تسارعت وتائرھا بعد الحرب العالمیة األولى ودخول المشرق العربي في دائرة الحكم

اإلمبریالي المباشر. قبل الحرب العالمیة األولى وبعد زوال الحكم االستبدادي للسلطان عبد الحمید على أثر قیام ثورة االتحاد والترقي عام 1908، ساد نوع من الدیموقراطیة النسبیة في سماء الدولة العثمانیة، وظھرت األحزاب السیاسیة ومنھا األحزاب العربیة. في تلك األجواء قام الجناح الیساري في الحركة الوطنیة العربیة الناشئة بإصدار صحیفة (االشتراكیة) في دمشق عام 1912. حصل على ترخیص الجریدة حلمي الفتیاني، الذي اشتھرت عائلتھ في نابلس والقدس بتولي عدد من رجالھا منصب اإلفتاء وعاش رة في سوریة مع أبي خلیل القباني، حلمي فترة شبابھ في دمشق ، وأسھم في الحركة الفنیة المبكورافقھ في رحلتھ إلى مصر تجنبا لضربات القوى المحافظة المعادیة للفن والمسرح. ویبدو أن حلمي الفتیاني تأثر أثناء إقامتھ في مصر بالجو التنویري السائد بین عدد من مثقفي مصر، وعندما عاد إلى دمشق بعد زوال االستبداد الحمیدي اشترك مع عدد من المثقفین التنویریین في نشر األفكار االشتراكیة. وحصل عام 1912 على ترخیص بإصدار صحیفة (االشتراكیة)، التي عطلتھا السلطات

بعد شھر من صدورھا واضطر حلمي الفیتاني نتیجة مضایقات السلطة إلى مغادرة دمشق.

یمكن تقسیم نشاط الحزب الشیوعي حتى مطلع االستقالل إلى المراحل األربع التالیة:

المرحلة األولى، التي بدأت مع تأسیس الحزب الشیوعي عام 1924 وانتھت عام 1930 وفي ھذه المرحلة برز اسم مؤسسي الحزب اللبنانیین، النقابي فؤاد الشمالي والمثقف التنویري یوسف إبراھیم یزبك. وفي ھذه المرحلة جرى وضع اللبنات األولى في بناء الحزب، وفي دمشق برز اسم ناصرحدة

وفوزي الزعیم كمؤسسین للحزب الشیوعي بدمشق بمساعدة (الرفاق اللبنانیین).

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!3

المرحلة الثانیة (1930 - 1935)، التي تبدأ مع إعالن الحزب الشیوعي السوري برنامجھ المطبوع من برنامجھ. جاء في الصادر في 7 تموز 1931 من خالل وثیقة تبین غایتھ القصوى وشیئاالبرنامج: (إن النظام الرأسمالي لیس منزال من عند هللا، كما یدعي البرجوازیون).. (إننا نرید أن نضع حدا الستثمار جھود العمال السوریین).. (وكذلك الفالحون فإنھم مستثمرون من اإلقطاعیین وخدم االستعمار والمرابین ورجال الدین والحكام).. (النضال المستمر ضد االستثمار اإلقطاعي والرأسمالي).. (إنشاء حكومة العمال والفالحین في سوریة).. (االستقالل التام والوحدة السوریة، سحب الجیوش المحتلة، إلغاء االنتداب).. (اإلخاء والتضامن بین جمیع الشعوب المظلومة، وإیجاد جبھة متحدة بینھا للنضال ضد االستعمار، وأن تتحد مع طبقة العمال العالمیة، التي ھي العدو األكبر

لالستعمار).. وبعد أن تشید وثیقة الحزب الشیوعي السوري بالمثال التاریخي لتآخي الشعوب المختلفة في (اتحاد الجمھوریات السوفییتیة االشتراكیة)، تطالب بـ: (تحریر الجموع السوریة العاملة بدون فرق بین الجنسیات واألدیان...).. (إیجاد جبھة متحدة بین جمیع البلدان العربیة للنضال والتضامن المشترك

ضد االستعمار) و(إیجاد حلف بین العمال والفالحین في البالد العربیة). المرحلة الثالثة (1936 - 1940) وھي استمرار للمرحلتین األولى والثانیة، ولكن بنوعیة جدیدة في في غزارة البیانات (المناشیر) وفكریا، وبرز ذلك واضحا وتنظیمیا مجال تكون الحزب سیاسیاوالكراریس والمطبوعات النقابیة واألدبیة المختلفة ومع ھذه المرحلة بدأت ترتسم قیادة خالد بكداش العائد من الدراسة في موسكو أوائل 1937،لیصبح األمین العام للحزب الشیوعي ولمدة ستین عاما

لغایة وفاتھ عام 1995 . بعد توقیع مشروع المعاھدة بین الكتلة الوطنیة وحكومة الجبھة الشعبیة في باریس وتألیف الوزارة السوریة الكتلویة في أواخر سنة 1936 ونجاح برلمان كتلوي، دخلت سوریة في العھد، الذي أطلق علیھ (العھد الوطني األول) (1936- 1939). ونتیجة لذلك تمكن الحزب الشیوعي السوري من العمل ألول مرة في تاریخھ بصورة علنیة في سنة 1937. ففتح مكاتب لھ في دمشق وحمص وحلب وغیرھا. كما تمكن الحزب بتاریخ 15 أیار 1937 من إصدار جریدة (صوت الشعب)، التي أغلقتھا السلطات الفرنسیة أواخر 1939، وعادت للصدور في 20 كانون الثاني 1942. كما استطاع الحزب إصدار الكثیر من النشرات والكراریس وتمكن من نشر آرائھ في عدد من الجرائد والمجالت المختلفة. ولكن تراجع الحركة الوطنیة السوریة وصعود القوى الیمینیة في فرنسا والنشاط الوطني للحزب الشیوعي أدى في 19 أیلول 1939 إلى صدور قرار من المفوض السامي الفرنسي بحل الحزب

الشیوعي وإغالق مكاتبھ واعتقال أعضائھ إذا اجتمعوا أو تظاھروا. إلى فترتین: األولى: فترة العھد السري وتمتد من المرحلة الرابعة (1940 - 1945) وتنقسم أیضاأیلول 1939 إلى تموز 1941 والثانیة: فترة العمل العلني وتمتد من تموز 1941 إلى ما بعد عام

.1945وفي ھذه الفترة التف حول الحزب جمھرة من المثقفین القادمین إلى الحزب من بوابة النضال الوطني والمعجبین في الوقت نفسھ بانتصارات الدولة السوفیاتیة والمتلھفین إلى ارتیاد منابع الفكر

الماركسي. عقد (المؤتمر الوطني للحزب الشیوعي في سوریة ولبنان) في أواخر 1943 أوائل 1944، في

بیروت (2).

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!4

تحول الحزب الشیوعي السوري الى احد المكونات االساسیة للحیاة السیاسیة في. سوریا لغایة بدایة السبعینات من القرن الماضي. وأخذ علیھ في مراحل األربعینات والخمسینات موقفین أساسیین . االول یتعلق بقرار تقسیم فلسطین الصادر في 29 تشرین الثني/ نوفمبر 1947، حیث كانت جرائده وصحفھ تھاجم ، قبل اعالن القرار، التقسیم وتندد بھ. ولكن حال صدور اعالن دعم الدولة السوفیاتیة لھ حصل تبلبل في صفوف الحزب الشیوعي السوري حسمھ امینھ العام خالد بكداش بتبني القرار والدفاع عنھ

ألن (السوفیات ال یخطئون) حسب احدى مقوالتھ الشھیرة. والحدث الثاني ھو اعالن الوحدة بین بین مصر وسوریا عام 1958 ، حین كان فیھ خالد بكداش نائبا في البرلمان، تغیب عن جلسة التصویت وأعلن معارضتھ لمشروع الوحدة ، او ، كما یحب بعض البكداشیون وصف موقفھ ، بانھ "تحفظ" علیھا وطرح 12 شرطا لھا أولھا تعزیز التعامل والتعاون مع الدولة السوفیاتیة. وفي ذلك الوقت لم یكن االتحاد السوفیاتي معارضا جدیا للوحدة بین مصر وسوریا ولكنھ كان یدعو الى ضرورة التعاون بین الشیوعیین ونظام ناصر، كما جرى في العراق من تعاون بین الشیوعیین ونظام عبد الكریم قاسم. في حین ان نظام جمال عبد الناصر كان یعتقل الشیوعیین. ھذا الھامش الضئیل من االستقاللیة عن الدولة السوفیاتیة فقده سریعا الحزب الشیوعي

السوري. للدولة منذ ذلك الحین، اصبح واضحا ان الحزب الشیوعي السوري بقیادة بكداش تابع تماماالسوفیاتیة في تقریر سیاساتھ الداخلیة والخارجیة، التي یملیھا علیھ "الرفاق الكبار" كما كان بكداش

یصف المسؤولین السوفیات.

عمار بكداشوصال بكداشخالد بكداش

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!5

لعب الحزب الشیوعي السوري دورا سیاسیا ھاما في الخمسینات والستینات من القرن الماضي، فقد فاز امینھ العام خالد بكداش في االنتخابات البرلمانیة عام 1954 في مواجھة ممثل االخوان المسلمین

عن دمشق لیكون اول نائب شیوعي في تاریخ بلدان المنطقة. وكما ھو شائع ومعروف فان القوى السیاسیة االساسیة في تلك الفترة كانت الحزب الشیوعي السوري

وحزب البعث واالخوان المسلمون والعسكر، بالطبع. اضرت مواقف الحزب الشیوعي من قضیتي الوحدة مع مصر وقضیة تقسیم فلسطین التي دعا وروج لھا في شعبیتھ وأضعفتھا كثیرا. ولكن سیاساتھ وممارساتھ نتیجة تبعیتھ للدولة السوفیاتیة اودت بھ الى مواقف تتزاید في إصالحیتھا وانتھازیتھا، وبنیت على فكرتین أساسیتین. االولى كانت تبنى المؤتمر العشرین للحزب الشیوعي السوفیاتي عام 1956 لسیاسة جدیدة عنوانھا " التعایش السلمي بین النظامین االشتراكي والرأسمالي " ، وأخذت طابعا عملیا اكثر مع طرح الدولة السوفیاتیة لفكرة التطور الالراسمالي ، عام 1961، التي فتحت الباب واسعا لتحالفات وخضوع لألحزاب الشیوعیة مع أنظمة برجوازیة "وطنیة". وھكذا أصبحت بعض جوانب السیاسات الخارجیة، كمعاداة اإلمبریالیة او التحالف مع السوفیات، النظمة مستبدة وبرجوازیة كافیة بالنسبة لھذه األحزاب الشیوعیة ، وفي مقدمتھا الحزب الشیوعي السوري للتحالف مع البورجوازیات وانظمة الحكم البرجوازیة، ولم یقتصر

االمر على سوریا فحسب. فقد أصبحت، وفق رؤیة الدولة السوفیاتیة واتباعھا من األحزاب الشیوعیة الستالینیة، مصر وسوریا والعراق وغیرھا من األنظمة الشبیھة في العالم الثالث انظمة تقدمیة و دول تسیر نحو االشتراكیة عبر

طریق التطور الالراسمالي . إذن ، منذ بدایة الستینات لم تعد میزة ھذه األحزاب الشیوعیة ومنھا الحزب الشیوعي السوري احزاب تابعة للدولة السوفیاتیة فقط بل انھا تحولت بشكل فج الى احزاب انتھازیة خانت قیاداتھا المصالح العامة للطبقة العاملة والماركسیة . ولم یعد تحلیل الوقائع الطبقیة لبلدانھا وبعض مطالبھا سوى غطاء

ھش اللتحاقھم الكامل بالدولة السوفیاتیة وانظمة الحكم " التقدمیة" البرجوازیة في بلدانھم. ھذا الحال ما كان یمكن ان یستمر طویال، دون ان یخلق الصراع الطبقي في سوریا ، وكل البلدان المعنیة، توترات شدیدة ، تمس تماسك الحزب الشیوعي السوري ، وأشقائھ الستالینیین، بالرغم من القبضة الحدیدیة لالمین العام على التنظیم.وھیمنة القیادة على كل تفاصیل الحزب، وغیاب عقد

مؤتمراتھ لعقود طویلة.

االنشقاقات

لعل االنشقاق االول في الحزب الشیوعي السوري-اللبناني ھو "انشقاق" او انفصال الحزب الشیوعي اللبناني عنھ عام 1964. لیصبح لكل من البلدین حزب شیوعي خاص بھ.

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!6

االنشقاق الثاني ومولد االنشقاقات

ولكن مرحلة الستینات من القرن العشرین شھدت تداعي " األنظمة التقدمیة " في سوریا ومصر وخصوصا بعد ھزیمة حزیران/ یونیو 1967 ونمو حالة تجذر ونھوض یساري عمت بلدان المنطقة والعالم مثل بروز المقاومة الفلسطینیة وآیار 1968 في فرنسا وغیرھا من األحداث الثوریة ، وبرز جیل جدید من المناضلین الیساریین متعدد المرجعیات یتململ من المواقف االنتھازیة لألحزاب

الشیوعیة الرسمیة (الستالینیة). وبما یخص الحزب الشیوعي السوري ، لعبت شخصیة خالد بكداش دورا مركزیا في بناء تنظیم تغیب عنھ النقاشات والحوار مع افراط في مرض عبادة الشخصیة، وجو من االرھاب الفكري ألي صوت

معارض داخل الحزب. في ھذا السیاق جاء اإلعداد لعقد المؤتمر الثالث ، بعد ربع قرن من عقد الثاني، الذي فجر جدال كبیرا في أوساطھ حول عدد من القضایا: من بینھا ضرورة نوع ما من االستقاللیة التنظیمیة ودرجة اقل من التبعیة لالتحاد السوفیاتي ( الن احد من المتصارعین، حینئذ، لم یدعو الى استقاللیة كاملة عنھ). وایضا التعامل اإلیجابي مع القضیة القومیة، ترافق مع بروز تیار عروبي داخل الحزب، ومراجعة نقدیة لموقف قیادة الحزب الشیوعي السوري من الوحدة مع مصر عام ، 1958. وایضا القضیة الفلسطینیة ومراجعة الموقف المتذبذب للحزب منھا وموضوع موافقتھ على تقسیم فلسطین، وطرحت ایضا قضایا الموقف من التحالف مع النظام الحاكم. وقضایا تنظیمیة تناولت الھیمنة الفردیة على

مقدرات الحزب. انكشفت ھذه الخالفات، وظھرت الى العلن، خالل المؤتمر الثالث لحزب بكداش والذي عقد عام 1969. ولم تحسم فیھ الخالفات ، مما اضطر بكداش وقیادة حزبھ الى عقد مجلس وطني لحسم الخالفات عام 1971 ونقاش مشروع البرنامج السیاسي التي طالب بھا المؤتمر الثالث وتناولت

القضایا المذكورة أعاله . فجر مشروع البرنامج السیاسي الخالفات داخل الحزب الشیوعي، تیار یدافع عن األفكار "الجدیدة" ضم في البدایة شخصیات معروفة فیھ مثل ظھیر عبد الصمد ودانیال نعمة وإبراھیم بكري وریاض الترك وبدر الطویل وعمر قماش واحمد فایز الفواز وغیرھم، ولم یكن حینھا ریاض الترك (زعیم

االنشقاق القادم) ابرز الرموز المعارضة. في ھذه السنوات جرى انقالب حافظ االسد في 16 ت2/نوفمبر 1970 وعمل النظام على إلحاق عدد من األحزاب غیر حزب البعث بھ ، ودعاھا عام 1970 للمشاركة في الحكومة ، وبعد ذلك لالنضمام الى ما اسماه " الجبھة الوطنیة التقدمیة" التي اعلن عنھا في 7 آذار / مارس 1972 . ھذه القضیة فاقمت من الخالفات داخل الحزب الشیوعي السوري الذي صوتت غالبیة لجنتھ المركزیة المحسوبة على جناح بكداش على االنضمام للجبھة الوطنیة التقدمیة ، لیتذیل بذلك للنظام الحاكم، مما وضع

المعارضة داخلھ بموقف مواجھ مع النظام، بعضھا لم یكن راغبا بھ. استعان جناح بكداش بما یسمى " بالخبراء السوفیات " الذي نقدوا ما ھو مطروح في مشروع البرنامج السیاسي، واصفین دعاتھ بالمغامرة والصبیانیة الیساریة والنزعة القومیة وغیرذلك من

االوصاف التي تعج بھا الستالینیة.

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!7

ومستندا على دعم السوفیات لھ اصدر خالد بكداش رسالتھ الشھیرة في 3 نیسان/ ابریل 1972 یصف فیھا معارضیھ " بالكتلة التحریفیة االنتھازیة المغامرة التي یقودھا ریاض الترك " . وأصبح واضحا ان الحزب الشیوعي السوري اصبح حزبان . وأصدر ریاض الترك رسالة لھ مضادة في 27 أیلول / سبتمبر 1973 ، تخلى اثرھا عدد من حلفائھ الھامین عنھ وھم : دانیال نعمة وزھیر عبد

الصمد وإبراھیم بكري الذین أعلنوا عودتھم للجناح البكداشي. وھكذا عقد جناح ریاض الترك "المؤتمر الرابع" في كانون االول / دیسمبر 1973 كحزب مستقل، وانشقاق مكتمل عن حزب بكداش االم وأصبح اسمھ الحزب الشیوعي السوري – المكتب السیاسي ،

وتعریفھ بالمكتب السیاسي یحیل الى ان قادتھ كانوا غالبیة المكتب السیاسي لحزب بكداش. ومن جھتھ، عقد حزب بكداش مؤتمره الرابع في 26-28 أیلول / سبتمبر 1974، وانتخب خالد بكداش أمینا عاما مجددا ،لیكتمل االنشقاق بشكلیھ السیاسي والتنظیمي. وبوجود أمینین عامین ھما ریاض الترك من جھة. وخالد بكداش ، في الجھة االخرى. وأصبح لحزب بكداش وزیرین وستة نواب في مجلس الشعب التابع لسلطة حافظ االسد ، بینما انتقل جناح ریاض الترك الى موقع تدرج في معارضتھ للنظام، ركز على قضیة الدیمقراطیة وابتعد عن التبعیة للسوفیات وتأثر بأطروحات الحزب الشیوعي اللبناني واالوروشیوعیة التي كانت شائعة في السبعینات وخصوصا في اوساط األحزاب

الشیوعیة اإلیطالیة والفرنسیة واإلسبانیة . وشارك جناح ریاض الترك للحزب الشیوعي السوري في تأسیس تحالف معارض ھو التجمع الوطني الدیموقراطي الذي تأسس عام 1979 من خمسة أحزاب سیاسیة، ذات تالوین إیدیولوجیة مختلفة،

ھي: 1ـ حزب االتحاد االشتراكي العربي الدیموقراطي (مؤسسھ جمال األتاسي). 2ـ الحزب الشیوعي السوري ـ المكتب السیاسي ـ أمینھ العام ریاض الترك.

3ـ حزب البعث العربي االشتراكي الدیموقراطي ـ جناح صالح جدید. 4ـ حركة االشتراكیین العرب ـ جناح عبد الغني عیاش. 5ـ حزب العمال الثوري ـ أمینھ العام طارق أبو الحسن.

انشقاقات حزبي خالد بكداش و ریاض الترك

انشقاقات الحزب الشیوعي السوري – جناح خالد بكداش ا.منذ بدایة السبیعنات من القرن الماضي ومع انضمام الحزب الشیوعي السوري- بكداش لجبھة النظام ومشاركتھ فیھا، اصبح واضحا انھ صار جزءا ال یتجزأ من السلطة الحاكمة للطغمة البرجوازیة آلل االسد. ومن جھة اخرى، عبر عن التزام بال حدود لتبعیة ال تقصم للدولة السوفیاتیة ،

وبعدھا لروسیا كدولة حتى ولو لم یعد الحزب الشیوعي حاكما فیھا. وھذان االعتباران سیرسمان مالمح وأرضیة االنشقاقات التي ستجري

رياض التركداخلھ الحقا.

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!8

انشقاق مراد یوسف

المؤتمر الرابع لحزب بكداش لم یحقق التماسك المنشود لھ، اذ تجلى خاللھ ان ھنالك كتلة وازنة تتبع الرجل التنظیمي المھم في الحزب وھو یوسف فیصل ، طالبت بحصة كبیرة في قیادة الحزب ثمنا لدعمھا لبكداش في مواجھة كتلة ریاض الترك ، وكان یوسف فیصل یأمل بالحصول على منصب

األمین العام مقابل ان یكون بكداش الرئیس الفخري ، وفق ما تردد عن اتفاق سابق بین الطرفین. تمت تسویة مؤقتة بینھما في المؤتمر الرابع حیث ابتدع منصب جدید ھو األمین العام المساعد حل فیھ یوسف فیصل، وخصوصا ان كتلة اخرى داخل الحزب كانت تشكل تھدیدا لكل من بكداش وفیصل،

وھي كتلة مراد یوسف النافذة في مدینة دمشق. وعلى الطریقة الستالینیة التقلیدیة والمعروفة، قام بكداش اوال بتقسیم منطقیة الحزب في دمشق الى منطقیتین ، الضعاف مراد یوسف. ووجھ لألخیر اتھام علني في 9 كانون االول/ دیسمبر 1978 بالتكتل. وخالل اجتماع مشترك عقد في أواسط حزیران/ یونیو 1979 بین الحزبین الشیوعیین السوري والسوفیاتي اعلن بكداش رسمیا عن اتھام مراد یوسف "بتوتیر العالقة مع البعث وإیصالھا الى درجة القطیعة" و "شرشحة قیادتھ" و" تمریغھا بالوحل" وإفشاء اسرار الحزب للخارج

وتحریض القواعد على القیادة.(3). وفي 28-29 حزیران 1979 عقدت اللجنة المركزیة لحزب بكداش جلسة محاكمة لمراد یوسف ، تم فیھا ابعاده عن سكرتاریة اللجنة المنطقیة في دمشق وعن المكتب السیاسي. وفي نھایة العام نفسھ أعلنت جریدة "نضال الشعب" لحزب بكداش عن فصل مراد یوسف وكتلتھ من الحزب. فكانت ردة فعل االخیرین انھم قرروا العمل بشكل مستقل تحت اسم الحزب الشیوعي السوري- منظمات القاعدة. بقیادة مراد یوسف، وحاولوا ھم ایضا من جھتھم ان یحصلوا على اعتراف السلطة البعثیة بھم ، لكن

دون جدوى.

انشقاق یوسف فیصل

بخروج كتلة مراد یوسف من حزب بكداش، عادت المواجھة بین بكداش ویوسف فیصل على أمانة الحزب ، الى الواجھة.

وتفاقم الصراع بینھما الى درجة ان بكداش، مع معرفتھ بسیطرتھ على العدد األكبر من المندوبین، دعى الى عقد المؤتمر السادس لحزبھ ، في حین كان الفیصلیون ، یرغبون بمؤتمر متوازن بعدد المندوبین، فعقد بكداش مؤتمره السادس في أواسط تموز / یولیو 1986 متھما الفیصلیین بالتأثر بالخارج لتحویل الحزب من حزب "برولیتاري" الى حزب اشتراكي –دیمقراطي. ویذكر لبكداش انھ قال ، حینھا، ان فصلھ لمراد یوسف كان "ألسباب تنظیمیة" بینما فصلھ لیوسف فیصل ھو "ألسباب

ایدیولوجیة"!. وھكذا ، في المقابل، عقد الفیصلیون، الذین دعموا وتعلقوا بالبرویسترویكا الجاریة في االتحاد

السوفیاتي، مؤتمرھم السادس في 29-31 كانون الثاني/ ینایر 1987،

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!9

وبانضمام حركة "اتحاد الشیوعیین " وھي انشقاق عن جناح ریاض الترك ، سنتحدث عنھ الحقا، اضافة النضمام كتلة مراد یوسف، بضعة سنوات الحقا، الیھ لیصبح اسمھ الحزب الشیوعي السوري

الموحد. واعترفت السلطة الحاكمة بھ وجعلتھ یتقاسم عدد كراسي النواب والوزراء بینھ وبین جناح بكداش.

ستصبح قضیة "وحدة الشیوعیین" وتوحیدھم وبناء الحزب الشیوعي "الموحد" فعال، مطلبا مكررا لكل االنشقاقات الحقا، بالتوازي مع توالي االنشقاقات وابتعاد "وحدة الشیوعیین" عن التحقق اكثر

فاكثر.

انشقاق قدري جمیل

تحوالت كبرى جرت مع سقوط االتحاد السوفیاتي عام 1991، وأصابت األحزاب الشیوعیة الستالینیة ، بل والیسار عموما، بأزمة عمیقة ، لكن تأثیر سقوطھ كان اكبر بما ال یقاس على ھذه األحزاب ، السیما بسبب التبعیة التي عانت منھا األحزاب الستالینیة

تجاه الدولة السوفیاتیة سابقا. فمثال كان یرى بكداش، في تعلیقھ على انھیار االتحاد السوفیاتي، ان الشیوعیین السوفیات "سیعودون وسیعود االتحاد السوفیاتي" . فالشعور السائد في الحزب البكداشي قبل انھیاره ھو ما قالھ، في ھذا الخصوص، خالد بكداش " نحن الشیوعیین ال یمكن ان نكون من دعاة االستقاللیة عن االتحاد السوفیاتي وعن حزب لینین، بل نحن

دعاة االنسجام معھما" (4). وفي تفسیر انھیار االتحاد السوفیاتي یمكن تلخیص موقف حزب بكداش بما قالھ حینھا احد قادتھ وھو قدري جمیل واصفا سقوطھ

بأنھا نتیجة " مؤامرة وانحرافات بدأت منذ نقد خروتشوف لستالین عام 1956". في حین ان جناح یوسف فیصل وجد ان " تجربة السوفیات سقطت بسبب اخطاء في التطبیق ولیس في الماركسیة

السوفیاتیة" (5). مع وفاة خالد بكداش عام 1995، ورثت أرملتھ السیدة وصال فرحة األمانة العامة للحزب البكداشي ، وأصبحت قیادتھ عائلیة، حیث تربعت على امانتھ العامة محاطة بصھرھا ، حینئذ، قدري جمیل وابنھا عمار بكداش(الذي سیصبح ھو نفسھ بعد وفاة والدتھ عام 2012 أمینا عاما، بدوره)، ثالثي عائلي

سیطر على مفاصل الحزب التنظیمیة والمالیة. وفي عام 2000 وفي جو من الدراما العائلیة – السیاسیة، انفصل قدري جمیل عن ابنة بكداش، ولم یعد صھرھا للعائلة، وازداد إمساك عمار بكداش مع والدتھ بكل تالفیف الحزب وامتیازاتھ التي توفرھا

عالقتھ بالنظام البعثي. فانفصل قدري جمیل، ایضا، عن الحزب البكداشي

قدري جميل

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!10

وأطلق مع مجموعة صغیرة موالیة لھ في منطقیة دمشق جماعة عرفت باسم "قاسیون" . دعت الى "توحید الشیوعیین" وطرحت میثاق شرف للتوقیع علیھ، محاولة تجمیع جسد تنظیمي من كل من یرغب من الشیوعیین.وفي عام 2001 استفادت المجموعة من مناخ االنفتاح السیاسي القصیر والجزئي ودعت الشیوعیین المنشقین والمستقلین للتوقیع على میثاق یدین ما سمتھ "عقلیة العائلة واإلقطاع السیاسي"، وأطلقت على نفسھا اسم اللجنة الوطنیة لوحدة الشیوعیین.(6) عام 2003، وعقدت ستة اجتماعات وطنیة، ونجحت بتجمیع عدد من األفراد الذین غادروا الحزب الشیوعي السوري، خالل سنوات انشقاقاتھ الطویلة، وكان تركیز ھذه المجموعة، اضافة الى مطلب ( توحید الحزب الشیوعي) الذي بقي شعارا لكل انشقاقاتھ المتتالیة، " خلق حوار وطني دیمقراطي شامل بین جمیع أطراف القوى السیاسیة الوطنیة لتعزیز الوحدة الوطنیة بعیدا عن الثنائیات الوھمیة، بل على أساس معاییر وثوابت وطنیة جامعة "(7) ، وبالتالي وضعت ھذه المجموعة نفسھا خارج إطار المعارضة، وسعت الى ان یعترف النظام بھا كمكون شیوعي ثالث في جبھتھ " الحاكمة" ولكنھا لم

تفلح في ذلك، فبقي تنظیما "مقبوال" من السلطة الحاكمة دون ان تعترف بھ. وفي دیسمبر من عام 2011، بعد اشھر من اندالع الثورة والحراك الشعبي الذي شارك فیھ عدد من قواعد ھذا التنظیم ، اعلن عن تحول اللجنة الوطنیة لوحدة الشیوعیین الى حزب سیاسي اسمھ " حزب اإلرادة الشعبیة" ، نال ترخیصا ، ھذه المرة، من النظام، وأصبح قدري جمیل أمینھ " العام"، ودخل األخیر في انتخابات مجلس الشعب للنظام عام 2012 لیصبح نائبا فیھ، ومن ثم عینھ النظام الحاكم نائبا لرئیس مجلس الوزراء للشؤون االقتصادیة. لكن احتدام التدخالت اإلمبریالیة في الوضع السوري (روسیا وأمریكا ) دفعت بقدري جمیل الى مغادرة سوریا مع عائلتھ لإلقامة في روسیا في شھر تشرین االول/ أكتوبر 2013، لیصبح جزءا مما یسمى بمعارضة " الداخل" المقربة من موسكو، ولیعمل على المشاركة بمفاوضات جنیف

بھذه الصفة. ھیئة الشیوعیین السوریین

مجموعة صغیرة كانت تاركة للحزب الشیوعي السوري، ابرز شخوصھا منصور األتاسي ، اندمجت مع اللجنة الوطنیة لوحدة الشیوعیین لقدري جمیل وغادرتھا عام 2005، وقف قسم منھا بشكل صریح مع الثورة، وتعرضت الى انقسام حول الموقف من االنسحاب من ھیئة التنسیق الوطنیة، وھي تحالف لقوى سیاسیة متعددة تأسس في حزیران/ یونیو 2011، كان ومایزال لھ موقف ملتبس من الثورة الشعبیة.فقد اصدر منصور األتاسي بیانا باسم "سكرتاریا" ھیئة الشیوعیین السوریین بتاریخ 17/9/2012، یعلن فیھ انسحاب ھیئة الشیوعیین من ھیئة التنسیق الوطنیة،وبعد یوم منھ اي في

18/9/2012 اصدر بیانا مخالف لھ وینفیھ باسم " أعضاء في سكرتاریا" ھیئة الشیوعیین.(8) وعلى كل حال، فانھ واضح ان ھذه المجموعة التي تشتت بعض رموزھا خارج البالد قد فرط عقدھا. لكن منصور األتاسي، الذي اصبح مقیما خارج البالد، اعلن عن تأسیس حزب الیسار الدیمقراطي في بیان صدر في 17 نیسان/ابریل 2015 ورد فیھ إن “الحزب الجدید نتج عن اندماج مجموعات یساریة وشیوعیة وأفراد تاركین ألحزابھم الیساریة التقلیدیة الملتحقة بالنظام والمبررة لقمعھ

وإجرامھ منذ األیام األولى للثورة مع ھیئة الشیوعیین السوریین المعارضة للنظام منذ 2005،

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!11

والتي عقدت في النھایة مؤتمرھا وتحولت لحزب الیسار الدیمقراطي وشعاره (مدنیة – دیمقراطیة – عدالة اجتماعیة)”.

وأضاف البیان الصادر عن الحزب: “یواجھ ھذا الحزب الجدید جملة من التحدیات الكبیرة منھا اإلجرام الكبیر الذي یمارسھ النظام، وتشتت أفراد الحزب في الداخل السوري، وفي بلدان اللجوء، كما یواجھ انتشار المنظمات األصولیة المتطرفة، والمدعومة من نظام األسد وداعمھ في إیران ومن قبل قوى أخرى، وھذه التحدیات وضعف الموارد المالیة أجبرتھ على أن یعقد مؤتمره مستفیدا من وسائل االتصال الحدیثة كالفیس بوك والسكایب، وبعد مناقشات طویلة وشاقة دامت أربعة أشھر تم التوصل لمبادئ الحزب الجدید، واختیر یوم السابع عشر من إبریل لیكون تاریخ میالد الحزب الرتباط ھذا

التاریخ بذكرى جالء القوات الفرنسیة عن سوریا””.(9) ورغم الموقف المؤید للثورة الشعبیة لھذا "الحزب" ، لكن ال یعرف لھ نشاط یذكر باستثناء تقاریر سیاسیة دوریة كما كانت تفعل ھیئة الشیوعیین السوریین سابقا، اضافة الى میل سیاسي قریب من سیاسات الھیئات المعارضة البرجوازیة مثل االئتالف الوطني، فقد ورد في العرض السیاسي رقم 70 لھذا "الحزب" تحدیده للدول "المؤیدة " للثورة وھي حسب رأیھ " تمثلھ بشكل واضح السعودیة و

تركیا ثم قطر" ، ما یشیر الى تبنیھ لنفس سیاسات المعارضة البرجوازیة. ا.

انشقاقات الحزب الشیوعي السوري – جناح ریاض الترك ب.

عاش جناح ریاض الترك سنواتھ االولى بعد االنشقاق باحثا عن ھویة تمیزه عن الحزب األم، وان ركز على القضایا المذكورة أعاله : الدیمقراطیة والقومیة واالستقاللیة عن االتحاد السوفیاتي . اال ان معارضتھ التدریجیة للنظام ستكون العالمة الفارقة لھ، ولیست أسسھ البرنامجیة، فقد دفع تدخل الجیش السوري في لبنان في حزیران 1976 لصالح القوى الیمینیة اللبنانیة، لحظة القطیعة األھم تجاه النظام وبدایة سیاسات " تصعیدیة" تجاه السلطة الحاكمة، لكن تیارا ھاما لبعض قیادات وقواعد جناح الترك "عارضت ھذا الخط انطالقا من عدم قدرة الحزب على تحمل عقابیلھ وأخطار" (10).

یقف على رأس ھذا التیار عضوي المكتب السیاسي یوسف نمر وصبحي انطون.

انشقاق یوسف نمر

في ھذه األجواء عقد المؤتمر الخامس للحزب الشیوعي السوري- المكتب السیاسي في كانون االول/دیسمبر 1978 ، بعد ان تمت كل الترتیبات الالزمة لتھمیش وجود "المعارضین" فیھ لدرجة ان احد ممثلیھم وھو صبحي انطون قال: " اذا كان خالد بكداش دیكتاتورا بدون نظام داخلي فان ریاض الترك

ھو دیكتاتور بنظام داخلي"(11). انشق تیار یوسف نمر اثر ھذا المؤتمر، لیشكل ما عرف باسم " اتحاد الشیوعیین" الذي انتھى بھ

االمر لالندماج بالحزب الشیوعي السوري جناح یوسف فیصل عام 1991.

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!12

واستمر حزب ریاض الترك بتصعید معارضتھ للنظام، مع ابتعاد متزاید عن الماركسیة. وغیاب لرؤیة فكریة صلبة ألعضائھ مع اعتمادھم على افتتاحیات جریدة الحزب كموجھ لسیاساتھ. وفي عز المواجھة المسلحة بین السلطة واالخوان المسلمین، دعا حزب ریاض الترك في رسالة داخلیة للجنتھ المركزیة في حزیران /یونیو 1980 الى تكوین "تحالف دیمقراطي-إسالمي- شعبي" ، ولم یوجھ نقدا باي من أدبیاتھ للعنف الذي مارستھ جماعة االخوان المسلمین. ھذه السیاسة سنجدھا بعد عقود في تحالفاتھ مع اللیبرالیین واالخوان المسلمین وسكوتھ (بل احیانا تبریره ، كما فعل احد قادتھ وھو

جورج صبرة) عن ممارسات السلفیین الجھادیین كجبھة النصرة بعد اندالع الثورة عام 2011. لكن الحزب الشیوعي السوري-ریاض الترك تعرض مثل غیره من قوى الیسار السوري الى حمالت اعتقال شرسة، خالل فترة الثمانینات من القرن الماضي، فككت الكثیر من قدراتھ، ولم یخرج كوادره

وامینھ العام من السجون اال في أواخر التسعینات وبدایة األلفیة الثالثة.

تغییر االسم وانشقاق المكتب السیاسي

بعد خروج امینھ العام ریاض الترك من السجن عام 1998 وعدید من كوادره استعاد الحزب نشاطھ، وساھم بتشكیل تحالف اعالن دمشق، عام 2005، على أسس لیبرالیة- وشبھ طائفیة. واجتاحتھ حاجة البحث عن ھویة سیاسیة جدیدة للحزب ابتعدت اكثر فاكثر عن الماركسیة، وبدأ التنظیر الى ان الماركسیة "ھي مصدر من مصادر متعددة" ، ولم یعارض ریاض الترك الغزو االمریكي للعراق عام 2003، بل رأى انھ رفع العراق من تحت الصفر الى الصفر. مع ھیمنة ألطروحات "لیبرالیة" لم تقتصر على الحزب بل

في اوساط "النخب" المعارضة عموما. تتوج ھذا التحول الفكري بعقد المؤتمر السادس لحزب المكتب السیاسي في نیسان/ابریل 2005 ، لیتحول الى "حزب دیمقراطي" باسم حزب الشعب الدیمقراطي، بافكار لیبرالیة اجتماعیة. في حین

رفضت كتلة من ھذا الحزب ھذا التحول اللیبرالي. وبقیت تنشط، بشكل مستقل تنظیمیا باسم الحزب الشیوعي – المكتب السیاسي، ومن ابرز شخوصھا الكاتب محمد سید رصاص.

انشقاق حزب الشعب الدیمقراطي

لم یفلت حزب ریاض الترك حتى باسمھ الجدید " حزب الشعب الدیمقراطي" وبھویتھ الجدیدة "اللیبرالیة االجتماعیة" من وباء االنشقاق .

فقد دفعت الثورة الشعبیة التي اندلعت في آذار /مارس2011 بكل األفراد والقوى السیاسیة الى تحدید الموقف من معمعة الكفاح الثوري، ودفعت بھا الى اصطفافات واضحة وجدیدة. بین قوى وقفت مع

النظام الدكتاتوري واخرى مع الثورة،

محمد سيد رصاص

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!13

وداخلھا قوى راھنت على القوى السلفیة او الدول اإلمبریالیة السقاط النظام، وقوى ثالثة وقفت موقف وسطي بین النظام والثورة.

حزب الشعب الدیمقراطي وقف ضد النظام ومع اسقاطھ، لكنھ ربط نفسھ بكل ھیئات المعارضة البرجوازیة بدءا من المجلس الوطني الى االئتالف الوطني، وبرر لقوى سلفیة جھادیة، وراھن على تدخل قوى إمبریالیة. في الوقت الذي بقیت فیھ آلیاتھ التنظیمیة اسیرة للمدرسة البكداشیة. لذلك لم یكن مستغربا تفجر أزمة داخلیة لدیھ في عام 2014 حیث أصدرت قیادتھ عقوبات مجحفة بحق عدد من قیاداتھ وكوادره المعارضین، الذین أعلنوا عن تشكیل "قیادة مؤقتة"، من ابرز شخوصھا فؤاد

ایلیا ومازن عدي ومحمود الحمزة، بقصد إدارة شؤون الحزب واالعداد للمؤتمر السابع.

وانفجر للعلن ھذا الخالف في رسالة وجھتھا "القیادة المؤقتة" في اول أیار 2015 تحدد فیھا أسباب الخالف واالنشقاق" غیر المكتمل". وجاء في ھذه الرسالة " أخذت تسود في الحزب قبضة مركزیة جدیدة، بشعبویة واضحة، في ظل استمرار الصمت، بسبب تطورات الوضع السیاسي الكبیرة، ومن أجل قضیة شعبنا على طریق التغییر الثوري العام. تلك األوضاع العامة – مع المیزات الخاصة بأعضائھ – التي تجعل من الحزب، في ضعفھ وتخلفھ، قدوة بین قوى معارضة أكثر ضعفا وتخلفا منھ، كانت تحول، جزئیا أیضا، دون مطالب التغییر وااللتزام بوعود المؤتمر السادس الكبرى. كما لم تترك فرصة لفتح أبواب الحزب أمام الشباب ذوي العقل الحدیث، والمتعامل مع وسائل التواصل التكنولوجیة

الحدیثة”(12).

وأدانت الرسالة ممارسات قیادة الحزب واصفة إیاھا " استفحال مرضي للفردیة والتحكم وعودة اللغة وفضائحیة: التشھیر والعزل البكداشیة من مقبرتھا. وكان الرد عن طریق أكثر األدوات تخلفا

والعقوبات المرتجلة”.

وفي المقابل، ھاجمت قیادة الحزب معارضیھا واصفة ایاھم بأنھم "تكتل تنظیمي حاول بناءه للتخریب في جسد الحزب بعض الذین انتسبوا الیھ في المھجر لغایة ما".كما اتھمتھم بالتآمر و "التمرد على

الحزب وھیئاتھ القیادیة وتجاوز خطھ السیاسي وتقالیده التنظیمیة".(13) اصبح حزب الشعب الدیمقراطي حزبان ،على االقل، لكل منھما سیاساتھ واجتماعاتھ وتحالفاتھ

وقیاداتھ.

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!14

خاتمة

تفكك الحزب الشیوعي السوري على مدى عقود من الزمن، وانشطر الى احزاب عدیدة، یمكن القول ان كتلتین أساسیتین بقیتا تحمالن ، حتى اآلن، نفس االسم ھما انشقاقا بكداش ویوسف فیصل (وان توفیا). وھاتین الكتلتین تقفان مع النظام وترى في الثورة "مؤامرة"، ویشكالن جزءا ال یتجزأ من نظام الطغمة البرجوازي آلل األسد. حیث یرى عمار بكداش ان ما یجري في سوریا لیس ثورة بل" ھجمة إمبریالیة رجعیة على سوریا كون سوریا ھي عقبة في تحقیق مشاریع اإلمبریالیة والصھیونیة" (14). اما الحزب الشیوعي السوري الموحد (جناح یوسف فیصل بأمینھ العام الحالي حنین نمر) فانھ یغرف من نفس الموقف التابع للنظام فیقول في بیانھ (تقویم المرحلة التي وصلت الیھا األزمة الراھنة في سوریة ) الصادر في تموز/یولیو 2011 : " بدا واضحا منذ بدایة األحداث ان القوى الخارجیة التي أدمنت التآمر على سوریة بغیة حرفھا عن مواقفھا الوطنیة ، ومن أجل تنفیذ المشروع األمریكي االسرائیلي في المنطقة ، رأت في ھذه األحداث فرصة مؤاتیة لھا، فقامت لتوجیھ جماعات مسلحة معدة مسبقا الستغالل التحركات الشعبیة" . وبھذه المواقف التي تكرر معزوفة األنظمة المستبدة المعھودة في مواجھة الحراك الشعبي، یقف انقساما الحزب الشیوعي السوري الكبیرین موقف االنتماء العضوي في السلطة الدكتاتوریة الحاكمة. وھو نفس الموقف المعادي لكفاح الجماھیر الشعبیة السوریة من اجل تحررھا، الذي تكرره األحزاب الستالینیة وبعض الیسار المتخاذل

في بلدان المنطقة والعالم. بینما نجد ان بقیة االنقسامات اما وقفت موقفا وسطیا او تحالفت مع السلفیة والبرجوازیة.

ولكن ھنالك عشرات، بل ومئات، المناضلین في صفوف ھذه األحزاب غادرتھا والتحقت بالثورة الشعبیة، وبعضھا عمل اعالمیا باسم تنسیقیات الشیوعیین ، او مجموعة كوادر شیوعیة في ھذه المدینة او تلك. ولكنھا ال تملك مشروعا تنظیمیا خاصا بھا، فغالبیتھا العظمى ما تزال تحلم ببناء الحزب الشیوعي "الموحد". كما انھا لم تقم، بما یكفي، من مراجعة تنظیمیة وفكریة ألزمة الحزب الشیوعي السوري التاریخیة والمستفحلة، والتي ال یمكن فصمھا عن أزمة الستالینیة وما أورثتھ من

كوارث سیاسیة وفكریة وتنظیمیة . ان الیسار الثوري الذي یقوم على قطیعة مع ھذه التجربة، بالجوانب المذكورة، ویحمل، في الوقت عینھ، التراث الكفاحي للطبقة العاملة والكادحین، وخبرات الثورة الشعبیة، ھو ما یجب لكل مناضل اشتراكي االرتكاز علیھ، لبناء الحزب العمالي االشتراكي الثوري ، االداة الكفاحیة الفكریة والسیاسیة

والتنظیمیة الضروریة النتصار جموع العمال والكادحین، وكافة المضطھدین .

غیاث نعیسة آذار / مارس 2016

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!15

الھوامش

عبدهللا حنا، المراحل األولى لظھور الحزب الشیوعي السوري، نشر على موقع الحوار 1.المتمدن في 11/3/2011.

المصدر السابق 2.

محمد جمال باروت، في حال الحزب الشیوعي السوري وانقساماتھ، جریدة الحیاة اللندنیة، 3.العدد 13014، تاریخ 21/10/1998

محمد سید رصاص، الشیوعیون العرب في مرحلة ما بعد السوفیات، نشر في موقع الحوار 4.المتمدن بتاریخ 14/5/2015

محمد سید رصاص، الماركسیون السوریون، جریدة االخبار اللبنانیة، العدد 2819 بتاریخ 5. 22/2/2016

الجزیرة نت، التیار الشیوعي في سوریا، نشر بتاریخ 27/5/2013 6.

تقریر اللجنة الوطنیة لوحدة الشیوعیین السوریین لالجتماع الوطني السادس، نشر في موقع 7.الحوار المتمدن بتاریخ 24/8/2006

جریدة طریق الیسار العدد 40 ، أیلول / سبتمبر 2012 8.

موقع عكس السیر، بتاریخ 24/4/2015 9.محمد جمال باروت، الحركة الشیوعیة السوریة وأسئلة المصیر...، جریدة الحیاة اللندنیة، 10.

العدد 13034، بتاریخ 10/11/1998 محمد جمال باروت، المصدر السابق 11.رسالة القیادة المؤقتة لحزب الشعب الدیمقراطي، نشرت على موقع كلنا شركاء في 12.

7/5/2015طارق عزیزة، "أزمة" حزب الشعب الدیمقراطي السوري، جریدة الحیاة ، 16 أیلول/سبتمبر 13.

.2015عمار بكداش في مقابلة مع صوت روسیا، بعنوان"بكداش : حول تطورات األحداث في 14.

سوریة"، نشرت على موقع صوت روسیا بتاریخ 13 آذار/مارس 2014.

آذار / مارس 2016�

كراسات تيار اليسار الثوري في سوريا

!16

تابعونا على موقعنا على االنترنيتhttp://revleftcurrentsyria.com

تابعونا على صفحتنا على الفيس بوكhttps://www.facebook.com/rlcinsyria