حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

31
ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺣﻜﻢ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺻﺎﱀ ﺣﺎﻓﻆ

Upload: islam-maher

Post on 15-Apr-2017

262 views

Category:

Documents


18 download

TRANSCRIPT

Page 1: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

الدميقراطية وحكم اإلسالم فيها

حافظ صاحل

Page 2: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

2

بسم اهللا الرمحن الرحيم

الفهرس 3 مقدمة الناشر - 4 مقدمة - 5 الدميقراطية - 7 الفكرة األساسية للدميقراطية - 8 حماكمة الفكرة - 9 حماكمة فكرة الدميقراطية - 14 احلرية - 15 عدم مطابقة احلرية للواقع - 17 املفهوم اجلديد للحريات - 20 غاية الغرب من طرح فكرة الدميقراطية واالشتراكية - 21 حكم اإلسالم يف الدميقراطية - 23 غاية الغرب من طرح فكرة احلرية - 24 بأنه دين الدميقراطيةوصف اإلسالم - 27 حكم اإلسالم يف احلرية - 30 حرمة استعمال هاتني الكلمتني الدميقراطية واحلرية - 31 ...الدميقراطية نظام كفر -

Page 3: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

3

مقدمة الناشريهده اهللا فال مضل لـه، من. إن احلمد هللا حنمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ باهللا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

أفحكم [: وأشهد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له، القائل يف كتابه العزيز وهو أصدق القائلني. ومن يضلل فال هادي له .]اجلاهلية يبغون ومن أحسن من اهللا حكما لقوم يوقنون

.لى ذلك من الشاهدينوأشهد أن حممد بن عبد اهللا عبده ورسوله محل األمانة وبلغ الرسالة وحنن ع ...وبعد

الذي تناول فيه مؤلفه موضـوعاً -إذ تتشرف دار النهضة اإلسالمية بتقدمي هذا الكتاب الصغري احلجم العظيم الفائدة ليكون أول كتبها الـيت -" الدميقراطية وحكم اإلسالم فيها"هاماً، لطاملا التبس على أذهان الكثري من شباب اإلسالم وهو

قد تناول هذا البحث بالبيـان -ب أن نلفت أذهان قرائنا الكرام إىل أن مؤلف الكتاب جزاه اهللا وإيانا كل خري تطبع، حنالكايف وبأسلوب واضح معززاً باحلجج القطعية، اليت ال تدع جماالً للشك النطباقها على النصوص الشرعية القاطعة، وذلك

بيث من الطيب ولتدرك بأن ال حق إال شرع اهللا وأن ال حكم عدل إال حكم نصحاً لالمة اإلسالمية وتوجيهاً هلا لتميز اخلوغريمها سوى هرطقات فارغة، وأنظمة مل ولن جتلب لنا " اشتراكية "و" دميقراطية"اإلسالم، وال تعدو األنظمة الوضعية من

.البشر إال التعاسة يف الدنيا واخلزي يف اآلخرة وهو اخلسران الكبريب قد طبع سابقاً يف باكستان، وما أن شاع نبأ صدوره حىت أخذت األيدي تتلقفه وأخذ الطلب عليـه وكان هذا الكتا

يتزايد حىت نفذت الطبعة األوىل، فجاءت هذه الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة ومصححة ويف حلة جديدة عـرب دار النهضـة .شباب اإلسالم اإلسالمية تعميماً للفائدة وتسهيالً لوصوهلا إىل أكرب عدد ممكن من

فجزى اهللا املؤلف عنا كل خري، ونسأل اهللا سبحانه وتعاىل أن يكتبه لنا يف خانة حسناتنا يوم ال ينفع مال وال بنـون إال .من أتى اهللا بقلب سليم

.وآخر دعوانا أن احلمد اهللا رب العاملني

الناشر

Page 4: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

4

مقدمةة من االهتمام والعناية حيث وجهت إليها األنظار وسلطت عليها مل تستأثر كلمة قط مبثل ما استأثرت به كلمة الدميقراطي

األضواء، بل جعلت النور الذي يبهر األبصار والفكر الذي يسحر األلباب وأصبحت يف نظر الكثريين املثل األعلى يف الدول، وهلذا جتد الشيوعي يـدعي أن . واتمعات واألفراد والصفة احلميدة اليت حياول الناس االتصاف ا، واالعتزاز بالتحلي ا

الشيوعية هي الدميقراطية كما يدعي الرأمسايل أيضاً، ويصر على أن املبدأ الرأمسايل هو املبدأ الدميقراطي، والسائرون يف ركاب واألسوأ من ذلك كله أن يقول بعض علماء . كل منهما يدعون ذلك أيضاً، حىت أظلم العمالء وأشدهم تعسفاً يتصفون ا

إن اإلسالم دميقراطي أو إن اإلسالم دين الدميقراطيـة، أو إن الدميقراطيـة هـي -زوراً وتاناً-سلمني ومجهرة مثقفيهم امل، أو مبواقـف بعـض اخللفـاء rاإلسالم، أو هي مأخوذة منه على األقل، مستدلني على ذلك ببعض املواقف لرسول اهللا

أشريوا علي أيها « :يف بدر حني قال rمثل موقف رسول اهللا . الدميقراطية الراشدين، وفسروها بأا دميقراطية، بل هي قمةأمرتالً أنزلكه اهللا : قائالً r، وكأن الشورى وعملية أخذ الرأي واحلرب عن الصواب هي الدميقراطية، ومثل رجوعه »الناس

إذن فهذا ليس مبرتل، فلـنرتل : صحايببل الرأي واحلرب وملكيدة، فقال ال: أم هو الرأي واحلرب واملكيدة؟ فقال رسول اهللاومثل قول أيب بكـر . بصواب رأيه، فترك رسول اهللا رأيه وأخذ رأي الصحايب r، فاقتنع رسول اهللا على أدىن ماء من بدء

t: "ومثل قول ". إن أحسنت فأعينوين وإن أسأت فقوموين، أطيعوين ما أطعت اهللا فيكم فإن عصيت فال طاعة يل عليكمواهللا لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقـال : من رأى يفّ اعوجاجاً فليقومه، فقال له أعرايب" :tاب عمر بن اخلط

مبثل هذه املواقف أقاموا الدليل على قوهلم أن اإلسالم دين ". احلمد هللا الذي جعل يف هذه األمة من يقوم اعوجاج عمر: عمراقف ومثلها ليست سوى كيفية للتوصل إىل أقرب رأي للصواب أو إىل الصواب، الدميقراطية ناسني أو متناسني أن هذه املو

وأا أحكام شرعية جاء ا الوحي من عند اهللا وليست من تشريعات البشر كما نسوا أو تناسوا أن الدميقراطية نظام عيش، .وطراز حياة وضعه الناس بكيفية معينة

العقيدة اليت تقوم عليها، واألصل الذي تنبثق عنه نظمها وقوانينها، والكيفية وهلذا كان ال بد من عرفة حقيقتها من معرفة .اليت يتم ا وضع هذه النظم والقوانني كي يصح احلكم عليها

حافظ صاحل

Page 5: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

5

الدميقراطيةا معـىن نتيجة للهالة اليت أحاط الناس ا هذه الكلمة، فقد كثر الداعون هلا واملستترون بردائها، وقد وضع كل منهم هل

يتناسب مع عقيدته، ويتفق مع أهدافه فتشعبت معانيها، وتعددت أبعادها، حىت ابتعدت يف كثري من األحيان عـن املعـىن .األصلي الذي وضعت من أجله ابتداًء

ه فكان ال بد وحنن نناقش كلمة الدميقراطية أن نلم بكافة املعاين اليت أطلقت عليها، سواء املعىن الذي وضعه أصحاب هذالكلمة، أم املعاين األخرى اليت ألصقت ا، أو أطلقها الناس عليها، وسواء أطلقت على عقيدة املبدأ أم على كيفية وضـع معاجلات املبدأ وأحكامه، أي الدستور والقوانني أم على األسلوب املتبع يف التوصل إىل حكم أو رأي، أو استعملت يف التعبري

و يف استشارام وكيفية أخذ الرأي من أعوام، أي الشـورى كالتصـويت وأخـذ رأي عن تواضع احلكام واملسؤولني أاألكثرية، وغري ذلك، وسواء استعمل أسلوب رفع األيدي عند أخذ الرأي، أو االقتراع السري، أو جلوس املوافق على الرأي

. على جهة اليمني واملعارض على جهة اليسار، و يف أي أسلوب آخر .ين العامة اليت وضعت هلا هذه الكلمة أو ألصقت اهذه بعض املعا

حيث أا -فهو حكم الشعب بالعشب وللشعب-أما املعىن احلقيقي الذي أطلقت عليه هذه الكلمة أي كلمة دميقراطية وتعـين أن ) ”Demo” “Cracy“" (كراتيـك "و" دميو"وهي مركبة من كلمتني مها -إغريقية–كلمة يونانية األصل

للشعب، أي أن الشعب هو الذي ميارس إرادته، فهو الذي يضع قوانينه ونظم حياته، وهو الذي خيتار حكامه، وهو السيادة .الذي يلزم احلاكم بتنفيذ هذه النظم والقوانني

كما عرفت أيضاً أا نظام اجتماعي يؤكد قيمة الفرد، وكرامته الشخصية اإلنسانية ويقوم على أساس مشاركة األعضاء . يف إدارة شؤون أفرد اتمع -فراد اتمعأي أ-

وهي أن Political Democracyالدميقراطية السياسية : كما وضعت هلا أمساء تتناسب مع املعىن املراد أداؤه فقالوا .حيكم الناس أنفسهم على أساس من احلرية واملساواة فال متييز بني األفراد بسبب األصل أو اجلنس أو الدين أو اللغة

للداللة على القيادة اجلماعية اليت تتم باملشورة واملشـاركة مـع Demo Administrationالدميقراطية اإلدارية .املسؤولني يف عملية اختاذ القرارات

وهي عبارة عن تنظيم الصناعة على أسس دميقراطية بإشراك العمـال يف Industrial Demoالدميقراطية الصناعية بة العمليات الصناعية عن طريق اللجان، مثل جلان اإلنتاج، وجلان فض املنازعات وجلان املقترحات اإلدارة والتخطيط ورقا

.وجلان املنشآت إىل غري ذلك من اللجانوهي نظام أساسي يف املبدأ الشيوعي يتضمن انتخاب مجيـع أعضـاء Demo Centralismالدميقراطية املركزية

كمـا -كما يزعمـون -عن سري العمل إىل القادة وهذا هو اجلانب الدميقراطي احلزب من القاعدة، وتقدمي تقرير دوري .يتضمن خضوع األقلية لألغلبية وقيام األجهزة السفلى بتطبيق قرارات األجهزة العليا، وهذا هو اجلانب املركزي

أكان هذا املصطلح منطبق فهذه جمموعة من املعاين اليت ألقت عليها لفظة الدميقراطية، بل مصطلح كلمة دميقراطية سواء .على املعىن الذي وجد من أجله أم ال

وموجز القول يف معىن مصطلح الدميقراطية، أن السيادة للشعب فله أن ميارس أرادته كاملة بوضع دستوره وقوانينه ونظم وضع -ن ذلك كله ه، وألجل أن يتمكن محياته، كما أن هلذا الشعب أن ميارس إرادته باختيار حكامه دون ضغط أو إكرا

Page 6: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

6

كانت احلريات العامة هي األساس الذي جيب توفريه لكل فرد حىت يتمكن من -الدستور والنظم والقوانني واختيار احلكام .املشاركة يف احلكم واملشورة واالختيار، كما أن هذا هو األصل الذي قامت عليه بقية التسميات هلا

وإال فهي -الذي مسي بالرأمسايل من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه-ملبدأ الرأمسايل كما أا تعترب مبدأً قائماً بذاته وهو اوذلك أنه نتيجة للصراع الدموي بني الكنيسة واألمراء، وحماولة الكنيسـة بسـط : العقيدة اليت يقوم عليها املبدأ الرأمسايل

سم املوقف لصاحله، قام مجاعة مـن املفكـرين هيمنتها على كل شيء يف حياة الناس، وعدم قدرة أي من الفريقني على حينادون بالدميقراطية، أي ترك الناس خيتارون حاكمهم ونظمهم وقوانينهم مع بقاء سلطة الكنيسة على ما هو من اختصاصها،

عليه وذا وجد املبدأ الدميقراطي أي الرأمسايل وجعلت عقيدة فصل الدين عن احلياة قاعدة فكرية له، واألساس الذي يقوماملبدأ، وجعلت كرامة الفرد اإلنسانية وقيمته األساس الذي تنبثق عنه نظم احلياة وقوانينها ومن هنا كان ال بد هلذا الفرد حىت يستطيع القيام ذه املهمة من التمكن من مباشرة سيادته، أي ممارسة إرادته وذلك بإعطائه احلريات العامـة أي احلريـات

وحرية الرأي وحرية التملك، واحلريات الشخصية، حىت أصبحت هذه احلريات هي أقدس املقدسات األربع، حرية العقيدة،حسب تعبريهم جعلت الفرد سيد نفسه، وال سلطان ألحد عليه وهذه هي الفردية يف املبدأ -عند محلة هذا املبدأ، حيث أا

وهلذا فقد اتفق محلة هذا املبـدأ علـى نظريـة العقـد الرأمسايل، إال أن اإلنسان كائن اجتماعي بطبعه وال يعيش مبفرده، االجتماعي يف تكوين اتمعات ونشوئها، وهي اليت تقضي بأن يتنازل كل فرد عن جزء من حريته لفئة منهم تقوم حبمايـة

رادها كان ال بد حرية األفراد، ومنع االعتداء عليها وملا كانت اتمعات والكيانات السياسية تقوم على عالقات دائمة بني أفمن وضع دستور حيدد شكل الدولة وأجهزا وعالقات هذه األجهزة مع بعضها، وعالقتها بالدولة وعالقتها بـاألفراد، وأن يضع هذا الدستور جمموعة األفراد الذين يتكون منهم اتمع، لذلك كان على هؤالء األفراد أن خيتاروا نفراً منهم يضع هذه

إىل فئة بسن التشريعات والقوانني ألم املصدر الوحيد للتشريعات والقوانني ما دام أن الدين ال جيوز له النظم، وأن يعهدوا أن يتدخل يف حياة الناس وعالقتهم مع بعض، ومن هنا فقط أطلق على عقيدة هذا املبدأ، عقيدة فصل الدين عن احلياة، كما

.م ليقوموا بتنفيذ تلك التشريعات والقواننيأن على هؤالء األفراد أن خيتاروا حاكمهم أو حكامهإذن فاألمر هم الذين يضعون دستورهم ونظمهم وقوانينهم وتشريعام، وتقوم اهليئة التنفيذية اليت اختاروها واستأجروها

-الكنسيةاهليئة -بتطبيق تلك النظم واألحكام على الناس وال دخل للدين، وال لرجال الدين، وال للكنيسة، وال لالكلريوس .دخل يف وضع تلك األحكام وتنفيذها

وملا كان من املستحيل أن جيتمع مجيع األفراد، أو أن جيمعوا على وضع كل حكم من األحكام، أو على حكم واحـد منها، وذلك لتعذر اجتماعهم مجيعاً يف مكان أو أمكنة متعددة، ولتعذر إمجاعهم كـذلك بسـبب التفـاوت والتنـاقض

أثر بالبيئة بني األفراد، فالطاقات العقلية واجلسمية متفاوتة قوةً وضعف وال ريـب، واخللفيـات النفسـية واالختالف والتوالفكرية متناقضة وخمتلفة بني الناس، كما أن مواطن العيش واختالف البيئات حقيقة ثابتة تترك بصماا على األفراد، لكل

سبية بغض النظر عن كونه صواباً أم خطأ هذا هو األساس الذي تقوم عليه هذا فقد اتفقوا على الرتول على رأي األكثرية الن .الدميقراطية أي املبدأ الرأمسايل

من هنا نقول أن الدميقراطية بكافة معانيها تقوم على قاعدة واحدة هي عقيدا، وهي قيادا الفكرية، وهذه العقيدة هي ظم حياته وقوانني سلوكه وال يتأتى له ذلك إال إذا حتققت له السيادة فصل الدين عن احلياة، وأن اإلنسان هو الذي يضع ن

.وتوفرت له ممارسة اإلرادة أي متكينه من احلريات العامة وممارسته هلا

Page 7: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

7

وهلذا فن البحث يف صالح فكرة الدميقراطية أو فسادها، إمنا يكون ببحث الفكرة اليت تقوم عليها، أي عقيدا، وكذلك بنيت عليه، وهو احلل الوسط، مث حبث املصدر التشريعي هلا، أي جعل اإلنسـان هـو الـذي يضـع ببحث األصل الذي

التشريعات مجيعها من دستور ونظم وقوانني، فإن ثبت أن هذه األصول الثالثة للدميقراطية فاسدة فإن مجيع ما يصدر عنها إا تؤدي إىل شقاء اإلنسان وتعاسته بدالً من أن تؤدي من معاجلات وما يبىن عليها من أفكار يكون فاسداً قطعاً، وبالتايل ف

.إىل رفاهيته وسعادته

الفكرة األساسية للدميقراطيةلكل مبدأ من املبادئ فكرة أساسية شاملة يقوم عليها حىت يصح أن يسمى مبدأ، وتكون هذه الفكرة عقيدة املبـدأ

ن يف احلياة، وملا كانت العقيدة مبعناها االصطالحي كما جـاء يف وقاعدته الفكرية اليت تنبثق عنها معاجلات مشاكل اإلنساالقواميس اللغوية هي الفكرة الكلية عن الكون واحلياة واإلنسان، وعما قبلها، وعما بعدها، وعن عالقتها مبا قبلها، وعـن

و الذي يتمتع باحلياة على هـذه عالقتها مبا بعدها، أي هي اإلجابة على كافة التساؤالت اليت جتابه اإلنسان حيثما كان، فه . األرض يف هذا الكون

إذن فالدميقراطية فكرة أساسية شاملة أجابت على كافة األسئلة اليت جتابه اإلنسان يف احلياة ووضعت له األساس الـذي لك قاعـدة تنبثق عنه كافة املعاجلات ملشاكله يف احلياة الدنيا، بغض النظر عن صحة هذه األجوبة أو خطأها، وكانت كذ

فكرية تبىن عليها أفكار احلياة ومفاهيمها، وقيادة فكرية آمن ا الكثري من الناس فانقادوا ا، ومحلوها لغريهم مـن النـاس العتناقها وتطبيقها يف حيام، فأنشئت عليها جمتمعات كثرية وقامت عليها دول استطاعت أن تبسط سـلطاا، وتفـرض

ها من الدول واتمعات وتطبق عليها نظمها وقوانينها، وبذلك اكتمل وجود هذه الفكرة يف هيمنتها، ومتد نفوذها على غري . احلياة وشقي العامل ا، وما زال يعاين من ويالا ومصائبها، وما سببت لإلنسانية من كوارث ونكبات

لسؤال عن معىن الوجـود، أي كان ذلك نتيجة حتمية ألجوبتها على تساؤالت اإلنسان يف احلياة، فحني أجابت على احني أعطت إجابتها عن الكون واإلنسان واحلياة مل تقرر حقيقة ومل تعط إجابة واضحة عن ذلك، بل ربت من اإلجابـة على هذا السؤال، واكتفت بالقول أنه ليس من الضروري تقرير حقيقة هذا الوجود سواء أكان له إله خلقه أم ليس له إله،

يف احلياة، قاصدة حسم الرتاع القائم، بل الصراع الدامي بني املؤمنني بوجود إله واملنكرين لوجود إله، فلم إال أنه ال دخل لهتقر حقيقة وجود إله هلذا الوجود، ومل تنكر على امللحدين إنكارهم، بل تركت لكل إنسان أن يعتقد ما يشاء، فجاء جواا

ا األساسية مبنية على احلل الوسط، ال على تقرير حقيقة، ومن شـأن هـذا حالً وسطاً بني املتخاصمني، وهلذا كانت فكر .اجلواب أن يبقي األمور معلقة، واألفكار مضطربة ألن العقل اإلنساين السوي ال يرضى مبثل هذه اإلجابة

قالت باحلل الوسط وأما إجابتها عن املرحلة الزمنية اليت حيياها اإلنسان على هذه األرض فلم ختتلف عن إجابتها األوىل وومل تقرر أن هنـاك حيـاة ]ما هي إال حياتنا الدنيا منوت وحنيا ما ويهلكنا إال الدهر[: كذلك، فتركت للملحد أن يقول

أخرى سيحاسب فيها اإلنسان على أعماله كما أا مل تنف سلطان الكنيسة، وصالحيات البابا وكونه الوسـط بـني اهللا إال أا أنكرت وجود عالقة بني اخلالق واملخلوق يف شـؤون ". ما لقيصر لقيصر وما هللا هللا أعط"والناس بل نفذت ما يقال

.احلياة الدنيا، وتركت أمر شؤون اآلخرة موكولة إىل الفرد بعالقته بالكنيسة

Page 8: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

8

ي يقـيس أما عن نظرا للحياة ومستلزماا وما يوصل إىل سعادة اإلنسان ورفاهيته فقد جعلت النفعية هي املقياس الذعليه الفرد تصرفاته وجعلت معىن السعادة أن يشبع الفرد أكرب قدر ممكن من املتع اجلسدية، وذلك ال ميكن أن يتحقـق إال

.بإعطاء الفرد حرياته العامة واحملافظة عليها، كي يتمكن من تنظيم حياته، وتنمية ثروته وإشباع جوعاتهعن الوجود وعن احلياة وعن وجهة النظر يف احلياة وعن معىن السـعادة وذا تكون الدميقراطية قد أعطت فكرة شاملة

فكانت بذلك عقيدة ملبدأ وقاعدة فكرية تبىن عليها األفكار، وقيادة فكرية تنبثق عنها النظم والقوانني جبعل اإلنسان مصدرها .إىل غريهم كذلكفانقاد ا الكثري من الناس، وبنوا عليها كيانام السياسية وجمتمعام ومحلوها

حماكمة الفكرةإن احملاكمة تعين تقرير حقيقة ما، بناء على جمموعة من املقاييس والقواعد اليت يرتضيها املتخاصمان، يقضـي القاضـي مبوجبها بعد اإلطالع على وجهيت نظر املتخاصمني وحماولة معرفة صدق أقوال كل منهما، كما أا تعين وضع اخلط املستقيم

ط األعوج ملعرفة مدى احنراف املتهم عن جادة الصواب، ولكل قضية خمتلف عليها مقاييس وقواعد وقوانني تـبني أمام اخلحقيقتها من حيث مطابقتها للواقع أو بعدها عنه، فمحاكمة إنسان يف قضية ما ال بد هلا من مقاييس معينة خاصة ذا النوع

دستور وأحكام القوانني والقواعد اليت يرجع إليها القضاة، حىت تقر تلك القضية من القضايا املتعلقة باإلنسان، من مثل مواد الأو ترد، أما حماكمة نص من النصوص فإمنا جتري حماكمته من حيث املنت، أو من حيث السند، ولكل من احلالتني قواعـدها

.حماكمة تلك الفكرةومقاييسها، وحماكمة فكرة ما يقضي وجود قواعد ومقاييس مسلم ا يرجع إليها حني لنحكم عليها صحيحة أم خاطئة، فال بد من الرجـوع -أي ما حنن بصدده اآلن-ولذلك حني نريد أن حناكم فكرة ما

إىل جمموعة املقاييس والقواعد والقوانني مسلماً ا عند الناس، أو عند املتخاصمني على األقل، حىت تكون نتيجـة احلكـم جيدوا يف أنفسهم حرجاً من النتيجة ويسلموا تسليماً، وإال تشعبت األفكار، واختلفـت اآلراء مقبولة ومرضياً عنها، مث ال

.واألحكام، واختلف الناس فيما بينهم باختالف هذه القواعد واملقاييس والقوانني اليت يتحاكمون إليهاقلية وقواعد مشتركة مل خيتلف فيها وبالرغم من صعوبة االتفاق على جمموعة املقاييس والقواعد، إال أن هناك مسلمات ع

اثنان من العقالء، مثل االحتكام إىل العقل ومسلماته البديهية، ومثل مطابقة احلكم للواقع، ومن مثل االحتكام إىل قواعـد ل فالعق. عقيدية يعتقدها املتخاصمان وأعين ا موافقة احلكم إىل مسلمات عقيدية ثبت أصلها بالعقل، أي آمن ا الطرفان

حني يقضي باستحالة اجتماع النقيضني أو استحالة إجياد الشيء من عدم من قبل اإلنسان أو أن وراء كل نظام منظماً، أو أن االثنني أكثر من الواحد فهذه أحكام ومسلمات بديهية عند العقالء، فحكم العقل على وجود الشيء أو على مثـل هـذه

هلذا فالعقل واالحتكام إليه والرتول على قواعد ومقاييسه مما يسلم بـه كافـة األمور يكون مسلمة بديهية عند العقالء، وومن هذه القواعد املشتركة عند العقالء كذلك مطابقة احلكم للواقع، فحني ينظر يف الفكرة اليت يـراد حماكمتـها . العقالء

يق هذه الفكرة على الواقع الذي تـدل عليـه ومعرفة اخلطأ فيها، أو صحتها، فإنه ينظر فيها ملعرفة داللتها مث يصار إىل تطبفحـني . حسب ادعاء واضعها، فإن انطبقت عليه متاماً كانت صحيحة وإال فهي فكرة خاطئة، أي ال تنطبق على واقعهـا

، وأن العقل هو مناط التكليف حناول تطبيق هذه األفكار على 100=10×10تعرض فكرة أن الزيت أخف من املاء وأن ا مطابقة له فنجزم بصحتها وصدقهاواقعها فنجد أ.

Page 9: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

9

إدراك واقعها ألنه ال يقع حتـت ومن هذه القواعد، ما يتفق عليه املتخاصمان من مسلمات عقيدية قد ال يستطيع العقل س، وبالتايل فهو أي العقل عاجز عن إمكانية تطبيقها على الواقع، فيقتضي التسليم بصحتها انطالقاً من التسليم بصـحة احل

وذلك ألن العقيدة ثبت أصالً بالعقل، فاقتضى التسليم، وكان تسليماً عقيدياً ثبت . دة اليت انبثقت عنها أو جاءت االقاعوإن خالفت تلك الفكرة أمراً قطعياً ثبت أصله بالعقل، وإن خالفت تلك الفكرة أمراً قطعياً من أمور العقيدة . أصله بالعقل

نظرية النشوء -ترفض رفضاً قطعياً، وحيكم عليها بأا فكرة خاطئة، فنظرية داروين مثالً اليت ثبت أصلها بالعقل فإا ترد وحنكم قطعاً ببطالا وذلك ملخالفتها ملا ثبت قطعاً يف العقيدة، أي يف القرآن الكرمي، فقد أخربنـا اهللا سـبحانه -واالرتقاء

خربنا أنه خلقه من طني الزب، وأن آدم هو أول إنسان خلقه وتعاىل أنه بدأ خلقه بآدم عليه السالم من صلصال كالفخار، وأ :اآلية، وقال تعـاىل ]يا أيها الناس إن كنتم يف ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب[ :اهللا على هذه األرض، قال تعاىل

وقال ]من طنيخلقتين من نار وخلقته [ :وقال تعاىل ]خلق اإلنسان من صلصال كالفخار وخلق اجلان من مارج من نار[إىل غري ذلك من اآليات اليت تقطع يقينا بأن آدم أبـو ]الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق اإلنسان من طني[ :تعاىل

نظريـة -البشر، وأن اهللا بدأ خلقه من تراب، وهذا ما حيتم على كل من آمن بالقرآن أنه كالم اهللا أن يرد نظرية دارويـن . ا، حىت لو عجز عن إثبات بطالا عن طريق احلس، أو العقلويقطع ببطال -النشوء واالرتقاء

كما أن علينا أن نسلم يقيناً بأفكار ال ميكن للعقل أن حيكم عليها ألا ال تقع حتت احلس، وليس هلا واقعاً مدركاً باحلس يم طلعها كأنه رؤوس الشياطني إا شجرة خترج يف أصل اجلح[ :من مثل قوله تعاىل يف كتابه العزيز عن شجرة الزقوم فقال

.]إن شجرة الزقوم طعام األثيم كاملهل يغلي يف البطون كغلي احلميم[ :وقال ]ال يأكله إال اخلاطئونوهلذا فإن مجيع ما جاء يف العقيدة من نصوص قطعية تعترب قواعد ومقاييس حتاكم عليها األفكار ويلتزم مبا تقضي به هذه

.فقت العقل أم الالقواعد واملقاييس سواء واهذه املقاييس والقواعد اليت اتفق عليها جمموعة العقالء، وهي احلاكم فعالً على صحة أية فكرة بغض النظر عن قائل هذه الفكرة أو املصدر الذي نشأت عنه، فما قطعت هذه القواعد واملقاييس بصحته فهو الصحيح، وما قطعت ببطالنـه فهـو

واملقاييس االحتكام إىل العقل، واالحتكام إىل مطابقة الواقع، واالحتكام إىل مـا جـاءت بـه الباطل، وأعين ذه القواعد . العقيدة

حماكمة فكرة الدميقراطية بناء على تلك األسس اليت أثبتناها حملاكمة أية فكرة كان ال بد من معرفة واقع فكرة الدميقراطية حىت يكون احلكم عليها

. قعه، فما هي هذه الفكرةعادالً، أي منطبقاً على وامن التدقيق يف كافة املعاين اليت تضمنتها هذه الفكرة واليت ألصقت ا كذلك جندها تقوم على عقيدة عقلية واحدة، وهي

هذه هي العقيدة اليت تقوم عليها الدميقراطيـة واألسـاس . فصل الدين عن احلياة، أي ال دخل للدين يف تنظيم شؤون احلياةيه أفكارها، واألصل الذي انبثقت عنه معاجلاا، الكلية منها واجلزئية، وكانت حصيلة نظرة يف الوجود إلعطاء الذي بنت عل

فكرة كلية عنه، وتقرير حقيقته كأي عقيدة أخرى إذ أم عرفوا العقيدة كما جاء يف قواميس اللغة احلديثة، أا فكرة كلية إال أا . ة وعما بعد احلياة وعن عالقتها مبا قبل احلياة الدنيا وما بعد احلياة الدنياعن الكون واإلنسان واحلياة وعما قبل احليا

الطريق فلم تواصل حبثها واكتفت باهلزمية يف ذلك قيقة، حقيقة الوجود، وقفت مبنتصفأي الدميقراطية حني أرادت تقرير احل

Page 10: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

10

ضرورة لتقرير احلقيقة يف الوجود، ومعرفة مصـدره لتضع حالً وسطاً يرضى كافة األطراف املتصارعة يف حينه، فقالت الوسواء أكان أزلياً أم خملوقاً خلالق إال أن هذا اخلالق ال دخل له يف احلياة، ويف عالقات البشر، فاإلنسان هو الـذي يعـاجل

عليـه بقيـة هذا ما أقرته كحقيقة قطعية، وبنت . مشاكله وينظم حياته، دون ضغط أو إكراه، أي فصل الدين عن احلياة . أفكارها الكلية واجلزئية

ومبحاكمة هذا القول حتت القواعد العقلية واملقاييس اليت تبني عقالً صحة هذا القول من خطئه نقول أن العقل البشري تقرير حقيقـة : السوي ال يرتضي حكماً ليس مبنياً على قاعدة عقلية، والقول بفصل الدين عن احلياة بدالً من تقرير حقيقة

إن مثل هذا . لوجود، وما وراء هذا الوجود، واالكتفاء بالبناء على حل وسط، إلرضاء األطراف املتصارعة وكسب رضاهااالقول، ومثل هذه الفكرة يأىب العقل السليم جعلها قاعدة فكرية صحيحة، من حيث أا مل تنب على العقل، بل إا بنيـت

ألن األساس العقلي ال بد أن يكون العقل قد قرر حقيقة، واملوضوع هنـا على حل وسط أي أا مل تنب على أساس عقلي، أوالً هو تقرير حقيقة الوجود، أهو أزيل؟ أم أنه خملوق خلالق؟ فال جيوز الوقوف فيه موقف الالمباالة أو الشك، ألن الالمباالة

ن، ولكنها مل تقرره كحقيقة، وجلأت وحني قالت بفصل الدين عن احلياة أقرت ضمناً بوجود دي. أو الشك مناف للحقيقةإىل قطع عالقة الوجود مبا قبله دون إقامة أي برهان عقلي على ذلك، يف الوقت الذي مل تنف فيه عالقة اإلنسان باآلخرة من

وهلذا فإن هذه الفكرة األساسية اليت تقوم عليها الدميقراطية فكرة خاطئة من حيث أا مل تـنب . حيث اعترافها بوجود دينعلى العقل، ومن حيث أا توقفت عن البحث يف منتصف الطريق، ومن حيث أا ارتضت أن تبىن على احلل الوسط، وهو حل يتناىف مع العقل، حيث أن العقل يقضي بوجود أو عدم ، يقضي حبق أو باطل، يقضي بصح أو خطأ ليس غري، من هنا

أما من حيث حتديد مصـدر . قتة منافية ملا يقتضيه العقل السويكانت فكرة قائمة على أساس من الوهم وجاءت حبلول مؤمعاجلاا لشؤون احلياة، وقوهلا أن اإلنسان هو مصدر التشريع، وأن جمموعة األفراد هم الذين يضعون معاجلات مشاكلهم،

اع الناس مجيعا لتقرير فإن هذا القول كذلك ال يتفق مع ما حيكم به العقل، فاستحالة اجتم. وهم الذين يشرعون أحكامهمحكم واحد أمر جيزم به العقل، فكيف بكافة القوانني والتشريعات، ولذلك فقد ربوا أيضاً يف هذه املسألة وقالوا بـالرتول

.على رأي األكثرية مع ما يف هذا القول من تضليل وضاللطابقتها للواقع، فإا من حيـث فكرـا هذا بالنسبة لالحتكام إىل العقل، وما له من قواعد ومقاييس، أما من حيث م

األساسية فقد ربت من اإلجابة اإلجيابية واكتفت بإجابة سلبية قالت فيها أنه سواء أكان هلذا الوجود خالق أم مل يكن لـه ، أي خالق ال دخل له يف احلياة، فهذه إجابة سلبية ومنافية للواقع متاماً، إذ أن كل ما يف الوجود يؤكد وجود موجـود لـه

.خالق له، ومع ذلك فهي تقف من هذه احلقيقة ذلك املوقف املائع املخالف حلقيقة الوجودوأما قوهلا ال دخل له يف احلياة، أرادت أن تقرر حقيقة ولكنها مبنية على وهم، فهي تعترف ضمناً بوجود خـالق هلـذا

الوجود؟ وما الدليل على نفي عالقته بـالوجود؟ الكون، ولكنها تقرر أنه ال دخل له يف الوجود، فكيف أنه ال دخل له يف .فالنفي واإلثبات حقائق ال بد من إقامة الدليل على أي منها

وأما من حيث األصل الذي جعلته أساساً هلا، وهو قوهلا حكم الشعب بالشعب، فهذه كذبة كربى حتكم هي على ذاا حلاكم، أو من حيث قواعد احلكم ونظمه وقوانينه، فهذه أمور بالكذب، فهذا قول بعيد عن الصحة متاماً، سواء من حيث ا

أما من حيث حكم الشعب، . تتناقض مع الواقع وختالفه متاماً حىت لو بنيت على احلل الوسط، أو الرتول على حكم األكثريةضئيلة جداً من الناس، فإن الشعب ال حيكم والذي يسن الدستور ويضع التشريعات والقوانني هم فئة قليلة ال متثل إال نسبة

Page 11: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

11

وأما من حيث احلاكم أي بالشعب، أي أن الشعب هو الذي خيتار حكامه، فإن هذا القول مبين على مغالطة فظيعة، فالذي حيكم واحد أو هيئة تنفيذية ال تزيد يف كل أحواهلا عن جمموعة صغرية تقوم بتنفيذ ما شرع هلا من أحكام، وأمـا الـذين

:أقلية يف اتمع، أما تفصيل هاتني النقطتني فهو كما يلي اختاروا هذه الفئة فهمفالنقطة األوىل واليت تقول حكم الشعب، أي أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه وتشريعاته فما من أحد منا إال

ويسـتطيع عاصر نشوء دول أو كيانات سياسية، أو عاش يف بلد دميقراطية فعرف كيف تسن القوانني وتشرع التشريعاتتلمس بطالن هذا القول، ومع ذلك وحنن حناكم هذه الفكرة فال بد لنا من توضيح كيـف يوضـح الدسـتور أو تسـن

.التشريعاتحني نشوء دولة ما، أو وجود كيان سياسي جديد، أو إجراء تغيري أساسي يف دولة من الدول بسبب انقالب أو غـريه،

تغيري يعمدون إىل إجياد هيئة أو مؤسسة قد تكون من كبار احملـامني واحلقـوقيني يعمد القائمون على هذا النشوء أو هذا الواملشرعني يف البلد تقوم على وضع دستور لذلك البلد، إما من أفكارهم وانطالقاً من القواعـد واألسـس املوجـودة يف

، مث يطبق هذا الدسـتور علـى نفوسهم، وإما أن ينقلوه عن دستور أو دساتري دول أخرى مع إجراء بعض التعديالت عليهالناس، إما دون الرجوع إىل الناس، وإما بعرضه على الس التشريعي يف ذلك البلد لريى رأيه يف تعديل بعـض املـواد أو إقرارها مجيعها، أو بعرضه على مجيع الناس، ويف كال احلالني فإن األغلبية العظمى من أية أمة من األمم ال تعرف التشـريع،

ليس له واقع -حكم الشعب-ا أدىن إطالع على سن القوانني، ووضع األسس لتنظيم احلياة، ولذلك فإن هذا القول وليس هلإطالقاً من حيث وضع الدستور، وهو تنظيم شكل الدولة، وأجهزا، وصالحيات املسؤولني فيها، وصالحية كل جهـاز،

.هل مثل هذه األمور متاماً كما جيهلها جملس النواب نفسهفهذه أمور تتطلب االختصاص، ولذلك فإن األمة مبجموعها جتهو ممثل لألمة، وأنه -الكونغرس-وأما من حيث التشريعات القانونية، فهم يدعون أن اهليئة التشريعية أي جملس النواب

لك أي قـانون هو الذي يضع القوانني، وكما نقضنا موضوع الدستور الذي هو قوانني عامة، أو قوانني أساسية، ننقض كذيراد تشريعه، ذلك أن أعضاء جملس النواب أوالً ال ميثلون األمة وإمنا ميثلون الفئة األقل بالنسبة لألمة، فحني انتخبوا لتمثيل األمة مل يكونوا وحدهم فقط هم املرشحني، وفازوا بالتزكية، بل كان هلم منافسون وجرت االنتخابات احلرة لتقرير الفائز

فحني يتنافس ثالثة أو أكثر على مقعد من املقاعد، وهذا هو األصل، فإن الفائز ميثل الفئة األقـل يف دائرتـه املمثل للناس،االنتخابية، وذلك بسببني، السبب األول وهو ختلف نسبة كبرية من الناخبني قد تزيد على األربعني يف املائة، مث تتوزع البقية

خذ عشرين يف املائة من الناخبني يف دائرته، وذا يكون الس ال ميثل إال الفئة األقل، الباقية بني املتنافسني، فقد يفوز من يأهذا من جهة ومن جهة ثانية فإن هؤالء املمثلني مل خيترهم الناس ألم قادرون على التشريع وسن القوانني، ولذلك قـد ال

قلة النادرة تشكل منها جلنة قانونية تقوم بوضـع مشـاريع جند فيهم من يفهم التشريع والقانون إال القليل النادر، وهذه القوانني، مث تعرض على البقية من هؤالء النواب الذين ال يعرفون ما هي التشريعات والقوانني إلقرارها، وغالباً ما تقرها اهليئة

!! التشريعية بكاملها، ومع ذلك يدعون أن هذا حكم الشعب، فهل ينطبق هذا القول على واقعهذا من حيث قوهلم حكم الشعب، وقد تبني لنا فساد هذا القول، وعدم مطابقته للواقع، وأما قوهلم بالشعب، ويعنـون ه

بذلك أن الشعب هو الذي خيتار حكامه، فإن هذا القول ال يقل مغالطة عن سابقه، وينطبق عليه ما ذكرنا عن سن القوانني فليكن املثال من الواقـع الـذي " باملثال يتضح املقال"وهو قول حق أنه قيل،: والتشريعات ووضع الدستور، وإليكم البيان

تعيشه الشعوب واألمم، فلنفترض أن شعباً من الشعوب الدميقراطية وليس فقط من الشعوب اليت تدعي الدميقراطية انتـهت

Page 12: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

12

اطية جتيز ألي فرد من أفراد هذا مدة حاكمه وأراد هذا الشعب اختيار حاكم جديد له، بدالً من احلاكم السابق، فإنّ الدميقرالشعب أن يرشح نفسه لالنتخاب، فإن من الطبيعي أن يتسابق من يرون يف أنفسهم القدرة على القيام بأعباء احلكم للفوز ذا املنصب، وتعطى هلم الفرصة للقيام حبمالم االنتخابية، وصرف األموال الطائلة عليها، هذا من جهة ومن جهة أخرى

اجلهات املسؤولة بإعداد قوائم املرشحني، وتنظيم مراكز االقتراع، إىل غري ذلك من األعمال الـيت تقتضـيها عمليـة تقوم فلو افترضنا أن هذا الشعب مكون من عشرين مليون نسمة، فإن أعلى نسبة فيه لعـدد النـاخبني ال . الترشيح واالنتخاب

توي على مخسة ماليني ناخب فقط، فما عدد الذين سيحضرون من عدد السكان، أي أن قوائم املرشحني حت% 25تتعدى إىل مراكز االقتراع ويدلون بأصوام ولنضع بعني االعتبار ما يف ذلك اتمع من مسنني أو معاقني ال يستطيعون احلضور إىل

مـن جممـوع % 80مراكز االنتخاب، ففي أحسن احلاالت ويف أكثر الشعوب حيوية ال يزيد مطلقاً عدد احلضور عـن فإذا كان عدد املتنافسني على كرسي الرئاسة أربعة مثالً، أو . الناخبني أي أن العدد سوف لن يزيد عن أربعة ماليني ناخب

كثر، فإن هؤالء األربعة سيتقامسون هذه األصوات بنسب متفاوتة، فيحظى ذا املنصب من يأخذ أكرب عدد من األصوات، وين صوت، وتقاسم الثالثة اآلخرون األصوات األخرى، فإن من حصل على مليـوين ملي -بفوز ساحق-فلو أخذ أحدهم

.صوت سيصبح هو احلاكم حتماً، مث يقوم باختيار اهليئة التنفيذية اليت ستساعده يف تنفيذ األحكام وتطبيقها على اتمـع ة وسكت عنه مليـون ناخـب مل يـدلوا وذا يكون احلاكم ممثالً ملليوين فرد فقط ويعارضه مليونان آخران معارضة فعلي

بأصوام، وفرض نفسه على مخسة عشر مليوناً فهل هذا هو حكم األكثرية؟ أم هو حكم األقلية؟ولذلك فإن القول بأن الدميقراطية هي حكم الشعب كذبة كربى، وأكرب منها أن يقال أن احلكم لألكثرية، وكان األوىل،

كم هو حكم األقلية لألكثرية وليس العكس، سواء من حيث اختيار احلاكم، أم من بل األصح، أن يسمى هذا النوع من احلومن هنا نقطع يقيناً أن نظام احلكم الدميقراطي هـو . حيث تنفيذها، وحىت أيضاً من حيث تشريعها وسنها قوانني للتنفيذ

خيتار حكامه بشكل صـحيح، وال يضـع حكم األقلية لألكثرية قوالً وعمالً، وال جنايف احلقيقة حني نؤكد أن الشعب ال .دستوره أو قوانينه أو تشريعاته بنفسه، وعليه فالدميقراطية فكرة خيالية ال يقرها العقل السليم، وال تنطبق على الواقعإن معىن . بقيت مسألة واحدة، يف هذا املوضوع، وهي قوهلم أن السيادة للشعب وهذا يقتضي معرفة املعىن من هذا القول

بالنسبة دة هو ممارسة اإلرادة، أي أن التصرف والسلوك جيب أن يكون تبعاً للرغبة واهلوى دون ضغط أو إكراه، سواء السيااألفراد، حيث أن الشعب بنظرهم هو جمموعة من األفراد، وما ينطبق على الفرد ينطبق على اتمع، للفرد أو بالنسبة موع

س إرادته فيسري سلوكه، وينظم أمور ويقضي مصاحله، ويعاجل مشاكله حسب هواه فالفرد الذي ميلك سيادته هو الذي ميارهذا معىن ممارسة اإلرادة، وهذا هو معىن . ورغبته دون ضغط أو إكراه أو تنفيذ لرغبات غريه أو طاعة ألوامر أية جهة كانت

أي العبودية أو بسبب بيعهـا أو تأجريهـا السيادة، أما الفرد الذي ميلك إرادته، ولكنه ال يستطيع أن ميارسها بسبب الرق لغريه، أو خضوعه ألوامر غريه بالضغط واإلكراه فإنه ال يقال أنه سيد نفسه، وأنه صاحب سيادة أو أنه يتصرف على هواه،

طبق على وما ين. أو أنه حر يف تصرفاته فاحلرية يف التصرفات والسلوك إمنا تعين عدم اخلضوع فيها إال لرغبه هو، وتبعاً هلواهالفرد يف هذا األمر على الشعب فالشعب الذي ميلك سيادته، هو الشعب الذي ميارس إرادته، وأما الشعب الـذي ميلـك إرادته ولكن ال ميارسها بل ميارسها غريه، فهو شعب مستعبد، وممارسة اإلرادة إمنا تظهر يف تسيري هذا الشعب لعالقاته العامة

ووفقاً إلرادته، فإن كان هذا الشعب هو الذي خيتار حاكمه دون ضغط أو إكراه، وهـو داخلياً وخارجياً حسب مصلحته الذي يضع دستوره وكافة تشريعاته حسب رغبته وهواه، ودون ضغط أو إكراه، وهو الذي ينظم عالقاته بغريه، أي سياسته

Page 13: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

13

ته، وإال فإنه مستعبد ملن أجربه على اخلارجية حسب مصلحته ودون ضغط أو إكراه، فمثل هذا الشعب يعترب حراً ميلك سيادليس منطبقاً علـى واقعـه -السيادة للشعب-وإنه وإن كان قوهلم . تنفيذ إرادته، فحق السيادة يشترط فيه ممارسة اإلرادة

يـاره حقيقة، كما ذكرنا إال أن ممارسة الشعب الختيار ممثليه يف اهليئة التشريعية، وحق إبداء رأيه يف اهليئة التنفيذيـة واخت للحاكم دون ضغط أو إكراه يعترب ممارسة للسيادة ما دام أن هذه األمور متت دون ضغط أو إكراه من دولة أخرى أو شعب آخر، وهلذا كان معىن قوهلم السيادة للشعب أي أنه ال سلطان عليه ألجنيب فهو الذي بواسطة ممثليه يف جملس النواب يسـن

الذي خيتار حاكمه سواء عن طريق ممثليه، أو عن الطريق املباشر، وهو الـذي حيـدد القوانني ويضع النظم واألحكام، وهو وال خيتلف هذا األمر كثرياً بني أنظمة احلكـم يف العـامل، . عالقاته اخلارجية حسب ما فيه مصلحة له دون ضغط أو إكراه

ياً أم كان مجهورياً رئاسياً، فاالختالفـات سواء أكانت ملكية مطلقة أم ملكية دستورية، وسواء أكان احلكم مجهورياً برملان .شكلية وختتلف باختالف عقليات واضعي الدستور والقوانني

بعد الشرح ملعىن كلمة الدميقراطية وأبعادها واألسس اليت تقوم عليها، وبعد تلك احملاكمة هلذه الفكرة أي الدميقراطيـة :خلصنا إىل نتيجة ثابتة وهي

.لى العقل، فهي مبنية على احلل الوسطأا ليست مبنية ع :أوالً .أا خرجت عن البحث العقلي السليم حيث أا توقفت عن مواصلة البحث فلم جترؤ على تقرير حقيقة الوجود :ثانياًأا فكرة خيالية ال تنطبق على الواقع، وتقوم على الوهم واخليال، فال الشعب مبجموعه يسن القوانني ويضع النظم :ثالثاً

.ألحكام والدساتري، وال الشعب مبجموعه خيتار حكامهوا .أا حكم األقلية لألكثرية وليس حكم األكثرية لألقلية :رابعاً

وأما االحتكام إىل األصل الثالث أي ما تقرره املسلمات العقيدية من قبول أو رفض من صحة أو خطأ، فإننا نقـول إن فال وربك ال يؤمنـون حـىت [: نا وال جيوز االنصراف إىل غريه لقوله تعاىلاالحتكام إىل هذا األصل، هو األساس يف حيات

، نعم هذا هو األصل الذي يقرر لنـا ]حيكموك فيما شجر بينهم، مث ال جيدوا يف أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماًمطابقة األمر لواقعه، قمنا بعرض كل حقيقة، ولكننا، ونظراً إىل ما خدع به شبابنا من وجوب االحتكام إىل العقل، أو إىل

سريع هلذه الفكرة فكرة الدميقراطية على هذين األصلني يف األحكام كي ال نترك ذريعة ألحد يف أخذها، مؤمنـاً كـان أم .ملحداً، وكي نطرحها يف اتمع على حقيقتها

مناقضة األسس اليت تقـوم عليهـا إن االحتكام إىل املسلّمات العقيدية أي إىل ما جاءت به العقيدة يرى بكل وضوحفالدميقراطية تتهرب من اإلجابة عن تقرير حقيقة فلم جترؤ على القول بأن الكون واإلنسان . الدميقراطية مع هذه املسلّمات

دية والدميقراطية تقول باحلل الوسط واملسلّمات العقي. واحلياة خملوقة، أما املسلّمات العقيدية عندنا فإن اهللا خالق كل شيءوالدميقراطية تقول إن اإلنسان حر ليس ألحد عليه سلطان، واإلسالم يقول إن اإلنسان ). فماذا بعد احلق إال الضالل: (تقول

والدميقراطية تقول إن اإلنسان يتصرف حسب رغبته وهواه، واإلسالم يقول إن اإلنسان جمرب أن يتصرف حسـب . عبد اهللاوالدميقراطية مصدر التشريع . قوانني يضعها الناس واإلسالم يوجب االحتكام إىل الشرع والدميقراطية حتتكم إىل. أوامر اهللا

.فيها الشعب، واإلسالم مصدر التشريع فيه هو الوحي

Page 14: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

14

فهي مناقضة وخمالفة ملا جاءت به العقيدة اإلسالمية من أصول وفروع ال تلتقي به وكيف يلتقي مـن كـان :وبالتايلره العقل، من حيتكم إىل اهللا مع من حيتكم إىل اإلنسان، وأخرياً فاملسلم يفخر أنه عبد هللا، مصدره الشرع مع من كان مصد

.والدميقراطي يفخر بأنه حر ليس مقيداً بأي شيء

احلريةإن أي لفظة حني توضع لتدل على معىن معني يف ذهن واضعها فاأللفاظ والكلمات هي القوالب اليت تصاغ فيها املعاين

فالكلمات ما هي إال حماولة لتجسيد ما يف النفس من رغبة أو إحساس أو عاطفة . النفوس للتعبري عن هذه املعاينالكامنة يف لنقلها لآلخرين، والكلمات هي الوسيلة املستعملة عند البشر للتفاهم واملخاطبة وقضاء املصاحل وتبادل املعارف، وتصري أدق

.ل املعنويات وجتسيدها إىل ماديات ميكن إدراكها وحتديد أبعادهاالعواطف واملشاعر واألحاسيس فهي حماولة نقوحني نسمع كلمة أو مجلة أو تعبرياً، ومل نكن قد مسعناها سابقاً، أو مل نعرف معناها، فإننا نرجع مبعرفة معناه إىل أهـل

معىن آخر، بل املعىن هو ما قاله أهل اللغة اليت قيلت ا تلك الكلمة أو العبارة وجوام لنا حجة علينا يصح لنا أن نصري إىلاللغة نفسها، سواء يف معاين املفردات أم معاين اجلمل، أم ما اصطلح عليه من معاين اصطالحية أو عرفية أو شرعية أو جمازية،

مالحظـة وإنه وإن جاز أن نضع يف االعتبار عند فهم ذلك اللفظ الظرف الذي قيل فيه، وقرينة احلال اليت الزمته، بل جيب ذلك، إال أنه ال جيوز مطلقاً أن نأخذ املعىن تقديراً على ما يف نفس القائل، فنقول كان يريد كذا وكذا، وال أن نفسر املعىن حسبما يقتضيه هوانا، بل ال بد من النظر يف اللفظة، واجلملة، والفقرة، واملقالة، واملوضوع من حيث مـدلوالت األلفـاظ

يه وحسب وضع أهل اللغة فقط، فال تالحظ رغبة الكاتب وال هوى املستمع، هذه هي القاعدة والكلمات اليت استعملت فاليت جيب أن تتبع عند فهم أي نص، مهما كان مصدره، نعم إن مدلوالت اللغة ال تعين فقط منطوق النص، فللنص منطوق

ع أهل اللغة للمعاين اليت حتتويهـا لغتـهم وله مفهوم موافقة، وله مفهوم خمالفة، وله معقول، إال أن ذلك كله هو من وض .وتعابريهم، وأسلوم يف الكالم

هذه مقدمة موجزة عن كيفية فهم التعابري اللغوية حيثما وجدت، وبناء على هذه القاعدة نريد أن نفهم أوالً مث حنـاكم كلمة عربية مثلها مثل ما اشتق "حرية"إذ ال يصح حماكمة أي شيء حىت يعرف واقعه معرفة حقيقة، إن كلمة " حرية"كلمة

كلمة أحرار وحترر، وحترير، وحريات، وقد حددت معانيها يف اللغة حبيث أا معروفة لـدى مجيـع -حر-من هذا اجلذر الناس، إال أن كلمة حرية كمصطلح جديد صار ال بد من معرفة معناه من أصحابه الذين أطلقوه على بعـض املعـاين يف

:وبنوا على هذه اللفظني معاين متعددة) Liberty(وبتعبري ) Free(طلقوه باألجنبية بتعبري نفوسهم، ولذلك فقد أ Free(حريـة اإلرادة ) Free Love(احلرية اجلنسـية ) (Freedom of Associationاحلريات النقابية

Will ( حرية)Freedom ( أحرار الفكر)Free Thinkers ( اإلباحيـة)Libertinism ( ي املـذهب الفـرد)Liberalism ( احلرية املدنية)Libertie Civil ( احلرية االقتصادية)Laissez fair .( هذه بعض ما أطلقت عليه

هذه الكلمة سواء يف العربية أم يف األجنبية، وكلها تدور حول معىن واحد، هو القدرة الذاتية على االختيار، دون أدىن جرب رر الفرد أي انفالته من كل قيد أو انضباط والتصرف حبسب رغبته وهواه، إال أو إكراه، من أية جهة كانت، ويعين ذلك حت

أن استحالة تطبيق هذا األمر على الواقع اإلنساين جعل الفكرة خيالية ال ميكن تصورها إال مبجتمع الغاب، وملا كان اإلنسان ولذلك فقد وجد أصحاب هذا املذهب أنفسهم ال حييا وال يطيق أن حييا مبجتمع الغاب، فإن تطبيق هذه الفكرة عليه خيال،

Page 15: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

15

كان هذا القيد هـو، عـدم االعتـداء أو . مضطرين أن يقيدوا هذه احلرية بقيد حيافظ على األقل على بقاء اتمع البشريالدولـة، اإلضرار حبرية اآلخرين، مث يتبع هذا القيد تبين محلة هذا املذهب فكرة إقامة الدولة حلماية احلريات، وقد تبع إقامة

وجوب التزام اتباعها مبا تسن من نظم أو قوانني، بالرغم من أن أي قيد هو نقيض احلرية وأن أي إجبار لإلنسان أو إكراه له بالتزام سلوك معني، أو السري على نظام معني إمنا هو نقيض احلرية ومناف هلا، ولو شئنا االلتزام حبرفية معناها، وما تدل عليه

غاء هذه الكلمة ائياً وأا فعالً كلمة خيالية ال وجود هلا، إذ ما من إنسان إال وخيضع جلهة أخرى خارجة حقيقةً، لوجب إل . عن ذاته ومهيمنة عليه، شاء أم أىب

وبالرجوع إىل ما أطلق العرب على معىن هذه الكلمة وما اشتق منها من معان وألفاظ أي كلمة حرية، ملعرفة مطابقتها جنبية اليت وضعت هلا، نكاد جنزم أن املترجم قد وفق بأخذ املعىن املقابل له، وال نكاد جند معىن من تلك املعاين إىل املعاين األ

فكلمة حر تعين السيد الذي ميلك ممارسة إرادته دون جرب أو إكراه، وهو نقيض معىن العبوديـة . ليس له باملقابل ما يطابقه)Slave (ن جرب أو إكراه من أية جهة على نقيض العبد الذي ميارس جرب أو إكراه من أية فاحلر هو الذي ميارس إرادته دو

جهة على نقيض العبد الذي ميارس إرادته حسب رغبة سيده بالقدر الذي يريد سيده ال حبسب رغبته وهواه، ومبثل هـذا منة اآلخرين عنهم سواء أكانـت املعىن نسبياً نطلق كلمات أحرار، حترير، حترر، وكلها تدور حول معىن واحد وهو رفع هي

وقيام احلركات التحررية يف العامل هو وجود حركات تسعى لتحرير شعوا . هيمنة سياسية أو عسكرية أو فكرية أو ثقافيةإال أن معىن احلرية املبحوث عنه اآلن، فإنه وإن كان ال خيرج كثرياً عن هذه املعاين العربية بـل . من هيمنة مفروضة عليها

معه يف املعىن األصلي وهو رفه اهليمنة، ولكنه له معىن خاص به وله مدلول مستهدف من قبل الداعني له وهو متكني يشتركالفرد من مباشرة أعماله وإشباع رغباته وتسيري سلوكه دون قيد أو شرط، دون ضغط أو إكراه، وهذا ما يعرب عنـه عـادة

بع وهي حرية االعتقاد وحرية الرأي وحرية التملك وحرية التصرف والسلوك بتمكني الفرد من حرياته العامة، أو حرياته األر .الشخصي، فهذا هو بيت القصيد وهذا هو البحث الذي نريد أن نعطي فيه الرأي بعد حماكمته

عدم مطابقة احلرية للواقعتقـاس عليـه وقواعـد وكما بدأنا مبحاكمة الدميقراطية فقلنا أن صدق األفكار وصحتها يتطلب وجود مقياس دقيق

ومسلّمات تستعمل يف إظهار اخلطأ من الصواب فاحتكمنا فيها إىل العقل باعتباره مناطق التكليف، وباعتباره اجلوهرة اليت ميزت اإلنسان عن غريه من الكائنات احلية، والنعمة الكربى اليت جعلته سيد الكون، فسخر له اهللا سبحانه وتعاىل كل شيء،

اً إىل قاعدة ثابتة يقضي ا كل ذي لب، وهي أن الفكر الصحيح، والرأي الصائب هو الفكر أو الرأي أو كما احتكمنا أيضاخلرب الذي ينطبق على واقعه، ولذلك كانت قاعدة مطابقة األمر للواقع قاعدة صحيحة، وعليها نستطيع متييز اخلطـأ مـن

كافة املعاين اليت تشري إليها كلمة احلرية، وفهمنا ما تدل عليـه بعد أن تبينت لنا: الصواب، وانطالقاً من هذه القاعدة نقول . ..مجلة وتفصيالً فكان اجلذر الذي انبثت منه مجيع هذه املعاين هو االنفالت من كل قيد

فالسؤال الذي يرد اآلن هو هل هلذا املعىن وجود يف الواقع اآلن؟ وهل ميكن أن يكون له واقع مستقبالً، وما هـي .اليت ميكن أن تترتب عليه إن سلمنا جدالً بإمكانية وجود جمتمع أو إنسان يعيش على أساس هذه الفكرة؟النتيجة

وهو هل هلذا املعىن وجود يف العامل اآلن، فإن اإلجابة بالنفي مؤكدة، وذلك أنه لـيس :أما اإلجابة على السؤال األولوتبعاً لرغبته، واتباع حاجته، سواء يف املتجمعات املتحضرة، هناك جمتمع بشري يف الوجود يعيش كل إنسان فيه على هواه

Page 16: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

16

أم يف اتمعات البدائية، البدوية منها واحلضرية، بل إننا جند أن اإلنسان كلما ارتقى فكرياً كلما زاد ارتباطـاً وانضـباطاً اجلواب احلق، فال وجـود تمـع بالقوانني والنظم، وحىت األعراف، وهلذا فإن اجلواب بالنفي على السؤال األول كان هو

. بشري يعيش على فكرة احلرية، واليت تعين االنفالت من كل قيدوهو إمكانية أن يأيت يوم فيكون على أساسه، فاجلواب على ذلك بالنفي أيضاً وبكل تأكيد، وذلـك :أما لسؤال الثاينالتزم ا جمموعة من الناس وقاموا على تنفيذها فمن يعش -قواعد وأحكام-فاتمع هو جمموعة قيود . ملناقضته ملعىن اتمع

فطبيعة التحلل من القيود هي على . بينهم فهو جمرب على القبول بالسري حسب هذه القواعد والنظم، وإال قتلوه أو رحل عنهم .النقيض من االجتماع والتقيد

ذه الفكرة فيما لو سلمنا جدالً بإمكانية حـدوثها وهو التساؤل عن النتيجة املترتبة على تطبيق ه :وأما السؤال الثالثضرب من اجلنون أو شطحة بعيدة من اخليال، فكيف جتمع القيد واالنفالت يف وقت واحد؟ والعقل البشري بقواعده يقضي

كـان وملا. وأقل ما ميكن أن يتصور هو انتقال اإلنسان إىل الغابة فقط ليتصرف كما حيلو له. باستحالة اجتماع النقيضنياإلنسان كائناً اجتماعاً بطبعه واختصه اهللا بنعمة العقل واإلدراك، مما ميكنه من أن يضع قواعد لسلوكه وانتظامه يف مجاعات، كما ميكنه من أن مييز يف كثري من األمور بني اخلري والشر، بني احلق والباطل، بني اهلدى والضالل، ومن هناك االنفالت أو

نسانية اإلنسان وامتهاناً لكرامته، ودعوة إىل نقل اإلنسان إىل جمتمع حيوانات منحطة يف غابة تسريهم الدعوة إليه، هدماً إلإن علماء االجتماع يدركون معىن الدعوة للحرية وأبعاد وخطورة هذا القول، ولذلك حاولوا أن . فيها غرائزهم وحاجام

ال تنطبق عليها حقيقةً، ففرضوا على الفرد قيوداً بدأت من قـوهلم يلبسوا احلرية ثوباً فضفاضاً، وحيملوا هذه الكلمة معاينوملا كان ال بد لكل . تنتهي حرية الفرد بابتداء حرية اآلخرين، ومل تنته بعد، ففي كل يوم تضاف موعة القيود قيود جديدة

فحسب تعبريهم، . ة هذه احلرياتقيد من ضابط يقوم على تنفيذه، وملا كان ال بد لكل حق من محاية، كان ال بد من محايوالصحيح أنه كان ال بد من محاية هذه القيود والنظم، ومن هنا كان التزامهم بنظرية العقد االجتمـاعي بنشـوء األمـم واتمعات، فقرروا أن يتنازل كل فرد عن جزء من حريته لتوضح هذه األجزاء بيد فئة قوية تستطيع تنفيذ ما اتفقوا عليـه،

فصار عليه االنقياد والطاقة إىل . ليهم الطاعة، فوجدت الدولة على هذا األساس، ففرض به قيد جديد على الفردفاشترطت عإال أم حياولون أن . جمموعة القوانني والنظم املوضوعة لتسيري عالقات األفراد، ومع ذلك ما زالوا يسمون هذه القيود حرية

ناس مبجموعهم أو بواسطة ممثليهم هم الذين يضعون جمموعة هـذه الـنظم يصوروا أن هذا األمر هو حرية، وذلك ألن الوأن جمموعة هذه النظم والقـوانني ال . والقوانني، وبالتايل فإم يسريون بإرادم وحسب رغبتهم وال سلطان ألحد عليهم

ري حبسب القانون والنظام هـو واحلقيقة هي خالف ذلك متاماً، فااللتزام واالنضباط والس. تسمى قيوداً ألم هم واضعوهاقيد، والنظام سواء كان عن رضى واختيار أم كان جرباً وإكراهاً، فكلها قيود، وسواء وضع هذه القيود الفـرد نفسـه، أو أناب عنه أحداً، أو اقتبست من نظم وقوانني شعب آخر، أم فرضت من جهة أخرى، فكلها قيود وال يصرفها عن هذا املعىن

.ضعها الفرد نفسه أو جمموعة األفراد، فهي انقياد وال جدال وهذا مناف للحرية ويبني أا ال تنطبق على واقعكوا قوانني ووأما الكذبة الكربى وقد حتدثنا عنها وهي أن الفرد هو الذي يضع قوانينه، فإن هذا القول ال يستطيع أن يستر عورة ذاته،

عمت هذه النظم والقوانني العامل بكامله وأصبحت الدول واحلكـام كافـة فال ميكن أن يستطيع ستر عورة غريه، فبعد أن يتشدقون بدميقراطيتهم، صار النظام الدميقراطي وعملية وضع النظم والقوانني يعرفها الناس مجيعاً، ويعرفون أن هيئة تأسيسية

بوضع مشاريع قوانني لتعرض علـى أو ما تشبهها تقوم بوضع الدستور، أي القانون األساسي، وتقوم جمموعة من احلقوقيني

Page 17: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

17

جملس النواب الذي ال ميثل أكثر من عشرة يف املائة من الناس والذي ال يعرف من القوانني والتشريعات شيئاً، يقـوم هـذا الس النيايب باملصادقة عليها، مصادقة شاهد زور ال يعرف على ماذا وقع، ألنه جيهله، وبتوقيعه هذا يصبح كـل فـرد يف

.مع ملتزماً ذا القانون وملزماً بتنفيذه، فهل هذا معىن جديد للحرية؟ وهل ينطبق معىن احلرية على هذا الواقع؟ات

املفهوم اجلديد للحرياتبعد أن تعذر تطبيق فكرة احلرية مبعناها الكامل، واستحال تطبيقها على الوقع، وإصرارهم على االحتفاظ باالسم بدون

توى، فأطلقوه اآلن على واقع جمتمعام، معتربين أن ممارسة اإلرادة من قبل األفراد هـي باخلضـوع مسمى، واإلطار بال حميف كثري من األمور، فكانت فكرة احلرية قاعـدة مـن قواعـد -احلرية-للقوانني، وقد راعى املقنن كذلك ممارسة اإلرادة

ر املشرع عندهم اإلبقاء على احلريات العامة، ولو ضـمن التشريع جيب أن يراعيها املقنن حني وضع تشريعاته، ومن هنا قد :القوانني املرعية، أي يف قيود معينة، وعليه فقد ترك املشرع للفرد ما يلي

فقالوا أن للفرد أن يعتقد ما يشاء، أو يتنقل بني العقائد كما يشاء، فليس ألحد سلطان عليه يلزمه :حرية االعتقاد: أوالًله أن يعتنق النصرانية اليوم مث يتخلى عنها غداً إن شاء، كما لـه أن . أو جيربه على التخلي عن عقيدة ماباعتقاد عقيدة ما،

يعتنق اليهودية أو اإلسالم، وله أن يتخلى عن اعتقادمها إن شاء، فليس ألحد أن يتدخل به، فله أن ميارس إرادتـه ويتمتـع العمل، وله أن يتعبد على أي دين وأن يعتنق أي مذهب، أو أن ينكـر حبريته شريطة أن ال يسيء لعقائد اآلخرين بالقول و

وإنه وإن كان يتصرف ضمن ما جتيزه القوانني ويعتقد مبـا . الديانات واملذاهب ضمن ما جتيزه قوانني البلد الذي يعيش فيه .حرية االعتقادأجازت له القوانني املرعية إال أم أصروا كذلك على تسمية هذه اإلجازة حرية التدين، أو

أي أن له أن يعرب عما جييش يف صدره من معاين بأي أسلوب شاء، فهو يكتب وينشـر وحياضـر :حرية الرأي: ثانياًويتحدث مبا حيلو له، جاداً أو مازحاً، مؤمناً مبا يقول أو غري مؤمن، وسواء أكان هذا األمر متعلقاً باحلكم أو االقتصـاد أو

ن يسفه أي رأي لدى إنسان أو جهة، شرط أن ال يتعرض للنواحي الشخصية أو األمور الذاتيـة االجتماع أو الدين، وله أ .ضمن ما جتيزه األحكام والقوانني كذلك

وكما أجازت حرية االعتقاد وحرية الرأي فقد أجازت كذلك حرية التملـك، فقـد مسحـت :حرية التملك: ثالثاًيتملك ما يشاء وبأية كيفية يشاء، ومبقدار ما يستطيع ولكن كذلك ضـمن التشريعات القائمة على أساس احلرية للفرد أن

فحني أباحت له أن ميتلك أية مادة . القوانني واألحكام ال جيوز له أن يتعداها، كما له أن ينفق أو يصرف من ملكيته ما يشاءفله أن ميتلك الرغيف والفاكهة والسيارة، يريد ضمن القانون فقد أجازت له امتالك أية مادة استهالكية أو أية مادة إنتاجية

فقد أجازت له كذلك أن ميتلك األرض واملصنع واملنجم وذلك بتفاوت بسيط بني بلد وآخر، ألنه حـني فشـلت هـذه األحكام يف معاجلة مشاكل الناس عمدت بعض الدول إىل نقل بعض امللكيات الفردية إىل ملكية الدولة وحرمت على األفراد

قانون أطلق عليه قانون التأميم، والذي جييز للدولة أن تنقل امللكية للدولة حني تتعلق مصلحة اجلماعة ا بعوض امتالكها بساوي قيمتها قبل عملية النقل، أو ما يشابه هذا املعىن، وذا تكون قد خالفت ما أجازت ابتداء وحرمت على الفرد امتالك ي

بعض األعيان، مع اختالف بني بلد وآخر حول هذه األعيان، ومثل حترمي بعض األعيان دون بعض، كتحـرمي احلشـيش ه، ومثلما أباحت األعيان واملواد اليت متتلك فقد أباحت كـذلك وسـائل واألفيون وإباحة اخلمور والتجارة باخلرتير وغري

التملك وأساليب تنمية امللكية أو حيازا، فمثلما أجازت العمل والتجارة والبيع والشراء واهلبة واهلدية أباحـت كـذلك

Page 18: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

18

لشركات والتعاونيـات، ولكـن املقامرة والربا والنوادي الليلية، والتكسب عن طريق اجلنس واملتاجرة فيه، كما أباحت اكما أا أباحت الكمية أي أا مل تضع حداً أعلى للكمية الـيت ميتلكهـا . بتفاوت واختالف بني بعض الدول واتمعات

الفرد، فللفرد أن ميتلك أكرب قدر ممكن من األموال فليس من حق أحد أن حيد من نشاطه، أو أن يقف عند حد يف تنميـة كومات والدول ولكن بتفاوت فرضت ضرائب على الكمية أمستها ضريبة الدخل، وغالباً ما تكون ضريبة ثروته، إال أن احل

تصاعدية تتناسب مع الكمية اليت يكسبها الفرد يف حياته العملية، خصوصاً يف بعض الـدول واتمعـات الـيت تـدعي وتنمية الثروة كامللك فإا تركت للفرد أن يتصرف وكما أجازت يف االمتالك . االشتراكية، أو اليت تطبق اشتراكية الدولة

بأمواله كما حيلو له، فله أن يهبها ملن يشاء أو يتلفها بأية كيفية يشاء، وليس مستغرباً أن نسمع أن أحدهم أوصى بتركته إىل .كلب أو هرة، أو إىل مجعية الرفق باحليوان، و أي شيء آخر

الفردية، من مثل عالقة اإلنسان بنفسه أو بغريه فيما هو من شؤون الغري، فقد أي التصرفات :احلريات الشخصية: رابعاًتركت هذه الفكرة إىل أصحاا ممارسة إرادم ممارسة كاملة دون جرب أو إكراه، وله أن ميارس هذه اإلرادة وحرية االختيار

، ويتمتع منفرداً أو مع غريه يف كـل مـا مع من يشاء دون جرب أو إكراه أو ضغط أو ديد فهو يلهو ويلعب ويأكل ويناميوافق هواه ورغبته فال سلطان ألحد عليه، ضمن القوانني املرعية واملعمول ا، وقد تفاوتت اتمعات والدول حبدود هـذه

ا حرمه، ومنها احلرية مع أا مجيعاً ضمن القوانني، فمن القوانني ما أجاز اللواط ومنها ما حرمه، ومنها ما أجاز الزنا ومنها مما أجاز الزواج بني ذكرين أو بني أنثيني ومنها ما حرمه أو أمهل ذكره، فقد قضت احملاكم يف أمريكا بالزواج بني الـذكور

وهكذا فإن ممارسة اإلرادة يف كل ما هو من شؤون الفرد الذاتية . وأباح جملس العموم الربيطاين اللواط، واعتربه عمالً شرعياً .ا دون ضغط أو إكراهفله أن ميارسهكما أا أجازت احلريات النقابية فإا حني أجازت حرية التملك كان من البديهي أن حييق :احلريات النقابية: خامساً

وملا كان القانون قد أعطى لصاحب العمل حق التصرف مباله . الظلم والتعسف ما يف اتمع من عمال وفالحني وموظفنيالعمال والفالحني واإلجراء واملوظفني، هلذا فقد عمد القانون إلجازة اتمع العمـايل، فأجـاز وأمالكه ولو على حساب

تشكيل النقابات ومنحها حقوقاً تستطيع مباشرا لتقف بوجه اجلشع الرأمسايل، واحلفاظ أو احلصول على ما يرونه هم أنـه .حق هلم

إجازة االحتادات الطالبية للوقوف بوجه اهليئات واملؤسسات الـيت بل بلغ احلال ا :إجازة االحتادات الطالبية: سادساًتقوم على رعايتهم، ومنحت هذه االحتادات من احلقوق مثل ما منحت الحتادات العمال والنقابات بل واعتربت أن هـذه

. االحتادات والنقابات عون هلا وسند يف حتقيق ما تقوم عليهحرية أو حريات بل هذا ما تبقى مما يسمى ممارسة اإلرادة دون ضغط أو إكراه أو هذه حملة خاطفة عن ما تبقى مما يسمى

ديد، وهذا ما يتصوره الناس أنه احلرية وأنه املمارسة احلقيقية لإلرادة مع أا ال تزيد عن كوا تقيـداً بأحكـام الـنظم ي هذه املمارسة بتفاوت النظم والقوانني واختالفاا، وتتفاوت هذه احلرية أ. والقوانني اليت تطبق يف بلد ما من بلدان العامل

وتتفاوت هذه النظم والقوانني بتفاوت واختالف القواعد األصولية واألسس اليت يبين عليها املشرعون ما يصنعون من نظـم .وقوانني باإلضافة إىل التفاوت بني عقليام ونفسيام

فإن . من كل قيد، أو إبعاد اهليمنة أو الضغط أو اإلكراه عن تصرفات الناس ملا ثبت أن احلرية مبعانيها إمنا هي االنفالت :هذا املعىن قد اشتمل على

Page 19: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

19

حماربة الرق واالسترقاق، أي أن ترفع هيمنة اإلنسان على أخيه، تلك اهليمنة اليت تسلبه حق التصـرف بإرادتـه، :أوالًأما اران جزء مـن إرادتـه أي . جود يف العامل إال نادراً إن حصلإال أن هذا الواقع ليس له و. واران إرادته إىل مسترقه

وهلذا ليس هناك . استئجار بعض ساعات من كل يوم للقيام بعمل ما وبأجرة مقدرة فال يعترب سلباً لإلرادة، وال هيمنة عليهاناس بيع للجهد ببدل، وليس هيمنة، إال أي دعوة أو فكرة يف العامل تدعو إىل حماربة الوظيفة واألجرة واإلجازة ألا يف نظر ال

يف مفاهيم الشيوعيني، مع أم خيالفوا يف التطبيق العملي لفكرم، فإن صح أم يعتقدون ذلك فالدولة يف النظام الشيوعي أكرب مسترق، وشعبها كله شعب عبيد وأرقاء، فهم مرنون ملا جتربهم به الدولة من أعمال، وهم مسلوبون حـق ممارسـة . إرادم فهم يتصرفون حبسب ما متليه أنظمة وقوانني الدولة، واليت سنها وشرعها بضعة نفر من احلزب الشيوعي ليس غـري

أما ما سوى ذلك فال يرى الناس أن اإلجازة والعمل عند اآلخرين بأجر هو سلب حلق ممارسة اإلرادة أي سلب للحريـة، .وأنه يعين االسترقاق

ستعمار ببسط نفوذه وفرض هيمنته جعل دول االستعمار تبسط سلطاا، وتفرض هيمنة على الدول إن طريقة اال :ثانياًوالشعوب املستعمرة، وحتكم سيطرا الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية واالقتصادية على هذه الدول والشعوب، حبيث

لذلك جاز لنا أن نسميها دوالً مستعبدة ألا مسلوبة اإلرادة سلبتها فعالً حق ممارستها إلرادا يف مثل هذه األمور مجيعاً، وفعالً، حيث وصل ا احلال أن تتصرف كما يريد املستعمر، فحملت فكرته، وتثقفت بالثقافة اليت فرضها عليها، وأجربهـا

نه، فكان ال بد من العمل على على تبين سياسته والسري يف ركابه، واستأثر خبرياا وثرواا بعد أن نظم حياا بنظامه وقوانيرفع تلك اهليمنة وإبعاد ذلك السلطان، وهلذا قامت حركات وتنظيمات كلها تنادي باحلرية والتحرر والتحرير أي للخالص

ويف مثل هذا األمر كان استعمال هذه الكلمة قريباً من احلقيقة، مطابقـاً للمعـىن الـيت . من ربقة االستعمار واستعباده هلا .أجله وجدت منبعد أن جنح االستعمار بإدخال فكرته ونشر مبدئه على تلك الشعوب، وبدأ متلملها للتخلص منه وإبعاد هيمنتـه، :ثالثاً

كان ال بد له من إحكام ضربته، فجعلها حتمل مع فكرة التحرر والتحرير فكرة احلرية مبا هلا من أبعاد، وبنفس املعىن الذي وبنفس املدلول، وهو إعطاء الفرد حق ممارسته إرادته يف كل شيء، حىت أصبح مجهرة مثقفينـا حيمله هو ملعىن هذه العبارة،

وكثري من الناس يرون أن هذه الفكرة مقدسة فهي أساس كرامة اإلنسان، رمز عزته واعتباره، ومل يستطيعوا الفصل بينـها .عب، أبعاد اهليمنة واإلكراه عن الفردوبني فكرة التحرر والتحرير قياساً على أبعاد اهليمنة عن الدولة والش

محلهم فكرته ليحاربوه ا، محلهم وجهة نظـره ليقـدروا األمـور . وذا جعل الناس حتاربه بالسالح الذي حدده هوحبسبها، محلهم مبدأه ليكونوا جزءاً من عامله، وكان له ذلك، إذ أصبح الناس مبجموعهم رأمساليني يؤمنـون بالدميقراطيـة

وهلذا فإن مشكلتنا والبحث الذي حنن بصدده . نظام حكم، وباحلرية أساساً لوضع النظم والقوانني إال من رحم ريبعقيدة وليس املعىن املقابل لالسترقاق، ألنه ال وجود له يف واقع حياتنا العادية يف هذا العصر، وليس رفع هيمنته العسكرية والسياسية

رفع هيمنته العسكرية أو أخفاها عن أعني الناس، وترك ألهل البالد، ينفـذوا فكرتـه واالقتصادية والثقافية والفكرية، فقدبل املسألة املبحوث عنها، واملشكلة اليت تقض . وثقافته ووجهة نظره ونظمه السياسية واالقتصادية دون أن يلحظ له وجود

ومعىن، هو املعىن الثالث، أي جعل احلريـة مضجع املخلصني من الناس، واليت جيب أن يعمل على إزالتها من الوجود لفظاًفكرة أساسية يف اتمع تبىن عليها األفكار وتنبثق عنها النظم، والذي منه أيضاً منح الفرد حرياته العامة، حريـة العقيـدة

.والرأس وامللك والذاتية، ليتصرف الفرد يف حياته مبوجبها مراعياً القوانني والنظم القائمة فقط

Page 20: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

20

ب من طرح فكرة الدميقراطية واالشتراكيةغاية الغربعد أن جنح الغرب بتثبيت أقدامه يف بالد املسلمني وبعد أن بسط سلطانه عليهم وفرض هيمنته الفكرية والثقافية أخـذ يعمل جاهداً ليجعل من أبناء املسلمني حراساً على مزرعته، وأساتذة يف مدرسته حىت كان لـه مـا أراد، إال أن املصـيبة

ظيمة، واخلطب اجللل، الذي مل يتوقع أحد أن نصل إليه أن تكون غاية االستعمار هدفاً من أهدافنا بل مطلباً شعبياً وأمالً العتشكل األحزاب وتتحرك احلركات، وتنظم التنظيمات وترتفع الشعارات مطالبة بأمر مل حيلم الغرب . يسعى الناس لتحقيقه

يأملون دائماً بنشر مبدئهم، وتنفيذ فكرم على غريهم بل ويسعون من أجل ذلك ليـل يوماً بتحقيقه، نعم إن محلة املبادئ ار، إال أن شعباً كالشعوب اإلسالمية ذحبه االستعمار ألف مرة، فهدم كيانه، وأزال دولته، وب خرياته، وأذلّ سـادته،

ة املثالية، والقدوة الصاحلة، ويترك عقيدته واستعبد عامته، يزين له الشيطان سوء عمله، فيتخذ من شخصية الغرب الشخصيأو ثقافته األصلية الصادقة ليتخذ عقيدة وثقافة من عمل به ما عمل، فأية مصيبة أكرب من أن جنعل عقيدة الغرب عقيدة لنا،

الذي حيرك طاقاتنا، وثقافته ثقافة لنا، وغايته أهدافاً لنا، نقاتل ونضحي يف سبيل حتقيقها، وتكون قيادته الفكرية هي الدينامو ويثري مهمنا، ال أقول هذا إثارة للمشاعر بل كحقيقة أعمانا اجلهل عن إدراكها، أال حيق لنا أن نتساءل عن هذه التنظيمات املوجودة يف األمة واليت تدعي أا تعمل إلاض األمة أية عقيدة اختذت، وأية فكرة أساسية تبنت، هل خرجت واحدة مـن

اختاذ الدميقراطية عقيدة، واحلرية فكرة أساسية ومنهاج حياة؟ أمل يقم أبناء املسلمني أنفسهم دم دولتهم هذه احلركات عن للمطالبة بدول قومية؟ أمل يقم أبناء املسلمني بالضغط على الدولة اإلسالمية لتتبىن دستوراً كان الغرب يريد فرضه على الدولة

حرية عدالة مساواة؟ كما ترتفع اليـوم يافطـات وشـعارات احلريـة –فطات اإلسالمية؟ أمل متتلئ شوارع املسلمني ياوالدميقراطية والقومية وغريها، إال أن هذه األفكار وهذه الشعارات مل يتقبلها الناس ومل ينادوا ا إال بعد أن غلفها بأغلفـة

ن الثوب الذي جيب على الدميقراطيـة أن مجيلة مستعمالً أخبث األساليب، فمثالً حني أراد جعل الدميقراطية نظام حكم كاتلبسه ثوب الشورى يف اإلسالم وعمد إىل تصوير نظام احلكم يف اإلسالم إنه نظام شورى، ومبا أن الدميقراطية هي نظـام

وملا كـان هـذا النظـام . شورى إذن فما على املسلمني إال أن جيعلوا النظام الدميقراطي نظاماً حلكمهم وقد جنح يف ذلكقراطي ال يتأتى تطبيقه إال مبنهج حياة يقوم عليه، وقاعدة أساسية تقوم عليها نظمه وقوانينه وتشريعاته كان ال بد مـن الدمي

. إجياد فكرة احلرية كأساس للنظام الدميقراطي ومل ينس كذلك أن يغلفها مبا ال يتناىف مع عقيدة املسلمني ومنهاج حيـام رية، وكانت مفاهيم الكرامة والعزة والسيادة من أجود الستائر واألغطية كي خيفـي فكانت فكرة التحرر غالفاً لفكرة احل

أهدافه وغاياته، حىت بلغ احلال باملسلمني أن تصبح هذه الفكرة من األفكار املقدسة عندهم بشكل عام، وعند مجهرة املثقفني اً، خترج اجلماهري مطالبة به ومضـحية يف بشكل خاص، وهل هناك أفظع من أن تصبح أهداف عدونا وغاياته مطلباً شعبي

وأصبح العمل إلعادة هذه اجلماهري إىل صواا والرجوع إىل عقيدا وقاعدا الفكرية من أشق . سبيله؟ دون وعي أو إدراكاألعمال وأصعبها بعد أن حتطمت املقاييس، واختلطت املوازين وامتزجت األلوان وغشت أعني الناس غشـاوة مل يعـودوا

.دى والضالل بني اإلسالم والكفريزون ا بني احلق والباطل، بني اهلمي

Page 21: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

21

حكم اإلسالم يف الدميقراطيةبعد استعراض فكرة الدميقراطية من كل جوانبها ومعرفة األساس الذي تقوم عليه، والعقيدة اليت نشأت عليها كان ال بد

ساً يف تقرير الصواب، ومعرفة احلق متاماً كما حاكمناها على من حماكمتها على أساس املسلمات العقيدية اليت جعلناها أساوقد أثبتنا مبا ال يدع جماالً للشك أا عقيدة ليست مبنية على العقل بل إا مبنية . أساس العقل، مث على أساس مطابقة الواقع

تنا أيضاً أا فكرة خيالية ال تنطبق على على احلل الوسط كما أثبتنا أيضاً أا فكرة خيالية ال تنطبق على احلل الوسط كما أثبالواقع أما اآلن وحنن يف معرض حماكمتها على األسس العقيدية، أي املسلّمات العقيدية فال بد من تقريـر مـا نعـين بـه

املطلق بكل اهللا، فإمنا يعين هذا التسليم ميان بال إله إال اهللا حممد رسولباملسلّمات العقيدية، فنحن مسلمون وعقيدتنا هي اإلفالدميقراطية رفضت أن . فما هي عقيدة الدميقراطية وما األسس اليت تقوم عليها كي نقرر احلكم؟. ما جاءت به هذه العقيدة

وقـد ). إن كان هناك إلـه (وفرضت عدم تدخل اإلله يف حياة الناس . تقرر حقيقة الوجود، وساوت بني اإلميان واإلحلادتامة، حيث قرر حقيقة الوجود يف العديد من آيات القرآن ايد، وجعل أساس اإلميان به هو ناقضها اإلسالم يف هذا مناقضة

اإلميان باهللا جلّت قدرته، وأنه هو خالق الكون واإلنسان واحلياة وأن هذه املخلوقات تستند بوجودها إليه، فهـو خالقهـا هل من خـالق [ :، وقال]أيام مث استوى على العرش اهللا الذي خلق السموات واألرض يف ستة[ومدبرها ومنظم قوانينها،

اهللا ويلّ الذين آمنوا خيرجهم من الظلمات إىل النور، والذين [ :، أما املساواة بني اإلميان واإلحلاد فإن اإلسالم يقول]غري اهللا. للكافرين عذاب السـعري ، وقد أعد اهللا للمؤمنني اجلنة، وأعد ]كفروا أولياءهم الطاغوت خيرجوم من النور إىل الظلمات

وأطيعوا اهللا وأطيعوا الرسول وأويل األمر [ :وأما عدم تدخل اإلله يف حياة الناس، فاإلسالم أمر أن تكون الطاعة له ولرسولههللا ما يف السموات وما يف األرض وإن تبدوا ما [ :، وبني أنه سيحاسب الناس على كل عمل يقترفونه يف هذه احلياة]منكم

كما بني . ]فمن يعمل مثقال ذرة خرياً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره[ :، وقال]أو ختفوه حياسبكم به اهللا يف أنفسكملإلنسان كافة األحكام والنظم اليت تسير أفعاله يف احلياة من حكم واقتصاد واجتماع وعالقات دولية إىل غري ذلك مما يلزم

ع ربه يف العبادات ويف عالقته مع نفسه يف املطعومات وامللبوسات واألخالق، ويف اإلنسان يف عالقاته الثالث، يف عالقاته معالقاته مع غريه يف املعامالت ونظم احلياة كاحلكم والسياسة واالقتصاد والعقوبات، ويف عالقات املسلمني مـع غريهـم

. كأحكام أهل الذمة، وأحكام احلرب واجلهاد واملعاهدات وغريهاراطية مصدر التشريع فجعلت السيادة للشعب، أي أن الشعب هو الذي يسن القوانني ويضع الـنظم وقد حددت الدميق

والدساتري، فجعلت لذلك سلطة تشريعية مهمتها وضع هذه النظم والقوانني، وهي ما يسمى مبجلس النواب أو الربملـان أو لون الشعب، فحني يضعون تشريعاً أو قانوناً إمنا يكون الكونغرس وكلها أمساء ملسمى واحد وادعت زوراً وتاناً أن هؤالء ميث

وهلذا كان األصل الذي تصر عليه يف التشريع هو جعل الشعب هو املشرع بغض النظـر عـن مطالبـة . الشعب قد وضعهمـا أما اإلسالم فإنه قد جعل مصدر التشريع هو الوحي من اهللا سبحانه وتعاىل، وهو. األسلوب أو الطريقة اليت حتقق ذلك

من القرآن والسنة وما أرشدا إليه، وقد نفى اإلسالم اإلميان عن أي إنسان أو مجاعـة تلجـأ يف rنزل على سيدنا حممد يريدون أن يتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا بـه، ويريـد [ :االحتكام لغري اهللا سبحانه وتعاىل، قال اهللا تعاىل

أفحكـم [ :والتحاكم إىل الطاغوت هو التحاكم لغري ما أنزل اهللا تعاىل، وقال أيضـاً ، ]الشيطان أن يضلهم ضالالً بعيداً، وحكم اجلاهلية إمنا هم االحتكام إىل مفاهيم النـاس وعـادام ]اجلاهلية يبغون، ومن أحسن من اهللا حكماً لقوم يوقنون

Page 22: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

22

، وكقوله ]راً أن يكون هلم اخلرية من أمرهموما كان ملن وال مؤمنة إذا قضى اهللا ورسوله أم[ :وتقاليدهم، كما قال كذلك .]فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم، مث ال جيدوا يف نفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً[ :تعاىل

ومن هذا يتبني أنه ال خيار للمسلمني يف التشريع والقضاء بل كله مردود إىل اهللا سبحانه وتعاىل وإىل الرسـول الكـرمي مث يشدد -أي األحاديث الشريفة-وسنة رسول اهللا -القرآن-صلوات اهللا وسالمه عليه، وهذا يعين الرجوع إىل كتاب اهللا

. يف هذا األمر حىت أنه لينفي اإلميان عن أي إنسان يلجأ لغري اهللا ورسوله يف أي أمر من أمور حياته، بل ويقسم على ذلـك بأن من ال حيكم اإلسالم الذي جاء ]فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك[ :نه وتعاىلوأي أمر أعظم من أن يقسم اهللا سبحا

يف أمور حياته، فقد انتفى عنه اإلميان، وخلع ربقة اإلسالم من عنقه، ومل يكتف باالحتكام فقط بل وبالتسـليم rبه حممد اً يف نفسه، فالقضية االحتكام إىل اإلسـالم املطلق بنتيجة احلكم، سواء وافقت هواه أو خالفته، وعلى شرط أن ال جيد حرج

فهل مصدر التشريع واحد؟ وهل القول أن السيادة للشعب كـالقول . والتسليم املطلق بالنتيجة، وانتفاء احلرج من النفسقل بالسيادة للشرع؟ وهل هذا يدل من بعيد أو من قريب على وجود تقارب بني اإلسالم والدميقراطية أم أما نقيضان، والع

فمصدر اإلسالم يف التشريع الوحي أي كتاب اهللا وسنة رسوله وال دخل لإلنسـان . السليم يقضي بعدم اجتماع النقيضني .فيه، ومصدر التشريع يف الدميقراطية قلة من الناس وال دخل للخالق فيه، إذن فال لقاء بني اإلسالم والدميقراطية أبداً

ذها تكئة للوصول إىل أهدافه هي تصويره لنظام احلكم يف اإلسالم أنه نظام شورى، أما الشبهة اليت تسلل الغرب منها واختوأنه يقوم على الشورى، مكتفياً ذا الدجل الرخيص ليدخل منه إىل قلوب الناس، كما صور كذلك أن الدميقراطية هـي

الدميقراطية، ونظـام احلكـم يف الشورى، ونظام احلكم فيها هو الشورى، مستغالً بذلك جهالة الناس يف نظام احلكم يفولذلك كان ال بد من إلقاء الضوء على . اإلسالم، وجهالة الناس كذلك مبعىن الشورى، سواء يف اإلسالم أو يف الدميقراطية

والغريب أن احليلة قد انطلت على الكثري من أبناء األمة، إن مل تكـن علـى . هذه الفرية السخيفة، وهذا الدجل الفاضح .من علماء وعمالء ومفكرين ومثقفني غالبيتهم

فالشورى ليست نظام حكم، بل وال نظام حياة، وليست معاجلة ألي عمل من األعمال وإمنا هي وسيلة أو أسـلوب أو كيفية تتبع يف التحري عن الرأي الصائب، حيث أن الشورى هي أخذ الرأي مطلقاً فحني يريد اإلنسان أي إنسان، حاكماً

اً أو موظفاً عامالً أو مزارعاً حني يريد التوصل إىل رأي يف مسألة ما، أو التبس عليهم معرفة رأي مبسألة ما، أو حمكوماً مديرفاحلاكم يرجع إىل . فإنه يرجع إىل من يأنس فيهم حسن الرأي والقدرة على معرفة الصواب يف مثل مسألته، ألخذ رأيهم فيها

راد، والقاضي يرجع إىل الفقهاء واتهدين ملعرفة رأي يف مسألة قضـائية، مستشاريه وهم من هلم خربة بشؤون احلكم إن أواملهندس يرجع إىل من هلم خربة يف اهلندسة، والطبيب يرجع إىل من هلم خربة يف الطب وهكذا، وال يصح مـن أحـد أن

يسأل عاملاً عن فعالية طائرة يرجع إىل أناس ليس هلم خربة أو إطالع يف مسألته ليسأهلم عنها، وهل يصح من قائد جيش أن ما، أو صاروخ ما، فإن فعلها كان سخيفاً وال جيوز له أن يكون قائد جيش، وهل يصح تهد أن يسأل مهندساً يف قضـية شرعية التبس عليه فهمها دون أن يكون هلذا املهندس إطالع على الفقه والتشريع، فاملسألة إذن هي أخذ الرأي ممن هم مظنة

:وباستعراض األمور اليت تدفع إىل الشورى وأخذ الرأي نرى أا ال تعدو ما يلي. ندهم الرأي الصواب يف املسألةأن يكون عومبثل هذا احلال فإن أهل اخلربة يف هذه املسألة هم الفقهاء، فقد يتدارس مع أهل هذا الفن حىت :أخذ رأي تشريعي: أوالً

طريق الدليل الذي استدل به املشري أو الفقيه، ال بناء على رأيه الشخصي، يصل إىل رأي هو أقرب إىل الصواب، ولكن عن فمقياس األمور الشرعية، األدلة والقواعد اليت يؤخذ منها الرأي أو احلكـم، وال عـربة . أو اتفاق عدد من هؤالء على رأي

Page 23: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

23

قط وخالفه مجهور الفقهاء، فال عربة للكثرة أو القلة يف الوصول إىل الصواب فقد يكون الرأي الصائب قد انفرد به واحد ف .ملخالفتهم له

وهذا يتطلب كذلك أخذه من أصحاب ذلك الفن أي أصحاب االختصاص يف ذلك الفن سـواء :أخذ رأي فين: ثانياً. عـة أكان يف اللغة، أو يف الطب أو يف اهلندسة أو التعدين أو التنقيب عن البترول أو كان يف فن املالحة أو التجارة أو الزرا

.فالعربة لرأي أصحاب االختصاص، وال قيمة إطالقاً ملن ال يعرفون ذلك الفنويف هذا يرجع إىل مجهرة الناس ملعرفة مدى محاسهم واستعدادهم للقيام ذا األمر، ويف :أخذ الرأي للقيام بعمل: ثالثاً

.مثل هذا احلال فقط يصار إىل رأي األكثريةوهي عملية فنية كذلك وحتتاج إىل قدرة غري عادية يف اللغـة :وتثبيت مصطلحات أخذ الرأي لوضع تعاريف: رابعاً

هذا جممل أخذ . املستعملة، ومعرفة الواقع، حىت يكون التعريف جامعاً مانعاً، واملصطلح منطبقاً على واقعه، أما غري ذلك فالويف مجيع املبادئ فهي عمليـة فنيـة عامليـة، الرأي يف مجيع الدنيا، ويف مجيع األنظمة، ويف مجيع املؤسسات والشركات،

وأسلوب ميكن التوصل به إىل أقرب نقطة من الصواب أو الصواب، وهي صالحية صاحب الصالحية ألنه هو احملتاج ملعرفة الصواب لتسيري عمله براحة واطمئنان فإن كانت األمور واضحة عنده فإنه ال جيد ضرورة ألخذ الرأي ما دام الرأي واضحاً

.ندهعوليست هناك قوة تلزمه على االستشارة ألن االستشارة هي ملعرفة الرأي فإن كان الرأي واضحاً فقد انتفت العلة وانتفى

أوهي قاعدة من قواعد احلكم فهو . ولذلك فإن القول بأن الشورى نظام حكم أو عليها يقوم نظام احلكم. احلكم بانتفائهاخذ الرأي مطلقاً، وكما جتوز من احلاكم جتوز من الشرطي، وكما جتوز من األستاذ فالشورى أ. قول باطل، وفرية مفضوحة

جتوز من الطالب، وال يرجع املرء فيها إال ملن هم مظنة يفيدوه فيما ذهب الستشارم فيه، وما سوى ذلك فهو ضرب مـن ل الدميقراطية باعتبارها تقوم علـى اجلنون فهي ليست نظام حكم وإمنا وصفت به، ووصف اإلسالم ا لدفع املسلمني لتقب

. الشورى وباعتبار اإلسالم يقوم على الشورى. أما نظام احلكم يف اإلسالم فهو نظام متميز ال يشبهه نظام، وال يشبه أي نظام، ال من حيث مصدره فمصدره الـوحي

وكل شيء فيه كذلك . ه الوحيوال من حيث قواعد وال يف أركانه وأجهزته، أو صالحية كل ركن أو جهاز فالنظام مصدر .أما الدميقراطية فمصدرها الناس وكفى. مصدره الوحي

غاية الغرب من طرح فكرة احلريةيف الوقت الذي طرح الغرب فيه فكرة الدميقراطية كنظام حكم، وضغط على الدولة العثمانية العتمادها كنظام حكم يف

نظام احلكم يف اإلسالم هو نظام الشورى، واستطاع إرغام الدولة علـى الدولة العثمانية، حتت شعار الشورى، مصوراً أنذلك، بواسطة أبنائها، كما استطاع احلصول على فتوى من شيخ اإلسالم مفادها أن ما ال خيالف اإلسالم فهو من اإلسالم،

ـ التحرر والتحريـر، حـىت وأدخل حتت هذه الفتوى الكثري من نظمه وقوانينه، طرح يف الوقت نفسه فكرة احلرية مغلفة بأصبحت من األفكار األساسية اليت تتسابق عليها األحزاب والتكتالت تتربك ا، فتجعلها شعاراً هلا، حىت األحزاب الشيوعية

وأول من وضع هذا الشعار حزب االحتاد والترقي، ذلك الشـعار . اليت ال تؤمن باحلرية جعلتها شعاراً هلا وهدفاً من أهدافهاحرية، عدالة، مساواة، وتبعته األحزاب األخرى وما زالت إىل يومنا هذا تتسابق عليه، حىت امتزج هذا الشعار بأمساء املشهور

Page 24: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

24

الكثري منها، ومل تكتف األحزاب املكلفة ذا األمر جبعلها شعاراً بل أدخلتها مبعناها احلقيقي هلا كأساس جيب توفره للفرد يف ر األساسية اليت تنادي ا األحزاب، وحتملها مجهرة املثقفني، وأدخلت مبدلوهلا يف دساتري أيديولوجيتها، وأصبحت من األفكا

كافة الدول اليت قامت على أنقاض الدولة العثمانية، وما زالت كذلك، بل وأصبح اإلسالميون يتسابقون على املناداة ـا، ن اإلسالم جاء لتحرير اإلنسان، وأن اإلنسان خلـق حـراً، وتزيني أفكارهم بلباس ثوا، وقالوا بأن اإلسالم دين احلرية وأ

كما زادوا على ذلك مبخادعة " مىت استبعدمت الناس وقد ولدم أمهام أحراراً" :tوقالوا مستدلني بقول عمر بن اخلطاب ة اإلنسان إىل عبودية الناس بالتالعب باملعىن، وإضفاء معان جديدة هلا، كالذي يقول إن احلرية هي حترير اإلنسان من عبودي

الديان، أو الذي يقول حترير اإلنسان من عبودية شهواته، وقالوا حترير اإلنسان من العادات والتقاليد البالية، وقالوا حتريـر الشعوب إىل غري ذلك من التعابري اليت مسمت األجواء بلبلت األفكار مما زاد الطني بلة، وأصبحت ضغثاً على أبالة، وصـار

عن أذهان املسلمني أمراً عصيباً، يتطلب الكثري من اجلهد واملعاناة، وذا يكون الغرب قد جنح جناحاً بـاهراً جبعـل أبعادهااألساس الذي يقوم عليه مذهبه مطلباً أساسياً عند الناس، حىت أخذ عند البعض دور العراقة والتركيز، ليس بالـدعوة إليـه

ميارس مجيع الناس أعماهلم حبسبه، ما دام الدستور والقانون قد نص علـى ذلـك فقط، بل بالعمل واملمارسة، بل كاد أن وأصبحت فكرة احلرية يف كثري من األمور وعند الكثري من الناس مقياساً تقاس عليها األفكار واألعمال، مما أدى إىل إباحة

باحاً وحيميه القانون، ويرغم األهل على قبوله، الكثري من احملرمات، وتقبل الناس للكثري من املوبقات، فصار الزنا بالتراضي موصارت اخلمرة مباحة، بشرا وصنعها، وبيعها ومحلها حبماية القانون كذلك، وصار الربا والتعامل به عصب االقتصاد يف

علـى البالد، فمألت املؤسسات الربوية، شوارع املدن، وأحياءها وكانت الشركات الرأمسالية هي النموذج احلي الواجب وموجز القول أن مقياس األعمال عند الناس قد حتطم فبدالً من استعمال مقياس احلالل واحلرام، صار مقياس . الناس احتذاؤه

وقد نصت على ذلك دساتري وقـوانني مجيـع . احلرية، وعدم االعتداء على اآلخرين هو املقياس األوحد، إال من رحم ريبوله أشد بالء على اإلسالم واملسلمني من أن جتعل احلرية . ن استثناء ولكن بتفاوت بينهاالدول القائمة يف العامل اإلسالمي دو

أساساً تقاس عليه األعمال، ومصدراً يستند إليه حني التشريع، ودعوة تشمل مجيع األمة حىت باتت مقدسة يف نفوسهم، مما .اضطر علماء املسلمني أن يتمسحوا ا، وحياولوا صبغ اإلسالم بصبغتها

وهل هناك جناح للغرب أكرب من هذا النجاح، الذي مكنه من جعل فكرته ومنهج حياته يف العيش هو املنهج الذي يسري .وكأنه قد رد لنا الصاع صاعني. عليه الناس، والفكرة اليت يهتدون ا عن رضى واختيار

وصف اإلسالم بأنه دين الدميقراطيةيداً حني وصفوا اإلسالم بالدميقراطية، أو أنه دين الدميقراطية، أو أن الدميقراطيـة لقد ذهب الكثري من علماء املسلمني بع

منهاج حكم استنبط من القرآن، أو منهج عيش كامل استنبط من القرآن، ومنهم من حاول التدليل على صحة ما ذهب إليه :نصنف هؤالء إىل أربعة أصنافأو من سرية اخللفاء الراشدين ونستطيع أن rببعض احلوادث من سرية رسول اهللا

فئة خبيثة تدرك حقيقة اإلسالم، وتدرك حقيقة الدميقراطية فألبست الدميقراطية ثوباً قشيباً، وزينتها بزينـة :الفئة األوىلالشورى، فقالت إن الدميقراطية نظام حكم ومنهاج حياة يقوم على الشورى والشورى هي السبيل األمثل ملعرفة الصواب،

فاحلكم فيها يقوم على الشورى، وسن القوانني يقوم على الشورى، ووضع النظم واملعاجلات يتم . إىل أفضل اآلراء والتوصل :بالشورى والتتشاور، واإلسالم كذلك هو نظام حكم ومنهاج حياة يقوم على الشورى، فاهللا سـبحانه وتعـاىل يقـول

Page 25: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

25

كان ال ينفذ r، كما أن رسول اهللا ]زمت فتوكل على اهللاوشاورهم يف األمر، فإذا ع[ :، ويقول]وأمرهم شورى بينهم[ما خاب من استخار وال ندم « :كان أكثر الناس استشارة وكان يقول rإىل أمر حىت يشاور أصحابه، وقالوا أن رسول اهللا

بدر، وقد يف معركة بدر ونزل على رأي أحد أصحابه حني نزل على أدىن ماء من r، وقد استشار رسول اهللا »من استشارأشريوا علي أا الناس فقام أبو بكر فقال وأحسن، وقام عمر بن اخلطاب فقـال « :استشار أيضاً يف تلك املعركة حني قال

كأنك تعنينا يا رسول اهللا واهللا لو استعرضت بنا هذا البحـر فخضـته : وأحسن مث قام املقداد ابن عمرو األنصاري قال لهحد، وإنا لن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل ملوسى اذهب أنت وربك فقاتال أنا ها هنا خلضناه معك ما ختلف منا رجل وا

ومثل هذه احلوادث الكثري مما جعلت فريتهم تنطلـي . »قاعدون بل نقول لك اذهب أنت وربك فقاتال إنا معكما مقاتلون . على الناس

لني حقيقة الشـورى يف اإلسـالم وجـاهلني حقيقـة فئة انطلت عليهم احليلة فحملوها خملصني هلا جاه :الفئة الثانيةالدميقراطية، فظنوا حقيقة أن اإلسالم دميقراطي، وأخذوا ينادون بذلك، ومل يدر خبلدهم أمر بسيط كـان األوىل ـم أن يدركوه ألنه من البساطة غين عن البيان، كان يكفيهم أن ينتبهوا إىل مصدر الدميقراطية، ومصدر اإلسالم فـإن اختلـف املصدران كان االختالف حقيقة، وال جيوز أن يقال أن هذا غري ذلك، وبنظرة بسيطة ال حتتاج إىل الكثري من العمق والتدبر

مل يكن ليعطي أمراً يف مسألة ما حـىت rيدركون أن مصدر اإلسالم الوحي وال شيء غري الوحي، وكيف أن رسول اهللا إن هو إال وحي [ :ألة مل يرتل حكمها، وما منهم من أحد إال قرأ قوله تعاىلوقد كان ينتظر الوحي يف مس. يرتل الوحي ا

، وقد تعددت احلوادث اليت سئل فيها رسول اهللا ومل جيب حىت فاقت احلصر، فأين هي الشـورى واالستشـارة يف ]يوحىيتبني هلـم الدميقراطية حىتكان يكفي القائلني بذلك االلتفات إىل مصدر التشريع يف اإلسالم ومصدره يف . جمال التشريع

أما جهالتهم بالدميقراطية، فليس هلم العذر فيها ذلك ألا نظام حكم ومنهاج حياة يطبق اآلن علـى .بطالن ما ذهبوا إليهكثري من دول العامل، والدول اليت يعيشون فيها، ومن أبسط األمور أم ال بد مسعوا عن ما يسمى باهليئة التشريعية، أو اهليئة التأسيسية وال بد أم لو أمعنوا النظر قليالً لعرفوا أن اهليئة التأسيسية تقوم على وضع الدستور، كما تقوم اهليئة التشـريعية بسن القوانني واألحكام وكافة التشريعات، فكيف ميكن التوفيق بني شرع نزل من عند اهللا سبحانه وتعـاىل وتشـريعات

. وضعية تقوم فئة من الناس بوضعها. وأما جهالتهم بالشورى، ولو أن فيها بعض العذر وذلك مما عمت به البلوى إال أن األمر ال حيتاج إىل كثري من العمـق

يف التفكري، والسعة يف اإلطالع، فإنه من حياتنا اليومية، ومن تصرفات أبسط الناس حني حيريه أمر فإنه يلجأ إىل استشارة من جتربة، أو عنده علم يف مثل هذه األمور فحني ميرض اإلنسان فال يذهب إىل املهندس، أو يرى عنده الصواب، أو من له سابق

امليكانيكي ألنه يعرف مرض السيارة أو إىل البيطري ألنه يعرف مرض احليوانات، بل يذهب إىل الطبيب البشـري أو إىل الرياضيات أو إىل عامل باللغة العربية، أو إىل وحني يسأل عن مسألة شرعية فال يذهب إىل أستاذ . الطبيب املختص مبثل مرضه

أستاذ التاريخ أو اجلغرافيا، بل يذهب إىل أقرب فقيه أو عامل بالشريعة يسأله عن مسألته وهكذا، وهذا مما يشاهد كل يوم يف ي، وأدلتـها وعلماء املسلمني مجيعاً يعلمون أن األحكام الشرعية وهي من اختصاصهم، أن مصدرها الـوح . حياتنا اليومية

النصوص الشرعية أو ما انبثق عنها من قواعد أصولية، أو قواعد كلية أو قواعد عامة، وال جيوز مطلقاً الرجوع فيهـا لغـري ذلك، كما يعلمون أن نظام احلكم والنظام االقتصادي والنظام االجتماعي والسياسة الداخلية والسياسة اخلارجيـة كلـها

التشريع مثلها مثل أحكام العبادات كالصالة والصيام والزكاة واحلج، ومثلها مثل أحكام أحكام شرعية، وتؤخذ من مصادر

Page 26: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

26

فكيف ميكن أن نستشري يف هذه األمور من ليس له معرفة ا، إذن كان ال بد من . األخالق، وأحكام املعامالت سواء بسواء بأن نظام احلكم يف اإلسالم يقوم على الشورى فإن وملا كان ادعاء القائلني. حتديد معىن الشورى ومىت تستشري ومن تستشري

هذا االدعاء باطل، حني أدركنا يقيناً أن نظام احلكم يف اإلسالم وأحكامه وتشريعاته ما هو إال جمموعة من األحكام الشرعية ة واإلرث وغري ذلك مستنبطة من أدلتها التفصيلية مثلها مثل أحكام النظام االجتماعي وتشريعاته كالزواج والطالق والنفق

ومن هنا كان ال بد هلؤالء العلماء املخلصني أن يدركوا حقيقة هذا األمـر وأن يتـداركوا أمـرهم بالتوبـة . سواء بسواءواالستغفار، وأن ال تأخذهم العزة باإلمث، وأن يبادروا إىل توعية الناس إىل خطورة هذا األمـر، ووجـوب التفريـق بـني

عالن للناس أن الدميقراطية نظام كفر، وأنه ال عالقة هلا باإلسالم بل هي مناقضة له وخمالفة ألصوله الدميقراطية واإلسالم واإل .وأحكامه

وهي الفئة اليت أحبت اإلسالم وأخلصت له، فإا حني رأت بعد الناس عن اإلسالم واندفاع الشـباب إىل :الفئة الثالثةين رت أعينهم األضواء املسلطة على الدميقراطية واحلرية واالشتراكية ورأت األفكار املستوردة، واملفاهيم الفاسدة، من الذ

بأم عينها مجود علماء املسلمني وتقصريهم عن مواكبة أحداث العصر ومشاكله فاندفعت تستصرخ الناس للعـودة إىل اهللا، اً واعية زين هلا إمياا أن تصف اإلسـالم وملا مل جتد آذاناً صاغية، وقلوب. وتستثري مهم الشباب بالتمسك باإلسالم وتعاليمه

بشىت األوصاف حماولة تقريب اإلسالم إىل أذهان الناس وقلوب الشباب فوصفته بأنه دميقراطي، وهي تعلم أو ال تعلم بأنـه ء نقيض الدميقراطية، ووصفته بأنه دين احلرية والتحرر،وقالت أن اإلسالم جاء لتحرير اإلنسان من عبودية اإلنسـان، جـا

لتحرير اإلنسان من عبودية الشهوات، ووصفته بأنه دين االشتراكية والعدالة االجتماعية حىت اسـتدلوا بقـول الشـاعر وذهبوا يف هذه األمور »الناس شركاء يف ثالث املاء والكأل والنار« :rواستدلوا بقول رسول اهللا " االشتراكيون أنت إمامه"

م من قلوب الشباب وعقوهلم، ويعيدوم إىل حظرية اإلسـالم والتـزام أفكـاره كل مذهب ظناً منهم أم يقربون اإلسالوأحكامه، إال أن النتيجة كانت على العكس متاماً مما أرادوا فإم ولثقة الناس بإميام وإخالصهم أعطـوا فتـوى للنـاس

لدميقراطية واحلرية واالشتراكية أهـدافاً إم بعملهم هذا، جعلوا ا. وللشباب جبواز اعتناق هذه املبادئ، ومحل هذه األفكارعليا وغايات سامية ما دام اإلسالم يقرها أو أا هي روح اإلسالم، والغاية اليت جاء اإلسالم من أجل حتقيقهـا يف اتمـع

وتأويالت فلينظر هؤالء العلماء ما كانت نتيجة فتاويهم، " من عبد اهللا عن جهل فقد عصاه"واألمة، وصدق ما جاء يف األثر آرائهم، فما مثلهم إال كمثل الذي ذهب إىل السوق ليبيع بقرة له، وكاد أن ينقضي النهار دون أن يبيعها فأتاه صديق لـه

فاستصوب رأيه وأخذ ينادي عليها . يا هذا أال تنادي على بقرتك أا حامل، ومن عادا أن تلد عجلة أو عجلتني: وقال لهوما أن مسع أهل السوق ذلك حىت بادروا إىل شرائها بثمن جيد يرضيه وملا عاد إىل بيته تذكر ما مبثل ما أرشده إليه صاحبه،

حصل معه يف سحابة يومه، وتركزت يف ذهنه صورة ما جيمع الناس على السلعة فها هو حني أعلن عن بقرته أا حامـل، ذه الفكرة يف ذهنه، وحاول أن جيعلها مقياساً ألفعاله، وأا كعادا ستلد عجلة أو عجلتني بادر الناس إىل شرائها، تركزت ه

وقاعدة لتصرفاته، معتمداً على عقله يف معرفة األشباه والنظائر، وكانت التجربة األوىل، كانت له ابنة عزيزة على قلبه بلغت ، فتأخر زواجها فبدأت سن الرشد، وأخذ يتطلع إىل اليوم الذي تصبح فيه عروساً وربة بيت، ولكن احلظ مل حيالفها مبكراً

وساوس الشيطان تقض مضجعه، وخوفه من أن متسي عانساً مأل عليه تفكريه، واحتار يف أمره فقد عرض ا أمام الكثري من .م إليها أحد، ومل يطلب يدها شابمعارفه، وتودد إىل الكثري من الشباب، ومع ذلك مل يتقد

Page 27: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

27

وقياس األمر باألمر معتمداً على عقله، فقال يف نفسه ما دامت العلـة يف ومن هنا كانت حماولة معرفة األشباه والنظائر،قبول الناس شراء البقرة، وما شاهده من الناس من حتريهم عن محلها وإجناا، سواء بقرته هو، أو شياه غريه وأبقارهم، مـا

وم التايل أخذ بيد ابنته وخرج ا إىل ويف صبيحة الي. إذن فعليه أن يتصرف -احلمل واإلجناب-دامت هذه هي العلة يف ذلك من يتزوج فتاة ودوداً ولوداً، حبلى يف شهرها الرابع قد تلد طفالً أو طفلني،: السوق وجتمعات الناس، وأخذ ينادي يف الناس

ولئك هذه حال أ ،]قل هل ننبئكم باألخسرين أعماالً الذين ضل سعيهم يف احلياة الدنيا وهم حيسبون أم حيسنون صنعاً[ .الناس الذين أرادوا تزين اإلسالم بتشويهه واموه بالدميقراطية أو احلرية، وهو املرته عن هذه اخلبائث

تلك الفئة اليت أحبت نفسها فاختذت من اإلسالم ووصفه بالدميقراطية واحلرية واالشـتراكية سـلماً :وأما الفئة الرابعةلفئة احملبة لنفسها، الوصولية بتحقيق أهدافها حني أحست أن الناس قد أقبلوا ترتقي عليه، وتصل منه إىل ما تصبو إليه هذه ا

على الدميقراطية، وتشدقوا مبفاهيم التحرر واحلرية قفز هؤالء النفر إىل املقدمة، فدجبوا املقاالت وقدموا البحوث، وأعـدوا ل صوم إىل مجيع الناس، وليسمع أسـيادهم مـن الدراسات إلثبات أن اإلسالم هو الدميقراطية بعينها، واعتلوا املنابر ليص

احلكام ومن ورائهم ما يقولون لكي يرضوا عنهم، وينعموا عليهم مبنحة، أو يلقموهم وظيفة، أو حيققوا مصلحة، هذه ناحية، ذ قيادـا وأما الناحية الثانية واليت عن طريقها قد حتقق األهداف األوىل، وهي استقطاب اجلماهري والتالعب مبشاعرها وأخ

". نعوذ باهللا من أبالسة العلماء"هذه الفئة اليت قيل فيها . وذلك لتسيريها يف اخلط الذي رمسته مصاحلهم أو رمسه هلم أسيادهمهذه فئات أربع من علماء املسلمني اشتركت مجيعها يف تشويه حقيقة اإلسالم، واإلساءة إليه سواء عرفـوا ذلـك أم مل

عن أقوال العلماء الذين قالوا جبواز الدميقراطية وعدم مناقضتها لإلسالم، دون التعرض إىل أمسائهم هذه حملة موجزة. يعرفوهأو أقواهلم بالتفصيل، ويكفي دائماً يف كل حبث أن يوضع اخلط املستقيم أمام اخلط األعوج، فالعربة يف القول ال يف القائل،

لشاهد يف قصة سيدنا يوسف كما وردت يف القرآن الكرمي فإنه مل يتعرض ولنا يف شهادة ا. والقول الفصل يف احلجة والربهانملكانة الشاهد وال صدق أقواله، بل اكتفى القرآن الكرمي ببيان الشهادة وذكرها على الوجه الذي يبني فيه احلق، وحيكم به

سوء إال أن يسجن أو عـذاب ما جزاء من أراد بأهلك [ :العقل، فقال رداً على دعوى السيدة حني امت يوسف بقوهلاإن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبني وإن كان قميصه قد فكـذبت وهـو مـن [ :، وقال الشاهد]أليم

ان عليه أن يضع هذا اخلط الصحيح حوى الشهادة ال من شخصية الشاهد،، وكان على السيد أن يتحقق من ف]الصادقنيوعلى أساس هذه القاعدة آمل أن يلحظ . ]إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم[ : له قالفلما تبني -اخلط األعوج-أمام قوهلا

إن الباطل كـان [ :املسلمون فحوى هذا الكالم فيضعونه أمام اخلط األعوج إلبراز احلقيقة، وإحقاق احلق وإزهاق الباطل .]زهوقاً

حكم اإلسالم يف احلريةأو إكراه أو ديد، وهذا املعىن وإن كان ليس موجوداً يف واقع احلياة بشكل قلنا إن احلرية تعين ممارسة اإلرادة دون ضغط

عام، إال أنه بالرغم من كافة القيود اليت وضعت له ما زال هو املعىن الوحيد لكلمة حرية، وقالوا احلرية املقيدة، وقالوا احلرية ، فقد بقي املعىن األساسي هلا وهو ممارسة اإلرادة دون قيد املوجهة، وقالوا احلرية املسرية بالقوانني، إىل غري ذلك من الصفات

أو شرط، مع مراعاة القوانني والنظم، ومراعاة عدم املساس حبرية اآلخرين فهل هذه املعاين تتفق وما جاء به اإلسالم؟

Page 28: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

28

صفة يتصف ـا إن األساس الذي جاء به اإلسالم يقضي بأن يكون املسلم عبد هللا تعاىل، وأعظم مكرمة وأكرم :أوالًكان وصفه أنه عبد اهللا ورسوله موضع فخر واعتـزاز، rاملسلم أن يكون عبداً هللا تعاىل، حىت األنبياء ومنهم سيدنا حممد

وصفة العبودية هذه تتناىف مع ممارسة السيادة دون ضغط أو إكراه فاإلنسان . ومن كمال العبودية أن يطيع العبد أوامر املعبودلتزم ألوامره ميارس إرادته بالتقيد ذه األوامر والنواهي، نعم إنه ميارس إرادته كي يستحق املثوبة والعقاب تبعاً املؤمن باهللا امل

وهلذا فإن املسلم حني يلتزم ذلك . إىل تقيد هذه املمارسة باألوامر والنواهي، وليست املمارسة تبعاً للهوى وإشباع الرغبات .إمنا خوفاً وطمعاً

ارسة اإلرادة يف أحكام التخيري وإن كان يبدو فيها احلرية يف العمل، إال أا ختتلف كلياً عن ذلك فأحكـام إن مم :ثانياًفإن فعل فتبعاً لألمر، وإن امتنـع . التخيري، وأعين املباحات، إمنا هي إجازة من اهللا سبحانه وتعاىل لإلنسان بالفعل أو الترك

ل واألشياء إمنا هي فضل من اهللا تعاىل ونعمة ترك لنا فيها االختيار بني الفعل والترك، فتبعاً لألمر كذلك، فاملباحات يف األفعا .أما احلرية فإمنا تعين اتباع اهلوى وإشباع الرغبة، فهي ممارسة إرادة مطلقة وليست إذن بالسماح والتخيري بني الفعل والترك

ال [ :، وقـال ]بدوا ما يف أنفسكم أو ختفوه حياسبكم به اهللاهللا ما يف السموات وما يف األرض وأن ت[ :قال تعاىل :ثالثاًفمن يعمل مثقال ذرة خرياً يره ومن يعمل مثقال [ :، وقال]يكلف اهللا نفساً إال وسعها هلا ما كسبت وعليها ما اكتسبت

. من نفع أو ضرر واخلري هو ما وافق الشرع، والشر هو ما خالف الشرع، بغض النظر عما يرى اإلنسان فيه. ]ذرة شراً يرهوكل إنسان ألزمناه طائرة يف عنقه وخنرج له يوم القيامـة [ :، وقال]ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد[: وقال تعاىل

rأبعد هذه كله ومثله الكثري هل هناك قول لرسول اهللا . ]كتاباً يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباًرفع عن أميت اخلطأ والنسيان وما حدثت به نفسها ما مل تقل أو « :يقول فيه rبل هناك قول لرسول اهللا يف جمال احملاسبة،

فهذا رسول اهللا يبني لنا ما تفضل به علينا رب العـاملني »رفع عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه« :وقال »تفعلصل احملاسبة على كل شيء ولكنه وهو املغفور الرحيم تفضل علينا حيث أن األ. فرفع عنا بعض األمور واستثناها من األصل

فرمحنا وعفا عنا يف بعض األمور ورفع احلرج عنها، مثل اخلطأ والنسيان وحديث النفس وأوضح ما جاء يف هذا الباب قوله r: »فأين هي احلرية؟ وأين هي ممارسة اإلرادة تبعاً للهوى؟ »وعفا عن أمور رمحة بكم غري ناسني.

إن احلريات العامة واليت تتلخص حبرية االعتقاد وحرية العمل والتملك وحرية الرأي واحلرية الشخصية قد حـدد :رابعاًفحرية االعتقاد إمنا تعين أن يعتقد اإلنسان ما يشاء وله أن يتخلى عن عقيدته ويعتنق غريها مىت يشاء، . اإلسالم موقفه جتاهها

دين عن الدولة إن يشاء، فال جيوز مطلقاً ألحد أن يكرهه على اعتقاد معني، أو أن جيـربه يلحد مىت يشاء، ويعتقد بفص الفحكم املرتد يف اإلسالم غـين عـن »من بدل دينه فاقتلوه« :rقال . على ترك عقيدة معينة، فماذا قال اإلسالم يف ذلك

فع الذي يريد، وأن ميتلك أية مادة يريد دون قيد التعريف، وحرية العمل والتملك تعين أن يزاول الفرد أي عمل حيقق منه النأو شرط، إال أم اشترطوا أن تكون الوسيلة اليت مت ا االمتالك ال تؤدي إىل اعتداء على حرية اآلخرين وممتلكام، فله أن

غري ذلك، هذا مـن يكون راقصاً أو مغنياً أو صاحب ناد ليلي، كما للمرأة أن تزاول أي عمل تريد، كاالجتار بأنوثتها أوحيث العمل أما من حيث االمتالك وما ميكن أن ميتلك، فاحلرية أن متتلك ما تشاء من أشياء سواء أكانت مخراً أم خرتيراً أم

فقد ى اإلسالم عن أي عمل حمرم، وحـدد . صنعاً أم أي شيء آخر دون قيد أو شرط، وهذا مناقض متاماً ملا عليه اإلسالم .ز له أن ميتلك ا، واألعيان اليت ال جيوز له امتالكهااألعمال اليت جيو

Page 29: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

29

فقد حرم البغي والبغاء، وحرم الكسب ما، كما حرم القمار، وعصر اخلمر وبيعه واالجتار به إىل غري ذلك من األعمال ة، بل ومنع امتالك وفرض عليها العقوبات الصارمة، وى عن امتالك ما هدرت قيمته كاخلمر وحلم اخلرتير واالنتفاع بامليت

وحدد األسباب األساسية للتملك كالعمل واهلبة واهلدية واإلرث واملال من أجل احلياة وما . األفراد ملا هو من امللكية العامةوإنه وإن أجاز امللكية الفردية إال أنه حدد مفهومها فقال إن امللكية هي إذن الشـارع باالنتفـاع . تعطي الدولة من أمواهلا

ومن هذا يظهر مناقضة اإلسالم حلرية . فكانت امللكية والتملك بإذن من الشارع وليس ممارسة للهوى وإشباع للرغبة بالعني، . العمل واالمتالكوتعين أن ميارس اإلنسان إرادته يف نقد أو نقض أي رأي خيالف عقله أو هواه، وليس ألحد احلق مبنعه من :حرية الرأي

وأما اإلسالم فإنه حني أعطى للمسلم حق إبداء رأيه يف أية مسألة قيده بأن . ي خمالف ملا يريدذلك أو إجباره على إعطاء رأيكون رأيه منبثقاً عن عقيدة اإلسالم أو مبنياً عليها، بل وفرض عليه األمر باملعروف والنهي عن املنكر، واملعروف هو ما جاء

تأمرن باملعروف ولتنهون عن املنكر أو ليسلطن اهللا عليكم من ل« :rبه الشرع، واملنكر هو ما خالف الشرع، ولذلك قال ، وقال رداً على من سـأله أو »الساكت عن احلق شيطان أخرس« :، وقال»ال يرمحكم مث يدعو خياركم فال يستجاب هلم". »هموحيك وهل يكب الناس على مناخرهم يف جهنم إال حصائد ألسنت« :rمؤاخذون حنن على ما نقول قال رسول اهللا

وال يغتب بعضكم بعضا أحيب أحـدكم أن [ :كما ى عن الغيبة وهي أن تذكر أخاك مبا يكره وإن كان فيه، فقال تعاىل . ، فهل هذه هي احلرية، أم أا قيود شديدة على كل كلمة نقوهلا]يأكل حلم أخيه ميتا فكرهتموه

ترك اإلنسان أن يتخذ إهله هواه، ينطلق من زاوية واحدة أما احلرية الشخصية، وهذه شر البالء، وهل هناك أسوأ من أن تإال وهي إشباع كافة رغباته اجلسدية دون أدىن اعتبار أو التزام، وقد أمجعت كافة قوانني العامل على ذلك إال اإلعالم الذي

امجع اتهدون كافة علـى قيد أفعال اإلنسان كافة، وجعل الزاوية اليت ينطلق منها إلشباع رغباته هي احلالل واحلرام، وقد : وجعل األحكام الشرعية اليت تعاجل هذه األفعال هي" أن األصل يف أفعال العباد التقيد باحلكم الشرعي"قاعدة

كالصوم والصالة واجلهـاد . ومنه الواجب وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه وهو ما أمر اهللا بفعله أمراً جازماً :الفرض .عوة وغري ذلك مما أمر اهللا به أمراً جازماًوصلة الرحم ومحل الد

.وهو ما يثاب فاعله وال يعاقب تاركه مثل النوافل يف العبادات وعيادة املريض وقراءة القرآن :املندوب .وهو ما خري العبد فيه بني الفعل والترك كاألكل واملشي والترته والعمل والتجارة :املباح .ياً غري جازم وهو ما يثاب تاركه وال يعاقب فاعله مثل أكل البصل، والتداوي باحملرموهو ما ى الشارع عنه :املكروه .قتل والزنا وأكل الربا وغري ذلكوهو ما ى الشارع عن فعله تاً جازماً، وهو ما يستحق فاعله العقوبة كال :احلرام

:، وقـال ]نا عليك الكتاب تبيانا لكل شـيء ونزل[ :وال يوجد فعل واحد ليس له يف اإلسالم حكم يبينه، لقوله تعاىلفهل بعد هذا البيان من بيان، ويف أي جمال . ]اليوم أكملت لكم دينكم وأمتمت عليكم نعميت ورضيت لكم اإلسالم ديناً[

. ميارس اإلنسان إرادته، إال أن يكون قد حتلل من ميثاق اإلسالم وابتعد عنه .م وأحكامه فأين هي نقاط االلتقاء أو التقارب؟هذا هو واقع احلرية وهذا هو واقع اإلسال

احتكام اإلنسان إىل عقل اإلنسان وما يضع من تشـريعات، وأمـا -كالدميقراطية–وموجز القول أن احلرية إمنا تعين ـ نة اإلسالم فهو احتكام اإلنسان إىل الشرع أي إىل الوحي أي إىل ما أنزل اهللا سبحانه وتعاىل من قرآن وما أوحى به من س

ومن مل حيكم مبا أنزل [، ]ولئك هم الكافرونأومن مل حيكم مبا أنزل اهللا ف[ :، ولذلك فهو يقولrعلى لسان نبيه حممد

Page 30: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

30

والدميقراطية تقول السيادة للشعب، وأمـا . ]ومن مل حيكم مبا أنزل اهللا فأولئك هم الفاسقون[، ]ولئك هم الظاملونأ فاهللا . ]إن احلكم إال هللا[ :اإلسالم فيقول

حرمة استعمال هاتني الكلمتني الدميقراطية واحلريةقد بات واضحاً أن هاتني الكلمتني هلما معىن حمدد وإن تعددت أبعاده، إال أنه مع كافة االحتماالت يتناقض مع اإلسالم

الوحي، ويكفي هـذا تناقضاً بيناً الختالف املصدر بينهما على األقل، فمصدر الدميقراطية واحلرية العقل ومصدر الشريعة . لنبذمها وإبعادمها من أذهان املسلمني

بقيت مسألة واحدة وهي أن الغرب وأعوانه وأعداء اإلسالم كافة ال يستسلمون بسهولة، وال يلقون أسلحتهم ببساطة، إىل حد ما مع مفاهيم ولذلك فإم حياولون أن جيعلوا هلاتني الكلمتني معاين من عند أنفسهم تلتقي . حىت املضبوعني بثقافتهم

اإلسالم، ويصرون على وضع هذه األمساء هلذه املعاين كما فعلوا يف معىن االشتراكية وغريها، والرد على هـذا يكـون يف :أمرين

إن هذه األلفاظ وضعت ملعان حمددة ال خترج عنها وقد بيناها يف الفصول السابقة، فال يصح إطالقها على :األمر األول .ليت وضعت هلاغري املعاين ا

فلو سلمنا جدالً بأن معىن هاتني الكلمتني ال يتناقض مع اإلسالم وال يعارضه يف أحد معانيه، كاالدعاء :وأما األمر الثاينبأن الدميقراطية هي الشورى وأن احلرية هي التحرر من االستعمار وهيمنته، لو سلمنا بذلك جدالً، فإن اسـتعمال هـاتني

حيث أن احلكم الشرعي يقضي بأن كل كلمة حتمل معىن كفر ومعىن مباح فإنه حيرم استعمال هذه الكلمتني حمرم كذلك،الكلمة، فأية كلمة حتمل هذين املدلولني ال جيوز استعماهلا مهما كانت احلاجة إليها ففي اللغات قابلية اشتقاق أمساء ملعاين

بقوهلم يا رسول اهللا راعنا أي اهتم بنا، اجعلنـا rرسول اهللا والدليل على ذلك فقد كان الصحابة الكرام خياطبون . أهلها :راعنا مبعىن ارعن وهو الشخص الطائش فتقول لرسول اهللابعينيك، تول رعايتنا، وكانت يهود تستعمل هذه اللفظة كذلك

يا أيها الذين [ :قوله تعاىل وإن عوتبوا أو حوسبوا قالوا إمنا نقول كما تقول الصحابة، فرتل ]لياً بألسنتهم وطعناً يف الدين[" راعنا"قوله (وقد جاء يف فتح القدير، لإلمام الشوكاين، يف تفسري هذه اآلية ما نصه . ]آمنوا ال تقولوا راعنا وقولوا انظرنا

ارعنا ونرعاك واحفظنا وحنفظك وارقبنا ونرقبك، وجيـوز أن ) راعنا(أي راقبنا واحفظنا، وصيغة املفاعلة تدل على أن معىن يكون من ارعنا مسعك، أي فرغه لكالمنا، وجه النهي عن ذلك أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سباً، قيل أنه بلغتهم مبعىن

راعنا طلباً منه أن يراعيهم من املراعاة اغتنموا الفرصة، rامسع ال مسعت وقيل غري ذلك، فلما مسعوا املسلمني يقولون للنيب مظهرين أم يريدون املعىن العريب، مبطنني أم يقصدون السب الذي هو معىن اللفـظ يف كذلك rوكانوا يقولون للنيب

لغتهم ويف ذك دليل على أنه ينبغي جتنب األلفاظ احملتملة للسب والنقص وإن مل يقصد املتكلم ا ذلك املعىن املفيد للشتم، مبا ال حيتمل النقص وال يصلح rه، مث أمرهم أن خياطبوا النيب سداً للذريعة ودفعاً للوسيلة وقطعاً للمادة املفسدة والتطرق إلي

وقال ) راعناً(وقرأ احلسن بالتنوين . أي أقبل علينا وانظر إلينا فهو من باب احلذف واإليصال) وقوال انظرنا(للتعريض فقال نظري الذي ذكر عن النيب rه ألا كلمة كرهها اهللا أن يقولوها لنبي"، وجاء يف نفس الصفحة "الراعن من القول السخري

r انتـهى قـول »ال تقولوا للعنب الكرم ولكن قولوا احلبلة وال تقولوا عبدي ولكن قولوا فتاي وما أشبه ذلك«: أنه قالرحم اهللا الشوكاين على هذا الفهم الدقيق إذ مل يقتصر البحث على كلمة راعنا بل بني لنا القصد . الشوكاين يف فتح القدير

Page 31: حافظ صالح - الديمقراطية و حكم الإسلام فيها

31

عن استعمال أية كلمة ميكن أن يؤدي معناها إىل التباس يف الفهم حني تتضمن معنيني، معىن مباح ومعىن كفر أو من النهيألن العنب ليس هو الكرم بل للكرم " ال تقولوا للعنب الكرم ولكن قولوا احلبلة« :rفسق أو سوء قصد، فذكر قول النيب

مع أن كلمة عبد يف اللغة إمنـا » تقولوا عبدي ولكن قولوا فتايال« :rمدلوالت أخرى من الكرمي ومثله، وكذلك قوله تعين الرقيق وال شيء فيها ولكن دفعاً لاللتباس وسداً للذريعة منع استعماهلا لكي ال يتبادر للذهن العبوديـة هللا، صـلى اهللا

.ورضي اهللا عن أئمتنا اتهدين وجزاهم اهللا عنا كل خري. عليك يا رسول اهللا .اختالف إال يف الصياغة واألسلوبجاء يف تفسري الكشاف لإلمام الزخمشري فإنه قريب من هذا املعىن بل ليس فيه أما ما

يا أعداء اهللا عليكم لعنة اهللا والذي نفسي بيده لئن مسعتها من "وروي أن سعد بن معاذ مسعها منهم فقال "وأضاف بقوله ومبثل . ]وللكافرين عذاب أليم[ :فقالوا أو لستم تقولوا، فرتل قوله تعاىلألضربن عنقه، rرجل منكم يقوهلا لرسول اهللا

أفبعد هذا . هذا املعىن كذلك ورد يف تفسري القرآن العظيم للحافظ ابن كثري، مؤكداً على وجوب خمالفة الكفار قوالً وعمالًالكلمتني وما على شـاكلتهما، مـن كـالم البيان من بيان؟ أفبعد هذا هل بقي مقالة لقائل ليقول جبواز استعمال هاتني

. كاالشتراكية وغريها

ام كفر فال دميقراطية يف اإلسالمالدميقراطية نظ . واحلرية منط عيش كفر فال حرية يف اإلسالم

هنا ال بد من تقرير حقيقة جيب أن تصبح بديهة عند عامة املسلمني لبقاء دينهم وتشريعام نقية صافية ال يشوا شيء، وال يصح أن يقال أن ما ال خيالف اإلسالم " أن اإلسالم هو ما جاء به الوحي يف الكتاب والسنة ليس غري"هذه البديهة هي و

يسأل عن املسألة قبـل نـزول الـوحي rوقد كان الرسول . ألن اإلسالم إمنا كان وحياً، ووحياً فقط. هو من اإلسالمحـىت rحد املسلمني وكان حيتضر ماذا يصنع مباله؟ فلم جيبه رسول اهللا وقد سأله أ. فيسكت وال جييب حىت يأتيه الوحي

ولذلك . نزلت آية املرياث، فلو كانت املسألة عقالً أو رأياً أو إتباع هوى، أو حبثاً عقلياً عن حل، لكان هو أوىل الناس بذلكسواء منـها مـا . وحي من عند اهللا فقطال بد من تقرير هذه احلقيقة حىت ال تفارق تصورنا حلظة واحدة وهي أن الشريعة

يتعلق باألحكام العامة املتعلقة بشؤون الناس كاألنظمة والقوانني، مثل الدستور الذي حيـدد شـكل الدولـة وأجهزـا وصالحيات كل جهاز وما يتضمنه من نظم اقتصاد واجتماع وعقوبات ورعاية شؤون، أو ما كان يتعلق بعالقات األفـراد

عالقام مع بعضهم مثل العبادات واألخالق ومثل معامالت البيع والشراء والزواج والطالق وغري ذلـك، أو فيما بينهم أو كان مما يتعلق بعالقات املسلمني مع غريهم وعالقات عامة املسلمني بغريهم مثل أحكام الذمي وأحكام العالقات الدوليـة

اً مع الدميقراطية اليت جعلت السيادة للشعب وجعلت جمموعة من وهذا يتناقض متام. وأحكام اجلهاد واملعاهدات وغري ذلكالناس تضع التشريعات لتنظيم عالقات الناس فيما بينهم فمصدر التشريع فيها هم الناس وليس الوحي ومصدر التشريع يف

سه النفعية وما يشبع كما يتناقض كذلك مع احلرية اليت تترك للفرد أن حيكّم هواه ومقايي. اإلسالم هو الوحي وليس الناسجوعاته اجلسدية، فنمط العيش فيها قائم على أساس االنتفاع وإشباع اجلوعات وممارسته اإلرادة حسب ما يشتهي، وهـذا

. مناقض لعبودية اإلنسان هللا تعاىل والتزامه مبا يرضي وتقييده أفعاله باألحكام الشرعية .وهل تلتقي احلرية مع العبودية ال وألف ال

.كما ال حريات يف اإلسالم .قراطية يف اإلسالمال دمي