الدعوة إلى الاسلام

164
المحمود أحمد الدعـوة إلىســــــــلم ال كتاب(الوعي) 3 ولىطبعة ال ال1415 هـ –1995 م مةّ دار الالتوزيععة والنشر ولطبا ل ص . ب .135190 انيروت – لبن ب

Upload: abumalek12092

Post on 12-Aug-2015

73 views

Category:

Documents


0 download

DESCRIPTION

الدعوة إلى الاسلام

TRANSCRIPT

Page 1: الدعوة إلى الاسلام

أحمد المحمود

الدعـوة إلىالســــــــلم

3(الوعي) كتاب

الطبعة الولىم1995هـ – 1415

دار المةللطباعة والنشر والتوزيع

135190. ب . ص بيروت – لبنان

Page 2: الدعوة إلى الاسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

فلذلك فادع واستقم كمآ أمرت ول تتبع أهوآءهم وقل﴿ ءامنت بمآ أنزل ال من كتاب وأمرت لعدل بينكم ال ربنا وربكم لنآ أعمالنا ولكم أعمالكم ل حجة بيننا وبينكم ال

﴾يجمع بيننا وإليه المصي

)15صدق ال العظيم (الشورى:

Page 3: الدعوة إلى الاسلام

محتويات الكتاب

2آية الفتتاح

3محتويات الكتاب

6تقديم

11أهمية حمل الدعوة السلمية12- المر بالمعروف والنهي عن المنكر من حمل الدعوة

13- التبليغ من حمل الدعوة13- التواصي بالحق من حمل الدعوة

16أهمية اليمان في حمل الدعوة وأولويات الفروض16- الجانب الول : الئتمار بالمعروف والنتهاء عن المنكر

18- الفرض العيني والفرض الكفائي18- الفرض الكفائي

19- أولويات الفروض20- أهم الفروض الكفائية

21- إقامة السلم ل تكون بدون إقامة الدولة السلمية22- العلم بالمعروف والعلم بالمنكر

23- فرض عين على كل مسلم أن يعرف الحكام المتعلقة بأعماله23- الجانب الثاني : المر بالمعروف والنهي عن المنكر

24- الجهات التي أنيط بها إقامة الدين26- أهمية العلم

28- محاسبة الحاكم

30وجوب وجود جماعة تحمل الدعوة31- صفات الجماعة المطلوبة

32- وجوب وجود حزب أو أحزاب سياسية على أساس السلم33- كيفية بناء الحزب أو الجماعة السياسية

33- في السلم فكرة وطريقة35- الذين أهملوا الطريقة

37- الغزو الفكري ساعد على طمس أحكام الطريقة38 نفسها- الطريقة اليوم هي طريقة الرسول

40كيفية إقامة دار السلم40- دور التثقيف في زمنه 41- دور التفاعل في زمنه

43 يعرض السلم على القبائل- الرسول 44- استجابة أهل المدينة

44- بيعة العقبة46- الهجرة إلى المدينة

Page 4: الدعوة إلى الاسلام

47- طلب النصرة50- الطريقة والسلوب

54- خلط بعض المسلمين اليوم بين الطريقة والسلوب56- تجربة الحكام الشرعية ؟!

58أطروحات مخالفة للطريقة الشرعية - هناك من المسلمين من يقول بأن فرض العمل لقامة الخلفة يجب أن يقتصر على

دعوة الحكام وملئهم58

- وهناك من المسلمين من يقول بأن العبادة هي المطلوبة وليس العمل لقامة الدولةالسلمية

60

62 غير محققة- وهناك من يقول بأن سيرة الرسول من المسلمين من يرى أن حمل السلح في وجه حكام اليوم هو طريقة التغيير- وهناك

الواجبة التباع64

67طريقة السلم في فهم الحكام68- فهم الواقع69- فهم الشرع

69- مصادر الشرع70- أصول فهم الشرع

71- المصلحة72- القياس العقلي

75ثقافة الجماعة76- أهمية العقيدة

80وجوب تبني الفكار التي تلزم لعمل الجماعة

84هل يجوز تعدد الحركات التي تدعو إلى السلم88- جواز تعدد الحركات السلمية

92- عالمية الحركة أم إقليميتها؟93- جزئية العمل أم تكامله وتوازنه

97التدرج

108اللتزام بالمبدأ فكرة وطريقة110- الحذر من النحراف أو المساومة

112- الديمقراطية115- ما هو الطاغوت؟

116- الحريات عند الغرب118- العلم والتكنولوجيا ليس ناتجا من حضارة الغرب

118- الديمقراطية ليست هي الشورى

Page 5: الدعوة إلى الاسلام

120المشاركة في نظام حكم كفر

125سيدنا يوسف عليه السلم والحكم بنظام كفر

133استحلل الحرام بحجة المصلحة

144( الغاية ل تبرر الواسطة )ل يتوصل إلى الحلل بالحرام 144- التفريق بين المتماثلت

144- الجمع بين المختلفات

151الصلح الترقيعي والصلح الجذري

154النجاشي الذي أسلم على الحكم بشريعة كفر؟! هل أقر الرسول

158العتدال والتطرف

Page 6: الدعوة إلى الاسلام

بسم ا الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد ل رب العالمين، والصلة والسلم على خاتم النبياء والمرسلين، المبعوث رحمة. وبعد، للعالمين، محمد المين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين

) يعالج موضوعا من أهم الموضوعات المطروحة علىالدعوة إلى السلم هذا الكتاب ( الساحة السلمية، وهذا الموضوع واسع ومتشعب وحساس، وهو موضوع وعر وليس ممهدا.

فالئمة المجتهدون من سلفنا -رضوان ا عليهم– لم يشبعوه بحثا كما أشبعوا غيره من موضوعات الدعوة إلىمثل العبادات والمعاملت والزواج والرث ... الخ. وجل ما تكلموا فيه في موضوع (

) كان يدور حول المر بالمعروف والنهي عن المنكر وحول الدعوة الفردية. ذلك أنه لم يكنالسلم يدور في خلدهم أن الخلفة السلمية ستسأصل، وأن الدولة السلمية ستهدم، وأن الشريعة

السلمية ستعطل، وأن البلد السلمية ستحول من دار إسلم إلى دار كفر. وإذا خطر شيء من ذلك لهم فإنهم ل يستطيعون أن يقدموا له الحلول والمعالجات، لن المجتهد يعالج أمورا واقعة وليس أمورا

متوقعة أو مفترضة.

. ولكنهلذلك فإن هذا الكتاب هو مجرد مساهمة في موضوعه، ول ندعي أنه شامل كامل محاولة جادة لنقل هذا الموضوع من التيه والنفلت والهواء وتقليد الكفار إلى الصول الشرعية

السلمية.

) هذه الدعوة أكثركيفية) فهو يركز على (الدعوة إلى السلم وحين يبحث هذا الكتاب في ( مما يركز على واجباتها ومندوباتها، ذلك لن الحاجة الن إلى معرفة هذه الكيفية باتت ملحة وخطيرة

إلى حد كبير فاق الجوانب الخرى .

) لن هذا الجانب يشكلكيفية الدعوة لقامة الخلفة السلمية(والكتاب يركز أكثر على العمود الفقري للدعوة إلى السلم الن. فكل دعوة إلى السلم الن، في ظل هذه الظروف حيث ل توجد دولة إسلمية، كل دعوة إلى السلم ل تجعل محورها ومركز تنبهها إقامة دولة السلم هي

دعوة مجتزأة أو منحرفة.

) هذهكيفية) ويركز على (الدعوة إلى السلم وحين يحصر الكتاب همه في موضوع ( ) فهو ينطلق من المنطلقات السلميةكيفية الدعوة لقامة الخلفة السلميةالدعوة وخاصة (

الساسية التي ليس محل بحثها هذا الكتاب ولكنه يعرض لها باختصار ، وذلك مثل:

– العقيدة السلمية بصفائها ونقائها هي أهم شيء في السلم .1

– أركان العقيدة السلمية ل يكفي فيها الظن أو غلبة الظن بل ل بد فيها من القطع واليقين،2ول يجوز فيها التقليد، وإل تحول المسلمون إلى أخذ الخرافات واتباع المدجلين.

Page 7: الدعوة إلى الاسلام

– الفكار المتعلقة بالعقيدة ( ملحقات الركان ) يكفي فيها غلبه الظن ، ويجوز فيها التقليد3شأنها شأن الحكام الشرعية.

– الحكام الشرعية تؤخذ من أدلتها الشرعية فقط، وهي القرآن والسنة وإجماع الصحابة4 والقياس المبني على علة شرعية جاءت في نص شرعي. والذي يستنبط الحكم الشرعي من دليله هو

العالم المجتهد فقط، والمقلد يجب عليه أن يتأكد أنه فهم قول المجتهد الذي قلده فهما صحيحا.

– عندما تتزاحم الواجبات على المسلم بحيث ل يستطيع أن يقوم بها كلها فإنه يجب عليه أن5يقدم ما هو أشد وجوبا (بحسب الدليل الشرعي وليس بحسب الهوى والستنساب الشخصي).

في الحال الطبيعية للمسلمين، أي في حال وجود الخلفة السلمية، يكون حمل الدعوة السلمية في الداخل متمثل في المر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي دعوة غير المسلمين الذين

يعيشون داخل الدولة السلمية للدخول في السلم، ويكون حمل الدعوة السلمية في الخارج متمثلفي دعوة غير المسلمين بالحجة والبرهان للدخول في السلم، ويكون بالجهاد حين يرى الخليفة ذلك.

أما في الحال غير الطبيعية للمسلمين، أي في حال عدم وجود خلفة، فإن حمل الدعوة السلمية ينصب في الداخل على العمل لقامة هذه الخلفة، وأما المر بالمعروف والنهي عن المنكر

(الذي هو عمل إصلحي)، ودعوة غير المسلمين للدخول في السلم فإنها تستمر ولكن بحجم أقل ، ذلك لن البلد السلمية حين ل يكون فيها دولة إسلمية تطبق الشريعة السلمية تصبح دار كفر،

وتصبح المنكرات فيها هي الصل، ويصبح العمل الصلحي الترقيعي غير كاف أو غير مجد، ويصبح الواجب هو العمل النقلبي الجذري الذي يطيح بنظام الكفر ويقيم نظام السلم. أما حمل

الدعوة السلمية خارج البلد السلمية في حال عدم وجود الخلفة السلمية فإنه يتمثل في دعوة غير المسلمين للدخول في السلم، ويتمثل في الهجوم على الفكار غير السلمية لبيان زيفها،

ويتمثل في حشد طاقات المسلمين الموجودين خارج البلد السلمية كي يساعدوا في إقامة الخلفةالسلمية في البلد السلمية.

) يفترض فيه أن يعالج الحكامالدعوة إلى السلم إن أي كتاب يتصدى إلى موضوع ( الساسية المتعلقة بهذه الدعوة من مثل:

– كون العمل لقامة الخلفة الن فرض عين بأقصى طاقة وأقصى سرعة.1

– كون هذا العمل يجب أن يكون ضمن كتلة ول يكفي أن يكون فرديا.2

– كون هذه الكتلة يجب أن يكون لها أمير مطاع، مع بيان حدود صلحياته الشرعية .3

– كون هذه الكتلة تضم الرجال والنساء، لن حمل الدعوة واجب على الرجال والنساء.4

– كون هذه الكتلة يكون الرابط فيها هو العقيدة السلمية والفكار السلمية .5

– وجوب أن تتبنى هذه الكتلة من الفكار والحكام والراء السلمية كل ما يلزمها من أجل6القيام بمهمتها، ومن أجل أن تكون التبعية للفكار وليس للشخاص.

Page 8: الدعوة إلى الاسلام

– وجوب أن تكون هذه الكتلة كتلة سياسية لن عملها هو عمل سياسي وهو أخذ الحكم7لقامة الخلفة السلمية.

– كون عمل هذه الكتلة فكريا وليس عنفيا، لنها عمل لخذ الحكم عن طريق المة بعد أن8يوجد الرأي العالم المنبثق عن وعي عام.

– عدم جواز اشتراك هذه الكتلة في الحكم في أنظمة الكفر القائمة.9

– عدم جواز ارتهان هذه الكتلة لي نظام من النظمة القائمة على الكفر، وأخذ المساعدات10المالية أو غيرها من هذه النظمة هو نوع من الرتهان.

) يفترض فيه أن يعالجالدعوة إلى السلم وكذلك فإن الكتاب الذي يتصدى إلى موضوع ( الحكام التي تبين كيفية القيام بهذه الدعوة من مثل:

، أي أن العمل ل يكون ارتجاليا، بل ل بد أن يكون مسبوقا بالفكر، وهذاالقاعدة العملية – 1 الفكر ل يكون افتراضيا بل يكون وليد الحساس بالواقع. وهذا الفكر مع هذا العمل يكون من أجل

تحقيق غاية. هذه الغاية وهذا العمل وهذا الفكر كل ذلك مأخوذ من السلم، والغاية النهائية هي رضوان ا، بناء على اليمان بالعقيدة السلمية. وهذا يبقي حامل الدعوة في الجو اليماني الذي

يعطيه الحوافز والضوابط في الوقت نفسه.

، إذ أن الطريقة أحكام شرعية ثابتة إلى قيام الساعة. وأماالتفريق بين السلوب والطريقة – 2الساليب فهي أعمال مباحة يختار منها حامل الدعوة ما يناسب الظروف والحوال.

أمر ضروري مثل المعرفة بالحكام الشرعية. ذلك أن تطبيقالمعرفة بالواقع السياسي – 3 الحكم الشرعي يستلزم معرفة الحكم الشرعي ومعرفة مناطه (الواقع الذي جاء الحكم له). فإذا عرفنا الحكم الشرعي وجهلنا مناطه فل يمكننا تطبيق هذا الحكم. وإذا حاولنا تطبيقه فسنخطئ لننا سننزله على غير واقعه. والذي يعمل لهدم النظام وأخذ السلطة منه يجب أن يكون على دراية كافية بالواقع

السياسي ليس محليا فقط بل إقليميا ودوليا.

كما يتوهميكون مع أهل القوة ورموز السلطة فقط ل – العمل لخذ السلطة وإقامة الخلفة 4 بعضهم، بل ل بد من حمل الدعوة أول في أوساط الشعب، حتى إذا اجتازت الدعوة الدور التثقيفي،

وانتقلت إلى دور التفاعل ، ونجحت في التفاعل مع المة ووجد الرأي العام المنبثق عن وعي عام عندالمة ، عندئذ تبدأ الكتلة بطلب النصرة من أهل القوة ورموز السلطة.

– يجوز شرعا تعدد الكتل أو الجماعات أو الحزاب التي تعمل في حمل الدعوة. والشرط5هو أن تكون قائمة على أساس السلم عقيدة وشريعة.

– في حال تعدد الجماعات السلمية يجب عليها أن تلتزم بالحكام الشرعية التي تبين آداب6 الختلف. فل يجوز لمسلم أن يكفر أو يفسق مسلما آخر لمجرد أنه خالفه في الرأي، ما دامت هذه

المخالفة ضمن حدود الجتهاد الشرعي. وكل رأي له دليل شرعي قوي أو ضعيف، أو له شبهة دليل هو رأي شرعي ل يجوز تسفيهه ول تسفيه حامله. بل يقال له في حالة الشبهة أو الضعف: رأيك خطأ

Page 9: الدعوة إلى الاسلام

أو رأيك ضعيف، ويناقش بالتي هي أحسن بالبرهان والدليل. أما إذا كان الرأي ل يوجد له دليل شرعي ول شبهة دليل فإنه يكون حينئذ رأيا غير إسلمي (أي رأي كفر)، وعندئذ ل بد من مهاجمة

هذا الرأي وتحذير حامله من أنه يحمل رأي كفر (وحامل رأي الكفر ليس دائما كافرا).

– الحكام الذين يعطلون الشريعة السلمية ويسنون شرائع أخرى دون أن يكرههم على ذلك7 أحد هم في الغالب كفأر وإن صاموا وصلوا وحجوا وزعموا أنهم مسلمون. ذلك لنهم فضلوا شرائع

الكفر على شريعة السلم. أما إذا كانوا يؤمنون أن شريعة السلم هي الحسن وعطلوها مؤقتا لهوى فإنهم فسقة وليسوا بكفرة من هذه الجهة. ولذلك ل يجوز لحملة الدعوة ول لي مسلم أن يعلن رضاه

من رأى منكم منكراعنهم ول أن يساندهم ول حتى أن يسكت عنهم ، عمل بالحديث الشريف: «».فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف اليمان

) أن ينبه إلى أن القتداء برسول ا صلى ا عليهالدعوة إلى السلم ويفترض في كتاب ( وآله وسلم في الدعوة إلى السلم يجب أن يلحظ فيه أمور من مثل:

كان يدعو كفارا للدخول في السلم، أما الن فإننا في الغالب ندعو مسلمين – الرسول 1لللتزام بالسلم.

كان يدعو والحكام الشرعية لم يكن قد اكتمل نزولها. أما الن فنحن عندنا – الرسول 2 يعمل بها في مكة لنها لم تكن قد نزلتجميع الحكام. وهذا يعني أن هناك أحكاما لم يكن الرسول

ونحن يجب علينا أن نعمل بها . وهناك أحكام كان يعمل بها ثم نسخت فهي ليست مطلوبة منا. فمثل القتال لم يكن مشروعا في مكة، والن هو مشروع (القتال الدفاعي واجب الن ولو لم تكن دولة

وحده أماإسلمية لنه ليس منوطا بالخليفة وحده). وحمل الدعوة في مكة كان واجبا على الرسول بالنسبة للصحابة رضوان ا عليهم فكان مندوبا فقط، إذ كانوا يبايعونه على بيعة النساء فقط، واستمر المر على ذلك إلى أن بايع الوس والخزرج بيعة العقبة الثانية ، ومنذ ذلك الحين صار حمل الدعوة

. وأما ما كان ونسخ فهو مثل الهجرة من مكة إلىواجبا على المسلمين وليس فقط على الرسول المدينة فقد كانت واجبة، وبعد فتح مكة لم تعد واجبة.

– وبناء على ذلك فإن تصنيف العمال إلى أعمال الدور المكي وأعمال الدور المدني يقصد3 منه العمال المنوطة بالفراد والعمال المنوطة بالحاكم (الخليفة). فهناك أعمال خاصة بالحاكم ول

يقوم بها الفراد ول تقوم بها الكتلة مثل إقامة الحدود والمبادرة إلى القتال من أجل الفتوحات وعقد الهدنة. وهناك أعمال يقوم بها الفراد سواء في دار السلم أو دار الكفر مثل العبادات والخلق

والمطعومات والملبوسات والمعاملت. وهناك أعمال يقوم بها الفراد ويقوم بها الحاكم (الخليفة) مثلبناء مسجد أو المر بالمعروف والنهي عن المنكر أو حمل الدعوة عن طريق الحجة.

هناك مسألة تواجه حملة الدعوة إلى السلم حين يكون المر يتعلق بتحقيق غاية محددة مثل ، وهي: هل تحقيق هذه الغاية له وقت محدد (عشر سنوات مثل أو عشرونإقامة الخلفة السلمية

أو ثلثون)، أو ليس له وقت معين ؟ وهذه المسألة يتفرع عنها مسألتان:

، هل طبيعة هذا العمل (أي إقامة دولة على أساس عقيدة المة وشريعتها) أنها تحتاجالولى إلى أكثر من عقد أو عقدين أو ثلثة؟ لن الكتلة ل تعمل بشكل مفتوح، بل تعمل على أساس إنجاز

Page 10: الدعوة إلى الاسلام

مشروعها ضمن الوقت الذي تتطلبه طبيعة هذا المشروع. وإل كانت الكتلة غير جادة أو تعمل بغير هدى.

، إذا لم تنجز الكتلة مشروعها وتحقق غايتها ضمن المدة المعقولة فهل هذا يعني أنهاوالثانية مخطئة في بعض برامجها وعليها أن تعيد النظر لتمحص هذه البرامج؟ أو أن هذا يعني أن الكتلة غير

مخلصة ل، ولذلك لم يحقق ا النصر على يديها؟ المفروض في مثل هذا الكتاب أن يجيب عن هذهالمسائل.

) أن يجيب عن بعض التساؤلت ويكشف بعضالدعوة إلى السلم ويفترض في كتاب ( الشبهات ويصحح ما يتعلق بها من مفاهيم، من مثل:

يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا – هناك من يسيئ فهم قوله تعالى: [1 فيفهم من ذلك أن المسلم مسؤول عن نفسه وأسرته فقط وليس مسؤول عن حمل الدعوة إلى] اهتديتمالناس.

ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه : يتعرض للبلء ل – هناك من يسيئ فهم الحديث الشريف: «2 » فيفهم من ذلك أن كل عمل يعرضه إلى مشقة مثل السجن والطرد من الوظيفة ونقمةلما ل يطيق

الظالمين ... الخ يفهم من ذلك أن عليه أن يتجنبه ولو ترك الدعوة وساير الظالمين.

قلت: فإن لم يكن لهم: « – هناك من يسيئ فهم حديث حذيفة بن اليمان عن الرسول 3 جماعة ول إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت

» فيفهم منه أنه في حالة عدم وجود خليفة للمسلمين فليس واجبا على المسلمين العمل لقامةعلى ذلكالخلفة بل المطلوب هو العزلة حتى الممات.

يأتي عليكم عام ول يوم إل والذي بعده شر ل – هناك من يسيئ فهم الحديث الشريف: «4» ويصل به المر إلى اليأس والقنوط والقعود عن العمل.منه، حتى تلقوا ربكم

– هناك من يقول بأن تغيير المور هو من عمل المهدي عليه السلم، وليس من عملنا.5وتكون النتيجة عنده القعود عن العمل.

.لقد عالج هذا الكتاب غالبية المور الواردة في هذا التقديم. كما أنه عالج أمورا غيرها كثيرة وإذا كان فيه من نقص فإن الكمال ل وحده. ولعل الطبعة الثانية تكون أوفى وأكمل بعون ا وتوفيقه.

ونسأل ا أن يجعل فيه نفعا للمسلمين، وأن يجزي كاتبه خير الجزاء. . والحمدوصلى ا وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين

ل رب العالمين.(مجلة الوعي)

Page 11: الدعوة إلى الاسلام

أهمية حمل الدعوةالسلمية

. فأن تدعو إنسانا إلى السلم معناه أنك تميله إلى ما تدعوهإن الدعوة هي فعل إمالة وترغيب إليه وترغبه فيه. لذلك ل تقتصر الدعوة إلى السلم على القول فقط، بل تشمل كل ما يميل ويرغب

من قول أو عمل، ولذلك تحمل الدعوة بلسان الحال ولسان المقال. ويعطي المسلم بالتزامه المثل الحيلما يدعو له بلسانه، ويبين صورة السلم الحقيقية بالتزامه الحق.

. وقال]ومن أحسن قول ممن دعا إلى ا وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين: [قال تعالى. فلذلك فادع واستقم كما أمرت...جل من قائل: [

والدعوة إلى ا واجبة وهي عبادة يتقرب بها الداعي إلى ربه، ويعلم أن مقامها رفيع، يرفعه.ا بها في الدنيا والخرة

.والدعوة إلى ا هي مهمة النبياء الذين قاموا بها، وأقاموا عن طريقها دين ربهم

يا. وقال تعالى: []ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ا واجتنبوا الطاغوت: [قال تعالى بلغ السلم ونصح المة وكان شاهدا على الناس بما دعاهم إليه في الدنيا حتى أنه كان يستشهدهم فرسولنا الكريم] وداعيا إلى ا بإذنه وسراجا منيرا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا

»... أل هل بلغت ؟ اللهم فاشهدويطلب من ا سبحانه أن يشهد له، وها هو في حجة الوداع يقول: « لمته، نحافظ عليه إن أردنا أن نحافظ على السلم فينا.[رواه البخاري] فالدعوة هي إرث النبي

.لنه ل يتصور وجود مؤثر للسلم من غير دعوة توجده

ول يتصور نقاء السلم في نفوس أتباعه من غير دعوة تنقيه من غبش الفكار المنحرفة.وتأثره بها

.ول يتصور إقامة السلم من غير دعوة تقيمه

.ول يتصور انتشار قوي للسلم من غير دعوة تنشره

فلول الدعوة السلمية لما قوي الدين ولما انتشر، ولما حوفظ عليه، ولما أقيمت حجة ا علىخلقه …

. وما أحوجنا اليوم إلى ذلك.فبالدعوة إلى السلم يعود السلم إلى سابق عزه وقوة وجوده

. وما أحوج العالموبالدعوة إلى السلم ينتشر السلم بين الناس جميعا، ويكون الدين كله لاليوم إلى ذلك …

.وبالدعوة إلى السلم تظهر حجة المسلم ، وتقطع حجة الكافر، ول يعذر في تركه السلم رسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ا حجة بعد الرسل وكان ا عزيزايقول تعالى: [

.]حكيما

Page 12: الدعوة إلى الاسلام

ومن هنا أخذت الدعوة إلى السلم أهميتها بين المسلمين، وقام بها المسلمون الوائل، وأولهم ، وحرصوا عليها حرصهم على الدين. ولول الدعوة إلى السلم لما وصل إلينا، ولما اعتنقهالنبي

قوله. فمن أول ما نزل على الرسول مئات المليين من البشر. بل قل لما تعدى إيمان الرسول قم كان قوله تعالى: [] أمره أن يقرأ لنفسه وأن يقرأ للناس. ومن أوائل ما نزل عليه اقرأتعالى: [

.]فأنذر

أوجدت السلم من كل جوانبه، وأوجدت المسلمين الوائل الذين كانوافدعوة الرسول . ودعوة هؤلء هي التي حملت السلم لمن بعدهم. وهكذاخير من حمل الخير رسالة بعد الرسول

حتى يومنا هذا يجب أن تمضي الدعوة حتى قيام الساعة.

. فكما أن الماء يروي ويسقيومن هنا فإن الدعوة بالنسبة للسلم هي كالجريان بالنسبة للماء ويعطي الخير للناس، ولكنه بحاجة لمن ينقله. فكذلك السلم الذي هو الدين الحق، والتصور الصحيح

لهذه الحياة هو أيضا يحتاج لمن ينقله، وينقل خيره لكي يروي ويسقي ويهدي من اتبع رضوان ا.

.ومن هنا تبرز الصلة الوثيقة بين السلم وبين الدعوة له

. لزمة له لزوم تأثيره، ولزمة لهومن هنا كانت الدعوة ركنا ركينا وأمرا حيويا في السلملزوم انتشاره. فعمر الدعوة هو بعمر السلم: منذ نشأته إلى أن يرث ا الرض ومن عليها.

ومن هنا يجب أن تأخذ الدعوة أهميتها في حياة المسلمين، ويجب أن تشغل بالهم وأن ينفقوا.عليها وقتهم ويبذلوا لها جهدهم

:المر بالمعروف والنهي عن المنكر من حمل الدعوة

وفي هذا يقول المام النووي رحمه ا في شرح صحيح مسلم تحت باب المر بالمعروف:والنهي عن المنكر

واعلم أن هذا الباب – أعني باب المر بالمعروف والنهي عن المنكر – قد شيع أكثره من.أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الزمان إل رسوم قليلة جدا

. وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح. وإذا لموهذا باب عظيم به قوام المر وملكه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهميأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم ا تعالى بعقاب: [

.]فتنة أو يصيبهم عذاب أليم

وان الحاجة إلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورية وباقية ما بقيت الحاجة إلى مدى هذه الحاجة في. فإن الدعوة تعدل ذلك كله .. وقد وضح النبي الحياة نفسها وأمنها وعافيتها

مثل القائم على حدود ا والواقع فيها كمثل قوم استهموا علىالحديث وضرب لذلك مثل فقال: « سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها. وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا

على من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركهم الذين في » [رواه البخاري]. وبهذاالعلى وما أرادوا هلكوا جميعا، وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا

الحديث يتبين كيف أن المر بالمعروف والنهي عن المنكر يساوي حياة المجتمع وسلمته. وان أي

Page 13: الدعوة إلى الاسلام

تهاون في القيام به ل جزاء له إل أن تهوي السفينة بالجميع إلى القاع وان يصبح الكل من المهلكينالمغرقين.

. ولم تقتصر ألفاظوقد عبر القرآن عن أهمية الدعوة وحاجة الناس إليها بكثير من اليات القرآن على مادة الدعوة بل شملت الكثير من اللفاظ والمعاني التي تدور جميعها حول موضوع

. نذكر بعضها على سبيل الذكر ل الحصر:الدعوة. وكذلك أحاديث الرسول

كنتم خير: [فقد عبر القرآن عن الدعوة بلفظ المر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى وقال جل من قائل:] أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال...

.]ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولـئك هم المفلحون[

والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليوشكن: «وقال رسول ا من رأى: «» [رواه الترمذي]. وقال ا أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فل يستجاب لكم

»منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف اليمان[رواه مسلم].

:التبليغ من حمل الدعوة وكذلك جعلناكم أمة: [وكذلك عبر القرآن عن الدعوة بلفظ الشهادة على الناس، قال تعالى

]....وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا

:» [ابن ماجة]. ويقول الرسول .. والمؤمنون شهود ا في الرض: «ويقول الرسول » [رواه البخاري].ليبلغ الشاهد الغائب«

:التواصي بالحق من حمل الدعوة

يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. قال تعالى: [وكذلك عبر القرآن عن الدعوة بالتبليغ »بلغوا عني ولو آية: « ويقول الرسول ].وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وا يعصمك من الناس

[رواه البخاري].

وكذلك عبر القرآن والحديث عن الدعوة بألفاظ التواصي بالحق، والرسال للتبشير والنذار .وتبيين الحق، والنصيحة وتذكير الناس ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن والجهاد في سبيل ا

والعمل لظهار الدين. وغيرها الكثير .

إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا إن النسان لفي خسر والعصر: [وقال تعالى وقال تعالى:].وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ونذيرا وقال تعالى: [].بالحق وتواصوا بالصبر

وقال:]إن هو إل ذكر للعالمين. وقال تعالى: [] وما أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبين لهم...[ . وقال تعالى:]وجادلهم بالتي هي أحسن إن وقال: []وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون[

Page 14: الدعوة إلى الاسلام

هو الذي أرسل رسوله بالهدى وقال تعالى: [].وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل[.]ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون

أل إن الدين النصيحة. قيل لمن يا رسول ا؟ قال: ل ولكتابه: «وقال رسول ا كان» [متفق عليه]. وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم

إذا أقر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى ا ومن معه من رسول ا المسلمين خيرا ثم قال: اغزوا باسم ا وفي سبيل ا. قاتلوا من كفر بال ... وإذا لقيت عدوك من

» [رواهما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... المشركين فادعهم إلى ثلث خصال (أو خلل) فأيتهن نضر ا عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب أنه قال: «مسلم]. وعن رسول ا

» [رواه الترمذي].حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه

. والدعوةوهكذا تتضافر اليات والحاديث حتى أن كل آية وكل حديث يحمل في ثناياه الدعوةتشمل الناس جميعا ويقوم بها المسلمون جميعا كل بحسب استطاعته.

فلو جئنا إلى اليات التي تتعلق بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط دون غيرها من آيات الدعوة، وذلك على سبيل المثال، لرأينا أن هذه اليات قد أخبرتنا أن هذا الركن العظيم في السلم

يأمرهم الذي هو أسوتنا وقدوتنا تقول: [يجب أن يشمل المسلمين جميعهم، فهي بالنسبة للنبي وهذا بيان لكمال رسالته.].بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبآئث

هو الذي أمر ا على لسانه بكل معروف ونهى عن كل منكر وأحل كل طيب وحرم كلفإنه خبيث.

كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن: [وهي بالنسبة للمة تقول].المنكر وتؤمنون بال

والمة هنا تشمل جميع المسلمين من أفراد إلى جماعات إلى أولي المر، حيث يقومون بواجب.المر بكل معروف والنهي عن كل منكر

والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف: [وهي بالنسبة للفراد تقول]. وينهون عن المنكر...

فجعل ا تعالى المر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا بين المؤمنين: "قال القرطبي والمنافقين. فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين: المر بالمعروف والنهي عن المنكر ورأسها

].4/47" [تفسير القرطبي الدعاء إلى السلم

ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير: [وهي بالنسبة للجماعات والحزاب تبين نوع عملها فتقول].ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولـئك هم المفلحون

الذين إن مكناهم في الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة: [وهي بالنسبة لولي المر تقول].وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور

ومن أظلم[]. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...: [وفي القرآن بيان ان الدعوة تكون للسلم].وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم[]. ممن افترى على ا الكذب وهو يدعى إلى السلم...

Page 15: الدعوة إلى الاسلام

قل هـذه سبيلي[]. ...ومن أحسن قول ممن دعا إلى ا: [وفي القرآن بيان أن الدعوة تكون ل]. ... أدعو إلى ا على بصيرة أنا ومن اتبعني

وإذا دعوا إلى ا ورسوله ليحكم: [وفي القرآن بيان أن الدعوة تكون إلى الحكم بما أنزل ا إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى ا ورسوله ليحكم بينهم أن[].بينهم إذا فريق منهم معرضون

].يدعون إلى كتاب ا ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون[].يقولوا سمعنا وأطعنا

والمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية ومنه ما يتعين، يؤجر القائم به ول فلما. قال تعالى: [يعذر تاركه حتى يقام، حيث رتب ا على القيام به النجاة ورتب على تركه العذاب

نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا. يفسقون

وإذا كان اليمان هو المعروف الول والساس لكل معروف، فإن في مقابله الكفر هو المنكر . وإذا كانت الطاعات هي المعاريف المنبثقة عن المعروف الول، ففيالول والساس لكل منكر

مقابلها المعاصي هي المنكرات المنبثقة عن المنكر الول. وإذا كان الحكم بما أنزل ا هو رأس الطاعات الذي به يحافظ على اليمان، وبه يحافظ على الطاعات، وبه تقام الدعوة وبه ينشر الدين،فإن في مقابله الحكم بغير ما أنزل ا هو رأس المعاصي، وهو اتباع الشهوات والهواء والضلل.

ومن هنا يجب على المة أن تجتمع جميعها على إقامة هذه الفريضة، وليعلم المسلم الذي يهتم .بأمر دينه أن ما يتلوه من آية، وأن ما يقرأه من حديث ليس مقصودا به وحده بل يعم الخطاب الجميع

فإنه خطاب موجه إلى المة من خلله ما لم يرد دليلوحتى لو كان الخطاب موجها للرسول التخصيص. فإن أمر ا المسلم باليمان فهو أمر له ولغيره. وان أمره بالعبادة فله ولغيره. وان أمره

بالحكم بما أنزل ا فله ولغيره أيضا.

Page 16: الدعوة إلى الاسلام

أهمية اليمان في حمل الدعوةوأولويات الفروض

.إن السلم هو عبارة عن معاريف أمر ا بإقامتها، ومنكرات طلب المتناع عنها وإزالتها

.ورأس المعاريف وأعلها هو اليمان بال تعالى وسائر أركان العقيدة السلمية

ورأس المنكرات وأخبثها هو الكفر بكل صوره، وقد طلب ا سبحانه وتعالى اجتنابه، والتنفير.منه والتحذير من الوقوع بحبائله

. وهي تتحقق بطاعة ا ورسوله، وهي ثمرةثم يأتي من باب المعاريف من بعد اليمان التقوى اليمان ومكملة له وهي من مقتضياته. فتقوى ا هي اجتناب غضبه. ول يكون ذلك إل باللتزام

بشرع ا. وهذا اللتزام مربوط باليمان. فكلما قوي إيمان المسلم قوي التزامه بالطاعة. ويضعف هذا اللتزام بضعف اليمان. فالمسلم مأمور باليمان وبطاعة ا ورسوله، ومنهي عن الكفر بكل صوره

وعن المعاصي بكافة أشكالها.

وإيمان المسلم وتقواه، واجتنابه للكفر والمعاصي ل يمكن أن يبقى وينتشر إلى بحمله والدعوة له، وإيجاد الكيان الذي يحفظ على المسلمين عقيدتهم وتقواهم، ويمنعهم من الوقوع بحبائل الكفر

لم يطلب من المؤمنين معه مجرد وعمله. فالرسول . هذا ما دل عليه واقع الرسول والمعصية اليمان والتقوى، بل كان يعمل معهم على إيجاد بيئة اليمان والتقوى بإقامة الكيان الذي يجعل

المجتمع كله يسير بنفس التجاه الذي يسير عليه إيمان الفرد وتقواه. وهذا ما تحقق له عندما أقامالدولة السلمية في المدينة المنورة.

. وإيجاد الكيان الذي يحافظفالمعاريف التي يجب أن توجد ل بد من حملها للناس والدعوة لها عليها. والمنكرات التي يجب أن يبتعد عنها ل بد من محاربتها وملحقتها والتنفير منها ومحاسبة

مرتكبها وإزالة الكيان الذي يتسبب بوجودها، أو يحمي مرتكبيها.

. ول بد أن يسبق أمرهمولذلك ل بد للمسلمين من المر بالمعروف، ومن النهي عن المنكربالمعروف ائتمارهم به، وأن يسبق نهيهم عن المنكر انتهاؤهم عنه.

: الئتمار بالمعروف والنتهاء عن المنكر:الجانب الول

المسلم مطلوب منه اليمان بال ورسوله وكل العقيدة السلمية، أي اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله وباليوم الخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من ا تعالى، وبكل ما جاء في الكتاب

.والسنة مما كان قطعيا

.فاليمان واجب عيني على كل مسلم، وهو مطلوب بالجمال، ومطلوب منه أن يحوز أصله فالمطلوب منه أن يؤمن بوجود ا الخالق لكل شيء، والذي ليس كمثله شيء، والذي يتصف بكل

صفات الكمال، ويتنزه عن كل صفات النقص، وأن كل ما في هذا الكون، وما تقوم عليه الحياة ويحتاج إليه النسان هو من ا القدير، الذي ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء، والذي ل

يخرج شيء عن إرادته وعلمه. فهو وحده المعبود الحق الذي ل ملجأ إل إليه ول خضوع إل له، ول

Page 17: الدعوة إلى الاسلام

راحة إل برضاه. فمتى حاز المسلم هذا الصل فقد حصل اليمان بال. وكذلك مطلوب منه أن يؤمن بأن محمدا رسول ا، جاء بدين السلم وحيا من عند ا، وليس بعبقريته وفطنته، وأنه معصوم فيما بلغه عن ربه. وأن يؤمن بسائر رسل ا وكتبه على وجه الجمال، وأن يؤمن بالملئكة وباليوم الخر

وبالقضاء والقدر. هذه هي أصول اليمان فمن أقر بها فقد صار مؤمنا وإن فاتته بعض التفاصيل – طبعا ما لم يقم أو يعتقد بشيء ينقض هذا اليمان. ولكن هذا اليمان يقوى ويزيد وهذا بالتالي يستدعي قوة اللتزام واستقامة السلوك. فاليمان بال يقوى ويصبح أكثر تأثيرا في واقع الحياة، وذلك بأن يكثر

المؤمن من التفكر بآيات ا الكونية والمنزلة، فكلما فكر المسلم في مخلوقات ا وفي دقة تركيبها وقدرة خالقها وحكمته وعلمه كلما قوي إيمانه وازداد تقديسه لهذا الخالق العظيم. وكلما فكر النسان

في ما أنعم ا عليه من نعم، وحاول أن يعدها وأن ينبه حسه إلى ما غفل عنه منها كلما أقبل على هذا الله الكريم حامدا شاكرا مطيعا، وكلما فكر المسلم في نقص ما سوى الخالق وحاجته وعجزه كلما

سارع إلى إفراد هذا الخالق وحده بالعبادة والطاعة والخضوع.

يقوى ويضعف، فكلما ازدادت معرفة المسلم بالقرآن كلما قويوكذلك اليمان برسول ا هو رسول ا. وكذلكيقينه باستحالة أن يكون هذا القرآن من عند غير ا، وقوي يقينه بأن محمدا

، وفي حياته ، وما عاناه في سبيل ا، وفي مواقفه، كلما ازداد حبهكلما تفكر في سيرة رسول ا وتعلقه بشخصية هذا النبي العظيم. وبالتالي يزداد حرصه على إرضائه وطاعته وحمللرسول ا

طيلة حياته.الهم الذي حمله رسول ا

كذلك اليمان باليوم الخر، فكلما تفكر المسلم بأحوال يوم القيامة حيث يجعل الولدان شيبا، وحيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وحيث يبدو الناس سكارى من

هول ما يحدث كلما هاله هذا المنظر الغيبي الذي أخبره ا عنه، وبالتالي صار يتجنب فزع ذلك . وكلما تفكر المؤمن باليات والحاديث التي تتكلم عناليوم، ويلتمس أسباب المن في ذلك اليوم

الجنة وما أعده ا فيها للمؤمنين من النعيم المقيم والسعادة البدية كلما صغرت في عينيه ملذات الدنيا، وازداد شوقه إلى تلك الجنة العالية.. وأيضا كلما تفكر المؤمن باليات والحاديث التي تتحدث عن النار وما أعده ا فيها للكافرين والثمين من العذاب الليم والجحيم المقيم كلما ازداد خوفه من عذابها، وهان عليه خوفه من عذاب الدنيا وآلمها، وأصبح يتجنب أسباب دخول النار، ولو أدى به

ذلك إلى دخول سجون الظالمين، وإلى تعريض ظهره لسياطهم. وهكذا .. فمتى انعقد القلب على اليمان استجابت الجوارح ل طاعة مبصرة والتزاما قويا. فكلما كبرت الخرة في عين المؤمن صغرت الدنيا وصغر ما فيها، وكلما قوي اليمان قوي اللتزام وأيد المؤمن بالثبات على القول

والعمل مهما كانت الصعوبات والمشقات.

واليمان بال يجب أن يصحبه كفر بكل ما عداه من أنداد ، مهما اتخذت هذه النداد من أشكال . فقد واجه القرآن عبدة الصنام وحملة الفكار. قال تعالى:وصور، سواء أكانت أصناما أم أفكارا

ومناة الثالثة أفرأيتم اللت والعزى وقال تعالى: [] وا خلقكم وما تعملون قال أتعبدون ما تنحتون [ وقالوا ما هي إل حياتنا الدنياوقال تعالى: [] تلك إذا قسمة ضيزى ألكم الذكر وله النثى الخرى

وإذا تتلى عليهم آياتنا نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إل يظنون قل ا يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم بينات ما كان حجتهم إل أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين

].إلى يوم القيامة ل ريب فيه ولكن أكثر الناس ل يعلمون

. وكما أن اليمان يحتاج إلى نظرفكل ما عدا اليمان بال باطل، يجب أن ينبذ ويكفر به وتدبر، فكذلك الكفر حتى ينبذ يستدعي النظر والتدبر. فاليات السابقة تحرك عقول الناس وتطلب

منهم أن يتدبروا واقع عقائد الكفار حتى يتيقنوا أنها باطلة، وحتى يكفروا بالطاغوت حق كفره. قال

Page 18: الدعوة إلى الاسلام

فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها وا سميعتعالى: [ فكما أن النظر والتدبر هو وسيلة لليمان بال فكذلك هو وسيلة أيضا للكفر بالطاغوت،].عليم

وكلهما مطلوب من المسلم حتى يستمسك بالعروة الوثقى ويهتدي الهتداء الصحيح.

. فمن آمن بال ونبذ كل ما عداه وجدهذا اليمان المطلوب من كل مسلم يجعله متقيدا بحسبه نفسه تميل إلى هذا الله العظيم الخالق القدير، فيحبه ويخشاه ويطمع برحمته ويتعبده ويتقيد بأمره،

فينشأ عند المسلم محبة ما يحبه ا، وبغض ما يبغضه. ويتوجه المسلم في حياته إلى ا ليحمده على ما أنعم عليه وتفضل به له. كيف ل وهو النسان الضعيف العاجز المحتاج إلى من يدبر أمره. فلول ا لما اهتدى، ولما استقام وصلح أمره. فباتباعه لمر ا يحيا حياة طيبة ، وبإعراضه عن ذكر ا

يعيش معيشة ضنكا، ويخسر الدنيا والخر. فاليمان يجر حتما إلى اللتزام والتقوى، ويرتب على كل مسلم التوجه إلى الخالق لعبادته وطاعته، والبتعاد عن كل ما يغضبه، والحرص على التيان بكل ما يرضيه. فما الذي يرضي ا؟ وما الذي يغضبه؟ ... إن ما يرضي ا هو الطاعة وهو معاريف كثيرة

حددها الشارع للمسلمين، وطلب اللتزام بها. وما يغضبه هو المعصية وهو منكرات كثيرة أيضاحددها الشارع، وطلب البتعاد عنها.

:الفرض العيني والفرض الكفائي

. فالفرض العيني هو الفرضإن الناظر في الفروض اللهية يجد أن منها العيني ومنها الكفائي الذي يجب أن يقوم به كل مكلف بعينه، فلو تركه المسلم لم يسقط عنه حتى لو قام به جميع المسلمين، ولو قام به وحده وتركه جميع المسلمين لسقط عنه وبرئت ذمته أمام ا. وهذا يعني أنه يجب على كل مسلم أن يفتش عن كل الفروض العينية ويلتزم بها حتى تبرأ ساحته وتخلو ذمته أمام خالق الذمم. وما

يقال في الفروض العينية يقال في النواهي، إذ أنها كلها عينية . وهذا يعني أن المسلم عليه أن يؤدي الصلة، ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام متى استطاع، ويزكي متى ملك النصاب ، ويبر

والديه، ويأكل الحلل الطيب، ويبتعد عن أكل الحرام الخبيث ، ويبتعد عن الزنا والكذب والغيبة ...وغيرها مما يجب على المسلم أن يتحراه ، فيقوم بها إن كانت معروفا، ويبتعد عنها إن كانت منكرا.

:الفرض الكفائي

وهناك فروض كفائية والمطلوب هو أن توجد هذه الفروض بغض النظر عمن يوجدها من . فهي ليست مطلوبة من كل فرد بعينه، وإنما المطلوب أن توجد. فقد توجد بالقليل وقد توجدالمسلمين

بالكثير. فإن لم توجد يصبح المسلمون كلهم آثمين حتى توجد. ول يسقط الثم إل عن من سعى ليجادها، وتلبس بهذا السعي تلبسا جادا. ول يظنن ظان أن مشاركة المسلمين له في الثم سيخفف

وكلهمعنه فيتهاون بفروض الكفاية، لنه سيأتي يوم القيامة وحيدا يحمل إثمه بمفرده. قال تعالى: [ فوقوع المة معه في الثم يعزيه في الدنيا، ولكنه لن يخفف عنه شيئا في] آتيه يوم القيامة فردا

الخرة. فليسارع كل مقصر في الفروض الكفائية التي لم تقم إلى التلبس الجاد بالعمل ليجادها ليبرئ ذمته أمام ا قبل أن يأتي يوم تتقلب فيه القلوب والبصار. فالمسلم الذي آمن بال وخاف وعيده وطمع في وعده يهمه أن يرضي ا ويفوز بالجنة ويزحزح عن النار، هذا المسلم ينظر إلى الفرض الكفائي على أنه يجب أن يقام. فطالما أنه لم يقم بعد فإن الثم سيناله إن لم يتلبس بالعمل على إقامته. وأما إن كان قائما فل حرج عليه طالما أن هناك من أقامه، فحتى تبرأ ذمة المسلم أمام ا يجب عليه أن يهتم

Page 19: الدعوة إلى الاسلام

الحكم بما أنزل ا، والجهاد في سبيل ابالفروض الكفائية اهتمامه بالفروض العينية. فمثل ، كلها من الفروض الكفائية التي يجب أن يعملوالجتهاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فإذا فقد الجتهاد في المة مثل فإن الجميع يأثم إل من عمل على المسلمون على إيجادها وإل أثموا. إيجاد مجتهدين. ووجود العاملين لعادة الجتهاد ل يسقط الثم عن غيرهم طالما أن الجتهاد لم يوجد

، فإن كل قاعد عنالدولة السلميةبعد. فإذا وجد الجتهاد سقط الحرج عن الجميع، وكذلك إيجاد العمل ليجادها آثم أمام ا، ووجود العاملين على إيجادها ل يسقط الثم عن القاعدين طالما أن الدولة

الفرض على الكفاية فرض على كل) تحت عنوان: (الفكر السلميلم تقم بعد. وقد جاء في كتاب ( ) ما نصه: "ول يسقط الفرض بحال من الحوال حتى يقام بالعمل الذي فرض، ويستحق تاركمسلم

الفرض العقاب على تركه، ويظل آثما حتى يقوم به. ول فرق في ذلك بين فرض العين والفرض على فرض كفاية. وكلها طلب] انفروا خفافا وثقالالكفاية فكلها فرض على جميع المسلمين. فقوله تعالى: [

الفعل فيها طلبا جازما. فمحاولة التفريق بين فرض العين وفرض الكفاية من جهة الوجوب إثم عند ا وصد عن سبيل ا، ومغالطة للتساهل بالقيام بفروض ا تعالى. أما من حيث سقوط الفرض عمن وجب عليه فإنه أيضا ل فرق بين فرض العين وفرض الكفاية. فل يسقط الفرض حتى يقام العمل

الذي طلبه الشارع، سواء طلب القيام به من كل مسلم كالصلة المكتوبة، أو طلب القيام به من جميع المسلمين كبيعة الخليفة، فإن كل منها ل يسقط حتى يقام العمل أي حتى تقام الصلة، وحتى يقام

الخليفة وتحصل البيعة له ، ففرض الكفاية ل يسقط عن أي واحد من المسلمين إذا قام بعضهم بما يقيمه حتى يتم قيامه، فيبقى كل مسلم آثما ما دام القيام بالعمل لم يتم. وعلى ذلك فمن الخطأ أن يقال إن فرض الكفاية هو الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، بل فرض الكفاية هو الذي إذا أقامه البعض

سقط عن الباقين، وسقوطه حينئذ أمر واقعي، لن العمل المطلوب قد قام ووجد فلم يبق مجال لبقائه. السلمية الدولةهذا هو الفرض على الكفاية، وهو كفرض العين سواء بسواء. وعلى ذلك فإن إقامة

فرض على جميع المسلمين، أي على كل مسلم من المسلمين. ول يسقط هذا الفرض عن أي واحد ، فإذا قام البعض بما يقيم الدولة السلمية ل يسقط الفرضمن المسلمين حتى تقوم الدولة السلمية

عن أي واحد من المسلمين ما دامت الدولة السلمية لم تقم، ويبقى الفرض على كل مسلم، ويبقى الثم على كل مسلم حتى يتم قيام الدولة، ول يسقط الثم عن أي مسلم حتى يباشر القيام بما يقيمها

مستمرا على ذلك حتى تقوم. وهكذا كل فرض على الكفاية يبقى فرضا على كل مسلم. ول يسقط هذاالفرض حتى يقام العمل المطلوب".

ومتى تبين لنا ما هي فروض العين وما هي فروض الكفاية تبين لنا كيف أن المسلم حتى تبرأ.ساحته أمام خالقه وديانه عليه أن يقوم بفروض العين وأن يشارك غيره في إيجاد فروض الكفاية

:أولويات الفروض

. فإذا استطاع المسلم أن يقوم بكل الفروضعلى أن القيام بالفروض العينية له أولويات شرعية العينية والكفائية فهذا هو المطلوب ول يوجد عنده مشكلة. أما إذا حصل تضارب فإن القيام بالفروض العينية مقدم على القيام بالفروض الكفائية. وإذا حصل تضارب فيما بين الفروض العينية فإن الشرع،

وليس العقل، وضع أولويات لبعضها على بعض، فنفقة العيال مقدمة على سداد الدين، وسداد الدين مقدم على نفقة الحج. وصوم رمضان مقدم على صوم النذر. وصلة الجمعة مقدمة على الوفاء

بالوعد. وهكذا .. وإذا حصل تضارب فيما بين الفروض الكفائية بحيث ل يمكن إقامتها جميعها فإن الشرع كذلك، وليس العقل، وضع أولويات لبعضها على بعض. وهنا يكون الميدان فسيحا ومتشابكا. لن الفروض الكفائية كثيرة ومنها الصعب والباهظ التكاليف، ومنها الفرض الذي يأخذ الجهد الكبير

Page 20: الدعوة إلى الاسلام

والوقت الكثير. وهي من الكثرة بحيث ل يستطيع المسلم أن يقوم بها جميعها. فصار ل بد من أن يقوم ببعضها دون بعضها الخر. وما يقوم به وما يتركه ل يكون بناء على هواه ول على تقديره العقلي أو

اختياره الشخصي بل بناء على ترجيح شرعي وإعطاء الشرع الولوية له. ويؤخذ من القرائنالشرعية التي تبين أهميته.

:أهم الفروض الكفائية

فمثل نحن حين نقرر أن إقامة الدولة السلمية تأتي في رأس سلم الولويات بين الفروض.الكفائية فإننا أخذنا هذا من نصوص القرآن والسنة

ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك هم: [فاليات التي توجب الحكم بما أنزل ا كثيرة، منها ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك[ ]،ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك هم الظالمون []،الكافرون

فل وربك ل يؤمنون []،يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به]، [هم الفاسقون أفحكم الجاهلية []،وأن احكم بينهم بما أنزل ا ول تتبع أهواءهم []،حتى يحكموك فيما شجر بينهم

هذه النصوص وما في معناها من آيات أخرى].يبغون ومن أحسن من ا حكما لقوم يوقنون التي تحكم بما أنزل ا .وجود الدولة السلميةوأحاديث يتوقف العمل بها على

]،والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما: [واليات التي جاءت تأمر بإقامة الحدود كثيرة منها والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة]، [الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة[

إنما جزاء الذين]، [ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا]، [شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة يحاربون ا ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من

وجاءت أحاديث كثيرة بجلد شارب الخمر وبرجم الزاني المحصن،].خلف أو ينفوا من الرض والسن بالسن، والقصاص في الجروح، والرش حيث ل يحصل القصاص، وإيقاع عقوبة التعزير

حيث لم يحدد الشرع حدا. هذه الحكام والحدود التي شرعها ا يتوقف العمل بها على وجود الدولةالسلمية التي تحكم بما أنزل ا.

انفروا خفافا وثقال وجاهدوا: [واليات التي جاءت تأمر بالجهاد في سبيل ا كثيرة، منها قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم]، [بأموالكم وأنفسكم في سبيل ا

ا ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون]، [وقاتلوا المشركين كآفة كما يقاتلونكم كآفة]، [صاغرون وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ا وعدوكم وآخرين]، [الدين ل

فهذه اليات وما في معناها من آيات وأحاديث يتوقف العمل بها].من دونهم ل تعلمونهم ا يعلمهم التي تحكم بما أنزل ا . لقد جاءت أحاديث تقول بأن الجهاد ماض إلىالدولة السلميةعلى وجود

يوم القيامة ل يعطله عدل عادل ول جور جائر. أي أن المسلم عليه أن يجاهد حين يدعو داعي الجهاد سواء كان هناك دولة إسلمية أو لم يكن. أي أن الجهاد يكون مع كل أمير برا كان أو فاجرا. ولكن

هؤلء المراء الفجرة ل يجاهدون ول يأمرون بالجهاد في سبيل ا. وإذا أمروا بقتال فإنهم يأمرون بقتال المسلمين فيما بينهم. وسيستمرون على ذلك حتى ينهض رجال يؤمنون بال واليوم الخر

.دولة السلم الواحدة التي تحكم بما أنزل اويهدموا دويلت الكفر هذه ويقيموا بدل منها

:واليات التي جعلت المة السلمية حاملة رسالة للعالمين وخير أمة بين المم، كثيرة منها ول العزة[]، كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال[

Page 21: الدعوة إلى الاسلام

وكذلك جعلناكم أمة وسطا]، [ولن يجعل ا للكافرين على المؤمنين سبيل[، ]ولرسوله وللمؤمنين وكيف تكون العزة للمؤمنين ، وكيف ل].لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا

يكون للكفار سبيل على المؤمنين ، وليس للمؤمنين دولة؟ وكيف يأمرون غيرهم من المم بالمعروف الدولةوينهونهم عن المنكر وهم في عقر دارهم قاصرون عن ذلك. إن ذلك ل يستقيم إل بوجود

التي تحكم بما أنزل ا.السلمية

والحاديث الكثيرة التي تأمر المسلمين أن يكون لهم إمام يبايعونه على العمل بكتاب ا وسنة إنما المام جنة يقاتل من»، «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية: «رسوله كثيرة منها

من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من»، «ورائه ويتقى به » [رواهن مسلم]. وقد أجمع الصحابة رضوان االسلطان شبرا فمات عليه إل مات ميتة جاهلية

بعد موته. وأجمعوا على إقامة خليفة لبي بكر، ثم لعمر،عليهم على لزوم إقامة خليفة لرسول ا ثم لعثمان ، ثم لعلي بعد وفاة كل منهم رضوان ا عليهم، والصحابة كلهم أجمعوا طوال حياتهم على

وجوب نصب خليفة. ومع اختلفهم على الشخص الذي ينتخب خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقا على إقامةخليفة.

وكذلك فإن ما يحتاجه المسلمون أثناء عيشهم في مجتمع إسلمي من صناعات وطب وبناء للمستشفيات وإقامة للمصانع والمختبرات وإعداد للقوة وغيرها الكثير من الفروض الكفائية، كل هذه

. ولكن ل ينتظم هذا التأمين بحيث يتكامل تكامل من شأنهالمور يتوزع المسلمون فيما بينهم تأمينها أن يحقق العيش السلمي الرغيد والقائم على عبوديته ل من جهة والعداد والقوة للمسلمين لكي ينشروا الدعوة من جهة ثانية إل من خلل دولة تشرف هي على إيجاد هذه الفروض إيجادا فعال

ينسجم انسجاما كليا مع حقيقة السلم وغاياته.

. وفي حالكذلك قد أوكل الشرع إلى الحاكم أن يجبر الناس على التزام ما أوجبه الشرع عليهم غياب الدولة السلمية تتعطل جميع الحكام المنوطة بالحاكم . كذلك إذا أهمل الناس الحكام المتعلقة

بهم فلن يجدوا حاكما يلزمهم بها. وبذلك تتعطل أكثر الحكام المتعلقة بالناس وبهذا يصير وجود هو أساس من السس التي يقوم عليها الوجود العملي للسلم في معترك الحياة، فإذاالدولة السلمية

انهدم هذا الساس انهدمت جملة كبيرة من أحكام السلم، وتعطلت نصوص كثيرة جدا من نصوص السلم، وفقد المسلمون هويتهم وعزتهم، واستبيحت ديارهم ، وتسلط عليهم عدوهم، وفشت فيهم

المنكرات كما هو حاصل اليوم.

:إقامة السلم ل تكون بدون إقامة الدولة السلمية

ومن عجيب المر أن ترى أن هناك من يقوم لقامة السلم من غير أن يصب جهده على.إيجاد الدولة السلمية

والعملالدولة السلميةومن عجيب المر كذلك أن ترى أن بين المسلمين من ل ينظر إلى ليجادها إل على أنها حكم شرعي عادي ل يفضل ول يقدم على غيره.

ومن عجيب المر كذلك أن ترى بين المسلمين من يعمل لتطبيق الحكام الشرعية من خلل النظمة القائمة على حساب العمل لقامة الدولة السلمية ، التي تقوم هي بما أناطه الشرع بها من

.إقامة أحكام السلم

Page 22: الدعوة إلى الاسلام

وبذلك نستطيع أن نقرر أن أهم وأوجب فرض من الفروض الكفائية هو العمل لقامة الدولة . وهذا العمل يقوم به الن قسم من المسلمين. ولكن الكفاية غيرالسلمية التي تحكم بما أنزل ا

حاصلة بهذا القسم، لن الدولة غير قائمة حتى الن، وبذلك يصبح هذا الفرض الكفائي شبيها بفرض العين، كما تقدم آنفا ، أي أن كل مسلم صار الن مطالبا أن يعمل قدر استطاعته لقامة الدولة

السلمية .

وأصحه هو أن ينظر المسلم إلى الواجبات العينية التيومن هنا فإن أدق اقتداء برسول ا أوجبها ا عليه ، وأن ينظر إلى المحرمات – وهي كلها عينية – التي حرمها ا عليه. ثم ينظر إلى الواجبات الكفائية التي أمر ا بإيجادها ليقوم بها أو يشارك في القيام بها قدر استطاعته. وبعد النظر

هدانا ا لهم فرض كفائي، وهو العمل لقامة الدولة السلمية التي هي الطريق لقامة غالبية أحكامالسلم من عينية وكفائية.

. فهو قد قاموالمسلم بهذا يكون قد حضر نفسه ليوم الحساب عندما يسأل عما قدم وأخر بالفروض العينية، وانتهى عن المحرمات – وكلها عينية – وقام بالواجب الكفائي الول الذي بقيامه

به يسقط عنه كل الفروض المتعلقة به، وما أكثرها. وبهذا يكون المسلم قد أمسك بالحقيقة من كل أطرافها. فقام بما يقيم السلم في حق نفسه كفرد، وقام كذلك بما يقيم السلم في المجتمع، وهو ان

بقي عليه شيء لم يقم به فل يعدو القليل من الفروض الكفائية، والتي طبيعة قيامها تكون فردية وليستجماعية. من مثل رد السلم وتشميت العاطس والصلة على الميت.

:العلم بالمعروف والعلم بالمنكر

وبحث الئتمار بالمعروف والنتهاء عن المنكر هذا يجرنا إلى بحث العلم بالمعروف والعلم . ول ائتمار ول انتهاء إل بعلم. فما هي حدود العلم المطلوببالمنكر، فالعلم يسبق الئتمار والنتهاء

شرعا من المسلم؟

. وأن يكون العمل بحسب العلم الشرعي. وإل لما كانمن بديهي القول أن يسبق العلم العمل العمل عبادة. فال سبحانه وتعالى طلب من المسلمين القيام بالمعاريف، فل بد من معرفتها حتى يقام

بها. وكذلك طلب منهم أن ينتهوا عن المنكرات، فل بد من معرفتها حتى ينتهى عنها.

. فليس العلم مطلوبا لذاته وإنمافالعبادة والطاعة والتقيد هي الصل والعلم لزم لها ومن أجلها وكما يقول عبد ا بن].وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن الجل العبادة والطاعة. قال تعالى: [

المبارك رحمه ا: "طلبنا العلم لجل العلم، فأبى العلم إل أن يكون لجل ا". فالعبادة والطاعة هما المقصودان، والعلم بهما يتحقق بحده الدنى وهو التقليد ويتحقق بحده العلى وهو الجتهاد. وفي

كليهما خير طالما التقيد قد وجد والطاعة قد تحققت. فمن صلى محافظا على أركان صلته وشروطها مبتعدا عن مبطلتها فقد قام بالعبادة وأدى ما هو مطلوب، ولكن كون قيامه بالعبادة لم يكن عن اجتهاد وتتبع فقد فاته خير كثير: خير العلم الذي يرفع ا به المسلم درجات، فقد قام بالعبادة مقلدا يأخذ الحكم ممن عنده علم وتقوى وورع في نظره. فيغلب على ظنه أن ما يقوله هذا العالم هو الصوب والقرب

إلى طاعة ا. وكذلك من صلى اتباعا أي أخذ الحكم عن غيره ولكن مع معرفة الدليل، فهو أيضا مقلد. ولكن أفضل حال من العامي الذي يأخذ الحكم دون دليله. وكلهما قد أخذ الحكم من غيره وحقق

Page 23: الدعوة إلى الاسلام

الطاعة والعبادة، أما المجتهد فهو أحسن حال وأفضل مآل وأرفع درجات، فهو يأخذ الحكم الشرعيبنفسه، ويفتش عن الدلة ويستنبط منها حكم ا في حقه.

: فرض عين على كل مسلم أن يعرف الحكام المتعلقة بأعماله

أما الحكم الشرعي في حق المكلف فهو أنه يجب على كل مسلم بالغ عاقل أن يتفقه في الدين . ول سبيل إلى ذلكالمور التي تلزمه في الحياة لنه مأمور أن يسير أعماله كافة بأوامر ا ونواهيه

إل بمعرفة الحكام الشرعية المتعلقة بأعماله. وعلى ذلك يكون التفقه في الدين للحكام اللزمة للمسلم في معترك الحياة فرض عين ل فرض كفاية. وما زاد على ذلك فهو مستحب بالنسبة له. فهو إن صلى وجب عليه معرفة كيفيتها، وإن بلغ ماله النصاب وحال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة عليه معرفة

ما يؤديه وبالمقدار الذي يملكه، فإن كان ماله ذهبا أو فضة كان عليه أن يتعلم كيفية تأديتها ولمن تؤدى ول يضره عدم معرفة أحكام الزكاة المتعلقة بالثمار والمواشي. وإن علمها فقد استزاد من الخير وله أجره. وإن قام يعمل لقامة الدولة السلمية كان عليه أن يتعلم ما يقيم به هذه الدولة. وهكذا فإن كل

فرض تعلق بذمته ، تعلق تبعا له العلم به.

.وبهذا يستطيع المسلم إن تأمن له ذلك أن يطمئن لصحة إيمانه واستقامة التزامه . وينجيهفهو إن صفت نيته لربه وهدي إلى صواب العمل فإنه سيجد ربا رحيما يقبل منه عمله

يوم الحساب برحمته.

: المر بالمعروف والنهي عن المنكر:الجانب الثاني

قلنا إن السلم فيه بيان لكل المعاريف، وبيان لكل المنكرات، ويجب على المسلم أن يأتمر بكل : هل يأمر بكل معروف ائتمر به؟معروف تعلق بذمته وينتهي عن كل منكر، والسؤال الذي يرد هو

أو يأمر بأكثر منه أو بأقل، وهل ينهى عن كل منكر انتهى عنه؟ أو ينهى عن أكثر منه أو عن أقل؟

. فالشرع يريد أن يقومل بد قبل تناول هذا الموضوع من إدراك واقع ما يريد الشرع أن يتحقق مجتمع إسلمي ل يخرج أي مفهوم فيه عن مفاهيم الشرع، ول أي عمل عما أقره الشرع. وكل منكر

أنكره الشرع يجب أن يمنع ويلحق. أي يجب أن يوجد كل ما أمر ا به من عقائد وأحكام، وأن يلحق كل منكر حدث أو يمكن أن يحدث. وقد طلب ا سبحانه من المسلمين القيام بهذه المهمة،

رحمه ا في كتابهالمام الغزاليوجعلها مهمة عظيمة جليلة، وأعطى عليها الجر الجزيل. يقول ): "أما بعد: فإن المر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب العظم في الدينإحياء علوم الدين(

وهو المهم الذي ابتعث ا له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة، وفشت الضللة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق،

وخربت البلد ، وهلك العباد".

:الجهات التي أنيط بها إقامة الدين

Page 24: الدعوة إلى الاسلام

. لنول بد قبل تناول الموضوع هذا بتفاصيله، من معرفة من أنيط به تنفيذ الحكام الشرعية المة فيها الفراد، وفيها الحكام، وفيها الجماعات. وكل جهة من هذه الجهات أناط بها الشرع

مجموعة من الحكام ، لتلتزم بها. ومن ثم تنصح وتحاسب وتقوم بحسب تقصيرها فيما أنيط بها، فإذا أشكل علينا واقع المناط هذا، فسيشكل علينا تبعا لذلك قيامنا بواجب المر بالمعروف والنهي عن

المنكر. ولذلك نقول:

. ومنها ماإن الحكام الشرعية منها ما هو منوط بالخليفة أو المير، ول يجوز لغيره أن ينفذه هو منوط بالفراد ويقوم به الخليفة إن قصروا. ومنها ما هو منوط بالخليفة ويجوز للفراد في حالت.

ومنها ما هو منوط بالجماعة.

أما ما هو منوط بالفراد فهو كالصلة والصوم والحج والزكاة والبتعاد عن المحرمات من . والمسلمون مطالبون بهذهخمر وميسر وربا وسرقة، وقتل وزنا، وكذب وغش وغيبة وما شابهها

الحكام سواء كانوا في دار كفر أو في دار إسلم. وسواء كانوا يعيشون في البلد السلمية أو في والصحابة رضي ا عنهم في مكة فقطبلد الكفار. وهذه ل ينظر فيها إلى ما كان يعمله الرسول

أو في المدينة فقط. فالحكام الشرعية المطلوبة من الفراد من عبادات ومعاملت ومطعومات وملبوسات وأخلق وسائر العقائد السلمية، كل هذه الحكام مطالب بها الفرد. وكل فرد مسؤول عن أفراد أسرته الذين هو ولي أمرهم. فإذا كان الفرد المسلم في دار كفر والسلطة تمنعه من التقيد بأحكام

الشرع الفردية هذه وجب عليه أن يهاجر إلى دار أخرى سواء أكانت الدار دار إسلم أو دار كفر إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فيعمل بقوله تعالى: [

إل الرض قالوا ألم تكن أرض ا واسعة فتهاجروا فيها فأولـئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا والمستحب له أن].المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل

يهاجر من دار الكفر إلى دار السلم حتى ولو كان يستطيع أن يلتزم بالحكام الفردية. إل إذا كان يعمل لتحويل دار الكفر التي يعيش فيها إلى دار إسلم. ومعلوم أن دار السلم هي الدار التي تحكم

بالسلم وأمانها بأمان المسلمين.

وأما ما هو منوط بالفراد ويقوم به الخليفة إن هم قصروا فهو مثل إعطاء الفراد نفقة إن . أو رعاية الشؤون الفردية إن عجز الفراد عن هذه الرعاية. ومثلعجزوا عن كفاية من يعولون

إقامة مساجد في القرى والحياء إن عجز السكان عن ذلك.

وأما ما هو منوط بالخليفة أو المير وحده ول يجوز لغيره أن ينفذه فهو مثل إقامة الحدود أو . فهذه وغيرهاإعلن الحرب أو عقد الصلح أو سن القوانين اللزامية أو رعاية الشؤون اللزامية

أمور حصرها الشرع بالحاكم عليه أن يقوم بها .

. فهو من أعمال الخليفة ،وأما ما هو منوط بالخليفة ويجوز للفراد في حالت فهو كالجهاد ولكن إذا دهم العدو المسلمين فجأة، عليهم أن يهبوا للقتال ولو لم يأمرهم أو يأذن لهم الخليفة. أو إذا لم يكن للمسلمين خليفة وحصل ما يستدعي الجهاد، فإن الفراد يقومون بالجهاد ولو مع حاكم فاجر، أو مع أمير مجموعة صغيرة. ولكن الصل في المسلمين أن ل يرضوا هذه الحالة الخيرة أي حالة أن

يكونوا دون خليفة وتحت إمرة حكام فجرة.

وأما ما هو منوط بالجماعة حصرا فهو كالعمل لقامة الخلفة وكمحاسبة الحكام وحملهم على . وعمل الحزب والجماعة أو التنظيم أو التكتل أو أية مجموعة إسلمية تقع ضمنالحق وقصرهم عليه

هذه الدائرة.

Page 25: الدعوة إلى الاسلام

إن تبيان من أنيطت به الحكام الشرعية أمر مهم، لن أي جهل أو تجاهل له، يجعل المسلمين . فيضيع على المسلمين الفهم الدقيق، وبالتاليأفرادا وحركات يتخبطون خبط عشواء في تنفيذ الشرع

التطبيق الصحيح. ويصير المسلم يهمل فروضا متعلقة بذمته، ويقوم بمندوبات على حسابها، وتصير الجماعة تدرس الحكام الشرعية المتعلقة بالفراد، وتهمل الحكام الشرعية المتعلقة بأفرادها

كجماعة، أو تأخذ عمل الدولة السلمية حين ل تعي مثل هذا التقسيم الذي راعاه الشرع، والذي يجب أن نراعيه . ويصير العالم يحدث الناس ببعض فروض العين كأحكام الصلة والزكاة والصوم،

ويترك بعضها الخر كأحكام البيع المتعلقة بحياة المسلمين، أو أحكام الغيبة، ناهيك عن الفروض الكفائية وأهمها الدولة السلمية، ويظهر بمظهر العابد الواعظ، وليس بمظهر العالم السياسي الذي

يتحرى مشاكل المة، ويضع حلول لها، ويتصدى لمعالجتها.

إن ما هو منوط بكل جهة يجب عليها اللتزام به، وتؤمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر إن . ول تحاسب على أمر لم يوكل إليها. فالشرع من حيث التطبيق لم يوكلهي قصرت فيما أوكل إليها

إلى جهة واحدة. بل أوجد وجهات وكل واحدة منها تقوم بما أنيط بها. والمة كلها تقوم بالشرع كله. فإذا قام المسلمون كأفراد بما هو مطلوب منهم، وقامت الجماعة أو الجماعات بما هو مطلوب منها،

وقام الخليفة بما هو مطلوب منه فقد وجد التطبيق الكامل للسلم.

. ولكنهوهنا نلفت النظر إلى أن الفرد المسلم عليه أن يؤمن بالسلم كامل، وبشكل مجمل يتبنى بالتفصيل الذي يلزمه وما هو مطلوب منه كفرد، وما هو مطلوب منه كعضو في الجماعة أو الحزب الذي يعمل معه. وأي تقصير في أي منها يحاسبه ا عليه. وكذلك الخليفة. إنه يقوم بما هو مطلوب منه شرعا كفرد. فهو يصلي ويصوم ويحج ويبر والديه، ويمتنع عن الزنا والربا .. ويقوم

كذلك بما هو مطلوب منه شرعا كخليفة. فهو يسن القوانين، ويعلن الجهاد، ويحمي بيضة المسلمين، ويحكم بما أنزل ا ، ويقيم الحدود. وأي تقصير في أي منها يحاسبه ا عليه في الخرة. وتحاسبه

المة عليه في الدنيا.

. فلفهذا الواقع ل بد من وضوحه عند المسلمين لكي يستطيعوا أن يفرقوا حين المحاسبة يحاسب الفرد على أمر غير مطلوب منه، ول تحاسب الجماعة على غير ما هو مطلوب منها، ول

يحاسب الخليفة على غير ما هو مطلوب منه.

(كل المسلمين) أن يقوموا بفريضة المر بالمعروف والنهيوالشرع قد طلب من المسلمين عن المنكر كل بحسب علمه وطاقته، وأمر بإيجاد هذه الفريضة عن طريق المسلمين – أفرادا

وجماعات وحكاما – وجعله واجبا في كل الحوال، سواء أكانت هناك دولة إسلمية أم لم تكن، وسواء أكان الحكم المطبق على المسلمين هو حكم السلم أم هو حكم الكفر، وسواء أحسن الحاكم

تطبيق أحكام السلم أم أساء التطبيق، فقد كان المر بالمعروف والنهي عن المنكر موجودا أيام وأيام الصحابة وأيام التابعين وتابعيهم وسيبقى حكمه قائما حتى قيام الساعة.الرسول

وإذا حصل من الفراد أو الجماعات أو الدولة السلمية ما يوجب المر بالمعروف والنهي:عن المنكر فيجب أن يقوم به الفراد والجماعات والدولة السلمية وذلك على تفصيل

فالمسلمون بآحادهم مطلوب منهم أن يأمروا بما ائتمروا به، وأن ينهوا عما انتهوا عنه إذا . وهنا يأخذ المر بالمعروف والنهيحصل أمامهم ما يدعو إلى ذلك وبالقدر من العلم الذي يحملونه

عن المنكر حكم فرض العين الذي يأثم المسلم إن لم يبادر إلى القيام به ول يعذر بتركه. فالمسلم في

Page 26: الدعوة إلى الاسلام

حياته اليومية مع زوجته أو أولده أو أقاربه أو جيرانه ، أو زبائنه أو معارفه أو غيرهم ممن يصادفهم، كل واحد من هؤلء يجب عليه النصح له ان هو قصر أو عصى. كيف ل وهناك من

المعاصي من قد ل يطلع عليه إل هو. كإتيان معصية أمامه في مجلس ليس معه أحد غير هذا الشخص العاصي، فإن ترك نصحه أثم ول يأثم معه غيره لعدم فشو المعصية أمامهم، ولعدم علمهم

بها. فموقعه ل يسده غيره، ودائرته ل يملها سواه. وكل منكر يظهر في دائرته ل يكون غيرهمسؤول عنه.

وإذا التزم المسلم بحق نفسه بكل ما أمره ا سبحانه، أي ائتمر بالمعروف المتعلق به، وانتهى عن المنكر، كان باستطاعة هذا المسلم أن ينقل للخرين ما كان بحق نفسه، فإن كان قد أخذ أحكامه

. وإن كان عن اتباع نقله إلى غيره على نفس المستوى،عن علم وبينة استطاع أن ينقله عن علم وبينة وإن كان عاميا في تقليده نقله كذلك نقل العامي. ويستطيع في هذه الحالة إن لم يجد في نفسه القدرة على إقناع الخرين أن يحيلهم على من يملك القدرة على إقناعهم، كأن يدلهم على عالم أو مفت أو

والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياءشاب من حملة الدعوة الذين يثق بفكرهم وفهمهم. يقول تعالى: [ وتعاونوا على البر ويقول تعالى [].بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلة

» [رواهبلغوا عني ولو آية: « ويقول الرسول ].والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان نضر ا عبدا سمع مقالتي فوعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه إلى من: «البخاري]. ويقول

» [رواه أبو داود والترمذي وأحمد]. وبهذا يكون الفرد قد قام بما عليه كفرد من واجبهو أفقه منهالئتمار بالمعروف والنتهاء عن المنكر ومن واجب المر بالمعروف والنهي عن المنكر.

:أهمية العلم

وهنا ل يخفى ما للعلم والعلماء من كبير أثر في بيان أفكار المعروف وأفكار المنكر الموجودة.في زمانهم ومن حثهم الناس على التزام المعروف وترك المنكر

والعلماء هم الذين حصلوا بالضافة إلى علمهم الذي يتصل بعملهم، وهو فرض عين عليهم مثلهم مثل سائر أفراد المة، العلم الذي يحتاج إليه الخرون، وهو فرض كفاية على المة وقد قاموا

. وهم بعلمهم هذا ل يعفون من أي فرض عليهم، فمطلوب منهم ما هوبه فلهم أجرهم على ذلك مطلوب من أي فرد من أفراد المة سواء بسواء. ومنه العمل لقامة الخلفة. فإذا رأيت عالما بأحكام المواريث، وآخر يتصدر في التفسير، وثالث هو قاض شرعي في مسائل الحكام الشرعية من زواج وطلق فهؤلء وأمثالهم ل يعفون من القيام بالتزاماتهم الفردية التي تعلقت بأعيانهم ول من الفروض الكفائية التي تعلقت بالمة جميعها، وهم منها يطالهم ما يطال أي فرد منهم. وما نراه اليوم من قعود العلماء عن القيام بهذه الفريضة تحت أية حجة واهية فهو أمر غير مقبول شرعا، ويحاسبون على

التقصير أمام ا، ويجب أن يحاسبوا كذلك أمام المة.

. والعلم هو الذي يؤدي إلى التزام التقوى. والتقوى خشية. يقول تعالى:فالعلم للطاعة والعبادة ومن هنا ينشأ العلماء المجاهدون الذين تراهم في أول الصفوف].إنما يخشى ا من عباده العلماء[

دائما سواء في صلتهم أو في جهادهم أو في حمل الدعوة، أو في مناصحة الحكام، أو في مواجهة أفكار الكفر ومفاهيم اللحاد. تراهم في أول الصفوف يهدون الناس إلى العلم الصحيح وإلى العمل

بموجبه.

Page 27: الدعوة إلى الاسلام

. أو أنهمفل يتصور أن للعلماء منصبا رسميا في السلم أو مرتبة دنيوية، أو شكل مميزا يأمرون بعلمهم، والباقون هم الذين ينفذون، بل هم مأمورون مثلما هو مأمور أي فرد من أفراد

وصحابته.المسلمين، والخطاب من ا يشملهم كما كان يشمل الرسول

والشرع قد أوجب وجود العلم والعلماء حتى يعرف بهم الحق ويقام به، فهم وسائطه، وبهم . ووجودهم أو إيجادهم هو فرض كفائي، فإن لم يوجدوا فالمة كلها تأثم، لنهايعرف المسلم حق ربه

ستقع في جهل معرفة أحكام ا سبحانه في زمانها. ومن هنا كان الجتهاد فرضا على الكفاية ويجبأن ل يخلو أي عصر من العصار من وجود المجتهدين، وإل فإن المة تقع في الثم.

. ومن هنا فإن علىومن حيث دافع الناس فإنهم بطبعهم يميلون إلى العالم ويحبون الخذ منه العالم أن ل يقع في فتنة علمه فيطلب المنصب والمكسب، ويفتي الناس بغير علم تبعا لهوائهم. أو

يزور حقائق الشرع إرضاء للحاكم. فإذا كان العلم بالشرع معروفا فإن منكره هو الرياء، وحب الرئاسة، وطلب الجر الرخيص به، ومن هنا كان استغلل الحكام وخاصة في زماننا للعلماء

واستخدامهم لغراضهم السياسية وجعلهم عملء لهم فتراهم يغدقون عليهم الموال، ويظهرونهم أمام الناس بمظهر العلماء الجلء، وتقوم الدعاية القوية لهم. حتى يصبحوا للناس مراجع ومفتين يرجعون إليهم في المور الكبيرة. فيفتونهم بما يرضي الحكام، ويغضب ا، ويخضعون النصوص لرغباتهم،

ويطوعون الشرع تطويع البنان لرادة صاحبه، فتراهم: إن أحل الحكام الربا أحلوه، وذهبوا إلى النصوص يلوونها ويسوقونها سوق الشهود على صحة ما يريدون، وإن أحلوا الستعانة بالدول

الكافرة وافقوهم وإن أحلوا الصلح مع اليهود أوجبوه. فهؤلء هم العلماء العملء، وهم أهل سوء يجب النصح لهم. ويجب على المة أن تقسوا عليهم في عملهم هذا بأن تنفض عنهم، وأن ل تكون تبعيتها

لهم على حساب الشرع. فهؤلء وأمثالهم ممن يمدون أيديهم للحكام على حساب الشرع ينطبق عليهم » [رواه أحمد بن حنبل].إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان: «قول الرسول

فهؤلء وأمثالهم يجب أن يشهر بهم حتى ل يقع الخرون في حبائل فتاواهم، وأولئك هم الذين اشترواالحياة الدنيا بالخرة فما أصبرهم على النار.

نعم انه إذا قام المسلمون والتزموا بهذه الفريضة من ائتمار بالمعروف، وأمر به، وانتهاء عن . فالمسلم حين يلتزم في بيته ويلزم غيره، وحينالمنكر، ونهي عنه، فقد صلح أمر حياتهم الفردية

يلتزم في متجره، وفي علقاته مع الناس من حوله، يكون جانب مهم من الدين قد استقام. ولكن كما قلنا سابقا إن الغاية من الدين هي الطاعة، وأن يمتثل المجتمع بكليته بالمعروف وترك المنكر، وأن ل

تخرج أية جزئية ول أي جانب عن حكم ا، سواء في الجانب الفردي أو الجماعي، فالمجتمع ليس مكونا من أفراد فحسب، بل هو مكون من أفراد جمعتهم عقيدة، انبثق عنها نظام لكافة شؤون الحياة. فإذا تأمن فيه الجانب الفردي فقد تأمن فيه جانب واحد، وبقيت جوانب كثيرة ل بد من تحكيم حكم ا فيها. فهؤلء الفراد أمروا أن يؤمروا عليهم خليفة يقيم السلم في واقعهم، والذي ل يوجد في واقع

المسلمين بدافع تقوى ا أوجده الخليفة بقوة السيف. "إن ا ليزع بالسلطان ما ل يزع بالقرآن". فهذه العقيدة أمر الشرع بإيجادها والمحافظة عليها، وحملها للناس (كل الناس) وجعل طريقة ذلك الدولة

السلمية. وهذا النظام بينه الشرع، وبين كيفية تنفيذه، وجعل مهمة ذلك على الدولة السلمية لتسهر على تنفيذه. وهذا الجهاد الذي هو ذروة سنام السلم جعل الشرع الدولة هي التي تقوم به، وتنشر

أل إن القرآن والسلطان توأمان، فالقرآن حين قال: "المام الغزاليالدعوة عن طريقه. وما أبلغ قول ".أس والسلطان حارس. فما ل أس له فمهدوم، وما ل حارس له فضائع

:محاسبة الحاكم

Page 28: الدعوة إلى الاسلام

والشرع الذي أنزله ا وبينه لم يتركه أفكارا مبينة فقط، بل أراده الشارع أن يكون واقعا . فأنزل أحكاما عملية من شأنها أن تحافظ على وجوده في الواقع، وتمنع ما يمنعه، وجعلمجسما

طريقة ذلك الدولة. فأمر بإيجادها للمحافظة على الشرع، وجعل ا للحاكم أحكاما، وأمره ونهاه، وطلب منه إقامة الدين والسهر عليه، وطلب من المة طاعته في ذلك، ومحاسبته إن هو قصر، وطلب

سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام: «ذلك من المة أفرادا وأحزابا، قال رسول ا أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان: «» [رواه الحاكم]. وقال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله

لتأمرن بالمعروف ولتنهون» [رواه ابن ماجة والنسائي] وقال أيضا عليه الصلة والسلم: «جائر » [رواهعن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا

أبو داود والترمذي]. ول يستطيع أن يأطر الحاكم الظالم على الحق أطرا ول أن يقصره على الحققصرا إل من كان ذا شوكه وقوة، أي جماعة أو حزب لن الفراد ل يستطيعون ذلك.

. وبوجودها تطبقوالصحابة والفقهاء في الماضي عرفوا أن دولة السلم هي ملك المر رضي ا عنه عندما سئل عن ملك المر (السلم) كيفأبو بكرالحكام وبضياعها تضيع، فقد قال

" .وقد ذكر شيخ السلم ابن تيمية عن الفضيل عن عياض وأحمدما استقامت المراءيدوم؟ قال: "".لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطانبن حنبل قولهما: "

.والسلم دين لكل الناس، يحمل في طياته الخير لجميع بني البشر، وليس لقوم دون قوم فعقيدته عالمية ونظامه عالمي، وهو كذلك يحمل طريقة نشره في العالم، وذلك بوجود دولة تطبقه

وتحمله للعالم، فالدولة السلمية هي بدورها معروف يجب أن توجد، لتقوم بما عليها أن تقوم به، فماهي وظيفتها؟ ومن الذي يوجدها إذا لم توجد؟ ومن الذي يقوم اعوجاجها إذا اعوجت؟

. فالدولة مسؤولة عن التطبيق سواءأما وظيفتها التي أناطها ا بها فهي إقامة الدين كل الدين للحكام الفردية أو الجماعية، للفروض العينية أو الكفائية. فهي مسؤولة عن إقامة الدين أي إقامة المعروف، وإزالة المنكر بالشكل العملي. فالمسلم إذا لم يصل أمرته الدولة بالصلة وإل عاقبته.

وكذلك إذا لم يزك أو يحج أو يصم، فإن كل هذه الفروض العينية وأمثالها مطلوب من الدولة أن تسهر على وجودها، ومحاسبة المقصرين فيها. وكذلك هي الحال بالنسبة للفروض الكفائية. فإن لم تتأمن كل المصالح التي تحتاج لها المة من تأمين للطب والهندسة والتعليم وغيره مما يحتاج إيجاده إلى سياسة

وتنسيق وتوزيع مهمات، وإن لم توجد الفروض التي يتوزع على المة وجودها من وجود للجهاد والجتهاد فإن هذه أحكام أناطها الشارع بالخليفة وأمره أن يوجدها. وأي تقصير منه في ذلك يجب أن

تحاسبه المة عليه. وتحمله على تلفيه. وقد حدد الشارع أحكاما دقيقة في ذلك. فقد حرم علىالمسلمين الخروج على الحاكم إل في حالة إظهار الكفر البواح.

إن الصل في الدولة السلمية أن يكون الحاكم فيها هو القوام على رعاية شؤون الناس .بأحكام الشرع، وهو المسؤول شرعا عن منع المنكرات، سواء حصلت من أفراد أو من جماعات

» [متفق عليه] وقد أوكل ا إليه أن يرغمالمام راع وهو مسؤول عن رعيته يقول: «فالرسول الناس أفرادا وجماعات على القيام بأداء جميع الواجبات التي أوجبها ا عليهم. وإذا استدعى المر

استخدام القوة لرغامهم على أدائها وجب عليه أن يستخدمها. كما أوجب ا عليه أن يمنع الناس من ارتكاب المحرمات وإذا استدعى المر استخدام القوة لمنعهم من ارتكاب المحرمات وجب عليه

استخدامها. فالدولة هي الصل في تغيير المنكر وإزالته باليد أي بالقوة، لنها مسؤولة شرعا عنتطبيق السلم ، وعن إلزام الناس بأحكامه .

Page 29: الدعوة إلى الاسلام

ولكن إذا حصل من الحاكم منكر – كأن يظلم أو يأكل أموال الناس بالباطل، أو يمنع الحقوق، أو يهمل في شأن من شؤون الرعية، أو يقصر في واجب من واجباتها، أو يخالف حكما من أحكام

السلم أو غير ذلك من المنكرات – ففرض على المسلمين جميعا أن يحاسبوه وأن ينكروا عليه ذلك،.وأن يعملوا على التغيير عليه أفرادا وجماعات، ويأثمون بالسكوت عنه، وبترك المنكر والتغيير عليه

. لماويكون النكار والتغيير عليه عند ارتكاب منكر من المنكرات بطريقة المحاسبة باللسان ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، قال: «روى مسلم عن أم سلمة أن رسول ا

... كل: «» ولما روي عن ابن مسعود قال: قال رسول ا ولكن من رضي وتابع ومن أنكر سلم ، وا لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا،

أو ليضربن ا قلوب بعضكم على بعض أو ليلعنكم كما» وفي رواية: «ولتقصرنه على الحق قصرا قولة الحق عند سلطان جائر أفضل الجهاد حيث » [رواه أبو داود] كما جعل رسول ا لعنهم

» [رواه ابن ماجةكلمة حق عند سلطان جائرأجاب الرجل الذي سأله أي الجهاد أفضل؟ قال: « والنسائي]. ولورود أحاديث تحرم الخروج عليه بالسلح إل في حالة واحدة استثنيت من حرمة

الخروج عليه بالسلح وهي حالة ما إذا أظهر الكفر البواح الذي فيه من ا برهان بأنه كفر صراح ل شك فيه. أي إذا أظهر الحكم بأحكام الكفر الصراح، وترك الحكم بما أنزل ا. فعن عوف بن مالك

خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم يقول: «الشجعي قال: سمعت رسول ا ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ، قالوا : قلنا يا

» [رواه مسلم]. والمراد بإقامة الصلةرسول ا أفل ننابذهم عند ذلك، قال: ل ما أقاموا فيكم الصلة ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع، قال: « الحكم بالسلم، أي تطبيق أحكام الشرع من باب تسمية الكل باسم الجزء. وعن أم سلمة أن رسول ا

» [رواه مسلم] أي ما قاموا بأحكام الشرع ومنها الصلة من بابقالوا: أفل نقاتلهم؟ قال: ل ما صلوا على السمع والطاعة بايعنا رسول اإطلق الجزء على الكل. وعن عبادة بن الصامت قال: «

في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن ل ننازع المر أهله قال: إل أن تروا كفرا بواحا عندكم من ا تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول الحق أينما كنا ل نخاف في ا

» [رواه مسلم].لومة لئم

فمفهوم هذه الحاديث ينهى عن الخروج على الحاكم بالسلح إل في حالة عدم حكمه بما أنزل. أي في حالة حكمه بأحكام الكفر البواح، الذي فيه من ا برهان بأنه كفر صراح ل شك فيه.ا

هذا كله فيما إذا كان الحاكم المسلم موجودا ثم هو قصر، وإذا وصل به الحال أن حكم بحكم الكفر الصراح – ولو بحكم واحد – وجب على المة بأفرادها وجماعتها الوقوف بوجهه ومنعه ولو

. فمنبقوة السلح، فكيف يكون الحال إذا لم يوجد الحاكم المسلم أصل، ولم تكن هناك دار إسلم الطبيعي أن كل الحكام المناطة بالحاكم ستتعطل، ويعم الفساد، وتشيع الرذيلة، وتفشو الخلق

السيئة، وستقوم العلقات الفاسدة، ويستفيض المنكر وينتشر، ويضمر المعروف وينحسر. وسيضعف المسلمون وتقل هيبتهم وتلين شوكتهم. وسيصبحون كالسد بل أنياب ول مخالب، وسيصبحون

صورة من غير واقع، فل صورة الكل تشبع ول صورة السد تفزع.

ففي مثل هذه الحالة – وهي حالنا اليوم – فإنه ينبغي على المة إيجاد الخليفة الذي يحكم بما . ولكن من يقوم بإيجاده، وكيف يكون إيجاده؟ وهنا يأتي بحث وجوبأنزل ا، لن وجوده فرض

وجود الجماعات السلمية وعملها في المر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وجوب وجود جماعة

Page 30: الدعوة إلى الاسلام

تحمل الدعوة

إن المر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلق بالجماعات يتحدد بعد تحديد العمل المطلوب . ونحن هنا لسنا بصدد الكلم عن جماعات تقوم من أجل إقامة أحكام شرعيةشرعا من الجماعة

جزئية ، كالجمعيات الخيرية التي تقوم لمساعدة فقراء المسلمين، أو جمعيات الوعظ والرشاد، أو جمعيات بناء المساجد، أو جمعيات تعليم القرآن الكريم، وما شاكلها. وإنما يتناول بحثنا وجود

جماعات تأخذ على عاتقها إقامة الدين كله، وذلك عن طريق إقامة الخلفة التي هي بدورها تقيم السلم في حياة المسلمين، ويكون همها إيجاد كل المعاريف التي أمر الشرع بإيجادها، وإزالة كل

المنكرات التي نهى الشرع عنها، وتأخذ دورها في الحياة من حيث تطبيق السلم كامل في الداخل،وحمل الدعوة إلى العالم.

فإن على الدولة السلمية مهمات عظيمة أناطها الشرع بها ، تتحقق بوجودها، وتغيب عن . فالجماعة التي تريد العمل لقامة الدولة السلمية يأخذ حكمها أهميته منواقع الحياة وتغيض بغيابها

أهمية ما تريد تحقيقه، وهو إيجاد هذه الدولة. وعندما ل توجد جماعة في أيامنا تعمل لستئناف الحياة السلمية عن طريق إقامة الدولة السلمية؛ فمعنى ذلك أن المسلمين قد تهاونوا بكل الفروض التي

أناطها ا بالدولة السلمية، وما أكثرها، وبالتالي ما أكبر إثم القعود عن ذلك.

فالمسلمون الذين ل يعملون لستئناف الحياة السلمية يلحقهم الثم حين يزني الزاني، ويسرق السارق، ويظلم الحاكم، وتنزل النساء إلى الشوارع كاسيات عاريات، ويكثر الفساد، ويتوقف الجهاد،

. لن كل ذلك حدث ورتع حين أهملويتحكم الكفار بالمسلمين، وينتشر المنكر وينحسر المعروف المسلمون الفرض الذي فرضه ا عليهم، وهو فرض العمل لقامة الخلفة الراشدة، التي يرضى

عنها ا، والتي هي بدورها تضع المور في نصابها، وتقيم الشرع في حياة المسلمين، وتزرع اليمان في نفوسهم فتحصد التقوى والحسان. فالعمل الجماعي هذا هو فريضة شرعية يتوقف عليها تغيير الوضاع المتردية وتصحيحها. وانتشال المة من الحضيض الذي وصلت إليه، ويعود بها إلى

سابق عزها ومجدها تقتعد مركز الصدارة بين المم ، أمة هادية مهدية.

فأي أجر يناله المسلم اليوم أكبر من العمل الجماعي هذا الذي يؤدي إلى إنقاذ المسلمين مما هم » [رواهلن يهدي ا بك رجل خير لك من أن تكون لك حمر النعم: «. فإذا قال الرسول فيه

البخاري]، فما هو أجر من عمل لصلح أمر المسلمين جميعهم وإنقاذهم من الهلك، وفتح بعمله هذا لمن سأله عن عملالباب على مصراعيه لكي يدخل الناس في دين ا أفواجا. وإذا قال الرسول

ل أجده. قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم وليعدل الجهاد في سبيل ا: « » قال: ومن يستطيع ذلك؟ [رواه البخاري]. فإذا كان للجهاد هذه المرتبة وهذهتفتر وتصوم ول تفطر

» [رواهقام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل: « » وألم يقل الرسولأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر: «المكرمة عند ا. ألم يقل الرسول مثلالحاكم]. أيجوز للمسلم ، وقد علم بحال المسلمين اليوم ، أن يتركهم هلكى. أيكون معهم بهذا «

» [رواه مسلم]. أيكون معهمالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » [رواه مسلم]. فدون المسلم أجر عظيم أو إثم مبين. وهذا هو حالكالبنيان يشد بعضه بعضا«

الفرض في السلم مثله مثل باقي الفروض يؤجر فاعله ويعاقب تاركه.

ونعود للتذكير أننا ل نعني في كلمنا هذا الدعوة إلى العمل الجماعي الجزئي الذي يوجد . بل نعني ذلك العمل الجماعي الذي يهدف إلى إقامة السلم كله عنجزئية أو اثنتين من السلمطريق العمل لقامة الخلفة.

Page 31: الدعوة إلى الاسلام

:صفات الجماعة المطلوبة

نعم إن وجوب وجود الجماعة أو الجماعات التي تعمل لستئناف الحياة السلمية عن طريق ولتكن منكم أمة يدعون إلى. وقد دلت عليه الية الكريمة: [العمل لقامة الخلفة هو وجوب شرعي

فقد أوجب ا سبحانه وتعالى] الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولـئك هم المفلحون في هذه الية على المسلمين وجوبا كفائيا وجود جماعة على القل يكون عملها هو الدعوة إلى الخير

والمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هو للوجوب وذلك لوجوب الدعوة والمر والنهي.] ولتكن[فالمر في

هنا تفيد التبعيض لقرينة شرعية هي أن وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر] منكم[و هو وجوب كفائي وليس في مقدور الناس جميعا أن يقوموا بهذه الفريضة التي تحتاج إلى علم ودراية

هنا تأتي بمعنى جماعة من المسلمين وليس] أمة [وحكمة ل يستطيعها الجميع. وعليه فإن كلمة جماعة المسلمين. فالمر منصب على وجوب وجود جماعة من المسلمين. وقد وردت في القرآن كلمة

ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من(أمة) بمعنى جماعة من الناس حيث قال تعالى عن موسى: [ ].الناس يسقون

وليس المطلوب هو أية جماعة بل جماعة من المسلمين موصوف عملها في الية الكريمة بأنه . وهذا الوصف يشمل فيما يشمل الحكام لنهالدعوة إلى الخير والمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من حيث الواقع يمثل الحاكم رأس كل معروف ورأس كل منكر. فهو إما أن يرعى شؤون رعيته بالسلم وبالحكام الشرعية، وإما أن يفرط بأحكام السلم ويتساهل بها فتجب محاسبته على ذلك.

ومن هنا تأخذ الجماعة وصف أن تكون سياسية لن عملها متعلق بالحكام: بإيجادهم على الوجه الشرعي المطلوب إن لم يكونوا موجودين، أو محاسبتهم على تقصيرهم وحملهم على الحق وقصرهم

ارتباط هذا الفرض بالحاكمعليه إن كانوا موجودين ثم هم حادوا عن الحق. وقد بين الرسول والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أووأهميته في أحاديث عدة منها: «

» [رواه أحمد والترمذي].ليوشكن ا أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فل يستجيب لكم » [رواه ابن ماجة والنسائي].أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر: «وحيث يقول الرسول

»سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله: «وحيث يقول مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فل: «[رواه الحاكم]. وحيث يقول الرسول

ل عز وجل« لمن؟ قال: »قلناالدين النصيحة: «» [رواه ابن ماجة]. وحيث يقول يستجاب لكم» [رواه مسلم].ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم

ولذلك فإن عمل الجماعة هو إلى جانب الدعوة إلى الخير، العمل بالمر بالمعروف والنهي عن . ومنه محاسبة الحكام أو إيجادهم حسب الشرع، وهذا عمل سياسي لرتباطه بالحكام. وعليهالمنكر

فالية توجب وجود أحزاب أو جماعات سياسية قائمة على أساس السلم. كذلك فإن تعلق وجود كثير من أحكام الدين بوجود الخليفة يجعل وجوده واجبا شرعا، ويجعل

. وكلالعمل ليجاده واجبا شرعيا، وبالتالي يجعل وجود الجماعة التي تعمل ليجاده واجبا شرعيا).ما ل يتم الواجب إل به فهو واجبذلك من باب (

Page 32: الدعوة إلى الاسلام

فالية، وهي مدنية، قد دلت على وجوب وجود أحزاب سياسية قائمة على أساس السلم، . وذلك أن (ال) الموجودة في كلمة (الخير) ووحددت نوع عملها أو جنسه وهو الدعوة والمر والنهي

(المعروف) و (المنكر) هي (ال) التعريف التي تفيد تحقيق جنس المطلوب. فمن حيث اللفظ فإن العموم يستغرق جميع أفراد المطلوب، أما من حيث التنفيذ فإنه يتحقق بالقليل والكثير. ومن ثم فهو يشمل كل المتعلقين به: أفرادا وجماعات وحكاما. أما هذا القليل والكثير فإنه محدد شرعا وبحسب

الواقع الذي تقوم الجماعة من أجل إيجاده، ول يحدد تحديدا مزاجيا أو تحديدا اعتباطيا أو تحديدا مبهما ، بل هو تحديد واضح بحيث أنه إذا أخل به فيجب العمل على تلفي هذا الخلل. ويجب النصح لهذه الجماعة حتى تتدارك هذا الخلل وتتلفاه. فالمر مقيد بالشرع مثله مثل أي أمر آخر. وليس متروكا

للعقل أو للهوى أو للظروف أو للمصلحة.

:وجوب وجود حزب أو أحزاب سياسية على أساس السلم

فالية دلت على وجوب وجود أحزاب سياسية إسلمية ليس غير، وبينت نوع عملها وعموم . أما تحديد المعاريف التي يجب العمل ليجادها ، وتحديد المنكرات التي يجب العمل علىذلك

إزالتها، فمرتبط بالواقع الذي وجدت فيه من حيث أنها يجب أن تتبنى الحكام الشرعية اللزمة لتغييره. فالجماعة التي تقوم امتثال لهذه الية، وتعمل لمحاسبة الحاكم يكون عملها ومادة ثقافتها متعلقة بالواقع الذي تعيشه: فهي تراقب أعمال الحاكم وتحاسبه على التقصير، بحمله على الحق

وقصره عليه، وتوجد الوعي في المة، وتعمل مع الحاكم على نشر الدعوة السلمية إلى الخارج ... أما الجماعة التي تقوم امتثال لهذه الية حيث ل يوجد خليفة ول خلفة، فإنها يجب أن تتبنى كل ما

يتعلق بعملها هذا. فتحدد الغاية المطلوبة شرعا، ومن ثم تحدد الطريق التي يجب أن تسلكها والفكارالتي تلزمها لقامة هذا المر، وهكذا …

فالواجب هو وجود جماعة سياسية سواء كانت هناك دولة إسلمية أم لم تكن، وأما تحديد غاية.هذه الجماعة وعملها ومادة ثقافتها فمرتبط بالواقع

وحيث أننا نعيش اليوم في حالة عدم وجود خليفة للمسلمين يحكمهم بما أنزل ا، وحيث أن الدار التي يعيش فيها المسلمون هي دار كفر، وحيث أن المجتمع اليوم تقوم علقاته وأنظمته على

. كان ل بد من وجود الجماعة التي يكون عملهاغير أساس السلم، وبالتالي فهو مجتمع غير إسلمي منصبا على تحويل الدار إلى دار إسلم، والمجتمع إلى مجتمع إسلمي. وإعادة الحكم بما أنزل ا، أي استئناف الحياة السلمية، وحمل الدعوة إلى العالم. هذه هي الغاية التي يجب على الجماعة أو

الحزب أن يسعى لتحقيقها.

كيفية بناء الحزب أو الجماعة السياسية:

فما هي الطريق الشرعية التي يجب أن تسلكها هذه الجماعة حتى تصل إلى تحقيق غايتهاالشرعية؟

وما هي الحكام الشرعية التي يجب أن تتبناها هذه الجماعة لتصل من خللها إلى تحقيق هذهالغاية؟

Page 33: الدعوة إلى الاسلام

وما هي الضوابط والصول الشرعية التي تحكم فهم الجماعة للطائفة الكبيرة من الحكامالشرعية اللزمة لها لخوض الدعوة على أساسها؟

كيف تتعامل مع الحكم الشرعي؟ وكيف تصل إليه؟ وما هي مصادره؟ وهل يتعدد حكم ا فيالمسألة عندها؟ وما هو موقفها من الحكام الشرعية الخلفية؟

وكيف تتعامل مع العقل وما هو دوره في أخذ الحكم الشرعي وفي أخذ العقيدة؟

وكيف تتعامل مع الواقع وهل تجعله مصدر تفكيرها أو موضع تفكيرها؟

وكيف تتعامل مع المصلحة ، وهل تحديدها عقلي أو شرعي؟

وبعد ، فإننا متى استطعنا تحديد غاية الجماعة، وعملها ، وطريقها، وطريقة تفكيرها فإننا . ونعرف بعدها ما علينا أن ننصح به إذا هي خالفتعندها نعرف ما على الجماعة أن تقوم به وعليه

وان نقومه إن هي اعوجت.

وقبل أن نتناول بالبحث الطريق الشرعية التي يجب على الجماعة أن تسلكها ل بد من التذكير بأصل ل تجوز الغفلة عنه، وهو أن الشرع لم يترك أمرا من أمور الدنيا والخرة، أو من أمور الخير

. فالمسلم إن لبس أو خلع ثوبه، انوالشر، صغيرها وكبيرها وتهم النسان إل وتكلم به، وأبان حكمه دخل البيت أو المسجد أو خرج منهما، ان تعامل مع غيره أو تزوج أو صلى أو صام أو تكلم أو قام

بأي عمل فإن ا سبحانه قد بين له كيفية القيام به، وبين له حكمه إن كان أمرا يجب القيام به، أو نهيا يجب النتهاء عنه، أو مندوبا يستحب القيام به، أو مكروها يكره القيام به، أو مباحا على التخيير. فهذه

أحكام لكل أفعال النسان يجب أن يقف المسلم عند حدودها. وما يقال في الفعال يقال في الشياء ولكن على تفصيل آخر. وهي أنها كلها مباحة إل ما استثناه الدليل الشرعي. وعليه فل يوجد فعل أو

الصل في الفعال التقيد بالحكمشيء إل وأنزل ا له حكما، وذلك جريا على القاعدتين الشرعيتين: ().الصل في الشياء الباحة ما لم يرد دليل التحريم) و (الشرعي

:في السلم فكرة وطريقة

ونحن حيث نريد سلوك الطريق التي من شأنها أن تقيم الحكم بما أنزل ا ل بد وأن نفتش عن . قالالدلة الشرعية المتعلقة بسلوك هذه الطريق حتى يسير المسلم على بصيرة من ا وهدى ونور

]. قل هـذه سبيلي أدعو إلى ا على بصيرة أنا ومن اتبعني ...تعالى: [

: إن من عادة الشرع أن يبين للمسلم حكم الشيء، ويترك لعقله وظرفه وما تقتضيهول يقال هنا المصلحة سلوك الطريق التي يراها مناسبة. بمعنى أن ا قد أمر بإيجاد الدولة السلمية وجعلها

فرضا يجب أن تنصب جهود المة على إيجاده ولكن طريقة إيجادها متروكة للمسلمين. ل يقال ذلكما دام الشرع لم يتركها ولم يخير فيها.

Page 34: الدعوة إلى الاسلام

. فما من حكم شرعي يتناول معالجةل يقال ذلك لن فيه مخالفة لطبيعة الحكام الشرعية مشكلة من المشاكل إل وقد بين الشرع حكما شرعيا عمليا آخر متعلقا به ومكمل له يبين كيفية تنفيذ

هذا الحكم وجعله مطبقا في واقع الحياة.

فأفكار السلم وأحكامه إن كان ينقصها طريقة عملية فإنها تغدو مثاليات توجد في الكتب.والذهان والخيال وتتداولها اللسن للترف الفكري الذي ل طائل تحته

. فأنزل لهم النظمة التي تتناولفال سبحانه وتعالى قد بين في شرعه معالجات مشاكل الناس جميع شؤون حياتهم. فأشبع جميع غرائز النسان وحاجاته بالعقيدة السلمية وما انبثق عنها من نظم. فكان السلم بيانا وبلغا مبينا. ثم لم يكتف السلم بذلك بل أنزل أحكاما شرعية أخرى من شأنها أن

تجعل هذه المعالجات مطبقة في واقع الحياة ومنفذة حتى ل يبقى السلم فلسفة خيالية أو مجرد مبلغا عن ربه فحسب، بل كان بالضافة إلى ذلك حاكمامواعظ وإرشادات. لذلك لم يكن الرسول

ببيان أن ا هو الله المعبود وحده بل عمل على إيجاد ذلكمنفذا لهذا البيان. فلم يكتف الرسول في الواقع. فدعا إلى ا وعمل معه تكتل الصحابة في مكة على إيجاد الدولة السلمية، حتى إذا أوجد

الكيان الذي يقوم على هذا اليمان عمل على تطبيق السلم، ومعاقبة كل من يخرج عن العقيدة والنظام. وعمل كذلك على نشر السلم عن طريق الدعوة والجهاد. من هنا كان حكم الدولة السلمية

وحكم العمل ليجادها وأحكام العقوبات وأحكام الجهاد وأحكام المر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها من الحكام الشرعية العملية التي وضعها الشرع لحراسة العقيدة والنظام والمحافظة عليهما

والعمل على نشرهما والدعوة لهما لتحقق عالميتهما.

ولول وجود هذه الحكام الشرعية التي بينت كيفية حماية وتنفيذ ونشر أحكام العقيدة والنظام . ولبقي مجرد مواعظ وإرشادات كالدينلبقي السلم جامدا ل يتحرك ولما وصل إلينا وانتشر

النصراني الذي يكتفي بقول: "ل تزن ول تشته حليلة جارك" من غير أن يحمل معه ما يجعل هذا الكلم مطبقا على أرض الواقع. ولصار السلم أثرا بعد عين، ولجتاحته أفكار عملية أخرى تنفذ ما

عجز هو عن تنفيذه، ولو بصورة خاطئة، ولبقي في بطون الكتب كغيره أفكارا جميلة للعرضالتاريخي كجمهورية أفلطون.

فإذا كان الزنا حراما، فالذي يمنع وجود هذه العلقة المحرمة في الواقع هو حكم شرعي آخر ول. فالشرع بين حكم الزنا بقوله تعالى: [متعلق بها وهي عقوبة مقترف الزنا تطبقها الدولة السلمية

الزانية والزاني فاجلدواوبين حكم مرتكبه بقوله تعالى: [] تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيل :وعين الجهة التي تقوم بتنفيذها وتسهر على تطبيقها بقول الرسول ] ...كل واحد منهما مئة جلدة

استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن المام لن إدرأوا الحدود عن المسلمين ما« » [رواه الترمذي والحاكم] فجعل المام هو من يقوميخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة

بذلك.

. وعين الجهة التي تقومكذلك الصلة فإن الشرع قد بين أنها فرض وبين حكم عقوبة تاركها بتنفيذ العقوبة وهي الدولة السلمية. وهكذا فإن كل أمر بينه السلم بين طريقة تنفيذه بحكم شرعي

آخر وجعل المام صاحب الصلحية في التنفيذ في غالبية المور.

وبالستقراء نجد أن السلم فيه العقيدة الساسية وما يتفرع عنها من عقائد فرعية وما يتعلق بها من أفكار؛ وفيه الفكار التي تبين الخير والشر، والحسن والقبح، والمعروف والمنكر، والحلل

.والحرام؛ وفيه الحكام الشرعية التي تنظم العبادات والمعاملت والمطعومات والملبوسات والخلق

Page 35: الدعوة إلى الاسلام

وكل هذا مطلوب وجوده في المجتمع السلمي بل المجتمع النساني. وهو يعطي الصورة المتميزة الفكرةللمجتمع الذي دعا السلم ليجاده. ويحسن أن نطلق على هذه العقائد والفكار والحكام أنها (

).السلمية

والحكام الشرعية المكملة للفكرة السلمية والتي تعمل على إيجادها والمحافظة عليها ونشرها كأحكام العقوبات وأحكام الجهاد وأحكام الخلفة وأحكام كيفية حمل الدعوة لقامة الدولة

السلمية وأحكام المر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الحكام الشرعية المكملة يحسن أن نطلق).أحكام الطريقة السلمية(عليها أنها

:الذين أهملوا الطريقة

) هو الهمال الذي ظهر عندأن السلم هو فكرة وطريقة(والذي ألجأ إلى هذا التصنيف المسلمين المعاصرين لكثير من الحكام الشرعية وإسقاط التقيد بها بحجة أنها ليست واجبة التباع

عندما عمل بها فلنها كانت تناسب وضعه وظرفه. فإن هي ناسبتالن. وبحجة أن الرسول ظرفنا اليوم أخذناها وإن لم تناسب ظرفنا تركناها لغيرها من الحكام التي تناسب ظرفنا. من هذا

المنطلق وجد من ينادي بتغيير أنظمة العقوبات بحجة أنها صارت ل تناسب أوضاعنا القائمة. فلم يعد مستساغا الجلد والرجم والقطع كما كان من قبل، بحجة أنها أحكام قاسية وينظر الغرب لها على أنها همجية كهمجية القرون الوسطى، وتذكرهم بدينهم وكيف كان يظلم الناس بأحكامه الجائرة، وسيؤدي

ذلك إلى التنفير من السلم. فل بأس باستبدال السجن والتغريم بها. كذلك وجد من ينادي بوقف الجهاد. فطالما أنه وجد لنشر السلم فبالمكان إيجاد ما يحل محله من وسائل الدعاوة والعلم.

فالعصر هو عصر تبادل الثقافات. وبما أن السلم هو الحجة القاطعة والحق المبين فتستطيع بالقلم والمذياع والتلفاز أن تحقق أكثر بكثير مما تحققه صولة السيوف التي تغلق القلوب وتؤرث الضغائن. وكذلك وجد من يقول بإسقاط الجزية بحجة أنها سمجة على السماع ومنفرة للطباع. وكذلك وجد من

يقول بأن نظام الخلفة ليس إلزاميا في الشرع السلمي. وراحوا يصدرون الفتاوي التي تبرر أخذ أشكال الحكم الحديثة، ويدعون إلى عدم القتصار على نظام الخلفة القديم. إذ أن المهم هو تطبيق

النظمة السلمية وليس شكل النظام الذي يقوم بالتطبيق، والذي يمكن أن يأخذ صورا متعددة.

من هذا المنطلق كثرت الطروحات المتعلقة بطريقة العمل لقامة الدولة السلمية، حتى صار المسلمون يرون أن عودة السلم تكون عن طريق تأليف المؤلفات السلمية، أو بناء المساجد، أو إنشاء الجمعيات الخيرية، أو فتح المدارس السلمية على منوال المدارس التبشيرية، أو في الدعوة

إلى مكارم الخلق، أو بالعمل المسلح، أو بالعمل للوصول إلى الحكم عن طريق المشاركة في الحكم للوصول إلى الحكم.... وأهمل طريق الرسول وفي اللعبة الديمقراطية

بشكل مبهم غامض.بالفكرةوهكذا فإن المسلمين اليوم يأخذون بالحكام الشرعية المتعلقة . كل ذلك نشأ بسبب تأثرهم بالفكر الغربي،بالطريقةومن ثم راحوا يهملون الحكام الشرعية المتعلقة

ووقوفهم عاجزين عن فهم السلم فهما تشريعيا واضحا، وبالتالي معرفة تطبيقه.

حتى ل يهمل المسلمون أحكاما شرعية مهمة من شأنها أوالفكرة والطريقةومن هنا نشأ بحث توجد السلم كله منفذا في واقع الحياة. فإهمالها هو تخل عن جزء مهم من السلم، وهو معصية

يحاسب ا عليها.

Page 36: الدعوة إلى الاسلام

، لزيادة اليضاح وتسهيلالسلم فكرة وطريقة: بحث أن ومن هنا لجأنا إلى هذا التصنيف عقيدةالفهم وتبسيط التطبيق. وقد لجأ المسلمون من قبل إلى مثل هذه التصنيفات كالقول بأن السلم (

) والمطعومات) أو أحكام (النظام القتصادي) أو (النظام الجتماعي) أو القول بـ (وأنظمة فجمعها) فكلها كانت أحكاما منثورة زمن الرسول أحكام الخلق) أو (العبادات) و (الملبوسات(

الفقهاء ورتبوها وجعلوا لها البواب لكي يسهل على المسلم فهمها وتطبيقها ... وهكذا.

فحتى ل ينظر المسلمون إلى أحكام شرعية ثابتة وملزمة على أنه يمكن استبدالها والحيد عنها،.وبالتالي إهمالها وإسقاط اللتزام بها كان هذا البحث

وبناء عليه، فل تجوز الستعاضة عن العقوبات الشرعية بعقوبات عصرية، وعن نظام الخلفة بنظام الجمهورية، وعن القوانين السلمية بالقوانين الغربية المدنية، وعن طريقة الرسول

للوصول إلى الحكم بأفكار وأحكام عقلية مهما خلع عليها من فتاوى.

لذلك فإنه إذا كان حكم إقامة الدولة السلمية هو حكم شرعي فإن طريقة إقامتها هو كذلك حكم . ومعنى ذلك أن الشرع قد وضع لها الدلة التفصيلية وطلب اللتزام بها وعدم الخروج عنهاشرعي

شأنها في ذلك شأن الحكام الشرعية الخرى المتعلقة بأحكام الطريقة.

والذي ينظر إلى كتب الفقه يرى أن فقهاء المسلمين قد وضعوا أبوابا ثابتة، وفصلوا في أحكام . ما عدا أحكام العمل لقامةالعقوبات، وأحكام الجهاد، وأحكام المارة … وغيرها من أحكام الطريقة

الدولة السلمية حيث لم يتعرضوا لها لنها لم تكن تلزمهم. ولن المسلمين في مختلف عصورهم لم يحتاجوا إلى مثل هذا البحث لنه لم يأت يوم لم يكن لهم دولة إسلمية. أما اليوم فيجب أن تصب جهود

المسلمين على استنباط أحكام الطريقة وتبينها، وذلك من الدلة الشرعية، وليس الستعاضة عن ذلكبأحكام عقلية متأثرة بالظروف والهواء.

.والطريق عندما تكون شرعية يجب أن يظهر فيها اللتزام بالنصوص، والتأسي بالرسول ومتى وجد اللتزام أمكن المحاسبة، وأمكن النصيحة، وصار المسؤول يحاسب وينصح، كما يحاسب

وينصح أي عضو في الجماعة. ول يكون المر متروكا للعقل، ول للرتباطات الشخصية، وللتجارب الحياة. ول يصح أن يطلق على طريقة العمل بأنه تجربة، بل يخضع للشرع وحده.

فمن يعمل لقامة الدولة السلمية من الطبيعي أن يسأل عن الطريق الشرعية، وعن أدلتها . ويناقش بها ويدعو لها. فما هي العمال الشرعية التي يجب التقيد بها حين العمل لقامةالتفصيلية

الدولة السلمية؟

ولمعرفة الطريق الشرعية، ل بد من إدراك الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم إدراكا دقيقا وعميقا، بحيث يوضع الصبع على السبب الساسي الذي يتعلق بمعالجته معالجة كل ما يتعلق به

. ومتى تم فهم الواقع، ومعرفة السبب الساسي أمكن تحديد الغايةحتى تأتي المعالجة الجذرية الشرعية المطلوب تحقيقه. وهي نقل الناس إلى الواقع الشرعي المطلوب. وتستطيع بعدها أن تعرف

الجماعة العمال الشرعية التي يجب التقيد بها. وذلك بالرجوع إلى الفترة التي كان يعيش فيها فيها. الشبيهة بهذه الفترة أو القريبة منها لخذ الحكام الشرعية من فعله الرسول

Page 37: الدعوة إلى الاسلام

:الغزو الفكري ساعد على طمس أحكام الطريقة

فمن حيث الواقع نرى أن المسلمين قد تعرضوا لغزو فكري هائل نجح فيه الكفار الغربيون في . وصار المسلمون بنتيجته يؤولون السلم بما يتفقإبعاد المسلمين عن الفهم الصحيح للسلم

والقواعد الفكرية الغربية المنبثقة من عقيدة فصل الدين عن الحياة. هذا المر سهل على الغرب أن يقوم بخطوته التالية وهي إقصاء السلم عن حياة المسلمين بهدم الخلفة السلمية وتمزيقها إلى ما يزيد عن أربع وأربعين دولة مستقلة استقلل صوريا. ثم نصب على كل دولة حاكما تابعا له، كان قد

صنعه على عينه ليكون ناطورا يحافظ له على خيرات البلد، ويمنع أي عمل مخلص يقضي على مكتسباته. ووضع له النظمة، وسخر أجهزة العلم للدعاوة لفكاره، ووضع مناهج التعليم لكي

يضمن نشوء أجيال من أبناء جلدتنا تابعين فكريا له ... كل هذا وغيره مكن الكفار من المسلمين ومناستمرار إبعاد السلم عن الواقع.

. فصارت أفكارهم متأثرة بالفكروكان جراء هذا أن اختلط على المسلمين الحق والباطل الغربي، وحياتهم قائمة على الطراز الغربي حيث أخذت النفعية تتحكم بنظرتهم للحياة. وصارت

مشاعرهم خليطا من المشاعر الروحية والوطنية والقومية ، فانقطعت الواصر بين شعوبهم. وصار المسلمون يخضعون لنظمة الكفر ول يرون بأسا إذا لم يكن لهم دولة إسلمية . وبذلك اقتصر السلم

على بعض الحكام الشرعية الفردية، وبعض الحكام المتعلقة بالحوال الشخصية، وبعبارة أخرى صارت حياة المسلمين شبيهة بحياة الغربيين من حيث فصل الدين عن الحياة. فزاد تعلق المسلمين

بالرض وقل تطلعهم إلى السماء.

وكان من نتيجة هذا، أن وقعت سنة ا، التي ل تحابي أحدا، على المسلمين ، فصارت معيشتهم ضنكا فيها الفقر، والظلم، والحرمان، والجهل في أمور الدين والدنيا، والخلق السيئة،

والعلقات الفاسدة …

وتجاه هذا الواقع، على الجماعة أن تميز بين المرض الساسي وبين عوارضه، فمن لم يميز ... فإنه سيخرج إلى المسلمينكأن يعتبر أن الفقر هو علة العلل أو أنها الخلق السيئة أو أنه الجهل

بعمل جزئي يتناول عارضا من أعراض المرض، وليس المرض الساسي. ومن يدرس الواقع دراسة دقيقة عميقة يتبين له أن غياب الدولة السلمية كان هو السبب الذي أدى إلى غياب السلم غيابا تاما

عن حياة المسلمين، وضياعهم، وتحكم الكفار فيهم، وتفشي كل هذه العوارض فيهم من جهل وفقر وظلم ... ولعادة السلم منفذا في واقع حياة المسلمين، على الجماعة أن تدرك أنه يجب تحويل الدار من دار كفر يعيش فيها المسلمون اليوم إلى دار إسلم يخضع فيها المسلمون لحكام السلم جميعها،

من غير استثناء. وأنه يجب تحويل المجتمع الحاضر من مجتمع غير إسلمي إلى مجتمع إسلمي يؤمن أفراده بأفكار السلم وتلتقي مشاعرهم عليه، ويحكمون ويتحاكمون لنظمة السلم فيوجد

بعدها السلم كامل.

. وهي العمل على إيجاد دار السلم، وإقامة الدولة السلميةوبهذا تكون قد وضحت الغاية على العقيدة السلمية المنبثقة عنها أنظمتها، والتي يعيش المسلمون في كنفها حياة إسلمية قائمة على

اللتزام بأوامر ا ونواهيه.

وبعد أن تحدد الجماعة الغاية ، يمكنها أن تنتقل إلى بحث الطريق الشرعية التي يجب سلوكها، . ولمعرفة ذلك ل بد من الرجوع إلى الفترةوالعمال الشرعية التي يجب التقيد بها لبلوغ هذه الغاية

Page 38: الدعوة إلى الاسلام

تشق في مكة حيث كانت الدار دار كفر، وكانت دعوة الرسول التي كان يعيش فيها الرسول طريقها للظهور، لتقتبس منها الجماعة معالم الطريق وأعمالها ومراحلها.

نفسها:الطريقة اليوم هي طريقة الرسول

من أعمال أدت إلى قيام الدولةومن هنا ، فإن على الجماعة أن تدرس ما قام به الرسول ، والدعوة تعرفالسلمية الولى في المدينة . نعم إن خطوات الطريق تؤخذ من الرسول

أحكامها من تلك الفترة، وتشق طريقها بصبر وأناة بالرغم من كل الصعاب. فسنة الدعوات الحقة ل لتكذبنه، حين بدء نزول الوحي إليه: "يشذ عنها أحد. وهي كما قال ورقة بن نوفل للرسول

» قال له ورقة: ما أتى قبلكأو مخرجي هم: «" فقال له الرسول ولتؤذينه، ولتخرجنه، ولتقاتلنه ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوامن رسول إل وقد أخرجه قومه. ويقول تعالى: [

].وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ول مبدل لكلمات ا ولقد جاءك من نبإ المرسلين

، فقد عاش في مكة وهي دار كفر. وقام بأعمالفطريقة العمل هي نفس طريقة الرسول مقصودة أدت به إلى إيجاد دار السلم في المدينة. وكانت الهجرة من مكة إلى المدينة، حيث أقيمت

الدولة السلمية، حركة النتقال من دار الكفر إلى دار السلم.

: هل يعني كلمنا هذا أنه يجب أن تمر الدعوة اليوم في مرحلتين: مرحلة مكيةوهنا يرد سؤال؟ومرحلة مدنية، كما كانت زمن الرسول

مرت الدعوة في مرحلتين:والجواب على ذلك أنه زمن الرسول

أكثر آيات العقائد وقليل من آيات الحكام. ولم – مرحلة مكية نزلت فيها على الرسول 1 مأمورا فيها بالصفح والدعوة بالحكمةيكن المسلم مكلفا فيها بأكثر مما نزل. وكان الرسول

والموعظة الحسنة وبالكف عن استعمال السلح ، والصبر على احتمال الذى.

باقي آيات العقائد واكتمل فيها نزول الحكام. – ومرحلة مدنية نزلت فيها على الرسول 2 مأمورا فيها بإقامة أحكام السلم ، وإنزال العقوبات، وإعلن الجهاد وفتح البلد،وكان الرسول

ورعاية شؤون العباد. وفي هذه المرحلة صار المسلم مسؤول عن السلم كله.

. وأي تقصيرواليوم نحن مسؤولون عن السلم كله سواء ما نزل منه في مكة أو في المدينة في أي حكم يحاسب المسلم عليه. فأحكام الطلق والزواج وأحكام البيع والجهاد، وأحكام الصيام

والحج، وأحكام العقوبات والبينات وأحكام الراضي والملكيات، إلى آخر ما هنالك من الحكام التي نزلت في المدينة صار المسلم مسؤول عنها. ولكن هناك أحكام أنيط تنفيذها بخليفة المسلمين فل

يستطيع الفرد القيام بها، وذلك كأحكام العقوبات على الجمال، وأحكام جهاد المبادأة لنشر الدعوة، وأحكام ملكية الدولة وأحكام الخلفة. وهناك أحكام لم تنط بالخليفة، وعلى المسلم أن يلتزم بها في كل الحوال، ويحاسب على تقصيره، سواء ما نزل منها في مكة، وما نزل في المدينة. حتى أن السلم

إن الذينأوجب الهجرة على المسلم من البلد الذي ل يستطيع القيام بالحكام الفردية فيه، يقول تعالى: [ توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن أرض

إل المستضعفين من الرجالا واسعة فتهاجروا فيها فأولـئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا

Page 39: الدعوة إلى الاسلام

فأولـئك عسى ا أن يعفو عنهم وكان ا والنساء والولدان ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل].عفوا غفورا

. ولكن نأخذوعلى هذا فإنه ل يصح تسمية مرحلة مكية ومرحلة مدنية في وضعنا اليوم وهو في مكة فقط فيما يتعلق بمراحل سيره في الدعوة والعمال التي قامونتأسى بما فعله الرسول

بها وأدت إلى إيجاد دار السلم. وهذا فيما يتعلق بالعمل لقامة دار السلم وتبقى الحكام الفرديةمطلوبة من المسلم يقوم بها سواء كان في دار الكفر أو في دار السلم.

Page 40: الدعوة إلى الاسلام

كيفية إقامة دارالسلم

والن نعود إلى تحديد العمال المطلوبة شرعا، والمراحل التي يجب السير بحسبها لقامة دار.السلم

:ولنقسم البحث قسمين

في التغيير.قسم نتناول فيه منهج الرسول

. وقسم نتناول فيه منهج الجماعة أو الحزب في العمل للتغيير وذلك بعد التأسي بمنهج الرسول

:دور التثقيف في زمنه صار يدعو الناس، فآمن به من آمن، وكفر من كفر، حتى فشا ذكر السلم فيحين بعث

مكة، وتحدث الناس به. وكان يطوف على الناس في أول أمره في منازلهم. ويدعو الناس للسلم في ويكتلهم على أساس هذا الدين سرا. لذلك] قم فأنذر يا أيها المدثرمكة جهرا. امتثال لقوله تعالى: [

كان أصحابه يستخفون في صلتهم في الشعاب من قومهم. وكان يرسل لمن يدخل في السلم جديدا من يعلمه القرآن: فقد أرسل خباب بن الرت ليعلم زينب بنت الخطاب وزوجها سعيدا القرآن في بيت سعيد. وهي الحلقة التي أسلم على يدها سيدنا عمر. واتخذ دار الرقم مركزا للكتلة المؤمنة، ومدرسة

يخفيلهذه الدعوة الجديدة. حيث كان يقرئهم فيها القرآن ويأمرهم باستظهاره وفهمه. وظل النبي أمره ويستتر به، ويكتل معه من يؤمن به، ويعلمه سرا في دار الرقم بن أبي الرقم حتى نزل قوله

]. فاصدع بما تؤمر...تعالى: [

يدعو في أول أمره من أنس فيه الستعداد لقبول هذه الدعوة. بغض النظر عن سنهوكان ومكانته، وبغض النظر عن جنسه وأصله. فتكتل معه على هذا المر نيف وأربعون شخصا، حتى أمر بإظهار دينه، ما بين رجل وامرأة من مختلف البيئات والعمار. وأكثرهم من صغار الشباب.

وكان فيهم الضعيف والقوي والغني والفقير.

ولما نضج هؤلء الصحابة في ثقافتهم، وتكونت عقليتهم وصارت عقلية إسلمية، وأصبحت إلى أن كتلته صارت كتلة قوية قادرة على مجابهة. واطمأن الرسول نفسيتهم نفسية إسلمية

المجتمع كله أظهرها حين أمره ا .

. فكان الناس في مكة يعرفون أنوكان أمر الدعوة السلمية ظاهرا من أول يوم بعث به يكتل أصحابه يدعو لدين جديد ويعرفون أنه أسلم معه كثيرون، ويعرفون أن محمدا محمدا

ويسهر عليهم، ويعرفون أن المسلمين يستخفون عن الناس في تكتلهم وفي اعتناقهم الدين الجديد. وكانت هذه المعرفة تشعر أن الناس كانوا يحسون بالدعوة الجديدة، ويحسون بوجود المؤمنين بها وان للسلم شيئا جديدا. إنما كان الشيء الجديد هو ظهور هذه الكتلة المؤمنة. كانوا ل يعرفون أين يجتمعون. ومن هم هؤلء الذين يجتمعون من المؤمنين، ولم يكن إعلن الرسول

Page 41: الدعوة إلى الاسلام

إنافاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين قوله تعالى: [وعندما نزل على الرسول الدعوةأظهر الرسول ] الذين يجعلون مع ا إلـها آخر فسوف يعلمون كفيناك المستهزئين

وجهر بها، وانتقل بذلك من دور الستخفاء إلى دور العلن، ومن دور التصال بمن يأنس فيهم الستعداد إلى دور مخاطبة الناس جميعا. وبدأ الصطدام بين اليمان والكفر وبدأ الحتكاك بين

الفكار الصحيحة وبين الفكار الفاسدة. وبدأت المرحلة الثانية وهي مرحلة التفاعل والكفاح. وهي يرجم. وكانت أم جميل زوجةأشد ما عرف روعة في العصور جميعها. فقد كان منزل الرسول

أبي لهب تلقي النجس أمام بيته، وكان يكتفي بأن يزيله. وكان أبو جهل يلقي عليه رحم الشاة مذبوحة ضحية للصنام فيحتمل الذى، ول يزيده ذلك إل إصرارا وصبرا على الدعوة. وكان المسلمون

يهددون ويؤذون. ووثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم. فهذا بللوهذا عمار وأمه وأبوه وغيرهم الكثير يعطون أروع المثلة في الصبر والمعاناة والتحمل.

أول المر لظنهم أن حديثه لن يزيد عن حديث الرهبانلم يعن الكفار بدعوة الرسول والحكماء. وأن الناس سيرجعون إلى دين آبائهم، لذلك لم ينفروا منه ولم ينكروا عليه. وكانوا إذا مر

وتصدى لهمفي مجالسهم يقولون: هذا ابن عبد المطلب يكلم من السماء. ولكن لما بادأهم الرسول بأن ذكر آلهتهم وعابهم، وسفه أحلمهم، وضلل آباءهم ناصبوه العداوة وأجمعوا على خلفه وعداوته

ومحاربته.

. فسألوه عن معجزاته بأسلوب تهكميفأرادوا الحط من شأنه بتكذيبه فيما يزعم من نبوته لذع، ويقولون: ما بال محمد ل يحيل الصفا والمروة ذهبا، ول ينزل عليه كتاب مخطوط من السماء،

علىولماذا ل يظهر عليهم جبريل، ولماذا ل يحيي الموتى ... ويطول بهم اللجاج، ويبقى الرسول دعوته الناس إلى أمر ربه. واستعملوا جميع الطرق لرجاعه عن دعوته، فمن التعذيب لتباعه إلى

إل اعتصاما بحبل االشاعات إلى المقاطعة إلى غيرها من الساليب التي لم تزد الرسول وتمسكا، وحماسة في الدعوة.

وتحمله القبائل فذاع أمر الدعوة، وصار ذكر السلم يفشو فيوبلغت أخبار الرسول الجزيرة، وتتحدث به الركبان. ولم يكن يتاح للمسلمين أن يختلطوا بالناس ويتحدثوا إليهم إل في

إلى الكعبة ويدعو العرب إلى دين ا ويبشرهم بثوابهالشهر الحرم حيث كان ينزل الرسول وينذرهم عذابه وعقابه.

:دور التفاعل في زمنه أظهر الكتلة، وحمل الدعوة سافرةكان اصطدام قريش بالدعوة أمرا طبيعيا لن الرسول

متحدية. فالدعوة تحمل بذاتها كفاح قريش والمجتمع في مكة. فقد كانت تدعو لتوحيد ا وعبادته وحده، وخلع ما دونه، والقلع عن النظام الفاسد الذي يعيشونه، فكان يعيب آلهتهم ويندد بحياتهم

الرخيصة، وينعي على وسائل عيشهم الظالمة، ويهاجمهم بالحق ويهاجمونه بالدعاوات والشاعات الكاذبة. وكان يدعو بكل صراحة ل يكني ول يلين ول يستكين ول يحابي ول يداهن، رغم كل ما لقاه

أن يصل إلىمن صنوف الذى والتكذيب والتشريد والشاعة والمقاطعة. وقد استطاع الرسول الناس، وأخذ السلم ينتشر.

ولما حدث أن توفي عمه وزوجه واشتد أذى قريش عليه خرج إلى الطائف يلتمس من ثقيف . فصار ل يستطيع دخول مكة إل بجوار.النصرة والمنعة، ويرجو إسلمهم، ولكنهم ردوه شر رد

Page 42: الدعوة إلى الاسلام

. وشددت النكير عليه ،ودخل يومها بجوار المطعم بن عدي . فازدادت قريش أذى لرسول ا وأخذت تمنع الناس من الستماع إليه، فلم يصرفه ذلك عن الدعوة، وجعل يعرض نفسه في المواسم على القبائل يدعوهم إلى السلم ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه، وكان عمه أبو لهب

يتعرض له بالتكذيب، ويحرض الناس حتى ل يستمعوا إليه، فأثر ذلك عليهم وانصرفوا عن سماعه، فأتى كندة في منازلها، وكلبا وبني حنيفة وبني عامر بن صعصعة، فلم يسمع له أحد، وكان بعضهم

أنهم كانوا يرون أن قريشا تجعل كليرده ردا قبيحا. ومما زاد من إعراض القبائل عن الرسول نصير له عدوا لها وعونا عليها، فزاد العراض عنه من الناس كأفراد ومن القبائل، وزادت عزلة

وصارت الدعوة صعبة في مكة وما حولها، وظهر المجتمع المكي في جمود الكفرالرسول باستعمال السلح وقالوا: "يا نبي ا، كنا في عزة ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة"، فمنعهم والعناد. وعندما اشتد إيذاء الصحابة جاء عبد الرحمن بن عوف مع بعض أصحابه يستأذن الرسول

» [رواه ابن أبي حاتم والنسائي والحاكم].إني أمرت بالعفو، فل تقاتلوا القوم بقوله: «الرسول

قد سار في مكة في دورين متتاليين: وبهذا يكون الرسول

وهو دور فهم الفكار وتجسيدها في- دور التعليم والتثقيف والعداد الفكري والروحيأشخاص وتكتلهم حولها.

، وهو دور نقل الفكار إلى قوة دافعة في المجتمع تدفعه لن- ودور نشر الدعوة والكفاحيطبقها في معترك الحياة فتؤمن بها الجماهير وتفهمها وتحملها وتكافح في سبيل تطبيقها.

أما الدور الول فهو دور دعوة الناس إلى السلم وتثقيفهم بأفكاره وتلقينهم أحكامه، وتكتيل من يستطيع التكتل على أساس العقيدة السلمية، وهو دور التكتل السري في الدعوة حيث كان

ل يفتر عن الدعوة ويدأب على تثقيف من يدخلون في السلم بالفكار ويجمعهم في دارالرسول الرقم، ويتكتلون، ويزداد كل يوم إيمانهم، وتزداد كل يوم صلتهم ببعضهم، ويزداد إدراكهم لحقيقة المهمة التي يحملونها، فيستعدون للتضحية في سبيلها، حتى غرست هذه الدعوة في نفوسهم، وسرى السلم فيهم سريان الدم في عروقهم، فصاروا إسلما يمشي على الطريق. وبذلك لم تستطع الدعوة

أن تبقى حبيسة في نفوسهم رغم استخفائهم ورغم سرية تكتلهم والحرص على إخفاء تجمعهم، فأخذوا يتحدثون إلى من يثقون بهم وإلى من يأنسون منهم استعدادا لقبول الدعوة. وبهذا أحس الناس على

دعوتهم وعلى وجودهم، فاجتازت الدعوة بذلك نقطة البتداء وصار ل بد أن تنطلق، ووجدت المحاولت لنطلقها ومخاطبة الناس جميعا بها. وبذلك انتهى الدور الول. وهو دور التكتل السري

والتثقيف الذي يبني هذا التكتل.

ثم بدأ دور آخر هو دور التفاعل والكفاح، بإفهام الناس السلم فيتجاوبون معه ويقبلون عليه، . ويحصل من هذا الصطدام أن يهزمفيختلط بنفوسهم أو يردونه ويحملون عليه، فيصطدمون بأفكاره

الكفر والفساد ويستقر اليمان والصلح وينتصر الفكر الصحيح. وهكذا بدأ التفاعل، وبدأ فيه الكفاح ينشر الدعوة على الناس كافة جهارابين فكر وفكر، بين مسلمين وكافرين، بدأ حين صار الرسول

في الدعوة إلى التوحيد والحملة علىنهارا سافرا متحديا. وصارت اليات تنزل على الرسول أفكار الوثنية والشرك، والنعي على تقليد الباء والجداد من غير نظر، وصارت تنزل في الحملة

يتحدثعلى المعاملت الفاسدة فتهاجم التجارة الفاسدة والغش في الكيل والميزان. وصار الرسول ،إلى الناس جماعات ويطلب إليهم أن يسلموا وأن يؤازروه، وتزداد الخصومة بين قريش والنبي

وصارت تجمع الدعوة إلى التثقيف المركز، بالحلقات في البيوت وفي الشعاب، وفي دار الرقم، تثقيفا جماعيا، وتنتقل من دعوة من يؤنس فيه الخير إلى دعوة الناس جميعا. فكان لهذه الدعوة الجماعية

Page 43: الدعوة إلى الاسلام

والتثقيف الجماعي أثر على قريش، إذ ازداد حقدها، وأحست بالخطر يقترب منها، وبدأت تتخذ ول لدعوته؛ فيزداد الذى والضطهاد.الخطوات الجدية للمقاومة بعد أن كانت ل تأبه لمحمد

ولكن كان لهذه الدعوة الجماعية أثر في الدعوة نفسها. فقد أسمعت الناس جميعا كلمة السلم وانتشرت الدعوة إلى دين ا بين أهل مكة، ودخل الناس في السلم رجال ونساءا. وكان للدعوة

الجماعية أثر نقلها إلى أفق أوسع، وان كان نقل حملتها إلى المشقة والعذاب وتحمل صنوف الذى. للظلم والقسوة والستعباد الذيوكان يزيد النار اشتعال في نفوس زعماء قريش مهاجمة الرسول

كان يسود مكة، وكشفه لحوال الكفار وأعمالهم. وكانت مرحلة من أشق المراحل على الرسول وصحابته.

ولئن كان النتقال من دور الثقافة إلى دور التفاعل هو من أدق الدوار، لنه يحتاج إلى حكمة . فإن دور التفاعل هو من أشق الدوار، لنه يحتاج إلى جرأة وصراحةوصبر ودقة في التصرف

وتحد دون أن يحسب للنتائج والوضاع أي حساب، وتحصل فيه فتنة المسلمين عن دينهم. ويظهر فيهاليمان وقوة الحتمال، ويظهر ما في النفس من صدق اللقاء.

مع صحابته يتحملون الذى والظلم والرهاق؛ فكان منهم من هاجر إلىهكذا سار الرسول الحبشة فرارا بدينه؛ ومنهم من مات تحت التعذيب، ومنهم من احتمل. واستمروا على ذلك مدة كافية

لتحويل مجتمع مكة، ولكن شدة الذى هي التي حالت دون ذلك. وصار العرب وكثير من الناس يقفون موقف المتفرج، ولم يتقدموا خطوة نحو اليمان، لنهم كانوا يسعون لعدم إغضاب قريش. وصار

يطلبالعمل للنتقال إلى دور ثالث وهو دور تطبيق السلم خارج مكة حيث راح الرسول النصرة والمنعة من القبائل حتى يستطيع أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم.

يعرض السلم على القبائل: الرسول

وزوجه خديجة رضي ا عنها هلكا في عام واحد. فعظمتذلك أن أبا طالب عم الرسول بهلكهما. ووصلت قريش من أذاه إلى ما لم يكونوا يصلون إليه قبل وفاةالمصيبة على الرسول

ما نالت مني قريش شيئا أكرهه يقول: «عمه. حتى نثر بعضهم على رأسه التراب. وكان الرسول إلى الطائف يلتمس»[سيرة ابن هشام]. فلما توفي أبو طالب خرج الرسول حتى مات أبو طالب

النصرة والمنعة له من قومه. عمد إلى نفر من ثقيف هم يؤمئذ سادة ثقيف وأشرافهم وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على السلم والقيام معه على من خالفه من قومه؛ فرفضوا عرضه وأوصلوا خبره إلى

طلب منهم الكتمان. ولم يستطع دخول مكة إل بجوار.قومه مع أنه

يا بني فلن اني رسول ا إليكم، يأمركم يقف على منازل القبائل ويقول: «وكان الرسول عوا ما تعبدون من دونه من هذا النداد، وأن تؤمنوا بي أن تعبدوا ا ول تشركوا به شيئا، وأن تخل

» [سيرة ابن هشام]. وكان عمه أبو لهب يقفوتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن ا ما بعثني به وراءه ويرد عليه ما يقول ويكذبه. ولم يقبل منه أحد، وكانوا يقولون: قومك أعلم بك حيث لم يتبعوك.

».اللهم لو شئت لم يكونوا هكذاويكلمونه ويجادلونه ويكلمهم ويدعوهم إلى ا ويقول: «

أتى كندة في منازلهم وعرض: (وحدث الزهري أن رسول ا وجاء في سيرة ابن هشام عليهم نفسه فأبوا عليه، وأنه أتى كلبا في منازلهم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم، وأنه أتى بني حنيفة في منازلهم وطلب منهم النصرة والمنعة فلم يكن أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم؛ وأنه أتى بني

عامر بن صعصعة فدعاهم إلى ا وعرض عليهم نفسه. فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس:

Page 44: الدعوة إلى الاسلام

وا لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لكلت به العرب. ثم قال: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم المر إلى ا يضعه: «أظهرك ا على من خالفك أيكون لنا المر من بعدك ؟ قال له الرسول

». فقال بيحرة: أفنهدف نحورنا للعرب دونك. فإذا أظهرك ا كان المر لغيرنا، ل حاجةحيث يشاءلنا بأمرك).

على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى ابقي الرسول وإلى السلم؛ ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من ا من الهدى والرحمة، ل يسمع بقادم يقدم من

العرب له اسم وشرف إل تصدى له ودعاه إلى ا وعرض عليه ما عنده .

ودعاهم وعرض نفسه عليهم فلم يستجبوكان من سمي من القبائل الذين أتاهم رسول ا – مرة،5 – غسان، 4 – فزارة، 3 – محارب بن خصفه، 2 – بنو عامر بن صعصعة، 1منهم أحد:

–13 – كلب، 12 – كندة، 11 – بنوا البكاء، 10 – بنو نضر، 9 – عبس، 8 – سليم، 7 – حنيفة، 6 – الحضارمة. وذلك حسب طبقات ابن سعد.15 – عذرة، 14الحارث بن كعب،

:استجابة أهل المدينة

ما أقام يدعو القبائل إلى ا ويعرض نفسه عليهم كل سنة بمجنة وعكاظوأقام رسول ا ومنى أن يؤوه حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة. فليست قبيلة من العرب تستجيب له ويؤذى ويشتم

حتى أراد ا إظهار دينه ونصر نبيه وإنجاز ما وعده، فساقه إلى هذا الحي من النصار فانتهى إلى نفر منهم وهم يحلقون رؤوسهم. فجلس إليهم فدعاهم إلى ا وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا ل ورسوله

فأسرعوا وآمنوا وصدقوا.

. فأسلم من أسلم. ثم قدموا المدينة ودعوا قومهم إلى السلم

ولما جاء الموسم من العام المقبل وافاه اثنا عشر رجل من الذين أسلموا من الوس والخزرج معهم بالعقبة: وهي العقبة الولى فبايعوه بيعة النساء. وبعث رسول ا من أهل المدينة فلقوه

مصعب بن عمير بناء على طلبهم. وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم السلم ويفقههم في الدين. وكان يسمى (المقرئ) وكان منزله على أسعد بن زرارة. ثم حدث أن آمن أسيد بن حضير وسعد بن معاذ ..

وهما سيدا قومهما. ولما أسلم هذا الخير قال لقومه:كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا : سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة. قال لهم: فإن كلم رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بال ورسوله. فما أمسى

في دار عبد الشهل رجل وامرأة إل مسلما ومسلمة.

:بيعة العقبة

. وخرج من خرج من النصار من المسلمين إلى الموسم معثم إن مصعبا رجع إلى مكة واجتمع معهم وكانوا ثلثة وسبعين رجل وامرأتين. وكان معه العباس عمه فقط. قال أسعد بن العقبة من أوسط أيام التشريق. وجاءهم الرسولحجاج قومهم من أهل الشرك فواعدوا رسول ا

هو أول من تكلم فقال: "يا معشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمدازرارة: وكان العباس عم الرسول إلى ما دعوتموه إليه. ومحمد من أعز الناس في عشيرته يمنعه وا منا من كان على قوله، ومن لم

Page 45: الدعوة إلى الاسلام

يكن منا على قوله يمنعه للحسب والشرف. وقد أبى محمد الناس كلهم غيركم، فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلل بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فارتأوا رأيكم وأتمروا بينكم

ول تفترقوا إل عن مل منكم واجتماع. فإن أحسن الحديث أصدقه".

: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول ا فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.قالوا

: فتل القرآن ودعا إلى ا ورغب في السلم وشرط لربه أن يعبدوه ولفتكلم الرسول » [سيرة ابنأبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكميشركوا به شيئا. ثم قال: «

هشام] فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا.فبايعنا يا رسول ا فنحن وا أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر.

: يا رسول ا ان بيننا وبين الرجال حبال –فاعترض أبو الهيثم بن التيهان والبراء يتكلم فقال يعني اليهود – وإنا قاطعوها، فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك ا أن ترجع إلى قومك

بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من ثم قال: «وتدعنا؟ فتبسم رسول ا » [سيرة ابن هشام].حاربتم وأسالم من سالمتم

. ثم قال البراء: أبسط يدك يا رسول ا. ثمفقالوا نبايعه على مصيبة الموال وقتل الشراف ضرب السبعون كلهم على يده وبايعوه. فلما بايع القوم وكملوا صاح الشيطان على العقبة بأبعد صوت

:سمع: يا أهل الخاشب هل لكم في محمد والصبأة معه قد أجمعوا على حربكم. فقال الرسول أخرجوا لي منكم اثنى عشر نقيبا ليكونوا كفلء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم –«

». فاخرجوا منهم ذلك. وهكذا تمت البيعة في هذا الجو اليماني الخالص. حتىوأنا كفيل على قومي : والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا،أن العباس بن عبادة قال للرسول

» [سيرة ابن هشام].لم نؤمر بذلك ، ولكن ارجعوا إلى رحالكم: «فقال الرسول

. وقد ذكر ابن سعدوانتهى الموسم وغادر القوم مكة التي جن جنونها عندما بلغها خبر البيعة طابت نفسه وقدفي طبقاته عن عروة عن عائشة قال: "لما صدر السبعون من عند رسول ا

جعل ا له منعة وقوما أهل حرب وعدة ونجدة. وجعل البلء يشتد على المسلمين. فشكا ذلك أصحاب أنه قد أخبر بدار هجرتهم وأنها يثرب. ومن واستأذنوه بالهجرة. ثم أخبرهم الرسول رسول ا

رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب: «أراد الخروج فليخرج إليها. قال » [رواه البخاري ومسلم].وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب

إن محاولت طلب النصرة من القبائل وبيعة العقبة الولى وبيعة العقبة الثانية تدل جميعها كان يريد كيانا عنده قوة ومنعة لنصرة هذا الدين. ولم يعد المر يقتصر علىعلى أن الرسول

الدعوة فحسب واحتمال الذى، بل يتجاوزه إلى أن تكون هناك قوة يدفع بها المسلمون عن أنفسهم، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك أيضا إلى إيجاد النواة التي تكون حجر الزاوية والدعامة الولى في إقامة

دولة السلم تطبقه في المجتمع، وتحمله رسالة عالمية للناس، وتحمل معه القوة التي تحميه وتزيل من أمامه كل حاجز مادي يقف في سبيل نشره. وحدثت الهجرة وكان فيها ترك للمال وللوطن والزوج

والهل. وكانت الهجرة إلى المدينة تختلف كليا عن الهجرة إلى الحبشة.

. وقد جعلها افالهجرة إلى الحبشة كانت هجرة أفراد فرارا بدينهم، وخوفا عليهم من الفتنة للمسلمين المضطهدين في مكة فرجة فتحها عليهم لكي يغيروا أجواءهم، فل يبقون تحت المطارق. بل

ترتاح فيها النفوس لتأخذ الستعداد من جديد على حمل الدعوة نشيطة قوية. ولم تشكل خطوة من

Page 46: الدعوة إلى الاسلام

خطوات الطريق حيث يقوم المهاجرون بالعمل من الخارج وبالتعاون مع النظمة التي هاجروا إلىبلدها لقلب الحكم في المكان الصل في حمل الدعوة.

:الهجرة إلى المدينة

بينما شكلت الهجرة إلى المدينة انتقال للدعوة من طور الكلم والصبر إلى طور التنفيذ بعد . وهي حركة انتقال من دار الكفر إلى دار السلم التي أقامهاإنشاء الكيان أي الدولة السلمية

في المدينة، حيث سيحمل السلم بصورة مختلفة تماما وذلك عن طريق دولة تحكم بهالرسول وتطبقه وتدعو له بالحجة والبرهان، وتحمله بالقوة التي تحمي هذه الدعوة من قوى الشر والطغيان.

إلى المدينة استقبله عدد كبير من أهلها. فأقام أول ما قام مسجدا. وكانولما وصل الرسول المسجد مكانا للصلة وللتشاور ولدارة شؤون المسلمين والقضاء بينهم، وأخذ يهيئ أجواء المدينة

للقتال. فيشكل السرايا ويعين قوادها ويرسلها خارج المدينة. وعقد معاهدات مع اليهود. وعلى الجمال يتصرف في المدينة تصرف الحاكم رئيس الدولة.صار الرسول

. حتى أقيمت دار السلم فما هو المتعلق بذمتنا من فعله وهذا هو ما قام به الرسول يجب علينا أن نسير سيرته. وإذا كان العمل لقامة دولةونحن تأسيا بسيرة الرسول

تأخذ نفس الحكم، إذ أن بيان فعله تابعالسلم فرضا فإن سلوك الطريق التي سلكها الرسول . قل هـذه سبيلي أدعو إلى ا على بصيرة أنا ومن اتبعني...للمبين في الوجوب. يقول تعالى: [

:وعليه فإن علينا أن نقسم عملنا إلى دورين أو مرحلتين كما فعل الرسول .مرحلة التثقيف والتأسيس-

.مرحلة التفاعل والكفاح-

من أعمال؛ وذلك بإيجاد الثقافة- ففي المرحلة الولى علينا أن نقوم بما قام به الرسول السلمية المركزة عند من يقبل تحمل أعباء الدعوة؛ وبناء الشخصية السلم المتميزة عنده، وذلك

بتكوين العقلية السلمية النيرة والنفسية السلمية الخيرة. ويكون ذلك عن طريق الحلقات المركزة. ويدعو كل من يؤنس فيه الخير لقبول هذه الدعوة بغض النظر عن السنكما كان يفعل الرسول

والمكانة، وبغض النظر عن الجنس والصل، ويتكتلون على ذلك. ونبقى على ذلك حتى يتحقق فيهذه الكتلة الناشئة:

- النضج في الثقافة، بأن تتكون عقليتهم ونفسيتهم بحسب السلم . فيصبحون قادرين علىمجابهة فساد الواقع.

- أن ل يطيقوا أن تبقى الدعوة حبيسة في نفوسهم. فيصيرون يتطلعون إلى نشر ما عندهمويبدأون ذلك مع من يأنسون فيه الخير ثم يتوسعون.

- أن يحس الناس على دعوتهم وعلى وجودهم وعلى اجتماعهم.

Page 47: الدعوة إلى الاسلام

أمكننا أنحتى إذا وجدت فينا هذه المور الثلثة التي وجدت في الصحب الول للرسول ننتقل إلى الدور الثاني أو المرحلة الثانية.

، وأن نبادئ المجتمعاتوفي هذه المرحلة يجب علينا أن نجهر بالدعوة كما فعل الرسول القائمة ونتصدى لفكارها وعاداتها وأنظمتها وبيان خطئها وفسادها وتبيان أفكار السلم ومفاهيمه

يدعو بكل صراحة وجرأة وقوة،وأنظمته الحقة بالمقابل. ويجب علينا أن ندعو كما كان الرسول فل نلين ول نستكين، ول نحابي ول نداهن، ودون أن نحسب أي حساب لعادات أو تقاليد أو أديان أو

مبادئ أو حكام أو سوقة، ويجب أن نحمل الدعوة بحيث تكون السيادة المطلقة للمبدأ السلمي، بغض النظر عما إذا وافق الناس أم خالفهم، وتمشى مع عاداتهم أم ناقضها، قبل به الناس أم رفضوه

وقاوموه. بل يتمسك بالمبدأ ويصبر عليه حتى يغير الخرون بناء عليه. ولما كان الزعماء سيقفون ، فإن ذلك سيقتضي كفاحا سياسيا ضدهم ، وذلكحائل في وجه هذه الدعوة كما وقفوا أيام الرسول

.بكشفهم وكشف ألعيبهم وكشف ولئهم ، وكشف تآمرهم ومهاجمتهم تماما كما هاجمهم الرسول ما أغنى عنه مالهتبت يدا أبي لهب وتب فها هو القرآن يهاجم أبا لهب ويذكره باسمه حيث يقول: [

بالرغم من شرفه ومكانته في بني هاشم. كذلك تعرض القرآن] سيصلى نارا ذات لهب وما كسب وجعلت له مال ذرني ومن خلقت وحيدابالتهديد لسيد بني مخزوم الوليد بن المغيرة بقوله تعالى: [

عتل بعد ذلكوبقوله فيه في سورة نون والقلم وما يسطرون: [] سأصليه سقرإلى أن يقول: [] ممدودا. ]ناصية كاذبة خاطئة كل لئن لم ينته لنسفعا بالناصيةوبقوله في أبي جهل: [] زنيم

من حرص على هدايةوحملنا للدعوة يجب أن يظهر عليه ما ظهر على دعوة الرسول في هذه المرحلة أن يفهم الناس مبدأ السلم ليكون مبدأهم،الخرين ، حيث كان دأب الرسول

ولتصبح غايته غايتهم، أي أن نريد من الناس أن يتبنوا عن قناعة ما نحمله لهم.

الرد والصد والتكذيب والتشريد والشاعة والمقاطعة فكذلك يحدثوكما حدث مع الرسول معنا اليوم.

ذلك،وكما نشأ عند الصحابة شعور بالحاجة إلى استعمال السلح وطلبوا من الرسول » كذلك يجب أن نمتنع عن حمل السلحإني أمرت بالعفو، فل تقاتلوا القومومنعهم من ذلك بقوله: «

واستعماله من أجل الوصول إلى الحكم قبل طلب النصرة.

النصرة لينتقل إلى الدور الثالث وهو دور التمكين والحكم عنوكما طلب الرسول طريقها ، فكذلك علينا أن نطلب النصرة لنصل إلى إقامة الحكم عن طريقها كما تبينا ذلك من فعل

.الرسول

طلب النصرة:

). ولنراجعه بتمهلطلب النصرة(ولنقف قليل أمام حكم مهم من أحكام الطريقة وهو ونستخلص منه ما يلزمنا، خاصة وأن هناك من يعمل لقامة الدولة السلمية ول ينظر إلى النصرة

أدى نظر. وكأنها أمر فرعي ليس له وزن، أو كأن سندها ضعيف ول يجوز الخذ بها. ولم يقفوا عند هذا الحد بل راحوا يهاجمون هذا الحكم ويهاجمون من يفعله. مع أن السيرة كلها تعرضت لهذا الحكم مع اختلف ضئيل ل يذكر في التفاصيل. فكتاب السيرة لم يكونوا منتمين إلى أحد من جماعات هذه

Page 48: الدعوة إلى الاسلام

وهو)النصاروسماهم (] آووا ونصروااليام، ومع ذلك فقد قالوا بها . والقرآن نفسه قد ذكر الذين: [وصف فيه مدح، ووصف لبرز ما اتصفوا به.

قد طلب النصرة من الزعماء الذين يملكون القوة. وأنهوالناظر في السيرة يرى أن الرسول بالرغم من الرد القبيح الذي تتالى عليه من قبيلة إلى قبيلة فإنه بقي مصرا على الطلب وكرره ولم يهدأ

بطلبه. وقد ذكر ابن سعد في طبقاته خمس عشرة قبيلة وبطنا. فهذا الصرار إن دل على شيء فإنهليدل بشكل واضح على أن طلب النصرة كان أمرا من ا له بفعله.

. فقد أثنىوتسمية القرآن لمن استجاب له في هذا المر بأنهم النصار دليل آخر على ذلكعليهم القرآن في أكثر من موضع وتاب عليهم ا. وتقع مرتبتهم بعد المهاجرين مباشرة.

. فالرسول واللفاظ التي تضمنها طلب النصرة تدل على أن هذا الطلب هو حكم شرعي يا بني فلن إني رسول ا إليكم يأمركم أن تعبدوا ا ول تشركوا به شيئا ... وأنكان يقول: «

»[سيرة ابن هشام] فهناك أمر منتؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن ا ما بعثني به ا ورسوله. والمر هو حكم شرعي. تتخذ له الساليب المناسبة لتنفيذه. وليس هو بحد ذاته مجرد

أسلوب.

وبين من كان يطلب منهم النصرة، وبينه وبينثم إن المناقشات التي دارت بين الرسول كان يرمي بهذا العمل الذيمن كان يبايعه في العقبة الثانية لتدل بشكل واضح على أن الرسول

كان يصر عليه إلى إقامة هذا الدين، وإقامة الكيان الذي يحميه ويطبقه وينشره. فكيف نهمله وهو الحكم الذي كان عن طريقة تغيير وجه الدعوة والنتقال بها إلى الدار التي تطبقها وتنشرها. ولحساب

من يكون هذا الهمال؟!.

- فقد فهم الكفار أن وراء هذا العمل مبايعة وإظهارا للدين. فها هو وفد بني عامر بن صعصعة يفهم أن المر يتعلق بالحكم. وها هم كفار مكة يجن جنونهم لما علموا بأمر العقبة الثانية. وقولهم: يا

معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا. وها هو الشيطان يصيح بأبعد صوت بعدما تمت بيعة العقبة الثانية بقوله: يا أهل الخاشب هل

لكم في محمد والصبأة معه قد أجمعوا على حربكم.

أبناء الحروب وأهل: فبايعنا يا رسول ا فنحن وا وأثناء بيعة العقبة الثانية قال البراء اأظهرك. وقال أبو الهيثم بن التيهان: ان بيننا وبين القوم حبال، وإنا قاطعوها فهل عسيت إن الحلقة

أن تتركنا وتعود إلى قومك.

مفارقة للعرب كافة وقتل خياركم وان تعضكم: إن إخراجه اليوم وقال أسعد بن زرارة.السيوف

.لنميلن على أهل منى بأسيافنا: ان شئت وكلم العباس بن عبادة

بل الدم الدم والهدم والهدم أحارب من حاربتم وأسالم من: «وقال الرسول ردا على أبي الهيثم».سالمتم

وقوما أهل بأن نفسه قد طابت وقد جعل ا له منعة وها هي عائشة تقول عن الرسول .حرب وعدة ونجدة

Page 49: الدعوة إلى الاسلام

إعزاز نبيه في موضوع طلب النصرة: "ولما أراد ا وها هو ابن هشام يقول عن الرسول ساقه لهذا الحي من النصار".ونصر دينه

فهذه اللفاظ تعطي دللة واضحة على أهمية هذا الحكم، وتمنع أن يصرف معناها إلى أن من . فألفاظ البيعة، وإظهار الدين ، والنصر،يدعى إلى السلم فيستجيب يكون قد نصر هذا الدين

والحرب، وأن يقتل الشراف، وان تعضهم السيوف، وأن فيها مفارقة للعرب كافة، وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم، كل هذه ألفاظ تجعل فهم طلب النصرة على الوجه الذي طلبه

هو طلب الحماية ولو باستعمال القوة لتبليغ الدين، وطلب إقامة الدولة التي تحمي الدينالرسول ودعاته، وتطبق أحكامه وتنشر إلى العالم رسالته.

:ويلحظ في هذا المجال أن الرسول - قد طلب المنعة والجوار لحماية أشخاص ولحماية الدعوة. وهذه تطلب ولو من مشركين كما حدث مع عمه حيث حماه ومنعه ومنع أي أحد من التعرض له. وكما حدث مع المطعم بن عدي عندما

أجاره بعد رجوعه من الطائف. وهذه ل يصح أن تتخذ للضغط على المسلم الذي يجار أو أن يساوم وا يا عماه لو قد قال لعمه حين طلب منه أن يخفف من زخم دعوته: «على دينه. فالرسول

وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا المر ما تركته حتى يظهره ا أو» [سيرة ابن هشام].أهلك دونه

- أن الرسول كان يتصل بالسادة ويطمع بإيمانهم طمعا في إيمان من وراءهم، وهذا من شأنهأن يجعل الدعوة أسهل انتشارا وأكثر تقبل. وتساهم جيدا في صنع القاعدة الشعبية.

قد طلب النصرة والمنعة عن طريق أهل القوة، وشرط لها السلم كما حدث- أن الرسول في بيعة العقبة الثانية.

أنها كانت تطلب من الزعماءوطلب النصرة هذا من أهل القوة كان واقعه زمن الرسول الذين كانوا يجمعون إلى جانب الزعامة القوة الشعبية. فالزعيم كان حينها هو نفسه الحاكم وهو نفسه

القائد العسكري، وهو نفسه الذي يعود الناس إلى رأيه.

. وما يرى له من شعبية فإنها في الغالبأما اليوم فإن الحاكم يملك القوة بالكراه، ويفقد الشعبية من حيث أننا يجب أن نتصل بمن لهم ثقلليست حقيقية. ونحن علينا أن نفعل ما فعله الرسول

ووزن في المجتمع لفتح الباب أمام من وراءهم، وتأمين القاعدة الشعبية، ويجب أن نطلب النصرة من أهل القوة مثل ضباط الجيش للوصول إلى الحكم. وعند اشتداد الذى على أفراد الجماعة فل بأس من أن يجاروا من معارفهم أو أقاربهم شرط أن ل يشكل ذلك ضغطا ومساومة على إيمان الفرد المجار،

، آخذين بعين العتبار الواقع الذي نعيشه.وبهذا نكون قد قمنا بما قام به الرسول

، وهذه هي الطريق التي يجب أن نسير عليهاهذه هي الطريق التي سار عليها الرسول ، فنوجد بذلك:متأسين بفعل الرسول

– الشباب المعدين إعدادا من شأنه أن يقيم السلم على أيديهم، كما أعد الرسول 1 وقيادة المة منالمهاجرين الذين قام على أكتافهم حمل الدعوة في مكة وإقامة الدولة مع الرسول

بعده.

Page 50: الدعوة إلى الاسلام

– الرأي العام للفكرة المنبثق عن الوعي العام ، أي إيجاد القاعدة الشعبية التي ل ترضى إل2 كنظام حكم، وتحتضنه حين يقام، كما حدث مع أهل المدينة حيث صاروا يريدون السلمبالسلم

ومستعدين لحمايته.

– أهل القوة والمنعة التي نصل عن طريقها إلى استلم الحكم.3

وكان حقا علينا نصر. وا سبحانه قد وعد المؤمنين الملتزمين بشريعته بالنصر حيث قال: [ ومتى تهيأت لنا هذه المور، فقد تهيأ لنا قيام المر على الطريقة نفسها التي سلكها الرسول وعد ا الذين آمنوا منكموقال: []ولينصرن ا من ينصره إن ا لقوي عزيزوقال: []المؤمنين

وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي.]ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ل يشركون بي شيئا

:الطريقة والسلوب

أو قاله أثناء سيره في مكة يعتبر: هل كل ما فعله الرسول السؤال الذي يطرح الن هو وحيا له من ا، وبالتالي هو واجب اللتزام به؟ أو أن هناك أفعال وأقوال ليست من الوحي ول تدخل

في مجال وجوب التأسي؟

.وهنا يأتي بحث الطريقة والسلوب والوسيلة

: هل يصح الحكم على الطريقة ( التي هي مجموعة أحكام شرعيةويطرح سؤال آخر أيضا هو وليست أساليب ) بأنها خاضعة للتجربة، فإن أثمرت بعد تجربتها فترة من الزمن حكمنا بصحتها ،

وإل كانت خاطئة؟

:في شأن الموضوع الول

والتأسي به في كل ما: ان ا سبحانه وتعالى قد طلب من المسلمين اتباع الرسول نقول وما آتاكموقال تعالى: []إن هو إل وحي يوحى وما ينطق عن الهوىيقول ويعمل. قال تعالى: [

و (ما) هي من ألفاظ العموم ، وعليه فإنه ل يخرج أي شيء]الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (أي بلغنا إياه) عن دائرة التباع والتأسي إل أن يأتي الدليل الشرعي الذيآتانا إياه رسول ا

يخصص هذا العموم.

: وقد أتت بعض الدلة التي تستثني من التباع بعض أقواله وأفعاله من مثل

» [رواه مسلم] فأمور الدنيا من مثل الزراعةأنتم أعلم بأمر دنياكم: «- حديث الرسول قدوالتصنيع والختراعات ودراسات الطب والهندسة، فهذه كلها ل تدخل تحت الوحي. والرسول

في حادثة تأبيرأرشدنا إلى أنه في هذه المور هو بشر كغيره ول ميزة له في ذلك. كما بين ذلك النخل.

Page 51: الدعوة إلى الاسلام

ل يشاركه فيها أحد وذلك كاختصاصه بوجوب- الفعال التي ثبت كونها من خصوصياته الضحى وإباحة الوصال في الصوم، وإباحة تزوجه بأكثر من أربع نسوة، ونحو ذلك مما ثبت أنه

. ول يجوز القتداء فيها بالنبي خاص بالرسول - الفعال الجبلية التي من جبلة النسان وطبيعته أن يقوم بها. وذلك كالقيام والقعود والمشي

ولمته.والكل والشرب ونحوه فهذه ل نزاع في كون الفعل على الباحة بالنسبة للرسول

عندما كان ينفذ الحكم الشرعي، كان يتخذ له الساليب المختلفة ويستعمل له- إن الرسول الوسائل المناسبة فالحكم الشرعي هو حكم ا ويجب تنفيذه. أما الكيفية التي ينفذ بها الحكم الشرعي

كشخص على أنأي السلوب، والوسائل المناسبة لتنفيذ الحكم الشرعي فهي متروكة للرسول يكون أسلوبا طيبا ووسيلة ل تؤدي إلى الحرام.

هو حكم شرعي يجب تنفيذه . والشرع لم يحدد له كيفية] فاصدع بما تؤمر: قوله تعالى: [فمثل بالمر امتثال لمر ا الذي ل يستطيع مخالفته. أما الكيفيةمعينة في التنفيذ . فقد صدع الرسول

فيالتي صدع بها الرسول فلم تكن ملزمة له. وهي بالتالي غير ملزمة للجماعة التي تتأسى بفعله بالمسلمين في وقف على الصفا، أو دعا إلى طعام، أو خرج قد إقامة دولته. فإن كان الرسول . فكل هذه أساليب متعلقة بتنفيذ الحكم الشرعي، أي هي أفعال فرعيةصفين يطوف بهم حول الكعبة

متعلقة بالحكم الصل الذي هو الصدع. فهي على الباحة من حيث الصل. ومتروك للجماعة تحديدالنسب منها من غير تحديد لها من الشرع.

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ا: [ومثل قوله تعالى فقوله (وأعدوا) هو حكم شرعي يجب التزامه. وهو فرض تحرم مخالفته. والمطلوب هو] ...وعدوكم

العداد الذي يحقق وجه العلة وهو الرهاب. أما الوسيلة (رباط الخيل) فهي غير ملزمة. فكل وسيلة تؤدي إلى الرهاب مطلوب إيجادها. والوسائل التي يتحقق بها الجهاد متجددة. وعليه فإن المطلوب هو الوسائل الفعالة في تنفيذ الحكم الشرعي. ووسائل الجهاد وتحقيق الرهاب لعداء ا وللمنافقين

في يومنا هي من مثل (الطيران – المدفعية – الصواريخ ...) وعليه فالحكم الشرعي هو حكم االذي انصب عليه الخطاب مباشرة فهو حكم الصل.

. فهو على الباحة ومتروك لنا تحديدوالسلوب هو حكم فرعي متعلق بكيفية تنفيذ حكم الصلالسلوب النسب.

. وهي على الباحة أصل ومتروك لنا تحديدوالوسيلة هي الداة التي ينفذ بها الحكم الشرعيالوسيلة الفعل.

سواء ما نزل في مكة أو في المدينة، أكان متعلقاوبناء عليه فإن كل ما صدر عن الرسول يعتبر وحيابالعقيدة أم بالنظمة ، بطريقة السير أم بتطبيق الحكام الشرعية. فكل ما صدر عنه

يدخل في مجال التأسي ما عدا هذه الستثناءات المذكورة وغيرها من مثلها.

في مكة يرى أنه قام بأعمال تعتبر أحكاما شرعية ل يجوزوالناظر في سير دعوة الرسول مخالفتها بل يجب التزامها. وكذلك قام بأعمال هي من باب الساليب. واتخذ وسائل لينفذ بها الحكم

الشرعي المطلوب منه. ويجب التمييز بين ما يعتبر حكمه من أحكام الطريقة وبين مما هو أسلوب أووسيلة حتى تعرف الجماعة ما هو المطلوب منها تحديدا وما هو المتروك لها.

Page 52: الدعوة إلى الاسلام

ول يجوز اعتبار الطريق كلها من باب الساليب المتروكة لختيار الجماعة حسب الظروف، . ولبيانلنه سيؤدي إلى إهمال الحكام الشرعية المتعلقة بالطريق، ويقوم بدلها بأحكام من عند نفسه

ذلك نعطي بعض المثلة:

فهذا أمر من ا لرسوله بالجهر بالدعوة. وهذا المر يكشف] فاصدع بما تؤمر- يقول تعالى: [ عن وجود حكمين شرعيين: الول وهو عدم الجهر قبل نزول الية والثاني هو الجهر امتثال للية.

لم يكن مخيرا بين أن يصدع أو ل يصدع. بل يجب أن يطيع حكم ا بالجهر. فهذا حكموالرسول بما عن أمره، ويدخل في مجال التأسي. وقوله تعالى: [شرعي قد بينه الشرع ولم يفعله الرسول

تدل على أن المر هو ا تعالى.] تؤمر

وقول الرسول ] ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلة...- يقول تعالى: [ إني أمرتلعبد الرحمن بن عوف حين طلب أن يستعملوا السلح في مواجهة شدة الكفار عليهم: «

» [رواه ابن أبي حاتم والنسائي والحاكم]، ومن ثم نزول قوله تعالى بعد ذلكبالعفو، فل تقاتلوا القوم كل] أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن ا على نصرهم لقديرأثناء الهجرة من مكة إلى المدينة: [

ذلك يدل على أن القتال لم يكن مأذونا به ثم أذن به، وأن الذي أذن به هو ا تعالى. فهو حكم شرعي يفعله أو ل يفعله عن أمره على أنه كان متروكا له، بل هو وحيويجب التزامه. ولم يكن الرسول

أن يتقيد به ، علينا نحن كذلك أن نتقيد به.ويدخل في مجال التأسي. فكما كان على الرسول

يا بني فلن إني رسول ا حين كان يطلب النصرة من القبائل: «- وكذلك قول الرسول إليكم، يأمركم أن تعبدوا ا ول تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه النداد،

» ] سيرة ابن) حتى أبين عن ا ما بعثني بهوفي رواية وتنصرونيوأن تؤمنوا بي وتمنعوني ( كان يتمثل الوحي في هذا. وأدلهشام ] . فهو بين في حديثه هذا أن المر هو أمر ا. والرسول

على طلب النصرة رغم كثرة الرفض وشدة الرد وقبحه.ما يدل على هذا إصرار الرسول

. أما بالنسبة للوسائل والساليبهذه أمثلة تتعلق ببعض الحكام الشرعية المتعلقة بالطريقة التي كان ينفذ بها الحكم الشرعي فنحن غير مطالبين بها على التحديد من حيث الصل. فنقوم

بالسلوب المناسب والوسيلة الناجحة في تنفيذ الحكم الشرعي.

مع المؤمنين بدعوته في دار الرقم، وفي بيوتفالثقافة المركزة كان يفعلها الرسول بعضهم ، وفي الشعاب. وهي بحقنا حكم شرعي يجب التزامه. ويتبنى له السلوب المناسب. فيختار له

أسلوب الحلقات أو السر لتعطى فيها الفكار بشكل مركز. ويعين لها وقت أسبوعي، ويحدد عدد أفراد الحلقة أو السرة، ويحدد لها الوقت الذي تستغرقه. كل هذا يكون بالشكل الذي يناسب تركيز

الفكار عند شباب الدعوة المؤمنين بها. وكل هذا متروك لنا، ونحن نحدده بما يتناسب وتحقيق الحكمالشرعي الذي هو إيجاد الثقافة المركزة.

كان يعرض نفسه ودعوته على الناس في أسواق مكة وعلى رؤوس الشهاد،والرسول ونحن حين نقوم بذلك نتبنى له السلوب المناسب، كأسلوب الخطابة أو نشر الفكرة في الدواوين. أو في مناسبات الناس كأفراحهم وأتراحهم. وتتخذ له الوسائل المتاحة كأن يكون عن طريق الكتب أو

المجلت أو النشرات أو الكاسيتات، أو بالصوت مباشرة فكلها وسائل مباحة.

عندما صعد إلى الطائف ليطلب النصرة، فسواء صعد راجل أم راكباوكذلك فإن الرسول أو أية وسيلة استعملها فهي ليست مجال للتأسي. فالوسائل متروكة لنا من غير تحديد الشرع لها.

Page 53: الدعوة إلى الاسلام

هي أحكام شرعية حددها له الوحي ولملذا فإنه يجب علينا أن نعلم أن طريق الرسول يخرج عنها قيد شعرة ، ونحن كذلك يجب علينا أن ل نخرج عنها قيد شعرة. وكل ما يتغير هو

الوسائل والشكال والساليب. فهي مما يقتضيه تنفيذ الحكم الشرعي. وهي متروكة لنا كما كانت.متروكة للرسول

إن إقامة دار السلم هي حكم شرعي، وهناك من يتصور أن طريق إقامتها هي بمنزلة . فنقوم بأي عمل يؤدي إلى إقامة دار السلم. فنقوم مثلالسلوب، ونحدده نحن من عند أنفسنا

بمساعدة الفقراء أو بالدعوة إلى الخلق، أو ببناء المدارس والمستشفيات، أو ندعو إلى فضائل العمال، أو نجاهد الحكام بالقتال، أو نقوم بالمطالبة بالمشاركة في الحكم، فكل هذا خروج عن التأسي

بالدعوة حين كان يتمثل أمر ربه في سلوك الطريق لقامة دار السلم. فكما صدع الرسول به يده عن القتال ولم يأذنامتثال لمر ا، علينا أن نصدع وإل كنا من المخالفين. وكما كف الرسول

النصرة نطلبها نحن مع الخذ للمسلمين باستعمال السلح، كذلك نمتثل نحن. وكما طلب الرسول بعين العتبار اختلف الواقع. وبالجمال فكما أن خطوات السير كان يحددها ا سبحانه لرسوله

فهي لنا محددة. ومخالفتها وعدم التيان بها يعتبر مخالفة شرعية.

. ول خيارفنحن في الطريق غير مخيرين، فالشرع قد حدد الغاية لنا، وحدد لنا طريق بلوغهالنا في ذلك سوى الطاعة.

(قرآن وسنة) مكانة في تحديد خطوات الطريق. ولومن هنا فإنه ليس إل للنص الشرعي نترك للعقل أو للظروف أو للمصلحة أي اعتبار في تحديد أية خطوة .

والنص الشرعي يفهم بحسب مدلوله اللفظي وليس بحسب أهواء الناس وميولهم ، بل الميل. يتبع الشرع ونحن ملزمون بما يرضي ا سبحانه وتعالى

ونلتزمها تماما كما سار عليها. ونحدد مراحلوعليه فإن علينا أن نفهم طريقة الرسول عمله والعمال التي تمت في كل مرحلة.

بأعمال (كالتصال بالفراد، وجمع من آمن معه في مكانففي مرحلة التثقيف قام الرسول سري والمداومة على تثقيفهم) فنحن نلتزم أصل هذه العمال كأحكام شرعية هي من عند ا ونختار

لها ما يلزم من وسائل وأساليب من عند أنفسنا.

بأعمال (إعلن الدعوة على رؤوس الشهاد، ونزولوفي مرحلة التفاعل قام الرسول مئات اليات التي تهاجم العقائد والعادات الفاسدة، وتهاجم زعماء قريش بأسمائهم أو أوصافهم، عرض نفسه على القبائل) ونحن نلتزم أصل هذه العمال كأحكام شرعية. ونضيف إلى أعمال

المرحلة الولى التي هي التثقيف أعمال المرحلة الثانية حيث يتجلى فيها الصراع الفكري والكفاح السياسي وتبني مصالح المة على أساس السلم وكشف خطط الكفار المستعمرين مع أذنابهم الحكام

ومن ثم نختار لهذه العمال ما يلزم من وسائل وأساليب منالعملء. تماما كما كان يفعل الرسول عند أنفسنا.

فيها في مكة يجب أن يجري التأسي لقامة دارنعم من تلك الفترة التي كان الرسول عندما سار في هذه الطريق، وقام بأعمال من أجل ذلك، لقى في طريقة الهوانالسلم. والرسول

والستضعاف والشدة والذى. وما لنت له قناة، ول ضعف له عزم. وكان يأتيه أمر ا فيجهد في

Page 54: الدعوة إلى الاسلام

حيث] فاصدع بما تؤمرتنفيذه .. وإنه لبعيد الفهم عن سلوك الطريق الصحيحة من يسمع قوله تعالى: [ يصدع بأمر ربه وليس بأمره هو ،يأمر ا رسوله بأن يصدع بأمره حصرا ، ويرى أن الرسول

لمثل هذهوبعد ذلك يقول: إن الطريق غير ملزمة. إنها إن لم تكن ملزمة فما حاجة الرسول المواقف التي وقفها يتحدى فيها الكفار ويتعرض للهتهم وزعمائهم ولعاداتهم ولفكارهم. وكل ذلك بتوجيه القرآن له. كان يستطيع أن يحابي الزعماء ويسترضيهم، أو يتماشى مع عادات قومه الفاسدة

لمره. وقالريثما يتمكن منهم ولو فعل ذلك لكان خالف أمر ربه، فقد نزل القرآن وامتثل الرسول عتل بعد ذلك]، [تبت يدا أبي لهب وتبوهاجم الزعماء كما سبق بيانه: [] قم فأنذرا له سبحانه: [

ووصف حال الكفار بأنهم:] ما أنت بنعمة ربك بمجنونودافع القرآن عن الرسول بقوله: [] زنيم وأمره بالصدع وإنذار أم القرى أي مكة وما حولها. ونهاه عن الدعوة] ودوا لو تدهن فيدهنون[

بالسلح هو ومن معه، فقد كان القرآن ينزل والرسول يسير بحسبه، وأي حجة بعد هذا لمن يقول بأنالطريق غير ملزمة؟

كان باستطاعته أن يخالف. ومعنى ذلك أن الرسول ومعنى كونها غير ملزمة أنها اختيارية أمر ا في كل ما نزل أو في بعضه، لنه من حيث الصل هو غير ملزم بما كان ينزل. ومعنى ذلك

أو سلوك غيرها. وفي هذا كل البعد عن الفهمأننا نحن كذلك مخيرون بين سلوك طريق الرسول ومنهجه في التغيير.الصحيح والتأسي بعمل الرسول

:خلط بعض المسلمين اليوم بين الطريقة والسلوب

كان تقسيم المجتمعات بدائيا (القبائل والعشائر)، أما اليوم فالتقسيمات أكثر، فزمن الرسول والشبهة التي تنشأ عند بعضهم آتية من كون الوضاع القائمة اليوم هي غيرها زمن الرسول تعقيدا وتداخل، وكانت القبيلة التي هي بمنزلة دولة تعد باللف أما اليوم فإنها تعد بالمليين أو

عشرات المليين، وكانت الدعوة في السابق هي دعوة كفار إلى اليمان، أما اليوم فهي دعوة مسلمين لم تتدخل الدول الكبرى (الروممن حيث الصل لستئناف الحياة السلمية. وزمن الرسول

في مكة. أما اليوم فإن الزعماء مرتبطون بسياسة الدول الكبرى وهم منوالفرس) بدعوة الرسول صنائعها. والدول الكبرى هي التي تكيد للسلم والمسلمين وهكذا …

وكثير من المور قد تغير؟: كيف نأخذ بطريق الرسول أهل هذه الشبهة لسان حالهم يقول إن في ذلك جمودا وتحجرا، ونحن غير مضطرين للتقيد به. فالمهم هو تحقيق الهداف الكبرى للدعوة

أل وهي تطبيق السلم عن طريق دولة إسلمية وتحقيق العبودية ل.

ولبيان الفهم الصحيح في أخذ الموضوع نقول بأن الحكم الشرعي ينزل دائما على الواقع الذي . فإذا تغير الواقع تغير الحكم الشرعي المتعلق به. وإذا لم يتغير الواقع يبقىوجد لجله هذا الحكم

الحكم الشرعي كما هو . والعبرة في الواقع هي بصفاته الساسية وليس بأشكاله الظاهرية.

فالمجتمع هو مجموعة من الناس تؤمن بأفكار مشتركة تتولد عنها مشاعر القبول والرضى . ومن ثم يقوم النظام الذي يطبقلكل ما يوافق هذه الفكار، ومشاعر السخط والغضب لكل ما يخالفها

هذه الفكار على الناس ويمنع تجاوزها. فيعيش الناس الحياة التي يقتنعون بها ويطمئنون إليها.

إن واقع المجتمع هذا قد يأخذ أشكال مختلفة، فقد يكون بصورة بدائية أو بصورة معقدة، فكل مجموعة من البشر تنتظمها الفكار والمشاعر المشتركة، ويحكمها نظام من جنس هذه الفكار سواء

Page 55: الدعوة إلى الاسلام

أخذ شكل القبيلة أو أخذ شكل الدولة الحديثة، وسواء كان يعد باللف أو يعد بالمليين، هو مجتمع لن.المواصفات التي جعلته مجتمعا موجودة فيه ولم تتغير

قد عمل على إيجاد المجتمع السلمي وذلك عن طريق إيجاد الفكار والمشاعروالرسول والنظمة السلمية. وقد سلك الطريق الشرعية التي توجد المجتمع السلمي. وكانت أعماله تصب كلها في هذا التجاه. فقد أوجد في المدينة الفراد المؤمنين الذين كانوا يشكلون غالبية سكانها، وأوجد

لديهم الفكار الساسية في السلم، وتولدت عندهم المشاعر المتجانسة، وعندما هاجر إليهم وأقام النظام تشكل المجتمع السلمي. وقد أخذ شكل بسيطا في أول أمره ثم تحول إلى مجتمع يحتاج إلى

تنظيم وأجهزة.

وأما ما يقال من أن الدول الكبرى لم تكن تتدخل، والن صارت تتدخل وتمنع وصول السلم، . وهذا يتطلب إضافة ثقافة وعمل علىفإننا نقول بأن هذا ل يغير طريقا بل يزيد الطريق صعوبة

الدعوة تأخذ بعين العتبار هذا الواقع، فتعمل الكتلة بالسياسة الدولية لكي تحيط علما بسياسات الدولالكبرى وتفهم ما تخطط لنا وتنفذه بواسطة عملئها وصنائعها حتى يمكننا مواجهته.

كان جل همه اليمان ولم يكن يتناول إل القليل من الحكام، فإنناوأما ما يقال بأن الرسول نقول بأن تناوله للحكام ولو بشكل قليل يدل على طلب الهتمام بالحكام الشرعية في الدعوة. مع ملحظة أن العمل في مكة كان بالدعوة إلى دخول السلم، أما الن فإن الدعوة هي بين مسلمين

عندهم العقيدة السلمية، ونزلت عليهم كل الحكام الشرعية. وصاروا مسؤولين أمام ا تعالى عن كل السلم وليس عن اليمان فقط. فالمسلم الذي كان يموت في مكة ل يسأل إل عما أنزل حتى وقت

وفاته. أما من يموت اليوم فإن ا سيسأله عن السلم كله. لذلك يجب أن تكون الدعوة شاملة وأنتكون دعوة لستئناف الحياة السلمية لننا لسنا دعوة جديدة ول دينا جديدا.

وكذلك فإن الناظر إلى واقع المسلمين اليوم يرى أن مشكلتهم ليست ضياع العقيدة السلمية بل . فغاضت منها الحيوية. وكل ذلك كانفقدان العقيدة السلمية لعلقتها بأفكار الحياة وأنظمة التشريع

بتأثير الفكر الغربي على المسلمين، الذي ترعاه الدول الغربية الكافرة وتعمل على إبقائه وتركيزه عنطريق زرع أنظمة تابعة لها. ووضع برامج التعليم وتسخير وسائل العلم من أجل نشر هذا.

فكان ل بد من عرض السلم عرضا صحيحا كامل متكامل يظهر فيه أهمية العقيدة واليمان .بأنه الفكر الساسي الذي تنبثق عنه الحكام، وتبنى عليه الفكار، وتتعين به وجهة النظر في الحياة

ومن ثم عرض لفكار عن الحياة من خلل هذه العقيدة. وذلك بالتركيز على أن الخالق المدبر هو ا، وأن الحكم له وحده، وإليه يرجع أمر الدنيا والخرة. وعندما يفرض على المسلم اليمان والحكاميتبين له قوة الحق وحيويته. وكذلك قوة الكتلة في فهم السلم والدعوة له ، وقدرتها على التغيير.

. وذلك بإقامة الدولةولذلك فإن الدعوة اليوم هي دعوة مسلمين لستئناف الحياة السلمية السلمية. ويكون أساس هذه الدعوة هو العقيدة السلمية، تعطى بشكل سياسي، بجعلها مسيرة

لجميع العمال بحسب أوامر ا ونواهيه.

. لذلك لم يتغير حكم العمللذلك فإن ما تغير هو الشكل، أما الجوهر فقد بقى هو هو لم يتغيرلقامة الدولة السلمية. وكذلك ل تتغير طريقة الوصول إلى ذلك.

Page 56: الدعوة إلى الاسلام

!تجربة الحكام الشرعية؟:وفي شأن السؤال الثاني

هناك من يصف العمل لقامة الدولة السلمية بالتجربة، ويصف الطريق بأنها الخط التجريبي. فهل يصح هذا الطلق؟الذي تمر به الدعوة

. ويعطي مدلول غير مطابق لمدلول كلمةإن وصف الطريق بالتجربة هو في غير محله(الطريق الشرعية).

. ويجب على الجماعةإن طريق العمل في السلم هي أحكام شرعية تعتمد على قوة الدليل اللتزام بها التزامها بالشرع ول يجوز الحيد عنها طالما رأتها بحقها أحكاما شرعية. فل تكون موضع

تجربة واختبار (إن هي حققت الهدف تكن تجربة ناجحة وإل فهي فاشلة ويجب تغييرها) حتى تجدالطريق التجربة التي من شأنها تحقيق الهدف.

بل ان الطريق الشرعية هي مجموعة من الحكام الشرعية – كما أسلفنا – من شأنها أن تحقق . ويتعبد ا سبحانهغايتها والتي هي استئناف الحياة السلمية، وهذه الحكام تعتمد على قوة الدليل

بالتقيد بها والصبر عليها طالما أنها أحكام شرعية بحق من يقوم بها. ول يغيرها إل إذا تبين له أنهناك دليل أقوى في العمل.

، وهي بهذا المعياروالطريق الشرعية يجب أن يظهر فيها التأسي واضحا بعمل الرسول تختلف عنها عند الذين يعملون بحسب النظمة الوضعية، حيث يجرب الناس أفهامهم ويختبرون

العمل ويربطون الصحة والخطأ بالنجاح والفشل وبتحقيق الهدف أو عدم تحقيقه.

. وتحتاج دائما إلى التغييرإن طبيعة النظمة الوضعية أنها غير نهائية عند أصحابها والتطوير. فأي عمل يقومون به يصح أن يطلق عليه أنه تجربة. وإن قوانين الغرب كلها تجارب.

ومعيار صحة الفعل عندهم هو تحقيق الغاية منه فقط. فإن حقق النتيجة كان صحيحا وإل فل. وهذا يختلف عن المسلم لختلف طبيعة السلم الذي هو منهج رباني من العليم الخبير، فهو صحيح ومكتمل طالما أنه اعتمد على الدليل الشرعي. وصحته آتية من صحة الدليل الشرعي، وصحة

الستدلل، وليس من ربطه بالنتيجة. لذلك كان التقيد هو الساس، ومنه ينطلق بالتقويم . وفيما يتعلق وعدبأعمال الطريق فإن النتيجة أي الستخلف والتمكين هو تحصيل يجب حصوله لقوله تعالى: [ ا الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ل يشركون بي

وإن لم تحصل النتيجة ل يلغى] إن تنصروا ا ينصركم ويثبت أقدامكمولقوله تعالى: [] شيئا... الطريق أو يستبدل، ول يعلن عن فشله، بل يراجع ويعاد النظر في أحكام الطريق. ول يترك أي حكم

شرعي إل إذا تأكدت الجماعة من خطأ فهمها فيه. وإذا لم يتبين للجماعة خطأ فما عليها إل اللتزام بما عندها، والصبر عليه حتى يأتي ا بأمره. وقد يكون المر متعلقا بسنة تأخير النصر التي لم ينج

.]حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنامنها الرسل من قبل. قال تعالى: [

. ووسائل الجماعة هي أقل بكثير من وسائلنعم إن العمل شاق ويحتاج إلى جهود ضخمة النظمة التي تواجهها، وإن نجاح العمل ليس مربوطا بمدة زمنية محددة، حتى إذا انقضت ولم يؤت

العمل ثماره حكم عليه بالفشل، بل هو مربوط بصحة الفكرة وقوة اللتزام من قبل القائمين بها. والتقبل للفكرة بشكل عام من قبل الناس. ومتى اكتملت هذه المور يسأل عن النصر الذي يتوصل إليه

Page 57: الدعوة إلى الاسلام

، وتقدير اكتمال هذه المور القطعي متروكعن طريق طلب النصرة. كل ذلك كما فعل الرسول ل. وتقدير الجماعة في هذا المجال يكون على غلبة الظن .

. وتأخره ل يعني وجود خطأ ما بالضرورة بلفإذا تحققت عوامل النصر جاء، وإل فهو يتأخر قد يعني أن نسبة العداد والتهيئة غير كافية، ويجب أن تزاد. والتأخير قد يكون من باب البتلء

لشباب الكتلة أو الجماعة: أتسقط بعد يأس، أم تبقى على العهد، أو يسقط أفراد منها. على كل حال تجب المراجعة. وفي حال لم تجد الجماعة ما يدعو إلى تغيير طريقها فل يجوز التغيير تحت حجة

التأخير. وعليها أن تفتش في أساليب عملها ووسائلها التي هي في الصل مباحة وتختار منها النسب.وعليه فإن التأخير قد ل يعني فشل، وليس هناك أدلة شرعية على بلوغ الهدف في مدة زمنية معينة.

نعم يجب أن ينصب النظر على صحة الفكار والحكام المتعلقة بالطريق، وبها يعد الشباب، . فإن صحت هذه الفكار وهذه الحكام بنظر الجماعة، وتم اختيار الساليب والوسائلوبها تهيأ المة

الناجحة لها ، فيجب الصبر عليها ول يجوز تغييرها مهما تأخر قطاف ثمرها.

. ودولب تغيير المجتمع أكبر بكثير منإن أمر التغيير يتعلق بأمه، وليس بتغيير فرد أو أفراد دولب تغيير الفراد. لذلك فحركته أبطأ بكثير. حتى ل يكاد يراها إل من أوتي بصيرة نافذة وتوجها

صحيحا. وهذا ل يعني أن الفرد عندما يعمل يجب أن يعمل وفي ذهنه أن هذا المر لن يقوم على يديه، وأنه سيقوم على أيدي الجيال القادمة. بل ينطلق الفرد أو أفراد الجماعة وفي ذهنهم أنه سيقوم

وصحبه. بل المقصود أنعلى أيديهم، وسيشهدونه ان شاء ا تعالى . كما قام على أيدي الرسول عمر الفرد الزمني قد يقصر وقد يطول. والوعد لم يأت لفرد أو لفراد بل للجماعة. فهذه الجماعة

المؤمنة هي التي وعدها ا سبحانه بالستخلف، وحين العمل قد يموت الفرد، وقد يموت المير، وقد يسقط الكثير ويبقى الوعد قائما ما دامت الجماعة قائمة على أمر ا، وسيتحقق النصر على يديها طال

أمده أم قصر . فهذا علمه عند ا ول يسأل عنه. والجماعة مسؤولة عن اللتزام فقط.

لذلك ل يقال عن الحكم الشرعي إنه تجربة، بحيث لو تأخر تحقق هدفها حكمنا عليها بالفشل . ل يقال ذلك ما دمنا متأكدين أنه حكم شرعي بحسبوتخلينا عنها ، لمصلحة عمل آخر تجريبي

الدليل. أما الساليب والوسائل فيصح إخضاعها للتجربة.

Page 58: الدعوة إلى الاسلام

أطروحات مخالفةللطريقة الشرعية

وعن أهمية التأسي به وعدم الخروج عن طريقته نجدإزاء ما ذكرنا عن طريقة الرسول هناك أطروحات يقف وراءها جماعات إسلمية، أو مفكرون مسلمون، تتعلق بهذا الموضوع. وبغض

النظر عن القائل فل بد من الهتمام بالقول. ول بد من استعراض سريع لها وإماطة اللثام عنها حتى ل يبقى المسلم في حيرة، يضيع في متاهات هذه الطروحات ، أو يحمل شبهات تتعلق بحمل الدعوة.

ونعرض فيما يلي أهمها:

هناك من المسلمين من يقول بأن فرض العمل لقامة الخلفة يجب أن يقتصر على دعوة الحكام وملئهم:

. فإن نجحت دعوة هؤلءوالمل من الناس هم سادة الناس ممن بيدهم المور ويحيطون بالحكام تغيرت المجتمعات لصالح السلم بسهولة وإل فلن يحصل تغيير. والذي ألجأ إلى هذا الفهم من القتصار على المل في الدعوة هو أن العمل لقامة الخلفة من خلل دعوة المسلمين العاديين

سيوقعهم تحت إذلل الحاكم، وستحمل نفوسهم ما ل تطيق الصبر عليه، والمسلم قد نهي عن ذلك يتعرض من البلء» قيل: وكيف يذل نفسه؟ قال: « ل ينبغي لمسلم أن يذل نفسه: «بقول الرسول

» [رواه أحمد والترمذي وابن ماجة].لما ل يطيق

والناظر في الواقع الذي تنشأ فيه الدعوات يرى أنها تنشأ في المجتمعات التي يكثر فيها الظلم . وحيث يكون مرد كل هذه الظواهر إلى البعد عن اليمان بالوالفسق والضياع والعنت ومشقة الحياة

يدعون أول ما يدعون إلىوحده وحقه بالحاكمية. لذلك كان النبياء سابقا، ومنهم رسولنا الكريم اليمان بال وعبادته.

. وتكون التصورات العتقاديةوالمجتمعات بشكل عام، قديما وحديثا، يقودها الحكام وملهم الباطلة وما ينشأ عنها من قوانين بحسب مصالحهم. ويحافظون عليها لحفاظهم على مصالحهم

ومراكزهم. ويتولون كبر الدفاع عنها وحمايتها. وهذا ما حدا بأعرابي حصيف عندما سمع بدعوة لول مرة لن يقول كلمة بعيدة الغور، صائبة الهدف: "إن هذا أمر تكرهه الملوك".الرسول

والناس في هذه المجتمعات ينقادون لهؤلء الحكام وملئهم، فهم يتأثرون أكثر مما يؤثرون. ويخضعونللنظام المطبق عليهم ولو كانوا له كارهين. ويعلمون أن دفع ظلم الحكام عنهم مكلف.

.والنبياء والرسل عندما يبعثهم ا، يبعثهم إلى أقواهم ليبصروهم الحق ويهدوهم سواء السبيلوكان الذي يتولى مسؤولية الرد وقيادة المواجهة هو الحكام وملهم من الذين استكبروا.

: هم أعوان الحكام، وهم أصحاب المصالح والغنياء المترفون. وهم زعماء الناسوالمل وسادتهم، وهم الذين يشكلون الوسط السياسي والفكري للحاكم، يعتمد عليهم ويستعين بهم. وهم الذين

بين ا سبحانه أنهم في طليعة من يتصدى لنبياء ا، لن نفوسهم قد امتلت بحب المال والجاه، ومصالحهم ارتبطت بمراكزهم. لذلك فعندما تأتي دعوة ا سبحانه وتعالى لهم يظنون أنها تتعارض

مع مصالحهم ومراكزهم فيتصدرون المواجهة ويوغرون صدر الحاكم، ويزينون له محاربتها والقضاء عليها. فينصاع بما تحمل نفسه من شرور وآثام لنصائحهم وتقوم المواجهة على أشدها بين

Page 59: الدعوة إلى الاسلام

أنبياء ا وهؤلء الحكام الذين يحيط بهم هؤلء المل، وتبدأ المعركة الفكرية والكفاح السياسي بين أنبياء ا وهؤلء الحكام وملئهم على كسب الناس. ويقوم النبياء بالدعوة إلى الحق بالحق وهم عزل

وضعفاء ل يملكون من القوة إل سلطان الكلمة الصادقة بما لها من تأثير على النفوس. فيواجههم الحكام ومعهم ملهم بالحجة الباطلة ابتداء، من قولهم إنها سحر البيان أو إنها أساطير الولين أو إن

حاملها مجنون أو كذاب. وإن المؤمن بها سفيه من أراذل الناس. وحين ل ينفع ذلك يلجأون إلى التعذيب والتشريد والبطش والتقتيل. وتنفتح المعركة من أوسع أبوابها بين النبياء وأتباعهم وبين

الحكام وملئهم ومن يبقى من الناس على دين ملوكهم. سنة واحدة يحدثنا القرآن عنها بإيجاز معبر.

. فيعترضه أول ما يعترضه المل من قومه. قالفها هو سيدنا نوح عليه السلم يدعو قومه لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا ا ما لكم من إلـه غيرهتعالى في سورة العراف: [

قال يا قوم ليس بي قال المل من قومه إنا لنراك في ضلل مبين إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ].ضللة ولكني رسول من رب العالمين

. فيرد عليه دعوته أول ما يرد المل منهم . قالوها هو سيدنا هود عليه السلم يدعو قومه عادا وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا ا ما لكم من إلـه غيره أفلتعالى في سورة العراف: [

.] قال المل الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين تتقون

وها هو سيدنا صالح عليه السلم حين دعا قومه ثمودا كان أول من أنكر عليه دعوته هم المل وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا ا ما لكم من. قال تعالى في سورة العراف: [من قومه قال المل الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهموقال تعالى: [ ]. ...إلـه غيره

قال الذين استكبروا إنا بالذيأتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون ].آمنتم به كافرون

. قال تعالىوها هو سيدنا شعيب عليه السلم حين دعا قومه في مدين واجهه المل مستكبرين وقال] وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا ا ما لكم من إلـه غيره...في سورة العراف: [

قال المل الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أوتعالى: [].لتعودن في ملتنا...

وها هو سيدنا موسى عليه السلم، إذ أرسله ا إلى فرعون وملئه فكذبوه وأخافوا من معه ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون. قال تعالى: [وأشاعوا عليه وحرضوا فرعون على قتله

قال المل من قوم فرعون إن هـذاوقال تعالى: [] وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين وقال المل من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الرضوقال تعالى: [] لساحر عليم

فما آمن لموسى إل ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهموقال تعالى: [ ] ويذرك وآلهتك...].أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الرض وإنه لمن المسرفين

، والتي ل تشذ عن سيرة من سبقه من النبياء، أن الذي كان يجمدوتحدثنا سيرة الرسول الدعوة ويمنع اليمان بها والستماع لها هو شدة الملحقة والتعذيب للمؤمنين. فيخاف المؤمن أن يفتنه

قومه وأهله عن إيمانه. ويخاف الذي يريد أن يؤمن أن يلقي ما يلقيه من قد آمن. وتبقى المعركة سجال بين المؤمنين وبين من خالفهم وعلى رأسهم المل. ثم ينسحب البساط من تحت أرجل

الطواغيت، ويمسك بزمام المر من قام بحق هذه الدعوة.

Page 60: الدعوة إلى الاسلام

ساجد وحوله ناس بينما النبي: «وقد جاء في البخاري عن ابن مسعود رضي ا عنه قال فلم يرفع رأسه فجاءت، من قريش جاء عقبة بن أبي معيط بسل جزور، فقذفه على ظهر النبي

: اللهم عليك الملفاطمة عليها السلم فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك. فقال النبي ، ... "قال ابن مسعود رضي ا»من قريش: أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف

".عنه: فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر

حاكما واحدا فقط ومله، بل كان فيها مل متعددون،إن مكة لم تعرف زمن الرسول وصرف الناس عنها.وهؤلء هم الذين تصدروا مواجهة دعوة الرسول

في دعوته إلى الناس كافة.والنبياء أرسلوا إلى أقوامهم بينما أرسل محمد

.وإذا تولى المل من قريش كبر الرد والصد فليس معنى ذلك أن الدعوة كانت مقصورة عليهم قد دعا الجميع من غير تفريق، فلم تعرف دعوته تفريقا بين غني وفقير ول بين سيدفالرسول

قد عاتبه ربه لما عبس في وجه ابن أم مكتوم، وهو مؤمن فقير أعمى،ومسود. حتى أن الرسول وحرص على دعوة السادة الذين كان مجتمعا بهم مع أنه كان يطمع بإيمانهم وبإيمان من وراءهم.

وليس هذا العتاب من ا لرسوله منعا من الهتمام بدعوة السادة بل فيه منع من التفريق فقط. فدعوةالسادة كدعوة العامة سواء في الطلب.

عندما كان يدعو السادة لم يكن يدعوهم فقط لنهم زعماءحتى أن السير تذكر أن الرسول وسادة بل كان يدعوهم طمعا في إيمان من وراءهم من الناس العاديين. إذا فإن الدعوة كانت تشمل

الجميع.

وكذلك فقد لبى نداء الدعوة أناس لم يكونوا معتبرين أسياد في قومهم من مثل بلل وعمار . وكذلك صهيب وسلمان لم يكونا من سادة قريش. وكذلك فإن عامر بن فهيرة وأم عبيسوأمه وأبيه

وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية بني مؤمل كلهم كانوا رقابا أعتقهم أبو بكر رضي ا عنه وهؤلءكانوا من أوائل المؤمنين.

كان يدعو من يأنس فيه الخير ابتداء، ثم دعا الناس جميعا، وكان يستجيب لهفالرسول صغار السن وكبارهم، والوضيع في قومه والشريف.

حتىفل اقتصار في موضوع الدعوة بل شمول للجميع، وبالطريقة التي سلكها الرسول من إقامة دار السلم.يحقق لنا ما حققه الرسول

وهناك من المسلمين من يقول بأن العبادة هي المطلوبة وليس العمل لقامة الدولة السلمية:

دعا إلى عبادة ا ولم يدع إلى إقامة دولة إسلمية، أو أن القضية المركزيةوأن الرسول هي عبادة ا وليست الدولة السلمية، أو ليس المهم أن نقيم دولة إسلمية بل المهم هو أن نعبد ا،

أو ما في هذا المعنى.

Page 61: الدعوة إلى الاسلام

.وللجابة على هذا العتراض ل بد من تحديد واقع العبادة وكيف تتحقق

. فالعبادة هي الغاية التي خلق ا النسان من أجلها.فال سبحانه وتعالى خلق النسان ليعبده ومعنى (ل إله إل ا) هو: ل معبود إل ا وحده وأن ما عداه باطل يجب أن يكفر به ويجب أن يشهد النسان بذلك. و (محمد رسول ا) أي أن تكون العبادة والطاعة بحسب ما جاء به محمد رسول ا

ويجب أن يشهد النسان بذلك.وحده

وحده وهذا أصلفالعبادة هي ل وحده ول تكون إل بما شرع ا مما جاء به رسول ا يجب تحقيقه في كل عمل أو قول في حياتنا.

فالمسلم حين يقوم في هذه الحياة بالعمل لتحقيق حاجة في نفسه، أو لتحقيق قيمة ما في واقع.حياته فهو إنما يندفع بدافع إشباع حاجاته وغرائزه التي قد تشبع على أكثر من وجه

وإشباعها على الوجه الشرعي فقط والقتصار عليه، وتعليق ذلك على اليمان بال ، يجعل.عمل المسلم عبادة

وحيث أن وراء كل عمل تحقيق رغبة أو حاجة، كانت أعمال النسان شاملة لكل نواحي.الحياة

فالعبادة هي أن يجعل النسان كل أعماله مسيرة بأوامر ا ونواهيه، وأن يكون هذا التسيير.قائما على اليمان بال وحده، وهذا يؤدي إلى شمولية العبادة لكل أعمال النسان

: (أعبد ا) فليس معنى هذا أنك تأمره فقط بأن يصلي أو يزكي أو يحج أووعندما تقول لمسلم أن يقوم بما وضعه الفقهاء تحت باب العبادات. إنما معناه أن يطيع ا في كل ما أمر وأن ينتهي عن

كل ما نهى عنه.

. والعبادة تكون لتسيير العمال جميعها بناء على اليمان بالفاليمان بال هو أصل العمال وحده. وعلى هذا فالدين كله عبادة، والعبادة معناها الذل. ومعنى ندين ل أي نعبده ونتذلل لمر ا

العليم الخبير، ونخضع له راضين مستسلمين.

: المر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيله لهللذلك كان من عبادته وطاعته الكفر والنفاق، وإقامة دين ا في حياة المسلمين، ونشر الدعوة بين الناس جميعا، وحماية بيضة

المسلمين، كما تظهر في الصلة والزكاة والقيام..

. فإذا كانوعبادة ا الشاملة لكل أعمال النسان يقوم بها المسلم بحسب الواقع الذي يعيشه واقع المسلم أنه ل يصلي فدعوته إلى الصلة هي دعوة إلى عبادة، ودعوته إلى الصيام هي دعوة إلى عبادة ودعوته إلى أن يبيع ويشتري بحسب الشرع السلمي هي دعوة إلى عبادة. وحيث أن اليمان بال هو أصل كل عبادة لذلك كان يجب أن يسبق الدعوة إلى الصلة أو الصيام، إثارة منطقة اليمان

في المدعو، وجعل اليمان هذا هو الدافع للتقيد والمسير للعمال.

.وكذلك فإن الدعوة إلى إقامة السلم، والحكم بما أنزل ا هي أمر من أوامر ا تجب طاعته ويقوم به من يؤمن بال، ويجب أن يسبق الدعوة له الدعوة إلى اليمان بال، وبهذا تتحقق العبادة في

هذا المر.

Page 62: الدعوة إلى الاسلام

وبما أن المسلمين اليوم يعيشون في أنظمة كفر ل تستمد أحكامها من عند ا، ول يحيا المسلم فيها الحياة السلمية، فإن الدعوة إلى إقامة الدين تكون دعوة إلى عبادة ا، يجب أن تنصرف إليها

.الهمم، وتبذل لها الجهود

ولهذا فإن علينا أن نربط دعوتنا إلى عبادة ا بمشكلت عصرنا والتي تتمثل جميعها بالدعوة . ولذلك كانت الدعوة إلى إقامةإلى استئناف الحياة السلمية، حيث تتحقق عبادة ا على أكمل صورة

الدولة السلمية هي دعوة إلى إقامة الدين وهي عبادة. وهي دعوة إلى عبادة. لكونها أمرا من االذي آمنا به. والمسلم الذي ل يقوم بذلك يكون مفرطا بعبادة ا سبحانه.

ولذلك كانت طبيعة طرح هذا الموضوع من قبل هؤلء المسلمين خاطئة لنها تظهر وكأن. وفيه ضرب للقرآن ببعضه ، وهذا نهي عنه المسلمون.العمل لقامة الخلفة متعارض مع العبادة

وهناك من يقول بأن سيرة الرسول :غير محققة . وبالتالي فإننا غير مطالبين بالعمل بها.ومعنى ذلك أننا غير ملزمين بنصوص ليست موثقة

في مكة حينويعتبرون أن ذلك حجة لهم (وليس حجة عليهم) في القعود عن التأسي بفعل الرسول العمل لقامة الخلفة.

. وبماوللجابة على هذا القول نقول بأن السيرة هي أخبار وحوادث تحتاج إلى تحقيق وتوثيق فهي جانب من الوحي. وعليه يجب أن يهتم المسلمون بسيرة المصطفىأنها متعلقة بأفعال الرسول

اهتمامهم بالكتاب والسنة. فسيرته في مكة هي أعماله التي قام بها. وأدى قيامه بها إلى إقامة دار السلم في المدينة. وإهمالها يورث القادرين على تحقيقها إثم عدم التحقيق، ويورث المسلمين إثم عدم

حث القادرين على تحقيقها.

ومن غريب المر أن الذين يطرحون هذا الطرح هم ممن يهتمون عادة بتخريج الحاديث . يطرحونه وكأنهم معفون من العمل لقامة الدين ، يطرحونه ويكتفون بأنهم سجلوا نقطةوتحقيقها

مهمة وفاصلة.

أنسي هؤلء المسلمون أنهم مأمورون كأي مسلم آخر بالعمل لقامة الدولة السلمية، وهذا . إنهم إذا دعاهم الواقع لتخريج أحاديث نبوية في أموريوجب عليهم البحث والتقصي والتحقيق

شرعية، جزئية، وهو جهد يشكرون عليه، بذلوا الجهود وقضوا الوقات الطويلة في ذلك. فكيف بهم ،وكم عليهم أن ينفقوا من الجهود والوقات متى علموا أن المر متعلق بإقامة الدين؟

إن كتب السيرة لم تصل إلى الحد الذي تهمل فيه أخبارها كما لم تصل إلى الحد الذي تؤخذ فيه.كل مروياتها

إن الكتابة التاريخية التي عمل كتاب السيرة في مجالها لم يعتمد فيها ما اعتمد في طرائق المحدثين من شدة في التدقيق، وفي التثبت من عدالة الرواة والنقلة، ومن صحة ما ينقل، ومن مبالغة

.في اليجاز، وتحرج في النقل

Page 63: الدعوة إلى الاسلام

.مما جعل علماء الحديث أو المهتمين بالتحقيق ينظرون إلى كتاب السيرة وكأنهم متساهلونوالحق أن علم الحديث يتطلب ما حققه المحدثون وعلماء الحديث في أنفسهم وفي نقلهم.

وصحابته.وإن علم السيرة يتطلب في جانب منه هذا، وهو الجانب المتعلق بسيرة الرسول وصحابته فليس التساهل به مما يغمز في هذا العلم.أما الجانب الخر الذي ل يتعلق بالرسول

فالحوادث كثيرة واليام تمر بسرعة فل يستطيع كاتب السيرة أو التاريخ الحاطة بكل الحوادث ان هو من أهم ما يجب على المسلمين العنايةأراد أن يعتمد طريقة المحدثين. من هنا كانت سيرة الرسول

من أقواله وأفعاله وسكوته وصفاته. وهذه كلها تشريع كالقرآن.به لنها تحوي أخبار الرسول فالسيرة النبوية هي مادة من مواد التشريع لذلك تعتبر جزءا من الحديث. وما صح فيها عن النبي

أمر به القرآن، قال تعالى:يعتبر دليل شرعيا لنه من السنة. هذا فضل عن أن القتداء بالرسول فالعناية بالسيرة وتتبعها أمر شرعي.] لقد كان لكم في رسول ا أسوة حسنة[

. وقد بدأ المؤرخون شفويا،وقد كانت طريقة الوائل في نقل السيرة تعتمد على رواية الخبار أو سمع عنها ورواها يرويها لغيره. وحملها عنهوبدأ الجيل الول الذي شاهد أعمال الرسول

الجيل الذي بعده، ودون بعضهم منها أحاديث متفرقة كالتي ترى في كتب الحديث حتى الن. حتى إذا جاء القرن الثاني رأينا بعض العلماء يبدأون في جمع أخبار السيرة وضم بعضها إلى بعض وتدوين

ذلك بطريقة الرواية بذكر اسم الراوي ومن روى عنه تماما كما يفعل في الحديث. ولذلك يستطيع علماء الحديث ونقاده أن يعرفوا أخبار السيرة الصحيحة المقبولة من الضعيفة المردودة بمعرفتهم

الرواة والسند. وهذا هو المعتمد عند الستشهاد بالسيرة إذا كان صحيحا . فالمسألة ليست إنشاء علم وفعله. على أنه يوجد من حقق السيرةجديد، وإنما تقضي الدقة وتوخي الصواب من قول الرسول

في إقامة الدين ل بد من أنمن بعض المهتمين . والجماعة أو الحزب الذي يقوم بالتأسي بالرسول يتحقق من النصوص التي يعتمد عليها كأدلة لعمله.

كذلك فإن كتب السيرة على اختلفها تجمع كما تجمع كتب الحديث وكما يرشد القرآن الكريم . فقد بين القرآن الكريم كثيرا من تفاصيلها بالشكل الذي يكفي لنعلى مراحل سير الدعوة وأعمالها

يلقي الضوء الساطع على صحة المنقول منها. فقد جاء في القرآن الكريم ما يبين كثيرا في تحديدالمطلوب وبشكل دقيق .

لمهاجمة العقائد الفاسدة فتعرض للصنام والدهرية واليهوديةفمثل تعرض الرسول والمجوسية والصابئين، وقد دل القرآن على ذلك في كثير من آياته الشريفة.. وهاجم الرسول

العادات والعراف حيث هاجم الوأد والوصيلة والحام والزلم، وتعرض للحكام وتناولهم بالسم وبالوصاف وكشف مؤامراتهم على الدعوة. والجماعة تلتزم بهذا كله. والتزامها به يكون التزاما

بأصل العمل وبالمعنى العام منه. وليس بتفصيلته ول وسائله ول أشكاله. فتتعرض للفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة وتهاجم العراف والعادات المنحرفة عن السلم في واقعها، وتتعرض للحكام وتكشف مؤامراتهم وتبين أفكار السلم وأحكامه وتدعو المة إلى تبنيها والعمل معها لقامتها في

حياتهم.

واجه وهو أعزل من غير محاباة ول مسايرة ومن غير قبول لنصاف الحلول،والرسول ورفض كل عروضات الترغيب والترهيب وصبر ولم يحد عن أمر ربه. والقرآن قد حدثنا عن هذا

فيكون هذا إرشادا للجماعة أثناء سيرها.

Page 64: الدعوة إلى الاسلام

فيه دللة على أنه قبل] فاصدع بما تؤمر...: [بل ان نزول قوله تعالى على الرسول نزول هذه الية لم يكن صدع بل سرية واستخفاء وهي مرحلة ما قبل الصدع.

أمر بالدعوة خارج مكة. وذكر القرآن للمهاجرين] ولتنذر أم القرى ومن حولها: [وقوله تعالىوالنصار دليل على وجود الهجرة والنصرة.

. وكتب الحديث زاخرة بأخبار المسلمين في العهد المكي.وبذلك يكون القرآن هو المرشد الول وأصحابه من المشركين بمكة) فذكر حديث خبابوالبخاري مثل قد ذكر تحت باب (ما لقي النبي

الدعاء للمسلمين بالنصر ، وذكر كذلك دعاء الرسول بن الرت عندما جاء يطلب من الرسول من قومه حين صعد إلى الطائف. وكذا فيعلى المل من قريش، وذكر كذلك أشد ما لقى الرسول

باقي كتب الحديث. ولذلك فإننا لسنا أمام أمر مطلوب منا فعله ول نملك نصوصه.

.والجدير بالذكر هنا أن كتاب السيرة هم أئمة موثقون عدول ومشهود لهم

هـ ) وله (المغازي) قال عنه الزهري: "من أراد المغازي152 هـ – 85- فابن إسحاق ( فعليه بابن اسحق". وقال فيه الشافعي: "من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق".

وذكره البخاري في تاريخه.

هـ) قال عنه الخطيب البغدادي: "محمد بن سعد230هـ – 168- وابن سعد وله (الطبقات). ( عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من رواياته". وقال عنه ابن

خلكان: "كان صدوقا ثقة". وقال عنه ابن حجر: "أحد الحفاظ الكبار الثقات المتحررين".

هـ) وله (تاريخ الرسل والملوك) اتبع فيه طريقة السناد. وقال310هـ – 224- والطبري ( عنه الخطيب البغدادي: "كان عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها، عارفا بأيام الناس

وأخبارهم". وكان لغلبة الحديث عليه أن وضع كتابه في التاريخ على طريقة المحدثين. وله كتاب في من الخبار) حيث قال عنه ابنالحديث يسمى (تهذيب الثار وتفصيل الثابت عن رسول ا

.عساكر: انه من عجائب كتبه وتكلم فيه بكل ما يصح عن حديث رسول ا .وكذلك فإن ابن كثير والذهبي يعتبران ممن لهم باع طويل في الحديث

وهناك من المسلمين من يرى أن حمل السلح في وجه حكام اليوم هو طريقة التغيير الواجبة التباع:

منابذتهم بالسيف إن لم يقيموا حكم ا.ويستدلون بحديث أشرار الئمة الذين طلب الرسول

: ان التحقق من مناطوللجابة على هذا الفهم الذي نجل أصحابه وان خالفناهم الرأي، نقول الحديث أي الواقع الذي ينزل عليه ليعالجه يكشف لنا فقهه الصحيح. فالحديث يتناول الحاكم المام ،

في دار السلم، الذي بويع مبايعة شرعية. فكان إماما بمبايعة المسلمين له. وكانت الدار التي يحكمها هذا المام هي دار إسلم، أي تحكم بالسلم وأمانها بأمان المسلمين. والمسلمون في هذه الحالة

مأمورون بطاعته فإن حدث وفرط هذا الحاكم بما أنزل ا، وأخذ يحكم علنا بأحكام الكفر، ولو بحكم

Page 65: الدعوة إلى الاسلام

واحد، من غير أن يكون معه حتى ول شبهة دليل فإن المسلمين مأمورون بمنابذته بالسيف على ذلك. خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم يقول: « وتأمل معنى الحديث، موضوعنا، يتبين لك ذلك. فعن عوف بن مالك الشجعي قال: سمعت رسول ا

ل ، ما». قيل يا رسول ا: أفل ننابذهم بالسيف عند ذلك ؟ قال : «الذين تبغضونهم ويبغضونكم » [رواه مسلم]، والمراد بإقامة الصلة أي تطبيق أحكام الشرع من باب تسميةفيكم الصلة أقاموا

الكل باسم الجزء.

: فهو ليس إماما للمسلمين وإن كان حاكمهم، وليسأما حاكم دار الكفر فواقعه يختلف تماما منصبا عليهم تنصيبا شرعيا، كما هو مطلوب شرعا، ولم يتعهد أصل بإقامة أحكام السلم في حياتهم

وإن كان فرضا عليه.

. وانكذلك فإننا إذا نظرنا إلى واقعنا فإننا سنجد أنه ل يكفي حمل السلح في عملية التغيير المسألة تتعدى تغيير الحاكم إلى الحكم بالسلم، فمن سيقوم بأعبائه. إنه يحتاج إلى رجال دولة وإلى وسط سياسي إسلمي. وإن أمر الحكم بالسلم ليس من السهولة بحيث يستطيعه قائد عسكري مهما

أوتي من كفاءة عسكرية أو من إخلص للسلم، إنه يحتاج إلى خبرة ودراية ومتابعة وإلى فهم يؤمن كل ذلك:شرعي مميز. وطريق الرسول

- انه يؤمن القائد المسلم السياسي الفذ الذي يملك خبرة السنوات الطويلة التي قضاها في حمل الدعوة قبل إقامة الدول السلمية، يعلم أحابيل الدول الكافرة ودجلها ودهاءها فل تخدعه، ويستطيع

أن يحمي الدولة وينتقل بها إلى الدور الذي يليق بها بين دول العالم: دولة هادية مهدية وخلفة راشدةعلى منهاج النبوة.

- ويؤمن الشباب المؤمن الذي حمل أعباء الدعوة قبل قيام الدولة، حيث سيشكلون مع غيرهم من المسلمين المهتمين بأمور الدعوة الوسط السياسي السلمي وسيكون منهم الولة وأمير الجهاد

والسفراء وحملة الدعوة للناس في الدول الخرى.

- ويؤمن القاعدة الشعبية التي تحتضن السلم ودولته وتحميهما.

- ويؤمن أهل القوة المدربين والذين ستزيد قوتهم بوقوف الناس معهم وليس في وجههم، خاصة حين يعلمون أن الحاكم وجهاز الحكم معه والقوة التي يستند إليها هي قوة لهم يقومون بما

فرضه ا عليهم من تطبيق للسلم وإعزاز للدين.

ثم إن العمل المسلح يحتاج إلى مال وسلح وتدريب وهذا يرهق قدرة الحركة، فيغريها . وقد جرب المسلمون هذه الطريق فكانت وبال عليهم.باللجوء إلى الغير، وهذا هو أول سبيل السقوط

مع ما في كلمة (جرب) من مغالطة.

واننا حين نشير إلى أن حمل السلح ليس هو الطريقة الشرعية في التغيير فذلك ليس ضنا . بل ضنا بأخوة لنا في الدين، مخلصينبهؤلء الحكام الظلمة الذين لم يرعوا في المسلمين إل ول ذمة

لصحابه في مكةنحب أن تتوحد جهودهم في العمل الشرعي المطلوب. ونذكرهم بمنع الرسول » [سيرة ابنلقد أمرت بالعفو ، فل تقاتلوا القوممن استعمال السلح بناء على طلبهم وقوله لهم: «

أ لم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة فلماهشام]، ونزول قوله تعالى: [الية.] كتب عليهم القتال...

Page 66: الدعوة إلى الاسلام

في الدعوة. وأية إضافة أووهكذا تتضافر الدلة الشرعية لتؤيد سلوك طريقة الرسول حذف أو تغيير أو تبديل أو تحوير سيظهر أثرها السيئ على الدعوة وعلى الجماعة وعلى المة

من أجل الوصولالسلمية. ومن هنا حرصنا على أهمية القراءة الجيدة للشرع ولطريقة الرسول إلى حسن التأسي، وعلى ا قصد السبيل.

Page 67: الدعوة إلى الاسلام

طريقة السلم فيفهم الحكام

إن عمل الجماعة أو الحزب في المر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلق بإقامة الدين ل بد من أن يقوم على العلم الشرعي المطلوب، لنه كما بينا سابقا ل عمل قبل العلم ول عبادة ل إل بعلم

.مع إخلص النية له سبحانه

فما هي حدود العلم الشرعي المطلوب من هذه الجماعة ، وما هي الثقافة التي يجب أن تتثقفبها، وتبني شبابها على أساسها وتهيء المة لها؟

إنه بناء على هذا العلم الشرعي المطلوب من الجماعة والتقيد به يجري المر بالمعروف . فإن هي خالفت ما هو مطلوب منها شرعا نصحت،والنهي عن المنكر من هذه الجماعة أو الحزب

وإن اعوجت قومت، وإنه ليطالها من هذه الفريضة ما يطال غيرها. والمر كله تقيد واتباع، ولتجوز المخالفة. والنصيحة تطال الجميع .

والذي يجدر البدء به في هذا المجال هو أن هناك طريقة ثابتة للتوصل إلى استنباط الحكام الشرعية كلها، سواء منها الحكام الشرعية المتعلقة بحمل الدعوة أو بالعبادات أو بالمعاملت أو

العقوبات أو بالمطعومات أو بالملبوسات أو بالخلق …

. ذلك أن العقيدةوهذه الطريقة الثابتة أملها السلم وطبيعته، ل عبقرية المسلمين وذكاؤهم السلمية تملي على المسلم أن ل يأخذ، ولو حكما واحدا، من خارج الشرع، وأن يتقيد باستنباطه بحدود ما تدل عليه النصوص. فكان ل بد من الطريقة التي تحفظ عليه هذا المنحى، وتضبط فهمهبحيث يقتصر على الوحي فقط، وبحيث تتكامل النظرة إلى العقيدة مع النظرة إلى الفقه وضوابطه.

وهذه الطريقة الثابتة في الجتهاد هي من الهمية بحيث تأتي في المرتبة الولى من ثقافة . فهي التي تؤدي إلى استنباط الحكام. فإن كانت طريقة الستنباط صحيحة أدتالجماعة أو الحزب

إلى وجود الحكام الشرعية الصحيحة، على غلبة الظن، ووجد الجر عليها. وإل فل عبرة بأي رأي ل يقوم على طريقة الستنباط الشرعية الثابتة، وإن سمى شرعيا زورا. فليست العبرة بالتسمية بل

بالواقع الذي يصح أن تطلق عليه هذه التسمية. لذلك فهي ملزمة.

ونحن اليوم أحوج من المس للتمثل بهذه الطريقة التي تمنع المسلمين من التأثر بالفكر الغربي . حيث صارتوطريقة استنباطه، وهو مرض العصر الذي وقع فيه كثير ممن يسمون بالعلماء

اجتهاداتهم وفتاويهم متحللة من الضوابط، تسير مع الهوى الغربي وليس مع الهدى الرباني.

إذا فلجوء المسلم إلى الشرع له طريقة ثابتة في الجتهاد يجب أن يجتمع عليها كل المسلمين . وهي كما كانت طريقةوإن اختلفت نتيجة اجتهاداتهم، ونحن هنا سنعرض لهذه الطريقة بإجمال

للسلف كذلك يجب أن تكون للخلف ولخلفهم حتى قيام الساعة.

Page 68: الدعوة إلى الاسلام

:فهم الواقع

وطريقة السلم هذه تقوم على فهم المشكلة الحادثة فهما عميقا، ثم التيان بالدلة الشرعية.اللزمة لمعالجة هذه المشكلة وفهمها ودراستها، ومن ثم يصار إلى استنباط الحكم من هذه الدلة

فوجود الجماعة أو الحزب الذي يعمل للتغيير مرتبط بالواقع الذي وجد فيه، من حيث أنه يجب.أن يتبنى الحكام الشرعية اللزمة لتغيير هذا الواقع

.وفهم الواقع يقتضي وضع دراسات مستفيضة عنه

وفهم الشرع يقتضي تحديد مصادر الدلة الشرعية، وتحديد قواعد الصول وهي القوانين التي . وعملية الستنباط هذه تحتاج إلى المجتهد الذي يملك المقدرة على إنزاليجري بحسبها الستنباط

الحكام على وقائعها وإجراء الحكام على عللها.

إذا فقيام أية جماعة أو حزب مرتبط بالواقع الذي نشأ فيه، فهو يريد أن يغيره فيجعله موضع . من هنا كان على الحزب أو الجماعة أن تدرس الواقع دراسة عميقة،التفكير، وموضع التغيير

ودقيقه، وتحدد المشاكل التي يجب معالجتها. والمشاكل الكثيرة يجب أن يميز بينها: هل هي مشاكل ناتجة عن مشاكل، أو مشاكل ناتجة عنها مشاكل. وهذا يتطلب التمييز بين المشكلة وظواهرها، وبين المرض الساسي وعوارضه. وبهذا الفهم يتحدد واقع المرض الساسي، وما نتج عنه من عوارض

مرضية، وبعد النتهاء من تشخيص الداء ينتقل إلى تشخيص الدواء.

وهنا يلفت النظر إلى أن الطبيب الماهر يجب أن ل تخدعه العوارض عند تحديد المرض الساسي، فإذا كان مرض في المعدة عند إنسان ما، أدى إلى وجود حساسية عنده، وبالتالي أدت هذه الحساسية إلى طفرة جلدية مع وجود بعض الحرارة، فإن الطبيب إذا اكتفى بمعالجة الطفرة الجلدية

والحرارة بأن أعطى الدواء المناسب لهما وغفل عن معالجة المعدة، فإن مثل هذا العلج قاصر، ومثل . فل بد أول من معالجة الصل الذي هو مرض المعدة. حتى إذا عولج ذهبهذا الطبيب فاشل

المرض وذهبت معه عوارضه، ومن ثم يحدد هذا الطبيب الماهر إن كانت هذه العوارض تذهب بمعالجة أو من غير معالجة. فقد تذهب تلقائيا بمجرد معالجة السبب الذي أنتجها. وقد تترك آثارا ل بد

من معالجتها. ولكن تبقى معالجة العوارض جزئية. وهكذا..

. فإننا نعلم أن فيه مشاكل أساسية نتجت عنها مشاكل فرعيةكذلك الواقع الذي نعيش فيه اليوم كثيرة. فمن المشاكل الساسية التي تصيب المة اليوم البعد عن تمثل حاكمية ا في حياة المسلمين. وأنتج هذا كثيرا من المشاكل الجزئية الناجمة عنه (كالفقر الناجم عن الظلم، والجهل، وفشو الخلق

ومن أعرضالسيئة وتحكم العلقات الفاسدة ...) وفي هذا يقول تعالى مبينا السبب الساسي في ذلك: [].عن ذكري فإن له معيشة ضنكا

وهذه المشاكل الجزئية وجدت بوجوده، ومعالجتها الجذرية الدائمة ل تكون إل عن طريق تغييره أول، فما لم يصب العمل على استئناف الحياة السلمية، وذلك بجعل العقيدة السلمية عقيدة سياسية تسير أعمال المسلم كلها في الحياة بحسب أوامر ا ونواهيه، وتدفعه لقامة الحكم بما أنزل

.ا، فإنه ما لم يصب العمل على هذا فلن يقضى على كل آثار التحاكم لغير ما أنزل ا تعالى

لذلك لم تكن المشكلة الساسية تعليمية ول أخلقية ول اقتصادية، ول الموضوع الرئيسي هو . بلموضوع استنقاذ حقوق المسلمين، ول تدعيم مواقعهم الجتماعية والقتصادية والعسكرية

Page 69: الدعوة إلى الاسلام

الموضوع هو موضوع الحاكمية بجانبيه العقائدي والعملي. وأن هذه الحاكمية هي ل وحده. فمن حيث الواقع يجب إعادة ثقة المسلمين بأحكام إسلمهم، وذلك بإعادة ما فقدته العقيدة في نفوسهم من الهتمام

بإيجاد النظام المنبثق عن هذه العقيدة في حياتهم، ومن التطلع إلى الجنة والشوق لها، والخوف من جهنم والفرار منها، ومن الهتمام بأحوال المسلمين جميعهم، بل بأحوال الناس كل الناس من خلل

العقيدة السلمية.

لذلك فإن الجماعة، بهذا الدراك، تحدد المرض الساسي وتعلم حقا وصدقا أنه متى تمت. ومن هنا تتبين لنا أهمية الوعي على الواقع.معالجة هذا المرض تم القضاء على كل عوارضه

. فل بد من تحقيق المناط قبل الشروع في جمع الدلةوهذا ما يسمى عند الصوليين بالمناطالشرعية.

. ويتطلب الدقة، لنناوالوعي على الواقع والتفقه فيه أصعب من التفقه في الحكام المتعلقة به إذا فهمنا الواقع بشكل خاطئ، وانطبع في ذهننا هذا الفهم الخاطئ للواقع، ثم ذهبنا نتلمس الدلة

الشرعية التي تعالج الواقع فإننا ل بد سنأتي بالدلة التي تعالج الواقع الخطأ الذي انطبع في ذهنناوليس الواقع المعاش، لذلك فإننا سنورد الدلة في غير محلها.

. ول يجوز اعتبار الواقع مصدرا للتفكير ، ول ينشأوفهم الواقع والتفقه فيه يحتاج إلى العقلمن الواقع أي حكم بل يفهم الواقع كما هو على حقيقته.

:فهم الشرع

ثم بعد معرفة الواقع على حقيقته بواسطة العقل تأتي المعالجة الشرعية لهذا الواقع، المستنبطة . ول يجوز استعمال العقل في المعالجة كحكم أو كمصدر، وإنما عمل العقل هنا هومن الدلة الشرعية

أن يفهم المعالجة الموجودة في الدلة الشرعية.

وفهم الشرع يقتضي معرفة المصادر التي تستقي منها الجماعة الشرع، ومعرفة القواعد . وبالتالي تعطيالصولية التي تعتمد عليها في فهم الشرع الذي تريد أن تغير الواقع السيئ به

التصور الصحيح بنظرها للواقع الذي تريد نقل الناس إليه ومعرفة الطريقة التي تتبعها في عمليةالجتهاد أي طريقة الستدلل.

:مصادر الشرع

فليس هناك حكم إل وله مصدر صدر منه، لذلك يجب تبني المصدر بعد البحث والقتناع . ومعلوم أن المصادر الساسية للتشريع السلمي وهي الكتاب والسنة غير مختلفالقطعي به

عليهما، أما المصادر التبعية كالجماع والقياس والستحسان ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا فهذه كلها مختلف فيها. وتبين ما يصلح لن يكون دليل عند الجماعة يعطي صورة عن اتجاهها في أخذ

الشرع.

Page 70: الدعوة إلى الاسلام

ومعلوم أن تبني المصادر التبعية يعتمد على أدلة قطعية، أي يجب أن يأتي من القرآن والسنة ما يثبت قطعا أنها أدلة شرعية يعتمد عليها كمصدر للتشريع، أي أن المصدرين الساسيين قد ارشدا

. ول يكفي في أخذ المصادر الشرعية بالتقليد، فهي منإلى الخذ بهذا المصدر أو ذلك بشكل قطعيالكليات التي يجب فيها القطع، والتقليد ل يوصل إلى القطع.

فإذا حصرت مصادر التشريع عرفنا أي الينابيع التي تعب منها هذه الجماعة، وأيا منها التي ل . وتحديد المصادر من الهمية بمكان لن الخطأ في واحد منها فقط يؤدي إلى الخطأيجوز الخذ منها

في كل الحكام المتعلقة به. وتحديد المصادر يجب أن يسبق تحديد الحكام الشرعية المتعلقة بعملالجماعة، فليس مقبول أن تقوم جماعة تحمل رسالة السلم من غير تبن للمصادر الشرعية.

وليس مقبول أن تتبنى كل المصادر التبعية ظنا منها أنها بذلك تحمل الخير الكثير، بل ستحمل بذلك الغث والسمين وتخلط بينهما، وسيؤدي بها هذا إلى إخضاع الشرع للواقع أو للعقل أو للهواء أو

. للعواطف أو للمصلحة، ويكون عند ذلك الدليل في خدمتها وليس العكس كما هو مطلوب

فالصل في الجماعة أن تحدد مصادرها قبل أن تعطي رأيها في تغيير الواقع، وبعيدا عن . ثم إن ماالتأثر بالواقع، بل تتأثر بالنصوص فقط ودللتها القطعية في إثبات المصادر أو عدم إثباتها

تثبته الجماعة من مصادر تثبته لنفسها وتكون أصول بحقها ول تلزم الخرين بها، بل تناقش الخرين بما عندها لتحملهم عليه بالحجة والقناع، خصوصا أن ما عندها قطعي في نظرها، وإل فإنها تضييق

على نفسها وعلى الخرين.

:أصول فهم الشرع

وبعد أن تثبت الجماعة المصادر التي تستقي منها الشرع تنتقل إلى معرفة كيفية التعامل . أي تنتقل إلى معرفة القواعد التي يوصل البحث فيها إلى استنباط الحكاموالخذ من هذه المصادر

من مصادرها، ول شك أن الفقيه حين يعرض ليأخذ حكما شرعيا يكون في ذهنه قاعدة من قواعدالصول يبني عليها حكمه. فل علم من غير أصول سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة.

والنصوص الشرعية فيها العام والخاص، وفيها المجمل والمفصل، وفيها المطلق والمقيد، وفيها الوامر والنواهي، وفيها الناسخ والمنسوخ وفيها مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، وفيها

.المنطوق والمفهوم والمعقول من النص، وفيها خبر الواحد وأين يحتج به وأين ل يحتج به…الخوالجماعة يجب أن تحدد قواعدها الصولية وتتبناها وتعرف بها.

. ومعلوم أن كل قاعدة يتشعب عنها كثير منإن هذه القواعد الصولية هي في معظمها خلفية الفروع. وبما أنها خلفية فيجب أن تخرج من دائرة الخلف بالتبني فيها لما تراه الجماعة أنه

الصواب، وبعد تبنيها يجري الفهم للفروع بحسب هذه القواعد.

وبعد معرفة الصول والقواعد الصولية تكون الجماعة قد ملكت القدرة على فهم الشرع من . وهذا ما يجب أن تمتاز بهمصادره، وليس عليها بعد ذلك إل أن تتبع طريقة الجتهاد المعروفة الثابتة

الجماعة عن غيرها. وهذا ما يجب أن تخرج به للناس عن طريق تثقيف شبابها به. وهذا أول ما يجبأن تقوم هذه الجماعة على أساسه.

Page 71: الدعوة إلى الاسلام

. أول ما يفعله أنه يسمع للمريض وصف حاله. ثم بعد هذانعم إن عمل المجتهد كعمل الطبيب يحدد المرض الساسي الذي يشكو منه هذا المريض بعد أن يبعد عنه التأثر بأعراض المرض. ثم بعد

هذا يعود بالذاكرة إلى العلم الذي اكتسبه أيام الدراسة، وقد يراجع الكتب التي تعينه على وصفالعلج، ثم بعدها العلج أي إنه انتقل إلى الناحية النقلية في وصف العلج.

نعم إن الجماعة التي تريد التغيير وتقوم به، إذا كانت جماعة إسلمية فيجب أن يكون تغييرها . وأن يكون التغيير بناء على الدليل الشرعي وليس بناء على الرأي الشخصي ول الهوى ولإسلميا

المصلحة العقلية ول الواقع والظروف. بل الشرع هو الذي يجب أن يملي على الجماعة الحكم الشرعي. وليست محبة السلم والغيرة على أوضاع المسلمين هي التي تملي على الجماعة أي حكم،

فمصلحة المسلمين يحددها الشرع. والشرع جاء بمصلحة المسلمين. وهنا ل بد من بعض التفصيلالذي يجلو نظرة السلم إلى المصلحة. ومتى تكون المصلحة معتبرة شرعا.

:المصلحة

.المصلحة هي جلب منفعة أو دفع مضرة، وهي إما أن يقررها العقل، وإما أن يقررها الشرع فإن ترك تقريرها للعقل استغلق على الناس تقرير المصلحة الحقيقية، وذلك أن العقل محدود . وهو ل

يستطيع الحاطة بكنه النسان وحقيقته. فل يستطيع أن يقرر ما هو مصلحة له لنه ل يدرك حقيقته حتى يدرك أن هذا الشيء هو مصلحة أو مفسدة. ول يدرك حقيقة النسان إل خالقه. ول يمكن أن

يقرر مصلحته على وجه التحقيق إل خالقه، وهو ا سبحانه وتعالى. نعم إن النسان يمكنه أن يظن أن هذا الشيء مصلحة أو مفسدة ولكنه ل يمكنه الجزم بذلك. لذلك كان ترك تقرير المصلحة بناء على

الظن يؤدي إلى الوقوع في المهالك. إذ قد يظن الشيء مفسدة ثم يظهر أنه مصلحة ، فيكون قد أبعد الخير عنه. وقد يظن الشيء مصلحة ثم يظهر أنه مفسدة، فيكون قد أوقع الضرر بنفسه. وقد يحكم

العقل اليوم على الشيء أنه مفسدة ثم يتبين له غدا أنه مصلحة، أو يتبين له أنه مفسدة اليوم بعد أن كان حكم عليه بالمس أنه مصلحة. وهذا ل يجوز في الحكم على الشيء. وهذا ما تشتهر به النظمة

الوضعية، فواضعوها من البشر يتوخون بها الخير للناس. فإننا نراهم دائمي التغيير والتعديل في القوانين، حتى أصبح تطوير النظام من مستلزمات حلهم لمشاكلهم، لنهم في الواقع لم يستطيعوا حتى

الن التوصل إلى الحكم على الشياء والفعال الحكم النهائي الصحيح. ومن هنا حكمهم بأن الذي ل يطور نظامه فهو جامد متحجر، ومن هنا نرى تأثر المسلمين بالكفار في هذه الناحية. فدفاعا عن

أنفسهم ودينهم، ولبعدهم عن الفهم الصحيح لطبيعة السلم نراهم ينساقون مع عدوهم في تبني طبيعةالتفكير هذه.

إن الخالق وحده هو الذي يدبر أمر النسان ويحل له مشاكله الناشئة عن حاجاته وغرائزه . والمطلوب هو المعالجة الصحيحة المنطبقة على الواقع الذي يرادويشبعها الشباع الصحيح

معالجته. وبما أن واقع النسان هو هو ل يتغير فتكون معالجاته ثابتة ل تتغير، فالرجل من حيث هو رجل يحتاج بحسب طبيعته الثابتة إلى إشباع ميله نحو المرأة. وبما أن الرجل والمرأة كواقعين هما ثابتان ل يتغيران، فالصل في العلقة أن تبقى ثابتة فليس من المقبول أن نضع نظاما يحدد علقة

الرجل بالمرأة ثم نعود ونغير هذا النظام بعد فترة بحجة التطور طالما أن واقعهما لم يتغير. وهكذا.

فالخمر كواقع هو هو لم يتغير، فما الدافع لتغيير حكمه كل حين؟

…والمسير كواقع هو هو لم يتغير ، فما الدافع لتغيير حكمه كل حين؟ وهكذا

Page 72: الدعوة إلى الاسلام

لذلك فإن التطور والمرونة والعصرنة هي من مواصفات النظمة الوضعية التي ل تهتدي إلى الحق، فهي ستستمر في عملية التغيير الذي يعبر عن عجز النسان في الهتداء من عند نفسه إلى

. ومن هنا رفض القاعدةالنظام الصحيح، وهي ستعبر عن هذا العجز بتذويق لفظي من مثل التطورالمسماة شرعية (ل ينكر تغير الحكام بتغير الزمان والمكان) بل ينكر.

. فإن تغير واقعها تغير الحكم تبعاومن هنا فإن حكم ا في المسألة الواحدة واحد ل يتعدد لتغير الواقع. فالعنب يأخذ حكم الباحة، ومتى تغير واقعه بأن أصبح خمرا تغير حكمه وصار

محرما، ومتى تحول إلى خل احتاج إلى حكم آخر وهو الباحة أيضا، ول عبرة بالمكان ول بالزمان. فل يحرم الشيء في مكان ويحل في مكان آخر، وكذلك ل يحل الشيء في زمان ويحرم في زمان

آخر. فل تأثير للزمان والمكان على الحكم الشرعي.

والشريعة السلمية حاوية لحكام الوقائع الماضية كلها ، والمشاكل الجارية جميعها، والحوادث التي يمكن أن تحدث بأكملها، حيث ل تقع واقعة ول تطرأ مشكلة ول تحدث حادثة إل ولها

.. قال تعالى:محل حكم، فقد أحاطت الشريعة السلمية بجميع أفعال النسان إحاطة تامة شاملة فهي إما أن تنصب عليه دليل من لقرآن والحديث، أو تنبه على] ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء[

الباعث على تشريعه، وهذا يحتاج إلى ذكر علة يدل عليها النص أي علة شرعية ، وليس علة عقلية.وهنا يجب الوقوف قليل لبيان الفرق بين القياس العقلي والشرعي.

:القياس العقلي

إن العقل يقضي التسوية في الحكم بين المتماثلت أو المتشابهات، لذلك يجعل القياس موجودا. ويفرق بين المختلفات أي يعطي أحكاما مختلفة بين المور المختلفة.بين كل أمرين بينهما وجه شبه

وهذا على خلف القياس الشرعي لن الشرع كثيرا ما فرق بين المتماثلت وجمع بين كثير . فالشرع فرق في المتماثلت بين الزمنة ففضل ليلة القدر على غيرها من الليالي،من المختلفات

وفرق في المتماثلت بين المكنة كتفضيل مكة على المدينة، وكتفضيل المدينة على غيرها، وفرق في الصلوات بين الرباعية والثلثية في القصر فرخص في الرباعية ولم يرخص في الثلثية ول في

الثنائية. وكل هذه ل مجال للعقل أن يماثل فيها. وأوجب الغسل من المني الطاهر والتطهير من المذي النجس مع أنهما نزل من مكان واحد. وجعل عدة المطلقة ثلثة قروء وعدة المتوفي عنها زوجها

أربعة أشهر وعشرا مع استواء حال الرحم بينهما. وجمع بين الماء والتراب في الطهارة مع أن الماء ينظف والتراب يوسخ، وجعل القتل عقوبة الزاني المحصن وعقوبة القاتل العمد وعقوبة المرتد مع

وجود الفرق بينهم.

وكذلك بين الشرع أحكاما ل مجال للعقل فيها فحرم بيع الذهب بالذهب بالتفاضل أو نسيئة، . وحرم الربا وأحل البيع، وأجاز شهادةوحرم لبس الذهب على الرجال دون النساء، وكذلك الحرير

الكافر في الوصية وشرط أن يكون الشاهد مسلما في الرجعة.

لو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان: "من هنا كان قول سيدنا علي كرم ا وجهه ورضي عنه".مسح باطن الخف أولى من ظاهره

Page 73: الدعوة إلى الاسلام

. وكان ل بدهذه مقدمات ل بد منها للجماعة أو الحزب الذي يعمل لستئناف الحياة السلمية أن يظهر في ثقافته كيف يفهم الواقع ويبينه للناس حتى يقفوا على حقيقته، وكان ل بد من تحديد

المصادر الشرعية والقواعد الصولية وتبنيها وتنشئة الشباب عليها، لن عملية تكوين عقليتهم يجب أن تنشأ على مثل هذه القواعد. وهذا أيضا يكون جزءا من ثقافة الجماعة. وكذلك كان ل بد من تبني

الثقافة الصولية والفكرية التي تحافظ على نقاوة الوحي وصفاء الفكر واستبعاد كل ما من شأنه أن ل يحافظ على الوحي صافيا من مثل (ل ينكر تغير الحكام بتغير الزمان والمكان)، (الضرورات تبيح

المحظورات) بمعناها الشامل، (الدين مرن ومتطور )، (حيثما تكون المصلحة فثم شرع ا).

نعم هذا ما يجب أن تتبناه الجماعة كأصول لها، تحكم نظرتها وفهمها للشرع قبل أن تتبنى. حتى ترضي ربها.الحكام الشرعية المتعلقة بعملها، وليكون التقيد على ضوئها

. فعلى الجماعة أن تتبنى حكما شرعيا في المسائلوقد تتعدد الجتهادات في المسألة الواحدة الخلفية بناء على قوة الدليل وأن تثبت عليه. وتعرف الجماعة بعدها بأصولها وفروعها. فتبني شبابها عليها، وتنزل ساحة المعركة بها وتناقش بها، وتحمل الخرين على تبنيها بالحجة والقناع كما أخذتها

هي لنفسها بالحجة والقناع. وتعمل على الوصول لتحقيق غايتها بناء عليها وإل فإنها ستضيع فكرياوستتخبط في طريقة عملها.

. فالجماعةوبحث المصادر والصول مقدم على بحث الحكام الشرعية المتعلقة بتغيير الواقع سوف تعترضها مشقات وصعوبات هائلة أثناء سيرها في طريقها، فهي إن لم تتبن في الصول

وبشكل منضبط، وبحسب قوة الدليل، فإننا سنراها سريعة التقلب وسريعة في تغيير ما عندها. فقد تلجأ إلى الدخول في اللعبة الديمقراطية – كما يقولون – مع النظام الفاسد القائم والذي هو المشكلة والعقبة الرئيسية في وجه الدعوة ، بحجة أن هناك أصل يوافق هذا التوجه وهو أن السلم فيه الشورى التي

تشبه الديمقراطية . وقد تلجأ إلى مسايرة الديان السابقة والخذ منها بحجة (أن شرع من قبلنا هو شرع لنا). والذي ألجأهها إلى هذا التغيير هو صعوبة السير في الطريقة الشرعية الصحيحة. أو قد

ترى أن عملها بأسلوب الجمعيات يوصلها إلى تغيير الواقع ، فتغرق في السلوب على حسابالطريقة. أو قد تعتمد العمل المسلح لن الظروف فرضت عليها هذا العمل وليس الحكم الشرعي.

فتبني الصول والمصادر، واتباع طريقة الجتهاد الشرعية الثابتة هي التي تقيد الجماعة بما.يريده ا وحده وليس بما يفرضه الواقع والظروف أو تمليه المصلحة

.وبهذا تتوصل الجماعة بعد تحديد طريقتها في التفكير الشرعي إلى تحديد طريقها في العملوإل تشعبت بها السبل، ولن يعبأ ا بمن تشعبت به السبل في أي واد هلك.

والحزب أو الجماعة بعد أن تحدد مصادر ثقافتها وضوابطها، ل بد من أن تنتقل إلى تحديد.هذه الثقافة على ضوء هذه المصادر والصول التي تبنتها

. وتعمل على أن تبعدفهي في بحثها المصادر والصول تعمل على أن ل يختلط فهمها للشرع كل ما ل يحافظ على نقاوة الوحي، وتعمل على عدم تأثير الهوى على فهم الشرع، وعلى عدم تحكم

العقل بالتشريع. ول يمكن البحث في ثقافة الجماعة من غير بحث المصادر والصول التي تقومعليها.

Page 74: الدعوة إلى الاسلام

وبناء على ما تقدم يجب أن تنتقل هذه الجماعة إلى الواقع الذي تعيشه المة فتدرسه وتدرس ما . فالمةفيه من أفكار ومشاعر وأنظمة، لمعرفة مدى تجاوب الناس وتقبلهم لهذه الفكار ولهذه النظمة

غزيت بالفكار الكافرة التي صورها الكافر بأنها الدسم الذي تحتاج إليه لتستعيد به عافيتها. والمة حكمت سياسيا بحكام نواطير نصبهم الكافر المستعمر على رقاب المسلمين ليتسلط بهم على خيرات المة، وليمنع بهم أي عمل مخلص يهدد مصالحه، ويشكل خطرا على استعماره. وحيث أن الكافر

الغربي المستعمر يعي خطورة العمل الجماعي المنظم على بقائه وتركزه، بث في الواقع أفكارا تنفر من العمل الجماعي أو الحزبي. وعمل بالمقابل على تشجيع الناس للقيام بالعمال الجماعية الجزئية،

والتي تعالج المشاكل الفرعية، من مثل الفقر وفساد الخلق. وكذلك فقد زعزع هذا الكافر الغربي ثقة المسلمين بدينهم أنه هو المعالجة الصحيحة الوحيدة لمشاكل الناس، حين فصل عند المسلمين عقيدتهم عن حياتهم، وألزمهم هذا الفصل ومنعهم من العمل على إلغائه، وهكذا. فعلى الحزب أو الجماعة أن

تدرس الواقع وما فيه من أفكار ومشاعر وأنظمة دراسة عميقة دقيقة لتعرف على أي أرض تقف. وما هي طبيعة هذه الرض، ولتعرف فيما بعد كيف تسير عليها، وما تحتاجه من معاول وآلت لتذليل عقباتها، وما تحتاج من أسمدة ومواد لتستعيد خصوبتها. فل بد من فهم الواقع أول. وهذا بحد ذاته

يشكل جزءا مهما من ثقافة الجماعة، لن عليها أن تتبينه وأن تبينه لشبابها وللناس حتى ل يغفلوا عنه،وحتى يدركوا فيما بعد أهمية العلج وصوابيته.

وبعد أن يتحدد الواقع الفكري والسياسي والجتماعي الذي تعيشه المة تنتقل الجماعة إلى تبني الفكار والراء والحكام الشرعية على ضوء الصول والضوابط والمصادر الشرعية التي ذكرناها

آنفا، وتبين للناس ولشبابها الطريقة التي توصلت بها إلى هذه الفكار والراء والحكام الشرعية، لن من شأن ذلك أن يوجد القناعة والوعي والشخصية السلمية عند شباب الجماعة بشكل مركز ، وعند

.المة بشكل عام

Page 75: الدعوة إلى الاسلام

ثقافة الجماعة

- إنه لما كان واقع المة يحتاج إلى تغيير، اقتضى أن يكون العمل للتغيير سياسيا عن طريق تكتل سياسي يقوم على مبدأ السلم ؛ فكان ل بد من وضع دراسة عن مواصفات الكتلة ومقوماتها

وأن تتم دراسة التكتلت السابقة لمعرفة سبب إخفاقها وتلفيه، سيما وأن الناحية التكتلية تتعلق بأحكام الساليب المتروكة في الصل للمسلم أن يحدد هو أفضلها وأنسبها للعمل. وهذا يشكل مادة من مواد

الثقافة الحزبية.

- وإنه لما كان المسلمون يعيشون في مجتمع فيه خليط من الفكار والمشاعر والنظمة، اقتضى سير العمل لقامة دولة إسلمية التعرض للمجتمع، وواقعه، ومكوناته، وما يؤثر فيه، وكيفية

تغييره، حتى يوجد المجتمع السلمي المتجانس في أفكاره ومشاعره وأنظمته.

- وإنه لما كان واقع الفرد يختلف عن واقع المجتمع، وبالتالي فإن مقومات الفرد تختلف عن مقومات المجتمع، وبناء على هذا فإن الحكام الشرعية المتعلقة بالفرد تختلف عن الحكام الشرعية

المتعلقة بالمجتمع.

- وإنه لما كان عمل الجماعة يتعلق بتغيير المجتمع، فإنها تتبنى تفصيليا كل ما يتعلق بتغييره من أفكار ومن أحكام شرعية متعلقة بمعالجة هذا الواقع، وترشد، في الوقت نفسه، الفرد منها ومن

الناس إلى وجوب تبنيه لكل ما يتعلق بعمله من أحكام، سواء ما يتعلق بإقامة المجتمع السلمي الذي تعلق به كفرض كفاية ل يعذر بتركه، أو ما يتعلق بفرديته حين تدعوه هذه الجماعة إلى وجوب التقيد

بالمعاملت والعبادات والخلق القائمة جميعها على العقيدة السلمية، في حياته اليومية.

- وإنه لما صار استعمال المسلمين لعقولهم متأثرا بالغرب ، وصار المسلمون يتبعون أحكام عقولهم في تحديد المصلحة ، فمن أجل الوصول إلى حسن التأسي ودقة اللتزام اقتضى سير العمل

التعرض للعقل ومقوماته لمعرفة حدود استعمالته، وكيفية استعماله في العقيدة، وفي الحكامالشرعية وفي أفكار (… نقص في الصل …) الواقع.

- وإنه لما كان العمل لقامة الحكم بما أنزل ا، وإقامة دار السلم اقتضى ذلك معرفة سير في مكة، وما قام به من أعمال أدت إلى إقامة الدولة السلمية في المدينة، ومن ثمالرسول

الهتداء بها. واقتضى سير العمل أيضا التمييز بين حكم الطريقة وحكم الوسائل والساليب، حتى. نصل إلى دقة التأسي بفعل الرسول

- وإنه لما كان العمل هو إقامة الحكم بما أنزل ا، وتغيير النظمة القائمة، اقتضى سير العمل المتابعة السياسية لعمال الحكام ومعرفة واقعهم، وواقع ارتباطهم، ومعرفة سياسة الدول الكبرى التي

تتحكم في تصرفاتهم، والعمل على كشف خططهم.

- وإنه لما كانت بلد المسلمين تخضع لنظمة الكفر وخاصة الحضارة الغربية وأنظمتها الفكرية والجتماعية والقتصادية والسياسية، اقتضى سير العمل لقامة الدولة السلمية التعرض

للمبادئ بعقائدها وما يبنى عليها من أفكار ، وما ينبثق عنها من أنظمة.

- ولما كانت الغاية الشرعية هي تطبيق السلم، وحمله رسالة إلى العالم، اقتضى ذلك التعرض للحكم والدولة السلمية وشكلها وأركانها وأجهزتها ودستورها وفكرة عامة عما سيطبق

Page 76: الدعوة إلى الاسلام

فيها، واقتضى كذلك التعرض لشكال الحكم الموجودة للتميز عنها وعدم التأثر بأشكالها، واقتضىكذلك التعرض للساس الذي تقوم عليه الدولة.

على هذا المنوال تسير الجماعة في تحديد مواد ثقافتها للعمل بها والدعوة لها، بالشكل الذي يقتضيه سير العمل لستئناف الحياة السلمية، بإقامة الخلفة التي تحكم المسلمين وغير المسلمين من

.رعاياها بالسلم، ومن ثم نشر الرسالة في الخارج عن طريق الدعوة والجهاد

:أهمية العقيدة

لما كانت العقيدة السلمية هي الدافع لعمل الجماعة أو الحزب ، ولما كانت إقامة الحكم بما أنزل ا هي الهدف، فقد وجب أن تؤخذ هذه الثقافة التي تتبناها الجماعة بالشكل الذي يربطها بالعقيدة ربطا محكما ؛ لن من شأن ذلك أن يوجد عند العاملين الشعور بالمسؤولية والهتمام والجدية والتلهب

والحماسة والتضحية؛ ولن من شأن ذلك أن يجعل المسلم يتحمل صعوبات الطريق ومشاقها في الوقت نفسه ؛ ولن من شأن ذلك أن يجعل حامل الدعوة ل ينتظر من الناس شكرا، وإنما يخاف من

ربه يوما عبوسا قمطريرا، ويرضى بمشقة العمل العاجل والحرمان من متع الدنيا ونعيمها ليظفر . ولن من شأن اتخاذ العقيدة أساس الثقافة أن تكونبرضوان ربه وليحظى بنعيم الخرة وسعادتها

العقيدة هي الساس في التغيير عند الناس، وليس كره الظلم الذي يحل بهم أو التخلص من الجهل أو تحسين الوضاع. بل الذي يحمل المسلم على الدعوة، والمسلمين الخرين على قبولها هو أفكار

اليمان. وهذا هو منهج السلم أصل.

وكذلك فإن أفكار اليمان التي تتخذ أساسا للثقافة التغييرية مع هذه الثقافة يجب أن تعطى.بالشكل الذي يصب في تحقيق هذه الغاية

.فالعقيدة يجب أن تعطى بالشكل الذي يعين على تحقيق هذه الغاية

.والحكام الشرعية المتبناة يجب أن تعطى بالشكل الذي يبرز الغاية من إعطائها

.ودراسة الواقع كذلك تعطى بالشكل الذي يساعد على تحقيق هذه الغاية

وخلصة القول إن الثقافة الحزبية يجب أن تربط بالعقيدة السلمية، ويستشهد لها بالدلة الشرعية، وتعطى من الزاوية التي تحقق الغاية الشرعية وهي تحقيق العبودية ل بالشكل العملي عن

. ويجب أن ينشأ شباب الجماعة علىطريق إقامة الدولة السلمية، أي تحقيق الحاكمية ل سبحانه هذا.

ولما كانت العقيدة السلمية هي بمثابة الرأس من الجسد، والقلب من العضاء، وهي ملك:المر كله، وبها قوام كل شيء فإنها حين تعطى

- يجب أن تؤدي إلى إفراد ا سبحانه وحده بالعبادة والتشريع. فل أحد سواه يملك مثل هذا الحق. فهو الرب وحده، وهو الخالق وحده، وهو العليم الخبير المشرع، المدبر للمر وحده. وبما أن

النسان بفطرته يشعر بأنه عاجز، وناقص ومحتاج ومحدود فإنه يلتجئ إلى هذا الله لكي يهديه سواء السبيل، ويخرجه من الظلمات إلى النور. وأن ا سبحانه وتعالى قد أرسل رسول من عباده واصطفاه

Page 77: الدعوة إلى الاسلام

برسالته يهدي بها من اتبع رضوانه سبل السلم. وطلب منا اتباعه وحده فيما بلغه عن ربه. فهو معصوم، وأنزل عليه القرآن رسالة إلى الناس أجمعين هدى ونورا ورحمة وموعظة وشفاء لما في الصدور. ووعدهم بالنعيم المقيم إن هم آمنوا وأطاعوا، وأوعدهم جهنم إن هم أبوا. فالنسان مخلوق

وحدها.لعبادة ا وحده بموجب الرسالة التي جاء بها رسول ا

- يجب أن يتبين للمسلمين أن السلم يربط واقع النسان باليمان بما قبل الحياة الدنيا وهو اليمان بال الخالق المدبر، وباليمان بما بعدها وهو اليمان بالبعث والنشور والحساب والثواب

والعقاب. وأن تعطى بالشكل الذي يبين هذه الصلة. وأن من يقطع هذه الصلة ويفصلها ل يقوم كلمهعلى حجة بينة أو سلطان مبين. وكلمه كفر.

- يجب أن تعطى بالشكل الذي يؤدي إلى إحياء المة بها ودفعها إلى حمل السلم رسالةللعالم.

- يجب أن يتبين المسلمون صحتها في مواجهة أفكار الكفر المعاصر. وذلك بتبيان زيف كل الفكار المعاصرة من رأسمالية أو قومية أو وطنية. وذلك عن طريق إقامة مقارنة فكرية بين السلم وهذه الفكار للوصول إلى نتيجة مزدوجة تتمثل بإسقاط كل الفكار الخرى، وبالتالي كل تجمع يقوم عليها، ومن ثم بيان أن السلم هو وحده الحق الذي يصلح العالم كل العالم (لعالمية عقيدته ونظامه)،

وبالتالي لقامة الدولة التي يتمثل فيها هذا السلم. وفي هذا الحقل تعمل الجماعة على إسقاط كل الشعارات والدعاوات البراقة، واللفتات والدعاءات المزورة التي وضعها الكافر المستعمر في

أذهان المسلمين. من مثل (حرية الثقافة والفكر)، (دع ما لقيصر لقيصر وما ل ل)، (وطني دائما على حق) ، (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) بالمفهوم الجاهلي. وتبعد كل تأثير للفكر الغربي عن أذهان

المسلمين وعن حياة المسلمين، وذلك بدحض الفكار القائمة على (تطوير الشريعة)، (تقنين الشريعة)، (مرونة الشريعة لتلبية حاجات العصر) بالمفهوم الغربي. (فصل الدين عن السياسة)، (ل

سياسة في الدين)، (ل ينكر تغير الحكام بتغير الزمان والمكان). ومع إسقاط كل هذه الشعارات تعمل).ل إله إل ا، محمد رسول االجماعة على غرس الفكار المقابلة المبنية والمنبثقة عن (

) علمال إله إل ا ، محمد رسول ا(ومعلوم شرعا أنه ل يصفو في النفس معنى كلمة فمن يكفر بالطاغوتوعمل حتى تنبذ هذه النفس كل فكر عداها، وكل إيمان سواها. يقول تعالى: [

فقد قدم ذكر الكفر بالطاغوت حتى ل يعلق في النفس أي]،ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى درن من أدران الشرك أو أية شائبة من شوائب الكفر، ويأتي اليمان بعد ذلك خالصا في النفس، وهذا

تعني أنه بعد] ل إلهفـ[] فاعلم أنه ل إله إل اهو حال من يستمسك بالعروة الوثقى. ويقول تعالى: [ هي إثبات] إل االبحث والفكر تولد العلم بأنه ل إله موجود كإله وبالتالي يستحق العبادة. وقوله: [

اللوهية ل وحده. فهي نفي لغيره وإثبات له سبحانه. وهذا أقوى أنواع الثبات لغة ويفيد الحصر. وعليه فل أفكار الشتراكية، ول أفكار القومية، ول أفكار الوطنية هي المنقذة أو الصحيحة بل هي

فاسدة وباطلة، تشقي النسان ول تسعده ، وليس إل دين ا وشرعه هو الهدى والنور والشفاء.

وتسير الجماعة في بناء أفرادها وتكوين شخصياتهم السلمية، وذلك بإعطائهم المقاييس السلمية الصحيحة وإشباع نفوسهم بحب التقيد بالشرع وبغض ما خالفه، وحب التحاكم إليه وبغض

. وبحيث يصبح عقلهم للمور منضبطا بمقاييس وأفكار الشرع، وبحيث يصبح ميلهمالتحاكم إلى سواهيميل مع السلم حيث مال، يرضون لرضاه ويغضبون لغضبه.

Page 78: الدعوة إلى الاسلام

وتسير الجماعة في تركيز هذه الثقافة عند شبابها عن طريق حلقات مركزة، من شأنها إعداد . وتسيرالشباب للقيادة والقيام بأعمال الدعوة، بعد أن ينزلوا إلى الواقع بها لحمل الناس على تبنيها

الجماعة في فهم الواقع على العقل، وتقدم لشبابها العملية الفكرية التي اعتمدت عليها حتى توصلت إلى هذا التعريف أو التحديد العقلي. وهي بذلك تكون المرشدة لهم في كيفية التعامل مع الواقع، وكيفية التوصل إلى جملة التعاريف العقلية للوقائع التي تلزم للحكام الشرعية والتي تشكل ما يشبه المناط لها

. فهي حين تعرف العقل أو الحاجات العضوية، أو الغرائز، أو النهضة، أو المجتمع، أو الحضارةوالمدنية … تعرفها لنها في حاجة إلى إدراك واقعها الذي يتعلق به كثير من الحكام الشرعية.

وتسير الجماعة في الوصول إلى الحكم الشرعي عن طريق الدلة الشرعية، فتستنبط منها ما . وهذا يحتاج إلى تبني كل العلوم التي تمكنها من فهم النصوصيتعلق بحل المشكلة أو معالجة الواقع

الشرعية، لتتوصل بواسطتها إلى معرفة حكم ا في حقها. وعليها أن تجري أمام شبابها وأمام المسلمين طريقة الستدلل لتعلمهم بها، وتركز في نفوسهم طريقة السلم في فهم الشرع واستنباط

أحكامه.

ويجب أن تحرض الجماعة حين إعطاء هذه الثقافة المتبناة لشبابها على أن الناحية العملية منها . فهذه الثقافة هي ليست للعلم، ول لتنمية المعلومات، ول للوصول بالشباب إلى مستوىهي المقصودة

علمي متين، بل هي لقامة حالة من الصراع الفكري والكفاح السياسي بها، ولحملها قيادة فكرية فيالمة لقامة كيان يمثلها.

. فل تقول شيئا وتفعلويجب أن تحرص الجماعة على ترجمة هذه الثقافة ترجمة عملية دقيقةشيئا آخر. وإل فإنه كبر مقتا عند ا أن تعلم هذه الجماعة الحق وتقوم بخلفه.

نعم ان على الجماعة أن تتبنى هذه الثقافة، وأن تبني شبابها وتؤسسهم عليها وتركزها في . ومن ثم تنزل إلى المة بأفكار السلم الساسية بشكل يوجد الرأي العام للفكرة المنبثقة عننفوسهم

الوعي العام عليها. فتنزل للمة بأفكار العقيدة، وبأحكام شرعية رئيسية بالشكل الذي يجمع المة على الهدف الواحد وهو تحكيم شرع ا وحده. وبهذا يوجد عندها التوجه الصحيح والذي يعتبر بداية

لعادة شخصيتها المفقودة منذ زمن.

وهذه الفكار الساسية والحكام الشرعية الرئيسية هي من مثل الفكار التي تؤدي إلى إفراد في التباع، وتشويق الناس للجنة، وتخويفهم من النار،ا في التشريع والعبادة، وإفراد الرسول

وأن العمل لقامة الدولة السلمية هو فرض من أهم فروض السلم لتعلق كثير من الفروض به. وأن المة السلمية هي أمة واحدة من دون الناس، فل يباعد بينها جنس ول نظام، وأن المسلمين هم

إخوة وليست الرابطة الوطنية أو القومية لتباعد بينهم. وان البعد عن شرع ا هو الذي أورث المسلمين الذل والهوان، وأن المسلمين يجب أن يتقيدوا بشرع ربهم فل يأتون العمل إل بعد معرفة

دليل.

إن مثل هذه الفكار هو الذي يوجد التربة الصالحة لن تقوم عليها أحكام السلم يانعة.ومثمرة

. وهمنا أن نوجد الطريقة السليمة التي يأمرإن كل ما ذكرناه يجب أن تشمله ثقافة هذه الجماعةبها الشرع للوصول إلى تحديد هذه الثقافة. والتي على ضوئها يتم تبنيها.

Page 79: الدعوة إلى الاسلام

وهكذا تنشأ عند الجماعة طائفة كبيرة من الفكار والراء والحكام الشرعية اللزمة لها، لخوض الصراع الفكري والكفاح السياسي وايجاد الثفاقة المركزة عند من سيقوم المر على أكتافهم،

.وإيجاد الرأي العام عند المة الذي يجعلها تتقبل الفكرة التي تقوم عليها هذه الجماعة

هذا هو الطار الذي يجب أن ل تخرج عنه هذه الجماعة، فهي إن وفقت في تحديده ل يضرها . وهذا ل بد منه ولبعد ذلك إن أخطأت في بعض الحكام الفرعية، أو خالفت غيرها أو خالفها غيرها

محيد عنه.

هذه هي الثقافة التي تحتاجها الجماعة لكي تصل إلى مبتغاها المتمثل بتحكيم شرع ا ونشر. وا ولي التوفيق.الدعوة في العالم أجمع

Page 80: الدعوة إلى الاسلام

وجوب تبني الفكارالتي تلزم لعمل الجماعة

إنه ليس المطلوب شرعا هو مجرد وجود جماعة، بل المطلوب شرعا هو إيجاد الجماعة التي. وأدلة وجود الجماعة تبين لنا ذلك.من شأنها أن تقيم هذا المر

ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن- ففي قوله تعالى: [ ] أوجب الشرع إيجاد جماعة سياسية مبدؤها السلم وتحمل الفكارالمنكر وأولـئك هم المفلحون

.الظهار والتمكين والستخلفوالحكام الشرعية التي تلزم لقامة الغاية التي وجدت من أجلها وهي فليس المطلوب هو إيجاد جماعة من أجل وجودها فقط، بل ل بد لها من تحقيق ما طلب منها وهو

). وليس المطلوب كذلك (الدعوة والمر والنهي) من أجل ذاتها فقط وإنما منالدعوة والمر والنهي( أجل تحقيق الغاية التي وجدت من أجلها (الدعوة والمر والنهي) وهي الظهار والتمكين

والستخلف.

»ل يحل لثلثة نفر يكونون بأرض فلة إل أمروا عليهم أحدهم«: - وفي قول الرسول [رواه أحمد بن حنبل] أفاد الشرع أن كل عمل مشترك مطلوب من المسلمين إقامته ل بد له، حتى يقام، من أمير تكون طاعته واجبة فيما أمر، وفيمن أمر ومن جماعة تلتزم بأمر المير، حتى تأتي

النتائج من هذا العمل المشترك بحسب ما يريده الشرع.

- ولما رأينا أن ا سبحانه وتعالى قد فرض على المسلمين كثيرا من الفروض، وأناطها بالخليفة وحده دون سواه، صار ل بد من نصب خليفة لقامة هذه الفروض. ولما كان نصب الخليفة

وإقامة الخلفة ل ينجزه إل جماعة، صار ل بد من وجود جماعة من شأنها أن تقيم الخليفة والخلفة.).ما ل يتم الواجب إل به فهو واجببناء على القاعدة الشرعية: (

وهكذا يتبين أن وجود الجماعة مرتبط بوجود الغاية الشرعية المطلوبة ارتباطا ل ينفصم، فهي . وليست جماعة تبليغ من أجل التبليغ. بل هي جماعة قامتليست جماعة تقوم بمجرد الدعوة للسلم

من أجل إقامة السلم في حياة المسلمين عن طريق إقامة الدولة السلمية التي تعتبر الطريقة الشرعية لتطبيق كل أحكام السلم الفردية والجماعية. وعليه ل بد من وجود جماعة من شأنها أن

تحقق الغاية التي من أجلها وجدت.

:وحتى تعتبر هذه الجماعة مستوفية لكل ما هو مطلوب منها كان ل بد لها من

- التبني لكل الفكار والحكام والراء الشرعية التي تلزمها في عملها. وإلزام اتباعها بالتقيد به قول وعمل وفكرا . لن من شأن التبني أن يحافظ على وحده الجماعة. ولنه متى وجدت الجماعة وكان أفرادها مختلفي الفكار، ومتعددي الجتهادات، فإنها، وإن توحد أفرادها على الغاية، وتوحدوا

على السلم بشكل عام، ل بد ستصاب بداء التشرذم وستعصف بها النشقاقات، وسيوجد بداخلها التحزبات، وتصير جماعات داخل الجماعة، وستتحول دعوتها من دعوة الخرين إلى العمل معها

لقامة هذا الفرض إلى دعوة بعضهم البعض، وسيتنازعون فيما بينهم كل يريد إيصال رأيه إلى سدة الجماعة. من هنا تأتي اهمية التبني وشرعيتها. فوحدة الجماعة مطلوبة شرعا، ول يحافظ على وحدتها في هذه الحالة إل بالتبني الواحد لكل الفكار اللزمة للعمل، وإلزام شبابها بهذا التبني.

فهو واجب). ويصير التبني مطلوبا من باب: (ما ل يتم الواجب إل به

Page 81: الدعوة إلى الاسلام

فطالما أن أفكار وأحكام وآراء العمل عند الجماعة كلها شرعية، وطالما أن هذه الجماعة تحوز ثقة شبابها فقد جاز من حيث الصل تقيد الشباب بأفكار العمل من باب جواز ترك المسلم رأيه والعمل

. ففي بيعة عثمان بن عفان رضي ا عنه، رضي سيدنا عثمان أن يبايع بالخلفة شرطبرأي الخرين أن يترك اجتهاده إلى اجتهاد أبي بكر وعمر رضي ا عنهما وإن خالفاه. وقد أقره الصحابة على ذلك. وبايعوه. إل أن ذلك يعتبر جائزا وليس بواجب بدليل أن سيدنا عليا رضي ا عنه لم يقبل أن

يترك اجتهاده لجتهاد أبي بكر وعمر، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة. كذلك فقد صح عن الشعبي أن أبا موسى كان يدع قوله لقول علي، وأن زيدا كان يدع قوله لقول أبي بن كعب، وأن عبد ا كان يدع

قوله لقول عمر. ورويت حوداث عن أبي بكر وعن عمر أنهما كانا يدعان قولهما لقول علي فيها. فهذا يدل على جواز رجوع المجتهد عن قوله لقول غيره بناء على الثقة باجتهاده. وعلى شباب هذه

الجماعة أن يتقيدوا بفهمها، وأن ينشأ منهم كل فكري شعوري واحد.

- وكما أن على الجماعة أن تتبنى في الحكام الشرعية المتعلقة بعملها، كذلك عليها أن تتبنى ما يلزم من أساليب تنفيذ هذه الحكام. والسلوب هو الوجه الذي ينفذ به الحكم الشرعي . وهو حكم

يتعلق بحكم أصل جاء الدليل على إثباته، فمثل: المطلوب من الجماعة إيجاد الثقافة المركزة عند ، وهذا حكم شرعي يجب التقيد به. فعلى أي وجه، وكيف سينفذ هذا الحكمشبابها أسوة بالرسول

الشرعي؟ ل بد من أسلوب معين يؤدى بواسطته هذا الحكم الشرعي. فقد يكون أسلوب الحلقات أوالسر أو أي شكل آخر.

. ويأخذفاختيار السلوب يكون اختيارا عقليا للعمل النسب الذي يؤدي به هذا الحكم الشرعيحكم الباحة من حيث الصل. والشرع قد طلب الحكم الشرعي وترك أسلوب تنفيذه للمسلم.

وتعدد الساليب للحكم الشرعي الواحد يضغط على الجماعة لكي تتبنى أسلوبا معينا وترشد . ومن ثم يأخذ حكم السلوب حكمشبابها إليه ، فتكون الجماعة قد تبنت أسلوبه الموصل إلى تنفيذه

متبوعه. أي يصبح أسلوبا ملزما كالحكم الشرعي الملزم التابع له.

فإذا اختارت جماعة ما نظام الحلقات كأسلوب ليجاد الثقافة المركزة فعليها أن تتبنى ذلك كأسلوب ملزم، وتنظر حين تبنيها لهذا السلوب إلى تحقيق الغاية المرجوة من هذا السلوب، وهي

. فمثل: عددإيجاد الثقافة المركزة، فتتبنى في أسلوب الحلقات كل ما من شأنه أن يحقق هذه الغاية أفراد الحلقة يجب أن يكون متناسبا مع الغاية. فإن زاد العدد فقد يكون على حساب التركيز، وان قل

فستكثر الحلقات حتى يصبح المر مرهقا ومعوقا. فل بد أن يكون هناك عدد يناسب عملية تركيز الفكار من غير زيادة ول نقصان. ويكون تحديد العدد عقليا. وكذلك مدة الحلقة ل بد أن تكون وقتا يبقى فيه الدارسون مالكين لوعيهم في فهم الفكار بحيث لو طال لقل الستيعاب، ولو قل لما أديت الفكار بشكل متكامل. وموعد الحلقة هل هو يومي أو أسبوعي أو نصف شهري؟ ل بد أن يكون موعدا من شأنه أن ل يعوق الجانب العملي في الدعوة، فل ينشغل الشباب بالناحية العلمية على حساب الناحية العملية. وهكذا يجري التبني لكل الساليب المناسبة للحكام الشرعية بحيث تأتي منسجمة تماما مع تحقيق الحكم الشرعي الذي يراد تحقيقه. وما يقال في الساليب يقال كذلك في

الوسائل تقريبا . ويجوز للمير أن يغير في الساليب والوسائل حسب ما يقتضيه تنفيذ العمل.

- بما أن عمل الجماعة يتناول رقعة واسعة من الرض، ويكون له امتداده بين الدول، لذلك فإن ضخامة المهمة الملقاة على الجماعة أو الحزب تفرض وجود جهاز إداري يستطيع الحزب أن

يقوم بواسطته بمتابعة الدعوة وتحقيق أهدافها على كامل مساحة العمل، وينظم حركة الدعوة ويضبطها، ويتابع تركيز الشباب ويهيء الجواء العامة على الفكرة، وخوض الصراع الفكري

Page 82: الدعوة إلى الاسلام

والكفاح السياسي، ويطل على المة كجسم وقف نفسه على تحقيق هذا الفرض. إذا ل بد من هيكليةتنظيمية تقف على تحقيق الغاية كأفضل ما يكون فتلحق مكتسبات العمل وتحافظ عليها.

- فل بد من تبني جهاز إداري أو هيكلية تنظيمية يمكنها إدارة أعمال الدعوة بشكل ناجح يؤديإلى تحقيق المطلوب.

. يحدد صلحياتثم يأتي بعد هذا تبني قانون إداري ينتظم فيه كل جسم الحزب والحركة فيه المير ، وكيف يدير الحزب، وكيف يتم اختياره. ومن يعين مسؤولي المناطق أو الوليات. وما هيحدود صلحياتهم. فهو القانون الذي ينظم إداريا كل عمل الحزب ويعين حدود صلحيات الجميع.

.وكل هذا يأخذ حكم السلوب والوسائل التي تلزم لتنفيذ الحكام الشرعية المتعلقة بالعملوالساليب الدارية المتبناة تكون واجبة اللتزام ما دام المير يراها لزمة، لن طاعة المير واجبة.

- إن كل ما يجري تبنيه يجب التزامه. فكيف سيتصرف الحزب عندما تتم المخالفة، هل يعالجالمخالفة بالتوبيخ أو بعقوبات إدارية؟

ان على الكتلة تبني عقوبات إدارية لكل من يخالف أي حكم متبنى، أو يخرج عن الخط . ومشروعية هذه العقوبات تندرج تحت باب (مخالفة المير). وبما أن الحكمالشرعي المرسوم

الشرعي أوجب وجود أمير، كذلك فقد أوجب طاعته وحرم مخالفته فيما أمروه فيه عليهم. وإل لماكان من معنى لوجود أمير للجماعة.

من أطاعني فقد أطاع ا، ومن يعصني فقد عصى ا، ومن يطع المير«: يقول الرسول [رواه مسلم].»فقد أطاعني ومن يعص المير فقد عصاني

.ووجود العقوبات الدارية يجب أن يطال الجميع من المير حتى أصغر عضو في الحركة وهذه العقوبات هي على المخالفة لكل ما هو متبنى. فمن خالف في الحكام الشرعية المتبناة أو في

الساليب، أو لم يراع وجود الجهاز الداري أو القانون الداري، أو خرج عن حدود صلحياته، يجبأن تطاله المحاسبة.

وهكذا يجب أن يصحب الطار الفكري إطار تنظيمي منضبط يسهر على الترجمة الدقيقة . ولقد رأينا بأم العين كم من التنظيمات السلمية وغير السلمية قدلفكار العمل وأحكام الطريق

انهارت لنها لم تتنبه للناحية التكتلية فيها.

فمن الطبيعي عندما ل تأخذ الجماعة فكرة التبني بعين العتبار أن تعصف بها الخلفات، وأن تعيش في تخبط وعشوائية ودوران في حلقة مفرغة، أو تصاب بالشطط وليس من يحاسب، وهذا

.يخرجها عن كونها الجماعة التي من شأنها أن تحقق الكفاية الشرعية

ومن الطبيعي أنه إذا لم يكن اختيار العضاء والمسؤولين بناء على شروط شرعية منضبطة، وكان بناء على القرابة، أو المركز الجتماعي، أو المنصب، أو المركز العلمي، فإن من شأن كل هذا

.أن يسيئ إلى توزيع المهمات ويجعل من الفراد هواة مناصب

ومن الطبيعي أنه إذا لم توجد القوانين الدارية التي يخضع لها الجميع فستتميز المحاسبة.ويطغى الميزان

Page 83: الدعوة إلى الاسلام

ومن الطبيعي أنه إذا لم توجد العقوبات الدارية التي ل تحابي أن تمر المخالفة الكبيرة كما تمر.المخالفة الصغيرة، وأن تستمرأ معاصي العمل، وتكثر الخطاء

وعليه فل بد من النتباه إلى الناحية التنظيمية وتشكيل جسم حزبي فاعل في حركته بحيث تنتظم ضمنه أفكار الدعوة وشبابها، وبحيث يسهل العمل، وتركيبة الحزب أو الجماعة يجب أن تتفق

.تماما وتحقيق الغاية التي من أجلها وجدت

. فإذا لم تحسنول يطنن ظان أن الناحية التكتلية هي أمر ثانوي، بل هي تأخذ طابعا مهما جدا صياغتها وتركيبتها ويتبنى لها الحكام اللزمة وتأخذ ناحية اللزام فإن كل ما وفقت الجماعة إليه مما

تقدم ذكره يصبح معرضا للنهيار والضياع.

القيام بالمهمات الحزبية تفرض على الحزب أو الجماعة بعض العباء المادية: فمنثم ان تفرغ لبعض شبابها تحتاج إليه الجماعة، إلى مصاريف انتقال، إلى نفقات طباعة، إلى غير ما هنالك

مما تفرضه تكاليف حمل الدعوة السلمية. فهذه العباء المالية يجب أن يتحملها جسم الحزب أيشبابه، فمن قدم نفسه في الدعوة يسهل عليه تقديم ما هو أخف من ذلك.

ويجب أن تحرص الجماعة على أن ل تمد يديها إلى خارج جماعتها سواء كان هذا الخارج فردا أم جماعة أم حكومة، فإنما تؤتى الجماعة من هذا القبيل، ويفكر أعداء الدعوة باستغلل حاجة

الجماعة إلى المال فيعرضون عليها المساعدة البريئة في بادئ المر، ثم ل يلبث أن يتغير وجه.المساعدة إلى مساعدة ذات غرض وأرب

Page 84: الدعوة إلى الاسلام

هل يجوز تعدد الحركات التيتدعو إلى السلم؟

لقد حاولنا في موضوعات هذا الكتاب أن نعطي تصورا متكامل يمكن أن يشكل برنامجا لي . لم نغص في التفصيلت، وإنما أعطينا أساسيات ل بد من مراعاتها، علىحركة أو حزب أو جماعة

أن تترك تفصيلت الجماعة لمجتهديها. والن يوجد على ساحة العمل كثير من الطروحات التي لم تقم على أساس صحيح، وكثير من الجماعات التي ل يصح أن يطلق عليها أنها الجماعات المستوفية

للشروط المطلوبة شرعا. وما هي إل عبارة عن تجمعات لمسلمين ارتضت العمل الجزئي الذي ل يعالج حتى المشاكل الجزئية، وغفلت عن رؤية شرعية متكاملة. وبالتالي لم تحمل السلم حمل من شأنه إيصال السلم كامل إلى واقع حياة المة السلمية. وتعددت هذه الجماعات حتى وصلت في

البلد الواحد إلى المئات، وأضحت دكاكين ومزارع تستنفذ الجهود وتضيع على المسلمين التوجه والعمل الصحيحين. ومع وجد هذه الكثرة الملفتة لهذه الجماعات ( الجمعيات ) بقي القليل القليل من

الحركات التي تتصف بالرؤية البعيدة لهداف السلم والعمل على تحقيقها. ولو أسقطنا من حساباتها هذه المزارع والدكاكين، وجعلنا النظر ينصب فقط على الجماعات الكبيرة ذات الرؤية البعيدة والعمل

المتكامل، فهل المطلوب شرعا: هو وجود جماعة واحدة تستوعب العمل كله وتؤدي المطلوب؟ أو يجوز شرعا تعدد الجماعات العاملة للتغيير ضمن الصول الشرعية؟ وما هي النظرة الصحيحة

لجزئية العمل أو تكامله وتوازنه؟ أو لقليمية الطرح وعالميته؟

إن وحده العمل السلمي أو تعدده أخذت حيزا ل بأس به بين الخذ والرد، فمنهم من يوجب . ومنهم من يجيز التعدد. ولو رددنا فروع البحث إلى أصولهوحدة العمل السلمي في التغيير

لستطعنا تمييز الدلة الشرعية عن التبريرات. ولتبين لنا الغث من السمين.

فلو نظرنا إلى الرأي الذي يوجب وحدة العمل السلمي لرأينا الوجوب عنده يندرج تحت:عنوانين

: وحدة العمل السلمي فريضة شرعية.العنوان الول

: وحدة العمل السلمي ضرورة حركية.العنوان الثاني

– أما اعتباره فريضة شرعية فللدلة التالية.1

إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم: لقوله تعالى: [الصل وحدة المسلمين ووحدة المةأ – مثل المؤمنين في «:] وقوله وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقونوقوله تعالى: [] فاعبدون

توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر» [رواه البخاري ومسلم وأحمد].والحمى

ول تكونوا كالذين: لقوله تعالى: [الصل الحض على الوحدة والنهي عن الختلفب – إن الذين فرقواولقوله تعالى: [] تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولـئك لهم عذاب عظيم

].دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى ا ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون

Page 85: الدعوة إلى الاسلام

. الصل التزام جماعة ل جماعاتج –

ستكون هنات وهنات. فمن أراد أن يفرق أمر هذه المة وهي جميع فاضربوه: «لقوله دعانا النبي فبايعناه. فقال فيما أخذ علينا» [رواه مسلم]. وللحديث الشريف: «بالسيف كائنا من كان

أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا، وأن ل ننازع :» [رواه مسلم]. وقوله المر أهله قال: إل أن تروا كفرا بواحا عندكم من ا فيه برهان

» [رواهيد ا مع الجماعة : «» [رواه المام أحمد]. وقوله الجماعة رحمة والفرقة عذاب«الترمذي والنسائي].

– أما اعتباره ضرورة حركية وبشرية فلسباب كثيرة منها:2

أ – إن التغيير السلمي عملية شاقة ، ودحر القوى الجاهلية عن مواقعها ليس بالمر السهل، وتحقيق قوامة السلم على المجتمع – فكرا وسلوكا ونظاما – يفرض تلحم القوى ضمن إطار وحدة

.اندماجية ل تنسيقية

ب – إن التواطؤ الدولي على السلم ، وعلى الحركة السلمية يفرض بالتالي وحدة . فإذا كانت القوى العالمية المعادية للسلم المتآمرة على العالم السلمي تتعاونالمواجهة والتصدي

فيما بينها وتوحد جبهاتها، أفل يحسن بالقوى السلمية في العالم السلمي أن تتداعى إلى وحدة فيمابينها كي ل تكون لقمة سائغة، وكي ل تسهل تصفيتها وسحقها؟

فلو لم تكن وحدة العمل السلمي فريضة شرعية من حيث المبدأ، لصبحت كذلك حفاظا على.المصير السلمي وصونا للمسيرة السلمية من التعطيل والتنكيل والبادة

ج – إن القوى والحزاب المحلية المعادية للسلم باتت تجمعها اليوم جبهات على امتداد . هذه الجبهات ل تفتأ تدرس وترصد وتخطط وتستعد على كل صعيد. أفيحسن بالقوىالعالم السلمي

السلمية حيال هذا الواقع أن تبقى مشرذمة مفككة؟ أم يجدر بها أن تتعالى فوق كل العتباراتوالسباب التي تحول دون وحدتها وتلحمها؟

هذه المبررات وغيرها تحتم بما ل يدع مجال للتباطؤ والشك والتلكؤ قيام حركة إسلمية. تكون في مستوى المواجهة تفكيرا وتنظيما وتخطيطا وإعدادا.عالمية واحدة

. وعلينا أن نجريهذه هي أدلة ومبررات من يوجب وحدة العمل السلمي ويحرم التعددبحسب طريقة السلم في الجتهاد لمعرفة مدى انطباق الدلة على الواقع.

. وأنه يجب تحويله إلى دارلقد تناولنا سابقا أن الواقع الذي يعيشه المسلمون هو دار كفر. إسلم. وتناولنا أنه ل بد من جماعة تعمل لتحقيق هذا المر، وأنه يجب أن تسير على خطا الرسول

ول بد الن، وقبل تناول الدلة الشرعية التي اعتمد عليها أصحاب هذا الرأي، من بسط واقع : هل هي جماعة المسلمين أو هي من جماعة المسلمين،الجماعة التي تريد أن تعمل لقامة هذا المرأو بعبارة أخرى: هي جماعة من المسلمين؟

Page 86: الدعوة إلى الاسلام

: إن ا قد فرض فروضا يجب أن يسعى المسلمون لقامتها. ومن هذهولمعرفة ذلك نقول الفروض ما هو فردي، أي يستطيع المسلم أن يقوم بها فرديا ول تسقط عنه حتى يقيمها. ومنها ما يحتاج القيام به إلى جماعة، ومن هذه الطائفة من الفروض فرض العمل لقامة الدولة السلمية.

فإقامة شرع ا واجب وليس في مستطاع الفرد وحده القيام به بمعزل عن غيره، بل يجب أن تلتقياليدي وتتجمع الرادات الكثيرة لقامته.

).ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب(وهذا من باب

. وعدم إقامته يورث القاعد عنه إثماوهذا الفرض هو من الفروض الكفائية التي يجب إقامتها عظيما. ولكن طبيعة إقامته ل تحتاج إلى كل المسلمين بل إلى من تتحقق فيهم الكفاية، أي إلى جماعة

منهم. وهذه الجماعة كونها تعمل لهذا الفرض يسقط عن أفرادها إثم القعود ويبقى الثم على من ليعمل.

وهذه الجماعة من المسلمين تقوم لقامة هذا الفرض، وتحاسب على صحة أو خطأ الفكار.والحكام المتبناة واللزمة لها حين العمل لتحقيق ما قامت من أجله

.وهذه الجماعة ليست هي جماعة المسلمين لن هناك كثيرا من أفراد المسلمين ل يعملون معها بل قد يعملون مع غيرها كما سنبين ذلك حين التكلم عن جواز التعدد، وقد ل يعملون مع أحد من

الجماعات.

. وأحكام الخليفة ل تتناولها ول يحق لها أنوهذه الجماعة ليست هي الخليفة ول تقوم مقامهتباشر أي عمل من أعمال الخليفة المنوطة به دون غيره.

. وهيبل هي جماعة من المسلمين فحسب، والمة السلمية بأسرها هي جماعة المسلمينتضم فيما تضم الجماعة أو الجماعات ، والفراد، والخليفة.

وجماعة المسلمين هي المة السلمية التي جمعت وآخت بينها العقيدة السلمية وليس . فالمسلمون يختلفون في الفروع من غير أن يقدح هذا الختلف بأخوتهم. ولو كانتالحكام الشرعية

الحكام هي معيار الخاء لما آخى مسلم مسلما آخر. وأي خروج لفرد من المسلمين أو جماعة منهم عن عقيدة المسلمين يعتبر خروجا عن المة السلمية ويكون قد شذ في النار، وهذا هو المقصود

» [رواه البخاري ومسلم] أي لجماعةالتارك لدينه المفارق للجماعة أنه «بحديث الرسول وتفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة كلها... : «المسلمين. وهذا هو المقصود بحديث الرسول

» [رواه أبو داودفي النار إل واحدة قالوا: ومن هي يا رسول ا؟ قال: ما أنا عليه وأصحابيوالترمذي وابن ماجة وابن حنبل].

. والمسلمون فيها تتكافأوجماعة المسلمين أو المة السلمية هي أمة واحدة من دون الناس دماؤهم وأموالهم، ويجير أدناهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، وإن تعددت أفهامهم واختلفت

اجتهاداتهم.

). ومن الخطأ أنالمسلمين جماعة من) وبين (جماعة المسلمين(إذا؛ هناك فارق واضح بين نأتي بالدلة المتعلقة (بجماعة المسلمين) لنطبقها على الـ (جماعة من المسلمين).

Page 87: الدعوة إلى الاسلام

وإن هذهوقوله تعالى: [] إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون: [وعليه فإن قوله تعالى مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل: «وقوله ] أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون

» [رواه البخاري ومسلمالجسد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وأحمد]. فالمقصود بها هو المة السلمية بأسرها وليس (جماعة من المسلمين). وإذا اعتبرت أية

جماعة من جماعات العمل نفسها أنها جماعة المسلمين فهذا خطأ فادح وفهم غريب قد يؤدي إلى نتائج خطيرة ليس أقلها اعتبار أن من لم يكن معهم أنه ل يشاركهم بالخوة وأنه كالتارك لدينه المفارق

للجماعة وأنه قد شذ في النار…

ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم: [أما قولهم بمنع تعدد الجماعات بأدلة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فيوقوله تعالى : [] البينات وأولـئك لهم عذاب عظيم

].شيء إنما أمرهم إلى ا ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون

.كذلك فإن هذه الدلة غير منطبقة على واقع ما استخدمت من أجله

وهاتان اليتان ليس لهما علقة أبدا بموضوع تعدد الجماعات. وموضوعهما يتعلق بالعقائد ل بالحكام الشرعية . وتفسيرها: ول تكونوا كالذين تفرقوا عن دينهم واختلفوا فيه من بعد ما جاءهم

وأولـئك لهم عذابالبينات أي العقائد الواضحة والبراهين القاطعة. والمقصود بهم اليهود والنصارى،[ ]ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا حتى أن المام البيضاوي يقول في تفسير هذه الية: ].عظيم

من بعد ما جاءهمكاليهود والنصارى اختلفوا في التوحيد والتنزيه وأحوال الخرة على ما عرفت[ اليات والحجج المبينة للحق، الموجبة للتفاق عليه. والظهر أن النهي فيه مخصوص] البينات

من اجتهد فأصاب فله أجران ومنبالتفرق في الصول دون الفروع لقوله عليه الصلة والسلم: « وعيد للذين تفرقوا وتهديد على التشبه بهم]. انتهى] وأولـئك لهم عذاب عظيم».[أخطأ فله أجر واحد

قول البيضاوي.

. وتخالف غيرها أوأي إن الجماعة التي تعمل لتغيير الواقع تتميز عن غيرها بأحكام شرعية يخالفها غيرها في الحكام الشرعية. فهي جماعة مسلمة وعقيدتها إسلمية. وخلفها مع غيرها ليس

على العقيدة وإنما على الحكام. لهذا كانت هذه الية مخرجة عن الدين من يخالف عقيدة المسلمينوليس من يختلف في الحكام. وليس لها علقة قطعا في موضوع تعدد الجتهاد.

وإذا قيل إن الية عامة والعبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب، فنجيب أن العموم هنا ل . فهي عامة في مخالفة العقائد وليس في غيرها، هذا من جهة. ومنيتعدى الموضوع الذي نزلت فيه

جهة أخرى إن فهمهم هذا يعارض أحاديث جواز الختلف في الجتهاد. ومن جهة ثالثة إن فهمهمهذا يعني أن مفارقتهم هي مفارقة للدين.

إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى اأما الية الثانية: [ قال ابن كثير: [قال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي: نزلت هذه الية في] ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون

»هم أصحاب البدع قال لها: «اليهود والنصارى. وعن عائشة رضي ا عنها أن رسول ا مما(وكانوا شيعا) أي فرقا كأهل الملل والنحل والهواء والضللت، فإن ا تعالى قد برأ رسوله

]إن الذين فرقوا دينهمهم فيه. وفي قراءة حمزة والكسائي عن علي بن أبي طالب رضي ا عنه: [ ] ويقول البيضاوي: [أيلست منهم في شيءأي تركوا دينهم الذي أمروا به وهم اليهود والنصارى[

بددوه فآمنوا ببعض، وكفروا ببعض ، وافترقوا فيه].

Page 88: الدعوة إلى الاسلام

. فالول جاءت هذه الدلة وغيرها كثير لتمنعنعم إن المخالفة في العقائد هي غيرها في الفروع منه حتى ل يكون مثلنا مثل اليهود والنصارى الذين اختلفوا على أنبيائهم وفارقوا دينهم إلى بدع

ولـكن اختلفوا فمنهم من آمنوضللت وكانوا شيعا أي ملل ونحل. وهذا يفسره قوله تعالى: [ فالموضوع موضوع إيمان وكفر. أما الثاني أي الفروع فقد تضافرت الدلة على] ومنهم من كفر

جواز تعدد الفهام ضمن النص ومدلوله ل خارجة. وهذا المر معلوم ضرورة عند علماء المسلمين. ومن البساطة والسذاجة أن تنصب أدلة عدم جواز الختلف في العقائد للستدلل بها على عدم جواز

تعدد الجماعات، ما دامت هذه الجماعات تقوم على أحكام شرعية.

ستكون هنات وهنات: فمن أراد أن يفرق أمر هذه المة وهي جميع فاضربوه: «أما أدلة دعانا النبي فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا»، «من فرق ليس منا«، »بالسيف كائنا من كان

على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن ل ننازع المر أهله».قال: إل أن تروا كفرا بواحا عندكم من ا فيه برهان

هذه الدلة متعلقة بالخليفة ومبايعته وطاعته وعدم جواز الخروج عليه إل في حالة إظهاره.للكفر البواح

. وهذهوإذا جاء من ينازعه ويريد أن يفرق أمر هذه المة فليضرب بالسيف كائنا من كان الدلة ل علقة لها من قريب أو بعيد بالجماعة من المسلمين التي ل تأخذ أحكام الخليفة ول تنوب

عنه. بل تعمل ليجاده فقط، ومحاسبته.

» ل علقة لهما بمنعالجماعة رحمة والفرقة عذاب»، وحديث: «يد ا مع الجماعة«وحديث التعدد فالعيش في كنف (جماعة المسلمين) أو (الجماعة من المسلمين) يشعر المسلمين بالرحمة. أما

فإنما يأكل الذئب: «البعد والفرقة فإنها تقرب الشيطان من المسلم، وينطبق عليه قول الرسول » وفي هذا العذاب، وليس في منطوق هذين الحديثين ول في مفهومها ما يدل على وجوبالقاصية

وحدة العمل السلمي لقامة حكم ا.

.هذا ما ذكر من أدلة شرعية على عدم جواز التعدد ومنعه وكلها غير منطبقة على ما سيقت له

أما ما ذكر من مبررات عقلية، وما ذكر من آثار سلبية للتعدد، فهذه كلها ل تمنع ول تحرم ول . فالواقع السيئ يفهم تماما كما هو، وتضبط حقيقته، ثمتوجب بل الذي يوجب ويحرم هو الشرع وحده

يصار إلى الشرع للتيان بالدلة التي توجب أو تحرم لمعالجة هذا الواقع. وعلى ذلك ل يمكننا أننأخذ من الواقع أي حكم شرعي.

:جواز تعدد الحركات السلمية

والن وبعدما أوضحنا بأن ما نصب من أدلة على وجوب وحدة العمل السلمي ل يرقى لعتباره دليل، فإن هذا ل يعني أن الرأي الخر وهو جواز تعدد جماعات العمل صار هو المشروع

. فل بد من أدلة منضبطة تبرز فيها صحةعلى اعتبار أن نفي الشيء هو إثبات لضده، فهذا خطأالستدلل ودقة الستنباط. فما هي هذه الدلة؟

Page 89: الدعوة إلى الاسلام

إن أدلة جواز الختلف في الفروع دون الصول، أي في الحكام دون العقائد، أكثر من أن . وقد دلت السنة على جواز الختلف في الفروع، واختلف الصحابة فيما بينهم على ذلك،تحصى

وكذلك تابعوهم، وكذلك علماء السلف. أما النهي عن الختلف فهو النهي عن الختلف الذي اختلفه الكفار فيما بينهم، وكان اختلفا في أصول الدين ل في فروعه، كاختلفهم على أنبيائهم، واختلفهم في

البعث والنشور، واختلفهم في الحياة والموت، واختلفهم في كتبهم، حتى أصبحوا شيعا وأحزابا فاختلف الحزابوملل ونحل ضاعت عن الحق الذي أنزله ا إلى أنبيائهم وأضاعوا أتباعهم عنه: [

فحذرنا ا من مثل هذا الختلف الذي اختلفوا.] من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم

من كان سامعا مطيعا فل أقر يوم الخندق فهم الصحابة المختلف لكلمه لهم: «والرسول إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله: «» [سيرة ابن هشام] وقول الرسول يصلين العصر إل ببني قريظة

» [رواه البخاري].أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر

:ويستدل من هذا الحديث

- ان المجتهد يخطئ ويصيب وليس كونه مجتهدا أنه ل يخطئ.1

- ان الحكم الذي استنبطه المجتهد يعتبر حكما شرعيا ولو كان خاطئا.2

- ان المجتهد الذي أخطأ ل يعلم أنه أخطأ، وإل لما جاز له البقاء على خطئه بل يرجح عنده3فهمه على غيره.

- ان المجتهد مأجور عند ا سواء أخطأ أم أصاب. ولكن يختلف الجر بينهما. 4 فهناك اتفاق بين الئمة على أن الثم محطوط عن المجتهدين في الحكام الشرعية في المسائل

.الظنية من الفقهيات

: (ما زالت الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث وهم معيقول القرطبي رحمه ا في تفسيره ذلك متآلفون) وقد نقل البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه عن عمر بن عبد العزيز رضي ا عنه قوله:

(ما سرني لو أن أصحاب محمد لم يختلفوا لنهم لو لم يختلفوا لم يكن رخصة).

:وقد ألفت الكثير من المؤلفات لعلماء المسلمين الكبار تبين أسباب هذا الختلف

منها أن النسان بطبيعته كإنسان يتفاوت الفهم عنده من إنسان لخر، فالقدرات تختلف، . من هنا كانت الجتهادات والستنباطات المختلفة منذ عصر الصحابة إلى عصرناوالفهام تختلف

اليوم ، وستبقى إلى قيام الساعة، ومنها أن طبيعة الشرع تحمل المسلمين على الختلف وفي هذارحمة.

- فاختلف القراءات يؤدي إلى اختلف الفهام. كل مجتهد يفهم بحسب قراءته. وذلك مثلالختلف في آية الوضوء: أهو الغسل أم المسح بالنسبة للقدمين.

- اختلف العلماء والفقهاء على بعض الحاديث. فقد يكون الحديث صحيحا عند فلن من العلماء أو الفقهاء ويكون عند غيره ضعيفا، بحسب طريقة العالم في قبوله الحديث أو رده. ولنأخذ

على سبيل المثال الحديث المرسل: فقد اختلف المحدثون والصوليون والفقهاء من أئمة هذه المة في

Page 90: الدعوة إلى الاسلام

الحتجاج بالمرسل. فمنهم من يحتج به، ويعتبره حجة، ومنهم من ل يحتج به، ويعتبره كالحديثالمنقطع.

- تعارض الدلة وذلك أن يأتي نص بالنهي عن التداوي بالنجس وبما هو حرام كما في » [رواه أبوإن ا أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ول تتداووا بحرامالحديث: «

أن النبيداود] ثم يأتي نص آخر أو فعل آخر يبيح التداوي بالنجس أو بما هو حرام ، مثل حديث « » [رواه الجماعة] ومثلرخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما

» [رواه البخاري].كان المسلمون يتداوون بأبوال البل ل يرون بها بأساحديث «

- عدم وجود نص صريح في المسألة، فيكون سبيل معرفة حكم ا في المسألة هو الجتهاد،والجتهاد حكم ظني فيه قابلية الختلف.

- ومنها اتساع اللغة العربية في مدلولتها كوجود الشتراك أو الحقيقة والمجاز، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، فطبيعة اللغة العربية التي نزل الوحي بها تحتمل ألفاظها وتراكيبها المعاني

المختلفة والمدلولت المتعددة.

فكلمة (قرء) قد تعني لغة: الطهر].يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء: [فقوله تعالى عن المطلقات وقد تعني: الحيضة. فأي المعنيين هو المقصود؟ وقد كان هذا سببا في اختلف الفقهاء حول هذا

الموضوع.

. فهل ينسحب ما ذكرناه على موضوعنا الذي نحن بصدده أمهذا بالنسبة للشريعة بشكل عام ل؟ أي هل جواز الختلف في الحكام الشرعية والذي أقره الشرع يجيز تعدد الحركات أو

الجماعات أو الحزاب العاملة في التغيير، أم أن هذا الموضوع له أدلته الخاصة به والتي تخرجه عنالحكم السابق؟

الجماعة أو الحزب يقوم على فهم شرعي قد يتعدد، مثله مثل أي فهم شرعي آخر، إل إذا كانت . والحكام الشرعية التي تتبناها الجماعة هي أحكام شرعية اجتهادية وفيها قابليةأحكاما قطعية

الصواب والخطأ. ول يجوز لمسلم يرى الخطأ الكثير في جماعة أن يعمل معها. بل ينصحها، ويفتش عن الجماعة التي تبرأ ذمته أمام ا بالعمل معها. وكما قلت فإن طبيعة الناس وعلمائهم وطبيعة

الشرع وطبيعة اللغة كلها تدل على جواز تعدد الفهام، وهذا ما يبرر وجود أكثر من جماعة. وهذا ل ضير فيه، طالما أنه ل يعدو أن يكون خلفا في الفهم. ويصبح العمل مع الجماعة أو الحزب القرب

إلى الصواب هو الواجب.

ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن: [وكذلك فإن قوله تعالى].المنكر وأولـئك هم المفلحون

: الدعوةفالمر في هذه الية منصب على وجوب إقامة جماعة منهم على القل، يكون عملها إلى الخير والمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس المقصود من الية وجود جماعة واحدة. وإل

لقال: (أمة واحدة)، بل المطلوب هو جنس الجماعة التي يكون عملها الدعوة والمر والنهي. وهذا الفرض هو فرض على الكفاية، ويتحقق وجوده بوجود جماعة واحدة. أما إذا وجدت أكثر من جماعة

لتعدد أفهام العمل فل شيء عليه. وهذا النوع من التعبير يتكرر في مئات اليات والحاديث. نحو:

» فليس المقصود منكرا واحدا بل جنس المنكر.من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ...: «حديث

Page 91: الدعوة إلى الاسلام

(مفاهيم إسلمية حول الدين والدولة)وقد ذكر أبو العلى المودودي رحمة ا في كتاب وتحت باب: فريضة المر بالمعروف والنهي عن المنكر: "فالظاهر من كل هذا التبعيض في آية:

ليس بمعنى أن المسلمين مطالبون بأن تكون فيهم جماعة تقوم ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...[ بواجب الدعوة إلى الخير والمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما بقية عامة المسلمين فليس بواجب

عليهم القيام بهذه المهمة أصل، وإنما معناه أن من الواجب أن ل تخلو المة بأي حال من الحوال من جماعة – على القل – تسهر على إنارة سراج الحق والخير ومكافحة ظلمات الشر وغوائل الباطل. فإنه إذا لم تكن فيها ول جماعة كهذه فمن المحال لها البتة أن تسلم من لعنه ا وعذابه الشديد فضل

عن أن تكون خير أمة أخرجت للناس". انتهى قول المودودي.

:وبناء على ما تقدم

- إننا يجب أن نعلم جيدا أن الذي يقره الشرع هو الرحمة. وإذا تحول إلى نقمة فإن ذلك يكون بسبب سوء فهم المسلمين ليس إل. أنظروا إلى هذا الفقه الجليل من إمامين عظيمين من أئمة هذه

المة: جاء في كتاب (شذور الذهب) أن تلميذ الشافعي جاؤوا إليه يوما وشكوا إليه كيف يزور المام أحمد بن حنبل بينما هم يتخاصمون مع تلميذه بسبب اختلف آرائهم، فقال لهم الشافعي رضي ا

عنه:قالـوا يزورك أحمـد وتـــزورهإن زارنـي فبفضــلـه أو زرتـه

: الفضـائل ل تفارق منزلـهقـلت فلفضلـه، والفضل في الحالين لـه

:وحدث مثل ذلك بين تلميذ المام أحمد وبينه فقال لهم

إن نختلف نسبا يؤلف بينناأو يخـتـلـف مـاء البحار فكلـنا

علم أقمناه مقام الوالدعــذب تـحــدر من إناء واحد

ولمن أراد أن يجمع المسلمين كلهم في عمل واحد فهذا، فضل عن غفلته عن واقع الشرع،- وغفلته عن واقع الناس، فإننا نقول له كما قال المام مالك لهارون الرشيد حينما أراد أن يتبنى فهمه

ومذهبه ويلزم به الناس أو يمنع فهم الخرين: "ل تضيق على المسلمين ما وسعه ا عليهم".

- ويجب النتباه هنا إلى أن الدول الكافرة والنظمة التابعة لها عندما ترى على أرض الواقع جماعة أو جماعات تعمل جادة لقامة حكم ا فإنها، إضافة إلى استعمال أسلوب الغلظة معها وترويج الشاعات عليها، تعمد إلى إجهاض وتفشيل هذه الجماعات عن طريق إنشاء جماعات تابعة لها. ولو

فرضنا أن التعدد ل يجوز فهذا معناه أن الجماعة يجب أن تتوحد مع غيرها، وستحوي بذلك الغثوالسمين. والعكس في هذه الحال هو المطلوب. فإنه يجب اطراح الغث والبقاء على ما ينفع الناس.

- لما كان هذا الطرح، أي وجوب وحدة العمل السلمي وعدم جواز تعدديته، يخالف واقع الشرع وواقع النسان وواقع اللغة التي نزل بها الوحي، فإن هذا يجعله طرحا ل يمكن تحقيقه. ويبقى الكلم فيه ألهية عن العمل الهم، وهو العمل لقامة الخلفة. والقول بأن ا ل ينصر المسلمين إل إذا

توحدوا هو تحكم غير مقبول. بل إن ا ل ينصر المسلمين إل إذا تقيدوا بالشرع، واعتصموا بحبل اوقاموا بأمره. فإن ا ينصرهم وإن كانوا قلة. فالواحد على الحق كثير ، والكثير على الباطل غثاء.

Page 92: الدعوة إلى الاسلام

- وبقي أن نقول كلمة في هذا الموضع، وهي أن وجود الخليفة، ووجود الدولة السلمية هو أهم مظهر من مظاهر توحد المسلمين، ول يوجد توحد خارجه. تبقى الفهام مختلفة ولكننا مأمورون بطاعته. فالمام يتبنى، وهو بتبنيه يرفع الخلف ول يمنعه أو يزيله. وأمره نافذ ظاهرا وباطنا على المسلمين. أما أمير الحزب فإن أمره نافذ ضمن حزبه ويرفع الخلف بين أعضاء حزبه وليس بين

عامة المسلمين.

عالمية الحركة أم إقليميتها؟

كذلك فإن من المسلمين من يطرح أن الحركة السلمية يجب أن تكون عالمية؛ وذلك لن كانت للناس كافة، ولنه من حيث الواقع تواجه الحركةالسلم هو دين عالمي ، ولن بعثة محمد

السلمية حركات عالمية النتشار، وكذلك فإن ضخامة التكاليف التي يحتاجها التغيير السلمي وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونواتفرض العالمية. ويأتي أصحاب هذا الرأي بشواهد قرآنية: [

]قل يا أيها الناس إني رسول ا إليكم جميعا]، [ شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا... قد وجه دعوته إلى العالموها هو رسول ا ] وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ونذيراوكذلك [

أجمع لكل القوى، ولكل المعسكرات، ولكل الملوك. فبعث إلى النجاشي (ملك الحبشة) وهرقل (عظيم الروم) وإلى المقوقس (عظيم القبط) وإلى كسرى (عظيم فارس). ول يجوز أن يبقى العمل السلمي

(دكاكين) و (مزارع) هنا وهناك، ويبقى الجهد السلمي صيحة في واد.

.نعم إن السلم كدين هو عالمي في عقيدته وفي نظامه

فال هو خالق كل شيء، ومدبر المر، وهو العليم الخبير الذي يجب أن يلتجئ إليه النسان . فال خالق النسان، وهو رب كل إنسان. والنسان مرتبطالعاجز الضعيف المخلوق من ماء مهين

وجوده بالغاية من خلقه وهي العبادة. ومرتبط وجوده كذلك بما بعد الحياة من بعث ونشور، وجنة ونار، وجزاء على اليمان والكفر وعلى الطاعة والمعصية. وان حقيقة العقيدة يجب أن تنقل للناس

].ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينةجميعا، وتبلغ لهم: [

والنظام الذي أنزله ا على رسول وجعله منبثقا عن هذه العقيدة هو نظام للنسان كإنسان.بغض النظر عن لونه أو عرقه أو وضعه

. وهو يفرض أن تكون بذرة إنشاء الدولة السلمية بذرةنعم إن السلم هو دين عالمي عالمية. وبالتالي فإن السلم يفرض على الجماعة أن تهيء نفسها لتقوم بهذه المهمة. لذلك فهي من حيث الصل يجب أن ل تنظر إلى عملها نظرة ضيقة، ول تحجم نفسها بحجم البلد الذي تعمل فيه،

ول تقبل بالطروحات الترقيعية أو التدريجية التي تقبل بالحق مجزأ. والتي تضيع على الحق جذريته. بل يجب عليها أن تنظر إلى أنها يجب أن تنقذ البشرية كلها من ترهات الكفر وأباطيل الشرك مهما اتخذ لنفسه من أشكال (كانوا قبل ينظرون إلى الصنم بأنه ينفع وبيده الخير والضر. والن ينظرون

إلى أفكار معينة أنها تنفع ومنها الخير ومن غيرها الضر) والعودة بهم إلى الحق الذي ل يتعدد. هذا ما يجب أن تكون نظرتها عليه، وعلى أساسه تتبنى ثقافتها. وان عملها وخط سيرها مرسوم لها، حتى إذا

سارت عليه من غير تنكب، وصبرت على ما ستلقيه من غير محاباة ول مهادنة ول مداهنة، يكون ا سبحانه وتعالى قد هيأها (عمليا ونظريا) للقيام بهذا المر قياما عالميا، وذلك بعد إقامة دولة

Page 93: الدعوة إلى الاسلام

السلم. فهي من حيث الفكرة: فكرها عالمي، ومن حيث العمل ل تخرج عن كونها جماعة تعمل فيمكان ما لقامة دولة الخلفة. وبالتالي فإن دولة الخلفة هي التي ستقوم بالمهمة العظيمة.

. وهي أن بلد المسلمين مقسمة إلى دول (وهذاوتبقى نقطة في الموضوع ل بد من ذكرها مقصود) والمسلمون في هذه الدول يعيشون بشكل عام في أجواء متشابهة، مع اختلف في بعض المور الجزئية التي ل تغير طريقا ول تمنع انتشارا للعمل المنظم الواحد في أكثر من بلد. وهذا المتداد يعطي قوة للجماعة ويجعل توجهها أكبر وأفعل، ويجعل إقامة دولة الخلفة في قطر من القطار فيه قابلية التوسع والنتشار، وهذا ما يعين الجماعة للقيام بالمهمة التي ستلي قيام الدولة،ويهيء الدولة لن تدخل مرحلة الصراع العالمي، وفي كل المرين يعتمد على عون ا تعالى.

؟جزئية العمل أم تكامله وتوازنه

وكذلك فإن هناك من المسلمين العاملين من يطرح فكرة التكامل والتوازن المطلوبين في العمل.السلمي الحاضر، ويطرح في مقابله الطرح الجزئي، والغلو في الطرح

ويعني بتكامل الطرح عدم جواز انحصاره في جانب أو جزئية دون الجوانب والجزئيات . فمن خصائص المنهج السلمي أن فيه نظاما عباديا، ونظاما اقتصاديا، ونظاما اجتماعيا ..الخرى

ونظاما سياسيا ونظاما عسكريا .. ثم إن العمل السلمي الول في عصر النبوة كان متكامل. فرسول كان يرعى ويتابع العمل السلمي من شتى جوانبه. ففي نطاق التربية كان مربيا، وفي نطاقا

التعليم كان معلما، وفي نطاق الجهاد كان قائدا، وفي نظام التخطيط كان رائدا .. والعمل السلميفي أي زمان ومكان وليس له خيار بأن يتبع هذا الطريق أو ذاك. ملزم بأن يقفو أثر الرسول

وفي المقابل يرى أن الجزئية في العمل السلمي تكون بالقتصار على جانب من جوانب . وأن الجزئية تسبب التعددالعمل السلمي يلتزمه ول يتعداه ، ويؤمن به وحده ويرفض ما عداه

أفتؤمنونوالتشرذم في العمل وتبدد الطاقات. والقرآن قد أنكر البعضية على بني إسرائيل فيقول: [ ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة

ثم يذكر أن التحدي الجاهلي وكليته يفرض التكامل في العمل السلمي.].يردون إلى أشد العذاب

وعن التوازن يرى هذا الفريق من المسلمين العاملين أنه يكون بإعطاء كل جانب من جوانب . وأن من شأن التوازن اعتبارالعمل المتكامل وزنه ومعياره اللزمين، وإل أدى إلى الخلل وإلى الغلو

منطق الولويات.

. وعليه يجب أن تتصف جماعة العمل بالطرحوخلصة القول إن التكامل يتناول السلم ككل الشمولي. وإن التوازن يفرض الهتمام بكل جانب بحسب مقادير ومعايير مناسبة له. فل يزاد فيها

وإل أدت إلى الغلو ول ينقص منها وإل أدت إلى الخلل.

. وهما قانونانإن قانوني التكامل والتوازن هما قانونان يحكمان طبيعة الشياء والفعال يلحظهما المسلم وغير المسلم. ويشعر بأهمية وجودهما في حياته ويعمل على تحقيقهما حتى تأتي

النتائج حسبما يتوخى.

Page 94: الدعوة إلى الاسلام

إل أنه يجب أن يلحظ أن الحكم على تكامل الشياء وتحقيق توازنها يعتمد على العقل بخلف.الفعال فإنه يعتمد على الشرع

. وهذا هو مجالذلك أن العقل يدرك واقع الشياء وعناصرها المكونة منها، وبنسبها المحددة» [رواه مسلم].أنتم أعلم بأمر دنياكم: «أهل التخصص وهذا ينطبق عليه حديث الرسول

. ويراعيفالفلح والطبيب والمهندس، والميكانيكي كل واحد منهم خبير بمادة عمله وقوانينهاتحقيق هذا القانون في عمله.

كل عمل ليس: «أما الفعال فتحديدها يكون من ا تعالى وينطبق عليها حديث الرسول الصل في الفعال» [رواه البخاري ومسلم]. وتنطبق عليه القاعدة الشرعية: (أمرنا فهو رد عليه

). ذلك أن الحكم على الفعال بالحسن أو بالقبح يخضع لعتبار النسان لهذاالتقيد بالحكم الشرعي الفعل ول يأتي من ذات الفعل. فحسب ما يؤمن به المسلم من أفكار يحكم على فعاله. فإن كان الفعل

الحسن مابحسب أوامر ا ونواهيه فهو حسن وإل فهو قبيح. وكذلك فإن القاعدة الشرعية تقول: ().حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع

وعلى هذا فالمسلم حينما يريد تحقيق التكامل والتوازن في الشياء يعتمد على عقله مثله مثل. أما إذا أراد تحقيق ذلك في الفعال فيجب أن يكون بحسب الحكم الشرعي.أي إنسان آخر

: إن قانون التكامل والتوازن يأخذ حجم الفعل المطلوب شرعا ول يتعداه . وهذاوثمة أمر آخريقتضينا التفصيل التالي:

.إن السلم كامل، ويقوم بالسلم كله كل المسلمين أي المة السلمية

.والمة السلمية فيها الفراد والجماعات والخليفة

.وكل واحد منهم أناط الشرع به أحكاما دون غيره

فالفرد المسلم يقوم بما هو مطلوب منه شرعا كفرد، والجماعة تقوم بما هو مطلوب منها.كجماعة، والخليفة يقوم بما هو مطلوب منه كخليفة

فإذا قام المسلمون كأفراد بكل ما هو مطلوب منهم، وكذلك الجماعة، وكذلك الخليفة تحققت . وأي تقصير، أو اقتصار (للفرد أو الجماعة أو للخليفة) على فروضعندها كلية العمل وشموليته

دون أخرى يخرج المقصر عن كلية ما هو مطلوب منه ويوقعه في الثم.

والسلم الكامل ل يكتمل وجوده من غير وجود الخليفة، وتعلق وجود كثير من أحكام الدين بوجوده يجعل وجوده واجبا شرعيا، ويجعل العمل ليجاده واجبا شرعيا، وبالتالي يجعل وجود

. فتقوم الجماعة بكل ما هو مطلوب منها لقامة الدين عنالجماعة التي تعمل ليجاده واجبا شرعيا طريق إقامة دولة الخلفة. وهذا ما يسمى بالعمل لستئناف الحياة السلمية. فهذه هي الكلية المطلوبة منها شرعا، وليس كل الدين الذي ل تستطيعه وليس منوطا بها. بل هي ممنوعة شرعا من القيام بكثير

من الحكام كإقامة الحدود مثل. فهي ل تأخذ عمل الخليفة بل تعمل على إيجاده ليقوم هو بالمطلوب ... فإن ا سائلهم» [رواه مسلم] «فالمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيتهمنه: «

» [رواه مسلم].عما استرعاهم

Page 95: الدعوة إلى الاسلام

. ولكنه يتبنىوهنا نلفت النظر إلى أن الفرد يؤمن بالسلم كامل، ويدعو له كذلك بالجمال بالتفصيل الذي يلزمه لما هو مطلوب منه شرعا، ولما هو مطلوب من الجماعة التي يعمل معها. وأي

تقصير في أي منها يحاسبه ا عليه. وكذلك الخليفة فإنه يقوم بما هو مطلوب منه شرعا كفرد، فهو يصلي، ويصوم، ويحج، ويزكي، ويبر والديه، ويمتنع عن الزنا والربا والكذب والغش .. ويقوم كذلك بما هو مطلوب منه شرعا كخليفة، فهو يسن القوانين، ويعلن الجهاد، ويحمي بيضة المسلمين، ويحكم

بما أنزل ا ، ويقيم الحدود، وأي تقصير في أي منها يحاسبه ا عليه.

هذا هو الواقع الذي تنزل عليه الحكام الشرعية، ول بد من وضوحه عند الجماعة لكي . فل تعتبر بالتالي ما هو مطلوبتستطيع أن تفرق بين ما هو مطلوب منها، وبين ما هو ليس مطلوبا

من الخليفة مطلوبا منها. فهي إذا حددت واقعها تستطيع أن تحدد حجم المطلوب منها. وبالتالي تسألعنه كله. هذا من ناحية التكامل.

وبعد أن تحدد الجماعة المطلوب منها، فإن هي اقتصرت على جانب من المطلوب دون جانب، أو ركزت على جانب فأعطته أكثر من حجمه على حساب غيره، أو لم تراع جانب الولويات

. فإنها تفقد التوازن المطلوب . هذا مع التذكير بأن الذي يحدد الولوية هو الشرع وليسفي عملها العقل. فالجماعة عملها سياسي، وتقوم على مبدأ تريد أن تجعله مطبقا على المة السلمية، وتحتل العقيدة المركز الول في الدعوة لنها الساس الذي يقوم عليه كل فرع والذي تتعلق به كل الحكام

الشرعية. والتركيز على إقامة الدولة يجب أن يأخذ حيزه الواسع لتعلق كثير من الحكام بها ومن هنا.بتاج الفروضجاءت تسميتها

وعليه فإن كانت الجماعة تسعى لتحقيق تكاملها وتوازنها خارج هذه النظرة فإنها بذلك تكلف . وستبقى تشكو من النقص والختلل كما هي تشكو من التعدد، وتتحول إلىنفسها ما لم يكلفها به ا

جماعة شاكية باكية، ضاعت عن الطريق لنها أضاعت بوصلة اهتدائها.

فإذا كان من خصائص المنهج السلمي أن فيه نظاما عباديا، ونظاما اقتصاديا، ونظاما... فما هو تعلق الجماعة بهذه النظمة جميعها؟اجتماعيا، ونظاما سياسيا ونظاما عسكريا

. فإذا قام حكم ا قامت النظمة السلمية المختلفة.لقد وجدت الجماعة ليجاد حكم ا ففي النظام القتصادي هناك أحكام شرعية متعلقة بالرض، وأحكام متعلقة بالملكيات، وأخرى

. وكل هذه الحكام وغيرها أناطها الشارع بالخليفةبالستصناع، وغيرها بالتجارة الداخلية والخارجيةويقوم هو بالرعاية المتعلقة بها وليست الجماعة.

وفي النظام السياسي تقوم الدولة على قواعد وأركان حددها الشارع، من خليفة إلى معاونين ، . وللخليفة صلحياته وكذلك للمعاونين والولة، وللجيشإلى ولة وقضاة، وجهاز إداري ومجلس أمة

مهماته ، وللجهاز الداري مجاله. فما دخل الجماعة في كل هذا؟

حتى الجيوش السلمية فإن إعدادها الذي من شأنه أن يحقق الغاية من وجودها، وهو نشر الدعوة السلمية إلى العالم، يقتضي العداد على المستوى العالمي وليس على المستوى الحركي

. ومن المعلوم أن هناكالذي يتعلم فيه المسلم كيف يفكك رشاشه أو يستعمله أو كيف يضرب القاذف سلحا فرديا وسلحا ل تملكه إل الدول. وهذا يقتضي أن يكون التدريب على مستوى التخصص

العالي (مدفعية، مدرعات، طيران، نووية، فضاء…) وان تنشأ المختبرات ومصانع السلحة عندما كان يعدوالمطارات ومراكز التدريب. وهكذا... فما هو شأن الجماعة بكل هذا. فالرسول

Page 96: الدعوة إلى الاسلام

ويدرب صحابته لم يكن يفعل ذلك كمسؤول جماعة بل كحاكم دولة. والتأسي به في ذلك يجب أن ليخرج عن هذه النظرة.

. بل عليها أن توجد الخليفة الذي يقوم هوفليس على الجماعة أن تقوم هي برعاية هذه النظمة بدوره بتحقيق هذه النظمة لنها من مسؤولية. وإذا أهملت المة إيجاد الخليفة وحاولت القيام بأعماله

تكون قد حرفت الشرع.

.إن على الجماعة أن تتبنى فكريا النظمة التي تريد حكم الناس بها حين يوفقها ا إلى ذلك فتحدد الجماعة هيكلية النظام السلمي وتحدد دستور الدولة، وتعطي صورة إجمالية للناس عن أحكام

السلم، ليروا فيه القدرة على معالجة مشاكل الناس، والسير بهم نحو تحقيق عبوديتهم بجعلهميستظلون بنعمة تطبيق أحكام الشرع الحنيف عليهم.

وأما الجزئية التي ذكرها أصحاب هذا الرأي، فإن كانت جمعيات خيرية أو أخلقية أو جمعيات تقوم على حكم شرعي واحد كتعاهد القرآن مثل، فإن هذه الجمعيات ل شيء عليها طالما أن

أعضاءها يتجمعون على حكم شرعي، أما إذا ادعت هذه الجمعيات أنها بعملها هذا تريد إقامة الدين.فهنا نقول لها إنها خرجت عن الطريق الشرعية المرسومة وأصبحت جزئيتها مرفوضة

أما إذا قامت جماعة ، ولم تأخذ عن الخليفة أحكامه، ول عن الفرد أحكامه؛ ولم تعتبر نفسها جماعة المسلمين بل هي جماعة من المسلمين، وحددت هدفها وهو إقامة حكم ا واستئناف الحياة

السلمية؛ ومن ثم تبنت كل ما يلزمها في العمل لتحقيق هدفها؛ فتبنت الفهم الصحيح للعقيدة السلمية، وما يتعلق بها من أفكار ، وأعدت شبابها إعدادا جيدا بالعقيدة التي تبنتها؛ وتبنت الطريق الذي يوصلها لتحقيق هدفها؛ وتبنت الدستور الذي ستحكم به الناس؛ وتبنت الفكار التي تبين زيف

الفكار الباطلة المطروحة في ساحة المسلمين، وتصحيح المفاهيم المغلوطة؛ وطلبت من الفرد الذي يعمل معها أن يحقق مقوماته الفردية حتى يكون فردا مسلما صالحا، من عقائد وعبادات ومعاملت

وركزت عملها على إقامة المجتمع السلمي الذي تقوم علقاته على السلم والذي ترعاه وأخلق؛ دولة الخلفة؛ وراحت تراقب حركات الحكام وأسيادهم حتى تعرف ما يخطط للمسلمين، وتكشفه لهم،

وتتبنى في مقابلة ما يصلح للمة من الحكام الشرعية؛ وتعمل لتسلم الحكم عمليا من هؤلء الطواغيت الذين ل يرقبون إل ول ذمة في المسلمين. تكون هذه الجماعة بذلك كله قد استكملت ما

يلزمها كجماعة تعمل لعادة الحكم بما أنزل ا.

هذه الجماعة تكون ثقافتها واسعة، ومجال عملها واسعا، وبالتالي فإنها يجب أن تقوم بكل ما هو مطلوب منها وهو كثير، وبالتوازن المطلوب فل تتحول إلى جمعية رياضية أو أخلقية أو مؤسسة

... بل تحافظ على طرحها السياسي وعملها السياسي. فأفكارها أفكار رعاية شؤون، وتبناقتصادية لمصالح المة.

. وكذلك فإن طرح الجماعة الواسعوعليه فإن طرح الجزئية مرفوض بالشكل المذكور آنفابحيث يشمل ما هو مطلوب منها، وما ليس مطلوبا هو أيضا فهم خاطئ ومرفوض.

Page 97: الدعوة إلى الاسلام

التدرج

في أخذ السلم وماالتدرج الفكرة التي نريد التطرق إليها ومعالجتها وتبيان فسادها هي فكرة تولد عنها من فكرة جواز مشاركة المسلمين في النظمة الحالية. والقول بأن الديمقراطية من السلم

من باب تقريب السلم إلى العقول نظرا لعلقة هذه الفكار الوثيقة بعمل بعض الجماعات فيالتغيير.

؟ وماذا يشمل في نظر القائلين به؟ وما هي مسوغاته؟ وما هو الحكم الشرعيالتدرجفما هو فيه؟

لما وصل المسلمون إلى الحضيض في الهبوط الروحي ، والتخلف المادي، والتأخر الفكري، . ونشأت عند المتمسكين بالسلم أفكاروالنحطاط السياسي، صارت أفكارهم من جنس واقعهم السيئ

ل تعبر عن حقيقة السلم ونظرته للحياة، بل تعبر عن سوء فهم وعدم إدراك لحقائق السلم وتوجهاته في الحياة. واستطاع الكافر المستعمر الذي أصبحت أمور المسلمين في يديه، يقلبها كيف يشاء، أن يغرس مفاهيمه ومقاييسه بين المسلمين. وأن يزرع أفكاره التي أنبتت زرعا مختلفا أكله

يطيب في فم أعدائه، ويحلو في لسانهم. وكانت الجولة لمصلحته. والسبب لم يكن في السلم بل في أهله الذين فقدوا التقيد الواضح، وضاع منهم الفهم الصحيح. ولقد حاولوا المقاومة بفهم متأثر بالواقع

وخاضع للمصلحة، ولكنها كانت محاولت عوجاء وخطوات عرجاء انتهت بهم إلى الفشل الذريع والستسلم المريع. وبقي الكفر يرتع في بلدنا ول من مانع يمنعه أو زاجر يردعه. فكيف هاجم

الكافر المستعمر السلم؟ وكيف كان رد المسلمين؟

هاجمه بأن اتهمه بأنه ل يستطيع مجاراة العصر، ول يستطيع إيجاد الحلول للمشاكل . وكان الرد من المسلمين بمحاولة إيجاد حلول في السلم بما يقول به النظام الرأسمالي.المستجدة

وبما أن الساس الذي يقوم عليه النظام الرأسمالي يتناقض كليا مع الساس الذي يقوم عليه السلم عمدوا إلى التوفيق بين النقيضين فعمدوا إلى التأويل المغلوط والذي أوجد مفاهيم ومقاييس مغلوطة

نسبت إلى الشرع زورا وبهتانا. وكانت الغاية من ذلك إيجاد النسجام بينهما، وإعطاء الصورة التي تظهر أن السلم قادر على مسايرة التطور. وكان جراء ذلك أن أخذ بها على أساس أنها أفكار

وقواعد ومقاييس إسلمية، ومن خللها يفهم السلم. مع أن الخذ بها يعني ترك السلم واتباع النظام الرأسمالي. وكل دعوة للتوفيق أو متأثرة بهذا التوفيق هي دعوة لخذ الكفر وترك السلم.

ويعني كذلك حمل أفكار الكفر للمسلمين ودعوتهم لخذها وترك الدعوة السلمية الحقة.

لذلك، لما حاول المسلمون، إبان عصور النحطاط، النهوض بالمة بمثل هذه الفكار، كان.عملهم هذا ضغثا على إبالة ولم يستطيعوا انتشال المة من الحضيض لنهم هم نزلوا إليه

من هنا بدأنا نسمع اللسن تتطاول على الشريعة السلمية، بقصد أو بغير قصد، فتدعي أنه ل أن نظل نحتكم لنفس العقلية السابقة . فليعقل ونحن على بعد أربعة عشر قرنا من بعثة الرسول

بد في نظرها من التجديد، تجديدا يواكب الظروف ويجعل السلم في المقدمة من جديد، ول بد من إلباسه لباس الحداثة، وتطعيمه بالفكار العصرية حتى تؤلف القلوب عليه من جديد، وحتى يخرج من

انغلقه، واتهام الخرين له. فلباسه القديم لم يعد مقبول.

ومن هذا المنطلق خرج بعض المسلمين بعدد من الفكار التي تشكل قواعد فكرية لهم، وتحدد . وهي ما اتفق على تسميتها بأفكار عصرمسار القائلين بها، وتعين توجههم الجديد في الحياة

Page 98: الدعوة إلى الاسلام

النحطاط، التي ظهرت إبان ظهور النهضة الغربية الفاسدة في بلدنا، حيث ظن هؤلء المسلمون أن مسايرة الزمان، والستفادة من الفكر الغربي الناهض أمر مطلوب إسلميا ليبقى السلم على مستوى

العصر.

(إن الدين مرن ومتطور)، (خذفظهر كثير من الفكار المتأثرة التي تخدم هذا التجاه من مثل وطالب)، (القبول بما يوافق الشرع أو بما ل يخالف الشرع)، (ارتكاب أخف الضررين وأهون

الشرين)، (ما ل يؤخذ كله ل يترك جله)، (التدرج في أخذ السلم)، (الديمقراطية من السلم)، (ل ينكر تغير الحكام بتغير الزمان والمكان)، (حيثما تكون المصلحة فثم شرع ا). وصارت هذه

الفكار وما شاكلها هي المنطلق الفكري أو القواعد الفكرية لما سموه بـ (النهضة السلمية الحديثة والتي كان أهم روادها الماسوني جمال الدين الفغاني وتلميذه الماسوني محمد عبده الذي كان يسمى

بشيخ السلم).

إن مثل هذا الكلم قاله أناس عن سوء نية وخبث طوية لكي يفصلوا المسلمين عن أسباب.قوتهم ، ويورثوهم ضعفا يقعد بهم عن إقامة أمر ا مرة ثانية

وقاله أناس عن حسن نية وسلمة قصد ظنا منهم أن في ذلك البلسم الشافي لكل ما يعاني منه.المسلمون اليوم من تدهور وانحطاط

. ونحن على كلوهذا الكلم، سواء أصدر عن سوء نية أو عن حسنها فإن أثره في الواقع واحد حال نحذر المسلمين من كيد الكفار لهذا الدين، وننصحهم بالقلع عن مثل هذه الفكار التي أثبتت

عقمها في أرض الواقع، فلم تنبت خيرا ولم تبعد شرا. وان ا سبحانه وتعالى جعلنا أغنى الناس، ففي السلم من الكفاية ما يغني عن الخذ من غيره. وان طبيعة السلم تفرض طريقة أخذه. فالدين

السلمي منزل من عند ا ليعالج شؤون الحياة. وما على المسلم إل أن يجتهد في النصوص الشرعية المنزلة وليس خارجها ليعرف حكم ا تعالى. وان القواعد الفكرية التي تلزمه في حياته يجب أن

تكون منضبطة بأدلتها الشرعية فهي أحكام شرعية ولها أدلتها التفصيلية. وطريقة الجتهاد هذه ثابتةوواحدة ول يجوز تبديلها بحال من الحوال. ومن هنا ينطلق أساس نهضتنا تماما كما انطلقت من قبل.

ول بأس بالتذكير ببعض هذه القواعد والفكار الشرعية المنضبطة التي يجب أن تسيطر على . وهي من مثل: (حيثما يكونأذهان المسلمين لتضبط توجههم وتعين اتجاههم ليندفعوا للعمل بحسبها

الشرع تكون المصلحة وليس العكس)، (الصل في الفعال التقيد بالحكم الشرعي)، (الصل في الشياء الباحة ما لم يرد دليل التحريم)، (الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع)، (الخير

هو ما أرضى ا والشر هو ما أسخطه)، (ل حكم قبل ورود الشرع)، (من أعرض عن ذكر ا فإن له معيشة ضنكا)، (ان المة السلمية هي أمة واحدة من دون الناس)، (ان السلم ل يقر الوطنية ول القومية ول الشتراكية ول الديمقراطية)، (ان السلم طراز معين في العيش يختلف عن غيره

كل الختلف) ..

وإن الوقوف أمام بعض النصوص الشرعية يدل دللة واضحة على أهمية التقيد بما كان عليه. لن كل ابتداع في الدين مذموم.السلف الصالح وعدم الخروج عنه إلى البتداع

وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب ا: «يقول الرسول » [سيرة ابن هشام] وكلمة "أبدا" تشملنا.وسنة نبيه

Page 99: الدعوة إلى الاسلام

وتفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة كلها في النار ما عدا واحدة. قالوا ...: «ويقول » [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابنيا رسول ا؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي اليوم ومن هي

حنبل].

» [رواه ابن ماجةتركتكم على المحجة البيضاء ل يزيغ عنها بعدي إل كل ضال: «ويقول وابن حنبل].

» [رواه مسلم].... خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم: «ويقول

... إن من يعش منكم فسيرى اختلفا كثيرا. وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة: «ويقول بدعة، وكل بدعة في النار .. عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها

» [رواه أبو داود والترمذي].بالنواجذ

» [رواه البخاري ومسلم].كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد: «ويقول

. وترتيب الخيرية يدلنا علىففي هذه الحاديث دعوة إلى التباع الحسن والتحذير من البتداع مما يحمل الدللة على أنه كلما ابتعد أن اللتزام يضعف كلما ابتعد الزمان عن زمن الرسول

الزمن كلما اقتضى منا ذلك تمسكا أقوى، والتزاما أشد، وتحريا للصواب أكثر. وتوخيا للخلص وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. وأنأكبر. وإذا كان المطلوب منا أن نعض على سنة الرسول

وصحابته. فعلينا أن ل نبتدع في الدين، وأن ل نخرج إلى نكون على ما كان عليه الرسول محدثات المور، فإن ذلك مردود على فاعله. فكيف السبيل إلى ذلك في أيامنا هذه؟

- إنه يكون بأن نحافظ على العقيدة السلمية نقية صافية في نفوسنا، لم يطرأ عليها أي عاملمن عوامل التغشية.

- وأن نعب من مصادر السلم النقية الصافية.

- وأن نحافظ على طريقة الستدلل المنضبطة التي تمنع الهوى والرأي من أن يتسرب إلىالحكم الشرعي.

- وأن نجعل السلم أهم شيء في حياتنا : أهم من أنفسنا وأولدنا وأهلينا، ومصالحنا وأهوائنا ، بحيث تكون كلمة ا هي العليا في نفوسنا، وبحيث ل نقدم بين يدي ا ورسوله ، وبحيث

نكون كما كان الحال زمن السلف الصالح.

- وأن نخلع أفكار الكفر وأدرانه من نفوسنا وعقولنا ونبعد عنا بهرجه وبريقه. كما كان يخلعالصحابة رضوان ا عليهم أدران الجاهلية أمام عتبة السلم ويدخلون فيه أنقياء أتقياء.

. فهذهوهذا كله يقتضي منا عودا على بدء ، فإنه ل يصلح آخر هذه المة إل بما صلح به أولها لزمة ل يستغني عنها المسلمون في كل مرحلة من مراحل حياتهم. وبحسب قربهم منها أو بعدهم

عنها يكون حالهم قوة أو ضعفا.

؟ وماذا يشمل في نظر القائلين به؟ وما مبرراته؟ وماالتدرج: ما هو وبعد هذا التمهيد نسألموقف الشرع منه؟

Page 100: الدعوة إلى الاسلام

يعني الوصول إلى الحكم الشرعي المطلوب على مراحل وليس دفعة واحدة. وهوالتدرج إن ما يعبر عنه عند أصحابه بالمرحلية. فيطبق المسلم أول أو يدعو إلى حكم غير شرعي ولكنه أقرب من سابقه إلى الحكم الشرعي بنظر القائل به، ثم يتدرج في التطبيق أو الدعوة من حكم غير شرعي ولكنه أقرب من سابقه إلى الحكم الشرعي بنظر القائل به، ثم يتدرج في التطبيق أو الدعوة من حكم

غير شرعي إلى حكم غير شرعي آخر أقرب، حتى يصل حسب رأيه إلى الحكم الشرعي.

ويعني كذلك أيضا تطبيق أحكام شرعية والسكوت عن أحكام غير شرعية أخرى ريثما يصل.مع الوقت إلى التطبيق الكامل للشرع

. وليس خاضعا لقواعد منضبطة عند القائلين به.وهذا التدرج غير مقيد بعدد ثابت من المراحل فقد يأخذ الحكم الواحد مرحلة أو مرحلتين أو ثلثا أو أكثر. وهذا التدرج يبقى للظروف والوضاعتأثيرها الواضح في تحديد عدد المراحل، فقد تقل وقد تكثر، ووقت كل مرحلة قد يطول وقد يقصر.

(إن الشتراكية منوإن إطلق فكرة التدرج قد يشمل أفكارا متعلقة بالعقيدة كقبول القول السلم) أو (إن الديمقراطية من السلم). وقد تشمل أحكاما شرعية كأن تلبس المرأة المسلمة لباسا

يصل ثوبها فيه إلى ما تحت ركبتها بقليل ريثما يطبق في مرحلة لحقة الحكم الشرعي المطلوب. وقد يتعلق بالنظام كالمطالبة بالمشاركة في الحكم، مع أنه حرام شرعا وبحسب اعتراف القائلين به. لكنها

عندهم مطالبة ليست مقصودة لذاتها بل للوصول إلى الحكم بالسلم الذي هو الصل والواجب في مرحلة لحقة. أو قد يكون بالعمل على إيجاد بعض الحكام السلمية والسكوت عن الخرى على

أمل أن تكثر حتى تطغى ثم تسود وهكذا ... وقد تتعلق بالدعوة حين يدعى إلى كل هذا. فيلتزم المقتنع بالتدرج بهذا السلوب ويحاول أن يدعو الخرين بحسبه. وقد يكون صاحب هذا الطرح من التقوى

بحيث أنه من حيث اللتزام ل يقبل على نفسه أي تفريط، ولكنه يقبل لغيره من باب حرصه على الخرين وحتى ل يرفضوا الدعوة إلى أحكام السلم ، فأن يكونوا على شيء أفضل من ل يكونوا

على شيء.

- مبررات القائلين بالتدرج أو المرحلية ، وردها :

لقد اعتمد أصحاب هذا الطرح على ما قالوا إنها مبررات تؤيد فهمهم هذا في التفكير وفي . وكانوا بهذا المنحى الذي انتحوه قد ساقوا مبرراتهم سوق الشهود على ما يريدون.الدعوة السلمية

ولم يكونوا خاضعين للنص ودللته بل أخضعوا النص لما يريدونه كما سنرى. ومن هذه المبررات:

قولهم إن ا لم يحرم الربا دفعة واحدة. بل نزل تحريمه على دفعات ومراحل. قال تعالى: –1 وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فل يربو عند ا وما آتيتم من زكاة تريدون وجه ا[

].فأولئك هم المضعفون

]. ل تأكلوا الربا أضعافا...: [وقال تعالى

].يا أيها الذين آمنوا اتقوا ا وذروا ما بقي من الربا: [وقال

].وأخذهم الربا وقد نهوا عنه: [وقال

].وأحل ا البيع وحرم الربا: [وقال

Page 101: الدعوة إلى الاسلام

. ومن ثمومن مجمل هذه اليات فهم القائلون بالتدرج أن الربا كان مباحا لدليل الية الولى نزل تحريم أكل الربا المضاعف دون القليل في الية الثانية. ثم نهي في الية الثالثة عن القليل من

ومن ثم قالوا إن تحريم الربا بدأ بالتلميح ل] وذروا ما بقي من الرباالربا بدليل قوله تعالى: [ بالتصريح بدليل الية الرابعة حكاية عن اليهود. وأخيرا حرم ا الربا بعد هذا التسلسل وبعد هذه

].وأحل ا البيع وحرم الرباالمراحل التي مر بها بقوله تعالى: [

إن الناظر في فقه هذه اليات نظرا تشريعيا صحيحا يجد أن القول بالتدرج هو أبعد ما يكون.عن الصواب

- فالية الولى ل علقة لها بالربا المحرم ل من قريب ول من بعيد. وموضوعها هو الهبة والهدية. ومعناها أن من أعطى هبة أو هدية يريد ضعفها أو استردادها من الناس، فل يربوا عند ا ،

من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب،: «أي ل ثواب عليها عند ا أما الصدقة فقد قال رسول ا ول يقبل ا إل الطيب. وان ا يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون

يريد هدية الرجل الشيء] وما آتيتم من ربا: [» [رواه البخاري]. وكذلك قال ابن عباسمثل الجبل يرجو أن يثاب أفضل منه فذلك الذي ل يربو عند ا ، ول يؤجر صاحبه. ولكن ل إثم عليه. وفي هذا المعنى نزلت الية (نقله القرطبي) وقال ابن كثير رحمه ا في هذه الية: إن من أعطى عطية يريد

أن يرد عليه الناس أكثر مما أهدى لهم فهذا ل ثواب له عند ا. بهذا فسره ابن عباس ومجاهدوالضحاك وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب، والشعبي. وهذا الصنيع مباح.

: الربا رباءان (ربوان) فربا ل يصح يعني البيع. وربا ل بأس به وهو هديةوقال ابن عباسالرجل يريد فضلها وأضعافها.

فقد نزلت تنهى عن أكل الربا المضاعف] ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة- أما الية الثانية: [وهو ما كانوا عليه في الجاهلية. ول يوجد فيها ما يدل على تقييد تحريم الربا.

ولقد قال المفسرون ان سورة البقرة، وهي السورة التي نزل فيها تحريم الربا، هي أول سورة . وسورة آل عمران، التي نزل فيها النهي عن الربا المضاعف، نزلت بعدها، وعليهنزلت في المدينة

ينتفي ان ا سبحانه قد أباح أكل الربا القليل. وعليه يكون ما ذكر في آية آل عمران ليس من قبيل التدرج بل جيء بها باعتبار ما كانوا عليه في العادة التي يعتاد عليها الكفار في الربا. وعليه فإن حكم

الربا نزل تحريمه في بادئ المر.

فل تعني أنه قد سمح] يا أيها الذين آمنوا اتقوا ا وذروا ما بقي من الربا- أما الية الثالثة[ للمسلمين بشيء قليل من الربا ثم نهوا عنه. بل إن هذه الية نزلت في قوم أسلموا ولهم على قوم أموال

من ربا كانوا أربوه عليهم. فكانوا قد قبضوا بعضه وبقي بعض. فعفا ا عز وجل عما كانوا قبضوهوحرم عليهم ما بقي منه.

وكذلك] وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون: [ويعضد ذلك قول ا تعالى ل إن ربا الجاهلية موضوع كله. وأول ربا أبتدئ به ربا العباس بن عبدأ: «قول الرسول

» [سيرة ابن هشام].المطلب

Page 102: الدعوة إلى الاسلام

إن الربا] وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل- أما الية الرابعة: [ المقصود في هذه الية هو المال الحرام من الرشوة وغيرها الذي كان يأكله اليهود كما قال تعالى:

وليس المقصود بها الربا بحسب التعريف الشرعي.] أكالون للسحت[

. ول يوجد ما يدل على أنه حرم على مراحل. وتعددوعليه فإن الربا حرام من أول تشريعهالنصوص الواردة في الموضوع كان لوقائع معينة. ول يوجد فيها ما يدل على التدرج.

قولهم إن ا عز وجل قد حرم الخمر على مراحل: –2

يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر منقال تعالى: [ إنما الخمروقال: [] ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون وقال تعالى: [].نفعهما

إنما يريد الشيطان -والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر ا وعن الصلة فهل أنتم

].منتهون

ومن مجمل هذه اليات فهم القائلون بالتدرج أن الخمر كان مباحا في بادئ المر بدليل الية ثم نهي عن الخمر بعد] ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى: [الولى، ثم نزل تضييق الباحة بقوله تعالى

هذه التضييق.

والناظر في هذه اليات نظرة تشريعية ل يجد أي تدرج في التحريم. فالخمر لم يكن فيها حكم قبل تحريمها. أي أنها كانت متروكة على الباحة، أي أن الشرع كان ساكتا عنها مع فعلهم لها حتى

نزلت الية الثالثة. ويؤيد ذلك ما حدث مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي ا عنه فقد قال: "اللهم بين فدعي] يسألونك عن الخمر والميسرلنا في الخمر بيانا شافيا، فإنها تذهب بالمال والعقل" فنزلت: [

يا أيها الذين آمنواعمر رضي ا عنه فقرئت عليه، فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت: [ فدعي عمر فقرئت عليه. فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا.] ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى

فدعي عمر] إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوهفنزلت: [ قال عمر: انتهينا انتهينا" [رواه أحمد والترمذي والنسائي] فهل أنتم منتهونفقرئت عليه . فلما بلغ[

وأبو داود].

لقد ظل سيدنا عمر يسأل ا تعالى أن ينزل بيانا شافيا في الخمر الذي كان متروكا على الباحة قبل نزول الية الولى المذكورة، وظل يسأله تعالى بالرغم من نزول اليتين الولى والثانية

.مما يدل على أنها ظلت على إباحتها حتى نزل التحريم في الية الثالثة

. فهي آية متعلقة بالصلة.والنهي في الية الثانية منصب على الصلة وليس على الخمر والمدقق في فقه هذه الية يرى أنها لم تنه المسلمين عن الشرب عند الصلة بل نهت عن الصلة في

حالة السكر حتى يعلم المسلمون ما يقولون. ولو كان المسلم بعد نزول هذه الية تفوح منه رائحة الخمر وهو يصلي، أو يحمل معه قربة من خمر، أو قد شرب من الخمر بالمقدار الذي ل يضيع معه

عقله فل شيء عليه.

. ونهى عن الصلةان ا سبحانه وتعالى ذم الخمر في الية الولى باعتبارها تجلب مضرة حال السكر في الية الثانية. وحرم الخمر في الية الثالثة. وهذا ل يقال عنه تدرج. إذ لم يحصل أن

ول في عهدأحدا استحل شرب الخمرة بعد تحريمها أي بعد نزل آية المائدة، ل في عهد الرسول

Page 103: الدعوة إلى الاسلام

الصحابة ول في عهد التابعين وتابعيهم، ولم تلحظ كتب الفقه لكبار علماء ومجتهدي المة بحث التدرج في تحريم الخمرة. ولقد كانت الفتوحات السلمية قائمة على قدم وساق، وكانت تفتح البلدان، وكان يدخل الناس في دين ا أفواجا. ولم يراع المسلمون الفاتحون حداثة إسلم إخوانهم الذين دخلوا في الدين من جديد، ولم يسكتوا عن شرب الخمر ريثما يمروا في المراحل التي مر بها تحريم الخمر. مع أنهم كانوا بحاجة لو أن هذا المر يؤخذ بعين العتبار. على أن بحث التدرج هذا لم يعهده علماؤنا

الوائل الفاضل، بل هو بحث مستجد أملته شدة الواقع وقساوة الظروف على حد قول بعض من تسموا بالعلماء وأرادوا أن يجعلوه منهجا في التفكير، ل يطال بعض الحكام بل الدين كله. وصح

إن من يعش منكم فسيرى اختلفا كثيرا . وإياكم ومحدثات المور فإن كل «حديث الرسول » [رواه الترمذي وأبو داود].محدثة بدعة ، وكل بدعة في النار ..

: هل يجوز لنا أن نأخذ فيها بالحكم السابقوالسؤال الذي يطرح نفسه كمخرج لدعاة التدرج هوبحجة التدرج بالحكام.

: ل. لن حكم التحريم للخمر قطعي. فل يجوز شرعا الرجوع إلى الحكموالجواب القطعي السابق. لننا نكون قد فعلنا ما لم يأمر به ا سبحانه، وهذا هو الذي عليه السلف والخلف. فللخمرة

اليوم حكم واحد، ل يتغير بحال من الحوال، ول يسقط الثم عن شاربها.

قولهم بأن الشرع قد عالج أحكام الرق بطريقة التدرج. فهذا باطل لن ا عز وجل لم –3يحرم وجود الرقيق بل أوجد منافذ له. وإذا عاد وجودهم فستعود أحكامه وسيعود وجود الرقيق ثانية.

قولهم بأن القرآن نزل مفرقا ومنجما. ولم ينزل دفعة واحدة مما يدل على التدرج. –4 والجواب على ذلك أن ا عز وجل كان ينزل الحكام بحسب الوقائع والحداث لتثبيت القلوب عليها. فنزل أول ما نزل اليمان وذكر الجنة والنار ثم الحلل والحرام. وليس في هذا أخذ لجزء من السلم وترك لجزء آخر. فقد كان المسلمون مسؤولين في حدود ما نزل . ولم تتعد مسؤوليتهم أكثر من ذلك.

فعندما نزل اليمان ولم تنزل الحكام كان المسلمون مسؤولين عن السلم كله. ولكن على تفصيل وضحته النصوص الشرعية. فالحكام الشرعية الفردية مسؤول عنها المسلمون على أي حال سواء

بوجود الدولة السلمية أم ل. أما الحكام الشرعية المنوطة بالدولة السلمية فقد تعلقت بالدولة. وهذاهو التفصيل الملزم للمسلمين وليس غيره. ول عودة إلى الوراء.

والن، وبعد استعراض: ماذا يعني التدرج، وماذا يشمل، وما هي مسوغاته عند القائلين به،ننتقل إلى بيان الرأي الشرعي الصائب، وبالطريقة الشرعية في التفكير.

أقول الرأي الصائب ولم أقل الرأي القرب إلى الصواب؛ لن فكرة التدرج هذه ليست من . والمسألة ل تتعلق بالتدرج: هل هو حكم شرعي أو ل، بقدر ماالشرع ول يجوز نسبتها إلى الشرع

يتعلق بطريقة تفكير ل يقرها الشرع بحال من الحوال.

. فطبيعة النظام السلمي أنه قائم على اتباعذلك أن للسلم طبيعة تختلف جذريا عن غيره الوحي حصرا. بينما تقوم طبيعة النظام الوضعي على البتداع النساني والخبرات البشرية والتي

تبقى مهما قويت قاصرة على تحديد المعالجات الصحيحة لمشاكل النسان.

Page 104: الدعوة إلى الاسلام

. وإل فلن يقبل منهوالمسلم عندما يتقيد بالشرع عليه أن يجعل أساس تقيده اليمان بال تعالى التزامه وعندما يدعو غيره إلى السلم عليه أن يجعل أساس دعوته اليمان بال، وإل فلن تقبل منه

دعوته. فالمسألة تتعلق باليمان أول، واللتزام الصحيح ثانيا.

:وحتى يتغير المسلم ويغير النظمة تغييرا صحيحا وسليما يجب أن يهتم بالساس الروحي بإيجاده أول ومن ثم تغذيته. فيسهل بعدها اللتزام، بغض النظر عن مطابقته لواقع الناس أو طباعهم

أو أهوائهم أو عدم مطابقته. وعدم اعتماد المسلم على الساس الروحي في اللتزام يوقعه في الثم إن لم يؤد به إلى الكفر. وقيام السلم على الساس الروحي أي اليمان بال ل يجعل هذا الحكم قريبا أو

بعيدا إل بقدر قربه أو بعده عن هذا الساس.

: أين هو الساس الروحي في هذه الدعوة . بل أين أمر اوالن نأتي لنسأل من يقول بالتدرج، مع مسيس الحاجة إليه، سواء في مكة أم في المدينة؟به. وأين لجأ الرسول

المر ل يضعهلبني عامر بن صعصعة حين كان يطلب منهم النصرة « ألم يقل الرسول » [سيرة ابن هشام]. وذلك عندما طلبوا أن يكون المر فيهم من بعده مع شدة الحاجة عندهحيث يشاء

لوجود من ينصر الدعوة. ألم يكن في المكان إجابتهم إلى طلبهم، ثم بعد أن يؤمنوا تتغير مطالبتهم؟ أم هي الدعوة الصادقة والمر الرباني الذي جعله صادقا فيما يقول من غير مداهنة ول مساومة ، ليحيا

من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.

لعمه أبي طالب عندما جاءه يطلب منه أن يخفف عنه وأن ل يحمله من ألم يقل الرسول وا يا عماه لو ضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أنالمر ما ل يطيق، ألم يقل له: «

يفيد عدم قبوله بأدنى مساومة، وأعطى على ذلك أصدق مثل في دعوته. فلم يداهن ولم يهادن، ولم ». [سيرة ابن هشام] وهذا النص من الرسولأترك هذا المر ما تركته حتى يظهره ا أو أهلك دونه يساير ، ولم يحاب، ولم يداج من بيدهم المور بل كانت دعوته صريحة جريئة، تبعث الفكر الصادق

الذي يدحض به الباطل ويجعله زهوقا.

ألم يأمر ا سبحانه المسلمين أن يهاجروا من المكان الذي ل يستطيعون أن يقوموا فيه بما إن الذين: [أوجبه عليهم إلى المكان الذي يستطيعون ، وجعل المكوث فيه محرما عليهم لقوله تعالى

توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن أرض وقد نقل ابن كثير الجماع على تحريم القامة حيث ل يتمكن المسلم من] ا واسعة فتهاجروا فيها

إقامة الدين.

دعوته بـ (ل إله إل ا محمد رسول ا) وبادأ بها قومه. وكانت كذلك هيألم يبدأ الرسول آخر كلمه من غير أي تغيير. فهل دعا إلى أقل منها في بادئ المر ثم تدرج بها؟ أم أنها كانت أول

دعوته وآخرها.

ألم يقاتل أبو بكر رضي ا عنه مانعي الزكاة، ولم يأخذهم بالتمهل وتطييب الخاطر، قائل كانوا يؤدونه لرسول ا لقاتلتهم عليه". مع أن وضع : "وا لو منعوني عقال بعيرقولته المشهورة

المسلمين كان يومها يشهد حركة ارتداد وتمرد واسعين.

. وهل سارواهل عهد عن المسلمين الوائل الذين حملوا الدعوة إلى السلم مثل هذا الفهم على منواله حين طبقوا السلم على البلدان المفتوحة التي تحولت دارها من دار كفر إلى دار إسلم؟

Page 105: الدعوة إلى الاسلام

لم يراع المسلمون الوائل أوضاع أهل هاتيك البلد الذين كانوا حديثي عهد بالسلم. فلم يتركوهم يشربون الخمرة ريثما تألف نفوسهم عدم شربها أو عدم التعامل بالربا أو عدم معاقرة النساء ... بل كانوا يدخلون في السلم كامل فيمتنعون عن الربا وعن الزنا وعن الخمر وعن كل ما حرمه ا عليهم . وكانوا ينفذون الحكام الشرعية المتعلقة بذمتهم سواء منها الفردية أم الجماعية، العينية أم

الكفائية.

هل تناولت أمهات كتب الفقه السلمي هذا الموضوع، وهل ذكر فقهاؤنا المجتهدون الوائلالموثوقون أدنى إشارة عن التدرج، ومعلوم أن فقهاءنا تناولوا بالتفصيل كليات الشريعة وجزئياتها؟

الحمد ل الذي: [إن الشرع بكليته يدل على وجوب تحلي الدعوة بالصدق واستقامة الطريق وا أخبرنا أن الكفار يودون أن نداهنهم[ ...قيما أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا

ود كثير منونسايرهم ونتنازل عن الحق، ونقبل بأرباع الحلول وأنصافها بدءا بالكفر لقوله تعالى: [ وانتهاء بالحكام لقوله] أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم...

وقد حذرنا ربنا من الركون إلى الظالمين] فل تطع المكذبين]، [ودوا لو تدهن فيدهنونتعالى: [].ول تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون ا من أولياء ثم ل تنصرونبقوله: [

إن الدعوة الصادقة إلى اليمان الصادق تجعل التزام المسلم كامل، ولو كان حديث عهد بالسلم أو باللتزام. وما علينا كحملة دعوة إل أن نغرس اليمان في النفوس، وأن نعتني به حتى

يؤتي أكله على أطيب ما يكون التزاما وتقوى. والدولة السلمية حين تقوم لن تقوم على أناس فارغين أو مثقلين بالفكار الغربية. ولن تقوم على أناس لم تعمل الدعوة فيهم ولم تؤثر عليهم وتجعلهم يقبلونها. بل هي كما قلنا سابقا ، يجب أن تقوم على رأي عام منبثق عن وعي عام يتقبل فكرة السلم

وفكرة الحكم به. ول حاجة للجوء إلى فكرة التدرج بحجة تقريب النفوس من السلم. ول حاجةللرضوخ لضعف النسان أو مسايرة الواقع، لن ا أمرنا أن نغير النفوس والواقع بالسلم.

ولو عدنا إلى القرآن نستقرئ آياته لدركنا أن المر فيه قطع، وأن التدرج هو من الفكار.الدخيلة الغريبة التي أدخلها من تسمى بالعلم زورا وبهتانا

والمسلمون معه كلما نزلت آية بادروا بتنفيذها دون أدنى مهلة أو تأخير.لقد كان الرسول وكان الحكم الذي ينزل يصبح واجب التطبيق بمجرد نزوله. وصار المسلمون بعد نزول قوله تعالى:

مطالبين بتطبيق السلم كله] دينا اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم[ مطالبة كلية. سواء منها ما يتعلق بالعقائد أو العبادات أو الخلق، أو المعاملت، وسواء أكانت هذه الحكام تتعلق بناحية الحكم والقتصاد أم الجتماع أم السياسة الخارجية، في حالة السلم أو في حالة

الحرب.

وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا ا إن ا شديد- وقوله تعالى: [ أي خذوا واعملوا بجميع ما آتاكم الرسول وانتهوا وابتعدوا عن كل ما نهاكم عنه. لن (ما)] العقاب

في الية من صيغ العموم فتشمل وجوب العمل بجميع الواجبات ووجوب النتهاء والبتعاد عن جميع المنهيات. والطلب بالخذ والنتهاء الوارد في الية يفيد الوجوب بقرينة ما ورد في نهاية الية من

المر بالتقوى والوعيد بالعذاب الشديد لمن لم يعمل بهذه الية.

وأن احكم بينهم بما أنزل ا ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن- وقوله تعالى: [ والمسلمين من بعده بوجوبكذلك فإنها آية تأمر أمرا جازما الرسول ] بعض ما أنزل ا إليك

Page 106: الدعوة إلى الاسلام

وللمسلمين منالحكم بجميع ما أنزل ا من الحكام أمرا كانت أم نهيا. وكذلك فيها نهي للرسول وللمسلمين من بعده بعده عن اتباع أهواء الناس والنصياع لرغباتهم ، وكذلك فيها تحذير للرسول

أن يفتنه الناس وأن يصرفوه عن تطبيق بعض ما أنزل ا إليه.

].ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك هم الكافرون- وقوله تعالى: [

].ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك هم الظالمون: [وقوله تعالى

].ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك هم الفاسقون: [وقوله تعالى

. ولن (ما) الواردةفي هذه اليات جعل ا من لم يحكم بما أنزل ا كافرا أو ظالما أو فاسقاهنا من صيغ العموم فتشمل جميع الحكام الشرعية التي أنزلها ا أوامر كانت أم نواهي.

من كل ما تقدم يتضح بشكل قطعي ل لبس فيه أنه يجب على المسلمين جميعا أفرادا وجماعات . وأنه ل عذر لفرد جماعة أوودولة أن يطبقوا أحكام السلم كاملة دون تأخير أو تسويف أو تدريج

دولة في عدم التطبيق.

. ويجعل المطبق لبعض الحكاموالتطبيق بالتدرج يتناقض مع أحكام السلم كل المناقضةوالتارك لبعضها آثما عند ا فردا كان أو جماعة أو دولة.

لم. فالرسول فالواجب يبقى واجبا يجب العمل به، والحرام يبقى حراما يجب البتعاد عنه يقبل من وفد ثقيف أن يدع لهم صنمهم اللت ثلث سنين، أو أن يعفيهم من الصلة على أن يدخلوا في السلم، لم يقبل منهم ذلك، وأبى عليهم كل الباء، وأصر على هدم الصنم دون تأخير، وعلى اللتزام

بالصلة دون تأخير.

وا قد جعل الحاكم الذي ل يطبق جميع أحكام السلم أو يطبق بعضها ويترك بعضها الخر .كافرا إن كان ل يعتقد بصلحية السلم أو ل يعتقد بصلحية بعض الحكام التي ترك تطبيقها

وجعله ظالما وفاسقا إن كان ل يطبق جميع أحكام السلم، أو ل يطبق بعضها لكنه يعتقد بصلحيةالسلم للتطبيق.

أوجب قتال الحاكم وإشهار السيف في وجهه إذا أظهر الكفر البواح الذي عندناوالرسول فيه من ا برهان. أي إذا حكم بأحكام الكفر التي ل شبهة أنها أحكام كفر، كثيرة كانت هذه الحكام أم

... وأن ل ننازع المر أهله قال: إل أن تروا كفراقليلة، لما ورد في حديث عبادة بن الصامت: «» [رواه مسلم].بواحا عندكم من ا فيه برهان

. إذ ل فرق بين واجب وواجب ول بينوعليه فل تساهل ول تدرج في تطبيق أحكام السلم حرام وحرام، ول بين حكم وآخر. فأحكام ا جميعا سواء. ويجب أن تطبق وأن تنفذ دون تأخير أو

أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فماتسويف أو تدريج. وإل انطبق علينا قول ا تعالى: [].جزاء من يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب

وليس هناك من عذر لي مسلم في عدم تطبيق أي حكم شرعي حاكما كان أو فردا عاديا إل . وعدم القدرة يعتبر رخصة شرعية فيإذا كانت هناك رخصة شرعية وردت في النصوص الشرعية

حالة العجز الحقيقي المحسوس (أو الراجح على الظن رجحانا قويا)، أي حالة الضطرار الحقيقي،

Page 107: الدعوة إلى الاسلام

ثلث ثمار المدينة على قبيلة غطفان،مثل حالة المكره إكراها ملجئا ، أو مثل حالة عرض الرسول أو مثل قبول الخليفة للتحكيم مع البغاة، أو مثل إباحة الميتة للمضطر الذي يخشى الهلك.

ونحن، تجاه ما نراه من هذا الطرح، نجد أن هذه الفكرة قد وجدت في رؤوس أصحابها، نتيجة لضغط الواقع، وللتلفت من هذا الضغط راحوا يتصيدون لها الدلة تصيدا لتكون مبررا ومسوغا لهم

. إذ أن الفكرة وجدت أول ومن ثم أوجدوا الدليل الشرعي الذي أولوه بحيث يخدم هذهللدعوة بحسبها الفكرة. وهذه هي بداية النحراف. وكنصيحة للخروج من هذا المنحى: يجب أن يخلع المسلمون

القائمون على فكرة التدرج ثوب الضعف الذي يلبسونه، وأن يتصلوا بالشرع اتصال الواثق بربه المؤمن به إيمانا راسخا بأنه هو الذي يدبر المر ويغير الوضاع، ويمنح النصر لمن يستحقه، حتى

يواجه بهذا اليمان شدة الواقع وقساوة الوضاع. فيستعلي بإيمانه ويجعله منطلق الدعوة ومحط رحالها. وسنرى أن ذلك كله سينعكس على المدعوين تقيدا صحيحا والتزاما قويما. من غير ما حاجة

إلى التدرج.

. وهذا يجعل غير المسلم، أو المسلمإن الدعوة إلى التدرج هي دعوة لغير السلم ، وهذا حرام المقصر الذي يدعى بناء على هذا الساس مترددا في قبول ما يعرض عليه، وهذا التردد يتحمل

مسؤوليته الداعي إلى التدرج، لنه لم يعرض عليه السلم، ولبعد طرحه عن الساس الروحي القائم على اليمان بال الخالق المدبر، والذي بناء عليه يؤخذ الحكم الشرعي أو يترك. وهذا يجعل حجة ا

قائمة على هؤلء المسلمين الداعين بدل أن تقوم حجتهم على غيرهم.

والدعوة إلى التدرج فيها تدخل وتحكم في التشريع حين تجيز للنسان تطبيقا مجزأ بحجة أنه . ونحن أمرنا أن ل نقدم بين يدي ا ورسوله ول نؤخر. فالذيل يقوى على التطبيق الكامل الفوري

يعالج النسان هو ربه العليم الخبير الذي يعلم ما خلق. فكيف يسمح المسلم لنفسه حين الدعوة للتدرج بالتدخل في عملية التشريع هذه. والصحيح هو أن تنحصر مهمة الداعي في تنفيذ وتبليغ المعالجة

وليس في وضعها.

. وهذه الطريقةوالدعوة إلى التدرج تعطي الداعي طريقة تفكير فاسدة يدعو الناس على أساسها التي سيحملها للخرين إذا تأثر بها المدعو فإنها تفسد عنده طريقة التفكير التي يجب أن تتغير كما يجب أن تتغير الفكار الخاطئة، علما أن طريقة التفكير تأتي في المقدمة في عملية التغيير، إذ أنها

تسبق في أهميتها تغيير الفكار. ونحن ل نضمن تغير المة تغيرا موثوقا حتى نغير لها طريقة تفكيرها ولو بشكل عام. وستحل هذه الطريقة الفاسدة التي يفكر ويدعو بحسبها محل الطريقة

الصحيحة.

Page 108: الدعوة إلى الاسلام

اللتزام بالمبدأ فكرة وطريقة

لـما استطاع الغرب الكافر جعل طريقة حياته في العيش هي الطريقة التي يسير عليها الناس، . عاشوا أفكاراعاش المسلمون أوضاعا فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية ل يحسدون عليها

تناقض عقيدتهم . ففقدوا التوجه السليم، وفقدوا شخصيتهم حين عملوا على الجمع بين أفكارهم المنبثقة عن عقيدتهم، وأفكارهم عن الحياة المنبثقة عن فكر دخيل لم تقر به المة. وقد دخل عليها هذا الدخن

لجهلها وعدم أخذ المور على أصولها. فوفقت توفيقا غير موفق بين السلم وما يناقضه. وجعلت ما تراه النفس من مصلحة هو مقصود الشريعة. وراحت تقبل كل تأويل، وتبرر كل تحريف. وصارت

جراء هذا حياة الناس الجتماعية والقتصادية مليئة بالمتناقضات، وصارت الوضاع السياسية تسهرعلى تركيز هذه الفكار الدخيلة على حساب فكر المة الصيل.

في ظل هذه الوضاع البالغة السوء بدأت تنشأ الجماعات السلمية والحزاب لتواجه هذا الركام من الفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة والمشاعر المنحرفة والوضاع السياسية المرتبطة

بالجنبي.

. وأن ترسم الخطوالمفروض أن يكون لدى الحزب أو الجماعة الترياق والبلسم الشافي المستقيم الذي تريد أن يسير الناس على هداه في مقابل الخط العوج الذي يصلى الناس بناره وتقول

].وأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلهللناس: [

والمفروض أن تتوفر في الجماعة أو الحزب المواصفات التي تؤهله للوصول، من وضوح.الفكرة وإرادة الوصول وإعداد الثلة الواعية وتهيئة المة واللتزام بأحكام الطريقة

فمن حيث الفكرة فإنها يجب أن تحتل المرتبة الولى عند الجماعة، فهي في نظرها الحق الذي يجب أن يفيء إليه كل الناس، وهي الهدى الذي ينير للنسانية دربها، وهي الرحمة المهداة من ا

. هي الصالحة للنسان، الموافقة لفطرته،لعباده، وهي النور الذي يخرج البشرية من ظلمات الهوى المقنعة لعقله، المطمئنة لقلبه. هي المسعدة للحياة والمحيية للمل. فيها من العمق والشمول ما يجعلها

تجيب النسان على كل تساؤلته عن الحياة التي يحياها، وتصله صلة صحيحة بما قبل الحياة وبمابعدها، وتربطه بخالقه ربطا صحيحا يدرك به الغاية ويسعده حتى النهاية.

والجماعة أو الحزب عندما يؤمن بهذه الفكرة يؤمن في المقابل أنه عندما ل تكون فكرته هي . وحياةالسائدة فإن الباطل سيرتع والمنكر سيستشري والهوى سيتبع، والظلم سيحل والظلمة ستعمالضنك ستؤرق الناس، فلن ترى نفوسهم مطمئنة، ول فطرتهم مرتاحة ول عقولهم متدبرة.

فالموضوع الول الذي يجب على الجماعة أن توليه عنايتها القصوى هو الهتداء إلى الكفرة . فتتعهدها وتحافظ على نقائها، فتبعد عنها كل ما ليس منها، وتمنعالتي تشكل روحها ومبرر وجودها

اختلطها مع غيرها من الفكار الدخيلة، وتحدد موقفها من الدعوات الخرى والفكار المطروحة على هذا الساس. ولعل نقاء الفكرة يقتضي صفاء الرؤية لدى الجماعة. وصفاء الرؤية يكون بإدراك

الحكم الشرعي بطريقة استدلل صحيحة. وأن يكون هذا الحكم مستندا إلى العقيدة السلمية.

ومتى فقدت الفكرة النقاء والصفاء والتبلور والوضوح، فقدت خصوصيتها ولم تعد ذلك النور . وفقدت مبرر وجودها وصارت كغيرها من الحركات المنهزمة أمامول الهدى ول الرحمة المهداة

Page 109: الدعوة إلى الاسلام

الواقع، الذي استطاع أن يؤثر فيها بدل أن تؤثر هي فيه، وأن يشكلها بشكله بدل أن تعطيه الشكل الذييجب.

. فوضوحوبقدر ما تتبلور الفكرة عند أصحابها تتبلور طريقة إيصالها إلى الواقع العملي الغاية من وضوح الفكرة. والطريق لبلوغ الغاية هي أحكام شرعية منضبطة كغيرها من الحكام

الشرعية.

. ذلك لنوالجماعة المبدئية أو الحزب المبدئي هو الذي يتقيد في كل حركاته وسكناته بالمبدأ الفكرة المبدئية تمنع على معتنقها والداعي لها الخذ من غيرها إل إذا أقرته هي على ذلك. ولنها

فكرة أساسية تبدأ في بحث المور من أساسها، وتعطي الجواب المتميز عن معنى وجود النسان في هذا الكون. ويصبح كل فكر فرعي مأخوذا من هذا الفكر الساسي ومنبثقا عنه. وتكون أفكاره عن

الحياة ومفاهيمه عن الشياء وحكمه على الفعال كلها من جنس هذا الفكر الساسي.

. وكل ما فيه منسجم مع بعضه تمامفبناء السلم متكامل وليس فيه نقص ولو كان موضع لبنةالنسجام لنبثاقه عن قاعدة فكرية واحدة ثابتة تتواءم مع سنن الحياة وطبيعة الخلق.

فمن آمن بالسلم يصبح الحلل والحرام هما مقياس أعماله ونظرته إلى الشياء وليست . وتصبح سعادةالنفعية، ذلك أن النفعية تنسجم مع فكرة أن النسان هو الذي يشرع وليس ا سبحانه

المسلم هي بأن ينال رضا ا ل أن ينال أكبر قسط ممكن من اللذة. وتصبح حياته حياة عبودية ل وخضوع لمره ل حياة قائمة على فكرة الحريات التي تجعله منخلعا من كل قيد. فمن قبل الساس قبل ما تولد منه. ومن أراد أن يغير فعليه أن يبدأ بالساس، وأن يلحظ النسجام بين الفكار الفرعية وبين

الساس. هذا هو الفكر المبدئي والدعوة المبدئية التي على الجماعة النطلق من خللها. ولذلك ل يقبل من المسلمين ول من أنظمتهم ول من جماعاتهم أن يخلطوا بين السلم وغيره. فكما ل يقبل من النظمة القائمة جعل السلم مصدرا من مصادر التشريع إلى جانب مصادر غير شرعية أخرى مثل

العرف، أو جعل السلم هو المصدر الساسي، كذلك ل يقبل من الجماعات السلمية مثل هذا الختلط، كأن تقوم على السلم وعلى بعض الفكار الغربية الغريبة عن السلم. فهذا انهزام ل

يقبله ا سبحانه وتعالى ول عباده المؤمنون.

ل إله إل ا محمد(لذلك فإن كل الجماعات السلمية التي تكون عقيدتها قائمة على أساس أن ) أي ل معبود ول مطاع بحق إل ا، ل يحل لها أن تشرق وتغرب في أخذ أحكامها عنرسول ا

الحياة. فكل فكرة يجب أن يلحظ انبثاقها عن العقيدة وأخذها من المصادر الشرعية الموثوقةواستنباطها مع أدلتها التفصيلية.

) مع القول بأن الشتراكية القائمة على فكرةل إله إل ا محمد رسول ا(فكيف تنسجم كلمة (ل إله والحياة مادة) هي من السلم. أو مع القول بأن الديمقراطية القائمة على فكرة ( فصل الدين

عن الحياة ) هي من السلم. أو مع القول بأن القومية والوطنية القائمة على العصبية التي رذلهاالسلم هي من السلم.

) وهي تعني إفراد ا في التشريع مع القولل إله إل ا محمد رسول ا(وكيف تنسجم كلمة بمشاركتنا الخرين أو مشاركة الخرين لنا في التشريع؟

Page 110: الدعوة إلى الاسلام

) القائمة على التذلل والخضوع والعبادةل إله إل ا محمد رسول اوكيف تنسجم كلمة ( لرب العالمين مع فكرة الحريات الموجودة في النظمة الغربية التي تجعل النسان هو سيد نفسه في

كل شيء. ول يخضع لله إل بمقدار ما يتناسب هذا الخضوع مع شهواته ورغباته ومصلحته؟

. وإل ضاعتنعم إن الحرص على العقيدة السلمية يقتضي الحرص على كل ما انبثق عنهاشخصية الجماعة في خضم التوفيق الذي لن يرضي ا ول عباده.

وللمحافظة على الفكرة نقية، صافية، واضحة، مبلوره، يجب إبعادها عن التأثر بالواقع.والخضوع للظروف ووضعها في منأى عن التحريف والتبديل والمساومة

وكما أن حامل الدعوة يريد أن يغير المجتمع بحسب تصوره؛ كذلك فإن للمجتمع بمفاهيمه وأفكاره الخاطئة وأوضاعه السياسية وتركيبته الجتماعية، ضغطه على حامل الدعوة وعلى الجماعة

.التي يعمل معها للتغيير

:الحذر من النحراف أو المساومة

فالجماعة عندما تقوم على الفكرة المبدئية وتنزل إلى الواقع ستهب عليها العواصف محاولة . ذلكاقتلعها من جذورها، وسيكون تعامل النظمة معها يختلف عن تعاملها مع الحركات الخرى أن الحركات الخرى تطرح أفكارا جزئية ل تؤذي النظمة بحال، بل قد يكون فيها سد لبعض

الثغرات التي أحدثتها النظمة نفسها. ولكن الدعوة الجذرية القائمة على الفكرة المبدئية يتم فيها تناول المور من أساسها ول ترضى بالترقيع ول بالمسايرة، ول تقبل بأنصاف الحلول، ول تقبل بإصلح ما أحدثته النظمة، ول تقبل ترك الدعوة إلى التغيير الكامل، ول تقبل تناول الفروع وترك الساس

الذي تقوم عليه هذه الفروع. ومن الطبيعي أن تكون مواجهة هذه الجماعة أو الحزب على غير مثال.وبقدر التزام الجماعة بالتغيير الجذري بقدر معاداة النظمة لهذه الجماعة، وبقدر شدة المواجهة.

وقد تنعكس شدة المواجهة هذه على حامل الدعوة نفسه فل يستطيع التحمل، فيضغط على . وقد تضيق عليه نفسه وتضعف إرادته عندما يجد نفسه ملفوظاجماعته لكي تخفف من قوة طرحها

من الناس وكالجرب مفردا. وقد توسوس له نفسه وتحدثه حديث النكفاء عن العمل عندما تتعارض مصالحه الدنيوية مع الوضع الجديد الناشئ عن العمل مع جماعته. فيبدأ بالضغط على جماعته

ويدعوها إلى التحول عن المطالبة بالتغيير إلى المطالبة بالصلح. فإن استجابت الجماعة لصحاب هذه الطروحات من أعضائها بقي معها. ويكون بذلك قد استطاع أن يعمل لدينه ودنياه وأن يرضي ا

والملك بزعمه. وإن رفضت ضغوطه وأصرت على جذريتها وانقلبيتها في العمل تحول هو عنها. وهنا تواجه الجماعة نارين: نارا داخلية من شبابها الذين ثقلت همتهم أمام ثقل الضربات، ونارا

خارجية مع النظمة التي ل تتهاود مع أصحاب هذه الطروحات.

. وتبدأ العروض تنهال على الجماعة ، ويبدأوتبدأ معركة المساومة ما بين الجماعة والنظمة أسلوب العصا والجزرة. ومن المعلوم أن المساومة تدخل في شؤون البيع والشراء. ومتى دخلت الجماعة في المساومة تحولت إلى تجارة وبيع ذمم وإذلل أمم. وإل فإنها ستصطلي بنار النظمة

وستكوى بلهيبها.

من هنا تحتاج الفكرة المبدئية الصحيحة إلى الجماعة أو الحزب المبدئي الذي يتوفر في قيادته . والحرص على الصفاء والنقاء والصبر،وأعضائه الحرص على الشرع بحيث يكون هو العلى

Page 111: الدعوة إلى الاسلام

والتضحية واليثار، ونكران الذات، وخلو النفس من حظ النفس، من أجل أن ل يتم النحراف ول تتثاقل الهمم. ولكي تسير الجماعة بشكل مضمون يحفظ عليها عملها ، ويجعله في منأى عن التغيير

والتلعب به يجب أن تربط كل فكرة وكل حكم شرعي بالعقيدة السلمية ربطا محكما، حتى إذا حصل تعارض بين المنافع الفردية النية لحملة الدعوة وبين الثبات والصبر على حمل الدعوة لتحقيق غايتها الشرعية أتى الترجيح لمصلحة الدعوة، وكان هذا الربط هو السد المنيع أمام وسوسة الشيطان

وحديث النفس المارة بالسوء.

ومن أجل أن تنجوا سفينة الجماعة أو الحزب من الغرق في أوحال الواقع السيئ كان ل بد من أصول ضابطة تحدد الفكار وطريقة التفكير، لن ذلك يربط الجماعة بما توصلت إليه، إذ ل يحق لها

.الخروج عن أصولها في يوم من اليام تحت حجة التأويل والتبرير

فحسن التوجه، وحسن التأسي، وحسن الفهم، تؤدي إلى تطهير الجماعة والعاملين فيها من كل.الشوائب التي قد تكون علقت بهم، وتنقي النفوس وتقوي اليمان

. فالفتن التي يصبروهذه الطريق ل يستطيع الصبر على وعثائها إل أولو العزم من المؤمنينعليها القائمون على العمل تنقيهم كما ينقى الذهب بالنار.

وإل فإن فقدت الصول الضابطة فإن النكفاء، والتبديل، والتراجع، والتلون، سيكون مصير . وان غموض الطريق والهدف وعدم بلورة الفكار عندها سيجرها إلى التبديل عندما تجدالجماعة

صعوبة في العمل وإلى التبرير والتأويل عندما تطالب بالدليل.

ومتى رضخت الجماعة للمساومة وقبلت بالحق مجزأ، وتخلت عن جذرية الطرح وانقلبية العمل فقدت قوتها الوحيدة التي كانت تمتلكها، وصارت غير متميزة، ول تلفت نظر الناس إلى تفرد

. وتكون قد سقطت في ميدان الصراع الفكري وكانت الغلبة لعدوها حتى لو بقيتول خصوصية تنادي بالسلم وتطرح السلم. لن طرحا صار مشوها ولنه صار في مصلحة النظام. ويكون بذلك

قد تحول إلى عقبة في وجه التغيير بدل أن يكون العكس. وهذا ما حذرنا منه ا تعالى حين قال وكما قال سيدنا عمر] واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ا إليك ولمته من بعده: [لرسوله

رضي ا عنه لقاضيه شريح "ل يلفتنك عنه الرجال".

. فإن استطاعت أن تحافظ عليها وانويبقى السلح المضى الذي تمتلكه الجماعة هو فكرتها تخرجها من دائرة المساومة، وتصبر عليها رغم كل الظروف، وسارت على خطا الرسول

من إعداد الثلة المؤمنة وتهيئة المة لتقبلاستطاعت بعد حين من الزمن أن تهيء ما هيأه الرسول الحكم بما أنزل ا واستطاعت بعدها أن تقلب المعادلة لمصلحة الدعوة ، وإقامة الدولة.

وتحلي أصحاب الدعوة الحقة بأفكار السلم بشكل صحيح يقتضي منهم أن يواجهوا الضغوط . فل ينسجم معها أن تواجه الجماعة الضغوطاتبأفكار السلم المنسجمة مع الفكرة الم الساسية

بعقلية (خذ وطالب) أو (طرح ما يناسب الواقع) أو (طرح بعض المطلوب) أو (القبول بأنصاف الحلول). فهذه الفكار وأمثالها إنما قامت الجماعة من أجل تغييرها ل من أجل العمل من خللها.

وهذا هو نمط تفكير الغرب الذي غزا به عقولنا. والذي يختلف اختلفا جذريا عن طبيعة السلم التي ترفض كل هذا وتعمل على قلعه وتعمل على تثبيت السلم وطريقته في التفكير. فالذي يريد ويعمل

للتغيير يجب أن يبدأ بنفسه أول.

Page 112: الدعوة إلى الاسلام

وبعد هذا العرض لما يجب أن تتحلى به الجماعة من حرص على نقاء الفكرة ووضوحها والمحافظة على ذلك نعرض فكرتين من الفكار التي طرحها الغرب الكافر، وتعهدت إلزام المسلمين

بها تلك النظمة الموالية له، وتلقفها بكل أسف بعض الجماعات العاملة للسلم، وبعض الكتاب . وهاتان الفكرتانالمسلمين، هؤلء الكتاب الذين يتولون بشكل دائم تسويق أفكار الغرب والدعاية لها

، وأنها هي الشورى بعينها. والتي قال عنها أحد هؤلء ءالديمقراطية هي من السلمهما: فكرة أن المشاركة في حكم). وفكرة قبول الشوروقراطيةالكتاب من باب التوفيق اللفظي والتلفيق الفكري (

التي يقول بها بعض المسلمين وبعض حركاتهم. ولنسير في بحثنا هذا بحسب الصول التيالكفر ذكرناها في بداية حلقات هذا البحث ندرس الواقع الذي تطبق فيه الديمقراطية وواقع الديمقراطية وهل

في الشرع واقع شبيه بواقع الديمقراطية حتى يصح الخذ بها …

:الديمقراطية

. وبهذه الفكرة الساس أبعد كل تأثير للدينإن الغرب يقوم على فكرة فصل الدين عن الحياة عن حياة الناس. وصارت مفاهيمه عن الحياة محكومة بهذا الساس. ونشأت تبعا لذلك عند الغربيين

أفكار من جنس هذه الفكرة الساسية ومتولدة عنها. فكانت فكرة الديمقراطية التي جعلت النسان سيدا على نفسه بدل أن تجعل ذلك ل تعالى . وكانت فكرة النفعية هي مقياس أعماله، وكان تعريفة للسعادة

بأنها الحصول على أكبر قدر ممكن من اللذة. وكانت فكرة تقديس الفرد التي أدت إلى فكرة تقديس الحريات ... وأنشأ مجتمعا قائما على هذه الفكار، وفي نفس الوقت مضادا لكل فكر يخالفه. وكان من نتيجة هذه الفكار أن شقي النسان الغربي بدل أن يسعد بها. وهذا أمر طبيعي لن النسان القاصر ل

يستطيع أن يشرع لنفسه ول لغيره. والمجتمع الذي يغلب عليه طابع النانية وتسود فيه الحريات لنيكون سوى مجتمع بهيمي تسود فيه شريعة الغاب.

. وراح يكتشف ويخترع فوصل إلى نتائج علمية وتكنولوجيةثم إن الغرب أطلق لعقله العنان باهرة، ووصل إلى امتلك أسباب القوة، ما مكنه من التغلب على العالم بمنطق القوة وليس بمنطق الحق. وراح يفرض نفسه على العالم ماديا ثم فكريا. أي أنه بعد أن يسيطر على البلد، كان يركز الحكام الذي يخدمون مصالحه ويفرض النظمة التي تناسبه. وتقوم وسائل العلم ومناهج التعليم

على الدعاية للغرب وفكره ومنهجه في الحياة. ويحاول أن يقنعهم أن سبب قوته هو فكرته عن الحياة.

ثم إنه قسم العالم تقسيما يناسب مصلحته، دول صناعية، منتجة، غنية، قوية ، متحكمة ، مستعمرة ، قال عنها بأنها راقية متقدمة، ودول فقيرة، مستهلكة، ضعيفة، مغلوبة على أمرها، قال

. وعمل على تركيز هذا التقسيم ومنع تغير أوضاع الدول ومخالفة هذا الواقع.عنها بأنها متأخرة

. ومكن أفراده من تأمينثم إنه أطلق الحريات في بلده، وجعل الناس تنعم باستقرار سياسي حاجاتهم الساسية وبعض الكماليات وبصورة متفاوتة. بينما حرم الدول الفقيرة من التقدم حين حجب

عنهم العلم الذي يمكنهم من القوة المادية، ومنعهم من تكوين صناعات أساسية لتبقى الحاجة ماسة إليه؛ وأفقر أهل البلد الخرى وجعلهم سوقا لبضائعه، وحرم شعوبها من الستقرار السياسي

والمني. وذلك لن الدول الغنية الصناعية كانت تتصارع فيما بينها على استعمار الدول الفقيرة. وهذا الصراع لم يعد صراعا مباشرا تشن فيه الحروب مباشرة بعضها على بعض، بل كان يتم عن طريق جعل الشعوب تتقاتل فيما بينها، أو عن طريق إيجاد الثورات والقلقل في البلد التي ل تسيطر عليها.

Page 113: الدعوة إلى الاسلام

فيضطرب المن والستقرار وتتأجج الحقاد بين الناس. ناهيك عن بعث العنصرية والعصبية وإثارةالقومية بين أهل البلد أنفسهم.

وكذلك فقد وفرت الدول الغربية لشعوبها التأمينات الجتماعية من طب وتعليم وبطالة.وشيخوخة، بينما حرم الناس منها في الدول الخرى

وكذلك أنشأ، من باب تنويع أساليبه في الستعمار، الهيئات العالمية من محكمة العدل الدولية . وأنشأ القوات المتعددة الجنسيات للتدخلومجلس المن الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة العفو الدولية

لوقف الصراعات بين الدول الخرى أو لحماية المساعدات للدول الفقيرة. وأنشأ المنظمات والهيئات لكي يتدخل بشكل مستور وغير مفضوح في شؤون الدول الفقيرة، ولشراء الذمم وذلك من مثل :

منظمة غوث الولد ، وأطباء بل حدود …

إن فكرة فصل الدين عن الحياة وما تولد عنها من فكرة النفعية أوصلت إلى فكرة الستعمار . ولكن هذا الستعمار لم يأخذ صورته البدائية كما كان في السابق، بل تطورت أفكارهعند الغرب

ووسائله وأساليبه فأصبح استعمارا مبطنا، ظاهره الرحمة؛ وباطنه من قبله العذاب. ومن هذا الباب راح الغرب يلبس على الناس الحقائق، ويظهر نفسه على أنه المثل العلى الذي يجب أن تتوجه إليه أنظار الشعوب للتأسي به، وعلى أنه القبلة التي يجب أن ييمم المسلمون وجوههم شطرها. وأظهر، خداعا ونفاقا، أن ما به من نعمة فمن الديمقراطية ومن فكرة الحريات، فهي الملذ وهي الغوث لمن أراد العيش في مثل جنته، وأبطن حقيقة الستعمار ومص دماء الشعوب واستغلل خيراتها. وإفقار

الناس، وإبقاؤهم متأخرين علميا واقتصاديا، وجعلهم سوقا دائمة لصناعاته وتجاراته هي سببسيطرته على العالم. قصة الغرب واستعماره طويلة ذكرنا منها مختصرا يفيد موضوعنا.

نعم ، لقد قلب الغرب الحقائق وقلب على الناس المور ولبس عليهم رؤيتهم الصحيحة ليريهم . فقامت في الحياة التي يسيطر عليها أفكار عامة باطلة ساد فيها منطق القوة.ما يريد لهم أن يروه

وكان شعارها يقوم على قاعدة: (إن القوي حجته قوية وإن الضعيف حجته ضعيفة).

وهنا يأتي دور الجماعة أو الحزب المبدئي ليعيد المور إلى نصابها وليصحح النظرة وليمنع . وهذا الواقع إن اثر في الجماعة فقدت التصور الصحيح وصارت تطرح ما يطرح عدوها منالتلبيس

حل لها؛ وإن فهمته على حقيقته، ومن ثم لجأت إلى الشرع لجوءا صحيحا لتعرف كيف تعالجه،خرجت للناس بالشفاء واستطاعت أن تخرجهم من ظلم الفكر الغربي إلى عدل السلم.

من هذه المقدمة نرى أن ما في الغرب من تفرد في القوة سببه أنه أطلق لعقله العنان في العلوم . وإنوالتكنولوجيا، ومنع ذلك على غيره من الشعوب ما أوصله إلى امتلك أسباب القوة المادية وحده

ما به من عنى فاحش فإن سببه الستعمار ومص دماء الشعوب ونهب خيراتها وليس الديمقراطية.

:أما ما هي الديمقراطية، وما الذي أفرزته في واقع تطبيقها فلذلك قصة ثانية

(فصل الدين عن الحياة) نشأت في الغرب بعد أن اكتوى الناس هناك بنار تدخلإن فكرة الكنيسة في شؤون حياة الناس. كانت تتدخل باسم الدين. وكان دينهم من ذلك براء ؛ لنه ل يوجد في

الدين النصراني تشريع لمور الحياة. فقام رجال الدين يشرعون باسم الدين تشريعات ظالمة أدت إلى ردتي فعل: الولى تقول بنفي العتراف بالدين مطلقا والخرى تقول بالعتراف به، ولكن يجب فصله عن الحياة. وقامت على أساس الفكرة الولى أفكار عن الحياة ونشأت عليها أنظمة عرفت

Page 114: الدعوة إلى الاسلام

بمنظومة الدول الشتراكية التي انفرط عقدها بعد عقود من الزمن وبعد أن شقي الناس بتطبيقها. وقامت على أساس الفكرة الثانية أفكار عن الحياة، وتبنتها أنظمة عرفت بمجموعة الدول الرأسمالية

والتي هي في سبيلها إلى النفراط. ويدل على ذلك الفكر والواقع.

. فهمإن فكرة فصل الدين عن الحياة أعطت للنسان حق التشريع ومنعت ذلك على الدين يعترفون بوجود الله ويجعلونه فكرة فردية ل تخص المجتمع ول تؤثر فيه. ول يمنع أن يكون الله عندهم هو ا أو المسيح أو بوذا أو شخص. ول يمنع عندهم أن يكون إيمان بل دين. ولكن النسان

في كل الحوال هو المدبر حصرا. وهذه الفكرة عندهم ل مساومة عليها ول تأويل لها. فالنسان عندهم هو الذي يدبر أموره ويصرف شؤونه وينظم إشباع غرائزه. ومن هنا نشأت فكرة الديمقراطية

التي تعني (حكم الشعب بالشعب وللشعب) .

(حكم الشعب) تعني أن الشعب هو سيد نفسه، أي هو الذي يسن القوانين، أي هو الذيفـ يشرع.

(بالشعب) تعني أن الشعب هو الذي يحكم بما شرعه.و

(للشعب) تعني أن الشعب هو الذي يحكم بما شرعه.و

:وقد ترجموا ذلك عندهم عمليا بسلطات ثلث

– السلطة التشريعية: وهي التي تشرع الحكام والقوانين أو تعدلها أو تلغيها وتراقب1تنفيذها.

– السلطة التنفيذية: وهي التي تنفذ القانون العام أو الرادة الشعبية العامة أو القوانين2والحكام التي شرعتها السلطة التشريعية.

– السلطة القضائية: وهي التي تقضي في كل ما يعرض عليها وفق الحكام والقوانين التي3تصدرها السلطة التشريعية.

هذه هي مواصفات الديمقراطية الساسية، ويمكن القول إن كل نظام يتميز بهذه المواصفات . وكل نظام تنتفي فيه صفة واحدة من هذه المواصفات الساسية ل يطلقالساسية هو نظام ديمقراطي

عليه أنه نظام ديمقراطي. على أن أبرز هذه المواصفات الساسية هي: سيادة الشعب أو المة. إذتعتبر هي الركيزة الولى في الفكر الديمقراطي والعمود الفقري في النظمة الديمقراطية.

: إن كان هذافهل في السلم ديمقراطية؟ وهل واقع الديمقراطية هذا موجود في السلم؟ نقول إن الديمقراطية منالواقع للديمقراطية موجودا في السلم عندها يمكننا أن نقول ونحن مطمئنون: (

الديمقراطية هي بضاعتنا ردت) و (إن الخلفاء الراشدين هم أول من طبق الديمقراطية). و (السلم ). وإن كان واقعها غير موجود ، فإنها تكون ليست من السلم في شيء .. وبالتالي يجب أنإلينا

نعرف حكم السلم فيها.

فصل الدين عن(نقول إن فكرة الديمقراطية هي فكرة تنسجم مع فكرة أساس لها وهي فكرة ) فهي وليدتها ، وتأخذ حكمها. ولنها فرع لصل مردود يعتبر معتنقه كافرا. ومعلوم أن فكرةالحياة

)رسول ا ل إله إل ا محمد) هي نقيض لفكرة المسلمين الساسية وهي (فصل الدين عن الحياة(

Page 115: الدعوة إلى الاسلام

إن الحكم إل ل أمر أل تعبدوا إل إياه ذلكوالفكرة التي تتولد من عقيدة المسلمين وتنسجم معها هي: [ تعني أنه ل اعتبار] ولـكن أكثر الناس ل يعلمونفقوله: [] الدين القيم ولـكن أكثر الناس ل يعلمون

لرأي الكثرية تجاه ما قرره رب العالمين من أن تشريع الحكم هو ل وحده. ففي النظام السلمي تكون الكلمة العليا هي ل. والمر والنهي والتحليل والتحريم للعلي الكبير العليم الخبير، وليس لمخلوق

سواه. ول يملك فرد أو جماعة أدنى نوع من أنواع المشاركة في التشريع مع ا.

ل معقبول يملك أحد أن يعقب على حكمه[] إن الحكم إل ل: [فال وحده هو الذي يحكم].لحكمه

فكيف يجتمع ليل الديمقراطية البهيم مع نهار السلم الناصع. وا سبحانه يصرح في محكم وعسى أن تكرهواويقول سبحانه: [] وإن تطع أكثر من في الرض يضلوك عن سبيل اآياته: [

].شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وا يعلم وأنتم ل تعلمون

ما هو الطاغوت؟

ألم تر إلى الذين: [وقد قرر السلم أن كل تحاكم لغير ا هو تحاكم للطاغوت ، فقال سبحانه يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا

.] أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا

. يقول ابن القيم فيوحكم الطاغوت هو حكم الجاهلية، وهو كل حكم يناقض حكم ا ورسوله كتابه (أعلم الموقعين): "والطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع.

فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير ا ورسوله، أو يعبدونه من دون ا، أو يتبعونه على غيربصيرة من ا، أو يطيعونه فيما ل يعلمون أنه طاعة ل".

. كذلك فإنوالقرآن اعتبر أن من تحاكم إلى الطاغوت فإن إيمانه زعم وادعاء وليس حقيقة فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروةالقرآن جعل الطاغوت ندا لليمان بقوله: [

].الوثقى

فالمة السلمية يجب أن تكون شاهدة على الناس بعد رسولها إلى قيام الساعة ، تقول لهم ما].أن اعبدوا ا واجتنبوا الطاغوتقاله القرآن: [

( فصل الدين عن الحياة ) وما تولد عنها من أفكار منها الديمقراطية هيوعلى هذا فإن فكرة أفكار طاغوتية، طلب منا السلم نبذها والكفر بها.

. أما ما هو الواقع الذي أفرزه تطبيق كل هذاهذه هي الديمقراطية وهذا هو حكم السلم فيها على الرض: هل هو واقع مشرف جميل نحب أن نعيش مثله، أو هو واقع مرذول يكتوي أهله بناره

ويعيشون بفراغ وضياع نتيجة تطبيقه؟

Page 116: الدعوة إلى الاسلام

الحريات عند الغرب:

( فصل الدين عن الحياة ) أعطى لنفسه حق التشريع، ورأى أنإن الغرب بلجوئه إلى فكرة النسان يجب أن يعيش حياته كما يرى هو، ل كما يرى غيره. وبحسب هواه ل بحسب إرادة غيره. ورأى كذلك أنه ل يمكنه ممارسة هذا الحق إل إذا تمتع بحريته. وقد توصل إلى أن حريته تتجلى في حرية العتقاد وحرية التملك وحرية الرأي والحرية الشخصية. واعتبر فكرة الحريات هذه مقدسة ل

يمكن لحد أن يمسها. وهذه الحريات لها معان اصطلحية محددة.

. أو أن يتنقل بين العقائد ولو اتخذ له فيفحرية العتقاد أجازت للفرد أن يعتقد الدين الذي يراهكل يوم عقيدة، وأباحت له أن يلحد بالديان جميعها.

وحرية التملك سمحت للفرد أن يمتلك ما يشاء، وبأية كيفية يشاء، وأن يتصرف بماله بالشكل. فلو أراد أن يهبها لكلبه وان يحرم منها ورثته فل أحد يمنعه من ذلك.الذي يريد

. ولهوحرية الرأي تركت له أن يقول ما يريد من حق أو باطل، من غير وازع ول رقيبنقض أو نقد أي رأي يخالف عقله أو هواه. وليس لحد أن يمنعه من ذلك.

والحرية الشخصية أباحت للفراد التصرف بأمورهم الفردية دون اعتبار لقيم أو أي التزام.خلقي أو رادع روحي

وقد رتبت فكرة الحريات هذه، والتي هي من مستلزمات الديمقراطية، على الذين يعتنقونها،.انحدارا في القيم جعلت أصحابها يصلون إلى مستوى أحط من مستوى قطعان البهائم

. وقد تهاونت كثيرافحرية العتقاد جعلت الدين ليس بذي أهمية في المجتمعات الرأسمالية بالدين حينما أباحت للفرد أن يبدل دينه كما يبدل ثوبه. ومع انتشار الفكر المادي وانحسار الفكر الديني انحسرت القيم الخليفة والنسانية والروحية. وخلت النفوس من الرحمة وصار الناس يعيشون كالذئاب

يسخر قويهم ضعيفهم.

. فوجد كلوحرية إبداء الرأي سمحت للناس أن يقولوا ما يشاؤون وأن يدعوا إلى ما يريدون رأي شاذ وغريب وباطل في مجتمعاتهم التي خلت من الحق ومن مقياس الحق. وصرت تسمع كل ناعق من أمثال سلمان رشدي، الذي تذرع بحرية العتقاد وتستر بحرية إبداء الرأي ليجدف على

، وليس من قانون يمنع ذلك.الرسول

أما حرية التملك ومقياسها النفعية فقد أوجدت تلك الرأسمالية الضخمة التي اتخذت الستعمار طريقة لها للتحكم بمصائر الشعوب كافة، والستيلء على ثرواتها، والستئثار بخيراتها، وامتصاص

دماء شعوبها، وتسابقها وتنافسها مع بعضها على الكسب الحرام، والمتاجرة بدماء الشعوب، وإيقاد الفتن والحروب بين الدول لتتمكن من بيع منتوجاتها وتصريف صناعاتها العسكرية، التي تدر عليها

. وقد تجردت هذه الدول الرأسمالية من كل قيمة روحية أو خلقية أو إنسانية. بل راحتالرباح الطائلة تستعمل الدين، إن اضطرت، مطية لمصالحها، وتدعي الخلق والنسانية لتخفي وجهها القبيح

ورائحتها النتنة.

أما الحرية الشخصية فقد حولت المجتمعات في البلد الديمقراطية إلى مجتمعات بهيمية . فقد أباحت تشريعاتهم الممارساتمنحطة، ونزلت بهم إلى مستوى من الباحة القذرة لم تصله البهائم

Page 117: الدعوة إلى الاسلام

الجنسية الخاطئة والشاذة. وصرت ترى فيهم ما ل تراه في الحيوانات من ممارسات علنية. ومارسوا الجنس بشكل جماعي، وكذلك مارسوه مع أرحامهم من المهات والبنات والخوات. ومارسوه حتى

مع الحيوانات. فظهرت فيهم أمراض لم تكن في أسلفهم. وتفسخت السرة في مجتمعاتهم، وفقد التراحم بين أفراد السرة الواحدة. فالحرية الشخصية كانت حرية النفلت من كل قيد ، والتحلل من كل القيم، حرية تحطيم السرة. وكانت الحرية هي التي يرتكب باسمها جميع الموبقات وتستباح كل

المحرمات.

وكانت حرية الزنا واللواطة والسحاق والعري والخمر، ومزاولة كل عمل مهما كان خسيسا.بمنتهى الحرية دون ضغط ول إكراه

. فهي من وضع أهواء البشر وليست من ا ول تستند إلىهذه هي آثار الديمقراطية تدل عليها وحي السماء. ول تمت بصلة لي دين من الديان. ولو عدنا إلى منشئها في عقول أصحابها

المفكرين، والظروف التي ولدت فيها لظهر لنا المر جليا أنها قامت على أساس كفري. وأنها وضعت ردا على مقولة لويس الخامس عشر: "إننا لم نتلق التاج إل من ا". وردا على مقولة لويس الرابع عشر: "إن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق. فال وحده مصدرها وليس الشعب. والملوك

غير مسؤولين عن كيفية ممارستها إل أمام ا". وقد وصف المفكرون نظرية العقد الجتماعي لجانجاك روسو بأنها: إنجيل الثورة الفرنسية العلمانية.

ومن كل هذا يتبين لنا مناقضة السلم للديمقراطية مناقضة تامة في المصدر الذي جاءت منه،.والعقيدة التي انبثقت عنها، والساس الذي قامت عليه، والفكار والنظمة التي جاءت بها

- فالمصدر الذي جاءت منه الديمقراطية هو النسان. والحاكم فيها الذي يرجع إليه في إصدار الحكم على الفعال والشياء بالحسن والقبح هو الهوى والمصلحة الظرفية. والصل في وضعها

فلسفة أوروبا.

. فهو من ا تعالى، أوحى به إلى نبيه محمد عبدهأما السلم فإنه على النقيض من ذلك . والحاكم فيه الذي يرجع إليه في إصدار الحكام هو الشرع وليس العقل. وعمل العقلورسوله

قاصر على فهم النصوص الشرعية.

- أما العقيدة التي انبثقت عنها الديمقراطية فهي عقيدة (فصل الدين عن الحياة) وهي العقيدة المبنية على الحل الوسط. وهذه العقيدة لم تنكر الدين لكنها ألغت دوره في الحياة وفي الدولة. وبالتالي

جعلت النسان هو الذي يضع نظامه. وعلى أساس عقيدته قامت حضارته وعين اتجاهه الفكري.

. فهو مبني على العقيدة السلمية التي توجب تسييرأما السلم فإنه على النقيض من ذلك جميع شؤون الحياة والدولة بأوامر ا ونواهيه. أي بالحكام الشرعية المنبثقة عن العقيدة السلمية.

وعلى أساس عقيدته قامت حضارته وعين اتجاهه الفكرية.

- أما الساس الذي قامت عليه الديمقراطية فهو أن السيادة للشعب، وأن الشعب هو مصدر السلطات، وبناء عليها أوجدت النظمة الديمقراطية السلطات الثلث: التشريعية والتنفيذية والقضائية

لتترجم عمليا سيادتها وسلطتها.

. ولكن السلم جعل تنفيذ أوامر اأما السلم فالسيادة فيه للشرع، والمة ل تملك التشريعونواهيه للمسلمين، وجعل مظهره بإقامة دولة الخلفة المحددة بنصوص شرعية.

Page 118: الدعوة إلى الاسلام

- والديمقراطية جاءت بأنظمة وأفكار قائمة على المصالح واتباع الهوى، بينما كانت تشريعات السلم قائمة على اتباع النصوص واستنباط الحكام الشرعية منها. أي أنها كانت قائمة على التقيد

واتباع الهدى.

إن القول بأن في الديمقراطية بعض العناصر الطيبة التي يستطيع السلم الستفادة منها هو . ولقد رأينا بعد هذا العرض للديمقراطية وما ولدته من واقع سيئ أنهقول مردود ل يستند إلى دليل

ليس فيها أدنى خير تحتاج إليه خير أمة أخرجت للناس. وهل في إسلمنا نقص يسد بمثل هذا الدعاء.

:العلم والتكنولوجيا ليس ناتجا من حضارة الغرب

أما القول بأن ما يوجد عند الغرب من تقدم علمي وتكنولوجي إنما هو من ثمرات الديمقراطية . ذلك أن ما كان من قبيل المخترعات التي بنيت على التجاربفإنه قول ل يعرف قائله حقائق المور

العلمية هو من المور التي مكن ا منها عقل النسان. وليست متعلقة بوجهة النظر. وهذه نشاهدها عند الرأسماليين والشيوعيين والمسلمين وعند كل من يسمح لعقله بأن ينطلق. وليس للدين أو المبدأ

أي أثر في ذلك إل من زاوية واحدة فقط وهي: هل يسمح المبدأ بالعلوم، ويبيح استعمال العقل، أم يقف في وجهه كما فعلت الكنيسة من قبل؟ ومن المعلوم أن المبدأ السلمي ليس فقط يبيح استعمال النظر

والعقل في الشياء، بل إنه يوجبه، من باب إعداد القوة التي يجب توفيرها من أجل سيادة المبدأ.

والغرب عرض علينا بضاعته الفاسدة من مثل الديمقراطية التي منعنا الشرع من أخذها، بينما منع علينا بضاعته الخرى وهو علومه ومكتشفاته لنها تمكننا من امتلك أسباب القوة التي نحتاجها،

. ودلل بعمله هذا بأنه على وعي بما يفعل . فهل تقبل بعض الجماعاتوهذه لم يمنعنا الشرع منهاالسلمية أن تبقى على عمى من هذا؟

وهذا يظهر أن الذي يقول بأن الديمقراطية من السلم هو شخص لم يفهم السلم ولم يفهم.الديمقراطية

:الديمقراطية ليست هي الشورى

: إن السلم يبدأ بالديمقراطية وينتهيومن المضحكات المبكيات قول أحدهم ممن يدعي العلم].وشاورهم في المر فإذا عزمت فتوكل على ابالديكتاتورية مستدل بقول ا عز وجل: [

بقيت فكرة تتعلق بموضوعنا وهي قولهم إن السلم قد اقر الديمقراطية حينما أشر القرآن وأشارت السنة القولية والفعلية إلى موضوع الشورى. وبعبارة أخرى: ليست الديمقراطية سوى تلك

الشورى. فكما أن الديمقراطية تقوم على أخذ رأي الناس كذلك السلم أمر بأخذ رأي الناس حيث قال في حياتهوحيث كان الرسول ] وأمرهم شورى بينهموقال أيضا: [] وشاورهم في المرسبحانه: [

العملية السياسية والعسكرية دائم الستشارة لصحابه يأخذ رأيهم وينزل عنده. فإذا كان هذا أمر فما على المسلمين إل المتثال. ويقولون كذلك بأن الفرق بين الشورىالقرآن وواقع الرسول

والديمقراطية هو فرق لفظي فقط ، واختلف السماء ل يضر ما دامت المسميات واحدة.

Page 119: الدعوة إلى الاسلام

: منهم الخبيث المدلس، ومنهم المخلصنحن نعلم أن المنادين بالديمقراطية أصناف وفئات الجاهل بحقيقة الديمقراطية، فما على الفئة المخلصة إل أن تنأى بنفسها عن مثل هذا الطرح، وإل كانت كمن يعبد ا على جهل. مما يسبب وقوعها في المعصية. ومن طبيعة المخلص أنه يرعوي

وينزجر ويعتبر.

هو إمامهم. فلما ظهر لقد قال أمثال هؤلء يوما ان الشتراكية من السلم وأن الرسول عفن الشتراكية فبماذا يجيبون؟ وكذلك الديمقراطية فإنها اليوم في سكراتها الخيرة تنتظر ساعة موتها، فماذا يرجو أصحاب هذه الدعوة؟ إن مثل هذا الطرح ليس لمصلحة السلم بل لمصلحة

الديمقراطية، فهم يجعلونها من الفكار العليا بدل أن يبينوا زيفها. ويحملونها بدل أن يدوسوا عليها.

إن تحقيق أمر ا هو في أن تكون الكلمة العليا ل، وأن يكون الدين كله ل ل يصل إليه إل . مستنيرة في عقيدتها. عميقة في فهمها للحكامجماعة راشدة في فهمها، مستبصرة في تأسيسها

الشرعية، تلفظ الفكار الوالدة والمصطلحات الدخيلة. ول تقبل الخضوع للواقع، ول الوقوع تحتتأثير الظروف.

Page 120: الدعوة إلى الاسلام

المشاركة في نظام حكم كفر

وتمت كلمت ربك صدقا وعدللقد كمل الدين وتمت النعمة. فل تبديل لكلمات ا. قال تعالى: [ وإنه لمن فضل ا على عباده أنه أكمل لهم دينهم وأتم عليهم].ل مبدل لكلماته وهو السميع العليم

إنا نحن نزلنا الذكرنعمته، وحرز لهم القرآن وحفظه من أن تطاله يد التغيير والتبديل . قال تعالى: [ وقد حفظه ا ليكون حجة للناس أو عليهم حتى قيام الساعة.].وإنا له لحافظون

هو أذن الخير التي استقبلت آخر إرسال السماء إلى هذه الرض، وجبولما كان الرسول على المسلمين أن يقوموا بإرث النبوة خير قيام: يستمسكون بالقرآن ، ويعضون على السنة بالنواجذ

وصحابته. وقد جاءت الدلة متضافرة على ذلك.كما أمروا ، ويكونون على ما كان عليه الرسول

ولما كان المسلمون، عند حملهم للدعوة، يحتكون بباقي المم، ويعرضون عليهم دينهم الحنيف، دين العقل والفطرة، فإنه بالمقابل، كانت المم الخرى تعرض، ولو من باب الدفاع عن

نفسها، ما عندها على المسلمين، وكان بعض المسلمين يتأثرون أحيانا ببعض ما عند غيرهم من غير . ويكون لهذا أثره السلبي على الفهم والدعوة. ولكن ما أن تمضي فترة حتى يتنبه علماءأن يشعروا

المسلمين، الذين جعلهم ا منارات وصوى يعرف بهم الحق ، لذلك، فينفوا عن الدين ما خلط به مما ليس منه، ويمنعوا التحريف، ويبطلوا التزييف، فيعود للدين مضاؤه. وعليه فقد كان المسلمون يتنقلون

ما بين خير وشر. إلى أن جاءنا الشر الذي نحن فيه . فكيف الخلص؟

إن حالتنا اليوم تستدعي منا العودة إلى أسباب صلح أول المر لنعيد إلى السلم سيرته.الولى

: علينا أنوحتى ننقي السلم من كل شائبة، وننفي عنه كل تحريف، ونبطل كل تزييف التي أورثنا إياها الغرب، تلك العقلية التي تجعلنا نقيس أمور الدعوةالعقلية الفاسدةنتخلص من تلك

بمقاييس المنفعة والهوى، فما وافق الهوى أخذناه، وما خالفه تركناه، ومن ثم نتأول النصوص الشرعية بالشكل الذي يتوافق مع آرائنا. ويأتي استشهادنا بالنصوص للدللة على صحة ما رأيناه. ان

الصحيحة تقوم على أن المر ل وحده، فل يجوز لنا أن ندخل في فهمنا لحكم االعقلية السلمية أمزجتنا ول ميولنا، ول أن نحكم فيه أهواءنا، ول أن نجعل خوف العداء ، أو بعد الناس، أو عدم

رغبة الحكام في الدين، أو الملبسات والظروف، أو عدم ظهور مصلحة، مبررا لحملة الدعوة للتخفيف من الحمل والتسهيل على المسلمين. ذلك أن ا سبحانه وتعالى هو العليم الخبير، يعلم حقيقة ما طبع عليه البشر، وما يحتاجون إليه، وما يستطيعونه، والواقع الذي يعيشون فيه، ومن هم العداء،

وكيف يجب التعامل معهم و ...

وطريقة الجتهاد الصحيحة والوحيدة، والتي سبق أن بيناها، تقوم على فهم الواقع الذي يراد معالجته أول، ومن ثم معالجته بالنصوص الشرعية بحسب دللتها ، فتؤدي إلى معرفة حكم ا ، دون سواه، في هذا الواقع. أي كأننا نقول، عندما نسير بحسب هذه الطريقة: إن واقعنا الذي نعيشه،

هذا هو حكم ابما فيه من ملبسات وظروف، وما فيه من شدة وقسوة، وما يتوخى فيه من مصلحة: يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي ا ورسوله واتقوا ا إن ا. وفي هذا يقول ا تعالى: [فيه

].سميع عليم

وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ا ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة: [ويقول تعالى].من أمرهم ومن يعص ا ورسوله فقد ضل ضلل مبينا

Page 121: الدعوة إلى الاسلام

إن الفارق بين تينك العقليتين هو الذي أدى إلى هذا التباعد في فهم الحكام التي يراد معالجة.أوضاع المسلمين بها

على أن العقلية المتأثرة بالفكر الغربي أدت، فيما أدت، إلى تعطيل بعض النصوص القطعية، والعدول عنها إلى غيرها مما لم يأت به دليل، تحت حجة الظروف والملبسات والمصلحة، ومنع

... فحكم الربا مثل هو التحريم القطعي، وبلفظ صريح ل يحتمل التأويل، وخال من التعليل.الضرر وقد جاء الواقع والظروف والملبسات، وجلب المنافع، ودرء المفاسد ليؤثر فيهم ويجعلهم يخرجون

بحكم مغاير، وهو جواز التعامل بالربا.

وقد قامت جماعات على هذه العقلية، وخرجت بأحكام ل سند لها من الشرع، بل تخالف الشرع . وذلك عندما نادت بأن الديمقراطية من السلم، في حين أنها نقيض له كما بينا، وأنمخالفة حادة

المشاركة في النظمة الجاهلية جائزة شرعا، وأنها السبيل الوحيد المتوفر الن أمام الحركة السلمية معارضةالعاملة للوصول إلى الحكم بما أنزل ا. مع أنها تعارض آيات القرآن وسنة الرسول

تامة.

ونحن عندما بينا فساد فكرة التدرج في تطبيق السلم أو الدعوة لها، نكون قد بينا في الوقت . ولكننا في هذا الموضوع مضطرون للوقوفنفسه، فساد ما تعلق بها من أفكار، كفكرة المشاركة

قليل أمام هذه الفكرة لرد ما علق بها من شبهات. وحتى ل يبقى لمتقول بعد ذلك عذر.

.ونحن نعلم أيضا أنه ما لم تصلح عقلية هذه الجماعات في فهم الشرع، فلن تنفع معهم نصيحة لننا إذا استطعنا أن نقنعهم بفساد فكرة المشاركة في الحكم، وهم على هذه العقلية، فإننا سنراهم

يفتشون عن حكم بديل لها من خلل هذه العقلية نفسها. فالحذر كل الحذر من مثل هذه العقلية التي ليقرها الشرع، فهي الرض التي تنبت مثل هذه الفكار الضالة.

( المشاركة في الحكم) ، وما هي مبررات القائلين بها؟والن ماذا تعني

المشاركة تعني اشتراك المسلمين في حكم قائم على غير أساس السلم، ويحكم بغير أحكام . وذلك يتم بممارسة لعبة الديمقراطية ، ودخول البرلمان بغية إيصال الرأي وحامله إلى الحكمالسلم

، ومع الوقت الوصول إلى التفرد بالحكم. ويكون ذلك على سبيل التدرج أو المرحلية التي يقرهاالسلم بنظرهم.

.أما مبررات القول بجواز المشاركة عندهم فهي عقلية وشرعية

:أما العقلية منها فتتلخص بما يلي

إن الصورة التاريخية لوصول السلم إلى الحكم تبدو الن غير ممكنة التحقيق. لن أقطار العالم السلمي جميعا تخضع لسلطات مركزية قوية، تساندها قوى دولية متعددة، تملك قوى مادية

ومعنوية رهيبة، وهي ترصد تحركات العاملين للسلم، وتحاول محاصرتهم والحيلولة دون نجاحهم.لذلك فإن القياس على السابق غير موجود.

Page 122: الدعوة إلى الاسلام

إن الدعوة السلمية كانت تنظيما يضم كل المسلمين، فقد كانت جماعة المسلمين . بينما الجماعة المعاصرة تضم جماعة من المسلمين. وهذا ما يجعل الجماعة المعاصرة في موقف حرج،

لنه يوجد قاعدة عريضة من المسلمين ل تخضع لقيادتها. ومثل هذا تستفيد منه النظمة الجاهلية فوائد كثيرة ومتعددة، وبذلك تكون الحركة السلمية المعاصرة قد وضعت نفسها في الطريق الحزبي الذي

تسلكه الحزاب المعاصرة، إذا ما أرادت الوصول إلى الحكم.

. وهذهومنهج الحزاب السياسية المعاصرة يقوم على أساليب تصل من خللها إلى الحكم الساليب إما أن تكون عن طريق اللعبة الديمقراطية، وإما أن تكون عن طريق النقلب العسكري أو

عن طريق الثورة الشعبية المسلحة.

وإن البواب قد سدت بوجه الحركة السلمية المعاصرة بحيث ل تتمكن من الحصول على . وسد باب الثورة الشعبية في ظلقوة عسكرية داخل جيوش دولهم تمكنها من القيام بانقلب عسكري

النظمة الستبداية القائمة ... فلم يبق أمام الحركة السلم المعاصرة إل الطريق الثالث ، وهو طريقالعمل السياسي الحزبي، والذي يؤدي إلى المشاركة في الحكم غير السلمي.

: وأمام هذا الهدف الكبير الذي قامت الحركة السلمية لتحقيقه ل يمكن الحتجاجويضيفون عليه بأمور جزئية تتعارض معه. لنه في حالة تعارض الجزئي مع الكلي يكون الترجيح لجانب

الكلي. وإن مرونة الشريعة السلمية وواقعيتها ل يمكن أن تحول دون تحقيق الهداف الكبيرة بسبب معارضات جزئية ... كما ل يمكن أن توقع المسلمين في الحرج وتقصرهم على صورة واحدة من

صور الوصول إلى الحكم رغم استحالتها في بعض الظروف والوضاع ... وإذا تعذر تطبيق الصورة الولى يمكن النتقال إلى الثانية والثالثة أو الرابعة ... بل قد يكون من المصلحة في بعض

الحيان السير في هذه الطرق الربعة بخطوط متوازية في مرحلة من المراحل، حتى تترجح واحدةمنها في النهاية.

:مناقشة التبريرات العقلية التي أوردوها وردها

إنه يظهر من خلل عرضهم للتبريرات العقلية التي تجيز العدول عن أحكام الشرع في التغيير . ولأن ثقافة القائلين بهذا هي ثقافة غير إسلمية ، وإن استعملوا بعض اللفاظ الصولية والشرعية

يملكون طريقة السلم المنضبطة في التفكير من حيث كيفية النظر إلى الواقع في استنباط الحكم الشرعي، ول كيفية النظر إلى الحكم الشرعي نفسه. ولم يفرقوا بين الطريقة والسلوب في العمل،

ولعل طغيان فكرة مرونة الشريعة هي التي أوجدت عندهم التساهل بالحكام الشرعية، والستعاضةعنها بأحكام غير شرعية بحجة موافقة العصر.

وبأحكام الشرع، طالما أن كثيرا من المور قدإن القول بجواز أن ل نأخذ بطريقة الرسول تغير، هو قول غير صحيح ول يدل على دراسة عميقة للواقع الذي يراد تغييره. ذلك أن العبرة في الواقع هي بمواصفاته الساسية وليست في أشكاله المتغيرة. والمجتمع بمكوناته الساسية من ناس

وأفكار ومشاعر وأنظمة، هو هو ل يتغير. وإن أخذ أشكال مختلفة كشكل القبيلة أو الدولة البسيطة أو الدولة المركبة. وسواء أكان ديمقراطيا أم ديكتاتوريا. فالعبرة بالمواصفات الساسية. بينما الشكال

المتغيرة ل تؤثر في طريقة التغيير. فمثل: إن التعرض للفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة والعادات فهو عمل ثابت.والتقاليد السقيمة في المجتمع الذي يراد تغييره هو حكم شرعي قام به الرسول

Page 123: الدعوة إلى الاسلام

ولكن المتغير في ذلك هو أن فكر المجتمع قد يكون وطنيا منحطا، أو قوميا ضيقا، أو شيوعيا أو رأسماليا مبدئيا. ومعلوم أن الفكر المبدئي هو أقوى من غيره، وإسقاطه يحتاج إلى جهد أكبر.

فاختلف الفكار قد يصعب العمل أو يسهله ولكنه ل يغير الطريق. وشكل النظام إن كان قبليا كما ، أم كان بسيطا أم مركبا كما في أيامنا، ل يغير أحكام الطريقة، ولكنه من شأنهكان زمن الرسول

أن يعوق أو يسهل العمل. وسوءا كان النظام الذي يراد تغييره يعتمد في حماية نفسه وتمكينه على انصب على طلب النصرةجيوش أم على قبائل مسلحة، فإن هناك قوة يعتمد عليها. وعمل الرسول

عندما عمل على إيجاد المجتمع انصب عمله علىمن هذه القوة لقامة الدولة السلمية. والرسول المكونات الساسية للمجتمع. فأوجد الفراد القوياء بإيمانهم، المعدين إعدادا يمكنهم من حمل أعباء الدعوة وإقامة الدولة (وقد كانوا المهاجرين). وأوجد القاعدة الشعبية التي تحتضن الدعوة وحملتها،

وتقبل أن تقوم الدولة فيهم (وقد كانوا النصار). ومن ثم كان طلب النصرة هو طريقة استلمه للحكم. في مكة يجد أن طريقة التغيير تتناول الركائز الساسية، ويجد أن طريقته ل تتغير بتغير الزمان رغم كثرة موانعها وشدة ما لقاه أثناء طلبها، والناظر في عمل الرسول فقد أصر عليها الرسول

والمكان، ول تختلف من قطر إلى قطر. لن اختلف ما عليه القطار والمجتمعات من مواصفات إنمايتعلق بالشكل ل بالجوهر. وطبيعتها أنها قد تصعب العمل أو قد تسهله.

وكذلك فإن القول بمرونة الشريعة ل يجوز أن يكون مدعاة لتمتد إليها عقول المسلمين . فالشريعة جعلها ا كاملة بحيث أنها تتسع لمعالجةوأهواؤهم بالتغيير ، تحت حجة المرونة هذه

جميع مشاكل الحياة. قديمها وحديثها. ولكن ضمن الصول المنضبطة التي تنطلق من منطلق أنالحكم هو ل وحده.

. أو لجعلها تتسع لما ليسول يجوز أن يكون القول بسعة الشريعة مدعاة لسقاط النصوص منها. ولقد اسقط بعض علماء المسلمين العقوبات الشرعية تحت هذه الحجة، وذلك عندما قالوا: طالما أن مقصود الشريعة من العقوبات هو الزجر، وكل ما يزجر يمكن اعتباره موافقا للشرع. ولما لم تعد

العقوبات الشرعية متوافقة مع روح العصر، وصارت تمجها نفوس الناس، وتأباها عقولهم أمكنالنتقال إلى غيرها طالما أنه يحقق المقصود. ولول أن الشريعة مرنة متطورة لما أمكننا ذلك.

وقالوا كذلك إن الجهاد في سبيل ا هو لنشر الدعوة، فإذا أمكن نشرها عن غير طريق الجهاد، وبالوسائل الحضارية الحديثة المتاحة من إذاعة وتلفاز وغيرها من وسائل العلم، أمكن

. ولول أن الشريعة مرنة متطورة لما أمكننا ذلك.الستعاضة عنه بمثل هذه الوسائل

وقالوا كذلك بشأن طريقة الوصول إلى الحكم السلمي، فكل طريقة نراها موصلة يمكننا . فهذا جمود وتحجر يخالف طبيعة السلمسلوكها، وليس ضروريا أن نتقيد بصورة واحدة ل نتعداها

السمحة، المرنة، المتطورة، التي ما جعل ا فيها من حرج.

وعليه فإن القول بمرونة الشريعة على هذا المعنى حرام، لما فيه من تعطيل لحكام الدين،.ولما فيه من مخالفة لطبيعة السلم، ولما فيه من تأثر وانسياق وراء التفكير الغربي

أما القول بأن الجزئي إذا عارض الكلي كان الترجيح لمصلحة الكلي فإنه قول يحتاج إلى توضيح ، لنه يظهر أن تشابه اللفاظ مع ألفاظ الصوليين ل يحمل نفس المعاني المنضبطة التي

. ويبدو عليه التميع في المفاهيم والمقاييس. حيث يكفي عنده أن تكون الشريعة قد تسامحتحملوها في أمر، وتساهلت في موضوع حتى يعمم ذلك على كل أمر وكل موضوع.

Page 124: الدعوة إلى الاسلام

بقيت كلمة في هذا المضمار وهي أن التبريرات العقلية ل يجوز أن يكون لها أي اثر في تقرير . فكما قرر علماء الصول أن الواقع يشكل مناطا للحكم، وهو – أي الواقع – لالحكم الشرعي

يفرض ول يمنع ولكن يفهم كما هو. ثم تأتي الدلة الشرعية ليتقرر حكم الشرع من خللها. لذلك لقيمة لما ذكر من تبريرات عقلية أصل .

وأما المبررات الشرعية عندهم فهي تقوم على أن الصل هو عدم جواز المشاركة في الوزارة:التي تحكم بشريعة غير شريعة ا تعالى وذلك

لعموم النصوص الواردة في وصف من يحكم بغير ما أنزل ا بالكفر والظلم والفسق. يقول ومن لم يحكم بما أنزل ا ويقول: []،ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك هم الكافرونتعالى:

].ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك هم الفاسقون ويقول: []،فأولـئك هم الظالمون

] :إن الحكم إل ل أمر أل تعبدوا إل إياهلن الحاكمية يجب أن تكون ل وحده. يقول تعالى.[

كذلك فقد نهى ا المؤمنين عن الحتكام إلى شريعة غير شريعة ا . وجعل ذلك منافيا فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهملليمان حينما قال: [

].حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

] :ألم تر إلى الذينكما نعى على المنافقين موقفهم من الحتكام إلى غير ما أنزل ا فقال يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا

].أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا

إنه ل يجوز ترك حكم ا إلى حكم غيره . وأن من يفعل ذلك يكون مؤثرا لحكم الجاهلية على ].أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من ا حكما لقوم يوقنونحكم ا تعالى: [

. ولكن تجوز المشاركة في الوزارة (حسب رأيهم) استثناء من الصلهذا هو حكم الصل استدلل بالدلة التالية:

- مشاركة يوسف عليه السلم في الوزارة.1

- موقف النجاشي.2

- المصلحة.3

Page 125: الدعوة إلى الاسلام

سيدنا يوسف عليه السلموالحكم بنظام كفر

بالنسبة إلى سيدنا يوسف عليه السلم فإنهم يقولون إن المجتمع الذي عاش فيه كان مجتمعا . وقد انتشر فيه الفساد الخلقي وتعرض فيه سيدنا يوسفجاهليا، وكانت عقيدة الشرك هي المسيطرة

للغواية والظلم، لدرجة أنهم رأوا سجنه من بعد ما رأوا آيات براءته. وقد أخرجه الملك من السجن بعدما أعجب بحسب تأويله للرؤيا وتحقق من نزاهته. فاستخلصه لنفسه وقربه منه، فطلب منه سيدنا يوسف عليه السلم أن يجعله على خزائن الرض ، فأجابه الملك إلى طلبه. وبهذا صار يقوم بأعباء الوزارة في حكم جاهلي ونظام مخالف لما كان معروفا من شريعة بني إسرائيل. وكان سيدنا يوسف من حيث التطبيق على ( دين الملك ) أي سلطانه وحكمه. حتى أنه لجأ إلى حيلة الحتكام إلى شريعة يعقوب ليبقي أخاه عنده. وذلك عندما دبر مكيدة لخيه بأن اتهمه بالسرقة. وحسب شريعة يعقوب أن

السارق يسترق.

: ول يقال إن هذا كان خاصا بسيدنا يوسف، فالتخصيص يحتاج إلى دليل. لنويضيفونالصل أن كل ما يذكر من سير النبياء وهديهم إنما يراد به التأسي والقتداء.

: ول يقال إن هذا كان من شرع من قبلنا، لن موضوع الحكم ليس من فروعكذلك يضيفون الشريعة التي يمكن أن تختلف فيها الشرائع بل هي من الصول المتفق عليها. ولن سيدنا يوسف

وهو مع إقراره هذا فقد شارك في الحكم.] إن الحكم إل لأقر[

إن الناظر في اليات المتعلقة بموضوعنا من سورة يوسف يرى أن هذا الرأي، وهو جواز اجعلني على]، [ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك: [المشاركة في أنظمة الكفر، مبني على آيتين وهما

ففسروهما تفسيرا يتفق مع ما ذهبوا إليه. متناسين كل الصول المخالفة التي ينبني] خزآئن الرض عليها السلم، ومتغافلين عن كل اليات التي تعارض هذا الفهم، وضاربين عرض الحائط بموضوع

عصمة النبياء. ومتى تهاوى فهمهم المتعلق بهاتين اليتين تهاوى كل ما بنوه على موضوع سيدنايوسف عليه السلم.

إن النبياء هم أصفياء ا في خلقه ومجتبوه. يختارهم لنشر دينه، فهم السوة والقدوة لقومهم، وهم اليات الصادقة في التعبد واللتزام حيث يقومون بأمره خير قيام. ويعصمهم ا من المعاصي ويحفظهم من الفتنة ويثبتهم على الحق، ويعينهم عليه. وسيدنا يوسف عليه السلم هو من هذه الثلة

وكذلك يجتبيك ربكالمصطفاة. وقد مدحه ا وأثنى عليه ثناء عطرا في غير آية ، قال تعالى: [ ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلكوقال تعالى: [] ويعلمك من تأويل الحاديث ويتم نعمته عليك

]كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصينوقال تعالى: [] نجزي المحسنين وكذلك مكنا ليوسف في الرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولوقال تعالى: [

].نضيع أجر المحسنين

. فقد ذكر القرآن أنه قال لصاحبيه في السجن عندماوقد كان داعيا إلى ا على أرفع طراز ما تعبدون من دونه إل أأرباب متفرقون خير أم ا الواحد القهارسأله عن تأويل رؤيا كل منهما: [

أسماء سميتموها أنتم وآبآؤكم ما أنزل ا بها من سلطان إن الحكم إل ل أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك].الدين القيم ولـكن أكثر الناس ل يعلمون

Page 126: الدعوة إلى الاسلام

وقد كان عفا موصول بال مستعصما، فصرف ا عنه كيد النسوة وكيد امرأة العزيز التي ذكر القرآن قال ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين قولها: [

رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإل تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين وشهد له الناس بالعفة والحسان والصدق] فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم

وقال له أحدهما الذي نجا بعد أن رأى] نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنينفقد قال له صاحبا السجن: [ وقالت النسوة بعد أن رفض أن يخرج من السجن إل من ]يوسف أيها الصديق أفتنا...الملك رؤياه: [

حاش ل ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الن حصحص الحق أنابعد أن تظهر براءته: [ ]ائتوني به أستخلصه لنفسيوقال الملك بعد أن أعجب به: [] راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين

وقد قرر سيدنا] فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين ...وقال له إخوته بعد أن قرر أن يأخذ أخاه: [ يوسف عليه السلم أن ما من ا به عليه فلتقواه وصبره على الطاعة وبعده عن المعصية حيث قال:

].قال أنا يوسف وهـذا أخي قد من ا علينا إنه من يتق ويصبر فإن ا ل يضيع أجر المحسنين[

أفيعقل بمن هذا هو حاله، وشهد له ا به، ولم يكن متهما عند أحد ممن التقاهم، أن يكون متهما عند بعض مسلمي اليوم ، إنه لم ترد حتى ول إشارة واحدة في القرآن، تدل على أنه كان يحكم

قالوا جزآؤه من وجد في رحله فهو. بل لم يرد سوى حكم واحد حكم به وهو حكم: [بشريعة الملك وهذا الحكم كان بحسب شريعة سيدنا يعقوب . ولم ترد أية إشارة من علم تدل على أنه حكم] جزاؤه

ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إل أن يشاءبغير ما أنزل ا . والشبهة عندهم أتت من قوله تعالى: [وهذه الية متى فسرت تفسيرا صحيحا أزيلت هذه الشبهة وسقطت هذه الدعوى.] ا

:الية أشكلت على أصحاب هذا الطرح، ففسروها بما يناسب موقفهم، فتراهم يقولون بعد أن حلت سنوات المجاعة وصار الناس يأتون من كل حدب وصوب إلى يوسف ليعطيهم

من الغلل التي وفرها بتدبيره، والتي فوض إليه الملك أمر توزيعها، جاء إخوته فعرفهم وهم له . فأخبر أخاه الصغير أنه أخوه حتى ل يبتئس، ودبر مكيدة لخوته بأن جعل السقاية في رحلمنكرون

أخيه على غفلة من الجميع. ففقده وأذن مؤذن أن أصحاب العير سارقون، وجعلوا جائزة حمل بعير لمن جاء به. فرد إخوة يوسف عنهم التهام بكل تأكيد. فقال القائمون على أمر التوزيع من أعوان

قالوا جزآؤه من وجد في رحله فهوقال إخوة يوسف [] قالوا فما جزآؤه إن كنتم كاذبينيوسف [ أي أن السارق له يسترق، وكان هذا على شريعة يعقوب. فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء] جزاؤه

أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه، فكان جزاؤه السترقاق والستعباد. ثم بعد كل ذلك جاءت الية ففسرها البعض على معنى] ما كان ليأخذ أخاه في دين الملكلتقول عن سيدنا يوسف عليه السلم: [

شريعة ونظام الملك. أي أن الملك في مصر كانت له شريعة ونظام وكان سيدنا يوسف عليه السلم يحكم بشريعة هذا الملك ونظامه. أما في هذه المسألة فقد دبر حيلة يستطيع بها أن يبقي أخاه إلى جانبه.

فلجأ وبكيد لطيف لن يجعلهم ينطقون هم بالعقوبة ليحاسبوا على أساسها، فلم يقل لهم ان جزاء السارق بحسب شريعة الملك هي كذا وكذا ، وإنما جعلهم ينطقون بالحكم بحسب شريعة يعقوب ليبقي

أخاه عنده.

.فتفسير هذه الية على هذا النحو هو الذي جعلهم يخرجون بمثل هذا الفهم

ولو عدنا إلى كلمة دين في اللغة العربية لوجدنا أنها من اللفاظ المشتركة التي تحمل أكثر من : فقد جاء في لسان العرب: فالدين تعني القهر والطاعة. تقول: دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا.معنى

والدين تعني الجزاء والمكافأة. تقول: دنته بفعله دينا أي جزيته. ويوم الدين يعني يوم الجزاء. والدين والدين تعني الشريعة والسلطان ومنه قوله تعالى:].مالك يوم الدينتعني الحساب ومنه قوله تعالى: [

والدين تعني الذل والستعباد. والمدين هو العبد.] وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل[

Page 127: الدعوة إلى الاسلام

أي مملكون. ومنه كذلك قوله تعالى:] أئنا لمدينونوالمدينة هي المة المملوكة. ومنه قوله تعالى: [أي غير مملوكين.] ترجعونها إن كنتم صادقين فلول إن كنتم غير مدينين[

.وهناك معان أخرى لها

وانتقاء معنى من هذه المعانيفأي معنى بالتحديد هو المعنى الذي يريده ا سبحانه في الية؟ ل بد له من قرينة تجعلنا نأخذ هذا المعنى دون غيره. ومن هنا يتبين أن من يأخذ المعنى الذي يناسبه ويناسب توجهه إنما يحكم هواه في الشرع. ومن يأخذ المعنى المنضبط والمقيد بقرائن شرعية تدل

عليه يكن محكما لشرعه ملتزما أمر ربه. فأي معنى هو المعنى المراد؟

فإن قلنا أن المعنى المراد من كلمة دين هو شريعة وجدنا أن القرائن الشرعية تمنع هذا الفهم . فهذا حرام على النبياء والمؤمنين، ومخالف لطبيعةإن كان سيؤدي إلى أن سيدنا يوسف قد شارك

وما أرسلنا من قبلك من رسولالرسالة التي تقوم على إفراد ا في العبودية والتشريع، يقول تعالى: [ إن الحكم إل ل أمرفيوسف عليه السلم الذي يقول للناس: [] إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون

ل يمكن أن يخالفهم في ذلك ويقبل] أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم ولـكن أكثر الناس ل يعلمون وما أريد أن أخالفكمبحكم الرباب المتفرقة . وفي مثل هذا يقول سيدنا شعيب لقومه الذين يدعوهم: [

]إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إل الصلح ما استطعت وما توفيقي إل بال عليه توكلت وإليه أنيبوتفسير ذلك عند القرطبي: "أي ليس أنهاكم عن شيء وأرتكبه ، كما ل أترك ما أمرتكم به".

وإن قلنا بأن المعنى المراد من كلمة دين هو استعباد، وصار أخوه مدينا أي عبدا مملوكا فهذا . فيكون معنىالمعنى ينسجم انسجاما تاما مع ما سبق الية من قول إخوة يوسف إن السارق يسترق

الية: ما كان ليأخذ أخاه في استرقاق واستعباد الملك وجعله مدينا أي عبدا مملوكا له إل أن يشاء ا. وهذا هو المعنى القرب إلى الصواب. وليس من قرينة شرعية تمنعه. بل ينسجم انسجاما تاما مع ما قبله، وينسجم تماما مع ما وصف ا به سيدنا يوسف من أنه من المحسنين والمخلصين وما شهد له

الناس به.

وبهذا ينتفي مثل هذا التفسير الذي يتعارض مع عصمة النبياء، وعدم وقوعهم في المعصية،.أو أن يقولوا ما ل يفعلون

بأنه] اجعلني على خزآئن الرض إني حفيظ عليم[أما تفسير قول سيدنا يوسف لملك مصر طلب منه لوزارة الخزانة أو المالية، وأنه أثناء توليه لهذا المنصب لم يطبق في حكمه شريعة يعقوب وإنما نظام الملك غير القائم على أساس العدل هو تفسير فيه تعسف كبير ، وحيد واضح عن مذهب

الحق. ول بد من الوقوف على بعض النقاط لتجلية الموضوع.

:إن واقع الحكم في تلك الفترة كان ملكيا، والنظام الملكي في التاريخ أخذ شكلين : النظام الملكي المطلق حيث كان الملك هو الحاكم بأمره، المستبد برأيه، فما يراه يجبأحدهما

أن يسير عليه الناس، ول يعقب أحد على حكمه. وكانت تتجمع في يده السلطات الثلث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وكان يعين أعوانه ويعزلهم متى شاء، وقد يختارهم لولئهم له أو تزلفهم له، أو

لحصافة رأيهم وحسن تدبيرهم. وهؤلء العوان يكفي أن يكونوا موالين له مطيعين، حتى تطلقأيديهم فيحكموا بأمرهم ويستبدوا برأيهم ويصبحوا صورة مصغرة عن الملك.

Page 128: الدعوة إلى الاسلام

: النظام الملكي المقيد، وقد أضحى الملك في هذا النظام صورة أكثر منه حقيقية، حيثثانيهما نزعت منه صلحياته المطلقة. وصارت السيادة في هذا النظام للدستور والقانون وليس للملك. وقامت هيئات تشريعية تسن القوانين بدل الملك، وهيئات تنفيذية تنفذها بدل الملك، وأخرى قضائية تقضي في الخصومات وتفض المنازعات بين الناس بدل الملك. وهذا الشكل عرف بعد انتشار فكرة الديمقراطية مؤخرا. لذلك سمي النظام الملكي المقيد. فأي شكل من هذين الشكلين أخذه نظام الملك في مصر زمن

يوسف عليه السلم؟

. وما ورد منإنه ل يتصور أن ملك مصر زمن يوسف عليه السلم كان مقيدا بدستور ونظام كلمة (دين الملك) لم تكن على المعنى الذي أوردوه أي: شريعة الملك. وإن قياس نظام الملك زمن

يوسف عليه السلم على أنظمة اليوم التي تحكم تصرفات الحكام هو قول فيه مجانبة للصواب ، وفيه قياس خاطئ.

إن طلب سيدنا يوسف من الملك أن يجعله على خزائن الرض وإجابته إلى طلبه، ل يعني أن طلبه هذا متعلق بالحكم . والموضوع الذي ذكره القرآن كان محصورا بموضوع الرؤيا، ولم يتعده

إلى سواه. وهو متعلق بغلل القمح وسنوات الخصب وسنوات الجدب، وما يجب العمل فيها. فطلب سيدنا يوسف أن يسند إليه أمر تخزين القمح وتدبير التوزيع في سنوات الخصب بما يتناسب مع ما

سيأتي من سنوات الجدب ، من غير أن يفرط في مهمته ول أن يخون . وهذه مهمة صعبة ل يستطيع أن يقوم بأعبائها إل من كان مكينا، أمينا، حفيظا، عليما، كيوسف عليه السلم، حتى إن ما حدث بين

يوسف وإخوته كان متعلقا تحديدا بهذا الموضوع. ونحن ل نستطيع أن نجعله يتجاوز هذا الطار، وأن نوسع دائرة مهمة سيدنا يوسف من عندنا. ول يحق لنا القول إن مهمته هذه كانت متعلقة بسنة

قبض الموال وصرفها على حاشية الملك، وأهل بيته وجنده ورعيته. وهذه ل بد أنها ستجري بحسبنظام الملك وليس شريعة يعقوب . فهذا التوسع يحتاج إلى دليل.

، يلحظ أن الملك عندما أعجب بحصافة رأي يوسف ورجحان عقله ونزاهته ، قربه منه وأعطاه صلحية تدبير هذا المر الجلل الذي شغله منذ أن رأى رؤياه . ول بد أن يكون قد أطلق يده

في ذلك كي ل يتدخل فيه أحد.

. ويلحظ أن سيدنا يوسف لم يفسر رؤيا الملك فحسب، بل أعطاه العلج والتدبير المناسب مما دفع الملك إلى الطمئنان إلى طلب يوسف عليه السلم أن يجعله على خزائن الرض وإطلق

يده. ولم يقل له: عندي شريعة أو نظام يجب أن تسير عليه. بل رضي بتفسيره للرؤيا ووضعه للعلجفقلده وظيفة التخزين والتوزيع على رأيه .

ل بد أنه بعد أن أتت سنوات الجدب، صار يوسف هو الملجأ الذي يلجأ إليه الناس لينقذوا أنفسهم من الجوع، ول بد أنه قد صار حديث الركبان بعدله وتدبيره . وهذا من شأنه أن يعزز مركزه

عند الملك ويجعله أكثر تقربا منه. وقد يكون هذا هو الذي مكنه من النتقال من كونه العزيز، كما إلى إيتائه الملك بعد مجيء والديه إليه من البدو حيث دعا]، يا أيها العزيز...خاطبه إخوته بقولهم: [

مما] ورفع أبويه على العرش ومن ثم قوله تعالى عنه: []، رب قد آتيتني من الملك...ربه فقال: [يعني أن المر قد انتقل إليه في النهاية.

Page 129: الدعوة إلى الاسلام

إن الحكم الوحيد الذي ذكر القرآن أن سيدنا يوسف نفذه هو استرقاق أخيه بحسب شريعة يعقوب . فلماذا لم يؤخذ بمخالفته لنظام الملك إن كان للملك نظام ثابت خاص؟

يصدر من سيدنا يوسف عليه السلم أية مخالفة شرعية ، ذلك لنه نبي إنه ل يتصور أن معصوم، وصفه ربه بأنه كان محسنا ومخلصا وتقيا . وهو الذي فضل السجن على الغواية. وهو الذي كان يدعو في السجن، وهو الذي رفض أن يخرج من السجن دون أن تظهر براءته، وهو الذي بعفته ونزاهته أعجب به كفار مجتمعه، من امرأة العزيز إلى نسوة المدينة إلى صاحبي السجن إلى الملك

حتى إخوته قبل أن يكشفوا أمره.

: هل اسلم أم بقيوتجدر الملحظة أن تفسير واقع ما كان عليه سيدنا يوسف أو حال الملك كافرا ، أم أن الملك قد انتقل إلى يوسف بسبب موت الملك، أو تنحيه ، أو أنه صار عزيزا بعد عزل

اجعلنيأو تفسير: [] ما كان ليأخذ أخاه في دين الملكالعزيز السابق أو موته … أو موته أو تفسير: [ كل هذا سيكون تفسيرا ظنيا من أية جهة أتى. لن القرآن لم يزودنا] على خزآئن الرض ...

بالتفاصيل اللزمة، ولن تفاصيله مما ل يلزم لنا كتشريع نسير عليه. ول يعدو ما ذكرناه نحن أيضا أن يكون ظنيا كغيره. ولكن يفترق عن غيره أنه ينسجم مع ما يليق بالنبياء من التقوى واليمان، ول

يتعارض مع عصمة النبياء المقررة في أصول الدين. وكم هو بعيد هذا الفهم عن الحق عندما يعارض كلما قطعيا أتى على لسان يوسف نفسه عندما أنكر على الخرين عقيدة الشرك وترك

التحاكم ل وحده، كما مر معنا. ونحن بسيرنا على هذا المنوال ببيان ما كان عليه سيدنا يوسف عليه السلم ل نريد أن نطلع برأي آخر يدعم رأينا بعدم جواز المشاركة في أنظمة الكفر، فرأينا هو حكم

الشرع وليس حكما شرعيا ظنيا، وهو قطعي الثبوت قطعي الدللة.

: إن يوسف عليه السلم كان يحكم بشريعة الملك بإذن من ا، ولم يكن في ذلكإذا قال قائل مخالفا لربه. فالجواب عن ذلك هو: إما أن يكون هذا الذن لسيدنا يوسف هو إذنا خاصا به، وإما أن

يكون الذن عاما للجميع، أي أن الحكم بشرائع الكفر كان مشروعا حينئذ.

في الحالة الولى، أي إذا كان المر مجرد إذن خاص لسيدنا يوسف عليه السلم فليس لغيره.من البشر أن يعمل بموجب هذا الذن، وليس لنا الن أن نقتدي أو نحتج به

. وهلوفي الحالة الثانية، أي إذا كان هذا المر مشروعا في زمنهم فإنه يكون شرعا لمن قبلنا شرع من قبلنايكون شرع من قبلنا شرعا لنا أيضا؟ فريق من علماء الفقه والصول وضعوا قاعدة: (

نسخ الشرائع السابقة) مستدلين بكثير من النصوص التي تفيد أن ما جاء به محمد ليس شرعا لنا جملة، ونسخ بعض أجزائها تفصيل من باب التأكيد. وإذا أخذنا برأي هذا الفريق من العلماء فل يحل

لنا أن نقتدي أو نحتج بما عليه يوسف أو غيره من النبياء السابقين. فريق آخر من علماء الفقه ). وهؤلء أيضا لهم(شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخوالصول وضعوا قاعدة أخرى هي:

استدللتهم، إذ لو لم يكن للشرائع السابقة أية فائدة لنا لما ذكرها القرآن لنا. وهؤلء لم يقولوا بأن ما نسخ ما قبله جملة واحدة. هؤلء يقولون بأن ما ذكره القرآن (والسنة) لنا من شرائعجاء به محمد

النبياء السابقين يعتبر شرعا لنا، إل ما نسخه من أحكام وأعطانا بدل منه أحكاما جديدة.

Page 130: الدعوة إلى الاسلام

وإذا طبقنا هذه القاعدة على المسألة التي بين أيدينا فماذا نجد؟ هل جاءت في شريعتنا نصوص وشريعة القرآن ما يحذر كل التحذيرتحرم الحكم بغير ما أنزل ا؟ هل جاء في شريعة محمد

الحيد قيد أنملة عن هذه الشريعة المحمدية؟

نعم إن الشريعة المحمدية قد منعت من التحاكم إلى غيرها، وحرمت بشكل قطعي أخذ أي حكم . فإذا قال قائل بأن هذا كان مشروعا في زمن سيدنا يوسف نقول له: علىمن أحكام الكفر والجاهلية

فرض أنه كان مشروعا فهو محرم (أي منسوخ) في شريعة القرآن.

. إن القول بأن الحكم بما أنزل ا هو من الصول وليس من الفروع هو كلم في غير محله ذلك أن العقائد محلها القلب والحكام الشرعية محلها الجوارح. والعقائد تشكل الساس للحكام

الشرعية، بينما الحكام هي ثمرات العقيدة.

:والحكم الشرعي المتعلق بأفعال العباد يحمل جانبين

:أحدهما نظري اعتقادي يجب القرار به

. وعدم القرار به قد يؤدي إلى الكفر أو المعصية بحسبفهو من هذا الجانب متعلق بالعقيدةواقعه إن كان قطعيا أو ظنيا.

:وثانيهما عملي يتعلق بتنفيذه

.فالصلة فرض ويجب القرار بها كفرض، وعدم القرار بها كفرض يؤدي إلى الكفر

.والصلة فرض ويجب القيام بها كفرض وعدم القيام بها كفرض يؤدي إلى المعصية

.والخمرة محرمة ويجب القرار بتحريمها واستباحتها تؤدي إلى الكفر

. ويؤدي شربها إلى المعصية.والخمرة محرمة ويحرم شربها

. والقرار بذلك متعلق باليمان للنص القطعي الذيوكذلك الحكم بما أنزل ا هو فرض تناوله. أما تنفيذه فهو طاعة وعدم تنفيذه فهو معصية. فالذي ل يحكم بما أنزل ا يكفر ان كان غير مقر به أو جاحدا له، ويعصي من (غير كفر) إن كان مقرا به ولكنه غير مطبق له. لذلك فإن القول بأن الحكم بما أنزل ا هو من الصول المتفق عليها فإنما يعني الجانب الول. وهذا صحيح . أما

الجانب الثاني أي الجانب العملي فإنه يتعلق بالشريعة وتطبيقها، أي بالفروع، وليس بالصول ، وهو.هل هو من شرع من قبلنا أو ليس من شرعهممن هذه الزاوية يدخل في موضوع:

ومن هذه الزاوية فقد أثبتنا أن سيدنا يوسف لم يشارك في الحكم ول يجوز تفسير ذلك على هذا النحو. ولكن أمثال هؤلء ممن يدعون العلم فإن مقالتهم هذه مردودة عليهم من نفس لغتهم. لن شرع من قبلنا كان للعلماء فيه رأيان: رأي يقول بأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، وعلى هذا يكون فهمهم بجواز المشاركة في النظمة الجاهلية مردودا عليهم بهذا الرأي. ورأي ثان يقول بأن شرع من قبلنا

وهو يخط الطريق لقامةهو شرع لنا ما لم ينسخ. وقد دلت اليات الكثيرة، ودل واقع الرسول الحكم بما أنزل ا، ودلت العقيدة، وأصول الحكم كلها على عدم جواز المشاركة. بل ان السلم

Page 131: الدعوة إلى الاسلام

بكليته ليرفض مثل هذا الفهم. أي لو كانت المشاركة في النظمة الجاهلية مشروعة في شرع من قبلنافهي مما نسخته شريعتنا لورود الدلة الكثيرة التي تحرمه.

. فهذا القولوإن القول بأن كل ما يذكر من سير النبياء وهديهم إنما يراد به التأسي والقتداءيحتاج إلى تفصيل.

. فقد دعوا جميعهم إلى اليمان بال الواحد الخالقإن النبياء جميعهم يشتركون في أمر العقيدة وما أرسلنا من قبلك من رسول إلالمدبر واليمان بملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر. قال تعالى: [

].نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون

ويشتركون في أمر التبليغ وتحمل وعثائه ومشقاته، والصبر على أمر ا ، والتضحية في ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ول. قال تعالى: [سبيله

ما يقال لك إل ما قد قيل للرسل منوقال تعالى: [] مبدل لكلمات ا ولقد جاءك من نبإ المرسلين].قبلك

وما أرسلنا من رسول إل. قال تعالى: [ويشتركون في دعوة قومهم إلى اللتزام والطاعة].ليطاع بإذن ا

يا حسرة على العباد ماويشتركون في تكذيب أقوامهم لهم واستهزائهم بدعوتهم. قال تعالى: [ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنـكم منوقال تعالى: [] يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزئون

ولنسكننـكم الرض من بعدهم ذلك أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين].لمن خاف مقامي وخاف وعيد

حتى إذا استيأس: [ويشتركون في أن ا جعل العاقبة والنصر لهم في نهاية المر، قال تعالى].الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ول يرد بأسنا عن القوم المجرمين

. وقد كان للسابقين مواقفوهكذا كانت الدعوات جميعها تشترك في أمور كثيرة ذكرنا بعضها تذكر. وقد ذكرها ا سبحانه لنا من أجل أن نتعلم منها وأن نعتبر ونتعظ ونتذكر لما فيها من تثبيت لليمان وتقوية للعزائم وإحسان للصبر، ولنتأكد أن سلسلة الدعوة واحدة في عقيدتها ودعوتها إلى

اللتزام بمنهج العليم الخبير، وعاقبتها. وقد جاءت اليات لتنير للمسلم درب الدعوة وتحدثه عن طبيعة الناس في المواجهة، وعن استحكام العداء بين الكفر واليمان ، وعن الصراع بينها الذي لن يتوقف،وعن الولء ل والبراء من الشرك ، وعن التدخل الرباني بعد اختبار اليمان وتمحيص العزائم …

. لن ا سبحانه قدعلى أن سيرة النبياء يقتدى بها في المواقف ول يقتدى بها في التشريع ولن كل نبي كان يبعث إلى] لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاجعل لكل نبي نظاما مختلفا قال تعالى: [

قومه خاصة بينما بعث الرسول محمد صلى ا عليه وآله وسلم إلى الناس كافة. وكانت رسالته رسالة إن الدين عند اخاتمة، أمر ا أصحاب الديان الخرى باتباعها وأن يتركوا ما عندهم. قال تعالى: [

وقال].ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرينوقال: [] السلم].وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليهتعالى: [

ثم إن طبيعة الرسالة التي أنزلت على سيدنا محمد تختلف عن غيرها من حيث كونها خاتمة وشاملة، وتشكل الدولة السلمية فيها جانبا هو من أهم جوانبها، حيث تعتبر هي الطريقة الشرعية

. بينما نجد عند النبياء الخرين الخصوصية في الدعوة، فقدللمحافظة على السلم وتطبيقه ونشره

Page 132: الدعوة إلى الاسلام

جاءت لقوام النبياء دون غيرهم من القوام. وهذا يعني اقتصارها على زمان ومكان معينين. على خلف السلم الذي جاءت أحكامه الشرعية الثابتة صالحة لكل زمان ومكان. وهذا الختلف ل يسمح بالقياس بين السلم وغيره. ويجعل المسلمين يقتصرون على الخذ منه دون غيره، لن

أحكامه مترابطة مع بعضها ترابطا يتناسب مع طبيعته. ولنأخذ على سبيل المثال ل الحصر رسالة سيدنا عيسى فإنها تختلف اختلفا واضحا عن رسالة سيدنا محمد. من حيث أنها كانت خلقية روحية

ليس فيها دعوة إلى إقامة دولة، وخاصة ببني إسرائيل. فكيف تتشابه الحكام الشرعية بينهما؟

إننا نأسف أن يأخذ منا البحث في أمر بديهي من أمور الدين كل هذا الوقت ، وأنه ليدل على قل: [المستوى الذي انحدر إليه دعاة اليوم وليس لنا أن نقول إل ما قاله القرآن الكريم لسيدنا محمد

]. هـذه سبيلي أدعو إلى ا على بصيرة أنا ومن اتبعني...

Page 133: الدعوة إلى الاسلام

استحلل الحرام بحجة المصلحة

. وقد وضعفرض الشرع أمورا وحرم أخرى، ولم يسمح للناس أن يعدلوا أو يبدلوا أو يحرفوا الشارع الحكيم رخصا حيث علم أن الناس قد يحتاجون إليها. وحيث لم يضع رخصة فهو لم يسمح للناس أن يتفلتوا من الحكم حتى لو زينت لهم أهواؤهم وشياطينهم هذا التفلت باسم المصالح. والذي

يبيح ترك ما فرض ا وانتهاك ما حرم ا ... دون رخصة من ا هو كافر أو جاهل فاسق.

.لقد استدلوا بالمصلحة على جواز المشاركة في الحكم

فقد نقلوا تعريف المصلحة بأنها وصف للفعل يحصل به الصلح أي النفع منه دائما أو غالبا . ويقولون إن العلماء استقرؤوا الشريعة، فهداهم استقراؤهم إلى أن الشريعةللجمهور أو الحاد

وضعت لمصالح العباد في المعاش والمعاد.

. ولكنهم قالوا ان الشتراك في الحكم ليس من قبيلوذكروا المصالح المرسلة وما تقوم عليه المصالح المرسلة، لن النصوص الصريحة جاءت قاطعة في تأثيم المشارك في الحكم الجاهلي.

والستدلل هنا يعود إلى ترجيح خير الخيرين، وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويتأدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.

: هذا مسلك في الشريعة واضح المعالم. فالسلم حرم الخمر والميسر مع نصه على أنوقالوافيهما للعباد نفعا، ولكنه نفع قليل ترجح به المفسدة العظيمة التي في الخمر والميسر.

وأوجب الشرع القتال على الرغم مما فيه من إزهاق لنفوس المؤمنين، وإذهاب لموالهم ، لن.القتال فيه مصالح عظيمة محبوبة للرب تبارك وتعالى، وفيه مصالح عظيمة تحصل للعباد

وفي المسيرة السلمية كان الحكام والعلماء يراعون هذا المنهج أثناء حركتهم بالسلم، ترك هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم، على الرغم مما في ذلك من المصالحفالرسول

الدينية، لن المفسدة التي ستترتب على ذلك أكبر من المصلحة التي ستترتب على تصحيح بناء الكعبة »لول أن قومك حديثو عهد بجاهلية ، لهدمت الكعبة ولجعلت لها بابين. وقال لزوجه عائشة: «

[رواه الترمذي والنسائي] .. وهكذا …

: ل شك أن في المشاركة في الحكم الجاهلي مفاسد عظيمة. فهذهومن هذا المنطلق يقولون ول]، [إن الحكم إل لالحكومات إنما تقيم حكم الطاغين، وتحاد ا في أمره، وتنازعه في حكمه[

ومع ذلك يقولون: إن الحركة قد ترى في بعض الحوال أن المشاركة في].يشرك في حكمه أحدا الحكم تحقق للسلم والمسلمين والحركة السلمية نفعا كبيرا. بل قد تؤدي إلى إزاحة الطاغوت

وإقرار الحق. ولننقل بعض كلماتهم في ذلك لنفهم رأيهم على حقيقته ،وليفهم المدى الذي ذهبوا إليهفي بعدهم عن طريقة التفكير الشرعية حين يتم نقض هذه الطريقة ، وبالتالي هذا الرأي. انهم يقولون:

- وان مشاركة المسلم في الحكم الجاهلي يوقعه في تناقض كبير. فالمسلم مطالب بأن يحارب هذه الدول الطاغوتية فكيف يكون هو المقيم لهذا الحكم الطاغوتي؟ وقد عجب ا من حال الذين

ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوايزعمون أنهم آمنوا ثم هم بعد ذلك يتحاكمون إلى الطاغوت: [ بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد

].الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا

Page 134: الدعوة إلى الاسلام

- وان طاعة الطواغيت فيما يشرعونه مخالفين أمر ا تعني اتخاذهم أربابا من دون ا، كما اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ا والمسيح ابن مريمقال الحق في شأن أهل الكتاب: [ لعدي بن حاتم أن معنى هذا التخاذ هووقد بين الرسول ] وما أمروا إل ليعبدوا إلـها واحدا

طاعتهم في تحليلهم ما حرم ا وتحريمهم ما أحل ا.

- وقد عهدنا حكام اليوم أنهم يتخذون من يستوزرونهم من المسلمين الصالحين زينة يحلون بها حكمهم القبيح، ويدلسون بذلك على السذج والعوام، فيقولون: لو كنا على الباطل لما قبل فلن

مشاركتنا في الحكم.

- ويزداد الطين بلة عندما يمررون من خلل الوزير المسلم القوانين الجائرة الظالمة، وبعد أنيحققوا من روائه أهدافهم الخبيثة ينبذونه نبذ النواة.

ول- وفي المشاركة في الحكم ركون إلى الذين ظلموا . وقد حذرنا الحق من ذلك فقال: [].تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار

.وفي المشاركة في الحكم إطالة لمد الحكم الجاهلي

ومن لم يحكم بما أنزل ا- وحسبنا أن المشترك في الحكم يدخل في الذين قال ا فيهم[ ومن لم يحكم بما أنزل]، [ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولـئك هم الظالمون]، [فأولـئك هم الكافرون

].ا فأولـئك هم الفاسقون

. وصراحة اليات ودللتها ل تخفى علىكل ذلك غير خاف على رواد الحركة ودعاتهاناظر.

: إن الحركة قد ترى في بعض الحوال أن المشاركة في الحكمويضيفون، ومع ذلك نقول تحقق للسلم والمسلمين والحركة السلمية نفعا كبيرا. بل قد تؤدي إلى إزاحة الطاغوت وإقرار

الحق. ويمكننا أن نلخص المصالح التي قد تترتب على مشاركة الحركة السلمية في الحكم في النقاطالتالية:

– درء المكائد عن الحركة السلمية بالطلع على ما يجري في الخفاء والعمل على1إفشاله.

– إعطاء النموذج على أن الجماعة قادرة على قيادة الناس وليست جماعة من الدراويش.2 – إعادة الثقة بالسلم بأنه قادر على تنظيم شؤون الحياة الخاصة والعامة.3 – زيادة خبرة الجماعة في طرق إدارة الحكم.4 – تعرف الحركة على النظام القائم اتقاء لشره.5 – تدريب وتعليم الكوادر السلمية المتخصصة عن طريق البعثات التي تنظمها الوزارات.6 – إيجاد مجموعة من أفراد الجماعة السلمية من أصحاب الجاه عند الناس . وهؤلء7

يحلون كثيرا من الشكالت للجماعة وأفرادها. – زيادة المراكز السلمية ومحاربة المراكز الكافرة.8 – تدريب الكوادر السلمية على السياسة ودفع ألعيبها.9

– الستفادة من هيبة السلطة لمصلحة الجماعة .10 – وإذا امتنعت الجماعة عن المشاركة قد يكون البديل المشارك هم العداء الذين يسخرون11

كل إمكاناتهم لمحاربة الحركة السلمية أو للقضاء على السلم والمسلمين.

Page 135: الدعوة إلى الاسلام

لقد تناولنا رأيهم بشيء من التفصيل مع أن المقام هو مقام رد عليهم وليس نقل لرأيهم؛ وذلك حتى يفهم على حقيقته بشكل واضح، وليرى مدى التجروء على دين ا في إصدار الفتاوي التي

تغضب خالق السماء والرض وتثير اشمئزاز المؤمنين، من غير ارعواء لحق ا تعالى، ول تقيد بأمره، وليرى المسلم مدى مصادمتها للحكام الشرعية القطعية، التي ل يجوز مسها بأي حال من الحوال، ويرى مدى بعدهم عن التقيد بطريقة السلم الصحيحة في الستنباط، واختراع طريقة

جديدة ظهرت بوادرها أيام انحطاط المسلمين وتأثرهم بطريقة الغرب في التفكير، وليتم تتبع أفكارهم.بالتفصيل وردها، وطريقة تفكيرهم ودحضها

فإذا كان الحكم الشرعي الواضح القطعي – والذي ل يجوز فيه الجتهاد – هو أنه ل يجوز ولكون القرائن] وأحل ا البيع وحرم الربا: [التعامل بالربا ، لتحريم ا الصريح له بقوله سبحانه

وقد] يمحق ا الربا ويربي الصدقاتالشرعية القطعية جاءت لتغلظ القول فيه حيث يقول تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا اتقوا ا وذروا ماحذر ا سبحانه المتعاملين بالربا وأنذرهم إنذارا حرب فقال: [

ووصف من يأكل الربا] فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ا ورسوله بقي من الربا إن كنتم مؤمنين وقد عده رسول] الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسبقوله: [

اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هي يا من الموبقات وقرنه مع الشرك بال حيث قال: «ا رسول ا، قال: الشرك بال، والسحر، وقتل النفس التي حرم ا إل بالحق، وأكل الربا، وأكل مال

» متفق عليه.اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات

! أين ذهب التحريمومع ذلك نراهم قد طلعوا، بحسب هذه الطريقة أن التعامل بالربا جائز‍ القطعي الصريح؟: وأين ذهب النذار والوعيد؟: انهم بطريقتهم هذه يبدلون أحكام ا ويغيرونهاويميعون الحكم الشرعي ، ويجعلون التساهل في أمور الدين أمرا طبيعيا ، وشيمة عند المسلم.

(الحكم بما أنزل ا) فرض. ويجب إفراد ا في حكمه وهذا بشهادتهم. ومع ذلكوكذلك فإن فإنهم طلعوا – بحسب هذه الطريقة المبتدعة – أنه يجوز للمسلم أن يشارك بحكم الطاغوت. انظروا إلى ما نقل عنهم في موضوعنا لنتبين كم حاد عن الصواب أولئك الذين يصفون أنفسهم بأنهم رواد

الحركة السلمية وعلماؤها، مع أن الرائد ل يكذب أهله. انهم يقولون:

- ل شك في أن للمشاركة في الحكم الجاهلي مفاسد عظيمة. فهذه الحكومات إنما تقيم حكمالطاغين وتحادد ا في أمره وتنازعه في حكمه.

- إن مشاركة المسلم في الحكم توقعه في تناقض كبير. فالمسلم مطالب بأن يحارب الدولالطاغوتية ، فكيف يكون هو المقيم لها؟

- إن طاعة الطواغيت فيما يشرعونه مخالفين أمر ا تعني اتخاذهم أربابا من دون ا.

- إن حكام اليوم يتخذون من يستوزرونهم من المسلمين الصالحين زينة يحلون بها حكمهمالقبيح.

- إن حكام اليوم يمررون من خلل الوزير المسلم القوانين الجائرة الظالمة.

- إن حكام اليوم بعد أن يحققوا من وراء الوزير المسلم أهدافهم الخبيثة ينبذونه نبذ النواة.

Page 136: الدعوة إلى الاسلام

- إن في المشاركة في الحكم الجاهلي ركونا إلى الذين ظلموا.

- إن في المشاركة في الحكم الجاهلي إطالة لمده.

]،الكافرون[- ويدخل المشترك في الحكم بغير ما أنزل ا في الذين قال ا فيهم إنهم ومع كل هذا الذي ذكروه، وغيره مما سنذكره طلعوا برأيهم هذا . فأية جرأة] الفاسقون []،الظالمون[

يتجرأها هؤلء على دين ا؟! والذي يزيد الطين بلة أنها ليست مخالفة لمر ا فقط بل هي دعوةلمخالفة أمر ا . وفي هذا إثم عظيم.

: ما الذي سيحققونه إذا هم قامواوالن بعد هذا السرد لكل هذه المخالفات الشرعية نتساءل بالمشاركة؟ لقد ظننا أنهم بعد سردهم لمحاذير هذه الدعوة سيذكرون مصالح عظيمة هائلة غفل عنها

الشرع وفطنوا هم لها، تستحق حسب منطقهم المرفوض، وطريقتهم العقيمة في التفكير، هذه المخالفة للشرع، وهذه المناصرة لعداء ا. لقد تمخض فكرهم الفذ، الذي تبوأ مركز التشريع في هذه المسألة، ليخرجوا للمسلمين بنتائج ل تفيد الدعوة، ول تقرب المسلمين من الحق، وبالتالي من النصر، ول تغير

واقعا. بل إن المردود سيكون عكسيا . وقد جاء الواقع ليكون شاهدا عليهم.

.لقد سموا أحد عشر بندا قالوا إنها مصالح عظيمة ستحقق جراء المشاركة في الحكم الجاهلي فبال عليكم انظروا إليها وتأملوا كم هي أسباب تافهة أمام المعصية الكبيرة التي يقترفونها .

ولنستعرضها مع بعض التعليق.

- زيادة خبرة الجماعة في طرق إدارة الحكم.

- تدريب الكوادر السلمية على السياسة ودفع ألعيبها.

- تدريب وتعليم الكوادر السلمية المتخصصة عن طريق البعثات التي تنظمها الوزارات.

. وكان الولى أن تصاغ في بند واحد. إل إذا أريد من الكثارثلثة بنود تتعلق بموضوع واحد من البنود إظهار كثرة المؤيدات لكلمهم. هذا مع العلم أن المر غير متعلق بكثرة الكلم بل

بصوابيته. فهل تستحق مثل هذه البنود أن يخالف المسلم أمر ربه من أجلها؟ أليس من طريق أخرى، ليس فيها غضب ا، تستطيع الحركة من خللها أن تدرب شبابها وتزيد خبرتهم؟ وهل الطريق

الشرعية تفتقد لمثل هذا العداد؟ إن الحركة السلمية عندما تخوض العمل السياسي بشكل شرعي تزداد خبرة واطلعا على واقع الحكام ومدى ارتباطهم بالدول الكافرة،ومتقيد بطريقة الرسول

وعلى ألعيبهم وعلى أساليبهم الماكرة. فهل صار الداعية ليس في استطاعته أن يدعو شارب الخمرة لترك شربها إل إذا دخل الخمارة وشربها أمامه ثم تركها ليقنعه أنه يستطيع تركها. ل كم هي ضعيفة

تلك العقول التي أنجبت مثل هذه الفكار. فكيف تسمح لنفسها أن تبدل في شرع ا!

:كذلك فقد ذكروا البنود الثلثة التالية

- تعرف الحركة السلمية على النظام القائم اتقاء لشره.

- درء المكائد عن الحركة السلمية بالطلع على ما يجري في الخفاء والعمل على إفشاله.

Page 137: الدعوة إلى الاسلام

- إذا امتنعت الجماعة عن المشاركة قد يكون البديل المشارك هم العداء الذين يسخرون كلإمكاناتهم لمحاربة الحركة السلمية وللقضاء على السلم والمسلمين.

. وهو اتقاء شر النظمة ودرء المكائد عن السلمثلثة بنود أخرى تدور حول موضوع واحد والمسلمين. فهل فعل، ومن باب الواقع الذي نجاريهم في طرحه – من غير موافقة – لنجعلهم يدينون

أنفسهم بأنفسهم، هل فعل يدرأون الخطر عن المة وعنهم عن طريق المشاركة في الحكم بغير ما أنزل ا؟ هم بلسانهم يقولون إن الحاكم إنما يستوزر المسلم ليطيل عمر نظامه، وليمرر عن طريقه مخططاته، وليحسن صورته أمام الناس، ثم إنه بعد أن يحقق ما يريد ينبذ الوزير المسلم نبذ النواة.

فأين اتقاء الشر ودرء المكائد؟ إن النظام الذي يدخله هؤلء المسلمون لن تتجمل صورته بدخولهم بلستتشوه صورتهم، هم وسيعطي الناس حكما واحدا على النظام وعلى من يشارك فيه.

.وكذلك فقد ذكروا البندين التاليين واللذين كان الولى بهما أن يجعلوهما بندا واحدا

- إعطاء النموذج على أن الجماعة قادرة على قيادة الناس.

- إعطاء الثقة بالسلم بأنه قادر على تنظيم شؤون الحياة العامة والخاصة.

إنه لن يكون في مقدور الجماعة أن تعطي هذه الصورة. بل لقد أعطت مثل سيئا ونموذجا ل يحتذى. وكان الواقع أكبر دليل. ولول أن هناك حركات إسلمية مخلصة وواعية، قامت بوجه هذه

الدعوات، وعلماء مسلمين غيورين لسقط السلم من النفوس نتيجة للتصريحات والمواقف التي يصرحها ويقفها أصحاب هذه الطروحات في تأييدهم للنظمة ومناصرتهم لها ، ول كم هو الفرق عند

ا ، وعند عباده بين حركة أو عالم يعيش في رخاء النظمة، وتحيط به هالة الزعامة المزعومة، وينفخ صدره من هواء التبجح بالنظمة الفاسدة، وبين حركة أو عالم يقول الحق ويقوم به ل يخاف في

فاصبر كما صبرا لومة لئم، ولو قبع في زنازن الحكام الذين يشاركونهم، يذكر قول ا سبحانه: [ فاصبر إن []،واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم]، [أولوا العزم من الرسل

فهل يستويان مثل.].وعد ا حق

. فقالوا:وكذلك فقد ذكروا البنود الثلثة الخيرة والتي كان يمكن اختصارها ببند واحد

- إيجاد مجموعة من أفراد الجماعة، من أصحاب الجاه عند الناس. وهؤلء يحلون كثيرا منالشكالت للجماعة وأفرادها.

- زيادة المراكز السلمية ومحاربة المراكز الكافرة.

- الستفادة من هيبة السلطة لمصلحة الجماعة.

إن مثل هذه البنود لتدلل على ضآلة أحلم القائلين ، وهل تستحق مثل هذه النتائج المخاطرة برضا ا وتحمل وصفه لهم بأنهم ظالمون، فاسقون، مناصرون للظلمة؟ وليحققوا ما تستطيع الحركة

. اننا ل نوافقهم على أن كل هذه النتائج ستحقق للحركة إن هي عصتأن تحققه دون الوقوع في هذا ا وشاركت في الحكم الجاهلي، بل أن المردود سيكون عكسيا على الحركة، وعلى الدعوة بشكل عام

وعلى السلم.

Page 138: الدعوة إلى الاسلام

ولئن ذكر أصحاب هذا الطرح أحد عشر بندا أو سببا دفعتهم لمثل هذا التصرف، فإننا نستطيع على سبيل المجاراة معهم في طريقة تفكيرهم التي ل تجوز، أن نذكر أكثر منها بكثير تشكل محاذير

. ومن ذلك:وموانع لمثل هذا التصرف

- بهذه الطريقة يتعلم مسؤولو الحركة وشبابها النفاق. فهم إذا خلوا إلى الحكام الذين قبلوا مشاركتهم في الحكم قالوا لهم ما يرضيهم. وإذا خلوا إلى الناس قالوا لهم قول آخر. وعملوا على

إقناعهم أنهم إنما يتقربون إلى الحاكم والحكم ليستطيعوا المساك به وأخذ زمام المبادرة منه.

- تصبح طروحات الجماعة، متميعة، متساهلة، متهاونة، وكل ذلك على حساب جذرية الطرحوالتغيير.

- تجعل النظام يحصي أنفاس الحركة وأتباعها، ويكشف خباياها، ويطلع على أسرارها. وقد يقع على بعض الخلفات بين أعضائها فيعمل على تقويتها وتغذيتها، ليتسنى له أن يقبض على

زمامها، وشقها عندما تدعو الحاجة.

- اقتصار الدعوة عند هذه الجماعة على الحكام التي ل تشكل خطرا على النظام، والسكوتعن الحكام المصيرية، مما يعطي صورة غير صحيحة عن الدعوة وعن السلم.

- عندما يسمح النظام للحركة السلمية التي تعمل من خلله بإقامة المؤسسات التي يريدون العمل من خللها، يصبحون أسرى هذه المؤسسات وأسرى الخوف من وضع النظام يده عليها

ومصادرتها. فل يتحكمون بما يزعج النظام وبالتالي ل يفكرون بالخروج عنه.

- تعطي الحركة السلمية عندما تقبل بالمشاركة في النظمة الجاهلية المبرر لهذه النظمة ، على اعتبار أن من يعمل ضدبضرب الحركات السلمية العاملة للتغيير بحسب طريقة الرسول

النظمة هم أصوليون متشددون، وان الذي يتعاون معها معتدل، متنور. ومن غريب المر أن أصحاب هذه الطروحات المتساهلة الوصولية وضعوا أبحاثا تشير أنهم بمنهجهم هذا هم المعتدلون

الذين يمكن للنظمة أن تتعاون معهم وأن غيرهم هم المتشددون.

- تغيرت مفاهيم الجماعة السلمية بحيث صارت تناسب الوضاع القائمة. من مثل جواز عدم أخذ الجزية من الكفار الذميين، وجواز عدم تسميتهم بأهل ذمة حتى ل تثار حفيظتهم، ومن مثل

قولهم بأن الديمقراطية بضاعتهم وقد ردت إليهم، ومن مثل جواز التعامل بالربا، ومن مثل جوازالمشاركة في الحكم بغير ما أنزل ا.

- إطالة أمد النظام …

- تجميل صورة النظام …

- تسقط السلم من النفوس، حين يرى الناس أن السلم لم يقدم لهم شيئا من خلل هذه النظمة، وخاصة بعد أن وعدهم أصحاب هذه الطروحات بالمن والسلوى. وتظهره أنه كغيره قاصر

عن معالجة مشاكلهم بشكل صحيح. والحركة بذلك ل تستطيع أن تعطي عن نفسها أنها نموذجيحتذى .. بل تعطي المثل السيئ.

Page 139: الدعوة إلى الاسلام

- تفسد شبابها حين يصبح كل همهم في الدعوة هو الدفاع عن تصرفات جماعتهم ، إن لم يكنعن تصرفات الحكام والتبرير لهم.

- سكوت الحركة عن الحكام في ضرب حملة الدعوة الخرين واعتقالهم، إن لم يكن مهاجمتهمإرضاء للحكام أو بحسب طلبهم منهم. كما حدث في مصر مؤخرا.

- هذا التوجه يجعل المصلحة هي مقياس العمال عند الجماعة وليس التقيد بالحكم الشرعي. فما كان يحقق مصلحة تقوم به ولو خالف الشرع مخالفة حادة. فتصبح المصلحة في نظر المسلم منهم

أغلى من الشرع. وهكذا ... وهناك الكثير من السباب غيرها التي تشكل حالقة للدين وللدعوة.

ولقد تناولنا كل ذلك من خلل الواقع، وليس من خلل الدلة الشرعية، لنقول لهم إن طريقة . وهي طريقة تفكيرتفكيرهم هذه، حتى على مذهبهم، لم تؤت إل الثمار الخبيثة على السلم والدعوة

عقيمة ول يقرها الشرع.

ونحن ليس من عادتنا، وهذا ما تعلمناه من الشرع، أن ندلل على فساد فكرة ما من الواقع، أو . ونحن إذا بدأنا الكلم على طريقتهم فلكي ندينهم بأفواههم. ونسقط مارد حكم شرعي ردا عقليا

عندهم بميزانهم. ولكننا نعلم، ويعلم معنا كل المسلمين الواعين المخلصين العاملين أن المعول عليه وحده في قبول قول أو عمل أو رفضه إنما هو الشرع وحده. وإذا كان المر كذلك فإن ما أوردوه من

أدلة شرعية، قالوا إنهم يعلمونها وإنها ل تخفى على ناظر، ليعتبر كافيا في نقض مذهبهم وفهمهم، ولوكان عندهم المزيد. والمسألة ل تتعلق بمزيد أمثلة بل بطريقة تفكير.

. وانهم رغم معرفتهم بها لم يأخذوا بهاولن نسمع قولهم إنهم يعرفونها، فل حاجة لتذكيرهم بها لسباب ذكروها. فإن ذلك ل يجوز، وفيه تجرؤ على الدين، وتهاون بأحكامه الصحيحة القطعية. وأما ما تمثلوا به من أقوال لبعض العلماء لتأييد فكرتهم، فهي فضل عن أنها أمثلة غير منطبقة على واقع

ما يدعون إليه، فإن أقوال الرجال ليست بحجة شرعية. والعتبار للدليل وصحة الستدلل. فإذا قالوا: قال العالم الفلني، نقول لهم: قال ا ورسوله، قول صحيحا، قطعيا محكما. فهل يجوز أن ننسخ كلم ا ورسوله بقول أشخاص كائنا من كانوا؟ لقد طغت فكرة المصلحة على أصحاب هذا الطرح حتى

صار يصح القول فيهم بأنهم تجار الدعوة. ولكن التاجر يتاجر لكي يربح ل لكي يخسر.

. وذلك حينما يعتمدون على طريقة في القياسويظهر فساد تفكيرهم كذلك من ناحية أخرى غير شرعية تعتمد على فلسفة النص الشرعي فلسفة عقلية تقوم على الترجيح المصلحي، ليطلعوا من

خلله باستنباط جديد لم يعهد عند المة السلمية، ول عند علمائها، من قبل. وقد تركوا طريقة وسار عليها كل علماء المة من السلف الصالح وكلالستنباط الصحيحة التي أرشد إليها الرسول

من تبعهم بإحسان. وهذه الطريقة الشرعية الصحيحة المنضبطة لم ير لها أي أثر في أي بحث من إنه من يعش منكم فسيرى اختلفا كثيرا. وإياكم ومحدثات المور. فإن كل محدثة بدعة، وكل: « أبحاثهم. لقد جروا على طريقة الغرب في القياس العقلي وتوخي المصلحة. وصح فيهم حديث الرسول

» [رواه الترمذي وأبو داود].بدعة في النار

: إن السلم حرم الخمر والميسر مع نصه على أن فيهما للعباد نفعا، ولكنه نفع قليل،يقولونفترجح المفسدة العظيمة التي في الخمر والميسر.

Page 140: الدعوة إلى الاسلام

. لنوأوجب الشرع القتال على الرغم مما فيه من إزهاق لنفوس المؤمنين وإزهاق لموالهمالقتال فيه مصالح عظيمة محبوبة للرب تبارك وتعالى وفيه مصالح عظيمة تحصل للعباد.

ترك هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم على الرغم مما في ذلك منوالرسول المصالح الدينية. لن المفسدة التي ستترتب على ذلك أكبر من المصلحة التي ستترتب على تصحيح

بناء الكعبة.

: ل شك في أن في المشاركة في الحكم الجاهلي مفاسد عظيمة. ولكنوبناء عليه يقولون الحركة قد ترى في بعض الحوال أن المشاركة في الحكم تحقق للسلم والمسلمين والحركة

السلمية نفعا كبيرا. بل قد تؤدي إلى إزاحة الطاغوت، وإقرار الحق …

لقد طرحوا فكرتهم نفسها من زاوية ثانية، مما يدل على أن طريقتهم في التفكير متأصلة في.نفوسهم

. وقد رأيناإن فهم النصوص بهذا الشكل، والخروج منها بأحكام مناقضة للسلم هو أمر مؤلم ذلك يقوى ويزداد في العصر الحالي عصر التأثر بالثقافة الغربية القائم على القياس المصلحي. فبينما كان علماؤنا الوائل يسيرون على أصول السلم المنضبطة التي فرضتها طبيعته، والتي تقوم على التقيد بشرع ا في كل أمر دون أن يكون للنسان أدنى تدخل في التشريع كما سنبين ذلك لحقا إن

شاء ا، وجدنا أن المسلمين، وبحسب هذه الطريقة المحدثة المبتدعة، قد فتحوا لنفسهم مدخل للتشريع وولجوا منه. وسمحوا لهوائهم أن تقدر المنافع والمضار المتعلقة بأي فعل يريدون أن يقوموا

به. فإذا غلبت عندهم، من الناحية العقلية ، المنافع على المضار كان المطلوب القيام بالفعل. وإذا غلبت المضار على المنافع كان المطلوب ترك الفعل. وبحسب هذه الطريقة المحدثة المبتدعة يصبح

المسلم مشرعا إذ أنه يباشر بهواه وبعقله تقدير المصلحة.

وقد اعتمدوا على فلسفة النصوص بهذه الصورة المذكورة ليصلوا من خللها إلى معرفة حكم. وهذه الطريقة هي نفسها الطريقة المعتمدة في الغرب . فالغرب يعتمد على مثل هذه العقلية.الفعل

. بدليل أنه إذا تعارضتعلى أن هذه الطريقة تجعل المصلحة هي معبود المسلم ل أمر ا المصلحة عندهم مع الحكم الشرعي الواضح الدللة، ترك الحكم الشرعي وأحل محله الحكم المبني

على المصلحة.

إن التعامل مع النصوص الشرعية له أصول محددة، يبقى المسلم ، وهو سائر بحسبها، عبدا . ويكون الحكم الذي استنبط بحسب الطريقة الصحيحة في الستنباط هو حكم ال، مطيعا لمره

تعالى. وذلك ل يكون إل عندما يعتمد قياسه على وجود العلة المنصوصة في الشرع.

. وليس ذلك للنسان أبدا.فتحديد الخير والشر والحسن والقبح والحلل والحرام هو ل وحده ولو كان للنسان لكان أعطي صلحية التشريع منذ البداية. ولما تدخلت الشريعة في تفصيلت الحكام. ولكان مطلوبا منه أن يؤمن بال الخالق دون أن يكون مطلوبا منه أن يؤمن بال كمدبر

لمره، منظم لحياته.

إن آلف الكتب التي ألفت في عصور المسلمين تعتمد على الطريقة الشرعية في الستنباط، . فهي طريقة عملية ميسورة لمن أوتي علمهاوقد استطاع فقهاؤنا الوائل حل كل مشاكلهم بواسطتها

وتقيد بأصولها.

Page 141: الدعوة إلى الاسلام

. وأنهاويكفي دللة على فساد هذه الطريقة أنها طلعت بأحكام تعارض أحكام الشرع الواضحة لو كانت طريقة صحيحة لوافقت أحكامها أحكام الشرع. وهذا ما يدلل على أنها طريقة خاطئة بحد

ذاتها وكذلك هي خاطئة من حيث الثر الذي أحدثته. ولعل بعض المثلة تساعد على جلء الموضوعأكثر:

- إن حمل الدعوة بشكل شرعي يقتضي الصراحة والجرأة والقوة والفكر، وتحدي كل ما يخالف السلم ومجابهته لبيان زيفه، بغض النظر عن النتائج ، وعن الوضاع. ويقتضي أن تكون

السيادة المطلقة للمبدأ السلمي بغض النظر عما إذا وافق جمهور الناس أم خالفهم، تمشى مع عاداتهم أم ناقضها، قبلوه أم رفضوه وقاوموه. وحامل الدعوة ل يتملق الناس ول يداجي من بيدهم

في دعوته، مؤمنا بالحق الذي يدعو إليه، متحديا الدنيا بأكملها، لمالمور. هكذا كان رسول ا يحسب أي حساب لعادات أو تقاليد أو عقائد أو أديان، أو حكام أو سوقة، ولم يتلفت إلى شيء سوى

قريشا بذكر آلهتهم فعابها، وسفهإلى رسالة السلم. فقد ذكر ابن هشام أنه لما بادى رسول ا أحلمهم وضلل آباءهم ناكروه وأجمعوا خلفه وعداوته. وهكذا يجب أن تكون دعوة المسلمين اليوم

قل هذه سبيلي أدعو إلى ا على ويتمثل بقول ا تعالى: لمن أراد أن يتأسى بالرسول الكريم تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا: « ويتمثل بقول الرسول بصيرة أنا ومن اتبعني ...

ل» [سيرة ابن هشام] ويتمثل بسيرة السلف الصالح وقولهم: (أبدا، أمرا بينا، كتاب ا وسنة نبيه).يصلح آخر هذا المر إل بما صلح به أوله

: إنأما اليوم، وبحسب هذه الطريقة المحدثة المبتدعة التي ل يقرها السلم فإنا نرى من يقول المصلحة الراجحة تدل على أن الوفق والصلح أن نأخذ المور بالحكمة وأن ندعو بالتي هي أحسن،

وذلك بحسب طريقتهم ل بحسب الطريقة الشرعية. ويقولون: فما نفع الدعوة إذا قمنا بتحدي كل ما يخالفها؟ أنفتح قلوب الخرين بذلك أم نغلفها؟ ولماذا نظهر أن ما عندنا يعارض معارضة أساسية ما عند غيرنا؟ أليس من الوفق أن نظهر أننا نشترك مع غيرنا بأمور تكون مفتاح الدخول إلى قلوبهم وعقولهم. وخاصة عندما يظهر المر وكأنه ليس هناك كبير اختلف بيننا وبينهم. وهل من مصلحة

الدعوة أن تواجه الحكام وتفضح تآمرهم على المة، وتكشف مخططاتهم. فنستعديهم بذلك ونجلب شرهم أم نحاول أن نتقرب ونتودد إليهم. فلربما قربونا وأوصلونا إلى بعض المراكز التي تفيد الدعوة، ولربما تعم الفائدة. ولربما استطعنا أن نصل إلى الحكم عن هذه الطريقة. لذلك يجب أن نثبت لهم أن ل

داعي للخوف منا، وأن ل خوف من تقريبنا منهم. ومن هنا تبدأ رحلة التزلف والتصريحات البعيدة عن منهج الحق، ومواقف السترضاء للحاكم وشهادة الزور على أعماله، والسكوت عن الباطل،

والنشغال بالمور الصغيرة والتي ل يثير الحاكم التكلم بها. والتغاضي عن المور المصيرية التي يجب تنبيه المة لها …وغيرها الكثير من التصرفات القولية والفعلية التي تجانب الحق. كل هذا

التغيير كان وراءه تغيير طريقة التفكير هذه ...

أن يقوم بحقه ويكون في أول- كذلك فإن من حق ا على العالم الذي ورث العلم عن النبي صفوف المجاهدين المصرحين بالحق، القائمين به، المواجهين للحكام الكاشفين لخططهم. أي أنه يجب

أن يكون إمام علم ومحراب وحراب. وهذا ما كان عليه سلفنا الصالح، فإننا نرى أنه قد تولد عن هذه الطريقة المبتدعة فهم مبتدع يعارض ما تعودنا في علمائنا الوائل. ويتمثل فهمهم بالقول: إنه إذا قال العالم كلمة الحق، ومن ثم اعتقل أو قتل فمن سيقوم مقامه؟ إن الضرر الذي سيلحق المة من اعتقاله

أو قتله هو أضعاف النفع الذي سيحققه جراء موقفه. فلماذا نحرم المة خير هذا العالم؟

Page 142: الدعوة إلى الاسلام

- كذلك فإنه بالنسبة للمشاركة في النتخابات النيابية فإنها تجوز ولكن بشروط : أن يكون المرشح مسلما، ملتزما بأحكام السلم، ل يقبل بتشريع الكفر بل ينقضه ويعرض بدله الحكم

الشرعي، ول يجوز له انتخاب رئيس غير مسلم، أو حكمه قائم على غير السلم. ول يجوز له أن يمنح الحكومة الثقة بل يجب أن يحجبها عنها لنها ل تقوم على أساس السلم .. هذا هو الحكم

الشرعي الواضح.

- ولكننا رأيناهم قد طلعوا، وبحسب هذه الطريقة المبتدعة، برأي يجيز للمسلم أن ينتخب المرشح الذي ل يلتزم بالشرع في تشريع أو محاسبة أو اختيار حاكم. بل يجيزون انتخاب المرشح

النصراني والدخول معه في لوائح انتخابية بحجة أن القانون يحدد عدد وطائفة النواب في كل منطقة. فالمرشح النصراني سينجح سواء انتخبه المسلمون أم ل. فمن الفضل في هذه الحالة اختيار من يكون

بنظرنا أنفع للمسلمين من أن يختاره قومه وهو لنا من المعاندين.

- وهكذا يمضي أصحاب هذه العقلية في طروحاتهم والتي كلما ازدادت كلما ازدادوا بعدا عنالحق.

فليع أصحاب هذه العقلية المحدثة المبتدعة، والطروحات البعيدة عن الفهم الصحيح للسلم أن . وان ما يقومون به يحتاج إلى توبة صادقة. إنعقليتهم وطروحاتهم ليست من السلم في شيء

الدعوة إلى السلم تحتاج إليهم ولكن على غير هذه العقلية. ومن غير هذه الطروحات ليكونوا ظهيراله ، ل للنظمة التي تحكم بغير ما أنزل ا.

. وما يجلب لنا المنافع أو يدفعإن تحديد المنفعة أو المفسدة بشكل قطعي هو ل رب العالمين عنها المفاسد ل يعلمه إل ا. ولو كان ذلك في مقدور النسان لصبح مشرعا. ولما كانت الحاجة إلى دين من عند ا يدبر للنسان شؤون حياته. لذلك يعتبر السلم أنه يجب على المسلم أن يتقيد بشرع ربه، فما طلب الشرع فعله كان لنا مصلحة، وما طلب تركه كان لنا مفسدة. ونحن ل نعرف أن هذا

الشيء مصلحة أو مفسدة إل بعد أن ينزل شرع فيه، ولكن قبل ذلك فليس في مقدورنا تحديد ذلك، لفتقاد العقل للمقياس الذي على أساسه يميز الخير من الشر، والحسن من القبح. ومن هنا كانت

)، ومن هنا كان خطأ القاعدة التيحيثما يكون الشرع تكون المصلحةالقاعدة الشرعية التي تقول: ( كتب عليكم القتال). وهذا ما ترشدنا إليه الية الكريمة: [حيثما تكون المصلحة يكون الشرعتقول: (

وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وا يعلم].وأنتم ل تعلمون

ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم ..ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم قول ا تعالى: [ فالطيب هو ما جعله ا حلل، ولم نعرف أنه طيب إل بعد تحليل ا سبحانه له. والخبيث] الخبآئث

هو ما جعله ا حراما، ولم نعرف أنه خبيث إل بعد تحريمه علينا. وليس معناها أن تحدد عقولناالطيب فتحله، ول الخبيث فتحرمه.

(ترجيح خير الخيرين، وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويتهذا ما عنوه بقولهم أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما). إنه قول خطأ، وفيه خطر على الشريعة. وهو أشد من

القول بالمصالح المرسلة. ذلك أن المصالح تقضي باللجوء إليها عندما يخلو الواقع من نص شرعي، بينما نرى أنهم بقولهم هذا قد سمحوا لنفسهم بتبديل أحكام ا ولعقولهم بنسخها. وانهم به يحلون

الحرام ويحرمون الحلل. وهذا يشكل حالقة للدين وهو منهج جد خطير. وهذا هو سبب بعد آرائهمومواقفهم عن الحق.

Page 143: الدعوة إلى الاسلام

إننا نرى من خلل كل ما عرضناه أن أصولهم تنسجم مع بعضها وتتفق على التدخل في تشريع ا، حين تسمح لعقولهم وأهوائهم أن تضع قواعد عقلية غير شرعية، وطريقة تفكير عقلية

. لذلك كان القياس العقليغير شرعية لتوصل إلى ما يريدونه هم أن يكون ل إلى ما يريده الشرع القائم على المصلحة رائدهم في كل بحث. مع أن القياس العقلي هو أهم ما رفضه الشارع للمسلمين

لما فيه من محاددة ل ومشاركة في التشريع، ولما فيه من مجانبة للصواب والحق، ولما فيه من اتباع للميول والهوى. ان بحثهم يقوم على تحكيم الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به، لن الطاغوت هو

التحاكم لغير ما أنزل ا.

وفي نهاية هذا البحث ل بد من التعريج على بيان الفرق بين القياس العقلي والقياس الشرعي.لنبين فساد القياس العقلي وأهمية اللجوء إلى القياس الشرعي لننجو وننجي أمتنا والناس أجمعين

لقد جرى هؤلء المسلمون على طريقة الترجيح العقلي للمصلحة في الحكم الشرعي نفسه، حيث راحوا يوازنون بين المصالح التي يؤمنها الحكم الشرعي، وبين المفاسد التي تترتب عليه

بمنظور عقلي، فإن غلبت عندهم المفاسد ترك الحكم الشرعي الذي هو حكم ا في المسألة إلى حكم . وان غلبت المصالح في الحكم الشرعي عمل به ليس لن ا قدعقلي بديل عنه غلبت فيه المصالح

أمر به، بل لن العقل وافق على اعتباره. وهذا مسلك خطر ل يجوز السكوت عليه. لنه يجعل القوامة للعقل والهوى على الشرع، ولنه يعطي العقل دور الحكم على شرع ا , ولنه يجعل العقل فوق الشرع. وهذا هو التشريع الوضعي بعينه. وهذا ما يفسر خروجهم بآراء تخالف الحكام الشرعية،

وخاصة في موضوعنا هذا. لذلك ل يكمن الخلف في الرأي حول هل تجوز المشاركة في الحكم بغير ما أنزل ا أم ل؟ بل يكمن الخلف في طريقة التفكير التي يتوصلون بواسطتها إلى الحكم غير

الشرعي، إلى الحكم العقلي إلى الحكم بغير ما أنزل ا، إلى حكم الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به.

. ويدل واقعها علىمن هنا قولنا إن هذه الطريقة في الفهم تجافي الفهم الصحيح وتخالفه فسادها، ول تصلح للعتماد عليها أو الخذ بحسبها. ذلك أن تحديد المنافع أو المفاسد بشكل قطعي هو ل رب العالمين. وما يجلب لنا المنافع أو يدفع عنا المفاسد ل يعلمه إلى ا. لن ذلك لو كان للنسان

لعتبر مشرعا. ولوجود الحاجة إلى دين إلهي يدبر للنسان شؤون حياته، اعتبر السلم أنه يجب على المسلم أن يتقيد بشرع ربه. من هنا كان اعتبار ما طلب الشرع فعله فيه مصلحة لنا وما طلب تركه كان لنا مفسدة. ونحن ل نعرف أن هذا الشيء مصلحة أو مفسدة إل بعد أن ينزل شرع فيه.

ولكن قبل ذلك فليس في مقدورنا تحديد ذلك.

والنسان عندما يشرع سيجري على طريقة القياس العقلي الذي يقتضي الجمع بين المور المتشابهة وإعطائها أحكاما متشابهة. ويقتضي كذلك التفريق بين المور المختلفة وإعطائها أحكاما

مختلفة. وعندما ننظر إلى الشريعة السلمية التي شرعها العليم الخبير نراها قد أعطت أحكاما مختلفة لكثير من المور المتشابهة، وأعطت أحكاما متشابهة لكثير من المور المختلفة، وهذا بخلف

القياس العقلي . وأعطت أحكاما ل مجال للعقل فيها. وهذا وحده كاف لنقض هذه الطريقة المبتدعةالتي أحدثها هؤلء.

Page 144: الدعوة إلى الاسلام

ل يتوصل إلى الحلل بالحرام(الغاية ل تبرر الواسطة)

ى أـمارة مـن ذي ل يعتمـد عـل ي اـل ى طريقـة القيـاس العقـل ـلمين عـل لقـد جـرت عقـول بعـض المسن ة شـرعية ورد بهـا ـنص شـرعي معـي ـاره، أي عـل ى اعتب ـدل عـل ـدهمالشـرع ت ي عن ـاس العقـل ل إن القي . ـب

ه ـمن قيـاس حكـم ـه. أو يفهـم ـدل علي ن ي ـاك ـنص معـي ه العـقل ـمن مجـموع الشـرع، دون أن يـكون هن يفهـم على حكم لمجرد التماثل عقل، دون أن يكون هناك باعث على الحكم قد ورد به الشرع. أو يفهمه من

ترجيح عقلي للمصلحة في الحكم الشرعي نفسه وفي سائر الحكام.

فإن ذلك كله ل يجوز ول بوجه من الوجوه، فالشرع عندهم قد دل بمجموعه على حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فكل ما يؤدي بنظرهم إلى حفظ هذه الخمسة فهو مطلوب شرعا وإن

. وذلك للتماثل الموجود بينلم يدل النص الشرعي عليه، وان لم توجد علة شرعية تدل على اعتباره المرين .. وكذلك فإن الشرع قد أجاز للمسلم المضطر أكل ما هو محرم عليه أو شرب الخمر ، فإن

اضطر المسلم للتعامل بالربا فل شيء عليه، للتماثل الموجود بين المرين.

. وهي طريقة يدل واقعها على فسادها. ولهذه الطريقة في الفهم تجافي الفهم الصحيح وتخالفه تصلح للعتماد عليها أو الخذ بها. ذلك أن القياس العقلي هذا يقتضي الجمع بين المتماثلت والتفريق

بين المختلفات، بينما نرى أن الشرع قد فرق بين المتماثلت في كثير من المور وجمع بين المختلفات في كثير من المور، وأعطى أحكاما ل مجال للعقل فيها. وهذا وحده كاف لنقض هذه

الطريقة من أساسها.

:التفريق بين المتماثلت

فبالنسبة للتفريق بين المتماثلت فإن الشرع قد فرق بين الزمنة، المتشابهة عند المسلم ، في . وفرق بين المكنة في الشرف كتفضيل مكة على المدينة ،الشرف، ففضل ليلة القدر على غيرها

والمدينة على غيرهما. وفرق بين الصلوات في القصر، فرخص في قصر الرباعية ولم يرخص في قصر الثلثية ول الثنائية. وفرق بين المني والمذي فجعل المني طاهرا والمذي نجسا، مع أنهما نزل من مكان واحد. وأوجب الغسل من المني وأبطل الصوم بإنزاله عمدا دون المذي مع انهما نزل من

مكان واحد. وأوجب غسل الثوب من بول الصبية النثى والرش من بول الصبي الغلم. وأوجب قضاء الصوم على الحائض دون الصلة. وقطع سارق ثلثة دراهم ولم يقطع غاصب القناطير،

وجعل عدة المطلقة ثلثة قروء وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، مع استواء حال الرحم فيهما ... وهكذا أحكام كثيرة متشابهة ويوجد فيها جامع. فلو ترك للعقل أن يعطي أحكامه في

مثل هذه المسائل لخطأ، ولجاء حكمه مخالفا لما أعطاه الشرع. فجاء الشرع وجعل لكل منهما حكماغير حكم الخر. مما يدل على فساد هذه الطريقة في القياس.

:الجمع بين المختلفات

. مع أنوبالنسبة للجمع بين المختلفات فإن الشرع قد أعطى أحكاما واحدة في مسائل مختلفة القياس العقلي ل يرضى بذلك. فالشرع قد جمع بين الماء والتراب في جواز الطهارة، مع أن الماء

Page 145: الدعوة إلى الاسلام

ينظف والتراب يوسخ. وحرم ربا الفضل في الذهب والحنطة مع اختلف واقعهما. وجعل عقوبة المرتد والزاني المحصن القتل وإن اختلفت كيفيته، مع أن هناك فرقا بين عمل كل منهما. وجعل

المسلم والذمي معصومي الدم بالرغم من اختلف كل واحد منهما باعتبار الدين. وأوجب الجلد ثمانينعلى القاذف بالزنا وشارب الخمر مع اختلف واقع كل منهما …

وهكذا أحكام كثيرة تختلف الوقائع فيها اختلفا بينا ول يوجد أي جامع بينها ومع ذلك فقد جعل . ولو ترك العقل أن يقيس فيها لجاء حكمه مخالفا، ولما استطاع أن يعطي فيهاالشرع لها حكما واحدا

أحكاما متشابهة لختلف الواقع فيها، وذلك مما يدل على فساد هذه الطريقة في القياس.

. فالشرع أحل البيع وحرمبالضافة إلى كل ذلك فقد أثبت الشرع أحكاما ل مجال للعقل فيها الربا مع أن كل منهما بيع وهما متماثلن. وشرط في شهادة الزنا أربعة رجال واكتفى بشهادة القتل

باثنين مع أن القتل أغلظ من الزنا. وشرط في شهادة الرجعة أن يكون الشاهد مسلما بينما أجاز شهادة الكافر في الوصية. وأوجب التعفف أي غض البصر بالنسبة إلى الحرة الشوهاء: شعرها وبشرتها مع

أن الطبع ل يميل إليها ولم يوجبه بالنسبة إلى المة الحسناء التي يميل الطبع إليها. وأوجب المسح لو كانعلى ظاهر الخف دون باطنه مع أن باطنه أولى. وفي هذا يقول سيدنا علي كرم ا وجهه: "

".الدين يؤخذ قياسا ( أي عقليا) لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره

:وهذا ما دفع مثل أبي العلء المعري الشاعر المعروف لن يقول

يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار

أي إن اليد التي أتلفت وديت بخمسمائة دينار فكيف تقطع في سرقة ربع دينار؟ انه يستهجن أنـار ع دين ي سـرقة رـب ل أن يفهـم مـنتقطـع ـف و جعـل للعـق ه ـل ـم الشـرع. وأـن ل حك ه يسـتهجن بحكـم العـق . اـن

مجموع الشرع علة أو يفهم من ظاهر النص علة، أو يفهم من مجرد التماثل بين حكمين وجود القياس بينهما لحرم كثيرا مما أباحه ا، ولحل كثيرا مما حرمه ا. لهذا ل يجوز القياس إل بحسب الطريقةص ي الـن ـاس ـف ـا. ول يق ص به ة ورد الـن ي عـل ـاس الشـرعي إل ـف ـا الشـرع. أي ل يحصـل القي ـتي أقره ال الذي لم يرد فيه علة شرعية ، ول توضع له علة عقلية، ول تقدر له علة شرعية ما لم تذكر أو تعين .ـد دل ـا أن يـكون الـنص ق ة إم ـالوا إن العـل ة اسـتقراء ـمن النصـوص. وق ـاء مسـالك العـل ـد حـدد الفقه لهـذا فق

عليها صراحة وإما دللة وإما استنباطا وإما قياسا. (تراجع كتب الصول في ذلك).

عندما أقر القياس حدد نوعه. فقد روى أحمد والنسائي عن عبد ا بن الزبيروالرسول فقال: إن أبي أدركه السلم وهو شيخ كبير ل يستطيع جاء رجل من خثعم إلى رسول اقال: «

ركوب الرحل، والحج مكتوب عليه. أفأحج عنه؟ قال: أنت أكبر ولده؟ قال : نعم. قال: أرأيت لو كان » فالحج عبادة،فقضيته عنه أكان يجزي ذلك عنه ؟ قال: نعم . قال: فاحجج عنه على أبيك دين

وإقراض المال معاملة وكل منهما يختلف عن الخر. ولكن تسديد فرض الحج يشبه تسديد المال المقرض من حيث أن كل منهما دين. والباعث على جواز حج البن عن أبيه في مثل هذه الحالة كونه

ألحق دين ا بدين الدمي في وجوب القضاء ونفعه. ولول أن الرسول قضاء دين. فالرسول شرع ذلك لما كان لعقولنا أن تقول به.

. وهذا يوجب اتباع العلةوالتعليل للحكام دليل على بيان الشيء الذي من أجله شرع الحكم » بين العلة أيانها ليست بنجس عندما قال عن الهرة «أينما وجدت، وهذا هو القياس. فالرسول

» [رواهانها من الطوافين عليكم والطوافاتالباعث على اعتبارها أنها ليست نجسة بقوله : «

Page 146: الدعوة إلى الاسلام

البخاري والترمذي]. وعلى هذا فإن كل ما كان من الطوافين والطوافات ليس بنجس ما لم يستثن » [رواه البخاري ومسلم]. يعني أنجعل الستئذان من أجل النظر إنما: «بدليل. وقول الرسول

المسلم يجب أن يستأذن قبل الدخول إلى بيت ما. لن للبيت حرمة ويعتبر عورة . فالباعث على ) هو العلة أي الباعث على تشريعلجل النظرتشريع الستئذان حتى ل يسبق النظر إلى محرم. فقوله (

الستئذان. وعليه فإن المسلم الذي يدخل إلى بيته ل يحتاج إلى استئذان. لن العلة انتفت فانتفى الحكم معها. إل إذا كان عنده ضيوف أو ما شاكل ذلك. فمتى عادت العلة عاد الحكم معها. ولهذا يلحق الحكم

العلة وجودا وعدما.

. وينبغي أن يعلم أن هذا القياس إنما هو لذوي العقوللذلك كان القياس من المور الدقيقة جدا التي تفهم النصوص والحكام والحوادث. وليس هو لكل واحد من الناس يقوم به حسب ما يهوى

ووفق ما يشتهي، بل ل بد أن يكون لمن آتاهم ا بصيرة وفهما ، وإل كان وسيلة من وسائل الهدم والبعد عن حقيقة حكم ا، قال المام الشافعي رحمه ا: "ول يكون لحد أن يقيس حتى يكون عالما

بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف ولسان العرب، ويكون صحيح العقل حتى يفرق بين المشتبه، ول يعجل بالقول، ول يمتنع من الستماع ممن خالفه لن له في ذلك تنبها على غفلة ربما كانت فيه، أو تنبيها على خطل ما اعتقد من الصواب" فاستعمال القياس يحتاج إلى فهم دقيق، ول يجوز القياس

لستنباط حكم إل للمجتهد.

. وتبيان انها ل تصلحإننا في كل ما ذكرناه من قبل لم نذكر إل أدلة القائلين بالمشاركة ونقضهاأدلة على الموضوع. والن ما هو رأي السلم القطعي الذي ل يلزم فيه الجتهاد في هذا الموضوع؟

. وإن القول بـ (لإن الشرع بعقيدته قائم على اليمان بال الواحد، وانه يجب إفراده في العبادة إله) تعني نفي اللوهية والعبادة والتشريع لكل ما عدا ا. وإن القول (إل ا) تعني إثباتها ل وحده.

فهو الله الحق المستحق للعبادة والتشريع وحده. وتكون عبادته والخضوع له سبحانه ومعرفة شرعه . وهذا ما يفيده الشطر الثاني من الشهادتين وهو القول بأن (محمد رسول ا)عن طريق الرسول

بالتباع والتأسي في التشريع.ومن هنا يجب إفراد الرسول

. وتقومحتى إن أصول الفقه تقوم على تحديد مصادر الوحي حتى ل يؤخذ التشريع من غيره على ضبط قواعد الستنباط حتى ل يدخل في الشرع ما ليس منه. لهذا كان أول بحث فيه يقوم على

أن الحاكم هو ا سبحانه وتعالى. وأن الحكم ل وحده. وأن ل حكم قبل ورود الشرع ول خارجالشرع.

ثم يأتي الفقه ليشكل الترجمة العملية لعبادة ا وحده، والخضوع له وحده، وعدم قبول التشريع. والتحاكم لشرعه وحده …من سواه

والمشاركة في أنظمة الكفر تعني أن الداعي لها يقبل بوجود تشريع بشري إلى جانب التشريع .اللهي، وبالتالي يقبل بوجود مشرع للحكام غير الشرعية إلى جانب المشرع في الحكام الشرعية

وتعني كذلك القبول بتعدد مصادر التشريع ... فأين وحدانية المعبود التي تقتضي وحدانية العبادةظاهرا وباطنا؟

.إن عدم جواز الشراك بال يقتضي عدم جواز المشاركة في حكمه

.من هناك فإن الشرع بكليته يدل على عدم جواز المشاركة في النظمة الجاهلية

Page 147: الدعوة إلى الاسلام

في الدعوة تدل بما ل يترك مجال لشبهة واحدة على جذرية الطرح والبعدوسيرة الرسول لم يراع فيعن التأثر بالواقع . والعمل على التأثير بالواقع ليحدث التغيير المطلوب . فالرسول

دعوته واقع الشرك في كفار مكة. ولم يأبه لعاداتهم وتقاليدهم، ولم يحسب لقبول الناس إياه أو رفضهم ووضع الدعوة في مكة كانله أي حساب. ولم يداج من بيدهم المور. مع أن وضع الرسول

شديدا. فجهر بـ (ل إله إل ا محمد رسول ا) والتي هي السلم كله بجوهره، والرفض الكلي لكل ما عداه عقيدة وشريعة. وعلى هذا الساس رفضها أبو جهل مع صناديد الكفر في مكة. وعلى هذا

أمام السود والبيض، والحر والعبد، والغني والفقير، والعربيالساس جهر بها الرسول والعجمي، وعابد الوثن والكتابي وواجههم وجابهم بها، وبادأهم بذكر آلهتهم فردوا بالعداوة،

وساوموه وطلبوا منه أن يكف عنهم ويكفوا عنه، وودوا لو يدهن الرسول فيدهنون. فلم يقبل منهم وصبر على مناكدتهم للدعوة وتعذيبهم لصحابه، وصبر معه المؤمنون به. وكان صبر الجميع آية من

آيات صدق الدعوة وصدق اللهجة، حتى أنه رفض شرط بني صعصعة حين جاء يدعوهم لنصرة دينه في أشد أوقات الدعوة وفقدان النصير، فهم قد استعدوا لنصرته شرط أن يكون لهم المر من

بعده. فلم يقبل إنه قد فتحت له ثغرة يستطيع أن يستفيد منها بعد أن سدت أمامه كل المنافذ، بل قال لهم».المر ل يضعه حيث يشاءولنا من بعدهم معلما، مرشدا، داعيا، هاديا: «

وهو يعني بذلك أن المر ل وحده، ل يشاركه فيه أحد، وا وحده هو الذي يضعه حيث يشاء، في دعوته ل يعتمد إل على قوة الفكرة وتوفيق ا. ومضى الرسول وليس لحد من المر شيء

سبحانه. ووصلت الدعوة إلى تحقيق ما هدفت إليه بإقامة دار السلم في المدينة بعد أن فتح ا عقول وقلوب من نصروه وآووه. وكان التوفيق من ا وسيكون لمن يتكل عليه ويستمد العون منه، ويحافظ

على نقاء الفكرة وصفاء الفهم واستقامة الطريق وصحة التصرف.

والن، وفي نهاية موضوع المشاركة في النظمة التي تحكم بغير ما أنزل ا، لنعرض واقع . ثم نعرض اليات والحاديث التي تحرم سلوكالحكم في النظمة الحالية وكيف تتم المشاركة فيها

هذا الطريق وتقطع الطريق على أي تبرير أو تأويل لن اليات قطعية في دللتها.

إن الدستور في أية دولة يجب أن يكون قائما على أساس فكري معين، فقد يكون ديمقراطيا،. بحيث ل يتأتى وجود أي حكم من أحكامه غير منبثق عن عقيدته وأساسه.وقد يكون إسلميا

ففي النظمة الديمقراطية يجب أن تأتي أحكام الدستور منسجمة مع الساس الذي يقول بأن السيادة للشعب، أي إن الشعب هو الذي يسن القوانين عن طريق مجلس يختاره لهذه المهمة، ويسمى

. والسلطة التنفيذية عندما تحكم فإنها تطبق ما شرعته السلطة التشريعية باسم الشعب.مجلس النواب وللحفاظ على تقيد الحكومة بحكم الشعب أعطيت للمجلس النيابي صلحية منح الثقة للحكومة بحيث ل

تصبح شرعية إل بعد أن يمنحها الثقة. وأعطيت صلحية مراقبة أعمال الحكومة واستجوابهاومحاسبتها، وبالتالي حجب الثقة عنها مجتمعة، أو عن وزير ما، إذا ما أخل ولم يتقيد بأحكام الدستور.

.ومن هنا فإن ما يصدر عن الحكومة من أعمال إنما أساسه الديمقراطية وليس السلم والسلم كما بينا في موضوع سابق ل يقبل بأي عمل ما لم يقم على أساس روحي، وهو أساس

اليمان بال تعالى.

والنظمة كما أن لها أساسا واحدا فإن بناءها متكامل، وسياستها التي تريد تنفيذها واحدة، . فسياسة كل وزارة يجب أن تنسجم مع سياسةوتسعى إلى تطبيقها عن طريق جميع الوزارات

الوزارات الخرى. والذي صنع هذه السياسة هو الحكومة مجتمعة. وصوت الوزير المسلم ل يعدو أن

Page 148: الدعوة إلى الاسلام

يكون صوتا واحدا من مجموعة أصوات ترسم مع رئيسها هذه السياسة على ضوء الدستور وما يقوم عليه من أساس، وهذا من حيث القانون. أما من حيث التطبيق فالبون شاسع والفرق كبير. فالوزير

عندما يختار للوزارة فإن سياسة الحكومة تكون مرسومة من قبل رئيس البلد وفريقه. وليس للوزير إل الختيار بين تولي الوزارة على أساس السياسة المرسومة أو الرفض وليس له أن يضع سياسة

وزارته.

ثم إن مسؤولية الوزراء هي مسؤولية تضامنية، وهذا يعني أن الحكومة عندما تريد تنفيذ سياستها المرسومة، واتخاذ القرارات اللزمة فإن هذه القرارات تؤخذ بالكثرية، وهذا يعني أن كل

. وهذا يحمل الوزير المسلموزير يتدخل في شؤون الوزارات الخرى ويبدي رأيه في قراراتها المسؤولية عن كل ما يصدر ويتعلق بوزارته أو بغيرها. وهو في هذه الحالة عليه أن يدافع عن سياسة

الحكومة وقراراتها في الخارج وأمام الناس وإن كان معارضا لها في الداخل. وهنا قد يتصور أن الوزير المسلم سيأخذ واقع المعارض لكل ما يطرح ويخالف السلم، فمثل هذا الكلم يدل على ضحالة تفكير. فالوزير يختلف عن النائب. فمن حيث القانون ل التطبيق، فإن النائب يمثل الذين

انتخبوه، فقد يمثل مسلمين في أنظمة ديمقراطية وقد يمثل يساريين في أنظمة رأسمالية. أما الوزير فإنه ل يؤتى به إلى داخل الحكم ليعارض، وإل لبقي خارجه للمعارضة ففي النظمة الديمقراطية أن

الذي يعارض الحكومة أو الحكم يبقى خارجها ول يحق له الدخول . وإذا دخل بالخطأ أخرج بالصرار. فالحكومة تأتي لتحكم وتنفذ، ولها سياسة تريد تنفيذها، وهي ليست في وارد جمع

المتناقضات. وإن من يناقض سياستها يخرج منها بدعوة من رئيس الوزارة أو الوزراء مجتمعين،وتحجب عنه الثقة من قبل النواب ولو على شخصه منفردا وتبقى الحكومة مستمرة.

وهنا ل بد من ذكر أنه بمجرد قبول الوزير المسلم المشاركة في الحكم فإن هذا يعني قبوله . والمعارضة التي نذكرها هنا ليس المقصود منهاللدستور القائم في البلد والساس الذي يقوم عليه

المعارضة لصل النظام ولكنها معارضة من خلل النظام، وهي معارضة تدل على اختلف فيالفروع مع إقرار الجميع لصلها.

ثم إن كل مرسوم يتخذ ويتعلق بأية وزارة من الوزارات ل يصير نافذا معمول به حتى يحظى : رئيس الدولة ورئيس الوزارة والوزير المختص، ما يعنيبموافقة ثلثة أطراف ويذيل بتوقيعهم وهم

كذلك أن الوزير المسلم غير مطلق اليد في التصرف في شؤون وزارته واستصدار المراسيم العمليةبمفرده.

:ومن هذا يتبين

- أن الحكام التي تحكم بها الحكومة ل تقوم على أساس روحي هو أساس اليمان بال بل علىأساس ديمقراطي يكون التشريع فيه للشعب وليس ل.

- إن الحكومة هي السلطة التنفيذية ، وهي سلطة حكم وتنفيذ لحكام الدستور. والحكومةبرئيسها ووزرائها وزيرا وزيرا ل يحق لها الخروج عن أحكام الدستور وإل اتهموا بخرقه.

- إن كل وزير ، بما فيهم الوزير المسلم، ل يرسم سياسة وزارته ، بل يطبق السياسةالمرسومة من قبل الدولة ككل بما فيها رئيسها.

Page 149: الدعوة إلى الاسلام

- إن كل وزير مسؤول عن كل ما يصدر عن الحكومة من قرارات وأعمال لن القانون نصعلى أن مسؤولية الوزراء جماعية تضامنية.

ومجمل القول فإن المسألة منضبطة عند هذه النظمة بحيث ل يحق لحد أن يغرد خارج سربه.وعلى طريقته

هذا هو الواقع الذي تمثله الحكومات . وتشهد اليات الكثيرة على حرمة اشتراك المسلم فيها.

فل وربك ل- فال سبحانه أوجب أن يكون الحكم ل كأساس تصدر عنه القوانين. قال تعالى: [ ]يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ا ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة منوقال تعالى : [].أمرهم

أطيعوا ا وأطيعوا الرسول وأولي- وا تعالى أوجب أن يكون الحاكم مسلما. قال تعالى: [].المر منكم

وأن احكم بينهم بما- وا تعالى أوجب على الحاكم المسلم أن يحكم بالسلم. قال تعالى: [ ] وحذر سبحانه الحاكم المسلم من الفتنة عن بعض السلم ولو كان حكما واحدا. فقال:أنزل ا...

] وأمر بإشهار السلح في وجه من يحكم بالكفر واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ا إليك...[ إل عن الحاكم الفاجر عندما سئل أفل ننابذهم بالسيف يا رسول ا قال: «الصراح بقول الرسول

» [رواه مسلم].أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من ا برهان

ل تتخذوا بطانة- وحرم سبحانه أن تكون بطانة الحاكم وحاشيته على غير السلم حيث قال: [].من دونكم

- وا تعالى أمر المسلمين أن يتحاكموا إلى السلم وحرم عليهم الحتكام إلى الطاغوت، ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنواوبين أن من يفعل ذلك فإن إيمانه زعم وليس حقيقة، قال تعالى: [

بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد].الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا

يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا- وا سبحانه قد حرم على المسلمين تولي غيرهم قال تعالى: [ يا] وقال تعالى: [قوما غضب ا عليهم قد يئسوا من الخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور

أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى منهم إن ا ل يهدي القوم الظالمين

أن تصيبنا دآئرة فعسى ا أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم].نادمين

. والحق أنهم هم موالون لليهودوهنا قد ترد شبهة أن حكام اليوم ليسوا يهودا ول نصارىوالنصارى، ومن يوالهم يكن ولؤه لمن واله هؤلء الحكام.

والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إل تفعلوه تكن فتنة في الرض وفساد: [وقال تعالى].كبير

Page 150: الدعوة إلى الاسلام

وهنا يجدر التنويه أنه ليس المقصود بعدم موالة اليهود والنصارى هو موالة غيرهم، بل . وان حرمة توليهم تقتضي البراءة منهم فكراالمقصود أنه يحرم موالة كل ما ومن خالف السلم

وسلوكا، وعدم إقرارهم على أي أمر طالما أن أساس ما عندهم قائم على الكفر. قال تعالى على لسان إنا براء منكم ومما تعبدون من دون ا كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداإبراهيم: [

].حتى تؤمنوا

ومن يتول ا ورسوله والذين. قال تعالى: [والولء يجب أن يكون ل ولرسوله والمؤمنين].آمنوا فإن حزب ا هم الغالبون

: إننا إن قبلنا المشاركة في الحكم فل يعني هذا أننا نواليهموهنا أيضا قد ترد شبهة وهي القول بل إننا نظهر الولء على طريقة (نتمسكن حتى نتمكن) ولكن قلوبنا تبقى منكرة لما يفعلون. والحق إن الولء أمر تشترك فيه الجوارح والقلب. ويجب إنكار ما يفعله الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل ا باليد

.واللسان والقلب. وأدنى درجات النكار هو القلب وليس وراء ذلك إيمان كما أخبر المصطفى وعلى من يتخذ موقف أضعف اليمان أن ل يأتي عمله أو قوله موافقا ومؤيدا للحكم بغير السلم.

ومن يفعل ذلك فإنه يعصي ا ويأثم وإن كان قلبه منكرا. ويكفر إن كان قلبه راضيا. أي أن منيشارك في الحكم بغير ما أنزل ا فإن أقل ما يقال فيه انه فاسق وظالم وعاص ل سبحانه وتعالى.

Page 151: الدعوة إلى الاسلام

الصلح الترقيعي والصلح الجذري

في هذا الواقع الليم الذي يعيشه المسلمون، قامت حركات إسلمية تعمل لتغيير هذا الواقع، . وقد وجد عند هذه الحركاتوإيجاد البديل الصالح المتمثل ، بنظر الجميع ، بالدولة السلمية

السلمية طرحان: أحدهما يعتمد الطريقة الصلحية في الدعوة لقامة المجتمع السلمي، وراح يعمل على ترميم ما تهدم، وإصلح ما فسد. بينما يعتمد الطرح الخر طريقة التغيير ويرى أن ل نفع

من الصلح في واقع دب فيه الفساد إلى الصول ، ولم يعد ينفع معه الترقيع أو الترميم .

وقد أدى اختلف طريقة التفكير عند أصحاب هذين الطرحين إلى اختلف نظرتهم للواقع،.والعمل على معالجته، فاختلفت بالتالي مناهج العمل وطريق الدعوة

فما هو الحكم الشرعي في هذا الموضوع؟

لعطاء الحكم الشرعي ل بد لنا من السير بحسب طريقة السلم في التفكير، لنه ل يمكن أن.يتوصل إلى معرفة الحكم الشرعي إل على أساسها

وسيرا على الطريقة الشرعية ل بد لنا من فهم الواقع الذي يجب العمل فيه، ومن ثم استحضار.الدلة الشرعية المتعلقة بهذا الواقع، ثم فهمها فهما تشريعيا

ومعلوم أن السلم، وهو الدين الكامل، فيه ما يدل على كيفية الصلح ، عندما يقتضي الواقع . فما هو المطلوب شرعا الن:إصلحا، وفيه ما يدل على كيفية التغيير، عندما يتطلب الواقع تغييرا

هل هو الصلح؟ أم هو التغيير الجذري؟

. ولكن الذي يحدد نوع الدعوةالحكم في الحالتين هو ل، وهو قائم على الدلة الشرعية(إصلح أم تغيير) هو واقع الشيء الذي يراد تغييره أو إصلحه.

أما التغيير، فسواء أكان تغييرا لنفوس الفراد وحالهم، أو تغييرا للمجتمعات، أو تغييرا لوضاع الشعوب والمم، فإنه يجب أن يبدأ بالساس الذي يعيش عليه النسان أو المجتمعات أو

. ذلك أن الساس تنبثق عنه كل الفكار الفرعية، والمفاهيم التي تحدد سلوك الناس في هذهالوضاع الحياة. وبناء على هذا الساس، وما يرتبط به من أفكار جزئية أو فرعية يسعد النسان أو يشقى،

وتنهض المم أو تنخفض.

والساس الذي يقوم عليه المسلم أو المجتمع السلمي هو العقيدة السلمية، ويجب أن ل.يخرج أي عمل من أعمال المسلم، ول أي عمل من أعمال الدولة السلمية عن العقيدة ومقتضياتها

. لسلمة الساس، أو لتصحيحأما الصلح، وفيه تغيير، ولكنه يتناول الفروع دون الساسالساس وتنقيته مع التسليم بوجوده.

فإذا كان الساس موجودا، ولكنه طرأت عليه بعض الغشاوات، أو أثرت فيه بعض الفكار، . ويكون العمل على إعادة الساسوصار محكوما بهذا التأثير يكون العمل هنا إصلحا وليس تغييرا

إلى نقائه. وبالتالي تقويته ليظهر أثره في الفروع حين التطبيق. فالمسلم المتأثر بالثقافة الغربية مثل يعمل معه على تنقية إيمانه، وإزالة كل ما علق به من شوائب، ليصح توجهه ويسلم سلوكه. والمسلم

Page 152: الدعوة إلى الاسلام

العاصي كذلك فإنه يعمل معه على تقوية منطقة اليمان عنده حتى يوجد لديه الدافع الذي يدفعه للتقوى، والوازع الذي يمنعه ويعصمه من المعصية. وما ينطبق على الفرد المسلم ينطبق على الدولة

السلمية. فمثل: إننا عندما نريد أن ندعو كافرا إلى السلم، فإن دعوتنا له تكون دعوة تغيير. لن أساسه وكل ما يقوم على هذا الساس وينبثق عنه باطل، ويجب إبدال الساس الصحيح به، فل ندعو

وهذا ما يدل عليه واقعكافرا إلى الصلة ونترك أساس الكفر الذي يقوم عليه. هذا ما فعله الرسول المور. وا سبحانه أخبرنا أنه ل يقبل عمل من الكفار مهما كان حسنا. وأنه لن يدخل أحدا من الكفار

وقدمنا إلى ما عملواالجنة عمله ما لم يكن مبنيا على أساس اليمان الذي جاء به السلم. قال تعالى: [ ] كذلك فإن المسلم يحبط عمله كله إذا ارتد وخرج من اليمان. فاليمانمن عمل فجعلناه هباء منثورا

يجب أن يكون الساس لكل العمال.

أما إذا أردنا أن ندعو مسلما فتكون دعوتنا له دعوة إصلح؛ لن الساس عنده صحيح ولكن . فطالما أن الساسيجب إبعاده عن كل ما علق به من شوائب، وجعلت توجهه والتزامه ضعيفين

موجود عنده بالصل، فإنه يحتاج إلى ما ينميه ويقويه، ويخصبه وينقيه. وإذا حصل ذلك وجد عنده التوجه الصحيح واللتزام السليم. فالمسلم إن شرب الخمر، أو زنى، أو سرق، أو تعامل بالربا، أو

تقاعس عن حمل الدعوة السلمية لستئناف الحياة السلمية فإنه يعالج بمعالجة منطقة إيمانه. فيذكر بال الخالق المدبر الذي يجب أن يعبد ويطاع. وإنه يجب أن ل ينظر إلى صغر الذنب بل إلى عظم

الخالق. وان الخالق عندما أمره ونهاه، فإنه لم يأمره وينهه إل بما هو خير له في دنياه وآخرته. ويذكر كذلك بأن جزاء المعصية سيئات تدخل صاحبها النار، وان جزاء الطاعة حسنات يجدها يوم القيامة

وتجعله أهل لنيل رحمة ربه. فيركز معه على ذكر أهوال يوم القيامة وعذاب جهنم ونعيم الجنة. وهكذا، تثار عند منطقة اليمان ليندفع في الطاعة، ويرتدع عن المعصية. ول تستقيم المور عند

المسلم، إل بهذا الشكل. لذلك فإننا اليوم في دعوتنا للمسلمين كأفراد يجب أن نأخذ بعين العتبار أنهممسلمون ويراد تصحيح أفكارهم وإصلح سلوكهم.

أما الدول التي تقوم أنظمتها على دساتير، وتقوم دساتيرها على مصادر، وتقوم مصادرها على . فإنه ينظر: هل تقوم على أساس العقيدة السلمية، وبالتالي هل اتخذت الكتاب والسنة وماأساس

أرشدا إليه كمصادر وحيدة من الوحي، وهي استمدت منها أحكام الدستور بحيث ل يخرج أي حكم منأحكامه عن الوحي. فإن فعلت ذلك ، فإن هذه الدولة تكون في هذه الحال إسلمية.

وإذا حدث أن مثل هذه الدولة قد حدث فيها كثير من الفساد أو سوء التطبيق، فإن مثل هذه .الدولة يجب إصلحها ، وليس تغييرها، كما كان الحال زمن الدولة السلمية أواخر أيام العثمانيين

فإنها كانت تحتاج إلى إصلح، ول يجوز الخروج عليها، والتعاون مع الكفار الغربيين للقضاء عليهاكما فعل من سمي بالشريف حسين.

أما إذا كانت الدول ل تقوم على أساس العقيدة السلمية فعل، والتي هي أساس الدساتير والنظمة والقوانين، فإن المطلوب هو تغييرها وليس إصلحها، كحال الدول التي يعيش فيها

. فإنها دول غير إسلمية لن أنظمتها ل تنبع من الشريعة السلمية (وإن قالوا إن دينالمسلمون اليومالدولة هو السلم ، فالعبرة بالتطبيق ل بالقول، وبالمسمى ل بالسم).

وعليه فإنه لما كانت أنظمة الدول التي تحكم المسلمين اليوم دساتيرها غير قائمة على أساس الكتاب والسنة حصرا، استوجب هذا الواقع قيام عمل تغييري تجاهها يقوم على التغيير الجذري

. وهذا الواقع ل يجوز التعامل معه بناء على الصلح الترقيعي الجزئي بللمرتكزات النظام وقواعده بناء على التغيير النقلبي الجذري والشامل. وإن أي تعامل معه على غير هذا الساس ل يجوز بحال

Page 153: الدعوة إلى الاسلام

لنه اعتراف ضمني به، ولنه مطالبة غير شرعية تجاه هذا الواقع، ولن فيه الحكم بغير ما أنزل ا. من هنا نرى أن الجماعات التي تتوجه إلى النظمة القائمة توجها إصلحيا تتعايش معها، وتعمل

للتغلغل في صفوفها، وتكون طروحاتها جزئية بحسب الواقع الذي تريد إصلحه. لن مآخذها جزئية. وتعمل على إيجاد قنوات اتصال فكرية مشتركة تعتبر منطلق الحوار بينها وبين النظام. لذلك تتلون

طروحاتها بحسب البلد الذي تعمل فيه. وتريد صبغة بالصبغة السلمية ولو بقشرة تبقي على جوهرهغير السلمي ليظهر بمظهر السلم من غير أن تتناول جوهره.

وكذلك نرى أن دعاة التغيير يتمايزون في طروحاتهم تمايزا كامل في كل شيء عن الواقع . وذلك لنهم يربطون أفكارهم بالساس الذي يؤمنون به. ويرفضون الواقعالذي يعملون على تغييره

القائم من حيث الساس. فطالما أن الساس مختلف فكل ما ينبثق عنه مرفوض لرفض أساسه ولوتشابه في بعض جزئياته.

لذلك يعيش أصحاب هذا الطرح وفي ذهنهم الصورة التي يودون نقل الناس إليها، وتذهب وصحابته. فينقضون الواقع الذي يعيشون فيه نقضا يتناول أساسه.الصورة بهم إلى زمن الرسول

وبهذا يكون الطرح واحدا لدى هذه الجماعة في أي بلد لن الوضاع التي وضع الكافر المستعمرالمسلمين بها واحدة ومتشابهة ولن العلج لهذه الوضاع واحد.

لقد عمل الغرب في الفترة الولى من استعماره لنا على إبعاد كون الكتاب والسنة هما المصدر . وذلك حين عمل على فصل الدين السلمي عن واقع حياتنا وتنظيمها،الوحيد لتشريعات حياتنا

ونجح، وكان في نجاحه الوبال علينا. ومن غريب ما نراه اليوم قيام حركات إسلمية تتعامل مع ما أوجده الغرب من كيانات مصطنعة، صنعها على عينه، تعامل الصلح وليس الجتثاث. نعم ان هذا

الواقع ل يصلحه الترقيع ولو كثر. وإن من ل يدرك واقع الشياء ل يدرك حكمها فيفقد صوابية العملوحسن التأسي.

... ثم: « إن من أراد أن يدعو إلى ا في هذه اليام ل يملك أن يبعد عنه حديث الرسول » [رواه المام أحمد]. وان من أرادها أن تكون خلفة راشدة علىخلفة على منهاج النبوة تكون

منهاج النبوة ل يملك إل التأسي بسيرة خير البشر الذي أثمرت جهوده وأخرجت بتوفيق ا خير أمة أخرجت للناس. وإنها لسلسلة واحدة تلك هي سيرة النبياء ومن سار على دربهم. وا نسأل أن نكون

إحدى حلقاتها. فنتأسى بسيرة المصطفى ويتأسى بنا الناس فنجتمع معهم على أشرف عمل وأصدقعبادة.

Page 154: الدعوة إلى الاسلام

النجاشي الذي أسلمهل أقر الرسول !على الحكم بشريعة كفر؟

إن من يحمل السلم صادقا، ويعمل لعادته إلى واقع الحكم والحياة مخلصا، سواء أكان فردا أم كتلة ل يمكن أن يشارك في حكم كفر، وهو يدعي أنه يعمل لهدمه، لن المشاركة في حكم كفر

. وإن أية حجة يؤتى بها لتبريريطبق أنظمة الكفر وقوانينه هو تثبيت لنظمة الكفر، وليس هدما لها المشاركة في الحكم الكافر ما هي إل مخادعة للنفس قبل أن تكون مخادعة ل والذين آمنوا، خاصة

عندما تكون تلك الحجة تتعارض مع الدلة الشرعية القطعية الثبوت ، القطعية الدللة.

وإنه لبلء شديد، وإثم كبير أن يلجأ حامل الدعوة إلى اتخاذ المصلحة التي يرتئيها عقله، والتي . أو أن يلجأ إلىلم يعتبرها الشرع، دليل يبرر به لنفسه مخالفة النص القطعي الثبوت، القطعي الدللة

ما ل يصل إلى شبهة دليل ليتخذ منه مبررا للمشاركة في حكم كفر يحكم بغير ما أنزل ا، مع أن هذه المشاركة في الحكم الكافر تتناقض مع الدلة القطعية الثبوت، القطعية الدللة، التي توجب الحكم بما

أنزل ا، والتي تحرم الحكم بغير ما أنزل ا.

للصحابة يوم موته، وصلى عليه صلةوذلك كاتخاذ قصة النجاشي الذي نعاه الرسول الجنازة، دليل مبررا للمشاركة في حكم كافر يحكم بغير ما أنزل ا، ذهابا إلى أن النجاشي قد أسلم

، وبقي يحكم بالنظام الذي كان يحكم به قبل أن يسلم، مع أنه نظام غير إسلمي،في عهد الرسول وقد ساقوا لذلك ستة أحاديث أوردها البخاري، تتعلق بموته، وبالصلة عليه، ثلثة منها رواها عن

جابر بن عبد ا النصاري، وثلثة منها رواها عن أبي هريرة. مع أن هذه الحاديث الستة ل تنهضأن تكون دليل مبررا للمشاركة في حكم كافر، يحكم بأنظمة الكفر وقوانينه. وبيان ذلك بالتالي.

)باب موت النجاشي – إن البخاري عندما روى هذه الحاديث ترجم لخمسه منها بعنوان (1 ). والحاديث الستة تتعلق بموت النجاشي، وإخبار الرسول باب الجنائزوالسادس أورده في (

الصحابة بموته ، وأنه رجل صالح، وأنه أخوهم، والطلب منهم الستغفار له، والصلة معه عليهصلة الجنازة. مما يدل على أنه كان مسلما.

– علق ابن حجر العسقلني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري على ترجمة2 وقد استشكل كونه – أي البخاري –) وعدم ترجمته بإسلمه بقول: (موت النجاشيالبخاري بعنوان (

لم يترجم بإسلمه – أي النجاشي – وهذا موضعه ، وترجم بموته ذلك أنه لما لم يثبت عنده القصة).الواردة في صفة إسلمه وهو صريح في موته ترجم به ليستفاد من الصلة عليه أنه كان قد أسلم

علم بموت النجاشي صيغة الحاديث التي أوردها البخاري تدل على أن الرسول – 3 وبإسلمه يوم موته من طريق الوحي، كما تدل على أن الصحابة لم يعرفوا بإسلمه وموته إل

حين مات النجاشي: مات قال النبي«بذلك. ففي حديث جابر قال: عندما أخبرهم الرسول قد علم» مما يدل على أن الرسول لهم النجاشي، صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه نعى أن رسول ا» وفي حديث أبي هريرة ورد «رجل صالح ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة اليوم

للصحابة فيما رواه جابربموت النجاشي وبإسلمه يوم موته من طريق الوحي. وإن قول الرسول » ليدل على أنهم لمفقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة» وقوله: «مات اليوم رجل صالحبن عبد ا «

يكونوا يعرفون بإسلمه ، لنهم لو كانوا يعرفون بإسلمه لما كان هناك من داع لن يأتي الرسول " لنه لم يكن يأتي بمثال هذه التعابير عندما كان يدعوهم للصلةأخيكم" "رجل صالحبهذه التعابير "

على من يموت عندهم من الصحابة.

Page 155: الدعوة إلى الاسلام

– هذه الحاديث تدل على أن النجاشي كان قد أسلم قبيل موته، لكنها لم تبين متى كان4 قد علم بموته وبإسلمه يوم أن مات من طريق الوحي،إسلمه، وصيغتها تدل على أن الرسول

أخبر بإسلم النجاشي في غيركما ذكرنا سابقا، ولم يرد أي خبر يذكر صحيح يذكر أن الرسول هذا الموقع.

– إن هذه الحاديث الستة ليس فيها ما يدل على أن النجاشي الذي نعاه الرسول 5 للصحابة، وصلى عليه صلة الجنازة هو النجاشي الذي كان حاكما للحبشة عند هجرة المسلمين إليها،

الكتاب الذي يدعوه فيه إلىكما أنه ليس فيها ما يدل على أنه هو النجاشي الذي أرسل إليه الرسول ) ليست اسم علم لشخص معين، وإنما هي لقب يلقب به كل حاكم يحكمالنجاشيالسلم لن كلمة: (

الحبشة، كما أورد ذلك النووي في الجزء الثاني عشر من كتابه شرح صحيح مسلم، وكما أورده ابنحجر العسقلني في الجزء الثالث من كتابه الصابة.

– ورد في الجزء الثاني عشر من صحيح مسلم شرح النووي أن النجاشي الذي أرسل له6 الكتاب الذي يدعوه فيه إلى السلم في نهاية السنة السادسة من الهجرة بعد عودته من غزوةالنبي

عن أنس أن .. صلة الجنازة ونص الحديث: «الحديبية ليس هو النجاشي الذي صلى عليه النبي كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى ا تعالى. وليس النبي

» ومن هذا الحديث يتبين أن النجاشي الذي صلى عليه النبي بالنجاشي الذي صلى عليه النبي هو غير النجاشي الذي هاجر إليه المسلمون إلى الحبشة ليعيشوا في جواره، وليس هو النجاشي الذي

كتابا في نهاية السنة السادسة يدعوه فيه إلى السلم، وإنما هو النجاشي الذيأرسل له الرسول كتابا مع عمرو بن أمية الضمريجاء إلى الملك بعد موت النجاشي الذي أرسل إليه الرسول

يدعوه فيه إلى السلم، والذي لم يجب دعوة الرسول ولم يسلم، لنه لو أجاب الرسول وأسلم لخبر الصحابة بذلك، ولصلى عليه، ولكان جعفر بن أبي طالب والمهاجرون معه قد علمواالرسول

في السنة السابعة بعد فتح خيبر، أي بعد إرسال الرسولبإسلمه، فإنهم رجعوا إلى الرسول الكتاب للنجاشي، ولو أنه أسلم لكان لسلمه صدى وفرحة لدى المسلمين، خاصة بعد أن فتح ا

ما قد بشرهم بإسلمه، ولكان لم يقتصر بعد قدوم جعفر على قولة: «عليهم خيبر، ولكان الرسول » [سيرة ابن هشام] ولزاد على ذلك: "أم بإسلمأدري بأيهما أنا أسر: بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر

النجاشي "ولكنه لم يأت على ذكر النجاشي في هذا الحديث مع أن المقام يقتضيه فيما لو كان قداستجاب لدعوته وأسلم.

صلة الجنازة هو نفس – إن الذين ذهبوا إلى أن النجاشي الذي صلى عليه الرسول 7 النجاشي الذي هاجر إليه المسلمون ودخلوا في جواره، ونفس النجاشي الذي أرسل إليه الرسول

الكتاب الذي يدعوه فيه إلى السلم في نهاية السنة السادسة من الهجرة قد وهموا فيما ذهبوا إليه. وقد قد أثنى عليه ومدحهجاءهم هذا الوهم من كون النجاشي الذي هاجر إليه المسلمون كان الرسول

»بأنه ملك ل يظلم عنده أحد، وأن أرضه أرض صدقووصفه لمن طلب منهم أن يهاجروا إليه: « [سيرة ابن هشام] ومن كونه أحسن جوار من هاجر إليه من المسلمين ، وأمنهم فعبدوا ا ل يخافون

على ذلك أحدا، ولكونه رفض أن يسلمهم إلى رسولي قريش بعد أن طلبا منه ذلك مخالفا رغبة بطارقته، ومنعهم منهما ، وحماهما، وقال لهما: أنتم آمنون في أرضي من سبكم غرم. ومن كونه علق

إن هذا والذي جاء به عيسى يخرجقائل: " على إجابة جعفر له لما سأله عما جاءهم به الرسول " وعلى إجابة جعفر في اليوم التالي لما سأله عما يقولون في عيسى، وكان أخذمن مشكاة واحدة

" [سيرة ابن هشام] فوهموا من كلوا ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العودعودا من الرض، " ، وكانت من لم يعلن عن أنه أسلم، كما أن أم سلمة زوج النبي ذلك أنه قد أسلم مع أن الرسول

Page 156: الدعوة إلى الاسلام

المهاجرات إلى الحبشة، لم تذكر أنه أسلم عندما تحدثت عنه ، وعما جرى لهم في أرض الحبشة، حيث قالت: " لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار: النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا ا تعالى ل نؤذى، ول نسمع شيئا نكرهه .. وقالت: فوا ل إنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة

ينازعه ملكه، قالت: فوا ل ما علمتنا حزنا حزنا قط كان أشد علينا من حزن حزناه عندئذ، تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي فيأتي رجل ل يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. وقالت:

بعد أن نصر ا النجاشي على عدوه، ومكن له في بلده فوا ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها، قالت ورجع النجاشي وقد أهلك ا عدوه، ومكن له في بلده، واستوسق عليه أمر الحبشة ، فكنا عنده في

وهو في مكة [سيرة ابن هشام] فحديث أم سلمة هذا ل يدلخير منزل حتى قدمنا على رسول ا على أن النجاشي قد أسلم.

هوهذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فكأن من قال بأن النجاشي الذي صلى عليه الرسول نفس النجاشي الذي أرسل إليه المهاجرين، والنجاشي الذي أرسل له الكتاب الذي يدعوه فيه إلى

أنالسلم، فكأنه لم يطلع على حديث أنس بن مالك الذي رواه مسلم في صحيحة والذي ورد فيه : « كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى ا تعالى، وليس النبي

». بالنجاشي الذي صلى عليه

(الوثائق السياسية للعهد النبوي) وهماأما الرسالتان اللتان أوردهما محمد حميد ا في كتابه كتابا يصرح فيه بإسلمه ، واستعداده للمجيء إلى الرسول إذا أمرهأن النجاشي كتب إلى الرسول

في مكة. أمابذلك ، وأنه أرسل إليه بابنه أرها بن الصحم بن أبحر، وكانت هذه الرسالة والرسول مع العائدين من الحبشة من أصحابالرسالة الثانية فقد ورد أن النجاشي أرسلها إلى الرسول

وهو في المدينة.الرسول

. وقد ذكر صاحب (الوثائقفهاتان الرسالتان ل ذكر لي منهما في كتب الحديث الصحاح السياسية في العهد النبوي) أنه أخذ هذه الوثائق من كتب التاريخ للطبري والقلقشندي وابن كثير

وغيرهم، ولم يذكر أنه أخذ أيا منهما من أي كتاب من كتب الحديث. وكتب التاريخ غير موثوقة، لنها ل تعتني بتخريج الحاديث مثل كتب الحديث، وهي تجمع أخبارها كحاطب ليل ل يدري أتقع يعده على عصا أم على أفعى. لذلك ل قيمة لهاتين الرسالتين، فضل عن أنهما تتناقضان مع حديث أنس الذي رواه مسلم، ومع رواية أم سلمة في حديثها عن النجاشي، وعن المهاجرين في الحبشة، وعدم ذكر المهاجرين إلى الحبشة، وآخر من رجع منهم جعفر، أي خبر يفيد أن النجاشي قد أسلم، مع أن

الكتب إلى في السنة السابعة بعد فتح خيبر، وبعد أن أرسل الرسول جعفر رجع إلى الرسول الملوك والمراء. ولذلك ل تصح هاتان الرسالتان، ول يستقيم الستدلل بهما، فتردان. ومن ذلك كله

صلة الجنازة ليس هو النجاشي الذييتضح أن النجاشي الذي أسلم، والذي صلى عليه الرسول كتابا يدعوه فيه إلى السلمهاجر إليه مهاجرو الحبشة، وليس هو النجاشي الذي أرسل له الرسول

في نهاية السنة السادسة من الهجرة وأوائل السنة السابعة مع عمرو بن أمية الضمري، وإنما هو الكتاب الذيالنجاشي الذي وصل إلى ملك الحبشة بعد موت النجاشي الذي أرسل له الرسول

يدعوه فيه إلى السلم.

كان قد أرسلوهذا النجاشي الذي أسلم كان قد تسلم الملك في السنة السابعة، لن الرسول رسله إلى الملوك والمراء ، بمن فيهم النجاشي بعد رجوعه من غزوة الحديبية، وكانت في نهاية سنة

ست من الهجرة في شهر ذي القعدة، فيكون قد مات هذا النجاشي في السنة السابعة، وفيها تسلم صلة الجنازة، والذي كان موته قبل فتح مكة فيالنجاشي الذي اسلم ، والذي صلى عليه الرسول

السنة الثامنة من الهجرة، كما ذكر البيهقي في دلئل النبوة.

Page 157: الدعوة إلى الاسلام

وبذلك تكون الفترة بين توليه الملك وإسلمه، وبين موته فترة قصيرة أسلم فيها سرا، ولم من طريق الوحي بموته وإسلمه، وقد أخبر الرسول يعرف بإسلمه أحد، حتى ول الرسول

يوم موته، كما دلت عليه صيغة أحاديث البخاري الستة التي رواها عن موته. والوقت القصير الذي بذلك لم تجعلهقضاه مسلما قبل أن يموت ل يمكن من أن يعرف أحكام السلم. وعدم معرفة النبي

يرسل له ما يجب عليه أن يقوم به.

وبذلك ل يصلح هذا أن يكون دليل لمن أباح لنفسه أن يشارك في حكم الكفر الذي يحكم بغير.ما أنزل ا، وتبطل دعواه في ذلك

Page 158: الدعوة إلى الاسلام

العتدال والتطرف

إن حرب الغرب على السلم تأخذ وجوها مختلفة، وتدخل مجالت متنوعة، يجمعها القيام . ولم تقتصر الحملة على تشويه صورته، وهدم خلفته،بكل ما من شأنه أن يبعده عن واقع الحياة

والطعن في أحكامه، وتصويره بأنه رسم قد عفا عليه الزمن .. بل تشتمل على كل ما يمكن أن يعيده إلى قيادة العالم من جديد. فالخوف عندهم دائم من السلم، لذلك كان الكيد له ل يفتر لئل يسحب

البساط من تحت رجليهم إذا عادت للمسلمين كرتهم.

فالغرب ينظر إلى المسلمين على أنهم أمة حية بإسلمها وأن دينهم دين عالمي، يصلح للبشر . وإن مواقع دولهم المتفرقة ستصبح موقع دولةويصلحهم، وأن نفوسهم تتطلع بشكل دائم إلى الوحدة

استراتيجية واحدة تمسك بخواصر القارات وتطل عليها. وإنهم يقبعون على ثروات ضخمة تفيض عن حاجة دولة كبرى لتجعلها دولة أولى. وإن عددهم يقارب ثلث سكان العالم .. وإن همهم، إن أظهرهم

ا ليس القتل ونهب خيرات البلد التي يفتحونها بل فتح القلوب، وإخراج الناس، كل الناس، من عماية الكفر إلى هداية السلم، وفي قناعة الواحد منهم أن إدخال رجل واحد في السلم أحب إليه

من الدنيا وما فيها.

لذلك يشهد السلم كثيرا من الكيد على أحكامه وعلى العاملين المخلصين له لبعاد تأثيره في. وهذا الكيد يتناسب مع حجم الخطر الذي يشعرون به.أهله، وفي غير أهله

. ولكن إرادة اولول أن السلم هو دين ا الحق، لنمحى، واندرس، وصار أثرا بعد عين ماضية، ومشيئته غالبة. فقد بقي المسلمون على ولئهم لدينهم في أشد أيامهم انحطاطا، إل أن الغرب

نجح في جعل مقاييسهم خاطئة، ومفاهيمهم مغلوطة، وعقليتهم فاسدة .. ذلك أنه رأى في حروبه الصليبية الولى أن السلم متمكن في نفوس المسلمين، وأنه أقوى بكثير من أية محاولة لنتزاعه،

لذلك غير خططه في حربه الصليبية الثانية، التي ما زلنا نعاني من ويلتها، وجعلها تقوم على إبعاد المسلمين عن دينهم، وعلى نشر مفاهيمه وقناعاته ومقاييسه الفكرية ليضمن سيطرته المادية، فأوجد التبعية الفكرية له أول، ثم اتبعها بسيطرته المادية. ثم غرس حكاما وأحاطهم بوسط سياسي وفكري

فاسد. ثم راح يربط الدول فيه عن طريق جعل سياسة دول العالم تسير باتجاه واحد لتحقيق مصالحه، وعن طريق جعل العالم كأنه شركة مساهمة يكون فيها هو الممول والمنتج، وتشكل فيه الدول الخرى

الطبقة العاملة والمستهلكة. وأحاط العالم بشبكات إعلمية ضخمه جعل فيها شبكات الدول الخرى العلمية تابعة له، ويريد بذلك أن ل نقرأ إل ما كتبه، ول نسمع إل ما يذيعه، ول نشاهد إل ما يبثه،

ول نتحدث ونفهم المور إل على ضوء ما يريد. إنه استعمار جديد، متطور، أشد وأدهى من الستعمار القديم. فالستعمار القديم كان يحتل النسان من الخارج بينما الجديد يحتل نصفه الداخلي

ونصفه الخارجي، ليجعل التبعية مطلقة له، ول يهددها شيء.

. ومن يشذ عن نظرته تلك فإنه يجندحتى ديننا، فإن الغرب يريد أن يفهمنا إياه على طريقته وسائل إعلمه هذه ضده. فتصوره بصورة الشاذ الذي يريد أن يخرق العراف، ويخرج عن

المعهود، ويشق الجماع، وينعته بنعوت التطرف والرهاب، والصولية والتشدد، ويصفه بأنه عدو للنسانية وظلمي ل يألف العيش إل في الظلم، وعدائي يثير في طرحه العداوات والحزازات. وبعد أن يشوه الصورة ويقلب الحقيقة، تقوم النظمة بضربه، على اعتبار أنه يستحق الضرب. معتمدين في كل هذا على غفلة الناس عن إدراك الحقائق، ومستعينين بعلماء يباركون كل أعمال الغرب .. ولكن ما

نشاهده اليوم من صحوة بدأت تدب في جسم المة جعلت المهمة عليهم صعبة، وجعلت المة تنظر إلى الغرب والحكام والعلماء نظرة واحدة. فصارت تنظر إلى الغرب على أنه شيطان وأن الحكام هم

Page 159: الدعوة إلى الاسلام

مريدوه، وأن هؤلء العلماء لم يتسنموا مراكزهم إل بمقدار ما أهدروا من كرامة الدين على عتبات الحكام، وأنهم علماء لحالة النحطاط، وأنهم سينتهون بانتهائها، وأن لعصر النهضة السلمية

الصحيحة علماءها الشعث الغبر، التقياء ، الصادقين.

إننا اليوم في مرحلة يعيش فيها الغرب والحكام خوفا فعليا من عودة السلم، لذلك نراهم يتحسسون من كل طرح إسلمي يشكل خطرا عليهم، ويعملون على محاصرته ورمية بشتى التهم،

. لذلك وصفوا كل حركةواستخدام أبواق العلم والدعاية ضده، وتسخير أفواه العلماء لمهاجمته إسلمية تطالب بالسلم وحده بأنها متطرفة، وإرهابية، وقام علماء مسلمون، وكتاب قوميون ووطنيون بتأليف المؤلفات وإلقاء المحاضرات عن نبذ التطرف والدعوة إلى العتدال. وكلهم

ينطلقون من منطلق واحد في النظرة إلى هذا الموضوع وهي نظرة الغرب فحسب. ولول أن هناك علماء مسلمين يشاركون في هذه المعمعة ويحاولون أن يضفوا على طرح الغرب هذا شرعية، ووجها

مقبول لما كلفنا أنفسنا عناء الرد. لن الخرين ليس لهم وزن عند المة، شأنهم شأن الحكام، بل قد يؤدي هجومهم إلى رد فعل معاكس لما يريدون. حتى إن هؤلء العلماء أنفسهم بدأوا ينعزلون عن

المة، وبدأت المة تدير لهم ظهرها من كثرة تبريراتهم التي ل تحمل وجه حق، وفتاويهم التي تخرج عن الصول الشرعية المنضبطة، والتي جاءت في آخر مراحلها ل لتخالف فهما إسلميا فحسب بل

لتعطل نصوصا شرعية اتفقت المة على ثبوتها والعمل بها. وقد وصل المر ببعض هذه الفتاوى أنها راحت تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، والعياذ بال. وكل هذه الحمية التي يظهرها العلماء عند

طرح أفكارهم الغريبة عن السلم، الدخيلة عليه، هي ليس لرضاء ا بل لرضاء الحكام وأسيادهم، وإنهم وإن أظهروا الحرص على المسلمين ومصلحة الدعوة السلمية في طروحاتهم هذه فان المة

صارت تدرك خطل تلك الفكار، واعوجاج أصحابها.

(التطرف والعتدال)والن، وبعد هذه المقدمة، التي ل بد منها لدراك حقيقة طرح موضوع ل بد من طرحه من منظور إسلمي ليعلم المسلمون الحق من غير لبس، لنه ل تكفي المشاعر

وحدها في تحديد الموقف. وإننا كعادتنا سنجري في معالجة هذا الموضوع بحسب الصول الشرعية،ليكون منسجما مع أساس السلم، وهو العقيدة السلمية.

. فعالج علقته بنفسه عن طريق الخلق والمطعوماتجاء السلم ليعالج النسان ككل والملبوسات، وعالج علقته بغيره من الناس عن طريق المعاملت والعقوبات، وعالج علقته بخالقه

عن طريق العقائد والعبادات. لذلك كان السلم شامل بمعالجاته لكل أعمال النسان. فهو فكر كلييمكنه الجابة عن كل ما يتعلق بشؤون الحياة.

.ثم إن بناء السلم بناء متكامل يقوم على أساس تنبثق عنه كل معالجة ويبنى عليه كل فكر لذلك كانت مفاهيم السلم وقناعاته ومقاييسه كلها من جنس فكرة الساسي. وتفصيل ذلك أن السلم

يقوم على أساس إيمان المسلم بأن ا هو الخالق المدبر، وأن النسان ضعيف وعاجز ومحتاج وناقص ومحدود، وأنه يعجز عن المعالجة. لذلك أرسل رسوله ليعلم الناس من هو ا المعبود، وكيف تكون عبادته، وماذا يترتب على العبادة أو عدم العبادة من ثواب أو عقاب في الحياة الخرة. فنشأ عند المسلم من هذا مقياس لكل أعماله هو مقياس الحلل والحرام. وصار عقله يعمل ل ليكون حكما على

النصوص التشريعية، ول ليشرع مع النصوص، بل يعمل فقط على فهم ما تدل عليه النصوص. فالنصوص التي تعالج هي من ا، والنسان مهمته أن يفهم هذه النصوص ليلتزم بها، وهو قد يخطئ

فهم ما يريده ا أو يصيب، وهو في الحالين مأجور شرط أن يكون خاضعا لطريقة الجتهاد الشرعية. ومن هنا جاء اهتمام المسلمين البالغ بإثبات النصوص، والذي نتج عنه علم الحديث،

واهتمامهم البالغ بفهم النصوص والذي نشأ عنه علم أصول الفقه، والذي من قواعده (أن ا هو

Page 160: الدعوة إلى الاسلام

الحاكم)، (الصل في الفعال والشياء التقيد بالدليل الشرعي)، (أن الخير هو ما أرضى ا، وأن الشر هو ما أسخطه)، ( أن الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع). وكذلك نرى أن المسلم

يؤمن بأن سعادته يحصل عليها بنوال رضوان ا. وأن اطمئنانه واستقراره يقومان على إشباع حاجاته وغرائزه بناء على إيمانه بال وتقيده بشرعه. وهكذا نرى أن بناء السلم كامل متكامل أفكاره

كلها متجانسة، وتقوم على أساس واحد. فما أقره هذا الساس أخذ وإل ترك.

وما ينطبق على السلم كمبدأ، ينطبق على الفكر الرأسمالي لنه كذلك فكر مبدئي، وبناؤه . وتشكل فكرة فصل الدين عن الحياةالفكري متجانس مع بعضه، وهو إما أن يؤخذ كله أو يترك كله

الساس الذي انبثقت عنه كل معالجاته، وبنيت عليه كل أفكاره. وفكرة (فصل الدين عن الحياة) التي قامت على الحل الوسط أدت إلى اعتبار أن النسان سيد نفسه، وحتى يكون سيد نفسه ل بد أن تبعد عنه كل وصاية ، ول يكون ذلك إل بأن يمارس حرياته الربع بنفسه، فنشأت عنده فكرة الحريات.

وهي لها عنده مفهوم معين. وأن يكون سيد نفسه فمعناه أن يسعى لتأمين حاجاته الصلية بحسب نظرته هو من غير أن تحكمه أية نظرة خارجية من دين أو غيره، فنشأت عنده فكرة الديمقراطية. ويعتبر الذي يعتنق فكرة (فصل الدين عن الحياة) أن سعادته يحصل عليها بحصوله على أكبر قدر

ممكن من اللذة. وصار ما يدركه عقله (لن عقله هو المشرع) أنه مصلحة، هو مقصود أعماله.

وعندما يكون الفكر منسجما فإنه ل يقبل الختلط، والختلط بالمعنى الشرعي يعني الشرك،.سواء أكان شركا كفريا، أو شرك معصية

فكما أن السلم ل يقبل الديمقراطية لن الديمقراطية هي حكم الشعب، بينما الحكم في السلم للشرع، كذلك فإن الفكر الرأسمالي ل يقبل أن يصل السلم إلى الحكم، لن في وصول السلم إلى

. ولهذا فإننا نرى أن الغرب يكافح الطروحاتالحكم إلغاء للديمقراطية ولكل المفاهيم الناتجة عنها السلمية الجذرية ويحارب الحركات السلمية العاملة للوصول إلى الحكم. ويرى أنها تشكل خطرا

عليه وتقضي عليه من الساس. ومن هذا المنطلق فإنه يحاربها ويعاديها ويرى فيها أنها خصمه اللدود. وينعتها بمختلف النعوت. فينعتها بالصولية لنها تنطلق من أصول ل تقر بوجوده، والمتطرفة

لنها ل تقبل التعامل معه لعدم وجود أمور مشتركة بينهما، وبالمتشددة لنها ل تحابي طرحه ول تحترم وجوده. ولو أمعنا النظر لرأينا أن ما يصف به غيره هو غارق فيه حتى أذنيه. ويمكن وصفه

بما وصف به غيره، فهو من منطلقه يعتبر أنه أصولي لنه ينطلق من أصل يؤمن به ول يقبل بأصل غيره ينافسه. مع أن فكرته التي تقول بالديمقراطية تسمح للخرين بالوصول طالما أن الناس هم الذين

يختارون. ويعتبر كذلك متطرفا وإرهابيا ومتشددا لنه ل يحترم وجود السلم السياسي ول يقبل التعامل معه ول يمكنه اللتقاء معه على أمور مشتركة. ولكم خالف مبدأه وأوقع نفسه فيما يصف به الخرين. فأية ديمقراطية هذه التي تلغي النتخابات وهي الطريقة التي تعبر بنظره عن إرادة الشعب

لتفرض بدلها ديكتاتورية الحكام.

من هنا، فإننا إذا أردنا أن نحكم على فكرة أنها صحيحة أو خاطئة فما علينا إل أن نردها إلى أصلها، ونحاكمها ثم نحكم عليها من خلل هذا الصل، ول يمكننا أن نحاكم أية فكرة جزئية من خلل

. فل يمكننا أن نقول إن السعادة في السلم مثل يجب أن تكون قائمة على تحصيل اللذة،أصل غيرها ول نستطيع القول كذلك إن المسلم يؤمن بالحريات التي يؤمن بها الغرب، لن السلم ل يقر ذلك ول

يقبل به، ومن رضي بالسلم كأساس عليه أن يرضى بما ينبثق عنه، وأن يأخذ السلم كله، لن أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكمترك بعضه مثل تركه كله [

].إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب

Page 161: الدعوة إلى الاسلام

ومن هذا المنطلق نرفض أن يأتي الكلم من دول الغرب بأن السلم دين العتدال وأنه ينبذ.التطرف، فهو كلم حق يراد به باطل، لنه ينطلق من أساسه الفاسد

فالتطرف أو الغلو أو السراف أو الفراط ، لها معنى شرعي إذا خالفه المسلم يقع في الحرام وكذلك فإن العتدال أو القتصاد أو الستقامة أو الوسطية لها معناها الشرعي الذي يجب على المسلم

. والمر نفسه في التفريط والتساهل. فإننا إذا أردنا أن نعرف حكم الشرع بها فإنه ل يمكننا أنالتزامه ننطلق من المفاهيم والمقاييس التي يؤمن بها الرأسمالي للحكم عليها، فهذا حرام ، وهذا فيه خدمة

للغرب وفكره، وفيه تحاكم لغير السلم للحكم على السلم ومفاهيمه.

هناك كثير من الحكام الشرعية التي يجب على المسلم القيام بها ويأثم بتركها ويعتبرها الغرب . وذلك كالجهاد في سبيل ا، والعمل لقامة الخلفة، والمر بالمعروفبأنها تطرف وتشدد وإرهاب

والنهي عن المنكر الذي يشمل فيما يشمل الحكام ومقاومة الكفر ونشر الدعوة، ونبذ الديمقراطية، وحرمة التعامل بالربا ، ولباس المرأة للحجاب، وغيره الكثير من الفروض التي يجب على المسلم

اللتزام بها .. فهل يجوز لنا أن نحاكمها من خلل فكر الغرب الفاسد النتن الذي لم يحمل الخيرلتباعه فكيف يحمله لغيرهم. وهل يجوز للمسلمين أن يقولوا بقوله؟

. ويجب أن نرفضوعلى هذا فإننا يجب أن نرفض طرح الغرب لفكرة التطرف والعتدال تدخله في أمور ديننا. لذلك فإن البحث هذا لم ينطلق من منطلق شرعي ابتداء بل من موقف سياسي

يعمل على تكريس توجه عند المة يناسب الغرب ، إنه بحث يتعلق باستمرار استعمار العقول.

والن لننتقل إلى معرفة رأي السلم بهذا الموضوع من منطلق شرعي يخدم الدعوة ويقرب.من ا

. والمغالة في التدين هي التشدد والتصلب في مجاوزةالمغالة أو الغلو هو الزيادة والمبالغة الحد المطلوب والمقدر شرعا. ويسمى كذلك الفراط. ويقابله التفريط من فرط في المر فرطا أي

قصر به وضيعه وقدم العجز فيه. والتفريط في الدين هو التقصير في أحكامه وتضييع حقوقه،وإظهار العجز عن القيام بواجباته ومن هنا نشأت مقولة أن (ل إفراط ول تفريط في السلم).

. والمعتدل في الدين هو الذي يستقيمأما القتصاد فهو التوسط والعتدال والرشد والستقامة منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساءعلى أمر ا ول ينحرف نحو الفراط ول التفريط. قال تعالى: [

] وتفسيرها أنها أمة معتدلة على أمر ربها أي تلتزم الحد الوسط الذي أمر ا به. قالما يعملون".قصد في المر قصدا أي توسط ، وطلب السد، ولم يجاوز الحدالفيومي في المصباح المنير: "

والناظر في هذه التعاريف يفهم منها أن المطلوب من المسلم أن يكون ملتزما حدود ا فل »قل آمنت بال ثم استقم: «يتجاوزها، وأن يكون معتدل أي مستقيما على أمره. قال رسول ا

[رواه مسلم وغيره] أي التزم بما أمرك ا وأنته عما نهاك. فاستقم هنا بمعنى اتق، ومن ثم يأتي قوله ] فال هو المر، والمسلم هو المطيع المؤتمر، والمسلمواستقم كما أمرت...تعالى ليوضح المعنى: [

ل يستطيع أن يعرف سبيل التقوى، وطريق الستقامة من عند نفسه. وهو إن اتبع نفسه يكن قد اتبع هواه. ومن اتبع هواه فقد انحرف. لذلك ل تكون الستقامة إل باتباع ما أمر ا به حصرا، وعدم

مجاوزته سواء كان عن طريق الزيادة أم النقصان. ولفهم ذلك ل بد من الرجوع إلى الساس كعادتنا.

Page 162: الدعوة إلى الاسلام

فالمسلم يؤمن بال، ويؤمن أن ما جاء به السلم من معالجات توافق فطرته التي فطره ا . ويؤمن في الوقت ذاتهعليها، لنها من لدن الخالق الذي خلقها وقدر خاصياتها، وخلق ما يصلح لها

أن ما عليه الديان والمبادئ الخرى من معالجات هي ناقصة، وخاطئة ومنحرفة وتشقي ول تسعد. وذلك إما لنها من صنع النسان العاجز، المحتاج، الضعيف، العجول، المحدود، الذي يعجز عقله عن الحاطة بواقعه كإنسان، وبالتالي يعجز عن المعالجة. وإما لنها كانت إلهية من حيث الصل، ولكنها

جاءت خاصة بأقوام ولم تكن عامة. بالضافة إلى أن يد النسان قد امتدت إليها بالتحريف والتغيير.

لذلك امتاز السلم عن غيره من المبادئ والديان أنه دين إلهي تناول أعمال النسان جميعها ومن- فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى وعالجه معالجة تؤمن له سعادة الدارين. قال تعالى: [

قال رب لم حشرتني أعمى وقد-أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ] فالذي ل يسير على هدى من ا في قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى-كنت بصيرا

هذه الدنيا هو أعمى منحرف عن الصواب، حائد عن الحق.

.كذلك فقد حفظ ا لنا هذا الدين من الضياع ومنع أن تمتد يد التغيير والتحريف إلى نصوصه ] ولكنه سبحانه لم يمنع أن ينحرف فهم الناس. فإبقاءإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظونقال تعالى: [

النصوص وحفظها إبقاء للحجة من ا على الناس، أما الناس فيمكن أن يضلوا ويحرفوا، ويؤلوا النصوص بما ل تحتمله ، ويزيدوا ، وينقصوا .. ولكن في الفهم ل في نصوص القرآن. لذلك يجب

على المسلم أن يكون حسن اليمان ، قويم اللتزام، مستقيما على أمر ا العليم الخبير ، وأن ل يحيدعنه قيد أنملة.

وهذا السلم يقرر ، والمسلم يؤمن بما يقرره، إن النسان، مطلق إنسان، ل يستطيع أن يشرع . فالنسان في عملية التشريع ل بد له منمهما أوتي من سعة العقل، وعمق التجربة، وقوة اليمان

الخضوع للنصوص حتى ولو كان أبا بكر الصديق. ولعل هذا ما عناه بقوله في خطبته الولى بعدما أطيعوني ما أطعت ا فيكم فإن عصيت فل طاعة لي عليكم ... إنما أنا متبعتسلم مقاليد الخلفة: "

».اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم. «". متمثل قول الرسول وليست بمبتدع

وهذا المر نجده عند المسلم، ول نجد له مثيل في أفكار الخرين التي تحاول أن تعالج مشاكل.النسان لنه يختلف معها اختلفا جذريا

.ومن هنا كان على المسلمين أن يلتزموا ول ينهزموا، وأن يتبعوا ول يبتدعوا

إلىوإذا نظرنا إلى حال المسلمين تجاه هذا الدين، من بداية نزوله على الرسول الكريم يومنا هذا نجد أن محبة الدين عند بعض المسلمين كانت تطغى على كل شيء. وكان البعض يرى في

نفسه أنه يستطيع أن يعبد ا بشكل أقوى. وقد يستقل عبادة الخرين الصحيحة المنضبطة، لما يرى في نفسه من مقدرة على القيام بأكثر مما هو مطلوب شرعا، فيذهب مع نفسه إلى المبالغة في العبادة من حيث الكم، وقد يخترع طريقة جديدة لم يأت بها دليل، انقيادا وراء ما تطلبه نفسه. وقد يشتط به

المر كأن يريد أن يحمل الخرين معه على هذا المر. ومن لم يستجب له ينعته بالتقصير، ونراه في كل ما يقوم به أو يقوله يعتمد على الدلة الشرعية. مع تشدد في الفهم، وتصلب في الرأي. فهذا حرام،

وإن صدر عن نفس محبة ل ولدينه، لنه تغيير في الدين، ومجاوزة للحد الذي قدره الشارع الحكيم. فال هو الذي خلقنا ونحن ل نحيط به علما، ول نعلم حقيقة ذاته، ول نعلم ما يتوجب علينا من عبادة، بل هو المحيط بكل شيء. وبما أننا نبتغي رضاه فإنه ل يرضيه إل أن نستقيم على أمره. يقول تعالى

] وقد ذكر البخاريأل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبيرلفتا النظر إلى علمه في هذا الموضوع: [

Page 163: الدعوة إلى الاسلام

فحمد ا ثم شيئا ترخص فيه، وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي عن عائشة: صنع رسول ا ». ومنما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوا ل إني أعلمهم بال وأشدهم له خشيةقال: «

هنا جاء التحذير من المبالغة وأمر بالدخول فيه والعب منه برفق. وقد ذكر البخاري عن الرسول إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إل غلبه، فسددوا وقاربوا، وبشروا، واستعينواأنه قال: «

وقاربوا واغدوا وروحوا، وشيء من» وفي رواية: «بالغدوة واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة».الدلجة، القصد القصد تبلغوا

وعن حسن النية التي تشكل باعثا على التشدد والغلو يذكر البخاري ومسلم عن أنس رضي ا فكأنهم تقالوها. فقالوا: وأين نحن من النبي عنه عن الرهط الذين أخبروا عن عبادة الرسول

وقد غفر ا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وتعاهدوا على قيام الليل وصيام النهار واعتزال النساء. أنتم القوم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما اني أخشاكم ل وأتقاكم له ، ولكني أصوم: «فقال لهم الرسول

».فمن رغب عن سنتي فليس مني» وختم الحديث بقوله: «وافطر، وأصلي وارقد، وأتزوج النساء

ومما يدل على أن ا ل يقبل من العمال إل ما شرعه، وأنه ل يعتبر قربة من ا تعالى ما فقال: يا رسول ا. فقد ذكر أبو داود في سننه عن رجل سأل رسول ا يضيفه النسان ويخترعه

» وذكرمرها فلتركب، إن ا لغني عن مشيها أنه قال لمن أخبره أن أمة نذرت أن تحج ماشية « » وذكر المام أحمد عن رسول اما صام ول أفطر: «كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال الرسول البخاري عن أبن عباس قال: بينما النبي يخطب، إذا هم برجل قائم. فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل،

مروه فليتكلم. وليستظل: «نذر أن يقوم ول يقعد، ول يستظل ول يتكلم. ويصوم، فقال النبي ».وليقعد وليتم صومه

. قوله عليه الصلة والسلم فيما رواه مسلم:ومما يدل على أن سبيل المغالة يؤدي إلى الهلك يا أيها الناس ،» قالها ثلثا. وفيما رواه أحمد والنسائي وابن ماجة واللفظ له: «هلك المتنطعون«

».إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين

. فهو يؤمن بالدين من حيث الصل ولكنهوما يقال في من يتشدد كذلك يقال في من يتساهل يهمل الواجبات ويعتمد على الماني. ويرتكب الموبقات ويعد نفسه بالتوبة قبل الموت، وكأنه قد علم

غيب أجله. وهذا حرام بل يجب على المسلم أن يأخذ السلم كامل وعاجل ول يرضى إل حسنالطاعة. وهذا يعتبر خروجا عن منهج ا القويم.

والغلو والتفريط، كما يحذر ا ورسوله منهما المسلمين كأفراد، كذلك يحذرهم منهما . وإننا اليوم نرى كثيرا من المسلمين من حملة الدعوة ومن علمائها وانطلقاكجماعات ودول وعلماء

من محبة السلم، نراهم يريدون أن يعطوا صورة عن سماحة الدين ويسره وبعده عن الحرج ويتهاونونفيذهبون بعيدا في ذلك. ويشتطون، ويخرجون عن الخط المستقيم الذي خطه الرسول

في كثير من أحكامه ويخرجون بآراء ل تمت إلى نصوص السلم بصلة. كل ذلك من أجل إعطاء الغرب صورة عن السلم بأنه يوافق العصر ويجري مع الواقع. حتى ذهب المر بهم إلى تعطيل النصوص الشرعية المتفق على العمل بها عند المة. ناهيك عن تأويل بعضه الخر. صار المرتد

» [رواه البخاري وأحمد] بحجة أنمن بدل دينه فأقتلوه: «عندهم ل يقتل بالرغم من قول الرسول يختلفان عن ظروفنا وواقعنا، وذلك لينسجم هذا الطرح معالظرف والواقع الذي قال فيه الرسول

طرح الغرب فيما يقوله من حرية العقيدة. وصارت المرأة بنظرهم يجوز لها أن تتقلد منصب المامة » [رواه البخاري وأحمد والترمذيلن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة: «بالرغم من حديث الرسول

والنسائي] بحجة ان هذا الحديث قيل في مناسبة خاصة ول يصح تعميمها، وذلك من أجل أن يعطوا

Page 164: الدعوة إلى الاسلام

الغرب صورة عن السلم أنه يحترم المرأة بحسب مفهومهم ... بالضافة إلى إباحة التعامل بالربابحجة أنه من العلقات الدولية الملحة التي ل يستغنى عنها.

. وهذا العجزكل هذا يؤدي إلى تضييع حقوق السلم وإظهار عجزه عن القيام بشؤون الحياة الذي يظهرونه هو في الحقيقة عجزهم وليس عجز السلم. ويقف وراء التفريط هذا ما يقف وراء الفراط: جهل بالدين وجهل بالنسان. لذلك يهلك في الدين هذان الصنفان من الناس (صنف غال،

وصنف قال) ويتحكم بهما الهوى. فالول يريد أن يرضي ما في نفسه من جموح، والثاني يذهب معنفسه في إرضاء الناس بعيدا عن إرضاء ا.

وإننا تجاه هذين الطرحين، علينا أن نلتزم أمر ا فل نغالي ول نفرط، ومن هذا المنطلق نفهم ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا: [قوله تعالى

معها. وإنها بذلك تصبح خيرأي أن ا جعل هذه المة شاهدة عدل على الناس كما كان الرسول المم وأشرفها. ومنزلتها بين الناس كمنزلة القمة من الجبل حيث تحتل أعله وأوسطه. ول نفسرها

كما يفسرها الغرب انطلقا من مفاهيمه القائمة على الحل الوسط. لن هذا حرام كما بينا . فالعقيدة ل يمكن أن تقوم على الحل الوسط. فهذا الحل هو الكفر بعينه. فالمسالة هي إما كفر وإما إيمان، إما نور

وإما ظلم، إما هداية وإما ضلل. وفي موضوع الحكم الشرعي فإنه سبق وتقرر أنه ل مشرع ولحاكم إل ا، وأنه ل معقب لحكمه، وأنه أحكم الحاكمين.

هذا هو مفهوم الغرب لموضوع التطرف والعتدال، وهذا هو المفهوم السلمي، فهل يلتقيان؟ الغرب يريد من وراء طرحه أن يقضي على ما يشكل خطرا على وجوده واستعماره. فهل نعينه

فلذلك فادعونحكمه من رقاب المسلمين، فإن في إعانته إعانة له على المسلمين العاملين. قال تعالى: [ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ول تطغوا إنه] وقال تعالى: [واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم

ول تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون ا من أولياء ثم ل-بما تعملون بصير ].تنصرون

وإن نفوسنا لتحمل الخير لهذا الدين، وتتطلع بشوق إلى إظهاره، وبعون ا وتوفيقه تفتح العقول والقلوب على نصرة هذا الدين. وإن الخير الذي أحببناه لنفسنا أحببناه لغيرنا، ونسأل ا أن

تقع نصيحتنا هذه كموقع الغيث الذي يحيى به ا النفوس. وعلى ا قصد السبيل.